متأخرة عن إيقاف الاجتهاد بمئات السنين وهي من المسائل التي نرجح أن تكون حافزاً لإخواننا من علماء السنة بفتح باب الاجتهاد وفتح باب المذهبية الفقهية من جديد أمام دراسات تحاول أن تستكشف حكم الله في المواضيع المستجدة كما يفعل علماء الشيعة من تكوين مناهج ومذاهب متجددة في الفقه بلا غضاضة .
نسأل الله التوفيق لرضاه وإحراز حكمه الشرعي.
وهنا نأتي إلى بيان جوانب في الصياغة للفتوى وإلى الحكم كما يفهم من المصادر السنية سواء بالنصوص الأساسية أو نصوص الفتاوى والأدلة الحاكمة في ذلك.
قوله : (( بهذا اللحاظ )) ..
يعني بلحاظ كونهن لا يرتدعن عن هذا اللباس وهن يقصدن هذا اللباس وقد اعتدن على ذلك وعودن الناس على النظر إليهن هكذا كما هو حال المتبرجات في أماكن عديدة من العالم الإسلامي وأما في غيره فأصبح هو الأصل .
لا إشكال في عدم جواز النظر إلى المسلمة أو المرأة المحترمة شرعاً لما عدا ما يجوز النظر إليه وهو الوجه والكفين ؛ ولكن المسألة حسب هذا الفرض لها موقع آخر سنبيّنه هنا.
المسألة معروفة وهي مبنية على المسألة التالية : ( هل يجوز النظر إلى اللواتي لا ينتهين إذا نهين عن إظهار العورة أو جزها ) ، والمرأة كلها عورة للأجنبي ما عدى الوجه والكفين ؟!.
والجواب بكل بساطة أن النظر جائز إلى ما يكشفه غير المرتدع بشرط عدم الريبة لأنها خارجة تخصصاً عن موضوع النظر وهو المؤمن المحترم شرعاً ، وكل ما ذكره ينطبق عليها .
وليس في الفتوى المذكورة ما يدل على جواز النظر بريبة حتى يخالف المجمع عليه إسلامياً من عدم الجواز ، وهي مسألة يبتلى بها كثيراً خصوصاً في زماننا وخصوصا لمن يسكن أو يذهب إلى البلدان التي لا تعرف إلا التفاخر بتقليل الستر عن جسد المرأة ..
فهل يمشي صاحبنا في أسواق أوربا والأمريكيتين وشرق أسيا وشمالها مغمض العينين ؟؟!.
لأنه أين ما أعطى وجهه يرى عورة بل حتى في بلاد المسلمين أو البلاد(41/38)
المختلطة ، بل أصبحت المسألة أسرية فكيف يعمل المسلم في القاهرة أو بيروت أو الدار البيضاء حين يذهب لزيارة بيت عمه أو خاله ونسائهم لا ينتهين عن السفور وإظهار ما يردن إظهاره من أجسادهن ؟!.
أعتقد أن عليه أن يحمل معه عصابة يشدها على عينيه لأن صاحبنا الأستاذ العالم جداً بالفقه واضع هذا الملف لا يقبل له أن ينظر إلى امرأة تكشف عن سترها بدون شهوة وريبة !!.
ما هذا الجهل بالفقه ؟!!.
تنبيه هام : كل النصوص المعتمدة التي تحرم النظر إلى الأجنبية أو إلى العورة ، هي مخصصة فيما يسمى فقهيًا « بالمحترم » وهي لا تشمل غير المحترم كاللذين لا ينتهون إذا نهوا ، ولعل إشارة غض البصر وحفظ الفرج موجه إلى المؤمنين خاصة له هذا المعنى ؛ لأنهم أهل الاحترام في الشرع وحسب المصطلح الفقهي ؛ ولهذا عبر بعض الفقهاء عن الذين لا ينتهون بأنهم أنعام وبأنهم بمنزلة البهائم وليس ذلك من باب القيمة الإنسانية وإنما من باب تجاوبهم مع الشريعة فكما لا يستجيب (( قرد )) لطلب ستر العورة فكذلك لا يستجيب هذا أو تلك .
مع ملاحظة ثانية : وهي نص الفقهاء بأن هذه المسائل التي لا نص فيها كالنظر إلى العراة من الأمم أو الكفار فهو من باب القياس أو الاستحسان ، وفي الغالب يطبق عليها قاعدة عدم التكليف بالمتعذر أو عدم انطباق الحكم عليها موضوعاً ؛ لأن موضوع حكم الغض والستر هو المؤمن المحترم شرعاً والمتعري ليس بمؤمن أصلاً .. وأما النصوص فهي تشير إلى لوازم الأحكام في الغالب .
== فما يقول صاحبنا في هذه الفتوى ؟!..
نيل الأوطار ج 6 ص 242 :
( وحديث بريدة فيه دليل على أن النظر الواقع فجأة من دون قصد وتعمل لا يوجب إثم الناظر لأن التكليف به خارج عن الاستطاعة وإنما الممنوع منه النظر الواقع على طريقة التعمد أو ترك صرف البصر بعد نظر الفجأة وقد استدل بذلك من قال بتحريم النظر إلى الأجنبية ولم يحكه في البحر إلا عن المؤيد بالله وأبي طالب « وحكي في(41/39)
البحر أيضا عن الفقهاء والإمام يحيى أنه يجوز ولو لشهوة » ) ..
وهذا الكلام في المحترمات أي النساء المسلمات اللاتي ينتهين عن الحرام فما قوله بمن لا ينتهين ؟؟!!.
وهنا نأتي إلى مسألة « من لا تنتهي إذا نهيت » ومسألة تعريها ..
الحق أقول بأن من أراد أن يتعمق في الفقه السني يجد أن هذه المسألة ملوح إليها وليست مهملة تماماً كما قد يبدو من جرد المسألة في أبوابها الفقهية ؛ فإن أبواب اللباس والنظر والعورة والتعري لم تصرح قط بهذه المسألة في حدود معرفتي ؛ ولكن قد يجد الباحث في تلك الأبواب وأبواب الجهاد ما يشير إلى هذه المسألة التي تعتبر افتراضية لأنها لا واقع لها في حياة الفقهاء رغم إيرادهم لحادثة النظر إلى الحبش وحادثة وقعت في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهي حادثة بروز امرأة في الطائف حينما حاصرها رسول الله فنزعت ثيابها وكشفت عن فرجها أمام المسلمين فقال رسول الله دونكم المرأة فأصابها رامي المسلمين في فرجها !! .
هذه الحادثة مهمة جداً هنا وهي بيت القصيد في القضية ؛ لأن الفعل تعدى حالة ما هو ضرورة حيث أن الرامي لم يكتفِ بالتهديف إليها بالجملة بل هدّف على فرجها بالخصوص و أصابها فيه !!.
وهنا يسأل المتفقه هذا السؤال : لو كان جواز النظر إليها لضرورة الحرب فستبدو هنا تساؤلات مهمة ..(41/40)
== هل التعري بنفسه يوجب القتل ؟؟!
ما قال بهذا فقيه ولا عرف من سيرة رسول الله !!.
فإذن هناك خصوصية لهذه المرأة في ذلك الموقف في مسألة طلب قتلها.
== هل طلب الرسول إصابة الفرج ؟؟! .
النصوص لا تشير إلى أكثر من طلب أصابتها بالجملة !!.
فإذن هناك اجتهاد من المقاتل المسلم في الإمعان بأذاها و إصابة فرجها !!
ولعله لم يشأ قتلها كما فهم من أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم ، وإنما أراد معاقبتها في الموضع الذي أرادت السخرية به من المسلمين !! فتكون واقعة الرد عليها لهذه الخصوصية .
وهناك إقرار من قبل الرسول ص لفهم هذا المقاتل لعدم الاعتراض عليه ، بالتركيز على الفرج وبعدم قتلها أو إصابتها في الأماكن الخطرة المميتة .
لو أن الرسول ص وصحبه الكرام مروا على الطائف في غير هذه الحالة وشاهدو امرأة تتعرى في حيها الكافر ..
== هل سيقول الرسول دونكم المرأة ؟؟!!
الجواب : لا يوجد لدينا ما يدل على مثل هذا الاتجاه !! وشواهد السيرة لا تساعد على الذهاب إلى مثل هذا القول .
إذن لم تكن الضرورة هي في مسألة النظر و إنما في مسألة الرد على السخرية التي قامت بها المرأة فجعلها في صف المحاربين بالوسائل غير القتالية فلذلك كان طلب إصابتها وتعطيل سخريتها ، وهذا يجعل الباب مفتوحاً في مسألة النظر إلى هذه المتعمدة للتعري التي لا تنتهي إذا نهيت .. والذي يستكشف من الحديث أن لا مانع منه إذا كان بدون شهوة كما تقرره نفس الحالة الحربية .
وهنا قد يتشدق المتشدق بضعف طرق الحديث ؛ فأقول في حالة الضعف لا يزيد الأمر شيئا فتبقى المسألة خالية من النص فتجري الأصول الاجتهادية أو العملية الأخرى ، ولكنه لا يستطيع أن يضعّف « الفتوى » فهي قد صدرت من الفقهاء .. ثم أن الحديث حتى لو كان ضعيفاً ولكن عمل الفقهاء به يجعله حجة عندهم وعلى مبناهم وليس كل ضعيف غير حجة في الفقه .. المهم هل يعتمده الفقهاء أم لا ؟!! .
وهذا نص(41/41)
الفتوى والحديث:
المغني لابن قدامة المقدسي الحنبلي ج 9 ص 231 :
( فصل ولو وقفت امرأة في صف الكفار أو على حصنهم فشتمت المسلمين أو تكشفت لهم جاز رميها قصدا لما روى سعيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف أشرفت امرأة فكشفت عن قبلها فقال ها دونكم فارموها فرماها رجل من المسلمين « فما أخطأ ذلك منها » !! ويجوز النظر إلى فرجها للحاجة إلى رميها لأن ذلك من ضرورة رميه )
كشاف القناع للبهوتي الحنبلي ج 3 ص 51 : ( ولو وقفت امرأة في صف الكفار أو على حصنهم فشتمت المسلمين أو تكشفت لهم جاز رميها والنظر إلى فرجها للحاجة إلى رميها ذكره في المغني والشرح ).
وقد استثنى الإسلام من حرمة النظر موارد أخرى غير الفجأة وحال الكفار مثل جواز النظر إلى المؤمنة إذا أراد التزويج بها ..
وفي بعض الروايات قوله : ( فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ) !! فما معنى ما يدعوه إلى نكاحها ؟؟!!
كما جاز النظر لضرورة كالتداوي أو شهادة بالزنا وغيره جاز التأكد في النظر إلى العورة.
== النظر إلى المخطوبة ==
ــ نيل الأوطار ج 6 ص 238 ، باب النظر إلى المخطوبة :
في حديث الواهبة المتفق عليه فصعد فيها النظر وصوبه ، وعن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما !
رواه الخمسة إلا أبا داود ..
وعن أبي هريرة قال خطب رجل امرأة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً !
رواه أحمد والنسائي ..
وعن جابر قال :
سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
إذا خطب أحدكم المرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل !
رواه أحمد وأبو داود ..
وعن موسى بن عبد الله عن أبي حميد أو حميدة قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا خطب أحدكم امرأة فلا(41/42)
جناح عليه أن ينظر منها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لا تعلم !
رواه أحمد ..
وعن محمد بن مسلمة قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
إذا ألقى الله عز وجل في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها !
رواه أحمد وابن ماجه ..
ــ فتح الباري ج: 9 ص: 182
( ونقل الطحاوي عن قوم أنه لا يجوز النظر إلى المخطوبة قبل العقد بحال لأنها حينئذ أجنبية « ورد عليهم بالأحاديث المذكورة » ).
ليس من نيتي توبيخ جامع الملف على قوله هذا المخالف للفقه الإسلامي عموماً .. فليمشِ مغمض العينيين أو ليتلف عينيه أساساً كما تلف عقله ويستريح ، فلا شأن لنا به .. ولكن أن يغشَ المسلمين بهذا الشكل فهذا تلاعب بالقانون الإسلامي وسمعته ولعب بعواطف المسلمين وحشمتهم في سبيل دفعهم لما هو غير موجود في الشرع الشريف .
وعلى كلٍ هناك نصوص من السيرة النبوية وغيرها تدل على نظر المسلمين إلى هؤلاء العراة بما دون السوءة بروايات أرسلت إرسال المسلمات كروايات الحمامات ودخولها .
وهناك رواية حيرت فقهاء أهل السنة فأخذوا يؤولونها ويجدون لها حلاً لعدم تعقلها وهي تنص على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مكّن زوجه عائشة من النظر إلى العراة من الراقصين الأحباش .. وقد رأيت إيراد هذه الرواية وما قيل فيها فهي أبلغ في تطويل أذن جامع الملف .
فتح الباري ، شرح صحيح البخاري ، لابن حجر العسقلاني : المجلد التاسع ، كِتَاب النِّكَاحِ ، باب نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الْحَبَشِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ .
الحديث:
(حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ عَنْ عِيسَى عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي(41/43)
الْمَسْجِدِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَسْأَمُ فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ
الشرح:
قوله (باب نظر المرأة إلى الحبشة ونحوهم من غير ريبة) وظاهر الترجمة أن المصنف كان يذهب إلى جواز نظر المرأة إلى الأجنبي بخلاف عكسه ، وهي مسألة شهيرة ، واختلف الترجيح فيها عند الشافعية ، وحديث الباب يساعد من أجاز ، وقد تقدم في أبواب العيد جواب النووي عن ذلك بأن عائشة كانت صغيرة دون البلوغ أو كان قبل الحجاب، وقواه بقوله في هذه الرواية " فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن " لكن تقدم ما يعكر عليه وأن في بعض طرقه أن ذلك بعد قدوم وفد الحبشة وأن قدومهم كان سنة سبع ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة ، فكانت بالغة ، وكان ذلك بعد الحجاب ).
والتعليق على الحديث بالتفكير في الأمور التالية :
1- من كلمة ( من غير ريبة ) يدل على خلاعة الأحباش وقلة سترهم.
2- ( يلعبون في مسجد رسول الله ) وهذا له دلالته في التسامح بالأمر سواء بسترهم أو بلعبهم.
3- يستر زوجه عائشة وعمرها ستة عشر سنة لتنظر إليهم وهم بتلك الحال كما فهمه.
4- إذا كان القياس جائز فما المانع من قياس نظر المرأة إلى الرجل المتعري على العكس ! وإذا كان الاستحسان يستكشف ذات الحكم في القضية فالملاك فيهما واحد فتكون النتيجة أن لا فرق بين نظر المرأة إلى المتعري بدون شهوة وبين نظر الرجل إلى المتعرية بدون شهوة خصوصا إذا أضفنا قيد عدم الانتهاء حين النهي فهو يخرج المسألة موضوعاً عن حكم النظر للمؤمن – هذا كلام موجه للفقيه وليس لغيره - .
والبقية بدون تعليق....
وهناك نصوص بالعشرات اكتفينا بهذا لأنه يمثلها جميعاً.
وهذه المسألة كثيرة الابتلاء قديماً وحديثاً حتى في المجتمع الإسلامي الخالص ، فمسألة دخول الحمامات وما فيها من كشف للعورات وعدم اعتناءٍ اغضب الكثير من الفقهاء وقالوا بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(41/44)
في الحمام لمن يكشف سوءته أو ينظر إلى عورات الآخرين بدون حائل بشرط عدم الضرر الراجع إلى الآمر ..
وقد بالغوا في التغليظ على التعري في الحمامات ودخولها من الأساس ، واعتمدوا على أحاديث يشهدون أنها ضعيفة أو لا تصلح متناً للاستدلال بل قال في كشف الخفاء للعجلوني في الخاتمة في باب الأحاديث الموضوعة : وباب النهي عن دخول الحمام لم يصح فيه شيء .
ولم يرد عندهم شيء في منع هذه الأماكن بل أفردوا له أبواب من قبيل جواز دخول الحمامات كما لم يرد أي إجراء رادع ضد التعري في الحمامات عدا الوعظ والتغليظ مما يدل على أن المسألة غير ثابتة عندهم بوضوح فقهي تام .. وقد حاولت أن أجد عقوبة من يدخل الحمام بلا مئزر ( متعرياً ) من المسلمين فلم أجد إلا انه لا تقبل شهادته في القضاء كما ورد في كتاب اللباب في شرح الكتاب للشيخ عبد الغني الغنيمي الدمشقي الميداني كتاب الأيمان ، كتاب الشهادات : ( ولا تقبل شهادة مخنث ، ولا نائحة ، ولا مغنيةٍ ، ولا مدمن الشرب على اللّهو ، ولا من يلعب بالطيور ولا من يغني للناس ، ولا من يأتي باباً من الكبائر التي يتعلق بها الحد ، « ولا من يدخل الحمام بغير إزار » ، أو يأكل الربا ، ولا المقامر بالنرد والشطرنج ، ولا من يفعل الأفعال المستخفة كالبول على الطريق ، والأكل على الطريق ).
وهذا الكلام كله في مسلمين مؤمنين ليسوا من أصحاب التعري ولا من لابسي المايوهات على البلاجات ولا ممن لا يؤمن بدين أو بشريعة إسلامية الخ ..
فهذا لا يلتفت إليه الفقيه باعتباره خارج عن اهتمام الفقيه في حينه ، وهو أن يفكر في حل مشكلة العراة في بلاد الكفار !! ولكن في هذا الزمن فقد زحف إلينا التعري من قبل ممولي حركة التكفير والتفسيق في الغرب ؛ حيث ابتلي العالم الإسلامي بما لم يفكر به فقيه في السابق ، و أصبحت القضية مشكلة معاشة فعلا في الحواضر الإسلامية .
والمشكلة الأكبر تشويش الصورة الفقهية أكثر مما هي مشوشة(41/45)
بما يقوم به هؤلاء المرتزقة الموكلين بتشويش عقول الناس بالكذب عليهم وتدليس المفاهيم والمعاني بمداخلتها بما لا يجوز مداخلته.
وهنا نقول له وبكل صراحة بأن هذه الحوزات العلمية التي تشتمها لهي فخر للمسلمين حيث الحفاظ على الثوابت الإسلامية والابتعاد عن أي تأثير أجنبي مهما بلغ من القوة ، والتمسك بفقه الإسلام وعدم تضييع قواعده الدقيقة.
ولكن ليقل لنا الأخ المفكر ماذا أنتجت لنا مدارسهم المسماة بمدارس تحفيظ القرآن وغيرها من مواقع التدريب الإرهابي في البنجاب وغيرها التي تديرها المخابرات العالمية ؟؟!
هل أنتجت غير الجهل والطائفية البغيضة المفرقة لوحدة المسلمين؟!.
هل أنتجت غير أشخاص مدربين على القتل والحقد ؟؟!.
مع حظ من العلم لا يجاوز مقدار معلومات ابتدائية قاصرة وخاطئة مائة في المائة وهي معلومات إسلامية يستخدمونها ضد الإسلام ، وبيانات تأكل البيانات الإسلامية وتدمر عقل المسلم .. وقد أعطيت بطريقة أكل السندويتش فيكفي عندهم تدريب سنتين ليخرج طالب علم قادر على السب والشتم والبذاءة الإسلامية الحديثة مع الامتلاء بالأمراض النفسية والعقلية المدمرة للحضارة الإسلامية.
ومن يقول أن هذا غير صحيح فليجرأ وليفتح على نفسه هذا الباب لنأتيه بالعجب العجاب والبيانات الدقيقة في شرح هذا الحال وتفصيله بدقة ابتداء من التدريس الأولي إلى التدريس العالي وكيف يتعلم الطالب فكرة « الغاية تبرر الواسطة » ؛ وبما إن غايتهم الإسلام كما يدعون فلا محرم في نصرته ! وكل الممنوعات والمحرمات الإسلامية جائزة ! في أذى من يعتقدون بأنهم كفار من المسلمين !!وتخدير العقول عن الكفار الحقيقيين إلا إذا كان لسبب التأليب على الإسلام وتشويه صورته النقية .
فليتفضل صاحبنا ليقل لنا لنبحث في هذا الموضوع حتى يعرف مدى صحة شتمه للحوزات العلمية.. ومن هو ؟!
وأين هو من الإسلام ؟!
وما علاقته بالمسلمين ؟!
وما علاقة معلوماته بالإسلام سنة(41/46)
وشيعة ؟!.
وإلى أن ألتقي بكم في الحلقة القادمة تقبلوا تحياتي ..
أخوكم / المنار ..
رداً على موضوع ( الحكيم يجوّز إعطاء فيلم يحتوي على صور نساء محجبات )
الأخوة الأعزاء الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصلنا إلى :
الفتوى الخامسة:
يقول صاحبنا:
· محمد الحكيم يجوّز إعطاء فيلم يحتوي على صور نساء محجبات في حالة تكشف لرجل غريب أجنبي عن النساء لتحميض الفلم ولكن لا يجوز النظر بشهوة !
حواريات فقهية لمحمد سعيد الحكيم - الطبعة الأولى ص324
لم يذكر صاحب الملف نص الفتوى . وهذا يقلل من قيمة المطروح لأن صاحبنا حين ينقل النص يخون خيانة متميزة فكيف بنقله المعاني والتصرف الواضح. وعلى العموم النص الذي ذكره مشوش وغير معتمد علميا. ومع ذلك وجدت أن ما نقله لا يمثل أي مخالفة فقهية. ولهذا سأبيّن مقدار جهله بالفقه.
هذا الحكم يبتني على جملة أمور:(41/47)
1- إن العورة هي للإنسان بما هو إنسان وأن الصورة لا عورة لها أي العورة هي بشرة العضو المسمى عورة بصورة طبيعية. فتكون الصورة بما هي صورة غير مشمولة بأحكام وجوب غض النظر ووجوب الستر. ولكن استشكل الفقهاء في المرأة المعروفة لمن ينظر إلى صورتها. وذلك بسبب الفتنة وغيرها من الأسباب
2- المسألة في فرض السؤال هو لنساء محجبات ويفهم منه أن المرأة محجبة في الصورة وهذا خارج عن إشكال الفتنة . ولا يتوجه إليه أي إشكال.
3- في حالة بعث فلم فيه نساء لم يتحجبن في الصورة إلى مصور فإذا كان المصور لا يعرف المرأة ، فلا إشكال من أمن الفتنة خصوصا وان المصور يقوم بعمل مهني محض. وإذا كان يعرفها ويخشى من الفتنة فقد أفتى الكثير من الفقهاء بالاحتياط في هذه المسألة. وإن كانوا يعلمون بان لا أثر شرعي على ذلك ما لم تتحقق أفعال تدفع بها الفتنة إلى فعل مخالف للشرع الشريف. لأن الفتنة ما هي إلا خيال والخيال لا حكم للشرع فيه. نعم هناك احتياطات لما قبل الوقوع في الخطأ. فهل عند صاحبنا اعتراض على هذا.
وهنا يجب التنويه بأن الفقه السني يرى عدم نشر الحرمة بالنظر إلى باطن فرج المرأة المحرمة إذا كان بواسطة المرآة أو انعكاس الماء ولو بشهوة. فلينظر صاحبنا الغيور جدا جدا وليتعلم الفقه الإسلامي. فهذا ما ورد في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة. عبد الرحمن الجزيري: الجزء الرابع. كتاب النكاح. (ويشترط في النظر أمور: ...... الثالث: أن يرى نفس الفرج لا صورته المنطبعة في مرآة أو ماء، فلو كانت متكئة و رأى صورة فرجها الداخل في المرآة بشهوة فإنها لا تحرم، و كذا لو كانت كذلك على شاطئ ماء، أما إذا كانت موجودة في ماء صاف فرآه و هي في نفس الماء فإن الرؤيا على هذا تحرم لأنه رآه بنفسه لا بصورته.) . فماذا سيقول إذا في الصور العارية؟، وهل يجوّز الفقه السني النظر إلى الصور والأفلام الجنسية بناءا على هذا. نحن لا نريد أن نشهّر ولكن هذا هو(41/48)
الفقه ولا شك في ذلك. إن صاحبنا ينتقد السيد محمد سعيد الحكيم لقوله بجواز تسليم فلم تصوير لنساء محجبات إلى مصور لا يعرفهن بدون شهوة !!! .. فماذا سيفعل مع الفقه السني الذي لا يمانع من النظر إلى فرج امرأة يعرفها بواسطة المرآة أمامه وبشهوة !!! تهانينا على ما وصل إليه صاحبنا الغيور جدا جدا . ولو أردت أن افصّل له أسرار الفقه السني لشيبت رأسه في طفولته. ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وسيعلم اللذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين. مع العلم أنني لا زلت مقتنعا بان كل هذه الشتائم على الشيعة إنما هي سب للإسلام سنيّه وشيعيّه . وأنه اعتداء على التسنن قبل التشيع وانه عمل دائب لنشر الرذيلة بين المسلمين باسم التعصب الطائفي المذهبي وهذا يعني بان القائمين على ذلك إنما هم رجال المخابرات العدوة للإسلام. وعلى المسلمين سنة وشيعة أن يلتفتوا لذلك ويحاربوا هذه الخزعبلات والاتهامات الفارغة المخربة لصفو ود المسلمين. وان يحاسبوهم على كل كلمة يقولونها. لأن لا خلاص لنا جميعا ما لم نخلص من هذه الهجمة المفرقة لقوة المسلمين التي تدعو ليل نهار لتفريقهم وتشكك بأي فائدة لجماعتهم وتشكك بأي دعوة للتوحيد وتحاربها بكل قوة . فعلينا جميعا تعرية هؤلاء وبيان أهدافهم وأساليبهم القذرة لضرب الإسلام من الداخل وتدمير التسنن والتشيع على حد سواء.
أريد أن انبه الأخوة بان موضوع صور النساء والنظر إليهن ليس هو حالة جديدة وغير موجودة في زمن النص بل أن صور النساء موجودة قبل الرسالة المحمدية بآلاف السنوات فالرسوم الجدارية وغيرها والتماثيل عارية وكاسية كلها موجودة في بابل ومصر وبلاد اليونان والرومان وبلاد فارس والصين والهند وغيرها من الحضارات القديمة . وحتى في الزمن المتاخم لبزوغ الرسالة المحمدية صلوات الله على من نزلت على قلبه. وهناك مدارس خاصة في الشام وروما لتصوير الإنسان بدقة عالية وكأنها صورة فوتوغرافية(41/49)
ففي زمن الأمويين هذه قصور الأمويين في الشام والفرات والأردن كلها تحتوي على حمامات فيها صور نساء عاريات وأوضاع مجامعة غاية في الدقة كما وصفها علماء الآثار وقد نُقل بعضها إلى أوربا وهي معروضة هناك كحمام الحلابات في الأردن الذي يقال انه اختفى قبل عشرين سنة وحمام قصر عمرة الذي يقال بأنه موجود فعلا الآن في الأردن وفيه صور نساء عاريات. وهذا كما ترون في زمن دولة إسلامية قريبة العهد من زمن الرسول. ولم تكن تلك الرسوم ناشئة عن فراغ و إنما هي نتيجة إفراز مدرسة فنية رعتها الدولة الأموية . وهذا يدل على شيئين الأول هو شهوانية ونزق رعاة تلك الدولة التي قادت الفكر المعادي لأهل البيت. الدولة التي هي قبلة واضع النقد للفتاوى التي طرحت وناقشناها . والأمر الثاني هو عدم وجود الدليل عند الفقهاء في حينه على أن عورة الصورة هي عورة محترمة يجب غض النظر عنها فلذلك لم يشنع أحد على هذا الموضوع بينما تم التشنيع على أنواع الفجور والملاهي الباطلة والمستقبحة من بني أمية. ولو كان ملفق تلك الفتاوى ومزيفها بالباطل صادقا في إيمانه ويشعر بالغيرة الحقيقية لتناول سلوك ملوك بني أمية المشين في الفسق والفجور العلني كما فعل الوليد بن يزيد وخلفه يزيد بن الوليد بن عبد الملك. ونقد تلك الصور الموجودة فعلا في قصورهم المحفوظة من قبل الدولة في سوريا والأردن كتراث إسلامي رائع . صور الراقصات والعاريات وصور المجامعة الذي يدل عندهم على روعة الحضارة والتقدم الإنساني . فأين هذا المتشدق بالغيرة والذي يريد جعلها قانونا؟ عليه أن يطبق غيرته على أئمته من بني أمية والعباس وغيرهم .
مع دعاء أخيكم المنار
لجماعة الديسكو الإسلامي الحشوي الأموي بالهداية وحسن التفكير وستر الحال.
رداً على موضوع ( الحكيم يجوّز تفكير الرجل في غير زوجته )(41/50)
الأخوة الأعزاء الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفتوى السادسة :
هنا نتعرض إلى ما طرحه ملفق هذا الملف من نقد لفتاوى لا غبار عليها فقهيا عند جميع المسلمين فقال صاحبنا:
الحكيم يجوّز تفكير الرجل في غير زوجته مما في ذلك التفكير بنساء الكفار بمعنى التخايل إذا صاحبه انتصاب لعضو الذكورة من دون إنزال للمني إذا لم ينته تفكير الرجل إلى محرم !
قلت: أعوذ بالله ، أي فقه وأي دين هذا؟ إنه دين فرويد الذي لا يعرف إلا الجنس
انتهى ما أورده
هكذا أورد الأمر من دون توثيق أساسا ومن دون أن ينقل النص وسنتعامل مع ما نقله رغم ثبوت عدم أمانته وثبوت خيانته في التلاعب بالنصوص.
نسب الفتوى إلى دين فرويد !! فادخل وحاول أن تكشف أين تجد فرويد هذا؟؟ أفي الإسلام أم خارجه؟.
هذا النقد يكشف جهل جامع هذا الملف بالفقه بشكل عجيب فهذا حكم مجمع عليه فقهيا إذ لا عبرة بالتخيل ولا تبعة عليه ما لم يصحبه فعل يحاسب عليه القانون الإسلامي. والخيال والحلم لا يتعلق به حكم مطلقا بل لا تعلق على الإرادة فكيف بالخيال والأحلام ؟؟
ليقرأ هذا الجاهل حتى يتعلم الفقه ومآخذه لينجو من نار جهنم : لأن من أفتى بغير علم أكبه الله على منخريه في نار جهنم ... فإذا لم يكن يعلم بهذه الحقيقة فليعلمها الآن ويراجع مظانها.
اقرأ ما يلي :
مغني المحتاج، الإصدار 1.03للخطيب الشربيني : كتاب الصيام. [الباب الأول]. فصل شرط الصوم الإمساك عن الجماع. ( وكذا خروج المني " يفطر به إذا كان " بلمس وقبلة ومضاجعة " بلا حائل لأنه إنزال بمباشرة << لا فكر >> وهو إعمال الخاطر في الشيء << ونظر بشهوة >> إذا أمنى بهما أو بضم امرأة بحائل بشهوة وإن تكررت الثلاثة بها إذ لا مباشرة << فأشبه الاحتلام>>(41/51)
ما رأيه بهذا؟؟
الفقه على المذاهب الأربعة – الجزيري- كتاب الطهارة. مباحث الوضوء. مبحث نواقض الوضوء. (هذا ولا ينتقض الوضوء بفكر. أو نظر من غير لمس ولو قصد اللذة أو وجدها أو حصل له إنعاظ فإن أمذى<< بسبب الفكر أو النظر>> <انتقض وضوءه بالمذي. وإن أمني وجب عليه الغسل بخروج المني>.)
فأين التبعة على التخيل؟؟ ومن أين أتيت بها أيها المتخيل والآخذ بأحكام الله بالخيال؟ غفر الله للجميع وهدى الجهلة إلى معرفة أحكامه.
نسأل الله أن يوحّد شمل المسلمين ويحسّن في عينهم نور الأخوة والمعرفة الحقيقة للقواسم المشتركة والسكوت عن أسباب الخصام والابتعاد عن اللجاجة فضلا عن الافتراء وسوء النية والعمل.
هل رأيت يا صاحبي أي فقه هذا الذي تنقد وتسب؟ أنه فقه الإسلام العام.وهل رأيت فقهك من فقه الإسلام سنة وشيعة؟ هل اكتشفت مقدار جهلك بالفقه الإسلامي؟ أين اتهامك للفتوى بأنها دين فرويد؟؟
أخوتي الكرام إن هذا التجميع للفتاوى يهدف إلى تأجيج الطائفية ويعتمد مبدأ جهل الناس بالفقه الإسلامي وتنمية معايير يعتقد بأنها إسلامية بينما هي معايير اجتماعية ليست تشريعا إسلاميا. وهذا من جهة الجهل أيضا، فلولا الجهل لما تحولت المعايير الاجتماعية وسوء الفهم إلى قوانين مقبولة عند المسلم. فعلينا جميعا أن نتفقه في الدين وأن نتعلم طريقة الفقيه ولو بصورة إجمالية في تحديد الحكم الشرعي وكيف يصدر قراره الشرعي المبرئ للذمة. ( أرجو قراءة المقدمة لأجوبة الفتاوى فإنها مفيدة في تحديد المشكلة وقراءة هذه الشواهد يزيد من قدرة فهم تلك المقدمة).
أرجو أن يفهم أخوتي الكرام أنه لا يوجد أحرص من الفقهاء الشيعة المؤمنين على تطبيق الشريعة وعلى تنمية الشرف والفضيلة ولكن حين يأتي السؤال في منطقة فراغ من النص الشرعي لا بد من تطبيق القواعد العامة التي أمضاها الشرع الشريف . وهناك الكثير من المسائل التي سكت عنها الشرع الشريف ، وليس كما يتصور البعض(41/52)
بأنها مسائل لم تكن موجودة في زمن النص فهذا خطأ ، لأن هناك أشياء كانت تمارس في زمن النص وفي زمن رسول الله بالذات ولكن لا يوجد فيها نص محدد وقد مرت علينا بعض القضايا التي لم نجد فيها نص خصوصا عند السنة وهي قضايا معاصرة للرسول كما أن هناك قضايا مستجدة غير موجودة في زمن النص أصلا . والقاعدة العامة هي كل شيء حلال ما لم يرد فيه نهي أو تحريم . ولكن هذه القاعدة لا يتمكن منها الإنسان العامي الخالي من حلية التعمق بالفقه لأن موارد الفراغ يجب أن تكون من النصوص والقواعد والأصول العملية كالاستصحاب. وعليه لا يمكن لمن لم يعرف فن تناول الحكم بتطبيق هذه القاعدة فورا ... ولكن لا يجوز لمن يرى تطبيقا للقاعدة بأصولها الشرعية أن يقال له بأنك متساهل في الشرع وما شابه ذلك فان الدليل هو الذي حكمه . فهو معذور مبرئ الذمة أمام المولى سبحانه وتعالى .
وهنا احب أن أشير إلى أمر مهم جدا في اغلب الحوار الطائفي البغيض الذي تفرضه علينا دوائر التفريق ودعاة التمزيق الإسلامي . وهذا الأمر ينبغي أن تفرز له عناوين ومواضيع كثير انبّه لها الأخوة الكرام وهي موضوع التكليف . فأرجو من الأخوة زيادة الأبحاث في هذا الموضوع المهم الذي يراد له التضييع والتمييع. حيث يرسمون للأتباع أشياء يبدو عليها وجوب الاتباع بينما هي خارج حدود التكليف ولا يعطى للمسلم موضوع التكليف وتوابعه من براءة للذمة وغيرها.
حينما يتحاور المسلم مع أخيه المسلم لا بد أن يضع نصب عينيه مسألة مهمة جدا وهي: ما هو تكليف المسلم في القضية المطروحة؟
ويكون الحوار على أساس تحديد التكليف الذي يريده الله منا وفق المنهج الإسلامي؟ وهذا الموضوع يشمل حتى مسألة الإمامة وغيرها بل حتى الأمور الإعتقادية الغيبية حيث يمكن توجيه السؤال التالي : ما هو تكليفنا في ما يجب البحث عنه وما لا يجب في مسألة المعاد وغيرها؟.
فالمسلم إذا سعى لتحديد تكليفه الشرعي سيرى بأن أخيه المسلم(41/53)
الذي يسعى لنفس الهدف معذور حتى لو خالفه في النتيجة التي توصل إليها. وسيراه أخا يجب الارتباط به ويجب إعانته على فهم تكليفه الشرعي أكثر فاكثر لأجل النجاة للجميع من الحساب يوم القيامة, ولكن ومع كل الأسف هذا الطرح لا يتصدى له إلا الشيعة وهم يواجهون ردودا تبكيتية تستخدم الكذب والتزوير الرذيلين لتشويش البحث والابتعاد عن مسألة التكليف والدوران في فلك شبهات ساخرة على مواد صحيحة وثوابت عقلية ونقلية مثبتة عند الجميع وعليها الإجماع الإسلامي ، بل إن بعض النقود توجه إلى فكرة مسلمة عالميا وعلمياً بنوع من السخرية والتهويل والتحريف. وهذا وإن دل على إفلاس العارض والمعروض ولكنه يدل بصورة أهم على سوء النية من قبل العارض وسوء الفهم وضعف المبادئ من قبل المتلقي الساكت. المشكلة إنني لاحظت سكوتا ينتمي إلى "اللا أدري" تجاه معروض كهذا بل هناك في كثير من الأحيان تصفيق واستحسان فيما لو أشكل أحدهم على من يعارضه إشكالا يبدوا محرجا حتى لو كان الإشكال ينطبق على نفس المصفق والعارض. وهذا بالفعل ما نراه في الحوار بين الشيعة والمتهودين الذين ينسفون كل الثوابت السنية في إشكالاتهم على الشيعة فنرى الجهل يحرك البعض (وليس الكل) من شباب أهل السنة بالتصفيق والرضى لما يلحق الشيعي من إحراج بينما المشكلة هي عينها بل متعينة على الفكر السني كما هي على الفكر الشيعي ، وخير دليل على ما أقول ما نناقشه من هذه الفتاوى التي تطابق الفتاوى السنية بل لم نجد في بعضها رأيا مخالفا لما ينتقده صاحب الملف. فالجهل في فهم الفقه السني (قبل جهل الفقه الشيعي) هو الذي يحرك هذه الحالة ، ومنشأ الحالة نفسها هو الخطأ المنهجي في البحث حيث لا يكلف الإنسان بتحديد تكليفه الشرعي في الفكر والسلوك و إنما يصار إلى التغذية المعلوماتية الجاهزة ويقال للمتلقي هذا ما يجب اعتقاده والتعصب له والتمسك به بنفس طريقة الكاثوليك من استخدام النصوص المبرمجة من قبل(41/54)
الكنيسة ولا تسمح الكنيسة الكاثوليكية بتفسير الكتاب المقدس من طرف الشخص أو أي جهة غير الكنيسة حتى لو كان تفسيرها بالقلوب.
فعلينا إذن الحث على مباحث التكليف ابتداء من حسن التكليف ومرورا بوسائل التحقق المنهجي من التكليف وانتهاء بالتكليف في الموارد المعينة.
أخوتي الكرام.
لقد حدث عندي أن حذف اصل ما طرحه الزميل بو حسن وليس لدّي الآن غير هذه الفتاوى و أتذكر بأن هناك فتوى تتعلق بالتلقيح الصناعي وغيرها . وقد حاولت الحصول عليها فقيل لي بأنها موجودة في الديوان اليمني ولكنني لم استطع العثور عليها هناك. فمن كان عنده نسخة عنها فأرجو منه أن يضع الجزء الثاني مما طرحه بو حسن لنرد عليها وإذا لم نجدها ففي ما ناقشناه الكفاية وهو نموذج للتعامل مع هذا الخبل الفكري والجهل والأمية الساقطة في تناول اقدس المقدسات الإسلامية وهو الشريعة الإسلامية الغراء بهذا الشكل من التحريف والتزوير والنقد بأسس غير إسلامية أصلا. وليس ببعيد أنها جاءت من مختبرات المخابرات الكافرة كالموساد وغيرها.
تقبلوا تحيات
المنار(41/55)
السور المفتراة في قرآن الرافضة المزعوم
بسم الله الرحمان الرحيم
{وَ لَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَ كُفْراً وَ أَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَ الْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَ اللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}
إن أحد كبار علماء النجف وهو الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي – الذي بلغ من إجلالهم له عند وفاته سنة 1320هـ أن دفنوه في بناء المشهد المرتضوي بالنجف في إيوان حجرة بانو العظمى بنت السلطان الناصر لدين الله، و هو ديوان الحجرة القبلية عن يمين الداخل إلى الصحن المرتضوي من باب القبلة في النجف الأشرف بأقدس بقعة عندهم – هذا العالم النجفي ألف في سنة 1292هـ و هو في النجف عند القبر المنسوب إلى الإمام علي -رضي الله عنه و أرضاه و لعنة الله على من عاداه- كتاباً سماه ( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ) جمع فيه مئات النصوص عن علماء الشيعة و مجتهد يهم في مختلف العصور، بأن القرآن قد زيد فيه و نقص منه (( طبعاً المصحف الذي بين يدينا الآن )) و قد طبع كتاب الطبرسي هذا في إيران و عند طبعه قامت حوله ضجة، لأنهم كانوا يريدون أن يبقى التشكيك في صحة القرآن محصوراً بين خاصتهم، و متفرقاً في مئات الكتب المعتبرة عندهم، و أن لا يجمع ذلك كله في كتاب واحد تطبع منه ألوف النسخ و يطلع عليه خصومهم فيكون حجة عليهم ماثلة أمام أنظار الجميع، و لما أبدى عقلاؤهم هذه الملاحظات، خالفهم فيها مؤلفه و ألف كتاباً أخر سماه ( رد بعض الشبهات عن فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ) و قد كتب هذا الدفاع في أواخر حياته قبل موته بنحو سنتين، و قد كافئوه على هذا المجهود في إثبات أن القرآن الكريم محرف بأن دفنوه في ذلك المكان الممتاز من بناء(42/1)
المشهد العلوي في النجف.
و مما استشهد به هذا العالم النجفي على وقوع النقص بالقرآن إيراده في الصفحة 180 من كتابه سورة تسميها الشيعة ( سورة الولاية ) مذكور فيا ولاية علي (رضي الله عنه و أرضاه و لعنة الله على من عاداه) وهو ما يثبت تحريفهم للقرآن …
: النص ((( يا أيها الذين آمنوا آمنوا ا بالنبي و الولي اللذيّن بعثنا هما يهديانكم إلى الصراط المستقيم @ نبي و ولي بعضهما من بعض و أنا العليم الخبير @إن الذين يوفون بعهد الله لهم جنات النعيم @ و الذين إذا تليت عليهم آياتنا كانو بآياتنا مكذبون @ إن لهم في جهنم مقاماً عظيماً إذا نودي لهم يوم القيامة أين الظالمون المكذبون للمرسلين@ ما خلفتهم المرسلين إلا عني و ما كان الله ليظهرهم إلى أجل قريب و سبح بحمد ربك و عليّ من الشاهدين))). تعالى الله عم يقولون و يفترون.
هذا ما يثبت أن عندهم مصحف غير الذي لدينا فيه سور كاملة و ليس آيات و للمعرفة ممكن الرجوع إلى:
1- كتاب ( الشيعة والقرآن ) إحسان الهي ظهير رحمه الله .
2- كتاب ( الشيعة وتحريف القرآن ) محمد مال الله جزاه الله خيراً.
3- كتاب (الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الإثني عشرية) السيد محب الدين الخطيب رحمه الله.
4- كتاب (إيران من الداخل)، وهذا الكتاب كتبه الكاتب الإسلامي المحايد فهمي هويدي بعد إقامة تزيد على العام في إيران بعد اشتعال ثورة الروافض بها عام 1979.
و هذه صور لمصحف إيراني يحوي سورة الولاية المزعومة مع ترجمتها إلى الفارسية:
سورة الولاية المزعومة|
سورة الولاية المزعومة
و هذه أيضاً سورة النورين المزعومة في قرآن الرافضة. و من الملاحظ كثرة الأخطاء القواعدية بها و بعد اسلوبها عن اسلوب كتاب الله:(42/2)
يا أيها الذين آمنوا أمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم . نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم . إن الذي يوفون ورسوله في آيات لهم جنات نعيم . والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم و ما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم . ظلموا أنفسهم وعصوا الوصي الرسول أولئك يسقون من حميم. إن الله الذي نور السموات والأرض بما شاء واصطفى من الملائكة وجعل من المؤمنين أولئك في خلقه. يفعل الله ما يشاء لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. قد مكر الذين من قبلهم برسلهم فأخذهم بمكرهم إن أخذي شديد أليم. إن الله قد أهلك عادا وثمودا بما كسبوا وجعلهم لكم تذكرة فلا تتقون. وفرعون بما طغى على موسى وأخيه هارون أغرقته ومن تبعه أجمعين . ليكون لكم آيته وإن أكثركم فاسقون . إن الله يجمعهم في يوم الحشر فلا يستطيعون الجواب حين يسألون إن الجحيم مأواهم وإن الله عليم حكيم . يا أيها الرسول بلغ إنذاري فسوف يعلمون . قد خسر الذين كانوا عن آياتي وحكمي معرضون . مثل الذين يوفون بعهدك إني جزيتهم جنات النعيم . إن الله لذو مغفرة وأجرعظيم وإن عليا من المتقين . وإنا لنوفيه حقه يوم الدين . وما نحن عن ظلمه بغافلين. وكرمناه على أهلك أجمعين . فإنه وذريته لصابرون وإن عدوهم إمام المجرمين . قل للذين كفروا بعدما آمنوا أطلبتم زينة الحياة الدنيا واستعجلتم بها ونسيتم ما وعدكم الله رسوله ونقضتم العهود من بعد توكيدها وقد ضربنا لكم الأمثال لعلكم تهتدون . يا أيها الرسول قد أنزلنا إليك آيات بينات فيها من يتوفاه مؤمنا ومن يتولاه من بعدك يظهرون . فأعرض عنهم إنهم معرضون . إنا لهم محضرون . في يوم لا يغني عنهم شيئا ولا هم يرحمون . إن لهم في جهنم مقاما عنه لا يعدلون . فسبح باسم ربك وكن من الساجدين . ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون فصبر جميل . فجعلنا منهم القردة والخنازير ولعناهم إلى يوم يبعثون . فاصبر(42/3)
فسوف يبصرون .ولقد آتينا بك الحكم كالذين من قبلك من المرسلين . وجعلنا لك منهم وصيا لعلهم يرجعون . ومن يتولى عن أمري فإني مرجعة فليتمتعوا بكفرهم قليلا فلا تسأل عن الناكثين. يا أيها الرسول قد جعلنا لكم في أعناق الذين آمنوا عهدا فخذ وكن من الشاكرين . إن عليا قانتا بالليل ساجدا يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربه . قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون . سيجعل الأغلال في أعناقهم وهم على أعمالهم يندمون . إنا بشرناك بذريته الصالحين . وإنهم لأمرنا لا يخلفون فعليهم مني صلوات ورحمة أحياء وأمواتا ويوم يبعثون . وعلى الذين يبغون عليهم من بعدك غضبي إنهم قوم سوء خاسرين . وعلي الذين سلكوا مسلكهم مني رحمة وهم في الفرقان آمنون والحمد لله رب العالمين.
ألا لعنة الله على المكذبين(42/4)
السيد محمد حسين فضل الله يحرم التطبير ومايفعله الشيعة في أيام عاشوراء
السيد محمد حسين فضل الله يحرم التطبير ومايفعله الشيعة في أيام عاشوراء .
التطبير حرام:
س: نعيش في السويد، ومن المفروض أن مراجعنا أعلى الله مقامهم يعرفون أوضاع البلد السياسية والاجتماعية، خصوصاً إن تعلقت بعض الأعمال بمعرفة هذه الأحوال من قبيل التطبير. نريد فتوى واضحة، فالبعض يقول تجوز إن لم يحدث الضرر، والبعض الآخر يقول تجوز إن لم تسئ للإسلام، والبعض الآخر يقول جائزة مطلقاً؟
ج: التطبير حرام لكونه من مصاديق الإضرار بالبدن، وهو غير جائز مطلقاً على رأينا، سواء أدى إلى التهلكة أو لم يؤد إليها، وعندئذ فما دام محرماً فلا يمكن جعله من الشعائر الدينية أو الحسينية، ولا سيما إذا كان مسيئاً للمذهب، فسوف تشتد الحرمة وتتأكد.
المصدر :
http://www.bayynat.org/bayynatsite/www/arabic/nachratbayynat/fokoh82.htm
الأفعال التي حرمها المرجع السيد فضل الله
نقلاً من موقع السيد محمد حسين فضل الله
السيد محمد حسين فضل الله يبرئ أم المؤمنين عائشة من حرب الجمل
السيد محمد حسين فضل الله يبرئ أم المؤمنين عائشة من حرب الجمل
سماحة المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله
ففي مقابلة له في مجلة "الأفكار" في عددها الصادر بتاريخ: 12 شوال 1423هـ الموافق 16/12/2002 قال:(43/1)
(إننا في دراستنا لقضية المرأة بعقل بارد وبموضوعية علمية تاريخية، نجد أن الصحوة تكاد تكون مستحيلة، ولا سيما في المسار التاريخي. فعندما ندرس مسألة المرأة في التاريخ، نرى أنها كانت خارج نطاق الواقع الإنساني في الحركية الفاعلية في تطور المجتمع إلا من خلال بعض نساء طليعيات، سواء في المنطقة أو خارجها كانت لهن ظروفهن المستمدة من خلال بعض ما يحيط بهن، ما جعل لهنّ هالة معينة تستجلب النفس، ولكن نلاحظ أن هؤلاء النساء اللاتي أخذن مراكز في الدولة كالملكات، أو في مراكز متقدمة، لم يتركن بعدهن أي امتداد لما بدأنهن، لأن المسألة لم تكن أن مسألة التطور الإنساني هو الذي أعطى المرأة هذا الدور، بل إن الخصوصية الذاتية والظروف الخاصة المحيطة بها هي التي منحتها ذلك، حتى أن السيدة عائشة أم المؤمنين، لم تكن هي التي تقود الحرب، بل كان الذي يقود الحرب طلحة والزبير، ولكنها كانت العنصر الذي يملك الجانب العاطفي الذي تحيط به هالة من القداسة لشحن همم المقاتلين، ولم تكن هي التي خططت لحرب ولم تكن هي التي أثارت الحرب، ولكنها استغلت بعض ظروفها النفسية وموقفها من الإمام علي وبعض الأوضاع التي أثيرت من خلالها لتقوم بهذا الدور.
لذلك فإن مسألة أن المرأة لا تزال مهيضة الجناح قد تكون أمراً واقعياً، لكن نلاحظ أن المرأة في العالم بدأت في مسار يملك بعض القوة، وأن النساء اللاتي أخذن موقعاً متقدماً لم يمتلكن من خصوصية ذاتية ظرفية، بل من خلال المناخ العام السياسي تارة والثقافي أخرى والاقتصادي ثالثة. ولهذا على المرأة أن تنتظر طويلاً حتى يمكن أن توازن بين هذا الاستلاب التاريخي الذي يرقى إلى ملايين السنين وبين ما تطمح إليه في المستقبل. وعلى المرأة أن تدرس المكاسب التي حصلت عليها، وعليها أن تدرس الفترة التي تحتاجها من أجل تطوير هذه المكاسب، وأن تدرس السلبيات، لا لتسقط أمامها، بل لتحولها إلى إيجابيات .)
المصدر :(43/2)
http://www.bayynat.org/www/arabic/nachatat/afkar16122002.htm#6
مجلة "الأفكار" في عددها الصادر بتاريخ: 12 شوال 1423هـ الموافق 16/12/2002
هل كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تكره أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؟
هل كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تكره أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؟
كيف تكره أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها علي بن أبي طالب وهي تروي فضائله !!؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد
يروي الشيعة أن أم المؤمنين الطاهرة العفيفة عائشة بنت ابي بكر رضي الله عنهما كانت تكره و تبغض صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والسؤال إذا كان مايقولونه صحيح فكيف تروي فضائله :
1- روت حديث الكساء في فضل علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنم أجمعين .
انظر كتاب ( صحيح الإمام مسلم ) 4/ 1883 كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم .
2- أخبرت عن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنه .
انظر كتاب ( صحيح الإمام مسلم ) 4/ 1882 كتاب فضائل الصحابة .
3- كانت تحيل السائل على علي بن أبي طالب ليجيبه عندما سألت عن المسح على الخفين وعندما سألت في كم تصلي المرأة من الثياب .
انظر كتاب ( صحيح الإمام مسلم ) 1/ 232كتاب الطهارة باب التوقيت في المسح .
وانظر كتاب ( مصنف عبدالرزاق ) 2/ 128 لعبدالرزاق الصنعاني .
4- طلبت من الناس بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه أن يلزموا علياً رضي الله عنه بالبيعة .
انظر كتاب ( فتح الباري شرح صحيح البخاري )لابن حجر العسقلاني 13/ 29 ، 48 .
هل نزلت آية ( يا أيها النبي بلغ ما انزل ) كان بعد حادثة الغدير
هل نزلت آية ( يا أيها النبي بلغ ) كان بعد حادثة الغدير(43/3)
هل نزلت آية ( يا أيها النبي بلغ ) كان بعد حادثة الغدير
يقول الشيعة أن تعيين علي بن أبي طالب كان من تمام الدين إذ لم يتفرق الناس حتى نزل قوله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم } ، و ساقوا على ذلك أحاديث ضعيفة رواها مطر الوراق و هو ضعيف . تقريب التهذيب (2/256) ، وبالإضافة إلى ضعف الأسانيد فإن هذه الروايات تخالف الأحاديث الصحاح التي أثبتت أن الآية { اليوم أكملت لكم دينكم } نزلت في حجة الوداع . راجع البخاري (5/285) . أما عن الآية الكريمة فيقول العلماء : أنها نزلت في حجة الوداع لتبين للناس أن الله سبحانه وتعالى أكمل لهم دينهم فإفرادهم بالبلد الحرام وإجلاء المشركين جامع البيان للطبري (4/51 ) . فعلم أنه لم يكن في غدير خم أمرٌ بشرع نزل إذ ذاك ، لا في حق علي ولا في غيره ، أما النسبة لحادثة الغدير فقد كانت بعد حجة الوداع و بالتحديد يوم الثامن عشر من ذي الحجة . انظر السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية لمهدي رزق ( ص 678 ). كما روي الحديث في صحيح مسلم كذلك . و بما أنها حدثت بعد حجة الوداع فالأهمية تكمن في أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو أراد أن يبلغ بشرع جديد أو بالوصية لعلي ، لفعل ذلك في أثناء الحج وفي يوم عرفة لاجتماع الناس ولم يؤجله إلى بعد الحج ، كما أن ميقات أهل المدينة هو ذا الحليفة ، والحجفة تقع على بعد أميال كثيرة من الميقات والغدير يقع في الجحفة ، و ليس هناك أي شيء يستدل به الرافضة ليتمسكوا به كدليل لهم ، فإن الحج قد انتهى و الوفود قد انطلقت إلى بلادها ومن بقي من أهل المدينة هم الذين سافروا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلو أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحدث الناس بهذا الخبر فإنه لم يؤجله إلى نهاية الحج ، و لو أنه أراد فعلاً أن يبلغ هذا الأمر لفعل في الموسم لأن الناس كانوا يأخذون عنه صلى الله عليه وسلم مناسكهم ، فكانت فرصة كبيرة ليبلغ هذه الوصية .(43/4)
الصفحة الرئيسية
كلمة التحرير
الكتابات المنشورة تعبر عن رأي اصحابها
زوايا
دراسات
kitabat@kitabat.com
الارشيف
كتب
27 كانون الأول 2004
السيستاني في الميزان
الحلقة الأولى
دراسة نقدية
كتابات - زهير الأسدي
Almehdi_9@hotmail.com
Almehdi_9@hotmail.com
ملاحظة: جميع ما جاء في هذا البحث يمثل وجهة نظر الكتاب الشخصية .
تمهيد
المرجع عند الشيعة عنوان كبير, من المفترض ان يكون نائباً للمعصوم عليه السلام ومرجعاً للأمة في كل شؤونها الآنية والمستقبلية ,الدينية والدنيوية, باعتباره الخبير في استنباط الحكم الشرعي من مصادره الأصيلة في الشريعة التامة الخاتمة التي ليس من بعدها شريعة ولا كمال , وفي زمان غيبة المعصوم لا يترك الشيعة مكانه شاغراً ولا يجمدون طاقاتهم الإبداعية ويكتفون بنصوص الماضي ويراوحون عندها, ويأبون أن ينظروا إلى الواقع المعاش بعيون الماضي , بل يحاولون قدر الإمكان ملأ الفراغ بمحاولاتهم الاجتهادية التي تظهر للعامة أحكام الله وتكاليفهم الشرعية إزاءها ضمن الواقع المعاش, وغالباً ما يظهر المجتهد الواعي الذي يعيش عصره مهارات إبداعية في حركات تجديدية في فهم النص ضمن سنن الله في النمو والتكامل , وبلغ كمال بعضهم - رضوان الله عليهم -في أخلاصه وتفانيه في خدمة الأمة درجة نيل الشهادة في سبيل الله , وما أدراك ما الشهادة لا ينالها إلا ذو حظ عظيم , (أوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) الواقعة(11, 12) حيث درجة الشهادة تفوق عند الله وعند الأمة أي درجة ممكن أن يطمح بها فقيه نحو آية الله العظمى أو الصغرى أو مقاسات أخرى ما أنزل الله بها من سلطان, (..إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ..) الحجرات13(44/1)
ومع كل تلك المميزات والمظاهر فإن المرجع ليس معصوماً مفترض الطاعة, بل هو عبداً لله شأنه شأن بقية الناس الذي يمارسون وظائفهم في مؤسسات الأمة قد يصيب في أمر ويخطئ في آخر بما في ذلك أمور الشريعة , ولما كان المرجع غير معصوم من الأخطاء والعيوب , فإنه ليس من الغريب أن يتعرض للنقد والتصويب من أي جهة ترى عيوبه وأخطاءه لأجل مصلحة الجميع . بل الغريب أن لا يتعرض للنقد والمساءلة وكأنه معصوم كامل العصمة ,ولأجل ذلك أكتب هذه الدراسة النقدية التي أرجو من خلالها أن أبين لأبناء قومي الحقائق التي أوثقها فيه لعلها تكون لهم مرشداً ودليلاً في بعض مسائل محنتهم, إن كشف العلة نصف العلاج.
مسؤولية المرجع
إن من يعيش في هذا الزمان ( زمان الأحتلال, العولمة, دكاكين الأحزاب , بسطات المشاريع المستوردة ) ويشهد الأحداث الجارية في الساحة لا بد أن يصاب بالذهول - إن لم أقل المرارة والحيرة والاشمئزاز – للصمت غير المبرر لبعض المراجع التي من بينها مرجعية ( السيستاني) أزاء ما يجري للعراقيين بأيدي قوات الأحتلال والمرتزقة المتعاونين معهم وفئات اخرى , فمن المفترض برجل الدين الذي هذّبه القرآن الكريم وسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و المعصومين عليهم السلام أن يكون من أول الشاعرين بمأساة إخوانه المسلمين, ومن السبّاقين بمد يد العون والمساعدة إليهم وقت الحاجة , والمدافعين عنهم وقت الشدة والأزمات بمواقفه وفتاواه التي تحرّم قتلهم واستباحة أعراضهم ومقدساتهم وممتلكاتهم , وتحرّم التعاون مع أعداءهم ضدهم, وينبغي بالمرجع أن يكون أبعد الجميع عن اللامبالاة والاستهتار بدماء المسلمين ومصيرهم , حيث حرمة دم المسلم أكبر من حرمة الكعبة نفسها كما هو مؤكد وثابت.(44/2)
ولكن للأسف الشديد لم نر أو نسمع من مرجعية السيستاني ما يشير إلى أنه في الصورة المفترضة تلك , حيث أنه إلى الآن لم يصدر فتوى واضحة تحّرم قتل العراقيين , ولا فتوى تحرّم الركون إلى الذين ظلموا ( اعني التعاون مع قوات الأحتلال) , ولا بيان شجب أو ادانة للجرائم والانتهاكات التي يمارسها الأحتلال والمرتزقة بحق العراقيين ومقدساتهم , حتى بات المتابع يتساءل هل هذا القتل وانتهاك الحرمات حلال أو مباح من وجهة نظر مرجعية السيستاني التي بات الصمت سمة مميزة لها طوال محنة الأحتلال ؟؟.
إن ما يجري اليوم في العراق – وكل محنة- إنما محك واختبار حقيقي لإظهار معادن الناس وبيان حقيقة إيمانهم بمواقف عملية بعيداً عن المهاترات والمراوغات التي يجديها البعض , ولا يكفي أن يدّعي المرء أنه مؤمن أو تقي أو ذو معرفة بالأحكام الشرعية ما لم يثبت ذلك بالعمل والموقف الواضح من قضايا الأمة وبالذات فيما يخص حياتهم وأمنهم .
السيستاني كما غيره يعلم أن العراقيين اليوم يعانون من احتلال ظالم غير شرعي, وأن هناك أحداثاً كثيرة جرت وتجري عليهم نحو قتلهم وانتهاك مقدساتهم وانتهاك حرمات إنسانيتهم في السجون (كما حدث في أبو غريب) يجب عليه كمسلم فضلاً عن كونه مرجع أن يظهر موقفه ويمارس دوره من موقع المسؤولية في الدفاع عنهم ووضع الحواجز الشرعية التي تحول دون استسهال قتلهم , وأن ويسارع في صف الصفوف في مواجهة الأزمة التي تمس أهم ما يمت إليهم من صله (أرواحهم ,إنسانيتهم , مقدساتهم) .
وهناك هم آخر يضاف للمسلم المؤمن التقي وهو: كيف يصلّي ويعبد الله كي يضمن المستقبل الأبدي الذي يبشر به القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وسيرة المعصومين, فهذه من أهم المسائل التي يفترض بالمرجع الاهتمام بها وإظهار أحكامها الشرعية للعامة الذين يرغبون بالامتثال لأمر الله ويؤدون ما عليهم من تكليف .(44/3)
ولكن الذي يطالع الرسالة العملية التي قدمها السيستاني للمسلمين للعمل بها , يجد أموراً في غاية الغرابة والدهشة لا تقل عن صمته أزاء ما يحدث للعراقيين اليوم وهذا ما يفسر لنا شخصيته الغريبة العجيبة التي نبحث عن فك شفرتها وطلاسمها خلال هذه الدراسة, منها كثرة الاحتياط بصورة ملفتة للنظر وغياب أهم ركن من أركان الإسلام وهو الجهاد في سبيل الله وتكاليف الدفاع عن النفس والعرض والوطن والمقدسات, والتوزيع غير العادل للحقوق الشرعية سيأتي بيانها بالتفصيل.
فعند قراءتنا لموضوع الصلاة مثلاً في رسالته العملية نجد مصطلح (على الأحوط ) قد تكرر في جميع أركان الصلاة ومقدماتها ولواحقها دونما استثناء ابتداء من الآذان وحتى التسليم , و شمل أيضاً لواحق الصلاة مثل صلاة الشك وسجود السهو ونحو ذلك , فقد ذكر كلمة (الأحوط) 113 مرة , وهو رقم قياسي كبير جداً جداً جداً لا يمكن أن يصدر عن مجتهد يتقن عمله في مجموع رسالته التي يقدمها للأمة , فكيف والأمر يتعلق بالصلاة فقط وهي عمود الدين ؟؟(44/4)
وكما يعلم الجميع – من الملتزمين- ان هذه الكلمة (الأحوط) تعني أن الفقيه لم يستطع أن يستنبط الحكم الشرعي الأكيد في المسألة التي يبحثها فلجأ إلى الاحتياط ريثما يظهر له الحكم الأكيد , وهذا قد يحدث لتلميذ في بداية مشواره الفقهي أو في مسائل مستحدثة صعبة للغاية و لا يليق أبداً بفقيه تجاوز السبعين من عمره وفي مسائل الصلاة التي هي من بديهيات الدين وعموده كما هو شائع, والغريب أن هذه الاحتياطات ( 113) التي وجدتها في رسالته العملية , قد أطلعت عليها من خلال تحديثها في موقعه الشخصي بتاريخ : 7- 12- 2004 , مما يعني أن أبحاثه الفقيهة إلى اليوم لا تزال في وضع الاحتياط في مسائل الصلاة -وفي مسائل أخرى بالطبع وهي مئات - ولم يبلغ الحكم الشرعي الأكيد الذي يظهر اجتهاده ويجعل مقلديه يطمئنون إليه كحكم شرعي يقيني . وإليك إحصائية باحتياطاته التي يسجلها في رسالته العملية (المسائل المنتخبة) في مسائل الصلاة (عمود الدين) فقط :
في مسائل لآذان والإقامة = 2 احتياط
أجزاء الصلاة و واجباتها:
1- في مسائل النية = 1 احتياط
2- في مسائل تكبيرة الإحرام = 7 احتياط
3- في مسائل القراءة = 24 احتياط ( حسبي الله ونعم الوكيل )
4-في مسائل الركوع = 16 احتياط
5- في مسائل السجود = 18 احتياط
6- في مسائل التشهد = 7 احتياط
7- في مسائل السلام = 2 احتياط
8- في مسائل القنوت = 1 احتياط
9= في مسائل مبطلات الصلاة = 10 احتياط
10- في مسائل الشك في عدد الركعات = 2 احتياط
11- في مسائل صلاة الاحتياط = 5 احتياط
12- في مسائل قضاء الأجزاء المنسية = 9 احتياط
13- في مسائل سجود السهو = 9 احتياط(44/5)
مجموع الاحتياط = 113 . ما شاء الله ... هل هذا شأن فقيه مرجع في العقد السبعين من عمره يتقن عمله أم شأن تلميذ محتاط في بداية مشواره الفقهي ؟؟ إنها لمصيبة كبرى لا تقل عن مصيبة رفع فريضة الجهاد من أركان الإسلام التي سجلها هذا المرجع في كتبه, ولا عن مصيبة الاحتلال الذي نعاني منه اليوم , وهذه من أوضح علامات الساعة ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
والشيء الآخر المهم الذي نجده في رسالته العملية هو غياب أهم ركن من أركان الشريعة الإسلامية الذي يحفظ حياة وأمن وكرامة المسلمين وهو الجهاد في سبيل الله والدفاع عن النفس والوطن والمقدسات ولم يعتبره من واجبات المسلمين ولا من أركان الإسلام الذي يستحق ذكره ولو بمسألة واحدة ( واجبة أو مستحبة), حيث لم يشر إلى أي مسألة تتعلق بحياة وأمن المسلمين وكأنه لا يعيش في هذا الزمان على الرغم من التحديثات التي نجدها بين آونة وأخرى في كتبه , إذ يقول في الصفحة19 ما يلي:
(( ( مسألة 23 ) : من أهم الواجبات في الشريعة الإسلامية:
1 ـ الصلاة.
2 ـ الصيام.
3 ـ الحج.
وهذه الثلاثة يتوقف أداؤها على تحصيل الطهارة بتفصيل سيأتي بيانه.
4 ـ الزكاة.
5 ـ الخمس.
6 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.))
هكذا دون أن يذكر أن الجهاد من ضمن الفرائض الواجبة على المسلمين سواء كان ابتدائي أو دفاعي , ولم يذكره أيضاً في أي مسألة من المسائل التي يبحثها في كتبه الفقهية كلها ( وهي خمسة فقط), على الرغم من عشرات الآيات القرآنية التي تأمر بالجهاد وتلوّح بأشد العذاب في حال تركه عند الأستطاعة, وقد مارسه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , و جُرِحَ جسدهُ الشريف في مرات.(44/6)
يبدو أن التغييرات التي أجراها السيستاني على رسالة أستاذه الخوئي وقدمها للمسلمين باسمه الشخصي كانت في رفع فريضة الجهاد التي ذكرها الخوئي في رسالته مع بعض التغييرات الأخرى منها كثرة الاحتياط التي تملأ رسالته التي يقول في مقدمتها :
(( ان رسالة المسائل المنتخبة للسيد الأستاذ آية الله العظمى المغفور له السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي قدس سره لما كانت مشتملة على أهم ما يبتلي به المكلف من المسائل الشرعية في العبادات والمعاملات فقد استجبت لطلب جمع من المؤمنين أيدهم الله تعالى في تغيير موارد الخلاف منها بما يؤدي إليه نظري مع بعض التصرف في العبارات للتوضيح والتيسير وتقديم بعض المسائل او تأخيرها فالعمل بهذه الرسالة الشريفة مجزء ومبرئ للذمة و العامل بها مأجور ان شاء الله تعالى.))
في هذه المقدمة البسيطة مسائل هي :
1- إذا كانت رسالة الخوئي مشتملة على أهم ما يبتلي به المكلف في المسائل الشرعية -كما يقول السيستاني في المقدمة أعلاه- فإن مسائل الجهاد والدفاع عن النفس والوطن والمقدسات التي ذكرها الخوئي وهي موضع ابتلاء العراقيين اليوم يجب أن تكون من ضمن الرسالة التي نقلها لنا هذا المرجع عن أستاذه الخوئي ولا يجوز إهمالها أبداً ,لأنها من أهم المسائل التي تهم العراقيين في زمان الأحتلال , وفي زمان الطاغية صدام حسين أيضاً, ولا شيء اعز من حياة وأمن المسلم وأن حرمة دم المسلم أكبر عند الله من حرمة الكعبة نفسها , فلماذا قام بحذف تلك المسائل الأهم عند الله وعند المسلمين من الرسالة التي قدمها للمسلمين باسمه ؟ ما هو الغرض من وراء ذلك ؟؟ هل هذا هو الاجتهاد ؟؟(44/7)
أرى أنه قد غش أتباعه ومقلديه ولم ينصح لهم حينما أخبرهم – في مقدمة رسالته أعلاه - انه ينقل لهم عن الخوئي مسائل بأهم ما يبتلى به المكلف , ثم حذف منها المسائل التي فيها أمنهم وحياتهم ومستقبلهم , إلا إذا كان يعتبر أرواح وأمن ومستقبل المسلمين ليست من المسائل الضرورية , وأن مسائل أحكام ماء البئر, تذكية الجرادة والحية , بلع السمكة وهي حيّة (التي نجدها في كتبه) أهم عنده من تلك التي تخص أرواح وأمن ومستقبل المسلمين.
2- إذا كانت رسالة السيستاني التي بين أيدينا هي في الأصل للسيد الخوئي ودوره هو - كما يقول في المقدمة أعلاه - يكمن في تأخير وتقديم عرض بعض المسائل والتوضيح والتيسير وتغيير موارد الخلاف , فأين اجتهاد المرجع الكبير ؟؟ إن هذا العمل يستطيع أن يقوم به أي طالب حوزة عمره 20 سنة ولا يليق بمرجع كبير أبداً, وأكاد أجزم ان هذا العمل لو قام به تلميذ حوزوي بسيط سوف لن نجد في رسالته 113 احتياط في ركن الصلاة , بل لا نجد هذا العدد من الإحتياطات في مجمل الرسالة التي يلفقها عن مصدرها الأصلي .
3-إن رسالة الخوئي لم تكن تتضمن 113 احتياط في مسائل الصلاة , وكانت تشتمل على مسائل فريضة الجهاد الذي يقسّمه إلى قسمين جهاد ابتدائي يرى أن الإمام المعصوم (عليه السلام) يأمر به , وجهاد دفاعي يأمر به مرجع التقليد ,أو يقوم به المكلف تلقائياً دونما الرجوع إلى مرجع, وهي اليوم موضع ابتلاء العراقيين .(44/8)
4- إن هذا العمل يكشف لنا بوضوح الفرق بين المجتهد الذي يقدّم للأمة رسالة من جهده الخالص وبين المحتاط, والفرق بين الحريص على أرواح وأمن ومصلحة المسلمين وبين اللا أبالي الذي يتجاهل أهم فريضة من فرائض الإسلام التي تهم أرواحهم وأمنهم ومستقبلهم ولم يعتبرها من ضمن الواجبات ولا حتى من المستحبات, على الرغم من ابتلاء المسلمين بمسائلها هذه الايام , ثم يقول لهم – في المقدمة أعلاه- إن العمل بهذه الرسالة – التي لم تتضمن شيئاً عن مسائل الدفاع عن أمنهم وأراحهم ومقدساتهم ومستقبلهم- مجزء ومبرئ للذمة و العامل بها مأجور ان شاء الله تعالى.
عجيب أمر هذا المرجع ..! هل يعتقد أن الله يشاء و يرضى بدين من بضعة أركان ليس فيه فريضة واجبة فيها أمن وحياة ومستقبل المسلمين قد صرّح بها كتابه المجيد في عشرات الآيات , وأكدها رسوله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام طوال حياتهم الشرعية ؟؟؟ وقد ذكرها أستاذه الخوئي في رسالته وكل الفقهاء ما سواه .
و ماذا سيكون موقفه إن لم يشأ الله ولم يقبل بدين ناقص ليس فيه تلك الفريضة التي يصرّح بها كتابه العزيز ومارسها رسوله الأمين صلى الله عليه وآله وسلم ؟؟ بالتأكيد إن مصيبة كبرى أبدية سوف تحدث له يوم الحساب يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ,لأنه قد أسقط أهم ركن من أركان الإسلام ولم يعتبره من واجبات المسلمين ولا فريضة واجبة ولا حتى مستحبّة تستحق الذكر في كتبه وهذا ليس من حقه كما يعلم ويعلم الجميع , أنا هنا أتحدث عن الجهاد الذي يضمن أرواح وأمن ومستقبل المسلمين كفريضة واجبة وركن من أركان الإسلام يجب على من يدعي الاجتهاد بيان أحكامه للمسلمين -ولو من باب المسائل الكلاسيكية القديمة- وليس عن فتوى إعلان الجهاد- مع أهميتها هذه الأيام بشروط- فهذه غير تلك كما هو بيّن.
الرجولة(44/9)
يجمع كل الفقهاء والمراجع – ضمنهم السيستاني– دونما استثناء على أن الرجولة من بين الشروط الشرعية الواجب توفرها بمرجع التقليد, ولعل السبب الشرعي في ذلك هو أن المرجع الرجل ينبغي ان يصلّي بالناس جماعة , وأن يخطب فيهم بالمناسبات العامة والخاصة , وأن يخالط الناس أصحاب التأثير وقيادي المجتمع الذين هم في الغالب من الرجال, وأن يجاهد في سبيل الله وقت الجهاد ويحرّض المؤمنين عليه , وأن يدافع عن مصالح المسلمين في المحافل الرسمية التي غالباً ما تكون من عمل الرجال .
وحينما نبحث عن هذه الشروط الشرعية (الرجولية) الواجب توفرها في المرجع, لا نجدها في سلوك السيستاني حيث لم نرَ له موقفاً جهادياً واحداً في حياته الفقهية كلها, لا كلمة حق أمام سلطان جائر -وما أكثرهم – ولا فتوى تحرّم قتل المسلمين, سواء كانوا في العراق أو فلسطين أو أي مكان آخر , ولا بحث فقهي يبيّن للمسلمين أحكام الجهاد و الدفاع عن النفس والأرض والمقدسات , بل تجاهل فريضة الجهاد والدفاع في كتبه الفقهية كلها (هي خمسة فقط) ولم يذكر مسألة واحدة تخص أمن وحياة المسلمين, وهذا السلوك لو مارسته أنثى بحجة أن الجهاد واجب على الرجال من دون الإناث وهي غير معنية به, وكانت في موقع فقيه مجتهد لما سوّغ لها ذلك, و لكانت مأثومة أمام عدالة الله لأنها أسقطت ذاتها ( أنوثتها) على شرع الله وقدمته للمسلمين على أنه هو الحق, فكيف يصدر ذلك عن فقيه رجل الجهاد من ضمن واجباته الشرعية ؟؟
أنا هنا لا أتعرّض لذكورة المرجع بل لمواقفه الرجولية وشتان بين الأثنين .(44/10)
وهو – السيستاني- طوال عمره الفقهي لم يصلِ مع الناس جماعة لا إماماً ولا مأموماً , ولم يخطب في حياته( 73 سنة) خطبة واحدة بين جموع الناس , وقد قضى أكثر من عشرين سنة معزولاً في بيته عن الناس ولم يخرج خلالها حتى لزيارة مرقد الإمام على( عليه السلام) الذي لا يبعد عن بيته سوى أمتار وهو يدّعي حبه ومولاته , وهذا سلوك لا تمارسه حتى الأنثى المؤمنة التي تعتز بخدرها وتصون عفتها بالعزلة عن عالم الرجال , بل نجدها تشارك في صلاة الجماعة والزيارات والأنشطة الدينية والاجتماعية وحتى المسيرات الوطنية, وتهتم بأمور المسلمين تشجب وتدين وتحرّم قتلهم وتبدي رأيها من خلال القنوات التي تحافظ على خصوصيتها كأنثى مؤمنة , بل وحتى تجاهد وتُقتل في سبيل الله من أجل النفس والوطن والمقدسات, فما بال الرجل -المحتاط حتى في صلاته- لا يمارس ذلك ؟؟
أرى أن المشرّع الذي فرض أن يكون القيادي الشرعي رجلاً وليس أنثى , ليس له موقفاً سلبياً من الأنثى بقدر ما يريد أن يضع الأمانة الشرعية بيد من هو كفواً لها , يستطيع ان يتحرّك في المجتمع طوال الوقت بلا موانع بيولوجية (حمل, ولادة , دورة شهرية, خجل ), وأن تكون لديه جرأة وحضور في مجتمع المسلمين الذي هو مؤتمن على دينهم وحياتهم , وأمنهم القومي أيضا فيما يتعلق بالجهاد والدفاع عن ,الوطن, النفس ,العرض, المقدسات .(44/11)
وعلى حسب هذه الحقائق الموضوعية فإنه لا يجوز شرعاً وعقلاً من كان لا تتوفر فيه الجرأة الاجتماعية والحضور الدائم في المجتمع والشجاعة في مواجهة أعداء الدين والملة وكانت صلاته كلها احتياط, أن يكون مؤتمناً على الشريعة ومرجعاً للمسلمين , لأن في ذلك مفسدة كبيرة, فضلاً عن مَنْ أسقط الجهاد من رسالته العملية التي يقدمها للمسلمين , في زمان باتت فيه النساء والفتيات يجاهدن في سبيل الله ويقمن بعمليات بطولية في غاية الشجاعة والنبل والحس الإنساني العميق, وقد تقتل من أجل حياة المسلمين بعزة وكرامة.(44/12)
ما يثير الدهشة حقاً ان مسألة رفع فريضة الجهاد التي فيها أمن وحياة ومستقبل المسلمين , من أركان الإسلام ليست عارضة أو سهواً, بل سعى إلى تثبيتها في جميع كتبه الفقهية, على الرغم من التحديثات والطبعات الجديدة التي تجري عليها بعض التغييرات الشكلية الطفيفة بين آونه وأخرى , إلا أنه يصر في كل مرة على ألا يتناول الجهاد كفريضة واجبة ( ولا حتى مستحبّة) ولم يذكر مسألة واحدة قط تخص حياة وأمن المسلمين وحقهم في الدفاع ولو من باب المسائل الكلاسيكية القديمة, ولا حتى مجرد التعليق على آية قرآنية ذكر فيها أسم القتال في جميع كتبه وفي كل الطبعات والتحديثات , فالذي يطالع كتبه في طبعاتها القديمة والأقراص المدمجة ( c d) وما يصدر في هذه الأيام من تحديث لها يجد بعض التغيرات الطفيفة جداً التي لا تذكر , ويجد إصراراً مدهشاً على تجاهل فريضة الجهاد وعدم ذكرها في أي من كتبه والأقراص المدمجة ومواقع الانترنت التي تتحدث باسمه وتجيب عن بعض الاستفتاءات وتظهر المستجد من الفتاوى والبيانات, على الرغم من أبتلاء المسلمين – خصوصا العراقيين- بالاحتلال وما ينجم عنه من مآسي , مما يعني أن موقفه من فريضة الجهاد واضح وأكيد وقد عاشه طوال عمره الفقهي ولا يزال وهو يعيش في بلد محتل من قبل الشيطان الأكبر وأعوانه (كما يقول البعض من القوم) .
يؤلمنا جداً هذا الوضع البائس , وأن يصدر هذا البتر للشريعة المحمدية ويجري رفع أهم بند من بنود الإسلام من بعد الصلاة , فضلاً عن تقديم صلاة تتضمن 113 احتياط, من قبل أكبر المراجع في الحوزة و يصر على تثبيته في جميع إصداراته الفقهية وتحديثاتها وكأن شيئاً لم يكن على الرغم مما يشهده العراقيون اليوم من احتلال يوصف بالهمجية والكفر , وهم بحاجة إلى التفقّه ومعرفة تكليفهم الشرعي في هذه الأيام .(44/13)
أرى أن سكوت السيستاني على مثل هذه الأمور التي تمس أمن و حياة المسلمين لم ينفع إتباعه ومقلديه فهم لا يعلمون رأيه في الجهاد وشروطه واجباته , والبعض منهم يجهل حقه في الدفاع عن النفس والوطن والمقدسات, و يجهل أن الركون إلى الذين ظلموا خيانة عظمى لله وللرسول وللمسلمين تستوجب سخط الله والعذاب الشديد , لأن مرجعهم لم يذكر لهم مسألة واحدة لا في كتبه ولا في بياناته, وهذا تقصير واضح بحقهم , إن لم يكن غشاً شرعياً واستهتاراً بما يجري لهم في دنياهم وفي آخرتهم.
والسؤال هو:
على أي أساس وأي حجة شرعية قد سوّغ تجاهل فريضة واجبة صرح بها القرآن الكريم بعشرات الآيات و مارسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طوال حياته النبوية الشريفة, وهي موضع ابتلاء المسلمين اليوم وهو يدّعي أنه نقل– عن الخوئي- للمؤمنين أهم ما يبتلى به المكلف ؟
أعني هنا فريضة الجهاد والدفاع الواجبة التي يصرح بها القرآن الكريم لا عن فتوى إعلان الجهاد فهذه غير تلك كما أسلفت.
والسؤال الآخر: مَنْ المسؤول أمام الله تعالى مجده عن هذا الذي يحدث للعراقيين وللأمة اليوم ؟؟ هل هو وحده باعتباره تجاهل حق الدفاع عن النفس والوطن والمقدسات ولم يعتبره من واجبات المسلمين ولم يظهر لهم أحكامه , وصمت طويلاً ولم يحرّم ولم يشجب قتل العراقيين وانتهاك مقدساتهم ... أم آخرون غيره؟؟(44/14)
أرى أنه – دونما قصد- قد غشّ إتباعه ومقلديه ولم ينصح لهم حينما فقهتهم وشغلهم بمسائل اقل ما يقال عنها انها مضيعة للوقت بما لا ينفع, نحو أحكام ماء البئر و كيفية تذكية الجرادة والحية وكراهة ذبح الذبيحة أمام الحيوانات الأخرى وجواز بلع السمكة وهي حيّة ..الخ, ولم يذكر لهم مسألة واحدة تتعلق بحياتهم وأمنهم وكرامتهم كمسلمين على الرغم مما يجري لهم اليوم من قبل قوات الأحتلال والحكومة العميلة , وكأن ذبح الدجاجة وتذكية الجرادة والحية وبلع السمكة وهي حية في رأيه أهم من ذبح وقتل المسلم وبلع وطنه وتاريخه وهو حي , فقد أخذت تلك المسائل( غير الضرورية) فصول ومسائل كثيرة في كتبه الفقهية , بينما قتل المسلمين واحتلال بلدهم وهدم مساجدهم والاعتداء على مقدساتهم لم يذكرها ولو بكلمة واحدة إلى اليوم, لا في مسألة ولا فتوى ولا حتى في بيان على الرغم من مرور عشرون شهراً على ابتلاء العراقيين بالاحتلال , وهذا الأمر لا يمكن أن يكون مصادفة أبداً فقد سعى إلى تثبيته في جميع كتبه الفقيهة وتحديثاتها , ولم يجب على الاستفتاءات التي وجهناها له عن مسائل ابتلاء العراقيين بالاحتلال وتبعاته ورأي المرجعية مما يجري اليوم .
العدالة
تعتبر العدالة من أهم الشروط الواجب توفرها في الفقيه وهذا الشرط يقره السيستاني في كتبه واستفتاءاته, وحينما نطبّق هذا الشرط عليه في مسألة توزيع الأموال الشرعية على المستحقين ( الذي يعلن تفاصيله هو في مواقعه على الإنترنت) نجد أن عدالته قد أسقطها هو بنفسه , من خلال بيانه كيفية توزيعه وصرفه للأموال الشرعية.
فمن خلال موقعه على الأنترنت www.sistani.org نجد العجائب:
( أنا هنا استخدم النسخ من موقعه واللصق في هذا البحث مع الاختصار لكي لا يمل القارئ ولمن أراد التفاصيل فليذهب للموقع من خلال الرابط أعلاه , أو هذا الرابط www.seestani.com )(44/15)
الموقع يقول: (( لقد أولت المرجعية الدينية لآية الله العظمى السيد السيستاني ... جل اهتمامها بالحوزات العلمية والمدارس الدينية(...) فأولته بالغ الأهمية ورفيع المنزلة، بحيث تنفق سنوياً على رواتب الحوزات العلمية مبالغ كثيرة في داخل إيران وخارجها , فيجري تأمين الرواتب الشهرية لأكثر من 300 حوزة علمية كبيرة وصغيرة في شتى أنحاء إيران ، لاسيما في مدينة قم المقدسة التي يقطنها أكثر من 35000 طالب علوم دينية، ومشهد التي يسكنها أكثر من 10000 طالب واصفهان التي تضم أكثر من 4000 طالب بالإضافة إلى سائر الحوزات العلمية والمدارس والمراكز الدينية المنتشرة في شتى مناطق إيران. ( المجموع49000 طالب).
كما يجري دعم هذه الحوزات بمختلف ما تحتاجه من الوسائل العلمية كإنشاء المكتبات والشبكات الكومبيوترية، ووسائل الراحة من أجهزة التدفئة والتبريد وبرادات الماء والأفرشة وغيرها، وسائر ما تفتقر إليه من مواد ولوازم يتم توفيرها عبر التنسيق مع مكاتب سماحته (دام ظله). ....
... كما يجري دعم الدورات التربوية والثقافية والمسابقات العلمية والقرآنية والرياضية ( انتبه إلى الكلمة الحمراء أرجوك) التي تنعقد بشكل مكثف ومستمر طوال أيام السنة في مختلف المدن الإيرانية.
هذا، ويقوم بين الفترة والأخرى وفد من مكتب سماحته (دام ظله) بزيارة الحوزات العلمية والمراكز الدينية المنتشرة في شتى مناطق إيران، لأجل الإطلاع على برامجها ونشاطاتها والاستماع لمشاكلها واحتياجاتها والسعي لدعمها وتطويرها مع إيجاد حالة من التواصل والمتابعة لغرض تنفيذ ما يمكن من خلاله تنمية هذه الحوزات وتوسعتها هذا على صعيد الجمهورية الإسلامية في إيران.
أما على صعيد الخارج فتتوزع على الدول الآتية:
1 ـ سوريا: ويجري فيها صرف أكثر من 000/700 دولار سنويا على رواتب طلبة العلوم الدينية.(44/16)
2 ـ لبنان: ويجري فيها بين الفترة والأخرى توزيع هدية سماحة السيد( دام ظله) ( أنتبه إلى كلمة هدية)على كافة طلبة العلوم الدينية هناك والتي تبلغ في كل مرة حوالي 000/130 دولار.
3 ـ باكستان: ويصرف فيها أكثر من 000/500 دولار سنويا على رواتب طلبة العلوم الدينية.
4 ـ الهند: ويصرف فيها أكثر من 000/500 دولار سنويا لتغطية رواتب طلبة العلوم الدينية.
5 ـ آذربايجان: ويصرف فيها أكثر من 000/300 دولار سنويا لتغطية رواتب طلبة العلوم الدينية واحتياجات الحوزات العلمية والمراكز الدينية والمبلغين وتأسيس المكتبات ودور الترجمة.
هذا مضافا إلى ما يتم تقديمه من الدعم والتواصل مع مختلف الحوزات العلمية والمراكز الدينية والثقافية الشيعية المنتشرة في مختلف بقاع العالم من آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا بشتى الطرق والقنوات.
انتهى النقل عن موقعه :
أقول: هنيئاً لإخواننا المسلمين في إيران ورياضييهم بهذا الاهتمام من قبل مرجعية السيستاني ولكل المسلمين في العالم, ولكن هل قرأت شيئاً عن النجف وحوزات النجف التي يقطنها السيستاني أو أي شيء عن العراق في السطور السابقة ؟؟ قم بنفسك بزيارة صفحته على الانترنت لتتأكد من عدالة فقيهنا , سوف لن تجد شيئاً أسمه العراق ومؤسساته الدينية ومساجده , من الأموال الشرعية التي يصرفها هذا الرجل.
والسؤال هو : هل من العدالة هذا الاهتمام المفرط في شؤون إيران( مسقط رأسه) حيث 300 حوزة علمية و49 ألف طالب و21 مجمع سكني ومدينة كاملة بكل متعلقاتها تحمل أسمه الشخصي ( سيأتي بيانها), بالإضافة إلى سوريا ولبنان وباكستان والهند وآذربيجان ( ومختلف بقاع العالم من آسيا وأفريقيا وأوربا وأمريكا- كما يدعي هو) ويترك العراق وحوزاته العلمية ومسلميه دونما أي أشارة أو اهتمام ولو بدينار واحد لعراقي تحت أي عنوان أو مسمى؟؟(44/17)
أقرأ الفقرة السابقة (2- لبنان) جيداً واحكم بنفسك على عدالة فقيهنا( ذو113 احتياط في صلاته), هل من العدالة أن يعطي الأموال الشرعية 130 ألف دولار في كل مرة , ليس بعنوان راتباً شهرياً إلى طلبة العلم أو حق الفقراء والمساكين وأبناء السبيل, بل بعنوان هدية , في الوقت الذي يعاني فيه العراقيون ويلات الاحتلال الظالم وتبعاته ؟؟ ولا ندري ماذا يقصد في كل مرة يعطي فيها هدية , هل في كل يوم أم كل شهر أم كل سنة , أو غير ذلك؟؟ الكل يعلم أن هناك الكثير من العراقيين اليوم بأمس الحاجة إلى حقوقهم الشرعية سواء كانوا طلبة علوم دينية أو فقراء مستحقين أو مرضى أو مجاهدين في سبيل الله من أجل الدين والأرض والأمة والإنسان.
وهل من العدالة أن يدعم هذا الفقيه المسابقات الرياضية في إيران ويترك مساكين وفقراء العراق يعانون تحت ويلات الاحتلال ؟؟؟ هل سمعتم يوماً أن الأموال الشرعية تستخدم لدعم الدورات والمسابقات الرياضية وتمنح بعنوان هدايا ؟؟ لو كان هذا الأمر في زمان السلم والرفاهية بحيث لا يوجد احتلال ولا فقر ولا مأساة لكانت من أكبر المحرمات الشرعية لأنه لا يجوز صرف الأموال العامة للمسلمين بمزاج شخصي, فكيف يأتي ذلك التصرّف في زمان يعاني فيه المسلمون الاحتلال والفقر الحاجة؟
و إليك الآن صفحة أخرى من موقع فقيهنا السيستاني ( نسخ ولصق كما السابق مع الاختصار) :
تحت عنوان : مدينة آية الله العظمى السيد السيستاني
بعد المقدمة والحاجة لهذه المدينة يقول:
(( وللوقوف على حجم هذا المشروع، لا بأس باستعراض نبذة مختصرة عن أهم ما يضم من أبنية وملحقات.
يقام مجمٌع آية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله) على أرض تبلغ مساحتها حوالي 40 ألف متر مربٌع في أحدى المناطق الواقعة وسط المدينة.(44/18)
تمٌ وضع الحجر الأساس في 3 شعبان المعظٌم سنة 1416هـ.، ذكرى ولادة سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) وذلك بحضور ثلة من العلماء والأفاضل الكرام.
ويحتوي هذا المجمٌع على حوالي 320 وحدة سكنية، بعضها بمساحة 115 متراً مربعاً، وبعضها الآخر بمساحة 100 متر مربع، وتضمٌ كلٌ وحدة سكنية منها كامل المرفقات الضرورية ووسائل التدفئة والتبريد وما شاكل ذلك.
وأهم ما يلحق بهذا المجمٌع السكني الكبير:
1 ـ سوق عصري تتوفٌر فيه مختلف الاحتياجات والمتطلٌبات اليوميٌة الضرورية.
2 ـ قاعات مختلفة للبحث و التدريس.
3 ـ صالات لإقامة المجالس و الاحتفالات للرجال والنساء كل على انفراد.
4 ـ نادٍ رياضيٌ. ( انتبه لهذه العبارة )
العنوان: ايران ـ قم
ساحة الامام الخميني ـ شارع كارگر
انتهى النقل عن صفحة السيستاني
نبدأ بالسؤال عن الفقرة (4- نادٍ رياضي ) كم هي يا ترى تكاليف بناء وتجهيز هذا النادي من الدولارات ؟؟ وعلى أي مصدر شرعي استند في توزيع الأموال الشرعية في بناء وتجهيز ناد رياضي من أموال الفقراء , هل هذه عدالة ؟؟ ثم أين نصيب العراق -الذي يعيش فيه هذا الفقيه- وحوزاته العلمية من ذلك الكرم الحاتمي من الأموال الشرعية ؟؟ من أي دين يستمد فقهينا عدالته في توزيع تلك الأموال الشرعية ؟؟(44/19)
لا حظ أنه قال : تمٌ وضع الحجر الأساس في 3 شعبان المعظٌم سنة 1416هـ.، ذكرى ولادة سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام). مما يعني أنه قد بنى هذه المدينة في نفس الفترة التي أصدر فيها فتواه( الشهيرة) التي يبيح بها للعراقيين أكل الميتة في زمان حكم صدام حسين وايام الحصار . ليست هذه عدالة... في العراق يصدر فتوى يبيح للمسلمين فيها أكل الميتة , وفي إيران يبني لأبناء قومه مدينة تحمل اسمه ( على غرار مدينة صدام , مدينة فهد , مدينة مبارك, مدينة القذافي ,, ونحو ذلك) والكثير من المجمعات والمرافق المجهزّة بأحدث التجهيزات كما يقول هو وسيتضح ذلك خلال الفقرات اللاحقة.
قم بزيارة مواقعه على الانترنت -بعد أن تنتهي من قراءة هذا البحث- لتعرف عدالة هذا الفقيه على حقيقتها.
ليست هذه المدينة التي تحمل اسمه الشخصي هي المشروع الوحيد الذي يصرف عليه الأموال الشرعية, بل هناك العشرات غيرها, فمن خلال زيارتنا إلى مواقعه على الانترنت نجد أنه قد باشر في بناء المشاريع التي ليس فيها نصيب للعراقيين الذين يعيش في نجفهم هذا الفقيه , ما بين مجمعات سكنية ومستشفيات ومراكز ومؤسسات دينية وعلمية مجهزة بأحدث التجهيزات العصرية الحديثة على حد قوله, ولا نعترض على أي شيء يستفيد منه المسلمون في أي مكان إذا كان بعدالة وبحق , بل اعتراضنا إنما على عدم العدالة والنظرة العنصرية في توزيع الأموال الشرعية , وعدم الصدق في تصريحاته التي يدعي انه يخالف الحكومة الإيرانية بينما يعمل على إقامة المشاريع والمؤسسات بالنيابة عنها من الأموال الشرعية للمسلمين.
فمن المشاريع التي قام ويقوم بها الفقيه من بعد تلك المدينة الكبرى التي تحمل اسمه هي :(44/20)
2- مركز إغاثة اللاجئين العراقيين في إيران ديزل فول , وهو مشروع قديم على ما يبدو كان من أيام الحرب العراقية الإيرانية وأيام حكم صدام حسين , أرى أن هذا المشروع يساعد الحكومة الإيرانية بالدرجة الأولى في تحمّل مسؤلياتها بحق اللاجئين في أراضيها, كان أولى بهذا الفقيه أن يغيث العراقيين داخل العراق ويعطي لفقرائه حقهم الشرعي بدلاً من أن يبيح لهم أكل الميتة أيام الحصار في حكم صدام حسين, أما مسألة اللاجئين فهي من شأن الحكومة الإيرانية ينبغي أن تصرف عليه من أموالها الخاصة ( البترول ,المعادن التبادل التجاري,السياحة, الصناعات, الحقوق الشرعية لولاية الفقيه ونحو ذلك).
3- مركز مساعدة الفقراء والمحتاجين ومتضرري السيول والزلازل:
العنوان: ايران ـ دزفول
الهاتف: 5252281 641 0098
البريد الالكتروني: maay2000@hotmail.com
هذا المشروع أيضاً ينبغي أن يكون من ضمن مسؤوليات الحكومة الإيرانية لأنه يخص رعاياها كمواطنين .
4- مركز مساعدة المهاجرين الأفغان..
العنوان: مدينة زابل الواقعة جنوب شرقي إيران. هذا أيضاً كما الأول والثاني ينبغي ان يكون من ضمن مسؤوليات الحكومة الإيرانية .
5- مستوصف الإمام الصادق ( عليه السلام) الخيري .
العنوان: ايران ـ قم
شارع نيروگاه ـ ساحة اميني بيات ـ اول شارع شاهد
الهاتف: 2 - 8844040 251 0098
الفاكس: 8844422 251 0098
هذا أيضاً كما السابق ينبغي ان يكون من ضمن مسؤوليات الحكومة الإيرانية لأنه واقع على أراضيها وضمن سيادتها والمستفيد منه رعاياها .
6- مستشفى العيون
العنوان: ايران ـ قم
ساحة الامام الخميني ـ شارع كارگر ـ جنب مدينة آية الله العظمى السيد السيستاني .
هذا أيضاً كما السابق ينبغي ان يكون من ضمن مسؤوليات الدولة الإيرانية لأنه واقع على أراضيها وضمن سيادتها والمستفيد منه رعاياها .(44/21)
7- مستوصف الإمام الحسن المجتبى( عليه السلام) الخيري- ايلام .
العنوان : ايران ـ إيلام ـ شارع الولاية .
الهاتف: 3331289 841 0098
3339447
3354726
الفاكس: 3354724 841 0098
هذا أيضاً كما السابق ينبغي ان يكون من ضمن مسؤوليات الحكومة الإيرانية لأنه واقع على أراضيها وضمن سيادتها والمستفيد منه رعاياها .
8- المستوصف الخيري في منطقة حاجي آباد.
العنوان: ايران ـ قم ـ حاجي آباد
هذا أيضاً كما السابق ينبغي ان يكون من ضمن مسؤوليات الحكومة الإيرانية لأنه واقع على أراضيها وضمن سيادتها والمستفيد منه رعاياها .
9- مستشفى رقية (عليها السلام) الخيرية للولادة
العنوان : ايران ـ إيلام ـ شارع الولاية .
الهاتف: 3331289 841 0098
3339447
3354726
الفاكس: 3354724 841 0098
هذا أيضاً كما السابق ينبغي ان يكون من ضمن مسؤوليات الحكومة الإيرانية لأنه واقع على أراضيها وضمن سيادتها والمستفيد منه رعاياها .
10- مجمع المهدية السكني .
العنوان: ايران ـ قم
شارع اصفهان ـ حيّ المهدية
الهاتف: 2952968 251 0098
هذا أيضاً كما السابق ينبغي ان يكون من ضمن مسؤوليات الحكومة الإيرانية لأنه واقع على أراضيها وضمن سيادتها والمستفيد منه رعاياها .
11- مجمّع الزهراء ( عليها السلام ) السكني.
العنوان: ايران ـ قم
آخر شارع يزدان شهر ـ اول شارع 15 خرداد
الهاتف: 2938553 251 0098
هذا أيضاً كما السابق ينبغي ان يكون من ضمن مسؤوليات الحكومة الإيرانية لأنه واقع على أراضيها وضمن سيادتها والمستفيد منه رعاياها .
12- مجمع ثامن الحجج ( عليه السلام ) السكني – مشهد
العنوان: إيران ـ مشهد ـ أول شارع قوچان
الهاتف: 6650573 511 0098
هذا أيضاً كما السابق ينبغي ان يكون من ضمن مسؤوليات الحكومة الإيرانية لأنه واقع على أراضيها وضمن سيادتها والمستفيد منه رعاياها .
13- مجمع السكني في طريق سراجة ـ قم
العنوان: ايران ـ قم(44/22)
ساحة پليس ـ ساحة آسايشگاه ـ ابتداء شارع سراجة
الهاتف: 7221199 251 0098
هذا أيضاً كما السابق ينبغي ان يكون من ضمن مسؤوليات الحكومة الإيرانية لأنه واقع على أراضيها وضمن سيادتها والمستفيد منه رعاياها .
انتهى النقل عن موقع السيستاني.
أقول : نلاحظ مما سبق أنه يبالغ في بناء المشاريع والمؤسسات في إيران( مسقط رأسه) وتجهيزها بأحدث التجهيزات والمتطلبات العصرية, بما في ذلك المجمعات السكنية والأندية والمسابقات الرياضية بالأموال الشرعية للمسلمين الشيعة , في الوقت الذي صدرت منه فتوى شرعية يبيح فيها للعراقيين- الذين يعيش بينهم- أكل الميتة في زمان صدام حسين أيام الحصار, ولم يفعل لهم شيئاً يذكر أيام الاحتلال الأمريكي , لا مدينة تحمل اسمه الشخصي, ولا مستشفى, ولا مستوصف يعالج المصابين بقنابل الأحتلال , ولا حوزات مجهّزة بأحدث التجهيزات , ولا هم يحزنون , بل ولا حتى فتوى لا تكلف سوى سطرين وختم تحرم قتلهم .
مع العلم ان إيران ليست النجف التي يعيش فيها هذا الفقيه , بل إيران دولة مستقلة لها دخلها الخاص من النفط والمعادن والصناعات والتبادل التجاري ,ولها أيضاً أموال شرعية تصل لفقهاءهم الكثيرون وإلى (مرشد الجمهورية السيد على خامنئي ), فتلك المشاريع التي شملها كرم فقيهنا السيستاني (القابع في النجف) إنما من مسؤوليات الإيرانيين ينبغي تمويلها من أموال الدولة الإيرانية ومن أموال الفقهاء في إيران و ليست من أموال شرعية من فقيه يعيش في النجف على مرمى بصره آلاف العراقيين والكثير من المؤسسات بأمس الحاجة للمساعدة من حقوقهم الشرعية , علماً أن الكثير من الأموال الشرعية التي تصل إلى السيستاني من العراقيين أنفسهم .(44/23)
إن من يزور العراق هذه الأيام يجد أموراً تدمي فؤاد حتى الكافر فضلاً عن المسلم حزناً وكمداً على أوضاع البعض من الفقراء حيث يسكنون -وقد رايتهم بعيني - في مدارس وحسينيات وفرق حزبية ومعسكرات الجيش التي خلفها النظام المقبور , إنهم بأمس الحاجة لحقوقهم الشرعية وبناء المجمعات السكنية والمستشفيات التي تعالجهم على غرار تلك التي يبنيها السيستاني في إيران, بل هم – على حسب نظرية التزاحم -أولى من الإيرانيين باعتبارهم عانوا طويلاً من حصار جائر كانوا هم الضحية , ومن بعد ذلك احتلال أجنبي وحكومة عميلة , بينما الإيرانيون لم يعانوا تلك المعانات ولديهم حكومة إسلامية وولاية فقيه لديه أموال شرعية كما السيستاني.
فهل ينبري أحد ممن يدعون التديّن أو الوطنية أو العمل من أجل العراقيين تحت عباءة السيستاني أن يفسر لنا هذا التوزيع غير العادل لأموال المسلمين ؟؟ وأن يخبرنا بدليل واضح وأكيد عن مؤسسة أو مجمع أو مستشفى أو بيت أو مشتمل أو غرفة صغيرة بناءها السيستاني في العراق لمصلحة عراقي واحد , وأن يخبرنا بوضوح عن موقف مرجعية السيستاني من هؤلاء الفقراء والمساكين ( الشيعة) الذي يقطنون الحسينيات والمدارس والفرق الحزبية و ومعسكرات الجيش التي خلفها النظام المقبور ؟؟؟ وهل أعطاهم حقهم وبنى لهم مدن ومجمعات سكنية ومستتشفيات كما فعل للإيرانيين ؟؟. بل هل أعطاهم السيستاني حقهم عليه من الفتوى وحرم بصورة واضحة قتلهم لكي يضع حاجزاً شرعياً يحول دون استسهال قتلهم أو التعاون مع أعداءهم ؟؟؟ لا نريد شعارات زائفة لا تسمن وتغني من جوع , بل نريد أشياء واقعية ملموسة يستفيد منها العراقي كتلك التي تعملها مرجعية السيستاني في إيران.
يا مرجعية يا رجال الدين يا قابضي أموال الخمس باسم السيستاني , يا سياسيون,...هل من مجيب ؟؟(44/24)
نريد أن نعرف أين حقوق العراقيين ( الشيعة) من تلك الملايين التي يدفعها التاجر و المقلد ( العراقي) الطيب والتي تصرف باسم المرجعية بتلك الصورة التي يعلنون عنها بكل وقاحة ودونما خوف من الله ؟؟
البقية في الحلقة القادمة ( إنشاء الله تعالى )
الحلقة الثانية
المؤسسات الثقافية
في الحلقة السابقة تحدثنا عن بعض من سمات مرجعية السيستاني , والتي كان ضمنها صرفه للأموال الشرعية بطريقة غير عادلة , حيث بالغ كثيراً في صرفها على ابناء قومه في إيران في مشاريع ومجمعات سكنية ومدينة كاملة تحمل اسمه الشخصي ( مدينة السيستاني) ومستشفيات ونوادي رياضية ومستوصفات دون أن يقابل ذلك مشروع واحد ولو صغير أو حتى غرفة صغيرة يستفيد منها عراقي واحد في العراق على الرغم من تباين ظروف كلا البلدين بصورة واضحة, وفي هذه الحلقة أكمل البحث وأقول :
ليست تلك المشاريع والمؤسسات وحدها التي تصرف عليها مرجعية السيستاني في إيران من الأموال الشرعية للشيعة التي تقدر بالملايين ( بل المليارات) بصورة غير عادلة, بل هناك العشرات غيرها التي ليس للعراقيين فيها من نصيب, وإليكم صفحة أخرى من موقع السيستاني أنقلها هنا ( نسخ ولصق كما السابق ) لأضع بين يدي الجميع الحقائق التي تبين عدالة السيستاني بأوضح صورة .
( أريد من القاري اللبيب الذي يتابع معنا هذه السطور أن ينتبه فقط إلى كلمة إيران , قم, طهران, شيراز, مشهد, و نحو ذلك )
1-مركز الرسالة للدراسات والبحوث
العنوان: ايران ـ قم
بداية شارع سمية
ص. ب 737 / 73185
الهاتف: 7732013 251 0098
الفاكس: 7730020 251 0098
البريد الالكتروني : resala@rafed.net
3-مركز المصطفى (صلى الله عليه وآله) للدراسات الإسلامية
العنوان: ايران ـ قم
شارع فاطمي ـ اول فرع 9
الهاتف 7744374 251 0098
الفاكس: 7731612 251 0098
ص.ب: 3665 / 37165
العنوان على الإنترنت: www.almarkaz.net(44/25)
البريد الالكتروني: info@almarkaz.net
5-مؤسّسة الإمام علي (عليه السلام)
العنوان: ايران ـ قم
صفائية ـ ممتاز ـ رقم 30
الهاتف : 7743996 251 0098
الفاكس: 7743199 251 0098
فاكس لندن : 8306858 181 0044
فاكس بيروت : 541431 11 0096
العنوان على الانترنت: http://www.alimamali.com
البريد الالكتروني: webmaster@alimamali.com
7-مؤسسة الإمام علي (عليه السلام) ـ بيروت
العنوان:
لبنان ـ بيروت
تلفاكس: 009611541431
9 مكتبة علوم الحديث المختصّة
العنوان: ايران ـ قم
شارع فاطمي ـ فرع 17
هاتف: 7733026 251 0098
11- مكتبة الفلسفة والكلام المختصّة
العنوان: ايران ـ قم
شارع الامين ـ مقابل مؤسسة الاذاعة والتلفزيون ـ فرع وكالة الانباء الايرانية
الهاتف: 2933206 251 0098
13-المكتبة التاريخيّة المختصّة
العنوان: ايران ـ قم
شارع سمية ـ شارع رجايي
هاتف: 7738081 251 0098
البريد الالكتروني: taryx@rafed.net
15-دار الزهراء (عليها السلام ) الثقافية
العنوان : ايران ـ قم
شارع سمية ـ مقابل شارع رجايي
الهاتف : 7737623 251 0098
العنوان على الانترنت: http://www.rafed.net/alzahra
البريد الالكتروني : darozahra-org@aalulbayt.org
17-مركز الإمام الصادق (عليه السلام) لبحوث الطب الإسلامي
العنوان: ايران ـ قم
شارع نيروگاه ـ ساحة اميني بيات ـ اول شارع شاهد
الهاتف: 2-8844040 251 0098
19-المركز الثقافي ـ بيت آية الله الشيخ الحائري (قدس سره)
العنوان: ايران ـ قم
شارع الانقلاب ـ فرع آية الله العظمى الگلپايگاني (قدس سره)
الهاتف: 7722291 251 0098
21- مركز آل البيت (عليهم السلام) العالمي للمعلومات
العنوان : ايران ـ قم
شارع فاطمي ـ رقم 294
الهاتف : 7745111 251 0098
الفاكس : 7742073 251 0098
العنوان على الانترنت :www.al-shia.com ، www.al-shia.org ، www.al-shia.net(44/26)
البريد الالكتروني:info@aalubayt.org
23- شبكة يا زهراء (عليها السلام)
العنوان: ايران ـ اصفهان
الهاتف: 3-2651041 311 0098
العنوان على الانترنت:http://www.yazahra.net
البريد الالكتروني: info@yazahra.net
25- شبكة الامام الصادق (عليه السلام)
العنوان: ايران ـ طهران
الهاتف: 9-8502818 21 0098
العنوان على الانترنت: http://www.imam-sadiq.net
البريد الالكتروني:info@imam-sadiq.net
27- شبكة الامام الرضا (عليه السلام)
العنوان: ايران ـ مشهد
الهاتف: 8513700 - 8511010 - 8513820 511 0098
الفاكس: 8513708 511 0098
العنوان على الانترنت:www.imamreza.net
البريد الالكتروني: info@imamreza.net
29- شبكة الامام الجواد (عليه السلام)
العنوان: ايران ـ ايلام
الهاتف: 3341801 841 0098
الفاكس: 3341802 841 0098
العنوان على الانترنت:http://www.imamjawad.net
البريد الالكتروني: info@imamjawad.net
31- شبكة الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)
العنوان: ايران ـ اصفهان
الهاتف: 3-2651041 311 0098
العنوان على الانترنت: http://www.montazar.com
البريد الالكتروني: Info@montazar.net
33- شبكة الهدى
العنوان: پاكستان ـ لاهور
العنوان على الانترنت:www.alhoda.org
البريد الالكتروني:alhoda@alhada.org
2- مركز الابحاث العقائدية
العنوان: ايران ـ قم
صفائية ـ فرع ممتاز ـ رقم 34
ص. ب: 3331 / 37185
الهاتف: 7742088 251 0098
الفاكس: 7742056 251 0098
العنوان على الانترنت :www.aqaed.com ، www.aqaed.org ، www.aqaed.net
البريد الالكتروني: info@aqaed.com
4-مركز احياء التراث الإسلامي
العنوان : ايران ـ قم
شارع الامين ـ مجاور دائرة المرور
الهاتف: 2936311 251 0098
الفاكس: 2936312 251 0098
ص.ب: 159 / 37185
العنوان على الانترنت: http://rafed.net/turathis/index.html
البريد الالكتروني: turathis@rafed.net(44/27)
6- مؤسّسة الإمام علي (عليه السلام) ـ لندن
العنوان: انكلترا ـ لندن
الهاتف : 02084598164 0044
الفاكس: 02084511072 0044
العنوان على الانترنت: http://www.najaf.org
البريد الالكتروني: post@najaf.org
8- مكتبة التفسير وعلوم القرآن المختصة
العنوان : ايران ـ قم
شارع فاطمي ـ زقاق 17
هاتف : 7736149 251 0098
10- المكتبة الفقهية الاُصولية المختصّة
العنوان: ايران ـ قم
شارع سمية ـ جنب منشورات مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)
الهاتف 11-7732010 251 0098
12- المكتبة الأدبيّة المختصّة
العنوان: ايران ـ قم
شارع سمية ـ جنب منشورات مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)
ص ب : 513 / 73185
هاتف : 7732015 251 0098
فاكس : 7732014 251 0098
البريد الالكتروني: adab_lib@aalulbayt.org
14-مكتبة المحقّق الطباطبائي (قدس سره)
العنوان: ايران ـ قم
شارع سمية ـ جنب منشورات مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)
هاتف: 7732055 251 0098
16- مركز البحوث والدراسات الفلكية
العنوان: ايران ـ قم
شارع الامين ـ جنب دائرة المرور ـ رقم 81
الهاتف : 5-2936313 251 0098
الفاكس : 2913555 251 0098
العنوان على الانترنت: http://rafed.net/arc/index.html
البريد الالكتروني:arc@rafed.net
18-مركز تأليف ونشر الكتب الدراسية الحوزوية
العنوان: ايران ـ قم
شارع صفائية ـ شارع ممتاز ـ التقاطع الاول
الهاتف: 7742850 251 0098
20- بنك المعلومات الإسلامية
العنوان: ايران ـ قم
شارع زنبيل آباد ـ فرع 11 ـ رقم 72
الهاتف : 6-2910705 251 0098
الفاكس : 2931356 251 0098
العنوان على الانترنت: http://www.islamicdatabank.com
البريد الالكتروني : info@islamicdatabank.com
22- شبكة النجف الاشرف
العنوان:العراق ـ النجف الاشرف ـ ساحة شارع الرسول
الهاتف :
0096433332690
0096433332691
0096433332692
العنوان علي الانترنت :www.holynajaf.net(44/28)
البريد الألکتروني :admin@holynajaf.net
24- شبكة الامام الباقر (عليه السلام)
العنوان: ايران ـ شيراز
العنوان على الانترنت: www.imambaqer.net
البريد الالكتروني : info@imambaqer.net
26- شبكة الامام الكاظم (عليه السلام)
العنوان: ايران ـ مشهد
الهاتف: 8513820 511 0098
العنوان على الانترنت: http://www.imamkazem.net
البريد الالكتروني : info@imamkazem.net
28-مركز الإمام الرضا(عليه السلام) للبرامج الكومبيوترية ـ لندن
العنوان: انگلترا ـ لندن
العنوان على الانترنت: www.imam-reza.com
البريد الالكتروني : web@imam-reza.com
30- شبكة الامام الهادي (عليه السلام)
العنوان: ايران ـ ايلام
الهاتف: 3341801 841 0098
الفاكس: 3341802 841 0098
العنوان على الانترنت:www.imamhadi.net
البريد الالكتروني : info@imamhadi.net
32- شبكة الصراط
العنوان: پاكستان ـ كراچي
العنوان على الانترنت:www.alsiraat.com
البريد الالكتروني : webmaster@alsiraat.com
أنتهى النقل عن موقع السيستاني .
أقول: إن اغلب تلك المؤسسات التي يصرف عليها السيستاني من أموال المسلمين(الشيعة) يستفيد منها الإيرانيون على حساب العراقيين الذين لا نجد لهم نصيبا ًمن تلك المشاريع والمؤسسات , وهي التي من المفترض أن تنهض بها الحكومة الإيرانية من أجل رعاياها في بلادهم ومن الأموال العامة للدولة, وليس من واجب المرجع الذي يقطن في النجف أن ينهض بتلك المشاريع والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية من الأموال الشرعية, فهناك الكثير من العراقيين ( الشيعة) بأمس الحاجة إلى تلك المدن والمشاريع السكنية والمستشفيات والمؤسسات التي تهتم بشؤونهم من الحقوق الشرعية .(44/29)
ولما كانت تلك المشاريع التي أشرنا إليها تقدّر بالملايين من الدولارات إن لم تكن أكثر وهي جميعها من الأموال الشرعية , فإن من أسباب فقر الفقراء ومعاناتهم وحاجات المؤسسات العلمية والدينية في العراق, هو هذا التوزيع غير العادل للأموال الذي يصرّح به السيستاني في مواقعه على الانترنت دونما خجل أو خوف من الله , إنه بتلك المشاريع يساعد الحكومة الإيرانية – التي يزعم انه يخالفها -ويتحمّل المسؤولية بالنيابة عنها من الأموال الشرعية التي جعلها الله حق للفقراء والمساكين وأبناء السبيل , والعراقيون الذين عانوا حكم صدام والحصار في الماضي والاحتلال اليوم هم أولى بحقوقهم الشرعية وبالمساعدة من غيرهم سواء كان ذلك أيام الحصار في زمان الطاغية أو اليوم في زمان الأحتلال.
على حسب الذي علمناه عن هذا الفقيه إلى الآن- والآتي أعظم- , من إسقاط فريضة الجهاد من دين المسلمين عن سابق تصوّر وتصميم, وتقديم رسالة عملية تتضمن 113 احتياط في مسائل الصلاة وهي عمود الدين, وتوزيع غير عادل للأموال الشرعية , وعدم تحريمه قتل العراقيين ,ولا الركون إلى الذين ظلموا , ولا شجب و لا إدانه .. أرى أن لا عدالة لهذا الفقيه , وعن نفسي فإن تقليد هذا الفقيه ودفع الأموال الشرعية إليه من بعد هذا العلم -الذي هو مصدره- محرّم شرعاً ,لأنه يعد مشاركة فعلية معه في تلك المظاهر غير العادلة ( الظالمة) , أما الإنسان البسيط الغافل عن تلك الحقائق فإن الله غفور رحيم .(44/30)
إن الذي جعلني أطلق ذلك الحكم – وإن كان بصورة شخصية- هو اننا نقرأ في المصادر الإسلامية- ضمنها رسالة السيستاني- انه محرّم تقليد من لا عدالة له ولا يجوز دفع الأموال الشرعية إليه , وغير العادل يعتبر ظالم في الفقه الإسلامي , وعلى هذا فإن الذي يحجب حقوق الفقراء والمؤسسات في العراق ويصرفها على أبناء قومه ( إيران) بصورة مبالغ فيها كتلك التي يعرضها على صفات الانترنت التي تتحدث باسمه وتحمل صوره الشخصية, يعتبر من ظالمين , والتعاون مع الظالمين من أكبر المحرمات الشرعية كما هو معلوم, ألسنا نكره الحُكّام الظالمين لأنهم يحرمون الفقراء من حقوقهم ويصرفون الأموال العامة على حسب أهواءهم ومصالحهم الشخصية ؟؟ فما الفرق بين هذا الفقيه وذلك الحاكم الظالم ؟؟ ألسنا ضد الدكتاتورية وحكم الفرد الذي يجعل نفسه فوق القانون ؟؟ فما الفرق بين هذا الفقيه الذي لا يرغب أن يجعل على سلوكه رقابه ولا يُسأل يوماً عن مسؤولياته وواجباته وبين ذلك الحاكم الظالم المستبد؟؟؟ أليست هناك سمات مشركة بين الأثنين؟؟(44/31)
لقد بات الكثير من أتباع هذا المرجع (السيستاني) بعد أحداث النجف يقارنون بين الآثار المترتبة بين سلوك الحاكم الظالم والمرجع الظالم , وصاروا يرون أن تأثير الدكتاتور الظالم ينحصر على حياة الناس المظلومين الأولى فحسب ولا يتعدى إلى آخرتهم , بينما الفقيه الظالم الذي يعلّم الناس صلاة فيها 113 احتياط , ودين من أربعة أركان ليس فيه فريضة الجهاد الواجبة, ويصرف أموالهم الشرعية بطريقة غير عادلة ويتخلّى عنهم في محنتهم(يهرب على لندن) ويستهين بدمائهم بصمته وسكوته ولم يعطهم حقهم ولو بورقة صغيرة من سطرين تحمل ختم مرجعيته يحرم شرعاً قتلهم , قد يتعدى إلى آخرتهم أيضاً لأنهم يشاركوه من حيث يعلمون بالتقليد ودفع الأموال الشرعية , فالمؤمن يعلم أن الله يتعبّد الناس بالعقل ,( تفكّر ساعة خير من عبادة سنة- حديث شريف) ولا يرضى أبداً أن يتحوّل الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم إلى ببغاء يقلّد الآخرين تقليد أعمى أو ينظر للواقع بعيون الآخرين ويلغي عيونه, فالله يحاسب على هذا السلوك الذي يذمه بصراحة في كتابه المجيد, حيث يقول :
( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (23) الزخرف(44/32)
على حسب علمي لم يعد أحد ممن يقرؤون كتب هذا الفقيه ويطلعون على نشاطاته في مواقعه على الانترنت وفي الواقع , يحتملون ممارساته غير العادلة وسكوته المريب مما يجري بحق أخوانهم العراقيين واستهتاره بالدين الذي يقدمه لهم, فأصحاب الغيرة على الدين لا يرضون ولا يسمحون لأي إنسان وإن كان من أصحاب الألقاب الكبيرة أن يسقط ركن من أركان الإسلام ( وهو الجهاد) ويصرف الأموال الشرعية بتلك الصورة التي يعلن عنها في مواقعه على الانترنت, أن يكون مرجعاً أعلى لهم , أليس إظهار الشهادة واجب وكتمها من المحرمات الشرعية المنصوص عليها بصراحة في القرآن المجيد ؟؟ (..وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (283) البقرة (..وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ..) (2)الطلاق إنه لأمر في غاية الغرابة هذا الذي يحدث للدين وللناس في هذا الزمان العجيب , إنها من أكبر العلامات على اقتراب الساعة ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
مواقف الدفاع عن الأمة
يقول حديث الصادقين عليهم السلام: ( لتغربلن غربلة وليتبلبلن بلبلة حتى يكون أعلاكم أسفلكم وأسفلكم أعلاكم )(44/33)
قد يدّعي الكثير من الناس الإيمان والتقوى والزهد والعدالة والحرص على مصالح المسلمين ..الخ , ولكن ليس كلهم يثبتون ما يدّعون , وتظهر الحقيقة جلية واضحة من خلال الاختبار الذي يسميه القرآن الكريم أبتلاء , فالبعض يسقط من القمة إلى الأسفل باختبار بسيط يكشف هشاشة ادعاءاته ومواقفه, والبعض يعلوا إلى أعلى عليين مع الشهداء والصديقين من خلال موقف, وهذا ما حصل فعلاً وظهر بوضوح في إحداث النجف الأولى والثانية التي كانت اختباراً حقيقياً كشف حقيقة المراجع القابعين في النجف الذين صمتوا في الأولى وهربوا بأنفسهم في الثانية وتركوا المسلمين ومقدساتهم تحت نيران الاحتلال وعملاءه, وفي المقابل أظهرت حقيقة معدن المؤمنين (المجاهدين الشجعان) الذين دافعوا عن أنفسهم ومقدساتهم بكل بسالة وبطولة دونما على الأحوط.. لا وجوبا ولا استحباباً , بل ذهبوا بأنفسهم إلى ساحات المواجهة وأثبتوا أصالة إيمانهم وحبهم وتفانيهم لمقدساتهم .
أما عن المرجع الذي تمارض وهرب بطائرة خاصة إلى لبنان ومن ثم إلى لندن , فقد أخبرني احد العارفين-صاحب كرامات- ممن يتشرفون كثيراً بلقاء الإمام صاحب الزمان والخضر عليهما السلام , أنه غادر النجف بناء على طلب أفراد من حكومة الاحتلال العميلة , وكذلك بقية مراجع النجف الكبار الذين اختفوا طوال أيام محنة النجف فهم كما كبيرهم كانوا على علم مسبق بما سيجري في النجف , وكانت لهم غايات ومصالح لا يفكّر بها حتى الكافر فكيف تصدر عن مراجع كبار ؟؟. ( احتفظ هنا بالتفاصيل المذهلة)(44/34)
باعتباري مسلم شيعي – وغيري ملايين- اشعر بالعار من هذا السلوك المشين سواء صدر من مرجع كبير أو إنسان بسيط وأعتبره خيانة عظمى لله وللرسول وللمسلمين , وأعلن البراءة منه ومن كل شخص يتجاهل دماء ومقدسات المسلمين وهو في موقع المسؤولية ويهرب إلى أحضان أعداءنا أو يصمت على هذا الذي يحدث للعراقيين اليوم , فالساحة والحمد لله مليئة بالمخلصين لأمتهم والساعين لتوحيد صفوف الأمة وتحرير العراق مهما كلف الأمر.
وإذا كنت تبحث عن تفسير لسلوك السيستاني مما يجري, فانظر كيف يصرف الأموال الشرعية , وهل جعل للعراقيين لها من نصيب ؟؟ أم كلها في مصلحة الإيرانيون ؟؟
وأنظر أيضاً مصالح الحكومة الإيرانية في العراق وكيف هذا الفقيه يتحمل مشاريعها الكبرى بالنيابة عنها ويصرف عليها من الأموال الشرعية التي جعلها الله حق للفقراء والمساكين. واعلم أن هناك مشروع خفي ابشع من مشروع الصهيونية في المنطقة , وهناك خطوط خفية تتحكم في سلوك السيستاني وأمثاله (سوف أكتب عن كل ذلك في حينه إن شاء الله تعالى), فأنتبوا يا أولي الألباب .(44/35)
ومن المفارقات التي تلفت الانتباه أن السيستاني يخبر الناس- في كتبه الفقهية- ان من المكروهات الشرعية ذبح الذبيحة أمام الحيوانات الأخرى, ولكنه لم يخبر أحداً بفتوى أو بيان أو حديث خاص ان ذبح العراقيين بقنابل ورصاص الأحتلال أوالمرتزقة أمام عيون البشر محرّم أو حتى مدان, على الرغم من كل تلك الفضاعات التي ارتكبها الأحتلال بحق العراقيين ومقدساتهم, و كان من الأوائل الذين أدانوا وشجبوا تفجير الكنائس في بغداد والموصل التي راح ضحيتها 11 من إخواننا العراقيين (مسيحيين ومسلمين اختلطت دماءهم الزكية), هذا موقف جيد لو عممه على جميع الحالات المماثلة التي تصيب العراقيين بغض النظر عن دينهم أو عرقهم لأنهم أبرياء, ولكنه عاد إلى صمته حينما قصفت الطائرت الأمريكية حسينية في الكوت قتلت وجرحت عدداً كبيراً من المصلين فيها ( اكثر من سبعين), وأستمر سكوته طوال فترة أزمة النجف ( وأزمات في مدن عراقية أخرى), إلا تصريح واحد طالب فيه الأطراف المتحاربة إنهاء الأزمة بأسرع وقت ممكن ... هكذا بكل برود, لا تحريم ولا شجب ولا إدانة , وكأنه تصريح صادر من دبلوماسي مراوغ بشان قضية لا تعنيه ولا يكترث بالدماء وقداسة المكان المتحارب فيه .(44/36)
وحينما زحف العراقيون إلى النجف لحل أزمتها كما طلب منهم , قصفت قوات الأحتلال ومعهم الحرس الوطني مسجد الكوفة ( وما أدراك ما مسجد الكوفة- الذي سيكون مركز قيادة المهدي ع للعالم أجمع) وقتلت وجرحت عدداً كبيراً من المتواجدين فيه الذين كانوا يستعدون للزحف , وقد صوّر مراسل (العربية) قوات الاحتلال وهي تمارس تلك الجريمة, و تكرر نفس المشهد على الزاحفين العزّل في أبو صخير والحلة وأطراف النجف , كل الشرفاء أدنوا وشجبوا هذه الجرائم بحق الأبرياء إلا هذا الفقيه ( السيستاني) لاذ بالصمت كعادته مستهيناً بحرمة المساجد ودماء الابرياء وكأن شيء لم يكن, وبعد عدة أيام طالب بإجراء تحقيق , هكذا دونما تحريم لزهق الأرواح البريئة أو شجب أو إدانة للجرائم البشعة .
ومع ذلك نحن هنا نتساءل أين نتائج التحقيق الذي طالبت به يا سيستاني ؟؟ الايام تمر ولم تظهر نتيجة التحقيق كما لم تظهر نتائج التحقيق في قضية اغتيال السيد محمد باقر الحكيم والعشرات معه رحمهم الله .
بعد أحداث النجف مباشرة, اجتمع الهاربون الأربعة (كما يسميهم ذلك العارف الذي يتشرف بلقاء المهدي والخضر عليها السلام ) في النجف وقد نقلت وسائل الإعلام عنهم, أن المراجع يحرّمون استخدام المواجهات المسلحة مع قوات الاحتلال ( يبدو انه مطلب الأحتلال كما في قضية هروبهم), ثم جاء خبر على لسان أحدهم يقول: أن الأمر ليس كذلك, بل أن المرجعية ترى أن الوسائل السلمية مع الاحتلال لن تستنفذ بعد , وليس هناك داعي للمواجهة المسلحة في الوقت الحاضر ولم يوضحوا ما هي الوسائل السلمية وما الغرض منها , ذلك التصريح ( البارد) جاء والدماء الطاهرة التي سالت في صحن مرقد الإمام على (عليه السلام) لم تجف بعد , وما زالت العوائل تبحث بين أنقاض حسينية الكوت ومسجد الكوفة وفي النجف عن أشلاء الاحبة الابرياء والمجاهدين .(44/37)
هكذا أظهر المراجع مواقفهم بلا اكثرات لأرواح المسلمين ومقدساتهم , لا حلال ولا حرام ولا شجب ولا ادانة ولا استنكار , ولا حتى كلمة تعاطف تشعر العراقيين أن هناك من يدافع عنهم أو على الأقل يتعاطف معهم في محنتهم أمام الاحتلال وأعوانه , بل لولا تواطؤ المراجع الأربعة وقبولهم طلب الاحتلال – بواسطة الحكومة العميلة- بترك النجف والصمت على ما يجري لما جرت أحداث النجف الأولى والثانية, ولو كانت لدينا مرجعية صالحة عادلة ونزيهة في صرف الأموال الشرعية وأمينة في ممارسة مهنتها أمام الله وتدافع عن الإسلام والمسلمين بجرأة وحزم , لما استمر احتلال العراق بهذه الصورة وما استسهلوا قتل العراقيين وانتهاك مقدساتهم بتلك الصورة الواضحة للقاصي والداني .
إن ذات المواقف المخزية تكررت في أحداث النجف وكربلاء الأخيرة التي راح ضحيتها العشرات من المسلمين الأبرياء , ولم تصدر من مرجعية السيستاني فتوى تحرّم قتل العراقيين , ولا حتى شجب أو إدانة, كما هو متوقع من كل مرجع في مثل هكذا ظرف ليحول دون استسهال قتلهم ويظهر تعاطفه مع الضحايا , والسؤال هنا لماذا لم تصدر فتوى التحريم من مرجعية السيستاني ؟؟ هل هذا الصمت يعني علامة الرضا , أم أنه يريد استمراره الوضع على ما هو عليه ؟؟ فإذا كان حريصاً على حقن دماء المسلمين , فإن من واجبه أن يعلن فتوى تحرم صراحة قتل العراقيين ليضع حاجزاً شرعياً يحول دون استسهال قتلهم , ويبرئ ذمته أمام الله انه قد قال كلمته وأعلنها ولم يكتم الشهادة.(44/38)
أمام واقع مرير كهذا صار الكثير من الناس يشك في سلوك السيستاني ويفسر صمته وعدم تحريمه قتل العراقيين أو على الأقل إدانته او شجبه , أو إعلان تعازيه للضحايا , على أنه راضي عنه وبدوافع عنصرية كتلك الدوافع التي جعلته يصرف الأموال الشرعية على أبناء قومه ( الإيرانيون ) ويبني لهم العشرات من المجمعات السكنية ومدينة كبرى تحمل اسمه الشخصي و مستشفيات ومستوصفات طبية و مؤسسات ثقافية ومكتبات, دون أن يبنى مشتمل واحد لعراقي مسكين أو يعطيه حقه من مال الله , أو يضع حجراً واحداً في بناء ما في العراق, أو يتكرم على العراقيين بفتوى مجانية لا تكلف سوى سطرين وختم تحرم على أعداءهم قتلهم , وقد استمر على ذلك النهج عشرات السنين دونما خوف من الله أو وازع من ضمير .
من المؤسف حقاً ان يصبح حال المرجعية التي قدمت خيرة فقهاءها وعبقريتها شهداء في سبيل الله ومن أجل الإسلام بهذه الصورة المزرية .. فإذا كانت مواقف هؤلاء من قضايا المسلمين كما في صلاتهم ( على الأحوط وجوباً ), فإن الاستهتار بدماء المسلمين والسكوت على الظلم من أكبر المحرمات الشرعية , وهذا حكم مؤكد بلا احتياط يقره الجميع.
ومن خلال هذه المواقف – وغيرها كثير لن نذكرها للاختصار– يظهر لنا أن شخصية هذا البحث ( السيستاني), ليس محتاطاً في صلاته وأحكام الدين فحسب , بل في جميع مواقفه مما يجري في الواقع أيضاً, بل لو لم يكن محتاطاً ( متردداً) في حياته وسلوكه لما انعكس ذلك على ابحاثه الفقهية وصلاته ودينه الذي يقدمه للآخرين , والدليل على ذلك إنه لم يصدر منه موقفاً واضحاً وصريحاً بحق الكثير من القضايا التي تحدث للمسلمين ومقدساتهم طوال حياته الفقهية.(44/39)
لن ننقاش مرجعية كهذه عن أحكام إعلان الجهاد والدفاع الخاصة بالمسلمين فمواقفه معروفة سلفاً من خلال توزيعه للأموال الشرعية وصرفها بتلك الصورة التي يعلن عنها في مواقعه على الانترنت دون خجل خوف من الله , بل نسأله باعتباره رجل دين يدّعي المعرفة بالأحكام الشرعية وعمله ينحصر في هذا حلال وذاك حرام ..
أقول : متى يمارس مهنته بأمانة وإخلاص ويحرّم قتل العراقيين ويقول هذا حرام كي يساهم في وضع حاجزاً شرعياً يحول دون استسهال قتلهم ؟؟ متى ينصح للمسلمين ( الشيعة) من مقلديه ويحرمّ عليهم الركون إلى الذين ظلموا كي لا يدخلوا جهنم وبئس المصير ولا يخرجوا عن ولاية الله كما يصرح القرآن الكريم (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ) (هود 113) أعني ان يعلن حرمة التعاون مع الاحتلال الذين يقتلون ابناء قومهم وينتهكون حرمات مقدساتهم. لماذا يغشهم بهذا الصمت الآثم ؟ . متى يشجب ويدين ممارسات الباطل بحق العراقيين أصحاب الحق في أرضهم كي نقول: أن المرجع متعاطف معنا وحريص على دمائنا الغالية وأنه شجاع لا يهرب أو يتمارض وقت المحنة .
والسؤال الأهم: على أي أساس وأي حجة شرعية يطالب السيستاني إقامة الانتخابات مع وجود قوات الاحتلال الموصوفة بالهمجية والظلم والكفر في البلاد؟؟ ألم يسمع كلام الله الواضح الصريح في تلك الآية – وعشرات غيرها- ويعلم أن هذا تهديد واضح بالخروج عن ولايته في حال حدوث ذلك ؟؟ فكيف يطلب من اتباعه الركون والاعتماد على قوات الأحتلال ( الظالمة) بإقامة الانتخابات التي تحدد مصير العراقيين و مستقبل الأمة ؟؟
الجواب واضح :(44/40)
إن طريقته في توزيع الأموال الشرعية –التي لم يجعل للعراقيين نصيباً يذكر - واستمراره طوال سنوات بإقامة المشاريع الكبرى في إيران من الأموال الشرعية على حساب العراقيين, يجعلنا ندرك مواقفه من العراقيين بكل وضوح , ونعلم أي دافع عنصري يقف من وراء ذلك , وما الدعوة الحميمة لإقامة الانتخابات والصمت الآثم إزاء قتل العراقيين إلا مظهر من مظاهر التوجهات العنصرية التي يبطنها السيستاني , فهو يظهر موقفه منهم بتلك الصورة التي لا يرضى عنها الله ولا ورسوله وحتى أي إنسان يحتفظ بأبسط مقومات الإنسانية , فالذي يغدق الملايين من الأموال الشرعية على أبناء قومه ( إيران) ويبنى لهم المشاريع والمؤسسات الكبرى والصغرى ولم يذكر شيئاً عن الفقراء والمساكين وممن يسكنون المدارس والحسينيات والفرق الحزبية في العراق دونما خوف من الله أو وخزة ضمير , ويتجاهل الطلبات المتكررة التي وجهناها له ( ندعوه فيها للالتفات إلى محنة العراقيين وإعطاءهم حقوقهم عليه أو إصدار بيان يشجب قتلهم) ولا يجيب عليها , يقدر على أن يفعل ما هو أكبر من ذلك بشأن الانتخابات أو غيرها .(44/41)
إن الانتخابات هامة ولكن ليس بوجود وإشراف الأحتلال الذي لفق أكاذيبه وشن حرباً باطلة شرعاً وقانوناً على بلادنا, وليس ضمن قانون الانتخابات الذي سنه الاحتلال الظالم الموصوف بالكفر, بل في الحرية أولاً وضمن قانون إسلامي صرف لا دخل لأي جهة أجنبية فيه وبإشراف جهات نثق بنزاهتها وليكونوا من المسلمين, وإن دماء وأمن ومقدسات المسلمين أهم عند الله وعند كل إنسان يحتفظ بأبسط مقومات الإنسانية , وهذا الاهتمام المفرط من قبل السيستاني بأمور الانتخابات والصمت المريب إزاء أرواح ومقدسات المسلمين وتوزيعه غير العادل للحقوق الشرعية, ووجود 113 احتياط في مسائل الصلاة التي يطرحها في رسالته العملية, واسقاط فريضة واجبة من تكاليف المسلمين ( الجهاد) ولم يذكرها حتى من باب المسائل الكلاسيكية القديمة, يكشف لنا حقيقة المرجع بأوضح صورة, فانتبهوا يا أولي الألباب .(44/42)
السيستاني لا يصدق القول حينما يظهر انه لا يتفق مع الحكومة الإيرانية وطموحاتها, بل هو منسجم معهم إلى ابعد حدود الانسجام والدليل على ذلك تلك المشاريع والمؤسسات الكبرى والصغرى التي يقيمها في إيران بالنيابة عن الحكومة الإيرانية التي هي من مسؤوليتها الرسمية وليست من مسؤولية فقيه يقطن النجف , فهو عملياً يدعم الحكومة الإيرانية بكل مقدرات الحوزة من الأموال الشرعية ويحجب الفتوى التي تحرّم قتل العراقيين ربما ليعطي غطاءً شرعياً لاستمرار الفوضى في العراق ليستفيد منه الإيرانيون ويأمنون من التفات الأمريكان إليهم من بعد الفراغ من العراق, وما أدرانا لعل أبناء قومه الإيرانيون هم الذين يقومون بتلك التفجيرات في العراق أو بعضها وهو لا يريد أن يحرّم عليهم ذلك أو ربما يباركه , وإلا فما تفسير صمته مما يجري؟؟ , فهل نكذّب الواقع وما يفعله عملياً بطريقة صرفه للأموال الشرعية وموقفه من العراقيين , ونصدّق ادعاءاته وعدم انسجامه مع الحكومة الإيرانية ؟؟ هذا غير ممكن ولا يصدر عن عاقل وإن حاول البعض .
نكرر القول إن البحث يمثل وجهة نظر الكاتب الشخصية ولا نريد منه إلا أن يكون شهادة لله تعالى مجده أمام الأمة العراقية ومن أجل حقوقهم من الأموال الشرعية والفتوى التي في ذمة السيستاني , ما ضاع حق وراءه مطالب.
الحلقة الثالثة
لن أنشر تكملة البحث ...!!(44/43)
كان من المفترض في هذه الحلقة أن أكمل ما بدأته في الحلقتين السابقتين وأظهر المزيد من الحقائق التي تخص المرجعية وتوابعها وطريقة تعاملهم مع الطائفة وصرفهم للأموال الشرعية, ثم الخّص النتائج النهائية التي خرج بها الباحث , ولكنني لن أفعل واكتفي بما نشرته في الحلقتين السابقتين على الرغم من الرسائل التي جاءتني تشكرني على التنوير وتطالبني أن انشر المزيد عن المراجع وحواشيهم ليعرفوا الحقيقة التي قد يغفل عنها البعض , وبعضهم تبّرع وإعطاني معلومات تفصيلية وأرقام لم أكن أعلم بها من قبل .
لن أنشر تكملة البحث لأن من بين الرسائل التي جاءتني وسببت لي ألماً كبيراً ,هو أن أحد الأخوة المؤمنين البسطاء الطيبين ( لم يذكر اسمه ), وبعد أن اطلع على تلك الحقائق المنشورة التي يصفها أنها دليل قاطع , كتب لي أنه لم يعد بعد اليوم يثق بأحد من المراجع الأربعة في النجف ولا يريد أن يقلّد أي منهم , ووضع دينه بين يدي , وأخذ موقفاً انفعالياً من أخواننا المسلمين في إيران وتصوّر – خطأ- أنهم يسرقون الحقوق الشرعية .
ولأنني لا أريد تلك التصورات أن تتسلل إلى العقول المؤمنة الطيبة الطاهرة بالإيمان الفطري , لن أنشر المزيد من البحث لأحفظ لأخواني إيمانهم الفطري الطاهر الذي اعتبره أنبل وأفضل من إيمان بعض أصحاب العمائم , حاشا للعمائم الشامخة التي لم تنحنِ للمال ولم تركن إلى الذين ظلموا, فتلك تيجان من نور على رؤوس أصحابها و هنيئاً لهم بمكانتهم العالية عند الله وعند الأمة .(44/44)
أقول : ليس كل الفقهاء بتلك الصورة التي يظهر فيها السيستاني, وليس للشعب الإيراني المسلم دخل في تلك المظاهر غير العادلة في صرف الحقوق الشرعية وهم لا يتحملون تصرفات المرجعية أو حواشيها في طريقة صرف الأموال الشرعية وهم أخواننا في الدين والملة نحبهم ونحترمهم كما يحبوننا ويحترموننا , وإنني لم أكن أقصد من البحث إلا أن أدافع عن حقوق الفقراء والمساكين العراقيين الذين رايتهم بعيني يسكنون المدارس والفرق الحزبية والحسينيات, ورأيت الكثير من تلك المشاهد المؤلمة التي تحز في النفس وتدمي الفؤاد التي صورت أحداها عدسة الفنان ( إحسان الجيزاني) المنشورة في أسفل هذه الصفحة ووثقته لتكون شاهداً ودليلاً أمام الجميع على حقيقة الوضع لكي لا يقول أحد منهم لا نعلم .
وأردت أن اطرح حاجات العراقيين إلى المؤسسات الثقافية والعلمية والتربوية أسوة بغيرهم ممن ينعمون بها بفضل مرجعية السيستاني, بل حاجتهم الضرورية اليوم إلى المياه الصالحة للشرب والمستشفيات والمجمعات السكنية التي تأويهم وتحفظ كرامتهم , بالإضافة إلى حقهم الشرعي على الفقيه أن يصدر فتوى يحرّم فيها قتلهم ليحفظ حياتهم وأمنهم ومستقبلهم, ومن خلال علمي أن هناك مليارات من الدولارات مكنوزة عند المرجعية قد جعلها الله من حقوق هؤلاء ولا يجوز حبسها يوماً واحداً , حيث كانت سيرة الإمام عليه السلام أن يوزع جميع ما في بيت المال ويكنسه ويصلي ركعتي شكر لله ويذهب لينام قرير العين مرتاح الضمير.(44/45)
قمت بمراسلة المرجعية ولمرات كثيرة الفت أنظارها إلى تلك الأمور وحاجة الفقراء والمساكين في العراق إلى حقوقهم الشرعية وأرسلت إليهم بعض التقارير الصحفية المنشورة في وسائل الأعلام التي تظهر الوضع البائس لبعض العوائل العراقية لألقي عليهم الحجة , لكي لا يقولوا لا نعلم ,, ولكنني لم أتلق الجواب ولم يظهر في الواقع ما يشير إلى أنهم يعطون للناس حقوقهم كما ينبغي , واستمر ذلك الامر أكثر من ثلاثة شهور , إلى أن وصل الحال أن نترجى منهم ورقة صغيرة لا تكلّف سوى سطرين وختم المرجعية يحرم فيها ( السيستاني ) قتل العراقيين أو يصدر بيان يشجب عمليات القتل بحق العراقيين في بلدهم, ولكن لا حياة لمن تنادي , فقررت نشر تلك المعلومات التي مصدرها المرجعية نفسها لعل في نشرها فائدة في تغيير النهج الذي سارت عليه المرجعية طوال تلك السنوات وتلتفت إلى العراقيين في محنتهم . والمرجعية في تصوري ليس السيستاني فحسب بل هناك حواشي وحلقات محيطة بها , لعلهم عند اطلاعهم على تلك الحقائق التي تظهر أخطاءهم يتلفتون إلى أداء مسؤوليتهم أمام الأمة بما يرضي الله والضمير .
ولكن بعد اطلاعي على رسالة الأخ الذي أشرت إليه في بداية هذا المقال تراجعت عن نشر باقي البحث حفاظا على الإيمان الفطري السليم عند أخواننا المؤمنين , ولا أريد ان يتصورا تصورات بعيدة عن الصواب .
وإنني ادعوا كل مؤمن شريف غيور على الدين والملة ولديه معرفة أو اتصال بالمرجعية أو احد حواشيها أن لا يبخل بالسعي من أجل هؤلاء الفقراء والمساكين في العراق وإيصال صوتهم للمرجعية وحواشيها ولفت أنظارهم لمعانات إخواننا في العراق , وبارك الله في كل عمل ومسعى لأجل هؤلاء المساكين , وجازى عاملها خير الجزاء في الدنيا والآخرة .
الحلقة الثالثة - بعد التعديل(44/46)
بناء على طلبات الأخوة القراء الأعزاء وإدارة هذا الموقع الشريف ( كتابات) من خلال رسائلهم التي تطالبني أن انشر تكملة البحث ,وكان كثير منهم ذوي اختصاصات ثقافية وعلمية عالية, ومنهم من يعاتبني على عدم التكملة, وطبعاً هناك من اعترض وهم قلة قليلة لا يتجاوز عددهم أصابع الكف الواحدة, قمت بتغيير بعض الفقرات , لكي لا يفهم البعض منها غايات بعيدة عن القصد , وقررت أن انشر هذه الحلقة ( الثالثة) بهذه الصورة . وكنت اتمنى على الذين كتبوا نقداً لموضوعي في ( كتابات) أن يذكروا انجازا ًمادياً واحدة أو أكثر قامت به مرجعية السيستاني من خزينة المرجعية ( وهي مليارات)لأجل العراقيين نحو المجمعات السكنية أو المستشفيات أو نحو ذلك و ولكنهم للأسف لم يفعلوا.
المواقف السياسية
إن من يتابع مواقف السيستاني السياسية بمعزل عن مواقفه الفقهية لا بد أن يصاب الذهول - ولا أقول المرارة والخيبة- لما يراه من تناقض واضح في مواقفه المعلنة, فهو يطالب بشيء ونقيضه في آن وأحيانا يظهر مواقف لا يبدو أنها شرعية ولا تليق بفقيه مثله ابداً , ولكن الوطأة تخف على اللبيب الذي يطلع على رسالته العملية وما فيها من الاحتياطات الكثيرة , وبالذات في عمود الدين ( الصلاة) حيث نجد 113 احتياط في مسائل الصلاة أما في مجمل الرسالة فهي أكثر بكثير , ليستنتج بعدئذ أن التردد وعدم اليقين (الاحتياط) هو السبب.
ولما كان الاحتياط يعني تردد الفقيه أمام المسألة التي يبحثها وعدم يقينه بمعرفة الحكم المؤكد فيها وإلا أظهره كحكم مؤكد وما لجأ إلى الاحتياط , ويعني أيضاً عدم جرأته على اتخاذ القرار الحازم في المسألة التي يناقشها فيحكم بالاحتياط ريثما يظهر له اليقين ليجزم به, فإن ذات الأسباب هي التي تجعل الفقيه يظهر الشيء ونقيضه أو يظهر تردده أو صمته إزاء قضايا الأمة السياسية .(44/47)
فإذا كان السيستاني محتاطاً (متردداً) في أهم المسائل الشرعية على الإطلاق وهي مسائل الصلاة , ولديه فيها 113احتياط فلا عجب ان يظهر نفس السلوك ( الاحتياط) في مسائل اقل أهمية من الصلاة -من وجهة نظره هو على الأقل -وهي المسائل السياسية , فالشخصية التي لم تستطع أن تحسم أمر مسائل الصلاة وجعلت فيها 113 احتياط هي ذات الشخصية التي تظهر المواقف السياسية وتناقش مسائلها أمام المعنيين وتظهر للأمة وجهة نظرها, ولما كانت 113 مواقف غير يقينية في صلاة السيستاني التي يقدمها للأمة وهي أهم شيء بالنسبة له كمسلم وكفقيه متخصص بالفقه قضى جل عمره في ميدانه , فإننا نتوقع أن نجد ما يفوق ذلك العدد من أحكام غير يقينية في المسائل السياسية التي يتعاطى معها السيستاني الذي لا يؤمن بولاية الفقيه ولا يعتبر أن من مسؤوليته التعاطي في الشؤون السياسية .
وعلى هذا فإننا من خلال رسالته العملية التي قدمها للأمة التي تخلو من فريضة واجبة( الجهاد) صرحت بها عشرات الآيات القرآنية ومارسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ومن خلال وجود 113 احتياط بأهم المسائل الشرعية ( الصلاة), ومن خلال سلوكه ( المنزوي) غير القيادة ولا الجماهيري , لا نستطيع أن نطمئن بأن هذا الرجل قادر على التعاطي بالأمور السياسية ومؤهل للإفتاء بمسائلها بأحكام ومواقف يقينية, باعتباره لا يؤمن بولاية الفقيه ولا يعتبر أن من مسؤوليته التعاطي بشؤون السياسة ولم ينشأ علاقة جماهيرية مع الرعية ولم يخطب لهم خطبة واحدة ولا حتى أقام لهم صلاة جمعة واحدة لأنه لا يؤمن بإقامتها في زمان الغيبة , و من وجهة نظرنا كما لم يستطع السيستاني أن يحسم لنا مسائل الصلاة (عمود الدين) وقدم لنا من خلال رسالته العملية 113 موقفاً غير يقيني , كذلك الحال في مسائل السياسة قدّم لنا مواقف وفتاوى كثيرة غير يقينية سوف نستعرض نماذج منها .(44/48)
1- انه قبل أيام من شن العدوان على العراق واحتلال أراضيه أفتى السيستاني بالجهاد , وقد عرض تلفزيون بغداد السيد عدنان البكاء وهو يقرأ نص الفتوى , ان هذه الفتوى من المفترض أن تمثل حكم شرعي مقدس يجب احترامه والعمل به, ولكنه تجاهله تماماً بعد سقوط النظام الظالم ( صدام حسين) واحتلال بغداد , ولم تظهر له أي فتوى أو بيان لفترة الثمانية الشهور الأولى , وكأنه هنا في وضع (على الأحوط ) كما في الصلاة ومسائل اخرى .(44/49)
2- بعد (مرحلة الاحتياط ) الأولى وثمانية شهور من احتلال العراق , طالب السيستاني من موقعه كفقيه بالانتخابات, ثم ألغى طلبه ومكانته الشرعية في آن حينما ربط مطلبه ليس بمصدر ديني أو بشخصه كفقيه شرعي بل بجهة خارجية وطلب أن تكون الأمم المتحدة حكماً يقرر إذا كان بالإمكان إجراء الانتخابات أو عدمها , إنه هنا يظهر موقفاً متناقضاً , يقول بالشيء ونقيضه في آن, بل هو من خلال ربط مطالبه كفقيه بموافقة جهات خارجية ينقض المبادئ الشرعية كلها التي تسمح له من خلالها كفقيه مجتهد أن يقول راية في مصير الأمة أو أن يفتي بشؤونهم العامة , فهو بذلك السلوك يلغي دوره كمجتهد يعمل برأيه الاجتهادي-الذي يخوله أن يقول كلمته بأهم الشؤون التي تخص الفرد والجماعة في الأمة الإسلامية- ويعطي الآخر حق تقرير المصير في المسألة التي يريد تعميمها على الأمة , ويا ليت الآخر كان من المجتهدين أو حتى من المسلمين بل هو الأمم المتحدة التي تميل لصف العدو في الكثير من القضايا المصيرية للمسلمين نحو أصوات الظلم الأمريكي (الفيتو) فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وغيرها, فكيف فاتته تلك الحقائق واخذ يعطي للظالم حق أقامة انتخابات أو عدمها وهو يعلم أن الظلم الأمريكي يمر من خلال الأمم المتحدة ؟؟ ولماذا لم يجعل الحاكم هو الشرع (الله أو رسوله الأمين (ص)) من خلال نص قرآني أو حديث شريف يستنبط منه حكم شرعي فيما يخص الانتخابات أو تقرير المصير ويصر على أنه هو الحق الذي يجب أن نطالب به , ويتوكل على الله ويعتمد على جماهير الأمة, لا على أعداء الله و أعداء الأمة (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ..) (الطلاق3)(44/50)
أقول : بما أن المطالبة بالانتخابات حق طبيعي مشروع , فإنها بالتأكيد ذات ارتباط سببي بالحق تعالى مجده باعتباره هو الحق ولا يصدر عنه إلا الحق ( حاشاه من الباطل ), وعلى هذا فإن الجهة التي تتولى مظاهر الحق التي تعيّن مصير الأمة ومستقبلها يجب ان ترتبط بالله تعالى مجده وما انزله من حق مبين, ولا يمكن أن يرتبط الحق ومظاهره بمصادر غير شرعية ( الأحتلال أو الأمم المتحدة أو غيرها) ثبت مراراً أنها دوائر لتمرير الباطل بحق الكثير من قضايانا المصيرية ضمنها احتلال العراق وفلسطين وتكريس حق الفتيو ونحو ذلك , فالأمم المتحدة وكما هو بين لها توجهاتها الخاصة ، التي تتجنب الاصطدام بإرادة القوة المستكبرة (أمريكا) ، التي تستضيف الهيئة العامة بكل موظفيها على أرضها ، وهذا مصدر تأثير على موظفيها وصانعي القرار ظاهر للعيان يجب ان ينتبه له كل من يريد ان يتعامل مع الأمم المتحدة.
وعلى هذا فإن الفقيه الذي يتقن عمله ويريد مصلحة الأمة يجب عليه أن لا يربط مطالبه- من موقعه كفقيه- بأي صورة من صور التبعية أو السيطرة أو الوصاية الأجنبية , فكما المسائل الشرعية ( الصلاة, الصوم , الزكاة ,الحج ,..الخ ) تكون مستقلة عن أي وصاية أو ولاية أجنبية وتتبع ولاية الله ورسوله (ص) كذلك المسائل التي تخص مصير الأمة والأفراد نحو الانتخابات والإشراف والتحكيم, يجب أن ترتبط بولاية الله ورسوله لا بأعداءه والتبعية لهم.(44/51)
ومن هنا نستطيع القول إن الانتخابات إذا لم ترتبط بولاية الله وتستمد شرعيتها منه وبقيت تابعة للاحتلال وإذنابه فإنها باطلة من الناحية الشرعية والقانونية . وأن توكيل أمرها إلى جهة خارجية (خارجة عن ولاية الله ورسوله) هي اقرب للخصم من المناصر , ينم عن عجز عن إدراك الحق ومشروعية المطلب , وهذا لا ينسجم مع مباديء الشريعة ولا مع مباديء الاجتهاد التي تعطي للفقيه حق الكلمة العليا دونما الاعتماد ( الركون) إلى جهات خارجية.
3- ارتكب السيستاني نفس الخطأ أزاء ما سموه بـ (قانون الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية) الذي صرح السيد عبد العزيز الحكيم والجلبي وآخرون ، بأن هذا القانون فُرض عليهم فرضا وقد جاءتهم صيغته جاهزة ومعلبّة من اميركا دون ان يكون لأي عراقي دور في كتابته او اقتراح البعض من فقراته , فبدلاً من أن يمارس السيستاني وظيفته كفقيه مجتهد له كلمته في أهم القضايا التي تهم الأمة والأفراد ويصدر فتوى يبين فيها بطلان ذلك القانون ويكوّن قوة جماهيرية واعية ببطلانه تعمل على مناهضته أو عدم القبول به , ترك الامة و أرسل برقية شكوى إلى كوفي عنان يطالبه بعدم تأييد القانون أو تكريسه , وكأنه يشكوا إلى جهة عادلة أو ذات مكانة أعلى من مكانة فقيه يستمد قديسته من السماء , لقد جعل كلمة العدو أعلى من كلمة الله الواجب على الفقيه أن يظهرها ويجعلها هي العليا من خلال الفتوى التي تحرّم الباطل الذي اعترض عليه .(44/52)
وبعمله هذا لم يظهر كلمه الله بل طالب أن تكون كلمة عنان هي العليا وهي التي تحكم الأمة وتقرر نعم أولا , وها هنا خطأ كبير , كانت النتيجة المترتبة عليه أنهم تجاهلوا شكواه وعملوا بالقانون , ولا يزال القانون الذي اعترض عليه يعمل ولم يصدر الفتوى التي تحرّمه وتحصن الناس من قبوله بل زاد على ذلك وصار يحث الناس على الانتخابات في ظل الاحتلال وضل ذلك القانون, وهنا هنا تقصير واضح بحق الأمة عليه كمرجع مسؤول عن أظهار حكم الله للعامة .
4- عندما حصلت التفجيرات الإجرامية في العاشر من محرم ( عاشوراء) في كربلاء والكاظمية , لم تصدر من السيستاني فتوى تحرّم الفعل ألأجرامي وتدين الفاعل ذاته ليضع حاجزاً شرعيا يحول دون تكراره أو على الأقل , ليظهر كلمه الله ( حكم الله ) للناس, بل أصدر فتوى بحرمة دخول الأراضي العراقية دون أذن السلطات , والسلطات هم الأحتلال بالطبع , وها هنا خطأ شرعي وقانوني كبير أكبر من ذلك الذي اشرنا إليه في الفقرة السابقة ,إنها فتوى تعطي الشرعية للاحتلال بكل وضوح وكأنه هو صاحب الحق والسيادة في العراق يجب على الناس احترام إرادتهم وقوانينهم وعدم مخالفتهم, وفي نفس الوقت تخفف عن الأحتلال الضغوط الخارجية التي تأتي من الجوار وتحاربه , وما أدرانا لعل الاحتلال هو الذي قام بتلك التفجيرات , وصوّر للسيستاني وللناس من خلال أبواق الإعلام إنها من فعل الغرباء الوافدون من الخارج , ليصدر السيستاني تلك الفتوى التي تصب لصالح الأحتلال . كان الأولى به أن يحرم الأحتلال ذاته , ويحرّم فعل التفجيرات الإجرامية ذاتها , لا أن يقدم خدماته للاحتلال بتلك الفتوى .(44/53)
5- حينما ارتكب الاحتلال جرائمه الأخلاقية بحق السجناء المسلمين في أبو غريب ثارت ثائرة كل الشرفاء والخيرين في العالم بل وحتى العاهرات في الكثير من دول العالم وأدانوها بشدة, إلا السيستاني صمت وكأن شيء لم يكن, لم يحرّم هذا الفعل ولم يطالب بمعاقبة الفاعلين , ولم يدين ولم يشجب كما فعل الآخرون , إن موقعه كفقيه مرجع يدعي انه نائب للمعصوم عليه السلام يحتم عليه أن يمارس دور المعصوم بالنيابة ويقوم بواجبه بالدفاع عن المسلمين ولو عن طريق الرفض والاستنكار, وأن الصمت في مثل تلك المناسبات يعطي إيحاءات خطير في جميع الاتجاهات , وقد يفسرها العدو والصديق بتفسيرات كثيرة تحط من منزلة الإسلام كدين حضاري يرفض تلك الممارسات الإجرامية الشاذة البشعة وتحط من منزلة المرجع نفسه باعتباره لا يكترث بمثل تلك الأمور, فإذا كان الأمريكيون أنفسهم هم الذين كشفوها للعالم وأدانوها وطالبوا بمعاقبة المذنبين وحاكموهم, فماذا كان سيخسر السيستاني لو اصدر بياناً لا يكلف سوى بضع سطور و ختم المرجعية ؟؟ وما السبب يا ترى من وراء صمته ؟؟
يبدو أنه يريد أن يظهر انضباطه التام أمام الأحتلال وهذه فرصة مناسبة ليظهر لهم تفرده المميز عن الآخرين ,حيث كل العالم تشاغبوا ونغصّوا على الأحتلال فعلته وأحرجوه بما فيهم الأمريكيون أنفسهم ما سوى السيستاني الذي اظهر انضباطه وحسن سيره وسلوكه في حضرتهم .( إن الله أولى من الأحتلال بذلك ).(44/54)
6- بعد تنصيب قوات الأحتلال العميل أياد علاوي الذي يتفاخر أمام وسائل الإعلام بكل وقاحة أنه يتعاطى مع الكثير من أجهزة الاستخبارات العالمية( يقال أن عددها 16) وكان بعثي سابق مشهور بجرائمه, بدل أن يحرّم السيستاني التعاون مع هذه الحكومة ورئيسها سارع إلى تأييده وحكومته بأسرع ما يمكن, وهذا لا يليق بفقيه مثله أبداً بل هو محرم عليه شرعاً بنص قراني واضح وصريح يهدد المخالف بعذاب النار والخروج من ولاية الله (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ) ( هود113) أي لا تعتمدوا على الظالمين في شؤون حياتكم ومن يفعل ذلك يخرج عن ولاية الله وله عذاب النار .
أقول : إن تأييد السيستاني من موقعه كفقيه لرجل لم يصلِ بحياته ركعة واحدة لله تعالى مجده بل مشهور بالفسق يركع ويسجد لـ 16صنم من أصنام الاستخبارات العالمية, يعطي إيحاءات خطيرة تفسد على العامة والمقلدين النسب والمفاهيم الثابتة التي كرستها الشريعة الإسلامية من خلال القرآن والأحاديث الشريفة وسيرة المعصومين عليهم السلام , إنه تأييد يشرعن الباطل على حساب الحق الواجب على الفقيه إظهاره للعامة .(44/55)
7 - إثناء التحرشات الأمريكية بالنجف وأبناء النجف وقبل الاقتراب منها اعتبر السيستاني النجف خطاً احمراً لا يجوز تجاوزه من قبل قوات الأحتلال , و لكنه لم يحفظ كلمته تلك من موقعه كمرجع أمام الأمة ولا أمام الاحتلال وصمت على تجاوزات خطوطه الحمراء بل وعلى جرح قدسية قبة الإمام علي عليه السلام من قبل قوات الاحتلال دون أن يعلن موقفا ًواضحاً إزاء ذلك سوى أنه طالب الجهات المتحاربة ( الطرفين) أن تخرج من النجف, هل هذه مسألة في الصلاة كي يبنى حكمه على الاحتياط أم مسالة واضحة وضوح الشمس فيها طرفان حق وباطل , يجب عليه ان يقف مع الحق مهما كلف الأمر , ويجب عليه ان يتمسك بالدفاع عن خطوطه الحمراء ولو ببيان شجب أو إدانة ولكنه للأسف لم يفعل.
انه من خلال تلك الممارسات يثبت للناس انه لا يصلح أن يكون مرجعاً أو قائداً لمجموعة مهما كانت صغيره لأنه يخذلهم ولا يدافع عنهم, ولا حتى يظهر تعاطفه معهم بفتوى أو بيان أو كلمة موجهة, وهذا الموقف لا يزال يتكرر إزاء التفجيرات والاعتداءات التي ضحيتها من العراقيين وأطراف اخرى, فإذا أراد أن يقنعنا أن آراءه السياسية صائبة في مسالة الانتخابات أو غيرها فليحسم لنا أولاً مسائل الصلاة التي هي في صميم اختصاصه كفقيه قضى جل عمره فيه, ومن بعد ذلك يحاول إقناعنا انه قادر على التعاطي بمسائل السياسة التي هي طارئة عليه وليست من ضمن اختصاصه ولا حتى ضمن مسؤوليته باعتباره لا يؤمن بولاية الفقيه ويرى ضرورة عزل الدين عن السياسة .
ملاحظة : كان من المفترض ان أضع هنا نموذجاً عن الاتفاق الذي جرى بين السيد مقتدى الصدر وبين السيستاني بعد أحداث النجف الثانية الذي كان يتضمن إطلاق سراح جميع منتسبي جيش المهدي وعدم ملاحقتهم والسماح لهم بالصلاة في مسجد الكوفة وممارسة فعالياتهم كقوة جماهيرية فاعلة, ولكنني لن أفعل بسبب حساسية الموضوع الذي يجعل الناس ما بين مؤيد ومعارض .(44/56)
( اللهم عجل لنا بظهور وليك المهدي عليه السلام ليظهر كلمتك ويجعلها هي العليا ويدحض كلمة الباطل ويجعلها السفلى واجعلنا أول المؤمنين به والناصرين له أنك سميع مجيب )
الحلقة الرابعة
تطرقت في الحلقات السابقة إلى أهم الأخطاء التي وجدتها في مرجعية أكبر المراجع ( السيستاني ) وهناك الكثير غيرها تحتاج إلى فرص اخرى لإظهارها في مناسبات وعناوين أخرى في سبيل تطوير واقعنا المعاصر وتجاوز الأخطاء الشائعة ما أمكن , أما في هذه الحلقة فأحاول أن أعمم النقد لفقهاء آخرين غير السيستاني ( دون ذكر الاسم) وأبيّن الأسباب التي تجعل الأختلاف بين وجهات نظر المجتهدين والمراجع في المسائل التي يفتون فيها ظاهرة للناس بصورة واضحة .
غياب النظرية العامة
حينما تطرح مسألة واحدة على عدة فقهاء فإنك لا تتلقى جواباً وحداً ولا حتى متقارباً إلا فيما ندر , فأحدهم يقول لك حلال , والثاني يقول حرام , والثالث يقول واجب , والرابع يقول مستحب , والخامس يقول مكروه , والسادس يقول على الأحوط وجوباً , والسابع يقول على الأحوط استحباباً , وأمام واقع كهذا لا يمكن أن يكون جميعهم على صواب , بل واحد منهم فقط على صواب والآخرون على خطاً , فنسبة الصواب هنا واحد من سبعة , وهي نسبة كبيرة و فضيعة للغاية لا يجوز أن تكون في الشؤون الدينية أبداً لأن الدين أنزله الله تاماً كاملاً بلا نواقص , والنواقص هنا من شان المفتي.(44/57)
ومن بين تلك الأجوبة المتناقضة في المسألة الواحدة لا يستطيع اغلب الناس تمييز الأعلم منهم الذي أجاد الصواب في جوابه لكي يطمئن إليه ويأخذ منه أحكام دينه ودنياه, ستة مخطئون يخوضون في دين الله على هواهم مقابل واحد مصيب وقد يتكرر هذا في كل مسألة, ولعل هذا هو السبب في كل البؤس والواقع المرير الذي يعيشه المسلمون في العالم, ولو ترجع إلى المصادر التي يدرسونها هؤلاء الفقهاء (جميعاً) تجدها واحدة لا تختلف بين هذا وذاك, بل حتى الظروف الموضوعية التي تحيط بالجميع مثل البيئة والثقافية تجدها متقاربة جداً وأحيانا تجدهم جميعاً قد درسوا في حوزات النجف أو قم ( بالنسبة للشيعة) .
والسؤال هو: إذا كانت المصادر التي يدرسونها والظروف البيئية التي يعيشونها واحدة فما هو السبب ياترى في أنتاج ذلك الأختلاف في الرؤية والفتوى ؟؟(44/58)
للجواب نقول : إن هناك عوامل وسمات ذاتية ( شخصية) تتعلق بكل واحد من هؤلاء , على حسب تلك السمات يكون فهم المصادر التي يستنبطون منها الأحكام الشرعية , هذا أولاً , أما ثانياً -وهو المهم جداً من وجهة نظرنا – فهو غياب النظرية الدينية التي تتضمن القوانين العامة التي توحد جميع وجهات النظر في إحاطتها وقيمومتها, ففي جميع ميادين العلوم والمعارف توجد نظريات عامة وخاصة , وعلى ضوء تلك النظريات يجري تفسير العناصر والمفردات المبحوثة في كل مجال , نحو الفيزياء, الكيمياء, الرياضيات , الأحياء , علم النفس , علم الاجتماع, علوم المستقبل و نحو ذلك , أما في الحوزات العلمية فإلى اليوم لم نجد أن هناك نظرية علمية موحدة ذات قوانين عامة أو خاصة تُدرّس لتحكم طريقة التكفير وتقلل من احتمالات الخطأ , وقد تُرك الأمر لمزاج واجتهاد كل مجتهد يقول برأيه دونما رقابة من قوانين عامة تحكم شطحات تفكيره وآراه , ولعل هذا هو السبب في انك تجد اختلاف في الفتوى إلى حد التناقض في مسألة واحدة, حلال ,حرام , واجب , مستحب , مكروه , على الأحوط وجوباً , على الأحوط استحباباً ونحو ذلك , بينما في ميادين العلوم الأخرى من المحال أن تجد هذا الاختلاف في مسألة واحدة وإن اختلفت طرق الحل فإن النتيجة تكون واحدة .
ولما كان الله واحد أحد والقرآن واحد والرسول واحد , فإن الحقيقة الشرعية واحدة ولا يمكن أن تتعدد أبداً , وعلى هذا فإن أجوبة المجتهدين المختلفة في مسألة واحدة ( حلال, حرام , واجب, مستحب, مكروه على الأحوط وجوباً , على الأحوط استحباباً) يكون واحد منهم فقط على صواب والآخرون مخطئون . وهذه حقيقة مؤكدة لا يمكن أن يشكك بها أحد , لأن الشيء لا يمكن أن يكون حلال وحرام في آن , أو غير ذلك.
من هو الأعلم ؟(44/59)
هذا السؤال على حسب الواقع الذي نشهده والمعايير المتبعة عند ما يسمون بأهل الخبرة وتحكم أمزجتهم الشخصية وقوتهم الإعلامية من المحال أن تجد له جواباً شافياً ,و ربما يوصلون لك شخصاً في غاية البساطة في العلم إلى درجة الأعلم والمرجع الكبير بقوتهم الإعلامية كما حصل للسيستاني الذي لديه في مسائل الصلاة فقط 113 احتياط والعدد يتضاعف أضعافاً كثيرة في مجمل رسالته العملية, بل الجواب الشافي تجده في المعايير العلمية التي لا يسلك الرأي الشخصي إليها من سبيل, حيث القوانين العامة والخاصة هي التي تحكم المسائل وليس المزاج والرأي الشخصي , فالرياضيات مثلاً قوانيها صارمة تحكم جميع العقول ولا تترك لها مجالاً للقول بالرأي أو المزاج الشخصي أبداً فمثلاً (1- 1 = صفر) حقيقة مؤكد تفرض نفسها على الجميع دونما نقاش أو تمرد من أحد عليها . هكذا نريد أن نبحث عن الأعلم والأجدر بالقيادة , والأكثر كفاءة الذي نعتمد عليه في شؤون ديننا ودنيانا, نريد حقائق مؤكدة تظهر حقيقة الشخص والحقيقة الشرعية لا أراء شخصية فيها من المصلحة والمطامع وهوى النفس ما يحول دون بلوغ الحقيقة .
فكما قال الإمام علي عليه السلام (( أعرف الحق تعرف رجاله)) , كذلك يمكننا القول ((أعرف العلم تعرف رجاله)) .(44/60)
أنا أعلم - وكل المؤمنين - أن صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصلاة المعصومين عليهم السلام من المحال أن تكون فيها على الأحوط لا وجوباً ولا استحباباً بل كانت صلاتهم يقينية 100 %, وعلى هذا فإن الفقيه الذي يقدم للناس رسالة عملية تتضمن 113 احتياط في مسائل الصلاة لا يمكن أن اعتبره أعلم الفقهاء بل لا يمكن أن اعتبره فقيه أبداً , بل هو جاهل لا يفقه شيئاً بأمور دينه وصلاته , ولو كان يفقه لما لجأ إلى الاحتياط . والأعلم عندي وكل مؤمن عاقل يحترم عقله ويرفض أن يكون ببغاء يردد ما يقوله الآخرون هو الفقيه الذي يقدم للناس صلاة ليس فيها احتياط أبداً , وإذا تعذر ذلك يكون الأقل احتياطاً في مسائل عمود الدين ( الصلاة).(44/61)
ولما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النموذج التام الكامل للكمال الإنساني الذي بلغ مقام (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى)( النجم 9) من كمال الحق تعالى مجده , وهو (ص) كان نموذج لله في الأرض في مقام العدالة وتوزيع الحقوق , والمدافع عن المظلومين والمجاهد الشجاع في ساحات المواجهة مع الأعداء ,,الخ , فإن الأعلم والأجدر بالقيادة هو الأقرب إلى صفات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , يجب ان يوزع الحقوق الشرعية للمستحقين ولا يحبسها يوماً واحداً عنهم , كما كان يفعل رسول الله ( ص) والإمام علي (ع) وهناك حيث مشهور للرسول (ص) يقول فيه ( ما ظن محمد بربه إن أدركه الموت وفي يده هذه الأساود) الأساود كانت أربع دراهم ,هذا الكلام يصدر عن أشرف الخلق اجمعين وسيد المرسلين يخاف من الله خوفاً شديداً لأن في يده أربع دراهم لم يعطها بعد للفقراء, وسيرة الإمام علي ع كانت كذلك , حيث في إحدى المرات جلبوا له الغنائم وكان الوقت عند غروب الشمس , قال لهم : ابقوا معي ريثما انتهي من تقسيمها وتوزيعها على المستحقين , قالوا له: لقد أمسينا يا أمير المؤمنين ( أي دخل علينا المساء اتركه للغد ) قال: وهل تضمنون لي أن أعيش إلى الغد ؟؟ اطرقوا برهة وقالوا له لا .. هذا أمر بيد الله وحده , قال لهم إذاً تبقون معي ريثما انتهي من توزيعه ..
هذه نماذج للعدالة يفعلها بشر وهي ليست معجزات بل مقدور عليها من قبل جميع الناس.(44/62)
ونحن نقول: (( ما ظن السيستاني بربه إن أدركه الموت وفي حوزته مليارات الدولارات , وفي العراق آلاف الفقراء والمساكين الذي يسكنون المدارس والحسينيات , ومعسكرات الجيش القديمة ؟؟ وهناك الأيتام والأرامل وأبناء الشهداء والمعتقلين ,و ,و الخ ؟؟ ولماذا أنجز في إيران كل تلك المؤسسات والمشاريع السكنية والمستشفيات ومدينة كبيرة تحمل اسمه التي يتفاخر بها ويعرضها في صفحات الانترنت وترك العراق وأهله دونما واحدة مثل تلك ؟؟ وكيف يبات قرير العين وفي ذمته تلك المليارات ؟؟
(نريد جواب عن هذه المسألة دون غيرها من الذين يؤمنون بعدالته )
معيار الأعلمية
لما كان الله تعالى مجده هو العلم المحض المطلق, فإن جميع مظاهر العلم والأعلم في الكمال الإنساني يجب ان تنتزع من هوية الله تعالى مجده , ومن غير ذلك لا يكمن أن نصل إلى حقيقة العلم والأعلم أبداً, فالإنسان بالفطرة مهيأ أن يحمل سمات هوية الله الوجودية بما في ذلك سمات العلم , قال (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) (30) الحجر إن هذا الروح الذي نفخه الله في الإنسان هو هوية الله تعالى مجده , يظهر كماله في النشأة على حسب الامتثال لقوانين الله الحاكمة في الوجود وهي الشريعة المنزلة من السماء إلى الأرض بواسطة الوحي ( ويضمن ذلك الإيمان ,العدالة , الصلاة, العلم الحكمة,,الخ ) , حيث كل شيء في الوجود ينبثق عن الله يكون حاملاً لهويته تعالى مجده بما في ذلك الشريعة المنزلة , ولهذا السبب كان القرآن الكريم يتضمن كل الحقيقة في جميع المجالات لأنه منتزع من هوية الله العالم بكل شيء (..وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )(النحل89)(44/63)
ولما كانت هناك مسافة غير محددة ما بين الله المطلق والإنسان العبد المحدود , فإن القرآن الذي نزل من جهة الصدور ( المطلق) إلى جهة الوصول (الإنسان) يعتبر رابطة سببية ما بين الحق والخلق ( وها هنا سر كبير يا أولي الألباب) بشرط اعتبار القرآن روح من الله حي كريم عظيم عليم حكيم فاعل... الخ ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا ...)(الشورى 52) فالقرآن إذاً ليس مجرد كلمات في قرطاس بل روح من أمر الله كما الروح الذي نفخه في آدم عليه السلام , وهو يتضمن علم الله وحكمته (يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) (يس1-2) وهو روح فاعل ذو إرادة يمكن أن يشفي الأمراض الروحية والجسدية (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارا)(الإسراء82) بل هو فاعل ذو إرادة عظيمة يكمن أن تحرك به الجبال من مكان إلى آخر و تقطع به الأرض وتكلم به الموتى (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً..) (الرعد 31)(44/64)
ولما كان القرآن كذلك وهو بين أيدينا يمكن أن نقرأه متى نشاء وكان مصدره الحق تعالى مجده ( العالم بكل شيء) فإنه بالتأكيد واسطة سببية للعلم ولفعل معجزات في الأرض كما يصرّح هو في آياته المباركة تلك. والإنسان الأعلم في المجتمع الإسلامي هو الأعلم بالقرآن الكريم الذي يتضمن تبياناً لكل الحقيقة وأخبار الدنيا والآخرة (..مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ..)(الأنعام 38) والإنسان الأكثر قدرة على استنباط القوانين العامة والخاصة منه , هو الذي يستطيع أن يرتبط روحياً به ليصل بالنهاية إلى مصدره ( الروح المطلق ) تعالى مجده . وهذا هو شأن العرفان الذي يجمع كل المعارف والعلوم في حقل واحد وباب واحد يفتح على جميع الأبواب كما يقول مولى المتقين وإمام المؤمنين على بن أبي طالب ( علمني رسول الله باب من العلم يفتح على ألف باب , وكل باب يفتح على ألف باب) باب يفتح على مليون باب ,هكذا انتزاع العلم من هوية الله (العليم) وليس باب الاحتياط , فالمعصوم لا يذهب للمدرسة أو الحوزة العلمية أو إلى شيخ أو أستاذ ليأخذ منه العلم بل يأخذ علمه مباشرة من الله (العليم) الذي فتح باب الوصول إليه لجميع الناس باعتبارهم حاملي الهوية ( روح الله التي نفخها في آدم عليه السلام) ويكون ذلك عن طريق العرفان , حب الله , عشق الله , إلى درجة العبودية , (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (آل عمران31) ( والذين أمنوا أشد حباً لله )(44/65)
ولما كان العليم (الله) تعالى مجده ظاهر وباطن (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الحديد3) وهو تعالى مجده هوية واحدة بلا تمايز أو اختلاف , فإن طريق الوصول إليه ( إلى العلم ) يجب أن يكون من الظاهر ومن الباطن في آن , وها هنا الأسس التي تبتني عليها نظرية المعرفة في الإسلام , انه طريق للمعرفة أوسع وأشمل من ذلك الذي يحصر المعرفة في المظاهر المادية فحسب .
وعلى ضوء تلك الحقائق المنتزعة من هوية الحق تعالى مجده , فإن الأعلم هو الذي يستلهم مفردات العلم من الله في مقامي الظاهر والباطن , أما مقام الظاهر فهو القرآن الكريم الذي بين أيدينا والسيرة النبوية الشريفة والتراث الغني الذي خلفه المعصومون عليهم السلام , وأما مقام الباطن فهو العلاقة العرفانية مع الباطن.. البطون المطلق( الله) تعالى مجده ويكون ذلك عن طريق الصلاة الخاشعة , العشق , العبودية , وهذا هو الأسلوب الأمثل لاستحصال العالم الذي يرجع في النهاية إلى العليم الحكيم تعالى مجده ,هو أسلوب المعصومين عليهم السلام ,يستطيع أي إنسان أن يخوض فيه ويستحصل ما شاء الله من العلم والمعرفة .(44/66)
وأمام حقائق موضوعية كهذه , فإن السبب في وجود اختلاف في الآراء والفتاوى ( حلال,حرام , واجب ,مستحب, مكروه, على الأحوط وجوبا, على الأحوط استحبابا,,الخ ) هو الأسلوب الخاطيء في التدريس والمادة العلمية التي يتناولها طالب العلم في الحوزة العلمية من نتائجه أن يخرج إلينا فقيه تجاوز السبعين من عمره برسالة عملية يقدمها للأمة تتضمن 113 احتياط , وهذا أمر كارثي يا قومي لو كنتم تعلمون ,إنها مصطلحات ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان , وليس لها وجود أصيل في الشريعة ولم تكن من ضمن مفردات النبي الأمين صلى الله عليه وآله وسلم ولا من أسلوب الأئمة الأطهار عليهم السلام , بل هي بضاعة الذين لا يبلغون اليقين , الذين يعتمدون على الكتاب والرواية والحديث وقال فلان وعلان من دون طرق باب الله وطلب العلم منه وهو القائل (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة282) (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق 4-5) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (29) وعنى هذه الأخيرة هو أن الذين يتقون الله (كما كان يفعل رسول الله ص والإمام علي ع , في أعطاء حق الفقراء والمساكين) يجعل الله لهم في قلوبهم فرقاناً لا يخطئ أبداً يفرق بين الحق والباطل والصواب من الخطأ ,لا يسلك الشك إليه من سبيل نحو على الأحوط وجوباً أو استحباباً ,او مستحب أو مكره أو نحو ذلك من المصطلحات التي ما انزل الله بها من سلطان , فكل ما يأتي من الله حق يقين , وكل ما يأتي من الطاغون شك وعدم يقين .(44/67)
وإليكم يا قومي وصفة علمية وطريقة لاستحصال العلم من الله يقولها لكم في قرآنه المجيد بكل صراحة ووضوح , انتبهوا لما يقول إن كنتم تريدون الفوز بالعلم والجنة ورضوان الله : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة22) فالآية الكريمة تتضمن شرطان مهمان من يحرزهما يكون مصداق حقيقي لها, لأن الله لا يقول شيء ويوثقه في القرآن إلا وله وجود حقيقي في النشأة, ومن أصدق من الله قيلا ؟؟, والمعنى كما هو بيّن , إن الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر , ولا يوادون الذين يحادون الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ( فكيف إذا كانوا قوات احتلال أو حكومة عميلة أو منافقين أو مرتزقة ,,الخ ؟؟), فإن الله يكتب في قلوبهم الإيمان , وهو علم يقني بلا على الأحوط لا وجوباً ولا أستحباباً , لا تستطيع اكبر قوة مستكبرة في الأرض أو الجاه أو المال أو الاستخبارات,,الخ أن تؤثر عليه لأن كتابة الله لا تنمحي ولا تتأثر بشيء, ويؤيد هؤلاء المؤمنين بروح منه تعالى مجده ( عقل إضافي نور على نور) ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ولا يخرجون منها أبداً , رضي الله عنهم بإيمانهم وتقواهم وطاعتهم, و رضوا عنه بما أعطاهم من نعيم مقيم , أولئك هم حزب الله الداخلون في ولاية الله العاملون له وليس لغيره .(44/68)
فالعلم الحقيقي إذاً لا ينحصر في قراءة الكتب والرواية وقال فلان وعلان , بل في تقوى الله والعمل لأجله بصدق وإخلاص , وأن ذلك يستجلب العلم من الله والرضوان والخير والبركة , وهو طريق حقيقي موثق في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ( من أخلص لله أربعين صباحاً جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه – حيث شريف) وهذا هو شأن العرفان الذي هو علم وعمل وباب يفتح على ألف باب وكل باب يفتح على ألف باب كما يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام .
* باحث في علوم المستقبل
Almehdi_9@hotmail.com(44/69)
الشبك الكورد المنسيون
اصل الشبك
احمد شوكت*
الشبك هم بناة الموصل القدماء، و ربما كانوا اول من بنى هذه المدينة الكوردية و سموها قديما قلعة "نواد شير" و العديد من المصادر التاريخية الرصينة و المعتمدة حتى يومنا هذا، يشير الى ان "نواد شير" الكوردي – الميدي هو الذي شيد قلعة حصينة على الضفة الغربية لنهر دجلة قبل قدوم الاشوريين الى المنطقة بنحو خمسة قرون في الاقل، لتكون محطة تتوقف فيها القوافل التجارية القادمة من الشرق عبر الطريق التجاري القديم الذي كان يسمى بطريق (حرير) او (طريق القطار) و بالكوردية (ريطاى قةتار)، و كان هذا الطريق يربط الشرق بالغرب على سواحل البحر الابيض المتوسط حيث تربط مدينة الموصل –حلب- سواحل البحر في لبنان و فلسطين من جهة، حلب – اللاذقية و بانياس من جهة اخرى، تتخذ المسار القديم نفسه، أي طريق القطار، و بهذه المناسبة فان كلمة (قطار) مشتقة اصلاً من اللغة الكوردية التي تلفظ الكلمة (قةتار) و التي تعني السير رتلا او تعني الرتل – سواء كان من الدواب او العربات – نفسه ايضاً و قد ادعى الكثيرون من المؤرخين و الكتاب الذين تعرضوا للشبك و اصلهم بأن احداً لم يقطع باصلهم، و سبب ذلك يعود الى امرين:(45/1)
اولهما انهم لم يكونوا على علم بلغتهم و تاريخ وجودهم في المنطقة، و ثانيهما انهم لم يمسكوا بالمفتاح الذي يفتح لهم مغاليق اصولهم وهو موطنهم و حركة الاقوام على ارض هذا الموطن عبر التاريخ او ان بعضهم تعمد تشويه اصولهم – لغرض في نفوسهم – و القفز على حقائق التاريخ و وقائعه. فلو عدنا الى البحث في الجذور الاولى لوجود مدينة الموصل كأقدم حاضرة سكنها الكورد وشيدوها، لوجدنا انهم بناتها الاصليون و الاوائل، كما اكدت ذلك عدة مصادر تاريخية، و منها (ابن الاثير) في كتابه الشهير "الكامل في التاريخ" حيث يقول: "وعندنا استولى الساسانيون على البلاد بعد تقويض اركان الدولة الاشورية و امتلكوا حوض دجلة، اعادوا تعمير (الحصن العبوري) – وهو الاسم الذي كان قد اطلقه الاراميون القدماء على مدينة الموصل – قلعة الموصل و اسكنوا فيه جنودهم وشيدوا حوله القرى و الدور التي سكنها فلاحوهم و صناعهم الفرس و اللر و الكورد و بعض النصارى" و هذا يعني ان قلعة الموصل كانت قائمة قبل الساسانيين، في حين يقول "ياقوت الحموي" في كتابه "معجم البلدان":
"ان اسم الموصل كان في ايام الفرس "نواد شير" و ان اول من اطلق عليها اسم (الموصل) هو (رواند بيوراسف) و رواند هذا كما يدل اسمه عليه – كوردي من اهل المدينة القدماء"(1).(45/2)
ولقد ذكرها المؤرخ المحارب اليوناني القديم "كزينيفون" ابان عودته من بابل بمعية العشرة الاف مقاتل انه شاهد قلعة مهدمة مقابل مدينة نينوى على الضفة الغربية من نهر دجلة(2) ولم تكن هناك قلعة مهدمة مقابل مدينة نينوى سوى (الحصن العبوري – قلعة الموصل)، فاذا علمنا ان هذا المؤرخ اليوناني كان يرافق "الاسكندر" في غزوه لبلاد وادي الرافدين او ماكان يسمى (ميزوبوتاميا) Mesopotamia في سنة 331 قبل الميلاد أي بعد انهيار امبراطورية اشور باكثر من ثلاثة قرون، حيث كان الفرث الماديون قد استولوا عليها في العام 608 قبل الميلاد، نعلم تماماً ان المدينة كانت خرائب الكورد الذين كانوا قد نزحوا عنها الى الساحل الشرقي من نهر دجلة احتماءً بالنهر من الغزوات المتكررة كحاجز طبيعي دفاعي لاشك في انه كان يمنح لهم الوقت الكافي لاتخاذ تدابير الدفاع او الهرب الى مناطق ابعد امام العدو الغازي الذي غالباً ماكان يأتيهم من الجنوب.
و لكن السؤال الذي قد تبادر الى الذهن هنا هو، من الذي كان يسكن المنطقة قبل الاشوريين ام انها كانت خالية من السكان، و هذا غير معقول، فنحن عندما لانمتلك الادلة القطعية بشأن كهذا، لابد لنا من اللجؤ او الاحتكام الى الافتراض و الاستنباط وفقا للمنطق الجدلي و الاجتهاد، وعلى ذلك، اذا ما صدقت الاساطير التي اكدت بعضها الاديان السماوية كأسطورة الطوفان الذي اجتاح الارض كلها، فان السفينة الوحيدة التي حملت بذور البشرية هي سفينة "نوح" التي "على الجودى استوت" و كما نعلم ان جبل "الجودى" يقع في كوردستان الشمالية و هذا يعني ان البشرية ابتدأت – بعد الطوفان – من جبال كوردستان ومن البديهي ان تنحسر المياه تدريجيا عن المناطق الاعلى ارتفاعاً ومن ثم عن المناطق السهيلة المنبسطة.(45/3)
ولاشك ان انحسار مياه الطوفان قد استغرق ردحا طويلا من الزمن مما اضطر الناجون – ركاب السفينة – الى الانتشار و العيش في كوردستان، و بعد انحسار المياه عن المناطق السهليه المتاخمة لاول سلسلة جبلية من جبال كوردستان و هي سلسلة (جبل مقلوب) المطلة على المنطقة التي يسكنها الشبك حالياً، بدأ النزوح الى هذه المناطق.
فهل كان "نوح" عربياً ام كوردياً او ارامياً او اسرائيليا..؟؟
فليس هناك ما يؤكد هذا الجانب على الرغم من كثير من الافتراضات، و لكن الثابت المرئي حتى اليوم ان هناك اثارا للسفينة البشرية الاولى، مازالت شاخصه على قمة جبل "جودى" الذي يقع مقابل جبل "زوزان" داخل الاراضي التركية، و قد رأيت تلكم الاثار بأم عيني و مازالت بعثة اثارية علمية تنقب عن حقيقة هيكل السفينة.
اما اذا عدنا الى فرضيات و نظريات العصور الجليدية، فاننا سنضطر مرة اخرى الى العودة الى الكهوف العميقة التي لجأ اليها الانسان بحثا عن الدفء و اسباب الحياة – و كما نعلم ليس هناك كهف في الصحاري و السهول – و هذا يعني بالتأكيد ان البذور الاولى للبشرية كانت مخبأة في كهوف كوردستان و جبالها، و هذا يعني ايضا ان الزحف البشري الاول – بعد ذوبان العصر الجليدي الثاني الاخير – قد انطلق من كوردستان، و ما يؤيد هذا الرأي ما عثرت عليه البعثات العلمية الاثارية و تنقيباتها في قاع كهف "شانةدةر" وهو اكبر كهف معروف حتى الان في العالم، فقد كانت البعثات الاثارية قد عثرت على هياكل عظمية بشرية و حيوانية على عمق ثلاثة عشر مترا في قاع هذا الكهف قدرت اعمارها باكثر من خمسة عشر الف سنة.(45/4)
و على ذلك، فان الزحف المفترض انه كان قد انطلق من شبه الجزيرة العربية لاكد و سومر بابل و اشور يشوبه الكثير من الشك و الريبة، و حتى اذا كان صحيحا فانه لم يكن الزحف الاول للحضارة البشرية في الاقل، فانه من المعروف ان شبه الجزيرة العربية اخر ما يمكن ان تنحسر عنها مياه الطوفان واخر ما يمكن ان تصلها البشرية بعد ذوبان العصر الجليدي.. ربما كان الزحف الثاني او الثالث او الرابع او.. ولكن من المؤكد ان الزحف الاول لانطلاق البشرية كان من الشمال الى الجنوب وليس العكس.
اذن.. سكان كوردستان هم اول من زحفوا نحو جنوبها و شيدوا فيه مواقع لاستيطانهم، و من المؤكد –منطقيا- ان الزحف كان متواصلا نظرا للخصائص الجغرافية الطبيعية التي تتمتع بها المنطقة من عناصر الامن الغذائي – كالاراضي الزراعية الخصبة و المياه الوفيرة و امكانات تنمية الثروة الحيوانية و ما الى ذلك من عناصر اخرى علاوة على ما توفره هذه العناصر من تسهيلات طبيعية للاستيطان.
وعلى ذلك يمكنني القول بكل ثقة ان اول من استوطن ارض نينوى هم الكورد الاوائل، و لكن نظراً لما كانت هذه الارض تتمتع به من اغراءات، فقد تعرضت لغزوات و زحف اقوام و امم اخرى، و لهذا نجد من يقول:
"كانت البقعة التي تقع عليها الموصل اليوم، و قبل ان تمتد اليها يد العرب بالبناء، حصناً اشورياً اطلق عليه الاراميون اسم "الحصن العبوري" و معناها القلعة التي تقع على الضفة اليمنى من دجلة ازاء نينوى عاصمة اشور"(3) و الحقيقة ان هذه القلعة كانت موجودة قبل الاشوريين وهم الذين خربوها حيث زحفوا اليها من الجنوب حيث كانت عاصمتهم الاولى "اشور" في الشرقاط التي تبعد عن الموصل جنوبا نحو 200 مائتي كيلومتر و مازالت اثارها شاخصة هناك، و يبدو ان قائل هذا القول لم يكن يعلم بذلك، حيث اوقع نفسه في خطأ جغرافي واضح في قوله:(45/5)
"اما مدينة نينوى اقدم المدن الاشورية، فلعلها شيدت في حدود الزمن الذي شيدت فيه مدينة اشور التي تقع اطلالها على ضفة دجلة اليسرى مقابل مدينة الموصل و تعرف بتل (قوينجق) و على الرابية التي تجثم فوقها الان قرية النبي يونس"(4).
و الحقيقة ان مدينة نينوى ليست اقدم المدن الاشورية، بل مدينة اشور التي تقع اطلالها على الضفة اليمنى لدجلة في الشرقاط جنوب الموصل بـ(200)كم و قد بنيت نينوى بعد انتقال العاصمة الاشورية من اشور الى نينوى التي تقبع تحت تلال (قوينجق) اما الرابية التي تجثم فوقها قرية (النبي يونس)، فتقبع تحتها اثار القصر الملكي للملك الاشوري (اشور بانيبال)، وفقاً للتنقيبات الاثارية في الثمانينات من القرن العشرين.
و يقول المؤرخ الالماني (فون هامر) الذي كان قد ولد في العام 1774م و توفي عام 1859م: (ان سكان الموصل يتكلمون الكردية وانهم اكراد علاوة على كونهم يتكلمون العربية و الفارسية و التركية)(5).
و يؤكد هذه الحقيقة ايضا المؤرخ الشهير (لسترانج): (ان اهل الموصل كرد منذ اقدم العصور)(6).
كما يؤكد ذلك ايضا المؤرخ الكوردي المشهور (امين زكي بك) فيقول: ان اهل الموصل هم كرد و انهم كانوا كذلك بصورة عامة في القرن الرابع)(7).
و يقول (كاتب جلبى زادة) الذي كان قد ولد سنة 1000هـ و توفي سنة 1067هـ عندما زار الموصل و كتب مؤلفه (كشف الظنون) في عام 1638م انه رأى الناس في الموصل يتكلمون (الكوردية)(8) كما يؤكد ذلك الرحالة الايطالي الشهير (ماركو بولو) و الذي كان قد مر بالموصل في العام 1280م حيث يقول:(45/6)
(و اذا خرج المرء خارج اسوار الموصل لوجد قبائل قوية المراس تعيش في حاله البداوة على السلب و الرعي تسمى (الكورد)(9) ولاشك في ان معظم سكان ضواحي الموصل كانوا كورداً حتى القرن الثالث عشر الميلادي كما كانوا قبل ذلك ايضاً، فنقرأ مثلاً في كتاب (فتوح البلدان) لمؤلفه (احمد بن يحيى بن جابر المعروف بالبلاذرى) تحت عنوان فتح الموصل قالوا، ولي عمر بن الخطاب عتبه بن فرق السلمى الموصل سنة 20 هـ فقاتله اهل نينوى الكرد، فاخذ حصنها وهو الشرقي عنوة، و عبر دجلة فصالحه اهل الحصن الاخر على الجزيه و الاذن لمن اراد الجلاء في الجلاء، ووجد بالموصل ديارات فصالحه اهلها على الجزية ثم فتح المرج وقراه الكوردية و اهل باهزري و باعزري و حيتون و الحنانه و المعله و دامير و جميع معاقل الكرد)(10) و هذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان نينوى او الموصل كانت كوردية تماما في سنة 520 (و قبل الفتح الاسلامي، و الا فلماذا لم يقل "البلاذرى" وهو المؤرخ الاسلامي فقاتله اهل نينوى العرب) لانه ببساطة لم يكن يسكن الموصل حينها عربي واحد و ان الفتوحات الاسلامية – و إنها كانت استيطانية (استعمارية)- هي التي جاءت بالعرب و اسكنتهم فيها.
و يقول "ابو بكر احمد بن محمد الهمداني المعروف بابن الفقيه" في هذا الصدد:
"ان اول من اختط الموصل و اسكنها العرب و مصرها هو (هرشمه بن عرفجه البارقي)(11) و الحقيقة ان (هرشمه بن عرفجه البارقي) هو الذي فتحها في عهد عمر بن الخطاب و لم يؤسسها او اختطها، فقد كانت مدينة عامرة بكردها منذ تأسيسها في بدايات الألف الثاني قبل الميلاد كمحطة استراحة للقوافل التجارية القادمة من مملكة ميديا الكوردية و بلاد فارس و المتجهة الى سواحل البحر الابيض المتوسط عبر الحلب في بلاد الشام.(45/7)
فقد كان الملوك الميديون على علاقة وطيدة بملوك بني اسرائيل – كما ورد في كتاب "الديمقراطية من ميديا الى الولايات المتحدة" لمؤلفه الدكتور (ستيفنس) – كما كانوا يمتلكون علماً واسعاً بالفلك و التنجيم حيث انهم كانوا اول من تنبئوا بولادة السيد المسيح "عيسى بن مريم" فارسلوا اليهم وفداً رسمياً رفيع المستوى يحمل غصن زيتون، و هناك رسم منحوت بهذا المعنى على سفح جبل (بيستون) ما يزال تفاصيله شاخصة حتى يومنا هذا.
وعلى ذلك فان وجود الكورد في المنطقة اقدم من وجود كل الامم و الاقوام فيها، فالاشوريون و البابليون و السومريون وقبلهم الاكديون، موجات بشرية تعاقبت في النزوح من ارض شبه الجزيرة العربية الى ارض الرافدين – كما يجمع على ذلك اغلب المؤرخين العراقيين و العرب – كذلك العرب، فانهم اخر موجة سامية مهاجرة من شبه الجزيرة العربية الى العراق بعد الفتح الاسلامي.(45/8)
على ان الموجات القديمة – و ان كانت سامية – لم تكن عربية، كما انها جميعا و بضمنها الموجة العربية الاخيرة، لم تكن موجات حضارية، لانها ببساطة قدمت من صحار خالية من أي مظهر حضاري، و انما جاءت الى وادي الرافدين و استعمرت حضارات الاخرين و ادعتها لنفسها و علاوة على كل ذلك، فانه ليس هناك في التراث العربي القديم الذي اجتمع كله في المعلقات السبع الشعرية الشهيرة على جدار الكعبة ما يشير الى أي اثر حضاري من بناء او فنون او صروح حضارية اخرى غير الفخر و الاعتزاز بالقتل و السلب و النهب و الغزو و الاف الاسماء و المرادفات للوحوش و الحيوانات و مفردات الصحاري كالنقع و الاطلال و الكلأ و العشب و الواحة و السراب و الرمال و ما الى ذلك، و هذا يعني قطعا بانهم كانوا في حالة البداوة و عدم الاستقرار ردحاً طويلاً من الزمن، فلم يشيدوا حضارة ولم يستقروا على الزراعة او اقامة مستوطنات ثابتة، فكانت حياة العرب حلا و ترحالا دائما، اما هربا اما من يطلب الثأر و الانتقام او مطاردة و ملاحقة لمن كان مطلوبا لهم بدم او مال بحيث اقتصرت حياتهم على الغزو و القتل و السلب او بالاحرى، كانت الحياة العربية الى ما قبل الاسلام، حياة طفيلية خالية من أي مفهوم حضاري.
و عندما بعث فيهم الرسول محمد بن عبدالله (صلعم) تم توظيف تلك الحياة الطفيلية ذاتها و لكن على نطاق اوسع و اكثر تنظيما تحت عنوان الفتوحات الاسلامية و التبشير بدين الله، فتوحدت كل القبائل العربية تحت راية الاسلام فاصبحت قوة متجانسة عقائديا و تربويا و سايكولوجيا و مهيأة للانقضاض على كافة الامم و الاقوام المجاورة من ذوي الحضارات القديمة.
و هكذا اجتاحت القوة العربية الاسلامية بلاد فارس و بلاد الكورد و بلدان المغرب و الشرق الاقصى بلاهوادة واستطاعت الاستيلاء على اصقاع شاسعة من الارض و الناس حتى لم يعد بمقدور ادارات هذه القوة من اداء مهامها التنظيمية و الادارية.(45/9)
و شيئا فشيئا بدأت امبراطورية الاسلام بالتمزق و الاضمحلال شأنها شأن اية امبراطورية سادت زمنا ثم بادت و اندثرت. و لكنها تركت اثارها في كل مكان، فزرعت عربا هنا و اعرابا هناك في كل ارض ادركها نفوذها، و هكذا.. تركت في الموصل بعضها من عرب تغلب و بعضاً من عرب تميم و غيرهم، و لكنهم ظلوا و لسوف يظلون غرباء محتلين.
و من حقيقة ان العرب لم يكونوا قط بناة مدن او أي شكل من اشكال الاستيطان الحضري، ندرك بيقين تام ان الموصل كانت مدينة كوردية و ماتزال كذلك على الرغم من كثرة حملات التعريب المتعمدة.. و لكن ما يدعو الى الاستغراب حقاً، ان القوى السياسية و القومية لم تكن جادة بالقدر اللازم في المطالبة بضم هذه المدينة الى حدود كوردستان سواء في اتفاقية اذار 1970 ام في احداث الانتفاضة التحررية في العام 1991 او في مد و تشييد العلاقات التنظيمية.
فاذا كان الموطن كوردياً و امتدادا طبيعيا لارض كوردستان و اهلها فماذا يكون الشبك سوى ان يكونوا كورداً؟؟ و اذا كان الشبك لم يعرفهم المؤرخون بهذا الاسم الا متأخرا – في اوائل القرن العشرين او اواخر القرن التاسع عشر- فكيف يمكن القبول بعروبتهم او تركيتهم او اية تسمية اخرى ظن البعض ظنا و افتراضا او افتراء انها تدل عليهم؟ افليس غريبا ان نقرأ في مصدر تاريخي ان اسمهم "شوك" بالواو و ليس بالباء و دونما الاشارة الى أي مصدر اخر؟؟
لقد ورد في كتاب "مسالك الابصار في ممالك الامصار" مانصه: الشوك، و هؤلاء الشبك حكمهم شنكاره و شوانكاره) و ما يبعد بعضهم عن بعض في موازنة العقول، الا انه لايحلون بينهم من دماء تطل، و مواثيق فيما تحل، و فيهم كرم و سماح، تقصدها الفقراء و تنزل في قراهم و تقيم في ضيافتهم و قراهم و لهم فيها و لها فيهم حسن الظن..)(12) فكيف تعددت الاسماء و القوم واحد؟؟(45/10)
و الحقيقة ان هذه التسمية (شوك) و ما الحق بها "فضل الله العمر شهاب الدين احمد بن يحي" من اسماء (شنكاره و شوانكاره) لم تظهر لدى احد المؤرخين من جيله و يبدو واضحا انها من بناة افكاره وحده و الا لكنا وجدناها او عثرنا على احداها في المعاجم القديمة او الحديثة او في احد المصادر التاريخية، فلقد تناول تاريخ الموصل و اهلها مؤرخون كثر، فهذا "سليمان صائغ الموصلي" وهو من مؤرخي بدايات القرن العشرين يقول ما نصه: "ومن عشائر الموصل الاعجمية هم التركمان و اصلهم من قبيلتي (آقوينلو و قره قوينلو) و قد اقبلوا الى الموصل في حملة (اوزون حسن) فاستوطن بعضهم (تلعفر) و فيها ايضا من تغلب و بعضهم اقاموا في شرقي دجلة على الشواطيء.. ثم شبك و باجوان (باجوران) و هؤلاء اقبلوا من بلاد الفرس الا اننا نجهل تاريخ مجيئهم الى الموصل و لغتهم خليطة من الكوردية و الفارسية و التركية، و قرى الباجوان هي عمر كان و تبراخ زيارة وتل يعقوب و بشبيثا، اما قرى الشبك فهي عليرش و ينجيكا و خزنه وتلاره و قرى اخرى عديدة اطراف سنجار)(13) و الحقيقة ان "الموصلي" اخطا كثيرا في انه اخذ الشبك برقاب الباجلان، فلم يميز بينهم، فاذا كان الباجلان (الباجوان او الباجوران) كما يسميهم على هواه العربي وقد اقبلوا من بلاد الفرس فهذا لا يعني ان الشبك ايضا قد قدموا من البلاد نفسها وهم بناة الموصل القدماء، وهم الذين فرض عليهم الباجلانيون فرضا دونما ارادتهم و اضطروا الى القبول بهم و ايوائهم لانه والي الموصل – حين قدومهم من بلاد الفرس – ملكهم الارض وسلطهم على الشبك لاسباب سياسية وردا على مواقف الشبك من حملة نادرشاه على الموصل و تعاطفهم معها.. بل و ايوائهم العديد من افراد جيش نادرشاه حين اجتاحهم مرض الملاريا حتى فتك بقائدهم "جيلوخان" على ان المؤرخ "الموصلي" قفز فوق وقائع التاريخ و خلط بين الشبك و الباجلان لانه كان على يقين تام بحداثة وجود الباجلان في(45/11)
المنطقة فاراد سحب هذه الحداثة على الشبك ايضا ليسهل و يبرر طردهم منها و من ثم الاستيلاء على موطنهم، ثأرا و انتقاما لمواقفهم السابقة.
كما ان (الموصلي) قد اخطأ ايضا جغرافية بينة في اسماء قرى الشبك و الباجلان، فقرية "عمر كان" هي وحدها التي تسكنها اغلبية باجلانية اما بقية الاسماء التي ذكرها، فكلها قرى الشبك باستثناء قرية تلاره التي لفظها و كتبها خطأ ايضا، فهي تلفظ "تلياره" و يتناصفها الشبك و الباجلان و قد كانت اصلا للشبك و دخلها الباجلان في القرن التاسع عشر.
و علاوة على كل ذلك، فليس هناك أي وجود للشبك في اطراف سنجار، و لقد خلط المؤرخون كلهم بين طائفة "الباباوات" الايزدية و الشبك خلطا مقصودا في زمن كان تكفير الايزيدية رائجا فاراد بذلك "الموصلي" تكفير الشبك ايضا، على ان "للموصلي" فضلا في تأكيد كوردية الشبك و الباجلان من حيث لغتهم و انتماؤهم القومي.
على ان كوردية الشبك و الباجلان تأكد منذ بدايات القرن العشرين في مصادر كثيرة: "ان هذه الأجيال الثلاثة (الصاليه و الباجوران و الشبك) و ان تباينت اديانها و اختلفت مذاهبها الا ان بينهم جامعة واحدة تجمع اصحابها و تأخذ رقابهم و تسوقهم جميعا الى عنصر واحد وهو العنصر الكردي في الأصل و على الأغلب و ان كان بينهم العديد من الفرس.(45/12)
و هذه الرابطة هي ملامح الوجه و تقاطعه، فانك ترى الباجوران (الباجلان) و الصاليه (الكاكائيه) و الشبك كالكورد، مفتولي الخلق، شديد العضل، طول النجاد، لطيفي الاطراف، سمر البشرة، فتى الانوف، يغلب على عيونهم الدبسة (لون بين السواد و الحمرة) و على شعرهم السواد، اسنانهم بيضاء، براقة متناسقة، متضامة، و افواههم واسعة و صدورهم رحبة و غير ذلك من الفصول المميزة للكرد و بالخصوص يغلب على اخلاقهم الحنف و العنف و الهمجية و العنجهية، على نوع لا ترى الا في الكرد، و أشر من ذلك انها معقودة بالحقدو الضغينة اللتين يخفيهما للمداهنة و تظهرهما العزة حتى انه "يلقاك و العسل المصفى يجتنى من قوله و من الفعال العلقم – كما قال فيهم احد الشعراء"(14) و الحقيقة ان الكاتب في مقاله هذا قد اصاب كبد الحقيقة من ناحية و تجنى عليهم من ناحية اخرى. فقد اكد ان الصارليه و الباجلان و الشبك كرد، حتى في سماتهم الانثروبولوجية التي مازالت تسود ملامحهم و تميزهم عن الاقوام و الاعراق الأخرى، و لكنه تجنى عليهم عندما وصفهم بكونهم يكنون الحقد و الضغينة، فانه من الشائع جدا، لدى كافة شعوب المنطقة، ان الكرد عموما، طيبو السريرة و على نياتهم و يعيشون بقدر كبير من السذاجة و البساطة الى حد انه ليس هناك من مجلس يخلو من القفثات و النكات التي تصور سذاجاتهم و قلة حيلتهم و بطء بديهيتهم، فهل مثل هؤلاء القوم يكنون الحقد و الضغينة؟؟(45/13)
على انهم لا يسكتون على ضيم و لا يقبلون بالغدر و الطعن في الظهر بعد السلام و الامن. و لكن اخلاقيات الشعوب قابلة للتطور و التغير وفقا لمعطيات العصر و متطلبات الموقف و انماط الحياة في كل مكان و ليست هناك ثوابت اخلاقية تصلح لكل زمان. و على ذلك فان الشبك كرد مئة بالمئة، الشبك جيل من الناس، الكوردي العنصر، مبثوثون في قرى ولاية الموصل، و ليست لهم كتب دينية حقيقة"(15) و يسرد الكاتب اسماء ثلاث و ثلاثين قرية لهم و يستطرد بان لهم قرى اخرى على تخوم بلاد ايران من جهة الموصل، و هذا يؤكد ماورد في الموسوعة البريطانية تحت المادة الشبك طائفة اسلامية كوردية الاصل تقطن ولاية الموصل، (shabek:
islamic Section of kurdish orrigin live
mosul state) فهل بقى هناك ما يدعو "احمد حامد الصراف" و "عباس العزاوي" و "ثامر عبد الحسين العامري" و غيرهم الى الافتراء على الشبك و الادعاء بانهم عرب او ترك. وقد كانت كافة المصادر التي اشرنا اليها، و اقتبسنا منها نصوصا، منشورة في زمان ادعائهم و افترائهم؟ و هذا يؤكد بلا ريب ان دوافع هؤلاء و سواهم، كانت اما نابعة عن حقد دفين او مغرضة، و الهدف واضح.. و هو تأجيج الصراع القومي و تبرير التعريب و الاحتلال و الاستلاب.(45/14)
و يبدو واضحا ان النخبة السياسية العراقية كانت و ماتزال، منذ بداية تأسيس الدولة العراقية الحديثة و حتى يومنا هذا، تسعى بكل الوسائل و تحت تأثير مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، الى تعريب المنطقة ارضا و سكاناً كجزء من ثوابت الامن القومي العربي، لان تلك النخبة كانت على يقين تام بانها ستكون مهددة دوما بالصحوة القومية ما لم يتم تدارك التركيب القومي التعددي للشعب العراقي، ان هاجس الخوف هذا من تعدد القومية، هو الذي دفع بالعديد من كتاب النخبة السياسية (المؤسساتية) الى الافتراء على وقائع و حقائق التاريخ و تشويهها، و مازال هو الهاجس عينه الذي يدفع الكثيرين الى اعادة كتابة تاريخ العراق.. اما اصل الباجلان – البيجوان، الباجوران، الباجوان – و الذين يطلق عليهم الشبك، بالإملاء الكوردي "بةجلانطةل" فواضح لالبس فيه، وفقا لما ورد في المصادر التاريخية المعاصرة و لما يرويه شيوخهم و عجائزهم و مثقفوهم.
ولاحقة "طةل" تستخدم فيه لهجة "ماضؤ" الكوردية للدلالة على الجمع فاذا اراد الكوردي الشبكي لفظ اسم او كلمة بصيغة الجمع، اضاف اليها لاحقة "طةل" وهي تعني بالكوردية "الشعب" مثال ذلك: "كور – ابن" تصبح في الحالة الجمع: "كورِة طةل – ابناء او اولاد" و هكذا.. "كناضة – بنت – كناضة طةل - بنات" و "سثة – كلب - سبة طةل - كلاب" و "هةسث – فرس – هةسث طةل – فراس او افراس" و "مةهان – حصان – مةهانطةل – حصن - خيل".
فالبةجلانطةل.. (الباجلان) هم اخر النازحين من بلاد الفرس الى العراق.. الى مدينة الموصل حيث يقول عنه المؤرخ و ضابط الاستخبارات البريطاني "المجرسون" في كتابه او تقريره الموسع تحت عنوان "ملاحظات عن قبائل كوردستان الجنوبية بين الزاب الاعظم و ديالى Notes on the tribes of
southern kurdistan between the grater zab
and dialah, June, 1919. Mager, E. soane." مانصه:(45/15)
(مؤسس هذه الاسرة الباجلانية هو (عبدال بك الباجلاني) من اهالي دياربكر، و ينحدر اصلا من احدى العشائر الكرمانجية المقيمة قرب تلك المدينة. و في العام 1630م رحل عبدال بك الباجلاني الى منطقة "زهاو – زهاب" و استولى عليها و فرض عليها سلطانه على سكانها الناطقين باللغة البهلوية او بالاحرى اللغة الكلهرية غير الوضحة المعالم. ولكن هذه الاسرة اضطرت للرحيل عن المنطقة (زهاو – زهاب) بعد ان خسرت اخر معاركها مع (محمد على ميرزا) و ذلك في القرن التاسع عشر حيث تم توقيع معاهدة ارضروم الاولى في 31/5/1847 و اعيدت المنطقة بموجبها الى ايران"(16).
على ان المترجم "فؤاد حمه خورشيد" يعلق على ذلك في هامشه فيقول:
(قبل توقيع معاهدة زهاو (زهاب) عام 1639 بين الدولتين العثمانية و الصفوية، كانت المنطقة التي يقطنها الكوران اليوم، بما فيها منطقة زهاو (زهاب) و تلال (كرند و باوانيج) و الاراضي الممتدة شرقي زهاو برمتها، موطنا للكلهر من الكرد الا ان الكلهر جردوا من اراضيهم بعد وصول عبدال بك الباجلاني اليها عام 1630م قادما من المناطق الشمالية و اخضاعه سكانها لاسرته و الذي اطلق عليهم لقب (طوران) و سلم السلطان العثماني مراد الرابع باشلق زهاو بعد ان انتزعه من الصفويين بموجب تلك المعاهدة، لباشوات الباجلان بقيادة عبدال بك الباجلاني و اصبح الباشلق يمتد من جبال هورامان شمالا و حتى تلال كرند شرقا. كما ان زعيم الباجلان هذا يعتبر مؤسس مدينة زهاو الحالية.
و بقي باشوات الباجلان يديرون هذا الباشلق حتى وثوب القاجاريين على السلطة في فارس فتمكنوا من ازاحة اخر باشا باجلاني من حكم زهاو في عام 1806 بعد ان عينوا محمد على ميرزا حاكما على كرمنشاه، فدخلت الاسرة الباجلانية في معارك طاحنة مع الحكام الجدد حتى اضطرت للرحيل عن المنطقة بعد ان خسرت اخر معاركها و للمزيد من المعلومات راجع:(45/16)
1-soan, E.E., short antology of guran poetry, J.R.A.S. January, 1921, part 1, P. 58.
2-Minorsky, V(The Guran), B.S.O.A.S. 1948, Vd X1 part, 1, P. 58-86.
3-soan, E.E., (Report on the sulaimania.) District of: kurdistan, calcutta, 1918, P. 73.
و تذكر هذه المصادر الثلاثة التفاصيل ذاتها مع بعض الاختلافات و لكنها تؤكد على ان نزوح الباجلانيين من زهاو (زهاب) الايرانية الى الموصل و كركوك كان في منتصف القرن التاسع عشر ومع توقيع معاهدة ارضروم الاولى في نهاية ايار 1847.
و هكذا يؤكد ان الشبك اقدم منهم في الموصل وفقا لكل المصادر التي تناولتهم. و علاوة على ذلك، فقد اكد الدكتور "احمد عثمان ابوبكر" في مقال له بعنوان "كردستان في عهد السلام، القسم الخامس و العشرون، بعد الحرب العالمية الاولى" نشره في ص 60 من المجلة "الثقافة" العدد الثالث، السنة الثالثة عشرة 67، اذار 1986 نقلا عن الوثيقة البريطانية المرقمة 81 of (371) (3406) (139152) (6857) (June 8th, 1918). Major E. Soan.: على المعلومات نفسها مع بعض الاختلافات ايضا راينا نقلها هنا لتعميم الفائدة: (الباجلان: ان ثمة عشائر كردية لم يكتب عنها او كتب القليل جدا بشأنها، و منها عشيرة الباجلان. و تجدر الاشارة الى هذه في بعض الاحيان لفائدة ذلك و تتضمن الوثيقة المرقمة (كما اشرنا اليها اعلاه) ملاحظات عن بعض عشائر كوردستان كتبها الميجرسون في خانقين، و حتى طبعت في حينها، وقد جاء فيها عن عشيرة الباجلان ما يلي:
1-العشيرة، الاقسام: جومور و فرانلو. الاقسام الفرعية لجومور هي سايكوند، حاجيلار، غريب وند، شيره وند، جار كالاو، هموند، داوده وند، و جليل اغا.(45/17)
الاقسام الفرعية للقازانلو هي حاجي خليل، ولي اغا، عبدالرحمن اغا، رؤساء الجومور، مجيد اغا، بارويز اغا، مبارك، جهان، باخش، قادر اغا، و محمد امين اغا، اما رؤساء القازانلو – ولي اغا – عبدالرحمن اغا – عيدان اغا – حاجي خليل اغا.
القوة – نحو 300/ عائلة. كان مع مجيد اغا قبل الحرب الاولى حوالي 80 فارسا، و مع محمد امين اغا و ولي اغا 400 فارس. في الوقت الحاضر العشرة موزعة و لا قوة لها.
الموقع -أ- جومور، قسم في سهل باجلان الذي يحده شمالا –نهير عباسان، جنوبا – طريق نحو كرمنشاه، شرقا – تلال داري ديوان و بيشيكان. غربا – نهر سيروان و تلال اغا داغ.
ب-قازانلو – قسم منهم في سهل كودرا و يحده شمالا و غربا نهر سيروان. جنوبا – بابا بيلاوي و جبل مورواريد، شرقا – اغ داغ. و قسم منهم في بيبوغ بين الموصل و الزاب الصغير بقيادة علي اغا قازانلو، و قسم منهم في القرية المسماة باجلان قرب كركوك بامرة عبدالرحمن اغا"(17).
في الحقيقة ان قسما من الباجلان النازحين الى قرية "بايبوغ" قد نزح فيما بعد الى قرى "النوامران" و "تلياره" و "باريما" و "اومةر قابسنى" و "فةديلة" و "خور سةبات"، فالشبك غالبا ما يطلقون على هذه القرى: "هؤزطةلى بةجلانطةلى" و كلمة "هؤز" بلهجة الشبك تعني "قرية".(45/18)
على ان الميجرسون يذكر في تقريره ايضا ملاحظات عامة هذا نصها كما ترجمها الدكتور "احمد عثمان ابوبكر": "الرئيس الحالي – مصطفى باشا باجلان، رجل مسن حازم و قد حمل ميله الموالي للانكليز لحد التضحية باملاكه للحلفاء للحفاظ على عهده معنا.. كان سابقا في الخدمة المدنية التركية و مديرا في اوقات مختلفة في العزيزية و البدرة و له معرفة تامة بالسكان العرب في تلك النواحي و كذلك بعشائر كوردستان الجنوبية. انه كوردي صميمي منتم للكرمانج الخالص. وهو ثقة و مصدر كبير لتأريخ العوائل الكرمانجية الرئيسية. و كان دوما معاديا للعثمانيين.. كان في مختلف الاوقات متمردا او منفيا و له سمعة عريضة في البسالة في معارك العشائر. و سيكون اداة فعالة و متحمسا لأي مشروع للحكم الذاتي الاوتونومي لكوردستان. وهو متزوج من اسرة بابان الارستقراطية التي تعتبر من اقدم العوائل الكرمانجية البحتة في كوردستان الجنوبية. و اسم زوجته اسماهانم"(18) و كما يلاحظ، ان العلاقة الباجلانية – البريطانية كانت وطيدة جدا منذ بدايات القرن العشرين، على الرغم من ان الوالي العثماني في الموصل وفي خانقين و كركوك، و بايعاز من الباب العالي (السلطان العثماني) كان قد منحهم المال و الجاه و اسكنهم في العراق و سلطهم على اراض زراعية واسعة و قطاع واسع من الفلاحين الكورد في منتصف القرن التاسع عشر حين اضطر اغلب الباجلانيين الى النزوح عن (زهاو) الايرانية بعد هزيمتهم امام الحاكم الايراني محمد على ميرزا.
انني اشير الى هذه العلاقة هنا لكي اعود اليها فيما بعد لانها كانت سببا مباشرا لاحتدام الصراع بين الشبك و الباجلان و من ثم تكريس عداء تقليدي بينهما، و كان هذا العداء التقليدي جزءاً اساسيا من السياسة البريطانية في العراق بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة.(45/19)
و يواصل الدكتور (احمد عثمان ابوبكر) ترجمة التقرير البريطاني فيقول تحت عنوان: "تأريخ الاسرة – ان الجد الاصلي لباجلان كان مواطنا في مقاطعة دياربكر من احدى قبائل الكرمانج الساكنة بقرب تلك البلدة. و قد هاجر هو حوالي سنه 1630م الى زهاب (وكانت مقاطعة تركية انذاك) و استولى عليها من سكانها الفلاحين الناطقين باللغة الفهلوية. و قد سلم السلطان مراد الرابع زهاب له و فرض عليه واجب تقديم 2000 من الفرسان عند الطلب و ضريبة سنوية مقدارها ثلاثمئة الف قرش (300000).
ان هذا الجد كان يسمى عبدالله بيك باجلان – و الحقيقة ان الاسم ورد باللغة الانكليزية عبدال بك باجلاني – اما لقب الباشا فمنح لأول مرة لاحمد باشا باجلان الذي حارب نادر شاه في باثاق و استمر باشاليف زهاب في الوجود حتى عهد عثمان باشا والد مصطفى باشا في السنين الاولى من القرن التاسع العشر. ثم فوض على عائلة باجلان و الفلاحين المنتمين اليها ان يحاربوا محمد على ميرزا معتمدين على انفسهم وقد اضطروا على تخلية زهاب.
و على اثر توصية لجنة ارضروم التي كان عثمان باشا عضوا فيها.. اختارت عائلة باجلان ان تبقى في الرعية العثمانية و نزحت الى خانقين التي لا تزال مقرا لها(19).
ان ما تسمى العشيرة كانت و لاتزال تجمعا للفلاحين من مختلف العشائر التي بقايا عشيرة تركية من الشرق كانت تستقر في همدان في زمن سابق و يشكل هذا القسم قاعدة لعدة تجمعات لهم بقرب الحدود مثل دركزبنلو.. و سكان قازاني التي كانت تعرف سابقا ايضا بأسم قازانلو و قبل حصول أي ارتباط بباجلان. و توافد على زهاب نوع من السكان يتحدثون بلهجة فهلوية هجينة لا تزال هي لهجة قسم منها موجودا من الباجلان(20) وهذا على النقيض من لغة العائلة و التي هي كرمانجية خالصة.(45/20)
و يتمتع العضو الرئيس من العائلة حتى الان بنفوذ واسع على العشيرة بالرغم من انه ليس برئيسها في الحقيقة اما قسم جومور فهو اقل تأثيرا بنفوذه. في الوقت نفسه يملك قسم قازانلو القوة الاوفر من حيث عدد المحاربين و المزارعين. و ينتمى هؤلاء جميعهم الى السنة على المذهب الشافعي"(21).
ان الكورد و ان كانوا على مذهب السني الشافعي، فان هذا لم يمنع الكثيرين منهم من التشيع علاوة على ان قسما كبيرا من العشائر الكوردية دخلت الطرق الدينية التصوفية كالقادرية و النقشبندية و البكتاشية و القزلباشية فيما بقى قسم منهم محتفظين بأديانهم و مذاهبهم السابقة كالايزيدية و النصرانية و حتى الزرداشتية القديمة واليهودية، فقد كان رئيس وزراء اسرائيل السابق (اسحاق رابين) كورديا من سكان (اكري - عقرة) في كوردستان العراق. على ان اختلاف و تباين المعتقدات الدينية عند الكورد لم يكن سببا في الصراعات القومية و السياسية و حتى القبلية، فالشائع عند الكورد ان الدين عندهم عادة و ليس عبادة. و بغض النظر عن مدى صحة هذه الشائعة او افترائها، فان ظاهرة الالتزام الديني و العشائري و الحرص على اداء الطقوس الدينية و خاصة الاسلامية، تطغي بشكل واضح على عموم الشعب الكوردي و بشكل لافت للنظر.(45/21)
و بناء على ما اسلفنا، تأكد لنا ان الباجلان كرد، كرمانج، غرباء عن مناطق التي استقروا فيها و مازالوا يعيشون فيها و لكن ما السر في انقسام افخاذ و اقتسام العشيرة الواحدة و وجودها في مناطق متباعدة عن بعضها جغرافيا؟! و بنظرة تحليلية لتسلسل الأحداث يمكن القول بأن النزوح لم يكن سهلا و كانت الهجرات الجماعية تواجه دوما رفضا و صراعات قبلية عشائرية، فعندما نزحت عشيرة الباجلالان من موطنها الاصلي (دياربكر) و المناطق المحيطة بها الى منطقة (زهاو او زهاب) لاشك في انها واجهت مقاومة شديدة و خاضت من اجل الاستيلاء معارك طاحنة كان النصر حليفها في النهاية لما كانت تتمتع به من الشجاعة و البسالة و كثرة الفرسان و دعم السلطات العثمانية لها ضمان ولاء المنطقة لها ازاء العدو التقليدي لها (الدولة الصفوية الايرانية) أي بمعنى اخر ان العشيرة الباجلانية كانت مطية لأغراض عثمانية سياسية.
و حينما احتدمت الصراعات السياسية بين الدولتين العثمانية و الصفوية و كانت الاولى قد الت الى الضعف و الانهيار و اصبحت الرجل المريض في العالم و تكالب قوى الاستعمار الغربية، وظفت العشيرة الباجلانية مرة اخرى لتكون مطية للمصالح الاستعمارية البريطانية خاصة، و تطلب منها ذلك الدخول في معارك اخرى حتى خسرت اخرها و اضطرت الى النزوح من الاراضي الايرانية الى الاراضي العراقية التي كانت قد دخلت تحت النفوذ الانكليزي، فاذا كانت العشيرة قد حصلت لها على موطئ قدم في منتصف القرن التاسع عشر في خانقين و كركوك و الموصل، فانما كان بدعم السلطات العثمانية انذاك و التي كانت تكن العداء و الكراهية الشديدين للكورد (الشبك) في الموصل قبل ذلك بأكثر من قرن من الزمان.(45/22)
و بالعودة الى قراءة احداث حصار نادر شاه للموصل سنة 1743م نجد ان الوالي العثماني على الموصل انذاك (حسين بك الجليلي) كان قد قرر الدفاع عن الولاية و عدم الاستسلام للجيش الغازي، فاصدر من اجل ذلك فرمانا بجمع الناس (اهالي الولاية و ضواحيها) داخل اسوار الموصل ليسهل عليه الدفاع و تكون المقاومة اكثر جدوى و تأثيرا و تستغرق اطول فترة. و لكن الكورد (الشبك) كانوا قد رفضوا الانصياع لذلك الفرمان العثماني و استقبلوا جيش الغزاة الذي كان معظمهم يتحدث باللغة نفسها، ومن هنا نشأ عداء اهل مدينة الموصل للكورد حتى انني كنت غالبا ما اسمع في مجالس المواصلة (الموصليين) القدماء بأن الشبك هم من جماعة نادر شاه! و بعد ان فشلت الحملة الفارسية على الموصل و في حصارها لها سنة كاملة بالفشل و من ثم الهدنة و عقد الصلح. كان الكثير من جيش نادرشاه و خاصة اولئك الذين كانوا قد اصطحبوا عوائلهم، قد اندسوا في قرى الشبك و استقروا فيها و بدأوا بالدعوه الى التشيع فتشيع معظم الشبك على ايديهم.
و عندما وفد الباجلانيون (بةجلانطةل) الى المنطقة بدعم من السلطان و امتلكوا الارض و النفوذ، كانت الفرصة الذهبية قد توفرت للسلطات في الموصل، للثأر من الشبك بواسطة الباجلان، و كان النظام الاقطاعي قد بدا يستشري في المنطقة حيث كان بعض عرب الموصل – و خاصة الارستقراطيون المرتبطون بالسلطات العثمانية – قد بدأ بشراء او الاستيلاء على الاراضي الزراعية في منطقة المرج – منطقة الشبك – فما كان من الباجلان الا الارتباط بهولاء الاقطاع و اقامة مصالح مشتركة معهم و بدعم حكومي.(45/23)
فوجدت هذه الحالة مقاومة شديدة افرزت عدة معارك و صراعات دموية و اغتيالات في صفوف الاقطاعيين و الاغوات الذين كان الشبك يطلقون عليهم اسم (سثاهي – او ميرة با) لما كانت الحالة قد افرزت من مظالم و اضطهاد و سلب و اقتطاع الاراضي الزراعية الخصبة بالقوة، مما اضطرت البةجلانطة ل الى تبني كل الوسائل لاستمالة الكرد الشبك و جعلهم يتجاوبون معهم، حتى انهم تشيعوا فعلا ولكن الشبك ظلوا يناصبونهم العداء و الكره و الرفض و يعدونهم غرباء، غزاة لا مكان لهم في موطنهم، مما ادى الى تمزيق العشيرة الى طوائف و اقسام و انتشارها فرادى او عائلات في عدة قرى و من ثم اضمحلال الهيكل العشائري و القبلي للباجلان باستثناء رؤسائهم و اغواتهم الذين ظلوا و حتى يومنا هذا عملاء للسلطات الحكومية بغض النظر عن نوعية هذه السلطات.
فعندما كانت السلطة الانكليزية، كان اغوات الباجلان عملاء لها و موالين على حساب بني قومهم، و عندما اصبحت السلطة العراقية ملكية، ظل ولاؤهم لها، و بعد انقلاب 1958 و تأسيس الجمهورية العراقية، ظل هؤلاء الاغوات على ولائهم للسلطة و استمر هذا الولاء حتى بعد قيام السلطة البعثية الدكتاتورية حتى يومنا هذا، سواء بصيغة الانتماء الحزبي ام التعريب القومي مع وجود استثناءات قليلة جدا، و لذلك استمر عداء الشبك الكورد القوميين لهم حتى اليوم.(45/24)
فالباجلان بشكل عام، باستثناء رئيس فخذ واحد من افخاذ القازانلو وهو (فاضل اغا الباجلاني) لم تنم فيهم روح الكوردايتي التي طغت على معظم الشبك. عاش الشبك عصرهم الذهبي في عهد الامارة الزنطية في الموصل، وذلك عندما ساءت علاقة (صلاح الدين الايوبي) بامراء هذه الامارة مما اضطره الى الاستعانة بالكورد الزرارية من اهله، فجاء بقسم كبير منهم من قرى الزرارية مثل (بيرمام و صلاح الدين و بيرخال و اجندكان و هدوين و غيرها)، و زرعهم في مرج الموصل – منطقة الشبك – الذي كان يقطنه الكوران و الروزبيان و الباراميون و السورجي و الهركية و بعض الزيبارية و الشكاك و ذلك في اواخر القرن الحادي عشر حيث كان الزراريون ظهيرا قويا للشبك و ساهموا في تشكيل وحدة قومية قوية ضد مؤامرات الامارة الزنكية مع ملك (اربيل) انذاك مظفر الدين الكوكبري – وكان هذا صهرا لصلاح الدين الايوبي، على ان حنكة صلاح الدين السياسية افشلت تلك المؤامرات بنقل الزراريين و توحيدهم مع الشبك ليكونوا بذلك قوسا امنيا يحيط بالموصل من شمالها و شرقها و جنوبها أي من الماء الى الماء، فلم يعد بمقدور الامير الزنكي القيام بأي تحرك عسكري مشترك بأتجاه اربيل، كما يؤكد ذلك الشاعر و الباحث الكردي (عبد الخالق سرسام) شاركه الزرارية كعشيرة في الحروب (27) جاء اسم عشيرة الزرارية عشيرة الصلاح الدين بشكل واضح في جيش صلاح الدين او كاسماء و ابطال و خير دليل على ذلك في ص 220 من الفتح القسي)22 أي انه كان يستعين باهله و عشيرته الزرارية في الملمات.(45/25)
لقد ظل الشبك ردحا طويلا من الزمن يقاطعون الباجلانيين حتى بعد تشيعهم، فلم يكونوا يقبلون بمصاهرتهم او التعامل معهم حتى اضمحل نفوذ الباجلان العشائري و لم يعد لرؤسائهم تلك السطوة التي كانوا يتمتعون بها في بداية نزوحهم الى المنطقة، و لم تتحسن علاقاتهم الاجتماعية الا بعد تطبيق قانون الاصلاح الزراعي في منتصف القرن العشرين حيث عادت بموجبه ملكيات الفلاحين الشبك الى سابق عهدها و لم يعد نفوذ الاغوات الباجلان كما كان، على ان العداء التقليدي بين الشبك و الباجلان ظل حديث الاجيال اللاحقة بسبب من استباق الباجلانيين الى الاستعراب و الانخراط في حزب السلطة العراقية (حزب البعث العربي الاشتراكي) و مساهمتهم الفعالة في كتابة التقارير الحزبية الى الدوائر الامنية و المخابراتية عن الناشطين الكرد من الشبك و علاقتهم بالثورة التحررية الكوردية على الرغم من الموقف القومي المتميز الذي اتخذه احد اغوات الباجلان اثناء ثورة ايلول 1961-1969 وهو (فاضل اغا الباجلاني) الذي اوى في داره اكثر من خمسين عائلة كوردية من المرحلين عن ديارهم و التقاسم معهم لقمة العيش بضع سنوات حتى تمكنوا من العودة الى المناطق المحررة من كوردستان او النزوح الى مدينة الموصل.(45/26)
و الجدير بالذكر هنا ان (فاضل اغا الباجلاني) هو احد احفاد (علي اغا قازانلو) الذي ورد ذكره في تقرير الميجرسون: (وتقطن جماعة اخرى من فرع قازانلو في قرية (بايبوخ Baibukh) بين الموصل و الزاب و يتزعمها علي اغا قزانلو)(23) على ان الزعامة القبلية لم تعد كما كانت في الايام الغابرة ان لم تكن قد اندثرت، ولولا عودة السلطات العراقية الحالية و منذ بضع سنوات الى تكريس المشيخة و الزعامات القبلية و العشائرية من جديد لتأسيس مراكز قوى دكتاتورية صغيرة يسهل شراء ولاءاتها و السيطرة عليها، لاندثرت الزعامة القبلية الى الابد في العراق، ولكن.. للانظمه الدكتاتورية الشمولية في شعوبها شؤوناً و شؤون و لهذا دفع النظام العراقي بكاتب مثل (ثامر عبد الحسين العامري) الى تشويه اسم الباجلان و تحريفه الى (بيجوان) و الادعاء بنسبهم العربي العريق على الرغم من انهم كانوا و مازالوا كوردا من اصل كرمانجي خالص.
و على الرغم من ان الكورد، منذ اقدم العصور و حتى بداية القرن التاسع عشر، كانوا يشكلون اغلبية سكان الموصل مما دفع بالرحالة الانكليزي الشهير (جيمس سليك بكنغكهام James Slik Pakingham) الى القول حين زار الموصل في العام 1816م ما نصه: (سكان الموصل بنسب متساوية من الكورد و الترك و العرب)(24). على الرغم من تعدد حملات التعريب المنظمة و كثرة الهجرات العربية و التركمانية عبر عدة مراحل تأريخية و خاصة في عهود السلاجقة و البويهيين و القرةقونيلو و الاق قوينلو و غيرهم. على ان المدينة ظلت حتى يومنا هذا تضم ثلث سكانها من الكورد و لاتتجاوز نسبة العرب فيها الثلث بأي حال من الاحوال على الرغم من اخضاع الكثير من الكورد و التركمان و الاشوريين و الايزدية للتعريب القسري خلال العقود الثلاثة الاخيرة من القرن العشرين.(45/27)
اما من يسمون بالسادة الهواشم، فشأنهم شان الباجلان غرباء عن منطقة الشبك. نزحوا اليها من بلاد الاناضول في وقت متأخر ايضا بعد ان طاردتهم السلطات العثمانية لأنهم كانوا من الفرق الباطنية في الاسلام، فلم تقبل بهم الاغلبية السنية التركية بل ان بعضهم لم يتورع عن تفكيرهم و اقامة الحد عليهم مما اضطرت هذه الفرق الى الادعاء بأنها تؤمن بطريقة تصوفية تحت اسم (الفتوه) ومن ثم تحولت هذه الفتوه الى ما يسمى بالأخيه او الكاكئية: (كانت الكاكائية تدعى (الفتوه) و انتشرت في الاناضول باسم (الاخيه)، انتشارا هائلا)(25) و كان ظهورها اواخر الدولة السلجوقية كطريقة من طرق التصوف – كما اشار الى ذلك (السمعاني) في (قاموس الاعلام، الجزء الثاني، ص 802) – و هؤلاء السادة الهواشم، وان كانوا ما زالوا يدعون بأنهم ينتسبون الى اهل البيت النبوي، فانهم ليسوا سوى ترك كاكائية و بكتاشية و قزلباشية و هذه النحل الثلاث تفرعت عن (السبأية و الحروفيه و الصفوية و العلوية المغالية و الباطنية): ان الباطنية في بلاد الترك عندما رأوا مقاومة عنيفة في الجهر بعقيدتهم، تستروا بالتشيع و مالوا الى الابطان – بل كانوا باطنين – فانصرفت عن انها (مبدأ صوفي) يدعو للأخاء بل انقلبت الى النحلة او عقيدة من عقائد الغلاة و تقحصوا بأثوابها)(26). فلما لم يتمكنوا من مقاومة القوة التي كانت قد جندت لمطاردتهم و ملاحقتهم، تسللوا الى كوردستان الجنوبية فرادى وجماعات حتى وصل قسم منهم الى ديار الشبك في الموصل، فوجدوا في هذه الديار فرصتهم الذهبية لما كان عليه من تشيع، و طيب السرية و السذاجة و ميل لتقديس رجال الدين و المشايخ و الملالي علاوة على ما كان يسود المنطقة من جهل و امية" فاندفعوا في التبشير بعقيدتهم سراً في اواخر القرن التاسع عشر فما كادوا ان كسبوا نفراً قليلاً الا و بدأت الحرب العالمية الثانية و قامت الدنيا و لم تقعد الا بعد سقوط عروش و اختلاف مراكز(45/28)
القوى و النفوذ و تأسيس الدولة العراقية الحديثة في العام 1920 و زحف التعليم و التنوير شيئاً فشيئاً الى القرى القريبة من الموصل و من ثم افتضاح امرهم لدى عامة الشبك و انحسارهم عن السادة الهواشم و طقوسهم الغريبة العجيبة. و كرد فعل طبيعي لتحصين مواقعهم و قدسيتهم التي كادت تطغى على الشيوخ و المسنين و العجائز الشبك، بدأوا بالتبشير بالتشيع و المغالاة في حب اهل البيت و الاتصال بالمراجع الدينية في النجف و كربلاء و قيادة قوافل من الشبك الى زيارة المراقد المقدسة هناك في شهر محرم من كل عام و نشر الدعاية بأن الشبك كلهم يتبعونهم فجنوا بذلك شر جناية على الشبك و الباجلان و الكاكائية ايضا حيث اختلطت العقائد و المذاهب و الطرق الصوفية في بعضها لدى الباحثين و الكتاب الذين طالما تعرضوا لهم.
على ان الحقيقة ظلت شاخصة لدى عامة الشبك الذين طالما رفضوا ان يقال عنهم بكتاشية او قزلباشية او كاكائية، و من الطريف حقا ان معظم الشبك يكنون الكره و النفور من الكاكائية (الصارية) و يعدونهم كفاراً فلا يصاهرونهم و لا يتعاملون معهم، و تكاد العلاقات الاجتماعية مقطوعة بينهم، و خاصة بعد ظهور كتاب "احمد حامد الصراف" الذي اتخذ من احد شيوخ الكاكائية "ابراهيم الباشا" مصدراً رئيسياً لمعلوماته و تجنى كثيراً على حقيقة الشبك من حيث اصلهم و عقائدهم.(45/29)
و من الطريف ايضاً ان يعترف "الصراف" بنفسه بأن معلوماته كلها مستقاة من هذا "الباشا" فيقول" "و انا ارويها في هذا الكتاب و العهدة عليه"(27) ان السادة الهواشم في حقيقتهم، لاهم سادة و لا هواشم، و انما اتراك، يجيدون اللغة التركية اجادة تامة قراءة و كتابة و تكلما، اعتنقوا مذاهب شتى للفرق الباطنية و بأثواب عديدة و منها الكاكائية الاخية (الفتوة) و البكتاشية و القزلباشية و اوهموا الناس السذج و البسطاء بمعتقدات ما انزل الله بها من السلطان، و كان لهم الباع الطويل في تشويه سمعة الشبك الكورد في المنطقة.
*جزء من الفصل الثاني من كتاب (الشبك الكورد المنسيون) للكاتب و الصحفي الراحل احمد شوكت الذي اغتيل في الموصل بسبب ارائه الصائبة حول القضية الكردية.
الهوامش
1-الحموي، ياقوت، معجم البلدان، ص 10.
2-(The Guran), B.S.O.A.S. 1948, VOL. X1, Pant 1, P.85-6 Minorsky, V.,
3-الصوفي، احمد علي، خطط الموصل، الجزء، ص 3، م. ام الربيعين، الموصل 1953.
4-المصدر السابق نفسه، ص 3.
5-فون هامر، تاريخ الدولة العثمانية، المجلد الرابع، ص 28.
6-لسترانج، بلدان الخلافة الشرقية، ص 88.
7-امين زكي، خلاصة تاريخ الكورد و كوردستان، عن احمد علي الصوفي.
8-احمد علي الصوفي، خطط الموصل، الجزء الاول، ص 10-3، م ام الربيعين، الموصل 1953.
9-المصدر السابق نفسه، ص 11.
10-البلاذري، فتوح البلدان، م. النهضة المصرية، القاهرة 1956، ص 407.
11-ابن الفقيه، مختصر البلدان، طبعه ايران، 1303 هـ. ص 28.
12-فضل الله المر، شهاب الدين احمد بن يحيى، مسالك الابصار في ممالك الامصار، ص 90.
13-الموصلي، سليمان صائغ، تاريخ الموصل، الجزء الاول، ص 55، المطبعة السلفية مصر، 1923.
14-مجلة المشرق البيروتية، العدد 5، 1902، ص 577-582.
15-مجلة "المقتطف"، العدد 59.، 1921، ص 230-232.
16-ترجمة و تعليق فؤاد حمه خورشيد، العشائر الكوردية، م الحوادث بغداد 979.(45/30)
17-مجلة الثقافة، د. احمد عثمان ابو بكر، العدد 3 السنة 13، ص 66، بغداد 1983.
18-المصدر نفسه، ص 66.
19-اذا علمنا ان هذا التقرير قد كتب في العام 1918 فهذا يعني ان الباجلان لم يكونوا قد نزحوا الى الموصل حتى ذلك الوقت، او ان قسماً قليلاً او فخذاً واحداً فقط من افخاذ العشيرة كان قد وصل الى الموصل – قرية بايبوغ.
20-ان احتفاظ الباجلان بهذه اللهجة الهجينة هناك و في الموصل وهي لهجة الشبك حتى يومنا هذا، دليل لاريب فيه على ان هذه اللهجة كانت احدى اللهجات الكوردية الاصلية.
21-المصدر نفسه، ص 66-67.
22-عبد الخالق سرسام، صلاح الدين الايوبي من جديد، ص 30، منشورات كاوه، اربيل، بيروت 1999.
23-فؤاد حمه خورشيد، العشائر الكوردية م. الحوادث، بغداد 1979، ص 20.
24-المجرسون، رحلة متنكرة الى بلاد ما بين النهرين و كوردستان، ص 64. عن المجرسون.
25-العزاوي، عباس، الكاكائية في التاريخ، شركة التجارة و الطباعة المحدودة، بغداد 1949، ص 8.
26-المصدر نفسه، ص 19.
27-الصراف، احمد حامد، الشبك، م. المعارف، بغداد 1954، ص 7.(45/31)
الشعائر الحسينية.. كيف نشأت؟ وإلى أين انتهت؟
2004/03/02
إعداد / محمد زيدان **
بوابة ضريح الحسين
تعود أقدم المؤشرات التاريخية على نشوء الشعائر الحسينية إلى ما كان يقوم به المناصرون لأهل البيت بالذهاب إلى كربلاء والتجمع حول قبر الإمام الحسين رضي الله عنه؛ وخاصة يوم العاشر من محرم من كل عام لإظهار الندم وطلب المغفرة لتقاعسهم عن نصرة الإمام الحسين في واقعة كربلاء ضد يزيد بن معاوية.
وبحسب مصادر تاريخية موثقة، فإن المختار بن يوسف الثقفي الذي قاد حركة التوابين، ورفع شعار "يا لثارات الحسين" كان أول من أقام احتفالا تأبينيا في داره في الكوفة بمناسبة يوم عاشوراء، وأنه أرسل بعض النادبات إلى شوارع الكوفة للندب على الحسين.
أما ابن قتيبة الدينوري فقد أشار إلى مثل هذه الاحتفالات التي أقيمت يوم عاشوراء، والتي جاءت على شكل ندب ونياحة على مقتل الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وعلى أبنائه من بعده، وقام بها الشيعة الأوائل عند تجمعهم حول قبور الأئمة من أبناء علي بن أبي طالب.
ويجب ألا ننسى تجمعات الشيعة الأوائل في بيوت أئمتهم في مجالس صغيرة يعقدونها كل عام لرثاء الحسين والبكاء عليه.
من التلقائية إلى الطقوس
غير أن تلك الاحتفالات والتجمعات لم تكن عادات راسخة ذات شعائر وطقوس دينية ثابتة، وإنما كانت مجرد تجمع عدد من الأتقياء من الشيعة الأوائل لقراءة الفاتحة والترحم على الحسين، حيث ينشد أحد الشعراء قصيدة في رثائه وتقديم العزاء والسلوى لأهل البيت.
وقد ذكر ياقوت الحموي وابن خلكان في وفياته، أن الشاعر المعروف "الناشئ الأصغر" كان يعقد "مجالس النياحة" على الحسين بعد أن انتشر التشيع وخفت وطأة السلطات الحاكمة على العلويين.
وخلال القرن السابع للهجرة أصبحت قراءة المقتل عادة متبعة يوم عاشوراء.(46/1)
وكان المستنصر بالله العباسي قد أمر المحتسب جمال الدين بن الجوزي عام 640هـ= 1223م بمنع الناس من قراءة المقتل في يوم عاشوراء والإنشاد في سائر المحال بجانبي بغداد سوى مشهد موسى بن جعفر.
وقد ذكر ابن الجوزي أن اللطم جرى يوم عاشوراء في المشهد، وذلك بحدود منتصف القرن الخامس للهجرة/ الحادي عشر الميلادي، وهي أول إشارة في ذكر اللطم يوم عاشوراء في العراق.
تاريخيا في العاشر من محرم (353هـ= 963م) جرت ولأول مرة احتفالات فريدة في بغداد في ذكرى استشهاد الإمام الحسين حيث أغلقت الأسواق وسارت النادبات في شوارع بغداد، وقد سودن وجوههن وحللن شعورهن ومزقن ثيابهن وهن يلطمن وجوههن ويرددن مرثية حزينة. وقد أشار بعض المؤرخين إلى أن الشيعة كانوا يلبسون السواد، وقد زاروا قبر الحسين في كربلاء.
وفي كربلاء خرجت النساء ليلا وخرج الرجال نهارا حاسري الرؤوس حفاة الأقدام لمواساة الحسين.
وبحسب ابن الجوزي، كان معز الدولة البويهي قد أمر بغلق الأسواق، حيث عطل القصابون أعمالهم، وتوقف الطباخون عن الطبخ، وفرغت الأحواض والصهاريج مما فيها من الماء، ووضعت الجرار مغلقة باللباد في الشوارع والطرق لسقي عابر السبيل والعطشان، وكانت النسوة يمشين بشعور منثورة وأوجه مسودة وملابس ممزقة، يلطمن ويولولن حزنا على الحسين الشهيد.
من خلال تلك الأحداث التي رواها المؤرخون يمكن أن نعد فترة الحكم البويهي في العراق من أهم الفترات في تاريخ نشوء وتطور الشعائر الحسينية.
دور الدولة الصفوية
من احتفالات شيعة إيران(46/2)
أما الشكل الشائع لعاشوراء على النحو المعروف لنا في الوقت الحاضر (أي رواية سيرة الحسين في محافل شعبية) فتعود جذوره -على الأرجح- إلى القرن العاشر للهجرة/ السادس عشر للميلاد، عندما اعتلى الصفويون سدة الحكم في إيران، واتخذوا من التشيع عقيدة رسمية لدولتهم.. وكان لهم دور في انتقالها إلى الهند وأذربيجان التركية والأناضول وبعض مناطق سيبيريا.
ومع الوقت، تطورت هذه الشعائر بنوعيها المعروفين لنا في الوقت الحاضر، أي رواية سيرة الحسين في تجمعات شعبية حافلة، تليها المواكب، وكانت حصيلة الدمج بين هذين النمطين في إيران إبان القرن الثامن عشر ولادة ما يعرف في هذا البلد بمسرح التعزية.
لم تقتصر تلك الشعائر على العراق وإيران، بل امتدت إلى بلدان أخرى، فالمقريزي في خططه يذكر أن شعار الحزن يوم العاشر من المحرم كان أيام الإخشيديين، واتسع نطاقه في أيام الفاطميين، فكانت مصر في عهدهم بوقت البيع والشراء تعطل الأسواق، ويجتمع أهل النوح والنشيد يكونون بالأزقة والأسواق، ويأتون إلى مشهد أم كلثوم والسيدة نفيسة وهم نائحون باكون.
وتروي تواريخ الدولة العبيدية بمصر، اهتمام الملك المعز الفاطمي بأمر إقامة عزاء الحسين في خارج البيوت أيضا، فكانت النساء يخرجن في أيامه ليلا كما يخرج الرجال نهارا.
التحول إلى طقوس رسمية
وقد اتخذ الاحتفال بهذا اليوم -في مصر- شكلا رسميا وأصبحت الدولة تحتفل به وتعتبره عيدا من أعيادها الرسمية.. ولكن على العكس من الأعياد الأخرى كلها كان عيد حزن وبكاء، ففي هذا اليوم كانت تعطل الأسواق وتقفل الدكاكين ويخرج الناس ومعهم المنشدون إلى الجامع الأزهر وتتعالى أصواتهم بالنحيب والبكاء والنشيد، وعندما بني المشهد الحسيني في أواخر الدولة كان خروج الناس إلى هذا المشهد لا إلى الجامع الأزهر.(46/3)
وإذا اتجهنا إلى الأندلس، نجد إشارة ذات أهمية كبرى في إحدى النسخ الخطية الفريدة من المؤلف التاريخي "إعلام الأعلام فيمن بويع بالخلافة قبل الاحتلام" للسان الدين ابن الخطيب أحد أعلام المفكرين في القرن الثامن الهجري، والنسخة محفوظة في خزانة جامعة القرويين بمدينة فاس، حيث ذكر عادات الأندلسيين وأهل شرق الأندلس خاصة في ذكرى مقتل الحسين من التمثيل بإقامة الجنائز وإنشاد المراثي...
ووصف إحدى هذه المراسم وصفا حيا شيقا حتى ليخيل لنا أننا نرى إحياء هذه الذكرى في بلد شيعي.. وذكر أن هذه المراثي كانت تسمى (الحسينية) وأن المحافظة عليها بقيت ما قبل تاريخ عهد ابن الخطيب إلى أيامه...
وننقل هنا بعض هذا الوصف على لسان صاحبه: "ولم يزل الحزن متصلا على الحسين والمآتم قائمة في البلاد يجتمع لها الناس ويحتفلون لذلك يوم قتل فيه، فكانوا على ما حدثنا شيوخنا من أهل المشرق -يعني شرق الأندلس- يقيمون رسم الجنازة حتى في شكل من الثياب خلف سترة في بعض البيت، ويحتفل بالأطعمة والشموع، ويُجلب القراء المحسنون ويوقد البخور ويتغنى بالمراثي الحسينية".
وفي عهد ابن الخطيب كان ما يزال لهذه المراثي شأن أيضا، فإنه في سياق حديثه السابق زادنا تفصيلا وبيانا عن الحسينية وطقوسها فقال: "والحسينية التي يستعملها إلى اليوم المستمعون، فيلوون لها العمائم الملونة ويبدلون الأثواب كأنهم يشقون الأعلى عن الأسفل، بقية من هذا لم تنقطع بعد وإن ضعفت، ومهما قيل الحسينية أو الصفة لم يدر اليوم أصلها".
احتفالات مختلفة ليوم واحد(46/4)
أما في شمال أفريقيا فيحتفل المسلمون في مفتتح العام الهجري، وهو اليوم الأول من شهر محرم، باعتباره يوم فرح وسرور. كما يحتفل المسلمون بيوم عاشوراء بشكل مختلف ومتناقض أحيانا. فالبعض منهم يحتفل به باعتباره يوم فرح وسرور، ولا يعلم سبب ذلك، مثلما يحتفل البعض باعتباره يوم عيد وانتصار، وهي سنة أموية ما زالت بقاياها موجودة حتى اليوم.
ففي تونس مثلا يتجمع الأطفال في الأزقة فيجمعون الحطب والأخشاب ويشعلون فيها النار بعد أن يشكلوا دائرة حولها وهم يرددون على إيقاع طبلة أو دف أو أي إناء "عاشورا، عاشورا" وفي البيوت يذبح الدجاج ويطبخ ليقدم في الغداء. وإذا سألت أحدهم عن معنى "عاشورا" فسوف يحييك "إنه عاشورا". وفي الجزائر والمغرب يقوم البعض بتوزيع "هريسة عاشورا" على الفقراء والجيران، ولا يعلم أحد عن معنى "عاشورا" سوى أنها مناسبة دينية كان الأجداد يحتفلون بها.
في لبنان، وخصوصا جبل عامل إبان الحكم العثماني، كانت الذكرى تعاش في جو من الضغط والخوف، وكانت تقام ولو بالشكل الشفوي الذي كان يقتصر على جلسات تروى خلالها سيرة الإمام الحسين وأهله في كربلاء.
عاشوراء.. تداخل الفن والسياسة
وبدأت الأمور تتحرك مطلع القرن العشرين، حيث كان يوجد في النبطية عدد من التجار الإيرانيين يتعاطون عمليات الوساطة التجارية بين مرفأي صيدا وحيفا والعمق العربي والفارسي.. وكان هؤلاء الإيرانيون يحتفلون بذكرى عاشوراء على طريقتهم الخاصة، حيث كانوا يقدمون تمثيلية يؤديها شخصان باللغة الفارسية، تروي واقعة كربلاء. كان الإمام الحسين يتواجه مع الشمر بن ذي الجوشن (قاتل الحسين) في إطار تمثيلية بسيطة لم تكن تدوم طويلا.(46/5)
كانت هذه التظاهرة المسموح بها للجالية الإيرانية في النبطية، باللغة الفارسية فقط، وبإذن خاص من الباب العالي.. وفي 1917 حضر إلى النبطية إبراهيم ميرزا وهو طبيب إيراني واستقر في عاصمة جبل عامل حيث بدأ مزاولة مهنته.. وعمل هذا الطبيب على ترؤس الشعائر الشعبية لذكرى عاشوراء، حيث كان يتقدم حلقات المؤمنين اللاطمين صدورهم والضاربين رؤوسهم.. ومعه -وإبان انسحاب الحكم العثماني من لبنان- وضع أول حوار بالعربية لتمثيلية عاشوراء.. هذا الحوار الذي كان يدور أثناء مبارزة الحسين مع الشمر والذي نسقه آنذاك الدكتور إبراهيم ميرزا هو الذي أعطى تمثيلية عاشوراء النسق المسرحي الذي عرفت به فيما بعد.
احتفالات في أنحاء العالم
من احتفالات شيعة سوريا
وتقام في شهر محرم وبخاصة يوم عاشوراء احتفالات عديدة وبصورة مختلفة في أغلب دول الخليج العربي.
فقد عرفت البحرين إقامة المجالس الحسينية منذ زمن مبكر، حيث كان البحرانيون يقيمون المآتم في بيوتهم ومساجدهم.
ويستخدم البحرانيون مصطلح "التحاريم" المتداول في الأوساط الشعبية. وهو مصطلح أطلقه أهل البحرين على ذكرى ولادة الأئمة من أهل البيت وكذلك على وفياتهم، حيث تتوقف الأعمال وتغلق الأسواق يومي التاسع والعاشر من شهر محرم من كل عام بمناسبة ذكرى عاشوراء، ويعتبران عطلة رسمية تعطل فيها دوائر ومؤسسات الدولة وكذلك دوائر القطاع الخاص والمتاجر.
وفي صبيحة اليوم العاشر من محرم، وهو يوم عاشوراء، تبدأ مواكب العزاء بمسيرتها في العاصمة وفي المدن الأخرى للاحتفال بذكرى استشهاد الحسين. وترتبط بهذه الاحتفالات مصطلحات شعبية، فيدعى النائح الذي يتصدر مجموعات العزاء وينشد مرثية حزينة حول الإمام الحسين "شيالا".(46/6)
كما تقام المآتم الحسينية في عدد كبير من مدن عُمان خلال العشرة الأولى من شهر محرم. وقد شيد العمانيون لذلك "حسينيات" يجتمع فيها عدد كبير من الناس مكونين حلقة كبيرة يتوسطها منشد يقرأ مرثية على الإمام الحسين، ويقوم المشاركون بترديد مقطع من مقاطع المرثية ويقومون بحركة دائرية في ضمن الحسينية وهم يلطمون بأيديهم على صدورهم بضربات رمزية خفيفة، وفي إيقاع متواصل مع صوت المنشد الذي يقود حركة المشاركين الكبيرة بصوته الجهوري الحزين.
أما في الهند فيتفق أغلب المؤرخين على أن بداية الاحتفالات بذكرى استشهاد الحسين في الهند تعود إلى زمن تأسيس الدولة المغولية في بداية القرن السابع عشر. وكانت في البدء على شكل مجالس عزاء "نوحخاني" و"روضخاني".
وإلى جانب "نوحخان" و"روضخان" هناك مراسيم وشعائر وطقوس أخرى يدعوها الهنود بـ"زيارت" وهي مواكب عزاء وعروض مسرحية شعبية بسيطة تقام بصورة خاصة، يوم عاشوراء ويوم الأربعين، حيث ينصب مسرح شعبي يبنى من خشب البامبو، وتنصب أمامه أعلام كثيرة وبأشكال وألوان مختلفة ترمز إلى رايات الحسين وأهل البيت.
وقد يوضع أحيانا كف ذهبية أو نحاسية تدعى "پنجه" وترمز هذه الكف إلى يد العباس بن علي الذي قطعت يداه حينما ذهب لجلب الماء من نهر الفرات. وهناك الضريح وهو حجرة صغيرة لها قبة مدورة، وترمز إلى القاسم بن الحسن.. ثم يأتي "فرس الحسين" المدعو "ذو جناح" وهو أبيض اللون ذو سرج ثمين وملون بألوان زاهية.
وخلال الاحتفالات بعاشوراء تقدم "تبريكات" وهي أنواع من المأكولات والمشروبات الباردة التي توزع على الناس مجانا.
ويحمل "الضريح" في موكب يخترق شارع المدينة الرئيسي مع مجموعة من الخيول المطهمة والأعلام السوداء ومجموعات من الجنود.
وفي المساء تقام مجالس التعزية في الحسينيات "إمام برا" ويتبعها عزاء الزناجيل "شيني زاني" ثم عزاء الغرباء "شامة غريبان".(46/7)
أما في باكستان، فقد بدأت تلك الاحتفالات في القرن الرابع عشر الميلادي، وخصوصا في منطقة "بلتستان" المعروفة باسم "التبت الصغرى" حيث أقيمت الحسينيات في كل بقعة من بقاعها وتسمى هناك "مأتم سرائي" ويسمى القارئ "سوز خوان" وأكثر ما تبدأ المجالس بعد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ثم بقراءة شيء من شعر الشاعر الإيراني الشهير "وصال".
ويعرض الشعراء في مراثيهم لصبر الحسين وأصحابه وثباتهم وتبيان مبادئهم وأثر المأساة في النفوس الإنسانية السليمة. كما أن المرثية على العموم تبدأ أول ما تبدأ بأبيات تمهيدية في وصف الدنيا وغدرها، ثم في عرض موقف من مواقف كربلاء.
ومن أكبر وأهم مواكب العزاء في باكستان موكب "الزناجيل" الذي يتكون من مجموعات عديدة، كل فرد منهم يحمل في يده مجموعة من السلاسل الصغيرة التي تنتهي بسكاكين حادة الجانبين.. وعلى صوت "النوحخان" يضرب حاملو السلاسل الحديدية على ظهورهم وتسيل منها الدماء.. وترفع في بداية المواكب أعلام عديدة وملونة. ومن أهم تلك الأعلام "راية العباس" وهو علم أخضر اللون يرفع عاليا في المواكب أو "الإمام برا" وقد كتب عليه "يا عباس".(46/8)
أما في إندونيسيا فإن ذكرى استشهاد الحسين في شهر المحرم، لها حرمة كبيرة لدى المسلمين هناك بوجه عام، ويسمى شهر المحرم "سورا". ويطلق على المأتم الحسيني في سومطرة ذكرى "التابوت". وفي اليوم العاشر من المحرم يقام تمثيل رمزي لاستشهاد الحسين. أما في جزيرة جاوا، فلهذا اليوم تقدير خاص وعادات خاصة؛ إذ تطبخ الشوربا فقط على نوعين من اللونين الأحمر والأبيض.. ثم يجمع الأولاد وتقسم الشوربا عليهم. وهذا رمز للحزن العميق بجمع الأولاد الصغار والأطفال وذلك تصويرا لليتم والحزن.. أما اللون الأحمر فهو رمز للدماء الطاهرة المراقة، واللون الأبيض رمز للخلاص والتضحية.. وإلى اليوم يعتبر شهر محرم وصفر من كل سنة عند الكثير من الإندونيسيين شهرين محترمين لهما مكانتهما في القلوب.. فلا يقيمون فيهما أفراحا، ولا يعقدون زواجا ولا يجرون زفافا.. فالمعتقد السائد أن من أقام أفراحا في هذين الشهرين قد يصيبه نحس.. أما في مقاطعة "أجيه" بسومطرة الشمالية فيسمى شهر المحرم "شهر حسن وحسين".
من مواكب التفجع الشيعية
أما في بورما فيحتفل الشيعة بذكرى استشهاد الحسين من أول محرم، ثم تخرج مواكبهم في اليوم العاشر منه وتستمر حتى شهر صفر، وقد تسربت إليهم بعض التقاليد الهندية فيقوم فيهم خلال المواكب من يمشي على الحجر، ويقيمون رمزا لمقام الحسين في كل بلدة وهو عبارة عن صورة مصغرة للمقام في كربلاء ويطلقون عليه اسم كربلا.. ففي خارج رانغون "كربلا" وفي خارج مانيلا كذلك "كربلا".(46/9)
أما في تايلاند فالعزاء الحسيني يقام على أتم مظاهره في بانكوك وبعض أنحاء تايلاند ويشترك الشيعة كلهم في هذه المراسم العزائية التي تقرأ فيها فاجعة الطف بتفاصيلها، كما يلبس المشتركون في هذه المناحات، بهذه العشرة الحزينة وخاصة يومي التاسوعاء والعاشوراء اللباس الأسود.. كما أن تقليد توزيع الخيرات وإطعام المساكين في هذه العشرة الحزينة، قائم بأتم وجه بين مختلف الطبقات هناك.
أما في بريطانيا، فإن أول مجلس عزاء حسيني أقيم هناك كان في العام 1962 وذلك في حي "ريجنت موسك" القديم.. ويذكر أن أول من قرأ واقعة الطف هو البريطاني عبد الله لبنس هوبت، الذي كان "كولونيل" في الجيش البريطاني وعاش في العراق لمدة خمس سنوات. وفي أثناء إقامته هناك تعرف على مراسم العزاء الحسيني التي كانت تقام في المدن العراقية. ولاحظ أن كثيرا من الشيعة يذهبون لزيارة المشاهد المقدسة في النجف وكربلاء والكاظمية، مما أثار حب الاستطلاع لديه، الأمر الذي دفعه لدراسة الإسلام، وانتهى إلى اعتناقه على المذهب الإمامي الإثني عشري، ولذلك عندما عاد إلى بريطانيا حرص على إقامة هذه المجالس وكان أول من قرأ رواية مصرع الحسين في العاصمة البريطانية.(46/10)
وتقام في لندن سنويا مسيرة حسينية في اليوم العاشر من المحرم وتنطلق من الهايد بارك وتنتهي بالمجمع الإسلامي، ترفع خلالها الأعلام والرايات السود التي تعبر عن الحزن في هذه المناسبة.. ومن المثير للانتباه قيام احتفالات وطقوس بيوم عاشوراء في جزر الكاريبي.. فقد نشر الصحفي بهجت منصور ريبورتاجا حول يوم عاشوراء هناك.. ففي مدينة "بورت أوسباني" عاصمة جزيرة تريننداد في البحر الكاريبي قرب كوبا، يقوم المسلمون كل عام بإعداد هودج كبير مطعم بالذهب والفضة وملون بألوان زاهية، ويحملونه في مسيرة كبيرة يوم عاشوراء، حيث يشارك في تلك الاحتفالات كثير من الهنود مع الكاريبيين.. ويسير الجمهور المحتشد وراء "الهودج" تحف بهم الطبول والآلات الموسيقية، وهي تعزف أنغاما حزينة وتطوف شوارع العاصمة.. وينتهي الموكب بهتافات المحتفلين بحياة الحسين ثم إلقاء "الهودج" في البحر لتحمله الأمواج الصاخبة إلى الأعماق.
اقرأ أيضًا:
عاشوراء.. مازوكية أم نضالية؟ (ملف خاص)
كربلاء.. ضوابط في فقه التغيير
السجود على التربة الحسينية
كربلاء.. مأساة مسطورة
اللطائم الحسينية.. وقضايا التقارب
المصادر والمراجع:
كناشة النوادر - عبد السلام محمد هارون
مفردات ألفاظ القرآن - الأصفهاني
الأخبار الطوال- الدينوري
موسوعة العتبات المقدسة- جعفر الخليلي
دائرة المعارف الإسلامية الشيعية- حسن الأمين
دول الشيعة في التاريخ- محمد جواد مغنية
---
** رئيس القسم الشرعي بموقع إسلام أون لاين.نت(46/11)
محب الدين الخطيب
لمحات من حياته وقبسات من أفكاره
بقلم الشيخ: ممدوح فخري
المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين
في بقعة من أجمل بقاع القاهرة، في جزيرة الروضة السابحة في النيل الهادئ، كان يقيم ذلك الراحل العظيم محب الدين الخطيب الذي تناقلت الصحف نعيه في الأسبوع الماضي, أجل لقد مات محب الدين ذلك الكاتب الكبير والمفكر الجليل والعالم المحقق. والمسلم الغيور على عقيدته وتراثه وأمته، فرحمه الله وطيب ثراه وجعل الجنة متقلبه ومثواه.(47/1)
في تلك الجزيرة الجميلة وفي الأعوام الأخيرة من عمره المبارك الميمون كان لي الشرف التعرف على ذلك المسلم العظيم الذي كنت قد قرأت له وعنه قبل لقائه فعظم في عيني وسما في نفسي ووجدت لدي الرغبة العظيمة في التعرف عليه والالتقاء به، وكان ذلك أثناء دراستي في الجامع الأزهر حيث تشرفت بزيارته في مكتبته الكبيرة في شارع الفتح في الروضة في ذلك الحي الهادئ الحالم، وبين أكداس وتلال من الكتب وخلف نظارته الساقطة على أنفه وتحت طربوشه الأحمر وفي جلبابه الأبيض كان يجلس محب الدين وعلى محياه معالم الثمانين التي قضاها في جهاد دائم بقلمه ولسانه وقلبه ويده. وكانت زيارة مباركة تلك التي تلتها زيارات شبه دورية لسنوات أقمتها هناك. وكان على أثر ذلك أن توثقت به صلاتي وكثرت له زياراتي، وعدت من ذلك كله بحصيلة مباركة من توجيهاته القيمة وإرشاداته السديدة وتجاربه الكثيرة خلال عمره المديد أضف إلى ذلك مجموعه من الكتب النادرة التي وجدتها في مكتبته الكبيرة التي كانت تعلوها طبقة سميكة من الغبار لأنها لم تمسسها يد منذ سنين، لقد تعرفت على محب الدين رحمه الله في الوقت الذي تنكر له فيه المجتمع الذي كان يعيش فيه وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت بأني كنت الوحيد الذي كان يقصده في أيامه الأخيرة ولكني في كل مرة كنت أحرص على أن أصحب معي مجموعه جديدة من الشباب المسلم الذين كنت أحرص على أن يتعرفوا به ويأخذوا عنه، لقد كان يعيش أيامه الأخيرة رحمه الله في غربة قاتلة ولم يكن يتصل بالمجتمع الذي يعيش فيه إلا عن طريق بعض الصحف التي كان مشتركاً فيها. وحتى أصحاب المكتبات لم يكونوا على صلة به وبمطبوعاته القيمة التي كان يصدرها, وأذكر أني قد أحضرت كثيراً من مطبوعاته لبعض المشايخ والطلاب وأصحاب المكتبات التي كانوا يطلبونها مني لصلتي به.(47/2)
وفي الأسطر التالية سأذكر لمحة عن حياته وصوراً من الخواطر والذكريات عنه وفاء بحق ذلك الرجل الذي كان لدينه ووطنه وأمته.
لمحة عابرة عن حياته: ولد رحمه الله عام 1305 في دمشق الشام من أسرة عريقة أصيلة النسب هاشمية تعود أصولها إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان أبوه وجده عالمين جليلين وعنهما أخذ معلوماته الأولى، وبدأ تعليمه الأولى في دمشق وأتمه في بيروت، وأما شيخه الذي كان يجله كثيراً أو يذكره بخير دائماً فهو المرحوم الشيخ طاهر الجزائري وكان يقول رحمه الله: "منه تعلمت عروبتي وإسلامي"، وقد مدحه بقصيدة جميلة في شبابه لا يتسع المجال لذكرها، ثم سافر رحمه الله إلى استانبول والتحق هناك بكليتي الحقوق والآداب وفي تلك الأثناء التقى بمجموعة من المثقفين العرب الذين كانوا يدرسون في استانبول ورأى منهم انهيارا في شخصيتهم وذوباناً في غيرهم وتزلفاً إلى غير العربية والعرب, فأسس جمعية النهضة العربية، لتذكر العرب بأصالتهم وبدورهم القيادي في حياة البشرية.
وبعد إتمام دراسته هناك عاد إلى دمشق ولكن لم يطلب له المقام فيها من جراء مضايقات بعض الجهات المسؤولة فسافر إلى بيروت ومنها إلى استانبول ثم قصد أخيراً إلى القاهرة، وحينما تأزمت الأوضاع في الجزيرة العربية وفي بلاد الشام وقامت الثورة العربية الكبرى التحق بها محب الدين وأشرف على تحرير جريدة القبلة التي كان يصدرها الشريف حسين، ولكن سرعان ما تبيّن حقيقة الشريف حسين أنه لم يكن يريد ثورة إصلاحية مسلمة شاملة وإنما قام بثورته للحفاظ على منصبه وطمعاً في منصب أعلى تخلى عنه، وكان يقول: "إن الشريف حسين وأولاده يريدون الأوطان مزارع للملوك".(47/3)
لقد قامت في تلك الفترة في البلاد العربية حركات وجمعيات كثيرة وساهم محب الدين رحمه الله في نشاط الكثير منها، ولكنه كان مخالفاً لكثيرين من رواد تلك الحركات، لقد وجد يومئذ نوعان من الحركات العربية، نوع عنصري قومي يريد تحطيم الأخوة الإسلامية وضرب الخلافة وتهديم الدولة العثمانية بسلاح النعرات القومية والعصبيات الوطنية, وهذا النوع كان يلقي التأييد الكلي من المستعمرين ومن النصارى والملاحدة بين المسلمين ونوع يؤمن بخصائص الأمة العربية الأصيلة وجدارتها بحمل رسالة الإسلام وقيادة الأمة الإسلامية وزيادتها بهذا الدين مع الإبقاء على الخلافة الإسلامية والرابطة الإيمانية في نوع من الحكم الذاتي الذي يبرر خصائص كل قطر وكل أمة أو الأمة العربية بالذات, ومن دعاة هذه الحركة كان محب الدين رحمه الله. وقد دعا لفكرته هذه في بلاد الشام إلى أن دخلت القوات الفرنسية دمشق وغادرها فيصل ابن الشريف حسين قبل دخول تلك القوات فاضطر محب الدين أيضاً إلى مغادرتها متخفياً في زي تاجر جمال عربي، إلى أن وصل إلى القاهرة بجواز سفر مزور حصل عليه من يافا في طريقه إلى مصر.
وبعد أن ضرب محب الدين رحمه الله في أرجاء الوطن الإسلامي الكبير من الأستانة إلى اليمن إلى العراق إلى مصر في مهمات عظيمة رأى أخيرا أن يستقر في مصر، ويجعل منها منطلقاً لدعوته وميداناً لجهاده لما لمصر من المكانة والتأثير في العالم الإسلامي كله.
وفي هذه المرحلة الجديدة مرحلة الاستقرار توضحت معالم شخصية محب الدين وتحددت مبادئ دعوته، وبرزت آراؤه وأفكاره بشكل واضح ومركز واستمر يدعو لها بعزيمة لا تعرف الكلل وبهمة لا تعرف الملل إلى أن وافاه الأجل وهو صابر محتسب.(47/4)
بعد أن استقر محب الدين رحمه الله في مصر عمل بعض الأعمال الفرعية ثم أسس المكتبة السفلية الكبرى ومطبعتها، وجعلها كبرى وسائله في جهاده الطويل المدى وكفاحه الطويل النفس وجعل ينشر فيها من كنوز التراث الإسلامي عشرات الكتب، ويطبع فيها رسائل من تأليفه وتأليف كبار العلماء والمفكرين من إخوانه، ثم أصدر منها مجلته الأولى (الزهراء) والتي استمرت عدة سنوات، ثم أصدر مجلته الأسبوعية (الفتح) التي تعتبر إلى يومنا هذا من أقوى المجلات الإسلامية التي ظهرت في العالم العربي، لقد استمرت مجلة الفتح تصدر خمسة وعشرين عاماً في مرحلة من أصعب المراحل التي مرت بها الأمة الإسلامية في تاريخها الحديث، وقد تبنت الفتح في تلك المرحلة العصيبة قضايا العلم الإسلامي واستقطبت حولها كتاب العلم الإسلامي كله، وتصدت للدفاع عن حقائق الإسلام وحقوق المسلمين.
وقد بين رحمه الله الفكرة الداعية إلى إصدار الفتح في إحدى افتتاحياتها فقال: "إن الفتح أنشئت لمماشاة الحركة الإسلامية وتسجيل أطوارها ولسد الحاجة إلى حاد يترنم بحقائق الإسلام مستهدفاً تثقيف النشء الإسلامي وصبغه بصبغة إسلامية أصيلة يظهر أثرها في عقائد الشباب وأخلاقهم وتصرفاتهم وحماية الميراث التاريخي الذي وصلت أمانته إلى هذا الجيل من الأجيال الإسلامية التي تقدمته" (العدد الأول من عام 1353).(47/5)
ومن هذه الكلمة الجامعة يبدو أن الفتح كانت مدرسة كبرى تعنى بتثقيف الجيل المسلم وتربيته ومعالجة قضايا واقعه على اختلاف أنواعها. وفي مدة ربع قرن من الزمان والفتح تفتح آفاقاً جديدة أمام المسلمين من الوعي الإسلامي الصحيح والفكر السياسي النير والمعالجة السليمة لقضايا العالم الإسلامي على ضوء هذا الدين الحنيف، وبعد هذا الجهاد المرير مع مختلف أعداء الإسلام في الحاضر والماضي على صفحات الفتح اضطر محب الدين رحمه الله إلى إيقافها وحينما سئل عن سبب ذلك قال: "أوقفتها حينما أصبح حامل المصحف في هذا البلد مجرماً يفتش ويعاقب"، ولكن إذا توقفت الفتح فإن محب الدين لم يتوقف وإنما استمر في طريقه الذي اختطه لنفسه من نصرة هذا الدين حتى الرمق الأخير. فإلى جانب التحقيق والتعليق وكتابة الرسائل والإشراف على ما يطبع في مطبعته الكبيرة تولى رئاسة تحرير مجلة الأزهر لمدة ست سنوات من 952 إلى 985/م وقبل ذلك كان قد أسس جمعية الشبان المسلمين بالتعاون مع عدد كريم من شخصيات مصر وعلمائها وعلى رأسهم العلامة المحقق أحمد تيمور والشيخ الجليل محمد الخضر حسين شيخ الأزهر الأسبق وغيرهما.(47/6)
وعن غايته من تأسيس هذه الجمعية يقول رحمه الله: "كنت أنا وأحمد تيمور باشا والسيد محمد الخضر حسين حريصين على أن تكون هذه المؤسسة الأولى للإسلام في مصر قائمة على تقوى من الله وإخلاص، وكنا حريصين على أن يتولى إدارتها رجال يعرفون كيف يصمدون لتيار الإلحاد الجارف بعد أن استولى المتابعون للإستعمار على أدوات الثقافة والنشر في العالم الإسلامي وفي مصر على الخصوص"، ويقول أيضاً: "وكانت الجمعية حدثاً كبيراً من أحداث الحركة الإسلامية لأن دعاة الإلحاد والتحلل كان قد استفحل أمرهم وظنوا أن قيادة الأمة قد أفلتت من أيدي ممثلي الإسلام وانتظمت إلى أيديهم". وهذه الجمعية وإن انحرفت عن كثير من الغايات التي وجدت لأجلها فإنها لا تزال قائمة إلى يومنا هذا ولها مجلتها الناطقة باسمها، ومن على منبرها وفي مواسمها الثقافية قد استمعنا لعدد كبير جداً من علماء مصر ومفكريها.(47/7)
وعلى أثر سوء تفاهم مع القائمين على الأزهر استقال رحمه الله من رئاسة تحرير مجلة الأزهر، وكان ذلك آخر عمل رسمي له، ثم انزوى في مكتبته ومطبعته وقطع تقريباً كل صلة له بذلك المجتمع وانكب على التأليف والتحقيق, وحتى الأعمال التجارية الصرفة كانت شبه مقطوعة مع المكتبات المصرية وكان جل تعامله في آخر أمره مع المؤسسات والمكتبات السعودية. واليوم الوحيد الذي كان يخرج فيه إلى المجتمع من جزيرته الهادئة القصية هو يوم الجمعة بعد العصر حيث يذهب إلى سوق الكتب المقامة على سور حديقة الأزبكية في القاهرة ويشتري من الكتب المختلفة القديمة والحديثة وكان يحملها بيديه الكليلتين وعلى كاهله أعباء الثمانين ويتمايل في مشيته ويتعثر حتى يجد سيارة تقله إلى بيته وقد ثابر على هذه العادة الكريمة إلى ما قبيل وفاته رحمه الله, وقد جمع من ذلك مكتبة ضخمة خاصة به فاقت على ما أعتقد كل مكتبة خاصة في مصر ماعدا مكتبة العقاد، حيث بلغ تعداد كتبه الخاصة ما يزيد على عشرين ألف كتاب وكانت فهارسها تبلغ خمسة وستين مصنفاً. وكان رحمه الله قد جعلها قبل وفاته وقفاً على أهل العلم من ذريته وقد بنى ولده قصي داراً جديدة في محلة الدقى في القاهرة وخصص الطابق الأول منها لتلك المكتبة، كما قال ذلك هو رحمه الله.
ولقد كان رحمه الله محتفظاً بحيويته حتى أواخر أيام حياته وكان يعزو ذلك إلى اعتداله في حياته كلها في مأكله ومشربه ومنكحه. وكان ذا صبر وجلد على العمل لا يعرف معهما السامة والملل. وكان منظماً في شؤونه كلها عصامياً في تدبير أمره وتكوين ثروته وبناء حياته وشخصيته.(47/8)
ولقد ترك رحمه الله ثروة فكرية كبيرة وتتمثل في مجموعة الكتب والرسائل و التعليقات، والتحقيقات التي كتبها في مراحل عمره المختلفة, وجميع كتاباته تتميز بالأسلوب الأدبي الرفيع والبيان البديع والحرارة الصادقة في العاطفة والفكرة العلمية المحققة. ومن أهم الآثار الفكرية التي خلفها رحمه الله هي ما يلي:
1- كتاب توضيح الصحيح, وهو شرح الصحيح البخاري بقلمه, وقد رأيت منه مجلدات في بداية طبعة له حيث كنت هناك, ولا أدري في كم جزء تم الكتاب أو لم يتم ولكن الأستاذ أنور الجندي قال في كتابة مفكرون وأدباء بأنة في ثمانية أجزاء كبار وهو قطعا قد اطلع عليه بعدي.
2-كتاب الحديقة, وهو مختارات في الأدب الإسلامي في مختلف العصور وفي مختلف الموضوعات وهو في أربعة أجزاء .
3- كتاب مع الرعيل الأول.
4- كتاب اتجاه الموجات البشرية في جزيرة العرب.
5- كتاب البهائية.
6- رسالة الجيل المثالي.
7- حملة رسالة الإسلام الأولون.
8- الغارة على العالم الإسلامي - ترجمة -.
9- تاريخ مدينه الزهراء.
10- الأزهر ماضيه وحاضره.
11- الخطوط العريضة للديانة الاثني عشرية الأمامية .
وله تعليقات قيمة على كتب عديدة منها:
1- تعليقاته الرائعة على كتاب العواصم من القواصم لابن العربي المالكي. وهي أكبر وأهم من الكتاب.
2- وكذلك تعليقات على كتاب المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي.
3- وتعليقاته على مختصر التحفة الاثني عشرية للألوسي.
4- وتعليقاته المفيدة على كتاب الإكليل للهمداني.(47/9)
وقد طبع كتاب الأدب المفرد للبخاري مع تخريج أحاديثه, وكذلك طبع فتح الباري بشرح البخاري لابن حجر مع الإشارة إلى الأبواب التي تفرقت فيها الأحاديث بالتعاون مع محمد فؤاد عبد الباقي. وما نشر كتابا إلا وكتب مقدمة علمية عن المؤلف وعن الكتاب ثم هناك مئات من المقالات التي كتبها في موضوعات شتى خلال عمره المديد في الزهراء والفتح والأزهر وغيرها من الصحف والمجلات.
وكان رحمه الله يجيد اللغات العربية والتركية والفارسية والفرنسية .
تلك هي لمحة عن حياة ذلك الرجل الراحل العظيم اقتصرنا فيها على ما حضرنا, وما أجدره رحمه الله أن يكتب عنه كتابة مستفيضة للوقوف على مراحل حياته والاستفادة من تجاربه وخبرته.
وأريد الآن في الشطر الثاني من هذه الكلمة أن أقرب للقراء الكرام أبرز النواحي الفكرية من اتجاهات محب الدين.
لقد كان يدعو باختصار شديد إلى الإسلام الصحيح الذي جاء به محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه. وفي هذا المجال يقول رحمه الله: "إنني من أنصار الإصلاح الإسلامي وكنت ولا أزال أفهم هذه الكلمة الاصطلاحية أن الإسلام هو الذي كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما فهمه منهم التابعون". فالإصلاح الإسلامي من البدع الطارئة وتخليصه من الدخيل الذي يحسب الجاهلون أنه منه وما هو منه. ومن الإصلاح الإسلامي بث روح النشاط بين المسلمين لإحياء مقاصد دينهم وتحقيق أغراضة وحسن التعبير عنه من الدعوة إليه وتأليف الكتب عن حقائقه وأحكامه وتاريخه. ومع هذه الدعوة إلى الإسلام بجملته فقد كانت هناك نقاط هي أبرز من غيرها في تفكيره وهو أشد اعتناء بها من غيرها وأهم هذه النواحي هي ما يلي:(47/10)
السلفية الصافية: كان رحمه الله من أشد أنصار السلفية النقية في العقيدة والعبادة, وهذه سمة بارزة في كل كتاباته، وقد تحصلت لديه هذه الفكرة ونما عنده هذا الاتجاه لأنه قرأ في شبابه في دمشق كثيراً من مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية المطبوع منها والمخطوط في المكتبة الظاهرية وذلك بواسطة شيخه المرحوم الشيخ طاهر الجزائري, وظل مقتنعاً بهذا الاتجاه قوي الإيمان به, مدافعاً عنه بقلمه ولسانه, متصدياً لكل من يتعرض له, مروجاً للكتب المهمة التي تدعوا إليه, وقد كان له فضل كبير في تنمية هذا الاتجاه لدي ورعايته في نفسي, فجزاه الله عني وعن المسلمين وعن الإسلام خيراً.(47/11)
الوقوف في وجه الباطنية والرافضة: من أهم المواضيع التي فازت بالكثير من اهتمام المرحوم موضوع الرافضة والباطنية ولقد كان شديد العناية بهذا الموضوع متتبعاً لمراحل كيد الرافضة للإسلام, واقفاً على الأصول التي يقوم عليها باطلهم مدركاً خطرهم العظيم على الإسلام في الماضي والحاضر, ودورهم الكبير في تحريف العقيدة الإسلامية الصحيحة, وتشويه التاريخ الإسلامي المشرق, وكانت لديه الأصول الخطية والمطبوعة من كتب الرفض والباطنية، وكثيرا ما أطلعنا على مخازيهم من كتبهم, وفي اعتقادي أن محب الدين رحمه الله كان يسقط عن المسلمين فرض كفاية في تصديه لحملات الباطنية على الإسلام وفي وقوفه على الدوافع الحقيقة لتلك الحملات وإحاطته مراحل سريان سرطان هذه الفرق الصالة وسمومها في عقيدة المسلمين وتاريخهم, وكان يقول: "إن الرفض والباطنية تعبير عن الحقد الدفين والمرير في قلوب المجوس واليهود على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم أقاموا المسجد الأقصى على أنقاض هيكل سليمان, وأخمدوا نار المجوس إلى الأبد, وحينما جبنوا عن مجابهة الإسلام وجها لوجه دخلوا في سراديب تحت الأرض وأعلنوا على الإسلام وحملته حربا ضروسا دامية مازالت تتوقد نارها ويزداد أوراها على مدى هذه القرون المتطاولة من تاريخ الإسلام, وفي السنوات الأخيرة استطاع الرافضة في ظروف أن يفتتحوا في القاهرة دارا سموها دار التقريب، وهي أجدر أن تسمي بدار التخريب لأن غايتها الأولي والأخيرة هي تخريب عقائد المسلمين وتقريبهم نحو ضلال الرافضة وتهديم الجامع الأزهر كما صرح بذلك يوماً ما رئيس تلك الدار - القحى - في مجلس خاص نقله عنه أحد أصدقائنا الثقات, وقد استطاعت هذه الدار أن تشتري مجموعة من علماء السوء ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أُجراء لديها ومروجين لأباطيلها. وحينما توصل بعض هؤلاء إلى مراكز عالية في بعض المؤسسات العالمية الإسلامية حاولوا فرض تدريس مذهب الرافضة رسميا(47/12)
وسارع بعض المرتزقة من العلماء للتأليف فيه فعلا، وحينئذ توجه نفر كريم من علماء الأزهر الغيورين على رسالة الإسلام إلى الأستاذ محب الدين رحمه الله وقالوا له: "إن الكتابة في موضوع الرفض ومحاولات فرضه للتدريس أصبحت فرض عين عليك" وطلبوا منه أن يكتب في ذلك فكتب يومئذ كتابه النفيس جداً وهو: (الخطوط العريضة للديانة الاثني عشرية), وأبان فيه الأسس التي يقوم عليها دين الرافضة من كتبهم ومراجعهم التي كانت بحوزته, وأتى بنقول مخزية لا مجال لرفضها لأنها من أمهات كتبهم مع تحديد الكتاب والمجلد ورقم الصفحة أو مكان الطبع وتاريخه, وأظهر فيه بكل جلاء كيف أن الرافضة في حقيقية أمرهم يعبدون آل البيت, وفي غيبة هؤلاء يعبدون مجتهديهم, وكيف يحكمون بارتداد جميع الصحابة ما عدا خمسة فقط, وكيف يجعلون من أصول دينهم التبري من الشيخين أبى بكر وعمر رضي عنهما، ويعتبرون لعنهما من القربات ويسمونهما بالجبت والطاغوت، وبصنمي قريش, ويجعلون لعنهما من جملة أوراد ختم الصلاة, ويسمون قاتل عمر (بابا شجاع الدين), ويحتفلون بيوم مصرع عمر رضي الله عنه, ويتهمونه رضي الله عنه في عرضه, ويقولون بتحريف القرآن الكريم وبنقصه, ولهم في ذلك كتاب: (فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب)، وكيف يؤمنون بعقيدة الرجعة, وهي القيامة الصغرى, وكيف يطعنون في عرض عائشة رضي الله عنها، مع بيان الأصول اليهودية التي لا شك فيها لذلك الدين الزنيم. كل هذا وغيره قد كشف عنه محب الدين رحمه الله بأسلوب علمي محقق لا مجال للشك فيه, وأذكر أنه قد أعارني يومئذ إحدى نسختيه الوحيدتين اللتين لم يكن في مصر غيرهما لأن الكتاب طبع خارج مصر. ولقد كنت شديد الإشفاق عليه رحمه الله من كيد الباطنية وأن تناله أيديهم بسوء وهي الأيدي المجرمة القذرة التي نالت شخص الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعرضه وأشخاص أصحابه الكرام وأعراضهم وعقيدة الإسلام وشريعته وتاريخه.(47/13)
تحقيق حوادث التاريخ الإسلامي وتنقيته مما لحق به من الدس والافتراء:
لقد سألته مرة رحمه الله عن أفضل كتاب في التاريخ الإسلامي؟ فأجاب: بأن التاريخ الإسلامي لم يكتب بعد, وأفضل ما كتب فيه: تاريخ البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله, وكان يعتقد بأن تشويه تاريخ الإسلام والمسلمين كان مقصودا كتشويه عقائده وشرائعه, وكان يؤمن بأن إدراك الأمة لأمجاد ماضيها مفاخرة من أعوانها على تقويم حاضرها. ولنفي الدسائس والافتراءات اللصيقة بتاريخ المسلمين, وللإجلاء عن عظمة ذلك التاريخ وصانعيه كان يدعو إلى دراسة التاريخ على طريقة المحدثين بالتثبت من الروايات التاريخية وأسانيدها الصحيحة، على ضوء ما هو مشهور ومعروف من سلوك صانعي التاريخ من الصحابة والتابعين، ولابد من تجريد التاريخ من الخبث الذي لحقه على أيدي أعداء الإسلام وعلى رأس هؤلاء: الرافضة, وفي هذا المجال يقول رحمه الله: "والإسلام الذي لم تفتح الإنسانية عينيها على أعلى منه رتبة وأعظم منه محامد يجتهد مؤرخوه في تشويه صفحاته والحط من قدر رجاله لأن الذين دونوا تاريخ الإسلام كانوا أحد رجلين: رجل جاء بعد سقوط دولة فتقرب إلى رجال الدولة الجديدة بتسويء محاسن الدولة القديمة، ورحل اتخذ من الشموس الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، مثلا أعلى، فكل قمر من أقمار العرب مذموم عنده موصوفا بالضآلة والنقص؛ لأنه لا يراه إلا على نور تلك الشموس التي لا تقاس مواهب غيرهم بهم, بل إن عثمان وتضحياته الملائكية محيت فضائلها من أدمغة المسلمين لسوء بيان المؤرخين, ومعاوية الذي تتمنى أية أمة من عظام الأمم أن يكون لها رجل يتصف بعشر مواهبه وفضائله, صرنا نسمع ذمه من أقذر الناس وأحط السوقة, والأمين الذي كان كبار الصحابة يجاهدون تحت قيادته طائعين مختارين لصقت به أكاذيب تقرب الكثيرون بها إلى الله جهلا وتعصبا, أقول هذا وأنا علوي، ولكنى أخاف أن يقوض المسلمون صروح فضائلهم وأن يهدموا(47/14)
قلاعا هي من دواعي الفخر, بينما أبناؤنا يتعلمون من الأوربيين وصنائعهم تمجيد رجال لو كشف الغطاء عن تاريخهم الحقيقي لشممنا نتنه" ( مقدمة ديوان مجد الإسلام).
ويبين أهمية تصحيح التاريخ فيقول: "أنا مؤمن من صميم قلبي أن رسالة الإسلام جديرة بأن تستقبل من مظاهر العظمة في تهذيب الإنسانية أبهر وأزهر مما كان لها في الماضي ولن تستوفى هذه الرسالة مهمتها إلا بإرجاع الإنسانية كلها إلى نظام الفطرة الطاهرة وذلك متقف على شيء واحد هو أن يعرف العرب والسلمون من هم وممن هم وما هي رسالتهم في الحياة. ولن يكون ذلك إلا إذا بنوا مناهج تعليمهم وأسس ثقافتهم ومعالم أدبهم على هذه المعرفة والإيمان بلوازمها وتعميم طريقهم نحو أهدافها. ورأس ذلك وعموده تصحيح تاريخ العروبة والإسلام وتجريد مما دس فيه. لقد كان محب الدين رحمه الله فخورا جدا بأمجاد الإسلام ومفاخر المسلمين وكان يحزن كثيرا لبقاء بلك الأمجاد والمفاخر بعيدة عن أذهان الشباب المسلم خاصة والمسلمين عامة, وله في مجال تخليد الأمجاد الإسلامية وإظهارها بثوبها القشيب اللائق عمل عظيم لا يجوز أن يذكر محب الدين إلا ويذكر معه, هذا العمل العظيم هو ديوان مجد الإسلام للشاعر الكبير أحمد محرم, وقصة هذا الديوان يلخصها محب الدين رحمه الله في مقدمة الديوان بما مضمونه باختصار: لقد كان يقرأ في المدارس العثمانية شيئا من اللغة الفارسية وآدابها من جملة مقرراتها، وكان أستاذ تلك اللغة يبالغ أمامهم في وصف (الشاهنامة) للفردوسي، وبيانها المنظوم المعجز, ويحدثهم عن صاحبها وكيف أنه أحاط بتاريخ الفرس القديم ثم اتصل بأحد ملوكهم فأعطاه جناحا في قصره وكلفه بأن ينظم أمجاد الفرس فأقام في ذلك القصر ثلاثين عاما وهو ينظم الشعر الرائع في أمجاد فارس حتى بلغت الشاهنامة وهي الديوان الذي وضعه لذلك (ستين ألف بيت). كان يسمع محب الدين ذلك ويقول: "أليس في دنيا العروبة والإسلام من يقوم للعروبة(47/15)
والإسلام بمثل هذا العمل الأدبي الكبير ليتعرف شبابنا إلى أكمل قومية برأها الله في الدهر الأول وأعدها للقيام بأكمل رسالات الله, أيكون للمجوسية وظلمات الظلم كتاب يخلدها ولا يكون للفطرة السليمة الكاملة ورسالة الله العظمى من يدل عليها ويدفع الناس في طريقها (أليس من العار أن يكون للفرس الذين حفل تاريخهم زمن جاهليتهم بالشنائع ديوان مفاخر يغطي فيه البيان على العيوب ويلون ذا الوجهة منها بألوان زاهية ويسلط على ضئيل الخير منها شعاعا قويا مكبرا بأعظم المكبرات فتكون من ذلك (شاهنامة الفردوس) وأن يكون لليونان زمن وثنيتهم وأوهامهم لصبيانية ديوان مفاخر كالإلياذة تتغنى بها الانسانية إلى يوم الناس هذا والإسلام الذي لم تفتح الدنيا عينيها على أعلى منه رتبة, وأعظم منه محامد يجتهد مؤرخوه في تشويه صفحاته والحط من قدر رجاله". لقد بقيت هذه الفكرة تعمل عملها في نفس محب الدين رحمه الله حتى التقى بالشاعر أحمد شوقي رحمه الله وتحدث معه عن الشاهنامة والإلياذة واقترح على أمير الشعراء أن يكون اعظم أحداث امارته في الشعر إهداء مثل هذه الهدية إلى العروبة والإسلام وأدبهما وعظمتهما من ماضيهما وحاضرهما ومستقبلهما (وهذا كلامه), واستمع شوقي إلى هذا الحديث ولم يعد ولم يرفض ثم زار شوقي وفد في منزله لتجديد الحديث معه فبقي عند موقفه من الصمت والابتسام ثم ظهر بعد ذلك كتيبه عن دول الإسلام وعظماء التاريخ, ولعله كان من أثر ذلك الاقتراح.. ولكن المطلوب (كما يقول رحمه الله) كان أعظم من ذلك وقديما قيل: (اذا عظم المطلوب قلّ المساعد), ثم اتصل الأستاذ المرحوم بالشاعر الكبير أحمد محرم وقويت بينهما الصلة والمحبة فاقترح عليه ما اقترح على شوقي من تسجيل أمجاد الإسلام في ديوان من الشعر الرائع وقال له: "لعل الله قد ادّخر لك هذه المهمة واختارك لها لأنك أقرب شعرائنا إلى إخلاص القول والعمل وأكثرهم توخيا لمرضاته", فاستجاب أحمد محرم رحمه(47/16)
الله لهذه الدعوة, وكان من ذلك ديوان مجد الإسلام أو الإلياذة الإسلامية التي نظمها أحمد محرم رحمه الله وهو ديوان كبير يقع في 450 صفحة نظم فيه الشاعر أهم أحداث السيرة النبوية والغزوات والوفود، ويقول محب الدين رحمه الله في وصف هذا الديوان في مقدمتة: "إن أمجاد العروبة والإسلام أعظم من أن يحيط بها شاعر ولاسيما وأكثرنا لايزالون متأثرين بما شوهت الشعوبية من تاريخنا ومع ذلك كان ديون مجد الإسلام أعظم ما ظهر للناس حتى الآن مجموعا في كتاب واحد من ومضات هذه الأمجاد وستتمتع به نفوس محبي الأدب الرفيع والنظم البليغ أزمانا".
وأقول إن مما يؤسف له أن ديوان مجد الإسلام بقي طوال ثلاثين عاما مخطوطا ومحبوسا في الأدراج, والشاعر الكبير لا يجد من ينشره بتمامه رغم المحاولات الكثيرة مع المسؤولين الا ما كان من نشر محب الدين نفسه لفقرات منه في صحيفته الفتح وفي مجلة الأزهر، إلى أن مات أحمد محرم رحمه الله قبل نشره وكادت تضيع أجزاء منه إلى أن قامت مكتبة دار العروبة بنشره قبل حوالي ثمان سنوات تقريبا. إن ديوان مجد الإسلام من أعظم الأعمال الأدبية والشعرية في تاريخنا وهو عمل أدبي رفيع وشعر رائع بليغ, ومع ذلك فإني أكاد أجزم بأن ثلاثة أرباع المثقفين في البلاد العربية لا يعرفون شيئا عن ديوان مجد الإسلام ولا عن الشاعر الكبير أحمد محرم الذي نظمه وكذلك لا يعرفون شيئاً عن الديوان المستقل الذي نظمه أحمد محرم لسائر شعره. لقد حرصت الجهات المعادية للإسلام في الأوساط الأدبية والثقافية على إهمال الشعراء والأدباء الإسلاميين وحارب الأقلام المؤمنة وأعطت مكان الصدارة فيها للأدعياء من المارقين والملاحدة وذلك حرصا منها على تضليل الأجيال المسلمة وتسميم أفكار النشء وتشويهها.
إيمانه بامتزاج العروبة والإسلام:(47/17)
يقول الأستاذ أنور الحندي في كتابه (أدباء ومفكرون): "ولست أعرف كاتبا كان أوضح رأيا في ربط الإسلام بالعروبة على النحو الذي يحقق فلسفة اليقظة وبناء النهضة كما يفعل السيد محب الدين الخطيب منذ سنوات طويلة فهو مؤمن بامتزاجهما واستحالة انفصامهما وهذه عبارته: "إن العروبة ظئر الإسلام و إن العروبة والإسلام كلاهما من كنوز الإنسانية وينابيع سعادتها، إذا عرف أهلها قيمتها وإذا أتيحت لهما أسباب الظهور للناس على حقيقتهما. وإذا ذلت العرب ذل الإسلام". ويقول: "إننا عرب قبل أن نكون مسلمين, وهذا حق, ولكن لم نكن شيئا قبل الإسلام".(47/18)
كان المرحوم قوي الإيمان بخصائص الأمة العربية وأصالتها واستعدادها للخير وجدارتها بحمل رسالة الله وبطيب عنصرها ونقاء جوهرها، وصفاء فطرتها. ولقد أدرك محب الدين رحمه الله انهيار الخلافة الإسلامية وزوال الدولة العثمانية, وعاش في مرحلة من أحرج مراحل التاريخ الإسلامي الحديث وهي مرحلة خضوع العالم الإسلامي الضعيف للغزو الصليبي القوي وحضر احتضار (الرجل المريض) كما كان يسمي الأعداء الدولة العثمانية في أخريات أيامها وشهد النقلة الخطيرة في حياة المسلمين في تاريخهم الحديث من معالم الحياة الإسلامية وتقاليدها الأصيلة إلى الطراز الجديد من الحياة القائمة على أساس الحضارة الغربية الغازية والقائمة على الإلحاد والإباحية مع الانسلاخ التام من كل القيم والمثل والأخلاق وشهد إفلاس العنصر التركي وعجزه عن المضي في تحمل أعباء الرسالة الإسلامية، وشهد دعاة القومية الطورانية من ملاحدة الترك يتسلقون إلى مراكز السلطة في الدولة العثمانية وينهون الخلافة ويحاولون فرض القومية التركية على الشعوب الأخرى الخاضعة للدولة العثمانية في حركة عنصرية تحاول إذابة تلك الشعوب في العنصر الحاكم دون أية مميزات أو مؤهلات للقومية المتحكمة سوى القهر والغلبة وخاصة بعد تنكرها للإسلام. في هذا الجو افتقد محب الدين رحمه الله الأمة العربية والدور الذي يمكن أن تلعبه وقدراتها وخصائصها التي ترشحها للقيام بذلك الدور. لذلك تغنى بالأمة العربية وباستعداداتها ولكنه لم يفهم من العربية يوماً ما شيئا غير الإسلام، وكان ينال من الكتاب المسلمين الذين يفرقون بين العروبة والإسلام ويعتبرهم من جملة من ساهم في نجاح الحركة القومية البعيدة عن الدين. ولم يكن يوما ما قوميا عربيا، وكان يغضب إذا وضع في صف القوميين العرب الذين ساهموا في القضاء على الخلافة الإسلامية, وإنما كان يدعوا كما قال: "إلى الحكم الذاتي الذي يبرز خصائص الأمة العربية في ظل الإسلام(47/19)
والخلافة".
لقد كان رحمه الله يؤمن بالسر العظيم الكامن وراء اختيار الله تعالى للعربية لغة لكتابه وللأمة العربية حاملة لأكمل رسالاته، يقول رحمه الله: "وأمجاد العروبة لا ينفك تاريخها من تاريخ الإسلام بحال فإذا حيل بين الإسلام والعروبة كانت العروبة جسما بلا روح, وكان الإسلام روحا بلا جسد, وهذا تاريخنا العربي من بدايته إلى اليوم لا نراه ازدهر وانتعش, وكان مظهر العز والقوة إلا في الأدوار التي كان الإسلام يزدهر فيها وينتعش ويأخذ نصيبه من العز والقوة ويكذب من يظن أن العرب تنمو عزتهم بروح أجنبية غير روح الإسلام". (مقدمة مجد الإسلام).
ويقول رحمه الله في تعليقه على ديوان مجد الإسلام: "وستتمتع به نفوس محبي الأدب الرفيع والنظم البليغ أزماناً وأزماناً إلى أن يوجد الشاعر الذي يكتشف سر الله في اختياره العربية لغة لتنزيله, والعروبة بيئة لأكمل رسله, وأهلها أصحابا وأعوانا على حمل رسالته إلى آفاق آسيا وأفريقية ثم إلى أوروبا".
وفي حديثه عن شيخه طاهر الجزائري رحمه الله يقول: "من هذا الشيخ الحكيم عرفت عروبتي وإسلامي, منه عرفت أن المعدن الصدئ الآن الذي برأ الله منه في الدهر الأول أصول العروبة ثم تخيرها ظئراً للإسلام إنما هو معدن كريم لم يبرأ الله أمة في الأرض تدانيه في أصالته وسلامته وصلابته وعظيم استعداده للحق.
وإلى هذا كان يدعو رحمه الله إلى الأخذ بأسباب القوة وبكل نافع من نتاج الحضارة الحديثة مع المحافظة على المثل والقيم والأخلاق القديمة لأن الخير كله قديم, وكان يركز على إصلاح المدارس ومناهج التعليم ووسائل الإعلام.(47/20)
هذه قبسات من أفكار محب الدين رحمه الله ولمحات من حياته حاولت فيها قدر الإمكان أن أقدم خلاصة عن الناحيتين اللتين قصدتهما. وقبل أن أختم كلمتي هذه أتوجه بهذا النداء الحار إلى كل من قصي بن محب الدين الخطيب نجل المرحوم, وفضيلة نائب رئيس الجامعة الإسلامية الشيخ عبد العزيز بن باز, والوجيه الفاضل السيد محمد نصيف صديقي المرحوم الكريمين أن يبذلوا كل ما في وسعهم لجمع المقالات المشتتة التي كتبها المرحوم في مختلف الصحف وخاصة في الزهراء والفتح والأزهر ونشرها للعالم الإسلامي حصيلة فكرية رائعة وثروة ثقافية كبرى تعتبر من عيون ما أنتجه الفكر الإسلامي الحديث, وكذلك طبع مذكراته إن وجدت.
ونصيحتي للشباب المسلم أن يقرأ كل كتاب أو رسالة أو تعليق كتبه محب الدين رحمه الله.
وأخيرا وبعد جهاد مضن كريم استمر قرابة قرن كامل أعطى خلاله محب الدين رحمه الله للإسلام نور عينيه وحياة قلبه وثمرة قلمه وفكره وأسهر ليله وأعمل نهاره, بعد كل هذا فقد سكن ذلك القلب الكبير الذي كان يخفق بحب الإسلام وخبا نور تينك العينين, وهدأت تلك اليد المرتعشة التي حملت القلم للدفاع عن الإسلام والمسلمين دهرا طويلا وسقط ذلك اليراع وتحطم، لقد مات محب الدين.(47/21)
الفصل الأول :
الشيعة الإمامية وتحريف القرآن
( التهمة القديمة المتهالكة !
من هاتيك التهم السائرة الدائرة على مر الأيام التي مني بها مذهب آل الله وآل رسوله صلى الله عليه وعليهم أجمعين فرية تحريف القرآن ، بدعوى أن الشيعة من مذهبهم القول بسقوط بعض آيات من القرآن ، وكثير من الكتيبات التي كتبتها أيادي الفرقة تريد حشر هذه التهمة في رأس السذج والبسطاء .
ولا شك أن من ينشر هذه الفرية ما هو إلا صلف الوجه قاسي الخد لا يعبأ بما يقال فيه مشيع للأراجيف والأكاذيب ، كيف لا ! والشيعة ليست من الفرق البائدة التي لا يخبر عنها إلا في الكتب العتيقة وبين صفحات التراجم سحيقة العهد ، فهذه أعيانهم في كل مكان وعلماؤهم بين أظهرنا وكتبهم ظاهرة سهلة المنال وكلمات محققيهم ومراجعهم لا تخفى إلا على ميت الأحياء ، والقول الفصل عند مراجعهم كلهم أجمعين أكتعين أن القرآن الذي نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو هذا المصحف الموجود في بيوتنا وبيوتات المسلمين بجميعه وتمامه لا نقيصة فيه ولا زيادة ، وهذا واضح عند من دار في شوارع المسلمين أو مرّ في أضيق أزقتهم .
( الشذوذ عن فكر المذهب :
وكون التحريف فرية واضحة على مذهب أهل البيت عليهم السلام لا ينفي شذوذ بضع نفر عما ذهب له الجمهرة والسواد الأعظم وهذا واضح لدى من امتلك شيئا من العقل ، فبعض علماء الشيعة شذوا عن رأي الطائفة حيث قالوا بعدم صيانة القرآن من التحريف وحالهم كحال من شذ عن مذهب أهل السنة وقال بوقوع التحريف في القرآن وعدم صيانته منه(1)[1]، وهذه القلة من الشيعة ذات ميول خاصة ومبان انفردت بها وخالفت سوادهم الأعظم ، وقد انقرضت تلك الفئة مع ما شذوا به .
__________
(1) سيأتي ذكر أسمائهم وأقوالهم بإذنه تعالى .(48/1)
ومن الدعاوى العريضة أن نقول إن الشيعة انقسموا في الاتجاه والمشرب الفقهي إلى قسمين ، لكل منهما أصوله في استنباط الأحكام الشرعية إذ الفرع الذي ألقى بذرته الأمين الإسترآبادي رضوان الله تعالى عليه قبل أربعمائة سنة ثم انكسر واجتث بعد مائتي سنة من بزوغه لا يقسم الشيعة الإمامية في مذهبهم الاستنباطي السائر منذ ألف سنة إلى قسمين أحدهما ظهر قريبا وانتهى بمدة مئتي عام !
وقد كان للإخبارية(1)[2] قواعد ترتكز عليها مدرستهم وصارت من معالمها ، وهذه المدرسة لا وجود لها اليوم كتيار له منظّرون بما للكلمة من معنى وذلك لانقضاء أمر هذا التيار على يد مراجع الطائفة رضوان الله تعالى عليهم حينما تصدوا لهم فنقضوا أصولهم وبينوا عوارها حتى قضي الأمر واستوت الطائفة وعادت نمرقةً وسطى كما كانت على يد الوحيد البهبهاني رضوان الله تعالى عليه .
* أسسٌ افترق بها هذا التيار المحدَث عن فكر المذهب :
من أهم مباني الإخبارية التي شذوا بها عن جمهرة الإمامية القول بعدم حجية ظواهر القرآن ، واعتمادهم على الأخبار فقط أي السنة الواردة من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام فلذلك سموا إخبارية .
__________
(1) مفهوم الإخباري كان متداولا منذ زمن بعيد ومتداولا بين قدماء علماء الطائفة ، ولكن كلامنا عن التيار ذي المرتكزات والقواعد التي أسسها الأمين الإسترآبادي رحمه الله فالكلام على وجه الخصوص .(48/2)
وسبب قولهم بعدم حجية ظواهر القرآن(1)[3] دعوى أن كلام الله عز وجل أجل وأرفع من أن يناله عقل البشر العاديين ، فإن كلام رب الناس لا تدركه عقول الناس ! ومن الإجحاف بساحته جل وعلا أن يدرك مرام كلامه ويفقه مغزاه البشر العادي ، لذا على الفقهاء إيكال فهم ظواهر القرآن إلى من خوطب به وهم الراسخون بالعلم أي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام وهم عِدل القرآن بنص حديث الثقلين المتواتر (2)
__________
(1) الظاهر هو ما كانت دلالته مظنونة لرجحانها ، النص أو المحكم هو ما لا يحتمل إلا وجها وحدا ، والمتشابه هو ما احتمل على وجهين فصاعدا أي يكون مجملا مرددا بين معان مختلفة .
(2) فأراد الإخبارية بكلامهم هذا تنزيه كتاب الله عز وجل عن أذهان البشر العاديين الذين ليسوا من الراسخين في العلم ، فالمانع من فهم ظواهر كتاب الله عز وجل ليس في الله عز وجل بل فينا أي لعجز في القابل لا لعجز في الفاعل ، وهي وإن كانت مقالة باطلة ، لكن من غير الإنصاف أن ينسب بعض الوهابية للإخبارية أنهم قالوا ذلك لأن الله عز وجل عجز عن بيان أحكامه بصورة واضحة ! ، بل قال بعضهم إن الأئمة –عليهم السلام- عند الشيعة أفصح بيانا من الله عز وجل لأنهم قالوا إن " القرآن لا يكون حجة إلا بقيم " ! ، وهذا قول أحد الوهابية اللذين ألفوا رسالة دكتوراه في الافتراء على الشيعة ، قال في أصول مذهب الشيعة ج1ص128 : ( فماذا يعنون بهذه العقيدة : أيعنون بذلك أن النص القرآني لا يمكن أن يحتج به إلا بالرجوع لقول الإمام ؟ وهذا يعني أن الحجة هي في قول الإمام لا قول الرحمن (!!) ، أم يعنون أن القرآن لا يؤخذ بنظامه إلا بقوة السلطان وهو القيم على تنفيذه ؟ ولكن ورد عندهم في تتمة النص ما ينفي هذا الاحتمال وهو قولهم : " فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجيء والقدري والزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم ". ومعنى هذا أن قول الإمام هو أفصح من كلام الرحمن ، ويظهر من هذا أنهم يرون أن الحجة في قول الإمام لأنه الأقدر على البيان من القرآن ).
وأقول لو رجعنا إلى نص الرواية كاملة لعلمنا أن أهل السنة لم يستنكروا هذه المقالة من منصور بن حازم بل أقروه على لزوم وجود قيم للقرآن في الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكن الوهابي حرفها وبترها ليتسنى له التشنيع على الشيعة فقط لقولهم بفكرة صحيحة يقبلها كل مسلم ، وهذا نصها في الكافي ج1ص188 : ( عن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه ، بل الخلق يعرفون ، بالله ، قال : صدقت ، قلت : إن من عرف أن له ربا ، فينبغي له أن يعرف أن لذلك الرب رضا وسخطا وأنه لا يعرف رضاه وسخطه إلا بوحي أو رسول ، فمن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرسل فإذا لقيهم عرف أنهم الحجة وأن له الطاعة المفترضة . وقلت للناس : تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان هو الحجة من الله على خلقه ؟ قالوا : بلى ، قلت : فحين مضى رسول الله عليه السلام من كان الحجة على خلقه ؟ قالوا : القرآن ! ، فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجيء والقدري الزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته ، فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم ، فما قال فيه من شيء كان حقا ، فقلت لهم : من قيم القرآن ؟ فقالوا ابن مسعود قد كان يعلم وعمر يعلم وحذيفة يعلم ، قلت : كله ؟ قالوا : لا ! فلم أجد أحدا يقال : إنه يعرف ذلك كله إلا عليا عليه السلام ، وإذا كان الشيء بين القوم فقال هذا : لا أدري ، وقال هذا : لا أدري ، وقال هذا : لا أدري . وقال هذا : أنا أدري . فأشهد أن عليا عليه السلام كان قيم القرآن ، وكانت طاعته مفترضة وكان الحجة على الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وأن ما قال في القرآن فهو حق ، فقال –عليه السلام- : رحمك الله ) ، فاتضح أن القيم هنا هو المبين لجميع ما في الكتاب من مجمل ومتشابه ومبهم وكما قال المولى المازندراني رضوان الله تعالى عليه في شرحه للحديث : ( والمراد به هنا من يقوم بأمر القرآن ويعرف ظاهره وباطنه ومجمله ومأوله ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه بوحي إلهي أو بإلهام رباني أو بتعليم نبوي ) ، وهو من يمكنه إثبات لنا الصدق العملي لقوله تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ }(النحل/89) ، فلا ريب أن أحكام الله عز وجل كلها في القرآن ولكنها تخفى علينا وعلى الوهابي السابق ، فهلا قال لنا من يتكفل ببيانها وتفصيلها من آيات القرآن ؟ حتما سيقول هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمفاد قوله تعالى {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(الحشر/7) ، فهلا قال الوهابي لنا ، كيف صار كلام الرسول أفصح وأوضح من كلام الله عز وجل ؟! وكيف صار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أقدر على البيان من الله سبحانه ؟! والمورد هو المورد .(48/3)
[4].
وننقل هنا أقوال بعض مراجع الطائفة الحقة في كتبهم الأصولية التي هي المعتمد الحق في بيان ما شذت به الإخبارية ، قال السيد البروجردي رضوان الله تعالى عليه في تقريرات بحثه :
" ما يظهر من الطائفة المنتحلة إلى الإمامية رضوان الله عليهم ، المعروفين بالإخبارية وهو عدم حجية ظواهر القرآن .
اعلم أن حجية ظواهر الكتاب كانت معروفة غير محتاج إلى الاستدلال ، لأنه كتاب نزل به الروح الأمين على قلبه صلى الله عليه وآله ليكون بشيرا ونذيرا للعالمين ، ويكون به هداية الناس والجنة أجمعين ، وبه انقلب الجهل إلى العلم في جزيرة العرب بحيث صار موردا لتعجب العقلاء والمتمدنين والفصحاء المتكلمين فلا شبهة أنه كتاب أنزل لإفهام المطالب الحقة لجميع الناس وإيصالهم إلى الكمالات اللائقة بحالهم ولم يشك فيه أحد من الناس إلا شرذمة قليلة من الذين أشرنا إليهم في صدر العنوان . وعمدة ما وجه أو يوجه به قولهم ونظرهم أمور خمسة : أحدها : كونه مشتملا على المضامين العالية التي لا تصل إليها إلا أفهام الأوحدي من الناس . وفيه : أولا …"(1)[5]. فبدأ رضوان الله تعالى عليه بتوجيه الأدلة لكسر مقالتهم الشاذة .
__________
(1) تقريرات في أصول الفقه ص254-255 ، للشيخ علي الاشتهاردي .(48/4)
وقال السيد الحكيم رضوان الله تعالى عليه : " وأما ما ذهب إليه جمهور الإخباريين من عدم حجية ظواهر الكتاب ، فقد ذكر له في الكفاية وجوها خمسة : الأول : ما ورد من النصوص الدالة على أن القرآن لا يعرفه إلا أهله ومن خوطب به ، وهم النبي والأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام . الثاني : أن القرآن يحتوي على مطالب عالية شامخة ومضامين غامضة ، فلا يستطيع أن يفهمه كل أحد ، فان فيه علم كل شئ . ولا يستطيع كل أحد أن يصل بفكره إلى ما اشتمل عليه القرآن "(1)[6].
وقال السيد محمد سعيد الحكيم حفظه الله تعالى وسدد خطاه في المحكم في أصول الفقه بعدما بين فساد أدلة الإخبارية : " وبهذا يظهر حال بقية الوجوه التي استدل بها للإخباريين ، فقد استدل لهم بوجوه كثيرة لا مجال للتعويل عليها بعد ما عرفت من إجماع الأصحاب وتسالمهم على حجية ظواهر الكتاب . مع أنها في أنفسها غير صالحة للاستدلال "(2)[7].
وننقل هنا ما قاله أحد الأفاضل في كتابه دروس في أصول فقه الإمامية : " ومضافا إلى إن سيرة المسلمين في التعامل مع ظواهر القرآن بالأخذ بها والاعتماد على مؤدياتها دليل حجية ظهورات القرآن بخاصة . هذا هو رأي جمهور المسلمين بما يكاد يرقي إلى مستوى الضرورة ومنهم أصحابنا الأصولية من الإمامية(3)[8]، وفي مقابل هذا الرأي ذهب أكثر الأخبارية من الإمامية إلى عدم جواز الأخذ بظواهر القرآن إلا عن طريق ما فسر به من أحاديث رويت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام "(4)[9].
__________
(1) منتقى الأصول ، تقرير بحث الروحاني للحكيم رضوان الله تعالى عليهما ج4ص217 ، للزيادة راجع حقائق الأصول ج2ص85-90 للسيد محسن الحكيم رضوان الله تعالى عليه .
(2) المحكم في أصول الفقه ج3ص179.
(3) وهم كل الشيعة اليوم إن لم نعبأ بالنادر الذي لا يذكر .
(4) دروس في أصول فقه الإمامية ص144.(48/5)
وحيث أن الأصوليين لا ينعزلون عن روايات أهل البيت عليهم السلام حين استنباط الأحكام الشرعية من ظواهر القرآن فلا يظهر الخلاف واضحا بين المسلكين ، ويظهر في حال عدم وجود مانع من الروايات يمنع من التمسك بظهور الآيات القرآنية فحينها يعتمد الأصوليون على ظواهر القرآن لأنها حجة في نفسها ، بخلاف الإخبارية ففي هذه الحالة لا يتمسكون بظواهر القرآن لأنها ليست بحجة في نظرهم بدعوى أن عقولنا أقل شأنا من إدراك ظاهر كلام المولى عز وجل ، فتكون ظواهر الآيات من المتشابه ولا يسعهم حينها إلا الاسترجاع وتلاوة قوله تعالى { وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فأَمّا الَّذينَ في قُلوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْويلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}(آل عمران/7).
قال في مصادر الاستنباط : " وقد أجاب المحدث الاسترآبادي عن عمل الإخباريين في الظواهر القرآنية مثل قوله تعالى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(المائدة/1) وقوله تعالى {أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ}(النساء/43) وقوله تعالى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ …}(المائدة/6) وفي ظواهر السنن النبوية مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) حيث قال–أي المحدث- : نحن نوجب الفحص عن أحوالهما بالرجوع إلى كلام العترة الطاهرة عليهم السلام فإذا ظفرنا بالمقصود وعلمنا حقيقة للحال علمنا بها وإلا أوجبنا التوقف والتثبت "(1)[10].
__________
(1) 10] مصادر الإستنباط بين الأصولين والإخباريين ص 80 ط دار الهادي .(48/6)
ومن مبانيهم المسلمة القول بصحة كل الروايات الوارد في الكتب الأربعة أي الكافي ومن لا يحضره الفقيه والاستبصار والتهذيب ، فلا داعي لمناقشة السند فيها ، وهذا رأي غير مقبول عند الشيعة اليوم .
وهناك كثير من الأمور التي شذ بها الإخبارية عن الجمهور ، وقد : " أنهى الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي هذه الفروق إلى ثلاثة وأربعين فرقا ، وقد تتبع الشيخ يوسف البحراني هذه الفروق فاقتصر على ذكر ثمانية منها وأخذ بمناقشتها ، وانتهى إلى عدم وجود فرق جوهري بين الطرفين حيث قال : فلأن ما ذكروه من وجوه بينهما جلّه أو كله لا يثمر فرقا في المقام . ولعل الشيخ البحراني قد بالغ في عدم الفرق فإن الفروق موجودة ، غير أنه قد شرح وجهة نظره بأن هذه الفروق لا توجب تشنيعا ولا قدحا لأنه نظير الاختلاف الحاصل بين علماء الطائفة . أما الشيخ جعفر كاشف الغطاء فقد ألف كتابا خاصا في هذا الموضوع أطلق عليه أسم ( الحق المبين في تصويب المجتهدين وتخطئة الأخباريين ) حيث ذكر الفروق فأنهاها إلى ثمانين فرقاً وإذا انتقلنا إلى المحقق الخونساري فإننا نجده يذكر من الفروق تسعة وعشرين فرقا ، كما أنهى محمد بن فرج الله الدسقوري هذه الفروق إلى ستة وثمانين فرقا وأغلب ما ذكر هو في الفروع التي يختلف فيها الأصوليون أنفسهم فلا تشكل فروقا حقيقية "(1)[11].
__________
(1) 11] مصادر الاستنباط ص66 ط دار الهادي .(48/7)
وما ذهب إليه الإخبارية فُند بأدلة أقامها محققو الطائفة المحقة رضوان الله تعالى عليهم ، وهنا يمكننا القول إن الإخبارية لهم أصولهم وعالمهم الخاص في التعامل مع الأدلة والمغاير لما عليه جمهور الشيعة ، ونادرا ما تجدهم في حالة وفاق ، حتى أن بعضهم كان يتهجم على البعض الآخر بشدة وحدة غريبتين حتى وصل الأمر إلى السباب والشتائم في بعض الأحيان ! والأصوليون بطابع عام يتبرؤون من أفكار هذا التيار ، ولا بأس هنا بنقل تقييم الشهيد مطهري رضوان الله تعالى عليه لهذه المباني والمرتكزات التي قام عليها التيار الإخباري :
" قبل أربعة قرون تقريبا ظهرت بيننا نحن الإمامية فرقة باسم الفرقة الإخبارية ، وهي في قبال الأصولية القائلة بالاجتهاد ، وقد سيطرت على أفكار الناس ما يقارب القرنين أو الثلاثة قرون ، ولم تترك عملا شنيعا إلا وارتكبته من إشعال حربٍ وقتل وأمثالهما ، أما اليوم فان عدد الإخباريين قليل جدا "(1)[12].
وقال رضوان الله تعالى عليه : " هذا هو التيار الإخباري وتعصبه الأحمق اللامحدود الذي جعل أصحابه يعتبرون الصحيح والضعيف من الأحاديث على حدٍّ سواء ، إنّه تيار فكري خطر ظهر في دنيا الإسلام ، وتمخض عن جمود فكري لا زلنا نعاني من تبعاته إذ سرت عدواه إلى أوساطنا "(2)[13].
( القائلون بالتحريف من هم ؟
على ضوء اعترافات بعض علماء الإخبارية نتوصل إلى أن هؤلاء النفر الذين قالوا بتحريف القرآن من الشيعة هم بعض الإخبارية لا كلهم ، وعدد من نسب إليه الوهابية–مع تتبعهم- تحريف القرآن لا يزيد عن عشرة ونيف ما بين من تيقنا بصحة النسبة إليه ومن لم نتيقن منها لغرابة بعض تلك الأسماء التي لم نسمع بها من قبل ولعدم توفر المصادر ، ولا نستطيع الوثوق بما ادعاه الوهابية لما سيأتي من بيان مدى مصداقيتهم .
( كيف توصلوا لتلك الفجيعة ؟
__________
(1) 12] الإسلام ومتطلبات العصر ص116 ط دار الأمير .
(2) 13]ن.م ص122-123 .(48/8)
ليس من العجب عند من نظر في مباني الإخبارية أن بعضهم قال بتحريف القرآن ، فإن الركون والاقتصار على الأخبار على ما في بعضها من نقل للتحريف ، والتساهل الشديد بوثاقة الرواة ، والقطع بصحة ما في الكتب الأربعة ، وكذا القول بعدم حجية ظواهر القرآن حتى لا يصح التمسك بالآيات التي تتعهد بنفي التحريف عن القرآن ، كل هذه تجعل القول بتحريف القرآن أمرا متوقعا لا غرابة فيه ، فكل من ينسج على نولهم ويلتزم بمبانيهم ليس له إلا التسليم بما دل على التحريف من الروايات بلا أي عرض على مقاييس القبول والرفض ، فزمام الحكم على القرآن كان بيد الروايات على ما فيها من وضع ودس وضعف !
... ولنذكر هنا كيفية تجاوزهم للاعتراضات والعقبات التي وقفت أمام قول بعضهم بتحريف القرآن :
تأويلهم للآيات النافية للتحريف
ولم تستطع الآية الكريمة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9) ثنيهم عما ادعوه لذهابهم إلى عدم حجية ظواهر القرآن بدعوى أن كلام الله تعالى أعز من أن تناله وتدركه عقولنا ! فصار الظاهر من المتشابه الذي يوكل أمره إلى الله ، والآية الكريمة من هذا النحو ، فيجب أن يرجع إلى الروايات لمعرفة معناه ، والروايات التي فيها ما فيها تقول إن القرآن محرف ، فيجب تأويل الآية المباركة !
وحتى لو قالوا بحجية الظاهر فقد نوقشت دلالة ظاهر الآية الكريمة على حفظ القرآن من التحريف ، فقال أحدهم :(48/9)
" وفيه أنّ كون أصل القرآن الذي نزل به الروح الأمين على خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم محفوظا عند الأئمة الذين هم خزّان علم الله وكهوف كتبه ، يكفي في صدق الآية ولا دلالة فيها على كون ما بأيدينا محفوظا كما لا يخفى ، مضافا إلى احتمال أن يكون المراد أنه سبحانه يحفظه إلى آخر الدهر بأن بعث جماعة يحفظونه ويدرسونه ويشهرونه بين الخلق ، فتحفظه الأمة وتناولته الأيدي قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة لقيام الحجة به على الخلق وكونه معجزة النّبوة . وهذا كله بعد الغضّ عن رجوع الضمير في {لَهُ} إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلا كما ذهب إليه الفرّاء فيسقط الاستدلال رأساً ، قال ابن الأنباري : لما ذكر الله الإنزال والمنزِّل والمنزَّل دلّ ذلك على المنزَّل عليه ، فحسنت الكناية عنه لكونه أمرا معلوماً كما في قوله {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }(القدر/1) ، فإن عود الضمير إلى القرآن مع عدم تقدّم ذكره لكونه معلوما من المقام ".
توجيههم الأول هو ما اعتمدوا عليه ، فان ظاهر الآية غاية ما يدل عليه هو تعهد الله عز وجل بصيانة القرآن من التحريف ولكنها ساكتة عن شخص هذا القرآن والمصحف الذي تكفل المولى بحفظه ، فلا يلزم من التسليم بدلالة الآية على صيانة القرآن من التحريف أن يكون هذا الحفظ لجميع مصاحف المسلمين بل يكفي حفظ القرآن عند إمام المسلمين وقائدهم حتى يتحقق عنوان الحفظ في الآية الكريمة ، وعلى قولهم يكون الله عز وجل قد تعهد بحفظ القرآن عند المستودع للشريعة وهو الإمام المعصوم في كل زمان ، ففي أول الأمر كان عند الإمام علي عليه السلام ومنه إلى الحسن ثم الحسين وهكذا إلى أن استقر الآن عند صاحب العصر الإمام المهدي عليه وعليهم السلام ، والآية أجنبية عن التعهد بحفظ القرآن عند جميع الناس وفي كل مصاحف المسلمين ، فلا تعارض بين روايات التحريف والآية الكريمة .(48/10)
وكذا لم تثنهم الآية الكريمة {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(فصلت/42). عن مدعاهم ، فقالوا ردا على من استدل بالآية على أن ورود التحريف فيه يعني إتيانه الباطل :
" وفيه أن المراد بالآية أنّه ليس في إخباره عمّا مضى باطل ، ولا في إخباره عمّا يكون في المستقبل باطل ، بل أخباره كلّها موافقة لمخبراتها ، رواه الطبرسي في مجمع البيان عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام ، وفي تفسير القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال : {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ} من قِبل التوراة ولا من قِبل الإنجيل والزبور {وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} لا يأتيه من بعده كتاب يبطله ".
وهكذا لم يثبت القرآن الكريم صيانة القرآن من التحريف في نظرهم ، وصار القول الفصل للروايات .
2- تأويلهم للروايات النافية للتحريف
وفي المقابل توجد بعض الروايات التي يلزم من الأخذ بظاهرها نفي التحريف عن القرآن ، كالروايات التي تأمر بعرض الأخبار المنسوبة لأهل البيت عليهم السلام على القرآن فما وافق القرآن قاله أهل البيت عليهم السلام وما خالفه يضرب به عرض الجدار ، وسنرى أن هذه الروايات صريحة في كون القرآن هو القيّم والميزان لتمييز صحة الرواية من سقمها ، بعد علم أهل البيت عليهم السلام بإطّناب الكذب والافتراء عليهم ، فلم يكن إمامٌ إلا وله كذاب يكذب عليه كما ورد في الرواية ، فلا ريب في وجود كثير من الزخرف الملبس والباطل المموه وهو وليد الوضع والاختلاق ، ولكن بعض الإخبارية قاموا بتأويل الروايات النافية للتحريف وصرفها عن ظاهرها لتتوافق مع روايات التحريف ! وهاك نبذة مما أوّلوه على خلاف ظاهره ليتسنى لهم التوفيق بينها وبين روايات التحريف :
عن أيوب بن الحر قال : " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : كل شئ مردود إلى كتاب الله والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ".(48/11)
عن كليب بن معاوية الأسدي : " عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل ".
عن الهشامين جميعا وغيرهما قال : " خطب النبي صلى الله عليه وآله فقال : أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف القرآن فلم أقله " .
عن أيوب : " عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا حدثتم عني بالحديث فأنحلوني أهنأه وأسهله وأرشده فان وافق كتاب الله فأنا قلته ، وإن لم يوافق كتاب الله فلم أقله "(1)[14].
وحدثني الحسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال : " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف يرويه من يثق به ، فقال : إذا ورد عليكم حديث فوجدتموه له شاهد من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإلا فالذي جاءكم به أولى ".
عن النوفلي عن السكوني : " عن أبي عبد الله عن آبائه عن علي عليهم السلام قال : إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوا به وما خالف كتاب الله فدعوه ".
عن هشام بن الحكم : " عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله - في خطبة بمنى أو مكة - : يا أيها الناس ما جاءكم عني يوافق القرآن فأنا قلته ، وما جاءكم عني لا يوافق القرآن فلم أقله ".
عن محمد بن مسلم قال : " قال أبو عبد الله عليه السلام : يا محمد ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به ، وما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به ".
عن سدير قال : " قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام : لا تصدق علينا إلا بما يوافق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله ".
__________
(1) 14] المحاسن ج1ص220 ح128 و129و130.(48/12)
عن الحسن بن الجهم " : عن العبد الصالح عليه السلام قال : إذا كان جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وعلى أحاديثنا ، فإن أشبههما فهو حق ، وإن لم يشبههما فهو باطل "(1)[15].
وهذه الروايات تتصادم مع القول بتحريف القرآن إذ من غير المعقول أن يُجعل المحرف والمتلاعب به ميزانا لبيان صحة الأخبار وسلامتها من التحريف ، وكذا الحال في حديث الثقلين المتواتر الذي أُمِر المسلمون به بالتمسك بالقرآن والعترة لأن من تمسك بهما عصم من الضلالة ، ومن غير المعقول أن نعصم من الضلالة مع تمسكنا بالمحرف والمبدل ! ، ولكن كل هذا لم يجد نفعا عندهم ، فقد قال السابق عن الاستدلال بحديث الثقلين :
__________
(1) 15] بحار الأنوار ج 2 ص 242ح43،44،49،50،51 ، ملاحظة : رواية ابن أبي يعفور ورواية الحسن بن جهم يستفاد منهما جعل السنة في عرض القرآن في كونهما قيمين على الرواية وهذا لا مانع منه لأن لحاظ الإمام عليه السلام إلى السنة القطعية لا إلى مطلق الروايات حتى يلزم الدور ، وهو واضح .(48/13)
" أما الطائفة الأولى فلا دلالة فيها على المُدعى أصلا ، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد كان أمرنا بالاتباع بالكتاب والعرض عليه ولم يتطرق عليه تحريف يومئذ ، كما أمرنا باتباع أهل بيته وعترته وأخذ الأحكام عنهم والاقتباس من أنوارهم ، وإنما طرأت السوانح بعدما اختار الله سبحانه له صلى الله عليه وآله وسلم لقائه فمنع المكلفون على أنفسهم اللطف بسوء اختيارهم ، وغيّروا كتاب الله ونبذوه وراء ظهورهم ، كما تركوا العترة وصاروا سببا لاعتزالهم وتشريدهم إلى أن انتهى الأمر إلى الغيبة الكبرى ، فكما أن غيبة الإمام عليه السلام واعتزال الأئمة وقصور اليد عن التمسك بهم(1)[16] وأخذ الأحكام عنهم الناشئ من سوء فعل المكلفين لا منافاة له مع أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتمسك ، فكذلك قصور اليد عن اتباع القرآن المنزل على ما هو عليه لا ينافي أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باتّباعه والتمسك به ، بل نقول : إن أمره صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن إلا لأجل أن لا يفعلوا في كتاب الله ما فعلوه لم يكن إلا لأجل أن لا يفعلوا في كتاب الله ما فعلوه ، وإن لا يقصروا في حقّ الآل ما قصروا ".
__________
(1) 16] هنا قياس مع الفارق لأن عدم الوجود الظاهر والمشاهد لأئمة أهل البيت عليه السلام لا يمنع من التمسك بهم ، بل يكفي الرجوع لكلماتهم واقتفاء سننهم كما أن الكل يدعي اقتفاء سنن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم مع أنهم لم يروا له شخصا ، بخلاف القول في القرآن فإن دعوى التحريف فيه مانعة من التمسك به .(48/14)
وقال ردا على الروايات التي تأمر بعرضها على القرآن :" وأما الطائفة الثانية فلا دلالة فيها أيضا ، لانا نقول : إن الأئمة عليهم السلام إنما أمرونا بالرجوع إلى هذا الكتاب الموجود بأيدينا مع ما هو عليه من التحريف والنقصان لأجل التقية والخوف على أنفسهم وشيعتهم ، فيكون ما استفدناه حكما ظاهريا بالنسبة إلينا فافهم "(1)[17].
وردّ دلالة روايات العرض بوجه آخر وهو : " إن أهل بيت العصمة سلام الله عليهم لعلمهم بعدم طرو التحريف على آيات الأحكام رخصونا في الرجوع والعرض ، فبملاحظة ترخيصهم يحصل لنا القطع بكونها محفوظة عن الخلل أو أنهم رخّصونا في ذلك ، لعلمهم بأنّه ليس في الساقط ما يرجع إليه أو يعرض عليه إلاّ وفي الثابت ما يقوم مقامه "(2)[18].
__________
(1) 17] وهذا غير مقبول ، لأن الأصل عدم التقية وخلاف الأصل يحتاج إلى دليل ، ثم إن الروايات تقول ما خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الجدار ، وأين التقية في ذلك ؟! وهل أهل البيت عليهم السلام يخالفون ما بأيدينا من القرآن حتى يقال إن الأمر بموافقته من موارد التقية ؟!
(2) 18] وما احتمله هنا مجرد ظن لا يغني من الحق شيئا ويلزمه الإتيان بالدليل عليه .(48/15)
وعلى هذا فلا قرآن يثبت عندهم صيانة القرآن من التحريف ولا الروايات تثبت ذلك(1)[19] ، وكثير من الروايات في كتب أهل لا إله إلا الله من أهل السنة والشيعة تقول بتحريف القرآن ، فلا عجب إن قالوا بوقوع التحريف في كتاب الله عز وجل !
( تنكيل مراجع الشيعة وأكابرهم بمن شذ وقال بتحريف القرآن
__________
(1) 19] ليس من الغريب ألا تصلنا روايات تنص على عدم تحريف القرآن ، فلا تجد لا من طرق الشيعة ولا من طرق السنة مثل هذه الروايات لبداهة كونه محفوظا من التحريف الذي كان يغني عن ذكره ، فمن غير المعقول أن يستغرب مثلا من عدم وجود رواية عن إمام معصوم يحدد فيها اتجاه قبلة المسلمين في الكوفة ! والأمر ظاهر ، لذا فإن شهرة القضية وبداهتها تجعل النص عليها سخيفا ، والدليل عليه عدم وجود أية رواية عند أهل السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تثبت تعهد الله عز وجل بحفظ كتابه أو حتى رواية واحدة عن صحابي يقول إن القرآن سليم من التحريف ولم يسقط منه شيء ، وأما روايات التحريف التي جاءت عن الصحابة فهي زرافات ومجاميع ، وبهذا نقف على جهل بعض الوهابية الذين يطلبون رواية واحدة عند الشيعة تثبت صيانة القرآن من التحريف ! فهلا جاءوا لنا برواية واحدة عمن قوله حجة في مذهبهم وهو قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه ؟! ولنتنازل لهم ونطلب رواية عن صحابي ، بل شبه صحابي !! ، وقد سمعت بعض مشايخ الوهابية يطلب من أحد عوام الشيعة رواية عن إمام معصوم تثبت صيانة القرآن من التحريف ، فنقول : لماذا لا تأتونا أنتم بها ؟!(48/16)
تواترت صولات مراجع الشيعة وتتابعت اعتراضات أعلامهم وهاجت من كل حدب وصوب في وجه من شذ من القول بتحريف القرآن ، فما ترى عيناك أحدا تعرض لحجية ظواهر القرآن منهم إلا وذكر مصيبة تحريف القرآن والرزية التي منيت بها الطائفة على يد هؤلاء النفر ، وهم رضوان الله تعالى عليه ما بين مسفه للرأي ومتحسف لهذا الخطب الجلل ، خاصة حينما طم الأمر واتسع الخرق وزيد للنار حطب بتأليف المحدث النوري كتابه فصل الخطاب الذي لملم فيه شتات الأخبار الكئيبة وحشر فيه روايات تريد ما يريد ، حتى قام بحشو الكتاب بأي رواية فيها أدنى إشارة على وقوع التحريف ولو بكثير تكلف ، وعندها قامت دنيا الشيعة ولم تقعد ، وثار المراجع والعلماء في وجه المؤلف ونُدد بالكتاب وطعن فيه ، بل هاجوا على المطبعة أيضا ، وكان حديث الساعة بين الأعلام ومحلا لاستنكارهم وسخطهم ، وهذه الرسالة شاهد تاريخي يحكي لنا حال الشيعة حينما علموا بصدور ذلك الكتاب والباطل الذي حواه :
" قد أسلفنا تواجد الشيخ النوري نفسه في وحشة العزلة منذ أن سلك هذا الطريق الشائك ، إذ وجد من أقطاب الطائفة متفقة على خلاف رأيه ، وكم حاول العثور على رفقة من مشاهير العلماء ولكن من غير جدوى ، وقد أحسّ الرجل من أول يومه بشَنَعات ومَسبّات سوف تنهال عليه من كلّ صوب ومكان ، وبالفعل قد حصل ! ووقع في الورطة التي كان يخافها .(48/17)
يحدثنا السيد هبة الدين الشهرستاني –وهو شاب من طلبة الحوزة العلميّة بسامراء على عهد الإمام الشيرازي الكبير- عن ضجّةٍ و نعراتٍ ثارت حول الكتاب ومؤلّفه وناشره يومذاك ، يقول في رسالة بعثها تقريظاً على رسالة البرهان التي كتبها الميرزا مهدي البروجردي بقم المقدّسة 1373 ه . يقول فيها : ( كم أنت شاكر مولاك إذ أولاك بنعمة هذا التأليف المنيف ، لعصمة المصحف الشريف عن وصمة التحريف ، تلك العقيدة الصحيحة التي آنست بها منذ الصغر أيّام مكوثي في سامراء ، مسقط رأسي ، حيث تمركز العلم و الدين تحت لواء الإمام الشيرازي الكبير ، فكنت أراها تموج ثائرة على نزيلها المحدث النوري بشأن تأليفه كتاب فصل الخطاب ، فلا ندخل مجلساً في الحوزة العلمية إلاّ ونسمع الضجّة والعجّة ضدّ الكتاب ومؤلّفه وناشره ، يسلقونه بألسنة حداد ).
وهكذا هبّ أرباب القلم يسارعون في الردّ عليه ونقض كتابه بأقسى كلمات وأعنف تعابير لاذعة ، لم يدعوا لبثّ آرائه ونشر عقائده مجالاً ولا قيد شعرةٍ "(1)[20].
وهنا ذكر بعض كلمات الأعلام في ذم فعل المؤلف والنيل من ذلك الكتاب :
قال الإمام الحجة البلاغي رضوان الله تعالى عليه في آلاء الرحمن :
__________
(1) 20]صيانة القرآن من التحريف للمحقق الشيخ معرفة حفظه الله ص115.(48/18)
" هذا وإن المحدث المعاصر جهد في كتاب فصل الخطاب في جمع الروايات التي استدل بها على النقيصة وكثر أعداد مسانيدها بأعداد المراسيل على الأئمة عليهم السلام في الكتب كمراسيل العياشي وفرات وغيرها مع أن المتتبع المحقق يجزم بأن هذه المراسيل مأخوذة من تلك المسانيد ، وفي الجملة ما أورده من الروايات ما لا يتيسر احتمال صدقها ، ومنها ما هو مختلف باختلاف يؤول به إلى التنافي والتعارض ، وهذا المختصر لا يسع بيان النحوين الأخيرين . هذا مع أن القسم الوافر من الروايات ترجع أسانيده إلى بضعة أنفار ، وقد وصف علماء الرجال كلاًّ منهم إما بأنه ضعيف الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية ، وإما بأنه مضطرب الحديث والمذهب ، يعرف حديثه وينكر ويروي عن الضعفاء ، وإما بأنه كذاب متهم لا أستحل أن أروي من تفسيره حديثا واحدا ، وأنه معروف بالوقف ، وأشد الناس عداوة لرضا عليه السلام ، وأما أنه كان غاليا كذابا ، وإما بأنه ضعيف لا يلتفت إليه ولا يعول عليه ومن الكذابين ، وأما بأنه فاسد الرواية يرمى بالغلو . ومن الواضح أن أمثال هؤلاء لا تجدي كثرتهم شيئا ، ولو تسامحنا بالاعتناء برواياتهم في مثل هذا المقام الكبير لوجب من دلالة الروايات المتعددة أن ننزلها على مضامينها…"(1)[21] ، ثم ذكر بعض موارد التكلف الواضح لإثبات التحريف وهو في واقعه تفسير وتنزيل .
ما ذكره الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه وعطر الله مرقده في كتابه أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية قال :
__________
(1) 21] مقدمة تفسير آلاء الرحمن .(48/19)
" وأزيدك وضوحا : أنه لو كان الأمر كما توهّم صاحب فصل الخطاب الذي كان كتَبَهُ لا يفيد علماً ولا عملاً ، وإنّما هو إيراد روايات ضعاف أعرض عنها الأصحاب وتنزّه عنها أولوا الألباب من قدماء أصحابنا كالمحمّدين الثلاثة المتقدمين رحمهم الله(1)[22] .
هذا حال كتب روايته غالبا كالمستدرك ، ولا تسأل عن سائر كتبه المشحونة بالقصص والحكايات الغريبة التي غالبها بالهزل أشبه منه بالجد ، وهو رحمه الله شخص صالح متتبع ، إلاّ أنّ اشتياقَه لجمع الضعاف والغرائب والعجائب وما لا يقبلها العقل السليم والرأي المستقيم ، أكثرُ من الكلام النافع ، والعجب من معاصريه من أهل اليقظة ! كيف ذهلوا وغفلوا حتّى وقع ما وقع ممّا بكت عليه السماوات ، وكادت تتدكدك على الأرض ؟! "(2)[23].
ولا ضير أن تلك المباني أركبتهم هذا الصعب تسليما للخبر بلا عرض أو نظر ، فكان من المحتم على من يتصدى لرفع هذه الفرية عن القرآن أن يجتث تلك المباني الفاسدة التي ارتكزوا عليها لا أن يُغِير على النتيجة فيبدأ بالصياح والعويل ! والعاقل لا يخفى عليه أن مناقشة هؤلاء لا تتم في تحريف القرآن وإنما في مبانيهم ومقدمات استدلالاتهم التي أملت عليهم تحريف القرآن ، فلو قبِل أي رجل مبانيهم سيكون تحريف القرآن نتيجةً حتمية .
__________
(1) 22] ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ، الشيخ المحدثين الشيخ محمد بن على بن بابويه الصدوق ، رئيس الطائفة المحقة الشيخ محمد ابن الحسن الطوسي قدس الله أسرارهم .
(2) 23] أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية ج1ص243–247 .(48/20)
وسوف نختم هذا المبحث ببقية أقوال مراجع الشيعة الذين ركب في سفينة كل واحد منهم الآلاف المؤلفة من العوام الشيعة ، وقادوا الجم الغفير على عواتقهم في القول والعمل ويقتفي جماهير الشيعة أثرهم ويميلون حين مالوا ويرون قولهم الفصل في المسألة ، وستعلم كيف أنهم نفوا شبهة التحريف جملة وتفصيلا عن المذهب ، ونحمد الله أن لا أحد من مراجع الطائفة على مر السنين قال بتحريف القرآن وهذا كاف لتوضيح شذوذ الرأي وضآلة عدد قائليه .
( أين الافتراء إذن ؟!
وبعد هذه المقدمات يتضح لأهل الإنصاف والشرف أن ما يقوم الوهابية به من نشر كتيباتهم السخيفة في الأسواق ، وما يتناجون به في أوكارهم من أن تحريف القرآن من عقائد الشيعة هو عين الافتراء والكذب على جمهور الشيعة وسوادهم الأعظم ، وخلط للأوراق وتضليل للبسطاء والسذج ، ناهيك عن أن هذا الافتراء لا موضوع له اليوم لأن كل الشيعة الإمامية في عصرنا يقولون بسلامة القرآن من التحريف ولا أحد منهم يدعي التحريف ، ومن قال منهم بذلك قبل مئات السنين هم عشرة ونيف في قبال آلاف الألوف ، وليت شعري كيف ينسب للملايين من الشيعة رأي شذ به عشرة ونيف بعد أن انتفض لهم المراجع والعلماء من جمهرة الشيعة بالرد والتنكيل ؟!
فإن كان نسبة ما شذ به البعض إلى الكل هو ميزان الوهابية العادل ، فليشد الشيعة همّتهم بنشر أقوال علماء أهل السنة الشاذة ويلزموا بها الجميع منهم ، وبنفس ميزان الوهابية !(48/21)
فنلزم جميع علماء أهل السنة باعتقاد جلوس النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجانب الله عز وجل على عرشه ، خاصة وأن هذا الاعتقاد قد نقل فيه موافقة الكثير من علمائهم(1)[24].
__________
(1) 24]كما ذكره ابن القيم الجوزيّة في بدائع الفوائد ج4ص39-40 ( قال القاضي : صنف المروزي كتابا في فضيلة النبي (ص) و ذكر فيه إقعاده على العرش ، قال القاضي : وهو قول أبي داود وأحمد بن أصرم ويحيى بن أبي طالب وأبي بكر بن حماد وأبي جعفر الدمشقي وعياش الدوري وإسحاق بن راهويه وعبد الوهاب الوراق وإبراهيم الأصبهاني وإبراهيم الحربي وهارون بن معروف ومحمد بن إسماعيل السلمي ومحمد بن مصعب العابد وأبي بكر بن صدقة ومحمد بن بشر بن شريك وأبي قلابة وعلي بن سهل ولأبي عبد الله بن أبي عبد النور وأبي عبيد والحسن بن فضل وهارون بن العباس الهاشمي وإسماعيل بن إبراهيم الهاشمي ومحمد بن عمران الفارسي الزاهد وحمد بن يونس البصري وعبد الله بن الإمام أحمد والمروزي وبشر الحافي ، قلت–ابن القيم - : وهو قول ابن جرير الطبري ، وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير وهو قول أبي الحسن الدارقطني ومن شعره فيه … ) اه . ومن شدّة تعصب الحنابلة لهذا القول تعرّضهم للإمام الطبري بالضرب والأذى لأنه أنكر هذا الأمر وقال لهم : سبحان من ليس له أنيس وما له على العرش جليس ، فرموه بمحابرهم وحصّبوا داره بالحجارة وجاءت الشرطة للتفريق ! والحادثة مذكورة في معجم الأدباء للياقوت الحموي ج18ص57-59 وكتب الحنابلة هذه الأبيات على باب الطبري ردا عليه : ( لأحمد منزل لا شك عالٍ إذا وافى إلى الرحمن وافد ، فيدنيه ويقعده كريم على رغم لهم في أنف حاسد ، على عرش يغلّفه بطيب على الأكباد من باغ وعاند ، له هذا المقام الفرد حقا كذلك رواه ليث عن مجاهد ) أقول : وكأن الله عز وجل له عرش كعرش هرقل أو كسرى يجلس بجانبه من يشاء !!(48/22)
أو نقول إن كل أهل السنة يعتقدون أن الله عز وجل يستطيع أن يركب على ظهر بعوضة فتحمله وتطير به ؟!(1)[25]
أو أن نحمّل أهل السنة رأي الوهابية في أن التنويم المغناطيسي شرك بالله !(2)[26]
__________
(1) 25] هذا ما قاله إمام السلف عثمان بن سعيد الدارمي صاحب السنن المعروف بسنن الدارمي ، حيث تجرأ وتفوه بهذا التجسيم في رده على المريسي ، نقلا عن كتاب عقائد السلف ص443 " وقد بلغنا أنهم -الملائكة- حين حملوا العرش وفوقه الجبار في عزته وبهائه ، ضعفوا عن حمله واستكانوا وحنوا على ركبهم حتى لقنوا ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) فاستقلوا به بقدرة الله وإرادته ، ولولا ذلك ما استقل به العرش ، ولا الحملة ولا السماوات ولا الأرض ولا من فيهن . ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته ، فكيف على عرش عظيم أكبر من السماوات السبع ؟! ، وكيف تنكر أيها النفاج أن عرشه يقلّه والعرش أكبر من السماوات السبع والأرضين السبع ؟! "
(2) 26] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ج1ص348 : ( التنويم المغناطيسي ضرب من ضروب الكهانة باستخدام جني حتى يسلطه المنوّم على المنوَّم فيتكلم بلسانه ويكسبه قوة على بعض الأعمال بالسيطرة عليه إن صدق مع المنوم وكان طوعا له مقابل ما يتقرب به المنوِّم إليه ويجعل ذلك الجني المنوَّم طوع إرادة المنوِّم بما يطلبه من الأعمال أو الأخبار بمساعدة الجني له إن صدق ذلك الجني مع المنوم ، وعلى ذلك يكون استغلال التنويم المغناطيسي واتخاذه طريقا أو وسيلة للدلالة على مكان سرقة أو ضالة أو علاج مريض أو القيام بأي عمل آخر بواسطة المنوم غير جائز ، بل هو شرك ، لما تقدم ، ولأنه التجاء إلى غير الله فيما هو من وراء الأسباب العادية التي جعلها سبحانه إلى المخلوقات وأباحها لهم ) . أقول : لو سمي الأطباء النفسيون بالكهنة كان مناسبا لهذه الفتوى !(48/23)
أو نحملهم رأي الوهابية في أن كتابة الآيات كالبسملة أو سورة التوحيد أو آية الكرسي وتعليقها على الحائط ذريعة من الشرك وبدعة محرمة !(1)[27]
__________
(1) 27] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ج4ص47-48 ( اطلعت اللجنة على الخرق الثلاث (العلاقات) فوجدت أن إحداها قد كتب عليها البسملة ، وقوله تعالى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}(البقرة/144) ، وقوله {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}(النمل/19) وفيها صورة الكعبة وصورة لرجال ونساء في المطاف ، وفي الثانية : البسملة وسورة الفاتحة ودعاء ولفظ الجلالة واسم محمد صلى الله عليه –وآله- وسلم وأسماء الخلفاء الراشدين (رض) بازاء لفظ الجلالة ، وصورة المسجد الأقصى . وتطبيقا لما تقدم… لا يجوز اتخاذ هذه الخرق ولا تعليقها في البيوت أو المدارس أو النوادي أو المحلات التجارية ونحوها زينة لها أو تبركاً بها مثلا ، للأمور التالية : 1- لما في ذلك من الانحراف بالقرآن عما أنزل من أجله من الهداية والموعظة الحسنة والتعبد بتلاوته ونحو ذلك . 2- لمخالفتها ما كان عليه النبي صلى الله عليه –وآله-وسلم وخلفاؤه الراشدون (رض) فإنهم لم يكونوا يفعلون ذلك ، والخير كل الخير في اتباعهم لا في الابتداع . 3- سد ذريعة الشرك والقضاء على وسائله من الحروز والتمائم وإن كانت من القرآن ، لعموم حديث النهي عن ذلك ، ولا شك أن تعليق هذه الخرق وأمثالها يفضي إلى اتخاذها حروزا لصيانة ما علقت فيه ، كما دل على ذلك التجربة وواقع الحال …) ، ولا أدري إذا كانت دور المسلمين بل حتى مساجد الوهابية ودور عبادتهم مليئة بالبدعة ، فمن من المسلمين ليس بمبتدع !(48/24)
أو ندعي أن من صفات الله عز وجل عند أهل السنة الضحك والهرولة لأن شيخ الوهابية ابن باز يعتقد أن ربه يهرول ويضحك !! ، وأوضح منه قول أحد أئمتهم أن الله -والعياذ بالله- يهرول فوق عرشه وهي صفة قديمة !!(1)[28]
__________
(1) 28] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ج3ص196 : ( س : هل لله صفة الهرولة ؟ ج : نعم ، على نحو ما جاء في الحديث القدسي الشريف على ما يليق به قال تعالى : إذا تقرب إليّ العبد شبرا تقربت إليه ذراعا وإذا تقرب إليّ ذراعا تقربت منه باعاً وإذا أتاني ماشياً أتيته هرولة . رواه البخاري وسلم ).
قال إمامهم الدارمي في رده على المريسي ، كما نقلت في كتاب عقائد السلف ص479 : ( لا نسلم أن مطلق المفعولات مخلوقة ، وقد أجمعنا واتفقنا على أن الحركة والنزول والمشي والهرولة على العرش ، وإلى السماء قديم ، والرضى والفرح والغضب والحب والمقت كلها أفعال في الذات للذات وهي قديمة ) ، أقول لا أدري كيف صارت الهرولة قديمة وهي تحدث عند تقرب الله لعباده ؟!!
وفي نفس الجزء من فتاوى اللجنة الدائمة ص206 ( س : ما معنى قوله صلى الله عليه (وآله) وسلم : يضحك الله من رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة . متفق عليه ؟ ج : لفظ الحديث : يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة ، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد . انتهى ، وهو يدل على إثبات صفة الضحك لله تعالى كما يليق بجلاله وعظمته لا يشابه خلقه في شيء كما قال سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}).انتهى ، قال تعالى{سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا}(الإسراء/43).(48/25)
أو نقول إن أهل السنة يعتقدون أن من سكن في الطابق الأعلى أقرب إلى الله عز وجل ممن سكن في الطابق الأسفل !!(1)[29]
__________
(1) 29] قال إمامهم عثمان بن سعيد الدارمي صاحب السنن ، في رده على المريسي : ( ثم أكد المعارض دعواه في أن الله في كل مكان بقياس ضل به عن سواء السبيل ، فقال : ألا ترى أنه من صعد الجبل لا يقال أنه أقرب إلى الله . فيقال لهذا المعارض المدعي ما لا يعلم به : من أنبأك أن رأس الجبل ليس بأقرب إلى الله من أسفله ؟! ، لأنه من آمن بأن الله فوق عرشه فوق سماواته علم يقينا أن رأس الجبل أقرب إلى السماء من أسفله وأن السماء السابعة أقرب إلى عرش الله من الخامسة ثم كذلك إلى الأرض . كذلك روى إسحاق بن ابراهيم الخنظلي عن ابن المبارك أنه قال : رأس المنارة أقرب إلى الله من أسفلها . وصدق ابن المبارك ، لأن كل ما كان إلى السماء أقرب كان إلى الله أقرب ) ، نقلناه بالنص من كتاب عقائد السلف ص458 .(48/26)
أو أن أهل السنة يحكمون بحرمة التوسل أو دعاء الله عز وجل بحق وبجاه الأنبياء والصالحين بعد وفاتهم ، فقط لما شذ به ابن تيمية وأذنابه من الوهابية ، وقد قال شيخهم ابن باز إن هذا العمل بدعي محدث ووسيلة من وسائل الشرك القريبة !(1)
__________
(1) 30] الموسوعة الفقهية ج14ص161 ط وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت : ( التوسل بالنبي بعد وفاته : اختلف العلماء في مشروعية التوسل بالنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم بعد وفاته كقول القائل : اللهم إني أسألك بينك أو بجاه نبيك أو بحق نبيك ، على أقوال : القول الأول : ذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية ومتأخرو الحنفية وهو المذهب عند الحنابلة إلى جواز هذا النوع من التوسل سواء في حياة النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أو بعد وفاته . القول الثاني : مكروه عند أبي حنيفة وأبي يوسف وأبي محمد . القول الثالث : ذهب تقي الدين بن تيمية وبعض الحنابلة من المتأخرين إلى أن التوسل بذات النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم لا يجوز ). هذا النقل باختصار مع حذف الأدلة .وجاء في خاتمة المبحث قول لابن تيمية يرد فيه على من يكفر المسلمين في هذه المسألة الخلافية : ( ثم يقرر ابن تيمية إن هذه المسألة خلافية وأن التكفير فيها حرام وإثم . ويقول بعد ذكر الخلاف المسألة : ولم يقل أحد ، إن من قال بالقول الأول فقد كفر ، ولا وجه لتكفيره ، فإن هذه المسألة خفية ليست أدلتها جلية ظاهرة ، والكفر إنما يكون بإنكار ما علم من الدين بالضرورة ، أو بإنكار الأحكام المتواترة والمجمع عليها ونحو ذلك . بل المكفر بمثل هذه الأمور يستحق من غليظ العقوبة والتعزير ما يستحقه أمثاله من المفترين على الدين ، لاسيما مع قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أيما رجل قال لأخيه : يا كافر فقد باء به أحدهما . رابعا : التوسل بالصالحين من غير النبي : لا يخرج حكم التوسل بالصالحين من غير النبي عما سبق من الخلاف في التوسل به صلى الله عليه (وآله) وسلم ). اه
أقول : لاحظ كيف شذ ابن تيمية والوهابية بتحريم التوسل بالأنبياء والصالحين بعد وفاتهم مع أن كل من سبقه من الفقهاء يذهبون إلى جوازه ، وأما فتوى ابن باز في كون هذا التوسل من البدع المحدثة في الدين يمكن مراجعتها في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ج1ص153و595 ، فإن كان ( جمهور الفقهاء المالكية والشافعية ومتأخرو الحنفية وهو المذهب عند الحنابلة ) قد أجازوا البدعة ، فمن من سلفهم الصالح ليس بمبتدع ؟!(48/27)
[30]
أو نشيع أن من عقائد أهل السنة أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم المكلف بفعل ما هو مكروه في حد ذاته ولا يخلو ارتكابه من نوع جريمة ، ويأتي عمر بن الخطاب فيصلح بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أفسده النبي في أمته ويؤجر عمر على ذلك !(1)[31]
__________
(1) 31] بذل المجهود في حل أبي داود ج19 ص198 ( باب فيمن تكنى بأبي عيسى ) ط دار الكتب العلمية : ( بسنده عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب ضرب أبنا له يكنى أبا عيسى وأن المغيرة بن شعبة تكنى بأبي عيسى فقال له عمر : أما يكفيك أن تكنى بأبي عبد الله !؟ فقال : فقال له : إن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم كناني !! فقال –عمر- : إن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ( !!! ) وأنا في جلجتنا فلم يزل يكنى بأبي عبد الله حتى هلك ). قال في الشرح : ( فقال عمر إن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . كتب مولانا محمد يحيى المرحوم في التقرير يعني بذلك والله أعلم أن من الأمور ما هو مكروه في حد ذاته لا يخلو ارتكابه من نوع جريمة إلا أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم إنما فعلها لبيان الجواز لئلا تظن به الحرمة فيغتفر له ما فيه من صورة الإثم والذنب ظاهرا بل ويثاب على ذلك . وليس هذا لغيره صلى الله عليه (وآله) وسلم ) ، أقول : كل هذه الطامات والمخازي تنسب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتلميع صورة ابن الخطاب وتصحيح عمله !(48/28)
أو ننسب لهم اعتقادا مفاده أن الأنبياء يهمون بمعصية الله ، وأن بعض الأنبياء ليهم بالزنا ولا يردعه تهديد الله ووعيده فيضطر الله لإجباره على الكف والترك ، وأن لا عفة للأنبياء !(1)[32]
أو نقول إن الحنابلة يقولون : " من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم"(2)[33] لقول الإمام أبي حاتم الحنبلي ، ومن جانب آخر نشيع أن باقي أهل السنّة يكفّرون جميع الحنابلة ، بسبب تكفير أبي بكر المقري لهم !(3)[34]
__________
(1) 32] وقد أخرجه عدة من حفاظهم وقال به جملة من مفسري التابعين كما جاء في الدر المنثور ج4ص13: ( أخرج عبد الرزاق والفريابى وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما همت به تزينت ثم استلقت على فراشها وهم بها وجلس بين رجليها وحل تبّانه –سرواله –نودي من السماء : يا ابن يعقوب لا تكن كطائر ينتف فبقى لا ريش له ! فلم يتعظ على النداء شيئا (!) حتى رأى برهان ربه ، جبريل عليه السلام في صورة يعقوب عاضا على إصبعيه ففزع فخرجت شهوته من أنامله فوثب إلى الباب فوجده مغلقا فرفع يوسف رجله فضرب بها الباب الأدنى فانفرج له واتبعته فأدركته فوضعت يديها في قميصه فشقته حتى بلغت عضلة ساقه فألفيا سيدها لدى الباب . وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضى الله عنهما انه سئل عن هم يوسف عليه السلام ما بلغ قال حلّ الهميان يعنى السراويل وجلس منها مجلس الخائن فصيح به : يا يوسف لا تكن كالطير له ريش فاذا زنى قعد ليس له ريش ). وأخرج الطبري في تفسيره ج16ص26 ما قاله مجاهد بن جبر في نبي الله يوسف عليه السلام ( بأنه حل سرواله حتى وقع على إليته ! ) ، وكذلك القرطبي في تفسيره ج9ص166 بلفظ آخر ( حلّ السروايل حتى الإليتين (!!) ) ، أ هذا نبي الله عز وجل ، لا عفة ولا كرامة ؟! نعوذ بالله من غضبه .
(2) 33] تذكرة الحفّاظ ج3ص375.
(3) 34] شذرات الذهب ج3ص252.(48/29)
أو ننسب لهم الحكم بكفر ابن تيمية لتكفير قضاة المذاهب الأربعة له حين حرّم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد نودي عليه بدمشق أن من اعتقد عقيدة ابن تيمية حُلّ دمه وماله (1)
__________
(1) 35] الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني ج1ص147 قال : ( ونودي بدمشق : من اعتقد عقيدة ابن تيمية حل دمه وماله خصوصا الحنابلة . فنودي بذلك وقرئ المرسوم وقرأها ابن الشهاب محمود في الجامع ثم جمعوا الحنابلة من الصالحية وغيرها واشهدوا على أنفسهم أنهم على معتقد الشافعي ) ، قال ابن حجر الهيثمي في الفتاوى الحديثية ص203 : ( وإياك أن تصغي إلى ما في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية وغيرهما ، ممن اتخذ إلهه هواه وأضلّه الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله ) ، وقال عنه أيضا في ص99 –100 ( ابن تيمية عبدٌ خذله الله ، وأضلّه ، وأعماه ، وأصّمه وأذلّه ، وبذلك صرح الأئمة وبيّنوا فساد أحواله ، وكذب أقواله ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام المجتهد المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي وولده التاج والشيخ الإمام الغز بن جماعة وأهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية ولم يقصر اعتراضه على متأخري الصوفية بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما كما يأتي . والحاصل أنه لا يقام لكلامه وزن بل يرمى في كلّ وعر وحزن ويعتقد فيه انه مبتدع ضالٌ مضل جاهل غال ، عامله الله بعدله وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله آمين …حاصل كلام ابن تيمية وهو يناسب ما كان عليه من سوء الاعتقاد حتى في أكابر الصحابة ومن بعدهم إلى أهل عصره و ربما أداه اعتقاده ذلك إلى تبديع كثير منهم …وقد كتب إليه بعض أجلاء أهل عصره علما ومعرفة سنة خمس وسبعمائة من فلان إلى الشيخ الكبير العالم إمام أهل عصره بزعمه أما بعد فإنا أحببناك في الله زمانا وأعرضنا عما يقال فيك إعراض الفضل إحسانا إلى أن ظهر لنا خلاف موجبات المحبة و بحكم ما يقتضيه العقل و الحس وهل يشك في الليل عاقل إذا غربت الشمس ؟! وإنك أظهرت أنك قائم بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الله أعلم بقصدك ونيتك ولكن الإخلاص مع العمل ينتج ظهور القبول وما رأينا آل أمرك إلا إلى هتك الأستار والإعراض باتباع من لا يوثق بقوله من أهل الأهواء و الأغراض . فهو كسائر زمانه يسب الأوصاف والذوات ولم يقنع بسب الأحياء حتى حكم بتكفير الأموات ولم يكفه التعرض على من تأخر من صالحي السلف حتى تعدى إلى العصر الأول ومن له أعلى المراتب في الفضل ، فيا ويح من هؤلاء خصماؤه يوم القيامة ! وهيهات أن لا يناله غضب وأنى له بالسلامة وكنت ممن سمعه وهو على منبر جامع الجبل بالصالحية وقد ذكر عمر بن الخطاب (رض) فقال : أن عمر له غلطات وبليات ! وأي بليات ! وأخبر عنه بعض السلف أنه ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مجلس آخر فقال : أن عليا أخطأ في أكثر من ثلاثمائة مكان ! فيا ليت شعري من أين يحصل لك الصواب إذا أخطأ عليّ بزعمك كرم الله وجهه وعمر بن الخطاب ؟ . والآن قد بلغ هذا الحال إلى منتهاه والأمر إلى مقتضاه و لا ينفعني إلا القيام في أمرك ودفع شرك لأنك قد أفرطت في الغي ووصل أذاك إلى كل ميت وحي وتلزمني الغيرة شرعا لله ولرسوله ويلزم ذلك جميع المؤمنين وسائر عباد الله المسلمين بحكم ما يقوله العلماء وهم أهل الشرع وأرباب السيف الذين بهم الوصل والقطع إلى أن يحصل منك الكف عن أعراض الصالحين رضي الله عنهم أجمعين. انتهى ، واعلم انه قد خالف الناس في مسائل … في أمثال ذلك من مسائل الأصول مسألة الحسن والقبح التزم كل ما يرد عليها وأن مخالف الإجماع لا يكفر ولا يفسق ، وأن ربنا سبحانه وتعالى عما يقوله الظالمون والجاحدون علوّ كبيرا محل الحوادث تعالى الله عن ذلك وتقدس وأنه مركب تفتقر ذاته افتقار الكل إلى الجزء تعالى الله عن ذلك وتقدس وأن القرآن محدث في ذات الله تعالى الله عن ذلك وأن العالم قديم بالنوع ولم يزل مع الله مخلوقا دائما فجعله موجبا بالذات لا فاعلا بالاختيار تعالى الله عن ذلك وقوله بالجسمية والجهة والانتقال وأنه بقدر العرش لا أصغر ولا أكبر تعالى الله من هذا القول الشنيع القبيح والكفر البواح الصريح وخذل متبعيه وشتت شمل معتقديه وقال إن النار تفنى وإن الأنبياء غير معصومين وإن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم لا جاه له ولا يتوسل به وأن إنشاء السفر إليه بسبب الزيارة معصية لا تقصر الصلاة فيه وسيحرم ذلك يوم الحاجة الماسة إلى شفاعته وأن التوراة والإنجيل لم تبدل ألفاظهما وإنما بدلت معانيهما … )اه . وقد ذكر المجتهد تقي الدين السبكي في كتابه الدرر المضيئة في الصفحة الأولى ( أما بعد فإنه لما أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد بعد أن كان مستترا بتبعية الكتاب والسنة مظهرا أنه داع إلى الحق هاد إلى الجنة فخرج من الإتباع إلى الابتداع وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع ).(48/30)
[35].
أو نقول إن أهل السنة يكفرون من وصف ابن تيمية بشيخ الإسلام لما حكم به بعض علمائهم !(1)[36]
أو أن أهل السنة لا يرون وجوب الحد على من زنى بأمه أو أخته أو أحد محارمه بعد عقده عليهن عالما بالحرمة ! وعدم لزوم الحد على من استأجر امرأة ليزني بها (2)[37].
__________
(1) 36] قال الشيخ عبد الله الغماري المغربي في هامش كتابه الرد على الألباني : ( وقد ذكر أبو عبد الله علاء الدين البخاري العجمي الحنفي المتوفى سنة 841ه أن من أطلق على ابن تيمية شيخ الإسلام فهو بهذا الإطلاق كافر ، انظر الضوء اللامع ج9ص292 ، ومراده بذلك من علم بكلماته الكفرية واعتقاداته الضالة ، ومع ذلك وصفه بهذا اللقب ).
(2) 37] المحلى بالآثار لابن حزم ج12ص200 مسألة2220 وص196مسألة2218 ، وفي طبعة دار الفكر ج11ص248 مسألة2210: ( وأما من أسقط الحد في العمد في ذلك فانه إن طرد قوله لزمه المصير إلى قول أبي حنيفة في سقوط الحد عمن تزوج أمه وهو يدري أنها أمه وأنها حرام وعمن تزوج ابنته كذلك أو أخته كذلك وتزوج نساء الناس وهن تحت أزواجهن عمدا دون طلاق ولا فسخ ) ، وفي ج11ص253-254 مسألة2215 : ( وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة : من تزوج أمه أو ابنته أو حريمته أو زنى بواحدة منهن … وقال أبو حنيفة : لا حد عليه في ذلك كله ولا حد على من تزوج أمه التي ولدته وابنته . وأخته . وجدته . وعمته . وخالته . وبنت أخيه . وبنت أخته عالما بقرابتهن منه عالما بتحريمهن عليه ووطئهن كلهن فالولد لاحق به والمهر واجب لهن عليه وليس عليه إلا التعزير دون الأربعين فقط ، وهو قول سفيان الثوري قالا : فان وطئهن بغير عقد نكاح فهو زنا عليه ما على الزاني من الحد ).(48/31)
أو نشيع بين الناس أن أهل السنة يجوزون إعارة الفروج كما ذهب له بعض سلفهم الصالح من الصحابة والتابعين !(1)[38]
__________
(1) 38] المحلى طبعة دار الفكر ج11 ص257 مسألة 2216 ( من أحل لآخر فرج أمته ) : (قال أبو محمد رحمه الله –ابن حزم- : سواء كانت امرأة أحلت أمتها لزوجها أو ذي رحم محرم أحل أمته لذي رحمه أو أجنبي فعل ذلك فقد ذكرنا قول سفيان في ذلك وهو ظاهر الخطأ جدا لأنه جعل الولد مملوكا لمالك أمه وأصاب في هذا ثم جعله لاحق النسب بواطئ أمه وهذا خطأ فاحش ) ، وكذا في ص257-258 مسألة 2217 ( من أحل فرج أمته لغيره ) : ( عن ابن جريج قال : اخبرني عمرو بن دينار أنه سمع طاووسا يقول قال ابن عباس : إذا أحلت امرأة الرجل أو ابنته أو أخته له جاريتها فليصبها وهي لها فليجعل به بين وركيها ، قال ابن جريج : واخبرني ابن طاووس عن أبيه انه كان لا يرى به بأسا وقال : هو حلال فان ولدت فولدها حر والأمة لامرأته ولا يغرم الزوج شيئا ، قال ابن جريج : واخبرني إبراهيم بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن زادويه عن طاووس انه قال : هو أحل من الطعام فان ولدت فولدها للذي أحلت له وهي لسيدها الأول . قال ابن جريج : واخبرني عطاء بن أبي رباح قال : كان يفعل ، يحل الرجل وليدته لغلامه وابنه وأخيه وتحلها المرأة لزوجها ، قال عطاء : وما أحب أن يفعل وما بلغني عن ثبت ، قال : وقد بلغني أن الرجل كان يرسل بوليدته إلى ضيفه . قال أبو محمد رحمه الله –ابن حزم- : فهذا قول وبه يقول سفيان الثوري ، وقال مالك وأصحابه لا حد في ذلك أصلا ) ، ( قال أبو محمد رحمه الله : أما قول ابن عباس فهو عنه وعن طاووس في غاية الصحة ولكنا لا نقول به إذ لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ، ثم قام بالرد على بقية الأقوال ).(48/32)
أو أن أهل السنة يجيزون نظر الحمامي لعورات الرجال وتدليكها لهم بالنورة لأن أبا حنيفة كان لا يرى به بأسا وكذلك ابن مقاتل (1)[39].
__________
(1) 39] حاشية ابن عابدين شرح فقه أبي حنيفة النعمان ج7 ص115 : ( لا بأس للحمامي أن يطلي عورة غيره بالنورة . انتهى ، لكن قال في الهندية بعد أن نقل عن التتارخانية أن أبا حنيفة كان لا يرى بأساً بنظر الحمامي إلى عورة الرجل ونقل أنه ما يباح من النظر للرجل من الرجل يباح المس ) ، البحر الرائق لابن نجيم الحنفي ج8ص219 ( وفي التتمة والإبانة كان أبو حنيفة لا يرى بأسا بنظر الحمامي إلى عورة الرجل ، وفي الكافي وعظم الساق ليس بعورة ، وفي الذخيرة وما جاز النظر إليه جاز مسه ، قال محمد بن مقاتل : لا بأس أن يتولى صاحب الحمام عورة إنسان بيده عند التنور إذا كان يغض بصره ) ، وفيه ج7ص96 قال : ( وذكر الكرخي في الكبير يختنه الحمامي ، وكذا ابن مقاتل لا بأس للحمامي أن يطلي عورة غيره بالنورة ).(48/33)
أو ننسب لهم قول عائشة بجواز رضاع الرجل من المرأة الأجنبية كما صرّحت بذلك عدّة من الروايات وقبلها أكابر علمائهم(1)[40]، حتى زاد ابن تيمية في الطنبور نغمة بمباركة هذا الفعل وتمجيده والحث عليه(2)
__________
(1) 40] أخرج مالك في الموطأ ج2ص605 بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي : ( عن ابن شهاب أنه سئل عن رضاع الكبير فقال : أخبرني عروة بن الزبير أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وكان من أصحاب رسول الله (ص) وكان قد شهد بدرا -إلى أن قال - فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال ، فكانت تأمر أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال وأبى سائر أزواج النبي (ص) أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس وقلن لا والله ! ) ، والكلام فيه شائع ذائع فكل من تعرض لرضاع الكبير من علمائهم في الفقه ذكر رأي عائشة ، ولا بأس بنقل دفاع ابن حجر عن هذه البائقة المعيبة حينما قال في فتح الباري ج9ص149: ( ورأيت بخط تاج الدين السبكي أنه رأى في تصنيف لمحمد بن خليل الأندلسي في هذه المسألة أنه توقف في أن عائشة وأن صح عنها الفتيا بذلك لكن لم يقع منها إدخال أحد من الأجانب بتلك الرضاعة ، قال تاج الدين : ظاهر الأحاديث ترد عليه وليس عندي فيه قول جازم لا من قطع ولا من ظن غالب ، كذا قال وفيه غفلة عما ثبت عند أبي داود في هذه القصة فكانت عائشة تأمر بنات أخوتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها ويراها وأن كان كبيرا خمس رضعات ثم يدخل عليها ، وإسناده صحيح وهو صريح فأي ظن غالب وراء هذا ؟! والله سبحانه وتعالى أعلم ).
(2) 41] رقص ابن تيمية على أشلاء حرم النبي الممزق ، فعربد وقال : ( ليس حديث سهلة –السابق- بمنسوخ ولا مخصوص بسالم ولا عام في حق كل أحد وإنما هو رخصة لمن كان حاله مثل حال سالم مع أبي حذيفة وأهله في عدم الاستغناء عن دخوله على أهله مع انتفاء الريبة ومثل هذه الحاجة تعرض للناس في كل زمان . فكم من بيت كريم يثق ربه برجل من أهله أو من خدمه قد جرب أمانته و عفته وصدقه معه فيحتاج إلى إدخاله على امرأته وإلى جعله معها في سفر ، فإذا أمكن صلته به وبها بجعله ولدا لهما في الرضاعة بشرب شيء من لبنها مراعاة لظاهر أحكام الشرع مع عدم الإخلال بحكمتها ألا يكون أولى ؟! بلى وان هذا اللبن ليحدث في كل منهما عاطفة جديدة ). راجع تفسير المنار ج4 ص 476 تفسير آية ( و أمهاتكم اللاتي أرضعنكم و أخواتكم من الرضاعة ) .(48/34)
[41] ، فما المانع من ارتقاء المنابر في المحافل والإذاعة على الملأ اقتداء بالوهابية أن أهل السنة يدخلون الرجال الأجانب على نسائهم حتى يرضعنهم ؟!
أو نكتب بسود المداد في كل البلاد أن أهل السنة يجوزون إتيان النساء في أدبارهن ، بل إن علماءهم يفعلونه !(1)
__________
(1) 42] شرح معاني الآثار ج3ص40 : ( يعقوب بن حميد قال ثنا عبد الله بن نافع عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد : أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا : أتعزبها فأنزل الله عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}(البقرة/223). قال أبو جعفر : فذهب قوم إلى أن وطء المرأة في دبرها جائز واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وتأولوا هذه الآية على إباحة ذلك ) ، وفي معتصر المختصر ج1ص301-302 : ( في إتيان دبر النساء . روى عن ابن عمر أن رجلا أتى امرأة في دبرها فوجد من ذلك في نفسه وجدا شديدا فأنزل الله وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}(البقرة/223). وعن أبي سعيد أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه فأنزل الله تعالى وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية استدل قوم بهذا على الإباحة ) ، وفي المغني ج7ص225 : ( ورويت إباحته عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك ، وروي عن مالك أنه قال : ما أدركت أحد أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال . وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك واحتج من أجله بقول الله تعالى وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}(البقرة/223) وقوله سبحانه {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}(المؤمنون/5-6) ) ، وفي فيض القدير ج6ص24 : ( قال الحافظ ابن حجر في اللسان في ترجمة سهل بن عمار أصل وطء الحليلة في الدبر أي فعله مروي عن ابن عمرو عن نافع وعن مالك من طرق عدة صحيحة بعضها في صحيح البخاري وفي غريب مالك للدارقطني ) ، وقال فيه ج1ص144: ( وما رواه الحاكم عن مالك في قوله ( الآن فعلته بأم ولدي وفعله نافع وابن عمر وفيه نزل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } فتعقبوه بأنه كذب عليه ، لكن رده الحافظ ابن حجر في اللسان : فقال أصله في سبب النزول مروي عن ابن عمر وعن نافع وعن مالك من طرق عدة صحيحة بعضها في البخاري ) راجع لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ج3ص121 ترجمة سهل بن عمار برقم 419 ، وفي فتح الباري لابن حجر العسقلاني ج8ص189-190-191 ح4253 : ( قوله فأخذت عليه يوما أي أمسكت المصحف وهو يقرأ عن ظهر قلب . وجاء ذلك صريحا في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع قال : قال لي ابن عمر : أمسك علي المصحف يا نافع . فقرأ . أخرجه الدارقطني في غرائب مالك قوله (حتى انتهى إلى مكان قال تدري فيما أنزلت قلت لا قال أنزلت في كذا وكذا ثم مضى ) هكذا أورد مبهما لمكان الآية والتفسير (!!) وسأذكر ما فيه بعد قوله . وعن عبد الصمد هو معطوف على قوله أخبرنا النضر بن شميل وهو عند المصنف أيضا عن إسحاق بن راهويه عن عبد الصمد وهو بن عبد الوارث بن سعيد وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث من طريق إسحاق بن راهويه عن النضر بن شميل بسنده وعن عبد الصمد بسنده قوله يأتيها في هكذا وقع في جميع النسخ لم يذكر ما بعد الظرف وهو المجرور ووقع في الجمع بين الصحيحين للحميدى (يأتيها في الفرج) وهو من عنده بحسب ما فهمه (!) ثم وقفت على سلفه فيه وهو البرقاني فرأيت في نسخة الصغاني زاد البرقاني (يعني الفرج) (!) وليس مطابقا لما في نفس الرواية عن بن عمر لما سأذكره . وقد قال أبو بكر بن العربي في سراج المريدين : أورد البخاري هذا الحديث في التفسير فقال يأتيها في (…) وترك بياضا (!!) والمسألة مشهورة صنف فيها محمد بن سحنون جزءا وصنف فيها محمد بن شعبان كتابا وبين أن حديث ابن عمر في إتيان المرأة في دبرها ، قوله ( رواه محمد بن يحيى بن سعيد أي القطان عن أبيه عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر هكذا ) أعاد الضمير على الذي قبله والذي قبله قد اختصره كما ترى (!) فأما الرواية الأولى وهي رواية ابن عون فقد أخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده وفي تفسيره بالإسناد المذكور وقال بدل قوله (حتى انتهى إلى مكان) ، (حتى انتهى إلى قوله {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فقال : أتدرون فيما أنزلت هذه الآية ؟ قلت : لا . قال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن . وهكذا أورده بن جرير من طريق إسماعيل بن علية عن ابن عون مثله ومن طريق إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي عن ابن عون نحوه وأخرجه أبو عبيدة في فضائل القرآن عن معاذ بن عون فأبهمه (!) فقال في كذا وكذا وأما رواية عبد الصمد فأخرجها بن جرير في التفسير عن أبي قلابة الرقاشي عن عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي فذكره بلفظ (يأتيها في الدبر) وهو يؤيد قول ابن العربي ويرد قول الحميدي ، وهذا الذي استعمله البخاري نوع من أنواع البديع يسمى الاكتفاء ولا بد له من نكتة يحسن بسببها استعماله –أقول : نكتة البخاري الحسنة هي ستر الفضيحة !! – وأما رواية محمد بن يحيى بين سعيد القطان فوصلها الطبراني في الأوسط من طريق أبي بكر الأعين عن محمد بن يحيى المذكور بالسند المذكور إلى بن عمر قال : إنما نزلت على رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } رخصة في إتيان الدبر . قال الطبراني : لم يروه عن عبد الله بن عمر إلا يحيى بن سعيد تفرد به ابنه محمد كذا قال ولم يتفرد به يحيى بن سعيد فقد رواه عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله بن عمر أيضا كما سأذكره بعد وقد روى هذا الحديث عن نافع أيضا جماعة غير من ذكرنا ورواياتهم بذلك ثابتة عند ابن مردويه في تفسيره وفي فوائد الأصبهانيين لأبي الشيخ وتاريخ نيسابور للحاكم وغرائب مالك الدارقطني وغيرها ، وقد عاب الإسماعيلي صنيع البخاري فقال : جميع ما أخرج عن ابن عمر مبهم لا فائدة فيه –أقول : لأمر ما جذع قصير أنفه ! – وقد رويناه عن عبد العزيز يعني الدراوردي عن مالك وعبيد الله بن عمر وابن أبي ذئب ثلاثتهم عن نافع بالتفسير وعن مالك من عدة أوجه اه كلامه ورواية الدراوردي المذكورة قد أخرجها الدارقطني في غرائب مالك من طريقة عن الثلاثة عن نافع نحو رواية بن عون عنه ولفظه ( نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك فنزلت . قال : فقلت : له من دبرها في قبلها ؟ فقال : لا ، إلا في دبرها ) وتابع نافعا على ذلك زيد بن أسلم عن ابن عمر وروايته عند النسائي بإسناد صحيح وتكلم الأزدي في بعض رواته ورد عليه ابن عبد البر فأصاب . قال : ورواية بن عمر لهذا المعنى صحيحة مشهورة من رواية نافع عنه بغير نكير أن يرويها عنه زيد بن أسلم . قلت : وقد رواه عن عبد الله بن عمر أيضا ابنه عبد الله أخرجه النسائي أيضا وسعيد بن يسار وسالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه مثل ما قال نافع وروايتهما عنه عند النسائي وابن جرير ولفظه ( عن عبد الرحمن بن القاسم قلت لمالك : إن ناسا يروون عن سالم : " كذب العبد على أبي " ، فقال مالك : أشهد على زيد ابن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبد الله ابن عمر عن أبيه مثل ما قال نافع ، فقلت له : أن الحارث بن يعقوب يروي عن سعيد بن يسار عن ابن عمر أنه قال : " أف أو يقول ذلك مسلم " فقال مالك : أشهد على ربيعة لأخبرني عن سعيد بن يسار عن بن عمر مثل ما قال نافع ) وأخرجه الدارقطني من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك وقال : هذا محفوظ عن مالك صحيح أه روى الخطيب في الرواة عن مالك من طريق إسرائيل بن روح قال : سألت مالكا عن ذلك فقال ما أنتم قوم عرب هل يكون الحرث الا موضع الزرع وعلى هذه القصة اعتمد المتأخرون من المالكية فلعل مالكا رجع عن قوله الأول أو كان يرى أن العمل على خلاف حديث ابن عمر فلم يعمل به وأن كانت الرواية فيه صحيحة على قاعدته ، ولم ينفرد ابن عمر بسبب هذا النزول فقد أخرج أبو يعلى وابن مردويه وابن جرير والطحاوي من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدرى ( أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه ، وقالوا : نعيرها . فأنزل الله عز وجل هذه الآية ) وعلقه النسائي عن هشام بن سعيد عن زيد وهذا السبب في نزول هذه الآية مشهور وكأن حديث أبي سعيد لم يبلغ ابن عباس وبلغه حديث ابن عمر فوّهمه فيه ، فروى أبو داود من طريق مجاهد عن عباس قال أن ابن عمر وهم والله يغفر له إثما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب فكانوا يأخذون بكثير من فعلهم وكان أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة فأخذ ذلك الأنصار عنهم وكان هذا الحي من قريش يتلذذون بنسائهم مقبلات ومدبرات ومستلقيات فتزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار فذهب يفعل فيها ذلك فامتنعت فسرى أمرهما حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فأنزل الله تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} مقبلات ومدبرات ومستلقيات في الفرج أخرجه أحمد والترمذي من وجه آخر صحيح عن ابن عباس قال : جاء عمر فقال : يا رسول الله ، هلكت حولت رحلي البارحة فأنزلت هذه الآية {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أقبل وأدبر واتقى الدبر والحيضة وهذا الذي حمل عليه الآية موافق لحديث جابر المذكور في الباب في سبب نزول الآية كما سأذكره عند الكلام عليه وروى الربيع في الأم عن الشافعي قال احتملت الآية معنيين أحدهما أن تؤتى المرأة حيث شاء زوجها لأن أتى بمعنى أين شئتم واحتملت أن يراد بالحرث موضع النبات والموضع الذي يراد به الولد هو الفرج دون ما سواه قال فاختلف أصحابنا في ذلك وأحسب أن كلا من الفريقين تأول ما وصفت من احتمال الآية قال فطلبنا الدلالة قال فاختلف أصحابنا في ذلك وأحسب أن كلا من الفريقين تأول ما وصفت من احتمال الآية قال فطلبنا الدلالة فوجدنا حديثين أحدهما ثابت وهو حديث خزيمة بن ثابت في التحريم فقوي عنده التحريم . وروى الحاكم في مناقب الشافعي من طريق بن عبد الحكم أنه حكى عن الشافعي مناظرة جرت بينه وبين محمد الحسن في ذلك وأن بن الحسن احتج عليه بان الحرث إنما يكون في الفرج فقال له فيكون ما سوى الفرج محرما فالتزمه فقال أرأيت لو وطئها بين سافيها أو في أعكانها أفي ذلك حرث قال لا قال أفيحرم قال لا قال فكيف تحتج بما لا تقول به قال الحاكم لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم وأما في الجديد فصرح بالتحريم " اه. وقال " وذهب جماعة من أئمة الحديث كالبخارى والذهلي والبزار والنسائي وأبي علي النيسابوري إلى أنه لا يثبت فيه –أي تحريم الدبر- شيء . قلت لكن طرقها كثيرة فمجموعها صالح للاحتجاج به ويؤيد القول بالتحريم أنا لو قدمنا أحاديث الإباحة للزم أنه أبيح بعد أن حرم –أقول : هنا مصادرة صريحة - والأصل عدمه فمن الأحاديث الصالحة الإسناد حديث خزيمة بن ثابت أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان وحديث أبي هريرة أخرجه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان أيضا وحديث ابن عباس وقد تقدمت الإشارة إليه وأخرجه الترمذي من وجه آخر بلفظ لا ينظر الله إلى رجل آتي رجلا أو امرأة في الدبر وصححه ابن حبان أيضا –أقول مذ متى يعتد بتصحيح ابن حبان ويترك تضعيف البخاري ومن على شاكلته ؟!- وإذا كان ذلك صلح أن يخصص عموم الآية ويحمل على الإتيان في غير هذا المحل بناء على أن معنى أني حيث وهو المتبادر إلى السياق ويغنى ذلك عن حملها على معنى آخر غير المتبادر والله أعلم " اه ، أقول : قد سبق كلامك أن طرق التحليل صحيحة وهي الأكثر ! وعلى أي حال غرضنا بيان أن حلية وطء الدبر كان واضحا لدى سلف أهل السنة ، وقد أظهر الله عز وجل مكر القوم وخيانتهم للأمانة في هذه المسألة فتأمل كيف تحاشوا التصريح بألفاظ الحديث فبعضهم يموه والبعض يترك بياضا بدل جملة ( في دبرها ) والبعض يدمج كلامه بين طيات الحديث ليوهم القارئ أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والبعض يدلس وكله على حساب الدين ! ولله في خلقه شؤون ! ، وفي المجموع شرح المهذب للنووي ج16ص416 وما بعدها ، قام الشارح برد معظم الروايات التي تدل على حرمة الوطء في الدبر بالضعف لاشتمال سندها على مجاهيل ومهملين ومن طعن فيهم ، وذكر الراويات التي تدل على الحلية ثم أردف : ( وحكى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال : لم يصح عن رسول الله (ص) في تحريمه ولا تحليله شيء والقياس أنه حلال . وقد أخرجه ابن حاتم في مناقب الشافعي وأخرجه الحاكم في مناقب الشافعي عن الأم عنه وكذلك الطحاوي عن عبد الحكم عن الشافعي وروى الحاكم عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال : سألني محمد بن الحسن فقلت له : إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم –أقول: يدل على أن الروايات لا تصح-، وإن تكلمت بالمناصفة كلمتك على المناصفة ، قلت : فبأي شيء حرمته قال : بقوله تعالى {فَأْتوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} ، قال {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} والحرث لا يكون إلا في الفرج . قلت: أفيكون ذلك حراما لما سواه ؟ ، قال : نعم . قلت : فما تكون لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أو تحت إبطيها أو أخذت ذكره بيدها أفي ذلك حرث ؟ قال : لا . قلت : فيحرم ذلك ؟ قال : لا . قلت : فلم تحتج بما لا حجة فيه ؟! قال : قال الله تعالى {والَّذينَ هُمْ لِفُروجِهِمْ حافِظونَ} قال : قلت له : هذا ما تحتجون به للجواز إن الله أثنى على من حفظ فرجه عن غير زوجته أو ما ملكت يمينه فقلت له : أنت تتحفظ من زوجتك و من ما ملكت يمينك ! ) ، ثم ذكر الشارح أن هناك من كذّب هذا الخبر عن الشافعي وضعف راوي الخبر وهو ابن عبد الحكم فقال الشارح : (وتعقب الحافظ ابن حجر في التلخيص هذا–أي التكذيب- فقال : ( لا معنى لهذا التكذيب فإن ابن عبد الحكم لم يتفرد بذلك بل قد تابعه عليه عبد الرحمن بن عبد الله أخوه عن الشافعي ) ثم قال : ( أنه لا خلاف في ثقة ابن عبد الحكم وأمانته وقد روي الجواز أيضا عن مالك ) وحُكي أن مالكا سُئل عن ذلك فقال : الآن اغتسلت منه ) ، وفي الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي ج9ص317 ط مكتبة دار الباز : ( قال الشافعي رحمه الله : ذهب بعض أصحابنا في إتيان النساء في أدبارهن إلى إحلاله وآخرون إلى تحريمه ) ، ( وحكي عن نافع وابن أبي مليكة وزيد بن أسلم أنه مباح ، ورواه نافع عن ابن عمر واختلفت الرواية فيه عن مالك فرواه أهل المغرب أنه أباحه في كتاب السِّيرة . وقال أبو مصعب سألته عنه فأباحه . وقال ابن القاسم قال مالك : ما أدركت أحدا اقتدي به في ديني يشك في أنه حلال ، وأنكر أهل العراق ذلك عنه ) ، وفي تفسير القاسمي المسمى بمحاسن التأويل لعلامة الشام محمد جمال الدين القاسمي ج3 تفسير الآية ط الحلبي : ( وثمت روايات أخر تدل على أن هذه الآية إنما نزلت رخصة في إتيان النساء في أدبارهن . قال الطحاوي : روى أصبغ بن نباته عن عبد الرحمن بن القاسم قال : ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك أنه حلال ( يعني وطء المرأة في دبرها ) ثم قرأ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ثم قال : فأي شيء أبين من هذا ؟ هذه حكاية الطحاوي نقلها ابن كثير . وقال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي : قال ابن القاسم : ولم أدرك أحدا أقتدي به في ديني يشك فيه . والمدنيون يروون في الرخصة عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم . يشير بذلك إلى ما روي عن ابن عمر وأبي سعيد . أما حديث ابن عمر فله طرق . رواه عنه نافع ، وعبيد الله بن عمر بن عبد الله بن عمر ، وزيد بن أسلم ، وسعيد بن يسار ، وغيرهم . أما نافع فاشتهر عنه من طرقٍ كثيرة جدا ، منها رواية مالك ، وأيوب ، وعبيد الله بن عمر العمري ، وابن أبي ذئب ، وعبد الله بن عون ، وهشام بن سعد ، وعمر بن محمد بن زيد ، وعبد الله بن نافع ، وأبان بن صالح ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة . قال الدارقطني ، في أحاديث مالك التي رواها خارج ( الموطأ ) : نا أبو جعفر الأسواني المالكي بمصر ثنا محمد بن أحمد بن حماد نا أبو الحرث أحمد بن سعيد الفهري نا أبو ثابت محمد بن عبيد الله حدثنا الداودي ع عبيد الله بن عمر ابن حفص عن نافع قال : قال لي ابن عمر : أمسك عليّ المصحف يا نافع . فقرأ حتى أتى على هذه الآية {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ …} فقال : تدري يا نافع فيمن أنزلت هذه الآية ؟ قال قلت : لا ؟ قال ، فقال لي : في رجلٍ من الأنصار أصاب امرأته في دبرها ، فأعظم الناس ذلك ، فأنزل الله تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قال نافع : فقلت لابن عمر : من دبرها في قبلها ؟ قال : لا . إلا في دبرها . قال أبو ثابت : وحدثني به الداوردي عن مالك وابن أبي ذئب . وفيهما عن نافع مثله . وفي تفسير البقرة من صحيح البخاري : نا إسحاق أنا النضر أنا ابن عون عن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه . فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكانٍ. فقال : تدري فيما أنزلت ؟ فقلت : لا ! قال : نزلت في كذا وكذا . ثم مضى . وعن عبد الصمد حدثني أبي –يعني عبد الوارث-حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمر في قوله تعالى (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ( قال : يأتيها في ( … ) قال : ورواه محمد بن يحيى بن سعيد عن أبيه عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر هكذا وقع عنده . والرواية الأولى –في تفسير إسحاق بن راهويه- مثل ما ساق ، لكن عيّن الآية وهي (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ( وعيّن قوله كذا وكذا . فقال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن . وكذا رواه الطبري من طريق ابن علية عن ابن عون . وأما رواية عبد الصمد فهي في تفسير إسحاق أيضا عنه ، وقال فيه : يأتيها في الدبر . وأما رواية محمد فقد أخرجها الطبراني في ( الأوسط ) عن عليّ بن سعيد عن أبي بكر الأعين عن محمد بن يحيى بن سعيد بلفظ : إنما أنزلت {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} رخصة في إتيان الدبر . وأخرجه الحاكم في ( تاريخه ) من طريق عيسى بن مثرود عن عبد الرحمن بن القاسم ومن طريق سهل بن عمار عن عبد الله بن نافع . ورواه الدارقطني في ( غرائب مالك ) من طريق زكريا الساجي عن محمد بن الحرث المدلي عن أبي مصعب . ورواه الخطيب في ( الرواة ) عن مالك من طريق أحمد بن الحكم العبدي . ورواه أبو إسحاق الثعلبي في (تفسيره) والدارقطني –أيضا- من طريق إسحاق بن محمد الغروي . ورواه أبو نعيم في ( تاريخ أصبهان ) من طريق محمد بن صدقة الفدكيّ ، كلهم عن مالك . وقال الدارقطني : هذا ثابت عن مالك . و أما زيد بن أسلم : فروى النسائي والطبري من طريق أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عنه عن ابن عمر : أن رجلا أتي امرأته في دبرها على عهد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فوجد من ذلك وجدا شديدا ، فأنزل الله عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } الآية . وأما عبيد الله بن عبد الله بن عمر : فروى النسائي من طريق زيد بن رومان عنه : أنّ ابن عمر كان لا يرى به بأسا . موقوف . وأما سعيد بن يسار : فروى النسائي والطحاوي والطبري من طريق عبد الرحمن بن القاسم قال : قلت لمالك : إن عندنا بمصر الليث بن سعيد يحدث عن الرحث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال : قلت لابن عمر : إنا نشتري الجواري فنحمض لهن ( والتحميض : الإتيان في الدبر ) فقال : أفٍّ ! أوَ يفعل هذا مسلم ؟ قال ابن القاسم : فقال لي مالك : أشهد على ربيعة لحدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عنه فقال : لا بأس به . وأما حديث أبي سعيد : فرى أبو يعلى وابن مردويه في ( تفسيره ) والطبري والطحاوي من طرق : عن عبد الله بن نافع ، عن هذام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري : أن رجلا أصاب امرأة في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا : أثفرها ! فأنزل الله عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. ورواه أسامة بن أحمد التجيبي من طريق يحيى بن أيوب بن هاشم بن سعد ، وبلفظه : كنا نأتي النساء في أدبارهن و يسمى ذلك الإثفار ، فأنزل الله الآية . ورواه من طريق معن بن عيسى عن هشام –ولم يسم أبا سعيد- قال : كان رجال الأنصار … . هذا ، وقد روى في تحريم ذلك آثار كثيرة نقلها الحافظ ابن كثير في ( تفسيره ) ، وابن حجر في تخريج الرافعي . وكلها معلولة .-أقول : ومع ذلك يعتمد عليها ابن حجر ويترك الصحيح المستفيض !!_ ولذا قال البزار : لا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا ، لا في الحظر ولا في الإطلاق ، وكل ما روي فيه عن خزيمة بن ثابت من طريق فيه ، فغير صحيح . وكذا روى الحاكم عن الحافظ أبي علي النيسابوري ، ومثله عن النسائي ، وقاله قبلهما البخاري . وحكي ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال : لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم في تحريمه ولا تحليله شيءٌ . والقياس أنه حلال . وقال ابن رشد في كتاب ( البيان والتحصيل في شرح العتبية ) روى العتبي عن اتبن القاسم عن مالك أنه قال له –وقد سأله عن ذلك مخليا به – فقال : حلال ليس به بأس . وأخرج الحاكم عن محمد بن عبد الحكم قال : قال الشافعي كلاما كلم به محمد بن الحسن في مسألة إتيان المرأة في دبرها –فذكر الخبر السابق ، ثم ذكر رجوع الشافعي إلى الحرمة تعويلا على حديث خزيمة - وحديث خزيمة رواه الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان وأبو نعيم بالسند إلى خزيمة بن ثابت : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال : حلال . فلما ولّى الرجل دعاه – أو أمر به فدُعي – فقال : كيف قلت ؟ في أيّ الخرزتين ؟ أمن دبرها في قبلها ؟ فنعم ! أمْ من دبرها في دبرها فلا ! إن الله لا يستحي من الحق . لا تأتوا النساء في أدبارهن . – أقول : لا أدري كيف سأل الرجل (في دبرها) فغُفل وأخذ الحكم ومن ثم تدورك الخطأ وقيل له (من دبرها أم في دبرها ) !؟ وهل هذا إلا فتح باب السهو في بيان الحكم الشرعي من النبي ؟!؟ - قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير : وفي إسناده عمرو بن أحيحة . وهو مجهول الحال . واختلف في إسناده اختلافا كثيرا . ثم قال الحافظ : وقد قال الشافعي :غلط ابن عيينة في إسناد حديث خزيمة –يعني حين رواه- . وتقدم قول البزار : وكل ما روي فيه عن خزيمة بن ثابت ، من طريق فيه ، فغير صحيح . وقال الرازي في (تفسيره) : ذهب أكثر العلماء إلى أن المراد من الآية : أنّ الرجل مخيّرٌ بين أن يأتيها من قبلها في قبلها ، وبين أن يأتيها من دبرها في قبلها . فقوله (أَنّى شِئْتُمْ(. محمول على ذلك . ونقل نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : المراد من الآية تجويز إتيان النساء في أدبارهن . وهذا قول مالك . واختيار السيد المرتضى من الشيعة . والمرتضى رواه عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه . وبالجملة فهذا المقام من معارك الرجال ومجاول الأبطال . وقد استفيد مما أسلفناه : أن من جوز ذلك وقف مع لفظ الآية . فإنه تعالى جعل الحرث اسما للمرأة . قال بعض المفسيرين : إن العرب تسمي النساء حرثا . قال الشاعر : (إذا أكل الجراد حرث قوم ، فحرثي همه أكل الجراد ) يريد : امرأتي . قال آخر : ( إنما الأرحام أرضٌ ، ولنا محترثات ) ( فقلبنا الزرع فيها ، وعلى الله النبات.. ! )وحينئذ ففي قوله تعالى : {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} إطلاق في إتيانهن على جميع الوجوه ، فيدخل فيه محل النزاع . واعتمد أيضا من سبب النزول ما رواه البخاري عن ابن عمر كما تقدم . وقال في رواية جابر المروية في (الصحيح) المتقدمة : إن ورود العام على سبب لا يقصره عليه . وأجاب عن توهيم ابن عباس لابن عمر رضي الله عنهم المروي في ( سنن أبي داود ) بأن سنده ليس على شرط البخاري فلا يعارضه ، فيقدم الأصح سندا ، ونظر إلى أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في هذا الباب حديث . قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) : ذهب جماعة من أئمة الحديث –كالبخاري والذهلي والبزار والنسائي وأبي علي النيسابوري –إلى أنه لا يثبت فيه شيء . وأما من منع ذلك : فتأول الآيات المتقدمة على صمام واحد . نظر إلى أن الأحاديث المرويّ’ –من طرق متعددة- بالزجر عن تعاطيه ، وإن لم تكن شرط الشيخين في الصحة ، إلا أن مجموعها صالحٌ للاحتجاج به " اه . أقول : يقدم الضعيف القليل على الصحيح المستفيض ، هكذا حالهم دائما عند ضيق الخناق ! ، وقال أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن ج1ص173 الحلبي : ( اختلف العلماء في جواز نكاح المرأة في دبرها ، فجوزه طائفة كبيرة ، وقد جمع ذلك ابن شعبان في كتاب جماع النسوان وأحكام القرآن وأسند جوازه إلى زمرة كريمة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة ، وقد ذكر البخاري عن ابن عون عن نافع قال : كان ابن عمر رضي الله عنه إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه ، فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكانٍ. فقال : أتدري فيما أنزلت ؟ فقلت : لا ! قال : نزلت في كذا وكذا . ثم مضى . ثم أتبعه بحديث أيوب عن نافع عن ابن عمر : {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قال : يأتيها في ( … ) ولم يذكر بعده شيئا ) ، وعنون الراغب الأصفهاني في كتابه محاضرات الأدباء ج2ص267 فرعا بعنوان ( الرخصة في إتيان المرأة في دبرها ) فقال : ( استدل مالك في ذلك بقوله تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} وقالت عائشة رضي الله عنها : إذا حاضت المرأة حرم الجحران ، فدل على أنهما كانا حلالا قبل الحيض) .
وفي النهاية لا بأس بذكر ما صادفناه في كتب أهل السنة مما يرفع به الملل والضجر ، نحو ما نقله العلامة السيوطي في دره المنثور ج1ص256: ( وأخرج ابن جرير عن ابن أبى مليكة أنه سئل عن إتيان المرأة في دبرها فقال : قد أردته من جارية لي البارحة ، فاعتاصت عليّ ، فاستعنت بدهن !! ) ، وجزم الإمام العز بن عبد السلام بتجويز ابن أبي مليكة إتيان النساء في أدبارهن فقال في تفسيره ج1ص215 : ( وبه قال ابن أبي مليكة ). ومن الدر نفسه : ( وأخرج الخطيب في رواة مالك عن أبى سليمان الجوزجانى قال : سألت مالك بن أنس عن وطئ الحلائل في الدبر ، فقال لي : الساعة غسلت رأسي منه ! ) ، وفي تهذيب الكمال ج26ص101 رقم 5462 : ( محمد بن عجلان القرشي أبو عبد الله المدني . كان عابدا ناسكا فقيها وكان له حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وكان يفتي . قال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه ثقة ، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه سمعت بن عيينة يقول حدثنا محمد بن عجلان وكان ثقة ، وقال عبد الله بن أحمد أيضا سألت أبي عن محمد بن عجلان وموسى بن عقبة أيهما أعجب إليك فقال جميعا ثقة وما أقربهما كان ابن عيينة يثني على محمد بن عجلان وقال إسحاق عن يحيى بن معين ثقة وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل قيل ليحيى بن معين من تقدم داود بن قيس أو محمد بن عجلان قال محمد وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين محمد بن عجلان ثقة أوثق من محمد بن عمرو بن علقمة ما يشك في هذا أحد . وكان ثقة كثير الحديث ، وقال أبو سعيد بن يونس قدم مصر وصار إلى الإسكندرية فتزوج بها امرأة من أهلها فأتاها في دبرها فشكته إلى أهلها فشاع ذلك ، فصاح به أهل الإسكندرية فخرج منها ) ، أقول : هكذا العلماء وإلا فلا ! ، وفي كتاب محاضرات الأدباء ج2ص268 ط دار مكتبة الحياة : ( رفعت امرأة قصة إلى القاضي تدعي أن زوجها يأتيها في دبرها ، فسأله فقال : نعم ! (…) في دبرها ، وهو مذهبي ومذهب مالك ! فخجل القاضي ). وقد ذكر الراغب الأصفهاني في نفس الصفحة أبيات شعر لهمام القاضي يروم وطأ امرأة في دبرها على مذهب الإمام مالك فنظم لها رغبته على القافية ! : (
ومذعورةٍ جاءت على غير موعد تقنّصتها والنجم قد كاد يطلعُ ، فقلت لها لما استمرّ حديثها ونفسي إلى أشياء منها تطلعُ ، أبيني لنا هل تؤمنينَ بمالكٍ ؟ فإني بحبِّ المالكية مولع ، فقالت : نعم إني أدينُ بدينهِ ومذهبُه عدلٌ لديّ ومقنعُ ، فبتنا إلى الإصباح ندعو لمالكٍ ونؤثر فتياهُ احتساباً ونتبعُ ) اه. أقول : كل هذا يدل على أن مذهب مالك كان مشهورا معروفا حتى عرفته مجان الشعراء وصارت تنظمه وتتغزل به !(48/35)
[42]
أو نقول إن أهل السنة لا يجيزون نكاح الرضيعة أو الرضيع لأن ابن شبرمة وأبا بكر الأصم قالا بعدم جواز ذلك مخالفين به كل علماء أهل السنة !(1)
__________
(1) 43] قال السرخسي في المبسوط ج4ص212-214: ( باب نكاح الصغير والصغيرة : وبلغنا عن رسول الله أنه تزوج عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة بنت ستة سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين وكانت عنده تسعا ففي الحديث دليل على جواز نكاح الصغير والصغيرة بتزويج الآباء بخلاف ما يقوله ابن شبرمة وأبو بكر الأصم رحمهم الله تعالى أنه لا يزوج الصغير والصغيرة حتى يبلغا –إلى قوله- ثم حديث عائشة رضي الله عنها نص فيه وكذلك سائر ما ذكرنا من الآثار فإن قدامة بن مظعون تزوج بنت الزبير رضي الله عنه يوم ولدت وقال إن مت فهي خير ورثتي وإن عشت فهي بنت الزبير وزوج ابن عمر رضي الله عنه بنتا له صغيرة من عروة بن الزبير رضي الله عنه وزوج عروة بن الزبير رضي الله عنه بنت أخيه ابن أخته وهما صغيران ووهب رجل ابنته الصغيرة من عبد الله بن الحسن فأجاز ذلك علي رضي الله عنه وزوجت امرأة ابن مسعود رضي الله عنه بنتا لها صغيرة ابنا للمسيب بن نخبة فأجاز ذلك عبد الله (رض) ولكن أبو بكر الأصم رحمه الله تعالى كان أصم لم يسمع هذه الأحاديث –إلى قوله- وفيه دليل أن الصغيرة يجوز أن تزف إلى زوجها إذا كانت صالحة للرجال فإنها –أي عائشة- زفت إليه وهي بنت تسع سنين فكانت صغيرة في الظاهر وجاء في الحديث أنهم سمّنوها فلما سمنت زفت إلى رسول الله (!) قال : وبلغنا عن إبراهيم أنه كان يقول إذا أنكح الوالد الصغير أو الصغيرة فذلك جائز عليهما وكذلك سائر الأولياء ، وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله تعالى فقالوا يجوز لغير الأب والجد من الأولياء تزويج الصغير والصغيرة وعلى قول مالك رحمه الله تعالى ليس لأحد سوى الأب تزويج الصغير والصغيرة وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى ليس لغير الأب والجد تزويج الصغير والصغيرة فمالك يقول القياس أن لا يجوز تزويجهما إلا أنا تركنا ذلك في حق الأب للآثار المروية فيه ).
قال البهوتي في كشاف القناع ج5ص452-453 : ( ولو كان لامرأته ثلاث بنات من غيره فأرضعن ثلاث نسوة له صغارا فأرضعت كل واحدة من بنات الزوجة واحدة من زوجاته الصغار إرضاعا كاملا أي خمس رضعات ولم يدخل بالكبرى حرمت عليه لأنها من جدات النساء ولم ينفسخ نكاح الصغار لأنهن لسن أخوات إنما هن بنات خالات ، ولا يحرم الجمع بين بنات الخالات ولا يحرمن بكونهن ربائب لأن الربيبة لا تحرم إلا بالدخول بأمها أو جدتها ولم يحصل ، ولا ينفسخ نكاح من كمل رضاعها أولا لما ذكرنا وإن كان دخل بالأم حرم الصغائر أبدا أيضا لأنهن ربائب دخل بجدتهن ، وإن أرضعن أي بنات زوجته واحدة من زوجاته الصغار أرضعتها كل واحدة منهن رضعتين اثنتين حرمت الكبرى صححه في المبدع وغيره لأنها صارت جدة بكون الصغيرة قد كمل لها خمس رضعات من بناتها وقيل لا تحرم الكبيرة اختاره الموفق والشارح وصححه في الإنصاف –إلى قوله- وإن كان زوج الصغيرة ما دخل بالكبيرة بقي نكاح الصغيرة لأنها ربيبة لم يدخل بأمها وإن طلق صغيرة فأرضعتها امرأة له حرمت المرضعة لأنها صارت من أمهات نسائه فإن كان لم يدخل بها أي الكبيرة فلا مهر لها لمجيء الفرقة من قبلها وله نكاح الصغيرة لأنها ربيبة غير مدخول بأمها . -قال- ولو تزوج رجل امرأة كبيرة وتزوج آخر طفلة صغيرة ثم طلقاهما ونكح كل واحد منهما زوجة الآخر ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة عليهما -أقول واضح أن الصغيرة يجب أن يكون عمرها أقل من سنتين- لأنها صارت من أمهات نسائهما وإن كان زوج الصغيرة دخل بالكبيرة حرمت عليه الصغيرة لأنها ربيبة مدخول بأمها ).
أقول : ويحكم هنا بجواز نكاح الصبي الذي عمره أقل من سنتين للمرأة الكبيرة في ضمن ذكره لحكم إرضاعها له ، قال في نفس الصفحة السابقة : ( وإذا طلق امرأته ولها منه لبن فتزوجت بصبي دون الحولين فأرضعته بلبنه خمس رضعات انفسخ نكاحها من الصبي وحرمت عليه أبدا –ثم قال- ولو تزوجت الصبي أولا ثم فسخت نكاحها لمقتض كعيب أو فقد نفقة أو إعسار بمقدم صداق ثم تزوجت كبيرا فصار لها منه لبن فأرضعت به الصبي حرمت عليهما أبدا على الكبير لأنها صارت من حلائل أبنائه وعلى الصغير لأنها صارت أمه . قال في المستوعب وهي مسألة عجيبة لأنه تحريم طرأ لرضاع أجنبي ، قال في المستوعب : وكذلك لو زوج أمته لعبد له يرضع –ثم قال- ولو زوج رجل أم ولده أو أمته بصبي مملوك فأرضعته بلبن سيدها حرمت عليهما أما المملوك فلأنها صارت أمه وأما السيد فلأنها من حلائل أبنائه ولا يتصور هذا أي تزوج أم الولد أو الأمة لصبي إن كان الصبي حرا لأن من شرط نكاح الحر الأمة خوف العنت ولا يوجد ذلك أي خوف العنت في الطفل وفيه تلويح بالرد على صاحب الرعاية ، ورُدّ بأنه غير مسلم لأن الشرط خوف عنت العزوبة لحاجة متعة أو خدمة والطفل قد يحتاج للخدمة فيتصور كما في المنتهى وغيره فإن تزوج بها الطفل لغير حاجة خدمة كان النكاح فاسدا وإن أرضعته لم تحرم على سيدها لأنها ليست من حلائل أبنائه لفساد النكاح وإن تزوجها لحاجة خدمة صح النكاح وإن أرضعته حرمت عليهما ).
وقال في ص455 ( وإذا أرضعت زوجته الأمة امرأته الصغيرة رضاعا محرما فحرمتها عليه بأن كان دخل بالأمة كان ما لزمه من صداق الصغيرة وهو نصفه له في رقبة الأمة لأن ذلك من جنايتها وإن أرضعتها أي زوجته الصغيرة أم ولده حرمتا عليه أبدا أما الزوجة فلأنها صارت بنته أو ربيبته وأما أم الولد فلأنها من أمهات نسائه وعليه نصف مهر الصغيرة ولا غرامة عليها أي على أم الولد لأنها أفسدت على سيدها ولا يجب له عليها غرم ويرجع على مكاتبته إن كانت هي المفسدة لنكاح الزوجة الصغيرة لأنه يلزمها أرش جنايتها ) .
أقول : لا ريب أن الرضاع المقصود به هنا هو ما كان ناشرا للحرمة أي ما كان عمر الزوجة الصغيرة فيه أقل من سنتين ، وكشاهد عليه قوله في ج5ص456 ( وإن شكت المرضعة في الرضاع أو كما له في الحولين ولا بينة فلا تحريم وإن شهد به أي الرضاع امرأة واحدة مرضية على فعلها بأن شهدت أنها أرضعته خمسا في الحولين أو شهدت امرأة مرضية على فعل غيرها بأن شهدت أن فلانة أرضعته خمسا في الحولين أو شهد بذلك رجل واحد ثبت الرضاع بذلك ولا يمين على المشهود له ولا على الشاهدة ) .
وقال في ج5ص524 : ( وإذا تزوج امرأة كبيرة ذات لبن من غيره زوجا كان أو غيره ، ولم يدخل الثاني بها وتزوج بثلاث صغائر دون الحولين –عمرهن أقل من سنتين- ، فأرضعت الكبيرة إحداهن حرمت الكبيرة أبدا لأنها صارت من أمهات نسائه . وبقي نكاح الصغيرة لأنها ربيبة لم يدخل بأمها وفارق ما لو ابتدأ العقد عليهما ، لان الدوام أقوى من الابتداء . فإن أرضعت الكبيرة اثنتين من الصغائر منفردتين أو معا انفسخ نكاحهما …الخ ).
قال ابن عابدين الحنفي في حاشيته ج3ص219 : ( قوله " ولو أرضعت الكبيرة ولو المبانة ضرتها الصغيرة " أي التي في مدة الرضاع ولا يشترط قيام نكاح الصغيرة وقت إرضاعها بل وجوده فيما مضى كاف لما في البدائع لو تزوج صغيرة فطلقها ثم تزوج كبيرة لها لبن فأرضعتها حرمت عليه لأنها صارت أم منكوحة كانت له فتحرم بنكاح البنت –إلى قوله- وفي الخانية لو زوج أم ولده بعبده الصغير فأرضعته بلبن السيد حرمت على زوجها وعلى مولاها لأن العبد صار ابنا للمولى فحرمت عليه لأنها كانت موطوءة أبيه وعلى المولى لأنها امرأة ابنه . قوله "وكذا لو أوجره" أي لبن الكبيرة "رجل في فيها" أي الصغيرة ) .
قال أبو المناقب الزنجاني في تخريج الفروع على الأصول ج1ص192-193 : ( اختلف العلماء في مورد عقد النكاح ما هو فذهب الشافعي إلى أن مورده المنافع أعني منافع البضع واحتج في ذلك بأمرين … وذهب أبو حنيفة إلى أن مورده العين الموصوفة بالحل وحكمه ملك العين واحتج في ذلك بأمور أربعة أحدها … وثانيها : أنه لو كان المعقود عليه المنافع لما صح نكاح الطفلة الرضيعة ).
قال النووي في روضة الطالبين ج5ص315 : ( ولا يشترط حصول المنفعة والفائدة في الحال بل يجوز وقف العبد والجحش الصغيرين والزمن الذي يرجى زوال زمانته . كما يجوز نكاح الرضيعة ) .
وقال أيضا في ج5ص459 : ( قال ابن الحداد : فلو قال لها : أنت طالق ثلاثا ، فله في الحال نكاح أختها ، لحصول البينونة ، وكذا الحكم لو ارتدت فخالعها في الردة . ولو كان تحته صغيرة ، وكبيرة مدخول بها ، فارتدت الكبيرة ، وأرضعت أمها في عدتها الصغيرة ، وقف نكاح الصغيرة ) ، أقول : ولا يخفى أن الصغيرة في هذه الموارد يقصد بها الرضيعة التي يكون إرضاعها ناشرا للحرمة أي من لم تمض من عمرها سنتان .
وفي ج6ص425 : ( ولو كان تحته صغيرة وله خمس مستولدات ، فأرضعتها كل واحدة رضعة بلبنه لم ينفسخ نكاح الصغيرة على الوجه الأول ، وينفسخ على الثاني ، وهو الأصح ، ولا غرم عليهن ، لأنه لا يثبت له دين على مملوكه ، ولو أرضع نسوته الثلاث ومستولدتاه زوجته الصغيرة فانفساخ نكاح الصغيرة على الوجهين ، وأما غرامة مهرها ، فإن أرضعن مرتبا ، فالانفساخ يتعلق بإرضاع الاخيرة فإن كانت مستولدة ، فلا شئ عليها ، وإن كانت زوجة ، فعليها الغرم ) .
وفي ج6ص434 : ( فرع تحته صغيرة وكبيرة ، فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة انفسخ نكاح الصغيرة قطعا والكبيرة أيضا على الأظهر . ولو أرضعتها جدة الكبيرة أو أختها أو بنت أختها فكذلك . ويجوز في الصور أن ينكح واحدة منهما بعد ذلك ولا يجمعهما . ولو أرضعتها بنت الكبيرة ، فحكم الانفساخ كما ذكرنا ، وتحرم الكبيرة على التأبيد وكذا الصغيرة إن كانت الكبيرة مدخولا بها لكونها ربيبته ، وحكم مهر الصغيرة على الزوج ، والغرم على المرضعة كما سبق ).
وهنا يذكر النووي حكم الزوج الرضيع -من لم يمض من عمره سنتان- إن أرضعته زوجته البالغة بلبنها ، قال في ج6ص436 : ( وكذا لو أرضعت المطلقة الصغير الذي نكحته بغير لبن الزوج ، انفسخ النكاح ، ولا تحرم هي على المطلق . ولو كان تحته صغيرة ، فأرضعتها أمة له قد وطئها بلبن غيره ، بطل نكاح الصغيرة ، وحرمتا أبدا . ولو كان تحت زيد كبيرة ، وتحت عمرو صغيرة ، فطلق كل واحد زوجته ونكح زوجة الآخر ، ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة واللبن لغيرهما ، حرمت الكبيرة عليهما أبدا ، لأنها أم زوجتهما ، فإن كانا دخلا بالكبيرة ، حرمت الصغيرة عليهما أبدا وإلا ، فلا تحرم عليهما ، ولا ينفسخ نكاحها …إلخ ) .
قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن ج2ص344 : ( ويدل عليه ما روى محمد بن إسحاق قال أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن حزم وعبد الله بن الحارث ومن لا أتهم عن عبد الله بن شداد قال كان زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة ابنها سلمة فزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت حمزة وهما صبيان صغيران فلم يجتمعا حتى ماتا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل جزيت سلمة بتزويجه إياي أمه وفيه الدلالة على ما ذكرنا من وجهين أحدهما أنه زوجهما وليس بأب ولا جد فدل على أن تزويج غير الأب والجد جائز للصغيرين والثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فعل ذلك وقد قال الله تعالى فاتبعوه فعلينا اتباعه فيدل على أن للقاضي تزويج الصغيرين –إلى قوله- ولما ثبت بما ذكرنا من دلالة الآية جواز تزويج ولي الصغيرة إياها من نفسه دل على أن لولي الكبيرة أن يزوجها من نفسه برضاها ويدل أيضا على أن العاقد للزوج والمرأة يجوز أن يكون واحدا بأن يكون وكيلا لهما كما جاز لولي الصغيرة أن يزوجها من نفسه فيكون الموجب للنكاح والقابل له واحدا ويدل أيضا على أنه إذا كان وليا لصغيرين جاز له أن يزوج أحدهما من صاحبه فالآية دالة من هذه الوجوه على بطلان مذهب الشافعي في قوله إن الصغيرة. ).
قال ابن قدامة في المغني ج7ص32 : ( وقال الحسن وعمر بن عبد العزيز وعطاء وطاوس وقتادة وابن شبرمة والأوزاعي وأبو حنيفة لغير الأب تزويج الصغيرة ولها الخيار إذا بلغت وقال هؤلاء غير أبي حنيفة إذا زوج الصغيرين غير الأب فلهما الخيار إذا بلغا ).
وقال في ج9ص210 : ( ولو تزوج كبيرة وصغيرة ولم يدخل بالكبيرة حتى أرضعت الصغيرة في الحولين حرمت عليه الكبيرة وثبت نكاح الصغيرة ، وان كان دخل بالكبيرة حرمتا عليه جميعا ويرجع بنصف مهر الصغيرة على الكبيرة نص أحمد على هذا كله ).
وقال في ج9ص214 : ( وان أرضعت بنت الكبيرة الصغيرة ، فالحكم في التحريم والفسخ حكم ما لو أرضعتها الكبيرة لأنها صارت جدتها ، والرجوع بالصداق على المرضعة التي أفسدت النكاح ، وان أرضعتها أم الكبيرة انفسخ نكاحهما معا لأنهما صارتا أختين فان كان لم يدخل بالكبيرة فله أن ينكح من شاء منهما …الخ ).
قال عبد الرحمن بن قدامة في الشرح الكبير ج9ص206-207 : ( قال الشيخ رحمه الله : إذا تزوج كبيرة لم يدخل بها وثلاث صغائر فأرضعت الكبيرة إحداهن في الحولين حرمت الكبيرة على التأبيد وثبت نكاح الصغيرة وعنه ينفسخ نكاحهما .اه إذا تزوج كبيرة وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة قبل دخوله بها فسد نكاح الكبيرة في الحال وحرمت على التأبيد وبه قال الثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال الأوزاعي : نكاح الكبيرة ثابت وتنزع منه الصغيرة . ولا يصح ذلك فان الكبيرة صارت من أمهات النساء فتحرم أبدا لقول الله {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}(النساء/23). ولم يشترط دخوله بها فأما الصغيرة ففيها روايتان ( إحداهما ) نكاحها ثابت لأنها ربيبة ولم يدخل بأمها فلا تحرم لقول الله {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}(النساء/23). ( والرواية الثانية ) ينفسخ نكاحها ، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة لأنهما صارتا إماء وبنتا واجتمعتا في نكاحه والجمع بينهما محرم فانفسخ نكاحهما كما لو صارتا أختين وكما لو عقد عليهما بعد الرضاع عقدا واحدا …الخ ) .
قال ابن حزم في المحلى ج9ص458-460 : ( وللأب أن يزوج ابنته الصغيرة البكر ما لم تبلغ بغير إذنها ولا خيار لها إذا بلغت فإن كانت ثيبا من زوج مات عنها أو طلقها لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها حتى تبلغ ولا إذن لهما قبل أن تبلغ وإذا بلغت البكر والثيب لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها إلا بإذنها فإن وقع فهو مفسوخ أبدا فأما الثيب فتنكح من شاءت وإن كره الأب وأما البكر فلا يجوز لها نكاح إلا باجتماع إذنها وإذن أبيها ، وأما الصغيرة التي لا أب لها فليس لأحد أن ينكحها لا من ضرورة ولا من غير ضرورة حتى تبلغ ولا لأحد أن ينكح مجنونة حتى تفيق وتأذن إلا الأب في التي تبلغ وهي مجنونة فقط . وفي بعض ما ذكرنا خلاف قال ابن شبرمة لا يجوز إنكاح الأب ابنته الصغيرة إلا حتى تبلغ وتأذن ، ورأى أمر عائشة رضي الله عنها خصوصا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كالموهوبة ونكاح أكثر من أربع ، وقال الحسن وإبراهيم النخعي إنكاح الأب ابنته الصغيرة والكبيرة الثيب والبكر وإن كرهتا جائز عليهما –إلى قوله- وقال مالك : أما البكر فلا يستأمرها أبوها بلغت أو لم تبلغ عنست أو لم تعنس وينفذ إنكاحه لها وإن كرهت وكذلك إن دخل بها زوجها إلا أنه لم يطأها فإن بقيت معه سنة وشهدت المشاهد لم يجز للأب أن ينكحها بعد ذلك إلا بإذنها وإن كان زوجها لم يطأها ، قال : وأما الثيب فلا يجوز إنكاح الأب ولا غيره عليها إلا بإذنها قال والجد بخلاف الأب فيما ذكرنا لا يزوج البكر ولا غيرها إلا بإذنها كسائر الأولياء . واختلف قوله في البكر الصغيرة التي لا أب لها فأجاز إنكاح الأخ لها إذا كان نظرا لها في رواية ابن وهب ومنع منه في رواية ابن القاسم . وقال أبو حنيفة وأبو سليمان ينكح الأب الصغيرة ما لم تبلغ بكرا كانت أو ثيبا فإذا بلغت نكحت من شاءت ولا إذن للأب في ذلك إلا كسائر الأولياء ولا يجوز إنكاحه لها إلا بإذنها بكرا كانت أو ثيبا . وقال أبو حنيفة والجد كالأب في كل ذلك . وقال الشافعي يزوج الأب والجد للأب إن كان الأب قد مات البكر الصغيرة ولا إذن لها إذا بلغت وكذلك البكر الكبيرة . قال أبو محمد –ابن حزم- الحجة في إجازة إنكاح الأب ابنته الصغيرة البكر إنكاح أبي بكر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين وهذا أمر مشهور غنينا عن إيراد الإسناد فيه فمن ادعى أنه خصوص لم يلتفت قوله لقول الله عز وجل {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ }(الأحزاب/21) فكل ما فعله عليه الصلاة والسلام فلنا أن نتأسى به فيه إلا أن يأتي نص بأنه له خصوص ) .
وقال ابن المنذر في الإجماع ج2ص74 : ( وأجمعوا أن نكاح الأب ابنته الصغيرة البكر جائز إذا زوجها من كفء . وأجمعوا أن نكاح الأب ابنه الصغير جائز ).(48/36)
[43]
أو نلزمهم برأي شاذ وافق به بعضهم الشيعة في عدم جواز وطء الزوجة الصغيرة ومجامعتها قبل أن تتم تسع سنين ، فننسب هذا الرأي لجميع أهل السنة مع أن جمهور علماء أهل السنة يجيزون وطء ومجامعة الصغيرة حتى وإن كان عمرها سنة واحدة شرط أن تطيق الجماع كأن تكون سمينة جسيمة ممتلئة باللحم (1)
__________
(1) 44] قال ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق ج3ص128 : ( واختلفوا في وقت الدخول بالصغيرة فقيل لا يدخل بها ما لم تبلغ ، وقيل يدخل بها إذا بلغت تسع سنين ، وقيل إن كانت سمينة جسيمة تطيق الجماع يدخل بها وإلا فلا ).
وأيضا في ج3ص163 : ( ومنه -أي من موانع الجماع- صغرها بحيث لا تطيق الجماع وليس له أن يدخل بها قبل أن تطيقه ، وقُدّر بالبلوغ ، وقيل بالتسع ، والأولى عدم التقدير كما قدمناه فلو قال الزوج تطيقه وأراد الدخول وأنكر الأب فالقاضي يريها النساء ولم يعتبر السن كذا في الخلاصة ).
وقال السرخسي في المبسوط ج4ص213 : ( وفيه دليل أن الصغيرة يجوز أن تزف إلى زوجها إذا كانت صالحة للرجال فإنها –أي عائشة- زفت إليه وهي بنت تسع سنين فكانت صغيرة في الظاهر وجاء في الحديث أنهم سمّنوها فلما سمنت زفت إلى رسول الله ).
وقال ابن عابدين الحنفي في حاشيته ج3ص574 : ( قوله : تطيق الوطء . أي منه أو من غيره كما يفيد كلام الفتح وأشار إلى ما في الزيلعي من تصحيح عدم تقديره بالسن فإن السمينة الضخمة تحتمل الجماع ولو صغيرة السن . قوله : أو تشتهي للوطء . فيما دون الفرج –كالتفخيذ والضم والتقبيل- لأن الظاهر أن من كانت كذلك فهي مطيقة للجماع في الجملة وإن لم تطقه من خصوص زوج مثلا ).
وكذا في ج3ص204: ( هذا وقد صرحوا عندنا بأن الزوجة إذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء لا تسلم إلى الزوج حتى تطيقه ، والصحيح أنه غير مقدر بالسن بل يفوض إلى القاضي بالنظر إليها من سُمن أو هزال . وقدمنا عن التاترخانية أن البالغة إذا كانت لا تحتمل لا يؤمر بدفعها إلى الزوج أيضا فقوله : لا تحتمل . يشمل ما لو كان لضعفها أو هزالها أو لكبر آلته –أي لكبر فرج الزوج- وفي الأشباه من أحكام غيبوبة الحشفة فيما يحرم على الزوج وطء زوجته مع بقاء النكاح قال وفيما إذا كانت لا تحتمله لصغر أو مرض أو سمنة اه ، وربما يفهم من سمنه عظم آلته . وحرر الشرنبلالي في شرحه على الوهبانية أنه لو جامع زوجته فماتت أو صارت مفضاة فإن كانت صغير أو مكرهة أو لا تطيق تلزمه الدية اتفاقا . فعلم من هذا كله أنه لا يحل له وطؤها بما يؤدي إلى إضرارها ، فيقتصر على ما تطيق منه عددا بنظر القاضي أو إخبار النساء وإن لم يعلم بذلك فبقولها ، وكذا في غلظ الآلة ويؤمر في طولها بإدخال قدر ما تطيقه منها أو بقدر آلة رجل معتدل الخلقة ).
وقال الدسوقي المالكي في حاشيته ج2ص427 : ( فإن حلف على واحدة منهما أنه لا يطؤها أكثر من أربعة أشهر لم يلزمه بذلك إيلاء وشمل كلامه الزوجة الكبيرة والصغيرة التي لا تطيق الوطء ولكن لا يضرب لها الأجل حتى تطيق ).
وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ج9ص206: ( وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة عمل به ، وإن اختلفا فقال أحمد وأبو عبيد : تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها . وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : حد ذلك أن تطيق الجماع ويختلف ذلك باختلافهن ولا يضبط بسن وهذا هو الصحيح . وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعا ، قال الداودي : وكانت عائشة قد شبت شبابا حسا (رضها) وأما قولها في رواية : تزوجني وأنا بنت سبع . وفي أكثر الروايات : بنت ست . فالجمع بينهما أنه كان لها ست وكسر ففي رواية اقتصرت على السنين وفي رواية عدت السنة التي دخلت فيها ).
وقال ابن عمر الجاوي الشافعي في نهاية الزين ج1ص334: ( وخرج بالتمكين التام التمكين غير التام كما إذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء ولو تمتع بالمقدمات ) ، يقصد بالمقدمات الأمور تسبق الوطء كالتقبيل والضم والتفخيذ وغيرها من الاستمتاعات .
وقال السيواسي الحنفي في شرح فتح القدير ج4ص383: ( قوله : لا يستمتع بها . أي لا توطأ وصرح في الذخيرة بأن المراد من الاستمتاع الوطء وبه قيد الحاكم قال لا نفقة للصغيرة التي لا تجامع فلا نفقة لها إلى أن تصير إلى حالة تحتمل الوطء سواء كانت في بيت الزوج أو الأب واختلف فيها ، فقيل : أقلها سبع سنين . وقال العتابي اختيار مشايخنا تسع سنين . والحق عدم التقدير فإن احتماله يختلف باختلاف البُنية ).
وقال الشربيني في مغني المحتاج ج3ص223 : ( قوله : لا طفلا. قد يفهم منه أنه لا يشترط في الزوجة ذلك ، بل وطؤها محلل وإن كانت طفلة أي مطلقة ثلاثا بجماع من يمكن جماعها ، وبه صرح في أصل الروضة ) .
وفي حواشي الشرواني ج7ص312 : ( قوله : وإنما تحللت طفلة . أي مطلقة ثلاثا بجماع من يمكن جماعه بأن كان ذكره صغيرا ).(48/37)
[44].
... أو نقول إن أهل السنة لا يوجبون الحد على من يلوط بغلامه أو بغلام غيره قياسا على أمته أو أخته من الرضاعة ، لأن بعض علمائهم ذهب لهذا الرأي ؟!(1)
__________
(1) 45] طبقات الشافعية الكبرى ج4ص43ت263 : ( أحمد بن علي أبو سهل الأبيوردي : أحد أئمة الدنيا علما وعملا . ذكره الأديب أبو المظفر محمد بن أحمد الأبيوردي في مختصر لطيف سماه نهزة الحفاظ ذكر فيه أنه عزم على أن يضع تاريخا ونسا وكوفن وجيران وغيرها من أمهات القرى بتلك النواحي ، وأنه سئل في عمل هذا المختصر ليفرد فيه ذكر الأئمة الأعلام ممن كان في العلم مفزوعا إليه وفي الرواية موثوقا به وقد طنت بذكره البلدان وغنت بمدحه الركبان كفضيل بن عياض ومنصور بن عمار وزهير بن حرب وذكر فيه جماعة من الأئمة وأورد شيئا من حديثهم وقال في الشيخ أبي سهل إذ ذكره : كان من أئمة الفقهاء . سمعت جماعة من أصحابه يقولون : كان أبو زيد الدبوسي يقول : لولا أبو سهل الأبيوردي لما تركت للشافعية بما وراء النهر مكشف رأس وحدثني أبو الحسن علي بن عبد الرحمن الحديثي وكان من أصحابه المبرزين في الفقه أنه سمعه يقول : كنت أتبزز في عنفوان شبابي فبينا أنا في سوق البزازين بمرو ، رأيت شيخين لا أعرفهما فقال أحدهما لصاحبه : لو اشتغل هذا بالفقه لكان إماما للمسلمين . فاشتغلت حتى بلغت فيه ما ترى .
التلوط بالغلام المملوك : ذكر القاضي الحسين في التعليقة أنه حكي عن الشيخ ابن سهل وهو الأبيوردي كما هو مصرح به في بعض نسخ التعليقة وصرح به ابن الرفعة في الكفاية : أن الحد لا يلزم من يلوط مملوك له بخلاف مملوك الغير . قال القاضي : وربما قاسه على وطء أمته المجوسية أو أخته من الرضاع وفيه قولان انتهى . وهذا الوجه محكي في البحر والذخائر وغيرهما من كتب الأصحاب لكن غير مضاف إلى قائل معين . وعلله صاحب البحر بأن ملكه فيه يصير شبهة في سقوط الحد . والذي جزم به الرافعي تبعا لأكثر الأصحاب أنه لا فرق بين مملوكه وغيره ، نعم في اللواط من أصله قول أن موجبه التعزيز . قال الرافعي : إنه مخرج من القول بنظيره في إتيان البهيمة ، قال : ومنهم من لم يثبته ).(48/38)
[45]
وأكثر من ذلك ، نقول إن علماء أهل السنة يكفرون جميع المسلمين سنة وشيعة ، لأن جميع المسلمين اليوم يعتقدون أن الشمس ثابتة لا تدور حول الأرض وإنما الأرض تدور حولها(1)[46] ، وذلك لأن شيخ الوهابية ابن باز يرى أن من قال بثبوت الشمس كافر حُلّ ماله و دمه وعرضه !(2)
__________
(1) 46] الشمس متحركة مع المجموعة الشمسية في قلب المجرة والمجرة متحركة كما هو حال غيرها من المجرات .
(2) 47] هذه مقاطع مما ذكره ابن باز في كتابه المسمى ي ( الأدلة النقلية و الحسية على جريان الشمس وسكون الأرض وإمكان الصعود إلى الكواكب ) من مطبوعات الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة سنة 1395 هجرية : قال في ص23 : ( وكما أن هذا القول الباطل – ثبوت الشمس ودوران الأرض- مخالف للنصوص فهو مخالف للمشاهد المحسوس ومكابرة للمعقول والواقع لم يزل الناس مسلمهم وكافرهم يشاهدون الشمس جارية طالعة وغاربة ويشاهدون الأرض قارة ثابتة ويشاهدون كل بلد وكل جبل في جهته لم يتغير من ذلك شيء ، ولو كانت الأرض تدور كما يزعمون لكانت البلدان والجبال والأشجار والأنهار والبحار لا قرار لها ولشاهد الناس البلدان المغربية في المشرق والمشرقية في المغرب ولتغيرت القبلة على الناس حتى لا يقرّ لها قرار وبالجملة فهذا القول فاسد من وجوه كثيرة يطول تعدادها ) ، أقول : هذا كله جهل بأوليات العلوم التي يأخذها الصبية في المدرسة ! ، وقال في ص24 : ( ثم هذا القول مخالف للواقع المحسوس فالناس يشاهدون الجبال في محلها لم تسيّر فهذا جبل النور في مكة في محله وهذا جبل أبي قبيس في محله وهذا أُحد في المدينة في محلّه وهكذا جبال الدنيا كلها لم تسيّر وكل من تصور هذا القول يعرف بطلانه وفساد قول صاحبه وأنه بعيد عن استعمال عقله وفكره قد أعطى القياد لغيره كبهيمة الأنعام فنعوذ بالله من القول عليه بغير علم ونعوذ بالله من التقليد الأعمى الذي يردي من اعتنقه وينقله من ميزة العقلاء إلى خلق البهيمة العجماء ) ، سبحان الله ! ، وقال في ص39 : ( ثم الناس كلهم يشاهدون الشمس كل يوم تأتي من المشرق ثم لا تزال في سير وصعود حتى تتوسط السماء ثم لا تزال في سير ، وانخفاض حتى تغرب في مدارات مختلفة بحسب اختلاف المنازل ويعلمون ذلك علما قطعيا بناء على مشاهدتهم وذلك مطابق لما دل عليه هذا الحديث الصريح –حديث سجود الشمس- والآيات القرآنية ولا ينكر هذا إلا مكابر للمشاهد المحسوس ومخالف لصريح المنقول وأنا من جملة الناس الذين شاهدوا سير الشمس وجريانها في مطالعها ومغاربها قبل أن يذهب بصري وكان سني حين ذهاب بصري تسعة عشر عاما وإنما نبهت على هذا ليعلم القراء أني ممن شاهد آيات السماء والأرض بعيني رأسه دهرا طويلا والله المستعان ، وبالجملة فالأدلة النقلية والحسية على بطلان قول من قال إن الشمس ثابتة أو قال إنها جارية حول نفسها كثيرة متوافرة وقد سبق الكثير منها فراجعه إن شئت ) ، والنتيجة هي في ص23 : ( فمن زعم خلاف ذلك وقال إن الشمس ثابتة لا جارية فقد كذّب الله وكذّب كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ). وقال : ( ومن قال هذا القول فقد قال كفرا وضلالا لأنه تكذيب لله ، وتكذيب للقرآن وتكذيب للرسول (ص) لأنه عليه الصلاة والسلام قد صرح في الأحاديث الصحيحة أن الشمس جارية وأنها إذا غربت تذهب وتسجد بين يدي ربها تحت العرش كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي ذر –رضي الله عنه – وكل من كذب الله سبحانه أو كذب كتابه الكريم أو كذب رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام فهو كافر ضال مضل يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا مرتدا و يكون ماله فيئا لبيت مال المسلمين كما نص على مثل هذا أهل العلم ) ، وهكذا تم تكفير الأمة بأجمعها السنة قبل الشيعة لأنهم قالوا بثبوت الشمس بالنسبة للمجموعة الشمسية مع دورانها حول محورها ! ، وتابع ابن باز وهابي أخر اسمه عبد الله الدويش في كتيب له يتناول فيه بعض كلام السيد قطب في تفسيره ظلال القرآن فقال في كتيبه المورد الزلال في التنبيه على أخطاء الضلال ص196-198 : ( قوله –قطب- لو كانت الأرض لا تدور حول نفسها في مواجهة الشمس ما تعاقب الليل والنهار ، يقال هذا القول بناء منه على أن الشمس ثابتة ومعلوم أن هذا القول باطل بل كفر لأن الله تعالى يقول {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا }(يس/38) وقال تعالى مخبراً عن إبراهيم أنه قال {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ}(البقرة/258) .-لاحظ أن هاتين الآيتين لهما تفسير يتوافق مع حقائق العلوم الطبيعية- الوجه الثاني قوله لو دارت الأرض حول نفسها أسرع مما تدور لتناثرت المنازل الخ ، هذا باطل والأرض ثابتة لا تتحرك كما قال تعالى {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا}(النمل/61) قال ابن كثير أي قارة ساكنة ثابتة لا تميد ولا تتحرك بأهلها ولا تنجرف بهم فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة بل جعلها من فضله ورحمته مهادا وبساطا ثابتة لا تتزلزل ولا تتحرك . الوجه الثالث قوله وجرت الأرض في مدارها حول الشمس في دائرة الشمس مركزها ، كلام باطل بل الأرض هي المركز كما ذكره شيخ الإسلام في الرسالة العرشية ). ثم يقول : ( قوله إذن لاختلفت الفصول ولم يدر الناس ما صيف ولا شتاء وما خريف ولا ربيع . جوابه أن يقال إن معرفة الفصول بدوران الشمس وثبوت الأرض لا بدوران الأرض وثبوت الشمس فإن هذا القول رد للكتاب والسنة –بزعم الوهابي- وإجماع العلماء من أن الأرض ثابتة والشمس تجري . قال العلامة ابن القيم في مفتاح دار السعادة : ثم تأمل بعد ذلك أحوال هذه الشمس في انخفاضها وارتفاعها لإقامة هذه الأزمنة والفصول وما فيها من المصالح والحكم إذ لو كان الزمان كله فصلا واحدا لفاتت مصالح الفصول الباقية إلخ . فانظر كيف صرح بأن معرفة الفصول من طلوع الشمس على جميع العالم وأنها لو وقفت في موضع من السماء ولم تعده لما وصل شعاعها إلى كثير من الجهات عكس ما يقوله المبطلون من ثبوتها ودوران الأرض حولها ) . أقول : هكذا يرمى الإسلام بالتخلف ومناقضة العلم ! ولنسلم لكم أن ما آتاكما ابن تيمية وابن القيم فخذوه وما نهاكما عنه فانتهوا ، ولكن هذا في الدين فقط لا في الفلك والطب والرياضة والطبخ والتدليك وإلخ !!(48/39)
[47] ، إلى ما لا نهاية له من هذه المخازي التي شحنت بها كتب أهل السنة .
فهل هذا مقبول ؟! حاشا لله ، شيعة أهل البيت عليهم السلام ليسوا كالوهابية الذين يفترون على أهل لا إله إلا الله في كل فينة وأخرى ، يحمّلون الجمهرة رأي القلة وينسبون الشواذ للكل ، فأقرب به للخداع والدجل .
نعم ، إن الحقيقة التي يقبلها الشيعة ولا مجال لإنكارها ، هي القول أن فلانا قال بالتحريف من علماء الشيعة وفلانا قال بالتحريف من سلف أهل السنة -كما سيأتي بيانه- لا أن يقال : عقيدة الشيعة هي أن القرآن محرف !
( هل القول بتحريف القرآن يستوجب الكفر ؟
ولا يكاد ينقضي عجبي من الوهابية كيف تسربلوا البراءة وتقمصوا دور المدافع عن عوام الشيعة يحثونهم على تكفير من قال بتحريف القرآن(1)[48] ، ولا ريب أن مخاطبة العوام وغير أهل التخصص ونشر الأشرطة بينهم ليس إلا إغرارا بهم وخداعا لهم ، وإلا ما المانع أن تطرح المسألة مع علماء الشيعة قبل أن تنشر كتيباتهم المضحكة والأشرطة الملونة ، وجزي خيرا من أعان على نشر هذا الشريط !
وعلى أي حال لنناقش الفكرة بشيء من العلمية التي قد تضجر منها نفوس الوهابية وصدع أدمغتهم ، ونبدأ بذكر استدلالات الوهابية على كفر من قال بتحريف القرآن وبالأثناء نذكر رأي الشيعة في المسألة وبعض الضوابط ، لنرى هل الكفر يصح على مباني الشيعة أيضا أم لا .
__________
(1) 48] هؤلاء المتخبطون تراهم في أول الكتيب أو الشريط يتهمون كل الشيعة بتحريف القرآن ثم يأتون بعد برهة يريدون من علماء الشيعة تكفير الذين قالوا به منهم ! وبعدها يرمون الشيعة بقرآن آخر غير قرآن المسلمين وهو مختص بهم اسمه مصحف فاطمة عليه السلام ! فما ندري ، أ مصحفنا تام كامل وبعضنا يدعى تحريفه ؟! أم كلنا محرفون ؟! أم قرآننا مصحف فاطمة !؟ وكل هذه التناقضات تجدها على متن شريط واحد أو في كتيب ! وكما قيل : حبل الكذب قصير ، وأزيد عليه : وأقصر من كتيب وهابي !(48/40)
ولنعرض عن ذكر استدلالاتهم السخيفة التي جاءت في كتيبات الوهابية وأشرطتهم الملونة التي تتسم بالأسلوب الخطابي الرتيب وهي للهزل أقرب منها للجد ، ولنعتمد استدلال اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء التي يرأسها كبير الوهابية ابن باز الذي كان في استدلاله شمّة علمية ولمسة شبه إسلامية ، فقال :
" ومن قال : إنه غير محفوظ أو دخله شيء من التحريف أو النقص فهو ضال مضل ، يستتاب فإن تاب وإلاّ وجب على وليّ الأمر قتله مرتدا ، لأن قوله يصادم قول الله عز وجل {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9). ويصادم إجماع الأمة على حفظه وسلامته "(1)[49].
فهذه الردة وهذا التكفير وهدر الدم سببه مصادمة الآية ومصادمة إجماع الأمة ، ونحن إرضاء لخاطر الوهابية وتقوية لاستدلالهم نزيد على الوجهين السابقين وجها آخر للتكفير ونرتب لهم المطلب ، فنقول :
من قال بتحريف القرآن لا يخلو الوجه في تكفيره من أحد ثلاثة أسباب :
كذّب صريح القرآن وهو قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9). وقوله تعالى {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(فصلت/42).
خالف ضروريا من ضروريات الدين .
خالف أمرا مجمعا عليه .
__________
(1) 49] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ج4ص8فتوى6137 ط رئاسة إدارة البحوث .(48/41)
فنقول لدعاة التكفير : حبا وكرامة ! ، ولكن على فقه من تريدون التكفير من الشيعة ؟! على فقه أهل البيت عليهم السلام أم على فقه شكيب وشكيبة ؟! ، معلوم عند الجميع أن الشيعة لا يقيمون وزنا لفقه لم يأتهم من أهل البيت عليهم السلام الذين أنزل الله فيهم {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}(الإنسان/21). {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}(الأحزاب/33) ، ومع ذلك سنمن على الوهابية مرة أخرى بذكر كلمات علماء أهل السنة في أثناء البحث المؤيدة لما ذهب له علماء الشيعة .
... ( مناقشة أسباب التكفير :
السبب الأول : القول بتحريف القرآن يلزم منه تكذيب الله عز وجل فيما أخبر به في كتابه .
ويرد عليه أن المخالفة لكتاب الله عز وجل شيء ، والتكذيب والجحد له شيء آخر ، فالتكذيب بمعنى أن يعلم المكلف بما أخبر الله عز وجل به ولكنه لا يصدقه ولا يقتنع به ، فهذا كفر ، وأما لو أخطأ في فهم ما أخبر به الله عز وجل وصار إلى غيره مع كونه يرجو موافقة كلام الله عز وجل ، فهذا خالف كتاب الله عز وجل لجهله وهذا لا يكفر ، والإخبارية هم من هذا القسم بالنسبة للآيتين ، وهذا لأمرين :
عدم حجية الظاهر عندهم .
مر سابقا أن الإخبارية يقولون بعدم حجية ظواهر القرآن لأن القرآن لا يفهمه إلا من خوطب به وهم الرسول وآل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .(48/42)
لذا فإن مراد الله عز وجل من الآيتين الكريمتين غير معلوم عندهم ، فلا يصح اتهامهم بححد وتكذيب ما أخبر به الله عز وجل ، وهذا يجري على كثير من علماء الإسلام الذين أخطأوا في فهم آية أو حكم من آية ، نحو من يقول بعدم جواز رؤية الله عز وجل يوم القيامة مع ما يخبر به الظاهر الساذج لهذه الآية {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(القيامة/23-24) ، وكذا شبيه قول من يدعي تحقق رؤية المؤمنين له يوم القيمة سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا مع أن الله عز وجل يخبر في المحكم من كتابه أنه لا تدركه الأبصار ، قال تعالى {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير}(الأنعام/103). ويقول {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(الشورى/11) ، وباتفاق أهل القبلة لا يكفر كلا الطرفين مع أن أحدهما خالف ما أخبر الله به جزما .
قالوا بعدم دلالة ظاهر الآيتين على المطلوب .
فالآية الأولى غاية ما تدل عليه أن الله عز وجل تكفل بحفظ القرآن ولكنها ساكتة عن حفظه عند جميع الناس فلعل الله عز وجل لم يقصد بالحفظ حفظه عند كل المسلمين بل أراد حفظه عن سيد المسلمين وإمامهم ، فمن أين استفدنا حفظه عند كل المسلمين من الآية ! والآية الأخرى تدل على منع استعلاء شيء عليه ولا يطرأ طارئ يظهر عليه فيبطل مضمونه ومحتواه من العلوم والمعارف سواء مما سبقه كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب السابقة أو مما يأتي به الناس من علوم ، وليس المقصود أن الباطل في الآية بمعنى حذف الكلمات ونقصها ، ويمكن تقريب هذه الدلالة بلحاظ مرجع الضمير (لا يأتيه الباطل) فلا يمكن أن يكون مرجعه المصحف المجموع لأنها نزلت والمصحف لم يجمع بعد ، فلا ريب أن المقصود به هو القرآن في الكتاب المكنون فأي تحريف يقع هناك ؟! لذا الآيتان في نظرهم لا تدلان على المدعى .(48/43)
السبب الثاني : خالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة .
... حتى يتضح الحق في هذه الدعوى يجب تقديم مقدمتين :
المقدمة الأولى : ما هو ضابط كون الشيء معلوما من الدين بالضرورة ؟
المعلوم من الدين بالضرورة هو ما لا يحتاج انتسابه إلى الدين إلى دليل ولا يشك فيه أحد من المسلمين ، فيكون انتسابه للدين بديهيا بين الناس ، كوجوب الحج أو الصلاة في الإسلام(1)[50]، لذا ما يتوقف إثباته على الدليل لا يكون ضروريا ومعلوما بالبديهة.
المقدمة الثانية : هل يكفر المسلم بمجرد إنكاره للضروري أم بقيد وشرط ؟
لو أنكر مسلم أمرا معلوما من الدين بالضرورة ، فإن آل إنكاره إلى إنكار الألوهية أو الرسالة فإنه يكفر بلا ريب ، وأما لو لم يرجع إنكاره لإنكار الألوهية والربوبية أو الرسالة كمن طرأت له شبهة أو حصل له لبس أدى بالمنكر إلى تلك النتيجة فإنه لا يكفر .
__________
(1) 50] لاحظ أنا نتكلم عن ضروريات الدين كالاستحباب الصدقة وصيام شهر رمضان وحرمة شرب الخمر ، لا عن أصوله فمن أنكر الألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو المعاد يكفر بلا قيد أو شرط .(48/44)
مثلا لو أنكر مسلم استحباب الصدقة لشبهة طرأت له ولبعض الأدلة ففي هذه الحالة يكون قد أنكر معلوما من الدين بالضرورة ولكن هذا الإنكار لا يستوجب الارتداد والمروق عن الملة ، نعم من قال إن الصدقة غير مستحبة مع إقراره أن الرسول صلى عليه وآله وسلم قال باستحبابها نقلا عن الله عز وجل فهذا يكفر لتعنته على أمر الله عز وجل وإنكاره للربوبية ، أما لو أقر بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جاء به وأنكر كونه جاء به من عند الله عز وجل فهذا يكفر لأنه أنكر ضروريا يؤول إلى إنكار الرسالة ، وأما الحالة الأولى وهي إنكاره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال باستحباب الصدقة ونص على استحبابها لشبهة معينة أو طرو لبس في مقدمات استدلاله في حال كونه مصدقا ومتبعا لأقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حال ثبوتها عنه فإن هذا لا يكفر ولا يرتد .
قال السيد اليزدي رضوان الله تعالى عليه :" والمراد بالكافر من كان منكرا للألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو ضروريا من ضروريات الدين مع الالتفات إلى كونه ضروريا بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة "(1)[51].
قال السيد الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه :" الكافر وهو من انتحل غير الإسلام ، أو انتحله وجحد ما يعلم من الدين بالضرورة ، بحيث يرجع جحوده إلى إنكار الرسالة ، أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله ، أو تنقيص شريعته المطهرة ، أو صدر منه ما يقتضي كفره من قول أو فعل "(2)[52].
قال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه : " الكافر وهو من لم ينتحل ديناً أو انتحل ديناً غير الإسلام أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة ، نعم ، إنكار المعاد يوجب الكفر مطلقاً "(3)[53].
__________
(1) 51] العروة الوثقى ج1ص67 ط دار الإرشاد.
(2) 52] تحرير الوسيلة ج1ص118 ط اسماعيليان .
(3) 53] منهاج الصالحين ج1ص109 .(48/45)
قال الشيخ الآراكي رضوان الله تعالى عليه : " الكافر -أي من أنكر الله أو جعل لله شريكا ، أو لم يعترف بنبوة خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم - نجس . والأحوط وجوبا الاجتناب عن كل منكر لضرورة من ضروريات الدين مثل الصلاة والصوم مما يعتبره المسلمون من أجزاء دين الإسلام إن علم أن ذلك من ضروريات الدين ورجع إنكاره إلى إنكار النبوة "(1)[54].
قال السيد عبد الأعلى السبزواري رضوان الله تعالى عليه : " الكافر وهو من انتحل ديناً غير الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي بحيث رجع إلى إنكار الرسالة أو إنكار المعاد "(2)[55].
قال السيد محمد الروحاني رضوان الله تعالى عليه : " الكافر وهو من لم ينتحل ديناً أو انتحل ديناً غير الإسلام أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي ، نعم ، إنكار المعاد يوجب الكفر مطلقاً " (3)[56] .
قال السيد السيستاني حفظه الله تعالى : "الكافر هو من لم ينتحل دينا ، أو انتحل دينا غير الإسلام ، أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة ولو في الجملة بأن يرجع إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله في بعض ما بلغه عن الله تعالى في العقائد -كالمعاد- أو في غيرها كالأحكام الفرعية ، وأما إذا لم يرجع جحده إلى ذلك بأن كان ذلك بسبب بعده عن محيط المسلمين وجهله بأحكام هذا الدين فلا يحكم بكفره ، وأما الفرق الضالة المنتحلة للإسلام فتختلف الحال فيهم "(4)[57].
__________
(1) 54] المسائل الواضحة ج1ص22 ط مكتب الإعلام الإسلامي .
(2) 55] منهاج الصالحين ج1ص98 ،ط دار الكتاب الإسلامي .
(3) 56] منهاج الصالحين ج1ص27 ط دار الزهراء .
(4) 57] منهاج الصالحين ج1ص139 ط مكتب سماحة السيد في قم المقدسة .(48/46)
قال الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى : " والكافر وهو المنكر لله أو رسالة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم أو المعاد أو الشاك في الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أو المشرك بالله أو الشاك في وحدانيته ، نجسٌ ، وكذلك الغلاة – أي القائلين بألوهية أحد الأئمة عليهم السلام أو القائلين بحلول الله تعالى في أحدهم عليهم السلام – والنواصب – وهم أعداء أحد الأئمة عليهم السلام أو أعداء فاطمة الزهراء سلام الله عليها- ، والمنكر لإحدى ضروريات الدين –كالصلاة والصيام- مع علمه بأنها من ضروريات الدين "(1)[58].
قال الميرزا جواد التبريزي حفظه الله تعالى : " الكافر ، والمشهور بين الفقهاء نجاسته مطلقا ، وإن كان من أهل الكتاب ، وهو الأحوط الأولى والأظهر أن الناصب في حكم الكافر وإن كان مظهرا للشهادتين والاعتقاد بالمعاد ، ومن أنكر شيئا من ضروريات الدين ولم تحتمل فيه الشبهة يحكم بكفره ، وكذا من علم إنكاره من فعله كمن استهزأ بالقرآن ، أو أحرقه –والعياذ بالله- متعمدا "(2)[59].
قال السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم حفظه الله تعالى :" إنكار الضروري من الدين إن رجع إلى عدم الإقرار به بعد العلم بإنزاله من قِبل الله تعالى ، أو إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغه به بعد العلم بتبليغه له كان موجبا للكفر ، وإن رجع إلى عدم العلم بثبوته في الدين أو بتبليغ النبي صلى الله عليه وآله له ، لم يوجب الكفر كما إذا نشأ من الجهل بتحريمه أو من شبهة اعتقد معها عدم التحريم "(3)[60].
__________
(1) 58] توضيح المسائل ص191 م107 ، الفارسية .
(2) 59] المسائل المنتخبة ص66، ط الفقيه .
(3) 60] منهاج الصالحين ج1ص127م400 ط دار الصفوة .(48/47)
وعلى هذا فلو لم يعلم المنكر أن ما أنكره جزء من الدين بل نفي كونه منه لشبهة ولبس ، مع إيمانه في قرارة نفسه أنْ لو ثبت عنده مجيء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما أنكره لاتبعه ولأخذ به بكل انقياد وتسليم فإن إنكاره –في هذه الحالة- لا يؤول إلى إنكار الألوهية أو الرسالة أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعياذ بالله ، فلا يحكم بكفره ، وبعبارة مختصرة إن منكر الضروري لا يكفر إلا برجوع إنكاره إلى إنكار الألوهية أو الرسالة أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وبعد ما قدمنا يتضح أن دعوى تكفير من قال بتحريف القرآن لإنكاره ضروريا كلام ساقط من رأس وجرأة على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأمرين :
لم يثبت أن من ضروريات الدين الاعتقاد باحتواء مصحفنا لكل كلمات القرآن التي نزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
فلو سئل أهل الإسلام في بقاع الأرض عما إذا كان هذا المصحف الذي في بيوتنا اليوم قد اشتمل على كل كلمة وحرف نزل من السماء قبل أكثر من أربعة عشر قرنا ولم تخف كلمة أو حرف عمن جمعه أو لم يتلاعب به أحد من بعدهم ، فلا يعد الجواب على هذا السؤال بديهيا لا يشك فيه ، وليس هو كبداهة سؤال المسلم لأخيه عما إذا كانت الصلاة واجبة في الإسلام ، ولذا عندما يتطرق علماء الشيعة وأهل السنة لإثبات صيانة القرآن من التحريف يعتمدون الدليل لإثبات مدعاهم كآية الحفظ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9) ، فاستدلالهم هذا على عدم وقوع التحريف في القرآن يناقض كونه من بديهيات الدين التي لا يحتاج لإقامة الدليل .(48/48)
قال في الفقه المقارن : " والقول بعدم التحريف لم يثبت أنه دين بالضرورة وإلاّ لما احتاج إلى الاستدلال عليه بآية {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9) وما يحتاج إلى الاستدلال لا يكون من الضروريات "(1)[61].
من قال بتحريف القرآن فإن قوله لا يؤول إلى إنكار الألوهية أو الرسالة أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله سلم .
فقد مر سابقا أن من قال بالتحريف لا يرى أن الله عز وجل تكفل بحفظ القرآن في مصاحف المسلمين ، لأن الآيتين في نظره لا تدلان عليه فضلا عن قبوله لحجية ظاهريهما ، ولا يرى أن النبي صلى الله عليه وآله سلم قد أخبر بحفظ القرآن في مصاحف المسلمين بل على العكس هو يرى أن الرسول وأهل بيته صلى الله عليهم أجمعين صرحوا بأن التحريف وقع فيه وأنه بُدل وتلاعبوا به .
ويتضح على هذا أن تفسيرهم لظاهر الآيتين الكريمين ومحاولتهم تفادي معارضة الآيتين لما صاروا إليه من القول بالتحريف وكذا تأويلهم وإيجادهم المخارج لحديث الثقلين ولروايات عرض الحديث على القرآن ، كل هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هؤلاء القوم متبعون لأمر الله ونهيه ، يتجنبون معارضة قوله ، وكذا مقتفون لسنة رسوله وما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم لذا ذكروا الوجوه لحديث الثقلين وأحاديث العرض حتى لا يتورطوا في معارضة كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنكارهم لصيانة القرآن من التحريف –لو سلمنا جدلا أنه من الضروريات- فإنه لا يؤول إلى إنكار الألوهية أو إنكار الرسالة كالتعنت على أمر المولى أو أمر رسوله صلى الله عليه وآله سلم ولا يؤول إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله سلم ، وكل هذا مانع من التكفير جزما وقطعا ، مع التسليم بأن هذا الأمر من ضروريات الدين .
السبب الثالث : خالف ما هو مجمع عليه .
__________
(1) 61] الأصول العامة للفقه المقارن ص 109 للسيد محمد تقي الحكيم رحمه الله ط . دار الأندلس .(48/49)
... ( ملاحظة
... قبل مناقشة هذا سبب التكفير هذا ، يلزم التنبيه على نقطة وهي أن بعض أهل السنة يستدل بالإجماع على صيانة القرآن من التحريف وهذا استدلال فاسد لأنه استدلال دوري ، فحجية الإجماع عند أهل السنة ترجع إلى ما رووه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا تجتمع أمتي على ضلالة. وهذا الكلام حجيته من صدوره عن شخص مرسل من قِبل الله عز وجل ، والدليل على رسالته هو إعجاز القرآن ، وإعجازه لا يعتمد عليه إلا بعد الفراغ من أن القرآن سليم من الدس والنقصان لأن كل آية نضع يدنا عليها محتمل أن بعض كلماتها سقطت أو دست في الآية ، لذا أصبح عدم تحريف القرآن معتمد على الإجماع ، والإجماع معتمد على رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والرسالة معتمدة على إعجاز القرآن ، وإعجازه معتمد على سلامته من التحريف ! فسلامة القرآن من التحريف تعتمد على سلامته من التحريف ، لذا لا يصح استدلال أهل السنة بالإجماع –إن تم- على سلامة القرآن من التحريف .
أما كون سلامة القرآن من التحريف أمرا مجمعا عليه لذا يكفر من خالفه ، فهذا السبب للتكفير أسخف من سابقيه ، لأمور :
هذه الدعوى فيها إلزام للشيعة بتكفير بعض علمائهم لأن عدم التحريف أمر مجمع عليه عند أهل السنة !!
دعوى الإجماع على صيانة القرآن من التحريف لم تتحقق عند أهل السنة فضلا عن الشيعة ، وسيأتي ذكر كلمات من قال من علماء أهل السنة بتحريف القرآن .
الإجماع ليس دليلا عند الشيعة في قبال الأدلة الأخرى وإنما هو مجرد كاشف عن الدليل ، فلا تكون معارضته معارضة للدليل الشرعي بل معارضة للطريق ، لذا المنكر قد ينكر كاشفية الطريق لا ما يكشف عنه .(48/50)
ولنذكر هنا كلمات علماء أهل السنة الناصة على أن منكر المجمع عليه لا يكفر إلا في حال علمه أن ما أنكره قد صدر من الشارع لمآله إلى إنكار الرسالة ، وهو عين ما يدعيه علماء الشيعة ، فقد يتحقق الإجماع على شيء ولكن المنكر لا يثق بالصدور من إجماعهم لأدلة أخرى أو لشبهة طرأت له ، فلا يكفر لاشتباهه ، وعليه جمهور علماء الإسلام ، ومع ذلك تريد الوهابية أن تتبع الشيعة أمزجتهم !
( كلمات علماء أهل السنة في أن خارق الإجماع لا يكفر
وقال إمام الحرمين الجويني في البرهان في أصول الفقه : " فشا في لسان الفقهاء أن خارق الإجماع يكفر وهذا باطل قطعا فإن من ينكر أصل الإجماع لا يكفر والقول في التكفير والتبرؤ ليس بالهين ولنا فيه مجموع فليتأمله طالبه ، نعم من اعترف بالإجماع وأقر بصدق المجمعين في النقل ثم أنكر ما أجمعوا عليه كان هذا التكذيب آيلا إلى الشارع عليه السلام ومن كذب الشارع كفر والقول الضابط فيه أن من أنكر طريقا في ثبوت الشرع لم يكفر ومن اعترف بكون الشيء من الشرع ثم أنكره كان منكرا للشرع وإنكار جزئه كإنكار كله(1)[62] "(2)[63].
__________
(1) 62] وهو عين ما قاله فقهاء الشيعة سابقا ، لأن كل ما يؤول إلى تكذيب الشرع والنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو من الكفر ، وواضح أن من قال بوقوع تحريف في القرآن لا يرى أن عدم التحريف جاء الشرع به ، بل العكس ! يدعي أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر بوقوع التحريف في هذه الأمة كما حدث في الأمم السابقة بما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر …).
(2) 63] البرهان في أصول الفقه للجويني ج1ص462مسألة673.(48/51)
وقال للحلبي الحنفي في التقرير : " ولهذا قال الشيخ صفي الدين الهندي في النهاية جاحد الحكم المجمع عليه من حيث إنه مجمع عليه بإجماع قطعي لا يكفر عند الجماهير خلافا لبعض الفقهاء وإنما قيدنا بالإجماع القطعي لأن جاحد حكم الإجماع الظني لا يكفر وفاقا "(1)[64].
وقال أيضا : " غير أن إنكار القطعي إنما يكفر منكره إذا كان ذلك القطعي ضرورياً من ضروريات الدين كما هو قول غير واحد (ومن لم يشرطه) أي الضروري في القطعي المكفر بإنكاره كالحنفية إنما يكفر منكره إذا لم يثبت فيه شبهة قوية . (فلذا) أي اشتراط انتفاء الشبهة في القطعي المنكر ثبوتاً وانتفاء (لم يتكافروا) أي لم يكفر أحد من المخالفين الآخر في التسمية لوجود الشبهة لتقويه في كل طرف لقوة دليله فإنه عذر واضح في عدم التكفير لأنه يدل على أنه غير مكابر للحق ولا قاصد إنكار ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن ذلك أخرجه من حد الوضوح إلى حد الإشكال "(2)[65].
__________
(1) 64] التقرير والتحبير ج3ص151-152.
(2) 65] ن.م ج2ص286 ، كشف الظنون ج1ص358 : ( التحرير في أصول الفقه للعلامة كمال الدين محمد بن عبد الواحد الشهير بابن همام الحنفي المتوفى سنة إحدى وستنين وثمانمائة وهو مجلد أوله الحمد لله الذي أنشأ هذا العالم الخ ، رتب على مقدمة وثلاث مقلات جمع فيه علما جما بعبارات منقحة وبالغ في الإيجاز حتى كاد يعد من الألغاز فشرحه تلميذه الفاضل محمد بن محمد بن أمير الحاج الحلبي الحنفي شرحا ممزوجا وسماه بالتقرير والتحبير وفرغ في رمضان سنة إحدى وسبعين وثمانمائة أوله الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام دينا الخ ) .(48/52)
قال العلامة الزركشي في المنثور : " أطلق كثير من أئمتنا القول بتكفير جاحد المجمع عليه ، قال النووي : وليس على إطلاقه بل من جحد مجمعا عليه فيه نص وهو من أمور الإسلام الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام كالصلاة والزكاة ونحوه فهو كافر ومن جحد مجمعا عليه لا يعرفه إلا الخواص كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب وغيره من الحوادث المجمع عليها فليس بكافر(1)[66] ، قال ومن جحد مجمعا عليه ظاهرا لا نص فيه ففي الحكم بتكفيره خلاف ونقل الرافعي في باب حد الخمر عن الإمام أنه لم يستحسن إطلاق القول بتكفير مستحل الإجماع وقال : كيف نكفر من خالف الإجماع ونحن لا نكفر من رد أصل الإجماع وإنما نبدعه ونضلله وأول ما ذكره الأصحاب على ما إذا صدق المجمعين على إن التحريم ثابت في الشرع ثم حلله فانه يكون ردا للشرع ".
" وقال ابن دقيق العيد أطلق بعضهم أن مخالف الإجماع يكفر ، والحق أن المسائل الإجماعية تارة يصحبها التواتر عن صاحب الشرع كوجوب الخمس وقد لا يصحبها فالأول يكفر جاحده لمخالفته التواتر لا لمخالفته الإجماع(2)[67] ".
__________
(1) 66] لاحظ تعليق الحكم بالكفر على ثبوت علم المنكر بأن ما أنكره من ضروريات الإسلام .
(2) 67] فمخالفة المجمع عليه لا كفر فيها وإنما الكفر يلحق من قَطع بصدور الأمر المجمع عليه ، وهذا عين ما يدعيه الشيعة .(48/53)
وذكر قول أبي حامد الغزالي : " وقد وقع التكفير لطوائف من المسلمين يكفر بعضها بعضا فالأشعري يكفر المعتزلي زاعما أنه كذب الرسول في رؤية الله تعالى وفي إثبات العلم والقدرة والصفات وفي القول بخلق القران والمعتزلي يكفر الأشعري زاعما أنه كذب الرسول في التوحيد فان إثبات الصفات يستلزم تعدد القدماء ، قال : والسبب في هذه الورطة الجهل بموقع التكذيب والتصديق ووجهه أن كل من نزل قولا من أقوال الشرع على شيء من الدرجات العقلية التي لا تحقق نقضا فهو من التعبد وإنما الكذب أن ننفي جميع هذه المعاني ويزعم أن ما قاله لا معنى له وإنما هو كذب محض وذلك هو الكفر المحض ولهذا لا يكفر المبتدع المتأول ما دام ملازما لقانون التأويل لقيام البرهان عنده على استحالة الظواهر(1)[68] "(2)[69].
وقال الزركشي في موضع آخر : " وعلى هذا فلا يسوغ لكل فريق تكفير خصمه بمجرد ظنه أنه غالط في البرهان نعم يجوز أن نسميه ضالا لأنه ضل عن الطريق أو مبتدعا لأنه ابتدع أقوالا لم يقلها السلف "(3)[70].
وثم ذكر قول الإمام القشيري ": وعبر بعض الأصوليين عن هذا بما معناه أن من أنكر طريق إثبات الشرع لم يكفر كمن أنكر الإجماع ومن أنكر الشرع بعد الاعتراف بطريقة كفر لأنه مكذب "(4)[71].
__________
(1) 68] وهذا الضابط ينطبق على من يرى أن الآية الكريمة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9) لا تدل على حفظ القرآن عند جميع الناس بل يكفي حفظه عند واحد منهم حتى تتحقق مدلول الآية .
(2) 69] المنثور في القواعد لأبي عبد الله الزركشي ج3ص86-87.
(3) 70] ن.م ج3ص90.
(4) 71] ن.م ج3ص92 ، وهذا هو الضابط الذي ذكره الشيعة سابقا .(48/54)
وقال ابن تيمية في المسودة :" مسألة من خالف حكما مجمعا عليه فهل يكفر بذلك قال ابن حامد وغيره انه يكفر وطرد ذلك أن يكفر من جوز كون الإجماع يقع خطأه(1)[72]، وذكر كثير من الطوائف من أصحابنا وغيرهم منهم القاضي في ضمن مسألة انعقاد الإجماع عن قياس : أنه يضلل ويفسق وهو مقتضى قول كل من قال إن الإجماع حجة قاطعة وهم جماهير الخلائق وقال بعض المتكلمين أنه حجة ظنية فعلى هذا لا يكفر ولا يفسق "(2)[73].
__________
(1) 72] هذا منطق الوهابية المعوج .
(2) 73] المسودة لعبد السلام وعبد الحليم وأحمد بن تيمية ج1ص308.(48/55)
وننقل كلام شيخ الوهابية ابن تيمية بتمامه لعله يجد مكانا في قلوب أذنابه : " كلما رأوهم قالوا : من قال كذا فهو كافر . اعتقد المستمع–كالوهابية- أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله ، ولم يتدبروا إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين وان تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع ، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه(1)[74]، فإن الإمام أحمد مثلا قد باشر الجهمية الذين دعوه إلى خلق القرآن ونفي الصفات وامتحنوه وسائر علماء وقته وفتنوا المؤمنين والمؤمنات الذين لم يوافقوهم على التجهم بالضرب والحبس والقتل والعزل عن الولايات وقطع الأرزاق ورد الشهادة وترك تخليصهم من أيدي العدو بحيث كان كثير من أولي الأمر إذ ذاك من الجهمية من الولاة والقضاة وغيرهم يكفرون كل من لم يكن جهميا موافقا لهم على نفي الصفات مثل القول بخلق القرآن ويحكمون فيه بحكمهم في الكافر ، فلا يولونه ولاية ، ولا يفكونه من عدو ، ولا يعطونه شيئا من بيت المال ، ولا يقبلون له شهادة ، ولا فتيا ولا رواية ، ويمتحنون الناس عند الولاية والشهادة والافتكاك من الأسر وغير ذلك ، فمن أقر بخلق القرآن حكموا له بالإيمان ومن لم يقر به لم يحكموا له بحكم أهل الإيمان ، ومن كان داعيا إلى غير التجهم قتلوه أو ضربوه وحبسوه ، ومعلوم إن هذا من أغلظ التجهم فإن الدعاء إلى المقالة أعظم من قولها ، وإثابة قائلها وعقوبة تاركها أعظم من مجرد الدعاء إليها والعقوبة بالقتل لقائلها أعظم من العقوبة بالضرب ، ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه واستغفر لهم وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم
__________
(1) 74] ولكن الوهابية يقولون للشيعة : كفروا فلانا ! ، نعم نكفرهم على دين الوهابية أما على دين الله عز وجل فلا .(48/56)
يجز الاستغفار لهم فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع ، وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية الذين كانوا يقولون القرآن مخلوق وان الله لا يرى في الآخرة "(1)[75]
__________
(1) 75] وقال أيضا ج12ص498: ( والأصل الثاني إن التكفير العام كالوعيد العام يجب القول بإطلاقه وعمومه وأما الحكم على المعين بأنه كافر أو مشهود له بالنار فهذا يقف على الدليل المعين فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه ) ، أقول : الوهابية علاوة على مخالفتهم لأئمتهم في تعميم الكفر على المشتبه الذي لم يقم عنده دليل على شرعية ما أنكره فقد تجاوز أمرهم واستفحل حتى كفروا المعين من العلماء ، بل كفروا بعض علماء أهل السنة بأسمائهم كأحد المشهورين في زماننا فقط لأنه طعن في نتائج انتخابات الرؤساء التي تصل إلى 99.9% ، فقال : لو انتخب الله عز وجل بعظمته رئيسا لأهل الأرض لما وافق أهلها عليه بهذه النتيجة ، فأطلق أحد مشايخ الوهابية حكمه فقال : إن لم يرجع فهو كافر !(48/57)
" والدليل على هذا الأصل الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار أما الكتاب فقوله سبحانه وتعالى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ}(الأحزاب/5). وقوله {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}(البقرة/286). وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي أن الله تعالى قال : قد فعلت لما دعا النبي والمؤمنون بهذا الدعاء . وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس أن النبي قال : أعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش ، وأنه لم يقرأ بحرف منها إلا أعطيه . وإذا ثبت بالكتاب المفسر بالسنة أن الله قد غفر لهذه الأمة الخطأ والنسيان ، فهذا عام عموما محفوظا ، وليس في الدلالة الشرعية ما يوجب أن الله يعذب من هذه الأمة مخطئا على خطئه ، وان عذب المخطئ من غير هذه الأمة ، وأيضا قد ثبت في الصحيح من حديث أبى هريرة أن رسول الله قال : إن رجلا لم يعمل خيرا قط ، فقال لأهله : إذا مات فأحرقوه ثم أذرووا نصفه في البر ونصفه في البحر ، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا به كما أمرهم ، فأمر الله البر فجمع ما فيه ، وأمر البحر فجمع ما فيه فإذا هو قائم بين يديه ، ثم قال :لم فعلت هذا ؟ قال : من خشيتك يا رب ، وأنت أعلم . فغفر الله له. وهذا الحديث متواتر عن النبي ، رواه أصحاب الحديث والأسانيد من حديث أبي سعيد وحذيفة وعقبة بن عمرو وغيرهم عن النبي من وجوه متعددة يعلم أهل الحديث أنها تفيدهم العلم اليقيني وإن لم يحصل ذلك لغيرهم ممن لم يشركهم في أسباب العلم ، فهذا الرجل كان قد وقع له الشك والجهل في قدرة الله تعالى على إعادة ابن آدم بعد ما أحرق وذرى ، وعلى أنه يعيد الميت ويحشره إذا فعل به ذلك ، وهذان أصلان عظيمان ، أحدهما متعلق بالله تعالى وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير ، والثاني متعلق باليوم الآخر وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا(48/58)
الميت ويجزيه على أعماله ، ومع هذا فلما كان مؤمنا بالله في الجملة ومؤمنا باليوم الآخر في الجملة ، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت وقد عمل عملا صالحا ، وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح "(1)[76].
ومن كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه : " ومنهم من قال : المسائل الأصولية هي ما كان عليها دليل قطعي والفرعية ما ليس عليها دليل قطعي . قال أولئك : وهذا الفرق خطأ أيضا فان كثيرا من المسائل العملية عليها أدلة قطعية عند من عرفها وغيرهم لم يعرفها وفيها ما هو قطعي بالإجماع كتحريم المحرمات ووجوب الواجبات الظاهرة ، ثم لو أنكرها الرجل بجهل وتأويل لم يكفر حتى تقام عليه الحجة ، كما أن جماعة استحلوا شرب الخمر على عهد عمر منهم قدامة ورأوا أنها حلال لهم ولم تكفرهم الصحابة حتى بينوا لهم خطأهم فتابوا ورجعوا ، وقد كان على عهد النبي طائفة أكلوا بعد طلوع الفجر حتى تبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم يؤثمهم النبي صلى الله عليه وسلم فضلا عن تكفيرهم وخطؤهم قطعي ، وكذلك أسامة بن زيد قد قتل الرجل المسلم وكان خطؤه قطعيا ، وكذلك الذين وجدوا رجلا في غنم له ، فقال : إني مسلم ! فقتلوه ، وأخذوا ماله كان خطؤهم قطعيا ، وكذلك خالد بن الوليد قتل بني جذيمة وأخذ أموالهم كان مخطئا قطعا ، وكذلك الذين تيمموا إلى الآباط وعمار الذي تمعك فى التراب للجنابة كما تمعك الدابة ، بل والذين أصابتهم جنابة فلم يتيمموا ولم يصلوا كانوا مخطئين قطعا ".
" وأهل السنة لا يبتدعون قولا ولا يكفرون من اجتهد فاخطأ وإن كان مخالفا لهم مستحلا لدمائهم ، كما لم تكفر الصحابة الخوارج مع تكفيرهم لعثمان وعلي ومن والاهما واستحلالهم لدماء المسلمين المخالفين لهم ".
__________
(1) 76] كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير ج12ص487-493.(48/59)
وقال ابن تيمية أيضا : " وهذا من أقوال القدرية والمعتزلة وغيرهم التي خالفوا بها الكتاب والسنة وإجماع السلف والعقل الصريح كما بسط في موضعه "(1)[77]، أقول : ومع ذلك لم يكفر ابن تيمية المعتزلة .
( كلمات علماء أهل السنة في عدم كفر من أنكر سور وآيات القرآن باجتهاد منه .
مرت كلمات علماء السنة في عدم تكفير من قال قولا اشتبه فيه ولو كان قوله كفرا في نفسه ، وهنا نذكر كلمات علماء السنة في عدم تكفير من اجتهد فأنكر آيات من القرآن أو ادعى نقصانه مشتبها :
وقال العلامة ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق : " أنها –البسملة- من الفاتحة ومن كل سورة ونسب إلى الشافعي ووجه الأصح إجماعهم على كتابتها مع الأمر بتجريد المصحف وقد تواترت فيه وهو دليل تواتر كونها قرآنا وبه اندفعت الشبهة للاختلاف وإنما لم يحكم بكفر منكرها لأن إنكار القطعي لا يوجب الكفر إلا إذا لم يثبت فيه شبهة قوية فإن ثبتت فلا كما في البسملة "(2)[78].
وقال أيضا : " ويكفر إذا أنكر آية من القرآن أو سخر بآية منه إلا المعوذتين ففي إنكارهما اختلاف والصحيح كفره ، وقيل لا ، وقيل إن كان عاميا يكفر وإن كان عالما لا "(3)[79].
وكلامه واضح في وجود اختلاف بين الفقهاء في كفر من أنكر قرآنية هاتين السورتين ، وواضح أن سبب قول بعض فقهائهم أن العالم لا يكفر إن أنكرهما بخلاف العامي ، لأن العالم يطلع على الروايات التي وردت في المعوذتين وموقف ابن مسعود من إنكارهما فتنشأ عنده شبهة ، لذلك لا يكفر ، بخلاف العامي الذي لا مكان للاشتباه عنده ، وهذه هي القاعدة التي يقولها الشيعة .
__________
(1) 77] كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه ج19ص209 وما بعدها .
(2) 78] البحر الرائق ج1ص330-331.
(3) 79] ن.م ج5ص131.(48/60)
وكذا نقل لنا الإمام البروسوي قول الإمام ابن عوض الحنفي وغيره من العلماء في عدم تكفير من أنكر المعوذتين لنفس السبب الذي ذكرناه سابقا وهو حصول الشبهة لدى المنكر سببها إنكار ابن مسعود لهما ، قال :
" وفي نصاب الاحتساب(1)[80]: لو أنكر آية من القرآن سوى المعوذتين يكفر ، انتهى ."(2)[81]
" وفي الأكمل عن سفيان بن سختان قال : من قال إن المعوذتين ليستا من القرآن لم يكفر لتأويل ابن مسعود رضي الله عنه كما في المغرب للمطرزي .
وقال في هدية المهديين : وفي إنكار قرآنية المعوذتين اختلاف المشايخ والصحيح أنه كفر ، انتهى"(3)[82].
__________
(1) 80] راجع كشف الظنون للقسطنطيني الحنفي ج2ص1953 ، إنكار ابن مسعود للمعوذتين سيأتي الكلام عنه بإذنه تعالى .
(2) 81] روح البيان ج10ص546 ط دار إحياء التراث .
(3) 82] ن.م ص546 ، أقول : هذه المصنفات لعلماء من أهل السنة قد طمسها الدهر وطمس أربابها ، فيتضح أن الاقتصار على المصنفات الموجودة بين أيدينا فقط للحكم بخلو فرقة ما من رأي معين أمر غير علمي .(48/61)
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني :" فإن قيل : إذا قلتم أنها –البسملة- ليست بقرآن هل تكفّرون من قال إنها قرآنا كما تكفّرون من جعل " قفا نبك " قرآن ؟ قيل : هذا يلزم على قول من يكفر من قال إنها ليست منه ، وهذا ليس بصحيح ولا مرضي ، بل كل من أثبتها آية من القرآن مخطئ ذاهب عن الحق ولم يجب تكفيره لأن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أمر بكتابتها في فواتح السور ، وجهر بها تارة ، فوجب تخطئته لأجل تركه تأمل حال عادته صلى الله عليه (وآله) وسلم في إلقاء القرآن ، وأنه يلقيه إلقاء شائعا ذائعا ، فكان مخطئا في هذا الوجه متأولاً ضربا من التأويل لا يُصيّره بمثابة من ألحق بالقرآن ما علم ضرورة من أنّ الرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم قال قولا ظاهرا إنها ليست من القرآن و أشاع ذلك إشاعة تكفّر من ردّها "(1)[83].
وقال العلامة محي الدين النووي في المجموع :" وأجمعت الأمة على أنه لا يكفر من أثبتها –البسملة- ولا من نفاها لاختلاف العلماء فيها ، بخلاف ما لو نفى حرفاً مجمعاً عليه أو أثبت ما لم يقل به أحد ، فإنه يكفر بالإجماع "(2)[84].
أقول : إن كان تضارب روايات البسملة عندهم كفيلة في تحقق الشبهة المانعة من التكفير فلا ريب في تحققها عند بعض الإخبارية من الشيعة التي وجدت عندهم روايات كثيرة تدل على نقصان بعض الكلمات من القرآن ، وأما قوله الأخير فستأتي مناقشته .
__________
(1) 83] نكت الانتصار لنقل القرآن ص79 .
(2) 84] المجموع ج3ص281 ، إعانة الطالبين ج1ص139، عون المعبود ج2ص353، نيل الأوطار للشوكاني ج2ص208 ط الحلبي الثانية .(48/62)
وهذا ما ذكره البيهقي في سننه الكبرى : " قالوا والذي روينا عن الشافعي وغيره من الأئمة من تكفير هؤلاء المبتدعة فإنما أرادوا به كفرا دون كفر هو كما قال الله عز وجل {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ}(المائدة/44) ، قال ابن عباس : إنه ليس بالكفر الذي تذهبون إليه إنه ليس بكفر ينقل عن ملة ولكن كفر دون كفر .
قال الشيخ رحمه الله : فكأنهم أرادوا بتكفيرهم ما ذهبوا إليه من نفي هذه الصفات التي أثبتها الله تعالى لنفسه وجحودهم لها بتأويل بعيد مع اعتقادهم إثبات ما أثبت الله تعالى فعدلوا عن الظاهر بتأويل فلم يخرجوا به عن الملة وإن كان التأويل خطأ كما لم يخرج من أنكر إثبات المعوذتين في المصاحف كسائر السور من الملة لما ذهب إليه من الشبهة وإن كانت عند غيره خطأ "(1)[85].
وكلامه الأخير واضح جدا ولا يحتاج إلى تعليق .
حتى أن شيخ الوهابية ابن تيمية نص على عدم تكفير من أنكر قرآنا ثابتا لاشتباهه ولعدم قيام الدليل لدى المنكر كتواتر قرآنية السورة والآية ، وحال هذا المنكر للقرآن في عدم تكفيره عند ابن تيمية حال بعض الصحابة والتابعين الذين أنكروا بعض نصوص القرآن الثابتة بالتواتر لعدم قيام الحجة لديهم ، ونقدم أولا كلامه عن عدم تكفير كل من ادعى أن بعض القرآن ليس من كلام الله عز وجل لأجل شبهة طرأت له :
__________
(1) 85]سنن البيهقي الكبرى ج10ص207ح20688.(48/63)
" ولا ريب أن من قال إن أصوات العباد قديمة فهو مفتر مبتدع له حكم أمثاله كما إن من قال أن هذا القرآن ليس هو كلام الله فهو مفتر مبتدع له حكم أمثاله ومن قال إن القرآن العربي ليس هو كلام الله بل بعضه كلام الله وبعضه ليس كلام الله مفتر مبتدع له حكم أمثاله(1)[86] ، ومن قال إن معنى آية الكرسي وآية الدين و قل هو الله أحد و تبت يدا أبى لهب معنى واحد فهو مفتر مبتدع له حكم أمثاله ، وأما التكفير فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد وقصد الحق فأخطأ لم يكفر ، بل يغفر له خطأه ، ومن تبين له ما جاء به الرسول فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر(2)[87] ".
" فالتكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص ، فليس كل مخطئ ولا مبتدع ولا جاهل ولا ضال يكون كافرا ، بل ولا فاسقا بل ولا عاصيا ، لا سيما في مثل مسألة القرآن ، وقد غلط فيها خلق من أئمة الطوائف المعروفين عند الناس بالعلم والدين ، وغالبهم يقصد وجها من الحق فيتبعه ويعزب عنه وجه آخر لا يحققه ، فيبقى عارفا ببعض الحق جاهلا بعضه بل منكرا له"(3)[88].
وأفصح ابن تيمية عما في صدره حينما استدل على عدم جواز تكفير من أنكر نصوص القرآن الثابتة التي نقرؤها في صلاتنا ، لشبهة عرضت له أو لعدم ثبوتها عنده بالتواتر ، قال :
__________
(1) 86] فهاهو ابن تيمية لم يكفر من ادعى التحريف بل بدعه وضلله فقط .
(2) 87] لاحظ تعليق الكفر على العلم المنكر بصدور ما أنكره من الشرع .
(3) 88] كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير ج12ص179-180.(48/64)
" وأيضا فإن السلف أخطأ كثير منهم في كثير من هذه المسائل ، واتفقوا على عدم التكفير بذلك ، مثل ما أنكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي و أنكر بعضهم أن يكون المعراج يقظة وأنكر بعضهم رؤية محمد ربه ولبعضهم في الخلافة والتفضيل كلام معروف ، وكذلك لبعضهم في قتال بعض ولعن بعض وإطلاق تكفير بعض أقوال معروفة ، وكان القاضي شريح يذكر قراءة من قرأ ( بل عجبتَ ) ويقول : إن الله لا يعجب ، فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال : إنما شريح شاعر يعجبه علمه ، وكان عبد الله أفقه منه ، فكان يقول ( بل عجبتُ ) فهذا قد أنكر قراءة ثابتة ، وأنكر صفة دل عليها الكتاب والسنّة ، واتفقت الأمة على أنه إمام من الأئمة ، وكذلك بعض السلف أنكر بعضهم حروف القرآن (1)[89]، من إنكار بعضهم قوله {أَفَلَمْ يَيْئَسْ الَّذِينَ آمَنُوا}(الرعد/31). وقال(2)[90] : إنما هي ( أولم يتبين الذين آمنوا ) ، وأنكر الآخر قراءة قوله {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}(الإسراء/23). وقال(3)[91] : إنما هي : ( ووصى ربك ) ، وبعضهم(4)[92] كان حذف المعوذتين ، آخر(5)[93] يكتب سورة القنوت .
__________
(1) 89] وهذا اعترف صريح منه بإنكار السلف بعض أحرف من القرآن .
(2) 90] وسيأتي بيان أن هذا المنكر هو حبر الأمة ابن عباس .
(3) 91] قصد الضحاك بن مزاحم كما سيأتي بإذنه تعالى .
(4) 92] قصد عالم القرآن عبد الله بن مسعود كما سيأتي بإذنه تعالى.
(5) 93] قصد سيد القراء أبي بن كعب كما سيأتي بإذنه تعالى .(48/65)
وهذا خطأ معلوم بالإجماع والنقل المتواتر(1)[94] ، ومع هذا فلم يكن قد تواتر النقل عندهم بذلك لم يكفروا ، وإن كان يكفر بذلك من قامت عليه الحجة بالنقل المتواتر(2)[95] "(3)[96].
__________
(1) 94] فمع إنكار سلفهم الصالح لما هو موجود في مصاحفنا من القرآن تجد ابن تيمية يقول أنه من الخطأ ، وهذا بعينه ما نقمته الوهابية على الشيعة عندما قالوا بخطأ من قال منهم بتحريف القرآن ، مع أن شيخ إسلامهم ابن تيمية يقولها ، ولا من نكير ! ناهيك عن أن إنكار هؤلاء السلف للقرآن أشنع وأفظع لأنهم أنكروا الموجود وأضافوا غيره أي هو تحريف بالنقص وزيادة بخلاف بعض الشيعة الذين قالوا أنه نقص منه فقط ، وعلى أي حال فالشيعة على مر الزمن يستضعفون بالباطل .
(2) 95] وأوضح منه من ادعى سقوط شيء من القرآن ويرى أن وقوع التحريف في القرآن قد جاء به الشرع وتواترت فيه الأخبار ، ولا تواتر في البين لأنه لا يثبت عدم سقوط الآيات ، فهو من باب السالبة بانتفاء الموضوع .
(3) 96] مجموع فتاوى ابن تيمية ج12ص492 مطابع الرياض ط الأولى 1382ه .(48/66)
وإلى هنا تتضح ما أرادته الوهابية من الشيعة ، يريدون من الشيعة تكفير بعض علمائهم سفاهة وعلى دين الوهابية!(1)
__________
(1) 97] ولا غرابة في ذلك فقد قامت الوهابية على أكتاف التكفير وسفك الدماء ، قال صديق بن حسن القنوجي في أبجد العلوم ج3ص194 وما بعدها : ( قال الشيخ الإمام العلامة محمد بن ناصر الحازمي الآخذ عن شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني : وأشهر ما ينكر عليه –مبتدع الوهابية محمد بن عبد الوهاب- خصلتان كبيرتان الأولى : تكفير أهل الأرض بمجرد تلفيقات لا دليل عليها وقد انصف السيد الفاضل العلامة داود بن سليمان في الرد عليه في ذلك ، الثانية : التجاري على سفك الدم المعصوم بلا حجة ولا إقامة برهان ، وتتبع هذه جزئيات –إلى قوله- ثم لما تم للشيخ ابن عبد الوهاب ما أراد في تلك القرى المجاورة للدرعية وهي قرية الشيخ عبد العزيز واجتمع على الإسلام معه عصابة قوية صاروا يدعون من حولهم من القرى بالرغبة والرهبة ويقاتلون من حولهم من الأعراب ثم لما تمكن في قلوبهم الإسلام وهم عرب غنام قرر لهم إن من دعا غير الله أو توسل بنبي أو ملك أو عالم فإنه مشرك شاء أو أبى اعتقد ذلك أم لا وتعدى ذلك إلى تكفير جمهور المسلمين وقد قاتلهم بهذا الوجه الذي أبداه –إلى قوله- بعد بلوغها الشيخ الفاضل عبد الرحمن النجدي ووصف لنا من حال ابن عبد الوهاب أشياء أنكر ما عليه من سفك الدماء ونهبه الأموال وتجاربه على قتل النفوس ولو بالاغتيال وتكفيره الأمة المحمدية في جميع الأقطار ، فبقي معنا تردد فيما نقله الشيخ عبد الرحمن حتى وصل الشيخ مربد وله نباهة ووصل ببعض رسائل ابن عبد الوهاب التي جمعها في وجه تكفير أهل الإيمان وقتلهم ونهبهم وحقق لنا أحواله وأفعاله وأقواله فرأينا أحواله أحوال رجل عرف من الشريعة شطر ولم يمعن النظر ولا قرأ على من يهديه نهج الهداية وبدله على العلوم النافعة ويفقهه فيها بل طالع بعضا من مؤلفات الشيخ أبي العباس ابن تيمية ومؤلفات تلميذه ابن القيم الجوزية وقلدهما من غير إتقان مع أنهما يحرمان التقليد –إلى قوله- ثم وقفت لهذا العهد على كتاب رد المحتار وحاشية الدر المختار للسيد محمد أمين بن عمر المعروف بابن العابدين بمصر حالا وكان في سنة ما لفظه : كما وقع في زماننا في إتباع عبد الوهاب الذي خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة كلنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وإن من خالف اعتقادهم مشركون واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم حتى كسر الله شوكتهم وخرب بلادهم وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلث وثلثين مائتين وألف " ، راجع كذلك الخلاصة الكلام لفقيه الشافعية زيني دحلان ، وغيره ممن كتبوا عن الوهابية .(48/67)
[97]، لا على مذهب أهل السنة ولا على مذهب شيخهم ابن تيمية ، فضلا عن مذهب أهل البيت الذي تدين به الشيعة ! ، ولا أزيدك علما أن الوهابية يستمزجون التكفير ويستهوونه وإن كانت رعونتهم في إطلاق كلمة الكفر مخالفة لنفس المذهب الذي ينتسبون له !
( هل هناك شبهة قوية دعت للقول بتحريف القرآن !
وقد يتساءل البعض ، هل وجدت شبهة عند من قال بتحريف القرآن أم قال به استمزاجا وترفا واتباعا للهوى ؟
قد بينا فيما سبق عدم قيام الدليل عندهم على صيانة القرآن من التحريف ، لا من القرآن الكريم ولا من السنة المطهرة وقد ذكرنا كيف فهموا الآيتين وحديث الثقلين وأحاديث عرض السنة على كتاب الله عز وجل ، فهذا يعني أن المانع من اعتقاد التحريف مفقود عندهم ، وفي المقابل وردت كثير من الروايات التي تصرح وتلوح بحصول النقص في كتاب الله عز وجل وحذف بعض الكلمات منه ، وهذا الروايات جاءت متظافرة في كتب الفريقين المعتمدة كالبخاري ومسلم عند السنة والكافي عند الشيعة ، بل قالوا أن هناك إخبارا ونبوءات من النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقول إن هذه الأمة ستحرف كتاب ربها ، وهذه الرواية أخرجها البخاري في صحيحه :
" عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال : لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه . قلنا : يا رسول الله ! اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟! "(1)[98].
فقالوا إن هذه تدل على أن المسلمين سيقتفون أثر من كان قبلهم من اليهود النصارى ولا يحيدون عن مسيرتهم ، ومن المعلوم أن تحريف التوراة والإنجيل من أهم السمات البارزة في ما سلكه اليهود والنصارى ، وهذا أمر يحتاج إلى إجابة !(2)[99]
__________
(1) 98] صحيح البخاري ج3ص1274.
(2) 99] والشيعة يستطيعون الإجابة عليها وستأتي في مبحث جمع القرآن إن شاء الله تعالى .(48/68)
قالوا أيضا إن القرآن الكريم يدل على هذا المعنى في سورة الانشقاق ، ويفي بالغرض نقل مقطع من تفسير ابن كثير :
" وقوله تعالى {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}(الإنشقاق/19). قال البخاري -بسنده- قال ابن عباس : {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} حالا بعد حال . قال هذا نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم . هكذا رواه البخاري بهذا اللفظ وهو محتمل أن يكون ابن عباس أسند هذا التفسير عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كأنه قال سمعت هذا من نبيكم صلى الله عليه وسلم فيكون قوله نبيكم مرفوعا على الفاعلية من قال وهو الأظهر والله أعلم . كما قال أنس : لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم . وقال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن مجاهد أن ابن عباس كان يقول : {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} قال : يعني نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : حالا بعد حال ". هذا لفظه وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : طبقا حالا بعد حال . وكذا قال عكرمة ومرة والطيب ومجاهد والحسن والضحاك ومسروق وأبو صالح ويحتمل أن يكون المراد لتركبن طبقا عن طبق حالا بعد حال قال هذا يعني المراد نبيكم صلى الله عليه وسلم ".
"وقال ابن إسحاق والسدي عن رجل عن ابن عباس : {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} منزلا على منزل ، وكذا رواه العوفي عن ابن عباس مثله وزاد : ويقال أمرا بعد أمر وحالا بعد حال . وقال السدي نفسه : {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} أعمال من قبلكم منزلا بعد منزل . قلت –ابن كثير - : كأنه أراد معنى هذا الحديث الصحيح خ3456 م2669 : " لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه . قالوا : يا رسول الله ! اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟! ، وهذا محتمل "(1)[100].
__________
(1) 100] تفسير ابن كثير ج4ص490-491.(48/69)
وكل هذه الشبه مانعة من التكفير وتجتث أصوله من الأساس ، بل لا يتصور التكفير في مثل هذه الموارد ، لأن هؤلاء بأدلتهم وشبههم التي تحتاج إلى ما يرفعها ويزيحها لا يريدون منها إلا بث الشكوى والتفجع للمصاب والرزية التي طرأت على كتاب الله عز وجل بزعمهم ، فهم في الحقيقة يريدون وجه الله عز وجل والدفاع عن كتابه وبيان ما تعرض له القرآن من تحريف وتلاعب ومظلومية ، ويحسبون أن قولهم السابق يوافق الأدلة الشريعة ولا يعارضها بل هم على يقين من عدم معارضتها ، فغاية ما يقال فيهم أنهم قد ضلوا وما أصابوا الحق في هذه المسألة(1)[101]، وكل هذا ينفي دعوى التكفير التي ترجع إلى إنكار شيء وهو يعلم أن الشريعة جاءت به فيكذب الله ورسوله . فأين هذا من ذاك ؟!
( نظرة في روايات التحريف
( كلمة حول مصادر تلك الروايات
__________
(1) 101] الوهابية الذين تسيل أشداقهم لإطلاق كلمة الكفر لا تروق لهم هذه الكلمات التي تخضع للموازين الشرعية وتسير حسب القواعد العلمية ، وعلى أي حال فإن كلمات علماء أهل السنة واضحة تؤيد ما كتبناه وقد نقلنا نصوصهم سابقا فحتى ابن تيمية يقول بما قلنا ، وهذا كلام إمامهم في القراءات مكي القيسي الذي يصف من يقصد تبديل القرآن وتغييره بأنه قد غلط فقال في الإبانة في معاني القراءات ص5 : ( فهي إذا خارجة عن مراد عثمان و عن السبعة الأحرف ، والقراءة بما كان هكذا خطأ عظيم ، فمن قرأ القرآن بما ليس من الأحرف السبعة وبما لم يرد عثمان منها ولا من تبعه إذ كتب المصحف ، فقد غَيّرَ كتاب الله وبَدّلَه ، و من قصد إلى ذلك فقد غلط ) ، فليشنع الوهابية وليعربدوا كما شاءوا ، وكما قيل : صرير باب أو طنين ذباب !(48/70)
المتأمل في الروايات التي استدل بها على وقوع التحريف لا يدل ظاهر كثير منها عليه إلا بعد التحوير والتحميل ، فبعضها دلت على أن الإمام المعصوم عليه السلام كان في مقام التفسير ، والبعض الآخر جاء بمعنى التنزيل ، ناهيك أن الجم الغفير من تلك الروايات اقتبس من كتب غير معتمدة ومحل كلام عند الأعلام والمراجع الشيعة نحو تفسير العياشي الذي كل مرواياته بحكم المراسيل لأن الذي نسخ التفسير حذف أسانيد رواياته ! ، وأيضا كتاب سُليم بن قيس الهلالي رحمه الله الذي قال فيه الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه :
" هذا الكتاب غير موثوق به ولا يجوز العمل على أكثره ، وقد حصل فيه تخليط وتدليس . فينبغي للمتديّن أن يتجنب العمل بكل ما فيه ولا يعوّل على جملته والتقليد لروايته "(1)[102].
وقال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه : " وكيفما كان فطريق الشيخ إلى كتاب سُليم بكلا سنديه ضعيف " ، وقال :" والصحيح أنه لا طريق لنا إلى كتاب سُليم بن قيس الهلالي المروي بطريق حماد بن عيسى وذلك فإن في الطريق محمد بن علي الصيرفي أبا سمينة وهو ضعيف كذاب "(2)[103] ، وقيل أن أبان بن عياش زاد في كتاب سليم بن قيس .
وكذلك تفسير علي بن ابراهيم القمي رضوان الله تعالى عليه الذي نسب إليه القول بالتحريف بسبب ما كُتب في ديباجة التفسير إلا أن مقدمة التفسير غير معلوم أن القمي قد كتبها وكذا جزء كبير من التفسير ليس للقمي ، والتفسير من الجلد إلى الجلد غير موثوق به وساقط عن الاعتبار .
__________
(1) 102] تصحيح الاعتقاد ص 72 .
(2) 103] صيانة القرآن ص226 ، وكذا المورد السابق منه ص225 .(48/71)
قال الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله : " وبهذا تبيّن أن التفسير ملفق من تفسير علي بن إبراهيم وتفسير أبي الجارود ولكل من التفسيرين سند خاص ، يعرفه كل من راجع هذا التفسير ثم إنه بعد هذا ينقل عن علي بن إبراهيم كما ينقل عن مشايخه الأخر إلى آخر التفسير . وبعد هذا التلفيق كيف يمكن الاعتماد على ما ذكر في ديباجة الكتاب لو ثبت كون الديباجة لعلي بن ابراهيم نفسه ؟ ".
وقال " ثم إن الاعتماد على هذا التفسير بعد هذا الاختلاط مشكل جداًّ خصوصا مع ما فيه من الشذوذ في المتون . وقد ذهب بعض أهل التحقيق إلى أن النسخة المطبوعة تختلف عمّا نقل عن ذلك التفسير في بعض الكتب وعند ذلك لا يبقى اعتماد على هذا التوثيق الضمني أيضا فلا يبقى اعتماد لا على السند ولا على المتن "(1)[104] ، علاوة على أن راوي التفسير بما فيه من روايات للقمي أو لأبي الجارود لم تثبت وثاقته .
وهكذا بالنسبة لكتاب الاحتجاج للطبرسي رضوان الله تعالى عليه إذ كل رواياته مراسيل وبلا إسناد ، فلا يتعبد بما فيه ، وغيرها من المصادر نحو التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام وتفسير فرات الكوفي .
وروايات التحريف نابعة في الغالب من هذه الكتب والمصنفات المخدوشة سندا ومتنا ، قال المحقق هادي معرفة حفظه الله حال كلامه عن فصل الخطاب :
__________
(1) 104] كليات في علم الرجال ص316 –317 .(48/72)
" أما الروايات الخاصة ، والتي استند إليها –المحدث النوري- لإثبات التحريف سواء أكانت دالة بالعموم على وقوع التحريف أم ناصّة على مواضع التحريف ، فهي تربو على الألف و مائة حديث (1122) منها (61) رواية دالة بالعموم و (1061) ناصة بالخصوص ، حسبما زعمه . لكن أكثريّتها الساحقة نقلها من أصول لا إسناد لها ولا اعتبار ، من كتب ورسائل ، إما مجهولة أو مبتورة أو هي موضوعة لا أساس لها رأساً . والمنقول من هذه الكتب تربو على الثمانمائة حديث (815) و بقي الباقي (307) وكثرة من هذا العدد ترجع إلى اختلاف القراءات مما لا مساس لها بمسألة التحريف وهي (107) و البقية الباقية (200) رواية ، رواها من كتب معتمدة ، وهي صالحة للتأويل إلى وجه مقبول أو هي غير دالة على التحريف وإنما أقحمها النوري إقحاما في أدلة التحريف "(1)[105].
__________
(1) 105] مصادر الفقه الإسلامي و منابعه ص76 للشيخ المحقق جعفر السبحاني حفظه الله . وللزيادة راجع صيانة القرآن من التحريف للمحقق محمد هادي معرفة حفظه الله .(48/73)
وقال السيد البروجردي رضوان الله تعالى عليه في تقريرات بحثه : " أن الروايات التي دلت على وقوع التحريف قد أخذت من كتب لا اعتماد عليها ، فإن أكثرها مأخوذ من كتاب أحمد بن محمد بن السيار المعروف بالسياري ، وهو منسوب إلى فساد المذهب . فعن النجاشي أنه ضعيف الحديث فاسد المذهب ، ذكر ذلك الحسين بن عبيد الله مجفو الرواية كثير المراسيل انتهى . وعن ابن الغضائري في رجاله : أحمد بن محمد بن سيار يكنى أبا عبد الله القمي المعروف بالسياري ضعيف متهالك غال منحرف ، استثنى شيوخ روايته من كتاب نوادر الحكمة وحكى عن محمد بن علي بن محبوب في كتاب نوادر المصنف أنه قال بالتناسخ . ( انتهى ) . وقريب مما حكي عن النجاشي ما حكي عن العلامة رحمه الله في الخلاصة ، فلا ريب في ضعفه . وكثير من تلك الأخبار أي الدالة على التحريف عن فرات بن إبراهيم الكوفي ، وهو وإن لم ينسب إلى فساد المذهب بل في رجال المامقاني رحمه الله أنه كان من مشايخ الشيخ أبي الحسن علي بن بابويه ، وقد أكثر الصدوق رحمه الله الرواية عنه لكنه لم يرد توثيق له من علماء الرجال بالنسبة إليه . وعدة منها عن تفسير العياشي رحمه الله ، وهو وإن كان من الإمامية وكان ثقة لكن أكثر الروايات المنقولة في تفسيره مرسلة فلا اعتبار بها . وعدة منها لا ربط لها بالمقام ، بل راجعة إلى كيفية اختلاف القراءات . وعدة منها مقطوع كذبها "(1)[106].
وسنبحث في ما يلي عن الوجه الحق الذي يراه علماء الشيعة لمثل هذه الراويات .
( دلالة أغلب تلك الروايات
__________
(1) 106] تقريرات في أصول الفقه للشيخ علي الاشتهاردي ص257-258.(48/74)
... تضمن بعض ما نقل عن أهل البيت عليهم السلام من روايات آيات قرآنية زيد فيها كلمات وجمل ليست في مصحفنا ، وعُلق في تلك الروايات على هذا المزيج من الآية والكلمة الأجنبية بجملة ( هكذا نزلت ) أي أن الآية نزلت بهذا الشكل بما فيها من الكلمات الأجنبية ، وهذه أمثلة لتلك الروايات :
( " الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن علي بن أسباط عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) في ولاية علي وولاية الأئمة من بعده ) فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}(الأحزاب/71). هكذا نزلت "(1)[107].
( " الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن جعفر بن محمد بن عبيد الله عن محمد بن عيسى القمي عن محمد بن سليمان عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ ( كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام من ذريتهم ) فَنَسِيَ }(طه/115). هكذا والله نزلت على محمد صلى الله عليه وآله ".
( " علي بن إبراهيم عن أحمد بن محمد البرقي عن أبيه عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن منخل عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا {بِئْسَ مَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ( في علي ) بَغْيًا } (البقرة/90)" .
( " وبهذا الإسناد عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن منخل عن جابر قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمد هكذا {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ( في علي ) فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ }(البقرة/23) " .
__________
(1) 107] أصول الكافي ج1ص414ح8 ، تعليق علي أكبر غفاري .(48/75)
" وبهذا الإسناد عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن منخل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا ( في علي نورا مبينا ) مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ}(النساء/47) ".
" أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد الله عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ( آل محمد حقهم ) قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ( آل محمد حقهم ) رِجْزًا مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}(البقرة/59) ".
( " وبهذا الإسناد عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا ( آل محمد حقهم ) لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}(النساء/168-169). ثم قال {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ ( في ولاية علي ) فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا ( بولاية علي ) فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ }(النساء/170)"(1)[108].
__________
(1) 108] أصول الكافي ج1 ص416-417 ح 23 إلى28 إلا 24 .(48/76)
( ... " أحمد بن مهران - رحمه الله - عن عبد العظيم عن بكار عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال هكذا نزلت هذه الآية {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ ( في علي ) لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}(النساء/66) "(1)[109].
... فألصق الوهابية تحريف القرآن بالشيعة ! بدعوى أن بعض رواياتهم تحكي نزول الآيات من السماء بأشكال أخرى غير التي نعرفها ، وواضح أن تلك الكلمات قد نقصت وذهبت ولا وجود لها اليوم في مصحفنا ، فالشيعة تعتقد نقص القرآن ، والحمد لله رب العالمين !
... هذا ملخص كلامهم بعد تخليصه من الشوائب والحشف ، وهذا -على ما فيه من خلط بين الرواية والاعتقاد بمضمونها الذي طالما يقعون فيه ، إذ لا ملازمة بينهما ! ، وبعد التسليم بصحة أسانيد كل الروايات السابقة (2)
__________
(1) 109] أصول الكافي ج1 ص423-424 ح58،59،60 .
(2) 110] يحاول بعض الوهابية إلزام الشيعة بصحة كل روايات الكافي !! ، وهذا مضحك للغاية ! إذ الكافي ( كتابنا ) لا كتاب الوهابية ! ونحن أدرى بكتبنا منهم ! ، ولكن كما قيل ( لأمر ما جذع قصير أنفه ) فهم يذكرون هذا في مقدمة كتبهم السخيفة استغفالا منهم للعوام وإقناعهم بأن الكافي عند الشيعة مثل البخاري ومسلم عند أهل السنة ، كل ما فيه صحيح ! ، وهذا –كالعادة- كذب على جمهور الشيعة بل على كل الشيعة في زماننا ، والأغرب أنهم يقومون بذكر مدح علماء الشيعة لكتاب الكافي كدليل على صحة كل ما فيه !! ، فهل القول بأنه من أفضل الكتب ، أو أنه جليل القدر ، أو أنه لم يصنف مثله ، أو أنه أصح الكتب وأتقنا يعني أنه لا يوجد فيه روايات ضعيفة وغير مقبولة عند الشيعة ؟! ، نعم هذا الكلام يدل على أنه جليل القدر وعظيم المنزلة ولم يصنف مثله وأصح الكتب وأتقنها بالنسبة إلى غيره من الكتب ، وغير هذا من الحكم بصحة كل ما فيه من الروايات فلا يقول به الشيعة .
وقد حاول أحد متخلفي الوهابية في كتابه أصول مذهب الشيعة -وهي رسالة دكتوراه- إقناع بني جلدته –المساكين- بهذه الفكر بالإحالة على المصادر التي مدحت كتاب الكافي –مع أن كل المصادر التي أحال عليها هي للإخبارية ومع ذلك يعمم الحكم على كل الشيعة !! ، خداع في خداع - ، ثم يستغرب الوهابي من الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه كيف حكم بالوضع على ما روي في تحريف القرآن مع أنها موجودة في الكافي ، ومع ذلك يبقى المتخلف مصرا على أن كل ما في الكافي صحيح عند الشيعة لأنهم مدحوه !! ، مع أن نفس الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه هو ممن مدح الكافي ! ، وهذا كلام الوهابي في كتابه السابق في ج1ص227 عن الكليني رضوان الله تعالى عليه : ( الملقب عند الشيعة ب ثقة الإسلام ومؤلف أصح كتاب من كتبهم الأربعة المعتمدة في الرواية عندهم ) . وقال ( والكافي للكليني –رضوان الله تعالى عليه- عند شيوخ الرافضة في أعلى درجات الصحة ، لأن الكليني كان معاصرا للسفراء الأربعة –رضوان الله تعالى عليهم- الذين يدعون الصلة بالمهدي الغائب المنتظر –عليه السلام- ، ولهذا كان التحقق من صحة مدوناته أمرا ميسورا له لأنه يعيش معهم في بلد واحد وهو بغداد –أقول : هذا الكلام لا يقبله محققو الشيعة لأدلة ذكروها في كتبهم ، فليحتفظ به لنفسه- . ولكن يلاحظ أن ابن بابويه القمي –الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه- حكم بوضع ما روي في تحريف القرآن مع وجودها في الكافي الذي يصفونه بهذا الوصف ويوثقونه هذا التوثيق ) ، أقول : فمع اعترافه بأن الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه حكم بالوضع على بعض الروايات التي في الكافي وهو رأس الشيعة وشيخهم في زمانه ، ألا يكون هذا سببا كافيا لإيقاظه وتبديد أحلامه السابقة ! ، اللهم بلى ، إلا من طمس على عقله .
ملاحظة : هذا الوهابي اعتاد في كثير من مواضع كتابه السابق على نقل فكرة معينة ونقضها بعد عدة أسطر أو بعد صفحة ، فلا أدري هل هو أسلوب جديد في الكتابة ؟ أم هي خواطر تدور في رأسه لا رابط بينها ؟ أم ماذا ؟ ، فأدعو كل من كانت هوايته حل الألغاز والأحاجي اقتناء هذا الكتاب .(48/77)
[110]- كلامٌ ساقط من رأس ، لأن عبارة ( هكذا نزلت ) لا يفهم الشيعة منها أن هذا المُنزل كله قرآن ، أي أن تلك الكلمات الدخيلة من نفس جنس القرآن حتى يقال إن القرآن في نظرهم حُرف ونقص بسقوطها ! ، نعم الباقي هو من القرآن أما ما دمج فيه فليس منه(1)[111] ، لأن كلمة التنزيل الواردة في الروايات معناها يختلف عما هو معروف بيننا اليوم الذي خُصّ بنزول عين آيات القرآن ، والمقصود من التنزيل في الروايات هو التفسير النازل عن طريق الوحي توضيحا وتبيانا للمراد وشرحا للآيات القرآنية ، فليس التنزيل قرآنا منزلا وإنما تفسيرٌ منزل من قِبل الله تعالى ورثه أهل البيت عليهم السلام عن جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا اعتقاد محققي ومراجع الشيعة في تلك الزيادات ، وسيتضح بإذنه تعالى أن من المعلوم عند علماء الشيعة أن جبريل عليه السلام لم ينزل بالقرآن فقط وإنما أنزل تفسيره أيضا وهو المسمى في بعض الروايات بالتنزيل(2)
__________
(1) 111] وهذا ما يعتقده الشيعة ، والذي تعمد الأعراب تجاهله كما تعمدوا تجاهل كثير غيره ، وسببه واضح فتأليب الرعاع وإثارة الغوغاء على الشيعة هو غاية المنى وسدرة المنتهى عند الوهابية ، حتى إن بعضا منهم يعكف في لياليه قارئا كتب الروايات عند الشيعة يتصيد ما يحلو له من الروايات ويخترع التهم وينسج العقائد ويحيك الآراء التي لم ينزل الله بها من سلطان وما أن يبزغ الفجر حتى يرمي الشيعة بكل تخيلاته وسماديره ، وكل دليله هو : ( رُوي ) ، وهل هذا يكفي ؟! والوهابية بعملهم هذا يخترعون المذاهب والآراء للشيعة ثم يكرون عليها مشنعين مبدعين وفي الحقيقة لا يبدعون إلا مخيلتهم وتصوراتهم السقيمة ، وكل هذا استدرار لغضب الهمج والطغمة منهم ، وعلى هذا السُّنة تمضي الأيام !
(2) 112] وهناك رأي يقول إن قول الإمام عليه السلام في الرواية (هكذا نزلت) يقصد به أن نزول هذه الآية من السماء كان على هذا المعنى لا على المعنى الذي يدعيه الناس ، أي هذا قصد الله عز وجل من الآية ، وقد يتبادر أن هذا الرأي يخالف الرأي الأول حيث يفيد هذا أن الوحي ليس له دور في إضافة تلك الكلمات كتفسير للآيات بل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي أضافها من عند نفسه ، وبعبارة أخرى عندما يقال هذا تنزيلها أي هذا معناها التي نزلت عليه الآية وكلمات التنزيل إنما جاءت من قِبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومنه إلى أهل بيته عليهم الصلاة والسلام لا عن طريق الوحي ، وبقليل تأمل يتضح أنهما قول واحد أحدهما مجمل وآخر مفصل لأن ما ينطق به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويأخذه عنه أهل بيته عليهم السلام إنما هو وحي يوحى ، وكله من عند الله عز وجل فلا يقال هذا من السماء وهذا من عند الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فتفسير القرآن والسنن والعلم بالمغيبات وكلمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلها تنسب حقيقة إلى الله عز وجل ، فلا فرق بين النظرتين بل هي نظرة واحدة وهي نزول هذه الكلمات من السماء تفسيرا وشرحا للمراد ، وعلى أي حال فالكل يتفق على أن تلك الكلمات تفسيرا للقرآن لا عين القرآن وهذا محل الكلام .(48/78)
[112]، فلا يصح الافتراء على الشيعة أن من عقائدهم تحريف القرآن فقط لوجود روايات عندهم تذكر كلمات مدمجة في الآية وتعقبها بعبارة ( هكذا نزلت ) ! إذ النزول من السماء في روايات الشيعة أعم من نزول القرآن ، وهذا نفس قول علماء أهل السنة بأن القرآن قد نزل ونزل معه مثله وستأتي كلماتهم فيه بإذنه تعالى ، وإلى هنا يتضح الوجه الصحيح لعشرات -إن لم نقل مئات- من الروايات التي أبهمت على الوهابية الذين لا خبرة له بروايات أهل البيت عليهم السلام فاستفادوا منها تحريف القرآن .
( الوهابية والخيال المتناقض !
... بزغ لنا اليوم رأي جديد أو قل فلتة جديدة تقول إن بعض محدثي الشيعة هم الذين أقحموا تلك الزيادات بين كلمات الرواية ، وأصحاب الفلتات هم بعض الوهابية كالعادة ، فقد قال جاهلهم في أصول مذهب الشيعة :
... " وقد اكتملت صورة هذه الأسطورة -تحريف القرآن- على أيديهما فبدأت الروايات عند القمي والكليني –رضوان الله تعالى عليهما- تأخذ بهذه الأسطورة إلى مرحة عملية فبدؤوا بإقحام كلمة ( في علي ) بعد أي آية فيها لفظ ( أنزل الله إليك ) و ( أنزلنا إليك ) ، وزيادة لفظ ( آل محمد حقهم ) بعد لفظ ( ظلموا ) حيثما وقع في القرآن …الخ "(1)[113].
...
... لنسلم له أن تلك الزيادات هي من التحريف الصريح كما حسب المغفل ، ونترك لأجله كلمات علماء الشيعة الآتية التي تنص على أنها من التنزيل ، وننبذ أيضا -لسواد عينيه- كلمات علماء السنة التي تنص على وجود التنزيل في الشريعة كما سيأتي بإذنه تعالى ، ولنسائله :
... كيف علم أن القمي والكليني رضوان الله تعالى عليهم قد أقحما هذه الجمل بين الآيات ؟! ، أليس من المحتمل أنهما سمعاها ممن أقحمها بزعمه ؟ ، طبعا لا جواب !
__________
(1) 113] أصول مذهب الشيعة ج1ص240.(48/79)
... ثم كيف يقتصر عملهما على إقحامها والروايات تتحدث عن خصوص هذه الجمل المقحمة ؟! أليس الصحيح أن يقول الوهابي أنهما وضعا تلك الروايات والعياذ بالله ؟
... وكما قلت سابقا إن هذا الوهابي العبقري له أسلوب خاص في الكتابة حيث اعتاد على الدوام نقض ما ذكره مسبقا وهذا يظهر بأقل اطلاعة على كتابه(1)
__________
(1) 114] أقول هذا لأني لم أكلف نفسي إلا قراءة مبحث تحريف القرآن قراءة سريعة ، ولو نظر المنصف في كل الأدلة التي ساقها -رواية أو حادثة أو قول لعالم- لوجد أنها غير صريحة في المراد بل تحتمله كما تحتمل غيره ، فكان الوهابي يرجح ما يتناسب مع الفكرة المسبقة التي التقطها من الشوارع واختزنها في دماغه ، مع أن الإنصاف أن يرجح ما رجحه الشيعة أنفسهم ! ، لذا صار شغله الشاغل في هذا الكتاب اصطياد ما يؤيد فكرته المتهالكة من كتب الشيعة ، ومن باب المثال لا أكثر ولا أقل ، زعمه أن الكليني رضوان الله تعالى عليه قال بتحريف القرآن لأنه روى في كتابه روايات التحريف وسكت عنها ، فصار يضرب على هذا الوتر وما يكاد أن يرفع قلمه عنه حتى يخوض فيه من جديد ! ، ومع كل هذا الضجيج والعجيج قال في آخر مبحثه تحت عنوان نتائج الموضوع ص302 : ( كما أن لديهم روايات تقول بالتحريف ، فإن عندهم روايات أخرى تنفي هذا الباطل وتنكره مثل قول إمامهم : واجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك على أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها فهم في حالة الاحتجاج عليه مصيبون وعلى تصديق ما أنزل الله مهتدون لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لا تجتمع أمتي على ضلالة . ومثل ما جاء عندهم في ثواب قراءة القرآن ، وفضل حامل القرآن ، ووجوب عرض أحاديثهم عليه ، والتمسك به إلى قيام الساعة ، وهذا يبطل أن يكون محرفا أو مخفيا عند منتظرهم ) .
... وأحال على أصول الكافي عند ذكر مصادرها ! ، فقل لي بربك كيف حكم أن الكليني رضوان الله تعالى عليه يرى تحريف القرآن وقد روى مثل هذه الروايات وكتب مثل هذه الفصول وهي في نظر الوهابي تنفي تحريف القرآن ؟! ، فلماذا ألزم الكليني عقيدة التحريف بسبب الرواية ولم يلزمه عدم اعتقاده وقد رواه أيضا ؟! ، فالأمر ليس إلا فكرة مسبقة في دماغ الكاتب ينقصها رواية هنا وكلمة هناك !(48/80)
[114] ، فهنا مثلا قال الوهابي أن روايات التحريف هي نتاج إقحام وتلاعب من القمي والكليني رضوان الله تعالى عليهما ، ثم يأتي بعد صفحات ليقول إن روايات التحريف قد تلقفها القمي رضوان الله تعالى عليه من كل أفاك أثيم–زعم- ومن ثم أخذها الكليني رضوان الله تعالى عليه من شيخه القمي !! :
... " ويلاحظ أن معظم روايات الكليني –رضوان الله تعالى عليه- صاحب الكافي هي عن هذا القمي –رضوان الله تعالى عليه- الذي تلقف هذه الروايات عن كل أفاك أثيم وسجلها في تفسيره "(1)[115].
... أي أن التلاعب من الرواة لا من القمي ولا من الكليني رضوان الله تعالى عليهما ! فما عدا مما بدا ؟! ، والعجب أن هذه التخرصات والتناقضات تضمنتها رسالة دكتوراه حازت مرتبة الشرف الأولى ! ، هزلت .
( ما يدل من الروايات على أن المقصود من التنزيل هو التفسير
...
... 1- من روايات الشيعة
منها ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام شرحا للآية الكريمة {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا}(مريم/26) :
" عن أبي عبد الله عليه السلام : قوله جل ثناؤه : ( صوما وصمتا ) ، قال : قلت : صمتا من أي شئ ؟ قال : من الكذب . قال قلت : ( صوما وصمتا ) تنزيل ؟ قال : نعم "(2)[116].
فظاهر مقطع الرواية ( قوله جل ثناؤه ) أن هذه الجملة ( صوما وصمتا ) قرآن كغيره ، ولكن بالتأمل في باقي الروايات يتضح أنها من التنزيل المفسر للقرآن ، ففي الكافي :
" عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ، ثم قال : قالت مريم : {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْمًا }(مريم/26). أي صوما صمتا ( وفي نسخة أخرى أي صمتا ) فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم "(3)[117].
__________
(1) 115] أصول مذهب الشيعة ج1ص269 .
(2) 116] مستدرك الوسائل ج7ص371ح8446.
(3) 117] الكافي ج4 ص87 ح36345.(48/81)
ويدل الجمع بين الروايتين على أن هذه الزيادة ( صوما صمتا ) تنزيل من السماء ، ولكن لا كقرآن بل كتفسير ، وهذا التفريق خفي على بعض الصحابة حتى دمجوا كثيرا من التنزيل مع القرآن وصاروا يقرؤونه كقرآن ، وقد حار علماء السنة في تأويل هذه الوجوه وستأتي الإشارة لذلك مع ذكر بعض الموارد التي خلط الصحابة فيها القرآن بالتنزيل ، ونذكر هنا هذا المورد والبقية تأتي إن شاء الله تعالى :
" أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه عن أنس بن مالك أنه كان يقرأ ( إني نذرت للرحمن صوما صمتا ) ".
" أخرج عبد بن حميد وابن الأنباري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأها ( إني نذرت للرحمن صوما صمتا ) وقال : ليس إلا أن حملت فوضعت ".
" أخرج ابن الأنباري عن الشعبي قال : في قراءة أبي بن كعب ( إني نذرت للرحمن صوما صمتا )" (1)[118].
... وعلى هذا فالتنزيل موجود في كتب السنة ، بل وأكثر من كتب الشيعة ولكن أهل السنة ابتدعوا له الوجوه ، ومن هذه الوجوه هي القراءة الشاذة أو الأحرف السبعة أو نسخ التلاوة ، على ما في تلك الأقسام من تداخل تقف عليه بإذنه تعالى في الأبحاث اللاحقة .
... ومما يدل على التنزيل ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام : " نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ (في ولاية علي) فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }(الكهف/29)"(2)[119].
... ويتبين حال تلك الزيادة هل هي من القرآن أم لا ، هذه الرواية التي وردت عن الإمام الصادق عليه السلام : " نزلت هذه الآية هكذا {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ }(الكهف/29). يعني ولاية علي عليه السلام "(3)[120].
__________
(1) 118] الدر المنثور ج4 ص269-270.
(2) 119] الكافي ج1ص425ح64 .
(3) 120] نقلا عن شرح أصول الكافي للمازندراني رضوان الله تعالى عليه ج7ص91-92 ط دار إحياء التراث .(48/82)
... وواضح أن مقطع ( في ولاية علي ) بالجمع بين الروايتين قد نزل به جبرئيل عليه السلام ، ولكنه غير القرآن بقرينة فصله بين الآية والمقطع بكلمة ( يعني ) في الرواية الأخرى أي هو معنى الآية ، فهذا المقطع أنزل كتفسير لا كقرآن .
... ويدل عليه أيضا هذه الرواية التي وقعت ضمن موسوعة الافتراء على الشيعة بتحريف القرآن :" عن أبي جعفر عليه السلام قال : { أَ فَكُلَّمَا جَاءَكُمْ ( محمد ) بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمْ (بموالاة علي) اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا (من آل محمد) كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُون}(البقرة/87) "(1)[121].
... مع أن هناك رواية أخرى جاءت عن نفس الإمام الباقر عليه السلام مبينة لما ورد في تلك الرواية : " فقال لهم الله : فإن { جاءَكُمْ (محمد) بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ (بموالاة علي) اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَريقاً (من آل محمد) كَذَّبْتُمْ وَفَريقاً تَقْتُلونَ } ، فذلك تفسيرها بالباطن "(2)[122].
... فيعلم منه أن قولهم عليهم السلام ( قال الله تعالى ) لا يقصد به القرآن دائما بل قد يكون قرآنا مختلطا بتفسيره النازل من السماء .
__________
(1) 121] الكافي ج1ص418ح31.
(2) 122] البحار ج24ص307.(48/83)
ويدل أيضا على أن المقصود من التنزيل في الروايات هو التفسير ما في الكافي : " عن أبي عبد الله عليه السلام عليه السلام في قول الله تعالى : {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ ( بولاية علي ) لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ}(المعارج/1-3) ثم قال : هكذا والله نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله "(1)
__________
(1) 123] الكافي ج1ص422ح47 ط دار الكتب الإسلامية ، أقول : سبب نزول هذه الآيات معلوم عند أهل التفسير والتاريخ وهو ما أجاب به سفيان بن عيينة من سأل عن قوله عز وجل{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}(المعارج/1) فيمن نزلت ؟ فقال للسائل : سألتني عن مسألة ما سألني أحد قبلك . حدثني أبي عن جعفر بن محمد عن آبائه صلوات الله عليهم قال : لما كان رسول الله بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد علي فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه . فشاع ذلك وطار في البلاد فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له حتى أتى الأبطح فنزل عن ناقته فأناخها فقال : يا محمد ؟ أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وانك رسول الله فقبلناه ، وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك ، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا ، وأمرتنا أن نصوم شهرا فقبلنا ، وأمرتنا بالحج فقبلنا ، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه . فهذا شئ منك أم من الله عز وجل ؟ فقال : والذي لا إله إلا هو إن هذا من الله . فولى الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول : اللهم ؟ إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . فما وصل إليها حتى رماه الله تعالى بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله وأنزل الله عز وجل {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} الآيات . راجع الغدير للعلامة الأميني رضوان الله تعالى عليه ج1ص239 وما بعدها حيث ذكر ثلاثين عالما من علماء أهل السنة ممن ذكروا هذه الحادثة ونزول الآية فيها .(48/84)
[123].
... وهذه الرواية ظاهرها أن الآية مع الزيادة من القرآن ، ولكن بالنظر لما نقله العلامة المجلسي رضوان الله تعالى عليه في مرآة العقول يتضح أنها تفسير منزل : " وروى محمد بن عباس أيضا حديث المتن عن أبي بصير ثم قال : هكذا في مصحف فاطمة عليها السلام ، وفي رواية أخرى عن أبي بصير أيضا ، وفيه : ثم قال هكذا والله نزل بها جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهكذا هو مثبت في مصحف فاطمة "(1)[124].
... وعليه فهذه الزيادة وإن نزل بها أمين الوحي من السماء ولكنها ليست من نصوص القرآن ، وإلا لقيل أنها موجودة في مصحف أهل البيت عليهم السلام ، لا أن تودع الزيادة في مصحف فاطمة عليها السلام الذي كتب فيه المغيبات وشؤون الإمامة ، ناهيك عن أن مصحف فاطمة عليها السلام لم يشمل على شيء من القرآن ، ففي الكافي :
... " عن الحسين ابن أبي العلاء قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن عندي الجفر الأبيض ، قال : قلت : فأي شئ فيه ؟ قال : زبور داود ، وتوراة موسى ، وإنجيل عيسى ، وصحف إبراهيم عليهم السلام والحلال والحرام ، ومصحف فاطمة ، ما أزعم أن فيه قرآنا ، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجلدة ، ونصف الجلدة ، وربع الجلدة وأرش الخدش "(2)[125].
__________
(1) 124] مرآة العقول ج5ص61 ط دار الكتب الإسلامية.
(2) 125] الكافي ج1ص240ح3 ط دار الكتب الإسلامية.(48/85)
... وفي رواية أخرى عنه عليه السلام : " ثم سكت ساعة ثم قال : وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال : قلت : وما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات(1)[126] ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، قال : قلت : هذا والله العلم ! قال : إنه لعلم وما هو بذاك "(2)[127].
__________
(1) 126] المقصود أن حجم مصحف فاطمة عليها السلام أكبر من حجم القرآن الكريم بثلاث مرات ، أما الوهابية فقد افتروا كعادتهم على الشيعة بأن عندهم مصحفا غير مصحفنا يسمى بمصحف فاطمة ! ولا ندري من أين استفادوا هذا المعنى ؟! ويوما ما علق بي كتيب لأحد الوهابية يستدل فيه على أن مصحف فاطمة عليها السلام هو قرآن الشيعة ، لأن هنالك رواية أخرى رويت عن أبي عبد الله عليه السلام فيها أن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله سبعة عشر ألف آية ، فاستدل على ذلك بأن القرآن عند الشيعة ثلاثة أضعاف الموجود وحيث أن مصحف فاطمة ثلاثة أضعاف الموجود أيضا ، فقرآن الشيعة هو مصحف فاطمة !! ، وكما ترى فإن هذه السخافة لا تنطلي على فاقد العقل ! إذ التوافق بين كتابين في الحجم لا يلزم منه توافقهما في المتن ! والمضحك أن هذا الكلام برمته يتعارض مع ما لأجله كتب الوهابي كتيبه ، لأنه أراد إثبات اعتقاد الشيعة تحريف قرآن المسلمين الذي تدين الشيعة به ، ولكن دليله المعوج جره إلى أن الشيعة لهم قرآن آخر لا أن قرآن الشيعة وقرآن المسلمين محرف في نظرهم !! ، وبعد هذا فهل يُستغرب ترفّع علماء الشيعة عن الاهتمام بسخافات الوهابية ؟! لا والله .
(2) 127] الكافي ج1ص239ح1 ط دار الكتب الإسلامية.(48/86)
... فنستنتج أن تلك الزيادة وإن كان جبرئيل عليه السلام قد نزل بها من السماء ولكنه نزل بها كتفسير للآية لا كقرآن ، ناهيك عن أن هذا الكافر المعترض على الإمامة شك في كون هذا التفضيل للإمام علي عليه السلام أمرا من الله عز وجل ، وعلى هذا لو كانت تلك الزيادة من القرآن لما شك في ذلك !
... ويدل على أن هذا التنزيل ليس من القرآن أن بعض الروايات أقحمت التنزيل في ضمن آيات تخاطب المشركين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن الغير المعقول أن تأمر تلك الآيات–القرآن والتنزيل- غير المسلمين بالتسليم لأمير المؤمنين عليه السلام بالولاية والوصاية ! وعليه فلا ريب أن هذه الزيادات ليست من جنس القرآن وإنما هي تفسيرها بالباطن أو تأويل ، وكمثال :
... " قلت –الفضيل- : {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ }(المزمل/10) ؟ قال الإمام موسى الكاظم عليه السلام : يقولون فيك ، {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً وَذَرْنِي (يا محمد) وَالْمُكَذِّبِينَ (بوصيّك) أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً}(المزمل/10-11) قلت : إن هذا تنزيل ؟ قال : نعم "(1)[128] ، وقد مرت بعض الموارد من هذا النحو فراجع .
__________
(1) 128] ن.م ج1ص434ح1.(48/87)
... ويدل عليه أيضا مقتضى الجمع بين روايات أهل البيت عليهم السلام ، حيث أن بعضها يذكر التنزيل ونزوله من السماء ، ثم تأتي في المقابل روايات كثيرة عن الإمام عليه السلام لا تُذكر فيها تلك الزيادة وإنما تقتصر على النص القرآني ، وهذا الأمر لم يتكرر مرة أو مرتين بل كثر واستفاض حتى لا يكاد يخلو منه تنزيل ، فلا تنزيل إلا وفي مقابله جموع من الروايات التي تقتصر على النص القرآني ، مع العلم أن الروايات التي يقتصر فيها على النص القرآني تتضمن طعونا صريحة في ابن أبي قحافة وابن الخطاب مع ذكر اسميهما ، وهذا ينفي دعوى التقية في هذه الموارد ، ويمكن الرجوع إلى كتب التفسير الروائية عند الشيعة وتتبع الآيات التي زيد فيها التنزيل لتجد في مقابلها عدة من الروايات تذكر الآية خالصة من أي تنزيل مع احتواء الروايات على الطعن في رموز القوم بلا تطرق للتحريف والنقيصة في الآية ، فراجع مثلا تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني رضوان الله تعالى عليه .
... ويدل عليه أيضا روايات كثيرة تحكي نزول أسماء أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وبالخصوص اسم الإمام علي عليه السلام بين ثنايا الآيات الكريمة ، مع أنه وردت رواية صحيحة السند في الكافي تدل بظاهرها على أن أسماء أهل البيت عليهم السلام لم تذكر صراحة في آيات القرآن ، والرواية هي :(48/88)
... " عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ }(النساء/59). فقال : نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام . فقلت له : إن الناس يقولون : فما له لم يسم عليا وأهل بيته عليهم السلام في كتاب الله عز وجل ؟ قال : فقال عليه السلام : قولوا لهم : إن رسول الله صلى الله عليه وآله نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثا ولا أربعا ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسر ذلك لهم ، ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهما درهم ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسر ذلك لهم ، ونزل الحج فلم يقل لهم : طوفوا أسبوعا حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسر ذلك لهم "(1)[129].
... فظاهر هذه الصحيحة يتعارض مع الروايات التي فيها نزول أسمائهم عليهم السلام من السماء قرآنا ، ويمكن حل التعارض بكون تلك الأسماء من قبيل التفسير بالباطن المنزل من السماء وهو ما ذكرنا الأدلة عليه منذ البداية .
ويدل عليه أيضا ما جاء في بحار الأنوار للعلامة المجلسي رضوان الله تعالى عليه عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : " اعلم يا سلمان ! إن الشاك في أمرنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا وحقوقنا ، وقد فرض ولايتنا في كتابه في غير موضع وبين فيه ما وجب العمل به وهو غير مكشوف "(2)[130].
... وهذه الرواية صريحة في أن ولاية أهل البيت عليهم السلام ذكرت في القرآن بنحو مستتر غير مكشوف ، وهذا يعني أن تلك المقاطع التي وردت في الروايات لم تكن من آيات القرآن وإلا لما صح أن يقال أن ولايتهم ذكرت مستترة غير مكشوفة .
__________
(1) 129] الكافي ج1ص286-287ح1.
(2) 130] بحار الأنوار ج72ص28ح10.(48/89)
... وما يدل على ذلك بوضوح أن لو كان هذا التنزيل من النص القرآني وفيه كل هذه النصوص الصريحة في إمامة أهل البيت عليهم السلام لما كان من المعقول من عمر أن يقول في رزية يوم الخميس ( حسبنا كتاب الله ) حينما رد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنعه من كتابة كتاب لا يضل المسلمون لو تمسكوا به ، ففهم عمر بن الخطاب من كلامه صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخرجه مسلم : " أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " ، أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يكتب ما كان يكرره دائما وهو : " أيها الناس ! إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي "(1)[131] ، فقال عمر بن الخطاب : " حسبنا كتاب الله ! "(2)
__________
(1) 131] سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني ج4ص355ح1761.
(2) 132] صحيح مسلم ج3ص1259 : ( عن ابن عباس أنه قال : يوم الخميس ! وما يوم الخميس ؟! ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا . فقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر ).
( عن ابن عباس قال لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده . فقال عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله . فاختلف أهل البيت فاختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده !! . ومنهم من يقول ما قال عمر . فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوموا ! قال عبيد الله : فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم ).
وفي صحيح البخاري ج4ص1612 : ( فذهبوا يردّون عليه . فقال : دعوني !! فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه ). وفيه ج3ص1111 : ( فقالوا : هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : دعوني !! فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه . وأوصى عند موته بثلاث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب . وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم . ونسيت الثالثة ).(48/90)
[132] ، أي ولا حاجة لنا بأهل بيتك ! ، فلو كان القرآن مليء بكل هذه النصوص على إمامة أهل البيت عليهم السلام ، فكيف يقع عمر فيما فر منه ؟!
... وأوضح منها جميعا أن لو كانت تلك الأسماء من القرآن كما تدعيه الروايات لشاع ذلك وذاع بين المسلمين كقرآن يتلى بأسماء أهل البيت عليهم السلام ، وهذا لم ينقله لنا التاريخ بل إن التاريخ والروايات الصحيحة نقلت لنا اضطراب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند عودته من حجة الوداع من التبليغ العام بولاية أمير المؤمنين عليه السلام في غدير خم على تلك الجموع من المسلمين وفيهم من فيهم ، حتى أنزل الله عز وجل ضمان العصمة فقال عز وجل : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(المائدة/67) ، فلو كان هناك واقعية لما تقوله الروايات من قرآنية الأسماء فلا مصحح لخشيته صلى الله عليه وآله وسلم بعد شيوع العلم بأشخاص أئمة المسلمين قرآنا ، ولا مجال حينها لاتهام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام كان من عند نفسه صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو ما اتهمه به الحارث الفهري لعنه الله ولعن من رضى بكلامه ، وكل هذه تقضي بفساد قول من قال أن تلك الزيادات قرآنية .
...
... ولا بأس بذكر بعض ما جاء في تفسير العياشي الذي يدل على أن هذه الكلمات وإن نزلت من السماء في ثنايا الآيات ولكنها نزلت كتفسير لا كقرآن :(48/91)
... " عن جابر قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الآية عن قول الله {فلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}(البقرة/89). قال تفسيرها في الباطن {فلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا ( في علي) كَفَرُوا بِهِ} فقال الله فيهم {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}(البقرة/89) في باطن القرآن قال أبو جعفر فيه : يعني بنى أمية هم الكافرون في باطن القرآن "(1)[133]. فالزيادة كانت من باب التفسير .
... وكذا هذه الرواية : " أبو بصير عنه قال : إنما أنزلت هذه الآية على محمد صلى الله عليه واله في الأوصياء خاصة ، فقال : ( كنتم خير أئمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) هكذا والله نزل بها جبرئيل وما عنى بها إلا محمدا وأوصيائه صلوات الله عليهم "(2)[134].
وقد تلتها رواية أخرى : " عن أبي عمرو الزبيرى عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ}(آل عمران/110) ، قال –عليه السلام- : يعنى الأمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم عليه السلام ، فهم الأمة التي بعث الله فيها ومنها واليها ، وهم الأمة الوسطى وهم خير أمة أخرجت للناس "(3)[135] ، فيتضح أن الآية نزلت من السماء بهذا المعنى المذكور في الرواية الأولى لا أنه قرآن منزل .
__________
(1) 133] تفسير العياشي ج1ص69ح70 ط الأعلمي .(48/92)
... ورواية أخرى : " عن عمار بن سويد قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في هذه الآية {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ}(هود/12) –إلى قوله- ودعا رسول الله عليه وآله السلام لأمير المؤمنين في آخر صلوته رافعا بها صوته يسمع الناس يقول : اللهم هب لعلي المودة في صدور المؤمنين والهيبة والعظمة في صدور المنافقين ، فأنزل الله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدًّا فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا}(مريم/96-97) ، بنى أمية . فقال رمع : والله لصاع من تمر في شن بال أحب إلي مما سأل محمد ربه أفلا سأله ملكا يعضده أو كنزا يستظهر به على فاقته ، فأنزل الله فيه عشر آيات من هود أولها : {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا (في ولاية علي) }(هود/12-14) ( فاعلم إنما أنزل إليك ) {بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( لعلي ولايته ) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ( يعني فلانا وفلان ) نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا}(هود/14-15) {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ( رسول الله صلى الله عليه واله ) وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ( أمير المؤمنين عليه السلام ) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً } قال : كان ولاية علي في كتاب(48/93)
بموسى {أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنْ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ( في ولاية علي ) إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ ( هم الأئمة عليهم السلام ) هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}(هود/17-18). إلى قوله {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}(هود/24) "(1)[136].
فهل من المعقول القول بقرآنية هذه المقاطع ؟! ، كيف تكون من القرآن والآيات نزلت في مكة ! والحوادث التي تحكيها الرواية وقعت في المدينة !(2)[137]
... وهذه من أدل الروايات على أن التنزيل تفسير للقرآن ، ففي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : " {اصْبِرُوا} على الأذى فينا ، قلت : ف {صَابِرُوا} ؟ قال : على عدوكم مع وليكم ، قلت : ف {رَابِطُوا} ؟ قال : المقام مع إمامكم ، {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(آل عمران/200) ، قلت : تنزيل ؟ قال : نعم "(3)[138]. وواضح جدا أن الكلام المتوسط بين الآيات كان تفسيرا لمقاطع الآية وهو من التنزيل .
... 2- من روايات أهل السنة
... وأما روايات أهل السنة التي تدل على وجود التنزيل فهي كثيرة وسيأتي ذكرها في ضمن الروايات التي تعرض القراءات الشاذة للصحابة والتابعين ، ولا نقول أن كل القراءات الشاذة هي نتاج الخلط بين التنزيل والقرآن بل كان بعض منها سببه الخلط بين التنزيل والقرآن والأغلب كان اجتهادا منهم ، وما يدل على وجود التنزيل ما رووه عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :" ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه "(4)[139].(48/94)
... وكذا تدل عليه هذه الرواية : " عن العرباض بن سارية قال : نزل النبي صلى الله عليه وسلم خيبر ومعه من معه من أصحابه فقال : يا عبد الرحمن اركب فرسا فناد إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن ، وإن اجتمعوا إلى الصلاة فاجتمعوا فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قام فقال : أيحسب امرؤ قد شبع حتى بطن وهو متكئ على أريكته أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن ، ألا وإني والله لقد حدثت وأمرت ووعظت بأشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر ، وإنه لا يحل لكم من السباع كل ذي ناب ولا الحمر الأهلية وإن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت المعاهدين إلا بإذن ولا أكل أموالهم ولا ضرب نسائهم إذا أعطوكم الذي عليهم إلا ما طابوا به نفسا "(1)[140].
... وهذا المعنى في سنن الدارمي من نزول جبرئيل عليه السلام بالسنة كما كان ينزل بالقرآن : " أخبرنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن حسان قال : كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن "(2)[141] .
... وفي التمهيد لابن عبد البر : " أما الخيل فقد جاء فيها ما جاء ، وفي هذا الحديث والله أعلم دليل على أن كلامه ذلك في الخيل كان بوحي من الله لأنه قال في الحُمر لم ينزل على فيها شيء إلا الآية الجامعة الفاذة فكان قوله في الخيل نزل عليه والله أعلم ألا ترى إلى قوله : لقد عوتبت الليلة في الخيل . وهذا يعضد قول من قال : إنه كان لا يتكلم في شيء إلا بوحي وتلا {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}(النجم/3-4). واحتج بقوله –صلى الله عليه وآله وسلم- : أوتيت الكتاب ومثله معه . وبقول عبد الله بن عمرو : يا رسول الله ! أكتب كل ما أسمع منك ؟ قال : نعم . قال : في الرضا والغضب ؟ قال : نعم فأني لا أقول إلا حقا "(3)[142].(48/95)
... وقد تسالم أهل لا إله إلا الله على عدم اختصاص جبريل عليه السلام بتبليغ القرآن ، حيث جاء بالأحاديث القدسية وكان مبلغا للسنة ولتفسير القرآن والإخبار عن المنافقين والمشركين وإلى غير ذلك مما كان يُنزّله ، وستأتي أقوال علماء أهل السنة الناصة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد أوتي وأنزل عليه مع القرآن غيره كالسنة والمغيبات وغيرهما التي تدخل كلها في إطار تفسير القرآن وتأويله لأنه قال عز وجل {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}(يس/12).
... وكمثال على القراءة الشاذة التي تدل على التنزيل هذه الرواية التي أخرجها ابن مردويه : "عن أبي عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه قال قرأ علي رضى الله عنه الواقعات في الفجر فقال : ( وتجعلون شكركم إنكم تكذبون )(1)[143] فلما انصرف قال : إني قد عرفت أنه سيقول قائل : لم قرأها هكذا ؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقرؤها كذلك ، كانوا إذا مطروا قالوا : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فأنزل الله ( وتجعلون شكركم إنكم إذا مطرتم تكذبون ) "(2)[144].
... وهذه الرواية تريد أن تقول إن الإمام علي عليه السلام قرأ الآية القرآنية مع اعترافه أن ما أنزله الله عز وجل هو شكل آخر حيث كان مما أنزله عز وجل هو ( إذا مطرتم ) فيتضح أنه من التنزيل لا من القرآن ، ولكن للأسف قد أشكل كثير من التنزيل على بعض الصحابة حتى اعتبر من القرآن يقرأ به آناء الليل وأطراف النهار بدعوى أنه لا يترك شيئا سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! مع أن ما سمعه ليس بقرآن كله بل دمج القرآن مع غيره !
وهذا ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مما يدل على التنزيل :(48/96)
... " حدثنا الأعمش حدثنا عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : لما نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ورهطك منهم المخلصين }(الشعراء/214) ، خرج رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم الخ "(1)[145]. ...
... والآية نزلت من السماء بالزيادة وليست إلا تفسيرا للآية الكريمة .
... وسيأتي ذكر بعض الموارد التي اشتبه بها الصحابة وحار فيها علماء أهل السنة فاخترعوا لها الوجوه والتأويلات ، فقالوا إنها من القراءات الشاذة التي قرأ بها الصحابة ولم تتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل لم ترد عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، كما سيأتي بإذنه تعالى في مبحث القراءات الشاذة ، ولكن نصوص أهل البيت عليهم السلام تبين أنها كانت من التنزيل ، وأهل البيت أعلم بالذي فيه .
... والأهم من كل روايات الشيعة وأهل السنة هذه الآية الكريمة التي تحكي حقيقة تفسير الله عز وجل لقرآنه حيث قال {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}(القيامة/17-19) ، حيث تكفل الله عز وجل ببيان معاني القرآن ، وهذه المعاني ستصل إلينا بلا ريب كسنة نبوية ، وهو التنزيل المقصود .
( كلمات أعلام الشيعة وأهل السنة في التنزيل
أولا : كلمات أعلام الشيعة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين :(48/97)
قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في أوائل المقالات : " ولكنّ حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السّلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً ، وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز ، وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً ، قال الله تعالى {وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}(طه/114). فسمّى تأويل القرآن قرآناً ، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف ، وعندي أنّ هذا القول أشبه ". أي أشبه من القول بتحريف النص القرآني .
وقال : " وأما الوجه المجوز فهو أن يزاد فيه الكلمة والكلمتان والحرف الحرفان ، وما أشبه ذلك مما لا يبلغ حد الإعجاز ، ويكون ملتبسا عند أكثر الفصحاء بكلم القرآن غير أنه لابد متى وقع ذلك من أن يدل الله عليه ويوضح لعباده الحق فيه ولست أقطع على كون ذلك ، بل أميل إلى عدمه وسلامة القرآن منه "(1)[146].
... وقال الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه في الاعتقادات : " بل نقول أنه قد نزل الوحي الذي ليس بقرآن ، ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبع عشرة ألف آية ، وذلك قول جبرئيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ الله تعالى يقول لك : يا محمد دارِ خلقي ، و مثل قوله : عش ما شئت فإنّك ميت ، وأحبب ما شئت فإنّك مفارقه ، و اعمل ما شئت فإنّك ملاقيه ، وشرف المؤمن صلاته بالليل و عزّه كفّ الأذى عن الناس " ، وقال : " إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية"(2)[147].(48/98)
... قال : " ومثل هذا كثير ، وكلّه وحي وليس بقرآن . ولو كان قرآناً لكان مقروناً به وموصولاً إليه غير مفصول عنه ، كما كان أمير المؤمنين جمعه فلما جاء به قال : هذا كتاب ربكم كما أُنزل على نبيّكم لم يزد فيه حرف و لا ينقص منه حرف ، فقالوا : لا حاجة لنا فيه ، عندنا مثل الذي عندك ، فانصرف وهو يقول {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}(آل عمران/187)"(1)[148].
... وقال السيد ابن طاووس رضوان الله تعالى عليه في الطرائف : " روى الفقيه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب بإسناده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنى –وذكر حديثا طويلا إلى أن قال- : ثم أنزل {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ (في أمر علي) إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (وإن عليا لعلم للساعة) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (عن علي بن أبي طالب)}(الزخرف/43-44). هذا آخر الحديث ، وكان اللفظ المذكور المنزل في ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضه قرآناً وبعضه تأويلاً "(2)[149].
... وقال المولى صالح المازندراني رضوان الله تعالى عليه في شرحه لأصول الكافي : " قوله -عليه السلام- ( كذا أنزلت ) لا يدل هذا على أن ما ذكره عليه السلام قرآن لأن ما أنزل إليه عليه السلام عند الوحي يجوز أن يكون بعضه قرآنا وبعضه تأويلاً وتفسيراً "(3)[150].
... وقال : " وقوله عليه السلام ( هكذا والله نزل به جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يدل على أن قوله ( بولاية علي ) من القرآن لما عرفت سابقاً "(4)[151].(48/99)
... وقال في موضع آخر :" قوله –عليه السلام- ( قلت : هذا تنزيل ؟ قال : نعم ) لعل هذا إشارة إلى ما ذكره في تفسير قوله تعالى {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}(الصف/9) وقد عرفت مما نقلناه سابقا عن صاحب الطرايف أن المراد بالتنزيل ما جاء به جبرئيل عليه السلام لتبليغ الوحي وأنه أعم من أن يكون قرآنا وجزءا منه وأن لا يكون فكل قرآن تنزيل دون العكس فعلى هذا قوله عليه السلام ( وأما غيره فتأويل ) يراد به ما ذكره في الآيات السابقة والله أعلم "(1)[152].
... ... وقال المحدث الفيض الكاشاني رضوان الله تعالى عليه عند شرحه لرواية البزنطي ، قال : دفع إليّ أبو الحسن عليه السلام مصحفاً و قال : " لا تنظر فيه ، ففتحته و قرأت فيه {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا}(البينة/1). فوجدت فيه اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم و أسماء آبائهم " قال : فبعث إليّ : " ابعث إلي بالمصحف ! "(2)[153] ، فقال رضوان الله تعالى عليه :
" لعلّ المراد أنه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيراً للذين كفروا والمشركين مأخوذة من الوحي ، لا أنها كانت من أجزاء القرآن ، وعليه يحمل ما في الخبرين السابقين أيضا من استماع الحروف من القرآن على خلاف ما يقرأه الناس يعني استماع حروفٍ تفسّر ألفاظ القرآن وتبين المراد منها عُلِمَت بالوحي(3)[154]، كذلك كلّ ما ورد من هذا القبيل عنهم عليهم السلام وقد مضى في كتاب الحجة نبذ منه فإنه كلّه محمول على ما قلناه ، لأنه لو كان تطرّق التحريف و التغيير في ألفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على شيء منه ، إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة ، وتكون على خلاف ما أنزله الله ، فلا يكون القرآن حجّة لنا ، وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصية به ، وعرض الأخبار المتعارضة عليه ، ثم استشهد بكلام الشيخ الصدوق المتقدم ، وببعض الأخبار "(4)[155].(48/100)
وقال في المحجة البيضاء : " وأما مصحف أبي الحسن عليه السلام المدفوع إلى ابن أبي نصر ونهيه عليه السلام عن النظر فيه ، ونهي أبي عبد الله عليه السلام الرجل عن القراءة على غير ما يقرؤه الناس فيحتمل أن يكون ذلك تفسيرا منهم عليهم السلام للقرآن على طبق مراد الله عز وجل ووفق ما أنزل الله جل جلاله ، لا أن تكون تلك الزيادات بعينها أجزاء لألفاظه المنزلة "(1)[156].
وقال العلامة المجلسي رضوان الله تعالى عليه في مرآة العقول :" قوله –عليه السلام- ( أما هذا الحرف) أي قوله ( بولاية علي ) في آخر الآية ، أو من قوله : ( والله ( إلى قوله ( عليّ ) ، ربما يأوّل التنزيل بالتفسير حين التنزيل كما مرّ مرارا "(2)[157].
...
... وقال الشيخ المظفر رضوان الله تعالى عليه تعليقا على رواية البزنطي السابقة : " ولعل المراد أنه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيرا لقوله تعالى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا}(البينة/1). مأخوذة من الوحي لا أنها كانت من أجزاء القرآن وعليه يحمل الخبر السابق أيضا –الذي فيه ( اقرأ كما يقرأ الناس ) المذكور بالهامش – من استماع الحروف من القرآن على خلاف ما يقرأه الناس يعني استماع حروف تفسر ألفاظ القرآن وتبين المراد منها علمت بالوحي وكذلك كل ما ورد من هذا القبيل عنهم عليهم السلام وقد مضى في كتاب الحجة نبذ منه فإنه كله محمول على ما قلناه ، ثم سرد أدلة بطلان التحريف"(3)[158].
... وقال الميرزا أبو الحسن الشعراني رضوان الله تعالى عليه في تعليقته على شرح أصول الكافي : " قوله –المازندراني- ( وهو على التقديرين تنزيل لا تأويل ) كلام دقيق يليق بالتأمل الصادق لدفع أوهام جماعة يزعمون أن كل ما ورد في الأحاديث أن القرآن نزل هكذا على خلاف ما في المصحف المعروف لا يدل على التنزيل اللفظي بل يمكن أن يراد تنزيل المعنى وهو حسن جدا "(4)[159].(48/101)
... وقال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه : " أنّا قد أوضحنا فيما تقدم أن بعض التنزيل كان من قبيل التفسير للقرآن وليس من القرآن نفسه ، فلا بد من حمل هذه الروايات على أن ذكر أسماء الأئمة -عليهم السلام- في التنزيل من هذا القبيل ، وإذا لم يتم هذا الحمل فلا بد من طرح هذه الروايات لمخالفتها للكتاب ، والسنّة ، والأدلة المتقدمة على نفي التحريف ، وقد دلّت الأخبار المتواترة على وجوب عرض الروايات على الكتاب والسنّة وأن ما خالف الكتاب منها يجب طرحه ، وضربه على الجدار "(1)[160] .
... ثم ذكر رضوان الله تعالى عليه سبب الخلط الذي وقع فيه بعضهم والاغترار بلفظ التنزيل حتى دمج القرآن مع غيره وأدخل ما ليس منه فيه ، وملخص الكلام أن المقصود من ( التنزيل ) في زمن صدور الرواية مختلف عما قصد منه في زماننا ، إذ اشتهر بين الناس اليوم أن معنى التنزيل هو القرآن على وجه الخصوص مع أن التنزيل معناه في زمن الصدور أوسع منه فيشمل التفسير النازل من السماء ، قال رضوان الله تعالى عليه :
... "وأن هذه الشبهة مبتنية على أن يراد من لفظي التأويل والتنزيل ما اصطلح عليه المتأخرون من إطلاق لفظ التنزيل على ما نزل قرآناً ، و إطلاق لفظ التأويل على بيان المراد من اللفظ ، حملاً له على خلاف ظاهره ، إلا أن هذين الإطلاقين من الاصطلاحات المحدثة ، وليس لهما في اللغة عين ولا أثر ليحمل عليهما هذان اللفظان ( التنزيل والتأويل ) متى وردا في الروايات المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام ".
"وأما التنزيل فهو أيضا مصدر مزيد فيه وأصله النزول وقد يستعمل ويراد به ما نزل ومن هذا القبيل إطلاقه على القرآن في آيات كثيرة ".(48/102)
... " وعلى ما ذكرناه فليس كل ما نزل من الله وحياً يلزم أن يكون من القرآن ، فالذي يستفاد من الروايات في هذا المقام أن مصحف علي عليه السلام كان مشتملاً على زيادات تنزيلاً وتأويلاً . ولا دلالة في شيء من هذه الروايات على أن تلك الزيادات هي من القرآن "(1)[161] ، فكان التغاير المفهومي سبب هذا الخلط .
... وقال السيد الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه بعد أن بين وجوه ضعف التمسك بروايات التحريف : " أما ما ذكرنا أن منها ما هو قاصر في دلالتها فإن كثيرا مما وقع فيها من الآيات المحكيّة من قبيل التفسير وذكر معنى الآيات لا حكاية متن الآية المحرفة وذلك كما في روضة الكافي عن أبي الحسن الأول –عليه السلام- في قول الله {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ( فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء وسبق لهم العذاب ) وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا}(النساء/63). وما في الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا}(النساء/135). قال : {وَإِنْ تَلْوُوا ( الأمر ) أَوْ تُعْرِضُوا ( عما أمرتم به ) فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}. إلى غير ذلك من روايات التفسير المعدودة من أخبار التحريف .
... ويلحق بهذا الباب ما لا يحصى من الروايات المشيرة إلى سبب النزول المعدودة من أخبار التحريف كالروايات التي تذكر هذه الآية هكذا {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ( في علي ) }(المائدة/67). والآية نازلة في حقه عليه السلام ، وما روي أن وفد بني تميم كانوا إذا قدموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقفوا على باب الحجرة ونادوا أن اخرج إلينا فذكرت الآية فيها هكذا {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ ( بنو تميم ) أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}(الحجرات/4). فظن أن في الآية سقطا .(48/103)
... ويلحق بهذا الباب أيضا ما لا يحصى من الأخبار الواردة في جري القرآن وانطباقه كما ورد في قوله {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ( آل محمد حقهم ) }(الشعراء/227). وما ورد من قوله {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ( في ولاية علي والأئمة من بعده ) فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}(الأحزاب/71). وهي كثيرة جدا "(1)[162].ثم ذكر وجوه تعارض روايات التحريف ، ومن الأجدر مراجعة ما ذكره رضوان الله تعالى عليه .(48/104)
وقال المحقق الشيخ علي أكبر الغفاري في تعليقه على أصول الكافي : " لعل المراد أنه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيرا لقوله تعالى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا }(البينة/1). مأخوذة من الوحي لا أنها كانت من أجزاء القرآن ، وعليه يحمل ما في الخبر السابق والآتي(1)[163] أيضا من استماع الحروف من القرآن على خلاف ما يقرأه الناس يعنى استماع حروف تفسر ألفاظ القرآن وتبين المراد منها علمت بالوحي وكذلك كل ما ورد من هذا القبيل عنهم عليهم السلام وقد مضى في كتاب الحجة نبذ منه فانه كله محمول على ما قلناه ، وذلك لأنه لو كان تطرق التحريف والتغيير في ألفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على شئ منه إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن تكون محرفة ومغيرة وتكون على خلاف ما أنزله الله فلا يكون القرآن حجة لنا وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية به وعرض الأخبار المتعارضة عليه إلى غير ذلك وأيضا قال الله عز وجل {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(فصلت/42). فكيف تطرق إليه التحريف والنقصان والتغيير وأيضا قال الله عز وجل {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9). وقد استفاض عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام حديث عرض الخبر المروى عنهم عليهم السلام على كتاب الله ليعلم صحته بموافقته له وفساده بمخالفته فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرفا مغيرا فما فائدة العرض مع أن خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذب له ؟! فيجب رده والحكم بفساده أو تأويله وأحسن الوجوه في التأويل أن مرادهم عليهم السلام بالتحريف والتغيير والحذف إنما هو من حيث المعنى دون اللفظ ومما يدل على ذلك ما يأتي في كتاب الروضة ما رواه الكليني بإسناده إلى الباقر عليه السلام أنه كتب إلى سعد الخير كتابا أوصاه بتقوى الله إلى أن قال : وكان من نبذهم(48/105)
الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه الحديث "(1)[164].
وقال الشيخ الفاضل اللنكراني حفظه الله تعالى :" ولكن بعد قيام الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على عدم وقوع التحريف في الكتاب وإن ما بأيدينا مطابق لما أنزل إلى الرسول بعنوان القرآنية لا يبقى مجال لمثل هذه الروايات بل لا بد من حملها على التقية أو على أن المراد بالقرآن هو القرآن المشتمل على الخصوصيات الأخرى أيضا من الشرح والتفسير والتأويل وشأن النزول وأمثالها كقرآن أمير المؤمنين عليه السلام مع أنه يرد على تعبير الروايتين الإشكالات المتقدمة كلاًّ أو جُلاًّ كما لا يخفى وقد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم ثبوت الرجم في القرآن بل الدليل عليه هي السنة المستفيضة بل المتواترة "(2)[165].(48/106)
وقال السيد هاشم معروف الحسني :" ومن خصوص الزيادة الموجودة في مصحف علي عليه السلام كما جاء في بعض المرويات ، لو تغاضينا عن العيوب الموجودة في أسانيدها والتزمنا بصحتها من ناحية السند ، فلا بد وان تكون الزيادات المزعومة من قبيل التفسير والتوضيح للمراد من تلك الآيات عن طريق الوحي أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما نص على ذلك جماعة من علماء الإمامية . ويدل على ذلك ما جاء في الكافي عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ }(النساء/59). فقال : نزلت في علي والحسن والحسين عليهم السلام . فقلت له : إن الناس يقولون : فما له لم يسم عليا والحسن والحسين في كتاب الله ؟ قال : قولوا لهم : إن رسول –الله صلى الله عليه وآله- نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثا ولا أربعا ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسر ذلك لهم . هذا بالإضافة إلى أن عليا والمتخلفين معه عن بيعة أبي بكر لم يحتجوا على أحد بورود هذه الأسماء في القرآن الكريم ولو كان له ولأبنائه ذكر صريح في كتاب الله ، لكان احتجاجهم بذلك أجدى وأنفع من جميع الحجج التي استدلوا بها على استخلافه بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكرنا سابقا "(1)[166].
قال السيد هاشم الرسولي المحلاتي : " ولا يخفى أن معنى النزول في تلك الروايات ليس هو التحريف المدعى في بعض الكلمات بل المراد من النزول هو التفسير والتأويل من حيث المعنى كما صرح به معظم العلماء المنتمين إلى ذلك القول كالمحدث الحر العاملي (ره) في كتاب إثبات الهداة والمولى محسن الفيض في الوافي وغيرهم ، وإلا فهي أخبار آحاد لا تعارض ما ثبت بالتواتر بين المسلمين "(2)[167].(48/107)
وإلى هنا يتضح أن القول بأن تلك الروايات التي تذكر التنزيل تطعن في صيانة القرآن من التحريف فرية لا أصل لها سوى مخيلة الوهابية ، ونحن–ولله الحمد- في غنى عن كلمات أهل السنة لنفي تلك الفرية ، فكلمات علمائنا واضحة فيها ، ناهيك عن أن مجرد احتمال كون التنزيل بمعنى التفسير النازل يكفي لرفع هذه التهمة النكراء ، ولكنا آثرنا الإطناب منذ البداية حتى نرفع تذبذب بعض النفوس ونسكن حشرجة صدورهم لتجلو الحقيقة مرة أمام أعين الوهابية ومن هم على شاكلتهم بذكر بعض أقوال علمائهم التي تؤيد كلمات علماء الشيعة في وجود التنزيل ، وإن لم يسمه أهل السنة بهذا الاسم ، والتسمية ليست بمشكلة .
... ثانيا : كلمات أعلام أهل السنة
...
... ولنبدأ بشيخهم الخطابي في شرحه على مختصر سنن أبي داود : " قوله ( أوتيت الكتاب و مثله معه ) يحتمل وجهين من التأويل ، أحدهما : أن يكون معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أعطي من الظاهر المتلو (1)[168]. ويحتمل أن يكون معناه ، أنه أوتي الكتاب وحيا يُتلى وأوتي من البيان ، أي أُذن له أن يبين ما في الكتاب ويَعُمّ ويَخُصّ وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس له في الكتاب ذكر فيكون ذلك في وجوب الحكم و لزوم العمل به : كالظاهر المتلو من القرآن "(2)[169] .
...
قال الإمام الشافعي : " كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن –إلى قوله- ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه يعني السنة ، والسنة أيضا تنزل عليهم بالوحي كما ينزل القرآن إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن "(3)[170]، ولا ريب أن من السنة تفسير القرآن وتأويله .(48/108)
قال المروزي في السنة : " إلا أن التحليل والتحريم من الله يكون على وجهين ، أحدهما : أن ينزل الله تحريم شيء في كتابه فيسميه قرآنا كقوله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ }(المائدة/3). وما أشبه ذلك مما قد حرمه في كتابه . والوجه الآخر : أن ينزل عليه وحيا على لسان جبريل بتحريم شيء أو تحليله أو افتراضه فيسميه حكمة ولا يسميه قرآنا وكلاهما من عند الله كما قال الله : {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }(النساء/113). وقال : {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ }(البقرة/231). فتأولت العلماء أن الحكمة هاهنا هي السنة(1)[171] ، لأنه قد ذكر الكتاب ثم قال والحكمة ففصل بينهما بالواو فدل ذلك على أن الحكمة غير الكتاب وهي ما سن الرسول صلى الله عليه وسلم مما لم يذكر في الكتاب لأن التأويل إن لم يكن كذلك فيكون كأنه قال : {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} والكتاب . وهذا يبعد ، فيقال لمن قال بقول أبي ثور ما أنكرت أن يحول النبي صلى الله عليه وسلم عما فرض عليه عمله بالكتاب فيأمره أن يعمل بغير ذلك بوحي بوحيه إليه على لسان جبريل من غير أن ينزل عليه في ذلك قرآنا ولكن ينزل عليه حكمة يسميها سنة(2)[172] ، وهذا ما لا ينكره إلا ضعيف الرأي "(3)[173].(48/109)
... وقال الإمام أبو المحاسن يوسف الحنفي : " عن ابن عباس ( لا وحي إلا القرآن ) ما قاله رأيا بل توقيفا ، وليس فيه ما يدفع أن يوحى إلى النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم بأشياء كثيرة ليست في القرآن ويكون معنى قوله لا وحي إلا القرآن أي القرآن نفسه وما أمر به القرآن مما لم يقله إلا بالقرآن لأن الله عز وجل قال لنا فيه{وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ }(الحشر/7) -إلى قوله- ومعه من السنة ما قد كان معه التي منها الوحي الذي يوحي إليه مما ليس هو بقرآن لأن ما كان معه من ذلك عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم داخل في القرآن إذ كان قبولهم إياه منه صلى الله عليه (وآله) وسلم بأمر القرآن إياهم به يحتمل أن يكون قوله لا وحي سوى القرآن من باب لا عالم سوى فلان يعني هو في أعلى مراتب العلم وكل عالم سواه دون رتبته لا أن لا عالم أصلا سواه ومثله لا زاهد إلا عمر بن عبد العزيز وفي الدنيا زهاد كثير إلا أنهم لم يقدروا من الدنيا على مثل ما قدر هو فرسه فيها "(1)[174].(48/110)
... قال الإمام أبو بكر الجصاص : " ويدل على أن مراده كان كما وصفنا ، أنه قال : لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبته في المصحف ، فلو كان عنده آية من القرآن لكتبه فيه قال الناس ذلك أو لم يقولوه فهذا يدل على أنه لم يرد بقوله إن الرجم في كتاب الله أنه من القرآن ، وروي عنه أنه قال : إن الرجم مما أنزل الله وسيجيء قوم يكذبون به ، وهذا اللفظ أيضا لا دلالة فيه على أنه أراد به أنه من القرآن لأن فيما أنزل الله تعالى قرآنا وغير قرآن ، قال الله تعالى في وصف الرسول عليه السلام : وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى . وروي في بعض ألفاظ هذا الحديث أنه قال : إن مما أنزل الله آية الرجم . وهذا اللفظ لو ثبت لم يدل أيضا على أن مراده أنه كان من القرآن ، لأن ما يطلق عليه اسم الآية لا يختص بالقرآن دون غيره ، قال تعالى : ومن آياته خلق السموات والأرض . ثم قال تعالى : إن في ذلك لآيات . فسمى الدلالة القائمة مما خلق على توحيده آية فليس يمتنع أن يذكر ( آية ) الرجم وهو يعني أن ما يوجب الرجم أنزله الله على رسوله عليه السلام بوحي من عنده "(1)[175].
قال الإمام ابن قتيبة : " ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم من حكم الله تعالى إلا ما علمه الله عز وجل ولا كان الله تبارك وتعالى يعرفه ذلك جملة بل ينزله شيئا بعد شيء ويأتيه جبريل عليه السلام بالسنن كما كان يأتيه بالقرآن ولذلك قال أوتيت الكتاب ومثله معه يعني من السنن "(2)[176].
وقال أيضا : " جاز أن ينسخ الكتاب بالكتاب جاز أن ينسخ الكتاب بالسنة لأن السنة يأتيه بها جبريل عليه السلام عن الله تبارك وتعالى فيكون المنسوخ من كلام الله تعالى الذي هو قرآن بناسخ من وحي الله عز وجل الذي ليس بقرآن ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوتيت الكتاب ومثله معه . يريد أنه أوتي الكتاب ومثل الكتاب من السنة "(3)[177].(48/111)
قال البيهقي : " هذا الحديث يحتمل وجهين أحدهما أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أوتي من الظاهر المتلو(1)[178] والثاني أن معناه أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى وأوتي مثله من البيان أي أذن له أن يبين ما في الكتاب فيعم ويخص وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس في الكتاب له ذكر فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به كالظاهر المتلو من القرآن "(2)[179].
وقال أبو الطيب الآبادي : " ( أوتيت الكتاب ) أي القرآن ، ( ومثله معه ) أي الوحي الباطن غير المتلو أو تأويل الوحي الظاهر وبيانه بتعميم وتخصيص وزيادة ونقص أو أحكاما ومواعظ وأمثالا تماثل القرآن في وجوب العمل أو في المقدار "(3)[180].
وقال الشيخ محمد رشيد رضا : " وليس كل وحي قرآناً فإن للقرآن أحكاماً ومزايا مخصوصة وقد ورد في السنة كثير من الأحكام مستندة إلى الوحي ولم يكن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ولا أصحابه يعدونها قرآنا ، بل جميع ما قاله عليه السلام على أنه دين هو وحي عند الجمهور واستدلوا عليه بقوله {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}(النجم/3-4). وأظهره الأحاديث القدسية . و من لم يفقه هذه التفرقة من العلماء وقعت لهم أوهام في بعض الأحاديث رواية ودراية وزعموا أنها كانت قرآناً ونسخت "(4)[181].
وقال أحد علمائهم حال تعرضه لرواياتهم التي فيها ادعاء أبي بن كعب قرآنية هذه الآية مع الجملة الزائدة {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ( ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}(الفتح/26) :(48/112)
"إن الذي ذكره أُبيّ قد كان من الوحي الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم مما سوى القرآن الذي هو المتلو في الصلوات وذلك بمنزلة السنن التي أوحيت إليه خارج القرآن (1)[182]. قال الله عز وجل {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}(القيامة/18-19) فأخبر عن بيان بعد ما يقرؤه جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وقال تعالى {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ }(الأحزاب/34) وإنما هي حكمة كان رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يتلوها سوى آيات القرآن ، وروي عن الرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم أنه قال : أوتيت القرآن ومثله معه ".
وقال : " والذي ذكره أُبيّ مما أقرأه رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ويجعله وحيا أنزل عليه من غير أن يجعله قرآنا يتلى وإن ثبت أنه أطلق عليه أسم القرآن ، فإن ذلك على معنى اشتقاق الاسم مما يقرأ ، ليس أنه أدعى أنه مما يتلى في الصلوات "(2)[183].
لاحظ هذا المقطع الأخير فهو كلام مهم جدا وقد نص عليه الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في أوائل المقالات وقال إن لفظ القرآن يطلق مجازا على غير النص القرآني ، قد استعمله الشيخ المفيد في معناه المجازي وسيأتي ذكره إن شاء الله .
وكذا قال إمامهم ابن حزم الأندلسي : " وقد قال قوم في آية الرجم إنها لم تكن قرآنا وفي آيات الرضعات كذلك . قال أبو محمد –أي ابن حزم- : ونحن لا نأبى هذا ولا نقطع أنها كانت قرآنا متلوا في الصلوات ولكنا نقول إنها كانت وحيا أوحاه الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه (وآله) وسلم مع ما أوحى إليه من القرآن فقرئ المتلو مثبوتا في المصاحف والصلوات وقرئ سائر الوحي منقولا محفوظا معمولا به كسائر كلامه الذي هو وحي فقط "(3)[184].(48/113)
وكلام ابن حزم هذا هو عين ما يقوله الشيعة بالنسبة لتلك الكلمات المقحمة بين الآيات ، إلا أنهم يرون تلك الجمل نازلة تفسيرا لآيات القرآن ، ولكن لابتعاد أهل السنة أو قل لتحرجهم من الأخذ عن مناهل الوحي وبيوت العصمة ذهبوا بهذه الموارد يمنة ويسرة يرقعونها بالتخاريج والوجوه ، وما وجدوا لها حلا إلا أنها حذفت مع ما حذفه عثمان حينما جمع المصاحف بدعوى أن القرآن نزل على سبعة أشكال ! أو أنها قرآن رفعه الله وأبطله ! وسيأتي الكلام بإذنه تعالى .
اتضح إلى هنا أن الشيعة لا يرون قرآنية كل ما كان تنزيلا ، فقد تنزل من السماء آية قرآنية متخلل بين مفرداتها تفسيرها الدال على معناها أو تفسيرها بالباطن ، لذا تضمنت روايات الكافي الشريف للكليني عليه رضوان الله تعالى كمًّا لا بأس به من التنزيل المبارك المرادف للآيات الكريمة المعجزة ، وقد أنزلت من قبل الله تعالى شرحا وبيانا وتفسيرا .
وإلى هنا يفرض سؤال نفسه وهو هل يعقل اتهام مذهب أهل البيت عليهم السلام بتحريف القرآن لوجود مثل هذه الروايات ؟! أليس الأجدر اتهام الصحابة الذين كانوا يقرؤون التنزيل كقرآن ويقر بذلك كل علماء أهل السنة كما سيأتي بيانه بإذنه تعالى ؟!
( ما فَعل التنزيل وما فُعل به !(48/114)
في مبحث جمع القرآن سيتضح بإذنه تعالى أن الإمام علي عليه السلام كتب كل ما نزل من السماء قرآنا وتفسيرا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بفترة قصيرة ، أي أنه كتب النص القرآني بسوره وآياته وتنزيلها وتفسيرها الموحى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وجاء به إلى القوم في المسجد حتى نظر فيه عمر فلم يرق له ذكر أسماء المشركين والمنافقين من رجال ونساء قريش وفضحهم وهم آنذاك وجوه الصحابة من الطلقاء وغيرهم ، لذا كان هذا التنزيل أشد وطأ على النفوس من النص القرآني لأنه كان يبين مبهمه ويفصل مجمله بذكر أسماء المنافقين ونواياهم ، ويتضح هنا معنى ادعاه الصحابة -كما تنص صحاح روايات أهل السنة- أن كلا من سورة الأحزاب وسورة براءة كانت تعدل سورة البقرة في الطول ولكن سقط وضاع القسم الأكبر منهما ، ونذكر هنا بعض رواياتهم ونحيل البعض الآخر إلى محله :
" أخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن حذيفة رضي الله عنه قال : التي تسمّونها سورة التوبة هي سورة العذاب والله ما تركت أحداً إلا نالت منه ولا تقرؤون منها مما كنا نقرأ إلا ربعها "(1)[185].
وكذا الحال في سورة الأحزاب : " عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن "(2)[186] .
وسيأتي ذكر قدر آخر من رواياتهم الدالة على سقوط أكثر سورة الأحزاب ، وقد جاءت بنفس مضمون رواياتهم رواية عند الشيعة في ثواب الأعمال للشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه :
" عن أبي عبد الله عليه السلام : سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم ، يا ابن سنان ! إن سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب وكانت أطول من سورة البقرة لكن نقصوها وحرفوها "(3)[187].(48/115)
وهذه الرواية على ما فيها من ضعف سند فصلت مجمل ما في صحاح روايات أهل السنة من أنهم قد حذفوا حال جمع القرآن أسماء هؤلاء الرجال والنساء وصفاتهم إلى غير ذلك مما كان في جملة المنزل تفسيرا على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا كقرآن وإنما كتنزيل مفسر مقترن بآيات القرآن ، وهو ما كان موجودا في مصحف الإمام علي عليه السلام فرفض لأجل ذلك .
وكذا هو الحال بالنسبة لسورة البينة التي أوردناها فيما سبق من كتاب الكافي : " عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : دفع إلي أبو الحسن عليه السلام مصحفا وقال : لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه : {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا }(البينة/1). فوجدت فيها اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم قال : فبعث إلي : ابعث إلي بالمصحف "(1)[188].
وكذا الحال في مضمرة بصائر الدرجات : عن إبراهيم بن عمر عنه قال : " إن في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن وكانت فيه أسماء الرجال فألقيت وإنما الاسم الواحد في وجوه لا تحصى تعرف ذلك الوصاة "(2)[189].(48/116)
... ونشعر هنا أن السور التي يدعي سلفهم الصالح احتواء أصلها على أضعاف ما هو موجود وقد نقصت وفقد منها ما فقد ، كانت في الغالب سورا ذات طابع خاص من الشدة والتنكيل بالمشركين والمنافقين من الصحابة ، نيلا من نواياهم وإخمادا لإرجافهم بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينما تزوج زينب بنت جحش كما في سورة الأحزاب ، وفضحا لنفاقهم وتلكئهم عن الجهاد كما في سورة براءة ، ووعيدا بنار جهنم للمشركين والكفار كما في سورة البينة ، فتتفق كلمات الصحابة مع الروايات التي وردت عن أهل البيت عليهم السلام من أن تلك الفضائح والأسماء كانت على نحو التنزيل وأن التنزيل هو الذي حُرف وأُبعد عن ساحة المصحف المجموع ، وهذا ما قصدته روايات أهل البيت عليهم السلام ، فلو وردت رواية فيها أن القرآن قد حُرّف يكون المقصود من القرآن فيها ما يشمل النص القرآني المعجز مع الوحي الآخر الذي رادفه وهو التنزيل ، فصار حذف التنزيل والتفسير هو تحريفا للقرآن في الحقيقة ، وهو ما كان موجودا في المصحف الذي جمعه أمير المؤمنين عليه السلام .
( القرآن حُرّف !
فتحصل إلى هنا أن كل ما أنزل من السماء من النصوص القرآنية والتفسير والذي يسمى المجموع منهما بالقرآن مجازا قد حُرّف وعلى يد بعض الصحابة حينما جمعوه إما عن جهل أو عمد ، ولكنهم لم يحذفوا منه إلا التنزيل أي تفسير الآيات القرآنية ، أما النصوص المعجزة التي تحدى الله بها أهل الأرض أن يأتوا بمثلها أي الآيات القرآنية فهي محفوظة تامة ولا نقص فيها ولا زيادة ، وإنما قصد بالقرآن ما يعم النص القرآني المعجز وتفسيره وتنزيله وهذا الأخير هو الذي حرفوه وأنقصوه .(48/117)
... وهذا قول الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في المسائل السروية : " لا شك أن الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله تعالى وتنزيله ، وليس فيه شيءٌ من كلام البشر ، وهو جمهور المنزل . والباقي مما أنزله الله تعالى قرآنا(1)[190] عن المستحفظ للشريعة المستودع للأحكام لم يضع منه شيء . وإن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله في جملة ما جمع(2)[191] ، لأسباب دعته إلى ذلك ، منها : قصوره عن معرفة بعضه ، ومنها : شكه في وعدم تيقنه ، ومنها : ما تعمد إخراجه منه . وقد جمعه أمير المؤمنين عليه السلام القرآن المنزل من أوله إلى آخره ، وألفه بحسب ما وجب من تأليفه ، فقدم المكي على المدني ، والمنسوخ على الناسخ ، ووضع كل شيء منه محله "(3)[192].
ونقول هنا إن من اعتاد سماع افتراءات الوهابية لا يستغرب تصيدهم روايات الكافي وغيره من المصنفات وأخذها زادا دسما يخوضون فيه مع إهمالهم الدائم لتصريحات علمائنا التي تصرح بفساد فهم مضمون تلك الروايات بالفهم الساذج والغفلة عن باقي الأدلة .
وكذا لا يستغرب سعيهم لأخذ ما تشابه منها وعرضه للعوام بطريقة يتبادر منها أن جملة (هكذا نزلت) تعني عند الشيعة أن النص القرآني السليم من التحريف هو هذا الذي تضمنته الرواية ! وقد علمت حقيقة معناها من نفس كلمات علماء الشيعة ، والشيعة ما تركوا الأمر سدى بل علقوا على الروايات ونبهوا وكتبوا في حواشي نفس مصادر الروايات كما أشرنا ، بل علقوا واستدركوا على هامش نفس الرواية التي أخذها الوهابية ! ولكن أنى للأعراب أن يعلموا حدود ما أنزل الله ! وقد قال تعالى {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(التوبة/97).
... مع الوهابية !(48/118)
ما يفتريه الوهابية على الشيعة لا يخلو من أحد أمرين إما سخيف للغاية أو مفيد للتسلية وتنشيط الذهن ، وهنا افترى أحدهم على الشيعة افتراءً من النوع الثاني حيث رماهم كلهم وبأجمعهم حتى الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه باعتقاد تحريف القرآن ، فحشد الروايات التي فيها التنزيل وزاد عليها الرواية الآتية التي عقبها بالتهويل والتكبير والتهليل المعتاد في أسلوبهم الخطابي الرتيب ! وهذه الرواية ذكرها الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه في ثواب الأعمال :
" بهذا الإسناد عن الحسن عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من كان كثير القراءة لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمد صلى الله عليه وآله وأزواجه ثم قال : سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم ، يا ابن سنان ! إن سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب وكانت أطول من سورة البقرة لكن نقصوها وحرفوها ".
ومن باب تنشيط الذهن والتسلية نذكر بعض التساؤلات والملاحظات على كلام هذا الوهابي :
ما هو الوجه في اتهام كل الشيعة باعتقاد التحريف ؟!
أين الحياء بافترائه على الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه في حين أنه اعترف بنفسه في موضع آخر من مسرحيته أن الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه من الشيعة الذين لا يقولون بتحريف القرآن ويتهجم على من قال به منهم ؟!
كيف لا يتنبه إلى عدم الملازمة بين نقل المحدث للرواية وبين اعتقاده بمضمونها ؟! مع العلم أنه اعترف أن الصدوق لا يقول بالتحريف ويتهجم على من يدعيه وهاهو قد روى روايات التحريف !(48/119)
لذا نقول إن المحدث لا يلزم نفسه اعتقاد كل ما أورده في مصنّفه ، حتى وإن قال بصحة كل ما أورده لأن صحة السند شيء وما يدل عليه المتن بعد جمع الأدلة وطرحها شيء آخر ، فلا وجه لاتهام الشيخ الصدوق أو الكليني أو أي محدث آخر لأنه روى الرواية ، ناهيك عن أن الكليني رضوان الله تعالى عليه روى روايات التحريف في باب النوادر تيمنا بالروايات التي فيها : " ودع الشاذ النادر" .
هذه الرواية غير مقبولة عند الشيعة لوقوع كذاب في سندها ، وهو الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني الواقفي .
... قال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه : " إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليه بعد شهادة علي ابن الحسن بن فضال بأنه كذاب ملعون ، المؤيدة بشهادة ابن الغضائري بضعفه"(1)[193].
... وقد عمي الوهابي عن حاشية الشيخ علي أكبر غفاري في هامش نفس الصفحة التي أخذ منها الرواية ، قال غفاري : " وروى الكشي عن محمد بن مسعود قال : سألت علي بن الحسن بن فضال عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني فقال : كذاب ملعون ، رويت عنه أحاديث كثيرة وكتبت عنه تفسير القرآن كله من أوّله إلى آخره إلا أني لا أستحل أن أروي عنه حديثا واحدا . و نقله العلامة عن الكشي في الخلاصة ".
... وليس غريبا على من ينصب نفسه للافتراء ويحترف المكر والخداع أن يتهم بكل رواية وردت في المصنفات بلا مناقشة للسند من حيث الصحة والضعف ، مع أن روايات أهل السنة التي تفيد نفس المضمون من السقوط والتحريف لسورة الأحزاب صحيحة السند وليست بضعيفة .
- كان الأجدر أن يتهم بني جلدته الذين حاروا في تأويل رواياتهم الصحيحة التي تفيد نفس المضمون من سقوط وتحريف سورة الأحزاب ، لا أن يتهم الشيعة برواية ساقطة لا يقبلونها وحتى لو قبلوها فلها عندهم وجه معتبر يفسر هذا السقوط والتحريف كما مر سابقا !
ملاحظة :(48/120)
الشيعة لا تسمع لقول أي رجل يقوم بالتقاط بضع روايات من كتب الشيعة ثم ينسب مضامينها لعقيدتهم ، نعم الشيعة تعتمد على كلمات أهل التحقيق والاجتهاد منهم في فهم الروايات والجمع بينها وبين القرآن الكريم ، وكثير من افتراءات الوهابية تنكسر على هذه الضابطة التي تحاول الوهابية إغماض الطرف عنها ، بل إن كل افتراءاتهم وأكاذيبهم تخر على وحهها وتخسأ عند هذا المبدأ الذي يتعامون عنه ، ونعيده حتى يتنبه له مثقفو الشيعة حرسهم الله تعالى :
إن الشيعة لا تقبل أن ينسب لها أي عقيدة أو رأي تؤخذ من رواية هنا أو هناك ، نعم الشيعة تقبل كلام أهل التخصص في فهم الروايات وكيفية جمعها وطرحها وأساليب التقديم والتأخير والمطلق والمقيد وغير ذلك الذي لا يتوفر إلا عند من له خبرة بالقواعد الأصولية والعقائدية عند الشيعة ، لذا إذا أخذ المراجع والمحققون برأي معين حينها يصح أن ينسب للشيعة هذا الرأي بشكل مطلق . والآن يوجد من حولي عدة كتيبات للوهابية رأس مالها الروايات التي تصيدوها من كتب الحديث عند الشيعة ونسجوا عليها العقائد التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وبهذه الملاحظة أكون قد رددت عليها كلها مرة واحدة وبالجملة ، وقضي الأمر وقيل بعدا للقوم الظالمين .
... وهنا تسلية أخرى وهي أيضا من النوع الثاني الذي ينشط الذهن ، فيها استغل أحد الوهابية قولا لأحد الإخبارية بأن تحريف القرآن مما أجمعت عليه الشيعة ، فطبل هذا الوهابي وزمر على نغم هذا الإجماع المدعى ! وقد انتشر بين صبيانهم وأفراخهم ، ولا نريد أن نزيد الذهن تنشيطا في بيان سخف هذا الفتح الذي حققته الوهابية ، فنقتصر على عدة ملاحظات :
أغفل الوهابي الإشارة والتنبيه حال نقله لكلمات الشيعة النافين للتحريف إلى عدم صحة دعوى الإجماع التي ذكرها في أول المسرحية ، وبالطبع لن يفعل لأنه بهذا يفوت عليه استغفال من حوله من الأعراب .(48/121)
لو سلمنا أن الوهابي رزق بعضا من العلم والتفت إلى أن شيئا ما يريب هذا الإجماع بأنه لا ينسجم مع قول أغلب علماء الشيعة بعدم التحريف ، فلماذا لم يسأل علماء الشيعة عنه ؟!
ما يقوله علماء الشيعة فيه أن هذا الإجماع إجماع منقول ، وهو ليس بحجة ، لأن بعض العلماء كان يدعي الإجماع بمجرد جزمه بصدور رواية واحدة عن الإمام المعصوم عليه السلام قد أفتى بمضمونها بعض الفقهاء فيطلق الإجماع من الطائفة على الفتوى ، بدعوى أن الإجماع غايته إثبات رأي المعصوم وحيث تم إثباته فإن رأي من يضاده لا عبرة فيه فيقوم بإطلاق الإجماع ، وبعبارة مختصرة أن نقل الإجماع لا يدل على أن دعوى الإجماع كانت عن حس بل لعلها كانت عن حدس .
... وبهذا ، نسأل الله عز وجل أن تتنبه الوهابية إلى نقطة هامة وهي أن مذهب أهل البيت عليهم السلام لا يكفي للخوض فيه قراءة متن الأجرومية أو أصول الفقه لأبي زهرة أو قراءة تفسير ابن كثير في الجامعة أو المعهد الديني .
( أقوال مراجع الطائفة القضاء الحتم والقول الفصل(48/122)
لا مجال يمنة ويسرة بعد تصريح كل من تصدى لمقام مرجعية هذه الطائفة الحقة بأن القرآن لم تمسه يد التحريف ، وما استطاع أحد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أن يحذف منه أو يزيد فيه ، وكما هو المعلوم فإن كلمة أحد هؤلاء الأعلام في زمنه تعبر عن رأي آلاف بل مئات الآلاف من أفراد الشيعة ، ناهيك عن عدد الشيعة اليوم واجتماع كلمتهم على عدم التحريف وانقراض ما شذ به البعض عن الجمهور ، وحيث ذاك فلا ريب أن هذه الطائفة مفترى عليها فرية نكراء شنعاء على يد أعراب مرجفين ، قال الله عز وجل { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً}(الأحزاب/60-62).
( كلمات المراجع عليهم رضوان الله ورحمته
... قبل ذكر كلمات فقهاء الطائفة نذكر ما أخرجه الكليني رضوان الله عليه في الكافي تحت عنوان رسالة أبي جعفر الباقر عليه السلام إلى سعد الخير إذ تتضمن تلك الرسالة الشريفة :(48/123)
" دعا عباده في الكتاب إلى ذلك بصوت رفيع لم ينقطع ، ولم يمنع دعاء عباده ، فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله ، وكتب على نفسه الرحمة فسبقت قبل الغضب فتمت صدقا وعدلا ، فليس يبتدئ العباد بالغضب قبل أن يغضبوه ، وذلك من علم اليقين وعلم التقوى ، وكل أمة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولاهم عدوهم حين تولوه ، وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده ، فهم يروونه ولا يرعونه ، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية ، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية ، وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه الذين لا يعلمون فأوردوهم الهوى وأصدروهم إلى الردى وغيروا عرى الدين ، ثم ورثوه في السفه والصبا فالأمة يصدرون عن أمر الناس بعد أمر الله تبارك وتعالى وعليه يردون ، فبئس للظالمين بدلا ولاية الناس بعد ولاية الله ، وثواب الناس بعد ثواب الله ورضا الناس بعد رضا الله ، فأصبحت الأمة كذلك وفيهم المجتهدون في العبادة على تلك الضلالة ، معجبون مفتونون ، فعبادتهم فتنة لهم ولمن اقتدى بهم ، الخ "(1)[194].
وهذا المقطع الشريف ( وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده ) دال بوضوح على أن القرآن لم تمسه يد التحريف ، وإنما التحريف اقتصر على المعاني وصرفها عن تفسيرها الحقيقي ومراد الله منها ، ويتفق هذا مع ما قلناه من تحريفهم للتنزيل ، قال المولى صالح المازندراني رضوان الله تعالى عليه :
" ( وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه ) وكلماته وإعرابه وصححوها وحفظوها عن التصحيف والتحريف ، ( وحرفوا حدوده ) وأحكامه وجعلوا حلاله حراما وحرامه حلالا وولاية الحق مردودة وولاية الباطل مقبولة "(2)[195].(48/124)
ولا يعترض بأن الكتاب المقصود في الرواية هو الموجود في زمن الإمام الباقر عليه السلام أي الذي كان محرفا بالأصل وقد أقاموا حروفه فلا تثبت الرواية عدم تحريفه في الزمن الأول ، لأن سياق الرسالة من أولها إلى آخرها يخاطب حال الأمة وما آلت إليه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة ، وخير شاهد عليه هذا المقطع ( وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه الذين لا يعلمون فأوردوهم الهوى وأصدروهم إلى الردى وغيروا عرى الدين ) ولا ريب أن المقصود بزمن التولية الزمن المتصل بسقيفة بني ساعدة وما بعده .
وهاهي كلمات مراجع الطائفة وفقهائها التي عليها التعويل في نقل رأي المذهب :
شيخ المحدثين الصدوق : " اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه و آله هو ما بين الدفتين و هو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة و أربع عشرة سورة ، وعندنا أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة ولإيلاف وألم تر كيف سورة واحدة ، ومن نسب إلينا أنا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب . و ما روي من ثواب قراءة كل سورة من القرآن ، وثواب من ختم القرآن كلّه ، وجواز قراءة سورتين في ركعة نافلة ، والنهي عن القِران بين السورتين في ركعة فريضة ، تصديق لما قلناه في أمر القرآن و أن مَبلَغه ما في أيدي الناس ، وكذلك ما ورد من النهي عن قراءة كلّه في ليلة واحدة وأن لا يجوز أن يختم في أقل من ثلاثة أيام تصديق لما قلناه أيضا "(1)[196].(48/125)
... الشيخ المفيد :" وقد قال جماعة من أهل الإمامة : إنه لم ينقص من كلمة ، من آية ، ولا من سورة ، ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله ، وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز . وعندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل ، وإليه أميل ، والله أسأل توفيقه للصواب ".
... وقال : " وأما الوجه المجوز فهو أن يزاد فيه الكلمة والكلمتان والحرف الحرفان ، وما أشبه ذلك مما لا يبلغ حد الإعجاز ، ويكون ملتبسا عند أكثر الفصحاء بكلم القرآن غير أنه لابد متى وقع ذلك من أن يدل الله عليه ويوضح لعباده الحق فيه ولست أقطع على كون ذلك ، بل أميل إلى عدمه وسلامة القرآن منه "(1)[197].
...
الشريف المرتضى : " إن العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان ، والحوادث الكبار ، والوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، وأشعار العرب المسطورة ، فإن العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حدٍّ لم يبلغه في ما ذكرناه ، لأنّ القرآن معجزة النبوّة ، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينيّة ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟! ".(48/126)
" إن العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته ، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورةً ككتابي سيبويه والمزني ، فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جلمتها ، حتى لو أنّ مُدخلاً أدخل في كتاب سيبويه باباً في النحو ليس من الكتاب لعُرف ومُيّز ، وعلم أنه ملحق و ليس في أصل الكتاب ، وكذلك القول في كتاب المزني ، ومعلوم أنّ العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء ".
" المحكي أن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن فإن القرآن كان يحفظ ويدرس جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له وأنه كان يعرض على النبي صلى الله عليه وآله و يتلى عليه … وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا مرتبا غير منثور ولا مبثوث " .
" وذكر أنّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا تعتدّ بخلافهم ، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث ، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا بصحّتها ، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته "(1)[198].
الشيخ الطوسي : " و أما الكلام في زيادته و نقصانه فمما لا يليق به أيضا ، ولأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه ، فالظاهر من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق الصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره السيد المرتضى (قده) وهو الظاهر في الروايات ، غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ، والأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها ، لأنه يمكن تأويلها ، ولو صحّت لما كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين الدفتين ، فإن ذلك معلوم صحته لا يعترضه أحد من الأمة ولا يدفعه "(2)[199].(48/127)
... الشيخ الطبرسي :" فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت إلى حد لم يبلغه فيما ذكرناه لأن القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وآياته فكيف يجوز أن يكون مغيراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟ " .
... " ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فإنه لا يليق بالتفسير ، فأما الزيادة فمجمع على بطلانها ، و أمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة : أن في القرآن تغييراً و نقصاناً … والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، وهو الذي نصره المرتضى – قدّس الله روحه – و استوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات "(1)[200].
... السيد ابن طاووس في رده على أبي علي الجبائي : " فمن يا ترى ادّعى اختلاف القرآن وتغيّره ؟ أنتم وسلفكم لا الرافضة على حدّ تعبيركم ! ، ومن المعلوم من مذهبنا أنّ القرآن واحد نزل من عند الواحد ، كما صرّح بذلك إمامنا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام "(2)[201].
... العلاّمة الحلّي : في جوابه على سؤال هذا نصه: " ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز هل يصح عند أصحابنا أنه نقص منه شيء أو زيد فيه أو غيّر ترتيبه أم لم يصح عندهم شيء من ذلك ؟ أفدنا أفادك الله من فضله ، وعاملك بما هو أهله ".
... فأجاب رضوان الله تعالى عليه : " الحق أنه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه ، وأنه لم يزد ولم ينقص ، ونعوذ بالله تعالى من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك ، فإنه يوجب التطرق إلى معجزة الرسول عليه وآله السلام المنقولة بالتواتر "(3)[202].(48/128)
... السيد نور الله التستري : " ما نسب إلى الشيعة الإمامية من القول بوقوع التغيير في القرآن ليس ممّا قال به جمهور الإمامية ، وإنما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم فيما بينهم "(1)[203].
... الشيخ البهائي : " الصحيح أن القرآن العظيم محفوظ عن ذلك ، زيادة كان أو نقصاً ، ويدل عليه قوله تعالى {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9) وما اشتهر بين الناس من إسقاط اسم أمير المؤمنين عليه السلام منه في بعض المواضع مثل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ( في علي ) }(المائدة/67) وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء "(2)[204].
... الشيخ جعفر الكبير : " لا زيادة فيه من سورة ولا آية من بسملة وغيرها ، لا كلمة ولا حرف . وجميع ما بين الدفتين مما يتلى كلام الله تعالى بالضرورة من المذهب بل من الدين(3)[205] ، وإجماع المسلمين وأخبار النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الطاهرين عليهم السلام وإن خالف بعض من لا يعتد به في دخول بعض ما رسم في اسم القرآن (4)[206]".
... " ولا ريب في أنه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديان كما دل عليه صريح القرآن وإجماع العلماء في كل زمان ولا عبرة بالنادر و ما ورد من أخبار النقص تمنع البديهة من العمل بظاهرها ، ولا سيّما ما فيه نقص ثلث القرآن أو أكثر منه ، فإنه لو كان كذلك لتواتر نقله ، لتوفّر الدواعي عليه ، ولاتّخذه غير أهل الإسلام من أعظم المطاعن على الإسلام و أهله ، ثم كيف يكون ذلك و كانوا شديدي المحافظة على ضبط آياته و حروفه ؟ -ثم قال – فلا بد من تأويلها بأحد الوجوه "(5)[207].
... العلامة الفاضل التوني : " و المشهور أنّه محفوظ ومضبوط كما أنزل ، لم يتبدّل ولم يتغيّر ، حفظه الحكيم الخبير ، قال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9)"(6)[208].(48/129)
... المحدث الفيض الكاشاني : وقع المحدث رضوان الله تعالى عليه موضع لغط وتهريج تلك الشرذمة الذين افتروا الكذب عليه كما افتروا على غيره بأنه يرى تحريف القرآن فأحببنا أن نبين حقيقة الأمر بما يلي :
... قال في الصافي في تفسير القرآن :" المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أُنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم "(1)[209].
... فوجد الوهابية بهذه الكلمة ضالتهم المنشودة مع أنه عليه الرحمة قال إن هذا هو المستفاد لا أن هذا هو رأيه في القضية ، ويدل عليه ما قاله في كتابه الوافي عند تعرّضه لموضوع روايات التحريف :
... " وقد استوفينا الكلام في هذا المعنى وفيما يتعلق بالقرآن في كتابنا الموسوم ب ( علم اليقين ) فمن أراده فليرجع إليه "(2)[210] ، وإن رجعنا لكتابه علم اليقين نجده يقول بعد ذكره لكلام القمي وروايتي الكليني عن ابن أبي نصر وسالم بن سلمة ما يلي :
" أقول : يرد على هذا كلّه إشكال وهو أنه على ذلك التقدير لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن ، إذا على هذا يحتمل كلّ آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة ، ويكون على خلاف ما أنزله الله ، فلم يبق في القرآن لنا حجّة أصلاً ، فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصية به ، وأيضاً قال الله عز وجل {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ}(فصلت/41). وأيضاً قال الله عز وجل {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ}(الحجر/9). وأيضا قد استفاض عن النبي و الأئمة حديث عرض الخبر المروي عنهم على كتاب الله ".(48/130)
ثم قال : " و يخطر بالبال في دفع هذا الإشكال – والعلم عند الله – أن مرادهم بالتحريف والتغيير والحذف إنما هو من حيث المعنى دون اللفظ أي : حرّفوه وغيّروه في تفسيره وتأويله ، أي : حملوه على خلاف ما هو عليه في نفس الأمر ، فمعنى قولهم ، كذا أنزلت ، أنّ المراد به ذلك لا ما يفهم الناس من ظاهره ، وليس مرادهم أنها نزلت كذلك في اللفظ ، فحذف ذلك إخفاءً للحق ، وإطفاءً لنور الله . ومما يدل على هذا ما رواه في الكافي بإسناده عن أبي جعفر أنه كتب في رسالته إلى سعد الخير : وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه و حرّفوا حدوده "(1)[211].
" قال الله عز وجل {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ}(فصلت/41-42). وقال {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9). فكيف يتطرق إليه التحريف والتغيير ؟! وأيضا قد استفاض عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام حديث عرض الخبر المروي على كتاب الله ليعلم صحته بموافقته له وفساده بمخالفته فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرفاً فما فائدة العرض ، مع أن خبر التحريف مخالف لكتاب الله ، مكذب له ، فيجب رده و الحكم بفساده "(2)[212].
... وبهذا يحترق زخرف الوهابية ويبِين كذبهم ، ويؤكد الفيض الكاشاني عليه الرحمة موقفه من التحريف في تفسيره الأصفى عند تفسير قوله تعالى {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} فقال مفسرا : " من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان "(3)[213].
ولا يخفى أن تسمية تفسيره بالأصفى يشير إلى أنه أدق وأكثر اعتمادا من الصافي الذي نقلوا منه كلمة دلت بجهلهم على التحريف ، وأحد الوهابية صرح بأن كلام الفيض واضح في أنه يرى تحريف القرآن لأن اسم تفسيره هو الصافي ! وجهل الوهابي أن كلامه في الصافي لا يدل على اعتقاد التحريف ثم إن عنده الأصفى رضوان الله تعالى عليه .(48/131)
... ... السيد بحر العلوم الطباطبائي : " الكتاب هو القرآن الكريم والفرقان العظيم والضياء والنور والمعجز الباقي على مرّ الدهور ، وهو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من لدن حكيم حميد ، أنزله بلسان عربيّ مبين هدىً للمتقين وبياناً للعالمين "(1)[214].
وثم ذكر تأويل الروايات التي تذكر أن القرآن ربعه أو ثلثه نزل في أهل البيت عليهم السلام ، وذكر تأويلها بما لا يتنافى مع حفظ القرآن من النقصان .
... الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء : " وإن الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله للإعجاز و التحدي وتمييز الحلال من الحرام ، وأنه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة وعلى هذا إجماعهم "(2)[215].
... السيد الهمام شرف الدين الموسوي العاملي : " والقرآن الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، إنما هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس لا يزيد حرفا ولا ينقص حرفا ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف ، وكل حرف من حروفه متواتر في كل جيل تواترا قطعيا إلى عهد الوحي والنبوة " .(48/132)
... ثم ذكر رضوان الله تعالى عليه ما افتراه بعض السذج على الشيعة بتحريف القرآن : " فأقول : نعوذ بالله من هذا القول ونبرأ إلى الله تعالى من هذا الجهل ، وكل من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفتر علينا فإن القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته ، تواترا قطعيا عن أئمة الهدى من أهل البيت عليهم السلام ، ولا يرتاب في ذلك إلاّ معتوه ، وأئمة أهل البيت كلهم أجمعون رفعوه إلى جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله تعالى وهذا أيضا مما لا ريب فيه وظواهر القرآن الحكيم - فضلا عن نصوصه - أبلغ حجج الله تعالى ، وأقوى أدلة أهل الحق بحكم الضرورة الأولية من مذهب الإمامية ، وصحاحهم في ذلك متواترة من طريق العترة ، وبذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح المخالفة للقرآن عرض الجدار ولا يأبهون بها عملا بأوامر أئمتهم عليهم السلام "(1)[216].
السيد محسن الأمين العاملي : " ونقول : لا يقول أحد من الإمامية لا قديما ولا حديثا إن القرآن مزيد فيه ، قليل أو كثير ، فضلا عن كلهم ، بل كلهم متفقون على عدم الزيادة ، ومن يعتد بقوله من محققيهم متفقون على أنه لم ينقص منه ".
... السيد البروجردي الطباطبائي : قال الشيخ لطف الله الصافي عن أستاذه آية الله السيد حسين البروجردي " فإنه أفاد في بعض أبحاثه في الأصول كما كتبنا عنه بطلان القول بالتحريف وقداسة القرآن عن وقوع الزيادة فيه ، وإن الضرورة قائمة على خلافه ، وضعف أخبار النقيصة غاية الضعف سندا ودلالة "(48/133)
... الشيخ المظفر :" نعتقد أن القرآن هو الوحي الإلهي المنزل من الله تعالى على لسان نبيه الأكرم فيه تبيان كل شيء وهو معجزته الخالدة التي أعجزت البشر عن مجاراتها في البلاغة والفصاحة وفيما احتوى من حقائق ومعارف عالية لا يعتريه التبديل والتحريف وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزل على النبي ومن ادعى فيه غير ذلك فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه وكلهم على غير هدى ، فإنه كلام الله الذي {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ}(فصلت/42)"(1)[217].
... السيد محسن الحكيم الطباطبائي : " وبعد فإن رأي كبار المحققين ، وعقيدة علماء الفريقين ، ونوع المسلمين من صدر الإسلام إلى اليوم على أن القرآن بترتيب الآيات والسور والجمع كما هو المتداول بالأيدي لم يقل الكبار بتحريفه من قبل ولا من بعد ".
... السيد محمد هادي الميلاني : " الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، أقول بضرس قاطع إن القرآن الكريم لم يقع فيه أي تحريف لا بزيادة ولا بنقصان ولا بتغيير بعض الألفاظ وإن وردت بعض الروايات في التحريف المقصود منها تغيير المعنى بآراء وتوجيهات و تأويلات باطلة لا تغيير الألفاظ والعبارات ، وإذا اطلع أحد على رواية و ظن بصدقها وقع في اشتباه وخطأ وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ".
... الشيخ الحجة البلاغي : " ولئن سمعت من الروايات الشاذة شيئاً في تحريف القرآن وضياع بعضه ، فلا تقم لتلك الروايات وزناً ، وقل ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين ، وفيما جاءت به في الروايات الواهية من الوهن وما ألصقته بكرامة القرآن مما ليس له شبه به "(2)[218].(48/134)
... الإمام روح الله الموسوي الخميني : قال رضوان الله تعالى عليه في معرض ردّه على بعض الإخباريين حيث زعموا عدم حجية ظواهر القرآن الكريم واستدلوا بوجوه منها وقوع التحريف في القرآن الكريم وهذا نص ما ذكره قدس الله نفسه الزكية في أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية :
... " وهذا ممنوع بحسب الصغرى(1)[219] والكبرى : أما الأولى : فلمنع وقوع التحريف فيه جدّا ، كما هو مذهب المحقّقين من علماء العامة والخاصة ، والمعتبَرين من الفريقين(2)[220]، وإن شئت شطرا من الكلام في هذا المقام فارجع إلى مقدمة تفسير آلاء الرحمن للعلامة البلاغي المعاصر -قدس سره- . "
" وبالجملة : لو كان الأمر كما ذكره هذا و أشباهه ، من كون الكتاب الإلهي مشحونا بذكر أهل البيت وفضلهم ، وذكر أمير المؤمنين وإثبات وصايته وإمامته ، فلِمَ لم يحتج بواحد من تلك الآيات النازلة والبراهين القاطعة من الكتاب الإلهي أمير المؤمنين ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين –عليهم السلام- وسلمان ، و أبو ذر ، و عمّار ، وسائر الأصحاب الذين لا يزالون يحتجّون على خلافته عليه السلام ؟! ولِم تشبّث -عليه السلام- بالأحاديث النبوية ، والقرآن بين أظهرهم ؟! ولو كان القرآن مشحونا باسم أمير المؤمنين وأولاده المعصومين و فضائلهم و إثبات خلافتهم ، فبأيّ وجه خاف النبيّ - صلى الله عليه وآله - في حجّة الوداع آخرَ سنين عمره الشريف وأخيرةَ نزول الوحي الإلهيّ من تبليغ آية واحدة مربوطة بالتبليغ ، حتّى ورد أنّ ( الله يعصمك من الناس ) ؟! ولِم احتاج النبي - صلى الله عليه وآله - إلى دواة وقلم حين موته للتصريح باسم عليّ عليه السلام ؟! فهل رأى أن لكلامه أثراً فوق أثر الوحي الإلهيّ ؟!
... وبالجملة : ففساد هذا القول الفظيع والرأي الشنيع أوضح من أن يخفى على ذي مسكة ، إلاّ أنّ هذا الفساد قد شاع على رغم علماء الإسلام وحفّاظ شريعة سيّد الأنام "(3)[221].(48/135)
... وقال أيضا في تقريرات بحثه في تهذيب الأصول : " فان الواقف على عناية المسلمين على جمع الكتاب وحفظه وضبطه قراءة وكتابة يقف على بطلان تلك المزعمة ، وأنه لا ينبغي أن يركن إليه ذو مسكة ، وما وردت فيه من الأخبار ، بين ضعيف لا يستدل به ، إلى مجعول يلوح منها إمارات الجعل ، إلى غريب يقضى منه العجب ، إلى صحيح يدل على أن مضمونه تأويل الكتاب وتفسيره إلى غير ذلك من الأقسام التي يحتاج بيان المراد منها إلى تأليف كتاب حافل ولولا خوف الخروج عن طور الكتاب لأرخينا عنان البيان إلى بيان تاريخ القرآن وما جرى عليه طيلة تلك القرون وأوضحنا عليك أن الكتاب هو عين ما بين الدفتين ، والاختلاف الناشئة بين القراء ليس إلا أمرا حديثا لا ربط له بما نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين "(1)[222].
... السيد أبو القاسم الخوئي : " إن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ، ولا يقول به إلا من ضعف عقله أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل أو ألجأه إليه حب القول به ، والحب يعمي ويصم ، وأما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته "
... السيد محمد حسين الطباطبائي : " فقد تبين مما فصلناه أن القرآن الذي أنزله الله على نبيّه صلى الله عليه وآله و وصفه بأنه ذكر محفوظ على ما أنزل مصون بصيانة إلهية عن الزيادة والنقيصة و التغيير كما و عد الله نبيه فيه "(2)[223].(48/136)
... السيد محمد رضا الكلبايكاني : " وقال الشيخ لطف الله الصافي دام ظله : ولنعم ما أفاده العلامة الفقيه والمرجع الديني السيد محمد رضا الكلبايكاني بعد التصريح بأن ما في الدفتين هو القرآن المجيد ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه ، والمجموع المرتب في عصر الرسالة بأمر الرسول صلى الله عليه وآله ، بلا تحريف ولا تغيير و لا زيادة ولا نقص وإقامة البرهان عليه : أن احتمال التغيير زيادة ونقيصة في القرآن كاحتمال تغيير المرسل به واحتمال كون القبلة غير الكعبة في غاية السقوط لا يقبله العقل وهو مستقل بامتناعه عادة ".
... الشيخ لطف الله الصافي : " القرآن معجزة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، قد عجز الفصحاء عن الإتيان بمثله و بمثل سورة أو آية منه و حير عقول البلغاء وفطاحل الأدباء ".
... " هذا القرآن هو كل ما في الدفتين ليس فيه شيء من كلام البشر وكل سورة من سوره وكل آية من آياته متواتر مقطوع به ولا ريب فيه ، دلت عليه الضرورة والعقل والنقل القطعي المتواتر ، هذا هو القرآن عند الشيعة الإمامية ليس إلى القول فيه بالنقيصة فضلا عن الزيادة سبيل ، ولا يرتاب في ذلك إلا جاهل ، أو مبتلى بالشذوذ الفكري "(1)[224].
وبعد كل هذه التصريحات من أعاظم وأساطين علماء الشيعة وفقهائهم ومن دارت عليهم رحى الاجتهاد والمرجعيّة لألوف الشيعة طيلة مئات السنين ، يأتينا الوهابية ويقولون : الشيعة يعتقدون تحريف القرآن ! ألم ينته عصر الكذب بعد ؟!
ولنذكر هنا قول أحد مشايخ أهل السنة وهو محمد التيجاني المستبصر وهو يحكي لنا شعوره حينما كان على مذهب العامة ومدى التضليل الذي كان يمارس عليهم في مسألة تحريف القرآن :(48/137)
" وما ينسب إلى الشيعة من القول بالتحريف هو مجرد تشنيع وتهويل ، وليس له في معتقدات الشيعة وجود –إلى قوله- وأتذكر أني عندما زرت بلاد الشيعة للمرة الأولى كان في ذهني بعض هذه الإشاعات ، فكنت كلما رأيت مجلدا ضخما تناولته علّني أعثر على هذا القرآن المزعوم ، ولكن سرعان ما تبخّر هذا الوهم وعرفت فيما بعد أنها إحدى التشنيعات المكذوبة لينفّروا الناس من الشيعة .
... ولكن يبقى هناك دائما من يشنّع ويحتجّ على الشيعة بكتاب اسمه فصل الخطاب في تحريف الكتاب ومؤلفه محمد تقي النوري الطبرسي المتوفّى سنة 1320 هجرية وهو شيعي ، ويريد هؤلاء المتحاملون أن يحمّلوا الشيعة مسوؤلية هذا الكتاب ! وهذا غير إنصاف ! فكم من كتب كتبت وهي لا تعبّر في الحقيقة إلا عن رأي كاتبها ومؤلفها ويكون فيها الغث والسمين وفيها الحق والباطل وتحمل في طيّها الخطأ والصواب ، ونجد ذلك عند كلّ الفرق الإسلامية ولا يختص بالشيعة دون سواها وهو في الواقع ألصق وأقرب بأهل السنة والجماعة منه إلى الشيعة ، أ فيجوز لنا أن نحمّل أهل السنة والجماعة مسؤولية ما كتبه وزير الثقافة المصري وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بخصوص القرآن والشعر الجاهلي ؟! أو ما رواه البخاري وهو صحيح عندهم من نقص في القرآن وزيادة ؟ وكذلك صحيح مسلم وغيره ؟ "(1)[225] ، أقول : لا حياة لمن تنادي !
( المنصفون من أهل السنة ينفون هذه الفرية عن الشيعة
لو اقتصر النكير لهذه الفرية من أكابر الشيعة لكان من العجب أن يتمسك أولئك الأعراب بافتراءاتهم ، ولكن ما يصدم العقل البشري أن كثيرا من علماء أهل السنة نفوا تلك الفرية عن الشيعة جملة وتفصيلا ، ومع ذلك تُصْدَم بأن الوهابية –نعوذ بالله العظيم مما ابتلاهم الله به من سوء سريرة- صموا وعموا حتى عن أقوال بني جلدتهم وأهل الفضل منهم ، وهذه بعض كلماتهم :(48/138)
يقول الشيخ محمد أبو زهرة : " القرآن بإجماع المسلمين هو حجة الإسلام الأولى وهو مصدر المصادر له ، وهو سجل شريعته ، وهو الذي يشتمل على كلّها و قد حفظه الله تعالى إلى يوم الدين كما وعد سبحانه إذ قال{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9). وإن إخواننا الإمامية على اختلاف منازعهم يرونه كما يراه كل المؤمنين "(1)[226].
وقال :" إن الشريف المرتضى وأهل النظر الصادق من إخواننا الإثنا عشرية قد اعتبروا القول بنقص القرآن أو تغييره أو تحريفه تشكيكا في معجزة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واعتبروه إنكارا لأمر علم من الدين بالضرورة "(2)[227].
وقال الشيخ رحمة الله الهندي: " القرآن المجيد عند جمهور علماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية محفوظ من التغيير والتبديل ومن قال منهم بوقوع النقصان فيه،فقوله مردود غير مقبول عندهم "(3)[228].
وقال الشيخ محمد الغزالي : " سمعت من هؤلاء يقول في مجلس علم : أن للشيعة قرآنا آخر يزيد وينقص عن قرآننا المعروف ! فقلت : أين هذا القرآن ؟ ! ولماذا لم يطلع الإنس والجن على نسخة منه خلال هذا الدهر الطويل ؟ لماذا يساق هذا الافتراء ؟ … ولماذا هذا الكذب على الناس وعلى الوحي "(4)[229].(48/139)
وقال محمد علي الزعبي : " لقد اتفق المسلمون - ويحز في قلبي الألم حين أصفهم بالسنة والشيعة بعد أن دعاهم الله مسلمين ورضي لهم الإسلام دينا - اتفقوا على عصمة القرآن وحفظه منذ عهد نزوله حتى الآن فالسنيون على تعداد مذاهبهم الفقهية المعروفة ، والتي أصبحت في ذمة التاريخ ، والشيعة ، سواء أكانوا إمامية اثني عشرية أو زيدية أو إسماعيلية : بهرة أم موحّدين أم آغاخانية… جميعهم ينظرون كتاب الله الموجود بين أيدي الناس معصوما محفوظا كما أنزل ، ويعتقدون أنه هو نفسه الذي أنزله الله لرسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ووصل الناس دون زيادة أو نقص ، نعم هذا ما اتفق عليه مسلمو العالم في جميع عصورهم وهذا ما سجله مؤلفوهم ومحققوهم ومخلصوهم ولو أردنا أن نقول للقارئ راجع كتاب كذا وصفحة كذا لأذهبنا سجلا بأسماء الكتب "(1)[230].
وقال البهنساوي : " إن الشيعة الجعفرية الاثني عشرية يرون كفر من حرّف القرآن الذي أجمعت عليه الأمة منذ صدر الإسلام(2)[231]… وإن المصحف الموجود بين أهل السنة هو نفسه الموجود في مساجد وبيوت الشيعة وأنه لا يوجد منهم في عصرنا من يقول بما جاء في بعض كتبهم القديمة عن مصحف فاطمة بل يقولون إن هذه روايات غير صحيحة مردودة كما أن أئمة الشيعة في عصرنا يؤكدون ذلك "(3)[232].
وقال الأستاذ محمد المديني عميد كلية الشريعة بالجامعة الأزهرية : " وأمّا أن الإمامية يعتقدون نقص القرآن ، فمعاذ الله . إنما هي روايات رويت في كتبهم ، كما روي مثلها في كتبنا . وأهل التحقيق من الفريقين قد زيّفوها ، وبينوا بطلانها وليس في الشيعة الإمامية أو الزيدية من يعتقد ذلك كما أنه ليس في السنة من يعتقده ".(48/140)
وقال أيضا : " وقد ألّف أحد المصريين في سنة 1489م كتابا اسمه ( الفرقان ) حشاه بكثير من أمثال هذه الروايات السقيمة المدخولة المرفوضة ، ناقلا لها عن الكتب والمصادر عند أهل السنة ، وقد طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب بعد أن بين بالدليل والبحث العلمي أوجه البطلان والفساد فيه ، فاستجابت الحكومة لهذا الطلب وصادرت الكتاب ، فرفع صاحبه دعوى يطلب فيها تعويضا ، فحكم القضاء الإداري في مجلس الدولة برفضها .
أفيقال أنّ أهل السنة ينكرون قداسة القرآن ؟ أو يعتقدون نقص القرآن لرواية رواها فلان ؟ أو لكتاب ألفه فلان ؟ فكذلك الشيعة الإمامية ، إنما هي روايات في بعض كتبهم كالروايات التي في بعض كتبنا "(1)[233].
قال الدكتور محمد عبد الله دراز : " ومهما يكن من أمر فإن هذا المصحف هو الوحيد المتداول في العالم الإسلامي ، بما فيه فرق الشيعة ، ومنذ ثلاثة عشر قرنا من الزمان ، و نذكر هنا رأي الشيعة الإمامية – أهم فرق الشيعة – ثم ذكر كلام الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه "(2)[234].
وقال الدكتور علي عبد الواحد وافي :" يعتقد الشيعة الجعفرية كما يعتقد أهل السنة أن القرآن الكريم هو كلام الله عز وجل المنزل على رسوله المنقول بالتواتر والمدوّن بين دفتي المصحف بسوره وآياته المرتبة بتوقيف من الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، وأنه الجامع لأصول الإسلام عقائده وشرائعه و أخلاقه ، والخلاف بيننا وبينهم في هذا الصدد يتمثل في أمور شكلية وجانبية لا تمس النص القرآني بزيادة ولا نقص ولا تحريف ولا تبديل ولا تثريب عليهم في اعتقادهم "(3)[235] .(48/141)
وقال أيضا : " أما ما ورد في بعض مؤلفاتهم من آراء تثير شكوكا في النص القرآني وتنسب إلى بعض أئمتهم ، فإنهم لا يقرونها وتعتقدون بطلان ما تذهب إليه ، وبطلان نسبتها إلى أئمتهم ولا نعدها من مذهبهم ، مهما كانت مكانة رواتها عندهم ومكانة الكتب التي وردت فيها …وقد تصدى كثير من أئمة الشيعة الجعفرية أنفسهم لرد هذه الأخبار الكاذبة وبيان بطلانها وبطلان نسبتها إلى أئمتهم وأنها ليست من مذهبهم في شيء "(1)[236].
وقال الدكتور محمد عزة دروَزة :" وبحيث يمكن القول بجزم بناء على ذلك إن ما ورد في الروايات التي جلها أو كلها غير وثيق السند مع ذلك من زيادات أو نقص في الكلمات والآيات والسور ، ومن مخالفة للترتيب لم يثبت عند الملأ من أصحاب رسول الله وناتج عن وهم وخطأ ، ولبس وعدم تثبت فأهمل ، ومنه ما يصح القول بقوة : إنه مخترع و مدسوس بنية سيئة وقصد مغرض . وجمهور العلماء والمؤلفين مجمعون على هذه الحقائق بدون خلاف ، ومن جملة ذلك علماء ومؤلفو الشيعة الإمامية "(2)[237].
وقال مصطفى الرافعي : " والقرآن الكريم هو الموجود الآن بأيدي الناس من غير زيادة و لا نقصان . وما ورد من أنّ الشيعة الإمامية يقولون بأن القرآن قد اعتراه النقص …هذا الادعاء أنكره مجموع علماء الشيعة الأعلام … فالقرآن الكريم –إذن هو عصب الدولة الإسلامية ، تتفق مذاهب أهل السنة مع مذهب الشيعة الإمامية على قداسته ووجوب الأخذ به . وهو نسخة موحدة لا تختلف في حرف ولا رسم لدى السنة والشيعة الإمامية في مختلف ديارهم وأمصارهم "(3)[238].(48/142)
وها قد أوردنا كلمات علماء الإمامية ومراجعهم في سلامة القرآن من التحريف وأتبعناهم ثم الآخرين من علماء أهل السنة وكلهم متفقون على تكذيب من يرمي الشيعة بهذه الفرية ، وكلماتهم واضحة صريحة في اعتقاد الشيعة بسلامة القرآن من التحريف من ألفه إلى يائه بلا زيادة أو نقصان ، ومن نسب لهم خلاف ذلك فهو كاذب مفتر عليهم ، وبعد أن شهد شاهد من أهلها ، هل بقي مجال للادعاءات الباطلة والافتراءات الزائفة ؟!
كذب ابن حزم والوهابية !
وإن تعجب فعجب سلاطة لسان ابن حزم وقساوة خده حيث قال في كتابه الفِصَل :" ومن قول الإمامية كلها قديما وحديثا أن القرآن مبدل زيد فيه ما ليس منه كثير وبدل منه كثير ".
... وهذه جرأة ما بعدها جرأة ، فيا لله كيف نسب هذا الكذاب الأشر لأعيان الشيعة كلهم أجمعين أكتعين القول بالتحريف ؟! ويا ليته كذب فنسب التحريف بالنقص لهم ، ولكنه تجاوز حدود الافتراء والدجل بقوله إن الشيعة تعتقد تبديل القرآن والزيادة عليه ما ليس منه !! بل هو كثير كثير في نظرهم !! ولم يقل بهذا أحد من الشيعة منذ خلق الله الأرض ومن عليها ! وهذا لعمر الله أحد أنواع الكذب النادرة التي تستحق أن تحفظ في خزانة غرائب الأكاذيب ، وقد انبرى الشيخ الهمام الأميني بنفي تلك الفرية الكالحة الشائنة فقال عليه الرحمة والرضوان في كتابه الغدير الأغر :(48/143)
" ليت هذا المجترئ أشار إلى مصدر فريته من كتاب للشيعة موثوق به ، أو حكاية من عالم من علمائهم تقيم له الجامعة وزناً ، أو طالب من روّاد علومهم ولو لم يعرفه أكثرهم ، بل نتنازل معه إلى قول جاهل من جهّالهم أو قرويّ من بسطائهم ، أو ثرثار كمثل هذا الرجل يرمي القول على عواهنه . ولكن القارئ إذا فحّص ونقّب لا يجد في طليعة الإمامية إلاّ نفاة هذه الفرية كالشيخ الصدوق في عقائده ، والشيخ المفيد ، وعلم الهدى الشريف المرتضى الذي اعترف له الرجل بنفسه ، وليس بمتفرّد عن قومه في رأيه كما حسبه المغفّل ، وشيخ الطائفة الطوسي في تبيانه ، وأمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان وغيرهم . فهؤلاء أعلام الإمامية وحملة علومهم الكالئين لقواميسهم وعقائدهم قديمًا وحديثًا يوقفونك على مَين الرجل فيما يقول ، وهذه فرق الشيعة وفي مقدَّمتهم الإمامية مجمعة إلى أنّ ما بين الدفتين هو ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه وهو المحكوم بأحكامه ليس إلاّ "(1)[239].
وكذا رده السيد محسن الأمين رضوان الله تعالى في أعيان الشيعة :" لا يقول أحد من الإمامية لا قديما ولا حديثا أن القرآن مزيد فيه قليل أو كثير فضلا عن كلهم بل كلهم متفقون على عدم الزيادة ومن يعتد بقوله من محقيقهم متفقون على أنه لم ينقص منه ".
... وقال " ومن نسب إليهم خلاف ذلك فهو كاذب مفتر مجترئ على الله ورسوله والذين استثناهم -ابن حزم- وقال إنهم ينكرون الزيادة والنقصان في القرآن ويكفرون من قال بذلك هم أجلاء علماء الإمامية وإن كذب في دعوى التكفير الذي يكيله للناس في كتابه بالصاع الأوفى وقد تعوّد عليه قلمه ولسانه "(2)[240].(48/144)
وبعض الوهابية(1)[241] يلوك بكل جد واجتهاد ما لفظته أفواه أسياده من قبل ، فيتعجب من نفي العلامة الأميني رضوان الله تعالى عليه لهذه الفرية بهذا التكذيب القاطع والمستميت في حال وجود بعض نفر من علماء الشيعة قالوا بتحريف القرآن ، فقام الوهابي بالتهكم والتلويح بأن الكذب من عادة علماء الشيعة ، وغفل هذا الصبي –المستحق لزكاة العلم- أن ابن حزم افترى على الشيعة كلهم وبأجمعهم تحريف القرآن بالزيادة والتبديل لا بالنقيصة ، وهذا كذب صريح وافتراء فاضح ، وكما قلنا إن الوهابية يستغلون بساطة من يلتفون حولهم .
( التقية ، ورقة الأعراب الأخيرة !
... فتاوى المراجع وتصريحاتهم كانت ومازالت حرابا وأسنة في وجه الأعراب تمزق افتراءاتهم وتبعثر خزعبلاتهم ، فلم يجدوا أحدا من مراجع التقليد ومحققي الطائفة إلا نافيا لتهمتهم منكلا بها رادا وكارا على من يدعيها ، فلجأ الوهابية للرجم بالغيب والتخرصات والتكهنات ، فقالوا إن علماء الشيعة كلهم طيلة أكثر من ألف سنة يقولون بعدم التحريف تقية ! وكانت هذه التقية محكمة لدرجة أن أحدا منهم لم يشذ فيصرح بما يكنه في صدره من الحقيقة ولو في لحظة من الغضب والعاطفة الجياشة ! بل حتى الشخصيات التي يزعم الوهابية أنهم كانوا من كبار علماء الشيعة وتركوا التشيع لم يكشفوا ذلك الأمر الخطير ومازالوا يكتمونه ! فلماذا لم نجد أحدا منهم اعترف أنه كان يقول بعدم التحريف تقية حينما كان شيعيا !(2)[242]
وهذا لعمري آخر حلم الوهابية ، فالعلم بما تكنه الصدور وتقر به القلوب لا يعلمه إلا الله عز وجل ومن أذن له ، فأنّا لهم العلم -سواء هم أو غيرهم من الشيعة - بما تخفيه الصدور ؟! أم كيف يركن عاقل لدعوى بلا دليل أو برهان قائمة على تخرصٍ وادعاء ؟!(48/145)
وتنبّه أحد علماء أهل السنة لسخافة ما قاله الوهابية وتشبثهم بقشة التقية ، فدفع هذه الشبهة التي يردّدها أصحاب الموقف الخاسر في معركة الافتراء والتكفير ، فقال :
... " إنه لا يجوز شرعا لأحد من المسلمين أن يرد ما جاء في كتب الشيعة من روايات تبطل القول بتحريف القرآن وتؤكد وحدة المصدر النبوي للتشريع ، بادعاء أن أصحاب هذه الأقوال قالوها من باب التقية لأن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قد وضع الحكم القاطع في ذلك في جوابه على أسامة بن زيد عندما قتل مشركا كان قد أعلن إسلامه و تعلل الصحابي أسامة بأن المشرك نطق بالشهادة متعوذا بها من السيف فقال النبي ( أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ) وأيضا قول النبي خالد بن الوليد ( أني لم أؤمر أن أنقب في قلوب الناس ولا أشق بطونهم ) "(1)[243].
هذا الكلام ينتفع به من يقيم للموازين الشريعة والعلمية وزنها ، ولا نظن أن من فتح كل دكة ودكان للافتراء والبهتان يلتفت لهذا الأمر !
( ختام البداية !(48/146)
ولنسألهم بعد كل هذه المعمعة من التكفير والتبديع وفلان قال أو لم يقل ، هل انفرد الشيعة الإمامية بوجود بضع نفر قالوا بتحريف القرآن ؟ ، ولكي نجيب على هذا السؤال وتتضح الحقيقة ، آثرنا أن نعقد الأبحاث الآتية التي نخلص منها إلى أن نسبة التحريف لمذهب أهل السنة بمبانيهم التي نبتت عليها لحومهم وشبوا وشابوا عليها أحرى وأجدر ، فلا تكاد ترى عيناك مسندا أو مصنفا إلا وفيه سقوط آيات وضياع قرآن وإنكار لقراءة آية في المصحف ، بل إن أقوال علمائهم صريحة في سقوط الآيات وضياعها وفقدان كثير من القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد اعترف أكابر علمائهم أن من الصحابة والتابعين من كان يدين لله بتحريف القرآن ، ناهيك عن علوم القرآن التي يستفاد منها وقوع التحريف وسنبدأ بها ثم نختم بالتحريف الصريح وأقوال وأسماء أكابر سلفهم الذين ذهبوا للقول بتحريف القرآن ، فلنبدأ بحول الله وقوته بالبسملة ومن قبلها {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}(النحل/98).
---(48/147)
الشِّيعَةُ الرَّوافِضُ
طائِفَةُ شِرْكٍ ورِدَّةٍ
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير "
بسم الله الرحمن الرحيم
ـ مقدمة:
إن الحمدَ لله نحمدُه ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.
وبعد، فإن مشكلة الشيعة الروافض مشكلة قديمة حديثة .. كلما بليت ودرست وجد من يُجددها ويُحيها .. تفرض نفسها ـ بصورة متجددة ومستمرة ـ على الأمة وأبنائها؛ وذلك أن دينهم يقوم على الحقد والكراهية .. والكذب والتكذيب، والطعن بالإسلام وأهله .. والتآمر على أمة التوحيد .. ثم بعد كل ذلك يزعمون ـ كذباً وزوراً ـ بأنهم هم المسلمون ..!
... والمشكلة تتفاقم أكثر عندما تتواجد لهذه الطائفة المارقة الحاقدة القوة والشوكة، والدولة التي تركن إليها .. وترعاها .. وتعمل على نشر باطلها وشركها .. كما هو الحال في هذا الزمان ..!
وهي تتفاقم أكثر وأكثر عندما يتواجد من مغفلي أهل الإسلام من ينخدع ببعض مظاهر وشعارات القوم .. فيظهرهم للأمة على أنهم مسلمون من أهل القبلة .. وأنهم مذهب خامس إضافة للمذاهب الأربعة المعروفة عند أهل السنة .. لا بد من الاعتراف به كجزء من الفقه الإسلامي .. والخلاف بيننا وبينهم هو مجرد خلاف فقهي كالخلاف فيما بين المذاهب الأربعة المعروفة عند أهل السنة .. لا يمنع من الالتقاء والتوحد معهم!
... فيعم ـ بسبب ذلك كله ـ الجهل، واللغط، والتشويش .. وتكثر أسئلة الناس .. عن حقيقة هؤلاء القوم .. وعن دينهم .. وعن حكم الشرع فيهم: هل هم مسلمون حقاً .. ومن أهل القبلة .. أم أنهم مشركون مرتدون .. خارجون عن الإسلام .. وهل هم مع الأمة أم ضدها .. ثم كيف ينبغي التعامل معهم ..؟؟(49/1)
... هذه أسئلة قد أجاب عليها أئمة الإسلام قديماً وحديثاً .. ولكن لتجدد فتنة القوم بين الفينة والأخرى، وكلما سمحت لهم الظروف .. ولكون مشكلة الشيعة الروافض جاثمة بكل أحقادها وأبعادها، وأرجاسها على صدر الأمة وأبنائها .. يضطر أهل العلم أن يجددوا الإجابة على مثل هذه الأسئلة والتساؤلات .. وكلما دعت الضرورة والحاجة إلى ذلك! ...
وفي الآونة الأخيرة قد تكاثرت علي الأسئلة من شباب الإسلام: بعضهم ينقل إلي ما سمع وقرأ عن القوم مما تقشعر منه الأبدان .. وتشيب له الولدان .. وبعضهم ينقل إلي ما سمع أو قرأ عن بعض المغفلين من أهل الإسلام .. ممن وقعوا في وزر الثناء على الشيعة الروافض، والجدال عنهم .. وبعضهم يسأل استرشاداً يستجلي حقيقة القوم، وحقيقة الدين الذي هم عليه ..!!
فوجدت نفسي ملزماً شرعاً أن أجيب الإخوان عما سألوا عنه .. راجياً من الله تعالى السداد والتوفيق، والقبول .. وأن يجعل ما نكتبه مفتاح خير مغلاق شرٍّ .. إنه تعالى سميع قريب.
مع التنبيه أن هذه الرسالة كما هي موجهة إلى أهل الإسلام .. ليكونوا على بينة تامة من حقيقة هذه الطائفة المارقة .. كذلك هي موجهة إلى المضللين من أهل التشيع والرفض .. عسى أن تكون لهم سبب هدايةٍ ورشادٍ .. والله تعالى يهدي للحق من يشاء.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
ـ حكم الشيعة الروافض:
قد تضافرت الأدلة النقلية والعقلية، والمرئية على أن الشيعة الروافض ـ الاثنى عشرية ـ طائفة شرك وردة .. خارجة عن ملة الإسلام .. دينهم يقوم على الكَذب والتكذيب .. وتصديق الكذب .. والحقد الدفين على الإسلام وأهله ..!
... فإن قيل: أين الدليل والبرهان على أن الشيعة الروافض طائفة شرك وردة .. فالأحكام تعوزها الأدلة والبراهين .. وإلا تكون أقرب إلى الدعاوى والزعم منها إلى الحقيقة والواقعية .. فالدليل هو المطلوب .. وهو المهم في تقرير المسائل ؟!(49/2)
... أقول: يأتي كفر الشيعة الروافض من جهات عدة:
... أولاً: من جهة قولهم بتحريف القرآن ..!
... وتحريفهم للقرآن الكريم يأتي من جهتين:
... 1- تحريف في التأويل والتفسير: حيث تراهم يتأولون نصوص الكتاب تأويل أهل الزندقة والإلحاد .. تأويلاً لا يُستساغ لغة، ولا عقلاً، ولا شرعاً .. هو ألصق بمعنى التحريف منه إلى معنى التفسير والتأويل.
... مثال ذلك: ما أخرجه الكليني في كتابه الكافي 1/207 وهو من أعظم وأوثق كتب الشيعة الروافض: عن أبي حمزة، عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: قلت له: جُعلت فداك إنّ الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية: { عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ } قال: ذلك إلي إن شئت أخبرتهم وإن شئت لم أخبرهم، ثم قال: لكني أخبرك بتفسيرها، قلت: { عم يتساءلون } قال: فقال: هي في أمير المؤمنين صلوات الله عليه، كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول: ما لله - عز وجل - آيةٌ هي أكبر مني، ولا لله من نبأ أعظم مني ا-هـ.
... قلت: فأولوا معنى { النبأ العظيم } الذي يُراد به ـ بإجماع أهل التفسير ـ يوم القيامة وأهواله إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - .. وهذا من الكذب والتحريف والتقول على علي - رضي الله عنه - ما لم يقله .. حاشاه!
... وهم في تأويلهم هذا لم يقتصروا على التحريف والكذب .. بل جعلوا من علي بن أبي طالب الآية التي هي أعظم من الأنبياء والرسل .. والقرآن الكريم .. وخلق السماوات والأرض .. والنبأ الذي هو أعظم من يوم القيامة وأهواله .. قاتلهم الله ..!(49/3)
... وكذلك ما أخرجه في الكافي 1/214: عن سالم قال: سألت أبا جعفر - عليه السلام -عن قول الله - عز وجل -: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ } قال: السابق بالخيرات: الإمام، والمقتصد: العارف للإمام، والظالم لنفسه: الذي لا يعرف الإمام ا- هـ.
... قلت: وهذا حصر مخل لمعنى الآية الكريمة .. لا تحتمله لغة .. ولا عقل ولا نقل .. وهو أقرب إلى التحريف منه إلى التفسير ..!
وهو إضافة لما تقدم فإنه يتضمن إساءة بليغة للأنبياء، والصديقين، والشهداء، والصالحين .. كما يتضمن تزكية صريحة للفساق والمجرمين لكونهم فقط يعرفون الإمام أو يُصدقون بالإمام!
وكذلك ما أخرجه في الكافي 1/216: عن أبي عبد الله - عليه السلام - في قوله تعالى: { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } قال: يهدي إلى الإمام ا- هـ.
قلت: وهذا تحريف وليس تفسير ...!!
وفي الكافي كذلك 1/217: تلا أبو عبد الله - عليه السلام - هذه الآية: {
واذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ } [(1)]. قال: أتدري ما آلاء الله ـ أي ما نعم الله وفضله على عباده ـ قلت: لا، قال: هي أعظم نعم الله على خلقه، وهي ولايتنا ا- هـ. وهذا من التحريف لمعاني ومقاصد القرآن ..!
__________
(1) والصواب، قوله تعالى: { فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } الأعراف: من الآية69. فقد أخطأ الإمام في تلاوة الآية .. وهذا بخلاف ما يزعمون أن الإمام معصوم عن الخطأ، والسهو، والغفلة .. كما سيأتي بيانه لاحقاً إن شاء الله.(49/4)
وفي الكافي كذلك 1/343: عن أبي عبد الله - عليه السلام - في قول الله - عز وجل -: { فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ } قال: إن منا إماماً مظفراً مستطراً، فإذا أراد الله عز ذكره إظهار أمره، نكت في قلبه نكتة فظهر فقام بأمر الله تبارك وتعالى ا- هـ.
ففسروا النفخ بالصور يوم القيامة كما قال تعالى: { فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ . عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } المدثر:9-10. بقيام وظهور صاحب السرداب مهديهم المنتظر .. وهذا تحريف لا يحتمله النص ..!!
وفي الكافي كذلك 1/413: عن أبي عبد الله - عليه السلام - في قول الله - عز وجل -: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قال: بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من الولاية ولم يخلطوها بولاية فلان وفلان، فهو الملبس بالظلم ا- هـ.
ففسروا الإيمان بالإيمان بالولاية والإمامة .. والظلم ـ الذي يُراد به الشرك بإجماع أهل التفسير ـ بالذي يخلط بين ولاية الأئمة وغيرهم ..!!
وهذا تحريف صريح لآيات الكتاب وليس بتفسير ..!!
وفي الكافي كذلك 1/413: عن الحسن بن نعيم الصحاف قال: سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن قول الله - عز وجل -: { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ } فقال: عرف الله إيمانهم بولايتنا وكفرهم بها يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم - عليه السلام - وهم ذرٌّ ا- هـ.
فالمؤمن هو الذي يؤمن بولايتهم، والكافر هو الذي يكفر بولايتهم ..
وهكذا كل إيمان وكفر يرد ذكرهما في القرآن الكريم .. فهما يُحملان ـ عند الروافض ـ على الإيمان بالولاية والوصاية .. أو الكفر بها ..!
وهذا عين التحريف والكذب على الله تعالى وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ..!!(49/5)
وفي الكافي كذلك 1/417: عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: أوحى الله إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم -: { فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } قال: إنك على ولاية عليّ، وعلي هو الصراط المستقيم ا- هـ.
فتفسير الصراط المستقيم بعلي - رضي الله عنه - وبالولاية .. تفسير لا يحتمله النص لغة ولا معنى .. وهو أقرب للتحريف منه للتفسير!
وفي الكافي كذلك 1/418: عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله - عليه السلام -: قوله - عز وجل -: { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } قال: ولايتهم ـ أي ولاية أبي بكر، وعمر، وعثمان وغيرهم من الصحابة[(1)] ـ { وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } قال: ولاية أمير المؤمنين - عليه السلام - { إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } ا- هـ.
ففسروا الحياة الدنيا بولاية الصحابة: أبي بكر، وعمر .. والحياة الآخرة بولاية علي .. ثم هذا التفسير والمعنى للحياة الدنيا والآخرة .. هو المثبت في الصحف الأولى { صُحف إبراهيم وموسى } .. !!
وهذا عين التحريف والكذب على الله، وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى جميع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وفي الكافي كذلك 1/419: عن المفضّل بن عمر قال: سألت أبا عبد
الله عن قوله تعالى: { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ } قال: قالوا: أو بدل علياً - عليه السلام - ا- هـ.
__________
(1) قال المعلق على كتاب الكافي " علي أكبر الغفاري ": في بعض النسخ بدل ولايتهم " ولاية شبوية " والشبوة العقرب، والنسبة إليها شبوية، كأنه شبه الجائر بالعقرب ا- هـ أنظر الطبعة الرابعة، للناشر دار صعب .. فنحن عندما نعزو على الكافي نريد هذه الطبعة، فتنبه!(49/6)
ففسروا التبديل المراد به تبديل الآيات والقرآن الكريم إلى تبديل علي ابن أبي طالب.. وهذا معناه أن الذين قدموا ولاية وخلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان على ولاية وخلافة علي ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ هم من الكفرة الذين لا يرجون لقاء الله .. وهذا عين التحريف والكذب والتزوير للآيات والنصوص القرآنية ..!
وفي الكافي كذلك 1/419: عن أبي جعفر - عليه السلام - في قوله تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } قال: هي الولاية ا- هـ.
ففسروا التوحيد والإسلام الذي يُفطر ويولد عليه الناس .. بالولاية .. والوصاية .. وهذا عين الكذب والتحريف للنصوص ..!
وفي الكافي كذلك 1/427: عن أبي عبد الله - عليه السلام - في قوله تعالى: { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } قال: يعني إن أشركت في الولاية غيره .. ا- هـ. أي إن أشركت في الولاية غير علي والأوصياء الإثنى عشر من بعده .. ليحبطن عملك .. ففسروا الشرك بالله بالشرك في الولاية .. وهذا عين الكذب والتحريف للنصوص ..!!
وفي الكافي كذلك 1/419: عن إدريس بن عبد الله، عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: سألته عن تفسير هذه الآية: { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ } قال: عني بها لم نك من أتباع الأئمة .. ا- هـ.
ففسروا الصلاة باتباع الأئمة .. والمصلين هم الذين يتبعون الأئمة .. وهكذا فإن أكثر آيات القرآن الكريم تراهم يحملونها على الأئمة الإثنى عشر .. والوصاية .. وهذا عين التحريف، والكذب على الله، وعلى رسوله، وعلى آله، وأصحابه أجمعين!(49/7)
هذه نماذج أردنا أن نثبت بها الذي عنيناه من " التحريف في التأويل والتفسير " .. لم نرد منها الاستقصاء .. فاستقصاء هذا النوع من التحريف يحتاج إلى مجلد كبير .. وليس هذا غرضنا في هذا المبحث الوجيز.
قال الخميني: نؤكد بأن في القرآن مئات من الآيات وردت حول الإمامة والأئمة، ولكن دون ذكر صريح لذلك[(1)]ا- هـ.
وقال في موضع آخر من كتابه " كشف الأسرار "ص197: وعليكم أن تعرفوا بأن الآيات التي وردت في القرآن حول علي بن أبي طالب أكثر من أن يمكن حصرها ا- هـ.
فالقضية لا تقف عند آية أو آيتين أو مائة .. بل هي مئات من الآيات .. وهي أكثر من أن يمكن حصرها .. كلها تُحرّف وتُحمَل على الإمامة والوصاية .. والأئمة .. وهذا يدل على حجم التحريف الكبير لكتاب الله الذي تقوم به الشيعة الروافض .. والذي كله يتم تحت عنوان التفسير والتأويل .. عليهم من الله ما يستحقون!!
2- قولهم بتحريف التنزيل صراحة: حيث لم يكتفِ تحريفهم لكتاب الله تعالى عند حدود التأويل والتفسير الذي لا يحتمله النص .. بل تجاوزوا ذلك للقول صراحةً بتحريف آيات التنزيل، وأن كتاب الله محرف .. ساء ما يقولون!
وإليك بعض نصوصهم وأقوالهم في ذلك ومن مصادرهم المعتمدة:
في الكافي للكليني 1/228: عن أبي جعفر - عليه السلام - يقول: ما ادعى أحدٌ من الناس أنه جمع القرآن كله كما أُنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما أنزله
الله تعالى إلا علي بن أبي طالب - عليه السلام - والأئمة من بعده.
وعنه قال: ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن ظاهره وباطنه غير الأوصياء ا- هـ.
__________
(1) عن كتاب كشف الأسرار، للمدعو الخميني، ترجمة الدكتور محمد البنداري، طبع ونشر دار عمار، صفحة 151.(49/8)
قلت: وهذا يعني أن القرآن الكريم الذي حفظه المسلمون وتناقلوه بالتواتر من لدن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى يومنا هذا .. ليس هو القرآن الكامل الذي جمعه وحفظه الأئمة الأوصياء .. فالقرآن الذي يحفظه الأوصياء يختلف عن القرآن الذي بين أيدي المسلمين .. كما يزعمون .. وهذا تصريح صريح بالتحريف!!
وفي الكافي كذلك 1/412: عن جابر، عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: قلت له: لمَ سُمي أمير المؤمنين ـ أي علي بن أبي طالب ـ ؟ قال: الله سماه هكذا؛ أنزل في كتابه:" وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم وأن محمداً رسولي وأن علياً أمير المؤمنين " ا- هـ.
فإضافة هذه الزيادة على الآية الكريمة " وأن محمداً رسولي وأن علياً أمير المؤمنين " واعتبارها من التنزيل .. هو عين القول بالتحريف .. ومعناه أن الآية كما هي مثبتة في كتاب الله تعالى .. ويقرأها المسلمون .. إنما هي آية ناقصة .. لم تُكتب كما أنزلت ..!!
وفي الكافي كذلك عن أبي عبد الله - عليه السلام - في قوله - عز وجل - :" ومن يُطع الله ورسوله في ولاية علي وولاية الأئمة من بعده فقد فاز فوزاً عظيماً " هكذا نزلت ا- هـ.
قلت: قوله هكذا نزلت .. هو إثبات للقول بالتحريف .. كما لا يجوز حمله على معنى " بهذا المعنى نزلت " فالإطلاق لا يحتمل هذا التفسير .. كما أنه قد وردت مئات الروايات ـ المنسوبة زوراً وكذباً إلى آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ التي تثبت التحريف بالمعنى .. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك .. وبالتالي فهم يريدون هنا من قولهم " هكذا نزلت " أي هكذا نزلت نصاً وحرفاً .. وسيأتي معنا ما يدل على ذلك تصريحاً .. وأنهم يريدون التنزيل وليس التأويل ..!(49/9)
... وفي الكافي كذلك 1/417: عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: نزل جبرائيل - عليه السلام - بهذه الآية على محمد - صلى الله عليه وسلم - هكذا:" بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله في علي بغياً " ا- هـ.
... فقوله " هكذا " أي نصاً وحرفاً .. وهذا صريح الكذب والتحريف!
... ونحوه 1/417: عن جابر، قال: نزل جبرائيل - عليه السلام - بهذه الآية على محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - هكذا:" وإن كنتم في ريبٍ مما نزلنا على عبدنا في عليٍّ فأتوا بسورة من مثله " ا- هـ.
... ونحوه 1/417: عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: نزل جبرائيل - عليه السلام - على محمد - صلى الله عليه وسلم - بهذه الآية هكذا:" يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزَّلنا في عليٍّ نوراً مبينا " ا- هـ. فزاد " في عليٍّ نوراً مبيناً "!!
... بينما الآية في كتاب الله تعالى هي هكذا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً } النساء:47.
... وفي الكافي كذلك 1/422: عن أبي عبد الله - عليه السلام - في قوله تعالى:" سأل سائل بعذاب واقع . للكافرين بولاية عليّ ليس له دافع " ثم قال: هكذا والله نزل بها جبرائيل - عليه السلام - على محمد - صلى الله عليه وسلم - ا- هـ. فهنا أثبتوا التحريف والزيادة .. والتكفير والعذاب الواقع لكل من قدم ولاية وخلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان على ولاية وخلافة علي رضي الله عنهم أجمعين ..!!(49/10)
... ونحوه 1/423: عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: نزل جبرائيل بهذه الآية على محمد - صلى الله عليه وسلم - هكذا:" فبدّل الذين ظلموا آل محمدٍ حقهم قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمدٍ حقهم رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون " ا- هـ.
... وفي الكافي كذلك 1/424: قرأ رجل عند أبي عبد الله - عليه السلام -: { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ } فقال: ليس هكذا هي؛ إنما هي " والمأمونون " فنحن المأمونون ا- هـ.
... وفي الكافي كذلك 1/432: عن محمد بن الفضل عن أبي الحسن الماضي - عليه السلام - قال: سألته عن قول الله - عز وجل -:" يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم " قال: يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين - عليه السلام - بأفواههم، قلت: " والله متم نوره " قال: والله متم الإمامة، لقوله - عز وجل - :" الذين آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا " فالنور هو الإمام. قلت:" هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق " قال: هو الذي أمر رسوله بالولاية لوصيّه والولاية هي دين الحق، قلت: " ليظهره على الدين كله " قال: يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم، قال: يقول الله: "والله متم نوره" ولاية القائم " ولو كره الكافرون " بولاية علي، قلت: هذا تنزيل؟ قال: نعم، أما هذا الحرف فتنزيل وأما غيره فتأويل.
... قلت:" ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا " ؟ قال: إن الله تبارك وتعالى سمّى من لم يتبع رسوله في ولاية وصيّه منافقين، وجعل من جحد وصيه إمامته كمن جحد محمداً، وأنزل بذلك قرآناً فقال:" يا محمد إذا جاءك المنافقون بولاية وصيك قالوا: نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إنّ المنافقين بولاية علي لكاذبون ".(49/11)
... قلت: قوله:" لما سمعنا الهدى آمنا به " قال: الهدى الولاية، آمنا بمولانا فمن آمن بولاية مولاه" فلا يخاف بخساً ولا رهقاً " قلت: تنزيل؟ قال: لا تأويل.
... قلت: " واصبروا على ما يقولون ؟ قال: يقولون فيك " واهجرهم هجراً جميلاً. وذرني يا محمد والمكذبين بوصيّك أولي النعمة ومهلهم قليلا "
قلت: إن هذا تنزيل؟ قال: نعم ا- هـ.
... فتأمل قولهم:" وأنزل بذلك قرآناً " .. وكيف أنهم يميزون بين تحريف التأويل والتفسير وبين القول بتحريف التنزيل .. فهم عندما يريدون المعنى يقولون: هذا تأويل .. وعندما يريدون حرفية النص كما أنزل يقولون: هذا تنزيل .. مما يجعلنا نجزم بأنهم عندما يقولون:" هكذا نزل جبرائيل بهذه الآية " يريدون حرفية النص كما أنزل .. وليس مجرد المعنى منه .. كما يدعي زنادقة التأويل[(1)]!
... قال الخميني قائد الثورة الشيعية الإيرانية في كتابه " كشف الأسرار ": لقد أثبتنا في بداية هذا الحديث بأن النبي أحجم عن التطرق إلى الإمامة في القرآن، لخشية أن يُصاب القرآن من بعده بالتحريف، أو أن تشتد الخلافات بين المسلمين، فيؤثر ذلك على الإسلام!
... وواضح بأن النبي لو كان قد بلغ بأمر الإمامة طبقاً لما أمر الله، وبذل المساعي في هذا المجال، لما نشبت في البلدان الإسلامية كل هذه الاختلافات والمشاحنات والمعارك، ولما ظهرت ثمة خلافات في أصول الدين وفروعه[(2)]ا- هـ.
__________
(1) عندما نؤكد على عقيدة التحريف عند الشيعة الروافض " الاثنى عشرية " فإننا نؤكد على براءة علي بن أبي طالب، والحسن والحسين، وعلي بن الحسين، وجعفر الصادق .. وغيرهم من آل البيت .. رضي الله عنهم أجمعين .. من هذه العقيدة الكفرية .. وغيرها من العقائد الباطلة التي سنتطرق إلى ذكرها .. وأن ما يُقال باسمهم أو يُنقل عنهم فهو من الكذب المحض عليهم .. وهم براء منه كبراءة الذئب من دم يوسف .. فتنبه لذلك!!
(2) كشف الأسرار، ص 149 و 155.(49/12)
... مفاد كلام هذا الزنديق المجنون المفتون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المذنب .. وأن التقصير والكتمان، والتحريف جاء ابتداءً من طرفه .. وأنه لم يبلغ عن ربه ما أمر الله به وأوحى إليه في شأن الإمامة والأئمة .. وأنه أحجم عن ذكر الأئمة في القرآن رغم نزول الآيات عليه في ذلك .. لذا فالأمة وقعت بعده فيما وقعت فيه من الفتن والمشاكل .. ساء ما يقول هذا اللعين!!
... لعل قائلاً يقول: هذا قول الخميني .. وهو غير ملزم للشيعة .. وليس له من أئمتهم سلف ..؟!
... أقول: إليك إذاً بعض رواياتهم في ذلك؛ فقد روى الكليني في الكافي 1/243، أن رجلاً سأل علي بن أبي طالب: أخبرني عن هذا العلم ما له لا يظهر ؟ فضحك علي - عليه السلام - وقال: أبى الله - عز وجل - أن يطلع على علمه إلا ممتحناً للإيمان به .. فكم من اكتتام قد كتم به ـ أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ حتى قيل له" اصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين[(1)]" وأيم الله أن لو صدع قبل ذلك لكان آمناً؛ ولكنه إنما نظر في الطاعة، وخاف الخلاف، فلذلك كفّ ا- هـ.
... هذه نماذج أردنا منها التمثيل والتدليل على عقيدة التحريف عند الشيعة الروافض لا الاستقصاء أو الإحصاء .. فإن روايات القوم المكذوبة التي تثبت عقيدة تحريف التنزيل تزيد عن ألفي نص ورواية .. وقد جُمعت في بعض الكتب، ككتاب " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " لكاتبه الشيعي حسين النوري الطوسي، والهالك سنة 1320 هـ ..!
__________
(1) والصواب، قوله تعالى: { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } الحجر:94. لكن عما يبدو أن الإمام المعصوم ـ كما يزعم الروافض ـ قد اخطأ في تلاوة الآية .. وما أكثر الآيات التي يخطئون بها .. لو أردنا الإحصاء!(49/13)
والكتاب قد حوى على أكثر من ألف رواية ينسبونها زوراً وكذباً إلى أئمة آل البيت .. قام بنقلها وإثباتها إحسان إلهي ظهير ـ رحمه الله ـ في كتابه " الشيعة والقرآن " .. ليسهل الوقوف عليها .. ومعرفة حقيقة القوم .. لمن شاء!
فإن قيل: أين الدليل على كفر من قال بتحريف القرآن ..؟!
أقول: الأدلة على كفره كثيرة، منها: أنه يتضمن تكذيب ورد لقوله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } الحجر:9. فالله تعالى تكفل بحفظه من جميع صور التحريف أو الزيادة أو النقصان.
وكذلك قوله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً } المائدة: من الآية3. فالدين قد اكتمل .. فمن قال بالنقصان أو الزيادة .. ونسب ذلك إلى كتاب الله تعالى .. فإنه يُعارض ويرد هذه الآية الكريمة، ويكذب بها.
وكذلك قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } المائدة:67. فمن قال بالتحريف أو نسب الزيادة أو النقصان لكتاب الله .. ردّ هذه الآية الكريمة وكذّب بها .. وشهد بضدها وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما بلّغ رسالته!
ومن الأدلة كذلك على كفر من قال بالتحريف، قوله تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } الأنعام:21.(49/14)
وقوله تعالى: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ } الأعراف:37.
وقوله تعالى: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ } يونس:17.
وقوله تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ
لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ } العنكبوت:68.
فمن قال بالتحريف .. ونسب الزيادة أو النقصان لكتاب الله تعالى فقد افترى على الله كذباً، وكذّب بآياته وكلماته - سبحانه وتعالى -.
وكذلك قوله تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } الأنعام:93.
فهذه الآيات وغيرها كلها دالة على كفر وإجرام من قال بتحريف التنزيل .. أو قال على الله غير الحق.
ثانياً: يأتي كفرهم من جهة قولهم بقرآن فاطمة، ونزول الوحي عليها ..!(49/15)
فقد كثرت رواياتهم عن هذا القرآن المزعوم، وأن فيه من العلوم وعلم ما يكون ما ليس في كتاب الله، منها ما رواه الكليني في كتابه الكافي 1/239: عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام؟قال: قلت: وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرفٌ واحد .. ا- هـ.
وفي الكافي كذلك 1/240: عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول: تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة، وذلك أني نظرت في مصحف فاطمة عليها السلام، قال: قلت: وما مصحف فاطمة ؟ قال: إن الله تعالى لما قبض نبيه - صلى الله عليه وسلم - دخل على فاطمة عليها السلام من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله - عز وجل -، فأرسل إليها ملكاً يُسلي عمّها ويُحدثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين - عليه السلام - فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين - عليه السلام - يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفاً، قال: ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون ا- هـ.
وفي الكافي كذلك 1/240: عن الحسين بن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد الله- عليه السلام - يقول: إن عندي الجفر الأبيض، قال: قلت فأي شيء فيه ؟ قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم - عليه السلام -، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجلدة، ونصف الجلدة، وربع الجلدة وأرش الخدش ا- هـ.(49/16)
وفي الكافي كذلك 1/241: عن أبي عبيدة قال: سأل أبا عبد الله بعضُ أصحابنا عن مصحف فاطمة ؟ قال: فسكت طويلاً ثم قال: إنكم لتبحثون عما تريدون وعما لا تريدون، إن فاطمة مكثت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزنٌ شديد على أبيها، وكان جبرائيل - عليه السلام - يأتيها فيُحسن عزاءها على أبيها، ويُطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان عليّ - عليه السلام - يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة ا- هـ.
وفي الكافي كذلك 1/242: عن فضيل بن سكرة قال: دخلت على أبي عبد الله - عليه السلام - فقال: يا فضيل أتدري في أي شيء كنت أنظر قُبيل ؟ قال: قلت لا، قال: كنت أنظر في كتاب فاطمة عليها السلام ليس من ملك يملك الأرض إلا وهو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه، وما وجدت لولد الحسن فيه شيئاً ا- هـ.
قال الخميني في وصيته[(1)]: نحن فخورون بأن الأدعية التي تهب الحياة والتي تُسمى بالقرآن الصاعد هي من أئمتنا المعصومين.
نحن نفخر أن منا مناجاة الأئمة الشعبانية، ودعاء عرفات للحسين بن علي عليهما السلام، والصحيفة السجادية زبور آل محمد هذا، والصحيفة الفاطمية ذلك الكتاب الملهم من قبل الله تعالى للزهراء المرضية ا- هـ.
ماذا يعني هذا الذي تقدم نقله عن مصحف فاطمة كما تزعم الشيعة الروافض ..؟!
يعني أن الوحي لم ينقطع عن الأرض بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وأنه استمر بالنزول على فاطمة رضي الله عنها إلى ما بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وطيلة حياتها بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وهذا بخلاف النقل، والعقل، وإجماع الأمة ..!
__________
(1) وهي آخر ما كتب ووصى به الخميني شعبه الضال .. والوصية لعظم شأنها عند القوم فهي منشورة في موقع مكتب " علي الخامنئي " على الإنترنت!(49/17)
ويعني أن فاطمة من أنبياء الله تعالى بدليل أنه كان يُوحى إليها من أنباء الغيب وبما سيكون .. كما كان يوحى إلى أنبياء الله .. إلى أن تشكل لديها كتاباً قوامه ثلاثة أضعاف القرآن الكريم الذي بين أيدي المسلمين .. ليس فيه حرف واحد من القرآن ..!
ويعني أن الدين لم يكتمل بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - .. فلزم الحاجة إلى نزول الوحي على فاطمة .. ليوحى إليها كتاباً فيه ثلاثة أضعاف ما في القرآن الكريم .. وفيه ذكر الأوصياء من بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكل ملك يحكم في الأرض .. ليس من صلب الحسن - رضي الله عنه - وولده شيء ..!
ثم نسأل: ما دام مصحف فاطمة حقاً .. والجفر الذي فيه الكتب السماوية مجتمعة حقاً .. لماذا لم يُظهروه للناس .. مع مسيس الحاجة إلى ذلك .. لو كانوا صادقين؟!!
وهذا كله من الكفر والكذب على الله تعالى، وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى فاطمة الزهراء، وعلى علي، وعلى ولده أبي عبد الله الحسين .. رضي الله عنهم أجمعين.
قال تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } الأنعام:93.
وقال تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً } المائدة: من الآية3.
ثالثاً: يأتي كفرهم من جهة غلوهم في الأئمة، والقول بعصمتهم ..!(49/18)
فقد غالى الشيعة الروافض في أئمتهم الاثنى عشر غلواً حملهم على أن يرفعوهم إلى درجة تعلو وتفوق درجة الأنبياء والرسل .. وأن يجعلوا منهم آلهة تُعبد تمشي على الأرض .. يتحكمون بالكون وذراته .. ويعلمون ما كان وما سيكون .. وما أكثر أقوالهم، ونصوصهم، ورواياتهم الدالة على ذلك، نذكر منها للتدليل التالي:
روى الكليني في الكافي 1/192: عن سدير، عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: قلت له: جُعلت فداك ما أنتم ؟ قال: نحن خزّان علم الله، ونحن تراجمة وحي الله، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الأرض ا- هـ.
فتأمل: فهم الخزان الذي انتهى إليهم علم الله .. وأحاطوا به واستحوذوا عليه .. وهم حجة على العباد .. تعلو حجة القرآن الكريم .. وحجة الأنبياء والرسل .. وحجة آيات السماوات والأرض، والجبال .. والبحار .. وغيرها من الآيات العظام التي أودعها في خلقه الدالة على وحدانية الله تعالى ..؟!!
قال تعالى: { قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ } الأنعام: من الآية50. وقال تعالى: { أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ } الطور:37.
... وفي الكافي كذلك 1/193: الأوصياء هم أبواب الله - عز وجل - التي يؤتى منها، ولولاهم ما عُرف الله - عز وجل -، وبهم احتج الله تبارك وتعالى على خلقه ا- هـ.
قلت: أين دور الأنبياء والرسل .. وما القيمة من إرسالهم إذا كان الله تعالى يُعرف بغيرهم .. وهو - سبحانه وتعالى - لا يُمكن أن يُعرف إلا بهؤلاء الغير .. والحجة كذلك على العباد تقوم بغيرهم ..؟!(49/19)
وفي الكافي كذلك 1/196: عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: ما جاء به علي - عليه السلام - آخذ به وما نهى عنه أنتهي عنه، جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ولمحمد - صلى الله عليه وسلم - الفضل على جميع من خلق الله - عز وجل -، المتعقب عليه ـ أي على علي ـ في شيء من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله، والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله، كان أمير المؤمنين - عليه السلام - باب الله الذي لا يؤتى إلا منه، وسبيله الذي من سلك بغيره هلك، وكذلك يجري لأئمة الهدى واحداً بعد واحد، جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بأهلها، وحجته البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى، وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيراً ما يقول: أنا قسيم الله بين الجنة والنار، وأنا الفاروق الأكبر، وأنا صاحب العصا ـ أي عصا موسى! ـ ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح، والرسل بمثل ما أقروا به لمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، ولقد حُمّلت على مثل حمولته؛ وهي حمولة الرب .. ولقد أُعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي: علمت المنايا والبلايا، والأنساب وفصل الخطاب، فلم يفتني ما سبقني، ولم يعزب عني ما غاب عني، أبشر بإذن الله وأؤدي عنه، كل ذلك من الله مكنني فيه بعلمه ا- هـ.
قلت: كل عبارة من عبارات هذا الحديث ـ المفترى على علي - رضي الله عنه - ـ كفر أكبر .. وبطلانها بائنٌ لعوام المسلمين فضلاً عن خاصتهم ..!
تأمل قولهم: فضل علي كفضل النبي - صلى الله عليه وسلم - .. والنبي أفضل خلق الله .. أي أن علياً أفضل خلق الله كالنبي - صلى الله عليه وسلم - .. وهذا يعني أنه أفضل من جميع الأنبياء والرسل والملائكة المقربين .. وهذا الذي لعلي .. هو لجميع الأئمة والأوصياء واحداً بعد واحد ..!!(49/20)
ثم بعد أن قرروا المساواة في الفضل بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين علي - رضي الله عنه - .. أثبتوا في آخر الحديث ما انفرد به علي بن أبي طالب وامتاز به عن نبينا وجميع الأنبياء والرسل، وهو أنه أعطي خصالاً لم يُسبق إليها من أحد، وهي: علم الغيب .. علم المنايا .. والبلايا .. لم يغب عنه علم ما فاته ولا ما غاب عنه .. ولا يخفى عليه شيء .. والعلم بالغيب بما كان وبما سيكون من أخص خصائص الله تعالى وحده، كما قال تعالى: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } الأنعام:59.
وقال تعالى آمراً نبيه: { قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ } الأنعام:50. فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينفي عن نفسه علم الغيب فكيف يرتضونه لأوصيائهم ..؟!
وقال تعالى: { قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } الأعراف:188.(49/21)
وقال تعالى: { تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } هود:49. أفادت الآية الكريمة بأن تلك الأنباء لم يكن يعلمها النبي - صلى الله عليه وسلم - من قبل ولا قومه .. وعلي بن أبي طالب من قومه .. فكيف يُقال عنه أنه يعلم ما فاته وسبقه، وأنه لم يعزب عنه ما غاب عنه ..!!
قال تعالى: { أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً } مريم:78.
وقال تعالى: { قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } النمل:65. وقال تعالى: { أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى } النجم:35.
وقال تعالى: { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً . إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ } الجن:26-27. وعلي ليس برسول .. وكذلك أئمتهم وأوصيائهم .. ليسوا برسل ..!
ثم نسأل: إذا كان علي - رضي الله عنه - يعلم ما فات وما غاب .. ويعلم المنايا والبلايا .. فما حاجته لأن يكتب مصحف فاطمة عن الملك ..؟!!
وفي الكافي كذلك1/199: من حديث طويل عن الرضا - عليه السلام - قال: هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم، إن الإمامة أجلُّ قدراً وأعظم شأناً، وأعلا مكاناً، وأمنع جانباً، وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يُقيموا إماماً باختيارهم ..!
إن الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء، إن الإمامة خلافة الله، وخلافة الرسول، ومقام أمير المؤمنين، وميراث الحسن والحسين ...!
الإمام المطهر من الذنوب، والمبرأ من العيوب، المخصوص بالعلم، الموسوم بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين، وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين.(49/22)
الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يُعادله عالم، ولا يوجد منه بدل
ولا له مثل، ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضّل الوهاب!
فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام، أو يمكنه اختياره، هيهات هيهات، ضلت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألبّاء، وكلّت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء، عن وصف شأنٍ من شأنه، أو فضيلة من فضائله، وأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكله، أو يُنعت بكنهه، أو يُفهم شيء من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه، لا كيف، وأنىَّ، وهو بحيث النجم من يد المتناولين، ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا .. وأين يوجد مثل هذا ..؟!!
الإمام عالم لا يجهل، وراع لا ينكل، معدن القدس والطهارة .. فهو معصوم مؤيد، موفَّقٌ مُسدد، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار، يخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده، وشاهده على خلقه .. ا- هـ.
قلت: الذي ليس له مثل ولا نظير .. هو الله تعالى وحده .. وليس الإمام!!
والذي لا يُحيطون به علماً .. هو الله تعالى وحده .. وليس الإمام .. قال تعالى عن نفسه سبحانه: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } الشورى: من الآية11. وقال تعالى: { وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } طه: من الآية110.
وفي الكافي كذلك 1/223: قال رجل لأبي جعفر - عليه السلام -: يا ابن رسول الله فأمير المؤمنين أعلم أم بعض النبيين ؟ فقال أبو جعفر - عليه السلام -: اسمعوا ما يقول ؟! إن الله يفتح مسامع من يشاء، إني حدثته أن الله جمع لمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - علم النبيين، وأنه جمع ذلك كله عند أمير المؤمنين - عليه السلام -، وهو يسألني أهو أعلم أم بعض
النبيين ؟! ا- هـ.(49/23)
قلت: من قبل احتجنا للقياس لكي نثبت لك زعمهم الباطل بأن علياً والأوصياء أفضل وأعلم من الأنبياء والرسل .. وهنا جاء التصريح بذلك صراحة .. ما يغنينا عن القياس ..!
وفي الكافي 1/223: عن الرضا - عليه السلام - قال: نحن أمناء الله في أرضه، عندنا علم البلايا، والمنايا، وأنساب العرب، ومولد الإسلام، وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان، وحقيقة النفاق ..ا- هـ.
فعلم الغيب .. وعلم المنايا والبلايا ليس مقصوراً على علي بن أبي طالب إنما هو كذلك تتصف به بقية الأئمة والأوصياء ..!
وفي الكافي كذلك 1/261: كان المفضل عند أبي عبد الله - عليه السلام - فقال له المفضل: جُعلت فداك، يفرض الله طاعة عبد على العباد، ويحجب عنه خبر السماء ؟ قال: لا، الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده من أن يفرض طاعة عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباح مساء ا- هـ.
وفي الكافي 1/394: عن أبي الحسن - عليه السلام - قال: ما من ملك يُهبطه الله في أمر ما يُهبطه إلا بدأ بالإمام، فعرض ذلك عليه، وإن مختلف الملائكة من عند الله تبارك وتعالى إلى صاحب هذا الأمر ا- هـ. أي إلى محمد بن حسن العسكري .. مهديهم المنتظر!!
وفي الكافي 1/398: عن عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله - عليه السلام -: بما تحكمون إذا حكمتم ؟ قال: بحكم الله وحكم داود، فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا، تلقانا به روح القدس ا- هـ.
وفي الكافي 1/398: عن جعيد الهمداني، عن علي بن الحسين عليهما السلام، قال: سألته بأي حكم تحكمون ؟ قال: حكم آل داود، فإن أعيانا شيء تلقانا به روح القدس ا- هـ.(49/24)
فهم يقررون خروج الأئمة عن شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - وحكمهم بشريعة داود .. وهذا الذي يجمعهم مع اليهود ضد أهل الإسلام .. كما أن الوحي لم ينقطع بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - .. فهو مستمر في النزول على الأئمة الأوصياء بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. وهذا هو جبرائيل - عليه السلام - يتلقى الأئمة في كل ما يُشكل عليهم ويُعييهم .. وهذا يعني بكل وضوح وجلاء أن النبوة لم تنقطع بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وهي مستمرة في الأوصياء .. وأن جبرائيل مستمر في الهبوط عليهم بأمر السماء .. وهذا عين التكذيب والكفر البواح، قال تعالى: { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } الأحزاب:40.
... ومن تدليس وخبث القوم أنك تراهم يقولون لك: نحن لا نثبت النبوة للأئمة .. وبنفس الوقت يثبتون لهم خصائص وصفات النبوة والأنبياء ..!!
تراهم يقولون لك: نحن لا نقول بأن الأئمة آلهة تُعبد .. وبنفس الوقت يصرفون لهم العبادة من دون الله .. ويصفونهم بأوصاف وخصائص .. لا تليق إلا بالله - عز وجل - وحده ..!!
وفي الكافي 1/258: عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: إذا أراد الإمام أن يعلم شيئاً أعلمه الله ذلك ا- هـ.
وفي رواية أخرى 1/257 عنه: ولكن إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمه الله ذلك ا- هـ.
فإرادة الله تعالى ومشيئته لا تتخلف عن إرادة ومشيئة الإمام .. فإذا أراد الإمام شيئاً وشاءه .. فلا بد لله - عز وجل - من يجيب الإمام على ما شاء وأراد .. وأن يشاء ما شاءه الإمام .. وهذا عين شرك المشيئة والإرادة .. والعياذ بالله!
إلى هنا فإن هذا الذي نقلناه لك أيها القارئ هو عبارة عن قطر .. وإليك الآن الغيث الذي تقشعر منه الأبدان .. ورجاؤنا منك أن تصبر،
وتستغفر، وتدعو للقوم بالهداية!(49/25)
في الكافي 1/239: عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله - عليه السلام - فقلت له: جُعلت فداك إني أسألك عن مسالة، ههنا أحد يسمع كلامي ؟ قال: فرفع أبو عبد الله - عليه السلام - ستراً بينه وبين بيت آخر فأطلع فيه ثم قال: يا أبا محمد سل عما بدا لك، قال: قلت: جُعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علم علياً - عليه السلام - باباً يفتح له منه ألف باب ؟ فقال: يا أبا محمد علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علياً - عليه السلام - ألف باب يُفتح له من كل باب ألف باب، قال: قلت هذا والله العلم، قال: فنكت ساعة في الأرض ثم قال: إنه العلم وما هو بذاك!
قال: ثم قال: يا أبا محمد وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة؟! قال: قلت جعلت فداك وما الجامعة ؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإملائه من فلق فيه وخط عليّ بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاجه الناس إليه حتى الأرش في الخدش .. قلت: هذا والله العلم، قال: إنه العلم وليس بذاك!
ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر، قال: قلت وما الجفر ؟ قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، قال: قلت: إن هذا هو العلم، قال: إنه العلم وليس بذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام ؟! قال: قلت وما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحدٌ، قال: قلت هذا والله العلم، قال: إنه لعلم وما هو بذاك!
ثم سكت ساعة ثم قال: إن عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة! قال: قلت: جُعلت فداك هذا والله هو العلم، قال: إنه لعلمٌ وليس بذاك!!(49/26)
قال: جُعلت فداك فأي شيء العلم ؟! قال: ما يحدث بالليل والنهار، والأمر من بعد الأمر، والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة !! ا- هـ.
قلت: ها قد جاءك الغيث أيها القارئ الذي وعدناك به .. فأي كفر يعلو هذا الكفر .. وأي شرك يعلو هذا الشرك ..؟!!
لماذا لا يقولون صراحة أن الإمام هو الله .. والعياذ بالله .. وينتهي الأمر .. وتتضح نوايا ومرامي القوم ..؟!
فإذا عرفت ذلك أيها القارئ لا تعجب عندما تعلم عن النصيرية وغيرهم من الغلاة الباطنيين أفراخ الشيعة الروافض .. عندما يقولون صراحة: بأن علياً هو الله ..!
الفرق بين النصيرية الغلاة وغيرهم من الباطنيين الغلاة .. وبين الشيعة الروافض .. أن الغلاة قالوا صراحة بألوهية وربوبية الأئمة .. وأن علياً هو الله .. بينما الشيعة الروافض ـ الجماعة الأم للباطنيين الغلاة! ـ قالوها بطريقة ملتوية .. وعلى خوف وتقية واستحياء .. تمكنهم من التملص والرجوع عند حصول المكاشفة والمحاسبة ..!
النصوص التي تفيد وتدل على غلو الشيعة الروافض بأئمتهم هي أكثر من أن تُجمع في مجلد مستقل .. ونحن غرضنا هنا ـ كما ذكرنا آنفاً ـ الاستدلال على ما نقوله ونقرره .. إلزاماً للحجة .. وليس إحصاء لكل ما قيل فيما نقرره!
فإن قيل: هذا الذي ذكرته .. إنما هو مسطور في كتب الشيعة القديمة .. وهي ليست حجة على الأجيال المعاصرة من الشيعة الروافض .. كما لا تدل
على أن الشيعة المعاصرين يقولون ويعتقدون بما جاء فيها ..!
أقول: هذا الاعتراض مردود من أصله .. لأن الشيعة الروافض إلى يومنا هذا لا يزالون يحيون هذه المعاني الباطلة الكفرية بين أبنائهم وأتباعهم .. ويتبنونها .. وينشرونها في كتبهم ومؤلفاتهم .. وللتدليل على ذلك نذكر لكم بعض ما قاله قائد الثورة الشيعية الإيرانية .. آيتهم وحجتهم " الخميني "!!(49/27)
قال هذا المفتون في كتابه المنشور والمشهور " الحكومة الإسلامية ": فإن للإمام مقاماً محموداً، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون. وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل.
... وبموجب ما لدينا من الروايات والأحاديث فإن الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - والأئمة ( ع ) كانوا قبل هذا العالم أنواراً فجعلهم الله بعرشه محدقين، وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلا الله .. وقد ورد عنهم ( ع ): إن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل، ومثل هذه المنزلة موجودة لفاطمة الزهراء عليها السلام ..!
... نحن نعلم أن أوامر الأئمة تختلف عن أوامر غيرهم، وعلى مذهبنا فإن جميع الأوامر الصادرة عن الأئمة في حياتهم نافذة المفعول، وواجبة الاتباع حتى بعد وفاتهم ..!
... وقد قلت سابقاً إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن لا تخص جيلاً خاصاً وإنما هي تعاليم للجميع في كل عصر ومصر وإلى يوم القيامة يجب تنفيذها واتباعها .. ا- هـ.
... أتريدون غلواً بالأئمة أصرح من هذا الغلو: الإمام تخضع لولايته وسيطرته جميع ذرات الكون .. وهذا لا ولن يكون إلا لله - عز وجل - وحده..!
... وللإمام ـ بموجب الروايات التي يعتقد بها الخميني ـ مقام لا يبلغه
ملك مقرب ولا نبي مرسل .. فالأنبياء والرسل دون الأئمة .. وهذا من الكفر البواح بلا خلاف!
... والإمام كذلك كلامه ككلام الله تعالى نافذ القبول وواجب الاتباع .. وفي كل زمان .. فنحن على مذهب الخميني أمام قرآن جديد .. ومصاحف جديدة .. امتدادها على عدد امتداد كلام الأئمة طيلة حياتهم .. لأن كلامهم ـ كما يقول الخميني ـ له من القدسية ما للقرآن .. وهو واجب الاتباع كما أن القرآن واجب الاتباع ..!!(49/28)
وهذا عين الكفر البواح، قال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ } البقرة:165.
وقال تعالى: { قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ . تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ . إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } الشعراء:96-98. أي نسويكم برب العالمين في الطاعة والمحبة والتحاكم .. وبغير ذلك من الخصائص والصفات التي لا تليق إلا بجناب الله تعالى وحده.
وقال تعالى: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ } التوبة: من الآية31. وهذه الآية الكريمة تصدق في الشيعة الروافض كما تصدق في اليهود والنصارى الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله وذلك عندما أطاعوهم في كل ما يصدر عنهم ..!
فانظر على سبيل المثال ما رواه الكليني في الكافي 1/186: عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: أشرك بين الأوصياء والرسل في الطاعة ا- هـ. أي كما أن الرسل يُطاعون لأنهم يبلغون عن الله ما أمرهم .. كذلك تجب طاعة أئمتهم ..!!
وفي الكافي 1/187: عن الرضا - عليه السلام -: الناس عبيد لنا في الطاعة، موالٍ
لنا في الدين، فليبلغ الشاهد الغائب ا- هـ.(49/29)
قلت: هي نفس الربوبية التي صرفها اليهود والنصارى لأحبارهم ورهبانهم .. والتي ألزمهم بها الأحبار والرهبان .. والمعنية من قوله تعالى: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } التوبة:31. وقوله تعالى: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } آل عمران:64.
بل قد بلغ من غلو الشيعة الروافض في أئمتهم أن جعلوا لمن يتناول أبوال وخِراء أئمتهم الجنة .. وحرموا عليه النار!
قال آيتهم وحجتهم العظمى الآخوند ملا زين العابدين الكلبايكاني في كتابه " أنوار الولاية " ص440: فليس في بول المعصومين ودمائهم وأبوالهم وغائطهم استخباث وقذارة يوجب الاجتناب في الصلاة ونحوها كما هو معنى النجاسة، ولا نتن في بولهم وغائطهم بل هما كالمسك الأذفر، بل من شرب بولهم وغائطهم ودمهم يحرم الله عليه النار واستوجب له الجنة ا- هـ!!
اتقوا الله يا أيتها الشيعة الروافض .. أترون أن الله تعالى قد ابتعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليخرج الناس من عبادة العباد، وعبادة الطواغيت والأوثان ليدخلهم في دينٍ يزين لهم فيه أكل خِراء الأئمة .. وشرب أبوالهم ..؟!!
ألهذا الحد خفت عقولكم .. وهانت عليكم أنفسكم .. ؟!!(49/30)
أهذا هو التكريم الذي تفهمونه من قول الله تعالى في كتابه الكريم: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } الإسراء:70.
أين عقلاؤكم .. أليس فيكم رجل رشيد ..؟!!
رابعاً: يأتي كفرهم من جهة تكفيرهم للصحابة، وعامة المسلمين ..!
فقد كثرت رواياتهم وأقوالهم التي تفيد تكفير عامة الصحابة ـ إلا بضعة أنفارٍ منهم ـ ومن تبعهم بإحسانٍ من المسلمين إلى يوم الدين ..!
فكتبهم مليئة بالحقد والطعن على أهل الإسلام، من ذلك ما رواه الكليني في الكافي 1/180: عن ابن أذينة قال: حدثنا غير واحدٍ، عن أحدهما عليهما السلام ـ تأمل هذا السند ما أقواه! ـ أنه قال: لا يكون العبد مؤمناً حتى يعرف الله، ورسوله، والأئمة كلهم، وإمام زمانه، ويرد إليه ويُسلم له ..ا- هـ.
وهذا يعني تكفير جميع أهل الإسلام؛ لأنهم لا يؤمنون بعصمة أئمتهم، ولا يردون إليهم، ولا يُسلمون لهم .. لأن الرد يكون لله ولرسوله .. والاستسلام يكون للرسول، ولحكمه، وسنته، كما قال تعالى: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } النساء: من الآية59.
فجعل الله تعالى من لوازم الإيمان الرد إلى الله والرسول في حياته، وبعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - يكون الرد إلى الكتاب والسنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وليس إلى الأئمة كما تزعم الشيعة ..!(49/31)
وقال تعالى: { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } النساء:65. فنصت الآية على أن التسليم ـ الملزم للجميع من دون استثناء ـ يكون لحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى .. وليس للأئمة أو لغيرهم الذي يحتمل حالهم الخطأ والصواب ..!
ثم إن من أئمتهم من لا وجود له في الحياة البتة، كإمامهم الثاني عشر محمد بن حسن العسكري، والملقب بالمهدي .. حيث يزعمون أنه دخل سرداب سامراء .. منذ أكثر من ألف سنة .. وأنه الآن حي يُرزق .. وأنه خارج يوماً من الأيام .. وإلى الساعة لم يخرج!
هذا المهدي الذي لم يوجد .. ولم يقدر الله له أن يولد .. حيث لم يُعرف لأبيه الحسن العسكري ـ إمامهم الحادي عشر ـ ولد يعقبه .. ومع ذلك تراهم ينسجون حوله القصص والأساطير الخرافية .. ويجعلون من لا يؤمن به، وبعصمته، وبخروجه .. وأنه يعلم ما كان وما سيكون .. فهو كافر وليس بمؤمن .. بل لشدة غلوهم فيه جعلوا من يذكره باسمه كافراً؛ لأنه فوق وأجل من أن يُخاطب باسمه ..!!
كما في الكافي 1/332: قال أبو الحسن العسكري - عليه السلام -: إنكم لا ترون شخصه ـ أي عن ولده المهدي صاحب السرداب! ـ ولا يحل لكم ذكر اسمه، فقلت: فكيف نذكره؟ فقال: قولوا: الحجّة من آل محمد صلوات الله عليه وسلامه ا- هـ.
وفي الكافي 1/333: عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: صاحب هذا الأمر لا يسميه باسمه إلا كافر ا- هـ.
وهذا يعني أن هذا المجهول الذي لا وجود له .. أعظم وأعلا قدراً من النبي - صلى الله عليه وسلم - .. لأن نبينا - صلى الله عليه وسلم - كان يُخاطب باسمه .. ويُذكر باسمه الشريف .. وما عُد ذلك انتقاصاً من قدره صلوات الله وسلامه عليه!(49/32)
وفي الكافي 1/187: عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: من عرفنا كان مؤمناً، ومن أنكرنا كان كافراً ا- هـ.
وفي الكافي كذلك 1/215: عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنا رسول الله إلى الناس أجمعين، ولكن سيكون من بعدي أئمة على الناس من الله من أهل بيتي، يقومون في الناس فيُكذبون، ويظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم .. ا- هـ.
والذين ظلموا علياً بزعمهم .. وحالوا بينه وبين الولاية .. هم كبار الصحابة: أبو بكر، وعمر، وعثمان .. وكل من شايعهم ورضي بخلافتهم وإمامتهم من المسلمين .. رضي الله عنهم أجمعين .. هؤلاء هم المعنيين من قولهم:" ويظلمهم أئمة الكفر والضلال ومن شايعهم .." والذي ينسبونه زوراً وكذباً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ..!!
أتريد تكفيراً للصحابة والتابعين لهم بإحسان أصرح من هذا التكفير .. لعلنا نجد؟!!
في الكافي 1/223: عن الرضا - عليه السلام - قال: وإن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق، يردون موردنا ويدخلون مدخلنا، ليس على ملة الإسلام غيرنا وغيرهم، نحن النجباء النُجاة، ونحن أبناء الأوصياء .. ا- هـ.
فليس على ملة الإسلام غيرهم .. فأين الصحابة .. وباقي المسلمين الذين لم يدخلوا في شيعتهم .. فإنهم ليسوا بمسلمين .. ولا هم على ملة الإسلام .. كما أفاد منطوق النص!!
وفي الكافي 1/ عن أبي عبد الله قال: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يُزكيهم، ولهم عذاب أليم: من ادعى إمامة من الله ليست له، ومن جحد إماماً من الله، ومن زعم أن لهما في الإسلام نصيباً ا- هـ.
فهذان الصنفان ليس لهما في الإسلام نصيباً .. والذي يزعم أن لهما في الإسلام نصيباً .. فهذا كذلك لا ينظر الله إليه يوم القيامة، ولا يزكيه، وله عذاب أليم .. وهذا من لوازمه تكفير جميع المسلمين!!(49/33)
وفي الكافي 1/411: عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: سأله رجل عن القائم ـ أي مهديهم المنتظر ـ يُسلم عليه بإمرة المؤمنين ؟ قال: لا، ذاك اسم سمى الله به أمير المؤمنين - عليه السلام - ـ أي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ـ لم يُسمَّ به أحدٌ قبله ولا يتسمى به بعده إلا كافر ا- هـ.
ومعلوم للجميع أن الذين تسموا قبل علي - رضي الله عنه - بأمير المؤمنين هم: أبو بكر، وعمر، وعثمان .. رضي الله عنهم أجمعين .. فهؤلاء بنص قولهم كفار ..!!
وهو يعني كذلك تكفير جميع حكام المسلمين الذين جاءوا بعد علي - رضي الله عنه - .. لأنهم كانوا يُنادون باسم أمير المؤمنين ..!
وفي الكافي 1/420: عن أبي عبد الله - عليه السلام - في قول الله - عز وجل -:" إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لن تُقبل توبتهم "[(1)] قال: نزلت في فلان، وفلان، وفلان آمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في أول الأمر وكفروا حيث عرضت عليهم الولاية، حين قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين - عليه السلام -، ثم كفروا حيث مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يقروا بالبيعة، ثم ازدادوا كفراً بأخذهم من بايعه بالبيعة لهم، فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء ا- هـ.
__________
(1) الصواب قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً } النساء:137. أما قوله تعالى: { لن تُقبل توبتهم } فقد وردت في آية ثانية من سورة آل عمران، وهي قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ } آل عمران:90. أخطأ الإمام المعصوم في قراءة الآية ..!!(49/34)
قلت: واضح أنهم يقصدون من قولهم: فلان، وفلان، وفلان .. أبا بكر، وعمر، وعثمان الذين اخذوا البيعة لهم ممن كان قد بايع لعلي بن أبي طالب .. كما زعموا .. فهؤلاء هم المعنيين من قولهم بأنهم ازدادوا كفراً .. وأنهم لم يبق فيهم من الإيمان شيء ..!!
أتريد أيها القارئ تصريحاً بتكفير كبار صحابة رسول الله .. أكثر من ذلك ؟!!
... في الكافي 1/426: عن أبي عبد الله - عليه السلام - في قوله تعالى: { وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } قال: ذاك حمزة، وجعفر، وعبيدة، وسلمان، وأبو ذر، والمقداد بن الأسود، وعمار[(1)] هدوا إلى أمير المؤمنين - عليه السلام -.
... وقوله تعالى: { حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } يعني أمير المؤمنين. { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ } الأول، والثاني، والثالث ا- هـ.
... ففسروا الكفر والفسوق والعصيان بالأول، والثاني، والثالث، وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان .. رضي الله عنهم أجمعين .. فتأمل الكفر والزندقة في التحريف والتأويل!
__________
(1) هؤلاء هم الصحابة فقط الذين أمسكوا عن تكفيرهم .. وما سواهم من الصحابة فهم ـ عند الشيعة الروافض ـ كفار ..!(49/35)
... وفي الكافي 1/300: عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: لما حضر الحسن بن علي عليهما السلام الوفاة قال للحسين - عليه السلام -: اعلم أنه سيصيبني من عائشة ما يعلم الله والناس صنيعها وعداوتها لله ولرسوله، وعداوتها لنا أهل البيت[(1)]، فلما قبض الحسن - عليه السلام - ... ذهب ذو العوينين إلى عائشة فقال لها: إنهم قد أقبلوا بالحسن ليدفنوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخرجت مبادرة على بغل بسرج، فكانت أول امرأة ركبت في الإسلام سرجاً، فقالت: نحوا ابنكم عن بيتي، فإنه لا يدفن في بيتي ويهتك على رسول الله حجابه، فقال لها الحسين - عليه السلام -: قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأدخلت عليه بيته من لا يُحب قربه، وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة ا- هـ.
__________
(1) علماً أن عائشة رضي الله عنها ومعها جميع أمهات المؤمنين يدخلن دخولاً كلياً في أهل البيت، كما قال تعالى: { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً . وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } الأحزاب:32-33. فالمراد بأهل البيت هنا هم نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - .. كما هو ظاهر ومذكور في أول الآيتين .. أو على الأقل فإنهن يدخلن دخولاً صريحاً في أهل البيت .. وبالتالي فإن إخراجهن من تحت عباءة آل البيت أو أهل البيت كما يفعل الشيعة الروافض .. هو عين الجهل، والحقد، والكذب على الله ورسوله ..!(49/36)
... هكذا انقلبت أحب الخلق إلى قلب نبينا - صلى الله عليه وسلم - ـ كما هو ثابت في الحديث الصحيح ـ إلى عدوة لله ولرسوله، ولأهل البيت .. في عرف وأحقاد الشيعة الروافض .. حاشى الحسن والحسين رضي الله عنهما أن يصدر عنهما مثل هذا الطعن والسب .. في أحب خلق الله إلى قلب نبينا - صلى الله عليه وسلم -!!
... أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما بسندهما عن عمرو بن العاص، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحبُّ إليك ؟ قال - صلى الله عليه وسلم -:" عائشة " فقلت: من الرجال: قال - صلى الله عليه وسلم -:" أبوها ".
... فإن قيل: هذا الذي نقلته لنا قديم والشيعة المعاصرون لا يقولون به ..!
... نقول لهم: انظروا إذاً ماذا يقول آيتهم وحجتهم العظمى قائد الثورة الشيعية في إيران الخميني في كتابه المنشور والمشهور " كشف الأسرار " ..!
... يقول هذا الحقود المفتون: إن الله منزه بالطبع عن الاستهانة بالعدل
والتوحيد، ومن هنا فإن عليه أن يضع أسساً لثبات هذه المبادئ من بعد النبي حتى لا يترك الناس حائرين في أمرهم، وحتى لا يجعلهم يقعون فريسة حفنة من الانتهازيين المتربصين ا- هـ.
... قلت: هنا لم يكتف هذا الحقود الخبيث بأن وصف الصحابة بأنهم حفنة من الانتهازيين .. بل تمادى به طغيانه ليعلم الله تعالى ما يجب عليه أن يفعله من وضع للأسس والمبادئ التي تؤكد
على حقوق الأوصياء والأئمة من بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ..!!
... ثم قال: إننا لا نعبد إلهاً يقيم بناء شامخاً للعبادة والعدالة والتدين، ثم يقوم بهدمه بنفسه، ويُجلس يزيداً ومعاوية، وعثمان وسواهم من العتاة في مواقع الإمارة على الناس، ولا يقوم بتقرير مصير الأمة بعد وفاة نبيه ا- هـ.(49/37)
... قلت: يقرر هنا هذا الخبيث الحقود: أن إمارة الصحابة من غير الأوصياء هو هدم للعبادة، والعدالة والدين .. وأنه لا يعبد الإله الذي يشاء إمارة الصحابة من غير الأوصياء .. ولا يقوم بتقرير مصير الأمة في بيان من يحكمها من الأوصياء والأئمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - .. فهذا الرب - سبحانه وتعالى - لا يعبده الخميني .. ولا يعرفه .. فأي ربٍّ إذاً تعبد يا خميني أنت وشيعتك الضالة .. ألكم ربٌّ خاص بكم وبعقائدكم الباطلة لا يعرفه الناس .. ولا يعرفه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه الكرام؟!!
... ثم نلاحظ من أسلوب هذا الخبيث أنه يُقحم اسم يزيد مع معاوية، وعثمان، وأبو بكر وعمر وغيرهم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. ليجد لنفسه وشيعته مستساغاً في الطعن والغمز .. وذلك إن رُد عليه قيل للراد أنت تدافع عن يزيد .. وأنت إذاً مع يزيد ضد الحسين .. وإن سكت حتى لا يُقال له ذلك .. وحتى لا يُفهم أنه مع يزيد ضد الحسين .. مر الطعن بمجموع الصحابة من دون أن يُعقب عليه .. وبذلك يكون قد تحقق مراده ومراد أمثاله من كتّاب
الشيعة الروافض .. فهذا أسلوب خبيث لا بد من التنبه إليه!!
... ثم قال هذا الخبيث الحقود: إننا هنا لا شأن لنا بالشيخين وما قاما به من مخالفات للقرآن، ومن تلاعب بأحكام الله، وما حللاه وحرماه من عندهما، وما مارساه من ظلم ضد فاطمة ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وضد أولاده، ولكننا نشير إلى جهلهما بأحكام الإله والدين ..!!
... وهنا نجد أنفسنا مضطرين على إيراد شواهد من مخالفتهما الصريحة للقرآن؛ لنثبت بأنهما كانا يخالفان ذلك، وأنه كان هناك من يؤيدهما ...!!(49/38)
... نورد هنا مخالفات عمر لما ورد في القرآن، لنبين بأن معارضة القرآن لدى هؤلاء كانت أمراً هيناً، ونؤكد أنهم كانوا سيخالفون القرآن أيضاً فيما إذا كان قد تحدث بصراحة عن الإمامة ... والرسول الذي كد وجد وتحمل المصائب من أجل إرشادهم وهدايتهم، واغمض عينيه، وفي أذنيه كلمات ابن الخطاب القائمة على الفرية، والنابعة من أعمال الكفر والزندقة، والمخالفة لآيات ورد ذكرها في القرآن الكريم[(1)] .. ا- هـ.
... وقد بلغ من استهانة الخميني بالصحابة رضي الله عنهم أنه فضّل شعبه الضال على من كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة، حيث قال في وصيته: إنني أدعي بجرأة أن شعب إيران وجماهيره المليونية في العصر الحاضر أفضل من شعب الحجاز في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. ذلك الحجاز الذي كان المسلمون أيضاً فيه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يُطيعونه، ويتذرعون بمختلف الذرائع حتى لا يتوجهون إلى الجبهة، فوبخهم الله بآيات في سورة التوبة، وتوعدهم بالعذاب .. ولقد كذبوا عليه - صلى الله عليه وسلم - إلى حد أنه لعنهم على المنبر حسب ما روي ... ا- هـ.
... وهكذا ما من كتاب لهذا الخبيث إلا وتجد فيه تكفير للصحابة والطعن الصريح بهم .. وفيما تقدم من نقولات عنه وعن أسلافه يكفي لإثبات الدليل على ما ننسب لهم من مزالق وخصال كفرية تخرجهم من الملة .. لأن غرضنا هنا ـ كما ذكرنا أكثر من مرة ـ إثبات الدليل على ما نرميهم به .. وليس إحصاء آثارهم في كل ما نرميهم به .. فهذا مالا طاقة لنا به .. فجمعه يحتاج إلى عشرات المجلدات .. والقارئ بغنى عنها .. تكفيه منها بعض النقولات التي تعرفه على حقيقة القوم وأين هم من دين الله!!
__________
(1) انظر كشف الأسرار، ص: 123 و 126 و 131 و 135 و137.(49/39)
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى 28/477: والرافضة كفّرت أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعامة المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكفروا جماهير أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من المتقدمين والمتأخرين.
... فيكفرون كل من اعتقد في أبي بكر وعمر والمهاجرين، والأنصار العدالة، أو ترضى عنهم كما رضي الله عنهم، أو يستغفر لهم كما أمر الله بالاستغفار لهم، ولهذا يكفرون أعلام الملة: مثل سعيد بن المسيب، وأبي مسلم الخولاني، وأويس القرني، وعطاء بن أبي رباح، وإبراهيم النخعي، ومثل مالك والأوزاعي، وأبي حنيفة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، والثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وفضيل بن عياض، وأبي سليمان الدارني، ومعروف الكرخي، والحنيد بن محمد، وسهل ابن عبد الله التستري، وغير هؤلاء، ويستحلون دماء من خرج عنهم، ويسمون مذهبهم مذهب الجمهور ..!
... وقال 28/481: وأكثر محققيهم ـ عندهم ـ يرون أن أبا بكر وعمر، وأكثر المهاجرين والأنصار، وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -: مثل عائشة، وحفصة، وسائر أئمة المسلمين وعامتهم ما آمنوا بالله طرفة عين .. ا- هـ.
... هؤلاء هم الشيعة الروافض الذين يطالب المغفلون من أبناء السنة بالتوحد معهم ضد أعداء الأمة .. وكأن الشيعة الروافض يخرجون عن كونهم من أعداء الأمة ؟!
... فإن قيل أين الدليل على كفر من كفّر الصحابة ..؟!
... أقول: الأدلة على كفر من كفّر الصحابة كثيرة أو فسقهم، وضللهم كثيرة، نذكر منها قوله تعالى: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ } التوبة:65-66.(49/40)
... فهؤلاء كفروا بعد إيمانهم بسبب أنهم طعنوا في الصحابة فقالوا عنهم:" ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء ـ يعني أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ـ أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء " فأنزل الله تعالى فيهم وبسببهم الآيات الآنفة الذكر.
... فإن قيل: أين يكمن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله .. وهم قد اقتصر استهزاؤهم على الصحابة فقط ؟!
... أقول: لما أثنى الله تعالى خيراً على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهم، وأنزل في ذلك آيات بينات .. وكذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أثنى عليهم خيراً .. لما كان ذلك .. عُد الاستهزاء بالصحابة هو استهزاء بالله تعالى الذي زكاهم ورضي عنهم .. واستهزاء بالآيات التي نزلت في الثناء عليهم بالخير .. واستهزاء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أثنى على أصحابه خيراً.
... ومن الأدلة كذلك على كفر من كفّر الصحابة، أن تكفيرهم يتضمن تكذيب ورد لقوله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } التوبة:100.
فأثبت الله تعالى رضاه عن المهاجرين والأنصار .. والتابعين لهم بإحسان .. والله تعالى إذ يرضى عن أحدٍ فهو - سبحانه وتعالى - يرضى عنه لاستقامته، وسلامة دينه واعتقاده.
وكذلك قوله تعالى: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } الفتح:18. والمؤمنون الذين بايعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة كانوا أكثر من ألف وأربعمائة رجل وامرأة.(49/41)
فالله تعالى يصفهم بأنهم مؤمنون .. وأنه تعالى قد رضي عنهم .. والشيعة الروافض .. يقولون: لا، هم كفار .. وليسوا بمؤمنين .. وهذا عين الكفر والتكذيب لما أنزل الله!
وكذلك تكفيرهم والطعن بهم يتضمن تكذيباً لقوله تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } آل عمران: من الآية110. وأولى الناس دخولاً في الخيرية الواردة في هذه الآية الكريمة هم أصحاب محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ..!
بينما الشيعة الروافض يقولون: لا .. هم كفار .. وهم شر الأمم .. وقد تقدم معنا كلام الحقود الجهول الخميني عندما جزم بأن شعبه الضال الذي انتشرت فيه أمراض الإيدز .. وشرب المخدرات .. أفضل من الصحابة الذين كانوا في الحجاز مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ..؟!!
وكذلك فإن تكفيرهم يتضمن التكذيب والرد لقوله تعالى: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } الفتح:29.
ونحن نسأل: من الذين كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - .. والمعنيين من هذه الآية الكريمة التي تصفهم بكل خصال الخير .. أليس هم الصحابة رضي الله عنهم
أجمعين ..؟!!(49/42)
كما أن الآية الكريمة أفادت بأن الله تعالى يُغيظ بالصحابة الذين كفروا .. وأنه لا يغتاظ منهم إلا كل حقود كفار .. فليمت الشيعة الروافض في غيظهم وحقدهم الذي لم تنطفئ ناره منذ أكثر من ألف عام .. ولا يُطفئ نار حقدهم وغيظهم إلا نار جهنم إن شاء الله[(1)
__________
(1) من الطقوس التي يعتمدونها كوسيلة للمحافظة على أعلى درجات الحقد والغيظ في قلوب أجيالهم وأبنائهم وأطفالهم .. على الصحابة والمسلمين .. هو ما يفعلونه في حسينياتهم من لطم وضرب لأجسامهم .. ونياحة .. وشق لثيابهم .. إحياء لمعاني الانتقام والثأر للحسين .. زعموا! .. وممن ؟ .. من كل مسلم يترضى عن الصحابة وبخاصة كبارهم المبشرين بالجنة: أبو بكر، وعمر، وعثمان .. رضي الله تعالى عنهم أجمعين!
فانظروا مثلاً ماذا يقول الحقود الجهول الخميني في وصيته التي مات حتف غيظه عليها: ومن جملة ذلك أن لا يغفلوا أبداً عن مراسم عزاء الأئمة الأطهار وخصوصاً عزاء سيد المظلومين، ورائد الشهداء أبي عبد الله الحسين صلوات الله الوافرة وصلوات أنبياء الله وملائكته والصالحين على روحه العظيمة المقدامة، وليعلمون كل أوامر الأئمة عليهم السلام في مجال إحياء ملحمة الإسلام التاريخية هذه، وأن كل اللعن لظالمي آل البيت، والتنديد بهم ليس إلا صرخة الشعوب في وجه الحكام الظالمين عبر التاريخ وإلى الأبد.[ مع الانتباه أن الحكام الظالمين المعنيين من كلامه هم كل حاكم غير الأوصياء .. أو لا يؤمن بالأوصياء .. وهذا يشمل الخلفاء الراشدين وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين ].
وتعلمون أن لعن بني أمية ـ لعنة الله عليهم ـ ورفع الصوت باستنكار ظلمهم ـ مع أنهم انقرضوا وولوا إلى جهنم ـ هو صرخة ضد الظالمين في العالم، وإبقاء لهذه الصرخة المحطمة للظلم نابضة بالحياة ا- هـ.
قلت: ومنه تعلم أن حسينياتهم ما هي في حقيقتها إلا لإحياء الضغائن والأحقاد في نفوس أبنائهم وأتباعهم .. على الإسلام والمسلمين .. وعلى مدار الزمن .. تحت عنوان لعن وشتم ظالمي آل البيت ..!!!
لا والله .. هم لا يحبون الحسين أكثر منا .. إلا إذا اعتبر الغلو .. كغلو النصارى في عيسى - عليه السلام - حباً .. ولا يبغضون قاتلي الحسين أكثر منا .. ولكن ربنا - عز وجل - علمنا .. وكذلك نبينا - صلى الله عليه وسلم - .. بأن لا تزر وازرة وزر أخرى .. وأن لا يؤخذ المرء .. فضلاً عن شعوب وأجيال بكاملها .. بجريرة أنفار متفق على ذمهم وإجرامهم ..!!
فعزاؤنا في الحسين - رضي الله عنه - أنه شهيد .. وأنه من أهل الجنة .. لكن لا يجوز ـ شرعاً ولا عقلاً ـ أن يتحول مقتل الحسين إلى ذريعة لإثارة العداوة والبغضاء بين المسلمين .. وعلى مدار التاريخ والزمان .. فحاشى الحسين أن
يرضى بذلك أو يأمر به!
ثم نسأل: قد قتل كثير من الأنبياء غيلة وذبحاً .. وقد قتل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - غيلة وطعناً وهو في الصلاة .. وكذلك عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قد قتل ذبحاً وطعناً في عقر داره وهو يقرأ القرآن .. وكذلك علي بن أبي طالب أبو الحسن والحسين .. قد قتل غيلة وطعناً .. فعلام ترك كل هؤلاء على علو مكانتهم وقدرهم .. وعقدت مجالس اللطم والبكاء على الحسين فقط .. ؟؟!!
ثم أي مصاب أشد على الأمة موت الحسين .. أم موت النبي - صلى الله عليه وسلم - جد الحسين ..؟؟!!
لو جاز عقد مجالس الحزن، والنياحة، واللطم، وشق الجيوب على ميت .. لكان نبينا صلوات الله عليه أولى بهذه المجالس من غيره .. ولكنه - صلى الله عليه وسلم - كرّه لأمته ذلك وحرمه عليهم.
كل ذلك يجعلنا نضع عشرات إشارات الاستفهام على حسينيات الشيعة الروافض .. وغاياتهم الخبيثة من ورائها ..؟؟!!(49/43)
].
وكذلك تكفيرهم لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - يتضمن التكذيب والرد لقوله تعالى: { إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } التوبة:40.
من هو صاحبه المعني في هذه الآية الكريمة والذي كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغار .. وهما في طريقهما للهجرة إلى المدينة .. والذي يقول له النبي - صلى الله عليه وسلم - { لا
تحزن إن الله معنا } .. أليس هو أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - ..؟!
أمثل هذا الصحابي الجليل الذي شرفه الله تعالى بصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وخصه من بين جميع الناس لهذا الشرف العظيم .. ليكون صاحباً وأنيساً للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في طريقه مهاجراً إلى المدينة المنورة .. أمثل هذا يجوز الطعن بدينه وأمانته ..؟!!
أليس لكم عقول تتفكرون بها ..؟!!
ثم أننا نسأل: هل الشيعة الروافض يطعنون بالصحابة ويكفرونهم ومن تابعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .. لذواتهم .. وأمور دنيوية .. أم لدينهم وعقيدتهم ومواقفهم ..؟!!
فإن قالوا: لذواتهم وأمور دنيوية شخصية .. كذبوا .. وظاهر حالهم وكذلك نصوصهم يكذب ذلك .. كما أنه يستحيل أن يتحقق الخلاف الشخصي أو الدنيوي مع جميع الصحابة .. وجميع من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين!!(49/44)
وإن قالوا: لدينهم، وعقيدتهم، ومواقفهم .. وجهادهم ..صدقوا .. لكنهم بذلك يكونون قد كفروا .. لأنهم جعلوا الدين الذي ارتضاه الله منهم كفراً .. والإسلام الذي ارتضاه الله ورسوله منهم .. كفراً وضلالاً .. والإيمان الذي وصفهم الله به كفراً .. وهذا عين التكذيب والكفر والضلال .. وتكفيرهم يحور عليهم كما ورد ذلك في أحاديث عدة، فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين وغيرهما أنه قال:" أيما رجل مسلم أكفر رجلاً مسلماً، فإن كان كافراً، وإلا كان هو الكافر ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم، ص590: من سبهم ـ أي الصحابة ـ سباً لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم، مثل وصف بعضهم بالبخل، أو الجبن، أو قلة العلم، أو عدم الزهد ونحو ذلك، فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يُحمل
كلام من لم يكفرهم من أهل العلم.
وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد الرسول عليه الصلاة والسلام إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفراً، أو أنهم فسّقوا عامتهم، فهذا لا ريب أيضاً في كفره؛ لأنه كذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عليهم والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق، وان هذه الآية التي هي: { كنتم خير أمة أخرجت للناس } وخيرها هو القرن الأول، وكان عامتهم كفاراً أو فساقاً، ومضمون أن هذه الأمة شر الأمم، وأنم سابقي هذه الأمم هم شرارها، وكفر هذا مما يُعلم بالاضطرار من دين الإسلام ا- هـ.
وقال القاضي عياض في الشفا 2/610: وكذلك نقطع بتكفير كل قائل قولاً يتوصل به إلى تضليل الأمة، وتكفير الصحابة، فهؤلاء كفروا من وجوه؛ لأنهم أبطلوا الشريعة بأسرها، إذ انقطع نقلها ونقل القرآن، إذ ناقلوه كفرة على زعمهم ا- هـ.
خامساً: يأتي كفرهم من جهة إنكارهم للسنة وجحودهم لها ..!(49/45)
لا أظن أننا بحاجة إلى إثبات إنكارهم وجحودهم للسنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسند الصحيح .. فجميع أقوالهم وكتبهم، ونصوصهم تدل على ذلك .. فمذهبهم قائم على الهدم والرفض .. وعلى تصديق الكذب وتكذيب الصدق .. بل إن شعر شعرائهم الملاحدة خير عندهم مما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيحي البخاري ومسلم!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 28/481: ومع هذا يردون ـ أي الشيعة الروافض ـ أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابتة المتواترة عنه عند أهل العلم مثل أحاديث البخاري ومسلم، ويرون أن شعر شعراء الرافضة: مثل الحميري، وكوشيار الديلمي، وعمارة اليمني خير من أحاديث البخاري ومسلم، وقد رأينا في كتبهم من الكذب والافتراء على النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، وقرابته أكثر مما رأينا من الكذب في كتب أهل الكتاب من التوراة والإنجيل.
وقال 28/479: ولهذا كانوا أكذب فرق الأمة، فليس في الطوائف المنتسبة إلى القبلة أكثر كذباً ولا أكثر تصديقاً للكذب، وتكذيباً للصدق منهم .. ا- هـ.
فرواية حدثني الحمار عن أبيه، عن جده .. الواردة في كتبهم .. أصدق عندهم مما هو ثابت بالسند الصحيح ـ على أصول أهل الحديث من علماء الجرح والتعديل ـ في صحيحي البخاري ومسلم، وللتدليل على صحة ذلك نقتصر على ذكر الرواية التي رواها الكليني ـ كذباً وزوراً ـ في الكافي 1/237: عن علي بن أبي طالب قال: روي أن أمير المؤمنين - عليه السلام - قال: إن ذلك الحمار كلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: بأبي أنت وأمي إن أبي حدثني عن أبيه، عن جده، عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال: يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار ا- هـ.(49/46)
فلم يجدوا غير الحمار يفدي النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبيه وأمه .. وهذا من الطعن والاستخفاف بقدر النبي - صلى الله عليه وسلم - .. الذي يجب أن يُفدى بكل غالٍ وعزيز ونفيس!
وهو يعني أن ما بين الحمار الذي حدث النبي - صلى الله عليه وسلم - والحمار الذي تكلم عنه نوح - عليه السلام - أربعمائة سنة على تقدير أن الحمار منهم قد عمّر مائة سنة .. وهذا يعني أن بين نوح - عليه السلام - ومحمد - صلى الله عليه وسلم - ليس أكثر من أربعمائة سنة ..!!
وهو يعني كذلك أن الحمير تعرف أنسابها .. وأنساب آبائها .. وأجدادها .. وتحافظ عليها .. كما هو الحال عند البشر من بني آدم!!
لكن نعود فنقول: الذنب والعتب ليس على الحمير .. ولكن على من يروي ويصدق روايات الحمير .. ويصحح سند الحمير ..!
قال الخميني قائد الثورة الشيعية في إيران في وصيته: نحن فخورون أن كتاب نهج البلاغة الذي هو بعد القرآن أعظم دستور للحياة المادية والمعنوية، وأسمى كتاب لتحرير البشر، وتعاليمه المعنوية والحكومية أرقى نهج للحياة، هو من إمامنا المعصوم ا- هـ.
ويقول حسين الأعلمي الرافضي في مقدمته على نهج البلاغة الذي ينسبونه زوراً وكذباً لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: فإننا لا نعدو الحق إذا قلنا مع القائلين: كلام عليّ دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق ا- هـ.
وسؤالنا: أين ذهبوا بكلام ومكانة سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ..؟!!
فإذا كان كلام علي فوق كلام المخلوق .. وأعظم وأرقى دستور للحياة .. فأين يكون موضع كلام سيد الخلق محمد - صلى الله عليه وسلم - .. وأين تكون سنته الثابتة عنه - صلى الله عليه وسلم - ..؟!!
جوابهم بكل وقاحة ووضوح: أنه دون كلام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - .. ودون نهج البلاغة .. حاشى علي أن يقبل لنفسه مثل هذه الفرية العظيمة .. ووالله لو سمعها منهم لقطع عليها رؤوسهم .. وفصلها عن الرقاب!!(49/47)
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ } الحجرات:2. فإذا كان رفع الصوت فوق صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤداه لحبوط العمل وخروج صاحبه من ملة الإسلام .. فكيف بمن يرفع شخصاً فوق شخص النبي - صلى الله عليه وسلم - .. أو حكماً أو كلاماً .. فوق حكم وكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - .. لا شك أنه أولى بالكفر، والخروج من الإسلام، وأن يحبط عمله.
مع التنبيه أن هذا نهج البلاغة ـ الذي يُعتبر أصح كتبهم وأرقاها ـ لا يصح عن علي ابن أبي طالب؛ فإن ما بين كاتبه وراقمه الشريف الرضي المتوفى في محرم سنة أربع وأربعمائة للهجرة .. وبين علي بن أبي طالب أكثر من خمسين وثلاثمائة سنة .. فكيف يقول: قال علي .. وهو لم يسمع من علي .. ولم ير علياً .. ولم يُعاصر علياً .. وبينه وبين علي أكثر من " 350 " سنة .. وليس بينه وبين علي سند ؟!!
ولو صحت الروايات بمثل هذا السند .. لجاز لكل واحد منا أن يؤلف كتاباً ثم ينسبه لمن يشاء من الصحابة أو التابعين ..!!
ثم إذا كان أصح كتبهم وأرقاها، وأعظمها .. هذا هو سنده .. فكيف بما دونه من كتبهم ومراجعهم .. لا شك أنها أوهى وأضعف سنداً ومتناً ..!!
فإن قيل: أين الدليل على كفر من ردّ السنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنكرها ..؟!(49/48)
أقول: قد أرسل الله تعالى رسله لتطاع بإذن الله، كما قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ } النساء: من الآية64. فالغاية من إرسال الرسل أن تُطاع فيما تأمر وتنهى، وتُخبر عن الله - عز وجل - .. فمن رد على الرسول ما أمر به أو نهى عنه .. أو سوغ لنفسه الإعراض عن سنته وحكمه فقد كفر، كما قال تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } النور: من الآية63. والفتنة هنا يُراد منها الكفر والشرك .. وهذا فيمن يخالف أمره إلى أمر غيره .. فكيف بمن يرد مطلق أمره وسنته .. بدافع الهوى والجهل والحقد .. لا شك أنه أولى في الوقوع في الفتنة والشرك.
وقال تعالى: { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } النساء:65.
فعلق الإيمان بتحكيم النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وتحكيم النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته يكون بالرد إلى سنته - صلى الله عليه وسلم - ..!
ونحوه قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } النساء:59. فبين أن من لوازم الإيمان رد النزاعات إلى الله والرسول .. والرد إلى الرسول بعد وفاته يكون بالرد إلى سنته وأقواله - صلى الله عليه وسلم - .. فمن رد سنته .. وابطل العمل بها .. لزمه بالضرورة .. أن لا يرد إليه النزاع .. وأن لا يتحاكم إليه وإلى سنته - صلى الله عليه وسلم - ..!(49/49)
وكذلك قوله تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } آل عمران:31. واتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته يكون باتباع سنته - صلى الله عليه وسلم - .. فمن لم يتبع سنته - صلى الله عليه وسلم - .. لبطلانها عنده أو لأي سبب كان .. دل على انتفاء المحبة لله من قلبه .. إذ أن المحبة تكون على قدر الاقتداء والمتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم -.. كما أن انتفاء المحبة يكون على قدر انتفاء المتابعة .. فكل منهما لازم وملزوم للآخر .. ولا تنتفي مطلق المحبة إلا عن كل مبغضٍ كافر عنيد!
فإن قيل: الشيعة الروافض يردون سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - .. لا لأنها سنة ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .. بل لأنها لا تصح عندهم ..؟!
أقول: هذا عين الجهل والكذب والتلفيق .. فهم لم يردوا السنة لعدم ثبوتها عندهم بعدما ناقشوا أسانيدها ومتونها على أصول وضوابط علم الحديث والجرح والتعديل .. فهم من أبعد الناس عن هذا العلم العظيم .. وإنما ردوها لأنها لا تنسجم مع أصولهم الباطلة الفاسدة .. فالضابط عندهم لقبول الرواية أو ردها: هو ما وافق أصولهم الباطلة الفاسدة أو عارضها .. فكل رواية توافق أصولهم الفاسدة أو يمكن تجييرها لخدمة وترويج أصولهم فهي عندهم صحيحة يحتجون بها وإن كانت موضوعة مكذوبة .. وكل رواية تخالف أصولهم الفاسدة .. أو كانت توافق أصول أهل السنة والجماعة فهي عندهم ضعيفة وموضوعة .. بغض النظر عن السند والرواة وعدالتهم ..!
إضافة إلى ذلك فإن رواة الحديث ونقلة العلم النبوي الشريف .. هم(49/50)
كفار عند الشيعة الروافض كما تقدم .. وهذه العقيدة الفاسدة الخبيثة ألزمتهم برد رواياتهم وما نقلوه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .. رغم صحة وثبوت ما نقلوه .. فالبدعة تدل على البدعة .. والخطيئة تدل على أختها .. والسيئة تدل على غيرها وما هو أكبر منها ..!
فقولهم بالإمامة، والأئمة، والأوصياء، والعصمة .. كان سبباً ملحاً لقولهم بكفر من خالفهم في ذلك من أهل الإسلام .. وقولهم بكفر أهل الإسلام: الصحابة والتابعين لهم بإحسان .. كان سبباً قوياً حملهم على القول بتحريف القرآن .. ورد السنة .. إذ أن نقلة الشريعة في زعمهم ـ كما تقدم ـ كفار .. لا يؤخذ منهم دين ولا يُقبل منهم نقل .. والقول بتحريف القرآن، وبطلان السنة .. مؤداه إلى هدم أركان الشريعة والدين!!
فالسيئة تدل على أختها .. والذنب يدل على ما بعده .. ويُعد من لوازمه .. والتكذيب بشيء يحملهم على التكذيب بشيء آخر .. كما أن تصديق الكذب يحمل صاحبه على تكذيب الصدق .. هذا الذي حملهم على رد السنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .. ومن كان كذلك لا يجوز أن يُقال عنه ما يمكن أن يُقال في عالم من علماء الأمة رد حديثاً خطأً لعدم ثبوت صحته عنده بعد إعمال النظر في قواعد وعلوم الحديث الشريف .. وبالتالي فهم لا يُعذرون كما يمكن أن يُعذر هذا العالم .. فتنبه لذلك!
ثم أن الذي يرد الحديث .. بسبب إعمال قواعد وعلوم الحديث .. تراه يرد حديثاً أو عشرة أو أكثر أو أقل .. لكنه لا يرد كتب الحديث برمتها وكأنها لم تكن .. والتي تحتوي على عشرات الآلاف من الأحاديث النبوية الصحيحة .. كما هو صنيع الشيعة الروافض مع كتب الحديث الحاوية لسنن النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ..؟!!
سادساً: يأتي كفرهم من جهة مظاهرتهم لأعداء الأمة من الكفرة والمشركين على أبناء الأمة من المسلمين الموحدين ..!(49/51)
لشدة حقد الشيعة الروافض على الإسلام وأهله .. فإنهم كانوا ولا يزالون يختارون الوقوف مع أعداء الأمة من الكفرة والمشركين على الإسلام وأهله، وهذه حقيقة مسلمة مُشاهدة لا تحتاج منا لمزيد عناء لكي نثبت صحتها وواقعيتها ..!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى بعد أن ذكر تكفيرهم لأهل الإسلام: ولهذا السبب يُعاونون الكفار على الجمهور من المسلمين؛ فيعاونون التتار على الجمهور، وهم كانوا من أعظم الأسباب في خروج جنكيزخان ملك الكفار إلى بلاد الإسلام، وفي قدوم هولاكو إلى بلاد العراق، وفي أخذ حلب ونهب الصالحية، وغير ذلك بخبثهم ومكرهم لما دخل فيه من توزر منهم للمسلمين وغير من توزر منهم!
وبهذا السبب نهبوا عسكر المسلمين لما مر عليهم وقت انصرافه إلى مصر في النوبة الأولى، وبهذا السبب يقطعون الطرقات على المسلمين، وبهذا السبب ظهر فيهم من معاونة التتار والإفرنج على المسلمين، والكآبة الشديدة بانتصار الإسلام ما ظهر، وكذلك لما فتح المسلمون الساحل ـ عكة وغيرها ـ ظهر فيهم من الانتصار للنصارى وتقديمهم على المسلمين ما قد سمعه الناس منهم، وكل هذا الذي وصفت بعض أمورهم، وإلا فالأمر أعظم من ذلك .. وهم يوالون اليهود والنصارى والمشركين على المسلمين، وهذه من شيم المنافقين ..!
وهم يُقاتلون لعصبية شر من عصبية ذوي الأنساب؛ وهي العصبية للدين الفاسد، فإن في قلوبهم من الغل والغيظ على كبار المسلمين وصغارهم، وصالحيهم وغير صالحيهم ما ليس في قلب أحد، وأعظم عبادتهم عندهم لعن المسلمين من أولياء الله مستقدمهم ومستأخرهم، وأمثلهم عندهم الذي لا يلعن ولا يستغفر!
... وهؤلاء أشد الناس حرصاً على تفريق جماعة المسلمين .. من أعظم أصولهم عندهم التكفير واللعن والسب لخيار ولاة الأمور: كالخلفاء الراشدين، والعلماء المسلمين، ومشائخهم؛ لاعتقادهم أن كل من لم يؤمن بالإمام المعصوم الذي لا وجود له فما آمن بالله ورسوله.(49/52)
... إلى أن قال: والرافضة تحب التتار ودولتهم؛ لأنه يحصل لهم بها من العز ما لا يحصل بدولة المسلمين. والرافضة هم معاونون للمشركين واليهود والنصارى على قتال المسلمين، وهم كانوا من أعظم الأسباب في دخول التتار قبل إسلامهم إلى أرض المشرق بخراسان والعراق والشام، وكانوا من أعظم الناس معاونة لهم على أخذهم لبلاد الإسلام وقتل المسلمين وسبي حريمهم، وقصة ابن العلقمي وأمثاله مع الخليفة، وقضيتهم في حلب مع صاحب حلب مشهورة يعرفها عموم الناس.
... وكذلك في الحروب التي بين المسلمين وبين النصارى بسواحل الشام فقد عرف أهل الخبرة أن الرافضة تكون مع النصارى على المسلمين، وأنهم عاونوهم على أخذ البلاد لما جاء التتار، وعزَّ على الروافض فتح مكة وغيرها من السواحل، وإذا غلب المسلمون النصارى والمشركين كان ذلك غصة عند الروافض، وإذا غلب المشركون والنصارى المسلمين كان ذلك عيداً ومسرة عند الرافضة[(1)] ..ا- هـ.
__________
(1) انظر الفتاوى 28/478 و 488 و 527. قلت: وسبب تسمية الشيعة الاثنى عشرية بالرافضة أن زيد بن علي بن الحسين أظهر الترحم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما .. فرفضته الشيعة بسبب ذلك .. وأنكرت عليه ترحمه على الشيخين رضي الله عنهما .. فقال لهم زيد: رفضتموني .. فسموا من يومئذٍ بالرافضة، والله تعالى أعلم.(49/53)
... وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان ( 1/287 )،عن نصير الدين الطوسي الذي تظاهر بالرفض والانتساب لأهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وأبطن الكفر والإلحاد: ولما انتهت النوبة إلى نصير الشرك والكفر الملحد وزير الملاحدة، النصير الطوسي، وزير هولاكو، شفا نفسه من أتباع الرسول وأهل دينه، فعرضهم على السيف، حتى شفا إخوانه من الملاحدة، واشتفى هو، فقتل الخليفة[(1)]، والقضاة، والفقهاء، والمحدثين، واستبقى الفلاسفة، والمنجمين، والطبائعيين، والسحرة، ونقل أوقاف المدارس والمساجد، والرُّبط إليهم، وجعلهم خاصته وأولياءه، ونصر في كتبه قدم العالم، وبطلان المعاد، وإنكار صفات الرب - جل جلاله - ..ا- هـ.
... أقول: بعد أن عرفت ذلك فانظر ماذا يقول الخميني قائد الثورة الشيعية في إيران، في كتابه الحكومة الإسلامية، عن نصير الشرك والإلحاد " نصير الطوسي ": ومثل هذا الفراغ والثلم لا يحدث بفقدي أنا أو مثلي ممن يقبع في زاوية بيته، وإنما يحدث بفقد الإمام الحسين - عليه السلام - والأئمة من بعده، ويشعر الناس بالخسارة أيضاً بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي والعلامة وأضرابهم ممن قدم خدمات جليلة للإسلام!
... وقال: وإذا كانت ظروف التقية تلزم أحداً منا بالدخول في ركب السلاطين، فهنا يجب الامتناع عن ذلك حتى لو أدى الامتناع إلى قتله، إلا أن يكون في دخوله الشكلي نصر حقيقي للإسلام وللمسلمين مثل دخول علي بن
يقطين، ونصير الدين الطوسي رحمهما الله[(2)]ا- هـ.
__________
(1) وهو " المستعصم بالله " وهو آخر خلفاء العباسيين، تمكن " نصير الطوسي " قاضي ومستشار التتار من قتله .. وفعل ما أشار إليه ابن القيم أعلاه .. بعد التآمر والاتفاق مع الشيعي الرافضي " ابن العلقمي " وزير المستعصم وقتئذٍ !!
(2) الحكومة الإسلامية، طبع دار عمار، ص 108 و 119.(49/54)
... بعد أن تعرفت على بعض أفعال نصير الشرك والإلحاد " نصير الطوسي " التي أشار إليها ابن القيم أعلاه .. أصبحت تدرك ما الذي يريد ويقصده الخميني الحقود عندما قال عن سلفه " الطوسي " بأنه ممن قدم خدمات جليلة للإسلام .. وأن ما قدمه نصر حقيقي للإسلام والمسلمين .. وأصبحت تدرك كذلك نوعية هذه الخدمات الجليلة التي يُثني عليها الخميني ..!!
... فإن قيل: هذا تاريخ .. وشيعة اليوم لا يتحملون مسؤوليته ؟!
... أقول: لا يسأل هذا السؤال أو يعترض هذا الاعتراض إلا كل جاهل مغفل، أعمى البصر والبصيرة، يعيش في غير زمانه .. وفي كوكب آخر!
... الشيعة الروافض ـ الاثنى عشرية ـ في كل يوم يعطوا دليلاً آخر على عمالتهم وخيانتهم للأمة .. وأنهم مع أهل الشرك والإلحاد ضد الإسلام والمسلمين ..!!
... من قبل وإلى الساعة: وقفوا ظاهراً وباطناً مع النظام البعثي النصيري الطائفي الحاكم في سورية ضد أبنائها من المسلمين .. وضد الحركة الجهادية الإسلامية التي نهضت للتغيير .. والسبب يعرفه الجميع: وهو أن المسلمين في سورية ليسوا من الشيعة الروافض .. وليسوا من المغرمين بهذه الفرقة المارقة ..!
... وفي جهاد الشعب المسلم الأفغاني الطويل والمرير .. ضد روسيا .. كانت الشيعة الروافض ـ في داخل أفغانستان وخارجها ـ مع الروس الملحدين ضد المجاهدين الأفغان .. وكانوا عيناً للشيوعيين الملحدين على المسلمين من أهل البلد ..!
... وهاهم اليوم يقفون كالثعالب الماكرة مع الأمريكان وغيرهم من دول
الكفر الذين غزوا أرض أفغانستان .. يشاركونهم هجمتهم الصليبية الشرسة على الإسلام والمسلمين .. إلى أن تحقق مرادهم المتمثل في إسقاط دولة طالبان الإسلامية ..! ...
وما أخبار قبائل " الهزارة " الشيعية في أفغانستان .. وما فعلته من جرائم بحق المسلمين وحريمهم .. عن مسامع الناس ببعيدة ..!(49/55)
... وكذلك موقفهم من قضية الشيشان .. فهم مع الروس الكفرة ضد المجاهدين المسلمين في الشيشان .. فرغم ما حصل من جرائم بشعة بحق ذلك الشعب المسلم على أيدي جنود الروس .. لم نسمع لدولة الروافض في إيران تقول كلمة تنديد واحدة فيما يفعله المجرمون الروس بحق المسلمين المستضعفين هناك .. بل نجد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية وغيرها قائمة بين الدولتين والشعبين .. وهي في تنامٍ وتطور وازدياد!
... ومن قبل في البوسنة والهرسك .. رغم المجازر الجماعية البشعة التي ارتكبها صليبيو الصرب بحق أطفال ونساء وشيوخ المسلمين هناك .. رغم كل ذلك .. لم نر لدولة الشيعة الروافض في إيران موقفاً ـ يتناسب مع مكانتها كدولة ـ ينددون فيه تلك الجرائم .. أو يخففون به من مصاب العباد هناك .. وسبب ذلك يعرفه الجميع: وهو أن تلك الدماء المسفوكة في البوسنة والهرسك كانت دماء سنية .. تترضى عن الصحابة .. وأمهات المؤمنين ..!!
... وهاهم اليوم يتآمرون من جديد مع الأمريكان وغيرهم لضرب وغزو العراق .. وقتل شعب العراق .. وتدمير قدرات واقتصاد العراق .. تحت زعم ومبرر إسقاط طاغية العراق!
... أضف إلى ذلك اضطهادهم كطائفة حاكمة في إيران ـ المعروف والمشهور ـ لأهل السنة في البلاد الذين يتجاوز تعدادهم عشرة ملايين نسمة .. ومع ذلك يُمنعون من بناء مسجد لهم في مدينة طهران عاصمة إيران ..
يترضون فيه على الصحابة الكرام!
هذا غير سياسة القتل والاغتيالات .. والتصفيات .. والتمييز .. التي
ينتهجونها مع كوادر وشيوخ أهل السنة هناك[(1)]..!!
__________
(1) لمعرفة مزيد من الحقائق عن أحوال أهل السنة في إيران .. وما يتعرضون له من اضطهاد صارخ على أيدي الشيعة الروافض الحاكمين والمتنفذين في البلاد .. راجع موقع " أحوال أهل السنة في إيران " للشيخ أبي منتصر البلوشي .. الموجود على الإنترنت، وعنوانه: www.isl.org.uk .(49/56)
وهكذا ما من مؤامرة تُحاك على الإسلام وأهله .. أو جريمة تُمارس بحق الإسلام وأهله .. إلا وتجد لهذه الطائفة المارقة يداً فيها .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
... نعم قد يمدون يد العون لبعض المسلمين .. ولكن بالقطَّارة .. وذلك عندما يتوقعون احتمال تشيع هذا البعض .. أو إمكانية أن يتحول هذا البعض ـ في مرحلة من المراحل ـ إلى بوق أو أداة فاعلة يعملون على نشر مذهبهم الشيعي الضال الخبيث بين عوام المسلمين ..!
... فإن قيل: أين الدليل الذي يوجب كفر من ظاهر الكافرين المشركين على المؤمنين المسلمين ..؟!
... أقول: الأدلة على كفر من ظاهر المشركين على المسلمين كثيرة منها، قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } المائدة:51.
... وقوله تعالى: { لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ } آل عمران: من الآية28.
وقوله تعالى: { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ
أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } المائدة:81.
وقوله تعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } الأنفال:73.
وقوله تعالى: { أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً } الكهف:102. وغيرها كثير من الآيات التي تفيد كفر من ظاهر الكافرين على المسلمين.(49/57)
سابعاً: يأتي كفرهم من جهة وقوعهم في الشرك وتوجههم بالعبادة والدعاء للمخلوق ..!
ومما يُعرفون به كذلك التوجه بالصلاة إلى القبور .. وطلب العون والغوث والمدد من الأموات .. واجتماعهم على قبورهم المنتشرة في إيران، والعراق وغيرها من الأمصار أكبر شاهد على ذلك ..!
فهم من أشد الناس عبادة للقبور وتعظيماً لها .. وترغيباً بشد الرحال إليها والعكوف عندها .. لاعتقادهم أن ساكنيها من الأموات يملكون القدرة على إغاثتهم، والاستجابة لهم .. وهذا عين الشرك والكفر!
وجميع الناس يعلم عنهم تلك الأدعية التي يرفعونها في كل مناسبة واجتماع كقولهم:" يا حسين المدد .. أغثنا يا حسين " مع اعترافهم وتقريرهم بأن الدعاء عبادة كما في الكافي للكليني 2/467: عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: فإن الدعاء هو العبادة ا- هـ. ومع ذلك تراهم يجوزون التوجه بالدعاء للمخلوق .. وللقبور!!
قال الخميني في كتابه كشف الأسرار، ص49: فطلب الحاجة من الحجر أو الصخر ليس شركاًً، وإن يكن عملاً باطلاً، ثم إننا نطلب المدد من الأرواح المقدسة للأنبياء والأئمة ممن قد منحهم الله القدرة ا- هـ. أي ممن منحهم الله تعالى القدرة على التأثير .. وعلى إجابة المضطر إذا دعاهم .. وهذا عين الكفر والشرك .. والتكذيب للتنزيل!(49/58)
ومما استدل به الخميني على جواز تشييد القبور وشد الرحال إليها، والعكوف عندها .. تلك الرواية الملفقة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعلي بن أبي طالب: يا أبا الحسن إن الله جعل قبرك وقبور أولادك بقعة من بقاع الجنة، وصحناً من صحونها، وإن الله أدخل في قلوب المختارين من خلقه حبكم، وجعلهم يتحملون الأذى والذل من أجلكم، ويقومون بإعادة بناء قبوركم، ويأتون لزيارتكم تقرباً إلى الله، وزُلفى إلى رسوله، وهؤلاء مشمولون بشفاعتي .. يا علي إن من يبني قبوركم يصيبه ثواب سبعين حجة غير حجة الإسلام، وتُمحى خطاياه ويُصبح كمن ولدته أمه، إنني أبشرك بذلك، وبشر أنت محبيك بهذه النعمة التي لم ترها عين، ولم تسمع بها أذن، ولم تطرأ على بال أحد، إلا أن هناك توافه من الناس يلومون زائري قبوركم، كما يلومون المرأة الزانية، إن هؤلاء هم أشرار أمتي، والله لا يشملهم بشفاعتي ..[(1)]ا- هـ.
... أقول: ما أسهل الكذب على الله وعلى رسوله، وعلى آل رسوله - صلى الله عليه وسلم - .. عند الشيعة الروافض .. فقد ثبت عن علي - رضي الله عنه - ـ كما في الحديث الصحيح ـ أنه كان يرسل أمراء الجند ويقول لأحدهم:" ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله: ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته ". فكيف بمن هذه سيرته مع القبور المشرفة .. يقبل بما نُسب إليه في رواية الخميني الملفقة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - .. سواء؟!!
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية عنهم: ويشبهون النصارى في الغلو في البشر والعبادات المبتدعة، وفي الشرك، وغير ذلك.
__________
(1) كتاب كشف الأسرار، ص 84.(49/59)
... ومع هذا يُعطلون المساجد التي أمر الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه، فلا يقيمون فيها جمعة ولا جماعة، ويبنون على القبور المكذوبة وغير المكذوبة مساجد يتخذونها مشاهد، وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اتخذ المساجد على القبور، ونهى أمته عن ذلك، وقال قبل أن يموت بخمس:" إن كان من قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك ". ويرون أن حج هذه المشاهد المكذوبة وغير المكذوبة من أعظم العبادات، حتى أن مشائخهم من يفضلها على حج البيت الذي أمر الله به ورسوله، ووصف حالهم يطول[(1)]ا- هـ.
... فإن قيل: أين الدليل على كفر من يتوجه بالدعاء أو أي نوع من أنواع العبادة للمخلوق ..؟!
... أقول: الأدلة على كفره كثيرة منها، قوله تعالى: { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } يونس:18. وعبادتهم لهم هنا كانت في الدعاء ..!
وقال تعالى: { أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } الزمر:3.
وقال تعالى: { وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ } يونس:106.
وقال تعالى: { فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ } الشعراء:213.
__________
(1) الفتاوى: 28/480 و 482.(49/60)
وقال تعالى: { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } الأنعام:17.
وقال تعالى: { أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ } يّس:23.
وقال تعالى: { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ } النمل:62. أي أإله مع الله يجيب المضطر إذا دعاه .. ويكشف السوء عنه ..؟!!
وغيرها كثير من الآيات التي تفيد كفر من توجه بالدعاء أو أي نوع من أنواع العبادة للمخلوق.
خلاصة القول في الشيعة الروافض: هذه هي الأوجه التي ألزمتنا بالقول: بأن الشيعة الروافض ـ الاثنى عشرية ـ طائفة شرك وردة، وواحدة من تلك الأوجه السبعة ـ الآنفة الذكر ـ تكفي للجزم بكفر وردة هذه الطائفة المارقة.
مع التنبيه أننا لم نتناول كل ما يؤخذ على هذه الطائفة المارقة الحاقدة .. فليس هذا هو غرضنا من هذا المبحث الوجيز .. فإن تتبع ذلك من شأن البحوث الجامعة .. وهي موجودة ومتوافرة لمن يريدها.
وقولنا أن الشيعة الروافض طائفة شرك وردة؛ يعني أنها تُجرى عليها ـ كطائفة ـ جميع أحكام الردة ومتعلقاتها وتبعاتها المبينة والمفصلة في كتب الحديث والفقه ..!
فإن قيل: هل يلزم من ذلك أن كل شيعي ينتسب لهذه الطائفة المارقة هو كافر مرتد بعينه؟!(49/61)
أقول: رغم جزمنا أن الشيعة الاثنى عشرية كطائفة .. هي طائفة شرك وردة تُجرى عليها جميع أحكام الطائفة المرتدة .. إلا أننا نتوقف عن الجزم في تكفير كل من ينتسب لهذه الطائفة المارقة بعينه لاحتمال وجود المانع الذي يمنع من تكفيره .. ولاحتمال براءته مما يؤخذ على هذه الطائفة المارقة .. إذ أن من القوم من يظهر عدم اقتناعه أو اعتقاده بما أخذناه على القوم من أمور مكفرة .. فمثل هؤلاء تقتضي قواعد الشرع الإمساك عن تكفيرهم، والله تعالى أعلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى 28/500: والصحيح أن هذه الأقوال التي يقولونها ـ أي الشيعة الروافض ـ التي يُعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول كفر، وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال الكفار بالمسلمين هي كفر أيضاً، وقد ذكرت دلائل ذلك في غير هذا الموضع، لكن تكفير الواحد المعين منهم، والحكم بتخليده في النار موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه . فإنا نطلق القول بنصوص الوعد والوعيد والتكفير والتفسيق، ولا نحكم للمعين بدخوله في ذلك العام حتى يقوم فيه المقتضى الذي لا معارض له ا- هـ.
ومعنى كلام شيخ الإسلام: أنه إذا قام وظهر المقتضى ـ من غير مانع شرعي معتبر ـ الذي يقتضي تكفير المعين منهم لزم القول بكفره بعينه ولا بد، والله تعالى أعلم.
قلت: وكلما كان المرء منهم قريباً من ساحة الدعاة إلى التشيع والرفض .. كلما ضاقت بحقه ساحة التأويل والأعذار .. إذ العذر يكون مع الجهل .. ومع العجز عن دفع هذا الجهل .. ودعاتهم .. وآياتهم .. الذين يؤصلون ويدعون للرفض والتشيع .. ليسوا جهالاً ـ لا يعرفون الحق ـ ولا عاجزين عن دفع الجهل بالعلم النافع الصحيح .. وبالتالي لا عذر لهم ولا تأويل .. ولا مناص من تكفيرهم بأعيانهم، والله تعالى أعلم.
ـ أقوال بعض أهل العلم في الشيعة الروافض ..!(49/62)
إضافة لما تقدم .. وزيادة في قيام الحجة .. وبيان خطر وكفر هذه الطائفة الحاقدة .. نذكر أقوال بعض أهل العلم فيهم.
روى الخلال في السنة عن أبي بكر المروزي قال: سألت أبا عبد الله ـ أحمد بن حنبل ـ عن من يشتم أبا بكر وعمر وعائشة ؟ قال: ما أراه على الإسلام.
وقال ـ أي المروزي ـ: وسمعت أبا عبد الله يقول: قال مالك بن أنس: الذي يشتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس لهم سهم أو نصيب في الإسلام[(1)].
قلت: هذا الذي يشتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط .. فكيف إذا ضم إلى الشتم التكفير .. وخصال الكفر الأخرى التي تؤخذ على الشيعة الروافض .. لا شك أنه أولى بالكفر والخروج من الإسلام.
وقال الإمام أحمد: إذا كان جهمياً، أو قدرياً، أو رافضياً داعية، فلا يُصلى عليه، ولا يُسلم عليه[(2)].
وقال البخاري رحمه الله: ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافضي، أم صليت خلف اليهود والنصارى، لا يُسلم عليهم، ولا يُعادون ولا يُناكحون، ولا يشهدون، ولا تُؤكل ذبائحهم[(3)].
وعن موسى بن هارون بن زياد قال: سمعت الفريابي ـ وهو محمد بن يوسف الفريابي ـ ورجل يسأله عمن شتم أبا بكرٍ قال: كافر، قال: فيصلى عليه ؟ قال: لا، وسألته كيف يُصنع به وهو يقول: لا إله إلا الله ؟ قال: لا
تمسوه بأيديكم، ارفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته[(4)].
وقال ـ أي محمد بن يوسف الفريابي ـ: ما أرى الرافضة والجهمية إلا زنادقة[(5)].
وقال ابن حزم في الفصل 2/78: وأما قولهم في دعوى الروافض تبديل القراءات فإن الروافض ليسوا من المسلمين .. وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر ا- هـ.
وقال الشافعي: ما أحد أشهد على الله بالزور من الرافضة.
__________
(1) السنة للخلال، رقم الأثر: 779.
(2) السنة للخلال، رقم الأثر: 785.
(3) كتاب خلق أفعال العباد، ص125.
(4) السنة للخلال، رقم الأثر:794.
(5) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، اللالكائي:8/1545.(49/63)
وفي رواية عنه: ما رأيت في الأهواء قوماً أشهد بالزور من الرافضة[(1)].
وعن أحمد بن يونس قال: أنا لا آكل ذبيحة رجل رافضي فإنه عندي مرتد[(2)].
وعن عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه قال: قال الشعبي: يا مالك، لو أردت أن يعطوني ـ أي الشيعة الروافض ـ رقابهم عبيداً أو أن يملؤوا بيتي ذهباً على أن أكذب لهم على علي لفعلوا، ولكن والله لا كذبت عليه أبداً!
أحذرك الأهواء المضلة، وشرها الرافضة وذلك أن منهم يهود يغمصون الإسلام لتحيا ضلالاتهم كما يغمص بولس بن شاؤل ملك اليهود ليغلبوا.
لم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة من الله، ولكن مقتاً لأهل الإسلام وطعناً عليهم، فأحرقهم علي بن أبي طالب بالنار ونفاهم من البلدان: منهم عبد الله بن سبأ نفاه إلى ساباط، وعبد الله بن شباب نفاه إلى جازت، وأبو الكروش وابنه.
وذلك أن محنة الرافضة محنة اليهود!
قالت اليهود: لا يصلح الملك إلا في آل داود.
وقالت الرافضة: لا تصلح الإمارة إلا في آل علي!
وقالت اليهود: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال أو ينزل عيسى من السماء.
وقالت الرافضة: لا جهاد حتى يخرج المهدي ثم ينادي منادي من السماء!
واليهود يؤخرون صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم، وكذلك الرافضة!
والحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم ".
واليهود يولون عن القبلة شيئاً، وكذلك الرافضة!
واليهود تُسدل أثوابها، وكذلك الرافضة!
واليهود حرفوا التوراة، وكذلك الرافضة حرفوا القرآن!
واليهود يستحلون دم كل مسلم، وكذلك الرافضة!
واليهود لا يرون الطلاق ثلاثاً شيئاً، وكذلك الرافضة!
واليهود لا يرون على النساء عدة، وكذلك الرافضة!
واليهود يبغضون جبريل ويقولون: هو عدونا من الملائكة، وكذلك صنف من الرافضة يقولون: غلط بالوحي إلى محمد!
__________
(1) المصدر السابق: 8/1544.
(2) المصدر السابق: 8/1546.(49/64)
وفُضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلتين: سُئلت اليهود من خير ملتكم ؟ قالوا: أصحاب موسى.
وسُئلت الرافضة: من شرّ أهل ملتكم ؟ قالوا: أصحاب محمد!
وسُئلت النصارى: من خير أهل ملتكم ؟ قالوا: حواري عيسى.
وسُئلت الرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: حواري محمد!
أُمروا بالاستغفار لهم فسبوهم!
فالسيف مسلول عليهم إلى يوم القيامة لا يثبت لهم قدم، ولا تقوم لهم راية، ولا تجتمع لهم كلمة.
دعوتهم مدحوضة، وجمعهم متفرق، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله - عز وجل - [(1)].
ـ اعتراضات: قد تأملت اعتراضات المخالفين من المعاصرين ممن لا يرون ما قررناه وأثبتناه عن القوم في هذا البحث .. فوجدتها أربع اعتراضات:
1- الاعتراض الأول: قالوا: كيف نكفرهم ونقول بردتهم وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ..؟!
أقول: يقولون لا إله إلا الله .. ويأتون بضدها وما ينقضها في آنٍ واحد .. وهم مثلهم مثل من يقول بالشيء وضده في آنٍ معاً .. ومن كان كذلك لا تنفعه " لا إله إلا الله " ولا تُقبل منه حتى يُقلع عن نواقض لا إله إلا الله، وما يُبطلها وينفيها!
فالذين يقولون: لا إله إلا الله .. ثم هم يكذبون الله .. ويكذبون بلا إله إلا الله .. ويقولون ـ بلسان الحال والمقال ـ بآلهة مع الله .. لا ينفعهم مجرد القول بلا إله إلا الله!
فلا إله إلا الله .. التي تنفع صاحبها في الدنيا والآخرة .. هو الذي يلتزمها بشروطها: اعتقاداً، وقولاً، وعملاً .. فهذا الذي جاءت فيه الأحاديث أن لا إله إلا الله تنفعه وتنجيه[(2)].
2- الاعتراض الثاني: وهو أنهم يستدلون بواقع أهل السنة .. وواقع الأنظمة السيئة الباطلة التي تحكمهم .. كمبرر للأخطاء والمآخذ التي تؤخذ على الشيعة الروافض .. وكمحاولة للتستر على عيوبهم وجرائمهم!
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، اللالكائي: 8/1549.
(2) لمزيد من الفائدة انظر كتابنا " شروط لا إله إلا الله ".(49/65)
فإذا قيل لهم شيء عن الشيعة الروافض .. قالوا: أنظر كذلك إلى واقع أهل السنة في بلد كذا وكذا .. وإلى الحاكم كذا وكذا .. فإن واقعهم .. وأفعالهم أسوأ مما ذكرت عن الشيعة الروافض .. ظناً منهم أن ذلك يُبرر أو يُخفف من حدة ما أخذ على الشيعة الروافض ..!!
وهذا اعتراض باطل مردود، نرد عليه من أوجه:
منها: أن الخطأ لا يبرر ولا يُسوغ الخطأ .. والذنب مدان أياً كان فاعله أو صاحبه ..
ونحن عندما ننكر على الشيعة الروافض أخطاءهم وباطلهم .. لا يعني ذلك أننا ـ والعياذ بالله ـ
نقر الأخطاء الموجودة عند بعض أهل السنة أو غيرهم!
ومنها: أن معظم الأخطاء السائدة في مجتمعات أهل السنة .. هي بسبب تسلط حكام علمانيين ظالمين على مقاليد الحكم في بلادهم .. وهؤلاء غير معنيين من مسألتنا هذه؛ لأنه لا خلاف على كفرهم وجورهم .. كما أنه ليس بعد الكفر ذنب.
ونحن لم نناقش حال وواقع العلمانيين من الشيعة الروافض .. حتى يُقال لنا انظر لواقع الحكام العلمانيين في بلادكم .. فالعلمانيون خارج ساحة النقاش أو الحوار .. إذ ليس بعد الكفر ذنب .. وإنما نقاشنا عن مشائخ وآيات الشيعة .. وعن مرجعياتهم الدينية ..!
ومنها: أن جل العادات السيئة المنتشرة بين بعض أهل السنة في بلادهم .. هي أولاً بسبب بعدهم عن دين الله .. وهي ثانياً مهما تعاظمت لا ترقى إلى درجة الكفر البواح .. كما هو الحال عند الشيعة الروافض ..!
ومنها: أن الأخطاء السائدة عند بعض أهل السنة لها الطابع الشخصي .. والكل يعلم بأنها خطأ .. بما فيهم المخطئون ذاتهم .. وهي منكرة من قبل العاملين من أهل العلم .. بينما الأخطاء والمآخذ السائدة عند أهل التشيع والرفض هي أخطاء عامة عُرفت بها عامة الشيعة الروافض .. كما أن أخطاءهم لها الطابع العقدي الديني المقدس .. الملزم لجميع أتباعهم .. والفرق بين الأمرين واضح وبين!(49/66)
ومنها: أن الأخطاء عند بعض أهل السنة مرفوضة .. ومنبوذة .. ومعلوم بطلانها .. لا أحد من أهل العلم العاملين يقرهم عليها .. بينما الأخطاء عند الشيعة الروافض .. دين .. وعقيدة ملزمة .. يوالون ويُعادون عليها .. ويُكفرون المخالف فيها .. وعلماؤهم يقرونها .. ويؤصلون لها .. ويدعون إليها!
ومنها: أن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن كلاً يُؤخذ منه ويُرد عليه .. يُخطئ ويُصيب .. عدا النبي - صلى الله عليه وسلم - .. فلا توجد عندنا مشكلة مع الخطأ .. ولا مع صاحبه .. أياً كان صاحبه!
بينما من أصول وعقيدة أهل التشيع والرفض: القول بعصمة أئمتهم عن الخطأ والزلل .. وبالتالي الخطأ الذي يقعون به أو يُنسب إليهم زوراً وإن كان المنسوب إليهم كفراً بالله تعالى .. فله القدسية والعصمة .. لا يمكن التعقيب عليه أو حتى مناقشته!!
فإذا عرفت هذا الفارق بين الأخطاء السائدة عند بعض أهل السنة، والأخطاء السائدة عند الشيعة الروافض .. أدركت أنه لا مسوغ مطلقاً لإثارة مثل هذا الاعتراض أو الشبهة سوى ترويج باطل الشيعة الروافض .. والتستر
على جرائمهم وكفرياتهم !!
3- الاعتراض الثالث: قالوا: إذا كان الشيعة الروافض مع أعداء الأمة ضد الأمة .. كما ذكرتم .. كيف نفسر موقف حزب الله الشيعي في لبنان .. المناوئ لدولة الصهاينة اليهود في فلسطين .. ؟!
أقول: موقف حزب الله في لبنان المناوئ لدولة الصهاينة اليهود هو في حقيقته موقف إعلامي دعائي لنشر المذهب الشيعي الرافضي في البلاد ولترويجه بين عوام الناس لا غير، وبرهان ذلك من أوجه:
منها: أن حزب الله صنيعة دولة إيران الرافضية .. يتلقى منها ومن النظام البعثي النصيري السوري ـ الحليف الأكبر لإيران ـ الأوامر والتعليمات .. وما يجب عليه أن يفعله .. وما يجب عليه أن لا يفعله .. بحيث أنه لا يستطيع أن يتجاوز الأوامر وما رسم له!(49/67)
ومعلوم أن إيران لا يهمها في المنطقة سوى تصدير مذهبها الشيعي الضال بين عوام الناس .. وهذه غاية لا بد لها من وسيلة .. فكانت هذه الوسيلة هي حزب الله الشيعي!
كما هو معلوم للجميع موقف سوريا الخائن والمخزي من قضية فلسطين .. وشعب فلسطين .. والتاريخ العريق المحفوف بالعمالة والخيانة .. مما يجعلنا نشكك بغايات ومصداقية هذه الهجمات التي يشنها صنيعتهم حزب الله على الصهاينة اليهود .. ونقلل من أهميتها!!
ومنها: أن دولة إيران الرافضية علمت أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة للشعوب الإسلامية في العالم الإسلامي كله .. وهي لكي تصل بمذهبها الخبيث إلى تلك الشعوب .. وبأقصر وقت ممكن .. كان لا بد لها من أن تأتيه عن طريق القضية الفلسطينية .. فلم تجد لذلك سبيلاً ووسيلة .. إلا تشكيل حزب الله الشيعي في لبنان!
لذلك فهي تغدق عليه من الأموال ما يكفي كميزانية لدولة .. لكي يقوم الحزب بنشاطاته ومهامه الموكلة إليه بقوة وفاعلية!
ولا نتعدى الحقيقة والصواب لو قلنا أن هذا التحالف بين إيران والنظام السوري قائم على أساس عدم تعرض النظام السوري لحزب الله في لبنان .. مقابل منح وتسهيلات اقتصادية معروفة تقدمها إيران لسورية!!
لذا فإن الجيش السوري ـ من قبيل بسط النفوذ والهيمنة ـ لم يدع حزباً أو طائفة في لبنان إلا وتحرَّش بها وقام بضربها .. إلا حزب الله الشيعي المدلل فإنه لم يقترب منه ولا من أحد من عناصره بأي سوء!
ومنها: أن الذي يقوم به حزب الله من عمل عسكري مناوئ .. لا يُسمح لغيره من القوى السنية ـ المتواجدة في المنطقة والمتعطشة للجهاد ـ أن تقوم به .. ولو تجرأ أحد منهم على مهاجمة الصهاينة كما يفعل حزب الله .. لقامت السلطات اللبنانية .. مع القوات السورية المتواجدة في لبنان بإحضاره .. وإنزال أشد العقوبات به!!
فعلام المباح لحزب الله .. محرم على غيره .. وعلام المباح للشيعة الروافض محرم على غيرهم ؟!!(49/68)
الجواب: أن هذه الهجمات الصورية ـ المتفق عليها ـ التي يشنها حزب الله الرافضي ضد الصهاينة اليهود .. هي من لوازم الدعاية للتشيع والرفض التي تقودها إيران .. وبالتالي كان لا بد منها!
وبالفعل قد تحقق للروافض كثير من غاياتهم .. حتى أننا وجدنا صور طاغوت إيران " الخميني " وشعارات التأييد له ولثورته .. مرفوعة ومعلقة في بيوت أهل السنة وأماكنهم .. في فلسطين وغيرها من أمصار المسلمين .. ولما تسألهم عن السبب الذي حملهم على هذا التأييد والإعجاب بالخميني وثورته .. وشعاراته .. يجيبونك على الفور .. أنظر ماذا يفعل حزب الله الشيعي .. أتريد دليلاً وبرهاناً على صدق هذه الطائفة أكثر من حزب الله .. ومن صواريخ حزب الله التي يرمي بها إسرائيل ..؟!!
بل لشدة إعجاب بعض المغفلين من أهل السنة بحزب الله وبطولاته ـ التي يضخمها الإعلام وينفخ فيها ـ وجدنا منهم من يرددون الطعن والسب لمعاوية، وغيره من الصحابة .. وهذا هو مراد القوم منهم ..!
ولا نتعدى الحقيقة لو قلنا أن الدعاية التي حققها حزب الله للتشيع والرفض .. لم يحققها مشائخ وآيات الرافضة خلال مائة عام مضت .. فإذا علمت ذلك أيها القارئ .. أدركت لماذا إيران تضع كل ثقلها ـ المادي والمعنوي ـ لدعم وحماية حزب الله الشيعي في لبنان ..؟!
ومنها: أن الهجمات التي يشنها حزب الله أكثرها صورية .. عديمة الأثر والفاعلية .. وتأتي في مناطق ميتة لم يترتب عليها أية خسارة في صفوف الصهاينة اليهود .. مما يشعرك وكأن الأمر مرتب بين الطرفين!(49/69)
ومنها: أن حزب الله .. صرح أكثر من مرة .. أنه يدين بالطاعة والولاء .. للسلطة المارونية الحاكمة في لبنان .. وأنه يتحرك وفق السياسة التي تمليه عليه الدولة .. ولتي هي بدورها أداة طيعة بيد النظام السوري .. وأنه لن يوقف قتاله ضد إسرائيل إلا بعد تحرير آخر شبر من أرض لبنان .. وهذا يعني أن جهاده ليس جهاداً إسلامياً في سبيل الله .. ويعني كذلك أن القضية الفلسطينية لا تهمه في شيء .. فغاية أمره وهمه أن يُحرر أرض لبنان .. وليس فلسطين .. وينتهي الأمر!
ومنها: أن الشيعة الروافض كانوا بالأمس القريب .. بقيادة أمل الشيعية وغيرها .. يقومون بتقتيل الفلسطينيين وبمحاصرة مخيماتهم في لبنان .. إلى أن اضطروهم إلى أكل القطط والكلاب الداشرة .. والذين قُتلوا من الفلسطينيين على أيدي الشيعة الروافض في لبنان أكثر بكثير من الذين قتلوا
على أيدي الصهاينة اليهود طيلة مدة الانتفاضة الفلسطينية ..!!
ما أسرع ما ينسى المسلمون مآسيهم .. ليتحول قاتلهم بالأمس إلى صديق اليوم ؟!!
كل ذلك يجعلنا نجزم بأن الدور الأساسي لحزب الله الرافضي في لبنان هو أن يصطنع الدعاية الناجحة للتشيع والرفض .. أكثر من كونه مناوئاً بحق لدولة إسرائيل .. أو أنه يريد تحرير فلسطين .. وشعب فلسطين!!
وأن هذه الدعاية الرافضية الضخمة التي تُجيَّر لصالح حزب الله .. هي في حقيقتها دعاية إلى التشيع والرفض .. وسب الصحابة .. وأمهات المؤمنين!!(49/70)
ما من طاغوت من طواغيت الحكم في المنطقة .. إلا وركب موجة القضية الفلسطينية .. وموجة نصرة الشعب الفلسطيني .. ليستعطف إليه الجماهير الضالة .. في مرحلة من المراحل .. ثم ما إن يمضي الوقت القليل .. ويتثبت حكمه .. وتتحقق مآربه .. وتهتف الجماهير الضالة باسمه .. إلا ويتكشف على حقيقته الدالة على أنه من أشد الناس تآمراً وعداوة للقضية الفلسطينية .. والشعب الفلسطيني .. وكان من آخر هؤلاء الطواغيت الذين ركبوا موجة القضية الفلسطينية .. طاغية إيران الخميني .. ومن جاء بعده من طواغيت الحكم في إيران!!
4- الاعتراض الرابع: مفاده أن من مشائخ الشيعة الروافض المعاصرين الذين يظهرون على بعض شاشات التلفاز .. ويتكلمون في بعض وسائل الإعلام .. تراهم يترضون على الشيخين أبي بكر وعمر، وغيرهما من الصحابة .. ويُظهرون نوعاً من التودد للمسلمين .. فكيف نوفق بين ذلك وبين القول بأنهم يطعنون بالصحابة ويكفرونهم ..؟!
أقول: من أصول دين الروافض " التقية "، وأن من لا تقية له لا دين له؛ وهي تعني عندهم إظهار عكس ما يعتقدون ويُبطنون من الكفر، والحقد،
والزندقة[(1)
__________
(1) فإن قيل: التقية قد وردت في القرآن الكريم، وهي مشروعة للمؤمنين، كما في قوله تعالى: { إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً } آل عمران: من الآية28. فعلام ننكر عليهم اعتقادهم وعملهم بالتقية ؟!
أقول: نعم هي مشروعة للمؤمنين عند حصول الإكراه المعتبر، وصفتها: أن يُضمر المرء الإيمان والإسلام، والموالاة لله ولرسوله، وللمؤمنين .. ويُظهر للمشركين والكافرين نوعاً من الموافقة على باطلهم ـ بالقول لا بالفعل ـ تحت ظروف الإكراه والاضطرار .. ليصرف عن نفسه شراً محققاً وأذىً نازلاً .. لا يمكن دفعه إلا بإظهار تلك الموافقة .. كما حصل لعمار بن ياسر، وغيره من الصحابة.
هذه هي التقية الشرعية .. أما التقية كما يفهما ويمارسها أهل التشيع والرفض هي بخلاف ذلك .. وهي عندهم أقرب إلى معنى النفاق والزندقة؛ وهي تعني: إبطان الكفر والإلحاد، والطعن، وإظهار الإسلام والمودة لأهل الإسلام .. وهذا عين النفاق والكفر!
بل هم أشد من المنافقين نفاقاً وكفراً؛ إذ أن المنافق تراه يُبطن الكفر ويُظهر الإسلام عندما يخشى على نفسه من سطوة سيف الحق .. فإذا زال عنه الخوف والسيف أظهر الكفر، وحقيقة باطنه .. بينما أهل التشيع والرفض تراهم يمارسون " النفاق " مع العامة .. ومع صغار المسلمين .. لأتفه الأسباب .. ومن غير خوف ولا سيف .. كوسيلة للتضليل والإغواء .. وترغيب الآخرين بدينهم وباطلهم!(49/71)
]!
لذا تراهم رهبة من جماهير الأمة .. ورغبة باستجلاب المغفلين منهم إلى حظيرة التشيع والرفض .. يتظاهرون ببعض ما ذُكر في السؤال .. فإذا خلا بعضهم إلى بعض عادوا إلى الشتم والطعن، والتكفير!
لذا هم يعتبرون موالاة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ـ هذا البطل المغوار العظيم الذي لا يخشى في الحق لومة لائم ـ للخلفاء الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم أجمعين .. ومبايعته لهم على السمع والطاعة .. وكذلك تزويجه لعمر بن الخطاب من ابنته " أم كلثوم " .. وكذلك مبايعة الحسن بن علي - رضي الله عنه - لمعاوية .. ومبايعة علي بن الحسين ليزيد بن معاوية .. وغيرهم من أئمة آل البيت الذين بايعوا خلفاء، وسلاطين زمانهم .. إنما حصل ذلك كله من باب التقية .. وإظهار خلاف ما يبطنون!!
وهذا معناه أن أئمة آل البيت ـ حجة الله في أرضه .. المعصومين عن الخطأ والزلل .. الذين يعلمون ما كان وما سيكون .. والذين تخضع لولايتهم وسيطرتهم جميع ذرات هذا الكون .. وأن إرادتهم ومشيئتهم لا تُرد .. كما يزعم الشيعة الروافض! ـ كانوا شلة من الجبناء .. قد كتموا الحقّ .. ولم يصدعوا به في وجوه المخالفين لهم .. كما تزعم الرافضة .. وهذا عين الطعن والسبّ والتنقيص لكبار أئمة آل البيت رضي الله عنهم أجمعين .. حاشاهم مما ينسبه إليهم هؤلاء الزنادقة الخبثاء!
قال الخميني حجة الشيعة في هذا العصر وآيتهم، في كتابه كشف الأسرار، ص148: إن كل من له أقل قدرٍ من التعقل يدرك أن حكم التقية من أحكام الإله المؤكدة، فقد جاء أنَّ من لا تقية له لا دين له!(49/72)
وكل من له دراية بالتاريخ يعلم أن الأئمة وأتباعهم الشيعة مروا بظروف قاسية، وأن السلاطين والخلفاء كانوا يُبيدون كل من ينتمي إلى الشيعة، وقد كُلِّفَ الأئمة من قبل النبي والإله بوجوب الحفاظ على أعراض الشيعة وأموالهم، ولذا فإنهم من باب التقية كانوا يصدرون أحياناً أوامر مخالفة لأحكام الله، حتى ينشب الخلاف بين الشيعة أنفسهم لتضليل الآخرين، وتفادياً لوقوعهم في المآزق!
فماذا تقولون إزاء ذلك ؟ هل تقولون: إن على الإنسان أن لا يقوم ـ في مثل هذه الظروف ـ بمخالفة أحكام الإله، فيعرض أرواح الناس وأعراضهم إلى الفناء؟! ا- هـ.
وهو يقول ذلك في معرض تفسيره وتأويله للرواية الرافضية عن زرارة، قال: سألت الإمام عن شيءٍ، فأجابني عليه جواباً. وجاء آخر وسأل عن الشيء نفسه، فأجابه جواباً آخر. وجاء ثالث وسأله عن الشيء ذاته، فأجابه بجوابٍ ثالث. قلت: لقد أجبت الشيعة الثلاثة الذين سألوا عن شيء واحدٍ أجوبة مختلفة؟! قال: حتى ينشب الخلاف فيما بينهم، ولا تظهر لهم الحقيقة! ا- هـ.
هكذا هي التقية عند الروافض فإنها تعني تمييع الحقيقة .. وتمييع الدين .. والكذب على الناس .. وتعليمهم الأحكام الخاطئة .. لتقع الفتن والخلافات فيما بينهم .. والذي يقوم بكل ذلك الشر هم الأئمة المعصومون كما يزعمون .. ألا لعنة الله على الظالمين ؟!!
فإذا عرفت ذلك أيها القارئ بطل العجب .. وعرفت السبب والدافع الذي يحمل بعض مشائخ الشيعة الروافض ـ عبر بعض وسائل الإعلام ـ على الثناء أحياناً على الصحابة .. والتظاهر بنوع تودد للمسلمين!
* * *
ـ خاتمة ـ
كلمة أخيرة لا بد منها نهمس بها في آذان عامة الشيعة الروافض .. الذين أضلتهم الآيات .. والأحبار والرهبان من علماء الرفض والتشيع ..!(49/73)
فنقول لهم صادقين مشفقين ناصحين: عودوا إلى الله .. عودوا إلى دينكم الحق .. عودوا إلى الأمة التي خرجتم عنها وعليها .. عودوا على رشدكم وعقولكم .. فعندها ستجدون الصفح الجميل .. والأخوة والمحبة بدلاً من العداوة والبغضاء التي افتعلتموها .. والتي طال أمدها!
همنا الأكبر كيف نأطركم إلى الحق .. كيف نخرجكم من حظيرة الشرك والجهل والعبودية للعبيد .. لنعود بكم إلى حظيرة الإسلام .. حظيرة الإيمان والتوحيد.
همنا الأكبر كيف ننقذكم من النار وجحيمها .. وندخلكم الجنة ونعيمها .. وليس كيف نفتعل معكم العداوات والثارات!
ووالله لأن يهدي الله منكم رجلاً واحداً خير لنا من حمر النعم .. ولأحب إلينا من الدنيا وما فيها .. لا لشيء سوى أن الله تعالى أنجى نفساً من العذاب .. ومن أوحال الشرك وكدره إلى صفاء التوحيد ونعمته!
موقفنا منكم .. هو موقف الشرع .. لا حظوظ فيه للنفس أو الأهواء .. أو الأحقاد .. لذا لو آثرتم العداء للأمة ودينها .. والوقوف في صفوف الكفرة المجرمين ضد أبناء الأمة الموحدين .. فالملام أنتم لا غيركم .. ولا تلوموا إلا أنفسكم!
أعملوا عقولكم .. وتحرروا من العصبية العمياء لآياتكم .. وأحباركم ورهبانكم .. الذين لا يريدون لكم إلا السوء .. وأن تكونوا عبيداً لأهوائهم وأطماعهم ونزواتهم .. ونطالبكم بأن تقوموا لله مثنى أو فرادى .. وتقفوا ملياً مع قوله تعالى: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } التوبة:31.
كيف تنشدون الوحدة مع المسلمين .. وأنتم تعلنون الحرب على الأمة وعلى دينها ..؟!(49/74)
كيف تنشدون الوحدة .. وأنتم تعلنون الخروج على ثوابت هذا الدين .. وتلعنون أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. خيار هذه الأمة .. ونقلت الشريعة والدين ؟!
تطالبونا بأن نشتم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونبغضهم .. وأن ندخل في موالاة بعض أهل البيت ـ وليس كلهم ـ وأن نغالي في حبهم .. كغلو النصارى في عيسى - عليه السلام - وأشد .. ونحن نطالبكم بحب وموالاة جميع الصحابة وأهل البيت .. من غير غلوّ ولا إجحاف .. فأي الدعوتين أقرب للحق .. وأولى بأن تُستجاب ؟!
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا .. وتبرأوا من طواغيتكم وأحباركم .. قبل أن يتبرأوا منكم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليمٍ من الشرك .. ومن الضغائن والأحقاد على عباد الله المؤمنين .. ويقع الندم ولات حين مندم!
قال تعالى: { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ . وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } البقرة:167.
هذا الذي نريده لكم .. وندعو الله تعالى مخلصين بأن يهديكم إليه .. {
إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
} هود: من الآية88.
وصلى الله على محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلّم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
25 جمادى الأولى/1423 هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
3/8/2002 م. أبو بصير
www.abubaseer.com
...
* * *
الفهرس(49/75)
الموضوع الصفحة
مقدمة ..................................................... 5
حكم الشيعة الروافض ..................................... 7
كفرهم من جهة قولهم بتحريف القرآن ..................... 7
1- تحريف في التأويل والتفسير ............................ 7
2- قولهم بتحريف التنزيل صراحة ......................... 12
كفرهم من جهة قولهم بقرآن فاطمة، ونزول الوحي عليها ... 19
كفرهم من جهة غلوهم في الأئمة، والقول بعصمتهم ........ 22
كفرهم من جهة تكفيرهم للصحابة، وعامة المسلمين ........ 34
كفرهم من جهة إنكارهم للسنة وجحودهم لها ............. 48
كفرهم من جهة مظاهرتهم لأعداء الأمة من الكفرة والمشركين
على أبناء الأمة من المسلمين الموحدين ..................... 54
كفرهم من جهة وقوعهم في الشرك وتوجههم بالعبادة والدعاء
للمخلوق ............................................... 60
خلاصة القول فيهم ..................................... 63
أقوال بعض أهل العلم في الشيعة الروافض ............... 65
اعتراضات ............................................. 68
الاعتراض الأول: أنهم يقولون لا إله إلا الله .............. 68
الاعتراض الثاني: استدلالهم بواقع أهل السنة ............ 69
الاعتراض الثالث: أن حزب الله الرافضي في لبنان يقاتل
الصهاينة اليهود في فلسطين ............................ 71(49/76)
الموضوع الصفحة
الاعتراض الرابع: ثناء بعضهم على الصحابة علناً .......... 74
خاتمة .................................................... 78
الفهرس ................................................. 81
موقع فيصل نور(49/77)
الشيعة العرب.. المسلمون المنسيون
مقدم الحلقة:
خالد الحروب
ضيوف الحلقة:
د. عبد الوهاب الأفندي: جامعة ويستمنسر - لندن
وليد أبي مرشد: جريدة
تاريخ الحلقة:
10/02/2002
- حقيقة اضطهاد الشيعة العرب
- علاقة ظهور الشيعة بين الانفتاح السياسي والاضطهاد المذهبي
- حقيقة مراجع التقليد العربية الشيعية وعلاقتها بالانتماء والولاء العربي
عبد الوهاب الأفندي
وليد أبي مرشد
خالد الحروب
خالد الحروب: أعزائي المشاهدين أهلاً ومرحبًا بكم إلى هذه الحلقة من برنامجكم (الكتاب). جليسنا هذا اليوم كتاب مثير، وهو بعنوان ( الشيعة العرب المسلمون المنسيون) وهو من تأليف باحثين اثنين، هما ( غرهام فولر) من مؤسسة إيراند الأميركية، والباحثة الأميركية العراقية ( رند رحيم فرانكي). معي في الأستوديو لمناقشة هذا الكتاب، الدكتور عبد الوهاب الأفندي ( من مركز أبحاث الديمقراطية جامعة وستمنستر)، فأهلاً وسهلاً به، وكذلك الباحث والكاتب ( وليد أبي مرشد ( من جريدة الشرق الأوسط في لندن) فأهلاً وسهلاً بك.
وليد أبي مرشد: أهلاً
خالد الحروب: أعزائي المشاهدين قبل أن نبدأ بمناقشة هذا الكتاب المثير، مع ضيوفنا الأعزاء دعونا نتابع معًا هذا التقرير.(50/1)
الشيعة العرب قضية مسكوت عنها، البعض يقول: إنها قضية متفجرة والرأي العام العربي لا يحبذ النقاش فيها، والسبب في ذلك هو أن الشيعة العرب مضطهدون، وحقوقهم منقوصة، ويعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، والبعض الآخر يشكك في ولاء الشيعة العرب، ويقول: إن ولاءهم هو لدول غير عربية، إيران تحديدًا، ويقول: إن إثارة هذا الموضوع تقف خلفه أهداف مشبوهة، ومتعلقة بمراكز أبحاث غربية تُّسلط الضوء على ما يفرق العرب، ويبعث النعرات الطائفية بينهم، وعن هذه القضية صدر مؤخرًا عن دار ( ماك ميلان ) للنشر في بريطانيا، كتاب للباحثة العراقية الأميركية ( رند رحيم فرانكي ) والباحث الأميركي ( غرهام فولر ) الكتاب بعنوان "الشيعة العرب المسلمون المنسيون) ولكن ما هى دوافع الباحثين من وراء إصدار هذا الكتاب؟
غرهام فولر ( مؤلف كتاب الشيعة العرب ): كان إهتمامي أصلاً بالشيعة في العراق، لأن كثيرًا من الناس بما فيهم عراقيون سنة قالوا لي: إنه لا يمكن أن تقوم ديمقراطية هناك، لأن الوضع برمته سوف ينقلب رأسًا على عقب، ويصبح الشيعة هم المسيطرون، ولهذا فإن الديمقراطية هي حل مستحيل تقريبًا، وقد أردت أن أفهم ما هو أصل المشكلة بين الشيعة والسنة، هل هو أصل تاريخي، أم أنه أصل معاصر؟ وما هى المعاناة التى يواجهها الشيعة اليوم، ؟ وما هي مشكلات العملية، والحلول العملية أيضًا، لإزالة التوتر في العديد من الدول العربية؟
خالد الحروب: غير أن قضية الشيعة العرب ليست مقصورة على العراق، إذ أن هناك شيعة كثيرون موجودين في عدد من البلدان العربية، فهل ينطبق عليهم نفس التحليل؟(50/2)
غرهام فولر: في الكتاب قلنا بوضوح إنه من الدول الخمس المهمة التى فيها شيعة عرب، لبنان، العراق، البحرين، السعودية، والكويت، على الأقل هناك بلدان كانا ناجحين، هما الكويت ولبنان، فقد أعطيا الشيعة من خلال الديمقراطية والانفتاح السياسي فرصة لتطوير صوت لهم هدأ الوضع بشكل كبير، ولم تعد هناك مشكلة إرهاب مرتبطة بالشيعة في هذه الدول، ولكن في العراق والسعودية والبحرين فإن الوضع خطير للغاية، وعليّ أن أقول: إنني مسرور أنه في الشهور الأخيرة، هناك في البحرين تغير سياسي مهم، وذلك بفضل سياسة الشيخ حمد، التي بالنسبة لي قد تكون إشارة على تغير أوسع في العالم العربي.
خالد الحروب: لكن ماذا عن الاتهام المتكرر للشيعة العرب بأنهم موالون لإيران بالدرجة الأولى، وأن ولائهم لبلدانهم الأصلية يأتي في المقام الثاني؟
غرهام فولر: إحدى المسائل التى أردنا أن نعالجها في هذا الكتاب، هي قضية إلى من يعطي الشيعة ولاءهم؟ وقد سمعنا هذه الاتهامات من أن كل الشيعة عملاء لإيران، وأنهم يتوجهون نحو إيران بولائهم وهويتهم، وأنا أعتقد أن هذا صحيح على الإطلاق، فالشيعة في العراق موجودون هناك، ومستقرون منذ فترات طويلة، بل وقبل وصول بعض القبائل السنية، وأعتقد أنهم فخورون بكونهم عربًا، لكن عندما توجد ظروف قاهرة واضطهاد وتمييز ضد أقلية ما، فإن هذه الأقلية تنظر إلى الخراج بحثًا عن منقذ، ومع وجود إيران في الجوار فإنها كانت جاهزة للعب هذا الدور.
حقيقة اضطهاد الشيعة العرب
خالد الحروب: دكتور عبد الوهاب قرأت الكتاب، رأيت ما يقول الباحثان أنه الشيعة العرب هم مواطنون من الدرجة الثانية مضطهدون من قبل الأغلبية السنية ويعانون من أوضاع يجب أن يتم الحديث عنها وتحسينها، هل الشيعة العرب مواطنون من الدرجة الثانية؟(50/3)
عبد الوهاب الأفندي: هناك طبعًا كما ذكر الكتاب يعني الاعتقاد بأنه هناك حالة اسمها الشيعة العرب تحتاج إلى تساؤل، لأن هو كما ذكر الشيعة هناك الشيعة في الكويت، الشيعة في الإمارات، الشيعة في السعودية، كل حالة منهم لها أوضاع مختلفة، ولكن هذا تناول جديد أن يتناول الإنسان قضية الشيعة العرب بهذه الطريقة... هي.. هو تناول جديد
خالد الحروب: بالمناسبة هل هناك شيعة في السودان؟
عبد الوهاب الأفندي: لأ،
خالد الحروب: مفيش
د.عبد الوهاب الأفندي: يعني هناك أصوات الآن من أشخاص موالين لإيران ولكن لا أعتقد الشيعة بالمعني.. لا.. لا يوجد شيعة، الشيعة فعلاً عندهم مشكلة هي ليست مشكلة خاصة بالشيعة قد تكون خاصة بالشيعة، ولكن خاصة بالمواطن العربي والأقليات عمومًا في العالم العربي، هو في بعض البلدان التي يتحدث عنها قد يكون مثلاً الأغلبية السنية أو الأقلية السنية مضطهده مثلها مثل.. الشيعة
خالد الحروب: مثل الأقلية السنية
د.عبد الوهاب الأفندي: مثل الشيعية ولكن.. الموضوع الوجود هو ليست الدولة فقط، يعني هناك -خاصة في دول الخليج- إنقسام في داخل المجتمع نفسه بين الشيعة والسنة، أحيانًا كما حدث مثلاً في السعودية الأقلية الشيعية أصبحت الآن ترى أن هناك خطر أكبر من الأغلبية السنية خاصة الجزء الإسلامي منها مما هو الدولة ولهذا حسمت أمرها وتعاملت مع الدولة ووقعت الآن لاتفاق أو وصلت اتفاق مع الدولة.(50/4)
خالد الحروب: دعني أنتقل إلى الأستاذ وليد، أستاذ وليد يعني طرح هذه الموضوعات ومناقشتها وكما تعلم هذه موضوعات حساسة يعني لم نعد.. لم نتعود التعامل معها، ألا تعتقد إنه حان الوقت حتى نتعامل معها يعني تحت الضوء وتحت الشمس من ناحية كما فعل الباحثان؟ يعني بغض النظر والآن.. سنناقش يعني الغايات أو أيَّة أهداف مثلاً الباحثين وراء هذا الكتاب، لكن قضية مثل قضية الشيعة العرب موجودين بأغلبيات في بعض البلدان العربية وبأقليات كبرى في بلدان أخرى، أي.. إلى أين.. إلى أي مدى يمكن أن نناقش هذه الموضوعات ونصل فيها فعلاً إلى حلول في ظل الوضع اللاديمقراطي الذى تعيشه بلداننا جميعًا؟
وليد أبي مرشد: الواقع هذه هى المشكلة أن هناك قيود على حرية الفكر والحوار والتعامل بحرية وحتى بموضوعية مع بعض القضايا الحساسة بالنسبة للأنظمة أو معظم الأنظمة العربية، ولكن أنا مع هذا الحوار، ومعه ولكن بتأني وبهدوء لأن المواضيع.
خالد الحروب: بدون إثارة، نعم.
وليد أبي مرشد: الطائفية حساسة جدًا في البلاد العربية، وأنا بصفتي لبناني أعرف أن اللبنان يعيش على خطوط تماس طائفية لا.. لا يجوز أن تتكلم بلغة معينة.. إلا.. ما لم تراعي الحساسيات ا لمقابلة، ولكن إذا أردنا الأستطراد أنا لا أعتقد أن هناك حالة شيعية عربية ككل يمكن أن أتحدث عنها بشكل(monolitic) متجانس، هناك شيعة عرب وشيعة موزعون على عدة دول عربية وأوضاعهم تختلف من دولة إلى دولة، فهناك دول وذكرها المؤلف مثل لبنان والكويت حصل فيهم شيعة على مزيد من الإندماج بالمجتمع، وبالتالي حصلوا على حقوق سياسية أكثر عِبْرَ نظام تمثيلي سمِّه ديمقراطي، ولكنني أراه نظام حصص نيابية.. مثلاً.
خالد الحروب: يعني قدر ما من الإنفتاح السياسي يعني إذا حتى إذا ما أردنا
وليد أبي مرشد: مشكور الكويت ولبنان على ذلك.
خالد الحروب: أيوه طبعًا.(50/5)
وليد أبي مرشد: لأنه هذه الديمقراطية التى يمكن أن نحتويها في الوقت الحاضر، وهناك دول لا تزال.. لا تزال الأقلية أو حتى الأكثرية الشيعية فيها.. لا أقول مضهدة، ولكن مُبعدة عن مواقع الحكم، وهنا -كما ذكرت في حديثي معك قبل أن نأتي إلى هنا- أُحمِّل ا لمؤسسة.. المؤسسة الحاكمة السنية وأُحمل المفهوم الشيعي للتعامل مع الحكم، المسؤولية سواسية فالإسلام بمعناه السُّني بأرثوذكسيته السنية هو دين مؤسسة، وبالفعل انطلق الإسلام.. الإسلام والفتوحات الإسلامية انطلقت كمؤسسة سنية، خرجت عن الحكم.
خالد الحروب: مؤسسة الحكم سنية والمفهوم الشيعي اللي تفضلت عنه مفهوم ضد الحكم، ضد مؤسسة الحكم يعني بسبب
وليد أبي مرشد: المفهوم الشيعي الذي يعتبر أن لا عدل في هذه الدنيا في غياب الإمام.
خالد الحروب: الإمام
وليد أبي مرشد: وينتظر عودة الإمام المنتظر، هذا المفهوم جعل معظم الشيعة، أو معظم المتدينين، أو الجماعة الدينية في الشيعة تُضمر سلبيةً – لن أقول عداءً – سلبيةً للحكم، والحكم كان سُنيًا في المعظم.. في كل هذه الأمور
خالد الحروب: هذه نقطة مهمة، يعني دكتور عبد الوهاب الذي يقوله الأستاذ وليد إنه الشيعة العرب ليسوا مضطهدين من الأغلبية السنية كما صور الكتاب تقريبًا، والمسؤولية ليست فقط على عاتق السنة الأغلبية، هناك مشكلة في.. في طبيعة النظرة الشيعية، نفسها إلى التعامل مع النظام الحاكم، إنه أي نظام حاكم هو نظام جائر بالتعريف ما لم يأتِ الإمام الغائب ويحكم.(50/6)
د.عبد الوهاب الأفندي: لا، هو هذا ليس صحيحًا في نظري يعني، هو الكتاب ركَّز بالطبع على الشيعة الاثنى عشرية واستثني –كما قال- الزيدية والإسماعيلية وغيرهم، وبالتالي فهؤلاء كلهم يعني يؤمنون بنظرية الإمام الغايب وكما قلت، لكن لم يكن هذه هي القضية، القضية كانت بالنسبة لهؤلاء الشيعة مثلاً في.. بالذات في السعودية أوفي العراق هو يعني اضطهاد من.. من قِبَل الحكم وأحيانًا عداء من قبل السنة، وأشياء مثلاً تتعلق بممارسة عقائدهم، مشاركتهم في الحكم، يعني مثلاً في.. في العراق كان هناك.. في أول الأمر لم يكن هناك مثل هذا الانفصام بين الشيعة والسنة، يعني كثيرون لا يعرفون إن عبد الكريم قاسم كان شيعي، لأنه كان هناك نوع من الاندماج في ذلك الوقت، لكن حصل بعد ذلك فرز بسبب جعل الطائفية والكتاب ركَّز على هذا، يعني الكتاب..
خالد الحروب[مقاطعًا]: لكن المؤسسة.. المؤسسة الدينية الشيعية نفسها مثلاً في العراق على سبيل المثال يعني كان عندها موقف متحفظ من الانخراط في الحكم والجيش وغيرها باعتباره هذا حكم يعني حكم غير.. ليس حكم.. حكم العدل سلطوي.. حكم سلطوي
خالد الحروب: لأ، هذا.. لأ، هذا.. هذا حصل بعد يعني مثلاً في العهد الملكي ما كان يوجد هذا الانفصام، هو الشيعة أصلاً عمومًا كان لهم موقف سلبي عمومًا من الحكم ومن.. لكن حتى مثلاً في إيران اللي هي.. يعني مهد الشيعة في أيام الشاه كانت المؤسسة الدينية لها نوع من التعامل مع الحكم مع مؤسسة الحكم، يعني ما حصل هذا الفرز أيضًا في إيران إلا بعد ما جاء الخُميني في .. في الستينات
خالد الحروب: وجاء بفكرته الاعتقادية
د.عبد الوهاب الأفندي: لا كان فيه تعايش.(50/7)
خالد الحروب: أستاذ.. أستاذ وليد، يعني يطرح المؤلفان بقوة موضوعات الديمقراطية والتمثيل الشعببي وضرورة الاحتكام لهذا التمثيل مهما كانت النتيجة، الآن السؤال المطروح عربيًا: إذا كان الشيعة يشكلون الأغلبية في بلد ( س ) أو ( ص) حتى لا نُسمي وفازت.. وأجرينا انتخابات ديمقراطية وفازت الأغلبية، الآن أليس من العدل والإنصاف أن.. أن يأول الحكم إذا إلى الغالبية مهما كانت طائفتها، مهما كان دينها، أو إثنيتها أيضًا؟
وليد أبي مرشد: هذا هو المفهوم الديمقراطي المطلق، ولكن إذا سمينا بعض الدول، مثلاً أنا أخالف المؤلف في رأيه بأن الديمقراطية في العراق قد تُعطي الأكثرية للشيعة مع.. مع كونهم أكثرية بين العرب، لأنه إذاً حسبنا الأكراد والتُركمان مع – ومعظمهم من السنة – مع العرب يبقى التوازن موجود بين السنة والشيعة وربما رجح وزن السنة هنا.
علاقة ظهور الشيعة بين الانفتاح السياسي والاضطهاد المذهبي
خالد الحروب: إذًا هو.. هو إذا أخذنا أيضًا بعين الاعتبار التحسُّن أو قدر الانفتاح السياسي الذي مثلاً حدث في البحرين كما أشار المؤلف أيضًا في.. في التقرير الذى شاهدناه، وهو أشار أيضًا في لبنان وفي حالات لبنان والكويت الذي ذكرتها، كأنه هناك علاقة يعني رياضية بين التحسن والانفتاح السياسي من ناحية، وبين يعني انحصار، فلنقل الاضطهاد الذي يتحدث عنه المؤلفان، عن .. عن.. عن الشيعة، يعني هي علاقة اعطيني انفتاح سياسى ينتهي الاضطهاد وعن الشيعة، ما رأيك دكتور عبد الوهاب؟
د.عبد الوهاب الأفندي: هو إلى حد ما طبعًا صحيح، ولكن يعني الديمقراطية نفسها هي ليست فقط يعني تصويت الأغلبية أو كذا، لأنه حتى لو قلنا مثلاً أنه في الدول التى أغلبتها سنة ويوجد بالنسبة للشيعة فيها مشاكل، وهذه المشاكل كما مثلاً ذكرت في قضية السعودية، قد تزداد إذا جاءت..
خالد الحروب: بسبب حكم الأغلبية(50/8)
د.عبد الوهاب الأفندي: إذا جاء.. بسبب حكم الأغلبية، إذاً جاءت الديمقراطية مثلاً وسُمح للشعور الشعبي وللعلماء مثلاً السعوديين الذين لهم يعنى سلطة على الجماهير أن يقولوا آراءهم بعض آراءهم متشددة في الشيعة وإنه لا يجب أن لا يسمع لهم حتى بالعبادة وبمساجدهم وكذا، يعني هناك تخوف، فإذا الديمقراطية الحقيقية هي التي يكون فيها توازن، بحيث إنه حتى لو جاء الشيعة مثلاً أغلبية إلى العراق أو إلى البحرين يجب ألا يكون هذا على حساب الحقوق الأقلية.
خالد الحروب: أي نعم، يعني نختار بحكم الأغلبية، لكن في نفس الوقت ليس اضطهاد حقوق الأقلية لأنه في أقليات كبيرة.
د.عبد الوهاب الأفندي: في نفس الوقت ممكن ممكن
خالد الحروب: طيب أستاذ وليد إذا إذا بيركز المؤلفان بشكل كبير على قضية ولاء الشيعة العرب، هل ولاء الشيعة العرب لبلدانهم، لحكوماتهم، للأوطان التى يعيشون فيها، أم كما تقول التهمة الشائعة جدًا: أن ولاء هم هو خارج.. إلى خارج الحدود إلى إيران، وأنه هذه نقطة ضعف يعني كعيب (…) الشيعة العرب اللى هو علاقتهم مع إيران.. كيف نحرر هذه العلاقة؟ ما هي طبيعة العلاقة؟ وأين ولاء الشيعة العرب بالضبط يكمن؟
وليد أبي مرشد: والله إذاً.. إذا تابعنا الأحداث منذ قيام الدول العربية خاصة بعد الحرب العالمية الثانية أجد أن هذه التهمة مجحفة جدًا بحق الشيعة
خالد الحروب: مجحفة جدًا(50/9)
وليد أبي مرشد: مجحفة جدًا، في لبنان.. شيعة لبنان يحاربون في المقاومة يحاربون إسرائيل وهي بالنتيجة قضية سنية، أي يتحملون هم القضية السنية في جنوب لبنان، في الكويت إبان الغزو العراقي أكد الشيعة الكويتيين أن ولاءهم للكويت قبل أى جهة أخرى، إبان الحرب الإيرانية العراقية فشلت محاولات إيران لتأليب شيعة العراق على .. على العراق باستثناء طبعًا حزب الدعوة وماله من تجزرات هنا وهناك، فالاتهام الشيعة بإزدواجية الولاء إتهام باطل حتى على الصعيد الديني نري أن مراجع الشيعة العرب مراجع محلية المرجعية الدينية مثلاً عندنا في لبنان المرجع الشيعي الرئيسي والأول هو الشيخ محمد حسين فضل الله، في العراق هو الشيخ
خالد الحروب: أستاذ وليد يعني مثلاً ممكن بعض الناس يقول لك يعني في إنتفاضة الواحد وتسعين في الجنوب الناس رفعوا صور الخميني، يعني الشيعة العراقيين رفعوا صور الخميني وهذا كان يعني دليل كبير دامع على نوعية وطبيعة الولاء.
وليد أبي مرشد: طبعًا هذا كان بتحريك كما نعرف من حزب الدعوة وكما نعرف أيضًا حزب الدعوة الذي كانت آنذاك كانت قواعده في إيران فلَّتته إيران مررته عبر الحدود لي.. إلى جنوب العراق ليحرك
خالد الحروب: طيب دكتور عبد الوهاب لو اسألك، يعني ما المشكلة في العلاقة مع إيران؟ إيران بلد إسلامي وبلد شيعي وفيه مرجعيات دينية وفيه إنشداد عاطفي وروحي من قبل مثلاً شيعة ممكن يكونوا في الباكستان تجاه إيران.
د.عبد الوهاب الأفندي: هو هذا فيه أكثر من نقطة، هو النقطة الأولي يعني ما ذكرتها أنت وما هي يعني ما هي المشكل في أن يكون فيه ولاء لإيران أو غيره إذا كان مثلاً هذه بلد إسلامي وصديق مثلاً؟ معروف أنه حزب الله في لبنان موالي لإيران.
خالد الحروب: يعني شو طبيعة الولاء؟ يعني ولاء سياسي أم ولاء عاطفي يجب أن نفرق(50/10)
د.عبد الوهاب الأفندي: ولاء عقائدي ولا حتى يعني إرتباط تمويل معروف يعني هذا، وصور الخميني بترفع في.. يعني وحزب الله مثلاً يختلف على مثلاً أمل التي هي برضو منظمة شيعية وأكبر، ولكنها ليست بنفس القدر من الولاء لإيران، هذا موقف سياسي هو في النهاية موقف سياسي لحزب لبناني، هذا حزب لبناني يؤيد سياسات إيرانية أو غيرها، لكن.. لا تشكل هذه مشكلة إلا إذا كان مثلاً الموضوع كما حدث في العراق أو في دول..
خالد الحروب: إذا حدث تصادم يعني بين هذا الولاء الخارجي.
د.عبد الوهاب الأفندي: أوفي .. أوفي دول الخليج أيوه، أنه الحكومة اللي في البلد أدت إلى حرب، أو قادت حرب أو صدام مهم، هنا السؤال هو: هل هذه الحكومة هي أيضًا تمثل الشعب ولها الحق في أنها كانت تخوض هذه الحرب ضد البلد المسلم الجار، أو تدخل في عداء معه؟ هذه نقطة، النقطة الثانية، كما ذكر الأستاذ وليد: يعني الـ هو الحديث، إن إحنا ذكرنا الحديث عن حالة شيعية عربية حاول الكتاب يتكلم عنها، هناك حالة شيعية خليجية، إلى حد ما، يعني ممكن تقول أنه
خالد الحروب: التي يتحدث عنه بتوسع في الكتاب
د.عبد الوهاب الأفندي: بتوسع، أنه إلى حد ما كان هناك في وقت ما، كما تقول يعني تقارب بين الشيعة في الخليج ووحده المشاعر، باعتبار أنه الخليج نفسه أيضًا يكاد يكون فيه وحدة حتى بين
خالد الحروب: كتلة جغرافية
د.عبد الوهاب الأفندي: ككتلة جغرافية و ( Socio ) اجتماعية سياسية اقتصادية متشابهة، لكن حتى في هذا الإطار، ظهر بسرعة أنه القومية يعنى أصبحت.. أصبحت أقوى، يعنى الكويتين الآن.
حقيقة مراجع التقليد العربية الشيعية وعلاقتها بالانتماء والولاء العربي(50/11)
خالد الحروب: طيب دكتور عبد الوهاب هذا يعنى ما يتعلق بهذا الموضوع، وحايب اسمع من الأستاذ وليد، اللي هي قضية المراجع التقليد يعني ليس.. ليس هناك مراجع تقليد كما يذكر الكتاب، بحق، يعني المؤلفان يضعان يدهم على نقطة مهمة إنه ليس هناك مراجع تقليد عربية شيعية قوية بحيث حتى يكون الانتماء العاطفي والولاء والتقليد عربي عربي، ولا يبحث عن مراجع تقليد خارج الحدود العربية، ما رأيك يا أستاذ وليد؟
وليد أبي مرشد: هنا يا أستاذ أنا ألوم النظام العراقي الذي ضيق الخناق على النجف، فجعل أكثر علماء النجف يفرون إلى.. إلى إيران، ضرب المرجعية العربية بهذه العملية، ولكن لا تزال هناك مرجعية عربية شيعية قوية، ذكرت إحسان فضل الله في لبنان، محمد سجستاني في العراق، شيعة بباكستان
خالد الحروب: يعني مع أن.. مع إن آيات الله عربية يعني بنفس الثقل والوزن الآسر للعاطفة، طب على كل حال، كان فيه.. فيه أيضًا محور مهم وهو بيتحدثوا الباحثين عن موضوعة الشيعة العرب العلمانيين إنه الشيعة العرب المتدينين عندهم ولاء لمرجعيات، وعندهم أُطُر مثلاً دينية أو سياسية كذا يشتغلون من خلالها، لكن هناك الشيعة العرب العلمانيين الذين من ناحية لا يشعرون بدفء هذا الإطار الديني ولا التعريف الديني، ومن ناحية أخرى تنظر لهم الأغلبية السنية من منظور ديني على أنهم شيعة فلا هُم.. لا هُم يعني مع هؤلاء ولا مع أولئك، ما رأيك يا دكتور عبد الوهاب؟
د.عبد الوهاب الأفندي: هو الكتاب طبعًا أفاض في موضوع الهوية الشيعية، وذكر أنه يعني هذه الهوية تكاد تكون أشبه بهوية عرقية أكثر منها يعني أكثر منها دينية، ولكن العامل الديني فيها مهم، وذكر نقطة أخرى مهمة أيضًا أنه التصنيف أو صبغ هذه الهوية أحيانًا يحصل من.. من المؤسسة السُّنية أو من الحكومة يعني أنت شيعي حتى لو أردت ألا تكون شيعي، يعني لو أنت أردت تكون علماني.. أردت تكون..
خالد الحروب: فأنت شيعي بالتعريف(50/12)
د.عبد الوهاب الأفندي: يعني فيه.. مثلاً فيه شيعة انخرطوا في الأحزاب القومية والأحزاب اليسارية والأحزاب الليبرالية، وكانوا يريدوا أنه يكون هويتهم هي مثلاً هذه الهوية، لا يريدوا أن يوصفوا، ولكن مهما كان أنت هويتك، إذا رايت مثلاً المجموعة التي أنت تأتي منها يعني تُضطهد
خالد الحروب: تضطهد مثلاً أو
د.عبد الوهاب الأفندي: فييكون فيه شعور يعني حاصل هذا بالنسبة لليهود
خالد الحروب: طب أسمع تعليق الأستاذ وليد حتى ننتقل إلى النقطة الأخيرة في.. في البرنامج حول.. حول مشكلة هؤلاء الشيعة العرب كما يطرحها المؤلفان، هل هي.. الشيعة العرب العلمانيين.. هل هي مشكلة حقيقية أم مفتعلة؟
وليد أبي مرشد: والله المشكلة كما ذكرت بالفعل هؤلاء هم الشيعة الضائعون
خالد الحروب: الضحايا
وليد أبي مرشد: الضحايا، ولكن يجب أن نضع مشكلتهم ضمن المشكلة الإسلامية الكبرى، هناك بعث أصولي في العالم الإسلامي راح ضحيته السُّنة والشيعة معًا، قبل ذلك إذا أخذنا لبنان مثلاً.
خالد الحروب: إحنا حتى نظل في يعني لأنه ما بقي معنا إلا إنه نناقش قضية واحدة ونبقي في موضوع الكتاب في.. في قضية تقديم توصيات لصُنَّاع القرار في الغرب -هذه وباختصار شديد آخر نقطة- كيف ترى.. كيف تقرأ دكتور عبد الوهاب هذه التوصيات التي قدمها المؤلفان إلى صُنَّاع القرار في الغرب تجاه الأقليات الدينية في العالم العربي؟
د.عبد الوهاب الأفندي: والله من ناحية
خالد الحروب: بإيجاز لو سمحت(50/13)
د.عبد الوهاب الأفندي: من ناحية عامة أعتقد أنها يعني سليمة والمفروض كان أيضًا تُوضع بالنسبة لصُنَّاع القرار العرب، لأنه هذه يعني هي تدعو للديمقراطية وتدعو أميركا لأنها تنظر إلى مصلحة الشعوب ومصلحة الجماعات قبل أن تنظر إلى مصالحها أو في أثناء النظر إلى مصالحها، بعض الناس كما ذكرت قد يقولوا: إن هذه مؤامرة ونظرية المؤامرة، لكن أنا يعني آلية صُنع القرار والبحث في.. في الولايات المتحدة والغرب لها آليات محددة، يعني أنت تطرح.. يعني هو..
خالد الحروب[مقاطعاً]: أي نعم خليني اسمع الأستاذ وليد، لأنه انتهينا من البرنامج.
وليد أبي مرشد: بالخطوط العريضة أنا موافق مع الدكتور ما يطالب به الحقيقة المؤلف هو: أن تُطوِّر الأنظمة العربية نفسها كي تحتوي الأقليات أو الأكثريات الشيعية في. في وسطها، ولكن..
خالد الحروب: شكرًا.. شكرًا.. شكرًا جزيلاً، يعني لم يبق لدينا إلا أن نشكر الأعزاء المشاهدين على متابعتهم لجليس هذا اليوم الذي كان كتاب " الشيعة العرب.. المسلمون المنسيون " من تأليف ( جراهام فولر ) و ( راند رحيم فرانكي )، وأشكر ضيوفنا الدكتور عبد الوهاب الأفندي والباحث وليد أبي المرشد من ( جريدة الشرق الأوسط ) وأعزائي المشاهدين، إلى اللقاء في حلقةٍ قادمة، تحيات خالد الحروب وفريق البرنامج، وإلى لقاء.(50/14)
الشيعة في العراق بين الدين والسياسة
Aug 10, 2003
Sotaliraq.comأعادت المتغيرات الأخيرة في العراق الضوء إلى طائفة الشيعة التي تشير التقديرات إلى أنها تشكل ما بين 55 إلى 60 في المئة من مجموع السكان المسلمين، وتسود جنوب البلاد والفرات الأوسط مع انتشار متباين في بغداد ومناطق أخرى شمالها.
وغاب عن الذهن في أحيان كثيرة أن الشيعة، كسكان، ليسوا حركة سياسية متجانسة أو شبه متجانسة، فهم كغيرهم من الطوائف والأديان موزعون بين فئات وطبقات وتوجهات وانتماءات مختلفة.
كما لا يعني مجرد الانتماء إلى الطائفة الشيعية أو غيرها مؤشرا إلى هوية سياسية محددة، ولم يكن الدور السياسي الذي اضطلع فيه الشيعة في تاريخ العراق الحديث ذا جذر طائفي بحت بقدر ما هو دور وطني عام غير منعزل عن نشاط الطوائف والملل الأخرى.
إلا أن الإسلام الشيعي، في إطاره العام، اصطبغ بصبغة سياسية بسبب الأحداث التي أحاطت بنشأته والمسار الذي اتخذته تلك الأحداث في الفترات اللاحقة من تاريخ الدولة الإسلامية. وفي حالة العراق ينضاف عامل الحيف الذي وقع على الطائفة الشيعية في أعقاب بناء الدولة الحديثة.
تاريخ التشيع
في حين أن تاريخ بدء التشيع أمر مختلف عليه بين المؤرخين والفقهاء، إلا أنهم يتفقون على أن الجزيرة العربية هي مكان انطلاقه.
وهناك من الفقهاء من يرجع التشيع إلى عهد الرسول محمد (ص)، ويرون أنه نشأ على يد صحابة دعوا إلى إمامة علي بن أبي طالب، ويقولون إن بعض قبائل العرب التي شايعت الإمام علي وصلت إلى العراق أيام الفتوحات الإسلامية واستوطنت في المناطق المحاذية للكوفة.
لكن أغلبهم يرجع التشيع إلى فترة خلافة علي والأحداث التي رافقتها وتلتها. وثمة من ينسب انتشار التشيع في جنوب العراق ووسطه إلى فترات تاريخية أقرب قد تصل لدى بعضهم إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر.
أما في إيران فقد اتسع نطاق التشيع أيام الدولة الصفوية في القرن(51/1)
السادس عشر الميلادي، بعد أن كان محصورا في مناطق محددة.
الشيعة والعراق
للوجود الشيعي ارتباط عضوي بالعراق ، بسبب أن الأحداث الجسيمة التي كونت تاريخه وبلورت هوية أتباعه وقعت على هذه الأرض. لكن لهذا الوجود امتدادات في دول أخرى وخصوصا إيران التي شكلت فيها مدينة قم مركزا رديفا للنجف العراقية وبديلا عنها في ظروف معينة.
وبقدر تعلق الأمر بواقعة كربلاء فإنها تمثل منعطفا هاما في تحديد المنحى الذي سارت عليه طقوس الطائفة الشيعية التي اتخذت طابعا فجائعيا. وتمارس لا كل عام فحسب بل في معظم المناسبات الدينية التاريخية، مما أسهم، إلى حد كبير، في تشكيل هوية الطائفة.
ويروي المؤرخون أن الإمام الحسين توجه مع رهط من صحبه وأهله إلى الكوفة قادما من الحجاز عام 680 للميلاد للمطالبة باستعادة الخلافة، التي تولاها يزيد بن معاوية بعد وفاة أبيه.
ووجد الحسين نفسه مجردا إلا من نفر قليل من أنصاره في مواجهة قوة منظمة يقودها والي يزيد في البصرة والكوفة، الأمر الذي اضطره إلى مواصلة السير باتجاه كربلاء حيث حوصر ومنع الماء عنه، ومن ثم قتل وأسر الأطفال والنساء من أهله ومن بين من أسر ابنه، علي زين العابدين، الإمام الرابع لدى الشيعة.
وعليه احتضنت مدن عراقية مراقد وعتبات مقدسة لدى الشيعة، أضحت مزارات يؤمها المسلمون من العراق وخارجه وتمارس فيها أهم الطقوس الشيعية.
طقوس الشيعة
بدأت عادة إحياء الطقوس الشيعية في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي). وتقام خلال الأيام العشرة الأولى من محرم المجالس الحسينية لاستذكار الحدث والتعبير عن الحزن بالبكاء ولطم الصدور.
كما تمارس طقوس أخرى تتضمن مسرحة الحدث حيث تقدم عروض في الهواء الطلق تسمى "التشابيه" تروي أحداث واقعة كربلاء وتجسد شخوصها الرئيسيين وتحضرها أعداد غفيرة من المشاهدين.
ومن بين الطقوس الأخرى ضرب الرأس وشجها بأدوات حادة واستخدام السلاسل الحديدية(51/2)
لضرب الكتفين، لكن هذه الطقوس محدودة ومختلف على شرعيتها من قبل علماء الشيعة أنفسهم.
دوافع سياسية
ولم تكن الإجراءات التي اتخذتها السلطات العراقية في السنوات الأخيرة للحد من ممارسة هذه الطقوس هي الأولى من نوعها في التاريخ، فقد جرى التضييق عليها في فترات تاريخية مختلفة.
ويقول المؤرخون الشيعة إن شعائر عاشوراء منعت في بعض الحواضر إبان حكم المماليك في العراق، لكنها استأنفت في ما بعد خلال الحكم العثماني عندما وقعت الأستانة وثيقة سلام مع الإيرانيين في الربع الأول من القرن التاسع عشر.
كما جرت مساع أخرى للسيطرة عليها في فترات أخرى من تاريخ العراق الحديث وخاصة في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي .
ويعد الدافع السياسي من أهم العوامل التي تحدو بالسلطات إلى اتخاذ إجراءات لتقييد تلك الممارسات ومنع تحولها إلى أداة ضغط سياسية، لكونها تشكل مناسبة للتعبير عن الاعتراض أو الرفض أو الاحتجاج، أو حافزا للانتفاضات العشائرية والمناطقية.
وزادت وطأة التضييق على ممارسة الطقوس الشيعية بعد قمع الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في العراق عام 1991 إثر هزيمة بغداد في حرب الخليج. وقد تعرض السكان إلى عمليات انتقام واسعة ونفذت القوات الحكومية عمليات قصف لم توفر حتى العتبات المقدسة.
الإسلام الشيعي السياسي
تعرضت الطائفة الشيعية في العراق في الحقبة الماضية إلى إجراءات سعت للحد من نفوذها لعل أهمها الحرمان من المشاركة الفعالة في الحكم. فلم يحظ الشيعة كسكان في العراق بتمثيل في المؤسسات السياسية بما يتناسب مع حجمهم.
ويرجع سبب ذلك، في جانب كبير منه، إلى غياب الديمقراطية خلال فترات طويلة من تاريخ البلاد الحديث، وخاصة خلال العقود القليلة الماضية، الأمر الذي كبح إسهام الكثير من الفئات والشرائح القومية والدينية والسياسية والفكرية، وأدى في ما أدى إليه إلى أن يبدأ منحى الإسلام الشيعي السياسي بالصعود ممثلا(51/3)
بنشاطات رجال الدين ومجموعات سياسية منظمة.
وانعكست هذه النشاطات في مسيرات احتجاجية في المدن المقدسة اعتقل على إثرها كثيرون وأعدم قادة ورجال دين كان من أبرزهم المفكر الإسلامي محمد باقر الصدر الذي يعتقد أنه اسهم في أواخر الخمسينات بتأسيس حزب الدعوة في وقت كانت الساحة السياسية تشهد نشاطا واسعا للحزب الشيوعي وأحزاب قومية.
واضطلع الدعوة بنشاط بارز في السبعينات والثمانينات مما أثار غضب النظام السابق الذي أصدر قرارات تعاقب من يتهم بالانتماء إليه بالإعدام، لكن الحزب عانى في ما بعد من انشقاقات حولته إلى عدد من الأجنحة.
وما أن تأزم الوضع أكثر بعد اندلاع الثورة الإسلامية في إيران ونشوب الحرب بين العراق وإيران وتهجير أعداد كبيرة من أبناء الطائفة الشيعية بحجة أنهم من أصول أجنبية حتى اضطر محمد باقر الحكيم، وهو نجل آية الله محسن الحكيم المرجع الأعلى الذي توفي أوائل السبعينات، إلى مغادرة العراق نحو إيران حيث أسس "مكتب الثورة الإسلامية في العراق".
وقد تحول هذا التنظيم في الثمانينات إلى المجلس الإسلامي الأعلى للثورة الإسلامية، وأصبح له في ما بعد جناح عسكري عُرف بفيلق بدر.
الحوزة العلمية
تأسست الحوزة العلمية في النجف في القرن الخامس الهجري ويقودها مرجع أعلى هو حاليا آية الله علي السيستاني بعد أن خلف آية الله أبو القاسم الخوئي الذي توفي عام 1992.
وقد سلطت الحكومة السابقة ضغوطا كبيرة على المرجعية الشيعية تمثلت باعتقال واغتيال وقتل عدد من أبناء الأسر الكبيرة كأسرة الحكيم وأسرة آل الصدر التي قتل منها عام 1980 آية الله محمد باقر الصدر، وهو صاحب مؤلفات في الفكر الإسلامي بينها "فلسفتنا" و"اقتصادنا"، والمرجع الأعلى محمد صادق الصدر الذي اغتيل عام 1999 بعد إصراره على إقامة صلاة الجمعة للشيعة وإمامتها في مسجد الكوفة، الأمر الذي أثار غضب النظام الحاكم حينذاك خوفا من أن تتحول إلى حافز للتمرد.(51/4)
وفي تاريخ العراق الحديث لعبت الحوزة، المدعومة من عشائر الجنوب والفرات الأوسط، دورا سياسيا مهما لعل أبرز معالمه ثورة العشرين التي اندلعت عام 1920 ضد الاحتلال البريطاني. كما ظهر ذلك واضحا في الآونة الأخيرة حين رفعت أطراف معينة شعارات تنادي بدور سياسي قيادي للحوزة.
وقد واصلت العشائر الوقوف إلى جانب الحوزة العلمية وكان آخر نشاط لها عندما هبت مؤخرا، كما أوردت الأنباء، للتدخل من أجل فك ما وصف بأنه حصار على السيستاني فرضه أنصار مقتدى الصدر، نجل آية الله صادق الصدر. ويزعم البعض أن مرجعية السيستاني اتخذت موقفا مهادنا مع النظام السابق متذرعة بمبدأ "التقية" إي اتقاء شر القوي.
والعشائر عامل لا يستهان به في الأحداث السياسية في العراق، فقد سعى الاحتلال البريطاني إلى استخدام بعضها لتسهيل عملية السيطرة على العراق بعد الحرب العالمية الأولى. وحاول صدام حسين نفسه تسخيرها للذود عن نظامه. كما أولت قوات التحالف، هذه الأيام اعتبارا مهما للعامل العشائري.
زعامات وانقسامات
وبالرغم من الخيط المشترك الذي يربط القوى الشيعية ببعضها، يدور صراع في الخفاء أحيانا وفي العلن أحيانا أخرى، مما يؤشر لانقسام بين الزعامات الشيعية بتداخل بين الاتجاهين السياسي والمرجعي.
فأتباع الصدر، المرجع الأعلى السابق، يسعون إلى تبوء دور قيادي، ويتطلع مقتدى الصدر إلى الزعامة الدينية إلا أن عاملي السن والدرجة العلمية لا يؤهلانه لذلك.
وقد شاع مؤخرا اشتباه بأن لهذه الجماعة علاقة بمقتل عبدالمجيد الخوئي الذي عاد إلى النجف أثناء الحرب الأخيرة، وهو نجل أبو القاسم الخوئي ورئيس المؤسسة المعروفة باسمه في لندن.
وتوجد أيضا زعامة أسرة الحكيم التي تجمع بين المرجعي والسياسي فآية الله محمد باقر الحكيم زعيم لحركة سياسية هي المجلس الإسلامي الأعلى إلى جانب نشاطه العلمي الديني وخلفيته الأكاديمية، ونسب إليه إنه سيتخلى عن زعامة المجلس(51/5)
ويتفرغ للعمل والبحث الديني. كما أنه لم يشارك شخصيا باجتماعات قوى المعارضة بل انتدب إليها أخاه عبدالعزيز الحكيم.
وفي حين يرى البعض أن الأحزاب السياسية الشيعية لا تمثل الحوزة في النجف التي يجب أن تتولى هي تمثيل الشعب، ثمة علماء دين وشخصيات دينية واجتماعية يرون ضرورة النأي بالمرجعية عن النشاط السياسي.
فالفريق الأول يدعو إلى اضطلاع الحوزة بدور يمكنها من تولي القيادة السياسية، بينما يعتقد الفريق الثاني بضرورة اقتصارها على النشاط الروحي وإصدار الفتاوى الدينية إضافة إلى إشرافها على العتبات المقدسة وجباية المال من أتباعها.(51/6)
الشيعة في مصر - صالح الورداني ص 201 :
قائمة بأسماء بعض شيوخ وعلماء الأزهر الذين تعاملوا مع الشيعة وناصروها
الشيخ سليم البشري * شيخ الأزهر المتوفى عام 1916
الشيخ محمد مصطفى المراغي * شيخ الأزهر
الشيخ محمد شلتوت * شيخ الأزهر
الشيخ أحمد حسن الباقوري * وزير الأوقاف ومدير جامعة الأزهر
الشيخ حسن المأمون * شيخ الأزهر
الشيخ محمد الفحام * شيخ الأزهر
الدكتور عبد الحليم محمود * شيخ الأزهر
الشيخ عبد الرحمن بيصار * شيخ الأزهر
الشيخ أحمد الشرباصي * من علماء الأزهر
الشيخ محمد أحمد المدني * من علماء الأزهر
الشيخ علي الخفيف * من علماء الأزهر
الشيخ عبد العزيز العيسي * وزير شئون الأزهر
الشيخ عبد الرحمن النجار * من علماء الأزهر
الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف * مدرس بالأزهر
الشيخ محمد أبو رية * من علماء الأزهر
الدكتور علي عبد الواحد وافي * مدرس بالأزهر
الشيخ عطية صقر * من علماء الأزهر
الشيخ السيد سابق
الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد الغزالي
/ صفحة 202 /
ملحق ( 9 ) جدول يبين موقف الشيعة من الصحابة
الصحابي - الموقف - السبب
أبو ذر غفاري - من شيعة الإمام علي في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته
عمر بن خطاب - مخالفته نصوص الوصية للإمام علي والاجتهاد علي النصوص
أبو بكر - مخالفته وصية الرسول للإمام علي وخصومته للإمام وفاطمة
عمار بن ياسر - من شيعة الإمام علي
عثمان بن عفان - خصومته للإمام علي وكونه يمثل خط بني أمية
سلمان الفارسي - من شيعة الإمام علي
المقداد - من شيعة الإمام
معاوية - كونه من الطلقاء والمشكوك في إسلامهم
جابر بن عبد الله - من شيعة الإمام
حذيفة بن اليمان - من شيعة الإمام
المغيرة بن شعبة - من خصوم الإمام وأنصار الخط المعادي لآل البيت
عمرو بن العاص - السبب السابق
سعد بن أبي وقاص - السبب السابق
أبو أيوب الأنصاري - من شيعة الإمام
عبد الرحمن بن(52/1)
العوف - السبب السابق
الزبير بن العوام - السبب السابق
أبو هريرة - من خصوم الإمام ووضاع الأحاديث على الرسول
عائشة - السبب السابق
أم سلمة - من شيعة الإمام
خزيمة ذي الشهادتين - من شيعة الإمام
أبي بن كعب - من شيعة الإمام
/ صفحة 203 /
ملحوظة : يرفض الشيعة الاعتراف بعدد كبير من الصحابة للأسباب التالي :
- عدم استيفاء تعريف الصحابي عليهم
- انحرافهم عن الخط النبوي بعد وفاة الرسول
- الانحراف عن النصوص وتجاوزها
- وضع الأحاديث على الرسول
- بغض الإمام علي ومخاصمته
- التحالف مع معاوية
- / صفحة 204 /
ملحق ( 10 ) نموذج لبعض الكتب الشيعة التي طبعت في مصر
أصل الشيعة وأصولها
المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعى
التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية
المراجعات
الشيعة وفنون الإسلام
أكذوبة تحريف القرآن بين الشيعة والسنة
الحرب العراقية الايرانية
المختصر النافع في فقه الإمامية
تفسير شبر
تبصرة المتعلمين في أحكام الدين
حركة آل البيت
الفخري في الأحكام السلطانية
فدك
وسائل الشيعة ومستدركاتها
نهج البلاغة
مع رجالات الفكر في القاهرة
الوضوء على ضوء الكتاب والسنة والسجود على التربة الحسينية
نحو وحدة الإسلامية
/ صفحة 205 /
عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى
علي ومناوئوه
كيف نقهر الخوف ( دار البداية )
المجتمع الإسلامي ( دار البداية )
البعث الإسلامي ( دار البداية )
دعائم الإسلام
المناظرات العودة إلى الذات
الإمام الصادق ملهم الكيمياء
علي لا سواه
الثقلان : كتاب الله وعترتي
الشيعة ونشأة العلوم الإسلامية
دلائل الصدق وهو رد على الروزبهاني الذي رد على كتاب العلامة الحلي - نهج الحق وكشف الصدق –
فقهيات بين السنة والشيعة
/ صفحة 206 /
ملحق ( 11 ) نموذج لبعض الكتب التي صدرت ضد الشيعة وإيران في مصر
الكتاب - المؤلف
- التيار بين الشيعة وأهل السنة
- إحسان إلهي ظهير - سلفي(52/2)
- الفتنة الخمينية - سعيد حوي - إخوان
- عقيدة الإمامة عند الشيعة - علي السالوس - سلفي
- وجاء دور المجوس 1 / 2 - عبد الله الغريب - سلفي
- الشيعة في الميزان - محمد النحراوي - سلفي
- العقائد الشيعة - ناصر شاه - سلفي
- موقف الخميني من أهل السنة - إحسان الهي ظهير - سلفي
- شهادة الخميني في الصحابة - محمد الشقرة - سلفي
- موقف الخميني من الشيعة والتشيع - محمود ناصح - سلفي
- الخميني وتزييف التاريخ - محمود الشقرة - سلفي
- الخطوط العريضة - محب الدين الخطيب - سلفي
- ماذا بعد البصرة - علي جريشة - إخوان
- الشيعة المهدي الدروز - عبد المنعم النمر - أزهري
- الشيعة والتصحيح - موسى الموسوي - معارض
- بداية الشر ونهج البربر - رجاء المكي - سلفي
- الخميني أبرهة الجديد - عبد المنعم قنديل - سلفي
- إلحاد الخميني في الحرم - مقبل الوادعي - سلفي
- الثورة الايرانية في ميزان الإسلام - محمد مال الله - سلفي
- الخميني وتفضيل الأئمة على الأنبياء - محمد الشقرة - سلفي
- حوار مع الشيعة - عبد المتعال الجبري إخوان
- شهادات واقعية من داخل إيران - عبد المنعم الغزالي يسار
- أخطار الثورة الإيرانية على العالم العربي حسنين كروم - يسار
- رهينة خميني - مترجم - معارض
- الثورة البائسة - موسى الموسوي - معارض
- قدسية الحرمين الشريفين - اعداد - سلفي
- بروتوكولات خميني وآيات قم - د . عبد الله الغفاري - سلفي
- قدسية الحرمين الشريفين - جاد الحق - أزهري
- إيران بعد سقوط الخميني - موسى الموسوي - معارض
............................................................
:
نموذج لبعض الكتب المدافعة عن الشيعة وإيران التي صدرت في مصر
الكتاب * المؤلف
إيران من داخل إيران - فهمي هويدي
بين الشيعة وأهل السنة - علي عبد الواحد
الثورة الايرانية 1 / 2 - الدسوقي
شتا الحركة الإسلامية في مصر - صالح الورداني
الشيعة(52/3)
والسنة ضجة مفتعلة ومؤسفة - إسلام محمود
مراقد أهل البيت في القاهرة - محمد زكي إبراهيم
السقيفة والخلافة - عبد الفتاح عبد المقصود
دعوة التقريب - مجموعة العلماء
علي إمام المتقين - عبد الرحمن الشرقاوي
علي امام الأئمة - أحمد حسن الباقوري
أهل البيت - توفيق أبو علم إسلام بلا مذهب - مصطفى الشكعة
أهل القبلة كلهم موحدون - محمد زكي إبراهيم
علي بن أبي طالب - عبد الفتاح عبد المقصود
رسالة إلى الدعوات الإسلامية - جمال البنا
مذبحة الحرم - صالح الورداني
الخميني . الحل الإسلامي والبديل - فتحي عبد العزيز(52/4)
الشيعة ومخالفتهم أهل البيت
بتاريخ انأحد, شبا× 02
القسم: المذهب الشيعي
إن الشيعة حاولوا خداع الناس بأنهم موالون لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرهم من المسلمين ، ولذا قرروا في الدستور الإيراني أن المذهب الرسمي هو المذهب الجعفري الحق! وكأن غيره من المذاهب الإسلامية باطل كما يزعمون، وذكرنا سابقا في إيقاظ أن القوم لا يقصدون من أهل البيت أهل بيت النبوة ، وأنهم لا يوالونهم ولا يحبونهم بل يبغضون ويشتمون معظمهم ، ولذا لن تجد فيهم اسما كعائشة أو حفصة ، إنما يريدون من وراء ذلك عليا وأولاده المخصوصين المعدودين.
ولكن الشيعة لا يصدقون كعادتهم في قولهم إطاعة أهل البيت واتباعهم لا أهل بيت النبي ولا أهل بيت علي فإنهم لا يهتدون بهديهم ولا يقتدون برأيهم ولا ينهجون منهجهم ، ولا يطيعون أوامرهم وتعليماتهم بل عكس ذلك يعارضونهم ويخالفونهم مجاهرين معلنين قولا وعملا ، ويخالفون آرائهم وصنيعهم مخالفة صريحة وخاصة في خلفاء النبي الراشدين وأزواجه الطاهرات المطهرات وأصحابه البررة حملة هذا الدين ومبلغين رسالته إلى الآفاق، ولذا ترضى عنهم القرآن ووعدهم بالجنات خالدين فيها وشهد بإيمانهم الحقيقي في سور متعددة منها سورة الفتح الآية 29 والتوبة الآية 100 و 117 والأنفال الآية 74 وغيرها كثير.ولن نرى آية واحدة تذمهم أو تثني على أئمتهم الاثني عشر المزعومين حيث جعلوهم في مرتبة الأنبياء من حيث العصمة والاتباع! فلنرى الشيعة الزاعمين اتباع أهل البيت المدعين موالاتهم وحبهم ونرى أئمتهم المعصمين حسب زعمهم ، ماذا يقول آل البيت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وماذا يعتقدون؟ وهل أهل البيت يبغضون أصحاب نبيهم ويشتمونهم ويكفرونهم ويلعنونهم كما يلعنهم هؤلاء اللعانون؟ أم غير ذلك يوالونهم ويشاورونهم في أمورهم وآلامهم، ويشاركونهم في دينهم ودنياهم، ويجاهدون تحت رايتهم، يتزوجون منهم ويزوجونهم ، يسمون أبنائهم(53/1)
بأسمائهم ويتبركون بذكرهم ويذكرن فضائلهم ومحاسنهم، كل هذا نذكره من كتب القوم انفسهم، ويتبين من هذا علاقة الشيعة الحقيقية بآل البيت وعلاقتهم معهم. فها هو علي بن أبي طالب الخليفة الراشد عندنا والإمام المعصوم عندهم يذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عامة ويمدحهم ويثني عليهم ثناءا عاطرا بقوله: "لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى أحدا يشبههم منكم لقد كانوا يصبحون غبرا شعثا وقد باتوا سجدا وقياما يقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم…" هذا هو سيد أهل البيت يمدح أصحاب النبي عامة ويرجحهم على أصحابه وشيعته الذين خذلوه في الحروب والقتال وجبنوا عن لقاء العدو ومواجهتهم ، وفروا عنه وتركوه وحده فيقول موازنا بينهم وبين أصحاب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم : "لقد كنا مع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم نقتل آبائنا وأبنائنا وإخواننا وأعمامنا ما يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما… ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود ولا اخضر للإيمان عود، وأيم الله لتحتلبنها دما ولتتبعنها ندما" ويذكرهم أيضا مقابل شيعته المتخاذلين ويأسف على ذهابهم بقوله: "أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه ، وقرءوا القرآن فأحكموه، … أولئك إخواني الذاهبون ، فحق لنا أن نظمأ إليهم ونعض الأيدي على فراقهم" ويمدح المهاجرين بقوله : فز أهل السبق بسبقهم وذهب المهاجرون الأولون بفضلهم وأيضا قوله: وفي المهاجرين خير كثير … جزاهم الله خير الجزاء هذا فضلا عن مدح سيد الرسل نفسه لصحابته ، روى المجلسي السباب اللعان عن الطوسي عن علي بن أبي طالب أنه قال لأصحاب: أوصيكم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوهم فإنهم أصحاب نبيكم وهم أصحابه الذين لم يبتدعوا في الدين شيئا ولم يوفروا صاحب بدعة ، نعم ! أوصاني رسول الله في هؤلاء. ويمدح علي رضي الله عنه المهاجرين والأنصار معا حيث يجعل في أيديهم الخيار لتعيين الإمام وانتخابه(53/2)
وهم أهل الحل والعقد في القرن الأول من بين المسلمين وليس لأحد أن يرد عليهم ، وينصرف بدونهم ، قال رادا على معاوية بن أبي سفيان : "فإن الإمام من جع نهج البلاغة ص143 بتحقيق صبحي الصالح، ومثل ذلك في "الإرشاد" للمفيد ص126 نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح ص91-92 نهج البلاغة ص177-178 نهج البلاغة ص383 نهج البلاغة ص383 حياة القلوب للمجلسي ج2 ص621 له أصحاب محمد إمام لا غير، قال : إنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضى ، فإن خرج منهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين" فما هو موقف الشيعة من علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن كلامه هذا حيث يجعل: أولا. الشورى بين المهاجرين والأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبيدهم الحل والعقد رغم أنوف القوم،ثانيا. اتفاقهم على شخص سبب لمرضات الله وعلامة لموافقته سبحانه وتعالى إياهم ثالثا. لا تنعقد الإمامة في زمانهم دونهم وبغير اختيارهم ورضاهم .رابعا. لا يرد قولهم ولا يخرج من حكمهم –أي الصحابة- إلا مبتدع أو باغ، والمبتدع والمتبع غير سبيل المؤمنين.خامسا. يقاتل مخالف الصحابة ويحكم السيف فيه.سادسا. وفوق ذلك يعاقب عند الله لمخالفته صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبابه كما فعل الإمام علي بن الحسين زين العابدين والإمام حسن العسكري –حسن بن علي وعلي بن موسى الرضا- بل وجميع أئمتهم ، هل هم تابعون لأئمتهم أم يتبعون أحفاد المجلسي والشاه اسماعيل الصفوي وأمثالهما الذين زرعوا فيهم الأحقاد وضلوا بهم السبيل؟!(53/3)
الشيعة الإثنى عشرية
وتحريف القرآن
تأليف
محمد عبدالرحمن السيف
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، الذي أنزل الكتاب على عبده نبراساً وهداً للمتقين ، ولم يجعل فيه خللا ولا نقصاً ، الحمد لله الذي تكفل بحفظه ولم يدع للباطل أن يدخل عليه منذ أن أنزله على عبده الآمين حتى يأخذ الأرض ومن عليها .
والصلاة والسلام على الصادق الأمين الذي انزل الله تعالى على قلبه الفرقان ضياءاً وهداً وبشراً للمؤمنين ، فأدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً ، بعد أن كانوا في عمايه عن الحق وانغماس في بحر الشهوات والشبهات والرضوان على آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين الذين آمنوا بهذه الرساله وجاهدوا مع نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأموالهم وأنفسهم ، وهاجروا مع قائد دعوتهم ، فتركوا الأموال والأوطان يسابقون لسماع القرآن ، حتى اثنى عليهم الله تعالى في مواطن كثيرة من القرآن ، فهم { المؤمنون حقا} ( (1) وهم الذين{ يد الله فوق أيديهم } ( (2) وهم الذين {رضى الله عنهم ورضوا عنه}( (3) وهم ... وهم ... وهم ، لو خطت الأقلام مناقبهم لكلت وجفت .
ومن ثقة الله بهم في كتابه الكريم وثقة نبيه بهم أن كانوا كتاب وصيه عهد نبيه ، والذين جمعوا هذا القرآن الذي بين أيدينا في صدورهم وفي سطورهم ، وهم الحلقة الأولى في جمعه في مصحف كامل انتشر بعد ذلك في بقاع الأرض واصقاعها وفي مشارقها ومغاربها ، فلم يدع بلاداً ولا مصراً بل ولا داراً إلا وطرقها مبشراً ونذيراً .
__________
(1) - الأنفال : آية 74 .
(2) - الفتح : آية 10 .
(3) - التوبة : آية 100 .(54/1)
فكان بعدها الإيمان به إيمان بأصل من أصول الدين وأركانه ، والكافر به ولو بحرف من حروفه فقد كفر به وبأصل من أصول الدين وأن عدم الإيمان بحفظ القرآن وصيانته يجر الى إنكار القرآن وتعطيل الشريعة التي جاء بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه حينذاك يحتمل في كل آية من آيات الكتاب الحكيم أنه وقع فيها تبديل وتحريف ، وحين تقع الاحتمالات تبطل الاعتقادات والايمانيات، لأن الأيمان لا يكون إلا باليقينيات وأما بالظنيات والمحتملات فلا يكون . ولكن يبقى الشيطان العدو المبين ، يتربص بالمؤمنين ليشككهم بدينهم ويبعدهم عن الصراط المستقيم فيتيهوا في ضلال وانحراف عن الدين كما هو حال الذين من قبلنا من { الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون } . (1)
ويبقى أهل الحق والنور متمسكون بكتاب الله تعالى نبراساً وضياء ، وأما الذين في قلوبهم زيع وريب فلقد جرفهم الشيطان بشبهاته وشهواته وزين لهم أن يقولوا على الله مالا يعلمون ، فافتروا على الله تعالى وعلى كتابه العزيز الذي { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } (2) ) بأنه قد تعرض للتحريف والتبديل كما هو حال التوراة والإنجيل ، وهذا من أعظم الظلم والكذب والبهتان على الله تعالى الذين نص في كتابه { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ( (3) ) فالذين يفترون على الله الكذب هم الذين قال الله فيهم { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين } (4) ) .
__________
(1) - الروم آيه (32)
(2) - فصلت آيه (42)
(3) - الحجر آيه (9)
(4) - العنكبوت آيه (68)(54/2)
وهذا البحث الذي أرجوا فيه من الله تعالى أن يرينا فيه الحق حقاً ويرزقنا إتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، إنما هو كشف عن حقيقه يجهلها الكثير من أبناء أهل السنه والشيعة وهي اعتقاد علماء الشيعة الأثنى عشرية بأن القرآن الكريم الذي بين أيدينا والذي نتلوه ليلاً ونهاراً ونتعبد به صباحاً ومساءاً ليس هو بزعمهم القرآن الذي أُنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو محرف مبدل ، وأما الذي أُنزل - بزعمهم - إنما هو مخبأ عند المهدي المنتظر حسب زعم علماء الشيعة الإثنى عشرية .
والله أسأل أن يعينني على إيضاح الحق وطمس الباطل ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
مؤلف الكتاب
الفصل الأول
أهل السنة والقرآن الكريم
أهل السنة والقرآن الكريم
أجمع أهل السنة والمسلمون جميعا على صيانة كتاب الله عز وجل من التحريف والزيادة والنقص فهو محفوظ بحفظ الله له قال تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }(1) ولا يوجد في كتب أهل السنة المعتمدة رواية واحدة صحيحة تخالف هذا وقد ذكر مفسروا أهل السنة عند قوله سبحانه : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} أن القرآن محفوظ من أي تغيير أو تبديل أو تحريف انظر القرطبي : " جامع أحكام القرآن "، النسفي : " مدارك التنزيل"، " تفسير الخازن " ، " تفسير ابن كثير "، البيضاوي : " أنوار التنزيل " ، الألوسي " روح المعاني" ، صديق خان " فتح البيان " ، الشنقيطي " أضواء البيان" وغيرهم من المفسرين .
وصرح كبار علماء السنة أن من اعتقد أن القرآن فيه زيادة أو نقص فقد خرج من دين الاسلام .
وهذه العقيدة عند أهل السنة من الشهرة والتواتر بحيث أنها لاتحتاج الى من يقيم أدلة عليها بل هذه العقيدة من المتواترات عند المسلمين .
__________
(1) - الحجر : آية 9 .(54/3)
قال القاضي عياض(1) - رحمه الله : ( وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين مما جمعه الدفتان من أول { الحمد لله رب العالمين } الى آخر { قل أعوذ برب الناس } أنه كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأن جميع مافيه حق وأن من نقص منه حرفا قاصدا لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه وأجمع على أنه ليس من القرآن عامداً لكل هذا أنه كافر (2) .
وينقل القاضي عياض عن أبي عثمان الحداد أنه قال : (جميع من ينتحل التوحيد متفقون على أن الجحد لحرف من التنزيل كفر ) (3).
قال ابن قدامة (4) : ( ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر ) (5) .
__________
(1) - عياض بن موسى بن عمرون اليحصبي السبتي أبو الفضل عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته من مصنفاته " الشفاء " ، " مشارق الأنوار " ، "الالماع" وغيرها ، توفي بمراكش سنة 544هـ وكان مولده عام 476هـ أنظر في ترجمته : الضبي : "بغية الملتمس" : ص 437 ، النباهي : "تاريخ قضاة الأندلس " : ص 101 .
(2) ، 2 - الشفاء : (ص 1102 - 1103).
(4) - عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الدمشقي أبو محمد موفق الدين من كبار أئمة السنة وفقهاء الأمة له تصانيف منها : "المغني" ، و " فضائل الصحابة " و " القدر" وغيرها . توفى بدمشق سنة 620هـ ، وكان مولده في جماعيل ( من قرى نابلس بفلسطين ) سنة 541 . أنظر : " مختصر طبقات الحنابلة " ص 45-47، وانظر : " الأعلام " (4/191-192).
(5) - ابن قدامة : " لمعة الاعتقاد " ص 19 .(54/4)
قال البغدادي : ( وأكفروا - أي أهل السنة - من زعم من الرافضة أن لا حجة اليوم في القرآن والسنة لدعواه أن الصحابة غيروا بعض القرآن وحرفوا بعضه ) (1) .
ويقول القاضي أبو يعلي(2): ( والقرآن ما غير ولا بدل ولا نقص منه ولا زيد فيه خلافاً للرافضة القائلين أن القرآن قد غير وبدل وخولف بين نظمه وترتيبه - ثم قال- إن القرآن جمع بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم وأجمعوا عليه ولم ينكر منكر ولا رد أحد من الصحابة ذلك ولا طعن فيه ولو كان مغيراً مبدلاً لوجب أن ينقل عن أحد من الصحابة أنه طعن فيه ، لأن مثل هذا لايجوز أن ينكتم في مستقر العادة .. ولانه لو كان مغيراً ومبدلاً لوجب على علي رضي الله عنه أن يبينه ويصلحه ويبين للناس بياناً عاماً أنه أصلح ما كان مغيراً فلما لم يفعل ذلك بل كان يقرأه ويستعمله دل على أنه غير مبدل ولا مغير (3)) .
ويقول ابن حزم : ( القول بأن بين اللوحين تبديلا كفر صريح وتكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ) (4).
__________
(1) - الفرق بين الفرق " ص 315 دار الآفاق الجديدة - بيروت .
(2) - محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء أبو يعلي عالم عصره في الأصول والفروع من تصانيفه " الأحكام السلطانية " ولد عام 380هـ وتوفي عام 458هـ " طبقات الحنابلة " : (2/193 -230)، " الاعلام " : (6/331) .
(3) - المعتمد في أصول الدين ص 258.
(4) - " الفصل في الملل والنحل " : 40.(54/5)
قال الفخر الرازي عند قوله سبحانه : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }، وإنا نحفظ ذلك الذكرمن التحريف والزيادة والنقصان - إلى أن قال : إن أحداً لو حاول تغيير حرف أو نقطة لقال له أهل الدنيا هذا كذب وتغيير لكلام الله حتى أن الشيخ المهيب لو اتفق له لحن أو هفوة في حرف من كتاب الله تعالى لقال له الصبيان أخطأت أيها الشيخ وصوابه كذا وكذا .. واعلم أنه لم يتفق لشيء من الكتب مثل هذا الحفظ فإنه لا كتاب إلا وقد دخله التصحيف والتحريف والتغيير إما في الكثير منه أو في القليل ، وبقاء هذا الكتاب مصوناً من جميع جهات التحريف مع أن دواعي الملاحدة واليهود والنصارى متوفرة على إبطاله وإفساده من أعظم المعجزات (1).
ويقول ابن حزم - في الجواب عن احتجاج النصارى بدعوى الروافض تحريف القرآن - ( وأما قولهم في دعوى الروافض تبديل القرآن فإن الروافض ليسوا من المسلمين ) (2) .
ويقول شيخ الاسلام ابن تيمية : ( وكذلك - أي في الحكم بتكفيره - من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت ، أو زعم أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة ونحو ذلك وهؤلاء يسمون القرامطة والباطنية ومنهم التناسخية وهؤلاء لاخلاف في كفرهم)(3).
وبعد : فالشواهد في هذا المجال لاتحصى كثرة وهي موجودة في مواضعها في كتب التفسير وعلوم القرآن والحديث والعقيدة والأصول وغيرها.
الفصل الثاني
الشيعة والقرآن الكريم
أولا : علماء الشيعة المصرحون بأن القرآن محرف وناقص :
( 1 ) علي بن إبراهيم القمي :
__________
(1) - " مفاتيح الغيب " : (19/160-161) .
(2) - " الفصل " 2/80 .
(3) - " الصارم المسلول " دار الكتب العلمية - بيروت : ص 586 .(54/6)
قال في مقدمة تفسيره عن القرآن ( ج1/36 ط دار السرور - بيروت ) أما ماهو حرف مكان حرف فقوله تعالى : (( لئلا يكون للناس على * الله حجة إلا الذين ظلموا منهم(1))) يعنى ولا للذين ظلموا منهم وقوله : (( يا موسى لا تخف إنى لايخاف لدي المرسلون إلا من ظلم (2)) يعنى ولا من ظلم وقوله : (( ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ (3))) يعنى ولا خطأ وقوله : ((ولا يزال بنيانهم الذى بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم (4))) يعنى حتى تنقطع قلوبهم .
قال في تفسيره أيضا ( ج1/36 ط دار السرور - بيروت ) :
__________
(1) الموجود بالقرآن (( عليكم )) بدل (( على الله )) ولكني نقلتها كما هي موجودة بتفسير القمي
- البقرة : 150
(2) - النمل : 10
(3) - النساء: 91
(4) - التوبة: 110(54/7)
وأما ما هو على خلاف ما أنزل الله فهو قوله : (( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله (1) )) فقال أبو عبد الله عليه السلام لقاريء هذه الآية : (( خير أمة )) يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين بن علي عليهم السلام ؟ فقيل له : وكيف نزلت يا ابن رسول الله؟ فقال : إنما نزلت :
(( كنتم خير أئمة أخرجت للناس )) ألا ترى مدح الله لهم في آخر الآية (( تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)) ومثله آية قرئت على أبي عبد الله عليه السلام:(( الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما (2) )) فقال أبو عبد الله عليه السلام : لقد سألوا الله عظيما أن يجعلهم للمتقين إماما . فقيل له : يا ابن رسول الله كيف نزلت ؟ فقال : إنما نزلت :
(( الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعل لنا من المتقين
إماما )) وقوله : (( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله (3))) فقال أبو عبد الله : كيف يحفظ الشيء من أمر الله وكيف يكون المعقب من بين يديه فقيل
له : وكيف ذلك يا ابن رسول الله ؟ فقال : إنما نزلت (( له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله )) ومثله كثير .
وقال أيضا في تفسيره ( ج1/37 دار السرور . بيروت ) :
__________
(1) - آل عمران : 110
(2) - الفرقان : 74
(3) - الرعد : 10(54/8)
وأما ما هو محرف فهو قوله : (( لكن الله يشهد بما أنزل إليك في علي أنزله بعلمه والملائكة يشهدون (1) )) وقوله :(( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي فإن لم تفعل فما بلغت رسالته (2) )) وقوله : (( إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم (3))) وقوله : (( وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم أي منقلب ينقلبون (4) )) وقوله : (( ولو ترى الذين ظلموا آل محمد حقهم في غمرات الموت (5) )) * .
( 2 ) نعمة الله الجزائري واعترافه بالتحريف :
قال الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية 2/357 ، 358 :
(( إن تسليم تواترها { القراءات السبع } عن الوحي الآلهي وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاما ومادة وإعرابا ، مع أن أصحابنا رضوان الله عليهم قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها (6). نعم قد خالف فيها المرتضى والصدوق والشيخ الطبرسي وحكموا بأن ما بين دفتي المصحف هو القرآن المنزل لا غير ولم يقع فيه تحريف
ولا تبديل )) .
__________
(1) - النساء : 166
(2) - المائدة : 67
(3) - النساء : 168
(4) - الشعراء 227
(5) - الأنعام : 93
* ملاحظة : قامت دار الأعلمي - بيروت في طباعة تفسير القمي لكنها حذفت مقدمة الكتاب للسيد طيب الموسوي لأنه صرح بالعلماء الذين طعنوا في القرآن من الشيعة .
* أخي المسلم أنت تعلم أن كلمة (( في علي )) (( آل محمد )) ليستا في القرآن .
(6) - يقصد صحة وتصديق الروايات التي تذكر بأن القرآن محرف.(54/9)
(( والظاهر أن هذا القول (1) إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة منها سد باب الطعن عليها بأنه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف لها (2))) .
ويمضي نعمة الله الجزائري فيقرر أن أيادي الصحابة امتدت إلى القرآن وحرفته وحذفت منه الآيات التي تدل على فضل الأئمة فيقول 1/97: ((ولا تعجب من كثرة الأخبار الموضوعة (3))) فإنهم بعد النبي- صلى الله عليه وسلم - قد غيروا وبدلوا في الدين ما هو أعظم من هذا كتغييرهم القرآن وتحريف كلماته وحذف ما فيه من مدائح آل الرسول والأئمة الطاهرين وفضائح المنافقين وإظهار مساويهم كما سيأتي بيانه في نور القرآن (4) )) .
ويعزف الجزائري على النغمة المشهورة عند الشيعة بأن القرآن لم يجمعه كما أنزل إلا علي رضوان الله عليه وأن القرآن الصحيح عند المهدي وأن الصحابة ما صحبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا لتغيير دينه وتحريف القرآن فيقول 2/360،361،362 :
__________
(1) - أي إنكار التحريف .
(2) - وهذا الكلام من الجزائرى يعني أن قولهم ( أي المنكرين للتحريف ) ليس عن عقيدة بل لاجل مصالح أخرى .
(3) - يقصد الاحاديث التي تروى مناقب وفضائل الصحابة رضوان الله عليهم .
(4) - عزيزي القارئ إن المقصود في نور القرآن هو فصل في كتاب الانوار النعمانية لكن هذا الفصل حذف من الكتاب في طبعات متأخرة لخطورته .(54/10)
(( قد استفاض في الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين عليه السلام بوصية من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فبقي بعد موته ستة أشهر مشتغلا بجمعه ، فلما جمعه كما أنزل أتي به إلى المتخلفين بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم : هذا كتاب الله كما أنزل فقال له عمر بن الخطاب : لاحاجة بنا إليك ولا إلى قرآنك ، عندنا قرآن كتبه عثمان ، فقال لهم علي : لن تروه بعد اليوم ولا يراه أحد حتى يظهر ولدي المهدي عليه السلام . وفي ذلك القرآن(1) زيادات كثيرة وهو خال من التحريف ، وذلك أن عثمان قد كان من كتاب الوحي لمصلحة رآها - صلى الله عليه وسلم - وهي أن لايكذبوه في أمر القرآن بأن يقولوا إنه مفترى أو إنه لم ينزل به الروح الأمين كما قاله أسلافهم ، بل قالوه أيضا وكذلك جعل معاوية من الكتاب قبل موته بستة أشهر لمثل هذه المصلحة أيضا وعثمان وأضرابه ما كانوا يحضرون إلا في المسجد مع جماعة الناس فما يكتبون إلا ما نزل به جبرائيل عليه السلام . أما الذي كان يأتي به داخل بيته - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن يكتبه إلا أمير المؤمنين عليه السلام لأن له المحرمية دخولا وخروجا فكان ينفرد بكتابة مثل هذا وهذا القرآن الموجود الآن في أيدي الناس هو خط عثمان ، وسموه الإمام وأحرقوا ما سواه أو أخفوه ، وبعثوا به زمن تخلفه إلى الأقطار والأمصار ومن ثم ترى قواعد خطه تخالف قواعد العربية )) .
__________
(1) - يقصد القرآن الذي عند المهدي .(54/11)
وقد أرسل عمر بن الخطاب زمن تخلفه إلى علي عليه السلام بأن يبعث له القرآن الأصلي الذي هو ألفه وكان عليه السلام يعلم أنه طلبه لأجل أن يحرقه كقرآن ابن مسعود أو يخفيه عنده حتى يقول الناس : إن القرآن هو هذا الكتاب الذي كتبه عثمان لا غير فلم يبعث به إليه وهو الآن موجود عند مولانا المهدي عليه السلام مع الكتب السماوية ومواريث الأنبياء ولما جلس أميرالمؤمنين عليه السلام (1) على سرير الخلافة لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن وإخفاء هذا لما فيه من إظهار الشنعة على من سبقه كما لم يقدر على النهي عن صلاة الضحى ، وكما لم يقدر على إجراء المتعتين متعة الحج ومتعة النساء . وقد بقي القرآن الذي كتبه عثمان حتى وقع الى أيدي القراء فتصرفوا فيه بالمد والإدغام والتقاء الساكنين مثل ما تصرف فيه عثمان وأصحابه وقد تصرفوا في بعض الآيات تصرفا نفرت الطباع منه وحكم العقل بأنه ما نزل هكذا .
وقال أيضا في ج 2/363 :
فإن قلت كيف جاز القراءة في هذا القرآن مع مالحقه من التغيير ، قلت قد روي في الآخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين عليه السلام فيقرى ويعمل بأحكامه (2).
( 3 ) الفيض الكاشاني ( المتوفي 1091 هـ ) :
وممن صرح بالتحريف من علمائهم : مفسرهم الكبير الفيض الكاشاني صاحب تفسير " الصافي ".
__________
(1) - هذا الكلام من العالم الجزائري الشيعي هو جواب لكل شيعي يسأل نفسه لماذا لم يظهر علي رضى الله عنه القرآن الأصلي وقت الخلافة .
(2) - هذا جواب العالم الجزائري لكل سني اوشيعي يسأل لماذا يقرأ الشيعه القرآن مع انه محرف .(54/12)
قال في مقدمة تفسيره معللا تسمية كتابه بهذا الأسم (( وبالحري أن يسمى هذا التفسير بالصافي لصفائه عن كدورات آراء العامة والممل والمحير (1))) .
وقد مهد لكتابه هذا باثنتي عشرة مقدمة ، خصص المقدمة السادسة لإثبات تحريف القرآن . وعنون لهذه المقدمة بقوله ( المقدمة السادسة في نبذ مما جاء في جمع القرآن ، وتحريفه وزيادته ونقصه ، وتأويل ذلك ( (2)) .
وبعد أن ذكر الروايات التي استدل بها على تحريف القرآن ، والتي نقلها من أوثق المصادر المعتمدة عندهم ، خرج بالنتيجة التالية فقال : (( والمستفاد من هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم بل منه ماهو خلاف ما أنزل الله ، ومنه ما هو مغير محرف ، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة منها اسم علي عليه السلام ، في كثير من المواضع ، ومنها لفظة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم غير مرة ، ومنها أسماء المنافقين في مواضعها ، ومنها غير ذلك ، وأنه ليس أيضا على الترتبيب المرضي عند الله ، وعند رسول صلى الله عليه وآله وسلم (3))) .
__________
(1) - تفسير الصافي - منشورات مكتبة الصدر - طهران - ايران ج1 ص13 .
(2) - المصدر السابق ص 40 .
(3) - تفسير الصافي 1/49 منشورات الاعلمي ـ بيروت ، ومنشورات الصدر - طهران .(54/13)
ثم ذكر بعد هذا أن القول بالتحريف اعتقاد كبار مشايخ الإمامية قال : (( وأما اعتقاد مشايخنا رضي الله عنهم في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن ، لأنه كان روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ، ولم يتعرض لقدح فيها ، مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه، وكذلك أستاذه علي بن إبراهيم القمي ـ رضي الله عنه ـ فإن تفسيره مملوء منه ، وله غلو فيه ، وكذلك الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي رضي الله عنه فإنه أيضا نسج على منوالهما في كتاب الإحتجاج (1) )) .
( 4 ) أبو منصور أحمد بن منصور الطبرسي ( المتوفي سنة 620هـ ) :
روى الطبرسي في الاحتجاج عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال: (( لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع علي عليه السلام القرآن ، وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم ، فوثب عمر وقال : ياعلي اردده فلا حاجة لنا فيه ، فأخذه عليه السلام وانصرف ، ثم أحضروا زيد بن ثابت ـ وكان قارئا للقرآن ـ فقال له عمر : إن عليا جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار ، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ، ونسقط منه ما كان فضيحة وهتكا للمهاجرين والأنصار . فأجابه زيد إلى ذلك .. فلما استخلف عمر سأل عليا أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم (2) )) .
__________
(1) - تفسير الصافي 1/52 منشورات الاعلمي ـ بيروت ، ومنشورات الصدر - طهران .
(2) - الاحتجاج للطبرسي منشورات الأعلمي - بيروت - ص 155 ج1 .(54/14)
ويزعم الطبرسي أن الله تعالى عندما ذكر قصص الجرائم في القرآن صرح بأسماء مرتكبيها ، لكن الصحابة حذفوا هذه الأسماء ، فبقيت القصص مكناة . يقول : (( إن الكناية عن أسماء أصحاب الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ، ليست من فعله تعالى ، وإنها من فعل المغيرين والمبدلين الذين جعلوا القرآن عضين ، واعتاضوا الدنيا من الدين (1) )) .
ولم يكتف الطبرسي بتحريف ألفاظ القرآن ، بل أخذ يؤول معانيه تبعا لهوى نفسه ، فزعم أن في القرآن الكريم رموزا فيها فضائح المنافقين ، وهذه الرموز لايعلم معانيها إلا الأئمة من آل البيت ، ولو علمها الصحابة لأسقطوها مع ما أسقطوا منه(2).
هذه هي عقيدة الطبرسي في القرآن ، وما أظهره لا يعد شيئا مما أخفاه في نفسه ، وذلك تمسكا بمبدأ ( التقية ) يقول : (( ولو شرحت لك كلما أسقط وحرف وبدل ، مما يجري هذا المجرى لطال ، وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ، ومثالب الأعداء(3))) .
ويقول في موضع آخر محذرا الشيعه من الإفصاح عن التقيه (( وليس يسوغ مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين ، ولا الزيادة في آياته على ما أثبتوه من تلقائهم في الكتاب، لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل ، والكفر ، والملل المنحرفة عن قبلتنا ، وإبطال هذا العلم الظاهر ، الذي قد استكان له الموافق والمخالف بوقوع الاصطلاح على الائتمار لهم والرضا بهم ، ولأن أهل الباطل في القديم والحديث أكثر عددا من أهل الحق (4) )) .
( 5 ) محمد باقر المجلسي :
__________
(1) - المصدر السابق 1/249 .
(2) - المصدر السابق 1/253 .
(3) - المصدر السابق 1/254 .
(4) - المصدر السابق 1/249 .(54/15)
والمجلسي يرى أن أخبار التحريف متواترة ولا سبيل إلى إنكارها وروايات التحريف تسقط أخبار الإمامة المتواترة على حد زعمهم فيقول في كتابه (( مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول)) الجزء الثاني عشرص 525 في معرض شرحه الحديث هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - سبعة عشر ألف آية قال عن هذا الحديث (1): (( موثق ، وفي بعض النسخ عن هشام بن سالم موضع هارون بن سالم، فالخبر صحيح. ولا يخفي أن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى ، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأسا ، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لايقصر عن أخبار الامامة فكيف يثبتونها بالخبر ؟ )) أى كيف يثبتون الإمامة بالخبر إذا طرحوا أخبار التحريف ؟
وأيضا يستبعد المجلسي أن تكون الآيات الزائدة تفسيراً (2).
وأيضا بوب في كتابه بحار الأنوار بابا بعنوان (( باب التحريف في الآيات التي هي خلاف ما أنزل الله (3) ))
( 6 ) الشيخ محمد بن محمد النعمان الملقب بالمفيد .
أما المفيد ـ الذي يعد من مؤسسي المذهب ـ فقد نقل إجماعهم على التحريف ومخالفتهم لسائر الفرق الإسلامية في هذه العقيدة .
__________
(1) - مرآة العقول للمجلسي ص 525 ح 12 دار الكتب الإسلامية ـ ايران .
(2) - المصدر السابق .
(3) - بحار الانوار ج 89 ص 66 - كتاب القرآن . .(54/16)
قال في ( أوائل المقالات ) : (( واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الاموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة ، وإن كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف ، واتفقوا على إطلاق لفظ البداء في وصف الله تعالى ، وإن كان ذلك من جهة السمع دون القياس ، واتفقوا أن أئمة (1) الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن ، وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأجمعت المعتزلة ، والخوارج ، والزيديه والمرجئة ، وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية في جميع ماعددناه ))( (2) ) .
وقال أيضا : ان الاخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد - صلى الله عليه وسلم - باختلاف القرآن وما أحدثه الظالمين فيه من الحذف والنقصان (3) ).
وقال ايضا (4) حين سئل في كتابه " المسائل السروية "(5) ما قولك في القرآن . أهو ما بين الدفتين الذي في ايدى الناس ام هل ضاع مما انزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - منه شيء أم لا؟ وهل هو ما جمعه أمير المؤمنين ( ع ) أما ما جمعه عثمان على ما يذكره المخالفون .
__________
(1) - يقصد الصحابه .
(2) - اوائل المقالات ص 48 ـ 49 دار الكتاب الإسلامي ـ بيروت .
(3) - المصدر السابق ص 91 .
- المصدر السابق ص 525 ح 12 دار الكتب الاسلامية ـ ايران
(4) - ذكرها آية الله العظمي على الفاني الأصفهاني في كتابه آراء حول القرآن ص 133، دار الهادي - بيروت
(5) - المسائل السرورية ص 78-81 منشورات المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد .(54/17)
وأجاب : إن الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله تعالى وتنزيله وليس فيه شيء من كلام البشر وهو جمهور المنزل والباقي مما أنزله الله تعالى قرآنا عند المستحفظ للشريعة المستودع للأحكام لم يضع منه شيء وإن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله في جملة ما جمع لأسباب دعته إلى ذلك منها : قصوره عن معرفة بعضه . ومنها : ماشك فيه ومنها ما عمد بنفسه ومنها : ماتعمد إخراجه . وقد جمع أمير المؤمنين عليه السلام القرآن المنزل من أوله إلى آخره وألفه بحسب ما وجب من تأليفه فقدم المكي على المدني والمنسوخ على الناسخ ووضع كل شيء منه في حقه ولذلك قال جعفر بن محمد الصادق : أما والله لو قرىء القرآن كما أنزل لألفيتمونا فيه مسمين كما سمي من كان قبلنا ، إلى أن قال : غير أن الخبر قد صح عن أئمتنا عليهم السلام أنهم قد أمروا بقراءة مابين الدفتين وأن لا نتعداه بلا زيادة ولانقصان منه إلى أن يقوم القائم (ع) فيقرىء الناس القرآن على ما أنزل الله تعالى وجمعه أمير المؤمنين عليه السلام ونهونا عن قراءة ما وردت به الأخبار من أحرف تزيد على الثابت في المصحف لأنها لم تأت على التواتر وإنما جاء بالآحاد (1)، و قد يغلط الواحد فيما ينقله ولأنه متى قرأ الإنسان بما يخالف ما بين الدفتين غرر بنفسه مع أهل الخلاف وأغرى به الجبارين وعرض نفسه للهلاك فمنعونا (ع) من قراءة القرآن بخلاف ما يثبت بين الدفتين .
(7) أبو الحسن العاملي :
قال في المقدمة الثانية لتفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار ص 36 (2)
__________
(1) - الشيعة لا يستطيعون أن يثبتوا التواتر إلا بنقل أهل السنة فيكون القرأن كله عندهم آحاد .
(2) - وهذا التفسير مقدمه لتفسير " البرهان " للبحراني ط دار الكتب العلمية - قم - ايران .
* ملاحظة : قامت دار الهادي - بيروت - في طباعة تفسير البرهان لكنها حذفت مقدمة أبو الحسن العاملي لأنه صرح بالتحريف .(54/18)
: " اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها ، أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول - صلى الله عليه وسلم - شيء من التغييرات ، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيرا من الكلمات والآيات ، وأن القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لما أنزله الله تعالى ، ما جمعه علي عليه السلام وحفظه الى أن وصل الى ابنه الحسن عليه السلام ، وهكذا إلى أن وصل إلى القائم عليه السلام ، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه . ولهذا كما ورد صريحاً في حديث سنذكره لما أن كان الله عز وجل قد سبق في علمه الكامل صدور تلك الأعمال الشنيعة من المفسدين( (1) ) في الدين ، وأنهم بحيث كلما اطلعوا على تصريح بما يضرهم ويزيد في شأن علي عليه السلام وذريته الطاهرين ، حاولوا إسقاط ذلك أو تغييره محرفين . وكان في مشيئته الكاملة ومن ألطافه الشاملة محافظة أوامر الإمامة والولاية ومحارسة مظاهر فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - والأئمة بحيث تسلم عن تغيير أهل التضييع والتحريف ويبقى لأهل الحق مفادها مع بقاء التكليف . لم يكتف بما كان مصرحاً به منها في كتابه الشريف بل جعل جل بيانها بحسب البطون وعلى نهج التأويل وفي ضمن بيان ما تدل عليه ظواهر التنزيل وأشار إلى جمل من برهانها بطريق التجوز والتعريض والتعبير عنها بالرموز والتورية وسائر ما هو من هذا القبيل حتى تتم حججه على الخلائق جميعها ولو بعد إسقاط المسقطين ما يدل عليها صريحاً بأحسن وجه وأجمل سبيل ويستبين صدق هذا المقال بملاحظة جميع ما نذكره في هذه الفصول الأربعة المشتملة على كل هذه الأحوال .
وقد جعل ابو الحسن العاملي الفصل الرابع من المقدمة الثانية رداً على من انكر التحريف . وعنوانها هو " بيان خلاصة اقوال علمائنا في تغيير القرآن وعدمه وتزييف استدلال من انكر التغير حيث قال :
__________
(1) - يقصد الصحابه رضوان الله عليهم .(54/19)
اعلم أن الذي يظهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن لأنه روى روايات كثيرة في هذا المعنى في كتاب الكافي الذي صرح في أوله بأنه كان يثق فيما رواه فيه ولم يتعرض لقدح فيها ولا ذكر معارض لها ، وكذلك شيخه على بن إبراهيم القمي فإن تفسيره مملوء منه وله غلو فيه قال رضي الله عنه في تفسيره : أما ما كان من القرآن خلاف ما أنزل الله فهو قوله تعالى :
{ كنتم خير أمة أخرجت للناس}(1) فإن الصادق عليه السلام قال لقاريء هذه الآية : خير أمة : يقتلون علياً والحسين بن علي عليه السلام ؟ فقيل له : فكيف نزلت ؟ فقال : إنما نزلت خير أئمة أخرجت للناس : ألا ترى مدح الله لهم في آخر الآية : تأمرون بالمعروف الآية ثم ذكر رحمه الله آيات عديد من هذا القبيل ثم قال: وأما ما هو محذوف عنه فهو قوله تعالى : { لكن الله يشهد بما أنزل اليك }(2) في علي قال : كذا نزلت أنزله بعلمه والملائكة يشهدون ثم ذكر أيضاً آيات من هذا القبيل ثم قال : وأما التقديم فإن آية عدة النساء الناسخة التي هي أربعة أشهر قدمت على المنسوخة التي هي سنة وكذا قوله تعالى : { أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة}( (3) فإنما هو يتلوه شاهد منه إماماً ورحمة ومن قبله كتاب موسى ثم ذكر أيضاً بعض آيات كذلك ثم قال وأما الآيات التي تمامها في سورة أخرى : { قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم } (4). وتمامها في سورة المائدة {فقالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون} (5) ونصف الآية في سورة البقرة ونصفها في سورة المائدة ثم ذكر آيات أيضاً من
__________
(1) - سورة آل عمران أية : 110.
(2) - سورة نساء آية : 166 .
(3) - سورة هود آية : 17 .
(4) - سورة البقرة آية : 61 .
(5) - سورة المائدة آية : 22 .(54/20)
هذا القبيل ولقد قال بهذا القول أيضاً ووافق القمي والكليني جماعة من أصحابنا المفسرين ، كالعياشي ، والنعماني ، وفرات بن إبراهيم ، وغيرهم وهو مذهب أكثر محققي محدثي المتأخرين، وقول الشيخ الأجل أحمد بن أبي طالب الطبرسي كما ينادي به كتابه الاحتجاج وقد نصره شيخنا العلامة باقر علوم أهل البيت عليهم السلام وخادم أخبارهم عليهم السلام في كتابه بحار الأنوار ، وبسط الكلام فيه بما لا مزيد عليه وعندي في وضوح صحة هذا القول بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع (1). وأنه من أكبر مفاسد غصب الخلافة فتدبر حتى تعلم وهم الصدوق(2) في هذا المقام حيث قال في اعتقاداته بعد أن قال(3) : اعتقادنا أن القرآن الذي أنزل الله على نبيه هو ما بين الدفتين وما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك وأن من نسب إلينا أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب وتوجيه كون مراده علماء قم فاسد ، إذ علي بن إبراهيم الغالي في هذا القول منهم نعم قد بالغ في إنكار هذا الأمر السيد المرتضي في جواب المسائل الطرابلسيات ، وتبعه أبو علي الطبرسي في مجمع البيان حيث قال أما الزيادة في القرآن فمجمع على بطلانه .
__________
(1) - هذا اعتراف من العالم الشيعي الكبير عندهم ان القول بالتحريف من ضروريات مذهب التشيع .
(2) - يقصد أباجعفر محمد بن بابويه القمي الملقب بالصدوق ويرميه بالوهم حين انكر التحريف .
(3) - هنا ينقل كلام الصدوق الذي أنكر فيه التحريف .(54/21)
وأما النقصان فيه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة(1) أن في القرآن تغييرا ونقصانا والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، وهو الذي نصره المرتضى قدس روحه وكذا تبعه شيخه الطوسي في التبيان حيث قال : وأما الكلام في زيادته ونقصانه يعني القرآن فمما لا يليق به لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانه وأما النقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا كما نصره المرتضى وهو الظاهر من الروايات غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة العامة والخاصة بنقصان من آي القرآن ، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، لكن طريقها الآحاد التي لا توجب علماً فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها لأنه يمكن تأويلها ولو صحت لما كان ذلك طعناً على ما هو موجود بين الدفتين فإن ذلك معلوم صحته لا يعترضه أحد من الأمة ورواياتنا متناصرة بالحث على قرائته والتمسك بما فيه ورد ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع إليه وعرضها عليه فما وافقه عمل عليه وما يخالفه يجتنب ولا يلتفت إليه وقد وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواية لا يدفعها أحد أنه قال : " إني مخلف فيكم الثقلين إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض" وهذا يدل على أنه موجود في كل عصر لأنه لا يجوز أن يأمر الأمة بالتمسك بما لا تقدر على التمسك به ، كما إن أهل البيت ومن يجب اتباع قوله حاصل في كل وقت وإذا كان الموجود بيننا مجمعاً على صحته فينبغي أن نتشاغل بتفسيره وبيان معانيه وترك ما سواه .
__________
(1) - يقصد أهل السنه الذين هم برءاء من الطعن في القرآن .(54/22)
أقول(1) : أما ادعاؤهم(2) عدم الزيادة أي زيادة آية أو آيات مما لم يكن من القرآن فالحق كما قالوا إذ لم نجد في أخبارنا المعتبرة ما يدل على خلافه سوى ظاهر بعض فقرات خبر الزنديق في الفصل السابق وقد وجهناه بما يندفع عنه هذا الاحتمال ، وقد مر في الفصل الأول وفي روايات العياشي أن الباقر عليه السلام قال : إن القرآن قد طرح منه آي كثيرة ولم يزد فيه إلا حروف قد أخطأت بها الكتبة وتوهمتها الرجال ، وأما كلامهم في مطلق التغيير والنقصان فبطلانه بعد أن نبهنا عليه أوضح من أن يحتاج إلى بيان وليت شعري كيف يجوز لمثل الشيخ (3) أن يدعي أن عدم النقصان ظاهر الروايات مع أننا لم نظفر على خبر واحد يدل عليه ، نعم دلالتها على كون التغيير الذي وقع غير مخل بالمقصود كثيرا كحذف اسم علي وآل محمد - صلى الله عليه وسلم - وحذف أسماء المنافقين وحذف بعض الآيات وكتمانه ونحو ذلك وإن ما بأيدينا كلام الله وحجة علينا كما ظهر من خبر طلحة السابقة في الفصل الأول مسلمة ، ولكن بينه وبين ما ادعاه بون بعيد وكذا قوله رحمه الله " إن الأخبار الدالة على التغيير والنقصان من الآحاد التي لا توجب علماً" مما يبعد صدوره عن مثل الشيخ لظهور أن الآحاد التي احتج بها الشيخ في كتبه وأوجب العمل عليها في كثير من مسائله الخلافية ليست بأقوى من هذه الأخبار لا سنداً ولا دلالة على أنه من الواضحات البينة أن هذه الأخبار متواترة معنى ، مقترنة بقرائن قوية موجبة للعلم العادي بوقوع التغيير ولو تمحل أحد للشيخ بأن مراده أن هذه الأخبار ليست بحد معارضة ما يدل على خلافها من أدلة المنكرين ، فجوابه بعد الإغماض عن كونه تمحلا سمجاً ما سنذكره من ضعف
__________
(1) - هنا بدأ العالم الشيعي أبو الحسن العاملي يرد على الصدوق ويبطل الأعذار التي اعتمدها الصدوق لاثبات أن القرآن ليس محرف .
(2) - يقصد إدعاء من أنكر التحريف .
(3) - يقصد ( الطوسي ) الملقب عند الشيعة بشيخ الطائفة .(54/23)
مستند المنكرين ومن الغرائب أيضاً أن الشيخ ادعى امكان تأويل هذه الأخبار وقد أحطت خبراً بأن أكثرها مما ليس بقابل للتوجيه ، وأما قوله : ولو صحت إلخ فمشتملة على أمور غير مضرة لنا بل بعضها لنا لا علينا إذ:
منها عدم استلزام صحة أخبار التغيير والنقص ، الطعن على ما في هذه المصاحف ، بمعنى عدم وجود منافات بين وقوع هذا النوع من التغيير وبين التكليف بالتمسك بهذا المغير ، والعمل على ما فيه لوجوه عديدة كرفع الحرج ودفع ترتب الفساد وعدم التغيير بذلك عن إفادة الأحكام ونحوها وهو أمر مسلم عندنا ولا مضرة فيه علينا بل به نجمع بين أخبار التغيير وما ورد في اختلاف الأخبار من عرضها على كتاب الله والأخذ بالموافق له.(54/24)
ومنها استلزام الأمر بالتمسك بالثقلين وجود القرآن في كل عصر ما دام التكليف كما أن الإمام عليه السلام الذي قرينه كذلك ولا يخفى أنه أيضاً غير ضار لنا بل نافع إذ يكفي في وجوده في كل عصر وجوده جميعاً كما أنزل الله مخصوصاً عند أهله أي الإمام الذي قرينه ولا يفترق عنه ووجود ما احتجنا اليه عندنا وإن لم نقدر على الباقي كما أن الإمام الذي هو الثقل الآخر أيضا كذلك لا سيما في زمان الغيبة فإن الموجود عندنا حينئذ أخباره وعلماؤه القائمون مقامة اذ من الظواهر أن الثقلين سيان في ذلك ثم ما ذكره السيد المرتضي لنصرة ما ذهب إليه أن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت حداً لم تبلغه فيما ذكرناه لأن القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته ، الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلفوا فيه من إعرابه وقرائته وحروفه وآياته فكيف يجوز أن يكون مغيراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد وذكر أيضاً أن العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمازني مثلآً فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها حتى لو أن مدخلاً أدخل في كتاب سيبويه مثلآً باباً في النحو ليس من الكتاب يعرف ويميز ويعلم أنه ليس من الكتاب إنما هو ملحق ومعلوم أن العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء ، وجوابه(1): أنا لا نسلم توفر الدواعي على ضبط القرآن في الصدر الأول وقبل جمعه كما ترى غفلتهم عن كثير من الأمور المتعلقة بالدين ألا ترى اختلافهم(2)
__________
(1) - هنا يرد أبو الحسن العاملي على استدلالات المرتضى التي جاء بها لكي ينكر التحريف .
(2) - يقصد اختلاف الصحابه رضى الله عنهم .(54/25)
في أفعال الصلاة التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكررها معهم في كل يوم خمس مرات على طرفي النقيض ؟ ألا تنظر إلى أمر الولاية وأمثالها ؟ وبعد التسليم نقول إن الدواعي كما كانت متوفرة على نقل القرآن وحراسته من المؤمنين كذلك كانت متوفرة على تغييره من المنافقين المبدلين(1) للوصية المغيرين للخلافة لتضمنه ما يضاد رأيهم وهو أهم والتغيير فيه إنما وقع قبل انتشاره في البلدان واستقراره على ما هو عليه الآن والضبط الشديد إنما كان بعد ذلك فلا تنافي بينهما .
وأيضاً إن القرآن الذي هو الأصل الموافق لما أنزل الله سبحانه لم يتغير ولم ينحرف بل هو على ماهو عليه محفوظ عند أهله وهم العلماء(2) به فلا تحريف كما صرح به الإمام في حديث سليم الذي مر من كتاب الاحتجاج في الفصل الأول من مقدمتنا هذه وإنما التغيير في كتابة المغيرين إياه وتلفظهم به فإنهم ما غيروا إلا عند نسخهم القرآن فالمحرف إنما هو ما أظهروه لأتباعهم والعجب من مثل السيد(3) أن يتمسك بأمثال هذه الأشياء(4) التي هي محض الاستبعاد بالتخيلات في مقابل متواتر الروايات فتدبر .
__________
(1) - يقصد الصحابه رضوان الله عليهم .
(2) - يقصد الائمة الاثنى عشر .
(3) - يقصد السيد المرتضى .
(4) - أي الدلائل على حفظ القرآن .(54/26)
ومما ذكر أيضاً لنصرة مذهبه طاب ثراه أن القرآن كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجموعاً مؤلفاً على ماهو عليه الآن ، واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له وإن كان يعرض على النبي ويتلى ، وأن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة ختمات وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا مبثوث وذكر أن من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم ، فإن الخلاف في ذلك مضاف الى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته .(54/27)
وجوابه(1) : أن القرآن مجموعاً في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما هو عليه الآن غير ثابت بل غير صحيح وكيف كان مجموعاً وإنما كان ينزل نجوماً وكان لايتم إلا بتمام عمره ولقد شاع وذاع وطرق الأسماع في جميع الأصقاع أن علياً عليه السلام قعد بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته أياماً مشتغلاً بجمع القرآن وأما درسه وختمه فإنما كانوا يدرسون(2) ويختمون ما كان عندهم منه، لإتمامه ومن أعجب الغرائب أن السيد حكم في مثل هذه الخيال الضعيف الظاهر خلافه بكونه مقطوع الصحة حيث أنه كان موافقاً لمطلوبه واستضعف الأخبار التي وصلت فوق الاستفاضة عندنا وعند مخالفينا بل كثرت حتى تجاوزت عن المائة مع موافقتها للآيات والأخبار التي ذكرناها في المقالة السابقة كما بينا في آخر الفصل الأول من مقدمتنا هذه ومع كونها مذكورة عندنا في الكتب المعتبرة المعتمدة كالكافي مثلاً بأسانيد معتبرة وكذا عندهم في صحاحهم كصحيحي البخاري ومسلم مثلاً الذي هما عندهم كما صرحوا به تالي كتاب الله في الصحة والاعتماد بمحض أنها دالة على خلاف المقصود وهو أعرف بما قال والله أعلم .
ثم ما استدل به المنكرون بقوله : { إنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه }(3) وقوله سبحانه : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }( (4) فجوابه(5) بعد تسليم دلالتها على مقصودهم ظاهر مما بيناه من أن أصل القرآن بتمامه كما أنزل الله عند الإمام ووراثه عن علي عليه السلام فتأمل والله الهادي(6) .
__________
(1) - هنا يرد أبو الحسن العاملي على السيد المرتضى الذي أنكر التحريف .
(2) - أي الصحابة .
(3) - سورة فصلت آية 41.
(4) - سورة الحجر آية 9 .
(5) - هنا يرد ابو الحسن العاملي على كل واحد أنكر التحريف ويقصد أن هاتين الآيتين لا تدلان على حفظ القرآن من التحريف .
(6) - تفسير مرآة الأنوار ومشكاة الاسرار - أبو الحسن العاملي ص 49 ، 50 ، 51 .(54/28)
(8) سلطان محمد بن حيدر الخرساني :
قال : " اعلم أنه قد استفاضت الأخبار عن الأئمة الأطهار بوقوع الزيادة والنقيصة والتحريف والتغيير فيه بحيث لا يكاد يقع شك في صدور بعضها منهم وتأويل الجميع بأن الزيادة والنقيصة والتغيير إنما هي في مدركاتهم من القرآن لا في لفظ القرآن كلغة ، ولا يليق بالكاملين في مخاطباتهم العامة ، لأن الكامل يخاطب بما فيه حظ العوام والخواص وصرف اللفظ عن ظاهره من غير صارف ، وما توهموا صارفاً من كونه مجموعاً عندهم في زمن النبي، وكانوا يحفظونه ويدرسونه ، وكانت الأصحاب مهتمين بحفظه عن التغيير والتبديل حتى ضبطوا قراءات القراء وكيفيات قراءاتهم .(54/29)
فالجواب(1) عنه أن كونه مجموعاً غير مسلم ، فإن القرآن نزل في مدة رسالته إلى آخر عمره نجوماً ، وقد استفاضت الأخبار بنزول بعض السور وبعض الآيات في العام الآخر وما ورد من أنهم جمعوه بعد رحلته ، وأن علياً جلس في بيته مشغولاً بجمع القرآن ، أكثر من أن يمكن إنكاره، وكونهم يحفظونه ويدرسونه مسلم لكن الحفظ والدرس فيما كان بأيديهم ، واهتمام الأصحاب بحفظه وحفظ قراءات القراء وكيفيات قراءاتهم كان بعد جمعه وترتيبه ، وكما كانت الدواعي متوفرة في حفظه ، كذلك كانت متوفرة من المنافقين(2) في تغييره ، وأما ماقيل أنه لم يبق لنا حينئذ اعتماد عليه والحال أنا مأمورون بالاعتماد عليه ، واتباع أحكامه ، والتدبر في آياته ، وامتثال أوامره ونواهيه ، وإقامة حدوده وعرض الأخبار عليه ، لايعتمد عليه صرف مثل هذه الأخبار الكثيرة الدالة على التغيير والتحريف عن ظواهرها ، لأن الاعتماد على هذا المكتوب ووجوب اتباعه ، وامتثال أوامره ونواهيه ، وإقامة حدوده وأحكامه ، إنما هي للأخبار الكثيرة الدالة على ما ذكر للقطع بأن ما بين الدفتين هو الكتاب المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - من غير نقيصة وزيادة وتحريف فيه . ويستفاد من هذه الأخبار أن الزيادة والنقيصة والتغيير إن وقعت في القرآن لم تكن مخلة بمقصود الباقي منه بل نقول كان المقصود الأهم من الكتاب الدلالة على العترة والتوسل بهم ، وفي الباقي منه حجتهم أهل البيت ، وبعد التوسل بأهل البيت إن أمروا باتباعه كان حجة قطعية لنا ولو كان مغيراً مخلاً بمقصوده ، وإن لم نتوسل بهم أو يأمروا باتباعه ، وكان التوسل به ، واتباع أحكامه واستنباط أوامره ونواهيه ، وحدوده وأحكامه ، من قبل أنفسنا كان من قبيل التفسير بالرأي الذي منعوا منه ، ولو لم يكن مغيرا"(3)
__________
(1) - هنا يرد الخرساني على من أنكر التحريف ورده يشبه رد العالم الشيعي أبو الحسن العاملي .
(2) - يقصد الصحابة .
(3) - تفسير " بيان السعادة في مقامات العبادة " المجلد الأول ص19،20 - مؤسسة الاعلمي - بيروت .(54/30)
.
(9) العلامه الحجه السيد عدنان البحراني :
بعد أن ذكر الروايات التي تفيد التحريف في نظره قال :
الأخبار التي لا تحصى كثيره وقد تجاوزت حد التواتر ولا في نقلها كثير فائده بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين(1) وكونه من المسلمات عند الصحابة والتابعين بل واجماع الفرقة (2) ) المحقة وكونه من ضروريات (3) مذهبهم وبه تضافرت أخبارهم(4) .
(10) العلامة المحدث الشهير يوسف البحراني :
بعد أن ذكر الأخبار الدالة على تحريف القرآن في نظره قال :
" لايخفى ما في هذه الأخبار من الدلاله الصريحه والمقاله الفصيحة على ما أخترناه ووضوح ما قلناه ولو تطرق الطعن إلى هذه الأخبار(5) على كثرتها وانتشارها لأمكن الطعن إلى أخبار الشريعه (6) كلها كما لايخفى إذ الاصول واحدة وكذا الطرق والرواة والمشايخ والنقله ولعمري ان القول بعدم التغيير والتبديل لا يخرج من حسن الظن بأئمة الجور(7) وأنهم لم يخونوا في الأمانة الكبرى(8) مع ظهور خيانتهم في الأمانة الأخرى(9) التي هي أشد ضررا على الدين(10) ) ".
__________
(1) - يقصد أن أهل السنه يقولون بالتحريف ايضاً وهذا كذب وراجع آراء علماء أهل السنه بالقرآن في هذا الكتاب .
(2) - هنا يذكرالبحراني ان الشيعة وفي نظره هم الفرقة المحقة قد أجمعوا على القول بأن القرآن محرف .
(3) - هنا يذكر البحراني ان القول بان القرآن محرف هو من ضروريات مذهب الشيعة .
(4) - مشارق الشموس الدريه منشورات المكتبه العدنانيه - البحرين ص 126 .
(5) - أي الأخبار التي تطعن بالقرآن الكريم .
(6) - أي شريعة مذهب الشيعة .
(7) - يقصد الصحابة رضوان الله عليهم .
(8) - يقصد القرآن الكريم .
(9) - يقصد امامه على رضي الله عنه .
(10) - الدرر النجفيه للعلامه المحدث يوسف البحراني مؤسسة آل البيت لاحياء التراث ص 298.(54/31)
* لاحظ أخي المسلم ان هذا العالم الشيعي الكبير عندهم لايستطيع ان يطعن في الروايات التي تثبت التحريف في كتب الشيعة لان هذا الطعن يعتبره طعناً في شريعة مذهب الشيعه .
(11) النوري الطبرسي ( المتوفي 1320هـ ) وكتابه (فصل الخطاب) :
قد كانت روايات وأقوال الشيعه في التحريف متفرقة في كتبهم السالفة التي لم يطلع عليها كثير من الناس حتى أذن الله بفضيحتهم على الملأ ، عندما قام النوري الطبرسي - أحد علمائهم الكبار - في سنة 1292هـ وفي مدينة النجف حيث المشهد الخاص بأمير المؤمنين بتأليف كتاب ضخم لإثبات تحريف القرآن . سماه ( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) وقد ساق في هذا الكتاب حشداً هائلاً من الروايات لإثبات دعواه في القرآن الحالي أنه وقع فيه التحريف .
وقد اعتمد في ذلك على أهم المصادر عندهم من كتب الحديث والتفسير ، واستخرج منها مئات الروايات المنسوبة للأئمة في التحريف . وأثبت أن عقيدة تحريف القرآن هي عقيدة علمائهم المتقدمين .
وقد قسم كتابه هذا إلى ثلاث مقدمات وبابين .
المقدمة الأولى : عنون لها بقوله (في ذكر الأخبار التي وردت في جمع القرآن وسبب جمعه ، وكونه في معرض النقص ، بالنظر الى كيفية الجمع ، وأن تأليفه يخالف تأليف المؤمنين ).
المقدمة الثانية : جعل عنوانها ( في بيان أقسام التغيير الممكن حصوله في القرآن والممتنع دخوله فيه ) .
المقدمة الثالثة : جعلها في ذكر أقوال علمائهم في تغيير القرآن وعدمه (1).
ولعل هذه العناوين تنبأ عما تحتها من جرأة عظيمة على كتاب الله الكريم بشكل لم يسبق له مثيل .
__________
(1) - فصل الخطاب : ص 1 .(54/32)
وسأعرض عن النقل من المقدمتين الأوليين ، حرصا على عدم الإطالة ، وأكتفي بنقل ما أورده الطبرسي في المقدمة الثالثة من أسماء علمائهم القائلين بالتحريف . قال : "المقدمة الثالثة ( في ذكر أقوال علمائنا رضوان الله عليهم أجمعين في تغيير القرآن وعدمه) فاعلم أن لهم في ذلك أقوالا مشهورها اثنان :
الأول : وقوع التغيير والنقصان فيه وهو مذهب الشيخ الجليل علي بن إبراهيم القمي - شيخ الكليني - في تفسيره . صرح بذلك في أوله وملأ كتابه من أخباره مع التزامه في أوله بألا يذكر فيه إلا مشايخه وثقاته .
ومذهب تلميذه ثقة الاسلام الكليني رحمه الله على مانسبه اليه جماعة ، لنقله الأخبار الكثيرة والصريحة في هذا المعنى .
وبهذا يعلم مذهب الثقة الجليل محمد بن الحسن الصفار في كتاب بصائر الدرجات... وهذا المذهب صريح الثقة محمد بن إبراهيم النعماني تلميذ الكليني صاحب كتاب (الغيبة) المشهور ، وفي (التفسير الصغير) الذي اقتصر فيه على ذكر أنواع الآيات وأقسامها ، وهو منزلة الشرح لمقدمة تفسير علي بن إبراهيم .
وصريح الثقة الجليل سعد بن عبد الله القمي في كتاب (ناسخ القرآن ومنسوخه) كما في المجلد التاسع عشر من البحار ، فإنه عقد بابا ترجمته (باب التحريف في الآيات التي هي خلاف ما أنزل الله عز وجل مما رواه مشائخنا رحمة الله عليهم من العلماء من آل محمد عليهم السلام ) ثم ساق مرسلا أخبارا كثيرة تأتي في الدليل الثاني عشر فلاحظ .
وصرح السيد علي بن أحمد الكوفي في كتاب (بدع المحدثة) ، وقد نقلنا سابقا ما ذكره فيه في هذا المعنى ..
وهو ظاهر أجلة المفسرين وأئمتهم الشيخ الجليل محمد بن مسعود العياشي ، والشيخ فرات بن إبراهيم الكوفي ، والثقة النقد محمد بن العباس الماهيار ، فقد ملئوا تفاسيرهم بالأخبار الصريحة في هذا المعنى .(54/33)
وممن صرح بهذا القول ونصره الشيخ الأعظم : محمد بن محمد النعمان المفيد :
ومنهم شيخ المتكلمين ومتقدم النوبختيين أبو سهل إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت صاحب الكتب الكثيرة التي منها (كتاب التنبيه في الإمامة ) قد ينقل عنه صاحب الصراط المستقيم . وابن أخته الشيخ المتكلم ، الفيلسوف ، أبو محمد،حسن بن موسى ، صاحب التصانيف الجيدة ، منها : كتاب (الفرق والديانات).
والشيخ الجليل أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت صاحب كتاب (الياقوت) الذي شرحه العلامة ووصفه في أوله بقوله (شيخنا الأقدم وإمامنا الأعظم) .
ومنهم إسحاق الكاتب الذي شاهد الحجة - عجل الله فرجه ..
ورئيس هذه الطائفة الشيخ الذي قيل ربما بعصمته ، أبو القاسم حسين بن روح بن أبي بحر النوبختي ، السفير الثالث بين الشيعة والحجة صلوات الله عليه .
وممن يظهر منه القول بالتحريف : العالم الفاضل المتكلم حاجب بن الليث ابن السراج كذا وصفه في (رياض العلماء) .
وممن ذهب إلى هذا القول الشيخ الجليل الأقدم فضل بن شاذان في مواضع من كتاب (الإيضاح) . وممن ذهب اليه من القدماء الشيخ الجليل محمد بن الحسن الشيباني صاحب تفسير (نهج البيان عن كشف معاني القرآن ) (1).
أما الباب الأول : فقد خصصه الطبرسي لذكر الأدلة التي استدل بها هؤلاء العلماء على وقوع التغيير والنقصان في القرآن . وذكر تحت هذا الباب اثنى عشر دليلا استدل بها على مازعمه من تحريف القرآن . وأورد تحت كل دليل من هذه الأدلة حشداً هائلاً من الروايات المفتراه على أئمة آل البيت الطيبين(2).
__________
(1) - فصل الخطاب : ص 25-26 .
(2) - فصل الخطاب : ص 35 .(54/34)
أما الباب الثاني : فقد قام فيه الطبرسي بذكر أدلة القائلين بعدم تطرق التغيير في القرآن ثم رد عليها ردا مفصلاً (1).
* يقول النوري الطبرسي في ص 211 من كتابه " فصل الخطاب " عن صفات القرآن .
( فصاحته في بعض الفقرات البالغة وتصل حد الإعجاز وسخافة بعضها الآخر ) .
* ملاحظة مهمة : إن كتاب " فصل الخطاب في اثبات تحريف كتاب رب الارباب" .
للنوري الطبرسي لا ينكره حسب علمي أي عالم شيعي .
... واليك أخي المسلم بعض العلماء والمؤلفين من الشيعة الذين ذكروا في مؤلفاتهم أن كتاب " فصل الخطاب " صاحبه هو العلامة النوري الطبرسي وهم :
1 - ... العلامة أغا بزرك الطهراني .. في كتابه نقباء البشر في القرن الرابع عشر عند ترجمة النوري الطبرسي .
2 - ... السيد ياسين الموسوي .. في مقدمة كتاب " النجم الثاقب للنوري الطبرسي " .
3 - ... رسول جعفر يان .. في كتابه " اكذوبة التحريف أو القرآن ودعاوي التحريف " .
4 - ... العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي .. في كتابه " حقائق هامة حول القرآن الكريم ".
5 - ... السيد علي الحسيني الميلاني .. في كتابه " التحقيق في نفي التحريف " .
6 - ... الاستاذ محمد هادي معرفه .. في كتابه " صيانة القرآن من التحريف " .
7 - باقر شريف القرشي .. في كتابه " في رحاب الشيعه ص 59 " .
(12) العلامه المحقق الحاج ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي .
وهذا العالم عدد الأدلة الداله على نقصان القرآن ، ونذكر بعض هذه الأدلة كما قال هذا العالم الشيعي .
... 1 - نقص سورة الولاية (2) .
... 2 - نقص سورة النورين (3) .
__________
(1) - فصل الخطاب : ص 357 أو انظر كتاب الشيعة وتحريف القرآن للمؤلف محمد مال الله .
(2) - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغه مؤسسة الوفاء - بيروت ج 2 المختار الاول ص214.
(3) - المصدر السابق ص 217 .(54/35)
... 3 - نقص بعد الكلمات من الآيات (1) .
ثم قال ان الامام علياً لم يتمكن من تصحيح القرآن في عهد خلافته بسبب التقيه ، وأيضاً حتى تكون حجة في يوم القيامه على المحرفين ، والمغيرين (2).
ثم قال هذا العالم الشيعي ان الأئمة لم يتمكنوا من اخراج القرآن الصحيح خوفاً من الاختلاف بين الناس ورجوعهم الى كفرهم الأصلي (3).
(13) الميثم البحراني : قال : في الطعن على عثمان :
" انه جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصة وأحرق المصاحف ، وأبطل مالاشك انه من القرآن المنزل" (4) .
(14) ... ( أ ) السيد محسن الحكيم .
... (ب) السيد ابو القاسم الخوئي .
... (جـ) روح الله الخميني .
... ( د) الحاج السيد محمود الحسيني الشاهدوري .
... (هـ) الحاج السيد محمد كاظم شريعتمداري .
... ( و) العلامة السيد على تقي التقوى .
طعنهم بالقرآن بسبب توثيقهم لدعاء صنمي قريش الذي يحوى الطعن بالقرآن .
... ونذكر مقدمه الدعاء " اللهم صل على محمد وأل محمد والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيها وافكيها وأبنتيهما اللذين خالفا أمرك وانكرا وصيك وجحدا أنعامك وعصيا رسولك ، وقلبا دينك وحرفا كتابك (5) .. اللهم العنهم بكل آية (6) حرفوها (7).
(15) محمد بن يعقوب الكليني :
__________
(1) - المصدر السابق ص 217 .
(2) - المصدر السابق ص 219 .
(3) - المصدر السابق ص 220 .
(4) - " شرح نهج البلاغه لميثم البحراني : ص 1 جـ11 ط ايران .
(5) ، 2 - وهذا الكلام طعن في القرآن الكريم والمقصودون في الدعاء هم ابو بكر وعمر وعائشة وحفصة رضي الله عنهم.
(6) - وقد ورد توثيق هؤلاء العلماء لهذا الدعاء في كتاب (تحفة العوام مقبول جديد) باللغه الاوردية لمؤلفه منظور حسين (ص442) .(54/36)
1 - عن جابر قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل الاكذاب وما جمعه وحفظه كما أنزل الله تعالى الا علي بن ابي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام (1) .
2 - عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام انه قال : ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن ظاهره وباطنه غير الأوصياء (2) .
3 - قرأ رجل عند أبي عبد الله { فقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}(3) فقال ليست هكذا هي انما هي والمأمونون فنحن المأمونون(4).
4 - عن أبن بصير عن ابي عبد الله "ع" قال : ان عندنا لمصحف فاطمه "ع" وما يدريك ما مصحف فاطمه "ع" ؟ قال : قلت : وما مصحف فاطمه "ع" ؟ قال : مصحف فاطمه فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد : قال: قلت هذا والله العلم (5).
5 - عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله "ع" قال : ان القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام الى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية (6).
* ملاحظة : قارن أيها القارئ عدد الآيات في الرواية الخامسة مع عدد آيات القرآن الكريم وهو ستة آلاف تجد ان القرآن الذي تدعيه الشيعة أكثر من القرآن الحالي بثلاث مرات تقريبا أى المقصود مصحف فاطمة رضي الله عنها كما جاء في الرواية الرابعة.
(16) محمد بن مسعود المعروف بـ ( العياشي ) :
... (1) روى العياشي عن أبي عبد الله انه قال " لو قرئ القرآن كما إنزل لألفيتنا فيه مسمين(7)."(8)..
__________
(1) - أصول الكافي كتاب الحجه جـ 1 ص 284 .
(2) - المصدر السابق : ص 285.
(3) - سورة التوبة : آية 105 .
(4) - أصول الكافي : كتاب الحجه جـ1 ص 492 .
(5) - أصول الكافي : كتاب الحجه جـ1 ص 295 .
(6) - أصول الكافي : جـ2 كتاب فضل القرآن ص 597 .
(7) - أي مذكور أسماء الائمة بالقرآن .
(8) - تفسير العياشي ج 1 ص 25 منشورات الاعلمي - بيروت ط 91 .(54/37)
... (2) ويروي ايضاً عن ابي جعفر " أنه قال لو لا انه زيد في كتاب الله ونقص منه ، ما خفى حقنا على ذي حجي ، ولو قد قام قائمنا فنطق صدقه القرآن (1).
(17) أبو جعفر محمد بن الحسن الصفار .
... (1) فقد روى الصفار عن ابي جعفر الصادق انه قال : " ما من أحد من الناس يقول إنه جمع القرآن كله كما انزل الله إلا كذاب ، وما جمعه وما حفظه كما أنزل إلا علي بن ابي طالب والائمة من بعده (2).
... (2) الصفار عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن المنخل عن جابر عن ابي جعفر (ع) أنه قال : ما يستطيع أحد أن يدعي انه جمع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الاوصياء (3) .
(18) العالم الشيعي المقدس الأردبيلي :
" قال " " ان عثمان قتل عبد الله بن مسعود بعد أن أجبره على ترك المصحف الذي كان عنده وأكرهه على قراءة ذلك المصحف الذي ألفه ورتبه زيد بن ثابت بأمره وقال البعض إن عثمان أمر مروان بن الحكم ، وزياد بن سمرة . الكاتبين له أن ينقلا من مصحف عبد الله مايرضيهم ويحذفا منه ماليس بمرضي عندهم ويغسلا الباقي " (4).
(19) الحاج كريم الكرماني الملقب " بمرشد الأنام " قال :
" ان الامام المهدي بعد ظهوره يتلو القرآن ، فيقول أيها المسلمون هذا والله هو القرآن الحقيقي الذي أنزله الله على محمد والذي حرف وبدل " ( (5) .
(20) المجتهد الهندي السيد دلدار علي الملقب " بآية الله في العالمين "
__________
(1) - المصدر السابق .
(2) - الصفار ( بصائر الدرجات ) ص 213 - منشورات الاعلمي - طهران .
(3) - المصدر السابق .
(4) - حديقة الشيعة : للأردبيلي ص 118 - 119 ط ايران فارسي نقلا عن كتاب " الشيعه والسنه" للشيخ احسان الهى ظهير . ص 114 .
(5) - " ارشاد العوام" ص 221 جـ3 فارسي ط ايران نقلا عن كتاب الشيعة والسنه للشيخ احسان الهى ظهير صـ115.(54/38)
قال : " وبمقتضى تلك الأخبار أن التحريف في الجمله في هذا القرآن الذي بين أيدينا بحسب زيادة الحروف ونقصانه بل بحسب بعض الألفاظ وبحسب الترتيب في بعض المواقع قد وقع بحيث مما لاشك مع تسليم تلك الأخبار"( (1) .
(21) ملا محمد تقي الكاشاني : قال :
" ان عثمان أمر زيد بن ثابت الذي كان من أصدقائه هو وعدواً لعلي ، أن يجمع القرآن ويحذف منه مناقب آل البيت وذم أعدائهم ، والقرآن الموجود حالياً في أيدى الناس والمعروف بمصحف عثمان هو نفس القرآن الذي جمعه بأمر عثمان "( (2).
ثانيا : كبار علماء الشيعة يقولون
إن الروايات التي تطعن في القرآن الكريم متواترة ومستفيضة
1 - قال الشيخ المفيد :
" إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد - صلى الله عليه وسلم - باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان " (3).
2 - أبو الحسن العاملي :
" اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء من التغييرات ، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيرا من الكلمات والآيات " (4) .
3 - نعمة الله الجزائري :
__________
(1) - " استقصاء الأفحام " ص 11 جـ1 . ط ايران نقلا عن كتاب الشيعه والسنه : ص 115 .
(2) - " هداية الطالبين " ص 368 ط ايران 1282 فارسي نقلا عن كتاب الشيعة والسنه للشيخ احسان ص 94 .
(3) - اوائل المقالات : ص 91 .
(4) - المقدمه الثانية لتفسير مرآة الأنوار ومشكاة الاسرار ص 36 وطبعت هذه كمقدمه لتفسير البرهان للبحراني .(54/39)
" إن تسليم تواتره عن الوحي الإلهي ، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين ، يفضي الى طرح الأخبار المستفيضة ، بل المتواترة ، الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاما،ومادة،وإعرابا ، مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها " (1).
4 - محمد باقر المجلسي :
في معرض شرحه لحديث هشام بن سالم عن ابي عبد الله عليه السلام قال : إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - سبعة عشر ألف آية " قال عن هذا الحديث :
" موثق ، وفي بعض النسخ عن هشام بن سالم موضع هارون بن سالم ، فالخبر صحيح . ولا يخفى أن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى ، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً ، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر ؟ (2) " أي كيف يثبتون الإمامة بالخبر إذا طرحوا أخبار التحريف ؟
5 - سلطان محمد الخراساني :
قال : " اعلم أنه قد استفاضت الأخبار عن الأئمة الأطهار بوقوع الزيادة والنقيصة والتحريف والتغيير فيه بحيث لا يكاد يقع شك " (3) .
6 - العلامه الحجه السيد عدنان البحراني :
قال : " الأخبار التي لا تحصى ( أي اخبار التحريف ) كثيرة وقد تجاوزت حد التواتر" (4) .
ثالثا : كبار علماء الشيعه يقولون
بأن القول بتحريف ونقصان القرآن من ضروريات مذهب الشيعة
ومن هؤلاء العلماء :
__________
(1) - الأنوار النعمانية ج 2 ص 357 .
(2) - مرآة العقول الجزء الثاني عشر ص 525 .
(3) - تفسير (( بيان السعادة في مقامات العبادة )) مؤسسة الأعلمي ص 19 .
(4) - ( مشارق الشموس الدرية) منشورات المكتبه العدنانية - البحرين ص 126 .(54/40)
1 - أبو الحسن العاملي : إذ قال : " وعندي في وضوح صحة هذا القول " تحريف القرآن وتغييره " بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار ، بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع وانه من أكبر مقاصد غصب الخلافة " (1).
2 - العلامه الحجه السيد عدنان البحراني : إذ قال : " وكونه : أي القول بالتحريف " من ضروريات مذهبهم " أي الشيعة " (2) ..
رابعا : كبار علماء الشيعة يقولون
بأن الشيعة مجمعون على أن القرآن محرف
ومن هؤلاء العلماء :
1 - العلامه الحجه سيد عدنان البحراني : " بعد أن ذكر الروايات التي تفيد التحريف في نظره قال : الأخبار التي لا تحصى كثيرة وقد تجاوزت حد التواتر ولا في نقلها كثير فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين وكونه من المسلمات عند الصحابه والتابعين بل وأجماع الفرقة المحقة(3) وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تضافرت أخبارهم " (4) .
2 - الشيخ يحيى تلميذ الكركي : إذ قال : " مع أجماع أهل القبله من الخاص(5) والعام(6) ان هذا القرآن الذي في أيدي الناس ليس القرآن كله وأنه قد ذهب من القرآن ماليس في أيدي الناس" (7) .
__________
(1) - المقدمه الثانية الفصل الرابع لتفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار وطبعت كمقدمه لتفسير (البرهان للبحراني) .
(2) - مشارق الشموس الدرية ص 126 منشورات المكتبة العدنانية - البحرين .
(3) - أي الشيعة .
(4) - مشارق الشموس الدريه منشورات المكتبة العدنانية " البحرين " ص 126 .
(5) - أي الشيعة .
(6) - أهل السنه وهذا كذب وافتراء على علماء أهل السنة .
(7) - نقلا عن فصل الخطاب في اثبات تحريف كتاب رب الأرباب للنوري الطبرسي ص 23 وينقل النوري الطبرسي هذا الكلام من كتاب الأمامه يحيى تلميذ الكركي .(54/41)
3 - محمد بن النعمان ( المفيد ) قال : اتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامه واتفقوا على اطلاق البداء في وصف الله تعالى واتفقوا على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنه الرسول (- صلى الله عليه وسلم -)(1) .
خامسا : لماذا قال الشيعة إن القرآن محرف وناقص
اعتقد الشيعة التحريف في القرآن للأسباب التالية :
أولا : عدم ذكر الإمامة في القرآن الكريم :
... ان الشيعة يعتقدون أن مسألة الإمامة داخلة في المعتقدات الأساسية يكفر منكرها ، فتتعلق بالإيمانيات كالأيمان بالله وبالرسول - صلى الله عليه وسلم - وللإمامة عند الشيعة مفهوم خاص ينفردون به عن سائر المسلمين فيعتقدون ( أن الإمامة منصب إلهي كالنبوة فكما أن الله سبحانه يختار من يشاء من عباده للنبوة والرسالة ، ويؤيده بالمعجزة التي هي كنص من الله عليه ... فكذلك يختار للإمامة من يشاء ويأمر نبيه بالنص عليه وأن ينصبه إماما للناس من بعده..) (2)
__________
(1) - أوائل المقالات ص 48 ، 49 - دار الكتاب الأسلامي - بيروت .
(2) - محمد حسين آل كاشف الغطاء " أصل الشيعة وأصولها " ص 58 مؤسسة الاعلمي - بيروت .(54/42)
أما الفرق بين الرسول والنبي والإمام عندهم فقد روى صاحب الكافي أنه سئل إمامهم الرضا ( ما الفرق بين الرسول والنبي والإمام ؟ فكتب أو قال : الفرق بين الرسول والنبي والإمام : أن الرسول الذي ينزل عليه جبرائيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي وربما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم "ع" ، والنبي ربما سمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع ، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص . (1) وهذا النص يفيد أن الوحي الإلهي متحقق حصوله للثلاثة على اختلاف في الطريقة والوسيلة التي يصل بها " الوحي" لكن كانت رواية الكافي هذه تقول : إن الإمام يسمع الكلام ولا يرى الشخص " أى الملك " مع أن هناك عدة روايات عندهم تؤكد تحقق رؤية الإمام للملائكة حتى أن " عالمهم " المجلسي عقد في البحار بابا بعنوان ( باب أن الملائكة تأتيهم وتطأ فرشهم وأنهم يرونهم) (2) ، وذكر فيه ستة وعشرين حديثا منها ما ذكره عن الصادق قال : ( إن الملائكة لتنزل علينا في رحالنا وتتقلب على فرشنا ، وتحضر موائدنا وتأتينا في وقت كل صلاة لتصليها معنا ، وما من يوم يأتي .. إلا وأخبار أهل الأرض عندنا وما يحدث فيها ..) (3).
وعن الصادق ( إن منا لمن ينكت في أذنه ، وإن منا لمن يؤتى في منامه وإن منا لمن يسمع صوت السلسلة تقع على الطشت - كذا - وإن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرائيل وميكائيل ) (4).
__________
(1) - الكليني : " الكافي " ، كتاب الحجة ، باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث: 1/230 دار التعارف- بيروت .
(2) - " البحار " ( 26/351) دار احياء التراث العربي - بيروت : "الكافي" (ج1/458) دار التعارف - بيروت.
(3) - " البحار " : (26/356) .
(4) - " البحار " : (26/358) .(54/43)
فترى في هذه الروايات أن الفرق الذي ذكره الكليني عن الرضا بين الإمام والرسول والنبي - إن كان يعتبر فرقاًً - قد تلاشى حتى قال المجلسي نفسه ( إن استنباط الفرق بين النبي والإمام من تلك الأخبار لا يخلو من إشكال وكذا الجمع بينهما مشكل جدا) (1). ثم قال : (ولا نعرف جهة لعدم اتصافهم بالنبوة إلا رعاية خاتم الأنبياء ولا يصل عقولنا فرق بين النبوة والامامه ) (2).(3)
الإمامة ركن من أركان الدين عند الشيعة
الإيمان بإمامة الأئمة الاثنى عشر ركن من أركان الدين عندهم وكتبهم مليئة بما يثبت هذا ، من ذلك ما يرويه الكليني بسنده عن أبي جعفر قال : (بني الإسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه - يعني الولاية -)(4).
فالولاية - أي إمامة الاثنى عشر - يعتبرونها الركن الخامس للإسلام ، ويزعمون أنها محل الاهتمام والعناية من الشارع كما يدل على ذلك قوله (ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية) وما ندري أين هذا الاهتمام المزعوم وكتاب الإسلام العظيم كتاب الله تذكر فيه وتكرر أركان الإسلام من الشهادتين والصلاة والصوم والزكاة والحج ولا ذكر فيه لشأن ولاية أئمتهم الاثنى عشر ..
وأحيانا يجعلون أركان الإسلام ثلاثة الولاية إحداها . يروي الكليني بسنده عن الصادق "ع" قال : ( أثافي الإسلام ثلاثة : الصلاة والزكاة والولاية ولا تصح واحدة منهن إلا بصاحبتيها) (5).
__________
(1) - "البحار" : ج 26/82 .
(2) - "البحار" : ج 26/82 .
(3) - نقلا عن مسألة التقريب ( ناصر القفاري ) بعد التأكد من مصادر الشيعه .
(4) - الكليني : " الكافي " ، كتاب الإيمان والكفر ، باب دعائم الإسلام : (2/22) .
(5) - "الكافي" ، كتاب الإيمان والكفر ، باب دعائم الإسلام : (2/22) .(54/44)
ويقولون إن الولاية أفضل أركان الإسلام فعن زرارة عن أبي جعفر قال : ( بني الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية قال زرارة قلت : وأي شيء من ذلك أفضل ؟ فقال : الولاية أفضل ..) (1).
ويقولون إن الولاية لا رخصة فيها ، فعن أبي عبد الله قال : (إن الله افترض على أمة محمد خمس فرائض الصلاة والزكاة والصيام والحج وولايتنا فرخص لهم في أشياء من الفرائض الأربعة (2) ، ولم يرخص لأحد من المسلمين في ترك ولايتنا لا والله ما فيها رخصة (3).
تكفيرمن أنكر إمامة الأئمة الأثنى عشر عند الشيعة :
وردت روايات كثيرة عندهم تكفر من أنكر إمامة الأئمة الاثنى عشر ، ومن رواياتهم في ذلك :
عن أبي عبد الله "ع" قال : ( من ادعى الإمامة وليس من أهلها فهو كافر) (4). وأهلها هم الأئمة الاثنى عشر أو من ينوب عنهم من فقهاء الشيعة .
وعن أبي عبد الله قال : ( ثلاثة لا ينظر الله اليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم من ادعى امامة من الله ليست له ومن جحد إماما من الله ومن زعم أن لهما (5). في الإسلام نصيبا ) (6).
__________
(1) - المصدر السابق : (2/22) .
(2) - قال المجلسي: (قوله فرخص لهم في أشياء أي كقصر الصلاة في السفر وترك الصيام في السفر والمرض والحج والزكاة مع عدم الاستطاعة) "مرآة العقول" : (7/116) دار الكتب الاسلامية - طهران .
(3) - " الكافي " على هامش " مرآة العقول " : (7/116) ، وانظر : " الكافي " طبعة التعارف : (2/26) .
(4) - "الكافي" كتاب الحجة ، باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل : (1/434) .
(5) - يعنون بهما اللذين أقاما دولة الإسلام بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ونشرا دينه ، الخليفتين الراشدين أبا بكر وعمر .
(6) - " الكافي " كتاب الحجة ، باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل الخ: (1/434) .(54/45)
والعبادة عندهم لا قبول لها إلا بالإيمان بولاية الاثنى عشر ففي " البحار " للمجلسي : ( لو أن عبدا عبد الله ألف سنة وجاء بعمل 72 نبيا ما تقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت وإلا أكبه الله على منخريه في نار جهنم ) (1).
وعن الصادق - قال : ( الجاحد لولاية علي كعابد وثن ) (2).
وعقد المجلسي في " البحار " عدة أبواب في هذا المعنى منها : ( باب أنه لاتقبل الأعمال إلا بالولاية ) وذكر فيه واحدا وسبعين حديثا لهم (3).
( باب ... أنه يسئل عن ولايتهم في القبر ) وفيه 22 حديثا (4).
( باب أنهم شفعاء الخلق وأن إياب الخلق إليهم وحسابهم عليهم وأنه يسأل عن حبهم وولايتهم في يوم القيامة ) وفيه 15 حديثا (5).
أقوال علماء الشيعة تدل على
ان منكر ولاية أحد الائمة الاثنى عشر كافر عند الشيعة .
... قال ابن بابويه القمي في رسالته في الاعتقادات :
( واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من بعده "ع" أنه بمنزلة من جحد نبوة الأنبياء ) .
واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدا من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من آمن بجميع الأنبياء ثم أنكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم . وقال النبي - صلى الله عليه وآله ( الأئمة من بعدي اثنا عشر أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم، طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي فمن أنكر واحدا منهم فقد أنكرني ) (6).
__________
(1) - " البحار " (27/196) .
(2) - المصدر السابق : (27/181) .
(3) - " البحار " : (27/166) وما بعدها .
(4) - " البحار " : (27/157 - 165) .
(5) - " البحار " : جـ27 ، ص 311-317 .
(6) - "البحار" المجلسي :جـ27 ، ص 62 .(54/46)
وقال القمي : ( فمن ادعى الإمامة وليس بإمام فهو الظالم الملعون ، ومن وضع الإمامة في غير أهلها فهو ظالم ملعون وقال النبي - صلىالله عليه وآله - من جحد عليا إمامته من بعدي فإنما جحد نبوتي ، ومن جحد نبوتي فقد جحد ربوبيته وقال الصادق : من شك في كفر أعدائنا والظالمين لنا فهو كافر ) (1).
وهذا ابن المطهر الحلي يعد من لم يؤمن بأئمتهم أشد شرا من اليهود والنصارى قال: (الإمامة لطف عام والنبوة لطف خاص لإمكان خلو الزمان من نبي حي بخلاف الإمام وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص ) (2).
وقال عالمهم نعمة الله الجزائري : إنا لم نجتمع معهم( أي اهل السنة ) على إله ولا على نبي ولا على إمام وذلك أنهم يقولون إن ربهم هو الذي كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيه وخليفته بعده أبو بكر ونحن لانقول بهذا الرب ولا بذلك النبي بل نقول إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا ) (3).
وقال المفيد : ( اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار) (4).
وقال : ( اتفقت الإمامية على أن أصحاب البدع كلهم كفار وأن على الإمام أن يستتيبهم عند التمكن بعد الدعوة لهم وإقامة البينات عليهم فإن تابوا من بدعهم ، وصاروا الى الصواب وإلا قتلهم لردتهم عن الإيمان وأن من مات منهم على ذلك فهو من أهل النار) (5).
__________
(1) - المصدر السابق .
(2) - ابن المطهر الحلي : " الألفين " : ص 13 - مؤسسة الأعلمي .
(3) - " الانوار النعمانية " : (2/278) - منشورات الاعلمي - بيروت .
(4) - "المسائل " عن "البحار" : (23/391) .
(5) - " أوائل المقالات " : ص 51 دار الكتاب الاسلامي - بيروت ، وانظر : "البحار" : (23/390) .(54/47)
وقال شيخهم الطوسي : (ودفع الأمامة كفر كما أن دفع النبوة كفر لأن الجهل بهما على حد واحد ) (1).
وقال المجلسي : ( وقد وردت أخبار متواترة أنه لايقبل عمل من الأعمال الا
بالولاية ) (2).
هذا رأي الشيعة فيمن أنكر إمامة أئمتهم الاثنى عشر(3) .
وبعد هذا تساءل الشيعة :
لماذا لم تذكر الولاية في القرآن بالرغم من أهميتها العظيمة .
لماذا تذكر الصلاة والزكاة وغيرهما من أركان الإسلام في القرآن ولا تذكر الولاية .
فلما وقعت هذه المشكلة لجأوا إلى القول بأن القرآن محرف ، مغير فيه ، حذف منه آيات كثيرة ، وأسقطت منه كلمات غير قليلة ، حذفها أجلة الصحابة وأكابر الأمة الإسلامية حقدا على علي ، وعنادا لأولاده ، وتضييعا لتراث رسول الله صلى الله عليه وآله .
ثم زوروا في كتبهم رويات مكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى علي وآل بيته عليهم السلام .
أمثلة لذلك :
فمثلا يروي محمد بن يعقوب الكليني عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : لم سمي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ؟ قال : الله سماه ، وهكذا أنزل في كتابه " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ( وأن محمدا رسولي وأن عليا أمير المؤمنين ) "(4).
وروى أيضا عن جابر قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمد هكذا " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا (في علي) فأتوا بسورة من مثله (5).
__________
(1) - انظر : المجلسي : "البحار" : (8/368) .
(2) - "البحار" : (8/369) .
(3) - ومن أراد المزيد لتكفير الشيعه لمنكر الائمة الاثنى عشر يراجع كتاب حقيقة الشيعة (عبدالله الموصلى ) ط القاهرة .
(4) - اصول الكافي كتاب الحجة : جـ 1 ص 479 .
(5) - "كتاب الحجة من الكافي " باب فيه نكت ونتف من التنزيل ، ص 484 جـ1 .(54/48)
وروى عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى " سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ( بولاية علي ) ليس له دافع ، ثم قال : هكذا والله نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله(1).
وروى عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا " فأبى أكثر الناس (بولاية علي) إلا كفورا ، قال : ونزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا " وقل الحق من ربكم (في ولاية علي) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين (آل محمد) نارا (2).
وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال هكذا نزلت هذه الآية "ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به (في علي) لكان خيرا لهم(3).
وعن منخل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا : يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا (في علي) نورا مبينا (4) .
وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا "بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله (في علي) بغيا (5).
__________
(1) - "كتاب الحجة من الكافي " باب فيه نكت .. ص 490 جـ 1 .
(2) - "كتاب الحجة من الكافي" أيضا ص 493 جـ1 .
(3) - "كتاب الحجة من الكافي" أيضا ص 492 جـ1 .
(4) - "كتاب الحجة من الكافي" ص 485 جـ 1 .
(5) - "كتاب الحجة من الكافي" ص 484 جـ1 .(54/49)
ويذكر على بن إبراهيم القمي في مقدمة تفسيره " أنه طرأ على القرآن تغيير وتحريف ويقول: وأما ما كان خلاف ما أنزل الله فهو قوله تعالى " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " فقال أبو عبد الله عليه السلام لقارئ هذه الآية: خير أمة تقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين بن علي ؟ فقيل له : فكيف نزلت يا ابن رسول الله ؟ فقال : نزلت كنتم خير أئمة أخرجت للناس" وقال: واما ما هو محرف منه فهو قوله : لكن الله يشهد بما أنزل إليك (في علي) كذا نزلت ، وقوله : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ( في علي ) (1).
وروى الكليني عن الحسين بن مياح عمن أخبره قال قرأ رجل عند أبي عبد الله عليه السلام " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" فقال : ليس هكذا إنما هي والمأمونون ، فنحن المأمونون "(2).
فهذه هي الروايات في الولاية ومثلها كثيرة وكثيرة في كتب حديثهم وتفسيرهم وغيرها .
فالمقصود أنهم يقولون بالتحريف في القرآن لأغراض منها إثبات مسألة الإمامة والولاية التي جعلوها أساس الدين وأصله .
ثانيا : اعتقد الشيعة التحريف في القرآن ليتخلصوا من التناقض الذي بين القرآن وكتب الشيعة من حيث منزلة الصحابة رضي الله عنهم .
__________
(1) - "تفسير القمي" مقدمة المؤلف ص 36 جـ 1 .
(2) - كتاب الحجة من اصول الكافي جـ1 ص 492 .(54/50)
وذلك أن القرآن الكريم يذكر فضل أصحاب رسول الله الكريم حيث يشهد القرآن على مقامهم السامي وشأنهم العالي ، ومرتبتهم الراقية ، ودرجاتهم الرفيعة ، إذ ذكر الله عز وجل المهاجرين والأنصار مادحا أخلاقهم الكريمة ، وسيرتهم الطيبة ، وبشرهم بالجنة التي تجرى تحتها الأنهار ، ووعدهم وبخاصة خلفاء رسول الله الراشدين أبا بكر وعمر وعثمان وعليا - رضى الله عنهم - بالتمكين في الأرض ، والخلافة الربانية في عباده ، ونشر الدين الإسلامي الصحيح الحنيف على أيديهم المباركة ، الميمونة ، في أقطار الأرض وأطرافها ورفع راية الإسلام والمسلمين ، وإعلاء كلمته ، وتشريفه بعضهم بذكره مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنزال السكينة على رسوله وعلى أبي بكر في كلامه ، الخالد ، المخلد إلى الأبد ، كما قال الله عز وجل في القرآن المجيد الذي أنزله على محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأعطاه ضمان حفظه الى يوم الدين ، قال فيه مادحا المهاجرين والأنصار ، وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وغيرهم : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه ، وأعد له جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ، ذلك الفوز العظيم } (1) .
وقال : { والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله ، والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا ، لهم مغفرة ورزق كريم } (2) .
وقال : { لايستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ، أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ، وكلا وعد الله الحسنى ، والله بما تعملون خبير }(3) .
وقال : { فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه ، أولئك هم المفلحون } (4).
__________
(1) - " سورة التوبة " الآية : 100 .
(2) - "سورة الأنفال" الآية : 74 .
(3) - " سورة الحديد" الآية : 10 .
(4) - " سورة الأعراف " الآية 157 .(54/51)
وقال في أصحابه - صلى الله عليه وسلم - الذين كانوا معه في الحديبية وبايعوه على الموت : { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ، يد الله فوق أيديهم }(1).
وقال مبشرا لهم بالجنة : { لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا }(2).
وقال الله في صحابته البررة : { محمد رسول الله ، والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ، تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود - إلى أن قال - وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيما}(3).
وقال : { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، وينصرون الله ورسوله ، أولئك هم الصادقون . والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون }(4).
وقال : { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم ، وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ، أولئك هم الراشدون ، فضلا من الله ونعمة ، والله عليم
حكيم }(5).
وقال في الخلفاء الراشدين : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا }(6).
__________
(1) - " سورة الفتح " الآية 10 .
(2) - " سورة الفتح " الآية 18 .
(3) - " سورة الفتح " الآية 29 .
(4) - " سورة الحشر" الآية 8 ، 9 .
(5) - " سورة الحجرات " الآية 7 ، 8 .
(6) - " سورة النور " الآية 55 .(54/52)
وقال في صاحبه : { إلا تنصروه فقد نصره الله اذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ، فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم }(1) .
والله سبحانه وتعالى لم يمدحهم إلا لانهم صحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، واتبعوا النور الذي أنزل إليه ، وصاروا له وزراء مخلصين ، وأنصاراً محبين ، وأعواناً صادقين . فارقوا الأوطان ، وهجروا الولدان ، يذبون عن شريعته ، وينافحون من أجل تبليغ سنته . هانت عليهم في سبيل الله أرواحهم ، ورخصت عندهم من أجله أموالهم . ظهرت منهم علامات الخير في السيما والسمت والهدى والصدق . وصفهم الله عز وجل في كتابه فقال سبحانه { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً . محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلط فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين أمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً}(2).
__________
(1) - " سورة التوبة " الآية 40 .
(2) - " سورة الفتح " الآية 28، 29 .(54/53)
خرجوا مشرقين مغربين ، يفتحون المعمورة بلداً بلداً ، خرجوا وأخرجوا العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد ، ومن جور الأنظمة الوحلية إلى عدالة الرسالة السماوية خرجوا وحطموا كل طاغوت لا يؤمن بالله واليوم الآخر وقف في وجه المد الإسلامي وحال بينه وبين الناس من أن يسمعوا كلمة الحق ، رهبان بالليل ، فرسان بالنهار {تتجافي جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون }( (1). يمشون على الأرض بقلوب معلقة بالسماء . الله ربهم ، والإسلام دينهم ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيهم ، والقرآن دستور حياتهم ، والفكاك من النار ، ودخول الجنة أسمى أمانيهم ، امتدت فتوحاتهم آلاف الأميال ، عبر الصحاري المقفرة والبحار المهلكة ، والجبال الوعرة في زمن كانت وسائل المواصلات فيه : الجمال ، والبغال ، والحمير ، وفي كل مكان يمرون به تدور بينهم وبين أعداء الله معارك تشيب لهولها الولدان ، ويسطر تاريخها بدماء الشهداء ، وليس ذلك فحسب ، بل فتحوا القلوب المغلقة، بالنور الذي كانوا يحملونه ، فما يخرجون من بلد بعد فتحها إلا وأبناء ذلك البلد يخرجون معهم ليجاهدوا في سبيل الله مع إخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان ، وجمع بينهم الإسلام بأقوى الروابط ، حتى فتحوا الأرض ، وارتفع صوت الحق مدوياً في كل مكان: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله (2).
وأما ما في كتب الشيعة فهو يناقض كلام الله تماما فكتب الشيعة مليئة بسب وتكفير ولعن لأصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولعن لأمهات المؤمنين اللاتي هن ازواج الرسول- صلى الله عليه وسلم - .
( أ ) تكفير الصحابة .
... يرون عن ابي جعفر كذبا أنه قال :
__________
(1) - سورة السجدة آية 16 .
(2) - نقلا عن كتاب ( ما يجب ان يعرفه المسلم عن الامامية) أحمد الحمدان . بتصرف .(54/54)
1 - كان الناس أهل الردة بعد النبي إلا ثلاثة - وذكره كبير مؤرخي الشيعة الكشى في رجاله " (1).
2 - وروى الكشي أيضا عن حمدويه قال : قال أيوب بن نوح عن محمد بن الفضل وصفوان عن أبي خالد القماط عن حمران قال : قلت لأبي جعفر "ع" ما اقلنا لو اجتمعنا على شاة ما افنيناها ؟ قال . فقال : ألا أخبرك بأعجب من ذلك ؟ قال . فقلت بلى . قال : المهاجرون والأنصار ذهبوا ... إلا ثلاثة "(2).
3 - " يروون عن علي أنه عرض القرآن على المهاجرين والأنصار ، ولما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح المهاجرين والأنصار فردوه إلى علي وقالوا لا حاجة لنا فيه"(3).
4 - قالوا : إن الرسول ابتلى بأصحاب قد ارتدوا من بعده عن الدين إلا القليل(4).
(ب) تأويلهم للآيات الواردة في الكفار والمنافقين بخيار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم خليفتاه ووزيراه وصهراه وحبيباه أبو بكر وعمر ، ويثلثون أحياناً بصاحب الجود والحياء ومن وضع ماله في سبيل الله وجهز جيش العسرة وغيره صهر رسول الله صلىالله عليه وسلم في ابنتيه ، عثمان رضي الله عنه وغيرهم من صحابة رسول الله الأخيار ومن تبعهم بإحسان (5).
__________
(1) - " رجال الكشي " ص12 تحت عنوان سلمان الفارسي ط كربلاء عراق .
(2) - "رجال الكشي" ص 13 أيضا والكافي جـ2 ص 243 .
(3) - الطبرسي في الاحتجاج جـ 1 ص 156 .
(4) - السيد مرتضى السيد محمد الحسيني الفيروز آبادي النجفي "كتاب السبعه من السلف المكتبة الثقافية " ص 7 .
(5) - نقلا عن ناصر القفاري ( مسألة التقريب ) .(54/55)
وقبل أن نذكر تلك الروايات ننبه القارئ أن ما كتبه أوائل الشيعة في عصر الكليني وما بعده كان بلغة الرمز والإشارة أى كانوا يرمزون للخلفاء الثلاثة أبى بكر وعمر وعثمان برموز معينة مثل : الفصيل أى أبا بكر ، ورمع أي عمر ونعثل أي عثمان ولهم رموز آخرى مثل (فلان وفلان وفلان ) أي أبا بكر وعمر وعثمان ولهم رموز أخرى مثل (الأول والثاني والثالث) أى أبا بكر وعمر وعثمان ولهم رموز أيضا مثل حبتر ودلام أي أبا بكر وعمر أو عمر وأبابكر، ولهم رموز أيضا صنما قريش أبا بكر وعمر/ وأيضا فرعون وهامان أو عجل الامه والسامري أي أبا بكر وعمر .
أما ما كتبه شيوخ الشيعة في ظل الدولة الصفوية فكان فيه التكفير لأفضل أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - صريحا ومكشوفاً .
أما الروايات فهي :
1 - روى الكليني في الكافي عن أبي عبد الله في قوله تعالى { .. ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين }(1). قال : هما ، ثم قال : وكان فلان شيطاناً (2) .
قال المجلسي في شرحه للكافي في بيان مراد صاحب الكافي بـ " هما " قال : هما أي أبو بكر وعمر والمراد بفلان عمر أي الجن المذكور في الآية عمر وإنما سمي به لأنه كان شيطانا إما لأنه كان شرك شيطان لكونه ولد زناً أو لأنه في المكر والخديعة كالشيطان وعلى الأخير يحتمل العكس بأن يكون المراد بفلان أبا بكر (3).
2 - ويروون عن أبي عبد الله أنه قال في قوله { ولا تتبعوا خطوات الشيطان}(4)
قال : (وخطوات الشيطان والله ولاية فلان وفلان) (5).أي أبو بكر وعمر .
__________
(1) - فصلت : آية 29 .
(2) - روضة الكافي ص 261 رواية رقم 523 .
(3) - "مرآة العقول " : (26/488) منشورات دار الكتب الاسلامية - طهران .
(4) - البقرة : الآيتان 168 ، 208 - الأنعام : آية 142 .
(5) - "تفسير العياشي" : (1/121) ، "البرهان" : (1/208) ، "الصافي" : (1/242) .(54/56)
3 - ويروون عن أبي جعفر في قوله { .. وما كنت متخذ المضلين عضداً}(1). قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل ابن هشام) فأنزل الله وما كنت متخذ المضلين عضداً (2) .
4 - ويروون على أبي عبد الله أنه قال في قول الله { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم أزدادوا كفراً..} (3) قال : نزلت في فلان وفلان ( أبو بكر وعمر) آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وآله في أول الأمر ثم كفروا حين عرضت عليهم الولاية حيث قال من كنت مولاه فعلي مولاه ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين عليه السلام حيث قالوا له بأمر الله وأمر رسوله فبايعوه ثم كفروا حين مضى رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يقروا بالبيعة ثم ازدادوا كفراً بأخذهم من بايعوه بالبيعة لهم فهؤلاء لم يبق منه من الإيمان شيء (4).
__________
(1) - الكهف : آية 51 .
(2) - "تفسير العياشي" : (2/355) ، "البرهان" :(2/471)، "البحار" : (8/22)، "الصافي" : (3/246) .
(3) - النساء : آية 137 .
(4) - " تفسير العياشي" : (1/307) ، "الصافي" (1/511) ، " البرهان" : (1/422) ، "البحار" : (8/218) .(54/57)
5 - وعن حريز عمن ذكره عن أبي جعفر في قول الله { وقال الشيطان لما قضي الأمر..}(1). قال هو الثاني وليس في القرآن {وقال الشيطان} إلا وهو الثاني(2). يعنون بالثاني عمر رضي الله عنه - وعن زرارة عن أبي جعفر في قوله تعالى : { لتركبن طبقاً عن طبق}(3). قال يازرارة أو لم تركب هذه الأمة بعد نبيها طبقاًً عن طبق في أمر فلان وفلان وفلان (4)- يعنون أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم - قال عالمهم الفيض الكاشاني : ( ركوب طبقاتهم كناية عن نصبهم إياهم للخلافة واحداً بعد واحد).
6 - وعند قوله سبحانه {.. فقاتلوا أئمة الكفر }(5) يروي العياشي عن حنان بن سدير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول دخل على أناس من البصرة فسألوني عن طلحة والزبير فقلت لهم كانا إمامين من أئمة الكفر(6).
7 - ويفسرون الجبت والطاغوت الوارد في قوله سبحانه { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ..} (7).، يفسرونهما بصاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه وصهريه وخليفتيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما (8).
__________
(1) - إبراهيم : آية 22 .
(2) - "تفسير العياشي" : (2/240) ، "البرهان" (2/309) .
(3) - الأنشقاق : آية 19 .
(4) - (5) "الوافي" ، كتاب الحجة ، باب مانزل فيهم عليهم السلام وفي أعدائهم - مجلد 3 ج 1 ص 920 .
(5) - التوبة : آية 12 .
(6) - "تفسير العياشي" : (2/83) ، "تفسير البراهان" : (2/107) ، "تفسير الصافي" : (2/324) .
(7) - النساء : آية 51 .
(8) - أنظر : "تفسير العياشي" : (1/273) ، و "الصافي" (1/459) ، "البرهان" : (1/377) .(54/58)
8 - وعند قوله سبحانه { لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم }(1) روى العياشي عن أبي بصير عن جعفر بن محمد عليه السلام قال : (يؤتي بجهنم لها سبعة أبواب ، بابها الأول للظالم وهو زريق ، وبابها الثاني لحبتر ، والباب الثالث للثالث، والرابع لمعاوية ، والباب الخامس لعبد الملك ، والباب السادس لعسكر بن هوسر ، والباب السابع لأبي سلامة فهم أبواب لمن اتبعهم ) (2).
قال المجلسي في تفسير هذا النص : (زريق كناية عن الأول لأن العرب يتشأم بزرقة العين ، والحبتر هو الثعلب ولعله إنما كني عنه لحيلته ومكره وفي غيره من الأخبار وقع بالعكس وهو أظهر إذ الحبتر بالأول أنسب ويمكن أن يكون هنا أيضاً المراد ذلك ، وإنما قدم الثاني لأنه أشقى وأفظ وأغلظ ، وعسكر بن هوسر كناية عن بعض خلفاء بني أمية أو بني العباس ، وكذا أبو سلامة كناية عن أبي جعفر الدوانيقي ويحتمل أن يكون عسكر ، كناية عن عائشة وسائر أهل الجمل إذ كان اسم جمل عائشة عسكرا وروى أنه كان شيطاناً) (3).
9 - وفي قوله تعالى : { .. إذ يبيتون ما لا يرضى من القول }(4)عن أبي جعفر أنه قال فيها :
فلان وفلان وفلان - أى أبا بكر وعمر - وأبو عبيدة بن الجراح(5) -وفي رواية أخرى : عن أبي الحسن يقول هما وابو عبيدة بن الجراح (6). - هما أي أبو بكر وعمر - وفي رواية ثالثة الأول والثاني وأبو عبيدة بن الجراح(7). (الأول والثاني أي أبو بكر وعمر) .
__________
(1) - الحجر : آية 44 .
(2) - "تفسير العياشي" : (2/263) ، "البرهان" : (2/345) .
(3) - "البحار" : (8/301) .
(4) - النساء : آية 108 .
(5) - " تفسير العياشي" : (1/301) ، "البرهان" : (1/414) .
(6) - " تفسير العياشي" : (1/301) ، "البرهان" : (1/414) .
(7) - " تفسير العياشي" : (1/301) ، "البرهان" : (1/414) ، مرآة العقول (26/489) .(54/59)
10 - ويفسرون الفحشاء والمنكر، في قوله { وينهى عن الفحشاء والمنكروالبغي} (1) بولاية أبي بكر وعمر وعثمان ، فيروون عن أبي جعفر - عليه السلام - أنه قال: وينهي عن الفحشاء : الأول . والمنكر : الثاني . والبغي : الثالث(2).
11- جاء في بحار الأنوار : " قلت (الراوي يقول لإمامهم) ومن أعداء الله أصلحك الله ؟ قال : الأوثان الأربعة ، قال : قلت : من هم ؟ قال : أبو الفصيل ، ورمع ، ونعثل ، ومعاوية ومن دان دينهم ، فمن عادى هؤلاء فقد عادى أعداء الله "(3).
قال شيخهم المجلسي في بيانه لهذه المصطلحات : " أبو الفصيل أبو بكر ، لأن الفصيل والبكر متقاربان في المعنى ، ورمع مقلوب عمر ، ونعثل هو عثمان"(4).
12- وفي قوله سبحانه : { ... أو كظلمت } قالوا : فلان وفلان { في بحر لجي يغشه موج} يعنى نعثل {من فوقه موج} طلحة والزبير {ظلمت بعضها فوق بعض}(5)معاوية .." (6).
قال المجلسي : المراد بفلان وفلان أبو بكر وعمر ، ونعثل هو عثمان (7).
13 - ومن مصطلحاتهم أيضا للرمز للشيخين ما جاء في تأويلهم سورة الليل وفيها
{ والنهار إذا جلها } هو قيام القائم { والليل إذا يغشها } حبتر ودلام غشيا عليه الحق(8) .
قال شيخ الدولة الصفوية - في زمنه - (المجلسي) حبتر ودلام : أبو بكر وعمر(9).
__________
(1) - النحل : الآية 90 .
(2) - " تفسير العياشي": (2/289) ، "البرهان" : (2/381) ، "البحار" :(7/130) الصافي 3/151.
(3) - "بحار الأنوار " :: 27/58 .
(4) - "بحار الأنوار " : 27/58 .
(5) - النور : آية 40 .
(6) - تفسير القمي : 2/106 ، بحار الأنوار : 23/304-305 .
(7) - بحار الأنوار : 23/ 306 .
(8) - كنز الفوائد : ص 389 - 390 ، بحار الأنوار : 24/72 - 73 تفسير القمي: ص 2/457 فسر (الليل إذا يغشها ) فلان .
(9) - بحار الأنوار : 24/73 .
* يعني أمهات المؤمنين عائشة وحفصة زوجات - صلى الله عليه وسلم - .(54/60)
14 - وهذا دعاء خاص للعن أبى بكر وعمر يسمى دعاء صنمي قريش .
" اللهم صل على محمد وآل محمد والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيها وأفكيها (وابنتيهما)* اللذين خالفا أمرك وأنكرا وحيك وجحدا إنعامك وعصيا رسولك وقلبا دينك وحرفا كتابك وأحبا أعداءك وجحدا آلاءك وعطلا أحكامك
وأبطلا فرائضك وألحدا في آياتك وعاديا أولياءك وواليا أعداءك وخربا بلادك وأفسدا عبادك . اللهم العنهما وأتباعهما وأولياءهما وأشياعهما ومحبيهما وأنصارهما فقد أخربا بيت النبوة وردما بابه ونقضا سقفه وألحقا سماءه بأرضه وعاليه بسافله وظاهره بباطنه واستأصلا أهله وأبادا أنصاره وقتلا أطفاله وأخليا منبره من وصيه ووارث علمه وجحدا إمامته وأشركا بربهما ، فعظم ذنبهما وخلدهما في سقر وما أدراك ما سقر لاتبقي ولاتذر ، اللهم العنهم بعدد كل منكر أتوه وحق أخفوه ، ومنبر علوه ومؤمن أرجوه ومنافق ولوه ، وولي آذوه وطريد آووه ، وصادق طردوه ، وكافر نصروه ، وإمام قهروه ، وفرض غيروه ، وأثر أنكروه وشر آثروه ودم أراقوه وخبر بدلوه ، وكفر نصبوه ، وإرث غصبوه وفيىء اقتطعوه وسحت أكلوه وخيبر استحلوه ، وباطل أسسوه ، وجور بسطوه ونفاق أسروه وغدر أضمروه وظلم نشروه ، ووعد أخلفوه ، وأمان خانوه ، وعهد نقضوه ، وحلال حرموه ، وحرام أحلوه ، وبطن فتقوه وجنين أسقطوه ، وضلع دقوه وصك فرقوه وشمل بددوه وعزيز أذلوه وذليل أعزوه وحق منعوه وكذب دلسوه وحكم قلبوه وإمام خالفوه، اللهم العنهما بكل آية حرفوها ، وفريضة تركوها وسنة غيروها ورسوم منعوها وأحكام عطلوها وبيعة نكثوها ودعوى أبطلوها وبينة أنكروها وحيلة أحدثوها وخيانة أوردوها وعقبة ارتقوها ، ودباب دحرجوها وأزيان لزموها وشهادات كتموها ووصية ضيعوها ، اللهم ألعنهما في مكنون السر وظاهر العلانية لعنا كثيرا أبدا دائما دائبا سرمدا لا انقطاع لأمده ولانفاد لعدده لعنا يعود أوله ولا يروح آخره لهم ولأعوانهم(54/61)
وأنصارهم ومحبيهم ومواليهم والمسلمين لهم والمائلين إليهم والناهضين باحتجاجهم والمقتدين بكلامهم والمصدقين بأحكامهم (قل أربع مرات ) اللهم عذبهم عذابا يستغيث منه أهل النار آمين رب العالمين " (1).
وهذا الدعاء قد جاء أيضا في كتاب (تحفة عوام مقبول ) (2)، وأيضاً في كتاب المصباح للكفعمي(3) وأيضاً في كتاب بحار الأنوار للمجلسي ج82 ص 260 كتاب الصلاة باب آخر في القنوتات الطويلة . ط دار احياء التراث العربي - بيروت .
15 - آية الله الخميني :
يقول في كتابه كشف الأسرار : " إننا هنا لا شأن لنا بالشيخين وما قاما به من مخالفات للقرآن ومن تلاعب بأحكام الإله ، وما حللاه وحرماه من عندهما وما مارساه من ظلم ضد فاطمة ابنة النبي وضد أولاده ولكننا نشير إلى جهلهما بأحكام الإله والدين" (4).
ويقول بعد اتهامه للشيخين بالجهل " وإن مثل هؤلاء الأفراد الجهال الحمقى والأفاقون والجائرون غير جديرين بأن يكونوا في موقع الإمامة وأن يكونوا ضمن أولى الأمر "( (5).
ويقول أيضا : "الواقع أنهم أعطوا الرسول حق قدره .. الرسول الذي كد وجد وتحمل المصائب من أجل إرشادهم وهدايتهم ، وأغمض عينيه وفي أذنيه كلمات ابن الخطاب القائمة على الفرية ، والنابعة من أعمال الكفر والزندقة "( (6).
16 - وقد أفرد صاحب كتاب الصراط المستقيم فصلين خاصين في الطعن على عائشة وحفصة رضي الله عنهما وأرضاهما ، سمى الفصل الأول : (فصل في أم الشرور عائشة) ويعني بها عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها .
__________
(1) - مفتاح الجنان في الأدعية والزيارات والأذكار ص 113 ، 114 .
(2) - ص 214 ، 215 .
(3) - ص 732 ط بيروت " مكتبة الأعلمي" سنة 1994 .
(4) - كشف الأسرار ص 126.
(5) - كشف الأسرار ص 127 .
(6) - المصدر السابق ص 137 .(54/62)
أما الفصل الآخر فقد خصصه للطعن في حفصة رضي الله عنها وعن أبيها وجعل عنوانه (فصل في أختها حفصة) (1).
17 - يقول نعمة الله الجزائري :
عمر بن الخطاب في دبره داء لايشفى إلا بماء الرجال ، فهو مما يؤتي في دبره .
وقال نعمة الله الجزائري روى العياشي حديثا بمعنى ما قاله على عمر بن الخطاب ولكنه لم يذكر الحديث (2).
وكان يقصد هذا الحديث :
عن محمد بن إسماعيل عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : دخل رجل على أبي عبد الله فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين فقام على قدميه فقال : مه هذا اسم لايصلح إلا لأمير المؤمنين عليه السلام الله سماه به ، ولم يسم به أحد غيره فرضي به إلا كان منكوحا وإن لم يكن به ابتلي به وهو قول الله في كتابه {إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً}( (3). قال قلت : فماذا يدعي به قائمكم ؟ قال : يقال له ، السلام عليك يا بقية الله السلام عليكم يا ابن رسول الله (4).
18- يقول نعمة الله الجزائري كان عثمان بن عفان مما يتخنث ويلعب به (5).
ويوجد كثير من الاحاديث وأقوال العلماء في سب وتكفير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثالثا : من الاسباب التي جعلتهم يطعنون بالقرآن عدم ذكر اسماء الأئمة وفضائلهم ومعجزاتهم وفضائل زيارة قبورهم في القرآن الكريم، أجبر علماء الشيعة على اتهام الصحابة بحذف فضائل الأئمة ومعجزاتهم من القرآن الكريم .
( أ ) بعض فضائل الأئمة وصفاتهم عند الشيعة :
__________
(1) - النباطي : الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم : 3/161 ، 168 ط المكتبة الرضوية لاحياء الآثار الجعفرية .
(2) - الأنوار النعمانية جـ1 ب 1 ص 63 ط (شركت جاب ايران ) .
(3) النساء 17/302 .
(4) "تفسير العياشي" : (1/302) ، "البرهان" (1/416) .
(5) الأنوار النعمانية ج1ب1ص65 ط (شوكت جاب إيران) .(54/63)
حديث الشيعة عن فضائل أئمتهم وصفاتهم حديث كثير وخطير وسنذكر فيما يلي أهم الأبواب في كل من الكافي ، والبحار التي حوت أحاديثهم عن فضائل الأئمة .
وهذه الأبواب خلاصة موجزة لأحاديثهم تبين حجم الغلو واتساعه فهي ليست روايات شاذة في كتبهم بل هي أبواب تحمل عناوين أشبه ما يكون بقواعد وأصول أساسية في معتقدهم وهي تمكن للقارئ من أخذ فكرة متكاملة عن منزلة الأئمة عندهم (1).
والأبواب هي :
(1) باب ( أنهم أعلم من الأنبياء عليهم السلام ) وفيه ثلاثة عشر حديثاً(2).
(2) باب (تفضيلهم "ع" على الأنبياء وعلى جميع الخلق وأخذ ميثاقهم عنهم وعن الملائكة وعن سائر الخلق وأن أولى العزم إنما صاروا أولى العزم بحبهم صلوات الله عليهم ) وفيه 88 حديثاً (3).
(3) باب (أن دعاء الأنبياء استجيب بالتوسل والاستشفاع بهم "ع") وفيه 16 حديثا(4).
(4) باب (أنهم يقدرون على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وجميع معجزات الأنبياء) وفيه 4 أحاديث(5) .
(5) باب (أنهم لا يحجب عنهم علم السماء والأرض والجنة والنار وأنه عرض عليهم ملكوت السموات والأرض ويعلمون علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ) وفيه 22 حديثاً (6). ، وهذا الباب جاء في الكافي بعنوان باب (أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لايخفى عليهم الشيء صلوات الله عليهم) فيه ستة أحاديث(7).
__________
(1) - نقلا عن مسألة التقريب ( ناصر القفاري ) .
(2) - المجلسي : " البحار " : (26/193 - 200) .
(3) - المصدر السابق : (26/267 - 319) .
(4) - المصدر السابق : (26/319 - 334).
(5) - المصدر السابق : (26/29 -- 31) .
(6) - المصدر السابق : (26/109 - 117) .
(7) - الكليني : "الكافي" : (1/316) .(54/64)
(6) باب (أنهم يعرفون الناس بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق وعندهم كتاب فيه أسماء أهل الجنة وأسماء شيعتهم وأعدائهم وأنه لايزيلهم خبر مخبر عما يعلمون من أحوالهم) وفيه أربعون حديثاً (1)، وفي الكافي باب ( أن الأئمة لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئ بما له وعليه ) وفيه حديثان (2).
(7) باب ( أن الأئمة إذا شاؤوا أن يعلموا علموا) وفيه ثلاثة أحاديث (3).
(8) باب (أن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم ) وفيه خمسة أحاديث (4)
(9) باب (أنهم لا يحجب عنهم شيء من أحوال شيعتهم وما تحتاج إليه الأمة من جميع العلوم وأنهم يعلمون ما يصيبهم من البلايا ويصبرون عليها ولو دعوا الله في دفعها لأجيبوا وأنهم يعلمون ما في الضمائر وعلم المنايا والبلايا وفصل الخطاب والمواليد) وفيه ثلاثة وأربعون حديثا (5).
(10) باب (أن عندهم الاسم الأعظم وبه يظهر منهم الغرائب) وفيه عشرة أحاديث(6) .
(11) باب (أنهم يظهرون بعد موتهم ويظهر منهم الغرائب وتأتيهم أرواح الأنبياء "ع" وتظهر لهم الأموات من أوليائهم وأعدائهم ) وفيه 13 حديثا(7) .
(12) باب ( أنهم أمان لأهل الأرض من العذاب) وفيه 6 أحاديث(8) .
(13) باب (أن الله تعالى يرفع للإمام عمودا ينظر فيه الى أعمال العباد) وفيه 16حديثا(9) .
(14) باب (أنهم عليهم السلام يعلمون جميع الألسن واللغات ويتكلمون بها) وفيه 7 أحاديث . (10) .
__________
(1) - " البحار " : (26/117-132) .
(2) - " الكافي " : (1/320) .
(3) - المصدر السابق : (1/313) .
(4) - المصدر السابق : (1/313) .
(5) - " البحار " : (26/137-154) .
(6) - " البحار " : (27/25-28) .
(7) - " البحار " : (27/302-308) .
(8) - " البحار " : (27/308-310) .
(9) - " البحار " : (27/132-136) .
(10) - " البحار " : (27/190-193) .(54/65)
(15) باب (أنهم يعلمون منطق الطيور والبهائم ) وفيه 26 حديثا . (1) .
(16) باب ( أن الجن خدامهم ويظهرون لهم ويسألونهم عن معالم دينهم ) وفيه 16حديثا. (2) .
واليك أخي المسلم بعض الروايات في كتب بعض علماء الشيعة التي تبين فضائل الأئمة
(1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي :" إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين ، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك ياعلي وللأئمة من بعدك ، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا .. ياعلي لولا نحن ماخلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض ، وكيف لانكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى التوحيد ، ومعرفة ربنا عز وجل ، وتسبيحه، وتقديسه،وتهليله،لأن أول ماخلق الله تعالى أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتمجيده ،ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمورنا فسبحنا لتعلم الملائكة أنا مخلوقون ، وأنه منزه عن صفاتنا ، فسبحت الملائكة لتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا ... فبنا اهتدوا إلى معرفة الله وتوحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده" (3).
(2) وفي بصائر الدرجات عن هاشم بن أبي عمار قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول " أنا عين الله وأنا يد الله ، وأنا جنب الله ، وأنا باب الله "(4) .
(3) وعن أبي عبد الله قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : " أنا علم الله وأنا قلب الله الواعي ، ولسان الله الناطق ، وعين الله الناظر ، وأنا جنب الله ، وأنا يد الله "( (5).
__________
(1) - " البحار " : (27/261-279) .
(2) - " البحار " : (27/13-24) .
(3) - الصدوق : علل الشرائع ص 16 مؤسسة الاعلمي ج 1.
(4) - الصفار : بصائر الدرجات ص 81 منشورات الأعلمي - طهران .
(5) - المصدر السابق ص 84 .(54/66)
(4) جاء في كتاب (علل الشرائع ) عن سماعة بن مهران قال : " إذا كان يوم القيامة وضع منبر يراه جميع الخلائق ، فيصعد عليه رجل ، فيقوم عن يمينه ملك ، وعن يساره ملك، ينادي الذي عن يمينه يا معشر الخلائق هذا علي بن أبي طالب يدخل الجنة من يشاء وينادي الذي عن يساره يامعشر الخلائق هذا علي بن أبي طالب عليه السلام يدخل النار من يشاء " (1).
(5) اعتقادهم أن الله تعالى ناجى عليا رضي الله عنه :
يروي المفيد عن حمران بن أعين قال : " قلت لأبي عبد الله عليه السلام بلغني أن الرب تبارك وتعالى قد ناجى علياً عليه السلام ، فقال أجل قد كانت بينهما مناجاة بالطائف نزل بينهما جبريل"( (2).
وإليك أخي المسلم بعض أقوال كبار علماء الشيعة تؤكد ايمانهم بصفات ومعجزات الأئمة مما ذكرناه :
1 - إمامهم المعاصر وآيتهم العظمى آية الله الخميني يرى أن فضل الأئمة لايبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل : يقول "فإن للإمام مقاما محمودا ، ودرجة سامية ، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون . وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل "( (3) ومعلوم دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا العموم.
2 - يقول نعمة الله الجزائري مبينا رأي الإمامية في المفاضلة بين الأنبياء والأئمة : اعلم أنه لاخلاف بين أصحابنا رضوان الله عليهم في أشرفية نبينا - صلى الله عليه وسلم - على سائر الأنبياء عليهم السلام للأخبار المتواترة وإنما الخلاف بينهم في أفضلية أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين عليهم السلام ، على الأنبياء ما عدا جدهم - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) - الصدوق ص 196 .
(2) - الاختصاص : ص 322 - مكتبة بصيرتي - قم - ايران .
(3) - الحكومة الإسلامية (منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى ) ص : 52 .(54/67)
فذهب جماعة : إلى أنهم أفضل من باقي الأنبياء ما خلا أولي العزم فإنهم أفضل من الأئمة عليه السلام ، وبعضهم إلى المساواة ، وأكثر المتأخرين الى أفضلية الأئمة عليهم السلام على أولي العزم وغيرهم ، وهو الصواب (1)
3 - نقل الزنجاني عن الصدوق أنه قال : " اعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمة أنهم معصومون ، مطهرون من كل دنس ، وأنهم لا يذنبون لاصغيرا ولا كبيرا ، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم ، ومن جهلهم فهو كافر" (2) .
4 - يقول محمد رضا المظفر : " ونعتقد أن الإمام كالنبي ، يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش ، ما ظهر منها وما بطن ، من سن الطفولة إلى الموت عمدا وسهوا ، كما يجب أن يكون معصوما من السهو والخطأ والنسيان "( (3).
ويقول أيضا : "بل نعتقد أن أمرهم أمر الله تعالى ، ونهيهم نهيه ، وطاعتهم طاعته ومعصيتهم معصيته ، ووليهم وليه وعدوهم عدوه ، ولا يجوز الرد عليهم ، والراد عليهم كالراد على رسول الله ، والراد على الرسول كالراد على الله
تعالى" (4).
5 - ويقول الخميني : " نحن نعتقد أن المنصب الذي منحه الأئمة للفقهاء لا يزال محفوظا لهم ، لأن الأئمة الذين لانتصور فيهم السهو أو الغفلة ، ونعتقد فيهم الإحاطة بكل ما فيه مصلحة للمسلمين ، كانوا على علم بأن هذا المنصب لايزول عن الفقهاء من بعدهم بمجرد وفاتهم " (5).
__________
(1) - الأنوار النعمانية : 1/20-21 منشورات الأعلمي - بيروت .
(2) - إبراهيم الموسوي الزنجاني : عقائد الإثني عشرية : 2/157 منشورات الاعلمي - بيروت .
(3) - المظفر : عقائد الامامية : ص 91 ط دار الصفوة - بيروت .
(4) - المرجع السابق ص 93 .
(5) - الحكومة الإسلامية (منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى) ص 91 .(54/68)
6 - الأمام الأكبر محمد الحسين آل كاشف الغطاء ( يقول الإمام يجب ان يكون معصوماً كالنبي عن الخطأ والخطيئة ) (1).
(ب) بعض فضائل زيارة قبور الأئمة عن الشيعة :
ففي " البحار " للمجلسي " كتاب المزار " وقد استغرق ثلاثة مجلدات من " البحار"(2). وفي " وسائل الشيعة " ، للحر العاملي " أبواب المزار" وبلغت هذه الأبواب (106) أبواب(3)، وفي "الوافي" الجامع لأصولهم الأربعة :
" أبواب المزارات والمشاهد " وتضمنت (33) بابا (4).
وفي " من لايحضره الفقه " وهو أحد أصولهم المعتبرة عدة أبواب حول المشاهد وتعظيمها كباب " تربة الحسين وحريم قبره " و "أبواب في زيارة الأئمة وفضلها " . وغيرها (5).
وفي "تهذيب الأحكام" - أحد الأصول الأربعة المعتبرة - طائفة كثيرة من الأبواب تتعلق بتعظيم المشاهد والقبور ، ومناجاة الأئمة بأدعية تتضمن تأليههم(6).
وألف في الزيارات ومناسكها كتب مستقلة مثل "مناسك الزيارات للمفيد"( (7)
وغيره (8).
__________
(1) - أصل الشيعة وأصولها انظرها ص 59 منشورات الأعلمي - بيروت .
(2) - مجلدات رقم : 97 ، 98 ، 99 .
(3) - أنظرها في جـ10 ص 251 وما بعدها .
(4) - أنظرها في المجلد 14 جـ8 ص 1369 وما بعدها منشورات مكتبة الامام علي العامة - أصفهان - ايران .
(5) - ابن بابويه القمي : "من لايحضره الفقيه" : (2/429) وما بعدها ط الأضواء - بيروت .
(6) - الطوسي : "تهذيب الأحكام" : (6/3-116) .
(7) - ذكره الحر العاملي في "وسائل الشيعة " : (20/49) ، ونقل عنه .
(8) - مثل كتاب "المزار" لمحمد بن علي الفضل ، و "المزار" لمحمد بن المشهدي و "المزار" لمحمد بن همام ، و "المزار" لمحمد بن أحمد بن داود وغيرها . انظر : "وسائل الشيعة" : (20/48-49) .(54/69)
لقد اعتبر الشيعة أماكن قبور أئمتهم المزعومة أو الحقيقية " حرماً" مقدساً : فالكوفة حرم، وكربلاء حرم ، وقم حرم - عندهم - وغيرها . في "الوافي" (أن الكوفة حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله وحرم أمير المؤمنين وأن الصلاة فيها بألف صلاة والدرهم بألف درهم(1)، ويروون عن الصادق ( إن لله حرماً هو مكة ولرسوله حرماً وهو المدينة ولأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة ولنا حرماً وهو قم ستدفن فيه امرأة من ولدي تسمى فاطمة من زارها وجبت له الجنة (2) .
وكربلاء عندهم أفضل من الكعبة ففي حديث لهم عن أبي عبد الله أنه قال : ( إن الله أوحى إلى الكعبة لولا تربة كربلاء ما فضلتك ولولا من تضمنه أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي به افتخرت فقري واستقري وكوني ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء وإلا سخت بك وهويت بك في نار جهنم(3).
وزيارة قبور الأئمة والدعاء والصلاة عندها والتوسل والاستشفاع بهم كل ذلك عندهم أفضل من الحج إلى بيت الله .
عن أبي عبد الله : ( إن الله يبدأ بالنظر إلى زوار قبر الحسين بن علي "ع" عشية عرفة قبل نظره الى أهل الموقف ، قال " الرواي " وكيف ذلك قال أبو عبد الله لأن في أولئك أولاد زنا وليس في هؤلاء أولاد زنا) (4).
وفي " الوافي " قال الصادق : (من عرف عند قبر الحسين فقد شهد عرفة ) (5).
__________
(1) - "الوافي" ، باب فضل الكوفة ومساجدها المجلد 14 جـ 8 ص 1439.
(2) - "البحار" : جـ 99 ص 267 ط احياء التراث العربي - بيروت .
(3) - "البحار" : جـ 98 ص 107 .
(4) - الفيض الكاشاني : "الوافي" : المجلد 14 جـ8 ص 1461 .
(5) - الفيض الكاشاني : "الوافي" : المجلد 14 جـ8 ص 1476 .(54/70)
وعن الصادق : ( من زار قبر الحسين يوم عرفة كتب الله له ألف ألف حجة مع القائم "ع" وألف ألف عمرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وعتق ألف ألف نسمة وحمل ألف ألف فرس في سبيل الله وسماه الله عز وجل عبدي الصديق آمن بوعدي وقالت الملائكة فلان الصديق وزكاه الله من فوق عرشه ..) (1).
والصلاة عند القبور تعد عندهم من القربات المضاعفة في "الوافي" يقول حديث لهم : (الصلاة في حرم الحسين لك بكل ركعة تركعها عنده كثواب من حج ألف حجة ، واعتمر ألف عمرة وأعتق ألف رقبة وكأنما وقف في سبيل الله ألف ألف مرة مع نبي مرسل) (2).
وليس هذا خاصاً بحرم الحسين (بل كل أئمتهم كذلك ففي "البحار" للمجلسي : (من زار الرضا أو واحدا من الآئمة فصلى عنده .. فإنه يكتب له - ثم ذكر ما جاء في النص السابق وزاد - وله بكل خطوة مائة حجة ومائة عمرة وعتق مائة رقبة في سبيل الله وكتب له مائة حسنة وحط عنه مائة سيئة) (3).
ويزور قبور أئمتهم الأنبياء والملائكة ولم يكتفوا بذلك كعادتهم في الغلو والمبالغة بل قالوا إن الله تعالى يزور قبور أئمتهم ، ففي "البحار" للمجلسي : ( أن قبر أمير المؤمنين يزوره الله مع الملائكة ويزوره الأنبياء ويزوره المؤمنون) (4).
وللزيارة عندهم مناسك معينة ، وألفوا في ذلك مؤلفات "كمفاتيح الجنان" لشيخهم عباس القمي (5) و " مناسك الزيارات " للمفيد - كما مر وغيرها .
ومن مناسك مشاهدهم يذكر المجلسي :
1 - الغسل قبل دخول المشهد .
2 - الوقوف على بابه والدعاء والاستئذان بالمأثور .
3 - الوقوف على الضريح فقد نص على الاتكاء على الضريح وتقبيله .
4 - استقبال وجه المزور واستدبار القبلة حال الزيارة .
5 - صلاة ركعتين .
__________
(1) - نفس المصدر ص 1477 .
(2) - المصدر السابق : ص 1478 .
(3) - المجلسي : "البحار" : (97/137-138) .
(4) - المجلسي : "البحار" : (97/258) .
(5) - منشورات دار الحياة .(54/71)
ورويت رخصة في صلاتها إلى القبر ولو استدبر القبلة وصلى جاز وإن كان غير مستحسن إلا مع البعد (1)، أي مع البعد يستحسن أن يجعل قبر الإمام كعبة يتوجه المصلي إليها وإن كانت الكعبة خلفه .
أليست هذه النصوص هي دعوة إلى الشرك بالله عز وجل وتغيير شرع الله ودينه ، واختيار نحلة المشركين على ملة المرسلين ، واستبدال الوثنية بالحنيفية .
وجاء في بعض نصوصهم المقدسة أن الحجر الأسود سينزع من مكانه ويوضع في حرمهم الكوفة ففي " الوافي" أن علي بن أبي طالب قال لأهل الكوفة (يا أهل الكوفة لقد حباكم الله عز وجل بما لم يحب أحدا من فضل ، مصلاكم بيت آدم وبيت نوح وبيت إدريس ، ومصلى إبراهيم -إلى أن قال فيما زعموا-ولا تذهب الأيام والليالي حتى ينصب الحجر الأسود فيه.) (2)
هذه أمثلة لما يصفون به أئمتهم وهي " دعاوى " في غاية الغرابة تخرج الأئمة من " منزلة الإمامة " إلى "منزلة النبوة " أحياناً ، وأحياناً أخرى إلى " مرتبة الألوهية "
ووجود عشرات الروايات فضلاً عن مئاتها تصف الأئمة بهذه الأوصاف الخيالية هي عملية إفراغ فكري ونفسي لحقيقة الألوهية ، وحقيقة النبوة من نفس " الشيعي" الذي يؤمن بهذه الروايات لتحل محلها حقيقة الأئمة (3) .
أخي المسلم وإذا أردت المزيد من صفات ومعاجز الآئمة عند الشيعة فاقرأ كتب الشيعة التي تتحدث عن فضل مزارات القبور ومعجزات الآئمة وهي كثيرة جداً (4) .
سادسا : لماذا لم يظهر الامام على القرآن الصحيح حين استلم الخلافة .
والجواب من كبار علماء الشيعة :
__________
(1) - المجلسي : "البحار" : كتاب المزار : جـ 97ص134-135 .
(2) - الفيض الكاشاني : "الوافي" : باب فضل الكوفة ومساجدها المجلد 14 جـ 8 ص 1447 .
(3) - نقلا عن مسألة التقريب ( ناصر القفاري ) بعد التأكد من مصادر الشيعة .
(4) - مثل : مدينة المعاجز - بحار الأنوار وغيرها .(54/72)
1 - نعمة الله الجزائري حيث قال " لما جلس أمير المؤمنين عليه السلام على سرير الخلافة لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن وإخفاء هذا لما فيه من اظهار الشنعه على من سبقه (1).
2 - العلامة المحقق الميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي
حيث قال إنه عليه السلام(2) لم يتمكن منه(3) لوجود التقية المانعة من حيث كونه مستلزماً للتشنيع على من سبقه(4) كما لم يتمكن من إبطال صلاة الضحى ، ومن إجراء متعتي الحج والنساء ، ومن عزل شريح عن القضاوة ، ومعاوية عن الامارة ، وقد صرح بذلك في رواية الاحتجاج السابقة في مكالمته عليه السلام مع الزنديق.
__________
(1) - الأنوار النعمانية 2/360.
(2) - أي علي بن ابي طالب .
(3) - أي إظهار القرآن الذي عنده أي الصحيح .
(4) - أي الخلفاء الثلاثة .(54/73)
مضافا الى اشتمال عدم التصحيح (1)على مصلحة لا تخفى ، وهو أن يتم الحجة في يوم القيامة على المحرفين المغيرين من هذه الجهة أيضاً بحيث يظهر شناعة فعلهم لجميع أهل المحشر، وذلك بأن يصدر الخطاب من مصدر الربوبية الى امة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ويقال لهم : كيف قرأتم كتابي الذي أنزلته إليكم ؟ فيصدر عنهم الجواب ، بأنا قرأناه كذا وكذا ، فيقال لهم : ما أنزلناه هكذا فلم ضيعتموه وحرفتموه ونقصتموه ؟ فيجيبوا أن ياربنا ما قصرنا فيه ولا ضيعناه ولا فرطنا ، بل هكذا وصل إلينا ، فيخاطب حملة الوحي ويقال لهم : أنتم قصرتم في تبيلغ وحيي وأداء أمانتي ؟ فيقولوا ربنا ما فرطنا في وحيك من شيء وإنما فرط فيه فلان(2) وفلان بعد مضي نبيهم ، فيظهر شناعه فعلهم وفضاحة عملهم لجميع أهل المحشر ويستحقوا بذلك الخزى العظيم والعذاب الأليم مضافا إلى استحقاقهم للنكال والعقاب بتفريطهم في أمر الرسالة وتقصيرهم في غصب الخلافة (3).
سابعا : أين القرآن الصحيح في اعتقاد الشيعه ؟
هذا السؤال يجيب عنه كبار علماء الشيعة
1 - قال نعمة الله الجزائري : قال " روي في الأخبار انهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس الى السماء ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين (ع ) فيقرأ ويعمل بأحكامه (4) .
__________
(1) - أي تصحيح القرآن المحرف الموجود بين المسلمين .
(2) - أي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما .
(3) - البراعة في شرح نهج البلاغة جـ2 ص 220 دار الوفاء - بيروت
(4) - الأنوار النعمانية ج2 ص 360 .(54/74)
2 - أبو الحسن العاملي : قال " ان القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لما أنزله الله تعالى ، ما جمعه علي (ع) وحفظه إلى أن وصل الى ابنه الحسن (ع) وهكذا الى ان وصل الى القائم (ع) " المهدي" وهو اليوم عنده صلوات الله عليه " (1) .
3 - الحاج كريم خان الكرماني الملقب " بمرشد الأنام " قال : إن الإمام المهدي بعد ظهوره يتلوا القرآن ، فيقول أيها المسلمون هذا والله هو القرآن الحقيقي الذي أنزله الله على محمد والذي حرف وبدل " (2) .
4 - علي أصغر البرجردي : قال :الواجب أن نعتقد ان القرآن الأصلي لم يقع فيه تغيير وتبديل مع انه وقع التحريف والحذف في القرآن الذي ألفه بعض المنافقين ، والقرآن الاصلي الحقيقي موجود عند امام العصر عجل الله فرجه " (3) .
5 - محمد بن النعمان الملقب بالمفيد : قال : إن الخبر قد صح عن أئمتنا عليهم السلام أنهم قد رأوا بقراءة ما بين الدفتين وأن لا نتعداه الى زيادة فيه ولا إلى نقصان منه الى ان يقوم القائم (ع) فيقرئ الناس على ما أنزل الله تعالى وجمعه أمير
المؤمنين (ع) " (4) .
ثامنا : لماذا يقرأ الشيعة هذا القرآن ويتحاكمون الى أحكامه اذا كان ناقصاً ومحرفاً ؟
أخي المسلم خذ الجواب من كبار علماء الشيعة وهم :
1 - نعمة الله الجزائري : قال رداً على هذا السؤال :-
__________
(1) - المقدمة الثانية لتفسير مرآة الانوار ومشكاه الاسرار ص36 وطبعت كمقدمه لتفسير (البرهان) للبحراني .
(2) - ارشاد العوام ص 121 ج3 فارسي نقلا عن كتاب الشيعة والسنه ص 115 ( احسان الهى)
(3) - (عقائد الشيعه) على البرجردي ص 27 فارسي نقلا عن كتاب الشيعه والسنه لاحسان ظهير ص 115 .
(4) - المسائل السروية منشورات المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد . ص 8 7- 81 وانظر ايضا آراء حول القرآن لآية الله علي الفاني الأصفهاني ص 135 .(54/75)
فإن قلت كيف جاز القراءة في هذا القرآن مع مالحقه من التغيير ، قلت قد روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين عليه السلام فيقرى ويعمل بأحكامه (1) .
2 - محمد بن النعمان الملقب (المفيد) :
قال : إن الخبر قد صح عن أئمتنا عليهم السلام أنهم قد رأوا بقراءة ما بين الدفتين وأن لا نتعداه إلى زيادة فيه ولا إلى نقصان منه إلى أن يقوم القائم (ع) فيقريء الناس على ما أنزل الله تعالى وجمعه أمير المؤمنين عليه السلام . وإنما نهونا عن قراءة ما وردت به الأخبار من أحرف تزيد على الثابت في المصحف لأنها لم تأت على التواتر وإنما جاء بها الأخبار ، والواحد قد يغلط فيما ينقله ولأنه متى قرأ الإنسان بما يخالف ما بين الدفتين غرر بنفسه من أهل الخلاف وأغرى به الجبارين وعرض نفسه للهلاك فمنعونا من قراءة القرآن بخلاف ما بين الدفتين (2) .
تاسعا : التحريف والنقص الذي يدعيه الشيعه في القرآن في لفظ القرآن و آياته وسوره وتفسيره وليس في التفسير فقط كما يدعي بعض الشيعة .
والدليل على ذلك :
1 - ادعاؤهم وجود قرآن صحيح عند المهدي المنتظر يعني إن هذا القرآن الموجود الآن ليس بصحيح لانه لو كان قرآن المهدي مثل هذا القرآن الموجود الآن فما فائدة ادعاء الشيعة وجود قرآن عند المهدي .
__________
(1) - الأنوار النعمانية ج 2 ص 360 .
(2) - نقلا عن آراء حول القرآن لآية الله الفاني الاصفهاني ص 135 ، وانظر المسائل السروية للمفيد ص 78- 81 .(54/76)
2 - الرواية الموجودة في الكافي والتي فيها ان القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية لكن الموجود حالياً ستة آلاف ومائتان تقريباً وهذا يعني ان ثلثي آيات القرآن ناقصه ويدعي النقص من شرح هذا الحديث ومنهم العلامه المجلسي في مرآة العقول (1)وأيضا العلامة محمد صالح المازندراني في شرحه لهذا الحديث في كتابه شرح جامع الكافي(2).
3 - ادعاء علماء الشيعة نقص سور بأكملها من القرآن مثل سورة الولاية وسورة النورين كما قال العلامة المجلسي في كتابه تذكرة الأئمة (3) ، وأيضا العلامة حبيب الله الهاشمي في كتابه البراعه في شرح نهج البلاغه (4) وأيضاً النوري الطبرسي في كتابه فصل الخطاب (5)وغيرهم .
4 - اعتراف بعض كبار علماء الشيعة ان التحريف بالقرآن ليس في التفسير فقط بل في ألفاظ القرآن مثل المجلسي (6)وحبيب الله الهاشمي (7).
عاشرا : سورة الولاية وسورة النورين اللتان يدعي علماء الشيعه أنهما
حذفتا من القرآن الكريم .
__________
(1) - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول جـ12 ص 525 دار الكتب الاسلامية - طهران .
(2) - شرح جامع الكافي جـ11 ص 76 نقلاً عن أصول مذهب الشيعة د. ناصر القفارى ص246 ج1 .
(3) - تذكرة الائمة ص 18 - 19 فارسي منشورات مولانا .
(4) - البراعة في شرح نهج البلاغه الجزء الثاني المختار الأول ص 216-217 مؤسسة الوفاء - بيروت .
(5) - فصل الخطاب في اثبات تحريف كتاب رب الأرباب ص 110 .
(6) - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول جـ12 ص 525 دار الكتب الاسلامية - طهران .
(7) - البراعة في شرح نهج البلاغه الجزء الثاني المختار الأول ص 216-217 مؤسسة الوفاء - بيروت .(54/77)
1 - سورة النورين { يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم إن الذين يوفون ورسوله في آيات لهم جنات النعيم (كذا) والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم ظلموا أنفسهم وعصوا الوصي الرسول أولئك يسقون من حميم إن الله الذي نور السموات والأرض بما شاء واصطفى من الملائكة وجعل من المؤمنين اولئك في خلقه يفعل الله ما يشاء لا إله إلا هو الرحمن الرحيم قد مكر الذين من قبلهم برسلهم فأخذهم بمكرهم إن أخذي شديد أليم إن الله قد أهلك عاداً وثمود بما كسبوا وجعلهم لكم تذكرة فلا تتفون وفرعون بما طغى على موسى وأخيه هارون أغرقته ومن تبعه أجمعين ليكون لكم آية وإن أكثركم فاسقون إن الله يجمعهم في يوم الحشر فلا يستطيعون الجواب حين يسألون إن الجحيم مأواهم وأن الله عليم حكيم يا أيها الرسول بلغ إنذاري فسوف يعلمون قد خسر الذين كانوا عن آياتي وحكمي معرضون مثل الذين يوفون بعهدك أني جزيتهم جنات النعيم إن الله لذو مغفرة وأجر عظيم وإن علياً من المتقين وإنا لنوفيه حقه يوم الدين ما نحن عن ظلمه بغافلين وكرمناه على أهلك أجمعين فإنه وذريته لصابرون وأن عدوهم إمام المجرمين قل للذين كفروا بعد ما آمنوا طلبتم زينة الحياة الدنيا واستعجلتم بها ونسيتم ما وعدكم الله ورسوله ونقضتم العهود من بعد توكيدها وقد ضربنا لكم الأمثال لعلكم تهتدون يا أيها الرسول قد أنزلنا إليك آيات بينات فيها من يتوفاه مؤمناً ومن يتوليه من بعدك يظهرون فأعرض عنهم إنهم معرضون إنا لهم محضرون في يوم لا يغني عنهم شيء ولا هم يرحمون إن لهم جهنم مقاماً عنه لا يعدلون فسبح باسم ربك وكن من الساجدين ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون فصبر جميل فجعلنا منهم القردة والخنازير ولعناهم الى يوم يبعثون فاصبر فسوف يبصرون ولقد آتينا(54/78)
لك الحكم كالذين من قبلك من المرسلين وجعلنا لك منهم وصياً لعلهم يرجعون . ومن يتولى عن أمري فإني مرجعه فليتمتعوا بكفرهم قليلاً فلا تسأل عن الناكثين يا أيها الرسول قد جعلنا لك في أعناق الذين آمنوا عهداً فخذه وكن من الشاكرين إن علياً قانتاً بالليل ساجداً يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربه قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون سنجعل الأغلال في أعناقهم وهم على أعمالهم يندمون إنا بشرناك بذريته الصالحين وإنهم لأمرنا لا يخلفون فعليهم مني صلوات ورحمة أحياء وأموتاً يوم يبعثون وعلى الذين يبغون عليهم من بعدك غضبي إنهم قوم سوء خاسرين وعلى الذين سلكوا مسلكهم مني رحمة وهم في الغرفات آمنون والحمد لله رب العالمين(1).
2 - { يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنبي والولي اللذين بعثناهما يهديانكم الى صراط مستقيم نبي وولي بعضهما من بعض ، وأنا العليم الخبير ، إن الذين يوفون بعهد الله لهم جنات النعيم ، فالذين إذا تليت عليهم آياتنا كانوا بآياتنا مكذبين ، إن لهم في جهنم مقام عظيم ، نودي لهم يوم القيامة أين الضالون المكذبون للمرسلين ، ما خلفهم المرسلين إلا بالحق ، وما كان الله لنظر هم الى أجل قريب فسبح بحمد ربك وعلي من الشاهدين } (2)
__________
(1) - ذكر هذه السورة : أ ) العلامة النوري الطبرسي في كتابه فصل الخطاب في اثبات تحريف كتاب رب الارباب ص 180 .
ب) العلامة محمد باقر المجلسي في كتابه تذكرة الائمة ص 18 ، 19 باللغة الفارسية منشورات مولانا .
جـ) كتاب (دبستان مذاهب ) باللغة الفارسية .
د ) العلامة المحقق ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي في كتابه (منهاج البراعة في شرح نهج البلاغه ) جـ2 ص 217.
(2) - ذكر هذه السورة : أ ) العلامة المحقق ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي في كتابه (منهاج البراعة في شرح نهج البلاغه ) جـ2 ص 217..
ب) العلامة محمد باقر المجلسي في كتابه تذكرة الائمة ص 19 ، 20 باللغة الفارسية منشورات مولانا ، ايران .(54/79)
.
الحادي عشر : بعض علماء الشيعة أنكروا التحريف تقية وليس حقيقة .
وهم : أبو جعفر محمد الطوسي ، أبو علي الطبرسي صاحب مجمع البيان ، والشريف المرتضي ، أبو جعفر بن بابويه القمي كما ذكرهم كبار علماء الشيعة، ومن العلماء الذين ذكروا هؤلاء هم :
1- النوري الطبرسي : إذ قال " القول بعدم وقوع التغيير والنقصان فيه وان جميع ما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الموجود بأيدى الناس فيما بين الدفتين وإليه ذهب الصدوق في فائدة والسيد المرتضي وشيخ الطائفة " الطوسي " في التبيان ولم يعرف من القدماء موافق لهم " (1) .
2 - نعمة الله الجزائري : إذ قال : مع أن اصحابنا رضوان الله عليهم قد أطبقوا على صحتها " أي أخبار التحريف " والتصديق بها نعم قد خالف فيها المرتضى والصدوق والشيخ الطبرسي وحكموا بأن ما بين دفتي المصحف هو القرآن المنزل لا غير ولم يقع فيه تحريف ولا تبديل ( (2) .
3 - عدنان البحراني : إذ قال " المنكرون للتحريف هم الصدوق والشيخ " الطوسي" والسيد " المرتضي" (3) .
ملاحظة : وكل شيعي في هذا العصر ينكر التحريف سواء كان عالماً أو من عوام الشيعه لا يحتج إلا بهؤلاء العلماء ( الطوسي ، والطبرسي صاحب مجمع البيان ، والصدوق، والمرتضي ) .
هل إنكار التحريف حقيقة أم تقية ؟
انهم أنكروا التحريف من باب التقية وذلك للأدلة الآتية :-
1 - لم يألفوا كتبا يردون فيها على من قال بالتحريف .
2 - أنهم يلقبون القائلين بالتحريف بالآيات والأعلام ويعظمونهم ويتخذونهم مراجع لهم .
3 - لم يسندوا انكارهم بأحاديث عن الأئمة .
4 - ذكروا في مؤلفاتهم روايات تصرح بالتحريف مثال :
__________
(1) - فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ص 34 .
(2) - الانوار النعمانية ص 357 جـ2 .
(3) - مشارق الشموس الدرية ص 132 .(54/80)
( أ ) الصدوق : روى عن جابر الجعفي قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول يجىء يوم القيامه ثلاثة يشكون المصحف والمسجد والعترة يقول المصحف يارب حرفوني مزقوني (1) .
وقال الصدوق أيضا ان سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب وكانت أطول من سورة البقرة ولكن نقصوها وحرفوها (2) .
(ب) الطوسي : هذب كتاب رجال الكشي ولم يحذف أو يعلق أو ينتقد على الأحاديث التي ذكرت تحريف القرآن ، وسكوته على ذلك دليل على موافقته ومن هذه الاحاديث :
1 - " عن أبى علي خلف بن حامد قال حدثني الحسين بن طلحة عن أبي فضال عن يونس بن يعقوب عن بريد العجلي عن ابي عبد الله قال أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم فمحت قريش ستة وتركوا
أبالهب" (3) .
2 - رواية " لاتأخذ معالم دينك من غير شيعتنا فإنك ان تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم إنهم ائتمنوا على كتاب الله جل وعلا فحرفوه وبدلوه " (4) .
3 - عن الهيثم ابن عروه التميمي قال سألت أبا عبد الله عن قوله تعالى{فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق } فقال ليست هكذا تنزيلها إنما هي " فاغسلوا وجوهكم وايديكم من المرافق " ثم أمر يده من مرفقه الى أصابعه . (5) .
والتقية لها فضل عظيم عند الشيعه :
1 - لا إيمان لمن لا تقية له (6) .
2 - عن ابي عبد الله قال " يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لاتقية له (7) .
3 - قال ابو عبد الله (ع) يا سليمان انكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله (8) .
__________
(1) - البيان للخوئي ص 228 .
(2) - ثواب الأعمال ص 139 .
(3) - رجال الكشي ص 247 .
(4) - المصدر السابق ص 10 .
(5) - تهذيب الاحكام ج1 ص 57 .
(6) - أصول الكافي ج2 ص 222 .
(7) - المصدر السابق ص 220 .
(8) - المصدر السابق ص 225 .(54/81)
القائلون بالتحريف يزعمون ان انكار هؤلاء العلماء لتحريف القرآن كان من باب التقية .
(1) نعمة الله الجزائري :
قال : " والظاهر أن هذا القول (1) إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة منها سد باب الطعن عليها بأنه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف لها (2) "
(2) النوري الطبرسي :
قال : " لا يخفى على المتأمل في كتاب التبيان للطوسي أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاه مع المخالفين " .
ثم أتى ببرهان ليثبت كلامه إذ قال : " وما قاله السيد الجليل على بن طاووس في كتابه " سعد السعود " إذ قال ونحن نذكر ما حكاه جدي أبو جعفر الطوسي في كتابه " التبيان " وحملته التقيه على الاقتصار عليه(3) .
(3) السيد عدنان البحراني :
" فما عن المرتضى والصدوق والطوسي من انكار ذلك فاسد " (4) .
(4) العالم الهندي أحمد سلطان :
قال : " الذين انكروا التحريف في القرآن لايحمل إنكارهم إلا على التقيه " (5) .
(5) أبو الحسن العاملي : فقد رد في كتابه " تفسير مرآة الأنوار ومشكاة الاسرار " على من انكر التحريف في باب بعنوان " بيان خلاصة علمائنا في تفسير القرآن وعدمه وتزييف استدلال من أنكر التغيير " (6) .
الفصل الثالث
الخوئي والقرآن الكريم
الكليني والقرآن الكريم
أولا : الخوئي في كتابه ( البيان في تفسير القرآن )
* ... حاول الخوئي أن يتظاهر بانكار القول بتحريف القرآن ولكنه في الوقت نفسه يقول بالتحريف بطرق ماكرة وخفية .
__________
(1) - أي انكار التحريف .
(2) - راجع نعمة الله الجزائري والقول بالتحريف .
(3) - " فصل الخطاب " ص 38 النوري الطبرسي .
(4) - " مشارق الشموس الدريه " ص 129 .
(5) - " تصحيف الكاتبين " ص 18 نقلا عن كتاب الشيعة والقرآن للشيخ احسان الهي .
(6) - راجع أبو الحسن العاملي وتحريف القرآن .(54/82)
أنكر الخوئي القول بتحريف القرآن تقية لكي يكسب فضلها العظيم . (راجع التقية عند الشيعة)
ومما يدل على ذلك ما يلي :
( أ ) قال الخوئي " أن كثرة الروايات على وقوع التحريف في القرآن تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين ولا أقل من الاطمئنان لذلك وفيها ما روى بطريق معتبر"(1).
(ب) جوابه على بعض الأحاديث الموثقة التي تذكر أن القرآن ناقص مثل :-
* (ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء (2).
* وأيضا حديث (ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل الا كذاب وما جمعه وحفظه كما أنزل الله تعالى الا علي بن ابي طالب والائمة من بعده (ع) (3).
* وأيضا حديث ( لو قرئ القرآن كما أنزل لالفيتنا مسمين ) (4).
* وأيضا حديث : نزل جبريل بهذه الآية على محمد هكذا ( وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا في علي فأتوا بسورة مثله ) (5).
فلقد رد الخوئي على هذه الأحاديث كالآتي :-
... اعترف الخوئي بثبوت الروايات وأنها تتحدث عن مصحف لعلي رضي الله عنه يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور وفيه زيادات ليست موجودة بالقرآن ومن ضمن هذه الزيادات أسماء الأئمة ويؤكد أن هذه الزيادات نزلت من عند الله للتفسير (6).
... وهذا أعتراف من الخوئي بأن الصحابة تجرؤا على إخفاء تفسير القرآن الذي أنزله الله سبحانه وتعالى حتى تضيع معاني القرآن لأنه اذا فقدت المعاني الالهية للقرآن المنزلة من عند الله يجعل الألفاظ لا فائدة لها فيقوم الصحابة رضوان الله عليهم بتفسير القرآن على رأيهم وهذا دليل أن الخوئي يعترف بالتحريف .
__________
(1) - البيان : ص 226 .
(2) - أصول الكافي : ج1/285 .
(3) - المصدر السابق : ج1/284 .
(4) - العياشي : ج1 - ص 25 .
(5) - أصول الكافي : ج1 - ص 484.
(6) - البيان : ص 223 وما بعدها .(54/83)
(جـ) تصحيح الخوئي روايات تفسير القمي وعدم انتقادها دليل على موافقته لرأي القمي الذي يطعن في كتاب الله " راجع معجم رجال الحديث للخوئي " عندما يتكلم عن علي بن ابراهيم .
( د ) عدم رد الخوئي على العلماء الذين قالوا بالتحريف .
( هـ) توثيق الخوئي لدعاء صنمي قريش وهذا الدعاء يذكر بأن أبا بكر وعمر حرفا كتاب الله .
( و ) تعظيم الخوئي للعلماء الذين طعنوا بالقرآن وتلقيبهم بالآيات والأعلام . ملاحظة مهمة : أخي المسلم إن العلماء الذين طعنوا بكتاب الله هم المراجع العظيمة عن الشيعة ولولا كتبهم لم يلقب الخوئي بمرجع الشيعة .
ثانيا : محمد بن يعقوب الكليني الملقب بثقة الاسلام صاحب كتاب (الكافي) اوثق كتاب عند الشيعة في الحديث :
... فقد شهد عليه كبار علماء الشيعه بإنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن ، ومن هؤلاء العلماء الذين شهدوا عليه :
1 - المفسر الكبير محمد بن مرتضى الكاشاني الملقب بـ (الفيض الكاشاني) :
... ... قال : " وأما اعتقاد مشايخنا في ذلك فالظاهر من ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن لأنه كان روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض للقدح فيها مع انه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه(1).
2 - أبو الحسن العاملي :
... قال : اعلم أن الذي يظهر من ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن لأنه روى روايات كثيرة في هذا المعنى في كتاب الكافي الذي صرح في أوله بأنه كان يثق فيما رواه فيه ولم يتعرض لقدح فيها ولا ذكر معارض لها (2).
3 - النوري الطبرسي :
__________
(1) - تفسير الصافي 1/52 منشورات الاعلمي - بيروت .
(2) - المقدمة الثانية الفصل الرابع تفسير مرآة الانوار ومشكاة الاسرار وطبعت كمقدمه لتفسير البرهان للبحراني .(54/84)
... قال النوري في المقدمة الثالثة في ذكر أقوال علماء الشيعة في تغيير القرآن
ص 23 : " اعلم أن لهم في ذلك أقوالاً مشهورها اثنان . الأول : وقوع التغيير والنقصان فيه ، وهو مذهب الشيخ الجليل علي بن إبراهيم القمي شيخ الكليني في تفسيره صرح في أوله وملأ كتابه من أخباره مع التزامه في أوله بأن لا يذكر فيه إلا عن مشايخه وثقاته ومذهب تلميذه ثقة الإسلام الكليني رحمه الله على نسبه إليه جماعة لنقله الأخبار الكثيرة الصريحة في هذا المعنى في كتاب الحجة خصوصاً في باب النكت والنتف من التنزيل وفي الروضة من غير تعرض لردها أو
تأويلها (1) .
4 - آية الله السيد على الفاني الاصفهاني :
... وقد ذكر الكليني من العلماء الذين قالوا بأن القرآن محرف (2) .
ملاحظة للشيعة : إذا كان هذا رأي كبار علمائكم في صاحب أوثق مصدر للحديث عندكم فلماذا تنكرون على أهل السنه إذا قالوا مثل ماقال كبار علمائكم في صاحب الكافي .
الفصل الرابع
روايات في كتب أهل السنة
يستغلها الشيعة ليتهموا أهل السنة بتحريف القرآن
روايات في كتب اهل السنة يستغلها الشيعة ليتهموا أهل السنة بتحريف القرآن :
وقبل أن نذكر هذه الروايات نعرف القارئ على بعض أحكام القرآن :
( أ ) أحكام القرآن عند أهل السنة (3) :
من أحكام القرآن عند أهل السنة النسخ ، والنسخ لغة بمعنى الازالة وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
النوع الأول : نسخ التلاوة والحكم معا .
النوع الثاني : نسخ الحكم وبقاء التلاوة .
النوع الثالث : نسخ التلاوة مع بقاء الحكم .
والدليل على جواز النسخ عقلا ووقوعه شرعا لأدلة :
__________
(1) - فصل الخطاب في اثبات تحريف كتاب رب الارباب ص 23 .
(2) - آراء حول القرآن - دار الهادي - بيروت ص 188 .
(3) - مباحث في علوم القرآن - د. مناع القطان ص 236 .(54/85)
1 - لأن أفعال الله لا تعلل بالأغراض ، فله أن يأمر بشيء في وقت وينسخه بالنهي عنه في وقت ، وهو أعلم بمصالح العباد .
2 - ولأن نصوص الكتاب والسنة دالة على جواز النسخ ووقوعه :
أ ) قال تعالى : ( وإذا بدلنا آية مكان آية 101 - النحل) وقال تعالى
( ماننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها 106 - البقرة) وقال تعالى ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) وقال تعالى ( ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ) .
وهذه الآيات تدل على النسخ بأنواعه أي نسخ التلاوة ونسخ الحكم ونسخ الحكم مع التلاوة .
ب) وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه : قال : قال عمر رضي الله عنه : أقرؤنا أبي ، وأقضانا ، وأنا لندع من قول أبي ، وذاك أن أبياً يقول : لا أدع شيئا سمعته من رسول الله صلىالله عليه وسلم ، وقد قال الله عزل وجل : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها )
(ب) النسخ في القرآن على ثلاثة أضرب :
الضرب الأول : ما نسخ تلاوته وحكمه معاً .
الضرب الثاني : ما نسخ حكمه دون تلاوته .
الضرب الثالث ما نسخ تلاوته دون حكمه (1).
أخي المسلم لقد أثيرت شبهة في شكل روايات فيها آيات منسوخة التلاوة أو قراءات شاذة وهذه الروايات موجودة عند أهل السنه ، وقد اثيرت في كتب كثيرة منها البيان في تفسير القرآن للخوئي وكتاب اكذوبة تحريف القرآن لمؤلفه رسول جعفريان وغيرها من الكتب .
أخي المسلم لقد أتهم أية الله العظمي الخوئي وهو أحد مراجع الشيعه أهل السنه إتهاماً باطلاً فلقد قال " ان القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف والاسقاط"
وقال أيضاً " ان القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنة لانهم يقولون بجواز نسخ التلاوة " (2)
__________
(1) - الاتقان في علوم القرآن للسيوطي - النوع السابع والأربعون في ناسخه ومنسوخه
ص 700.
(2) - البيان في تفسير القرآن ص205 .
* ملاحظة مهمة : أخي المسلم ان علماء الشيعة ينقسمون إلى قسمين قسماً انكر التحريف وآمن بنسخ التلاوة وقسماً أقر بالتحريف وانكر نسخ التلاوة ، فإذا كان الامر كذلك والنسخ عند الخوئي وأمثاله تحريف فجميع علماء الشيعة يقولون بالتحريف .(54/86)
.
أخي المسلم ها هو الخوئي لم يجد عالماً سنياً يطعن بالقرآن الكريم فاضطر الى اتهام أهل السنه بالطعن في القرآن لانهم أجازوا نسخ التلاوة .
ونحن ننبه كل شيعي وسني انخدع بما قاله الخوئي وغيره من علماء الشيعه فنقول ان نسخ التلاوة ثابت عند أهل السنة وأيضا قد أقركبار علماء الشيعه بأنواع النسخ بما فيها نسخ التلاوة وسنذكر بعض كبار علماء الشيعة الذين أقروا بالنسخ وسيفصل كلامهم في الرويات القادمة ومن علماء الشيعه الذين أقروا بالنسخ :
1 - الشيخ أبو علي الفضل الطبرسي (صاحب كتاب مجمع البيان في تفسير القرآن) وذكر أنواع النسخ حين شرح آية النسخ آية 106 سورة البقرة .
2 - أبو جعفر محمد الطوسي الملقب عند الشيعه بشيخ الطائفة ، وذكر أنواع النسخ في كتابه التبيان في تفسير القرآن ج1 ص 13 مقدمة المؤلف .
3 - كمال الدين عبد الرحمن العتائقي الحلي في كتابه " الناسخ والمنسوخ" ص35.
4 - محمد على في كتابه لمحات من تاريخ القرآن ص 222 .
5 - العلامه محسن الملقب بالفيض الكاشاني فقد أقر بنسخ التلاوة حين شرح آية " ماننسخ من آية أو ننسها " قال " ما ننسخ من آية " بأن نرفع حكمها وقال " أو ننسها" بأن نرفع رسمها انتهى شرح الكاشاني والمعروف أن نرفع رسمها أي نرفع خطها وهذا يعني رفع تلاوتها . تفسير الصافي شرح آية 106 سورة البقرة .
... أخي المسلم سنذكر بعض الروايات التي يتخذها علماء الشيعة مطعناً على أهل السنه لأن فيها أما نسخ تلاوة أو قراءة شاذة ونبين الحق فيها بإذن الله تعالى (1).
__________
(1) ملاحظة مهمة : أخي المسلم بالرغم من أن السيوطي رحمه الله في كتابه الاتقان يضع الروايات تحت عنوان ما نسخ تلاوته دون حكمه فإن الخوئي يأخذ هذه الروايات ويقول إن السيوطي كان يطعن بالقرآن .(54/87)
الرواية الأولى : روى ابن عباس عن عمر أنه قال : " إن الله عز وجل بعث محمداً بالحق، وأنزل معه الكتاب ، فكان مما أنزل اليه آية الرجم ، فرجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده ، ثم قال : كنا نقرأ : " ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم" ، أو : إن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم " .
وقد أوردها الخوئي في كتابه البيان متهماً أهل السنه بحذف آية الرجم (1).
... وأوردها السيوطي في كتابة الاتقان تحت عنوان ما نسخ تلاوته دون حكمه(2) .
ونقول كما قال علماء المسلمين ومنهم " السيوطي " ان آية الرجم " الشيخ والشيخه إذا زنيا " هي آية نسخت تلاوتها وقد اعترف بهذا النسخ كبار علماء الشيعة ومنهم :
1 - الشيخ أبو على الفضل الطبرسي :
... إذ قال النسخ في القرآن على ضروب ومنها ما يرتفع اللفظ ويثبت الحكم كآية الرجم (3).
2 - ابو جعفر محمد الطوسي الملقب بشيخ الطائفة :
... إذ قال النسخ في القرآن من أقسام ثلاثة : منها ما نسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم وهي قوله " والشيخ والشيخه إذا زنيا ” (4) .
3 - كمال الدين عبد الرحمن العتائقي الحلي ( من علماء المئة الثامنة ) :
... إذ قال : المنسوخ على ثلاث ضروب : منها ما نسخ خطه وبقى حكمه فما روى من قوله " الشيخ والشيخه إذا زنيا فأرجموهما البته نكالاً من الله " (5).
4 - محمد علي :
... إذ قال انواع المنسوخ ثلاثة : منها ما نسخ خطه وبقى حكمه كآية الرجم (6) .
__________
(1) - البيان ص 203.
(2) - الاتقان جـ2 ص 718 .
(3) - مجمع البيان في تفسير القرآن جـ 1 ص 406 شرح آية 106 من سورة البقرة .
(4) - التبيان في تفسير القرآن جـ 1 ص 13 مقدمة المؤلف وايضاً ص 394 شرح آية 106 سورة البقرة .
(5) - الناسخ والمنسوخ ص 35 مؤسسة أهل البيت (ع) بيروت .
(6) - لمحات من تاريخ القرآن ص 222 منشورات الاعلمي .(54/88)
5 - وذكر الكليني آية الرجم في الكافي وقال محقق الكافى علي أكبر الغفاري نسخت تلاوتها (1) .
6 - محمد باقر المجلسي : صحح رواية آية الرجم التي بالكافي وقال وعدت هذه الآية مما نسخت تلاوتها دون حكمها (2).
وأيضاً الشطر الثاني من الرواية قوله تعالى " ولاترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم "
... فإن هذه الآية مما نسخت تلاوته وقد أوردها السيوطي في الإتقان تحت عنوان مانسخ تلاوته دون حكمه (3) . ...
... وقد اعترف بهذا النسخ كبار علماء الشيعة ومنهم :-
1 - الشيخ ابو علي الفضل الطبرسي :
... إذ قال النسخ في القرآن على ضروب : منها أن يرفع حكم الآية وتلاوتها كما روى عن ابي بكر انه قال كنا نقرأ " لا ترغبوا عن آباءكم فإنه كفر بكم " (4).
2 - ابو جعفر الطوسي الملقب بشيخ الطائفة .. إذ قال كانت أشياء في القرآن ونسخت تلاوتها ومنها ( لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر ) (5).
الرواية الثانية : وروت عمرة عن عائشة أنها قالت : " كان فيما انزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله -ص- وهن فيما يقرأ من القرآن " .
أوردها الخوئي في كتاب البيان متهما أهل السنة بالطعن في القرآن (6).
أوردها السيوطي في الاتقان تحت عنوان ما نسخ تلاوته وحكمه معاً (7).ونقول كما قال علماء المسلمين ان هذه الرضعات مماً نسخنا تلاوة وحكماً .
... وقد اعترف بهذا النسخ كبار علماء الشيعة ومنهم :-
1 - أبو جعفر الطوسي الملقب بشيخ الطائفة .
__________
(1) - الكافي جـ 7 ص 176 بالهامش دار الأضواء بيروت .
(2) - مرآة العقول ج 23 ص 267 .
(3) - الإتقان جـ2 ص 720 .
(4) - مجمع البيان في تفسير القرآن شرح آية 106 من سورة البقرة .
(5) - التبيان جـ 1 ص 394 شرح آية 106 من سورة البقرة .
(6) - البيان ص 204 .
(7) - الإتقان جـ1 ص 715 .(54/89)
إذ قال : قد نسخ التلاوة والحكم معاً مثل ماروى عن عائشة أنها قالت كان فيما أنزله الله عشر رضعات يحرمن ثم نسخن (1) .
الرواية الثالثة : " بعث أبو موسى الأشعري الى قراء أهل البصرة ، فدخل عليه ثلاثمائة رجل ، قد قرأوا القرآن . فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم ، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب العرب من كان قبلكم ، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فانسيتها ، غير أني قد حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب . وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فانسيتها ، غير أني حفظت منها : يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ، فتكتب شهادة في أعناقكم ، فتسألون عنها يوم القيامة ".
... أوردها الخوئي في البيان متهما أهل السنة بالطعن في القرآن(2) .
... وأوردها السيوطي في رواتين منفصلتين في الاتقان تحت عنوان ما نسخ تلاوته دون حكمه (3) .
... وقد اعترف بهذا النسخ كبار علماء الشيعة ومنهم .
1 - ابو على الطبرسي : إذ قال : جاءت أخبار كثيرة بأن أشياء كانت في القرآن فنسخ تلاوتها فمنها ماروي عن أبى موسى انهم كانوا يقرأون " لو أن لابن آدم واديين من مال لا بتغى اليهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ثم رفع (4).
2 - كمال الدين العتائقي الحلي إذ قال : ما نسخ خطه وحكمه هي " لو أن لابن آدم واديين من فضه لا بتغى لهما ثالثا ولو أن له ثالثا لابتغى رابعاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب (5).
__________
(1) - التبيان جـ 1 ص 13 مقدمة المؤلف .
(2) - البيان ص 204 .
(3) - الإتقان جـ2 ص 719 .
(4) - مجمع البيان شرح آية 106 من سورة البقرة .
(5) - الناسخ والمنسوخ ص 34 .(54/90)
3 - أبو جعفر الطوسي .. إذ قال كانت أشياء في القرآن ونسخت تلاوتها ومنها (لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله عن من تاب ثم رفع ) (1) .
الرواية الرابعة : روي المسور بن مخرمه : " قال عمر لعبد الرحمن بن عوف : ألم تجد فيما انزل علينا . أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة . فإنا لا نجدها . قال : اسقطت فيما اسقط من القرآن "
... أورد هذه الرواية الخوئي في كتابه البيان متهما أهل السنة بالطعن في القرآن (2) .
وأوردها السيوطي في الاتقان تحت عنوان ما نسخ تلاوتها دون حكمه(3) ، ونقول كما قال علماء المسلمين فإن قول الراوي اسقطت فيما اسقط من القرآن أي نسخت تلاوتها في جملة ما نسخت تلاوته من القرآن .
الرواية الخامسة : روى أبو سفيان الكلاعي : أن مسلمة بن مخلد الأنصاري قال لهم ذات يوم : " أخبروني بآيتين في القرآن لم يكتبا في المصحف ، فلم يخبروه ، وعندهم أبو الكنود سعد بن مالك ، فقال ابن مسلمة : إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون ، والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون " .
... أوردها الخوئي في كتابه البيان متهما أهل السنة بالطعن في القرآن(4) .
... وأوردها السيوطي في كتابه الاتقان تحت عنوان ما نسخ تلاوته دون حكمه (5).
الرواية السادسة : وروى زر . قال : قال أبي بن كعب يازر : " كأين تقرأ سورة الأحزاب قلت : ثلاث وسبعين آية . قال : إن كانت لتضاهي سورة البقرة ، أو هي أطول من سورة البقرة ..." .
__________
(1) - التبيان جـ 1 ص 394 شرح آية 106 من سورة البقرة .
(2) - البيان ص 204 .
(3) - الإتقان جـ2 ص 720 .
(4) - البيان ص 205 .
(5) - الإتقان جـ2 ص 721 .(54/91)
... أوردها الخوئي في كتابة البيان متهما أهل السنة بالطعن في القرآن (1) .
... وأوردها السيوطي في الاتقان تحت عنوان ما نسخ تلاوته دون حكمه (2).
... وقد اعترف بهذا النسخ كبار علماء الشيعة منهم :
1 - الشيخ ابو علي الطبرسي :
إذ قال : ... ثالثا ان يكون معنى التأخير ان ينزل القرآن فيعمل به ويتلى ، ثم يأخر بعد ذلك بأن ينسخ فيرفع تلاوته البتة ويمحى فلا تنسأ ولا يعمل بتأويله مثل ما روي عن زر بن حبيش ان ابياً قال له كم تقرأون الأحزاب ؟ قال بضعاً وسبعين آية ، قال قد قرأتها ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أطول من سورة
البقرة (3) .
2 - أبو جعفر الطوسي : إذ قال : وقد جاءت أخبار متظافره بأنه كانت أشياء في القرآن نسخت تلاوتها وعددها وذكر منها ان سورة الأحزاب كانت تعادل سورة البقرة في الطول (4).
الرواية السابعة : عن أنس في قصة أصحاب بئر معونه الذين قتلوا ، وقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على قاتليهم - قال أنس : ونزل فيهم قرآن قرأناه حتى رفع : " أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضى عنا وأرضانا " .
أوردها الشيعي رسول جعفريان في كتابه أكذوبة التحريف متهما أهل السنة بالطعن في القرآن (5) .
... هذه الرواية أوردها السيوطي في الإتقان تحت عنوان ما نسخ تلاوته دون حكمه(6) ونقول كما قال علماء المسلمين أن المقصود في كلمة" حتى رفع " أي حتى نسخ تلاوته .
... وقد قال بالنسخ هنا كبار علماء الشيعة فمنهم :
__________
(1) - البيان ص 204 .
(2) - الإتقان جـ2 ص 718 .
(3) - مجمع البيان جـ 1 ص 409 شرح آية 106 من سورة البقرة .
(4) - التبيان جـ 1 ص 394 شرح آية 106 من سورة البقرة .
(5) - اكذوبة التحريف ص 47 .
(6) - الإتقان جـ2 ص 720 .(54/92)
1 - ابو علي الطبرسي . إذ قال : جاءت أخبار كثيرة بأن آشياء في القرآن فنسخ تلاوتها منها عن أنس ان السبعين من الأنصار الذين قتلوا ببئر معونه قرأنا فيهم كتابا بلغوا عنا قومنا إنا لقينا ربنا فرضى عنا وأرضانا ، ثم إن ذلك رفع (1).
2 - أبو جعفر الطوسي : إذ قال كانت أشياء في القرآن نسخت تلاوتها ، ومنها (عن أنس بن مالك ان السبعين من الانصار الذين قتلوا ببئر معونة : قرأنا فيهم كتابا - بلغوا عنا قومنا أن لقينا ربنا ، فرضا عنا وأرضانا ، ثم أن ذلك رفع (2) .
الرواية الثامنة : وروت حميدة بنت أبي يونس . قالت : " قرأ علي أبي - وهو ابن ثمانين سنة - في مصحف عائشة : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ، وعلى الذين يصلون الصفوف الاول . قالت : قبل أن يغير عثمان المصاحف " .
... أوردها الخوئي في البيان متهما أهل السنة بالطعن في القرآن (3).
... وأوردها السيوطي ف الاتقان تحت عنوان ما نسخ تلاوته دون حكمه (4).
... نقول ان الزيادة " وعلى الذين يصلون الصفوف الأول " منسوخه التلاوة وكانت موجودة قبل أن يجمع عثمان الناس على مصحف واحد لأن عثمان حذف من القرآن منسوخ التلاوة ، وتعتبر ايضاً قراءة شاذه لانها ليست متواترة .
الرواية التاسعة : ما جاء في سورتي الخلع والحفد في مصحف ابن عباس وأبي بن كعب : " اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك ، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكافرين ملحق " .
... أوردها الخوئي في البيان متهما أهل السنة بالطعن في القرآن (5).
__________
(1) - مجمع البيان جـ 1 ص 406 شرح آية 106 من سورة البقرة .
(2) - انظر التبيان جـ1 ص 394 شرح اية 106 سورة البقرة.
(3) - البيان ص 203 .
(4) - الإتقان جـ2 ص 718 .
(5) - البيان ص 205 .(54/93)
... وقد أوردها السيوطي تحت عنوان ما نسخ تلاوته دون حكمه (1) .
... وقال السيوطي قال الحسين بن المنادي في كتابه " الناسخ والمنسوخ " ومما رفع رسمه من القرآن ولم يرفع من القلوب حفظه سورتا القنوت في الوتر وتسمى سورتين الخلع والحفد ( أي ان هاتين السورتين نسخت تلاوتهما ) .
الرواية العاشرة : قال أبو عبيد : حدثنا اسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن نافع عن ابن عمر قال : لايقولن أحدكم: قد أخذت القرآن كله ، وما يدريه ما كله قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل :قد أخذت منه ما ظهر
... أوردها الخوئي في البيان متهما أهل السنة بالطعن في القرآن (2) .
... وقد أوردها السيوطي في الاتقان تحت عنوان ما نسخ تلاوته دون حكمه (3) ونقول كما قال علماء المسلمين ان المقصود في " ذهب منه قرآن كثير " أي ذهب بنسخ تلاوته .
الرواية الحادية عشر: روى عروة بن الزبير عن عائشة قالت : " كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مئتي آية ، فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن " .
... أوردها الخوئي في البيان متهما أهل السنة بالطعن في القرآن (4) .
... وقد أوردها السيوطي في الاتقان تحت عنوان ما نسخ تلاوته دون حكمه (5)، ونقول ان سورة الأحزاب كانت طويلة ونسخت منها آيات كثيرة بأعتراف العالمين الكبيرين الشيعيين الطوسي والطبرسي راجع رواية رقم 6 .
... والمقصود في " فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن " أي عندما جمع عثمان الناس على مصحف واحد لم يكتب منسوخ التلاوة وبالطبع فإن سورة الأحزاب كانت أطول مع الآيات المنسوخه وحين حذفت منها الآيات المنسوخه قصرت السورة وهي الموجوده الآن وهي متواترة بتواتر القرآن .
__________
(1) - الإتقان جـ2 ص 721 .
(2) - البيان ص 203 .
(3) - الإتقان جـ2 ص 718 .
(4) - البيان ص 203 .
(5) - الإتقان جـ2 ص 718.(54/94)
الرواية الثانية عشرة: قال الخوئي : أخرج الطبراني بسند موثق عن عمر بن الخطاب مرفوعا : " القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف ".
... أوردها الخوئي في البيان متهما أهل السنة بالطعن في القرآن (1).
... نقول هذه رواية مكذوبة على عمر رضي الله عنه (2) .
الرواية الثالثة عشرة : أخبرنا عبد الرازق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال : سمعت بجالة التميمي قال : وجد عمر بن الخطاب مصحفا في حجر غلام في المسجد فيه : " النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وهو ابوهم"
... هذه الرواية اوردها الشيعي رسول جعفريان في كتابه أكذوبة تحريف القرآن قد تغير عنوان هذه الكتاب الى اسم ( القرآن ودعاوي التحريف) متهما أهل السنة بالطعن في القرآن (3) .
... ونقول إن كلمة " وهو أبوهم " هي نسخ تلاوة وتعتبر من القراءات الشاذة ، وقد اعترف بهذه القراءة الشاذه كبار علماء الشيعه ومنهم :-
1 - محسن الملقب بالفيض الكاشاني : في كتابه تفسير الصافي
... إذ قال " عن الباقر والصادق عليهما السلام انهما قرءا وازواجه امهاتهم وهو أب لهم (4).
2 - العالم الشيعي محمد الجنابذي الملقب بسلطان علي شاه عندما فسر آية " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه وأمهاتهم " قال قرأ الصادق ( هاهنا : وهو أب لهم )(5) .
3 - المفسر الكبير علي بن ابراهيم القمي في تفسيره الآية " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه وأمهاتهم " قال نزلت وهو أب لهم وازواجه وأمهاتهم" الأحزاب(6)
الرواية الرابعة عشرة : عن عروة قال : كان مكتوب في مصحف عائشة " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر" .
__________
(1) - البيان ص 202.
(2) - ضعيف الجامع لألبانى رقم الرواية 4133 .
(3) - اكذوبة التحريف ص 49 .
(4) - تفسير الصافي جـ4 ص 164 تفسير آية " النبي أولى...." سورة الأحزاب .
(5) - بيان السعادة في مقامات العباده جـ3 ص 230 .
(6) - تفسير القمي جـ2 ص 176 .(54/95)
... أوردها الشيعي رسول جعفريان في كتابه أكذوبة التحريف متهما أهل السنة بالطعن في القرآن (1).
... ونقول ان " صلاة العصر " مما نسخ تلاوته وتعتبر من القراءات الشاذة غير المتواترة ، وقد ذكر هذه القراءة الشاذة كبار علماء الشيعة فمنهم :
1 - علي بن ابراهيم القمي في تفسيره إذ قال : عن ابي عبد الله عليه السلام انه قرأ " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين " (2).
2 - المفسر الكبير هاشم البحراني في تفسيره إذ قال : وفي بعض القراءات
" حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين " (3).
3 - العلامه محسن الملقب بالفيض الكاشاني في تفسيره قال " عن القمي عن الصادق (ع) انه قرأ (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) (4).
4 - المفسر العياشي محمد بن مسعود في تفسيره روى عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر قال : قلت له الصلاة الوسطى فقال ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) (5).
الرواية الخامسة عشرة : حدثنا قبصة بن عقبة ... عن ابراهيم بن علقمه قال : " دخلت في نفر من اصحاب عبد الله الشام فسمع بنا ابو الدرداء فاتانا فقال : أفيكم من يقرأ ؟ فقلنا : نعم . قال : فأيكم ؟ فاشاروا الي ، فقال : اقرأ ، فقرأت : “ والليل اذا يغشى والنهار اذا تجلى والذكر والانثى “ قال : أنت سمعتها من في صاحبك قلت نعم ، قال : وانا سمعتها من في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهؤلاء يأبون علينا “ .
__________
(1) - اكذوبة التحريف ص 43 .
(2) - تفسير القمي جـ1 ص 106 تفسير آية 238 البقرة .
(3) - تفسير البرهان جـ1 ص 230 ايه 238 البقرة .
(4) - تفسير الصافي جـ1 ص 269 ايه 238 البقرة .
(5) - تفسير العياشي جـ1 آية 238 البقرة .(54/96)
... أوردها رسول جعفريان في كتابه اكذوبة تحريف القرآن متهما أهل السنة بالطعن في القرآن (1).
... وهذه القراءة تعتبر شاذة وغير متواترة والمتواتر هي" وما خلق الذكر والانثى"(2) ... ويقال لها قراءة عن طريق الآحاد (3) .
... وقد قال المفسر الشيعي الكبير ابو علي الطبرسي في كتابه مجمع البيان في تفسير سورة الليل " في الشواذ قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة علي بن ابي طالب (ع) وابن مسعود وابي الدرداء وابن عباس " والنهار اذا تجلى وخلق الذكر والأنثى “ بغير “ما” ، وروى ذلك عن ابي عبد الله عليه السلام .
... وهذا اعتراف من المفسر الشيعي الكبير انه توجد قراءة شاذة تنقص من الآية حرف "ما" وبالتالي فإن القراءة إن كانت شاذة فلا يهم إن غيرت حرف أو حرفين أو كلمة أو كلمتين . فإنها تكون قراءاة شاذة أي ليست متواترة ولا تكون من القرآن المجمع عليه من الصحابة حين جمعه عثمان رضي الله عنه .
الرواية السادسة عشرة : حدثنا أبان بن عمران قال : قلت لعبد الرحمن بن اسود انك تقرأ " صراط من انعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين " .
... أوردها رسول جعفريان في كتابه اكذوبة تحريف القرآن متهما أهل السنة بالطعن في القرآن(4) .
... وقد اعترف بهذه القراءة الشاذة مفسرين الشيعة ومنهم :-
1 ) محمد بن مسعود العياشي : قال في تفسيره عن ابن أبي رفعه في( غير المغضوب عليهم ، وغير الضالين ) وهكذا نزلت ، وعلق عليها معلق الكتاب السيد / هاشم المحلاتي وقال أن ( غير الضالين ) اختلاف قراءات (5) .
2 ) علي بن ابراهيم القمي في تفسيره (6) .
__________
(1) - اكذوبة التحريف ص 46 .
(2) - انظر كتاب صفحات في علوم القراءات لابي طاهر عبد القيوم السندي ص 90 المكتبة الامدادية.
(3) - انظر الاتقان للسيوطي جـ1 ص 240 .
(4) - اكذوبة التحريف ص 38 .
(5) - تفسير العياشي جـ1 ص 38 .
(6) - تفسير القمي جـ1 ص 58 .(54/97)
الرواية السابعة عشرة : عن ابن مسعود انه حذف المعوذتين من مصحفه وقال انهما ليستا من كتاب الله .
أوردها الشيعي رسول جعفريان في كتابه اكذوبة التحريف متهما أهل السنة بالطعن في القرآن (1) .
والرد على هذه الشبهة من عدة أوجه :
1 - لم ينكر ابن مسعود كون المعوذتين من القرآن وإنما أنكر اثباتهما في المصحف لأنه يرى أن لا يكتب في المصحف الا ما أذن به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله لم يأذن بهما .
2 - المعوذتان أنكرهما ابن مسعود قبل التواتر لان التواتر لم يثبت عنده .
3 - إن ابن مسعود إنما أنكر المعوذتين أن يكونا من القرآن قبل علمه بذلك فلما علم رجع عن إنكاره بدليل أن القرأن الكريم الموجود بين أيدينا من رواية أربعة من الصحابة هم : عثمان وعلي وأبي بن كعب وابن مسعود وفيه المعوذتان
4 - كان أبن مسعود يرى أن المعوذتين رقية يرقى بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين مثل قوله أعوذ بكلمات الله التامات ، وغيرها من المعوذات ولم يكن يظن أنهما من القرآن .
الفصل الخامس
ترجمة لبعض علماء الشيعة
ترجمه لبعض علماء الشيعه
أخي المسلم سوف نوضح لك في هذا الفصل مكانة وعظمة بعض علماء الشيعة وكتبهم في نظر كبار علماء الشيعة الذين يترجمون للعلماء وسوف نبين لك أخي المسلم أن علماء الشيعة الذين يطعنون بكتاب الله وبصحابه رسول الله إنما هم من كبار علماء الشيعة ولهم تقدير واحترام عند الشيعة وعلمائهم .
اولأ : رأي بعض علماء الشيعة بالكتب الأربعة .
__________
(1) - اكذوبة التحريف ص 48 .(54/98)
1 - يقول الأمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي : " الكتب الأربعة التى هي مرجع الامامية في أصولهم وفروعهم من الصدر الأول الى هذا الزمان وهي " الكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه "، وهي متواتره ومضامينها مقطوع بصحتها والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها " (1).
2 - يقول محمد صادق الصدر : " ان الشيعة وان كانت مجمعه على اعتبار الكتب الاربعه وقائله بصحة كل ما فيها من روايات " (2) .
ثانيا : مكانة ومنزلة هؤلاء العلماء عند الشيعة .
(1) محمد باقر المجلسي المتوفي سنة1111 هـ .
... من مؤلفاته :
* مرآة العقول في شرح اخبار الرسول ( شرح الكافي ) .
* بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار .
* جلاء العيون .
* الأربعين .
* حق اليقين ، وغيرها .
" قال الأردبيلي " محمد باقر بن محمد تقي بن المقصود على الملقب بالمجلسي ، مد ظله العالي ، أستاذنا وشيخنا وشيخ الإسلام والمسلمين ، خاتم المجتهدين الإمام العلامة المحقق المدقق جليل القدر عظيم الشأن رفيع المنزله وحيد عصره فريد دهره ثقة ثبت عين كثير العلم جيد التصانيف . وأمره في علو قدره وعظم شأنه وسمو رتبته وتبحره في العلوم العقلية والنقلية ودقة نظره وإصابة رأيه وثقته وإمامته وعدالته أشهر من أن تذكر وفوق مايحوم حوله العبارة ... له كتب نفيسة جيدة قد أجازني دام بقاؤه وتأييده أن أروي عنه جميعها منها :
كتاب بحار الأنوار المشتمل على جل أخبار الائمة الأطهار وشرحها كتاب كبير قريب من ألف ألف بيت " (3).
__________
(1) - المراجعات مراجعة 110 .
(2) - الشيعة ص 127 - 128 .
(3) - جامع الرواة : 2/78-79، وتنقيح المقال للمامقاني: 2/85 .(54/99)
قال الحر العاملي : " مولانا الجليل محمد باقر بن مولانا محمد تقي المجلسي ، عالم فاضل ماهر محقق مدقق علامة فهامة فقيه متكلم محدث ثقة جامع للمحاسن والفضائل جليل القدر ، عظيم الشأن أطال الله بقاءه . له مؤلفات كثيرة مفيدة منها : كتاب بحار الأنوار في أخبار الأئمة الأطهار يجمع أحاديث كتب الحديث كلها إلا الكتب الأربعة ونهج البلاغة فلا ينقل منها إلا قليلا مع حسن الترتيب وشرح المشكلات وهو خمسة وعشرون مجلدا ، وكتاب جلاء العيون ، وكتاب حياة القلوب (1) ".
وقال يوسف البحراني موثقاً المجلسي : " وهذا الشيخ كان إماما في وقته في علم الحديث وسائر العلوم شيخ الاسلام بدار السلطنة أصفهان ، رئيسا فيها بالرئاستين الدينية والدنيوية إماما في الجمعة والجماعة وهو الذي روج الحديث ونشره لاسيما في الديار العجمية ... ولشيخنا المذكور من المصنفات كتاب بحار الأنوار الذي جمع فيه جميع العلوم وهو يشتمل على مجلدات وكتب" (2).
(2) نعمة الله بن عبد الله الجزائري ( مؤلف " الأنوار النعمانية ") :
قال الحر العاملي : " السيد نعمة بن عبد الله الحسيني الجزائري فاضل عالم محقق جليل القدر ، مدرس من المعاصرين له كتب منها : شرح التهذيب، وحواشي
الاستبصار (3)) .
وقال يوسف البحراني : " السيد المحدث نعمة الله عبد الله الموسوي الشوشتري وكان هذا السيد فاضلا محدثا مدققا واسع الدائرة في الاطلاع على أخبار الإمامية وتتبع الآثار المعصومية ، كان كثير الصحبة للأكابر والسلاطين ، عزيزا عندهم وقد طعن عليه بذلك بعض فضلاء من تأخر عنه له كتاب شرح التهذيب ، كبير واسع البحث ، وكتاب الأنوار النعمانية كبير مشتمل على كثير من العلوم
و التحقيقات "(4) .
__________
(1) - أمل الآمل : 2/248 .
(2) - لؤلؤة البحرين : ص 55-56 .
(3) - أمل الآمل : 2 / 336 .
(4) - لؤلؤة البحرين: ص 111 .(54/100)
وقال الخوانساري : كان من أعاظم علمائنا المتأخرين وأفاخم فضلائنا المتبحرين واحد عصره في العربية والأدب والفقه والحديث، صاحب قلب سليم ووجه وسيم وطبع مستقيم ومؤلفات مليحة " ووصف مؤلفاته وأجمعها للفوائد مجلد كتاب الأنوار النعمانية " (1) .
وقال عباس القمي (2) : " السيد الجليل والمحدث النبيل واحد عصره في العربية والأدب والفقه والحديث والتفسير كان عالماً فاضلآً محققاً جليل القدر صاحب التصانيف الكثيرة الشائعة " .
وقال أيضا في كتابه (3) : سلالة الاطهار والد الأماجد الاعاظم الاكارم الأخيار المتشرين نسلا بعد نسل في الأقطار السرى الرضي العالم الرباني .
(3) أبي جعفر محمد بن الحسن بن فروخ ( الصفار) المتوفي عام 290هـ ( من أصحاب الإمام الحسن العسكري ) مؤلف كتاب بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد عليه السلام :
قال الطوسي : محمد بن الحسن الصفار قمي له كتب مثل كتاب ( الحسين بن سعيد) وزيادة كتاب بصائر الدرجات وغيره " (4).
ونقل المجلسي عن النجاشي أنه قال في ترجمة الصفار : " كان وجها في أصحابنا القميين ثقة عظيم القدر ، راجحا قليل السقط في الرواية "(5) .
__________
(1) - روضات الجنات 8/138 منشورات الدار الاسلامية - بيروت .
(2) - الكني والألقاب (3/298) .
(3) - الفوائد الرضوية (2/294) .
(4) - الفهرست ص 174، وجامع الرواة : 2/93 .
(5) - مقدمة البحار : ص 89 .(54/101)
وقال العلامة كوجه باغي في تقديمه لكتاب بصائر الدرجات : " ثم اعلم أن الكتاب مما قد اعتمد عليه فحول الرجال كصاحب الوسائل والمجلسي في بحار الأنوار ، وقد جعل له علامة ( ير ) وصرح في الفصل الأول من مقدمات البحار عند عد مدارك البحار : كتاب بصائر الدرجات للشيخ الثقة العظيم الشأن محمد بن الحسن الصفار ... وقد قال العالم الجليل السيد محمد باقر الجيلاني الأصفهاني الملقب بحجة الاسلام في رسالته في العدة في شرح كلام الفاضل الأستر أبادي : الصفار الذي هو من أعظم المحدثين والعلماء وكتبه معروفة مثل بصائر الدرجات ونحوه " (1) .
ثم قال بعد ذلك : " فقد تحصل من ذلك كله أن الكتاب من الأصول المعتبرة والمعتمدة عند الأصحاب .. " (2) .
(4) " أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي المتوفي حوالي سنة
620 هـ " مؤلف كتاب الاحتجاج .
قال المجلسي : " الشيخ الجليل أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي صاحب كتاب الاحتجاج عالم فاضل محدث ثقة من أجلاء أصحابنا المتقدمين " (3).
وقال الحر العاملي : " الشيخ أبو منصور أحمد بن على بن أبي طالب الطبرسي ، عالم فاضل ، فقيه محدث ثقة ، له كتاب الاحتجاج على أهل اللجاج حسن كثير الفوائد " (4) .
وقال الخوانساري : كتاب الاحتجاج معتبر معروف بين الطائفة ، مشتمل على كل ما اطلع عليه من احتجاجات النبي والأئمة ، بل كثير من أصحابهم الامجاد مع جملة من الأشقياء المخالفين (5) .
__________
(1) - مقدمة بصائر الدرجات بقلم العلامة كوجه باغي: ص 6 .
(2) - المرجع السابق .
(3) - مقدمة بحار الأنوار : ص 140 .
(4) - أمل الآمل : 2/17 ، وتنقيح المقال للمامقاني: 1/69 .
(5) - روضات الجنات (1/72) منشورات الدار الاسلامية - بيروت .(54/102)
وقال آغا بزرك الطهراني (1) " وفي الكتاب احتجاجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام وبعض الصحابة وبعض العلماء ، وبعض الذرية الطاهرة وأكثر أحاديثه مراسيل إلا ما رواه عن تفسير العسكري عليه السلام كما صرح به في أوله بعد الخطبة ، فهو من الكتب المعتبرة التى اعتمد عليها العلماء الأعلام كالعلامة المجلسي والمحدث الحر وأضرابهما " .
(5) أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المشهور بالمفيد والمتوفي عام 413هـ ومن مؤلفاته .
* الإرشاد * أمالي المفيد * أوائل المقالات * الأختصاص
* تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد أو شرح عقائد الصدوق.
قال الطوسي : " محمد بن محمد بن النعمان المفيد يكني أبا عبد الله المعروف بابن المعلم من جملة متكلمي الامامية انتهت إليه رياسة الإمامية في وقته ، وكان مقدما في العلم وصناعة الكلام ، وكان فقيها متقدما فيه حسن الخاطر ، دقيق الفطنة حاضر الجواب ، وله قريب من مائتي مصنف كبار وصغار ومن كتبه الإرشاد وكتاب الإيضاح في الإمامة " (2) .
وقال يوسف البحراني " قال شيخنا في الخلاصة : محمد بن محمد بن النعمان يكني أبا عبد الله ويلقب بالمفيد .. من أجل مشائخ الشيعة ورئيسهم وأستاذهم وكل من تأخر عنه استفاد منه وفضله أشهر من أن يوصف "(3) .
__________
(1) - الذريعة (1/281) دار الأضواء - بيروت .
(2) - الفهرست ص 190-191 ، وأمل الآمل للحر العاملي : 2/304 .
(3) - لؤلؤة البحرين : ص 356 - 357 .(54/103)
وقال المجلسي : " وأما كتاب الاختصاص فهو كتاب لطيف مشتمل على أحوال أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام ، وفيه "اخبار غريبة ونقلته من نسخة عتيقة ، وكان مكتوبا على عنوانه : كتاب مستخرج من كتاب الاختصاص تصنيف أبي على أحمد بن الحسين بن أحمد بن عمران رحمه الله لكن كان بعد الخطبة هكذا قال محمد بن محمد النعمان : حدثني أبو غالب أحمد .. إلى آخر السند وكذا إلى آخر الكتاب يبتدىء من مشايخ الشيخ المفيد فالظاهر أنه من مؤلفات المفيد رحمه الله وسائر كتبه للأشتهار غنية عن البيان " (1) .
وقال عباس القمي : " شيخ مشايخ الجلة ، ورئيس رؤساء الملة، وفخر الشيعة ومحي الشريعة ملهم الحق ودليله ، ومنار الدين وسبيله ، اجتمعت فيه خلال الفضل وانتهت إليه رئاسة الكل واتفق الجميع على علمه وفضله وفقهه وعدالته وثقته وجلالته كان رحمه الله كثير المحاسن ، جم المناقب ، حاضر الجواب ، واسع الرواية خبير الرواية بالأخبار والرجال والأشعار . وكان أوثق أهل زمانه بالحديث وأعرفهم بالفقه والكلام وكل من تأخر عنه استفاد منه " (2).
(6) أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المعروف (بالصدوق ) المتوفي سنة 381هـ ومن مؤلفاته :
* من لايحضره الفقيه .
* الخصال .
* ثواب الأعمال وعقاب الأعمال .
* أمالي الصدوق .
* علل الشرائع .
* إكمال الدين وتمام النعمة .
* عيون أخبار الرضا .
* معاني الأخبار .
* صفات الشيعة وفضائل الشيعة .
__________
(1) - بحار الأنوار : 1/27 .
(2) - الكني والالقاب 3/164 .(54/104)
قال الطوسي : محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي جليل القدر يكنى أبا جعفر ، كان جليلا حافظا للأحاديث بصيرا بالرجال ناقدا للأخبار ، لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه ، له نحو من ثلاثمائة مصنف .. وذكر منها : كتاب دعائم الإسلام ، وكتاب المقنع ، وكتاب المرشد وكتاب الفضائل ، وكتاب علل الشرائع ، وكتاب من لايحضره الفقيه ، وكتاب عقاب الأعمال ، وكتاب معاني الأخبار " (1) .
وقال المجلسي : " محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي أبو جعفر الصدوق، أمره في العلم والفهم والثقافة والفقاهة والجلالة والوثاقة وكثرة التصنيف وجودة التأليف فوق أن تحيطه الأقلام ويحويه البيان ، وقد بالغ في إطرائه والثناء عليه كل من تأخر عنه ، وفي مقدمتهم الرجالي الكبير النجاشي حيث قال في فهرسه : محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي أبو جعفر نزيل الري ، شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخرسان، وكان ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن " (2) .
وقال المجلسي موثقا الكتب التي اعتمد عليها في تأليف موسوعة بحار الأنوار ومنها كتب الصدوق " اعلم إن أكثر الكتب التي اعتمدنا عليها في النقل مشهورة معلومة الإنتساب الى مؤلفيها ككتب الصدوق رحمه الله ، فإنها سوى : الهداية ، وصفات الشيعة وفضائل الشيعة ومصادقة الإخوان ، وفضائل الأشهر ، لاتقصر في الاشتهار عن الكتب الأربعة التي عليها المدار في هذه الأعصار ، وهي داخلة في إجازتنا ، ونقل منها من تأخر عن الصدوق من الأفاضل الأخيار" (3) .
(7) أبو القاسم الموسوي الخوئي مؤلف البيان في تفسير القرآن :
__________
(1) - الفهرست ص 188-189 ، ولؤلؤة البحرين ليوسف البحراني ص375 وجامع الرواة لأردبيلي : 2/154 .
(2) - مقدمة بحار الأنوار ص 68 .
(3) - بحار الأنوار : 1/26 .(54/105)
قال أغابزرك الطهراني : " هو السيد أبو القاسم بن السيد علي أكبر بن (الميرزا) هاشم الموسوي الخوئي النجفي أحد مراجع العصر في النجف .
ولد في مدينة خوي من أعمال أذربيجان في النصف من رجب 1317هـ فنشأ على والده العلامة الآتي الذكر في نشأة طيبة . وفي حدود 1330هـ هاجر به رحمه الله الى النجف الأشرف فوجهه الى الدراسة وكان يومذاك يمتاز باستعداد وذكاء فقطع مراحل الدراسة الأولية وأكمل مقدماته وحضر على أساتذة العصر ... وله يد في التفسير وتصانيف أيضا منها ( نفحات الإعجاز)" (1).
(8) محمد صادق الصدر المولود سنة 1320 هـ مؤلف الشيعة الإمامية :
قال أغابزرك الطهراني : " هو السيد محمد صادق بن السيد محمد حسين بن السيد محمد هادي بن السيد محمد على شقيق السيد صدر الدين جد ( آل الصدر ) الموسوي العاملي الكاظمي عالم أديب .. ولد في حدود 1320 هـ ونشأ في الكاظيمة على عمه الجليل .. فأخذ المقدمات السطوح فأتقنها وقرأ الفقه والأصول على لفيف من العلماء والفضلاء ، وبرع في الأدب. واشتغل بالتأليف فأنتج بعض الآثار القيمة وقد ذكرناها في مواضعها من (الذريعة) ولا يستحضر منها الآن إلا (حياة أمير
المؤمنين ) (الشيعة )" (2).
(9) زين الدين علي بن يونس العاملي النباطي المتوفي عام 877هـ مؤلف : الصراط المستقيم الى مستحقي التقديم :
قال الحر العاملي : " الشيخ زين الدين على بن يونس العاملي النباطي البياضي كان عالما فاضلا محققا مدققا ثقة متكلماً شاعرا "ادبيا متبحرا له كتب منها كتاب الصراط المستقيم الى مستحقي التقديم " (3) .
__________
(1) - نقباء البشر في القرن الرابع عشر : 1/71 - 72 .
(2) - المرجع السابق : 2/869 .
(3) - أمل الآمل : 1/135 ، ومقدمة بحار الأنوار ص 139 .(54/106)
وقال شهاب الدين الحسيني المرعشي : " كل من ذكر ه من أرباب معاجم التراجم أثنى عليه ثناء جميلا ووصفه بالفضل والفقه والحديث والأدب وأنه من الأكابر " (1).
وقال موثقا كتاب الصراط المستقيم : " ولعمري إنه كتاب عجيب في موضوعه قال العلامة صاحب الروضات : لم أر بعد كتاب الشافي لسيدنا المرتضي علم الهدى مثله ، بل راجح عليه لوجوه شتى " (2).
(10) أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي المتوفي عام 340هـ مؤلف معرفة أخبار الرجال المشهور ( برجال الكشي) :
قال الطوسي : " محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي يكني أبا عمرو، ثقة بصير بالأخبار وبالرجال حسن الاعتقاد له كتاب الرجال " (3) .
وقال المجلسي : " الشيخ المقدم الجليل ، والرجالي الكبير أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي ، الثقة الثبت ، العالم البصير بالرجال والأخبار ، قال النجاشي : كان ثقة عين، روى عن الضعفاء كثيرا وصحب العياشي وأخذ عنه تخرج عليه في داره التى كانت مرتعا للشيعة وأهل العلم " (4) .
وقال عن كتابه : " له كتاب الرجال الذي سماه ابن شهر آشوب في المعالم ( بمعرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين ) هو أحد الأصول الأربعة الرجالية " (5).
(11) محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفي عام 1104هـ ومن مؤلفاته :
... * الإيقاظ من الهجعة في إثبات الرجعة .
* وسائل الشيعة .
* أمل الآمل .
__________
(1) - مقدمة الصراط المستقيم بقلم شهاب الدين الحسيني المرعشي ص 7 .
(2) - المرجع السابق ص 9 .
(3) - الفهرست ص 171-172 ، وجامع الرواة للأردبيلي : 2/164 .
(4) - مقدمة بحار الأنوار : ص 205 .
(5) - المصدر السابق .(54/107)
قال يوسف البحراني : " الشيخ محمد بن الحسن بن علي بن الحسين الحر العاملي المشغري .. كان عالما فاضلا محدثا إخبارياً .. له كتب منها الجواهر السنية في الأحاديث القدسية ، وهو أول ما ألفه ولم يجمعها أحد قبله ، والصحيفة الثانية من أدعية علي بن الحسين عليه السلام الخارجة من الصحيفة الكاملة ، وكتاب تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ست مجلدات .. وله كتاب أمل الآمل في علماء جبل عامل وفيه أسماء علمائنا المتأخرين أيضا وله رسالة في الرجعة سماها الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة" (1).
وقال الأردبيلي : " محمد بن الحسن الحر العاملي ساكن المشهد المقدسي الرضوي الشيخ الإمام العلامة المحقق المدقق جليل القدر رفيع المنزلة عظيم الشأن عالم فاضل كامل متبحر في العلوم لاتحصي فضائله ومناقبه .. له كتب كثيرة منها كتاب رسائل الشيعة كتاب كبير ، وكتاب هداية الأمة وكتاب بداية الهداية وكتاب فوائد الطوسية وغيرها من الكتب " (2).
(12) هاشم بن سليمان البحراني المتوفي عام 1107 هـ ومن مؤلفاته : البرهان في تفسير القرآن :
قال الحر العاملي : " السيد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد الحسيني البحراني التوبلي فاضل عالم ماهر مدقق فقيه عارف بالتفسير والعربية والرجال له كتاب تفسير القرآن كبير ، رأيته ورويت عنه "(3) .
__________
(1) - لؤلؤة البحرين : ص 76 - 78 .
(2) - جامع الرواة : 2/90 .
(3) - أمل الآمل : 2/341 .(54/108)
وقال يوسف البحراني : " السيد هاشم المعروف بالعلامة - ابن المرحوم السيد سليمان بن السيد إسماعيل .. وكان السيد المذكور فاضلا محدثا جامعا متتبعا للأخبار بما لم يسبق إليه سابق سوى شيخنا المجلسي وقد صنف كتبا عديدة تشهد بشدة تتبعه واطلاعه .. ومن مصنفاته كتاب البرهان في تفسير القرآن ست مجلدات وقد جمع فيه جملة من الأخبار الواردة في التفسير من الكتب القديمة وغيرها " (1).
(13) العلامة الشيخ يوسف بن أحمد البحراني المتوفي سنة 1186هـ . ومن مؤلفاته : الكشكول و لؤلؤة البحرين والدرر النجفية .
قال محسن الأمين : " الشيخ يوسف بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صالح بن أحمد بن أحمد بن منصور الدارزي البحراني ... من أفاضل علمائنا المتأخرين ، جيد الذهن معتدل السليقة ، بارع في الفقه والحديث ، وكان على طريقة الإخباريين قال في حقه أبو علي صاحب الرجال : عالم فاضل متبحر ماهر محدث ورع عابد صدوق دين من أجله مشائخنا المعاصرين وأفاضل علمائنا المتبحرين له مؤلفات نافعة منها . إجازة كبير لابني أخوية سماها لؤلؤة البحرين تشتمل على ترجمة أحوال أكثر علمائنا الى زمان الصدوقين " (2) .
(14) أبو الحسن علي بن إبراهيم القمي المتوفي عام 307 هـ من مؤلفاته :
تفسير القمي .
قال المجلسي : " علي بن إبراهيم بن هاشم ، أبو الحسن القمي ، من أجلة رواة الإمامية ومن أعظم مشايخهم أطبقت التراجم على جلالته ووثاقته .
قال النجاشي في الفهرست : ثقة في الحديث ، ثبت معتمد صحيح المذهب سمع فأكثر ، وصنف كتبا ، وأضر في وسط عمره .. وعد المجلسي من مؤلفاته كتاب التفسير " (3) .
__________
(1) - لؤلؤة البحرين : ص 63-64 .
(2) - أعيان الشيعة : 10/317 .
(3) - مقدمة البحار : ص 128.(54/109)
وقال أغا بزرك الطهراني : " علي بن إبراهيم بن هاشم القمي ، أبو الحسن صاحب التفسير ، ومن أجل مشايخ الكليني .. ويروي عنه غير الكليني " (1) .
وقال الشيخ طيب الموسوي الجزائري في مقدمة للتفسير : " لا ريب في أن هذا التفسير الذي بين أيدينا ، من أقدم التفاسير التي وصلت إلينا ، ولولا هذا لما كان متنا متينا في هذا الفن ، ولما سكن إليه جهابذة الزمن فكم من تفسير قيم مقتبس من أخباره ، ولم تره إلا منورا بأنواره : كالصافي ومجمع البيان ، والبرهان .. إلى أن قال: وبالجملة إنه تفسير رباني ، وتنوير شعشعاني عميق المعاني، قوي المباني ، عجيب في طوره ، بعيد في غوره لا يخرج مثله إلا من عالم ولا يعقله إلا العالمون " (2) .
وقال آغابزرك الطهراني (3) عن التفسير : "انه في الحقيقة تفسير الصادقين عليهما السلام " وقال في مقدمة التفسير " الأثر النفيس والسفر الخالد المأثور عن الإمامين عليهما السلام " .
(15) أية الله العظمى الإمام الخميني المولود سنة 1320 هـ من مؤلفاته :
* تحرير الوسيلة :
* الحكومة الاسلامية .
* كشف الأسرار .
* مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية .
قال أغابزرك الطهراني : " هو السيد أغا روح الله بن السيد مصطفى الخميني عالم فاضل ولد في سنة 1320هـ ونشأ على حب العلم فجد في طلبه وحضر على زمرة من أهل الفضل، وحضر على الشيخ عبد الكريم اليزدي الحائري في قم وعلى غيره أيضا وله آثار منها ( سر الصلاة ) تشم منه رائحة العرفان "(4) .
__________
(1) - طبقات أعلام الشيعة (القرن الرابع) : ص 167 .
(2) - مقدمة تفسير القمي بقلم طيب الموسوي الجزائري : ص14 - 16 .
(3) - الذريعة (4/302) .
(4) - "نقباء البشر في القرن الرابع عشر " : 2/789 .(54/110)
وقال أحمد الفهري في تقديمه لكتاب مصباح الهداية : " الإمام الخميني الثائر العظيم المحترق لظلمات القرن ، البرهان الأواه المتأنن في الليل والأسد المفرد في النهار السيف المسلول على عفريت الاستكبار العالمي الذي يهمس بشفتيه آية النجاة ويحمل بيده لواء التحرر : تحرر الإنسانية من كل العبوديات والرقيات .
وهذا هو الإمام الخميني أمثولة علي عليه السلام في الأرض بخصائص من الإمام الغائب ومعالم من سيمائه المشرق ، تراه مقداما وممهدا حكومة المهدي أرواحنا فداه قام قائدا من قلب الأمة متجليا بخصائص الإنسان النموذجي يحمل آلام الأمة في القلب وآمالهم في الفكر (1).
قال أغا بزرك الطهراني : " كشف الأسرار لحاج أغا روح الله بن سيد مصطفي الخميني فارسي طبع بطهران في 1363هـ في 428 صفحة (2).
(16) الشيخ محمد بن المرتضي المدعو بالمولى محسن الكاشاني المتوفي 1091هـ من مؤلفاته : تفسير الصافي والوافي وعلم اليقين في أصول الدين .
قال الحر العاملي : " المولي الجليل محمد بن مرتضي المدعو بمحسن الكاشاني كان فاضلاً عالماً ماهراً حكيماً متكلماً محدثاً فقيها شاعرا أديبا حسن التصنيف من المعاصرين له كتب منها : كتاب الوافي جمع الكتب الأربعة مع شرح أحاديثها المشكلة .. وكتاب سفينة النجاة في طريق العمل ، وتفاسير ثلاثة : كبير ، وصغير ، ومتوسط ، وكتاب عين اليقين ، وكتاب حق اليقين وكتاب علم اليقين " (3).
قال الأردبيلي : " محسن بن المرتضي الكاشاني رحمه الله تعالى العلامة المحقق المدقق، جليل القدر عظيم الشأن رفيع المنزلة فاضل كامل أديب متبحر في جميع العلوم له قريبا من مائة تأليف منها كتاب تفسير الصافي .. كتاب علم اليقين " (4).
__________
(1) - مقدمة مصباح الهداية إلى الخلافة بقلم أحمد الفهري .
(2) - الذريعة : 18/13 .
(3) - أمل الآمل : 2/305 .
(4) - جامع الرواة : 2/42 .(54/111)
وقال الخونساري : وأمره في الفضل وفي الفهم والنبالة في الفروع والأصول والاحاطة بمراتب المعقول والمنقول وكثرة التأليف والتصنيف مع جودة التعبير والترصيف ، أشهر من أن يخفي في هذه الطائفة على أحد الى منتهى الأبد وعمره تجاوز حدود الثمانين ووفاته بعد الألف من الهجرة الطاهرة (1).
(17) أبو الحسن العاملي :
... قال عنه ( الخوانساري ) : هو أبو الحسن العاملي ابن المولى محمد طاهر الفتوني كان من أعاظم فقهائنا المتأخرين وأفاخم نبلائنا المتبحرين (2) .
... قال عنه أغا بزرك الطهراني : مرآة الانوار مشكاة الاسرار في تفسير القرآن وقد يقال مشكاة الانوار ، للمولى الشريف العدل ابي الحسن بن الشيخ محمد طاهر بن الشيخ عبد الحميد بن موسى بن علي بن معتوق بن عبد الحميد الفتوني النباطي العاملي الاصفهاني العذوي ... وهو تفسير جليل ... وفي أول المقدمات مقالات ثلاثة في كل مقاله فصول والمقدمه الثانية في تنقيص القرآن في أربعة فصول (3) .
وقال عنه محسن الامين : وقد يعبر عنه بأبي الحسن العاملي ابو الحسن كنيته ولشريف اسمه وليس هو من السادة الأشراف ويوصف في بعض التراجم بالعدل ... وقال العلامه المحدث النوري في حقه : أفقه المحدثين وأكمل الربانيين الشريف العدل .... وقال بحر العلوم الطباطبائي في اجازته للشيخ محمد اللاهيجي الشيخ الاعظم رئيس المحدثين في زمانه وقدوة الفقهاء في أوانه المولى ابو الحسن الفتوني ثم ذكر من مؤلفات مرآة الانوار ومشكاة الاسرار (4).
يوسف البحراني : أثنى عليه في لؤلؤة البحرين (5).
__________
(1) - صاحب روضات الجنات - 6/73 الدار الاسلامية - بيروت .
(2) - روضات الجنات ترجمة ابو الحسن العاملي .
(3) - الذريعة ج 20 ص 264 دار الاضوار - بيروت .
(4) - أعيان الشيعة المجلد السابع ص 342 ، 343 دار التعارف - بيروت .
(5) - لؤلؤة البحرين ص 107 دار الاضواء - بيروت .(54/112)
(18) محمد رضا المظفر المتوفي سنة 1383هـ ومن مؤلفاته :
عقائد الإمامية .
قال أغابزرك الطهراني : " هو الشيخ محمد رضا بن الشيخ محمد بن الشيخ عبدالله آل مظفر النجفي ، عالم جليل وأديب معروف ، ولد في النجف في خامس شعبان 1323هـ بعد وفاة والده بستة أشهر فكفله أخواه الشيخ عبد النبي والشيخ محمد حسن فنشأ عليهما وتعلم المبادىء .. والمترجم له من أفاضل أهل العلم وأشراف أهل الفضل والأدب له سيرة طيبة من يومه وسلوك محمود حببه الى عارفي فضله وهو ممن ساهم في الحركة الفكرية في النجف واشتغل في كثير من المسائل الدينية العامة .. وله آثار علمية جيدة طبع منها (السقيفة ) ألفه سنة 1352هـ وطبع مرتين ، و (المنطق) في ثلاثة أجزاء طبع أيضاً و (عقائد الشيعة ) طبع في 1373هـ " (1) .
(19) العلامة أغابزرك الطهراني المتوفي عام 1389 هـ من مؤلفاته :
الذريعة إلى تصانيف الشيعة ونقباء البشر في القرن الرابع عشر وطبقات أعلام الشيعة (القرن الرابع ) .
قال محمد الحسين آل كاشف الغطاء في تقديمه لكتاب نقباء البشر:
__________
(1) - نقباء البشر في القرن الرابع عشر : 2/772 ، 773 .(54/113)
يقول الله عز شأنه { ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون}(1) ومن هذه الشجرات الطيبة التي لاتزال تؤتي ثمارها النافعة وأزهارها اليانعة وغذاءها الشهي وسقاءها الهني العالم الرباني حجة الإسلام الشيخ محمد حسن الشهير بأغابزرك الطهراني أيده الله صاحب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة ) التي هي أكبر موسوعة في مؤلفات هذه الطائفة التي جمعت المحاسن والعيون وكشفت عن ضحالة ( كشف الظنون ) ومن ثمار هذه الشجرة المباركة وآثارها هذا الكتاب الجليل الذي ترجم فيه لعلماء ثلاثة قرون أو أكثر " (2).
(20) محمد الحسين كاشف الغطاء المتوفي سنة 1373هـ مؤلف :
أصل الشيعة وأصولها .
قال أغابزرك الطهراني : " هو الشيخ محمد الحسين بن شيخ العراقيين الشيخ علي ابن الحجة الشيخ محمد رضا بان المصلح بين الدولتين الشيخ موسى ابن شيخ الطائفة الشيخ الأكبر جعفر بن العلامة الشيخ خضر يحيي بن سيف الدين المالكي الجناحي النجفي من كبار رجال الإسلام المعاصرين ومن أشهر مشاهير علماء الشيعة .. نشأ في بيته الجليل الطافح بالعلم والعلماء نشأة طيبة وربي في حجر العلياء والشرف والعزة والترف .. وقد سمت مداركه ونفذ فكره إلى أعماق الحقائق وأسرار العلوم والفضائل حتى تجلى ذلك في نفحات ألفاظه ، ورشحات أقلامه ، أما هو في خصوص الخطب والأدب والبلاغة والفصاحة فسحبان وائل حيث توسع في ذلك وضرب بسهم وافر منه ولا أغالي إذا قلت أنه أخطب خطباء الشيعة "(3) .
(21) عبد الحسين شرف الدين الموسوي المتوفي سنة 1377 هـ مؤلف :
المراجعات وأجوبة مسائل جار الله :
__________
(1) - سورة إبراهيم : 24 - 25 .
(2) - مقدمة نقباء البشر في القرن الرابع عشر بقلم محمد الحسين آل كاشف الغطاء ص (ج - د).
(3) - نقباء البشر : 2/612 ، 616 .(54/114)
قال أغا بزرك الطهراني : " هو السيد عبد الحسين بن السيد يوسف بن السيد جواد بن السيد إسماعيل بن السيد محمد بن السيد إبراهيم الملقب بشرف الدين الموسوي العاملي ، من كبار علماء المسلمين وعباقرة الشيعة في هذا العصر الحاضر ، وحسب هذا القرن مفخرة أن ينبغ فيه مثل هذا العبقرىالفذ، وآثاره كثيرة جليلة منها (المراجعات ) طبع في صيدا سنة 1355هـ ( والفصول المهمة في تأليف الأمة ) طبع في صيدا في سنة 1330 هـ وأعيد فيها سنة 1347هـ و ( أجوبة موسى جارالله ) طبع في صيدا في سنة 1355هـ" (1)..
... قال عنه محسن الأمين : درس في النجف وفي سامراء على أعلامهما أمثال الطباطبائي والخرساني و شيخ الشريعة والشيخ محمد طه نجف ... ومن مؤلفاته المراجعات وكتاب ابو هريرة (2) .
(22) حسين محمد تقي الدين النوري الطبرسي المتوفي سنة 1320هـ من مؤلفاته :
مستدرك الوسائل وفصل الخطاب في اثبات تحريف كتاب رب الأرباب .
قال أغابزرك الطهراني : " الشيخ ميرزا حسين بن الميرزا محمد تقي بن الميرزا على محمد تقي النوري الطبرسي إمام أئمة الحديث والرجال في الأعصار المتأخرة ومن أعاظم علماء الشيعة وكبار رجال الإسلام في هذا القرن ... كان الشيخ النوري أحد نماذج السلف الصالح التي ندر وجودها في هذا العصر فقد امتاز بعبقرية فذة وكان آية من آيات الله العجيبة ، كمنت فيه مواهب غريبة وملكات شريفة أهلته لأن يعد في الطليعة من علماء الشيعة الذين كرسوا حياتهم طوال أعمارهم لخدمة الدين والمذهب، وحياته صفحة مشرقة من الأعمال الصالحة " ومن تصانيفه : فصل الخطاب في مسألة تحريف الكتاب (3) .
__________
(1) - نقباء البشر في القرن الرابع عشر : 3/1080 - 1086 .
(2) - أعيان الشيعة : 7/457 .
(3) - نقباء البشر : 2/543 ، 545 ، 549 ، 550 .(54/115)
وقال عنه ( محسن الأمين ) : كان عالما فاضلا محدثاً متبحراً في علمي الحديث والرجال عارفا بالسير والتاريخ منقباً فاحصاً زاهداً عابداً لم تفته صلاة الليل وكان وحيد عصره في الاحاطة والاطلاع على الاخبار والاثار والكتب (1).
وقال عنه عباس القمي في ترجمته : شيخ الاسلام والمسلمين مروج علوم الانبياء والمرسلين الثقة الجليل والعالم النبيل المتبحر الخبير والمحدث الناقد البصير ناشر الآثار وجامع شمل الاحبار صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة والعلوم الغزيرة الباهر بالرواية والدراية والرافع لخميس المكارم اعظم رايه وهو اشهر من ان يذكر وفوق ماتحوم حوله العبارة ( الكني والالقاب لعباس القمي ) ترجمة النوري الطبرسي .
* وكفى للنورى الطبرسي انه صاحب كتاب ( مستدرك الوسائل ) وهو من الكتب الثمانية المعتبره لدى الشيعة . وكفى للنورى الطبرسي انه يلقب عند الشيعة (خاتمة المحدثين ) .
(23) المحدث الجليل أبي النضر محمد بن مسعود ابن عياش السلمي السمرقندي المعروف بالعياشي مؤلف تفسير العياشي .
قال الشيخ الطوسي: "محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السمرقندي يكنى أبا النضر أكثر أهل المشرق علما وفضلا وأدبا وفهما ونبلا في زمانه صنف أكثر من مائتي مصنف" (2) .
وقال المجلسي : " محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السلمي السمرقندي ، أبو النضر، المعروف بالعياشي ، من عيون هذه الطائفة ورئيسها وكبيرها ، جليل القدر ، عظيم الشأن، واسع الرواية ، ونقادها ونقاد الرجال ، أورده أصحابنا في كتب تراجمهم وبالغوا في الثناء عليه وإكباره " (3) .
__________
(1) - أعيان الشيعة جـ6 ص 143 .
(2) - رجال الطوسي : ص 497 .
(3) - مقدمة بحار الأنوار ص 130 وانظر رجال العلامة الحلي ص 145.(54/116)
وقال محمد حسين الطباطبائي في مقدمته لتفسير العياشي : " إن من أحسن ماورثناه من ذلك (أى علم التفسير) كتاب التفسير المنسوب الى شيخنا العياشي رحمه الله ، وهو الكتاب القيم الذي يقدمه النشر اليوم للقراء الكرام . فهو لعمري أحسن كتاب ألف قديما في بابه ، وأوثق ما ورثناه من قدماء مشايخنا من كتب التفسير بالمأثور ، أما الكتاب فقد تلقاه علماء هذا الشأن منذ ألف إلى يومنا هذا - ويقرب من أحد عشر قرنا - بالقبول من غير أن يذكر بقدح أو يغمض فيه بطرف " (1) .
وقال عنه : النجاشي " ثقة صدوق عين من عيون هذه الطائفة " (2).
(24) محمد بن علي بن شهر أشوب المتوفي عام 588 هـ من مؤلفاته :
مناقب آل أبي طالب :
قال الأردبيلي : " محمد بن علي بن شهر أشوب المازندراني رشيد الدين شيخ في هذه الطائفة وفقيهها وكان شاعرا بليغا منشيا .. له كتب منها : كتاب الرجال ، أنساب آل أبي طالب عليهم السلام " (3) .
وقال يوسف البحراني : " زين الدين محمد بن علي بن شهر أشوب المازندراني السروي، كان عالما ، فاضلا ، ثقة ، محدثا ، محققا ، عارفا بالرجال والأخبار أديبا شاعرا جامعا للمحاسن ، له كتب منها مناقب آل أبي طالب ، كتاب مثالب النواصب " (4) .
(25) أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفي عام 460هـ ومن مؤلفاته :
* التهذيب
* الاستبصار
* التبيان
* الغيبة
* أمالي الطوسي
* الفهرست
* ورجال الطوسي
__________
(1) - مقدمة تفسير العياشي بقلم محمد حسين الطباطبائي : 1/4 .
(2) - رجال النجاشي 2/247 - دار الاضواء - بيروت .
(3) - جامع الرواه : 2/155 .
(4) - لؤلؤة البحرين : ص 340-341 .(54/117)
... قال العلامة الحلي : " محمد بن الحسن بن علي الطوسي أبو جعفر شيخ الإمامية قدس الله روحه رئيس الطائفة جليل القدر عظيم المنزلة ثقة عين صدوق عارف بالأخبار والرجال والفقه والأصول والكلام والأدب ، وجميع الفضائل تنسب إليه ، وصنف في كل فنون الإسلام ، وهو المهذب للعقائد في الأصول والفروع ، والجامع لكمالات النفس في العلم و العمل " (1) .
قال المجلسي : " الشيخ الطوسي هو أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي ، شيخ الطائفة ، وفقيه الأمة ، المجمع على وثاقته ، وتبحره في العلوم والفنون " (2) .
وقال موثقا كتبه : " وكتب المحقق الطوسي روح الله روحه القدوسي ومؤلفها أشهر من الشمس في رابعة النهار " (3).
(26) أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني المتوفي عام 328هـ ومن مؤلفاته : الكافي .
قال الطوسي : " محمد بن يعقوب الكليني يكني أبا جعفر الأعور جليل القدر عالم بالأخبار وله مصنفات منها الكافي " (4).
وقال الأردبيلي : محمد بن يعقوب بن إسحاق أبو جعفر الكليني ، خاله علان الكليني الرازي، وهو شيخ أصحابنا في وقته بالري ، ووجههم وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ، صنف كتاب الكافي في عشرين سنة " (5).
وقال أغابزرك الطهراني موثقا الكافي : " الكافي في الحديث وهو أجل الكتب الأربعة الأصول المعتمدة ، لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول ، لثقة الإسلام محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني ابن أخت علان الكليني ، المتوفي
سنة 328 هـ (6) ).
(27) كمال الدين ميثم البحراني - من مؤلفاته : شرح نهج البلاغة للبحراني .
__________
(1) - رجال العلامة الحلي : ص 148.
(2) - مقدمة بحار الأنوار : ص 91 .
(3) بحار الأنوار : 1/40 .
(4) - رجال الطوسى : ص 495 .
(5) - جامع الرواه 2/218 ، الحلى ص 145 .
(6) - الذريعة : 17/245 .(54/118)
قال عنه الخوانساري : ( كان من العلماء الفضلاء المدققين متكلماً ماهراً ، له كتب منها " شروح نهج البلاغة (1) .
وقال عنه يوسف البحراني " العلامة الفيلسوف المشهور ، وقال شيخنا العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني - عطر الله مراقده - في رسالة المسماة السلافه البهية في ترجمة الميثمية " هو الفيلسوف المحقق والحكيم المدقق ، قدوة المتكلمين ، وزبدة الفقهاء والمحدثين العالم الرباني ، كمال الدين ميثم بن على بن ميثم البحراني (2).
(28) السيد عدنان البحراني ( صاحب كتاب الشموس الدرية )
... قال عنه اغابزرك الطهراني : هو السيد عدنان بن السيد عليوي بن السيد علي بن السيد عبد الجبار الموسوي القاروني البحراني عالم بارع وفاضل جليل .
... كان من أهل العلم البارعين ، ورجال الفضل الكاملين ، درس على علماء عصره ومشاهيره حتى حاز قسطاً وافراً من المعرفة ، وحظي بسمعة في بلاده ، وأحبه الناس فصار موجها مبجلا ، وولي القضاء والأوقاف ونحوها وكان إماماً للجمعة والجماعة ، ومرشداً هادياً لكثير من الناس الى أن توفى في سنة 1347هـ وولده السيد محمد صالح من الخطباء المعروفين في البحرين(3).
(29) تقي الدين إبراهيم بن علي المعروف بالكفعمي ومن مؤلفاته :
كتاب المصباح للأدعية .
قال عنه عباس القمي : " كان ثقة فاضلاً أديباً عابداً زاهداً ورعاً له كتب منها المصباح وهو الجنة الواقية والجنة الباقية وهو كبير كثير الفوائد " (4) .
خاتمة الكتاب
هذا أخي القارئ ما يسر الله جمعه وتبويبه والتعليق عليه في مسألة تحريف القرآن عند الشيعه الاثنى عشرية .
__________
(1) - روضات الجنات 7/204 .
(2) - لؤلؤة البحرين ص 253 - دار الأضواء - بيروت .
(3) - الذريعة ج3 ص 1265 .
(4) - الكنى والالقاب - 3/95 ترجمة الكفعمي .(54/119)
وأنصح الشيعه الاثنى عشريه إلى قراءة بعض الكتب التي تتكلم عن معتقداتهم مثل :
1 - أصول مذهب الشيعه الاثنى عشريه عرض ونقد للدكتور ناصر القفاري.
2 - مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة للدكتور / ناصر القفاري .
3 - حقيقة الشيعة لعبد الله الموصلي - ط . القاهرة .
4 - البينات في الرد على أباطيل المراجعات - محمود الزعبي .
5 - كشف الجاني محمد التيجاني ، عثمان التميمي .
6 - أبو هريرة وأقلام الحاقدين - عبد الرحمن الزرعي .
7 - رجال الشيعه في الميزان - عبد الرحمن الزرعي .
ولعل هذه الكتب تكون سبباً بإذن الله إلى هداية الشيعة إلى طريق الحق طريق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد
مراجع أهل السنة
1 - الشفا - القاضى عياض .
2 - ابن قدامه - ( لمعة الاعتقاد ) - الدار السلفية .
3 - (الفرق بين الفرق) - البغدادي - دار الآفاق الجديدة - بيروت .
4 - الفصل بين الملل والنحل .
5 - المعتمد في أصول الدين - القاضي أبو يعلي .
6 - مفاتيح الغيب - الفخر الرازي .
7 - الصارم المسلول - ابن تيمية .
8 - الإتقان في علوم القرآن - السيوطي .
9 - صفحات في علوم القراءات - أبي طاهر عبد القيوم السندي - المكتبة الإسلامية - مكة المكرمة .
10- مباحث في القرآن د. مناع القطان - مؤسسة الرسالة .
11- الشيعة والسنة - إحسان الهي ظهير .
12- أصول مذهب الشيعة - د. ناصر الغفاري .
13- مسألة التقريب بين الشيعة والسنة - د. ناصر الغفاري .
14- ما يجب أن يعرفه المسلم عن عقائد - الأمامية - أحمد الحمدان .
15- بذل المجهود في إثبات تشابه الرافضة باليهود-عبد الله الجميلي .
16 - الشيعة وتحريف القرآن - محمد مال الله
كتب الشيعة :
1 - أصول الكافي ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني-دار التعارف - بيروت .(54/120)
2 - فروع الكافي ،، ،، ،، ،، ،، ،، - دار الأضواء - ،، .
3 - وسائل الشيعه إلى تحصيل مسائل الشريعة محمد بن الحسن الحر العاملي .
4 - من لا يحضره الفقيه محمد بن علي الحسين إبن بابويه القمي (الصدوق) .
5 - بحار الأنوار الجامعه لدرر أخبار الأئمه الأطهار-محمد باقر المجلسي - دار إحياء التراث العربي - مؤسسة التاريخ العربي - بيروت .
6 - مستدرك الوسائل حسين النوري الطبرسي .
7 - الوافي محسن الفيض الكاشاني .
8 - بصائر الدرجات الكبرى في فضل آل محمد (ع)محمد بن الحسن الصفار .
9 - تفسير الصافي محمد بن الفيض الكاشاني - الأعلمي - بيروت .
10- تفسير العياشي محمد بن مسعود العياشي - مؤسسة الاعلمي - بيروت .
11- تفسير القمي على بن إبراهيم القمي - دار السرور - بيروت .
12- تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة الحاج سلطان محمد الجنابذي - الاعلمي - بيروت .
13- البرهان في تفسير القرآن السيد هاشم البحراني - دار الهادي - بيروت .
14- التبيان في تفسير القرآن أبي جعفر الطوسي - مكتب الاعلام الاسلامي - ايران .
15- مجمع البيان في تفسير القرآن أبو علي الفضل الطبرسي - مكتبة الحياة - بيروت .
16- مرآة الأنوار ومشكاة الاسرارأو(مقدمة البرهان في تفسير القرآن ) أبي الحسن الشريف النباطي الفتوني - إيران .
17- البيان في تفسير القرآن أبو القاسم الخوئي - مؤسسة الاعلمي - بيروت .
18- رجال الكشي لأبي عمرو محمد الكشي- تقديم احمد الحسيني.
19- رجال النجاشي لأبي العباس احمد بن علي النجاشي- دار الأضواء- بيروت .
20- لؤلؤة البحرين في الإجازات وتراجم رجال الحديث - يوسف البحراني - الأضواء - بيروت .
21- رجال العلامة الحلي - الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي - دار الذخائر - قم - إيران .
22- روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات - محمد باقر الخوانساري - الدار الإسلامية - بيروت .(54/121)
23- تنقيح المقال - للمامقاني .
24- جامع الرواة - محمد بن علي الأردبيلي - دار الأضواء - بيروت .
25- رجال الطوسي - محمد بن الحسن الطوسي - دار الذخائر - قم - إيران .
26- (الكني والألقاب) عباس القمي .
27- الفهرست - للطوسي .
28- نقباء البشر في القرن الرابع عشر - اغا بزرك الطهراني .
29- أعيان الشيعه - محسن الأمين .
30- طبقات أعلام الشيعه - أغابزرك الطهراني .
31- الذريعة إلى تصانيف الشيعة - أغا بزرك الطهراني .
32- أمل الآمل - محمد بن الحسن الحر العاملي - دار الكتاب الإسلامي - قم - إيران .
33- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة - ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي مؤسسة الوفاء - بيروت .
34- شرح نهج البلاغة - ميثم البحراني - ط إيران .
35- أكذوبة التحريف أوالقرآن ودعاوي التحريف- رسول جعفريان- قم - إيران .
36- آراء حول القرآن - السيد علي الفاني الأصفهاني - دار الهادي - بيروت .
37- لمحات في تاريخ القرآن - محمد علي - منشورات الاعلمي .
38- عقائد الأمامية - محمد رضا مظفر - دار الصفوة - بيروت .
39- عقائد الاثنى عشرية - إبراهيم الموسوي الذنجاني - الاعلمي - بيروت .
40- الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم - زين الدين أبي محمد علي النباطي - البياضي - المكتبة المرتضوية - إيران .
41 -الأنوار النعمانية - السيد نعمة الله الجزائري - مؤسسة الاعلمي - بيروت .
42- أوائل المقالات في المذاهب المختارات - محمد بن النعمان (المفيد) - دار الكتاب الإسلامي - بيروت .
43- الاختصاص - للمفيد .
44- علل الشرائع - أبي جعفر محمد بن علي (الصدوق) - الاعلمي - بيروت .
45- المراجعات - عبدالحسين شرف الدين الموسوي - الدارالإسلامية - بيروت .
46- الأحتجاج - أبى منصور احمد بن علي الطبرسي - مؤسسة الأعلمي - بيروت .
47- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول - محمد باقر المجلسي - إيران .(54/122)
48- النجم الثاقب في أحوال الأمام الحجة الغائب - حسين النوري الطبرسي - أنوار الهدى - قم - إيران .
49- تذكرة الأئمة - محمد باقر المجلسي - فارسي - منشورات مولانا - إيران
50- الشيعة - محمد صادق الصدر .
51- تحفة العوام مقبول - منظور حسين . اردو .
52- اصل الشيعه وأصولها - محمد حسين آل كاشف الغطاء - الاعلمي -
بيروت .
53- (الألفين) - ابن مطهر الحلي - الاعلمي - بيروت .
54- الحكومة الإسلامية - الخميني - المكتبة الإسلامية الكبرى .
55- كشف الأسرار - الخميني .
56- مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية - الخميني .
57- فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب - حسين النوري الطبرسي .
58- مشارق الشموس الدرية - عدنان البحراني - المكتبة العدنانية - البحرين .
59- الدرر النجفية - يوسف البحراني - مؤسسة آل البيت - إيران .
60- المصباح - تقي الدين إبراهيم الكفعمي - مؤسسة الاعلمي - بيروت .
61- المسائل السروية للمفيد - المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد .
62- السبعة من السلف - مرتضى السيد محمد الحسيني - المكتبة الثقافية .
63- الناسخ والمنسوخ - كمال الدين العتائقي الحلي - مؤسسة آل البيت -
بيروت .
الفهرس
م
الموضوع
رقم الصفحة
1
مقدمة الكتاب
1
2
الفصل الأول : ( أهل السنة والقرآن الكريم)
4
3
الفصل الثاني : ( الشيعة والقرآن الكريم )
8
4
أولا : علماء الشيعة المصرحون بأن القرآن محرف وناقص
علي بن إبراهيم القمي
نعمة الله الجزائري
محمد الفيض الكاشاني
احمد بن منصور الطبرسي
محمد باقر المجلسي
محمد بن النعمان ( المفيد )
أبو الحسن العاملي .
سلطان الخرساني
عدنان البحراني
يوسف البحراني
النوري الطبرسي
حبيب الله الهاشمي الخوئي
الميثم البحراني
العلماء الموثقين لدعاء صنمي قريش
محمد بن يعقوب الكليني
محمد بن مسعود العياشي
محمد بن حسن الصفار(54/123)
المقدس الأردبيلي
كريم الكرماني
الهندي السيد دلدار علي
محمد تقي الكاشاني .
9
9
11
14
15
17
17
19
27
29
29
30
34
35
35
36
37
37
38
38
38
39
5
ثانيا : علماء الشيعه يقولون ان الروايات التي تطعن في القرآن متواترة ومستفيضة .
40
6
ثالثا : علماء الشيعه يقولون بأن القول بالتحريف من ضروريات مذهب الشيعه .
42
7
رابعا : علماء الشيعه يقولون بأن الشيعه مجمعون على أن القرآن محرف .
43
8
خامسا: لماذا قال الشيعه أن القرآن محرف :
( أ ) عدم ذكر الامامه في القرآن الكريم .
(ب) التناقض بين منزلة الصحابه في القرآن وكتب الشيعه .
(جـ) عدم ذكر اسماء وصفات ومعجزات وفضائل زيارة قبور الأئمة في القرآن .
44
44
53
66
9
سادسا: لما لم يظهر الامام على القرآن الصحيح حين استلم الخلافة .
77
10
سابعا : أين القرآن الصحيح في اعتقاد الشيعه .
78
11
ثامنا : لماذا يقرآ الشيعه هذا القرآن ويتحاكمون إلى أحكامه إذا كان ناقصاً ومحرفاً .
79
12
تاسعا : التحريف والنقص الذي يدعيه الشيعه في القرآن في لفظ القرآن وآياته وسوره وتفسيره وليس في التفسير فقط كما يدعي بعض الشيعه .
80
13
عاشراً: سورة الولاية والنورين اللتان يدعي علماء الشيعه أنهما حذفتا من القرآن الكريم .
81
14
الحادي عشر: بعض علماء الشيعه انكرو التحريف تقيه وليس حقيقة .
84
15
الفصل الثالث : الخوئي والقرآن الكريم الكليني والقرآن الكريم
90
92
16
الفصل الرابع : روايات في كتب أهل السنة يستغلها الشيعه ليتهموا أهل السنة بتحريف القرآن
95
17
الفصل الخامس : تراجم لبعض علماء الشيعة .
* رأي علماء الشيعه بالكتب الاربعة
* محمد باقر المجلسي
* نعمة الله الجزائري
* محمد بن حسن الصفار
* أحمد بن علي الطبرسي(54/124)
* محمد بن النعمان ( المفيد )
* محمد بن الحسين بن بابويه القمي (الصدوق)
* ابي القاسم الخوئي .
* محمد صادق الصدر .
* زين الدين على العاملي النباطي .
* ابي عمرو الكشي .
* محمد بن الحسن الحر العاملي .
* هاشم البحراني
* يوسف البحراني .
* علي بن ابراهيم القمي .
* الخميني .
* محمد بن مرتضى الفيض الكاشاني .
* ابو الحسن العاملي .
* محمد رضا المظفر .
* أغا بزرك الطهراني .
* محمد كاشف الغطاء .
* عبد الحسين شرف الدين .
* النوري الطبرسي .
* محمد بن مسعود العياشي .
* محمد بن على شهر أشوب .
* محمد بن الحسن الطوسي .
* محمد بن يعقوب الكليني .
* ميثم البحراني .
* عدنان البحراني .
* تقي الدين ابراهيم الكفعمي .
112
113
113
115
116
117
118
119
121
122
122
123
123
124
125
125
126
127
128
129
129
130
131
131
133
134
134
135
136
136
137(54/125)
الشيعي العربي والشيعي غير العربي
ومسألة للوطن والولاء للاجنبي
شبكة البصرة
مركز بغداد لدراسات الوحدة العربية
من المحرمات التي كانت على العراقي ان يتكلم بها هو الخوض في غمارها هي مسألة الطائفية. فقانون العقوبات العراقي يعاقب كل مواطن يتناول هذه الموضوعات وان كان بذكر مصطلح شيعي أو سني. ذلك ان المعيار المتخذ هو المواطنة والمحافظة على وحدة المجتمع وتماسكه. وعندما دخلت الولايات المتحدة أرض العراق أصبحنا نتكلم بهذه المصطلحات بشكل مطلق. ونحن نعتذر للقارئ الكريم ان ننقل هذه المصطلحات في الوقت الذي نحمل فيه شعار الوحدة العربية،" فقيمنا القومية لا تتدخل في الخصوصيات المذهبية ولا تطفو على سطحها المذهبية، غير ان للضرورة أحكام. إذ أصبح تداولها في العراق في الوقت الحاضر مألوفا في كل مكان وموضوعا دخل القاموس السياسي والإداري بشكل علني. فتوزيع المناصب العليا بالدولة والوزراء والمدراء العامون بل حتى صغار الموظفين والعمال جرى على المحاصصة الطائفية. وأصبحت حقا مطالبا به في المحاصصة الوظيفية فعلى كل وزير مراعاة التوازن الطائفي في وزارته. وأصبح المواطن العراقي يبحث عن وزارة فيها وزير من مذهبه لكي يعنه بالوزارة. ولا يتردد ان يكتب المواطن مذهبة على ورقة طلب التعيين.
ونحن في هذه الدارسة لا نريد ان نضع حواجز فقهية بين الشيعي العربي وغير العربي. فالمذهب الشعي مذهب متماسك وواحد للجميع. وكذلك لا نريد ان نوجه اللوم للشيعي غير العربي وخاصة الشيعة في إيران من أستغلالهم للمذهب لتحقيق مصالح أقليمية فهذا من حقهم فلهم مصالحهم التي يسعون إليها وان أستخدموا ورقة المذهبية لتحقيقها.. فذلك شأنهم. غير ان ما نسعى إليه ألا يكون هذا تبعا لذاك على حساب الوطن والوطنية. ذلك ان تحصين المواطن من الوقوع في مثل هذه المنزلقات قد تعرض الوطن الى حالة أسوء من حالة الإحتلال الأمريكي.(55/1)
أن ما بين الشيعي العربي والشيعي غير العربي هو كالفرق بين المسلم العربي والمسلم غير العربي بصورة عامة. فالجميع يخضعون لأحكام القرآن والسنة الشريفة وفقه موحد، ليس هناك فرق بين هذا وذاك من ناحية الأحكام الشرعية. غير ان لكل مجتمع خصوصيته. وقد قلل الإسلام من هذه الخصوصية بالنسبة لغير العرب عندما نقل إليهم صورة حياة النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم من الجزيرة العربية وأصبح المسلمون يقتدون بها في كافة بقاع الأرض، وكان منبع هذه السيرة هي الجزيرة العربية. فسادت قيم وأخلاق الجزيرة العربية العالم الإسلامي كله.
وتمتد جذور التشيع في العراق إلى الخلافة الأموية وعهد الخلافة العباسية وأمتد الى التاريخ المعاصر. غير ان المشكلة التي كانت تعوق تحريك الشيعة إلى إقامة دولة خاصة بهم هو ان المذهب الشيعي يحرم إقامة الدولة. فالمذهب الشيعي في العراق يتبع إلى الأمام جعفر الصادق عليه السلام وهو من نسب الأمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من فاطمة الزهراء رضي الله عنها. ويطلق عليه بالمذهب الإثنى عشر. ويبدأ من الأمام علي بن ابي طالب وينتهي بالإمام الثاني عشر وهو الإمام المهدي السلام عليهم جميعا. والذي أختفى وأطلق عليه بالمهدي المنتظر الذي يحق له وحده قيادة الشيعة وإقامة الدولة بعد ظهوره. وجرت العديد من المحاولات لتحريك الشيعة وتسيس المذهب من هذا الموقع إلا انها فشلت جميعها. فلا قيادة إلا لقيادة المهدي المنتظر. واخذوا بمبدأ "التقية" وهي عدم التعرض للحاكم القائم.(55/2)
وتقوم المرجعية الشيعية على إلتزام الشيعة بفتاوي العلماء. ولعلماء الشيعة مراتب متسلسلة وهي على التوالي: حجة الإسلام والآية والآية العظمى، والأمام. ولا يجوز ان يكون هناك إمامان في آن واحد. وفي عهد الستينيات، كان الإمام السيد محسن الطباطبائي الحكيم (وهو والد كل من محمد باقر الحكيم الذي اغتيل في العام الماضي وعبد العزيز الحكيم رئيس مجلس الثورة الإسلامية في العراق)، وجاء بعده موسى الصدر الذي اختفى في ليبيا والمعروف بوطنيته بمقاومة الاحتلال الصهيوني، ثم الخميني. ولا يوجد في الوقت الحاضر إمام للشيعة. ويعد الإمام وكيلا عن المهدي المنتظر.
وغالبية الشيعة العرب في وسط وجنوب العراق وشرق السعودية وجنوب لبنان ويطلق عليهم بالجعفرية نسبة للإمام جعفر الصادق عليه السلام. وهم الشيعة الاثنى عشرية. وبالنسبة لشيعة اليمن فيطلق عليهم بالزيدية نسبة لزيد بن علي بن الحسين عليهم السلام جميعا.
أما الشيعة من غير العرب فهم في إيران والباكستان وافعانستان والهند. وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق عاد الإيرانيون الذين كانوا يعيشون فيه وأخرجتهم الحكومة السابقة منه. وبعض هؤلاء يحملون الجنسية العراقية بالتجنس وبعضهم من المقيمين. واصبح عدد هؤلاء كبيرا في الوقت الحاضر، ودخلت معهم تنظيمات سياسية وعسكرية مثل مجلس الثورة الإسلامية وفيلق بدر. وأصبح لهذه التنظيمات مقرات ومعتقلات في جميع المدن في وسط العراق وجنوبه. وهناك جسور تعاون وتنسيق بين القوات الأمريكية وهذه المنظمات بشكل مباشر. وقد قام بريمر بتعيين أكثر نصف المجلس الانتقالي من أصول إيرانية وأكثر من نصف مجلس الوزراء أيضا من الإيرانيين تحت مسميات متنوعة من أحزاب معروفة بالولاء لإيران ومن شخصيات إيرانية تحت غطاء تمثيل التركمان والاكراد وأكثرهم من أصول إيرانية.(55/3)
فالمجتمع الإيراني يتمتع بخصوصية تاريخية غنية عن التعريف. وكانت الشعوب الإيرانية تتبع المذاهب السنية في عهد الخلفاء الأمويين والعباسيين وما بعد ذلك. وبدأ التشيع في إيران في عهد الدولة الصفوية ، وتحديدا في عهد إسماعيل الصفوي عام 1508م. وكان لهذا التشيع مبرراته السياسية فحسب. حيث أراد مقاومة الدولة العثمانية. ووجد ان الضرورة تقضي استمالة شيعة العراق. فأعلن تشيعه وتشيع شعبه. واتبع المذهب الجعفري.
وأستخدمت إيران ورقة المذهبية منذ دخولها هذا المذهب في عهد الدولة العثمانية للسيطرة على العراق. وفي التاريخ المعاصر أشتد استخدام هذه الورقة. ففي عام 1925 تكمن محمد رضا من قيادة انقلاب على عائلة القاجار ونصب نفسه ملكا على إيران. وفي العام نفسه قام بأحتلال الاحواز وقضى على إمارة المحمرة واعتقل الشيخ خزعل الذي كان أحد المرشحين الثلاثة لأن يكون ملكا على العراق. وتوفي في معتقل طهران عام 1936.
وعلى الرغم من عقد العديد من المعاهدات بين العراق وإيران فإن الزحف الإيراني نحو العراق أخذ ابعادا عديدة في العهود المتاقبة.
وبعد مجيئ الإمام الخميني وقيادة إيران كان لابد من كسر هذا الطوق وولوج منعطف السياسة فبدأ بتسيس المذهب. فعمد على وضع نظرية متكاملة أطلق عليها بـ" ولاية الفقيه " وأصدر كتابا بهذا المعنى. وأساسها ضرورة قيام الدولة الشيعية، وان الإمام أو المرشد أو الفقيه هو الذي يمثل الإمام المهدي المنتظر. وتمكن من إقامة نظام الحكم في إيران وتعيين مرشد اعلى للدولة الإيرانية الإسلامية ونص دستورها على انها تتبع المذهب الجعفري. ومن هذا المنطق سيس المذهب الشيعي في إيران.(55/4)
وقد انتقلت هذه الأفكار للمذهب الشيعي للعراق بحكم الوجود الإيراني في العراق. وتأسست عدد من الأحزاب السياسية. ودخلت هذه الفكرة الحوزة العلمية في النجف التي يسيطر عليها رجال دين إيرانيون أو عراقيون من أصول إيرانية تجنسوا بالجنسية العراقية أو من المقيمين.
ويسيطر على الحوزة العلمية في النجف الاشرف علماء من غير الشيعة العرب. وفي مقدمتهم أية الله العظمى على السستاني وهو من مقاطعة سستان في إيران وبشير النجفي (باكستاني) واسحاق فياض (افغاني). ولا يوجد عربي في الحوزة العلمية في النجف بدرجة أية أو آية عظمى.
وعلى الرغم من ان السيد علي السستاني دخل العراق وهو في عمر ثمان سنوات وانه رجل منصرف للأمور الدينية ويتمتع بقابلية علمية فرضت أحترامها على الجميع ووصف بالاتزان والروية، إلا انه ليس من مؤيدي نظرية ولاية الفقيه، وأنه لم يسع للسياسة، بل ان السياسة هي التي طرقت بابه وأقحمته في معتركها بعد ان وجد ثقة الناس فيه. ومع هذا كله فان الولاء الوطني يبقى في مكامن الإنسان وان تغرب عن وطنه سنوات طوال. فالحنين للوطن والسعي من أجل مصلحته تبقى قائمة في تصرفاته. ونحن لا نعيب ذلك فتلك مسألة طبيعية بل انها منطقية. ولو كنت بدلا عنه لكان تصرفي لربما أكثر ميلا.
وعلى الرغم من سيطرة الأصول الإيرانية شبه الكاملة على الأحزاب الإٍسلامية، بدأت تظهر بشكل واضح في الوقت الحاضر مطالبة بالعودة إلى أصول المذهب الشيعي. وأطلق على هؤلاء بالشيعة العرب بقيادة السيد مقتدى الصدر وبعض رجال الدين من الشباب الذين يدعون إلى محاربة التغلغل الإيراني داخل المذهب. وتساند الشيعة الإيرانيين قوات بدر الإيرانية التي دخلت العراق مع الاحتلال الأمريكي.(55/5)
فطالما كانت الحوزة العلمية في النجف هي الأساس في قيادة الشيعة في العالم. فينبغي ان تكون المرجعية لها وليس للحوزة العلمية في قم "الإيرانية" التي أنشئت خلال الحرب العراقية الإيرانية والتي تزعمت قيادة الشيعة في العالم.
ويسيطر الإيرانيون في الوقت الحاضر على الاحزاب الشيعية في العراق جميعها كما يسيطرون على العديد من الاحزاب الاخرى ومنظمات حقوق الإنسان والجمعيات المهنية بمسميات متنوعة.
وتعمل جميع هذه الاحزاب في الوقت الحاضر على تشويه صورة العرب بشكل علني وتصفهم بالعشائرية والتخلف ومعادات الإسلام ويصفون القومية العربية بالعنصرية. ويستخدمون وسائل الإعلام وخاصة التداخلات في قناتي الجزيرة والعربية وبقية القنوات الفضائية الأخرى. ويحاولون الإيحاء بأنهم الجهة المهيمنة على العراق ويطوعون الشريعة الإسلامية نحو التعاون مع الكافر ضد المسلم الجائر!. أي التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية التي وصفها الامام الخميني بالشيطان الأكبر، ضد نظام البعث في العراق..(55/6)
وواجهت الولايات المتحدة الأمريكية مشكلة النفوذ الإيراني في العراق وكانت أمام احد ثلاثة أمور أما الانسحاب من العراق أو مقاومة هذا النفوذ أو التعامل معه مرحليا. فأختارت الأخير. وهذا الاختيار يتطلب التفاوض مع إيران. فلجأت الى قيادة الشيعة في العراق لفتح باب التفاوض. وتصرفت القيادة الإيرانية بحكمة وروية بشكل كبير. وتمت تسوية المصالح بين الطرفين. فتم إنشاء المجلس الانتقالي وكانت إيران أول دولة رحبت بهذا المجلس، ومن ثم قامت إيران بإحتلال بعض الأراضي العراقية النفطية والسماح لقوات بدر بالتحرك بين العراق وإيران وزيادة الهجرة الإيرانية للعراق، وتخلت الولايات المتحدة عن مسألة أعتبار إيران من دول محور الشر والسكوت عن المفاعلات النووية الإيرانية. كل ذلك مقابل عدم اصطدام القوات الموالية لإيران في العراق. إذ شعرت الولايات المتحدة الأمريكية ان إيران تريد ان تجعل المعركة معها في العراق وتزيد من همومها في المقاومة. فلو وقفت القوات الموالية لإيران في العراق إلى جانب المقاومة العراقية لكانت الولايات المتحدة قد أنتهت كدولة عظمى. فالمقاومة العراقية يعوزها الدعم الخارجي. وبهذه التسوية خرج كل من الطرفين الإيراني والأمريكي منتصرا. وكان الخاسر الوحيد في ذلك هو شعب العراق.(55/7)
ومن أجل ذلك فقد اطلقت يد الإيرانيين في العراق فأمتدت سيطرتهم على جميع الوزارات والمؤسسات العسكرية. والقيام بحملة إغتيالات واسعة شملت العلماء والمثقفين والادباء ورموز النظام السابق من البعثيين ورجال الامن والمخابرات السابقين شملت جميع انحاء العراق. وكانت هذه الاغتيالات تتم بمباركة بريمر. وقامت القوات البريطانية في جنوب العراق بتزود بعض العصابات بالاسلحة لتنفيذ حملة الاغتيالات في المحافظات الجنوبية. وتحولت أسماء المحلات في كربلاء والنجف إلى أسماء إيرانية. وانتشر تداول المخدرات بشكل لم يعهده العراق في تاريخه المعاصر. وبدأت ملامح التغير في الوجه العربي للعراق إلى ملامح الوجه الفارسي.
وبقي التوازن الأمريكي الإيراني في العراق منسقا خلال الفترة الماضية. وعندما نشبت انتفاضة الصدر في المدن العراقية تدخلت إيران والقيادة الشيعية في العراق لتسوية هذه الانتفاضة. فجاء وكيل وزارة الخارجية الإيراني للعراق واجريت مناقشات طويلة حول الموضوع. ولم يتوصلوا الى حل. الامر الذي بدأ فيه جماعة الصدر بالتلويح بالتغلغل الإيراني في العراق وصدامات مسلحة وان لم تكن على مستوى كبير.(55/8)
ووصل التغلغل الإيراني في العراق الى جميع مرافق الدولة بما فيها المؤسسات العسكرية والأمنية. الامر الذي دفع وزير الدفاع العراقي حازم الشعلان الى ان يعلن بصراحة بتاريخ 26/7/2004 بان التغلغل الإيراني عم كل مرافق الدولة بما فيها وزارته... وكان الرد الإيراني على هادئا على غير طبيعة إيران، حيث أشار محمد شريعتي مستشار الرئيس الإيراني الى ان تصريح وزير الدفاع العراقي يضر بالمصالح بين الطرفين. وفي التاريخ نفسه أعلن قائد الجيش العراقي للمنطقة الجنوبية بتعرض القوات الإيرانية للسفن والمخافر العراقية على الحدود لاطلاق النار. وسارع المسؤولون في العديد من دوائر الدولة للرد على تصريحات وزير الدفاع العراقي ووصفوها بأنها شخصية ولا تعبر عن رأي الدولة.
ومن الملاحظ ان ردود الفعل الإيرانية هادئة ومتزنة لسبب بسيط ان الوضع الحالي في العراق لصالحهم وان تغلغلهم في الدولة يزداد يوما بعد يوم. فلا يريدون ضياع هذه المكتسبات بتصريحات ثورية لا تجدي لهم نفعا. ولهذا فان قيادتهم في العراق لم تدخل الصراعات السياسية لحد الآن. وهناك تناغم بين الحكومة الإيرانية والقيادة الشيعية في العراق. فعندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بملاحقة قوات السيد الصدر أعلنت إيران بإنها سوف تتدخل في حالة ضرب مراقد الأئمة الأطهار في النجف وكربلاء، وبذلك أيضا صرح السيد السستاني بان هناك خطوطا حمراء للقوات الأمريكية لا يجوز تجاوزها. وعندما قامت القوات الأمريكية بضرب النجف وكربلاء وطالت يدها لتعتدي على مراقد الأئمة لم يصدر من الطرفين أي فعل إيجابي.
ومن المؤكد ان القيادة الشيعية في العراق الموالية لإيران ابتعدت عن الدخول في معارك جانبية مع القوى والأحزاب الأخرى. ذلك انها تراقب الوضع عن ابعد وانها تعتقد بان دخول المعترك غير مناسب في الوقت الحاضر. وعندما تقرر ذلك فانها سوف تتدخل بقوة تستطيع التغيير والسيطرة.(55/9)
ونقولها بصدق وإيمان ان الشيعة العرب في العراق هم من أكثر الناس تحمسا لمواجهة الاحتلال الأمريكي ومقاومته. ولن يكون الشيعة في أي يوم من الأيام عملاء لأمريكا. وان التاريخ يشهد لهم في العراق دورهم في ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني وضد الشعوبية في عهود عدة. ودور الشيعة في جنوب لبنان ضد الاحتلال الصهيوني. ولكن الشيعة العرب في العراق ملتزمون بالمرجعية الدينية والمحافظة عليها. ومن المؤكد ان العديد من الشيعة في جميع أنحاء العراق بوصفهم جزءا من الحركة الوطنية القومية العراقية يقومون بمواجهة الاحتلال الأمريكي ويوقعون فيه إصابات عديدة.
وإذا ما تناولنا موضوع الشيعة في العراق فأن ذلك لا يعني ان الاحزاب الإسلامية السنية أفضل منهم. بل يمكننا القول بان جميع الاحزاب الإسلامية من شعية وسنية هي في السلة الأمريكية وبدون أستثناء، سواء ما كان منها الأحزاب الإسلامية التي تتكلم العربية أو الكردية أو التركمانية. فجميعها ممثلة في المؤسسة السياسية في الدولة وعينها مجرم الحرب بريمر. فلا يوجد أي حزب إسلامي في العراق خارج الحضيرة الأمريكية بما فيهم الأخوان المسلمون الذي يعملون تحت تسمية " الحزب الإسلامي العراقي". وكل هذه الأحزاب معادية للعروبة وللقومية العربية على الرغم من إن الإٍسلام حرم معاداة العرب لما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثة لسلمان الفارسي الذي قال فيه: " يا سلمان لا تشتمني" قال سلمان كيف اشتمك وبك الله هداني، قال صلى الله عليه وسلم :" تشتم العرب فتشتمني". وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا ذل العرب ذل الإسلام". غير ان الدين المسيس قد تطاول على العرب وعمل على التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية.(55/10)
وإذا كان ما يؤلمنا ان يتحول ديننا الحنيف الذي يرفض الانصياع للمحتل الاجنبي وان يتحول الإسلام إلى وسيلة لفرض السيطرة على الأمة العربية فأن اوقع ما يفرحنا هو ان الحركة القومية في العراق بمختلف فصائلها رفضت بصورة قاطعة التعاون مع المحتل الأمريكي. ونقول في هذا سيبقى العرب حملة الإسلام وترسيخ قواعده الحقة ومقاومة الظلم والانحراف في كل مكان كما فعل أجدادنا العظام.
شبكة البصرة
االثلاثاء 10 جماد الثاني 1425 / 27 تموز 2004(55/11)
مداخلات الشهابي (العتبات الحيدرية . . الرمز والموقف ) 1 من 3.
(806 مجموع الكلمات في هذا النص)
(164 قراءة) صفحة للطباعة
بقلم - محمد كاظم الشهابي
قبيل منتصف ابريل الماضي كتبت على مدى ثلاثة أيام ثلاث مداخلات تحت عنوان "خذلوك يا مقتدى" وكانت بداياتها جميعا " خذلوك كما خذلوا من قبل ابن عمك وأباك " وتناولت فيها التاريخ الجهادي لآل الصدر الكرام وخاصة الشهيدين الأول المرجع السيد محمد باقر الصدر والشهيد الثاني الحجة السيد محمد صادق الصدر وما لقياه من بطش النظام السابق من جهة ومن الجهة الأخرى خذلان "مؤسسة"المرجعية الحوزوية و ظلم التيار التقليدي في النجف , وقد وثقت ذلك البطش والخذلان والظلم كتب عديدة من أهمها كتاب الباحث العراقي عادل رووف بعنوان " الصدر بين دكتاتوريتين" وقد دون فيه بدقة بالغة التجربة المرة للمرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر وكان يشير في عنوانه إلى دكتاتورية صدام حسين ودكتاتورية بعض القوى المتنفذة في البيئة الحوزوية , وكتاب "الشاهد والشهيد" حول معاناة الشهيد الثاني المرجع السيد محمد صادق الصدر للأستاذ مختار الأسدي , وأثارت تلك المداخلات الثلاث في حينها لغطا كبيرا لدى كثير من القراء , وتلقيت إثر نشرها ردودا كثيرة معظمها اتسمت بالانفعال والفهم المبتسر في حين كان بعضها أقرب إلى التفاؤل والبحث عن تبرير مقنع ولو كان مؤجلا لموقف المرجعية وسكوتها الغير مفهوم , وقمت بعرض هذا الرأي كما وردني تحت عنوان " يا محمد ما هكذا تورد الإبل" , ونظرا لتجدد محاولات الاحتلال الأمريكي القضاء على التيار الصدري وتكرار موقف الصمت من قبل البعض مما دفع بتيار ديني معروف بمطالبة كوادر "جيش المهدي" بصفاقة استثنائية أن يخلوا مدينة النجف الأشرف , فقد عاودت تناول هذه القضية الحساسة في بداية شهر مايو في مداخلتين تحت عنوان "عار عليكم" , فأثار ذلك مجددا حفيظة البعض .
الآن وبعد تكرار محاولات(56/1)
الاحتلال للمرة الثالثة تصفية التيار الصدري وبعد تكشف المخطط الخبيث حيث جرى الترتيب لإخلاء النجف الأشرف من كل الرموز , فكل المراجع تم تسفيرهم إلى خارج العراق بحجج وذرائع شتى , في حين هرعت الزعامات التي طالبت بإخراج كوادر "جيش المهدي" إلى العاصمة بغداد حيث بدأ مؤتمر "السقيفة" , الآن كيف يرى بعض المكابرين الموقف في حاضرة أمير المؤمنين عليه السلام ؟ .
وهناك لا شك أسباب تقليدية مختلفة لحساسية البعض المفرطة تجاه هذه القضية من بينها :
1 : بعض القراء يبنون مواقفهم على أساس فرضيات ثابتة لا تقبل المناقشة وقائمة على التسليم بصحة كلما يصدر عن رموز دينية من مواقف سياسية دون التمعن في فهم خلفياتها وأبعادها والظروف المحيطة بها والملابسات التي تكتنف الكثير منها , وأبرزها في تقديري التنافس الخفي الذي تدور رحاه في بيئة شديدة الخصوصية والحساسية حيث تسود في الظاهر أساليب المجاملات والاحترام والتقديس , وفي الخفاء تكثر الدسائس والحذر المفرط في العلاقات داخل البيئة الحوزوية , وفي الغالب يكون مصدر هذه الممارسات ليس في قمة الهرم الحوزوي حيث يتبوأ المراجع الصدارة , ورغم أنهم جميعا معرضين للخطأ والضعف باعتبارهم بشر يعتريهم ما يعتري الجميع من قصور, إلا أن معظمهم يتسم بقدر كبير من التقى والورع والنزاهة رغم اتفاق الجميع على ظاهرة خطيرة جدا بين المراجع وهي عدم التزاور مع أنهم جيران أحيانا ! مما يعمق حالة الجفاء بينهم ويعيق عملية التفاهم فضلا عن الحوار, ولكن جوهر المشكلة يكمن غالبا في دوائر البطانة والحواشي وحواشي الحواشي كما يقول الباحث العراقي عادل رؤوف ,
2 : اللافت في "المؤسسة" الحوزوية كما يذكر ذلك أحد كبار مراجع الشيعة في لبنان أن هناك وضعا شاذا فيما يتعلق بمسألة المعايير, فكل المؤسسات في العالم على اختلاف أنواعها مهنية كانت أو علمية أو اجتماعية تخرًج نوابغ متميزين , وآخرين ناجحين بمستويات متباينة(56/2)
, وأخيرا هناك بعض من يفشل أيضا , ولكن الأمر الغريب أن لا وجود للفاشلين في الحوزة ! ! , فهل يعقل أن كل من ينخرط في "المؤسسة"الحوزوية هم من الصفوة التي لا تعرف الفشل ؟ ! , وهنا أجد من المناسب الاستشهاد برواية لسماحة السيد كامل الهاشمي نقلا عن سماحة السيد حسين الشاهرودي نجل "المرجع" السيد محمود الشاهرودي رحمه الله يصنف فيها المرجعيات إلى ثلاثة أقسام , "الأول يعتمد على نبوغ المرجع كشخص بالإضافة إلى مصداقية من حوله ويضرب لذلك مثلا بمرجعية الإمام الخميني رحمه الله ويؤكد أن هذا أحد أسباب نجاحه , وهي أحسن الحالات , والثانية يكون فيها المرجع نابغا ولكن في دائرة عقيمة أو فاسدة فيمنعه ذلك الفساد من الإصلاح ويستشهد على هذا النوع بمرجعية السيد الخوئي رحمه الله , ويضيف أن والده المرجع السيد محمود الشاهرودي ينتسب إلى النوع الثالث والأخير حيث لا هو رحمه الله , ولا حاشيته يفقهون ما حولهم " .
3 : يلتبس الأمر على كثير من الناس فيتصورون أن كل المراجع يمتلكون القدرة على ممارسة دور سياسي بمجرد كونهم فقهاء مهما كانت الظروف دقيقة وحرجة , وحتى إذا كانت تنقصهم الخبرة أوالرغبة في ممارسة العمل القيادي في المعترك السياسي كما ينقل عن سماحة المرجع السيد علي السيستاني , فكما ينقل عن سماحته طوال الفترة الماضية منذ سقوط الطاغية وحتى وقت قريب أنه لا يجد لديه الاستعداد للتصدي لقيادة الأمة سياسيا, وهذا الموقف يؤكد شدة ورعه ويزيد في مصداقيته ويحسب له , وليس العكس , ولكن هناك من يريد إقحام سماحته كواجهة مرجعية سياسية ليبحث من خلف الواجهة عن دور سياسي .
للحديث صلة .
مداخلات الشهابي (العتبات الحيدرية . . الرمز والموقف ) 2 من 3.
(837 مجموع الكلمات في هذا النص)
(88 قراءة) صفحة للطباعة(56/3)
بقلم - محمد كاظم الشهابي
في حديث نبوي شريف قال صلى الله عليه وآله وسلم : " لا تكرهوا الفتن فإن فيها حصاد المنافقين" , وفي رواية أخرى " فإن فيها هلاك الظالمين" , وقيل أيضا "رب ضارة نافعة" .
خلال الأسبوع الماضي قرأت وتابعت الكثير من الحوارات حول الشأن العراقي عموما , وبشكل خاص حول الوضع الراهن في النجف الأشرف بعد مؤامرة إخلائها من كل الرموز لرفع الحرج عنهم , تمهيدا للقضاء على "جيش المهدي" كونه أبرز وأكبر الأصوات الرافضة للاحتلال , بالتزامن مع المضي قدما في مهزلة ما يسمى بـ "المؤتمر الوطني العراقي" في محاولة أمريكية غاشمة وغشيمة لترتيب مستقبل العراق السياسي , وخلافا للغالبية ممن قرأت لهم وتابعت حواراتهم النازعة نحو التشاؤم إلى أبعد الحدود , فالرؤية المستقبلية التي خرجت بها لتطورات الأوضاع السياسية هناك تبعث إلى حد ما على التفاؤل الحذر, إن لم يكن على المدى القريب فسنرى بوادر هذا التفاؤل على المدى المتوسط , أرجح ذلك على ضوء المعطيات السياسية , ورغم شدة الظروف الراهنة واحتمال وقوع كارثة في النجف الأشرف في أية لحظة كنتيجة طبيعية لحالة التهور والتخبط والفشل الأمريكي , وهذا خلاف ما نتمناه قطعا , إلا أن الأمور تسير بالوضع النجفي نحو كل الاحتمالات ومن بينها الكارثة التي إن وقعت فستكون غير مسبوقة , فما هي إذا مبررات التفاؤل في هذه الأجواء المنذرة بالخطر الشديد ؟ .
أولا : يبدو أن قبادات التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى , ومعظمهم من الشباب ممن تنقصهم الخبرة السياسية والتجربة , وينطلقون في مناهضتهم للاحتلال بعفوية وطنية ومشاعر دينية قد بدأوا يتعلمون شيئا من أساليب المناورات السياسية , وكسبوا الرهان الشعبي بالتأكيد في مقابل الطبقة السياسية العراقية من النخبة المتعلمة في الغرب والتي بدأ حضورها السياسي يهتز لا بل يتراجع كثيرا في أوساط المجتمع العراقي بسبب علاقات غالبية رموزها بأجهزة(56/4)
المخابرات الغربية وخاصة الأمريكية منها , ولم يعد هذا سرا فمعظم الصحف والدوريات الغربية تحمل في صدر صفحاتها عناوين تكشف التاريخ السري لأعضاء الحكومة العراقية المؤقتة وفي مقدمتهم رئيس الوزراء إياد علاوي , والجزء الآخر من طبقة النخبة السياسية العراقية بما فيهم بعض الإسلاميين لم يتمكنوا من مد الجسور مع الناس البسطاء فخسروا الشارع العراقي , وأغراهم الاحتلال بأدوار محدودة في الواجهة السياسية على حساب مبادئهم فوجدوا أنفسهم بالنهاية بعيدا عن شعبهم وأقرب كثيرا للأجنبي المحتل , وهكذا فقدوا مصداقيتهم في مقابل تنامي التأييد للتيار الصدري رغم ضعف خطابه السياسي .
ثانيا : لا شك أن اختيار التيار الصدري لمدينة النجف الأشرف كملاذ آمن نسبيا لمناصريه و لكوادره المقاومين من "جيش المهدي" وتحصنهم بمقام الإمام علي عليه السلام ومحيط العتبات الحيدرية يؤكد بعد نظر ورؤية استراتيجية عندهم , فقد أكسبهم هذا الملاذ نوعا من الحصانة والتعاطف الديني في العراق وخارجه لما يتمتع به المكان من روحانية وقدسية عند عموم المسلمين , وهذا ما صعب بالتالي مهمة الاحتلال في استئصالهم , فلو كانوا محتشدين في معاقلهم الأساسية فقط كالكوفة ومدينة الصدر ومدن الجنوب العراقي لربما أقدمت قوات الاحتلال على مجزرة تاريخية كبرى بإبادتهم ولو على مراحل , وهذا ليس مستبعدا على همجية المحتلين ورعونتهم , ولكنهم الآن مضطرين لإعادة النظر في خططهم أكثر من مرة لأنهم يعرفون أن إقدامهم على ضرب التيار الصدري في النجف الأشرف سيفتح عليهم أبواب الجحيم في كل العراق وربما خارجه ايضاُ , فمن يعرف جغرافية البناء في النجف يدرك أن القضاء على "جيش المهدي" المتحصن في العتبات الحيدرية بالإضافة إلى بيوت المدينة المقدسة وسراديبها وأزقتها المتراصة مستحيل إلا بمحو المدينة تماما , وليس واردا أن يجري في داخل المدينة القديمة أي نوع من الكر والفر أو قتال شوارع , ولا(56/5)
نتصور أبدا أن تغامر قوات الاحتلال فتقذف بالمارينز في أتون معركة محكومة بالخسارة , والبديل الوحيد أن يقذف بالعراقيين ليذبحوا بعضهم بعضا , وهذه مغامرة أيضا فيحتمل جدا أن تتردد قوات عراقية في خوض حرب أهلية , وقد ينقلب السحر على الساحر فيقف العراقيون في صف إخوانهم من التيار الصدري , وهذا الاحتمال لا شك وارد في حسابات المحتلين , ولعل هذا ما يفسر عروض الترهيب و الترغيب , ومسرحيات التفاوض التي تهدف فقط إلى كسر شوكة التيار الصدري تمهيدا لاستدراجه خارج النجف ومن ثم القضاء عليه .
ثالثا : من المؤشرات الداعية للتفاؤل على المدى المتوسط هو عجز الاحتلال عن تقديم أي حل سياسي وتخبطه الواضح للعيان , ويكفي أن نلقي نظرة عابرة للمشاركين فيما يسمى زورا وبهتانا "المؤتمر الوطني العراقي" باعتباره الخطوة السياسية التي يراهن عليها الاحتلال بعد شرعنته فنلاحظ غياب أبرز القوى في المجتمع العراقي عن التمثيل فيه , ومن مختلف الطوائف سنة وشيعة وتركمان , كما انسحبت منه تشكيلات سياسية أخرى يوم افتتاحه , ولا شك أن تعويل الاحتلال الأمريكي على "مؤتمر" بهذا المستوى المتواضع من التمثيل يؤكد جملة أمور من بينها أولا قلة الحيلة وعدم الجدية , فلو كان لدى الاحتلال أدنى رغبة في تأسيس نظام ديمقراطي لكانت أمامه خيارات أخرى غير هذا "المؤتمر" المسخ الذي لا يعرف أحد حتى آلية اختيار أعضاءه , ولا يشكل انتداب ممثل للسيد كوفي عنان لحضور جلساته قيمة تذكر في غياب أصحاب الشأن , ناهيك عن كيفية اختيار أمانته العامة التي من بين أعضائها السيد حسين الصدر , وهو رجل دين منبوذ وله مواقف مخزية ليس أقلها تقبيله أنف وزير الخارجية الامريكي "كولن باول" قبل شهور عندما دعاه لتناول الغذاء في بيته .
للحديث صلة .
مداخلات الشهابي ( العتبات الحيدرية . . الرمز والموقف ) 3 من 3.
(844 مجموع الكلمات في هذا النص)
(120 قراءة) صفحة للطباعة(56/6)
بقلم - محمد كاظم الشهابي
ليس سرا أن أقوى التحديات التي تواجه التيار الصدري تتمثل في مراكز قوى شيعية نجفية , ورغم اختلافها فإن ما يجمع بينها هو معاداة التيار الصدري بامتداداته الواسعة مما يهدد النفوذ التاريخي لبعض تلك القوى التقليدية منها, ويمنع بروز قوى أخرى عاشت في المنافي وكان لبعضها تاريخ نضالي عريق إلا أن قياداتها قد ارتبطت بعلاقات مشبوهة وتورطت في لعبة القبول بالاحتلال تحت مسوغات هزيلة , وإغراءات بمناصب القليل منها تحقق والكثير ما زال رهن الوعود , ولولا ظلم ذوي القربى لما تمادى الأجنبي المحتل في غطرسته إلى التصريح من خلال وكلائه وأزلامه بعزمه على اكتساح النجف الأشرف وابادة المدافعين عنها عن بكرة أبيهم .
هذا التحزب المرتكز إلى ترسانة الأحقاد القديمة والغضب الشعوري كما يقول الكاتب العراقي الأستاذ علاء اللامي قد ذهب إلى أقصى مداه في معركة النجف والتي هي أقرب إلى المجزرة وحمام الدم - إن وقعت - منها إلى المواجهة العسكرية بين قوتين ليس بينهما شيء من التكافؤ , فبعض أزلام الاحتلال يتناسى بلؤم أن المهاجمين أجانب يحتلون العراق كله ويساندهم عسكر مأجورين لحكومة نصبها الاحتلال أيضا وان المدافعين عن المدينة المقدسة هم عراقيون ومن أهل المدينة فما معنى المطالبة بطردهم إلى خارج الصحن الحيدري وما حوله حسب مبادرة ما يسمى بـ "المؤتمر الوطني العراقي" , وخارج النجف نهائيا كما يطالب أعضاء حكومة علاوي ؟ .
والذاكرة العراقية ما تزال مثقلة بكوارث حملات التهجير الصدامي ؟ وأية مصداقية ستبقى لحكومة علاوي وهي تعلن في بيان رسمي أن المقاومين من التيار الصدري ( ينتهكون الأعراض والحرمات في مدينة النجف) في محاولة مفضوحة للنيل من التيار الصدري , والعالم كله يعرف من هم الذين ينتهكون الأعراض ؟ هل هم المقاومون المضحون بأرواحهم من أجل وطنهم وشعبهم ومقدساتهم ؟, أم هم أصدقاء وأولياء النعمة الأمريكان ؟(56/7)
وأرشيف الأدلة من سجن أبو غريب فقط يكفي لكشف حقيقة مثل هذه الاتهامات التي يقصد بها قلب الحقائق .
الموقف الراهن :
يبدو من خلال الكم القليل من المعلومات التي تصل للعالم بعد الحصار الإعلامي المضروب على النجف أن قوات الاحتلال قد أخفقت في تحقيق تقدم حقيقي بعد نحو أسبوعين من بداية الجولة الأخيرة , وبعد أن قامت بحرث مقبرة وادي السلام حيث توجد أكثر كثافة للقبور على مستوى العالم كله ورغم ذلك فقد انتهكت حرمتها قوات المارينز لتعلن في نهاية المطاف أنها سيطرت على المقبرة وعلى وسط مدينة النجف , ولا أحد يشك في أن المارينز وحلفاءهم المحليين قد أحرزوا نصرا محدودا حتى بعد انسحابهم التكتيكي من وسط المدنية ، لا بل أن "جيش المهدي" بحسب تصريحات الشيخ حسن الزرقاني مسئول العلاقات الخارجية في التيار الصدري للصحافة اللبنانية قد أكد إن قيادة التيار الصدري لم تكن تفكر بالانتصار عسكريا على أعظم قوة في العالم برشاشات الكلاشنكوف وقذائف الآر بي جي , ولكن في المقابل فإن تطويرا لحالة المقاومة قد حدث وأن تقدما سياسيا نسبيا نحو تحقيق الهدف المركزي ألا وهو إجبار الاحتلال على الانسحاب واستعادة السيادة العراقية قد بدأ , وهكذا يمكن القول أن نصرا استراتيجيا للأمريكان لم يتحقق , كما أن هزيمة للمقاومين لم تحدث بالرغم من البون الشاسع في طبيعة التجهيزات بين الفريقين , ولا مجال للمقارنة بين تسليح أعتى قوة عسكرية في العالم ومتطوعين يدافعون بأسلحة شخصية في الغالب .
مما يؤكد هذه الحقيقة , بالإضافة إلى ما يكتنف الموقف الأمريكي من حرج بالغ في هذه المواجهة هو الاتجاه للتفاوض بإيفاد مستشار الأمن الوطني موفق الربيعي إلى النجف بورقة طرحت كأساس للنقاش حسب تصريح عدنان الذرفي , وكانت المفاجأة في رد الفعل من قبل التيار الصدري بورقة مضادة من عشر نقاط تنسف معظم التقدم الذي حققه المحتلون وحلفاؤهم المحليون على الأرض , بل وترفع السقف(56/8)
السياسي الذي كان قائما قبل بداية الجولة الأخيرة من المعارك , وتحديدا فيما يتعلق بمطلب جدولة انسحاب القوات المحتلة من العراق وهذا ما أثار حفيظة الأمريكان فجن جنونهم , وكذلك المطالبة باعتبارالمدينة القديمة وهي المباني المحيطة بالعتبات الحيدرية المقدسة محمية حوزوية بحراسة حرس شعبي يخضع للمرجعية الدينية النجفية حصرا على حد تعبير الورقة الصدرية بما يعني سحب البساط من تحت أقدام القوى التقليدية التي سبقت الإشارة إليها في بداية المداخلة , واللافت للنظر تزامن هذا الطرح مع الرحيل المثير للمرجع الديني السيد علي السيستاني إلى لندن مع بداية المعارك الأخيرة , وما لبث الصدريون أن أطلقوا بالون اختبار جرئ آخر حين طالبوا باستقالة حكومة علاوي , وهذا ما أفقدهم صوابهم وهو شعار رفعته المظاهرات الحاشدة التي انطلقت في أغلب محافظات العراق تضامنا مع التيار الصدري ,
لقد تبنى الصدريون هذا المطلب وهم يراقبون بارتياح صعود المزاج الشعبي المناهض لاقتحام النجف واقتراب الوضع العام من الانفجار الشامل خصوصا بعد مجزرة الكوت الدامية التي استخدم فيها الأمريكان القنابل العنقودية فأودوا بحياة العشرات من الشهداء .
وأخيرا فهناك معلومات من مصادر وثيقة الصلة تؤكد أن جولة المفاوضات التي قادها موفق الربيعي كان هدفها الحقيقي اختطاف السيد مقتدى الصدر بوصفه الرمز البارز للتيار بواسطة الفرقة المرافقة لموفق الربيعي والمكلفة بحمايته أثناء جلسات التفاوض , وقد أبدى الربيعي مرونة ملحوظة أثناء سير المفاوضات, وكان يوحي بأنه على استعداد للتوقيع , إلا أنه كان في نفس الوقت يتمنى حضور السيد مقتدى لمباركة الاتفاق , وعندما شعر أن الاحتياطات الأمنية المتخذة غير قابلة للاختراق , وجرى الاتصال ببغداد صدر القرار بقطع المفاوضات .
من وجهة نظري الشخصية أجد فيما تقدم ما يدعو للتفاؤل , أليس كذلك ؟ . انتهى .(56/9)
خذلوك يا مقتدى (2)
(903 مجموع الكلمات في هذا النص)
(273 قراءة) صفحة للطباعة
خذلوك يا مقتدى (2)
خذلوك كما خذلوا ابن عمك و أباك . .
لكي نفهم خلفية التيار الصدري في العراق و الذي يقوده الآن السيد مقتدى الصدر فلا بد من العودة إلى بعض المصادر, و أهمها كتاب قيم للكاتب العراقي المتميز عادل رؤوف صدر قبل سنوات عن مركز الإعلام العراقي بدمشق و عنوانه الصدر بين دكتاتوريتين يوثق فيه و يحلل أيضا تجربة المفكر الإسلامي المرجع الشهيد محمد باقر الصدر ,و كذلك تجربة الشهيد الصدر الثاني والد السيد مقتدى و معاناتهما مع المؤسسة الحوزوية من جانب و النظام السابق من جانب آخر , و قد طبع الكتاب عدة مرات , و كتاب آخر بعنوان الصدر الثاني الشاهد و الشهيد يتناول تجربة والد السيد مقتدى للكاتب الأستاذ مختار الاسدي و يورد في سياق تقييمه لدوره ( ان أروع ما دوًنه الصدر الثاني في سجل الحركات الإسلامية المعاصرة هو قدرته الفائقة على استثمار الهدنة بينه و بين النظام الدكتاتوري الحاكم في بغداد و نجاحه في استقطاب الشارع العراقي المسلم بملايينه الغاضبة , و توجيه هذه الملايين في مشروع إصلاحي تغييري , - و يضيف الكاتب – لقد تقدم هذا المرجع الكبير بخطاب شعبي مفهوم , و لهجة تعبوية غير مألوفة (مرجعيا) عابرا من مرحلة الخطاب المكتوب , و الاستفتاء الجاهز و الجواب (الفقهي ) الغامض إلى مرحلة الخطاب المسموع و اللهجة الواضحة و الجواب الصريح حتى كاد أن يقلب كل معادلات السلطة الحاكمة , و يعصف بأطروحتها الايدولوجية و السياسية معا . . . كان الرجل بحق فقهيا و خطيبا , مفتيا و قائدا , عالما و زعيما , و قد مثل فعلا مرجعية الميدان و رجل المرحلة ) .
و هنا فلا بد من تسجيل النقاط التالية :(56/10)
الأولى : شخصيا كوني أتابع الوضع العراقي منذ أمد بعيد , و قد كانت لي قبل خمس سنوات زيارة إلى العتبات المقدسة في النجف الاشرف و كربلاء المقدسة و بغداد و سامراء حيث أتيحت لي فرصة لقراءة الواقع السياسي مجددا وعن قرب , بعد خلفية أربع سنوات عشتها هناك حيث كنت طالبا في كلية القانون و العلوم السياسية بجامعة بغداد في السبعينيات أيام كان صدام حسين يمثل دور هارون الرشيد, و كذلك ما يربطني بكثير من الناشطين الإسلاميين في العراق من علاقات واسعة مما يمكنني من القول بدقة التشخيص لدى الكاتب فليس في ما قاله ادني مبالغة , و خاصة في وسط وجنوب العراق .
الثانية : ينبغي ملاحظه ضخامة الإرث السياسي الذي وصل إلى السيد مقتدى و يتمثل في شعبية كاسحة و تاريخ وطني مجيد و رصيد نوعي من التضحيات , و هو ابن العراق الذي لم يهرب إلى لندن و لا طهران ككل أزلام الاحتلال , و فوق كل ذلك الظرف التاريخي المواتي بعد زوال نظام الطاغية مما كان يؤهله للعب دور(الجوكر) السياسي الحاسم في هذه المرحلة , و كان بامكانه استثمار ميراثه الضخم لتحقيق طموحات الشعب العراقي في مستقبل أفضل , رغم صعوبة الحالة المؤقتة المتمثلة بوجود الاحتلال و شراسته .(56/11)
الثالثة : ليس سرا أن الشعبية الواسعة التي تمتع بها الشهيد الصدر الثاني والد السيد مقتدى قد أوغرت صدور الكثيرين من بعض أطراف المعارضة الإسلامية في العراق و تحديدا من تيار الثورة الإسلامية , و قد وصلت الأمور قبل خمس سنوات الى صدامات دامية في ايران بعد استشهاد والد السيد مقتدى , و حدث في جامع أعظم بمدينة قم عندما حضر احد رموز ذلك التيار لتقديم واجب العزاء إن قام أنصار التيار الصدري برجمه بالأحذية ! , و لعل هذه الواقعة تفسر لنا أسباب ردات الفعل الفاترة جدا, و التي اتسمت بنوع من الشماتة و الكيدية من قبل بعض قوى المعارضة الإسلامية الشيعية تحديدا في الأحداث الأخيرة , حتى وصل الأمر ببعضهم اقتراح أن يسمح للسيد مقتدى باللجوء السياسي في إيران حلا للمشكلة ! , و الذي لا يعرفه كثيرون ان سلطة الاحتلال لم يكن بإمكانها المطالبة بحل جيش الإمام المهدي عليه السلام , او إصدار مذكرة اعتقال بحق السيد مقتدى و مطالبته بتسليم نفسه او التهديد بقتله , و تطويقها المدينة المقدسة , ما كانت تجروء على كل هذا لولا توافق إرادات سياسية شيعية تريد رفع الحرج عن نفسها بعد ان انكشفت لعبة التواطؤ مع المحتل التي لا يمكن أن تستمر في وجود تيار شعبي واسع يرفض الاحتلال , فالتقت مصالح أطراف مختلفة في هدف تصفية التيار الصدري سياسيا .
الرابعة : ليس سرا أن بعض أطراف حزب الدعوة و هم الأقرب إلى خط الالتزام قد حاولوا استثمار الحالة الصدرية منذ الأيام الأولى لسقوط النظام , و سعوا للتنسيق مع السيد مقتدى , ولو أدرك السيد أهمية قيام هذا التحالف لتغير كليا الوضع في العراق , ففي حزب الدعوة كوادر و تكنوقراط من أفضل العناصر التي يتطلبها العراق في هذه المرحلة و لا شك ان الخبرات السياسية و الكفاءات التي يزخر بها هذا الحزب كان يمكن ان تملا بعض الفراغات التي ملئت بعناصر اقل كفاءة و يغلب على معظمهم دافع المصلحة الشخصية, و للأسف فقد تم(56/12)
تغييب الأجدر , و النتيجة أن عدم تجاوب السيد مقتدى , و عدم استيعابه لضرورات المرحلة قد ضيع فرصة استثنائية لتثبيت فواعد اللعبة السياسية على نحو مختلف , كما ان اعتماد السيد مقتدى على كوادر لا تتمتع بافق سياسي رحب , و تفتقر الى الخطاب السياسي المناسب قد اضعف فاعلية التيار الصدري رغم سعته الواسعة فاصبح كثرة هادرة و لكن مبعثرة , و هذا يبدو واضحا من خلال ما نشاهده من تصريحات يطالعنا بها الناطقون باسم التيار الصدري في جيش المهدي عليه السلام , و مدراء مكاتب السيد مقتدى في مدن الوسط و الجنوب العراقي .
ترى هل آن الأوان ليستوعب السيد مقتدى قواعد اللعبة السياسية ؟ , أم أن الوقت بات متأخرا ؟ .
ترى هل استوعبنا نحن في ساحتنا الوطنية البحرينية الدروس السياسية في تجربة التيار الصدري ؟ ,
send91@hotmail.com(56/13)
مقدمة
كتب فضيلة الشيخ محمد بن عبد القادر آزاد إمام المسجد الملكي "بادشاهي مسجد " بلاهور ـ باكستان ورئيس مجلس علماء باكستان وإمام مؤتمر القمة الإسلامي الثاني المنعقد في 22 فبراير سنة 1974 م بلاهور باكستان كتب هذا الرجل رسالة إلى رؤساء الدول الإسلامية وعلماء المسلمين في كافة بقاع الأرض ، والرسالة التي كتبها هذا العالم حول الثورة الإيرانية أقرب إلى صرخة الاستغاثة لدرء الخطر الداهم الذى يوشك أن يعم العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه من جراء الثورة الإيرانية.
والرجل ذو بصيرة نافذة تعرض إلى أعماق الأمور ولا يتوقف عند ظواهر الأشياء، وقد أدرك هذا العالم ما يمكن في الثورة الإيرانية من أخطار يمكن أن يصاب بها العالم الإسلامي في الصميم، وهو بحكم مسئوليته العلمية ومنزلته الدينية ومكانته بين المسلمين صرخ بالنصيحة في هذه الرسالة صراخاً حتى تصل إلى كل أذن في أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي حتى لا يقع تحت طائلة السكوت على الباطل وحجب النصيحة وترك الخطر يزحف على المسلمين وهم غافلون .
والرجل لم يكتب رسالته إلى حكام المسلمين وعلمائهم
ليستعديهم على الثورة الإيرانية حتى يعلنوا الحرب عليها وإنما الهدف من ذلك هو التبصير بالعيوب والأخطاء والأخطار حتى نتدارك الأمر قبل فوات الأوان عسى أن يستطيع المسلمون ـ علماء وحكام - أن يردوا الثورة الإيرانية إلى مسارها الصحيح لتكون الثورة للمسلمين لا ثورة على المسلمين ولتكون شوكة في جنت أعداء الإسلام وغصة في حلوقهم بدلاً من أن تكون شوكة في جنب الدول الإسلامية وغصة في حلوقهم ولنأخذ مكانها الطبيعي في صفوف الأمة الإسلامية في إطار الوحدة الإسلامية التي ينادي بها قادة الثورة الإيرانية وفي مقدمتهم الإمام الخميني نفسه .(57/1)
ولم يتوجه هذا العالم الجليل بهذه الرسالة إلى علماء المسلمين وحكامهم إلا بعد أن استوعب الثورة الإيرانية حقائق وأهدافاً ووسائل واتجاهات سمعاً وقراءة ومشاهدة ، وإلا بعد أن قابل قادة الثورة الإيرانية في غيران ومنهم الإمام الخميني نفسه وسمع منهم وأسمعهم وناقشهم وقدم لهم النصيحة الخالصة لوجه الله تعالى المرة بعد المرة إما مباشرة وجهاً لوجه، وإما في تقديم المتقرحات وتوجيهات المؤتمرات ولما لم يجد صدى لنصائحه مقترحاته وتوصياته ونداءاته توجه إلى رؤساء العالم الإسلامي وعلمائهم صارخاً مستغيثاً يدق أجراس الخطر دقاً عنيفاً متتابعاً ليوقظ النائمين ولينبه الغافلين عسى أن يفيقوا فيتداركوا الأمر قبل فوات الأوان .
الرسالة
يا رؤساء الدول الإسلامية وعلماء الإسلام والمسلمين في أنحاء العالم .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد :
فإنني أبعث إليكم بهذه الرسالة الخاصة لتتفكروا في هذه الفتنة العظيمة التي قامت من رقادها لتبعث الذعر والهلع والفزع في العالم الإسلامي، لست أدري كيف يغفل علماء المسلمين وحكامهم عن هذه الفتنة الثائرة كالبركان المتفجر بالحمم الملتهبة ؟ أهي غفلة عن حقيقة هذه الفتنة أم تغافل عنها اتقاءً لشرها وابتعاداً عن نارها ؟
إن الغفلة عن الخطر تقود إلى الوقوع فيه وإن التغافل لن ينجي من الشر ولا يحمي من النار، فالغفلة والتغافل كلاهما شر مستطير، والتغافل ليس سياسة ولا كياسة ولا فطنة، فاتقاء الخطر لا يكون بالتغافل عنه ولكن يكون بمواجهة إن لم يكن هناك سبيل إلا مواجهته .
والأخوة الإسلامية وحسن الجوار يوجبان علينا تقديم النصح وتصحيح المسار ودرء الظلم ، أما التغافل والمداراة
والسكوت من الظلم فلا علاقة لها بحسن الجوار ولا بالأخوة الإسلامية .(57/2)
إن الثورة الإيرانية مضى عليها وقت كاف للحكم لها أو عليها وإني لأعجب كيف يظل علماء المسلمين ورؤساؤهم غافلين كل الغفلة- أو متغافلين كل هذا التغافل - عن هذه الفتنة الخمينية .
وأول من فهم هذه الفتنة وحقائقها وحذر منها هو الرئيس المصري الراحل " أنور السادات " وقد أصدر بياناً نشرته الجرائد العالمية في ابتداء ظهور هذه الفتنة، وقال : إن هذه الثورة التي ظهرت من بلاد فرنسا ليس ثورة إسلامية بل هي ثورة شيعية هدفها السيطرة على العالم الإسلامي، وعلى المسلمين أن يقفوا صفاً واحداً ضد هذه الثورة حتى لا تحقق أهدافها .
ثم جاء البيان الثاني من " الملك حسين " ملك الأردن، فقد أشار إلى أن هدف هذه الثورة هو القضاء على أهل السنة في أنحاء العالم الإسلامي حتى يسود النظام الشيعي في كل الدول الإسلامية ويصبح العالم الإسلامي كله تحت راية الحكم الشيعي بإيران .
يا رؤساء الدول الإسلامية وعلماء المسلمين :
لقد زرت إيران مرتين ورأيت فيها أموراً مخالفة لروح الإسلام وأهدافه وشريعته مخالفة صريحة لا لبس فيها .
فالمرة الأولى :
كانت في عيد الثورة الإيرانية الثالث في فبراير سنة 1980، وإليكم ما رأينا آنذاك :
أولا: رأينا على جدران فندق " هلتون " في طهران ثوباً أبيض كتب عليها العبارة التالية :
" سنحرر الكعبة والقدس فلسطين من أيدي الكفار "
وهذه العبارة تعني أن المملكة العربية السعودية وإسرائيل سواء بسواء في نظر الثورة الإيرانية !! فاليهود يحتلون فلسطين والقدس، والمملكة العربية السعودية تحتل الكعبة في نظرهم !! واليود والسعوديون كلاهما كفار ضد الثورة الإيرانية !! ومن هنا وجب على الثورة الإيرانية أن تحرر جميع الأماكن المقدسة من أيدي الكفار ( اليهود والسعوديون !!) (1) والفرق الوحيد بينهما عند الإيرانيين أن
______________________________(57/3)
(1) السعوديون شعب مسلم يرفع راية التوحيد والشريعة … وليس من حق أحد تكفيره أو مساواته بأعداء الله اليهود … إلا إذا كانت ثورة الخميني - وفق مبادئها - ترى المسلمين السنة كلهم - والسعوديين بالتالي - كفاراً ، وهذا ما تصرح به كتب الشيعة .
ملخص الخطاب الافتتاحي للرئيس الإيراني
قال الرئيس الإيراني " على خامنئي " في خطابه الافتتاحي:
الحمد لله لقد تحقق في إيران بفضل الثورة الخمينية - تنفيذ النظام الإسلامي، فعمت بركاته كل أنحاء إيران، وتستطيعون أن تروا أثر ذلك في الأسواق ومختلف مناحي الحياة في إيران، ولكنا -والأسف يملأ صدورنا- نرى العالم الإسلامي من حولنا حتى هذه اللحظة يخضع لسيطرة " أمريكا " أو سيطرة " الاتحاد السوفيتي " ، ومن واجب العلماء ( أئمة الجمعة والجماعات ) أن يخرجوا هؤلاء الشياطين من بلادهم .
ونحن من جانبنا قد وجهنا الدعوة إلى كل الأحزاب في البلاد الإسلامية وطالبناها أن تشعل شرارة ثورة على منهج الثورة الخمينية فتطيح بالحكام الأذناب " لأمريكا" و" روسيا" وتتولى مقاليد الحكم بنفسها دون أن تسلم زمامها إلى النظام الشيوعي أو النظام الرأسمالي .
ولكن تبين لنا مع الأسف الشديد أنهم غير قادرين على هذه المهمة الجسيمة التي لا ينهض بعبئها إلا أولو العزم من الرجال الصادقين المخلصين، وإن دعوتنا إلى الأحزاب المرتبطة بالنفوذ الأجنبي لم تجدد استجابة قط، فهم غير قادرين على إعلان الثورة على حكام بلادهم كما ثرنا نحن بقيادة الإمام " الخميني "
على شاه إيران وأخرجناه منها صاغراً ذليلاً وتولينا مقاليد الحكم في بلادنا وتخلصنا من نفوذ روسيا وأمريكا معاً .(57/4)
ولهذا نحن نعلق الآمال على علماء المسلمين ( أئمة الجمعة والجماعات ) في التخلص من الطغاة، فهم وحدهم الذين يستطيعون ذلك لأنهم هم المصلحون وهم ورثة الأنبياء الذين تستجيب الشعوب لندائهم وتثق فيهم وتسعى وراءهم وتلقي إليهم مقاليد أمرها راضية مطمئنة كما حدث في إيران .
انطلقوا أيها العلماء من هذا المؤتمر الثورة الإسلامية الإيرانية الخمينية إلى بلادكم كي تفوزوا بتخليص شعوبكم من الحكام الشياطين ومن النفوذ الأجنبي الذي يمسك برقابكم ورقاب شعوبكم، وإن تكاسلتم فلا بد أن يسألكم الله تعالى يوم القيامة، يوم الجمع الأكبر عن تقصيركم في حق أنفسكم وحق بلادكم وحق شعوبكم وحق دينكم وحق لله تعالى عليكم، فماذا يكون جوابكم يومئذ ؟!
ملخص خطاب آية الله منتظري
لم يحضر " آية الله منتظري" في هذا المؤتمر برغم أنه الداعي إليه . ويرجع عدم حضوره إلى خوفه على حياته ذلك أن قلوب الناس تشتغل غضباً عليه وتغلي مراجلها وتثور
براكينها ضده، " آية الله منتظري " هو نائب " الخميني" ولم تمنع مكانته في إيران والثورة الإيرانية من تفكير الناس في قتله لما ارتكبه في حقهم من فظائع وجرائم، ولهذا دعا كل المشاركين في المؤتمر من الأئمة والخطباء إلى بيته في "قم " .
وخطب فيهم مراراً نفس الأفكار والمعاني التي يرددها من قبله رئيس الدولة الإيراني، وكرر الدعوة إلى الأئمة والخطباء بأن يذهبوا إلى بلادهم بالثورة الإيرانية الخمينية ويقودوا حركة تغيير حكوماتهم فوراً ، فهذا هو واجب العلماء الأول الذي سيسألون عنه أما الله تعالى يوم القيامة، ومن قصر في هذا فقد قصر في فريضة واجبة سيكون الحساب عليها يوم القيامة عسير، ولن يجدوا لهم جواباً مقبولاً ولا عذراً مستساغاً .
ملخص خطاب آية الله قمي آذري مندوب الحاضر العلمية قم(57/5)
كان خطاب "آية الله قمي آذري" يتعلق بالوعود الفضفاضة لأئمة الجمعة والجماعات فيما إذا قادوا الثورة ضد حكوماتهم، ولقد تعمد أن يكون خطابه في جميع المشاركين في المؤتمر حتى يكون بلاغه إليهم بلاغاً مباشراً ليطمئنوا إلى أن إيران سوف تمد لهم يد العون المادي والمعنوي وأنهم سوف يعينونهم
بل يضمنون لهم تولي المناصب الكبرى، ومن مات فلأولاده من بعده رزقهم وكسوتهم ومأواهم وضمان مستقبلهم، ومن أخفقت ثورته فهم سنده وظهره وملاذه وملجؤه، فلا خوف إذاً من الإقدام على الثورة ضد الحكومات القائمة بالفعل .
قال: أيها العلماء لا تخافوا من أمر تدبير الموارد المالية التي تساعدكم على قيادة الثورات الخمينية في بلادكم فقد أعددنا صندوقاً للمعونات المالية من إيراد البترول الإيراني بمعدل إيراد يوم في الأسبوع لمساعدة من يعمل على الإطاحة بحكومة بلاده من العلماء، ومن أصيب منكم أيها العلماء، وهو في ثورته على حكام بلاده فنحن على استعداد أن نرسل لكم ولعيالكم ولإداراتكم كل المعونة اللازمة لكم .
إن هذه المعونة لازمة للثورة وضرورية لنجاحها، ونحن نضمنها لكم، ونضمن لكم أيضاً أن تتولوا حكم بلادكم بعد الإطاحة بحكوماتكم الفاسدة العميلة !!
مخلص خطاب آية الله الخميني
اجتمع " آية الله الخميني " مع جميع الأعضاء المشاركين في المؤتمر في بيته المسمى ( حسينية حماران ) في طهران وخطب فيهم مردداً نفس كلام الرئيس الإيراني" آية الله منتظري"
بل قل إن شئت آية الله للرئيس الإيراني " على خامنئي " ونائب الخميني " آية الله منتظري " كانا يرددان أفكار الخميني وآراءه".(57/6)
قال الإمام الخميني لأئمة الجمعة والجماعات: اذهبوا إلى بلادكم بهذه الثورة الإسلامية، وأنا أريد منكم أن تخطبوا أول خطبة جمعة ضد حكوماتكم وتثيروا شعوبكم ضد هذه الحكومات وضد الحكومة الأمريكية، فإن فعلتم ذلك فقد أديتم حق الله عليكم وبرئت ذمتكم من تبعه السكوت على هذه الحكومات الظالمة الفاسدة العميلة وإن أخفق مسعاكم وتعرضتم للتعذيب والسجن والقهر برهنتم على صدق إيمانكم، وإن لم تفعلوا فأنتم منافقون!!
وقد خطب في هذا المؤتمر خطباء آخرون من إيران، ورددوا نفس الكلام ونفس الدعوة ضد حكومات المسلمين عامة وضد العراق والمملكة العربية السعودية خاصة .
وهكذا اتضحت أهداف هذا المؤتمر الذي أقاموا لأئمة الجمعة والجماعات، إنهم أرادوا أن يستخدموا هؤلاء العلماء أدوات لتحقيق مآربهم للوصول إلى أغراضهم بعروض مالية من بترول الشعب الإيراني ووعود زائفة بالتمكن من الحكم
والمناصب الكبرى فهل سوف تسلم لهم الثورة الإيرانية بقيام حكومة سنية يحكمها علماء أهل السنة أو أنها سوف تفرض عليهم التبعية الكاملة للنظام الإيراني وتفرض عليهم وعلى شعوبهم المذهب الشيعي في مقابل المساعدات المالية والوصول إلى كراسي الحكم ؟!
إن دعوتهم كانت صريحة واضحة في كل الخطب: المطلوب قيام ثورة خمينية في كل بلاد المسلمين ، أي المطلوب أن يسود المذهب الشيعي بلاد المسلمين، والثمن إيراد يوم من كل أسبوع من بترول الشعب الإيراني !!(57/7)
وحتى يستطيع المؤتمر أن يحقق أهدافه أعدوا نظاماً صارماً لإحكام السيطرة الكاملة على المشاركين في المؤتمر، فلا أحد يخرج من قاعة المؤتمر من المشاركين فيه ولا أحد يدخل عليهم من غير المشاركين في المؤتمر، بل لا يستطيع أحد أن يخرج من الفندق ويتجول في الشوارع أو الأسواق أو يقابل صديقاً أو حتى قريباً، ولقد سمعت أن سفير " ماليزيا" في طهران ذهب إلى مطار طهران لاستقبال الوفد الماليزي فحيل بينه وبين الوفد ورده مسئولو المطار من غير أن يتمكن من مقابلة الوفد .
ومضى هذا أن جميع المشاركين في المؤتمر كالأسرى،
شأنهم شأن الشعب الإيراني كله الذي يعيش في الأسر داخل بلده إيران !!
ولأن الأسير يحيا حياة مهينة ذليلة ولأنه يحيا غريباً حتى ولو كان بين أهله وذويه فإن لا يمكن مع هذه الحالة أن يكون له ولاء لأسرة، وإذا افتقد الولاء افتقد العطاء وقل الإنتاج، وهذه هي حالة الشعب الإيراني الآن، فالاقتصاد الإيراني كان على درجة من القوة يعرفها خبراء الاقتصاد ويلمسها الرجل العادي إذا تجول في أنحاء إيران، ولكن ماذا ترى الآن بعد سنوات قليلة من قيام الثورة الخمينية ؟
إن التجارة الآن ليست هي التجارة التي كانت، فما أبعد الفرق بين الرواج الذي كانت عليه التجارة في إيران والكساد الذي تعيشه الآن (1) .
والصناعة تقهقرت إلى الوراء بسرعة تردي الصخور الضخمة من شاهق جبل .
والتعليم لم يعد كما كان، فالمبالغ المخصصة له تضاءلت، والشباب الصغير وجه وجهة أخرى غير العلم والتعليم ، فقد
ساقوه إلى الحروب ليكون وقود أطماع الثورة الإيرانية .
ومن الطبيعي تبعاً لذلك أن تنخفض قيمة العملة الإيرانية انخفاضاً لا مثيل له من قبل .(57/8)
والحاجات اليومية الضرورية للشعب الإيراني وفي مقدمتها المواد الغذائية فقد أصبحت على حالة من الندرة لم يسبق لها مثيل، وإنه لا يستطيع أحد الحصول على ضروريات الحياة إلا بعد ضياع يوم أو نصفه وقوفاً في الصفوف الطويلة انتظاراً لدوره، ولا بد من مثل هذه الأحوال من اختفاء السلع والمضاربة عليها وارتفع أسعارها ارتفاعاً فاحشاً .
وقد حتمت ندرة السلع واختفاؤها قادة الثورة الإيرانية أن يضعوا في كل حارة مندوباً للخميني يرجع إليه من يريد الحصول على ما يحتاج إليه ويحصل على إذن منه وهذا باب خبيث للتحكم في الناس عن طريق التحكم في الأقوات نقلته الثورة الإيرانية من النظام الشيوعي (2) ، وكأنه قدر على علماء
إيران وآيات الله فيها أن يأخذوا أسوأ ما في النظام الشيوعي وأسوأ ما في النظام الأمريكي للتحكم المطلق في الشعب الإيراني ومطاردة المعارضين لهم وتعذيبهم وإهدار دمائهم إذا دعت الضرورة إلى ذلك !!
ولم تستبيح في إيران حرمات المسلمين " السنة " وحدهم وإنما استبيحت أيضا حرمات المساجد.
أما مساجد أهل السنة فمنها ما هدم ومنها ما أطلق الرصاص على المصلين فيه، وأما مساجد أهل الشيعة فإن آيات الله يدخنون فيها السجائر كما سبق أن ذكرنا ويعلقون فيها صور الخميني وصور آيات الله الآخرين، وقد قلت لبعض علماء إيران: لو استوليتم - لا قدر الله - على المسجد الحرام - هذا هدف معلن لثورتكم - والمسجد النبوي، فهل ستعلقون في داخلهما صور الخميني والآيات الأخرى كما تفعلون في مساجد إيران ؟ قالوا: نعم ليس في هذا من حرج، نحن نذهب بهذه الصور، إلى كل المساجد ولا يختلف الحرمان الشريفان عن أي مسجد من المساجد في هذا الأمر عندنا .(57/9)
فقلت لهم: لا حقق الله لكم أمنية لا نفذ لكم رغبة في شأن الحرمين الشريفين أو غيرهما لأنكم تريدون أن تدخلوا الصور والتماثيل في بيت الله الحرام مرة أخرى كما فعل مشركو مكة من قبلكم، فقالوا: أنتم لا تفهمون أساليب الثورة الإيرانية .
( ونحن نحمد الله تعالى على هذا الجهل بأساليب الثورة الإيرانية ) !!
والواقع أننا ما رأينا أثراً للإسلام في الشوارع الإيرانية
ولا في الأسواق الإيرانية . فالإسلام بعيد كل البعد عن حركة الحياة اليومية في إيران، وهذا متناقض لمزاعمهم أن الإسلام قد عاد إلى الحياة الإيرانية في كل مدينة وقرية وحارة .
أما الزنا فإنا لا نزعم انتشاره في إيران بصورته المعروفة، وهذه المسألة يصعب الخوض فيها حتى لا نكون ممن يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وما يذاع ويشيع عن هذه الأمور لا ينبغي أن يقوم عليه حكم أو يؤسس عليه تحور. ولكنه من ناحية أخرى موجود في إيران ومنتشر جداً - في رأي جميع علماء أهل السنة - في صورة ( نكاح المتعة) وهو نكاح لا تقوم به أسر ولا تبنى به بيوت ولا يعرف له استقرار وإنما هو نكاح لقضاء الشهوة وحدها وليس هذا هو الهدف الأول من النكاح في الإسلام، وفي كثير من البيوتات تنتشر الخمور، وتنتشر في بعض الفنادق .
وحكومة آيات الله العظمى مشغولة عن هذا كله أو هي تغض الطرف عن هذا كله في الوقت الذي تعلن فيه ليل ونهار أن إيران تعيش الإسلام وتطبق الإسلام وتحيا بالإسلام .
إن هذه الحكومة قد اكتفت بالقبضة السياسية الحديدية والاستيلاء على إيراد بترول إيران تاركه الشعب يتضرر جوعاً ويفعل ما يشاء حينما يشاء ، ولهذا غادر إيران كثيرون نجاة
بأنفسهم وبدينهم وفراراً من ظلم الخميني وجبروته، وحتى لا يقال لهم يوم القيامة :( فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها )) (3) .(57/10)
ونتيجة لهذا كله امتلأ الشارع الإيراني غيظاً، وفي كل مكان من إيران تغلي المشاعر وتفور وتترقب لحظة الانتقام من ( آية الله الخميني) ومن آيات الله العظمى، ولهذا لا يستطيع الخميني أن يخرج من بيته قدماً أو قدمين خوفاً على حياته وكذلك نائبه( آية الله منتظري ) .
والبيت الذي يسكن فيه الخميني محاط من كل جوانبه ولمسافة ميلين من كل جانب بحراسة مشددة، ولو كان الخميني محبوباً لدى شعبه كما يزعم فلماذا لا يحتمي بحب الناس له ؟ ولماذا يتخذ له حراسة مشددة على هذه الصورة ؟ إلا ما أبعد الفرق بين المزاعم والحقائق !!
والحكومة الإيرانية تقوم بين الحين والحين يعمل مؤتمرات في الدول الأخرى دون إذن من حكومات هذه الدول، وهذه أمور مخالفة لأبسط قواعد الذوق ومخالفة الأمر الدين الإسلامي . وليس من الإسلام أن يدخل الإنسان بيتاً من البيوت إلا بعد أن
يستأذن من أهله ، بل حتى يستأنس ويسلم فلا يكفي الإذن المجرد وإنما يجب أن يكون هناك استئناس بك وبشاشة في الوجه والسرور باللقاء ، بل إن ما تقيمه حكومة آيات الله العظمى في البلاد الإسلامية من مؤتمرات بدون إذن حكومات هذه الدول ليعد اعتداءً قانوناً صريحاً على حقوق هذه الدول، وما أظن أن هناك قانوناً دولياً يجيز هذا، ولكن يبدو أن حكومة الثورة الخمينية لا تقيم وزناً للذوق العام ولا للعرف ولا لتعاليم الدين الإسلامي ولا للقانون الدولي، فهي - فيما يبدو- في نظر نفسها فوق هذا كله .
______________________________
(1) ولا يعني هذا أننا نتعاطف مع عهد الطاغية شاه إيران، ولكن الخطأ لا يصحح بالخطأ وقد كان المأمول أن تتفرغ الثورة الإيرانية لبناء شعبها وتقديم نموذج . . وليس القتل .
(2) وممارسة الأحزاب والجماعات الحاكمة في البد العربية الثورية التقدمية إلى الخلف !!
(3) النساء الآية:97 .
ومن المؤتمرات التي أقامتها بدون إذن حكومات البلاد
1- مؤتمر الحج في الهند عام 1402هـ .(57/11)
2- المؤتمر الإسلامي في بنجلاديش عام 1403هـ .
وفي هذه المؤتمرات يحضر بعض العلماء الإيرانيين ليحرضوا المشاركين في هذه المؤتمرات على الثورة ضد الحكومات الإسلامية عام والمملكة العربية السعودية خاصة يحدث هذا في الوقت الذي تعلن فيه إيران ليل ونهار أنها حريصة على وحدة الأمة الإسلامية، وأنها نبح صوتها من دعوة المسلين إلى الوحدة وتتباكى وتتأسف لأن البلاد الإسلامية لا تستجيب لدعوتها لأنها لا تريد الوحدة الإسلامية !! ( فإن لله وإنا إليه راجعون ) .
ومن منطلق إيماني بالله وواجبي نحو المسلمين عامة نهضت بما ينبغي أن أنهض به عندما انتخبت نائباً لرئيس لجنة الاقتراحات في المؤتمر العالمي لأئمة الجمعة والجماعات فعارضت أهداف هذا المؤتمر، وناقشت في هذه اللجنة أمور ؟ شتى، كما قدمت اقتراحات متعددة نلخصها فيما يلي :
أولاً: سألت الطريقة تفتتون وحدة المسلمين وتفسدون في الأرض ولا تصلحون .
ثانياً: ضرت المثل بقرار الحكومة الإيرانية باعتقال جميع علماء السنة الذين قاوموا هذه الثورة الظالمة مثل العلامة " ضيائي " ومفتي " أحمد زاده " وهؤلاء من كبار علماء أهل السنة في إيران ، حتى المرجع الديني الشيعي آية الله ( شريعة مداري ) لم يسلم من الأذى فحبس في بيته هو أضرابه ومنعوا من الخروج واللقاء مع الناس واتهموه بالنفاق .
ثالثاً: رغم إعلان الحومة العراقية في الأمم المتحدة وفي مؤتمر دول الانحياز انسحاب جيوشها من الأراضي الإيرانية
التي احتلتها رغم كونها منتصرة في جميع ميادين القتال فإن الحكومة الإيرانية مازالت تشن الهجوم على العراق وتصر على القتال من طرق واحد وبهذا تتحمل إيران مسئولية دماء المسلمين المراقة من الطرفين .(57/12)
رابعاً: إن تنصيب إيران " لباقر حكيم " رئيساً لمجلس الثورة العراقية ومواصلة إيران للحرب في منطقة مندلي بهدف تغيير الحكومة العراقية الحالية وقيام حكم جديد في العراق معناه رغبة غيران في ابتلاع العراق وضم أرضه إلى إيران وهي سياسة توسعية لا يقرها العرف القانون الدولي .
خامساً: إن تدريب الأسرى العراقيين في سجون إيران بقيادة الحرب الأهلية بين السنة والشيعة داخل العراق، ومن ثم مدها إلى دول الخليج وسائر الدول العربية والإسلامية .
سادساً: إن الحكومة الإيرانية الحالية تهدف إلى السيطرة على العالم الإسلامي بأسره لا سيما العراق والسعودية ودول الخليج وباكستان .
سابعاً: وجهت الحكومة الإيرانية إلى الجنود الإيرانيين من أهل السنة تهمة الخيانة واعتبرتهم بغاة وعصاه ومن أعوان
الشاه وحكمت عليهم بالإعدام، وهذا أمر خطير يعوق وحدة الأمة الإسلامية ويفرق كلمتها ويزيد من تمزقها .
ثامناً: عندما رأينا السلاح الإسرائيلي في يد الجنود الإيرانيين ازداد يقيننا أن هذه الثورة قامت لقتل المسلمين وتمزيق وحدتهم .
تاسعاً: إذا كان الخميني مخلصاً في دعوته لوحدة الأمة الإسلامية فعليه أن يعلن على رؤوس الأشهاد أن أبا بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم أجمعين كانوا مسلمين، وأن على كل مسلم - سني أو شيعي - أن يحترمهم احتراماً كاملاً لا يقل عن احترام على بن أبي طالب رضي الله عنه وبذلك تضيق الفجوة بين السنة والشيعة .
الحادي عشر: منذ ثلاث سنوات وعد الخميني في لقاء مع وفد أهل السنة برئاسة " بزاهدان" بإعطاء قطعة أرض يشاد عليها مسجد لأهل السنة في طهران ورغم دفع ثمنها فقد أصدر أمراً باغتصاب الثمن المدفوع والسجن لمن سدد هذا الثمن، ورغم مطالبتي للخميني في العام الماضي بإنجاز وعده لأهل(57/13)
السنة فوجئت في المؤتمر الذي حضرته هذا العام يقول بعض أنصاره : لو أعطينا قطعة الأرض ليقام عليها المسجد لأهل السنة فإنه يصبح ( مسجداً ضراراً ) .
الثاني عشر: اعتاد أهل السنة منذ عشر سنوات إقامة صلاة العيدين في ميدان عام في طهران، ولكن العام بعد أن منحوا التصريح الرسمي بالصلاة في عيد الفطر، وتجمع المصلون حضرت قوات الشرطة وفرقت المصلين باستخدام الهراوات والعصى . الثالث عشر: يقول أهل السنة والشيعة بحرق الكتب التي تتضمن السب في عقائد الطرف الآخر تعبيراً عن حسن النوايا، وذلك بتأثير الضغوط الشيعية القاهرة ...
الرابع عشر: نظراً لأن أهل السنة يبلغون (33 في المائة) من سكان إيران وتبلغ نسبة الشيعة ( 67 في المائة ) من سكان إيران لهذا نقترح من أجل والوحدة الأمة أن يتولى علماء الشيعة خطبة الجمعة لمدة ( 3 جمع ) في كل شهر في المسجد الجامع بطهران، أما الجمعة الرابعة فيقوم بالخطابة فيها إمام أهل السنة وذلك في الميدان العام الذي تقام فيه صلاة الجمعة في مدينة طهران لجميع سكانها .
الخامس عشر: ضرورة تمثيل أهل السنة في الوزرات
الإيرانية والبرلمان والإدارات الحكومية والمجالس العليا والمحلية والشرطة والجيش حيث إنهم محرومون كلية من هذه المناصب والوظائف اللهم إلا بنسبة ضئيلة جداً . السادس عشر: صدر دستور الجمهورية الإسلامية متضمناً أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام وأن المذهب الرسمي هو المذهب الاثنى عشري ومن ثم يتضمن أن يكون كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء من المسلمين سواء كان شيعياً أم من أهل السنة وبذلك تكون هذه الثورة ثورة إسلامية . ولو من الناحية الرسمية ...
وقد قلت لهم: إذا قام الإمام الخميني بتنفيذ هذه الاقتراحات فإن شعوب العالم الإسلامي سوف ترى في الإمام الخميني رجل وحدة الأمة الإسلامية .(57/14)
وإن لم يقم الإمام الخميني بتنفيذ هذه الاقتراحات فسوف يفهم جميع مسلمي العالم بأن الثورة الإيرانية ليست ثورة إسلامية بل هي ثورة شيعية أو ( ثورة الشيعة ) فقط. وبعد أن قدمت هذه الاقتراحات أمام الجنة انقسمت الجنة ثم حلت اللجنة، وقال أعوان الخميني إن الشيخ ( محمد عبد القادر آزاد) من جواسيس السعودية ومن المنافقين .
وقد ازداد النزاع بيني وبين المنظمين للمؤتمر بعد ذلك وذهبت شخصياً إلى جميع غرف علماء أهل السنة وأهل
التشيع في الفندق وتكلمت معهم موضحاً جميع الحقائق حول الثورة الخمينية وطابعها، والحمد الله فقد فهم بعض العلماء كلماتنا وعندما حان موعد إعداد البيان المشترك كان معنا مائة من علماء أهل السنة ولم يوقعوا على أي بيان آخر خاصة الذي يتضمن التوصية التاسعة التي تنادي ( بوقاحة) بتخليص الحرمين الشريفين من الحكم السعودية والحكومة السعودية .
وبذلك فشل هذا المؤتمر بعون الله تبارك وتعالى وبتوفيقه. ولكن الخميني مازال يسعى للإفساد في جميع دول الإسلام ويسعى لاغتيال سائر رؤساء الدول الإسلامية ويتمنى أن تنصبه ( خليفة الله ) في العالم الإسلامي .. ولا خلافة لله في الإسلام اللهم إلا الخلافة العامة للإنسان على الأرض .
خلاصة أفكار الخميني
1- يقول الخميني: إن رؤساء الدول الإسلامية كلهم غير مسلمين إلا ( حافظ الأسد ) وإنه قد كتب بيده خطابا موجهاً إلى (أنديرا غاندي ) وذكر فيه أن ( مهاتما غاندي ) رئيس الهنودكية سابقاً كان المبلغ الأول لتعليمات سيدنا علي رضي الله عنه في الهند !!، وأنه يعتز بصلاته مع الهندوكية في الهند، !! وقد طبع هذا الخطاب في الجرائد العالمية .
2- وقد طبع بيان الخميني في ( طهران تايمز) الذي قال فيه إن محمداً قد فضل في هداية الشعوب العربية!! ( والعياذ بالله) وسينجح الإمام المهدي في هداية الإنسانية !! (1) .(57/15)
3- وقد طبع بيان الخميني في جرائد العالم، وهو البيات الذي قال فيه: الإيمان والجهاد في عساكره أكثر من الإيمان والجهاد في عساكر سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وعساكر سيدنا علي رضي الله عنه .
4- كما طبع بيانه في جرائد العالم الذي قال فيه أن جسد
علي رضي الله عنه منذ انتقل من النجف الأشرف، والإمام الحسين من كربلاء، وقد استقر في " قم " وذلك لأجل الخميني .
5- وقد جاء الخميني بعقيدة لا أصل لها في مذهب الشيعة وهي عقيدة ( ولاية الفقيه ) والتي ستنتهي بإقامة حكومة الجبابرة .
فيا رؤساء الدول الإسلامية ويا علماء الأمة الإسلامية:
( لا بد لكم أن تفكروا في خطر هذه الفتنة الكبرى، وأن تجتمعوا لتقاوموا الفتنة الخمينية، وإلا حكمتكم ثورات انقلابية شيعية، وعاد ( القرامطة ) يقتلون شعوبكم حول الكعبة ... ويومئذ ربما لا يعود الحجر الأسود مرة أخرى ... إلى يوم القيامة ! ) .
والله على ما أقول شهيد .
محمد عبد القادر آزاد
رئيس مجلس علماء باكستان
الإمام الأكبر " بادشاهي مسجد بلاهور"
إمام مؤتمر القمة الإسلامي الثاني 22/فبراير 1974م بلاهور
______________________________
(1) انظر في هذا الكتاب " صورتان متضادتان " للشيخ أبو الحسن الندوي، وكتاب " الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام" لمحمد منظور النعماني .(57/16)
حوار هادئ
مع صديقي الشيعي
د. عمر الشمري
الإهداء ..
إلى الأخ الحبيب: السيد (أبو فرح)، صاحب الرجولة والشهامة، والخلق الكريم، والأيادي البيضاء...
وإلى الأخ العزيز الأستاذ: وليد (أبو حلمي)، رمز المبادئ السامية، والعطاء المستمر في عالم الحرية والدفاع عنها...
وإلى الأخ الكريم السيد: سمير (أبو العبد)، عنوان الصدق والوفاء في عالم الرجال، ودنيا المال والأعمال...
وإلى الأخت العزيزة: مريم (أم فيصل)، صاحبة النبع الصافي، والعطاء المثمر، والفكر النيّر في ميادين القضاء والمحاماة...
وإلى الأخت الجليلة: غادة (أم مشهور)، نجمة الليل، ونسيم الصباح، وعنوان الطّهر، والشرف، والعفاف...
إلى كل هذه النجوم الزاهرة... أهدي هذا الكتاب .
عمر الشمري
***
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
هذه الدنيا .. وهذه الحياة مهما طالت فإنها قصيرة، وقصيرة جداً، ومهما اتسعت فإنها ضيقة .. وضيقة جداً، ثم تنتهي بعد كل التجارب والخبرات التي يكسبها الإنسان.. وتنتهي بالموت المحتوم الذي كتبه الله على كل حي: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } [الزمر:30].
وحينها يتقرر مصير هذا الإنسان: إمّا إلى الجنة، وإمّا إلى النار –والعياذ بالله- ولو كانت هذه الدنيا باقية لأحدٍ لبقيت لخير البشر صلى الله عليه وسلم، الذي خيَّره ربه عز وجل بين البقاء في الدنيا يحوز كل كنوزها، وثرواتها، أو اللحاق بالرفيق الأعلى، فقال عليه الصلاة والسلام (بل الرفيق الأعلى.. بل الرفيق الأعلى).
إن الحياة كما هو معلوم، فيها سُبُل كثيرة، ومُغريات وفيرة، والعاقل من سلك السبيل الذي ينتهي به إلى الجنة وإن كان صعباً، وأن يترك السبيل الذي ينتهي به إلى النار، وإن كان سهلاً ميسوراً (1).
__________
(1) من مقدمة كتاب حسين الموسوي (لله ثم للتاريخ).(58/1)
وعليه فمن العبث والجنون والتفاهة أن تضيع أعمارنا وليالينا وأيامنا فيما لا ينفعنا لا في ديننا، ولا في دنيانا، بل والأكثر حمقاً وتفاهة هو الذي يقضي كل أو جُلَّ حياته وهو يعتقد أنه على الخلق المبين، والصراط المستقيم، وغيره على الباطل والضلال دون أن يقف وقفة صادقة مع نفسه وذاته ليسألها: هل صحيح أن ما أنا عليه من دين ومذهب، هو حقاً ـ الدينُ والمذهبُ الذي ارتضاه الله عز وجل لي؟.. أم أن الأمر غير ذلك؟.
وعليه فالواجب عليّ أن أبحث وأن أنقب وأن أسال حتى أصل إلى الحق وجوهر الحقيقة التي يرتضيها الله تبارك وتعالى، وعندها أكون قد وصلت إلى برِّ الأمان، وشاطئ السلام.
وهذا الكتاب.. ما هو إلا محاورة (فكرية) ومناظرة (عقلية) ومناقشة (منطقية)، صيغت على شكل أسئلة فكرية وعقلية واستنباطات منطقية، قصدتُ بها وجه الله تبارك وتعالى، ثم نفع إخواني المسلمين من سُنة وشيعة في كل مكان.. وتحت كل سماء.
وهي محاورة.. ودعوة صادقة لكل أخ شيعي، وكل أخت شيعية، يطلبون الحق ويتبعون الهداية، بعيداً عن أقوال وأفعال علماء الشيعة الإمامية وبعيداً - أيضاً- عن أحداث التاريخ الماضية وما حدث فيها ومن خلالها من أمورٍ كانت فاجعة في تاريخ الإسلام والمسلمين { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [البقرة:134].
إن مشكلة الإنسان –كل إنسان- في كل زمان ومكان، وفوق كل أرض وتحت كل سماء، هي وراثة الدين عن الآباء والأجداد دون تفكير أو تمحيص أو دراسة، أو حتى دون سؤال ونقاش في أغلب الأحيان والأوقات.(58/2)
وكثيراً ما كنت أسمع من بعض المسلمين من ينتقد (طائفة الهندوس) وهم عبدةُ البقر والحجر والشجر، وكيف سلم هؤلاء وهم يعدون بمئات الملايين.. كيف أسلموا عقولهم وقلوبهم لكهنة الديانة الهندوسية، وفيهم الطبيب والمهندس والمحامي والعالم والأستاذ الجامعي؟.. كيف أعطوا عقولهم وسلّموها لحفنة من الكهنة والدجالين والمشعوذين؟.
والحق يقال: إن هذا المسلم لو سأل نفسه وذاته نفس السؤال لوجد نفس الإجابة. إذ كيف يسلم المسلم العاقل، عقله وفؤاده لعلماء يشكلونه وفق معتقداتهم وتصوراتهم وآرائهم؟.. حينها يَصحُّ فيه ما صَحَّ في أتباع الديانة الهندوسية.
إن للنشأة الأسرية دوراً أساسياً في تشكيل عقولنا وقلوبنا وتصوراتنا عن الكون والحياة والإنسان.. وعن الدين والمذهب والمعتقد.
وقد صدق الأستاذ (محمد سالم الخضر) صاحب كتاب :"ثم أبصرت الحقيقة" حينما قال : (إن الدين والمذهب بالنسبة لكثير من المسلمين اليوم كأثاث المنزل أو كالأموال والأراضي.. وَرِثّوه عن آبائهم وأجدادهم.. وهم على خطاهم سائرون.. هذا إن لم يكن الدين في حياتهم أقل من الدينار والدرهم ومتاع الدنيا الزائل.
بالأمس كانت الأمم السابقة المكذبة للرسل تُجابه الحق الذي جاءت به الرسُل قائلة: { قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ } فكان وهؤلاء المتعصبين لباطلهم الجاهلين لحقيقة أمرهم هو { إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [الزخرف:24].
المشهد يتكرر، لكن ليس بين رسل الله وبين قوم كفار وثنيين، وإنما بين كلمة حق وبين متعصبين ألفوا ما وجدوا عليه آباءهم، فردّوا الحق وتشبثوا بالباطل)(1).
__________
(1) كتاب "ثم أبصرت الحقيقة"، ص (11،12).(58/3)
إن عموم أهل السنة والجماعة.. وعموم أهل التشيع الإمامي (وغيرهم) إنما ورثوا مذهبهم عن الآباء والأجداد، وليس عن علم وفهم ودراسة، ومن هنا يظهر منطق التعصب الأعمى للمذهب.. ويختفي منطق العقل والتسامح.
ثم يأتي دور البيئة والمحيط الاجتماعي الذي يعيشه الإنسان ويحيا فيه، فيكون بالغ التأثير في روح هذا الإنسان وتصوراته، وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة { وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا. إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا } [نوح:26-27].
نعم .. إن للبيئة والمحيط الاجتماعي والأسري دوراً بارزاً في تشكيل عقول الأفراد، وخاصة في فترة النشأة الأولى في الطفولة والصغر، لا يخرج عن هذا التأثير المسلم والكافر، السنيُّ والشيعي، العربي والأعجمي، الأبيض والأسود، من في الشرق ومن في الغرب.
غير أن هناك أفراداً من شتى المذاهب والأديان ينفكّون من أسْرِ وجاذبية المحيط والعائلة فيبدؤون في البحث عن الحق والحقيقة في مظانها، فإذا ما وصلوا إليها اهتبلوها واعتنقوها (بقوة وحزم) ولم يُفرِّطوا فيها؛ لأنهم إنما وصلوا إليها عن طريق العلم والبحث والدراسة والتقصي.
وقد رأيت بعيني.. وسمعت بأذني، العشرات من الأوروبيين والأمريكان ممن تخلصوا من ثقل الواقع المُعاش.. والمحيط الاجتماعي الجاذب.. والتنشئة الأسرية الآسرة، ممن اعتنقوا الإسلام عن طريق البحث والدراسة والمناقشة، فمنّ الله عليهم بالهداية، بعد طول بحث ودراسة..
فلماذا لا يكون المسلم سنيّاً كان أم شيعياً مثل هؤلاء الأمريكان والأوروبيين في البحث والتقصي عن الحق والحقيقة والهداية الربانية؟ إن المسألة تحتاج إلى إرادة نافذة .. وعزم قوي .. وعقل متفتح.(58/4)
وإني لأرجو من الله تبارك وتعالى أن يجعل من كتابي هذا نبراساً وطريقاً لكل أخ شيعي .. وأخت شيعية، يطلب الحق .. ويبحث عن الحقيقة، بعيداً عن الموروثات السابقة .. والمؤثرات اللاحقة .. وأن يجعل له القبول بين الناس.
وقد بدأت فكرة هذا الكتاب حينما ناظرت أحد الأفاضل من شيعة المملكة العربية السعودية، قبل سنوات في مسألة (المذهبية) بين أهل السنة والشيعة وذلك على شكل ونمط أسئلة طرحتها عليه. فما كان منه في ختام المناقشة والمناظرة إلا التسليم للحق الذي سمعه. وفقه الله تعالى وإياي للحق والصواب، وهدانا للأخذ بالكتاب والسنة –اللهم آمين-.
عمر الشمري
عمان "الأردن"
15/4/2005م.
عائشة رضي الله عنها: مسلمة أم كافرة؟
بادرني الأخ الشيعي بقوله .. لماذا لا نتصافح؟..
أجبته: أولاً –يا أخي- علينا أن نتصارح .. ثم نتصافح بعد ذلك.
قال: ماذا تقصد بكلمتك تلك، علينا أن نتصارح؟
أجبته: كيف أصافحك يا أخي وأنت تشتم وتسب أمي؟..
قال: أنا أشتم أمك.. أنا أسُبُّها !! متى كان ذلك؟.. وأين؟.. فأنا لم أرها قط في حياتي ولم أسمع بها، فكيف أشتمها وأسبها؟.
قلت: بل تشتمها وتسبها في بالليل والنهار، لستَ أنت وحدك، بل كل طائفتك وأهل مذهبك، تشتمونها وتسبونها. أليست (عائشة) بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها هي (أم المؤمنين) بنص القرآن الكريم؟..
ألم يقل القرآن في محكم التنزيل عنها وعن بقية زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بأنهن أمهات المؤمنين: { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } [الأحزاب:6].(58/5)
هل تجرؤ على القول بأنها ليست من أمهات المؤمنين وترد على الله رب العالمين؟ فإنك إن ردَدْتَ على الله فقد كفرت كفراً صريحاً وخرجت من ملة الله وأصبحت من المرتدين عن دين رب العالمين.. ولا يقبل منك صرفاً ولا عدلاً ومصيرك يوم القيامة إلى النار وبئس القرار. فقد أجمع علماء الإسلام (سُنِّيُهم وشيِعيُّهُم) بأن الرادّ على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ه كافر مرتد، لا يُزوّجُ من بنات المسلمين ولا يورَّث ولا يُصلي عليه حين موته ولا يُدفن في مقابر بالمسلمين وهو في الآخرة من الخاسرين.
نحن أهل السنة والجماعة نعتبر (عائشة) رضي الله عنها من أمهات المؤمنين، وتصديق بكلام ربّ العالمين، فهي رضي الله عنها خيارٌ من خيار، وصدّيقة من نسل صدّيق.
أما أنتم الشيعة فإنكم تُكفّرونها وتلعنونها وتسبونها بالليل والنهار وتقولون فيها وعنها قولاً عظيماً ومنكراً.
قال: وماذا نقول عنها؟.
قلت: ألستم تقولون عنها بأن عائشة امرأة كافرة .. وخائنة –وفاجرة- وداعرة، تمارس الرذيلة وتحض عليها وتنشرها بين الناس؟
وهذه كتب علمائكم وأشرطتهم السمعية والبصرية تذكر ذلك وتنشره بين الناس.
وعوام الشيعة وجُهَّالهم يرددون هذه الأقوال الفاجرة في شأن عائشة رضي الله عنها في كل محفل وفي كل مناسبة وخاصة في مناسبة عاشوراء.
ولكن دعني أسألك أيها الأخ الشيعي الكريم: هل ترضى لنفسك أن تتزوج بامرأة فاجرة.. وخائنة، بل وداعرة تمارس الدعارة والرذيلة بين الناس وتنشرها بين المسلمين؟
قال: كلا، وألف كلا.. هذا لا يكون على الإطلاق. فأنا رجل شريف ولا أتزوج إلا بامرأة شريفة، نظيفة وعفيفة، ومؤمنة.
قلت: هل أنت أشرف وأتقي وأنقى من محمد صلى الله عليه وسلم؟.
قال: حاشا لله، وشتان بين الثرى والثريا، هو رسول الله المصطفى، وأنا عبد من عباد الله أرجو عفو الله ورحمته.(58/6)
قلت: الشيء الذي لا ترضاه لنفسك كيف ترضاه لرسولك صلى الله عليه وسلم؟ كيف بمحمد صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق وأطهرهم وأتقاهم لربه ودينه أن يتزوج بامرأة شأنها الفجور والكفر والدعارة والخيانة ؟! أنت لا ترضى هذا الأمر لنفسك.. فكيف ترضاه لنبيك عليه أفضل الصلاة والسلام؟.
بل .. كيف يرضى الله عز وجل أن يختار لخاتم أنبيائه ورسُله، امرأةً فيها كل هذه الصفات القبيحة والمرذولة؟.
كلا، يا أخي، نحن أهل السنة لا يمكن أن نفكر بهذه الطريقة.. ولا يمكن أن نردد هذه الأباطيل الفاجرة.. بل ولا يمكن أن تخطر على بال أحدنا قط، إننا بمجرد التفكير بذلك، نشعر بعِظَم الإثم والفسوق، نحن نقول عن السيدة عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وابنة الصديق رضي الله عنها إن الله قد برّأها من فوق سبع سماوات، وأنزل في شأنها سورة النور، ليُعلن عفتها وطهارتها وبراءتها، حيث قال عز وجل من قائل: { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ . لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ } [النور:11-12].
الله عزّ وجل يبرئها وأنتم الشيعة تتهمونها في عرضها رضي الله عنها فأنتم تشتركون في هذا الإفك المبين مع أهل النفاق والمنافقين في الأولين. زعيمكم في هذا الإثم هو عبد الله بن سلول المنافق، الذي توعّده الله بالعذاب العظيم.
إنكم –أيها الشيعة- تقرؤون القرآن الكريم ولا تعقلونه أو إنكم تفهمون ولكنكم تُؤوّلونه وتُفسِّرونَه وفق أهوائكم المريضة وقلوبكم الحاقدة، وقد ورد في الإنجيل: (إذا فسد الملح فبماذا يُملّح؟ وإذا كان النور الذي في قلبك ظلاماً فكيف يكون الظلام إذن؟).(58/7)
ولو كنتم عقلاء لقلتم ما قاله الله عز وجل : { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [النور:26].
فالله تعالى لا يختار لنبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - إلا أطهَر وأفضل الزوجات رضوان الله عليهن أجمعين.
إن مصدر كراهيتكم لأم المؤمنين، السيدة عائشة، وهو قتالها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في موقعة (الجمل)، وقد اتخذتم من هذه الواقعة سبباً في تكفير السيدة عائشة وكل منْ كان معها ووقف إلى صَفّها.
مع أن الله تبارك وتعالى ذكر في سورة الحجرات: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الحجرات:9].
فالمؤمنون قد يتقاتلون، وقد يقتل بعضهم بعضاً، ولكنهم يبقون على الإيمان والإسلام بدليل هذه الآية الكريمة، واسمع معي – أيها الأخ الشيعي- تمام هذه الآية { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [الحجرات:10].
فالخالق الكريم سماهم بالمؤمنين، وأنتم تعتبرون عائشة ومَنَ معها كافرين؟ أنُصدِّق ربّ العالمين ومُنزل الكتاب المبين.. أم نصدقكم ونصدق علماءكم، أو أنّ مصلحةً دنيوية (معنوية أو مادية) حَدَثْ بهم أن يسوقوكم إلى طريق يأباه الله ورسوله. لاشك أن المؤمن الحق يُصدق الله وكلامه وقرآنه العزيز.
فما قولك –أيها الأخ الشيعي الكريم- فيما سمعته مني؟..
قال بل نُصدَّقُ كلام الله رب العالمين.(58/8)
نعم .. لا يمكن أن نتصور بعد الذي ذكرته لي أن يختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم امرأة (كافرة.. أو فاجرة .. أو خائنة) ليتزوجها، وهو النبي الطاهر والمطهر.. إن هذا الأمر مخالف لمنطق الإيمان والإسلام، ومُجافٍ للشرف والمروءة والخُلِقِ الكريم الذي يَتّصف به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم .
***
جيل مثالثي .. ولكنه كافر .. ومرتد..!
سألت هذا الأخ الشيعي الفاضل هذا السؤال: لو تخيّلنا –مجرد- تخيُّل أن جامعة ما في هذا العالم قد طُلب منها أن تُعِدَّ عدداً كبيراً من طلبتها وطالباتها يَربّون على مئة ألف، لقضيةٍ (مصيرية) وخطيرة وسوف ينبني عليها لا مصيرُ الأمة فقط.. بل مصير العالم كله.
وقد أعدّت هذه الجامعة مشروعاً متطوراً جداً.. وخطيراً لتدريس هؤلاء الطلاب من الذكور والإناث.. واختارت لهم خبرة الأساتذة في الجامعة.. بل أفضلهم على الإطلاق .. فقام هذا الأستاذ بتنفيذ هذا المشروع المتطور والخطير بحذافيره لم يحِدْ عنه قيد أنملة.. بل كان هو القُدوةَ والأسوة في تنفيذ هذا المشروع طوال ثلاثة وعشرين عاماً متواصلة يدرسُ هؤلاء الطلاب النجباء الأذكياء دون انقطاع بالليل والنهار، في الحِلَّ والسفر ويُدخلهم في سلسلة تجارب عميقة وخطيرة وبعيدة الأثر، وكان هو –دائماً- في المقدمة، فقد شمر عن ساعد الجد، وبذل الغالي والرخيص وضحى بنفسه وماله ووقته من أجل إنجاح هذا المشروع وإنجاح طلبته وطالباته طوال هذه الفترة.. وبعد هذه الفترة الطويلة لم ينجح من هؤلاء الطلبة والطالبات وهم (مائة ألف) أو يزيدون، لم ينجح منهم إلا ثلاثة أو أربعة من الطلاب فقط.(58/9)
والسؤال المهم الآن: منْ هو الفاشل في هذا الرسوب الرهيب؟ وعلى من تقع المسؤولية في هذا الإخفاق الكبير؟.. هل هو الأستاذ الذي لم يستطع أن يرفع طلبته وطالباته إلى مستواه أو قريباً من مستواه؟ .. أم هؤلاء الطلبة والطالبات الذين لم يحققوا النتيجة المرتجاة منهم؟ أم أن السبب يرجع إلى المشروع نفسه الذي يصعُب تنفيذه وتطبيقه على أرض الواقع؟.
إن هناك ثلاثة احتمالات، لا رابع لها: إما السبب هو الأستاذ؟! أو السبب يرجع إلى الطلبة، والاحتمال الثالث هو في صعوبة المشروع والمنهاج المطلوب تنفيذه.
ما رأيك وقولك – أيها الأخ الشيعي الكريم- منْ يرجع إلى السبب وعلى من تقع مسؤولية الفشل؟.
قال: نستطيع أن نقول: إن الأستاذ هو السبب في هذا الفشل الرهيب، فعليه تقع المسؤولية في أصلها وأساسها.
قلت: هذا ما تقوله الشيعة في شأن النبي صلى الله عليه وسلم ، تلميحاً لا تصريحاً، والبعض منهم صرح بهذا الأمر، فالشيخ الدكتور (أحمد الوائلي) في محاضرة له في البحرين سنة 1980م، في كلية الخليج للتكنولوجيا، ذكر (أن ثلاثاً وعشرين سنة لا تكفي لتربية جيل، ولهذا جاء الحسين عليه السلام ليكمل تربية هذا الجيل)..
حاشا النبي صلى الله عليه وسلم من هذه المزاعم الكاذبة، وهي تطعن في النبي صلى الله عليه وسلم وتطعن في القرآن الكريم نفسه، حيث يقول عز من قائل في شأن النبي وصحابته الكرام: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ } [الجمعة:2].
أليس النبي الكرام صلى الله عليه وسلم هو الذي بعثه الله في الأميين؟ أليس الأميون هم العرب في ذلك الوقت ومنهم وفيهم (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص، وحفصة وعائشة .. الخ)؟.(58/10)
أليس الكتاب هو القرآن الكريم والحكمة هي السنة النبوية؟ إلا أن يكون كما عند بعضكم أن قرآنكم غير قرآننا، وعليه لا يقبلون ما في القرآن الكريم.
إذن نستطيع أن نقول: إن الأستاذ العظيم: وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
والطلبة: هم الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
والمشروع أو المنهاج: هو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. فهذا الأستاذ الكريم والمعلم العظيم صلى الله عليه وسلم قام بتنفيذ هذا المنهاج الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه –أي- القرآن، نفَّذه بكل دقة على نفسه وعلى غيره، وبفضل هذا النبي الكريم وهذا القرآن العظيم، وقبل ذلك .. وبعد ذلك بتوفيق الله عز وجل أظهر الله عز وجل للعالم وللناس خير أمة { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران:10].
وصفات هذه الأمة كما قال الله تعالى: { تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } [آل عمران:110].
هؤلاء الصحابة الكرام من ذكور وإناث، زكّاهم الله بنبيه صلى الله عليه وسلم وعلّمهم الكتاب والحكمة وجعل منهم خير أمة أخرجت للناس.
فالله تبارك وتعالى يزكيهم وأنتم –أي الشيعة- تُكفّرونهم وتدنسونهم، والله تبارك وتعالى علمهم الكتاب والحكمة وأنتم تعتبرونهم ضُلالاً وجُهّالاً، فمن نصدق الله عز وجل، أم الشيعة وعلماءهم؟.
إن المسلم الحق.. والمؤمن الحق إنما يُصدق كلام الله؛ لأنه الحق المطلق فماذا يكون كلام علمائكم المناقض عندئذ؟!.(58/11)
لقد مَنَّ الله على صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم بالهداية والتزكية وألزمهم كلمة التقوى رضوان الله عليهم أجمعين، واسمع معي أيها الأخ الشيعي قوله تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ } [آل عمران:164].
وقال كذلك: { إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } [الفتح:26].
واقرأ معي –أيها الأخ الشيعي الكريم- قول إمامكم وإمامنا أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب رضي الله عنه) في "نهج البلاغة" المتفق عليه عند الشيعة الإمامية، حيث يقول رضي الله عنه، عن الصحابة الكرام: (لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى أحداً يُشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غُبراً، وقد باتوا سُجَّداً وقياماً، يراوحون بين جباهم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم رُكب المعزى من طول سجودهم، إذا ذُكِر الله هَملتْ أعينهم حتى تبتلَّ جيوبهم، ومادوا كما تميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفاً من العقاب، ورجاء للثواب) (1).
ويقول أيضاً: (أولئك إخواني الذاهبون، فحقّ لنا أن نظمأ إليهم ونعضَّ الأيدي على فراقهم) (2).
هذا ما يقوله القرآن الكريم.. وهذا ما قاله الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه، فما هو قول الشيعة وعلمائهم؟
__________
(1) نهج البلاغة، ص(340) طبعة دار البلاغة، لبنان.
(2) نهج البلاغة.(58/12)
إن الشيعة يقولون.. إن الصحابة كلهم قد ارتدوا عن الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة، ولم يبق على الإيمان والإسلام إلا عدد قليل وهم: (سلمان الفارسي، و أبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر).
وفي روايات أخرى عند الشيعة، عَدُّوهم سبعةً فقط.
إن منطوق –قولكم أيها الشيعة- إن محمداً صلى الله عليه وسلم عجز وفشل في تربية هذه الأمة التي بعثه الله فيها، وإلا فكيف بهذه الأعداد الضخمة من الصحابة الكرام كلهم يكفرون ويرتدون.. ومتى؟ وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة.
فهل يقول بهذا المنطق إنسان عاقل، فضلاً عن مسلم عاقل؟.. وقد أوردتُ لك بعض الآيات الكريمات والبيّنات في مدح الله لهم والثناء عليهم، ثم مدح وثناء الإمام علي رضي الله عنه ولكن اقرأ معي ما يقوله إمامكم (الخميني) في كتابه (كشف الأسرار، ص114). حيث يقول: (أولئك الصحابة الذين لم يكن يهمهم إلا الدنيا والحصول على الحكم دون الإسلام والقرآن، والذين اتخذوا القرآن مجرد ذريعةٍ لتحقيق نواياهم الفاسدة، قد سهّل عليهم إخراج تلك الآيات من كتاب الله، التي تدلُّ على خلافة علي عليه السلام وعلى إمامة الأئمة، وكذلك تحريف الكتاب السماوي، وإقصاء القرآن عن أنظار أهل الدنيا على وجه دائم، بحيث يبقى هذا العار في حق القرآن والمسلمين إلى يوم الدين، تهمة التحريف التي يُوجَّهونها إلى اليهود والنصارى إنما هي ثابتة عليهم).
هذا ما يقوله (الخميني) عن صحابة النبي عليه السلام، وهو ينقل ويكور أقوال سلفه من مشايخ وعلماء الشيعة الإمامية.
ولو سألنا –أيا الأخ الشيعي الكريم- اليهود من هم أفضلُ الناس في مِلّتِكم؟
لقالوا: إنهم أصحاب موسى.
ولو سألنا النصارى: من هم أفضل الناس في ملتكم وفي أمتكم؟.
لقالوا: إنهم حواريو عيسى. ولكن لو سألنا الشيعة: من هم أسوأ الناس في نظركم وعقيدتكم؟ لقالوا: إنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.(58/13)
إن القضية في واقع الحال (صورتان متضادتان لنتائج وجهود النبي الأعظم) بأبي هو وأمي، بين أهل السنُّة والجماعة، وبين الشيعة الإمامية. صورة مشرقة وجميلة وطيبة .. وصورة أخرى معاكسة لها.
والمتضادان لا يجتمعان في أمر واحد، فإما نور وإما ظلام، إما حق، وإما باطل، والحكم القرآن، فإما القرآن محرَّف، وإما مُحكَمّ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والعاقلُ يختار لنفسه، وكل العيب بحقه أن يكون ذّنَباً أو إمّعة لا يدري إلى أين يُساق، أو يُسحب.
***
من فتح البلاد .. وحرر العباد؟
سألت الأخ الشيعي، السؤال الثالث وهو: أيها الأخ الكريم: مَن هُمُ الذين فتحوا البلاد وحرروا العباد في فارس والشام ومصر والمغرب وفي أذربيجان وأرمينية .. وغيرها من الدول والممالك؟.
أليس الذي قام بهذه الفتوحات هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أليس هم الذين أسقطوا عرش كسرى وقيصر وأدخلوا الأمم والشعوب في هذا الدين العظيم (الإسلام).
أم أن الذين قاموا بهذا الفتح العظيم ليسوا هم الصحابة الكرام رضي الله عنهم؟ وإنما أمم أخرى لا نعرفها .. ولم نسمع عنها.
أو ليس أبو بكر الصديق رضي الله عنه قد وجّه خالد بن الوليد رضي الله عنه لمحاربة أهل الردة في جزيرة العرب، ثم وجهه لحرب الفرس والروم، وبعده جاء الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليستكمل فتح بلاد الفرس ويدخل المسلمون في زمنه (إيوان كسرى) وبعدها يتم فتح بلاد الشام ومصر وليبيا، ويدخل الفاروق رضي الله عنه القدس الشريف ويتسلم مفاتحها من كبار رجال الدين النصراني، وهو الذي يكتب العهدة العمرية الموجودة إلى اليوم.
ثم جاء عثمان بن عفان رضي الله عنه ذو النورين ليستكمل ما قام به عمر في فتح بقية البلاد وخاصة بلاد ما وراء النهر، ولولا الفتنة التي حصلت بين المسلمين في عهد الإمام علي رضي الله لتم استكمال فتح بقية البلاد .. وتحرير العباد.(58/14)
إن الشيعة الإمامية أنفسهم يعترفون بأن الصحابة الكرام هم الذين قاموا بهذه الفتوحات كلها، ولكنهم يقولون: إن ذلك تم بفضل توجيهات الإمام علي عليه السلام، ونحن أهل السنة نقول: وليكنْ ذلك كذلك، بفضل توجيهات الإمام علي، وأنه كان يُشير على الخلفاء الذين سبقوه في الخلافة أبو بكر وعمر وعثمان، وكانوا هم يستشيرونه ويسألونه ويأخذون برأيه رضي الله عنه.
وهنا سؤال مهم يجب طرحه وهو: إذا كان الصحابة رضوان الله عليهم قد ارتدوا .. وقد كفروا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فكيف يرضى الإمام علي بأن يكون وزيراً ومستشاراً لأبي بكر ولعمر ولعثمان؟ وقد عَلِم كُفرهم وارتدادهم ومفارقتهم لملة الإسلام والإيمان.
قد يقال في هذا الصدد بأن يوسف عليه السلام كان وزيراً لملك مصر، ويوسف عليه السلام مسلم ومؤمن، وحاكم مصر وثني كافر ومع ذلك رضي أن يكون وزيراً لهذا الكافر. غير أن الله تبارك وتعالى قد ذكر السبب الذي من أجله أصبح يوسف وزيراً ومستشاراً لملك مصر، إذ قال عز من قائل: { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } [يوسف:54].
لقد اختاره الملك بعدما علم وعرف صدقه وأمانته وطُهره وعفافه. وكان هذا الاختيار الموفق سبباً في إنقاذ مصر من الجفاف والمجاعة.
أما في شأن الإمام على رضي الله عنه فإنه ووفق آراء الشيعة الإمامية ومروياتهم التاريخية كان هو الإمام والخليفة المنصوص عليه من قِبَلِ الله تعالى، ثم من قبل رسوله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك تمّ سرقة الخلافة منه وذهبت إلى أبي بكر الصديق ثم إلى عمر الفارق، ثم إلى عثمان، رضي الله عنهم؟
كيف يرضى لنفسه رضي الله عنه أن يكون مستشاراً وناصحاً وأميناً لثلاثة من الخلفاء المرتدين، والكافرين والعاصين لأمر الله ورسوله؟ أليس في هذا تناقض بيّن وواضح؟.(58/15)
ناهيك عن أن قياس علي رضي الله عنه على يوسف عليه السلام باطل؛ لأن يوسف عليه السلام عمل مستشاراً مطلوباً مستخلصاً، وهو كتبي يُحَبِّذ ذلك، ليوصل دعوته، أما علي رضي الله عنه فهو يعلم أن المرتدين لا ينصحون ولا يُهادنون، إذ هناك حكم شرعي بشأنهم إما أن يستطيع إنفاذه فيهم، أو يعتزلهم.
هذا من جهة ومن جهة أخرى، هؤلاء الصحابة الذين كفروا وارتدوا عن الإسلام، كيف يحملون الإسلام ويُوصلونَه إلى غيرهم من الأمم والشعوب، وهم –أي الصحابة- رجعوا إلى الكفر والزندقة والجاهلية؟ إن منطق الأشياء يقول: (إن فاقد الشيء لا يعطيه) كان من المفترض على هؤلاء الصحابة أن يدعوا تلك الأمم وتلك الشعوب إلى الجاهلية الرعناء وليس إلى الإسلام العظيم.
نحن يا أخي الشيعي لا نقول بهذا المنطق ولا نفكر على هذا النحو، نحن نقول: إن علياً كان وزيراً مخلصاً ومستشاراً أميناً للخلفاء الثلاثة ولكل الصحابة الكرام، والصحابة الكرام هم الذين فتحوا البلاد .. وهم الذين حرروا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وعلى أكتافهم قام هذا الدين العظيم وبفضلهم بعد فضل الله انتشر الإسلام في ربوع الأرض.
وهذه هي قبورهم في تلك الأراضي البعيدة عن جزيرة العرب، شاهدة على صدقهم وإخلاصهم وتفانيهم في حمل رسالة هذا الدين للعالمين.
هل الشيعة الإمامية هم الذين فتحوا فارس والشام ومصر وبلاد ما وراء النهر؟ أم أنهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إني أسال هذا السؤال لكل أخ شيعي عاقل ومنصف، يطلب الحق ويرجو الحقيقة.
(إن من البلاء أن يسكت العاقلُ وأن يتكلم الجاهل، ولكن القبة الصماء لا تُرجع غير الصدي).
***
منزلة النبي صلى الله عليه وسلم .. ومنزلة الأئمة الأطهار
سألت الأخ الشيعي أيهم أفضل في نظركم – أيها الشيعة الإمامية- النبي صلى الله عليه وسلم أم الأئمة الأطهار من آل بيت الكرام رضي الله عنهم.(58/16)
قال : من المؤكد أن النبي هو الأفضل والأحسن والأرفع، فهو صاحب الرسالة الإلهية، وهو حامل الدعوة الإسلامية وداعيها الأول، وهو الذي عليه أنزل القرآن الكريم، وهو .. وهو الخ.
قلت: جميل ما نقوله، وهو الحق، بارك الله فيك. ولكن الشيعة تقول كلاماً غير هذا الذي تقوله وتذكره لي.
إن الشيعة تقول: إن طاعة الأئمة واجبة كطاعة الرسل، وإنّ الأئمة معصومون مثل الأنبياء، وإنّ المؤمن بالأئمة المعصومين من أهل الجنة وإن كان ظالماً أو فاسقاً أو فاجراً وإن درجة الأئمة كدرجة الرسول صلى الله عليه وسلم وإن الأئمة لهم الخيار والحق في تحليل الأشياء وتحريمها، وتماماً كالنبي صلى الله عليه وسلم وإن مكانتهم ومنزلتهم عند الله مثل منزلة ومكانة النبي صلى الله عليه وسلم وهم أفضل وأرفع منزلة عند الله من جميع الرسل والأنبياء، وهم يتمتعون بعلم (ما كان وما يكون)(1).
وعلى الأئمة تُعرض أعمال العباد في الليل والنهار، وإن الملائكة تأتيهم وتتنزل عليهم وإنهم يملكون الدنيا والآخرة، فيعطون من شاؤوا ما شاؤوا، وهم لا يموتون، إلا بإذنهم وباختيارهم .. إلى آخر هذه المزاعم الكاذبة التي لا يصدقها العقل السليم ولا الذوق الرفيع، وهي في عمومها جملة من الخرافات والأساطير ليس إلا.
واقرأ معي ما يقوله: (الخميني) في شأن الأئمة، في كتابه (الحكومة الإسلامية) حيث يقول: (فإن لأئمتنا مقاماً محموداً ودرجة سامية، وخلافة تكوينية، لا يبلغه ملك مقرَّب ولا نبي مرسل، وإنهم كانوا قبل خلق هذا العالم أنواراً مُحْدَقة بعرش الله، وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلا الله).
وقال في موضع آخر من نفس الكتاب: (إن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل).
__________
(1) الأصول من الكافي (1/260) طبعة دار صعب ودار التعارف للمطبوعات، بيروت – لبنان 1401هـ.(58/17)
وقال في موضع آخر من كتابه هذا: (إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن لا تخصُّ جيلاً خاصاً وإنما هي تعاليم للجميع في كل عصر ومصر إلى يوم القيامة يجب تنفيذها واتباعها) وأنه لا يُتصوَّرُ فيهم (أي الأئمة) السهو والغفلة).
هذا ما يقوله الخميني) وهو في الواقع يكرر ويردد ما قاله علماء الشيعة السابقون والسؤال المهم لك .. ولكل أخ شيعي عاقل: إذا كان للأئمة كل هذه المكانة والمنزلة، وإذا كان لهم القدرة والسيطرة والهيمنة على جميع ذرات الكون.
وأن لهم الخلافة التكوينية، فلماذا لم يستخدموا هذه القدرة المطلقة في تغيير أحداث التاريخ ومجريات الوقائع لتكون في صالحهم؟ .. من مِثل جعل الخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في علي وأبنائه من بعده، ما داموا هم المسيطرون والمهيمنون على كل شيء في هذا الكون.. وعلى ذراته، ألم يكن باستطاعتهم تغيير كل شيء بكلمة منهم وبإشارة من أيديهم وفقاً لخلافتهم التكوينية – التي يقول بها الخميني تغيير كل شيء بكلمة منهم وبإشارة من أيديهم وفقاً لخلافتهم التكوينية التي يقول بها الخميني ومن سار على نهجه ودربه.
فقد كان بإمكان الإمام علي رضي الله عنه أن يبدّل ويعكس أحداث التاريخ فيبايعه الصحابة الأكرمون رضي الله عنهم بدل مبايعتهم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فيجعل الخلافة المنصوصة عليه من الله ورسوله، فيه وفي ذريته من بعده غير أن هذا الأمر لم يحصل ولم يحدث قط، فلم يتول الخلافة إلا علي وابنه الحسن رضي الله عنهما. أما بقية الأئمة فلم يتولوا الخلافة طوال حياتهم.(58/18)
بل.. إن الإمام علي بن أبي طالب ذكر في نهج البلاغة، وهو الكتاب المعتمد عند الشيعة: (إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعنِ أو بدعة ردُّوه إلى ما خرج منه، فإنّ أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاّه الله تعالى ما تولى) (1) انتهى.
فأين هي (الخلافة التكوينية) التي تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات الكون؟ فهؤلاء الأئمة – في نظر الشيعة- ومعتقدهم، فعّالون لما يشاؤون، غير أننا نراهم يعجزون عن تحقيق هذا الأمر الخطير لصالحهم، مع كونه –أي الإمامة- ركن من أركان الإيمان عند الشيعة الإمامية.
والآن.. نأتي إلى قضية أخرى ذات أهمية يقول بها الشيعة ويذكرها علماؤهم في كتبهم ودراساتهم وأبحاثهم العلمية والفقهية، وهي مسألة معرفة (الغيب) والاطلاع على المستقبل، فقد أورد الكليني في كتابه (الكافي) باباً بعنوان (إن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون وإنه لا يخفي عليهم شيء) وهذا كله نقيض قوله تعالى: { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا .إلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ } [الجن:26،27]. ونحن لا ننكر أن يطلع الله بعض عباده الصالحين على شيء من غيبه، كرامة له، ولكنا ننكر أن يكون هذا هو الأصل في حق أيّ مخلوق وهو الأساس.
والنبي نفسه عليه الصلاة والسلام، لا يعلم الغيب إلا ما علمه الله عز وجل، وهذا بنص القرآن الكريم: { قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ } [الأنعام:50].
ويقول: { وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ } [الأعراف:188].
__________
(1) كتاب "نهج البلاعة" ص (322) طبعة دار الحديث، القاهرة.(58/19)
فهؤلاء الأئمة يعلمون الغيب المكنون، ويعلمون الظاهر والباطن ويطلعون على المستقبل وأحداثه ووقائعه، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب .. والأئمة يعلمون، فهم في هذه الحالة أفضل وأرفعُ مكانة ومنزلة عند الله ثم عند الناس من النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي يعلم الغيب ويطلع على الحاضر والمستقبل هو بلا شك أفضل وأحسن ممن لا يطلعُ على هذه المغيبات.
ومن لديه القدرة على الخلق والإبداع والتصوير وتحريك الأفلاك والأجرام والذرات، واستجابة دعوة الداعي إذا دعاه – كما يفعل الشيعة في دعوة أئمتهم- في المصابات والمحن والمُلمّات هو وبلا شك أفضل وأحسن ممن ليست لديه هذه القدرة والقادر أفضل من العاجز باتفاق العقلاء وأصحاب الفطرة السليمة.
قال الأخ الشيعي: نعم هذا صحيح، فمن يعلم الغيب ويطلع على المستقبل هو الأفضل قطعاً، والقادر أرفع منزلة من العاجز، والعالم أفضل وأحسن من الجاهل.
قلت: إذا سلّمنا بهذه المسألة، فأرجو أن ننتقل إلى (محور) آخر من محاور النقاش والمناظرة – بارك الله فيك-.
***
الإمامة.. أين نجدها في القرآن الكريم ؟
سألت الأخ الشيعي عن أهم قضية في مذهب الشيعة الإمامية، وهي قضية الإمامة.. وهل هي ركن من أركان الدين والإسلام ولا يصحُّ إيمان المؤمن إلا بها؟ فقال: نعم.. الإمامة ركن أساس من أركان الدين والإيمان والإسلام؟
وعليها مناط الدين كله، ولا يصح إيمانُ المسلم إلا بالاعتقاد بها.
قلت: أين أجد ذلك في كتاب الله؟ أرجو أن تدلني على آية واحدة صريحة وواضحة لا غموض فيها ولا تأويل – أي قطعية الدلالة، وقطعية الثبوت؟
قال: هناك عدد من الآيات في القرآن الكريم تتحدث عن الإمامة.. قلت: أكررُ سؤالي عليك؟ أطلب منك آيات بيّنات وصريحات تنص على إمامة علي بن أبي طالب وأبنائه وأحفاده، يقرؤها المسلم فيستدل على (الإمام) المنصوص عليه من الله تبارك وتعالى.(58/20)
قال: كلا، لا يوجد نصٌّ واضح وصريح، ولكن توجد هناك تلميحات ولفتات عامة نستنبط منها حكم الإمامة.
قلت: إن أمركم عجيب وغريب أيها الشيعة.. تقولون إن الإمامة ركن أساس من أركان الإسلام والإيمان. ولا يصح إيمان المسلم إلا بها ثم لا تدلّونها على موضع واحد.. واحد فقط في القرآن الكريم يُصرّح بإمامة علي وأبنائه وأحفاده رضوان الله عليهم، كيف يصح هذا الأمر؟ .
لقد تحدث القرآن عن أمور أقل شأناً من مسألة الإمامة كـ (الحيض) و(الرضاعة) و (الطلاق) الخ. ولم يذكر.. ولم يصرح في موضع واحد ... واحد فقط عن قضية خطيرة، ينبني عليها مصيرُ الإنسان المسلم يوم القيامة، وينبني عليها أمر الإسلام والمسلمين، وهي ركن أساسُ، كما تقولون ثم لا تجدها في كتاب الله، فهل مسألة الحيض والنفاس، والزواج والطلاق، أهمُ وأخطر من الإمامة التي يدور عليها وحولها مناط الدين كله – كما تزعمون ؟ .
نحن –يا أخي الكريم– لا نقول بهذا الأمر، ولا نقول: إن الله تبارك وتعالى (نصَّ) على ولاية وإمامة علي وأولاده وأحفاده من بعده، كلا، ولا نقول بهذا قطعاً وإطلاقاً، بل نقول عنهم: إنهم أئمة التقوى والهدى والإرشاد والتعليم والجهاد والدعوة والتضحية في سبيل الله، وإنهم منارات هدى، شأنهم في هذا الأمر كشأن بقية صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم .
وليس من أيّ ذِكر لاختصاص الإمام علي وأولاده وأحفاده من نسل الإمام الحسين رضي الله عنه حصراً بالولاية والوصاية التي يقول بها الشيعة الإمامية، فليس هناك نص صريح في اختصاص هؤلاء الرجال من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم (بالإمامة) التي لا يصح إيمانُ المسلم إلا بها، وإذا أنكرها أصبح من أهل النار وبئس القرار.(58/21)
وأحب أن أذكر في هذا المقام: أن المسلمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لو اختاروا وبايعوا (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه لما كان هناك أي إشكال ولا اعتراض، فعلي رضي الله عنه لا يقل وزناً عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنه فهم من أهل السابقة في الإسلام، وهم من المهاجرين الأوائل رضوان الله عليهم أجمعين وعلى بقية صحابة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله عنهم : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الفتح:29].
إذن لا إشكال ولا اعتراض لو تم اختيار علي بن أبي طالب لمنصب الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولو تأتّى لنا دراسة اجتماع السقيفة وتنادي الأنصار للاجتماع عقب خبر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وحدوث ما يُسمى بالفراغ السياسي ودعوتهم لاختيار خليفة لعلمنا علم اليقين أن الخلافة ليس فيها نصُّ على فلان أو فلان وإنما هي اختيار وتشاور على من يصلح لها ومن ثم بيعته من الناس، وليس فيها توريث أو نصُّ من الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا يُصدّقه قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نُهج البلاغة: (ولقد بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان..).
***
شجاعة علي.. وكسر ضلع فاطمة :(58/22)
سألت الأخ الشيعي الكريم: ما قولك في الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفي شجاعته وبطولته التي سارت بها الركبان وأصبحت مضرباً للأمثال وقد سطّرها أهل التاريخ في كتبهم وأدبياتهم، وتغنى بها شعراء العربية طوال 14 قرناً من الزمان.. ماذا تقول في هذا الإمام العظيم؟.
قال: الإمام علي بن أبي طالب بطل الأبطال وإمام الشجعان، وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وزوج فاطمة الزهراء، والكل يعرف من هو علي بن أبي طالب؟ والكل يعرف شجاعته وبطولته في تاريخ الإسلام والمسلمين.
قلتُ: هذا حسن فالإمام علي رضي الله عنه حقاً هو كذلك.. بل وأكثر من ذلك، غير أني أحب أن أسالك سؤالاً واحداً فقط، ماذا تفعل لو بصق أحدهم في وجه زوجتك وأم أولادك.. وضربها ظلماً وتعسفاً، ماذا تُراك ستفعلُ حينها تجاه هذا الإنسان؟.
هل ستسكت عن هذا الضيم.. وهذا العدوان الذي لا مبرر له .. أم إنك سوف تنتقم لعرضك وعرض زوجتك؟.
قال: لو حدث هذا لقمتُ بتأديبه وضربه .. بل وتكسيره بكل عنف وقوة، بل وقد يصل الأمر إلى حد قتله. إذ كيف أسكتُ على هذا الضيم وهذا العدوان، دون أن يغلي الدم في عروقي؟.
قلت: هذا للأسف الشديد، ما تقولونه في حق إمامكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ألستم تزعمون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذهب إلى بيت علي ليجبره على بيعة الصديق رضي الله عنه فلما لم يجده، ووجد زوجته (فاطمة) بنت النبي رضوان الله عليها، خلف باب البيت فقام (بالضغط) عليها وهي بين الباب والجدار فكسر ضلعها وأجهض جنينها (محسن) ثم حرّق عليها الدار، أليس هذا ما تقوله كتبكم وعلماؤكم؟.
يا أخي العزيز .. أنت لا ترضى هذا لنفسك، فكيف ترضاه لإمامك علي بن أبي طالب وهو الإمام الشجاع والبطل الصنديد؟.
أخي لو حدث هذا الشيء (لفاسق) في عصرنا هذا لثأر لكرامته وشرف زوجته، بل إن الشاعر في الجاهلية كان يقول:(58/23)
أصونُ عِرضي بمالي لا أبدده لا بارك الله بعد العرض بالمال
فكيف بأمير المؤمنين وبطل الأبطال علي بن أبي طالب، أن يسكت ويخضع وبكلِّ ذل وخنوع على ضرب زوجته وإحراق بيته وإجهاض جنينه؟ ومن هي هذه الزوجة؟ إنها (فاطمة الزهراء) ريحانه النبي صلى الله عليه وسلم وحبيبته إلى قلبه رضوان الله إن هذا السكوت، وهذا الصمت المطبق لا يدل على شجاعة الإمام علي بل يدل على جنينه وخنوعه وخوفه، وهو موقف أقرب إلى (الدياثة) منه إلى (الشجاعة).
ونحن أهل السنة والجماعة لا نقول بهذا الرأي.. ولا نؤمن بهذا الأمر ولا نعترف به ولا نصدقه أبداً، فهذا مما يقدح في رجولة الرجل. أيّا كان هذا الرجل فضلاً عن كونه إماماً للمسلمين .. ولكن أهل التشيع من الإمامية يطعنون فيه رضي الله عنه، بتبنّيهم هذه (الأكذوبة) التاريخية التي اخترعها (الوضّاعون) الشيعة في كتبهم ليثيروا بها عواطف العامة من الشيعة وليحرضوهم على كراهية وبُغضِ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاروق هذه الأمة.
إنكم تقولون وتبررون سكوت الإمام علي عن قضية الخلافة التي –كما تزعمون – اغتصبها أبو بكر الصديق منه، هو اهتمامه الأول والأخير (بوحدة المسلمين) وعدم اختلافهم وتفرقهم، مع كونها –أي الخلافة والإمامة كما تقولون- حقّ من حقوقه التي نصّ الله عليها من فوق سبع سماوات والنبي صلى الله عليه وسلم أكد عليها يوم (غدير خم).
إذن ما هو المبرر على هذا السكوت الفظيع.. وهذا الصمت المطبق الذي لا يرضاه الإنسان الشريف لنفسه ولا لغيره؟ فكيف بعلي بن أبي طالب بطل الإسلام وصنديده؟؟.
عمر عدو علي .. ولكنه زوج ابنته.
سألت الأخ الشيعي هذا السؤال: هل تزوّج ابنتك وحبيبتك لعدوك؟ قال: كلا، ولا يمكن أن أزوج ابنتي وحبيبتي لعدوي، مهما كانت الأسباب والظروف حتى ولو تعرضت لشتى الضغوط المادية والنفسية.(58/24)
قلت: هذا الشيء الذي لا ترضاه لنفسك، ولا لابنتك.. ترضاه لإمامك علي بن أبي طالب ولابنته أم كلثوم رضي الله عنها وأرضاه.
قال: وكيف هذا؟ .
قلت: تذكرون في كتبكم أن الإمام علي قد زوج ابنته وكريمته أم كلثوم بنت فاطمة الزهراء، لأعدى أعدائه، زوّجها لعمر بن الخطاب في نظركم يا معشر الشيعة؟.
إنه العدو الأكبر لعلي ولكل الأئمة الأطهار وللشيعة الإمامية في كل تاريخهم.
إنه السبب الأول والأخير في ضياع الخلافة من علي وذهابها لأبي بكر الصديق، وهو ليس عدواً فقط بل كافر ومرتد وظالم، وهو أشد كفراً من إبليس نفسه، وهو في الدرك الأسفل من نار جهنم والشيعة الإمامية تتقرب إلى الله بلعنه في ليلهم ونهارهم.
وسؤالي هو: هل يجوز لمسلم أن يزوج ابنته لكافر مرتد مصيره إلى النار وبئس القرار.
إن علماء السنة والشيعة متفقون على عدم صحة مثل هذا الزواج، أي زواج مسلمة بكافر، إذن كيف رضي ووافق الإمام علي أن يزوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب (الكافر المرتد) في نظركم؟.
إن المبرر الوحيد الذي يذكره علماء الشيعة الإمامية في هذه المسألة هو ما رواه أبو جعفر الكليني في فروع (الكافي)(1) .
حيث نقل عن جعفر الصادق رضي الله عنه، أنه قال في ذلك الزواج: (إن ذلك فرج غصبناه)(2).
ونحن نسألُ قائل هذا الكلام: هل تزوج عمر أم كلثوم زواجاً شرعياً أم اغتصبها غصباً؟.
إن الكلام المنسوب إلى الصادق عليه السلام واضح المعنى، فهل يقول أبو عبدالله مثل هذا الكلام الباطل عن ابنة علي رضي الله عنه.
__________
(1) الكافي في فروع (2/ 141) طبعة الهند.
(2) انظر "إعلام الورى بأعلام الهدى" للطبرسي. طبعة دار المعرفة – لبنان، ص (204) وجاء فيه "وأما أم كلثوم فهي التي تزوجها عمر بن الخطاب وقال أصحابنا: إنه عليه السلام إنما زوّجها منه مدافعة كثيرة وامتناع شديد واعتلال عليه بشيء حتى ألجأته الضرورة إلى أن ردّ أمرها إلى العباس بن عبد المطلب فزوّجها إياه".(58/25)
ثم لو كان عمر اغتصب أم كلثوم، فكيف رضي أبوها أسدُ الله (ذو الفقار) وفتى قريش بذلك؟.
وقد جاء –اليوم- بعض علماء الشيعة ليشكك في صحة هذه الرواية –أي زواج عمر بأم كلثوم مع أنها ثابتة في كتبكم، واسمع معي ما قاله (الطوسي) في كتابه (تهذيب الأحكام) (1). (ماتت أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة، لا يدري أيهما هلك قبل ولم يورّث أحدهما من الآخر وصلي عليهما جميعاً.
والحق .. إن عمر بن الخطاب تزوج من أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب وأنجب منها زيداً ابن عمر، وقد بارك الإمام هذا الزواج.. وهذه المصاهرة، وقد اعترف بهذا الزواج محدّثو الشيعة.
فقد روى الكليني: عن معاوية بن عمار بن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن المرأة المتوفّى عنها زوجها تعتدُّ في بيتها أو حيث شاءت؟ قال: بل حيثُ شاءت، إن علياً صلوات الله عليه، لما توفي عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها إلى بيته) (2).
يقول السيد: (مصطفى حسيني طباطبائي) في كتاب (حل الاختلاف بين الشيعة والسنة في مسألة الإمامة) ص47: (إن هذا التزويج منصوص عليه في "الإرشاد" للشيخ المفيد، و "التهذيب" للشيخ الطوسي، و"وسائل الشيعة" للحر العاملي، وغيرها من كتب الحديث عند الشيعة).
تسمية الأبناء بأسماء الأعداء!!
سألت الأخ الشيعي: هل بالإمكان تسمية أولادك وبناتك بأسماء ألدَّ أعدائك، ممن سلبوِك حَقّك.. وضربوا زوجتك وأحرقوا بيتك وأجهضوا جنينك، وهم فضلاً عن ذلك كفرة ومرتدون عن دين الله، ومصيرهم إلى النار وبئس القرار.
قال: لا، وألف لا، لا يمكن أن يحدث هذا الأمر، فكيف أختار لأولادي وبناتي أسماء أعدائي؟ مع كون الأسماء لا مشاحة فيها.. ولا عيب، إنما العيب كل العيب فيمن يحملها.. وليس في الأسماء ذاتها.
__________
(1) تهذيب الأحكام الطوسي (2/380) كتاب الميراث، طبعة طهران.
(2) الكافي في الفروع، باب المتوفي عنها زوجها المدخول بها أين تعتدُّ؟ (2/311) طبعة الهند.(58/26)
قلت: جميل ما تقوله وما تذكره، فلا مشاحة في الأسماء، فقد نقول عن هذا الإنسان أنه جميل ولكنه في الحقيقة قبيح وعن هذا إنه حسن ولكنه (سيئ) .. وهكذا .. ولكن الأمر الغريب في شأنكم –أيها الشيعة- أن الأسماء التي ارتضاها الأئمة الكرام لأبنائهم وبناتهم ترفضون أنتم تسمية أولادكم بها وبناتكم، لا لشيء إلا لكونها أسماء لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم وهي مرتبطة بمحبة أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة، وربما يعجب ويتفاجأ كثير من عامة الشيعة اليوم عندما يطّلعون على حقيقة مخفية عنهم لزمن طويل، أخفاها علماء الشيعة وخطباء المنابر الحسينية.
هذه الحقيقة هي: أن الأئمة الأطهار رضي الله عنهم قد سموا أبناءهم وبناتهم بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة ولم يجدوا في هذا الشيء غضاضة، بل هو كل الحب وكل التقدير وكل الاعتزاز، وهي الشخصيات المرتبطة ذهنياً عند الشيعة الإمامية بالنفاق والكفر والارتداد والانقلاب على الأعقاب.
فهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله قد سمى أبناءه بأبي بكر وعمر(1)، وهم إخوة الحسن والحسين رضي الله عنهم (2).
ثم جاء بعده الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه فسمى أبناءه بأبي بكر وعمر، وكذلك فعل الإمام الحسين رضي الله عنه.
أما الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) فقد سمى أحد أبنائه باسم عمر (3). وكذلك صنع الإمام موسى بن جعفر (الكاظم) حيث سمى إحدى بناته عائشة(4). وكذلك صنع الإمام علي بن موسى (الرضا) حيث سمى ابنته بعائشة وكذلك فعل الإمام علي بن محمد الهادي فسمي ابنته عائشة.
كل هذه الحقائق مذكورة ومسطورة في كتب الشيعة الإمامية.
فهل أنتم – يا شيعة اليوم – أتقى وأفضل من أئمتكم المعصومين رضي الله عنهم ؟!.
__________
(1) كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي، ص(203)، طبعة دار المعرفة، لبنا.
(2) المصدر السابق، ص (212).
(3) المصدر السابق، ص (357).
(4) المصدر السابق، ص (301).(58/27)
وهل أنتم أكثر ورعاً منهم.. وهل صحيح -والحال هذه-أنكم تقتدون بأئمتكم الأطهار في كل شيء في الصغيرة والكبيرة في (الدين، والخلق والأسماء).
إن خطباء المنبر الحسيني يتحدثون عن فاجعة (الطف) ومأساة (كربلاء) في كل مناسبة دينية وخاصة في واقعة كربلاء، وعاشوراء، حيث يتحدثون عن التفاصيل الدقيقة في هذه المأساة التاريخية.. وبالتفصيل المُمِل.
يذكرون أسماء وبطولات وتضحيات من سقطوا شهداء في هذه الفاجعة إلى جانب الإمام الحسين (الشهيد) رضوان الله عليهم جميعاً.
غير أن هؤلاء الخطباء ويا للغرابة والعجب يصدّون ويعرضون عن ذكر أسماء أبناء الإمام علي بن أبي طالب ... وإخوة الإمامين الحسن والحسين، لكون هذه الشخصيات تحمل أسماء أبي بكر وعمر وأسماء بقية أبناء الأئمة ومن كان معهم وفي صحبتهم، ومنهم أبو بكر بن علي، وأبو بكر بن الحسن بن علي، وعبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب.
هذه الشخصيات الكريمة تُهمل إهمالاً تاماً.. وكأن لا وجود لها .. وكأنها لم تكن مع الإمام الحسين في واقعة الطف ومأساة كربلاء في جهاده واستشهاد إنهم يذكرون الأسماء التالية فقط:
أولاً: أولاد الإمام علي بن أبي طالب، وهم (الحسين، وجعفر، ومحمد) ويهملون ذكر أسماء (أبو بكر بن علي وعمر بن علي وعثمان بن علي) إخوة الإمام الحسين رضي الله عنه.
ثانياً: ويذكرون استشهاد أولاد الحسين، وهم: علي الأكبر، وعبد الله.
ثالثاً: ويذكرون استشهاد أولاد الحسين، وهم: عبد الله بن الحسن، والقاسم بن الحسن) ويهملون .. ويصدُّون عن ذكر (أبي بكر بن الحسن).
رابعاً: ويذكرون استشهاد أولاد عقيل بن أبي طالب، وهم: جعفر، وعبد الله) ويهملون ذكر (عبد الرحمن بن عقيل).
ونحن نسأل: لماذا يهمل خطباء المنبر الحسيني ذكر هذه الأسماء الكريمة؟! أليس هؤلاء هم أبناء الأئمة – المعصومون- في زعمكم؟ .. ألم يمنّ الله عليهم بالشهادة في سبيله وهم في معية الإمام الحسين؟.(58/28)
إن السبب واضح ومعروف، فهذه الشخصيات الكريمة تحمل أسماء صحابة النبي صلى الله عليه وسلم: (أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن) والشيعة لا تطيق سماع هذه الأسماء، حتى ولو كانت أسماء أبناء الأئمة الأطهار.
ولهذا.. يندر أن نجد في المجتمعات الشيعية الآن اسم أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة وعبد الرحمن، وطلحة والزبير .. الخ.
وتكاد تكون هذه الأسماء الكريمة معدومة في المجتمعات الشيعية الحاضرة في إيران ودول الخليج العربية، وفي العراق وفي سورية ولبنان وفي الهند والباكستان.
فالشيعة الإمامية يتشاءمون ويتطيرون من ذكر هذه الأسماء الكريمة مع أن أئمتهم المعصومين قد سموا بها أولادهم وبناتهم.
ولا أدري .. هل شيعة اليوم أكثر ورعاً وتقوى لله من أئمتهم المعصومين وأكثر إخلاصاً وإيماناً منهم – اللهم لا، وألف لا..
قد تقول لي .. إن التسميات كانت من باب التقية، ليخلصوا من شرور أولئك المعتدين – على حقوق آل البيت والأئمة، فأقول: إن هذا يتعارض تماماً مع الإيمان الذي يحمله آل البيت في صدورهم، ومع صفاتهم الفذة من رجولة وشجاعة وسوى ذلك من صفات الرجال، فعيب بحقّ الشيعة انتقاصهم، ونعتهم بما يخالف حقيقة ما كانوا عليه.
إنه – يا أخي الشيعي- الحقد الأسود على هؤلاء الصحابة، حتى وصل بكم إلى حد التشاؤم والترفع عن تسمية أولادكم وبناتكم بأسماء هؤلاء الكرام من صحابة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
ورد في الإنجيل وكما ذكرت سابقاً: (إذا فسد الملح فبما يُملّح.. وإذا كان النور الذي في قلبك ظلاماً، فكيف يكون الظلام إذن).
وورد كذلك: (وهل نجني من الشوكِ العنب)؟.
وهذه القضية تجعلني أحدثك.. عن قضية أخرى لا تقل عنها أهمية، وهي كذلك يهملها علماء الشيعة وكتُّابهم وأهل التاريخ والأدب عندهم. وهي عدم اهتمام الشيعة بالسيرة النبوية المطهّرة.(58/29)
ففي الوقت الذي نجد فيه آلاف المؤلفات والكتب في سيرة الأئمة الأطهار.. وسيرة بقية آل البيت رضي الله عنهم لا نجد المؤلفات والكتب التي تؤرخ لسيرة خير المرسلين عليه أفضل الصلاة والسلام، وإذا وجدنا، فإننا نجد مقتطفات وملخصات للسيرة النبوية، ومن النادر أن نجد من خطباء المنبر الحسيني من يتحدث في السيرة النبوية، ومن يدرّسها للطلبة في المساجد والحسينيات، بل وحتى في الحوزات العلمية. وكأن سيرة الإسلام العظيم والمشرف ما هي إلا سيرة هؤلاء الأئمة الكرام.
هل تعرف السبب –أيها الأخ الشيعي الكريم – إن السبب واضح، فكون هذه السيرة .. السيرة النبوية تشتمل على سيرة الصحابة الكرام ومنهم أبو بكر وعمر، وعلماء الشيعة، لا يطيقون ذكر أسمائهم وتضحياتهم في سبيل الله، وفي سبيل الإسلام، فكيف يذكرونهم وهم يُكفرونهم.. ويصفونهم بأقبح الأوصاف.
إنها حالة نفسية .. وحالة عقلية مرضية، ترفض أن تذكر سيرة من تعتبرهم كفرة مرتدين .. من أهل النفاق، وهم في نهاية المطاف من حزب الشيطان.
واقرأ معي ما قاله الشيخ (عبد الحسين بن المظفر) المعروف عندكم بأبي ذر زمانه، في كتابه (الشافي في شرح أصول الكافي)(1).
(إن هؤلاء العارفين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله، الذين أضلّهم الشيطان؛ لأنهم مالوا عن الحجة الواضحة، والسُبل المنيرة، بإطاعتهم غير أهل بيت العصمة، إذ الميول عنهم ميول عن حزب الشيطان).
يذكر الأستاذ(عيادة أيوب الكبيسي) في كتابه القيم: (صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب والسنة) (2).
ومن أعجب ما قرأته عن الشيعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) 2/49-50).
(2) ص:289).(58/30)
هو ما كتبه محمد الخالصي الشيعي في رسالته إلى الشيخ محمد بهجت البيطار، المؤرخة في 26/ربيع الأول 1382هـ إذ يقول: (لم أذكر الصحابة بخير لأني لا أريد أن أتعرض لعذاب الله وسخطه، بمخالفتي كتابه وسنته في مدح من ذمَّة الكتابُ والسُّنَّة، والإطراء علي من قبح أعماله القرآن المجيد، والأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم وغاية ما كنتُ أكتبه وأقوله هو أن كتاب الله وسنة نبيه لم تذكر الصحابة بخير، ولا تدل على فضل لهم لأنهم صحابة).
إذن كيف يدرسُ ويُدرِّسُ الشيعة الإمامية سيرة هؤلاء الصحابة إذ يخافون كما ذكر الخالصي أن يتعرضوا لسخط الله وعذابه؟.
وهذا إمامكم (الخميني) يكتب في وصيته الأخيرة: (إنني أقولها بجرأة: إن شعب إيران بجماهيره المليونية في العصر الحاضر، هو أفضل من شعب الحجاز في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشعب الكوفة والعراق على عهد أمير المؤمنين والحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليهما، فأهلُ الحجاز وكذلك المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يطيعونه، وبذرائع شتى يتهربون من القتال حتى إن الله تعالى أنّبهم في آيات من سورة التوبة وأوعدهم بالعذاب: بل وافتروا عليه حتى دعا عليهم كما يروى.
وبالنسبة لأهل العراق والكوفة فلطالما آذوا أمير المؤمنين وتمردوا على طاعته وشكواه منهم معروفة مشهورة، ومسلمو العراق والكوفة هم الذين فعلوا بسيد الشهداء عليه السلام ما فعلوا، ومن لم يلحقه وِزْرُ المشاركة المباشر في قتل سيد الشهداء فهو إما فارُّ من المعركة أو قاعد حتى وقعت جريمة التاريخ، فيما نرى أي فداءٍ وتضحيات يندفع لتقديمها بشوقٍ شعبُ إيران عامة، وقواته المسلحة جيشاً وحرساً وقوات درك) (1).
وهل يملك المسلم إلا أن يقول أمام هذه المقارنات: (سبحانك هذا إفك عظيم).
__________
(1) الوصية ص(5-6).(58/31)
لهذه الأسباب، ولغيرها أعرض علماء الشيعة وخطباؤهم عن الحديث عن السيرة النبوية المطهرة وهي التي تمثل تاريخ الإسلام في صفحاته المضيئة والمشرقة.
ويحسن في هذا السياق أن نُورده ما ذكره موسى الموسوي في كتاب الثورة البائسة: (إن الخميني جاء وأبوه من الهند، ولا يُعلم له نسبُ سوى ذلك، فما اللغز في ذلك؟).
الله اعلم (1).
الله يترضى .. والشيعة يلعنون؟؟
ثم تعال معي أيها الأخ الشيعي العزيز، إلى قضية أخرى في مسألة الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
لقد ترضى الله تبارك وتعالى عن هؤلاء الصحابة، وأنزل رضاه ومدحه لهم في كتابه العزيز ليتلوه الناسُ إلى يوم القيامة، حيث قال عزّ من قائل: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } [الفتح:18].
وقوله: { وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [الأنفال:74].
وقوله جلت قدرته: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الفتح:29].
__________
(1) كتاب الثورة البائسة.(58/32)
وقوله عز من قائل: { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة:100].
والآيات في هذا المقام عديدة وكثيرة، وكلها تثني وتمتدح وتترضي على هؤلاء الكرام رضوان الله عليهم.
فكيف يترضى الله تبارك وتعالى عليهم، وأنتم يا معشر الشيعة الإمامية تسبونهم وتطعنون فيهم وتحطون من قدرهم؟ وهم الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم عنهم: (لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه) متفق عليه.
أما علماء الشيعة فماذا يقولون عن هؤلاء الكرام الذين حملوا راية الإسلام إلى أقطار الأرض في الشرق والمغرب، والذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.
أُحبُّ أورد ذلك – أخي الكريم – نصّين من نصوص وأقوال علمائكم، أحدهما من الأقدمين وهو شيخكم (الكليني) في كتابه (الكافي) والآخر من المعاصرين وهو (الخميني) في كتابه (كشف الأسرار).
حيث يقول الأول: (الكليني) عن أبي بكر وعمر، ما نصه (.. إن الشيخين أبا بكر وعمر فارقا الدنيا ولم يتوبا، ولم يذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين عليه السلام فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)(1).
وأما الثاني: (الخميني) فقد قال بكل صراحة ووضوح: (إن أبا بكر وعمر وعثمان لم يكونوا خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله، بل وأكثر من ذلك إنهم غيّروا أحكام الله وحلّلوا حرام الله، وظلموا أولاد الرسول، وجهلوا قوانين الرب وأحكام الدين) (2).
فانظروا إلى ما يقوله القرآن الكريم عن الصحابة الكرام، وإلى ما يقوله علماء الشيعة عنهم.
__________
(1) روضة الكافي (8/346).
(2) كشف الأسرار الخميني، ص(110).(58/33)
القرآن يترضى عليهم، والشيعة يسبونهم ويلعنونهم، فمن نصدق؟ من المؤكد أن المسلم والمؤمن والمتقي إنما يصدق الله رب العالمين.
واسمع معي –يا أخي الكريم- هذه الحادثة .. وهذه القصة التي أوردها أحد علماء الشيعة الإمامية وهو (مصطفى حسيني طباطبائي) في كتابه (حل الاختلاف بين الشيعة والسنة في مسألة الإمامة) (1).
عن إبراهيم بن قدامة بن حاطب عن أبيه عن علي بن أبي الحسين، الملقب بزين العابدين قال: أتاني نفر من أهل العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم –أي طعنوا فيهم- فلما فرغوا قال لهم علي بن الحسين: ألا تخبروني أأنتم المهاجرون الأولون { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } [الحشر:8].
قالوا: لا قال: فأنتم { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا } [الحشر:9].
قالوا: لا.
قال: أما أنتم، فقد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين ، ثم قال: أشهد أنكم لستم من الذين قال عز وجل فيهم { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [الحشر:10] أخرجوا، فعل الله بكم، أي: شتمهم.
***
الإفراط في الحب.. والإفراط في البغض
قلت: للأخ الشيعي وأنا أساله: هل تعرف ما هي مشكلتك... ومشكلة طائفتك؟.
قال: لا، لا أعرف، فما هي المشكلة في رأيك ونظرك؟.
__________
(1) ص (38،37،36).(58/34)
قلت: إن مشكلتك.. ومشكلة الشيعة تتلخص في جملة واحدة وهي: (الإفراط في الحب، والإفراط في الكراهية والبغض) وهي مشكلة يعاني منها كل البشر وليس الشيعة فحسب.
فمن نحبه فهو (قديس) ومن نكرهه فهو إبليس، وليست هناك منطقة وسط. إما الإفراط في حب الأشخاص.. والرجال إلى حد (القداءة) و(التقديس)، وإما الكراهية والبغض فيهم وفي أشخاصهم والحط من أقدارهم إلى حد التدنيس).
وهذا ما فعله اليهود والنصارى في نظرتهم إلى السيد المسيح عليه السلام، فاليهود كرهوه.. ورفضوا دعوته وتآمروا على قتله، ووصفوه بأنه ابن زنا، ووالدته – حاشاه وحاشاها – عليهما السلام، غير أن كراهيتهم للسيد المسيح أعمتهم عن الانصياع للحق الذي جاء به السيد المسيح عليه السلام ومازال اليهود وإلى يوم يبغضونه ويسبونه، ويتهمون والدته عليها السلام بكل الأوصاف القبيحة والسيئة.
أما النصارى فهم على العكس من ذلك تماماً، لقد وصل حبهم للسيد المسيح عليه السلام إلى حد التقديس والتأليه واعتباره ابناً لله تبارك وتعالى – حاشا لله أن يكون له ابن وولد – غير أن هذا الحب قد أعماهم عن (بشريته) عليه السلام، وفي كلتا الحالتين هناك خلل في التفكير وفي التصور، تؤدي على خلل في العقيدة والاعتقاد.
والشيعة الإمامية أصابهم ما أصاب اليهود والنصارى في هذه المسألة العقدية، فهم يفرطون في حب الأئمة الأطهار إلى حد الغلو والتقديس ويبالغون في كراهية الصحابة الكرام إلى حد الاحتقار والتدنيس.(58/35)
وخذ مثالاً على هذا الغلو والتقديس في شأن الأئمة رضوان الله عليهم جاء في "بحار الأنوار" (1)، للمجلسي هذه الرواية المكذوبة عن الإمام الصادق رضي الله عنه أنه قال: (والله لقد أعطينا علم الأولين والآخرين، فقال رجل من أصحابه " جُعلت فِداك أعندكم علم الغيب؟ فقال له: ويحك إني أعلم ما في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، ويحكم وسِّعوا صدوركم، ولتبصر أعينكم، وَلُتع قلوبكم، فنحن حجةُ الله تعالى في خلقه، ولن يسع ذلك إلا صدر كل مؤمن قوي، قوته كقوة جبال تهامة إلا بإذن الله، والله لو أردتُ أن أحصي لكم كل حصاة عليها أخبرتُكم وما من يوم وليلة إلا والحصى تَلِدُ إيلاداً، كما يلد هذا الحلق، والله لتتباغضون بعدي حتى يأكل بعضكم بعضاً).
وفي الكافي (2) للكليني عند عبد الله بن بشر عن أبي عبد الله أنه قال: (إني لا علم ما في السماوات وما في الأرض، وأعلم ما في الجنة، وأعلم ما في النار وأعلم ما كان وما يكون..).
فهل رأيت غُلواً أكبر وأكثر من هذا الغلو، وهذا الانحراف في التصور والاعتقاد؟.
فأئمتكم –يا أخي الكريم – يعتقدون أنهم يعلمون الغيب، ويعلمون ما في أصلاب الرجال، وما في أرحام النساء، ويعلمون ما في السماوات وما في الأرض، ويعلمون ما في الجنة وما في النار، ويعلمون ما كان وما يكون، بل إن هؤلاء الأئمة يخلقون الخَلْق ويصورون كل شيء في هذه الدنيا، فماذا تركتم لله تبارك وتعالى بعد كل هذا الغلو؟.
إن هذا الداء القديم.. (داء الإفراط والتفريط) الذي أصابكم هو نفسه الذي أصاب اليهود والنصارى من قَبلكم، فأصابكم بالعمى وضبابية الرؤية وعدم إدارك الحق المبين.
__________
(1) كتاب (نجار الأنوار) (26/27،28).
(2) الأصول من الكافي (1/261).(58/36)
إن هذا الداء المميت قد أشار إليه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حينما قال لأصحابه: (لا تطروني(1) كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله، فقولوا: عبد الله ورسوله) رواه البخاري.
نعم .. لقد أصابكم داء الأمم السابقين من يهود ونصارى، فأفرطتم في حب وتقديس آل البيت رضوان الله عليهم حتى أوصلتموهم إلى مقام ومرتبة (الألوهية) و(الربوبية) وأما (الخوارج) وهي الفرقة –الدموية- الضالة، فقد أبغضت الإمام علي حتى قتلته رضوان الله عليه.
أما أهل السنة والجماعة فقد التزموا جانب الحق والصواب في قضية الحب والبغض، دون إفراط أو تفريط ودون غلو أو انحراف، فليس عندنا نحن أهل السنة والجماعة، أشخاص معصومون أو مقدسون، اللهم إلا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فهو المعصوم وحده فيما يبلّغه عن ربه عز وجل، وبقية الخلق يصيبون ويخطئون، والمعصوم من عصمه الله تبارك وتعالى، وإنما أنا عبد الله ورسوله..
***
الاتباع الأعمى لعلماء الدين
إن أحد أبرز المظاهر التي يعاني منها المجتمع الشيعي في كل أقطار العالم، هو قضية المرجعية، فكون الإنسان الشيعي لا تصح عباداته ولا ممارساته الدينية الأخرى إلا بتقليده لإحدى المرجعيات الدينية جعلته لا يستطيع الخلاص والانفكاك من جاذبية وتأثير المرجع الديني مهما كان مستوى هذا (المقلد) العلمي والثقافي والاجتماعي.
فالتقليد والاتباع للمرجع العلمي الديني مبدأ أساسي في حياة الإنسان الشيعي، فالفتوى التي يصدرها المرجع الديني تعتبر ملزمة لأتباعه الذين يقلدونه في الصغيرة والكبيرة من أمور دينهم بل وفي شتى أمور دنياهم أيضاً.
__________
(1) أي: لا تعظموني كما عظمت النصارى عيسى بن مريم إلهاً أو ابن إليه، وإنما أنا عبد الله ورسوله.(58/37)
فالطبقية والتراتبية الدينية مسألة معروفة ومشهورة في المجتمع الديني في مرتبة (القداسة) الموجودة عند النصارى وخاصة الكاثوليك منهم ولهذا وجدنا من كُتّاب الشيعة وعلمائهم في العراق والخليج من يكتب ويسطر ويدبّج المقالات العديدة في تقديس آية الله العظمى السيد (السيستاني) ومن قبله آية الله العظمى السيد الخوئي، ومحمد باقر الصدر، وغيرهم كثير.
ومنذ عهد الصفويين في إيران وانتشار المذهب الشيعي فيها بالقوة والعنف والإرهاب، أصبح للمرجع الديني القدح المعلي في الطائفة والمجتمع الشيعي وما زال هذا التأثير وهذه المكانة موجودة للعالم والمرجع الشيعي إلى يومنا هذا.
هذا التأثير وهذه المكانة وهذه الميزة تجعل كلمة المرجع الديني الشيعي كلمة لها قداستها وأهميتها القصوى في نفس وروح وقلب الإنسان الشيعي فلا يستطيع هذا الإنسان أن يرد أو يناقش أو يناظر العالم والمرجع الديني، وكيف يناقشه أو يرد عليه وهذا المرجع يمثل الإمام الغائب والمختفي (المهدي المنتظر) وهو وكيله في الأمة وفي الطائفة الشيعية الإمامية؟.
من هنا نستطيع في أن نفهم وأن نعرف سبب اتباع عموم الشيعة لعلمائهم ومراجعهم فالرادُّ عليهم كالرادّ على الإمام، والراد على الإمام كالرادّ على رسول الله، والراد على رسول الله كالرادّ على الله.
ومن هذا المنطلق لا يجرؤ الإنسان الشيعي على مناقشة المرجع الديني أو الرد عليه، وكل ما عليه هو الاتباع والانصياع والخضوع.
إنه في الواقع والحقيقة الاتباعُ الأعمي، والانصياع الأعمى لهذا العالم الشيعي أو ذاك، فهو في واقع الأمر كالتلميذ بين يدي أستاذه الجاهل الذي يقول له: أطفئ سراج عقلك واتبعني .. هكذا دون مناقشة ودون تفكير ودون علم أو وقفة صادقة.(58/38)
وعلى ضوء هذا تعرَّض ويتعرض كل من يخرج على المذهب الشيعي الإمامي إلى الأذى والإقصاء والنبذ والهجوم والتشنيع والقدح في علمه وسمعته، وقد يصل الأمر إلى حد القتل، كما حدث مع العديد من أفاضل الشيعة ممن رفضوا هذه الانحرافات وخرجوا على هذه الخرافات، بعد ما منّ الله عليهم بالهداية والتوفيق ولزوم جماعة أهل السنة والجماعة وترك مذهب الرفض.. من أمثال السيد آية الله (البرقعي) حفيد الإمام الرضا، وصاحب كتاب (كسر الضم) والذي انتقد فيه كتاب الكافي للكليني ونقضه من أساسه.
وكذلك السيد الأستاذ أحمد الكسروي صاحب كتاب "الشيعة والتشيع" والأستاذ السيد موسى الموسوي صاحب كتاب الشيعة والتصحيح وكتاب الثورة البائسة" والأستاذ أحمد الكتاب، صاحب كتاب تطور الفكر السياسي الشيعي، والذي نقض وأنكر فيه وجود الإمام المهدي المنتظر، والسيد الراحل آية الله العظمى أبو الحسن الأصفهاني، والسيد حسين الموسوي صاحب كتاب (لله .. ثم للتاريخ) وهناك عدد آخر من علماء الشيعة ومن أساتذتهم ممن هداهم الله فرفضوا كل أباطيل وأساطير التشيع (الصفوي) الدموي والإرهابي.
فقد تم قتل: الإمام البرقعي، ونجل الإمام أبو الحسن الأصفهاني، كما تم قتل السيد أحمد الكسروي والسيد حسين الموسوي رحمهم الله جميعاً وغفر لهم.
أما السادة موسى الموسوي وأحمد الكاتب فقد تعرضنا للضرب والتهديد والأذى والاتهام بالعمالة (للوهابية).
وأخيراً.. فقد تعرض السيد آية الله العظمى محمد حسين فضل الله إلى الله الأذى وإلى تشويه السمعة وإسقاط المرجعية عنه واتهامه بالعمالة لوكالة المخابرات الأمريكية، فتم الهجوم عليه من فوق المنابر الحسينية والمآتم، وألفوا فيه الكتب من نظائر كتاب (الحوزة العلمية ترد على الانحراف..) وهكذا..(58/39)
إنه يا صاحبي الشيعي الإرهاب والتعصب الأعمى في أبشع صوره وأشكاله، وهو يذكرنا بإرهاب الدولة (الصفوية) والتي حكمت إيران في فترة ماضية، وقامت بذبح وقتل وإرهاب ملايين السنة من أهل إيران وإرغامهم على الدخول في مذهب التشيع الإمامي (الصفوي) حدث هذا في إيران.
وحدث هذا في العراق، أثناء حكم الدولة الصفوية في العصر الحديث .
إن هذا الإرهاب يذكرنا في واقع الحال بدولة الإرهاب الكبرى (أمريكا). وربيبتها (إسرائيل) حيث قال زعيمها ورئيسها جورج بوش الابن، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر: (مَنْ ليس معنا.. فهو ضدنا) هكذا بكل صراحة ووقاحة.
نعم .. لقد أضحي مذهب التشيع الإمامي الإثناء عشري، في حقيقته تشيّعاً صفوياً وليس تشيعاً علوياً، كما ذكر المفكر الشيعي الشهير والحرّ (الدكتور على شريعتي) في كتابه الموسوم. (التشيع العلوي.. والتشيع الصفوي).
نعم.. يحمد للشيعي احترامه لمرجعيته، والتزامه ما يصدر عنها، وفي هذا نوع من فلاح إذا كان على بصيرة وعدم تعطيل المنحة الربانية الكبيرة "العقل" وقد دعا القرآن الكريم كل البشرية للتفكر والتعقل والتبصر والتدبر، لا إلى تقليد أعمى، كما مر آنفاً أطفئ سراج عقلك واتبعني "بل توظف" منحة ربك فيما يُرضى ربك فليس كل متبوع معصوماً إلا النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة والسلام..
دعوة صادقة.. للتقريب بين السنة والشيعة:
أمتنا الإسلامية تضم اليوم عدداً كبيراً من المذاهب الفكرية والمدارس الفقهية، والأعراق الجنسية والألسنة، بل وفي المذهب الواحد هناك عدد من المدارس الفقهية، وبينها اختلافات عديدة في الأحكام وفي الآراء الاجتهادية.(58/40)
ونستطيع أن نعطي أمثلة من واقع المذهب السني، وهو أكبر المذاهب الإسلامية وأكثرها انتشاراً وعدداً، حيث إن هناك أقطاراً عربية وإسلامية لا يعرف إلا مذهباً واحداً، كالمغرب العربي الكبير الذي يعتنق أهله مذهب الإمام مالك في أحكامه الفقهية السنية الأربع (الحنفية) والمالكية والشافعية والحنبلية).
كما أن المذهب الحنفي هو أكثر المذاهب السنية انتشاراً في تركيا والباكستان والهند وإندونيسياً وفي الجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفييتي (السابق).
وفي الماضي القريب كان الخلاف محتدماً بين أتباع هذه المذاهب، حتى وصل الخلاف إلى حد عدم الصلاة خلف بعضهم بعضاً، والتعبد في مساجد بعضهم بعضاً وحتى في الحرمين المكي والنبوي كان الأذان يرفع وتقام الصلاة على أساس المذاهب السنية الأربعة.
أضف إلى ذلك أن الاختلاف تعدى المسائل الفقهية إلى قضايا الزواج والمصاهرة، ففي بعض البلاد العربية كان الحنفي يرفض تزويج ابنته من الشافعي، والعكس صحيح، وكان الحنبلي لا يصلي وراء المالكي، مع أن الأئمة الأربعة الكبار، كان بعضهم تلميذ بعض.. غير أن الخلاف حدث بين اتباعهم.
واليوم.. يبدو أن اتباع المذاهب السنية لم يعودوا يهتمون بالمذهبية الفقهية بقدر اهتمامهم بالدليل الشرعي المأخوذ من الكتاب والسنة. وخاصة الشباب المتدين منهم، حيث تجاوز الجميع المسألة المذهبية.. وحتى فقهاء المذهب الواحد قد يفتي بعضهم على أساس المذاهب السنية الأخرى، متجاوزاً في ذلك مدرسته الفقهية.
فها هو فضيلة الشيخ الدكتور (يوسف القرضاوي) يأخذ من كل المذاهب السنية إذا وجد أن رأيها أصوب وأسلم، مع أن مذهبه هو (الحنفي)، وقس على ذلك بقية الفقهاء المعاصرين، إذ لم يعد الخلاف المذهبي يشكل مشكلة عندهم كما كان في الماضين بل إن المسائل كلها ترجع إلى الدليل الشرعي المنبثق من الأصلين الكبيرين (الكتاب والسنة).(58/41)
وكذلك الأمر عند الشيعة.. حيث انقسموا بدورهم إلى مذاهب فكرية ومدرسية، فهناك المدرسة (الإمامية) الإثنا عشرية، وهي الأكبر والأعم عند الشيعة في العالم، ثم هناك المدرسة (الزيدية) في اليمن، والمدرسة الإسماعيلية في شبه القارة الهندية وفي بعض بلاد الشام.
وحتى في المذهب الشيعي الواحد هناك أكثر من مدرسة فقهية. خذ مثلاً المذهب الإمامي الموجود في دول الخليج العربية وفي جمهورية إيران الإسلامية، فإن اتباعه ينقسمون إلى أصوليين وأخباريين، وقد يضاف إليهم فرقة (الشيخية) الموجودة في بعض مناطق الإحساء والعراق.
وقد وصل الخلاف بينهم في الماضي إلى حد التناحر والتشهير والاتهام، حتى جاء الشيخ (يوسف البحراني) وحاول أن يوفق بين المدرستين في أحد كتبه المعروفة والمشهورة، وسار على دربه عدد كبير من فقهاء الإمامية بعد ذلك.
وكما حدث عند أهل السنة والجماعة، فقد تجاوز اتباع الإمامية الخلاف المذهبي والفقهي، وأصبح الأغلب والأعم عندهم هم أصحاب المدرسة الأصولية، وخاصة بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران وقيام الجمهورية الإسلامية التي تسترشد بالمدرسة الأصولية وهناك خاصة يتفرّد بها الشيعة، وخاصة الإمامية منهم حيث يرجعون في مسائل عباداتهم وشؤون حياتهم إلى المرجع العلمي والفقيه المستكمل للشرائط، وهي (الأعلمية، والنزاهة، والعدالة ..الخ).(58/42)
أما الخلاف بين السنة والشيعة، فهو ليس خلافاً في الفروع (فقط) كما يظن البعض، بل قد يصل إلى (الأصول) فهو ليس خلافاً في مسألة فقهية فرعية كقضية (زواج المتعة) التي يعتبرها الشيعة مباحة، ويعتبرها السنة محرمة، فهذه ليست بالمسألة الكبيرة التي تستحق الوقوف عندها كثيراً وطويلاً، فكلا الفريقين له أدلته الشرعية في هذه المسألة، ولكن القضية الأهم هي مسألة (الأصول) فالشيعة مثلاً يعتبرون الإمامة المنصوص عليها مسألة جوهرية في المذهب الإمامي، فالإمام (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه وأبناؤه حتى الإمام الثاني عشر، هؤلاء كلهم منصوص عليهم بالإمامة من الله تبارك وتعالى، وهي ركن من أركان المذهب.
والسنة في المقابل لا يعتبرون (الإمام) ركناً من أركان الدين، كما أن الإمام (علياً) وأبناءه غير منصوص عليهم من الله، ولكنهم يعتبرونهم من أئمة الدين الفضلاء، أصحاب المكانة والنسب الشريف، وهم من أهل بيت النبوة، ولهم كل تعظيم وتبجيل، ولكنهم لا يختصون بالإمامة المنصوص عليها، كما هو عند الشيعة، بل ويذهبون إلى حد تفضيل (أبي بكر) وعمر وعثمان على الإمام علي، وهذا الأمر معروف، ومشهور عندهم.
وكذلك بالنسبة لقضية (عصمة الأئمة) التي يعتقد بها الشيعة ويعتبرونها من مسلمات المذهب الإمامي، حيث يأخذون بأقوال الأئمة ويعتبرونها في مقام أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم والتشريع عندهم توقف عند اختفاء الإمام (المهدي) في غيبته الكبرى.
أما السنة فلا يؤمنون بعصمة الأئمة ولا يعتقدون بها، فالمعصوم هو النبي وحده، والدين قد اكتمل عند مفارقته هذه الحياة، عليه أفضل الصلاة والسلام.(58/43)
هذا التصور في مسألة العصمة ألقى بظلاله على قضية أخرى، حدث فيها اختلاف واضح بين الفريقين، وهي قضية (الجرح والتعديل) في علوم الحديث، الخاصة برواة الحديث النبوي الشريف، وبالإمكان أن نسمي هذا المصطلح بلغتنا المعاصرة بمسألة المعايير أو التقويم والتقييم، الخاصة برجال الحديث بمن فيهم الصحابة الذين صاحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ورووا الأحاديث العديدة في شتى شؤون الحياة والدين.
فأهل السنة يعتبرون كل الصحابة (عدولاً) في أخذهم للحديث وفي روايته. ولا أريد أن أدخل في تعريف من هو الصحابي؟ ولكن مما هو جدير بذكره أن هذا التعريف قد حدث فيه نظر واختلاف بين السنة والشيعة، فكلا الفريقين قد يُزكّي قسماً من الصحابة لا يزكيهم القسم الآخر، بمن فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وأبو هريرة على سبيل المثال وليس الحصر. وبما أن كتب الأحاديث قد تضمنت روايات جاءت عن طريق هؤلاء الرجال أو عن غيرهم، فإن الشك قد وقع فيها، ولذلك نرى أهل السنة والجماعة لا يأخذون بأحاديث (الكليني) إلا إذا وافقت الأحاديث التي وجدت في كتبهم الصحاح، وكذلك يفعل الشيعة الإمامية في عدم أخذهم بكتب الإمام (البخاري) والإمام (مسلم) وغيرهم، إلا إذا وافقت ما هو موجود عندهم.
وهذا بدوره انعكس على عدد كبير من مسائل الفقه والحديث، والسبب هو الاختلاف في معايير التقويم أو (الجرح والتعديل) الخاصة برجال الحديث ورواته.
وتبدو المسألة هنا أقل خطراً من مسألة (تحريف القرآن) التي جرى عليها نقاش طويل ومناظرات عديدة في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث يتهم أهلُ السنة والجماعة، الشيعة الإمامية بالقول بتحريف القرآن من خلال الكتب والتفاسير التي ألفها علماء الشيعة وذكروا فيها نموذج من هذا التحريف المزعوم، من مثل كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب)، للنووي الطبرسي.(58/44)
وإن كان غالبية المسلمين اليوم من سنة وشيعة يقولون بعصمة (الكتاب الكريم) من التحريف والتبديل.
وإذا نظرنا إلى مسائل التعبد (كالصيام) مثلاً نجد أن أحد أسباب الخلاف يرجع إلى طبيعة اللغة العربية، فكلمة (إلى) أدت إلى وقوع خلاف في قضية.
الفطر بعد الصيام، حيث فهم أهل السنة والجماعة من هذه الكلمة عند تفسيرهم للآية الكريمة: { أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [البقرة:188]. على أنها حدّية، أي بمجرد غياب الشمس يحدث الفطر. أما الشيعة فقد فهموا منها أنها (غاية) ولابد من دخول الغاية في المْغيّا، بمعنى أنه لابد من دخول جزء من الليل (حوالي ربع ساعة بعد غياب الشمس)، عندها يصبح الفطر واجباً، وقس على ذلك بقية المسائل الفقهية من مثل مسألة الوضوء أو الطهر والحيض، وهذا اختلاف علمي مصدره الاجتهاد في فهم النص القرآني المقدس.
وأنا أعتقد أن الشيعة لا يحبون أن يخالفوا السنة، وكذلك السنة لا يحبون أن يخالفوا الشيعة في هذه القضايا العلمية. فالاختلاف في فهم النص الإلهي واقع لا محالة.
من هنا أقول، إذا ابتعدنا عن المسائل التي تفرقنا، فإن بإمكان أبناء الطائفتين أن يتعاونوا وأن يتفقوا على الحد الأدنى من القضايا التي تخصهم، والتي تشكل نوعاً من التقريب، ومنها على سبيل المثال.
أولاً: إن ما حصل من حروب دامية في عصر الصحابة الكرام لسنا مسؤولين عنه –نحن أبناء الحاضر- فقد قال الله لنا جمعياً: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [البقرة:134].
فإذا حصل اتفاق في هذا الأمر، فإننا نقفز خطوة إلى الأمام في عوامل التقريب بين السنة والشيعة.
ثانياً: كلا الفريقين لا يحب الفساد الإداري أو المالي أو الأخلاقي في مجتمعات المسلمين، إذن نتعاون على مكافحة هذه الظواهر المرضية، التي تدمر خصائص الإنسان وحياته المستقبلية.(58/45)
ثالثاً: الوقوف صفاً واحداً أمام الأخطار المحدقة بنا جميعاً كمسلمين في هذه المنطقة من العالم، فإن أعداء الله ورسوله، وأعداء الإسلام والإنسانية لا ينظرون لنا على أننا (سنة وشيعة) بل على كوننا مسلمين تجمعنا عقيدة واحدة ولهذا نبهنا الكريم في سورة الأنفال إلى هذه القضية الحاسمة بقوله: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } [الأنفال:73].
فلابد من الوحدة والتعاون على نشر الإسلام والدعوة إليه في هذا العالم المضطرب، وهي خطوة ثالثة في مسألة التقريب.
رابعاً: الدعوة إلى الحوار البناء بين اتباع المذهبين الكريمين، والابتعاد عن مسائل التشنج والعصبية والطائفية التي لا تزيدنا إلا فرقة واختلافاً وتناحراً، ويكيفنا ما حصل أيها السادة في العهدين العثماني، والصفوي من حروب مزقت اللحمة الإسلامية فإن الحوار مبدأ إسلامي أصيل، ومن العار علينا أن نرى حوارات مثمرة بين اتباع الكنائس المختلفة والمذاهب النصرانية العديدة، ويصعب علينا –نحن أبناء الإسلام- أن نتحاور فيما بيننا، لهذا أدعو إلى كل أنواع ومستويات الحوار، الفردية منها والجماعية، وحول جملة القضايا والمسائل المُختَلَفْ عليها. وهنا يأتي دور علماء الدين قبل غيرهم من عامة الناس، فهم القدوة الحسنة في هذا الشأن.
خامساً: الدعوة إلى تبني قضايا حقوق الإنسان وكرامة الإنسان أيّاً كان مذهبه وعرقه ولسانه، بعيداً عن الطائفية والانتقائية والتحيز والشللية،والدعوة كذلك إلى حرية التعبير والتفكير والنقد البناء، وهي ومسائل أمرنا الله بصيانتها والمحافظة عليها، وهو القائل سبحانه وتعالى: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ } [الإسراء:70].
كل بني آدم، دون تفريق ودون تمييز بين جنس أو لون أو طائفة.(58/46)
سادساً: العمل على النهوض بالبلاد العربية والإسلامية ككل، بعيداً عن أجواء الطائفية البغيضة والتجزيئية والتمزق، ورفض كل صور الإرهاب وأشكاله، والابتعاد تماماً عن والعنف المضاد؛ لأنه يجر بلادنا الإسلامية إلى بحور الدم التي لا قرار لها ولا نهاية.
سابعاً: زرع مبدأ التسامح والإنسانية أثناء التعامل بين أبناء المذهبين الكبيرين، فالمسلم أخو المسلم، أحبَّ أم كره، والمؤمنون كلهم إخوة كما ذكر القرآن الكريم، وهم أهل دين واحد ونبي واحد وقبلة واحدة، ولنا في موقف أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه خير أسوة وقدوة عندما لم يبادر بقتال الخوارج الذين خرجوا عليه، فقال لهم: (لا نمنعكم من الصلاة في مساجدنا ولا نمنعكم من الفيء ولا نبادركم بقتال حتى تبادرونا)، فلما سفك الخوارجُ الدم الحرام، وشهروا سيوفهم في وجوه المسلمين، أصبح لزاماً على أمير المؤمنين قتالهم، والأخذ على أيديهم، وهذا ما حدث بالفعل بعد ذلك، حتى سقط شهيداً على يد أحد الخوارج المارقين.
ثامناً: لابد من تعزيز الثقة بين اتباع المذهبين، فلا يمكن أن يحدث تقارب إذا لم يكن هناك نوع من الثقة المتبادلة والمبنية على أساس المصارحة والصدق، فلا يُخوّن أحدنا الآخر، ولا يتهمه أو يشكك في نياته، فإن النيات موطنها القلوب، والله أعلم بها حتى من أصحابها، وما لنا إلا الظاهر، والمطلوب منا اليوم المصارحة أولاً، ثم المصارحة والمصافحة ثانياً.
وإن وجود الثقة المتبادلة أمر أساسي لمبدأ التقريب بين السنة والشيعة.
وأذكر في هذا المقام حواراً دار بين حكيم صيني وتلميذه، حيث سأل التلميذ معلمه، فقال: قل لي أيها المعلم الصالح، على ماذا تقوم الدول؟.
فقال الحكيم: تقوم الدول على ثلاثة أمور: على الجيش، ثم العمل، ثم الثقة.
قال التلميذ: إذا أردنا أن نتخلى عن أمرٍ واحدٍ من هذه الأمور الثلاثة فعن أي منها نتخلى؟ .
قال الحكيم: نتخلى عن الجيش.(58/47)
قال: وإذا أردنا أن نتخلى عن أمرٍ ثانٍ، فعن أيهما نتخلى؟.
قال الحكيم: نتخلى عن الأعمال – ولكن أيها التلميذ النجيب لا يمكن أن نتخلى عن الثقة وتبقى الدولة قائمة، فإن الناس إنما يتعايشون ويتعاملون بما لديهم من ثقة متبادلة وحب.
وهذا الشيء يصدق علينا نحن أتباع هذين المذهبين الكريمين في منطقتنا العربية والإسلامية، ومن نافلة القول أن علينا أن ننظر إلى مصلحة أوطاننا أولاً، ومصلحة أبنائنا ثانياً، ومصلحة أمتنا ثالثاً، وقبل ذلك وبعد ذلك مصلحة ديننا وإسلامنا الذي أكرامنا الله به، ثم إننا جميعاً ركاب سفينة واحدة، إذا انخرق قعرها لم ينج من في أعلاها من الغرق.
إنها دعوة صريحة وصادقة ومخلصة لأبناء أمتنا العربية والإسلامية للنظر إلى عوامل التقريب، والعمل على تأسيس مستقبل أكثر رحابة وأكثر تسامحاً وأكثر ثقة، وأن نتعاون على ما اتفقنا عليه، وأن يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.
والله أسأل أن يأخذ بأيدينا جميعاً نحو سُبُل الخير والسلام لنا ولأوطاننا ولأمتنا العربية والإسلامية العظيمة.
***
الخاتمة
وبعد.. إن مصير الإنسان وكل إنسان إنما هو معلق بهذا الدين العظيم وفق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وليس وفق ما جاء به علماء الأديان والمذاهب والملل والنحل، ولن ينفع الإنسان أي إنسان في كل زمان ومكان أن يقول أمام الله رب العالمين يوم القيامة { وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا. رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } [الأحزاب:67-68] .(58/48)
إن قضية الاعتقاد مسألة خطيرة، وجليلة؛ لأنها مسألة مصير في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا لن تكون المسيرة، مسيرة الإنسان في الحياة صحيحة وسليمة، إذا كان التصور في أساسه خاطئاً في الاعتقاد.. وخاطئاً في العبادة .. وخاطئاً في الحكم على الآخرين. أما في الآخرة فإن القضية أهم وأخطر؛ لأنها قضية مصير، إما إلى الجنة وإما إلى النار.
فيا أيها الشيعي الحُر والعاقل والمنصف.. هذه حقائق علمية، وقواعد فكرية وعقلية وأسس منطقية أحببت أن أضعها بين يديك لعل الله عز وجل يوفقك للأخذ بها والتفكير فيها ملياً، من دون تعصب أو تزمت أو تشدد لموروث الآباء والأجداد، أو تأثر بالبيئة الأسرية والمحيط الاجتماعي الذي نشأت فيه، فالمسؤولية فردية في أصلها وأساسها { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا. اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } [الإسراء:13-14].
هذه كلمات أخ محب وناصح يرجو لإخوته الشيعة الخير.. كل الخير.. في زمنٍ قلّ فيه المحبون والناصحون.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
******
*****
****
**
الفهرس
الإهداء: ... 2
المقدمة: ... 3
عائشة رضي الله عنها، مسلمة أم كافرة: ... 7
جيل مثالثي: ولكنه كافرة.. ومرتد: ... 11
من فتح البلاد .. وحرر العبادة؟: ... 16
منزلة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنزلة الأئمة الأطهار: ... 19
الإمامة .. أين نجدها في القرآن الكريم: ... 23
شجاعة علي.. وكسر ضلع فاطمة : ... 26
عمر عدو علي .. ولكنه ضلع فاطمة: ... 28
تسمية الأبناء بأسماء الأعداء!!: ... 30
الله يترضى.. والشيعة يلعنون: ... 36
الإفراط في الحب.. والإفراط في البغض: ... 39
الإتباع الأعمى لعلماء الدين: ... 42
دعوة صادقة للتقريب بين السنة والشيعة: ... 45
الخاتمة: ... 53(58/49)
شيعة العراق.. عراك في عراك
الخارطة الشيعية العراقية
حامد محمود**
01/06/2004
آية الله السيستاني
على الرغم من كونهم يشكلون 61% من سكان العراق فإن شيعة العراق ظلوا مهمشين سياسيًّا منذ سقوط الدولة العثمانية وخلال كل الإدارات المتعاقبة، حتى وصلت قمة التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي تحت سلطة صدام حسين، على الرغم من وقوفهم ضد إيران في الحرب؛ تعبيرًا عن مشاعرهم الوطنية والقومية العربية، وعلى حساب صلاتهم المذهبية مع إيران.(1) وهذا التهميش أصبح يشار إليه -من قبل الشيعة العراقيين- بمشكلة الطائفية والتمييز الطائفي التي تتربع الآن مسألة معالجتها على رأس الأجندة الشيعية بعد سقوط نظام صدام.(2)
والواقع أن الدولة العراقية منذ تأسيسها عام 1920 تعاني من علة أساسية كانت ولا تزال السبب الرئيسي فيما واجهته من متاعب؛ وهذه العلة تكمن في تسلط أقلية صغيرة من الشعب على زمام الحكم، واستئثارها به، وانفرادها بممارسة سلطاته، وحرمان بقية الفئات ولا سيما الأكثرية الشيعية والأقلية الكردية؛ ويرجع الشيعة ذلك إلى البريطانيين الذين قوبلوا بمواجهة عنيفة منهم، مما دفعهم إلى منح الحكم للأقلية السنية، واتباع سياسة تهدف لإقصاء الشيعة من المناصب الهامة، وانحياز الموظفين البريطانيين ضدهم، وهو ما أدى إلى زيادة احتجاج الشيعة على هذه السياسة.(3)
وفي هذا الإطار كتبت "المس جير تود يل بيل" -سكرتيرة المندوب السامي وصانعة العراق الحديث- في تعليقها على احتجاجات الشيعة: "أما أنا شخصيًّا فأبتهج وأفرح حينما أرى هؤلاء الشيعة الأغراب يقعون في مأزق حرج؛ فإنهم أصعب الناس مراسًا وعنادًا في البلاد".(4)(59/1)
ومن أهم مظاهر التمييز الطائفي ضد الشيعة في العراق -منذ قيام الدولة الحديثة- قانون الجنسية العراقي الذي يضع شروطًا محددة لاكتساب الجنسية؛ وهو ما حرم منها آلاف الشيعة من العائلات الشيعية، بحجة تبعيتهم لإيران.(5) وكذلك التضييق على قياداتهم الروحية، وعدم السماح للشيعة بممارسة شعائرهم الدينية، وأحيانًا حتى بتداول كتبهم الدينية الخاصة (تمتلئ مكتبات وأرصفة الشوارع في بغداد الآن بالكتب الشيعية، وأبرزها كتب الخوميني، ومؤلفات الصدر والخوئي التي كانت محظورة من قبل، وبخاصة في شارع المنصور الذي كان يمتلئ بقصص وروايات صدام).(6)
هذه الممارسات أدت إلى تعطيل عمل الحوزة العلمية في النجف التي تعتبر مصدر القرار الروحي والشرعي وأيضًا السياسي لدى الشيعة المتدينين. وقد أدى شعور الشيعة بالاضطهاد والتمييز إلى بروز حركات الاحتجاج الشيعي المرتبطة بالحوزة العلمية في النجف، وعلماء الدين في المدن الشيعية الأخرى كـ كربلاء والكاظمية التي تطورت لاحقًا إلى حركة الإسلام السياسي الشيعي والتي تجاوزت فيما بعد كونها حركة احتجاج ضد التمييز الطائفي إلى بلورة لمشروع إسلامي متكامل، يطرح نفسه بديلاً للمشاريع العلمانية باتجاهاتها القومية والشيوعية والليبرالية.
والمجتمع الشيعي في العراق شأنه شأن المجتمع العراقي ذاته، يمثل طيفًا واسعًا من الاتجاهات السياسية القومية واليسارية والليبرالية التي من المؤكد أنها تتقاطع في توجهاتها مع بعضها البعض، وإن كان جوهر التطلعات الشيعية -كما يعكسها تنوع انتماءاتهم الفكرية والسياسية- هو ضرورة قيام نظام ديمقراطي تعددي؛ حيث يضمن لهم مشاركة تتناسب مع حقيقة كونهم الأغلبية السكانية (60%).(7)
حزب الدعوة
محمد صادق الصدر(59/2)
لعب الزعيم الشيعي محمد باقر الصدر دورًا بارزًا في استنفار الحوزة العلمية لدعم أول حركة سياسية شيعية برزت في العراق، ووضعت إستراتيجياتها وتكتيكاتها على أساس تحقيق الهدف النهائي، وهو تسلم السلطة، وإقامة حكم إسلامي في مواجهة المد الشيوعي في العراق إثر انقلاب عبد الكريم قاسم عام 1958. وبفضل الأفكار التي صاغها الصدر، تبوأ الحزب مركزًا متقدمًا في العمل السياسي والتنظيمي الشيعي قبل أن يصاب بنكسات جدية، بسبب حملات القمع والتصفية الجسدية التي طالته من السلطة التي شملت اغتيال الصدر عام 1980؛ إضافة إلى الاختبار الوطني والقومي الصعب الذي كان على حزب شيعي عراقي أن يمر به أمام الانتصار الكاسح للثورة الإسلامية في إيران التي هي مشروع إيراني مهما كانت طبيعة الشيعة.(8)
وأدت حملات القمع التي تعرض لها الحزب وقياداته إلى اجتثاث معظم قواعد الحزب، وهروب قياداته الباقية إلى الخارج، بالإضافة إلى حالة الخصومة التي دخل فيها الحزب مع منطلقات الثورة الإيرانية، الأمر الذي أدى في النهاية إلى حدوث مجموعة من الانشقاقات في داخله -خلال الثمانينيات والتسعينيات- بسبب الخلاف حول مفاهيم ولاية الفقيه، والشورى، والدولة الإسلامية، وأيضًا حول حدود العلاقة مع إيران وهوية الحزب العراقية.(9)
المجلس الأعلى للثورة الإسلامية
يعتبر المجلس أكبر المنظمات التي تطرح نفسها كممثلة للأغلبية الشيعية في العراق، إلى جانب بعض الأحزاب والتنظيمات الأصغر حجمًا؛ وتأسس عام 1980 على يد محمد باقر الحكيم، بعد فترة قصيرة من فراره إلى إيران؛ حيث تتمتع عائلته بنفوذ واسع في المؤسسة الشيعية، ولدى عشائر وسط وجنوب العراق؛ ويمتلك الحزب ميلشيا عسكرية.(59/3)
وتضافرت عدة عوامل عديدة؛ منها الدعم الإيراني الكبير والتفاف باقي التنظيمات والشخصيات الشيعية العراقية حول الحكيم، إضافة إلى ظروف الحرب العراقية الإيرانية، لكي تمنح المجلس الفرصة ليتبوأ قيادة حركات الشيعة المعارضة لنظام صدام والتي تدعمت لاحقًا عبر الدعم السياسي والمادي الذي حصل عليه المجلس من بعض الدول العربية، لا سيما بعد حرب الخليج 1991؛ حيث فتحت أمام الحكيم الأبواب في كل من سوريا والكويت والسعودية.
وقد سمح هذا الدعم والعلاقات -التي نسجها المجلس وزعيمه الحكيم مع باقي أطراف المعارضة- أن يتصدر التمثيل الشيعي في العمل الذي سبق الحرب على العراق 2003 من خلال سلسة الاتصالات والاجتماعات الشيعية مع الولايات المتحدة التي كشفت النقاب لاحقًا عن أجندة عمل المجلس وأهدافه ومنهاج عمله وتكتيكاته السياسية، في ضوء المبادئ العامة التي يتبناها.(10)
منظمة العمل الإسلامي
اعتبرت هذه المنظمة ثاني أهم تنظيم شيعي يبرز في تلك المرحلة التي واكبت انطلاق حزب الدعوة؛ وذلك بسبب السجالات الداخلية التي تركز حول أطروحات الولاية والشورى والمرجعية؛ وهي سجالات فقهية كشفت انعدام وجود برنامج سياسي واضح يمكن أن تقدمه أمام اختبار شعبي حقيقي.(11)
وفي الواقع فإن استمرار هذه المنظمة جاء لممارستها دور المنافسة التاريخية بين حوزتي النجف التي مثلها حزب الدعوة، وحوزة كربلاء التي مثلتها المنظمة (في حين ارتكز المجلس الأعلى للثورة الإسلامية على مرجعية قم الإيرانية). وهي منافسة تشير إلى التنوع وربما إلى الانقسام الذي يسم الحالة الشيعية العراقية في الإطار المرجعي الديني، أكثر مما يشير إلى الخلافات الفكرية حول المفاهيم الفقهية للخطاب الإسلامي الذي تتبناه الحركتان.(12)(59/4)
وإلى جانب هذه التنظيمات فقد ظهرت خارج العراق مجموعات إسلامية شيعية أصغر؛ مثل حركة المجاهدين العراقيين، وجمعية العلماء المجاهدين، وحركة جند الإمام، والحركة الإسلامية، بالإضافة إلى بعض الشخصيات الشيعية العلمانية، وفي مقدمتهم أحمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي الذي تكون عام 1992 من أحزاب ومنظمات سياسية عراقية؛ ويعتبر أقرب حلفاء واشنطن من العراقيين؛ وكذا إياد علاوي الذي يترأس حركة الوفاق الوطني العراقي.(13)
تابع في نفس الملف:
المرجعية.. سبب الخلافات بين الشيعة
حامد محمود**
01/06/2004
مراجع الشيعة.. عامل تفتيت وليس توحيد
يُعَدُّ الخلاف سمة أساسية صبغت علاقة التنظيمات الشيعية السياسية، منذ نشأتها وتبلور اتجاهاتها السياسية في العراق الحديث؛ فالخلافات ليست وليدة اليوم أو لحظة سقوط صدام؛ وإنما هي متجذرة في البنية التنظيمية والعقائدية لهذه التنظيمات والتيارات التي لم يوجد بينها سوى هدف واحد، وهو السعي لإسقاط صدام بحيث يمكن القول: إنه لو أتيح لإحداها الاستيلاء على السلطة بمفردها لفعلت بالآخرين ما فعله صدام بمعارضيه.
فبالإضافة إلى الخلاف بين المجلس الأعلى للثورة ومنظمة العمل
الإسلامي -كما أوضحنا من قبل- فإن هناك خلافًا جذريًّا متعمقًا بين الحزب والمجلس الأعلى للثورة بالرغم من أن الحكيم كان أحد مؤسسي حزب الدعوة عام 1958 مع الصدر؛ حيث يمتد أصل الخلاف بينهما إلى المرجعية الدينية للشيعة، حيث يعتز شيعة العراق بأن مرجعيتهم الدينية هي لإمام النجف الأشرف، ويمثلهم في هذا بعض قيادات حزب الدعوة؛ أما المجلس وزعماؤه فقد خضعوا لمؤثرات إيرانية قوية، سواء من ناحية المرجعية أو التوجه السياسي؛ حيث يبدو في أفكاره أقرب للنظرية السياسية للشيعة في إيران من مثيلتها لشيعة العراق.(14)(59/5)
وقد برز هذا الخلاف منذ اغتيال إمام النجف الأشرف محمد صادق الصدر عام 1999 (والد مقتدى الصدر)؛ فقد انقسم فيلق بدر -الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية- وتنظيمات إسلامية أخرى بين الولاء لمرجعية إمام النجف، والولاء لمرجعية إمام قم في إيران، وما يعنيه ذلك من واجبات سياسية ومادية نحو هذه المرجعيات(15).
وخلال انتفاضة مارس 1991 ظهر انقسام الحركة الإسلامية العراقية في الجنوب؛ حيث ثار أكثر من عشرة ملايين مواطن، وكادت انتفاضتهم أن تقلع حكم صدام لولاء الانقسام، وتعدد الولاء بين تنظيمات المعارضة العراقية، والرعب الذي اجتاح الأوساط الحاكمة في عدد من البلدان المجاورة -ومنها السعودية وإيران- حيث عمدت الأولى إلى نزع سلاح المقاتلين الذين لجئوا إليها، بينما أمرت إيران بسحب قوات الحرس الثوري التي كانت قد دخلت جنوب العراق، ومنعت عبور قوات بدر الإسلامية إلى العراق، ووضعت كل أجهزة الأحزاب والتنظيمات العراقية تحت قيادة المجلس الأعلى للثورة بقيادة الحكيم الموالي لها(16).(59/6)
وأظهرت الفترة التي سبقت الحرب والاستعداد لها اختلافات بين المجموعات الشيعية، بعضها جذري بشأن الموقف من الحرب ذاتها. ففي هذا الوقت انخرط المجلس وبعض الشخصيات الشيعية الدينية الفاعلة بنشاط في دعم فكرة الحرب والتنسيق مع الطرف الأمريكي، كما اتضح في اجتماعات لندن وأربيل (يناير، فبراير على التوالي 2003)؛ حيث تبنى المجلس نهجًا برجماتيًّا تجلى في توثيقه الاتصالات مع الإدارة الأمريكية بشأن إسقاط صدام حسين؛ حيث تولى عبد العزيز الحكيم شقيق باقر الحكيم الاتصالات مع أمريكا من خلال وجوده في الكويت أو التنسيق مع الأحزاب حول الحكومة البديلة رغم رفضه فيما مضى التعاون مع أي جهات أجنبية، وأمريكية على وجه التحديد من أجل التغيير في العراق؛ وحاول الحكيم في اجتماعات لندن (يناير 2003) للمعارضين العراقيين الاستئثار بمخاطبة الأمريكيين باسم الإسلاميين(17).
ورغم هذه المواقف فقد أعلن زعيم المجلس باقر الحكيم إدانته للهجوم على العراق، محذرًا الأمريكيين من مواجهة مقاومة مسلحة في العراق إذا بقوا بعد صدام؛ وأنها ستعتبر حربًا ضد الإسلام والمسلمين؛ في حين امتنعت أطراف أخرى -ومنها حزب الدعوة(18)- عن التعاون مع الولايات المتحدة، وقاطع مؤتمر لندن للمعارضة في يناير 2003 رغم توجيه الدعوة إليه؛ وذلك احتجاجًا على أمريكية الاجتماع ومنح واشنطن حق تقرير المستقبل السياسي ومشاركة القوى العراقية في تركيبة الدولة؛ وذلك في سياق التزام الحزب بتاريخه النضالي وطابعه المعارض للهيمنة الأمريكية(19)، في حين أصدر البعض من مجتهدي الشيعة فتاوى؛ إما بتحريم هذا التعاون، أو الحث عن الامتناع عن تقديمه.(59/7)
وكما كان حال الإمام محمد كاظم الحائري المرجعية الأساسية لمقتدى الصدر في العراق -وهو أحد كبار المرجعيات الدينية العراقية ويعيش في إيران منذ عدة عقود ويتخذ مواقف متشددة تجاه أمريكا (20)- فقد اختار البعض في الوقت نفسه، مثل آية الله محمد صادق الشيرازي -المرجع الروحي لمنظمة العمل الإسلامي- موقفًا وسطًا تفادى فيه تأييد الحرب، لكنه رأى ضرورة اغتنام الفرصة لإنقاذ الشعب العراقي المؤمن المظلوم من المظالم، ودعا إلى عراق مستقل وموحد على أسس التعددية والحرية.(21)
بينما اتخذ آية الله السيستاني موقفًا اتسم بالحيادية الإيجابية لصالح الأمريكان، داعيًا العراقيين الشيعة إلى عدم الوقوف في وجه القوات الغازية، أو مقاومة محاولات إسقاط صدام حسين؛ حسبما أكد عبد المجيد الخوئي أحد كبار القيادات الشيعية العراقية المؤيدة للغزو من لندن، وإن كان مكتب السيد السيستاني في قم، ومن خلال صهره السيد جواد الشهرستاني قد أكد عدم صحة البيان.(22) وكان السيستاني قد أكد في سبتمبر 2002 على أن من يساعد الأمريكان سيحيق به العار في الدنيا، ويلقى العقاب في الآخرة.
وجاءت هذه المواقف المتباينة بالرغم من اتفاق الأحزاب والقوى السياسة الشيعية الرئيسية في العراق على الخطوط الرئيسية في عراق ما بعد صدام؛ وذلك خلال مؤتمر المعارضة الشيعية العراقية الذي انعقد في طهران في مارس 2003 بهدف التوصل لرؤية موحدة لدور الشيعة في تحديد مستقبل العراق، وحضرته القوى المتحالفة مع إيران (المجلس الأعلى للثورة، وحزب الدعوة، ومنظمة العمل الإسلامي)؛ وكذا المتحالفون مع الولايات المتحدة (المؤتمر الوطني، الوفاق)، وفاعليات عراقية ودينية، وعشائر كردية شيعية؛ حيث اتفق المشاركون على ضرورة إقامة حكم تعددي يضمن المساواة، بعيدًا عن التمييز الطائفي أو المذهبي.(59/8)
كما شكل المؤتمر لجنة تدوين مسودة حقوق الشيعة في العراق؛ لتكون مرتكزًا في أي مشروع جديد لهذا البلد؛ ودعا محمد باقر الحكيم إلى تحقيق أهداف العراق عبر أبنائه، ومن بينها الانعتاق من الديكتاتورية، والاستقلال عن الهيمنة الأجنبية، وتأمين وحدة العراق، والتعددية السياسية.(23)
بوابة ضريح الحسين في العراق
وعلى الرغم من الاتفاق على الخطوط العامة لعراق ما بعد صدام، فإن الحال تبدل تمامًا عقب سقوط نظام صدام، حيث احتدم الصراع بين هذه التيارات على النفوذ والسيطرة على الشارع الشيعي؛ وهو ما أظهره بوضوح مظهر بوابة الإمام الحسيني -رضي الله عنه- في كربلاء والمكسوة بالبرميق الأزرق اللامع؛ حيث غطتها ملصقات لرجال دين متنافسين، بعضهم موجود بالعراق وآخرون بإيران.(24)
كما أتاح انهيار نظام البعث سريعًا الفرصة للقادة وللتنظيمات الشيعية -التي كانت في المنفى- العودة إلى العراق؛ وكان بعضهم مثل السيد عبد المجيد الخوئي نجل آية الله الخوئي -الذي جرت في عهده انتفاضة الشيعة مارس 1991- قد عاد على عجل إلى مدينة النجف (مركز المرجعية الشيعية ورمز قوتها حتى قبل سقوط النظام في بغداد)؛ وهو ما بدا صراعًا واضحًا للسيطرة على الشارع الشيعي الذي كان متوقعًا انطلاقته بقوة في حال سقوط النظام.(59/9)
وأشار مقتل الخوئي -الذي عاد سريعًا من لندن إلى النجف على رأس مجموعة من المعارضين العراقيين- إلى معالم خريطة جديدة للقوى السياسية الشيعية، مغايرة لتلك التي رسمتها تنظيمات المنفى الشيعية بشكل كبير، والتي تجاهلت حقيقة وجود تيار شيعي جديد/ قديم يقوده مقتدى الصدر نجل المرجع الشيعي محمد صادق الصدر؛ حيث ألقيت مسئولية مقتل الخوئي على جماعة موالية له، لا سيما أن الخوئي كان مؤيدًا بل ومحرضًا على غزو العراق من قبل الولايات المتحدة؛ وهو ما أدى إلى توجيه انتقادات حادة له في الصحف الإيرانية المحافظة، مثل "كيهان" و"جمهوري إسلامي" و"رسالت" التي هاجمته بشدة ووصفته بواعظ السلاطين قبل يوم واحد من مقتله، بل ودعا ممثل خامنئي -في محافظة أرومية في صلاة الجمعة- إلى تصفية من هم على شاكلة الخوئي من رجال الدين الإصلاحيين.(25)
وكشفت هذه الأحداث عن التغييرات الجذرية التي طرأت على الساحة الشيعية ومرجعياتها وخارطتها السياسية؛ حيث ظهرت أربعة اتجاهات دينية وسياسة تتنازع القيادة على الشارع الشيعي:
أولها: هو الحوزة العلمية في النجف التي تُعَدُّ قمة المرجعية الشيعية؛ ويأتي على رأسها آية الله العظمى علي السيستاني الذي يُعَدُّ الزعيم الروحي لشيعة العراق، بالرغم من كونه إيراني المولد، بالإضافة إلى مجموعة من كبار المرجعيات، وهم: آيات الله محمد إسحق فياض، وحسين بشير الأفغاني، ومحمد سعيد الحكيم. ورغم المكانة الرفيعة والاحترام الذي تحوزه هذه المرجعية، فإنها تفتقد القدرة على التعبئة السياسية، وإن كان السبب في ذلك يعود إلى تفرغها للدين وابتعادها عن الأمور السياسية؛ ومرجع ذلك كونهم إيرانيين.(59/10)
وثانيها: الاتجاه الذي يمثله المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي حاز اهتمامًا إعلاميًّا كبيرًا منذ بداياته؛ وذلك بسبب الدعم الكبير الذي حاز عليه من إيران في البداية، ثم من دول الخليج بعد ذلك، وكذا نفوذه الواسع وسط شيعة المنفى، وأخيرًا بسبب الالتفاف الكبير حول قيادة زعيمه (السابق) محمد باقر الحكيم نظرًا لماضيه وتاريخ عائلته التي ترتبط بروابط عشائرية وقبلية قوية في الجنوب؛ كما أن والده آية الله محسن الحكيم هو الذي تولى المرجعية في النجف قبل الخوئي، فضلا عن ماضي الحكيم الطويل بالانخراط في المعارضة السياسية منذ 1958.(26)
إلا أن هناك سلبيات تتعلق بالمجلس، أهمها علاقته بإيران، واتصالاته السياسية الخارجية، لا سيما مع الولايات المتحدة التي شارك المجلس في عدد كبير من المؤتمرات بها؛ وهو ما يشوِّه صورته، بالإضافة إلى تمحور المجلس حول شخصية الحكيم وعائلته، وضعف هيكلته التنظيمية؛ الأمر الذي يوحي بأنه ليس بحركة سياسية، بقدر ما هو تجمع نخبوي كما سنتناول ذلك بالتفصيل فيما بعد.
والاتجاه الثالث: تمثله الأحزاب والحركات المنظمة، مثل حزب الدعوة بمختلف فصائله، ويقوده الشيخ محمد ناصري الذي يسعى جاهدًا لإعادة ترميم هياكل الحزب الذي تعرض لانتكاسة كبرى بسبب الضربات القوية من نظام صدام؛ بالإضافة إلى منظمة العمل الإسلامي، وعدد آخر من الجماعات الصغيرة التي مزقتها الانشقاقات في المنافي؛ وهي الآن تواجه تجربة جديدة عليها التأقلم مع واقعها وممارسة العمل السياسي وفقًا لمفاهيم جديدة.(27)
وتحت هذه الطائفة تبرز شخصيات كأحمد الجلبي، وهو من الوجوه الشيعية العلمانية الذي يطلق عليه رجل البوليس الأمريكي؛ حيث يفتقد لأي شعبية بالداخل العراقي بسبب ارتباطه بالولايات المتحدة؛ وهو الأمر الذي يمثل ضررًا له أكثر منه منفعة.(59/11)
أما الاتجاه الرابع: فهو تيار الصدر الذي أثبت قدرة تعبوية هائلة منذ سقوط النظام، تمثلت بالسيطرة على أكبر تجمع شيعي في العراق، وهو من مدينة الثورة (صدام)؛ وهي حي عشوائي يقطنه مليونا شيعي شرق بغداد، وأطلق عليها مدينة الصدر. كما أثبت التيار الذي يقوده الزعيم الشاب قدرة تعبوية ملحوظة في باقي المدن والأحياء الشيعية، وإنشاء ميليشيات خاصة به أدارت الأمن بعد انهيار السلطة، مما يدل على طموحات واضحة لدى هذا التيار الذي يفتقر بدوره للخبرة السياسية، غير أنه يستند إلى تراث فقهي وفكر شيعي سياسي غني خلفه له والده الصدر، بالإضافة إلى كونه يمثل القومية العراقية العربية في مواجهة التنظيمات والمرجعيات ذات الأصول والرابطات الإيرانية.(28)
تابع في نفس الملف:
شيعة العراق.. عراك في عراك
الخارطة السياسية الشيعية
المرجعية سبب الخلافات
الشيعة بين الصدر وآل الحكيم
أمريكا تضرب الصدر بمجلس الثورة
---
** محلل سياسي مصري
14 - 15 - 16 - إبراهيم نوار، مصدر سبق ذكره.
17 - حسن فحص، فصائل المعارضة العراقية وخلافات حول الحصص في اجتماع في لندن، الحياة 13/1/2003.
18 - انظر تصريحات للحكيم، الحياة 1/4/2003.
19 - الحياة 13/1/2003.
20 - الشرق الأوسط، الحياة 3/4/2003.
21 - صلاح النصراوي، مصدر سبق ذكره.
22 - انظر تصريحات الخوئي، الحياة 4/4/2003، وكذلك صلاح النصراوي، مصدر سبق ذكره.
23 - الحياة 7/3/2003.
24 - الشرق الأوسط 24/4/2003.
25 - الحياة 4/4/2003.
26 - 27 - 28 - صلاح النصراوي، مصدر سبق ذكره.
شيعة العراق.. عراك في عراك
الشيعة بين الصدر وآل الحكيم
حامد محمود**
01/06/2004
مقتدى الصدر(59/12)
عقب انهيار نظام صدام حسين ودخول قوات الاحتلال بغداد وجد العراقيون أنفسهم فجأة أمام فراغ سياسي حقيقي، مَثَّل حالة كلية من الغياب الفعلي للقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني التي يمكن أن يلوذ بها العراقيون لحمايتهم؛ فلم يجدوا أمامهم من مرجعيات ومؤسسات سوى التقليدية منها، وبخاصة الدينية والعشائرية التي لعبت دورًا ملموسًا في حفظ الأمن والنظام؛ ومن ثَمَّ فقد تدافعت القوى السياسية العراقية الموجودة بالخارج -لا سيما الشيعية- لملء هذا الفراغ، وبرز في مقدمتها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية؛ حيث بادر عبد العزيز الحكيم (نائب رئيس المجلس) بالدخول إلى العراق في أول مايو 2003 من الكويت التي أقام بها 23 عامًا؛ وكان أول أعماله الاجتماع بالحاكم العسكري الأمريكي؛ حيث يعتبر الأول همزة الوصل بين المجلس والإدارة الأمريكية.(29)
وعلى صعيد السيطرة على الشارع الشيعي تسارعت عناصر من المجلس الأعلى لدخول العراق فور سقوط بغداد؛ وبلغ قوامها ألفي مقاتل ورجل دين، ومعهم من الأموال والأسلحة والمنشورات ما يفي بغرض السيطرة على البلاد، ولا سيما المدن الشيعية الرئيسية، وفقًا خطة وضعتها قيادة الحرس الثوري الإيرانية التي تشرف على تدريبات رجال فيلق بدر -الجناح العسكري للمجلس- بشكل كامل. وسعت هذه العناصر للسيطرة على مدن كربلاء والكوفة والناصرية والعمارة، وتشكيل لجان ثورية على غرار تلك التي صاحبت قيام الثورة الخومينية، بهدف إقرار الأمن. كما استولت عناصرها على مبان كبيرة، بعضها يعود لحزب البعث في كربلاء والنجف، وعينوا حكامًا محليين تابعين في الناصرية والديوانية، وبدءوا في توزيع آلاف الدولارات على الطلبة وعلماء الدين وشبان كربلاء والنجف؛ لكي يخرجوا للشوارع ويرفعوا الهتافات المؤيدة للحكيم.(59/13)
هذا بالإضافة إلى تواجد أكثر من 3 آلاف عنصر من فيلق بدر في شمال العراق(30)، بينما كان تيار الصدر يتحرك هو الآخر للسيطرة على الأوضاع في الداخل؛ حيث أنشأ مكاتب إدارية في مراكز شيعية رئيسية في البلاد، ونشر ميلشيا عناصر شيعية لحفظ الأمن والسلام، ولدفع رواتب بعض موظفي الحكومة.(31)
وقد صعدت التظاهرة الضخمة -التي شارك فيها نحو مليوني شيعي عراقي للاحتفاء بأربعينية الإمام الحسين بعد سقوط صدام- من حجم المخاوف من جانب منافسي الصدر الساعين للسيطرة على الشارع الشيعي؛ حيث واجه الصدر انتقادات من جانب أتباع السيستاني الذين يرون أنه ليس برجل دين رفيع المستوى (أي لا يحق له في الإفتاء)؛ حيث أصدر السيستاني فتوى في إبريل 2003 تنصح رجال الدين بأن يتجنبوا المشاركة في شئون إدارية وتنفيذية بالبلاد؛ كما تؤكد بوضوح أن الفتاوى الصادرة عن علماء دين أحياء هي وحدها التي ينبغي أن تتبع؛ وذلك في إشارة واضحة إلى الفتاوى الكثيرة التي أصدرها مقتدى الصدر بالاستناد لمرجعية والده الإمام الصدر.(32)
وتتخلص نظرية الصدر -التي يتبعها ابنه- في ضرورة أن يكون لرجال الدين دور فاعل في محيطهم الاجتماعي، وهو ما يراه مقتدى الصدر في إقامة دولة إسلامية على نمط إيران؛ حيث يتولى رجال الدين الشيعة الحكم؛ وذلك كما يقول أحد مساعدي الصدر؛ الشيخ كاظم العبادي الناصري: "إن طموحنا هو إقامة دولة إسلامية حيث تطبق النظرية الإسلامية بالكامل". كما قال: "إن الصدر يؤمن بحكم رجال الدين الذين ينبغي لهم أن يتدخلوا في كل مناحي المجتمع العسكرية والاقتصادية والسياسية، كما فعل آية الله الخوميني".
بل إن الزعيم الشاب يقول: "أريد أن يحكم العراق رجل دين شيعي، سواء كان عراقيًّا أو إيرانيًّا؛ وأفضل أن يحكمه شخص مثل الخوميني من أي عراقي علماني".(33)(59/14)
وفي مواجهة الانتقادات التي توجه له بسبب عدم وجود مرجعية حية يستند إليها، أعلن الناصري أن الصدر تحالف مع الإمام كاظم الحائري (المرجعية العراقية) الذي يقيم في قم لمواجهة النقد من جانب السيستاني. (ويؤمن الحائري بنفس الأفكار التي دعا إليها الإمام الصدر)؛ وتشير علاقة الصدر بالحائري إلى نفوذ إيراني لدى هذا التيار، وهو ما يؤكده لقاء هاشمي رافسنجاني مع مقتدى الصدر في طهران في 9/6/2003؛ وذلك بعدما أعلن الصدر نفسه متحدثًا باسم الشيعة في الشهر السابق له؛ مايو 2003.(34)
وعلى الجانب الآخر، يرى الحكيم ضرورة تطبيق مبدأ ولاية الفقيه، كما هو في إيران ولكن على النمط العراقي، وإدخال بعض التعديلات بالإضافة لمفهوم الولاية التي يتولاها المرجع، والتي تتضمن الأمور الفقهية والتشريعية في إدارة شئون المسلمين وإقامة الحكم الإسلامي؛ وإن حاول تهدئة المخاوف بشأن ذلك بتأكيده على الرجوع للشعب في الإدارة، ونظام الحكم والمشاركة الشعبية الدستورية في العراق السياسي، ودولة المجتمع المدني.(35)
وقد سبقت عودة الحكيم إلى العراق بداية للتشاحن بين تيار الصدر والمجلس الأعلى؛ حيث أكد الشيخ كاظم العبادي الناصري -أحد مساعدي الصدر- "أن أي شخص تدعمه أمريكا يستحق لعنتنا، كما أشار إلى أن الحكيم يتصرف كما لو كان أهم زعيم في المعارضة الدينية العراقية، مشيرًا إلى أنه زعيم سياسي وليس دينيًّا، مؤكدًا أن أولئك الذين يدعون أنهم شخصيات معارضة كانوا خونة، غادروا العراق، وتركونا نعاني هنا".(36)
محمد باقر الحكيم(59/15)
وينظر العراقيون إلى الأحزاب والشخصيات الوافدة على أنها عميلة ومتعاونة مع الاحتلال، وأنها جاءت على ظهر الدبابات الأمريكية؛ وكونها سهلت احتلال البلاد في حين كان الصدريون يواجهون حكم صدام حسين الدموي بالداخل.(37) ولعل ذلك هو أهم ما يميز تيار الصدر الذي يستند إلى قاعدة شعبية ضخمة، يؤكدها تصريح لعبد السلام الكبيسي، رئيس هيئة علماء السنة بالعراق الذي يثني على العلاقة بين السنة والصدر: "علاقاتنا مع شيعة الداخل لا غبار عليها، ولكن المشكلة مع الذين جاءوا من الخارج، وعاشوا بإيران وهم في مجلس الحكم ولا يمثلون الشيعة، وشكلوا جسرًا للاحتلال".(38)
ولعل مطالبة الكثير من أهالي الفلوجة بالانضمام إلى جيش المهدي بعد المواجهة مع القوات الأمريكية، تؤكد ما سبق ذكره من القاعدة العريضة لتيار مقتدى الصدر الذي تجاهلت وجوده قوى الاحتلال بشكل مثير للتساؤل.(39)
وفي الوقت الذي حاول فيه محمد باقر الحكيم إقامة نوع من التحالف مع الحوزة العلمية في النجف بزعامة السيستاني، بحيث يتحول إلى قائد سياسي مستندًا إلى مرجعية دينية؛ حيث أثنى الحكيم عقب عودته للعراق على دور السيستاني؛ وذلك لدرء أي تعارض بين آراء المرجعية وممارسات المجلس، تفاديًا للتوترات، خاصة وأن السيستاني قد اختار منذ انتقاله للعراق الابتعاد عن العمل السياسي، كما انتهج موقفًا وسطًا بشأن مبدأ ولاية الفقيه؛ حيث رفض فيه الولاية المطلقة؛ غير أن الحكيم والسيستاني أبرما اتفاقًا قبل وصول الأول للعراق، يقوم على إقرار الحكيم بمرجعية السيستاني الدينية في الوقت الذي سيترك فيه الثاني للأول المرجعية السياسية، كما أكد ذلك بيان السيستاني في لندن 14-5-2003.(40)(59/16)
وقد حاول الحكيم أن يجعل من عودته للعراق مماثلة لعودة الخوميني إلى طهران الذي هبطت طائرته في المطار، قادمة من باريس لتولي زمام الأمور بعد الثورة؛ حيث أجاب الحكيم على سؤال لدى عودته للعراق حول ما إذا كان سيصبح خوميني العراق، فلم يجب سوى بابتسامة؛ وقال: "إنه ليس سوى أحد جنود الثورة الإسلامية في العراق"(41)، إلا أنه بدأ يستعد لذلك؛ حيث أراد ترك رئاسة المجلس إلى أخيه عبد العزيز الحكيم ليتفرغ هو لشئون المرجعية السياسية؛ ولعل ذلك هو ما دفع بأنصار مقتدى الصدر إلى التهكم عليه، وانتقاده لمحاولته ممارسة دور الزعامة على الشيعة.
ومما سبق يمكن القول بأنه لا تعارض بين النظرية السياسية لمقتدى الصدر وتياره، وكذا لرئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، سواء في رئاسة محمد باقر الحكيم الذي اغتيل في 30 أغسطس 2003، أو رئاسة شقيقه عبد العزيز الحكيم؛ حيث يرى كلاهما ضرورة إقامة دولة إسلامية بالعراق على النمط الإيراني. إلا أن تيار الصدر يرى أنه الأحق بتولي الحكم وتطبيق النموذج الإسلامي؛ لأنه ظل بالعراق وقاوم بطش صدام، ويستند لقاعدة شيعية ضخمة يفتقر إليها أي تنظيم آخر، خاصة مع المكانة التي يحظى بها الصدر في أوساط العراقيين، بينما يرتبط المجلس وقادته من آل الحكيم بشبكة علاقات، خاصة مع إيران وأمريكا ودول الخليج، غير أنه يفتقد إلى قاعدة شعبية كبيرة لدى العراقيين الذين ينظرون إليهم على أنهم عملاء أو خونة متعاونون مع الاحتلال.
تابع في نفس الملف:
شيعة العراق.. عراك في عراك
الخارطة السياسية الشيعية
المرجعية سبب الخلافات
الشيعة بين الصدر وآل الحكيم
أمريكا تضرب الصدر بمجلس الثورة
---
** محلل سياسي مصري
29 - التقرير الإستراتيجي الخليجي 2003، دار الخليج للصحافة والنشر، الشارقة، ص 136.
30 - الحياة، الشرق الأوسط 24/4/2003، 1/5/2003.
31 - 32 - الحياة 24/4/2003.
33 - الشرق الأوسط 11/5/2003.(59/17)
34 - الأهرام 9/8/2003.
35 - صلاح النصراوي، مصدر سبق ذكره.
36- 37 - الشرق الأوسط 24/4/2003.
38- انظر تصريحات لعبد السلام الكبيسي، الحياة 23/8/2003.
39- الأسبوع 12/4/2004.
40 - صلاح النصراوي، مصدر سبق ذكره.
41 - الشرق الأوسط 11/5/2003.
شيعة العراق.. عراك في عراك
أمريكا تضرب الصدر بمجلس الثورة
حامد محمود **
01/06/2004
بوش يصطاد في الماء العكر
طرحت المواجهة بين مناصري الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر والقوات الأمريكية مجموعة من التساؤلات، في مقدمتها: لماذا المواجهة مع تيار الصدر دون بقية التيارات السياسية الشيعية الأخرى؟ هل أصبح مقتدى الصدر كارهًا للحرية كما قال الرئيس بوش في تعليقه على المواجهات المتصاعدة بين قواته وقوات الصدر التي أذاقت الأمريكيين مرارة الحرب؟ ولماذا أصبح الصدر خارجًا على القانون، ويمثل تهديدًا خطيرًا لأمن العراق وفقًا لتصريحات بول بريمر الحاكم المدني في العراق؟ ولماذا تم وصمه بالإرهاب والتحالف مع المنظمات الإرهابية، كما ذكر سكوت مكليلان المتحدث باسم البيت الأبيض؟
إن محاولة الإجابة على كل هذه الأسئلة تستلزم الإشارة إلى أن الصدر يمثل الجانب الحاد في مدرسة الرفض السياسي في العراق لوجود المحتل الأمريكي في مواجهة مدرستين أخريين؛ تمثل إحداهما الزعيم الشيعي السيستاني الذي يعلن رفضه الاحتلال، إلا أنه يؤكد عدم الدخول في مواجهات حقنًا للدماء مع الاكتفاء بمراقبة الأجواء، وإبداء الرأي في عملية نقل السلطة للعراقيين، دون الانخراط في العمل السياسي أو مشاركة الأمريكيين في ذلك (42). أما المدرسة الأخرى فيبرز فيها المجلس الأعلى للثورة الإسلامي الذي آثر اتباع ما يمكن تسميته الواقعية السياسية من خلال مشاركة الأمريكيين في مجلس الحكم الانتقالي، والدخول كطرف في اللعبة السياسية الجديدة في العراق، مع الاكتفاء بتوجيه بعض الانتقادات للأداء الأمريكي من آن لآخر(43).(59/18)
ويمكن القول بأن الصدر اتخذ خطابًا سياسيًّا ومغايرًا لهاتين المدرستين؛ مضمونه رفض الاحتلال، والمطالبة بخروج القوات الأمريكية، ومواجهة المحتلين، وعدم التعاون معهم، مع دعوته لقيام حكومة دستورية يختارها الشعب العراقي، وأن تعبر هذه الحكومة عن رغبتها، وأن تكون بعيدة عن الاحتلال(44). بالإضافة إلى ذلك فقد أعلن الصدر نفسه متحدثًا باسم الشيعة عقب سقوط صدام، وقام بتشكيل جيش المهدي، وهي ميلشيا عسكرية تقدرها بعض المصادر بنحو 11 ألف مقاتل، غير أن الصدر يؤكد أنها ليست بفرق منظمة؛ بل هم شباب مجاهدون.
ومع تزايد انتقادات الصدر لما يحدث في البلاد؛ بداية بقانون إدارة الدولة المؤقت الذي اعتبره وثيقة غير شرعية، وإعلانه رفضه للاحتلال مع الانتظار لفتوى الإمام الشرعي (وهو الحائري) بشأن الموقف منها، بالإضافة إلى وصفه مجلس الحكم بالكفر، ثم مجيء فتوى الحائري بأن الدستور المؤقت لا يمثل الحد الأدنى من مطالب الشعب العراقي، وأنه غير شرعي، ويمثل طعنة في ظهر الشعب(45).. مع تزايد كل هذه الانتقادات تغيرت ملامح الصورة في العراق؛ فقام على أثرها إقدام قوات الاحتلال على القبض على أحد مساعدي الصدر، وإغلاق صحيفة الحوزة، بل واتهام الصدر بالتدبير لاغتيال الخوئي في إبريل 2003.(46)(59/19)
كل تلك الأمور كان طبيعيًّا أن تدفع بالأحداث إلى ذروتها، خاصة مع اقتراب الموعد الذي حددته أمريكا لنقل السلطة إلى العراقيين في 30 يونيو المقبل الذي تريد أن تحتفل به الإدارة الأمريكية، حتى لو لم يتم أي تغيير حقيقي في الواقع المعقد الذي تعيشه العراق (47)؛ وهو ما دفع بالإدارة الأمريكية إلى التشدد في مواجهة الصدر الذي تحول إلى رقم سياسي، يصعب -إن لم يستحِل- تهميشه؛ إذ يعتمد الصدر على القطاع الأوسط من الطائفة الشيعية، كما تتركز شعبيته في أحياء فقيرة ومن طبقات مهمشة؛ حيث صار الرجل رمزًا للمقاومة الشيعية والسنية والشعبية والإسلامية؛ ولذلك صار لا يخلو شارع في بغداد بقسميها: الكرخ والرصافة، من لافتات لأنصار الصدر ترفرف فوق البيوت أو على السواري أو السيارات، بالإضافة إلى الإرث غير الطائفي لهذا الزعيم الشاب الذي يمتلك خطابًا ملتهبًا يجذب لب الجماهير(48).
وقد تعددت التحليلات التي تشير إلى الأهداف التي يسعى الصدر إلى تحقيقها، سواء بإدخاله في المعادلة السياسية الجديدة قبل تاريخ 30 يونيو -موعد انتقال السلطة الشكلية أو السيادة المنقوصة للعراقيين، على حد تعيير كولن باول- أو لتولي زعامة الشيعة.
وفي التحليل النهائي لكل ما سبق يمكن استنتاج نتيجتين مهمتين:
أولا: أن من سيحسم مستقبل الشيعة في العراق ودورهم هم الأكثرية منهم؛ وخاصة نخبتها من الطبقة الوسطى المتنورة التي ستكسر أطواق الصمت والتحفظ التي ضربت من حولها؛ ومن المؤكد أن صوتها سيكون عاملا مؤثرًا، بل مرجعًا لتحقيق إجماع بين الجماعات الدينية والقبلية حول أهداف وتطلعات الشيعة التي تتمحور حول منح الأغلبية الشيعية فرصة ممارسة دورها السياسي نسبة لتعدادها السكاني في عراق موحد.(59/20)
وثانيها: أن استمرار مطالبة القوات الأمريكية باعتقال أو قتل الصدر وإصرارها على ذلك في محاولة لتحقيق نصر لها -رغم صعوبة تحقيق ذلك- سوف تشعل انتفاضة داخل العراق لن تستطيع التعامل معها. فالعراقيون مسلحون، ولديهم عقيدة قوية يدافعون عنها على عكس الجنود الأمريكيين الذين يحاربون بلا أي عقيدة، وستدخل أمريكا في حرب مدن لن تقوى عليها، خاصة أن أغلبية شيعة العراق لا تنتمي إلى تيارات سياسية معينة، ولكنها مستعدة للدفاع عن عقيدتها، لا سيما بعد تجاوز القوات الأمريكية للخطوط الحمراء، واقتحامها مدينتي النجف وكربلاء المقدستين لمطاردة الصدر وأنصاره.*
إن التحذير الذي أطلقه مقتدى الصدر مؤخرًا إلى قوات فيلق بدر (الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية) الذي حذره فيه من التدخل إلى جانب قوات التحالف للعمل ضده جنبًا إلى جنب مع ما يسمى بالجيش العراقي الجديد أكد على احتدام الصراع في الداخل العراقي الشيعي بين التيارين الرئيسين (تيار الصدر، والمجلس الأعلى للثورة)، وذلك قبيل أيام قليلة من تاريخ 30 من يونيو موعد تسليم السلطة الشكلية/ أو منقوصة السيادة للعراقيين.(59/21)
وإن كان هذا التحذير الذي أطلقه الصدر لم يأتِ من فراغ؛ حيث يشير إلى حقيقة وجود اتفاق سري للمصالح، تختمر معالمه تحت السطح بين المجلس الأعلى للثورة الإسلامية والقوات الأمريكية التي يمكن أن تسند إلى المجلس القيام ببعض المهام الأمنية، لا سيما في المدن المقدسة في مقابل المساعدة بجدية في مواجهة تيار الصدر وتحجيمه؛ وإن لم تتوافر معلومات عن وجود مثل هذا التحالف أو الاتفاق بين الجانبين، وإن كانت المؤشرات والمعطيات الموجودة على السطح في العراق تؤدي إلى هذه النتيجة وتؤكدها، خاصة في ظل التحالف شبه المعلن بين المجلس الأعلى للثورة الإسلامية والمرجعية الدينية آية الله علي السيستاني الذي حاول محمد باقر الحكيم إقامته -وكما ذكرنا من قبل- ليتسنى له تولي المرجعية السياسية في العراق، بينما يتولى الآخر المرجعية الدينية؛ وهو ما لم يتم بشكل نهائي بسبب امتعاض الإدارة الأمريكية آنذاك من الحوار بين الجانبين؛ خشية سعي الحكيم إلى إقامة دولة إسلامية على غرار النموذج الإيراني؛ وهو ما لم يخفه الحكيم؛ بل أعلن عنه في مشروعه السياسي، ومهّد لذلك، غير أنه تتوفر حاليًا الظروف لإطلاق مثل هذا التحالف إلى الملأ؛ حيث يسعى المجلس إلى توسيع مشاركته في الحكم بالعراق خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى محاولته إثبات مدى قدرته على القيام بدور رجل الشرطة في العراق وضبط الأمور؛ وهو ما سعى إليه من قبل زعيمه باقر الحكيم قبل اغتياله؛ حيث أكد على قدرة قواته على القيام بهذه المهمة؛ وهو ما تحتاج إليه الإدارة الأمريكية حاليًا، بالرغم من أن أحداث العام الأول من الاحتلال أكدت على محدودية دور المجلس، وتضاؤل شعبيته الداخلية، بالمقارنة مع تيار الصدر، ناهيك عن الاتهامات الموجهة للمجلس بالعمالة بعدما جاء قادتُه على ظهور الدبابات الأمريكية، وبعد سقوط بغداد وقضاء أكثر من 20 عامًا بالخارج بعيدًا عن بطش صدام.(59/22)
وفي المقابل فإن السيستاني يخشى هو الآخر مواجهة خطر الإبعاد أو الترحيل، أو حتى القتل من جانب أنصار الصدر؛ وكان قد واجه خطر الترحيل أثناء الغزو الأمريكي في العام الماضي من جانب أنصار الصدر الذين حاصروه بسبب فتواه الشهيرة التي دعا فيها الشيعة العراقيين إلى عدم مواجهة قوات الغزو، لا سيما في ضوء تزايد قوة وسطوة تيار الصدر؛ وهو ما يشكل خطرًا على زعامته الروحية ومكانته، خاصة مع وجود مرجعية أخرى يستند عليها الصدر في اتجاهاته -وهو الشيخ محمد كاظم الحائري- الذي يمكن أن يصبح بديلا عن السيستاني في حال سيطرة الصدر على الوضع الداخلي.
ونهاية.. فإنه بالرغم من عدم استبعاد أي مفاجآت في عالم السياسة الشيعي -وفي القلب منه المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بينما يخرج عن إطاره الصدر وأتباعه حديثي الخبرة- سواء من تحالفات أو مؤامرات؛ فإنه يمكن القول بأن الصدر أصبح يمثل الرقم الصعب في المشهد العراقي الراهن، لا سيما في ضوء تزايد شعبيته. وكما أكد على ذلك عبد السلام الكبيسي -رئيس هيئة علماء السنة في العراق- الذي أشار إلى اتفاق الرأي بينه وبين الصدر في مواجهته مَن وصمهم بالعمالة القادمين من إيران الذين تحركهم أطماع النفوذ والسلطة.
ولعل الأيام القليلة المقبلة ستكشف عن حقائق جديدة في الوضع الشيعي الداخلي في العراق، خاصة في ضوء صمت المجلس الأعلى على انتهاك القوات الأمريكية لحرمته المدن المقدسة، وحالة الغموض التي تكتنف موقف السيستاني المرجعية العليا لشيعة العراق، بينما تدفع الأحداث الصدر والسنة إلى التوحد؛ وهو ما يشير إلى نهاية قريبة للمعادلة برمتها في العراق، وظهور معادلة أخرى جديدة تغير الوضع بشكل كلي.
تابع في نفس الملف:
شيعة العراق.. عراك في عراك
الخارطة السياسية الشيعية
المرجعية سبب الخلافات
الشيعة بين الصدر وآل الحكيم
أمريكا تضرب الصدر بمجلس الثورة
---
** محلل سياسي مصري(59/23)
42- 43- محمد شعير العراق تحت نيران الأباتشي، الأهرام 10/4/2004.
* كان الحكيم قد حذر قبل الغزو الأمريكي للعراق من مواجهة قوات الأمريكيين للمقاومة المسلحة في حالة بقائها في العراق واعتبارها حربًا ضد الإسلام، الحياة 4/4/2003
44 - الأهرام 10/4/2004.
45 - الأسبوع 12/4/2004.
46 - الأهرام 29/2/2004.
47 - الأسبوع 12/4/2004.
48 - الأهرام 10/4/2004.
** كان اتفاق سابق قد أبرم بين القوات الأمريكية والمراجع الشيعية عند دخولها لجنوب العراق نص على عدم تجاوز القوات العسكرية لدائرة قطرها 3 كيلومترات من الأماكن المقدسة في مقابل عدم وجود مقاومة مسلحة.
لماذا لا يعلن "السيستاني" الجهاد المسلح؟*
29/01/2004
السيد هاني فحص**
ليس متوقعا أن يتصاعد موقف المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني إلى مستوى الإفتاء والحكم بالجهاد والمقاومة المسلحة ببساطة أو بسرعة، ذلك أن السيد الذي لا يقول بولاية الفقيه، لا يمارس دورا ولائيا في السياسة العراقية، محتفظا بموقعه الولائي المتفق عليه فقهيا في حدود الأمور الحسبية. وعلى فرضية مستبعدة في كون السيد السيستاني يفكر بالولاية على الشأن السياسي، فإنه من التعقل والعلم والحكمة وإدراك حساسية موقعه وعمومية هذا الموقع وحساسية الوضع العراقي، بحيث يأخذ في اعتباره أن هناك تعددا شيعيا لا يستطيع اختزاله، فضلا عن أن يكون يرى أو لا يرى مصلحة في هذا الاختزال.
تعدد الأدوار وتكاملها(59/24)
ولذلك فقد حرص منذ البداية على التشاور الدائم مع مجلس الحكم الانتقالي، آخذا في اعتباره تعدديته العراقية وتعدديته الشيعية، إلى حد يمكن معه القول: إن هناك اتفاقا ضمنيا، وقد يكون صريحا، على تعدد الأدوار وتكاملها في المحصلة، ومن هنا تنبغي قراءة الكلام الذي يقوله الموصولون دينيا وعلميا وإداريا من العلماء الشيعة بالسيد السيستاني، مع التفريق الرقيق بين نماذج منهم تحسب حسابا دقيقا لمطابقة كلامها مع الموقف الفعلي لمرجعيتها في النجف، وأخرى تأخذها الحماسة إلى مستوى تصعيدي قد يكون مفتقرا إلى الواقعية والمصداقية أحيانا.
ومن هنا، فإن مفاتيح موقف السيد السيستاني الفعلي يمكن أن نجدها في كلام السيد علي الصافي وكيله في البصرة، وهو -إضافة إلى وكالته عن المرجع- يتمتع بموقع قيادي تاريخي يرقى إلى مستوى الزعامة العامة في منطقته، إذ قال كلاما اعتراضيا محسوبا، مفاده "أن الشيعة سيسعون إلى تحقيق أهدافهم بالوسائل السلمية في الوقت الراهن... والعراقيون لا يحتاجون إلى العنف للحصول على حقوقهم ما دامت هناك وسائل سلمية يمكن اللجوء إليها. وإذا وجد العراقيون أن الوسائل السلمية لم تعد متاحة فسيتعين عليهم البحث عن وسائل أخرى". وهذا الكلام هو الأقرب إلى نهج السيستاني الذي يخشى أن يقع شيعة العراق فيما وقعوا فيه عند مواجهة الاحتلال الإنجليزي، من دون استبعاد، حتى المقاومة العسكرية، ولكن بعد استنفاد كل الوسائل...
الوسائل السلمية لم تُستَنفد
ولا يبدو -حتى الآن- أن كل الوسائل استنفدت، بدليل أن السيستاني أصر على الانتخاب، لأسباب مبدئية في الأساس، ولأسباب تتصل بخوفه من أن تتحول الحكومة المؤقتة إلى حكومة دائمة، وألا يصار بعد تشكيلها من جانب المجلس الجديد المعين إلى الانتخابات المتفق عليها بعد أشهر، إذ يمكن للمحتل أن يفتعل ما يتذرع به لإلغاء الانتخابات والاحتجاج بأي أمر آخر.(59/25)
وهذا الخوف يغذيه لدى السيستاني ما يتناهى إلى سمعه من ثقات بأن سلطة الاحتلال تحكم قبضتها تدريجا على شئون العراق ومستقبله من خلال تنظيمات متتابعة تعطيها صفتها القانونية، حيث يصعب على أي سلطة مقبلة أن تبدل فيها. لكن إصراره على الانتخاب لم يشهره سلاحا ضد المجلس الانتقالي الذي سبق له ووافق -أو وقع على الاتفاق- على التعيين أو الانتخاب المحدود. بل إن المرجع الشيعي أظهر إصراره وصعده بعد لقاءات ومشاورات مع أعضاء المجلس كاشفوه فيها بمخاوفهم وكاشفهم باعتراضاته، وتم الاتفاق على أن يبادر السيد إلى إعلان موقفه، أو إعادة الإعلان احتياطا للعراق والعراقيين، واستنادا إلى تقارير خبراء في الشأن العراقي قالوا بإمكان إجراء انتخابات عامة، غير مثالية طبعا، ولكن تكفي نسبة المشاركة فيها لإعطائها صفة الشرعية النسبية، تمهيدا لشرعية أعلى وأوسع بعد انتقال السيادة وإجراء اللازم من إحصاء وإعداد وتنظيم إداري وأمني.
عدم سقوط الميسور بالمعسور(59/26)
وهنا، خوفا من الوقوع في إشكالية معقدة تؤدي -فيما تؤدي- إلى إحكام قبضة المحتل على البلد من دون أن يصدم قوى معينة تتواطأ معه على التفريط بالسيادة والاستقلال، شرع السيستاني بالتشاور مع أعضاء المجلس في البحث عن مخرج، أي عن حل وسط بتحسين شروط الاختيار أو التعيين، لجعله حالة وسطا بين التعيين وبين الانتخاب العام، على أساس القاعدة الشرعية في عدم سقوط الميسور بالمعسور، والتي تكلم عنها أعضاء المجلس في لقائهم مع السيد طمعا في شيء من التنازل على مقتضى القواعد الشرعية، فبادرهم بالجواب الواضح: ولكن أين هو الميسور؟ مشككا في كفاية ما يطرحه المحتل ليكون يسرا أو تيسيرا على العراقيين، مع تأكيده أنه غامض وغير مفهوم تماما إلا فيما يعود إلى استثارة الشك في النيات المبيتة. واستمر البحث... فتم التوجه إلى الأمم المتحدة، بعد نقاش طويل، طالب فيه السيد بأن يكون للمنظمة الدولية دور ورأي، مبديا استعدادا للالتزام.
وتم الاتفاق على مفاتحة الأمم المتحدة بالأمر، لكن السيد تحفظ معتبرا أن لا داعي لفتح مشكلة كبرى مع سلطة الاحتلال بالعمل من وراء ظهرها تماما، إلا إذا تعنتت. واتصل بعض أعضاء المجلس بالحاكم الأمريكي بول بريمر الذي استشاط غضبا لأن الأمم المتحدة هي التي خرجت من العراق ولم يخرجها أحد، فإذا ما أرادت العودة لا يمكن أن يكون موقعها خارج المنطقة الخضراء في بغداد، أي في محيط إدارة الاحتلال أمنيا وسياسيا.(59/27)
ورحبت الجهات المتصلة بكوفي عنان بهذا التوجه، وبادر عنان بكلام غير مكتوب، خارج تقريره الذي قدمه إلى الأمم المتحدة، وأرسل مجلس الحكم رسالة إلى الأمم المتحدة يطلب فيها حضور فريق منها إلى العراق للاستكشاف، فردت بدعوتها إلى لقاء مع أعضاء من المجلس في نيويورك، بين 5 و19 من الشهر الجاري للاتفاق على آلية العمل. وهنا أصر بريمر على حضور اللقاء بعدما صدرت عنه تصريحات أقرب إلى السلب منها إلى الإيجاب فيما يخص المسار الجديد المقترح.
ما لا يُدرك كله لا يُترك كله
وعاد الإمام السيستاني إلى التصعيد والمزيد من الإصرار على الانتخاب، لكن هذا لم يمنع بعضا من أعضاء المجلس من الارتخاء في المطالبة، الأمر الذي ظهر كأنه تعارض مع موقف السيد، خصوصا ما جاء في كلام السيد عدنان الباجه جي الرئيس الدوري للمجلس بعد لقائه السيستاني الذي أعاد على مسمعه فهمه للمسألة، و"أن البديل (عن نقل السلطة في حزيران/يونيو) بسيط... فإما أن نبقي على الجدول الزمني وإما أن نؤجل كل العملية سنتين" لعدم إمكان الانتخابات في رأيه.
أمام هذا الكلام، وحتى لا يفهم أنه تساهل أو تنازل أو تهاون أو تناقض من جانب مجلس الحكم مع السيد، وإصرارا منه على المخرج بشروط أفضل على أساس القاعدة الشرعية بأن ما لا يدرك كله لا يُترك كله، كانت تظاهرتا البصرة وبغداد والتظاهرات المنتظرة لاحقا، لتظهر أن السيستاني لا يمزح، وأنه يمثل حالة مرجعية عامة لا اختلاف عليها، وأنه يعرف أكثر من غيره مزاج العراقيين ورأيهم، وأنه الأقوى على قيادتهم في الطريق الصحيح الذي يحفظ للعراق استقلاله من دون الوقوع في مغامرات غير محسوبة. لذلك كان واضحا حين قوله: "وإذا كانت الأمم المتحدة عاجزة أو غير راغبة في لعب دور مهم في العراق، فإن ذلك لن يقودنا إلى تأجيل عملية انتقال السلطة".(59/28)
وعلى هذا، أين يقع كلام السيد محمد باقر المهري من الكويت وتهديده بإصدار فتوى (من جانب السيد السيستاني) تنزع الشرعية عن الحكومة العراقية التي يعينها الاحتلال في حال عدم الاستجابة لمطلب إجراء الانتخابات؟ علما بأن السيستاني قال سلفا بعدم شرعية التعيين، في حين كان يبحث عن حل وسط، أي حركة يمكن أن يكون لها مقدار من الشرعية يكتفى به ريثما تتحسن الظروف للاختيار الشعبي الواسع والحر.. من هنا يقع كلام المهري في موقع الحماسة لموقف السيستاني أكثر من كونه كاشفا عن رأيه بالمعنى الشرعي.
دور إرشادي .. لا موقع سياسي
وكما اكتشف الأمريكيون موقع الإمام الخميني لاحقا بعد فوات الأوان، وبعدما ظنوه موقعا أدبيا عابرا في الثورة والدولة في إيران، اكتشف بريمر قبل فوات كل الفرصة، ربما، موقع السيستاني، وربما انتبه إلى علامة قوة مميزة -في هذا الموقع وهذا الدور- كان يعتبرها علامة ضعف، وهي أن السيد لا يحمل مشروعا سياسيا خاصا، بل يتشبث بدوره الإرشادي القوي حيث يصعب معارضته من الأطراف السياسية متفرقة ومجتمعة. لذا سارع إلى التأكيد على لسان ناطق باسمه "أنه يكن احتراما كبيرا جدا لآية الله السيستاني الذي يمثل قسما كبيرا من العراقيين". و"سنواصل تشجيع القادة مثل آية الله السيستاني على أداء دور كبير في بلاده كما فعل خلال الأشهر الماضية". فهل هذا الكلام مقدمة للاتفاق على مخرج يتبادل فيه السيستاني وقوات الاحتلال التنازلات من أجل حل وسط بين التعيين والانتخاب؟ أم هو إقرار بواقع لتهدئته والبدء بالسعي للالتفاف عليه وإنهائه لاحقا؟.
وإن كان لا بأس بقبول هذا الكلام قبولا مشروطا، والانتظار دون وقف المساعي الحكيمة لإنجاز الاستقلال والسيادة والنهوض في العراق دون مغامرات أو مقامرات أو تنازلات إلا في حدود الجزئيات والتفاصيل حفاظا على الأصول، آخذين في الاعتبار أن المحتل محتل وأن العراق تحت الاحتلال.(59/29)
المنطق والتجربة والخطاب الأمريكي، كلها تلزم التقليل من حسن الظن والتفاؤل، وتشجع على الاحتياط بإبقاء احتمال الالتفاف قائما، دون أن يعني ذلك بالضرورة أن جميع شروط السيد السيستاني معرضة للشطب والإلغاء، بل ربما كانت هناك استجابة أمريكية محدودة لشروطه، بما هي شروط العراق المحتل والملحّ على السيادة والاستقلال.
حساب المحاذير.. تجنبا للأشد محذورية
والسيد السيستاني فقيه ومرجع، وعالم عاقل، أي إنه يمانع ويعاند بناء على معايير المصلحة والمفسدة المراعاة في الفقه والفتوى والحكم، والموازنة بين المهم والأهم (الترتب) بحسب المصطلح الأصولي الفقهي، والحساب الدقيق للمحاذير تجنبا للوقوع في الأشد محذورية.. وهذا ضمان للعراق من الاندفاع في طريق المغامرة أو المقامرة في ظروف قاهرة. ويبقى السيستاني ضمانة لا تشوبها شائبة. وإن استذكرنا في هذا المجال محادثات "حسين" في إيقاع الحرب الكونية ومراوغات الخطاب البريطاني، فإننا نميز السيد السيستاني عن الشريف حسين، في أن السيد لا حزب له ولا رهط ولا أسرة ينحصر حضورها وطموحها في السلطة، والمسافة بينه وبين كل الأطراف العراقية والفئات الشعبية واحدة، على اختلافها.
على أن القبول المتعقل بالأمر الواقع لا يعني تسليما نهائيا بالنتائج، بل يعني صبرا وحكمة مسلحة بإرادة الاستقلال والسيادة والحرية وجاهزة لاستخدام كل الوسائل المشروعة في اللحظة المناسبة، دون تأجيل المعجل أو تعجيل المؤجل.
اقرأ أيضا:
الموقف الشرعي من مجلس الحكم الانتقالي
قراءة في فتاوى الجهاد في العراق
الحرب الجائرة على العراق.. دراسة شرعية
العراك في العراق (ملف)
---
** كاتب وعالم دين لبناني. والمقال نشرته "الحياة" اللندنية بتاريخ 23/1/2004 بعنوان "السيستاني وحساب المحاذير ... تجنبا للأشد محذورية".(59/30)