مفهوم التصوف وأنواعه في الميزان الشرعي
الدكتور/ محمود يوسف الشوبكي
أستاذ مساعد في قسم العقيدة والمذاهب الفكرية
في كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة
مقدمة
أهمية دراسة التصوف
1- موضوعه وثمرته
2- فضله
المبحث الأول - التعريف بالتصوف
1- تعريف التصوف في اللغة
2- أصل كلمة صوفية واشتقاقها
3- معنى التصوف اصطلاحاً
1- التصوف بمعنى الزهد
2- التصوف بمعنى الأخلاق
3- التصوف بمعنى الصفاء
4- التصوف بمعنى المجاهدة
5- التصوف التزام بالشريعة
6- التصوف بمعنى التسليم الكامل لله
7- التصوف بمعنى الإخلاص " الغاية وجه الله "
8- التصوف بمعنى الارتباط الروحي بالله
9- التصوف ترك التكلف والشكليات
10- التصوف بمعنى الطريق المخصوص للسالكين
4- مصطلح التصوف بين القبول والرفض
المبحث الثاني - نشأة التصوف وأطواره
1- نشأة التصوف
2- الأطوار التي مر بها التصوف
الطور الأول : طور التسامي عن الحياة المادية
الطور الثاني : طور التشبه بالسابقين
الطور الثالث : طور دخول الألفاظ الموهمة
الطور الرابع : طور التحرر من التكاليف الشرعية
الطور الخامس : تبلور الطرق الصوفية
الطور السادس : طور ظهور المجذوبين
3- تأثر الصوفية بالفكر الغريب
1- تأثر التصوف باليهودية
2- تأثر التصوف بالنصرانية
3- التأثر بالديانات الهندية
4- التأثر بالفلسفة الصينية
5- التأثر بالفلسفة اليونانية
6- التأثر بعقائد الفرس
4- موقف العلماء من التصوف
المبحث الثالث - المراتب والمصطلحات
1- مراتب الصوفية وألقابهم
1 - الغوث
2 - الأوتاد
3 - القطب
4 - الأبدال " البدلاء "
5 - النجباء
2- مصطلحات الصوفية
1 - الكشف
2 - الفيض الإلهي
3 - وحدة الوجود
4 - الاتحاد
5 - الحلول
6- الوقت
7 - المقام
8 - الحال
9 - القبض والبسط
10- التواجد والوجد والوجود
11- الفناء والبقاء
12- الغَيبة والحضور
13- المحاضرة و المكاشفة و المشاهدة
14- الشريعة والحقيقة
15- الحقيقة المحمدية(1/1)
3- علوم الصوفية بين الهبة والاكتساب
المبحث الرابع - أقسام التصوف
أولاً : التصوف السني
مصادر التصوف السني
من أعلام التصوف السني
ثانياً : التصوف البدعى
أقسام البدعة
من أبرز رجال التصوف البدعي
ثالثاً : التصوف الفلسفي (الباطل)
من أبرز رجال التصوف الفلسفي
الخاتمة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد :
فإن خير الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وإن شر الأمور محدثاتها، وإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
قال الله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ويقول الله تعالى : ( يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) وقال أيضاً : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
إنَّ الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولا يمكن تصور الشيء إلا بعد التعرف عليه من خلال معرفة مقدماته وأساسياته، وهذا البحث مقدمات في التصوف، ضمنته أهم الموضوعات التي يحتاج إليها الدارسون للتصوف.
وقد قسمت هذا البحث إلى أربعة مباحث :
المبحث الأول : في تعريف التصوف واشتقاقه وقبول التسمية أو رفضها.(1/2)
المبحث الثاني : تحدثت فيه عن نشأة التصوف والأطوار التي مر بها عبر التاريخ، والمؤثرات والأفكار التي تأثر بها.
المبحث الثالث : وفيه مراتب الصوفية وألقابهم ومصطلحاتهم، وعلومهم هل هي كسبية أو وهبية ، وموقف العلماء من التصوف.
المبحث الرابع : وهو في أقسام التصوف، وأبرز رجالات التصوف في كل قسم من أقسامه.
وحرصت في ذلك كله على الاختصار الذي لا يخل بالمعنى مع تفسير عبارات الصوفية الغامضة وتوضيحها.
أسأل الله تعالى أن يرزقني الإخلاص في القول والعمل وأن يعصمني من الزلل وأن يجعل بحثي هذا جهداً مخلصاً له مقبولاً عنده، كما أسأله سبحانه أن أكون قد وفقت في تحقيق الغرض الذي كتبته لأجله.
والله ولي التوفيق...
أهمية دراسة التصوف
قد يتساءل بعض الناس ما دام التصوف يشتمل في كثير من الأحيان على البدع والضلال والإنحراف فما هي أهمية هذه الدراسة ولماذا ندرسه؟ فأقول : إن لدراسة التصوف أهمية خاصة ، وأسباباً لها وجاهة ومن ذلك(1) :
1- إن التصوف يمثل جزءاً كبيراً في تراث المسلمين وفي تاريخهم فالدارس للحضارة الإسلامية وللتاريخ الإسلامي سوف يواجه بمساحة واسعة لهذا الجانب البارز في حياة المسلمين باختلاف الأزمنة والأمكنة لذا لا بد من دراسته والتعرف عليه والوقوف على سليمه من سقيمه.
2- كان التصوف ولا يزال أسلوباً ومنهجاً يدين به الكثير من الناس على مستوى الأفراد والجماعات ويتمثل ذلك بالطرق الصوفية المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين، فلا بد من دراسة ذلك لبيان النافع من الضار والهدى من الضلال، ولإصلاح ما يمكن إصلاحه من ذلك ورفض ما لا سبيل لقبوله، ولدراسة النظرات الصوفية المختلفة ونقدها نقداً بناءً.(1/3)
3- يرى كثير من الناس أن التصوف يمثل الجانب الروحي عند المسلمين ويزعم بعضهم أنه السبيل لتحقيق سعادة الإنسان ولقبوله حلول ذات الله تعالى فيه أو اتحاده به أو ليصبح الإنسان الكامل الذي دعا إليه الجيلي في كتابه الإنسان الكامل.
وهو السبيل إلى صحة الإنسان النفسية وعلاجه من أمراض القلوب، كما أنه يقود إلى معرفة أسرار الوجود وخفايا النفوس.
4- إن كثيراً من الناس في المجتمعات الغربية والإسلامية يجدون في التصوف أياً كان طريقاً للهرب من الحياة المادية المتخمة بالشهوات إلى الزهد والبعد عن الماديات، وقد جعل ذلك جاذبية خاصة للمتمردين على الحياة المادية والبعد عن الرذائل طمعاً فيما عند الله عز وجل.
وإن كان السبيل القويم في ذلك هو طريقة الموازنة بين متطلبات الجسد وتطلعات الروح وليس الانغماس في الترف أو تركه بالكلية، قال صلى الله عليه وسلم : " صم وأفطر وقم ونم فإنَّ لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً "(2).
5- للناس توجهات مختلفة فبعضهم مالوا إلى النظرية العقلية وهم الفلاسفة والمتكلمون وبعضهم الآخر مالوا إلى النظرية المادية التجريبية وهم التجريبيون والدهريون، واهتم الفقهاء بالأحكام الشرعية والصوفية ومالوا إلى النظرية الوجدانية القلبية أو الباطنية، فاستكمالاً لدراسة النظريات المختلفة لا بد من دراسة التصوف.
6- يرى كثير من الناس في التصوف طريقاً للهرب من أعباء الحياة ومشكلات العمل، وعزلة عن الناس نتيجة الفشل الاجتماعي، وتكاليف الحياة الأسرية، وطريقاً أسهل للكسب وخاصة صوفية الأرزاق.
7- كما يجد بعضهم في التصوف طريقاً للهرب من التكاليف الشرعية والواجبات الدينية وطريقاً للإباحية والمنكرات.(1/4)
8- يجد كثير ممن يسعى إلى التقديس وإلى جمع الأتباع والخدم في التصوف طريقاً سهلاً، وذلك لما يعمقه كثير من مشايخ الصوفية في المريدين من ضرورة الطاعة المطلقة للشيخ وخدمته وتقديمه على كل شيء.
9- وبعض الساسة يجدون في التصوف طريقاً لجلب الاتباع عن طريق مشايخ الطرق الصوفية لما لهم عليهم من سلطان كبير، كما يجدون في اللجوء إلى المشايخ في الليل تكفيراً عما اقترفته أيديهم من معاصي في النهار.
10- تشتمل كتب الصوفية على كثير من الغرائب سواءً في الألفاظ أو القصص أو الأخبار وهذا يستهوي كثيراً من الناس، فلا بد من دراسة التصوف لنخلص من ذلك كله إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل.
11- إذا رأى بعضهم أن التصوف حق لا باطل فيه ولا بد منه، فنحن ندرسه لاقتفاء حقه، وإذا رأى بعضهم أن التصوف باطل لا حق فيه فنحن ندرسه لتجنب باطله والتحذير منه ورضي الله عن حذيفة بن اليمان الذي كان يقول : " كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني "(3).
لذا يجب علينا أن نبحث في التصوف وأن نبين ذلك للناس وخاصة للمتخصصين وأن ننصح من اختاره طريقاً وأن نبين له ما ينبغي أن يكون عليه من الحق وما يجب أن يبتعد عنه من الباطل.
1- موضوعه وثمرته
إن غاية التصوف أن يرتقي بالإنسان إلى تهذيب السلوك الإنساني، وكيفية السمو والإرتقاء بالنفس البشرية بالتزكية والتصفية، عن طريق علاج أمراض القلوب، وتصحيح المفاهيم والتصورات، وتقويم الجوارح وفق ضوابط الشريعة، والسمو الأخلاقي عن ملذات الدنيا وشهواتها للفوز برضى الله تعالى، ونيل سعادة الدارين.
ويسعى المتصوف إلى الوصول إلى مرتبة المراقبة وإلى مرتبة الإحسان حتى يكون رقيبه منه ورقيبه فيه ورقيبه عليه وأن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه.
2- فضله(1/5)
للتصوف فضل عظيم فهو " من أشرف العلوم لتعلقه بمعرفة الله تعالى "(4) وليس ذلك فحسب ، بل هو يتصل بصحة عبادة الإنسان ربه عن طريق متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ (5) وعن طريق إخلاص العبادة لله تعالى حيث يقول ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (6).
وكذلك لأنه يقوم على أصول خمس(7) وهي :
1- تقوى الله في السر والعلن.
2- اتباع السنة في الأقوال والأفعال.
3- الإعراض عن الخلق.
4- الرضا بما قسم الله تعالى.
5- الرجوع إلى الله في السر والعلن.
المبحث الأول - التعريف بالتصوف
1- تعريف التصوف في اللغة :
- ورد في الصحاح أن الصوف للشاة ، ويقال كبش صاف أي كثير الصوف.
- وصاف السهم عن الهدف مال وعدل ، والمضارع منه يصوف ويصيف(8).
- ويرى صاحب المصباح المنير أن كلمة صوفية كلمة مولدة لا يشهد لها قياس ولا اشتقاق في اللغة العربية(9). وعلى هذا تكون كلمة تصوف مبتدعة محدثة وغير معروفة عند العرب الأوائل ولا في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين.
2- أصل كلمة صوفية واشتقاقها
إن الذين تحدثوا عن التصوف والصوفية اختلفوا في أصل الكلمة واشتقاقها وكذلك اختلفوا في نسبة الصوفية اختلافاً كبيراً ، وإن المؤيدين والمعارضين للتصوف لم يتفقوا على نسبة للتصوف، كما أن الصوفيين أنفسهم لم يتفقوا على شيءٍ من ذلك ، وأحاول جاهداً ذكر أقوالهم في ذلك وأدلتهم والاعتراضات على ذلك.
1 - ذهب الكلاباذي إلى أن أصل الصوفية ينتسبون إلى الصفاء وأنهم سموا صوفية لصفاء أسرارهم وشرح صدورهم وضياء قلوبهم(10).(1/6)
والذي ذهب إلى ذلك نظر إلى حال الصوفية الأوائل ولم ينظر إلى الاشتقاق اللغوي لذلك يرى القشيري أن هذه النسبة غير صحيحة لغة لأننا لو نسبنا أحداً إلى الصفاء لقلنا صفائي(11).
كما أن صفاء القلوب ونقائها ومعرفة الباطن لا يعلمه إلا الله عز وجل، وادعاء الصوفية ذلك تزكية لأنفسهم والله عز وجل يقول (فلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى)(12)
وخيار الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم لم يكن أحدهم ليزكي نفسه بل كان يعمل العمل ويسأل الله القبول ويخشى عدم القبول.
وقد قال زكي مبارك إن نسبة التصوف إلى الصفاء ليس إلا حذلقة من بعض الصوفية(13).
2 - وقال آخرون إن الصوفية نسبة إلى أهل الصفة وهم جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا ينزلون في مكان خلف الحجرات في المسجد النبوي وعرف المكان باسمهم وكانوا متفرغين للعبادة وللمجاورة وهم فقراء المهاجرين الذين ليس لهم مأوى.
وهذا الكلام لا يستقيم بالنظر إلى الاشتقاق اللغوي لأن النسبة إلى أهل الصُفَّة صُفي وليس صوفي(14).
ثم إن مكان أهل الصفة لم يكن مخصصاً للعبادة بل كانوا يذهبون للعبادة والصلاة في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان النزلاء ينزلون فيه حيث لا مأوى لهم ولا عمل يرتزقون منه فكان أحدهم إذا وجد عملاً وبيتاً وزوجةً ترك مكان الصفة وذهب إلى عمله وهو ليس خاصاً بأحد بل هو مكان لعامة المسلمين وآحادهم.
ولم يكن انتسابهم إليه شرفاً لذلك كانوا يزيدون وينقصون وكان بعضهم لا يطول مقامه فيه بل بحسب ما يتيسر له العمل والبيت. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل إليهم بما يكون عنده من طعام.(1/7)
وادعاء بعض المتصوفة أن اشتقاق التسمية من صُفَّة المسجد إنما يهدف إلى ربط نشأة التصوف بعهد النبي صلى الله عليه وسلم وكأن النبي قد أقرهم على منهجهم في الاعتزال والتجرد والتواكل وهذا مخالف لسنته صلى الله عليه وسلم في التوكل والجد والاجتهاد وطلب الرزق، وسنته وتعاليمه خير شاهد على ذلك.
3 - وقيل إن التصوف نسبة إلى الاتصاف بالصفات الحميدة وترك الصفات الذميمة(15) ويرى عبد الله الأمين أن هذه النسبة لم تلق من الاستحسان ، فضلاً عن عدم الاستقامة العلمية ما حصرها في نطاق الرأي الضعيف الذي لم ينظر إليه تاريخياً(16).
والنسبة إلى الصفات ليس صوفي بل صفاتي، والصفاتية(17) المراد بها مثبتةُ الصفات فالبعض يطلقها على المشبهة ويطلقها المؤولة والنفاة على كل من أثبت الصفات بما فيهم السلف الصالح.
4 - نسبة الصوفية إلى " سوفيا " اليونانية ومعناها الحكمة، والقائلين بذلك حجتهم أن القوم كانوا طالبين للحكمة حريصين عليها فأطلقت عليهم الكلمة وعربت أو حرفت فأصبحت صوفية وصوفي(18).
وأكد البيروني هذه النسبة لأن فكرة القول بالوحدة ظهرت فيهم وردَّ هذا القول زكي مبارك في كتابه التصوف الإسلامي.وأكد محمود عبد الرؤوف القاسم على هذه النسبة بالنظر إلى المعتقدات الفلسفية التي يعتقدها الصوفية. ومن حيث ظهورها في زمن الترجمة في نهاية القرن الثاني والقرن الثالث الهجريين. وإنها نشأت في العراق بلد الترجمة وفي زمنها وهو الزمن الذي تفشت فيه الكلمات اليونانية واستعملت في مختلف الفنون(19).
ولكن الصوفية أنفسهم لا يقبلون أن ينسبوا إلى اليونان لما يجعل للخصوم عليهم سبيلاً حيث ينسبونهم إلى الفكر اليوناني القديم بما فيه من ضلالات وانحرافات.(1/8)
ولأن الكلمة اليونانية " سوفيا " قصد بها فلاسفة اليونان المنهج الذي قوامه البحث النظري المجرد في الوجود للوقوف على حقائقه ومهيته مما لا يتصل بالسلوك العملي إلا قليل، أما التصوف الإسلامي فإنه ذو طابع عملي(20).
5 - وقيل نسبة إلى الصوفانة وهي نبات أي بقلة زغباء قصيرة صحراوية وذلك لاكتفائهم بالقليل من الطعام ولو من نبات الصحراء وهذا غير سليم بمقتضى اللغة لأنه لو نسب إليها لقيل صوفاني وليس صوفي(21).
ولو سألت الصوفية عن هذه النسبة فلن يقر بها أحد، هذا إذا علم معنى الصوفانة فإن عامتهم يجهلونها.
6 - وقيل أنهم ينتسبون إلى الصفوة باعتبارهم صفوة الله من خلقه وأنهم النخبة المصطفاة من الأمة. وهذا القول مردود لأنهم لو نسبوا إلى الصفوة لقيل في اشتقاق اللغة صفوي(22).
7 - قيل أيضاً أنهم منسوبون إلى الصف الأول المقدم في الصلاة والمقدم بين يدي الله عز وجل وهذا غير مستقيم لغة، فلو نسبوا إلى الصف لقيل صَفِّي(23).
8 - وقيل إنه نسبة إلى رجل جاهلي يقال له صوفة ـ وهو الغوث بن مر بن آد بن طنجة ابن إلياس بن مضر، وذلك أن أم الغوث نذرت لئن عاش لتعلقن برأسه صوفة وتجعلنه ربيط الكعبة فكان أول من انفرد لخدمة الكعبة وتبعه أناس في الجاهلية فمن تشبه به فهم الصوفية(24).
- وهذه النسبة مستبعدة لأن الصوفية لا يقبلون أن ينتسبوا إلى رجل جاهلي أو قبيلة جاهلية.
- ولو صحت هذه النسبة لكان الانتساب إلى الإسلام أولى من الانتساب إلى الجاهلية والشرك.
- ولو صحت هذه النسبة لكانت معروفة في عهد الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.
- كما أن هذه القبيلة وهؤلاء القوم غير مشهورين ولا معروفين لا عند المسلمين ولا عند متصوفيهم وإن كان ابن الجوزي رحمه الله يميل إلى صحة ذلك إلا أن ابن تيمية رحمه الله ضعف هذه النسبة(25).(1/9)
9- وذهب قوم إلى أن الصوفية نسبة إلى الصوف وذلك لأن النسبة إلى الصوف صوفي وممن رجح هذا القول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في الفتاوي والسهروردي(26) وابن خلدون(27) وحجتهم(28) على صحة هذه النسبة :
- إن الصوف لباس الأنبياء وخاصة سيدنا محمد وعيسى عليهما السلام وهو لباس الصحابة رضي الله عنهم والتابعين والصوفية المتقدمين رحمهم الله تعالى.
- وإن لبس الصوف هو أقرب إلى التواضع والخمول والذل يقول ابو فراس الحمداني مخاطباً سيف الدولة.
يا واسع الدار كيف توسعها ... ... ونحن في صخرة نزلزلها
يا ناعم الثوب كيف تبدله ... ... ثيابنا الصوف ما نبدلها(29)
- وإن الصوفية كانوا يعرفون هذه النسبة فقد دخل أبو محمد بن أخي معروف الكرخي على أبي الحسن بن بشار وعليه جبة صوف فقال له أبو الحسن : يا أبا محمد صوف قلبك أو جسمك(30) وقال النضر بن شميل لبعض الصوفية تبيع جبتك الصوف ؟ فقال إذا باع الصياد شبكته فبأي شيء يصطاد(31).
- " وإن نسبتهم إلى لبس الصوف تنبئ عن تقللهم من الدنيا وزهدهم فيما تدعوا إليه النفس بالهوى من الملبوس الناعم، ويكون اللابس خشناً مثل الملبوس في خشونته.
- وإن لبس الصوف أمر ظاهر والحكم بالظاهر أسلم وأولى في نسبتهم إلى حال أو مقام لأنه أمر باطن ، وأيضاً لأن القول بأنهم صوفية للبسهم الصوف أبعد عن الرياء وأقرب للتواضع.
- وإن هذا الرأي قد سلم مما توجه إلى غيره من الآراء فإنه يوافق قواعد اللغة من حيث النسبة والاشتقاق لأنه يقال تقمص لمن لبس القميص وتصوف إذا لبس الصوف(32).
ويرد عليهم بعدة أمور :(1/10)
- " بأن لبس الصوف ليس فيه فضيلة وليس في الانتساب إليه شرف وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبس الصوف والقطن والكتان وقد جاء في البخاري(33) عن أنس " كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبس الحبرة وجاء في شرحها لابن حجر في فتح الباري قال ابن بطال : إن الحبرة بردة من برود اليمن تصنع من قطن،وتكون مزينة ،من التحبير وهو التزيين.
- بل قد أورد ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد(34) عن عائشة رضي الله عنها أنها جعلت للنبي صلى الله عليه وسلم بردة سوداء فلبسها فلما عرق ووجد ريح الصوف قذفها ، قال وكان يعجبه الريح الطيبة(35). وهذه الأحاديث يقلب للصوف ظهر المجن.
- وأما قولهم بأن عيسى عليه السلام كان لا يلبس إلا الصوف فهو قول مأخوذ من مصادر غير صحيحة ومن كتب أهل الكتاب المحرفة.
- إن لبس الصوف هو لبس الرهبان وأهل الصوامع ، ولا رهبانية في الإسلام وكثير من الزهاد الأوائل كان يذم لبس الصوف لذلك.
ومن ذلك ما ورد في تلبيس إبليس"(36) بأن حماد بن أبي سليمان رأى رجلاً عليه ثوب صوف فقال له " ضع عنك نصرانيتك هذه ".
وقال أبو العالية لرجل آخر لبس الصوف " إنما هذه ثياب الرهبان ".
ورأى سفيان الثوري رجلاً لبس الصوف فقال " لباسك هذا بدعة ".
وينكر ابن الجوزي أن يكون للمرقعة الصوفية أصل في السنة وهي التي يزعمون أن النبي عليه السلام ألبسها لعلي رضي الله عنه.
- ولم يرد أن أبا بكر وعمر والصحابة رضي الله عنهم كانوا مختصين بلبس الصوف دون غيره من الثياب.
- إن لبس الصوف مدعاة إلى التظاهر بالتنسك والتقشف والزهد وهذا من الرياء فقد قال محمد بن محمد الكتاني لأصحاب المرقعات " إخواني إن كان لباسكم موافقاً لسرائركم فقد أحببتم أن يطلع الناس عليها وإن كانت مخالفة لسرائركم فقد هلكتم ورب الكعبة(37).
- وقال الجنيد إذا رأيت الصوفي يعنى بظاهره فاعلم أن باطنه خراب(38).(1/11)
- ورحم الله ابن الجوزي الذي عاب على الذين خربوا بواطنهم وتظاهروا بالزهد والتقشف فقال " كان الزهد في بواطن القلوب فصار في ظواهر الثياب " ، وكان الزهد حرقة فصار اليوم خرقة ، " ويحك صوف قلبك لا جسمك وأصلح نيتك لا مرقعتك "(39).
- ويرى الإمام القشيري في الرسالة القشيرية(40) أن التصوف اسم عَلَم على طائفة الصوفية بغض النظر عن اشتقاق الكلمة والأصل الذي أخذت عنه. والذي أراه أن التصوف نشأ نشأةً إسلامية مستقاة من النصوص الشرعية في الزهد وترك الدنيا وملذاتها، ثم مع مر الأيام تأثر بعض الصوفية وأصحاب الطرق بالفكر الغريب المستقى من الفلسفة اليونانية والأديان القديمة وذاك ما سنبينه عند الحديث عن نشأة التصوف وتأثره بالفكر الغريب.
والراجح في هذه الأقوال هو نسبتهم إلى الصوف لأنه حكم بالظاهر وتصح لغة ،أو قول الإمام القشيري وهو من أوائل الصوفية فهو أعلم بشؤونهم.
3- معنى التصوف اصطلاحاً
إذا أردنا أن نعرف التصوف في الاصطلاح فلا بد من الرجوع إلى أقوال الصوفية في ماهية التصوف وكذلك أقوال أصحاب الطرق.
ومنذ نشأة الصوفية إلى يومنا هذا حدث في التصوف تشعبات كثيرة وانحرافات عن منهج الأوائل وكثرت أقوالهم في حقيقة التصوف إلى ما يزيد على ألف قول، وكل قول من هذه الأقوال يشير إلى أهم جانب في التصوف عند قائله سواءً بالنظر إلى الطريقة أو الخلق أو الغاية، أو بالنظر إلى حاجة الصوفي أو من حوله وبالنظر إلى حاله والخطأ الذي يريد أن يقومه ولا تخلو أقوالهم من جانب في الجوانب التالية(41) :
1- التصوف بمعنى الزهد :
- قال سمنون : التصوف أن لا تملك شيئاً ولا يملكك شيء(42).
- وقال معروض الكرخي : التصوف الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق(43).
- وقال النوري : التصوف من لا يتعلق بشيءٍ ولا يتعلق به شيء.
- وقال ذو النون المصري : الصوفي من لا يتعبه طلب ولا يزعجه سلب(44).
2- التصوف بمعنى الأخلاق :(1/12)
- قال أبو محمد الجريري : التصوف الدخول في كل خلق سني والخروج من كل خلق دنى.
- وقال الكتاني : التصوف خُلق فمن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الصفاء(45).
3- التصوف بمعنى الصفاء :
- قال سهل بن عبد الله : الصوفي من صفا من الكدر ، وامتلأ من الفكر ، وانقطع إلى الله عن البشر واستوى عنده الذهب والمدر.
- وقال بشر الحافي : الصوفي من صفا لله قلبه.
- وقال الشبلي : التصوف الجلوس مع الله بلا هم(46).
4- التصوف بمعنى المجاهدة :
- قال الجنيد : التصوف عنوة لا صلح فيها. والمراد بالعنوة الجد والتعب والمراغمة.
- وقال عمرو بن عثمان المكي : التصوف أن يكون العبد في كل وقت بما هو أولى به في الوقت(47).
5- التصوف التزام بالشريعة :
- قال أبو حفص : حسن آداب الظاهر عنوان حسن آداب الباطن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لو خشع قلبه لخشعت جوارحه".
- وقال الجنيد : التصوف بيت والشريعة بابه.
- وقال محمد بن أحمد المقرئ : التصوف استقامة الأحوال مع الله.
- وقال أبو عمر بن الجنيد : التصوف الصبر تحت الأمر والنهي(48).
6- التصوف بمعنى التسليم الكامل لله :
- قال الأستاذ أبو سهل الصعلوكي : التصوف الإعراض عن الاعتراض.
- وقال رويم : التصوف استرسال النفس مع الله تعالى على ما يريده.
- وقال أبو يعقوب المزايلي عن التصوف : حال تضمحل فيه معالم الإنسانية(49).
7- التصوف بمعنى الإخلاص " الغاية وجه الله " :
- قال الجنيد : التصوف أن تكون مع الله تعالى بلا علاقة.
- وقال ذو النون المصري : أهل التصوف هم قوم آثروا الله عز وجل على كل شيء ، فآثرهم الله على كل شيء.
- وقال أبو الحسين النوري : التصوف ترك نصيب النفس جملة ليكون الحق نصيبها(50).
8- التصوف بمعنى الارتباط الروحي بالله :
- قال أبو نصر الحصري : الصوفي الذي لا تقله أرض ولا تظله سماء.(1/13)
- وقال أبو الحسن الخرقاني : ليس الصوفي بمرقعته وسجادته ، ولا برسومه وعاداته بل الصوفي من لا وجود له.
- ونُسب إلى الجنيد قوله : التصوف هو أن يميتك الحق عنك ويحييك به(51).
9- التصوف ترك التكلف والشكليات :
- قال الجنيد : إذا رأيت الصوفي يعنى بظاهره فاعلم أن باطنه خراب.
وقال حماد الدينوري : التصوف أن تظهر الغنى وأن تؤثر أن تكون مجهولاً حتى لا يعرفك الخلق وأن تكف عن كل ما لا خير فيه(52).
10- التصوف بمعنى الطريق المخصوص للسالكين :
- قال الجنيد : الصوفية هم أهل بيت واحد ، لا يدخل فيهم غيرهم.
- وقال أبو سليمان الداراني : التصوف أن تجري على الصوفي أعمال لا يعلمها إلا الحق وأن يكون دائماً مع الحق على حال لا يعلمها إلا هو(53).
وبالنظر في الأقوال المتقدمة نجد أن كل تعريف من تعريفات أئمة التصوف والمنتسبين إليه يشير إلى جانب من الجوانب، وهذه الجوانب مجتمعة تشير إلى جوانب عظيمة من جوانب هذا الدين فالتصوف السني ينبغي أن يتوفر فيه جميع ما ذكر من زهد وإخلاص ومجاهدة وخلق كريم وتسليم لرب العالمين والتزام بشرعه وترك للتكلف، وأن يلتزم المنتسب إلى الله تعالى بالعبادة الدائمة لله عز وجل كما أمر، والبعد عن كل ما نهى الشارع عنه، وعن البدع المضلة وعن الفكر الغريب والفلسفات الباطلة.
ويترجح لدينا بعد عرض تلك التعريفات تعريف ابن خلدون للتصوف لأنه يدل دلالة واضحة على معاني التصوف المتعددة وعلى أحوال الصوفية واهتماماتهم وهو " العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والإنفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة "(54).
4- مصطلح التصوف بين القبول والرفض(1/14)
ذهب صاحب كتاب " أبو حامد الغزالي والتصوف " (55) إلى وجوب إلغاء كلمة التصوف وذلك لأنها محدثة ولم تكن معروفة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولأن الإمام ابن تيمية رحمه الله حين قيل له إن ابن سينا من فلاسفة الإسلام فقال " ليس للإسلام فلاسفة " (56).
وذكر مآخذ كثيرة وانحرافات وقع فيها الصوفية وقال إن في إلغاء الكلمة سلامة للدين وحفظاً للناس من خطرها.
وقال إذا قبلنا التسمية فتحنا باباً للشر بأن يقال معتزلة الإسلام وشيوعية الإسلام... الخ.
وأقول بأن كلمة التصوف وهي كلمة معروفة منذ أواخر القرن الثاني وشاعت في القرن الثالث للهجرة إلى يومنا هذا وقد ملئت بها الكتب والمكتبات ولا يملك أحد إلغاءها ولا يستطيع ذلك إن أراده.
وقد استعمل كلمة التصوف شيخ الإسلام ابن تيمية وامتدح بعضاً من أئمة التصوف، وتكلم في ألفاظهم المستعملة ، ورد على المنحرفين منهم ، وقال نقبل ما عندهم من حق ونحثهم عليه ونرد باطلهم ونزجرهم عنه.
وكل اسم تسمى به جماعة ما لم يكن يدل على الباطل ومرتبط به منذ نشأته، وما لم يكن مرتبطاً بفكر غريب فلا عبرة بالاسم ويهمني المسمى فإذا كان المسمى برمته باطلاً وجب نبذه وإلا نقبل الاسم ونقوِّم المسمى فليس التصوف كله باطلاً.
فإن كنت لا أشجع على التصوف ولا أحث عليه ولا أقبل الانتساب إليه وأدين الله بعقيدة السلف الصالحين فإني أعمل بقوله تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(57)، وقوله : (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)(58). وقال تعالى : (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)(59).
المبحث الثاني - نشأة التصوف وأطواره
1- نشأة التصوف(1/15)
لم يكن التصوف معروفاً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ولا في عصر التابعين رحمهم الله ، وإن كانت حقيقته معروفة ، لأن جل ما يصبوا إليه المرء هو الانتساب إلى الصحابة رضي الله عنهم ثم إلى التابعين رحمهم الله وكفى بالمرءِ شرفاً أن ينتسب إلى محمد صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه رضي الله عنهم بالاتباع.
وفي القرن الأول لم يكن يعرف اسم التصوف، بل كان أهله يعرفون باسم الزهاد والنساك والبكائين وليس باسم الصوفية، وكان اعتقادهم صافياً وإيمانهم نقياً خالصاً وما كان ابتعادهم عن الدنيا إلا لارتياعهم من عذاب الآخرة، وهرعوا إلى الكهوف والمغاور ورؤوس الجبال حيث الوحدة الصافية والانعزال عن صخب الحياة المادية(60).
ثم بعد مضي عصر الصحابة والتابعين وفي أواخر القرن الثاني الهجري بدأ لفظ الصوفية يظهر ، وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ كالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (164ـ241هـ) وأبو سليمان الداراني المتوفى سنة 215هـ وقيل إن أول من بني دويرة للصوفية هو بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد المتوفى بعد الخمسين ومائة للهجرة. وهو من أصحاب الحسن البصري وكان ذلك في البصرة (وإن أول من عرف باسم صوفي في المجتمع الإسلامي هو أبو هاشم الصوفي المتوفى قبل منتصف القرن الثاني الهجري) (61) (ويقول عمر رضا كحالة ورد لفظ (الصوفي) لقباً مفرداً في النصف الثاني للهجرة إذ نعت به جابر بن حيان الكوفي وأما صيغة الجمع (الصوفية) فإنها ظهرت فيما انتهى إليه عمر رضا كحالة عام 199هـ)(62).
2- الأطوار التي مر بها التصوف
إذا أهملنا ظهور اللفظ ونظرنا إلى حقيقة التصوف وهو والترفع عن الملذات فنستطيع أن ندخل عصر الصحابة رضي الله عنهم في ذلك فيكون هو الطور الأول.
الطور الأول : طور التسامي عن الحياة المادية :(1/16)
ويكون هذا الطور هو عصر الصحابة وهو يتناول القرن الأول الهجري وأوائل القرن الثاني عصر كبار التابعين ، وهذا العصر مليء بأخبار زهد الصحابة رضي الله عنهم، وأبرز رجال هذا الطور الخلفاء الراشدون ، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ،وكذلك عبد الله بن عباس ، وأبو عبيدة رضي الله عنهم وغيرهم كثير فهم الذين كان يتنزل القرآن بين ظهرانيهم ويتلوه عليهم سيد البشر عليه الصلاة و السلام قال تعالى (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) (63) ويبين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ويأمرهم قائلا "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" (64).
وإذا رجعنا إلى كتاب حياة الصحابة للكندهلوي ونظرنا في زهد الرسول صلى الله عليه وسلم وزهدأصحابه رضي الله عنهم لوجدنا ترفعهم عن الدنيا وتزودهم فيها للآخرة ما يفوق الوصف.
والملاحظ أن عصر الصحابة رضي الله عنهم كان عصر التوازن بين متطلبات الروح ومتطلبات الجسد، وبين الدنيا والآخرة، وبين الخلوة والمخالطة، فهم مع ترفعهم عن الانخراط والانغماس في متاع الدنيا إلاّ أنهم لم يعزفوا عن الدنيا بالكلية لأن الإسلام يدعو إلى التوازن والتوسط في الأمور جميعها بلا إفراط ولا تفريط.
ولم يدع الإسلام إلى الغلو والتنطع ولا إلى التفرغ الكامل للزهد والاعتكاف عن الجهاد بل هناك نصوص كثيرة تخالف هذا الاتجاه منها : قال تعالى : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا) (65) قال صلى الله عليه وسلم : " صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً "(66).
وحين دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا حبل ممدود بين ساريتين، فقال : ما هذا الحبل ؟ قالوا لزينب، إذا فترت أمسكت به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا … حلوه … ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد "(67).
الطور الثاني : طور التشبه بالسابقين :(1/17)
وهذا الطور يبدأ في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري والقرن الثالث. وامتاز هذا الطور بالحرص على الاتباع دون الابتداع وعلى رأس هذا الطور ظهر إبراهيم بن أدهم ت 161 هـ وهو يغزو في بلاد الروم.
- وأبو سليمان داوود بن نصر الطائي ت 165هـ وقد انشغل بالعلم والفقه واشتهر بالخلوة والعبادة(68).
- ومن أعظم الذين ظهروا في هذا العصر رابعة بنت إسماعيل العدوية البصرية أم الخير المشهورة بالزهد والصلاح الداعية إلى حب الله لذاته وقد توفيت عام 185هـ (69).
- ومن أهم أشعارها في حب الله :
إني جعلتك في الفؤاد محدثي *** وأبحت جسمي من أراد جلوس
فالجسم مني للجليس مؤانس *** وحبيب قلبي في الفؤاد أنيس(70)
ومن أقوالها المشهورة ما عبدته خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته فأكون كالأجير السوء عبدته حباً له وشوقاً إليه(71).
وقالت أيضاً :
أحبك حبين حب الهوى *** وحباً لأنك أهل لذاك
فأما الذي هو حب الهوى*** فشغلي بذكرك عمن سواك
وأما الذي أنت أهل له *** فكشفك للحجب حتى أراك
فما الحمد في ذا وفي ذاك لي*** ولكن لك الحمد في ذا وذاك(72)
- والفضيل بن عياض توفي في مكة 187هـ ، وشقيق البلخي توفي 194هـ.
الطور الثالث(73) : طور دخول الألفاظ الموهمة :
وقد امتد من القرن الثالث إلى أواسط القرن الرابع حيث ظهر في هذا الطور أبو يزيد البسطامي ت 261هـ وهو أول من تكلم في الفناء وقد قال : " لا حال للعارف فقد محيت رسومه وفنيت هويته لهوية غيره " وقد تكلم بالمكاشفة وأنكر الناس عليه ألفاظه(74).
ومن رجال هذا الطور أبو محمد سهل التستري (75) ت 283هـ وكان زاهداً معروفاً وكان يذكر الله بقلبه أحياناً دون نطق وكان على عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري لذا فقد نحى بالزهد منحى كلامياً.
الطور الرابع : طور التحرر من التكاليف الشرعية :
وهذا الطور بدأ في القرن الرابع الهجري وعلى رأسه الحسين بن منصور الحلاج ت 309 هـ.(1/18)
- وكان الحلاج رجلاً محتالاً مشعوذاً وكان يعرف علم الكيمياء وخواص المواد وكان من خداعه أنه يدفن في الطرقات أواني فيها ماء وأخرى فيها طعام فإذا طلب أحد أتباعه ماءً قال له أحفر هاهنا وإذا طلب طعاماً قال أحفر هاهنا (76) وكان قد سجن في بغداد ثم أخرج من السجن وقتل بعد مناظرة العلماء له.
- ومن رجال هذا الطور أبو بكر محمد بن موسى الواسطي ت 331 هـ وكان يدعو إلى التأمل في الله وعدم ذكره باللسان ، ويعتبر ذكر اللسان غفلة * أكثر من غفلة اللاهين (77) ويعتبر هذا الطور من أخطر الأطوار التي مر بها التصوف لأنه أدى إلى ظهور فكرة التخلي عن العبادات الظاهرة وإلى التحلل من التكاليف والأوامر والنواهي، وبسببه ظهرت الإباحية التي أثرت فيما بعد في كثير من الطرق الصوفية ، حتى أصبحت في عصرنا هذا بعض الصوفية يجتمعون في حلقات للذكر بألفاظ موهمة وبحركات تؤدي إلى فقد الوعي واختلاط الرجال بالنساء أثناء الذكر أعاذنا الله وإياكم من الوقوع فيما نهانا الله تعالى عنه.
الطور الخامس : تبلور الطرق الصوفية :
وكان ذلك في القرن الخامس الهجري وما بعده ومن أبرز أعلام هذه الحقبة محي الدين عبد القادر الجيلاني "الجيلي" ويرفع الشعراني نسبه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولد الجيلاني سنة 471هـ ( - وقيل غير ذلك - ) في جيلان وقدم بغداد وهي دار التصوف سنة 488هـ وتوفي سنة 561هـ وإليه تنسب الطريقة القادرية (78)، ونسب إليه أتباعه كثير من الكرامات، فقالوا كان يسير في الهواء وعلى رؤوس الناس ، وكان يخاطب الجن ويهديهم.
ومن مشاهير هذا الطور أيضاً أحمد بن أبي الحسين الرفاعي من بني رفاعة وإليه تنسب الطائفة الرفاعية البطائحية نسبة إلى مولد أحمد الرفاعي بالبطائح (79).
وظهرت بعد ذلك الشاذلية ومؤسسها هو أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي نسبة إلى شاذلة في تونس توفي سنة 656 (80).(1/19)
وتنسب إليه الطريقة الشاذلية، وانتشرت طريقته في مصر واليمن ومراكش وغرب الجزائر.
وكذلك ظهر في هذا الطور أحمد البدوي، ولد بفارس سنة 596هـ ، ورحل إلى العراق واستقر بمصر بطنطا حتى وفاته سنة 634هـ وهو من أكبر أولياء مصر عند الصوفية، امتاز بالفروسية وانقطع عن العباد وامتنع عن الزواج، وإليه تنسب الطريقة الأحمدية حيث انتشرت طريقته في جميع أرجاء مصر ولها فروع متعددة يمتازون بشاراتهم وهي العمامة الحمراء (81).
وظهر في هذه الحقبة إبراهيم الدسوقي (623- 667) هـ وإليه تنسب الطريقة الدسوقية التي تقوم على الخروج عن حظوظ النفس والهوى، والدعاء إلى المحبة بين الناس والتسليم المطلق من المريد للشيخ وعدم استحباب الخلوة إلاّ في حضرة الشيخ (82).
وقد صحب ظهور الطرق الصوفية القول بالكرامات، كما ظهرت وفشت البدع كبدع الأذكار والقبوريين.
الطور السادس : طور ظهور المجذوبين :
وقد ظهر هؤلاء المجاذيب في القرنين التاسع والعاشر الهجريين وهم أقسام :
1- منهم المتظاهرون بذلك الذين يخفون أهدافاً دينية أو سياسية لينجوا من قبضة السلاطين والشرطة والقضاة وأكثر هؤلاء ظهوراً كان بمصر.
2- تطور بعض هؤلاء إلى حالات مرضية نفسية وعصبية دائمة أدت بهم إلى اكتئاب دائم وكانوا يؤذون الناس.
3- وأناس حصلت لهم أزمات نفسية مؤقتة ، وحين تحصل لهم هذه الحالات كانوا يقومون بأعمال جنونية لفقدهم الإرادة.
وأمثال هؤلاء في التاريخ الإسلامي كثير، منهم أبو الخير الكليباني توفي سنة 910هـ وسمي بذلك لأنه كان يأمر الناس بشراء اللحم وإطعامه للكلاب وكان يفعل ذلك. وأحمد المجذوب توفي بعد سنة 920هـ وكان يقيم عند الباعة ويصرخ قائلاً يا مالي ومال السلطان ولا يتركهم حتى يعطونه من المال والطعام (83).
3- تأثر الصوفية بالفكر الغريب(1/20)
إن الدارس للمذاهب والأفكار والفلسفات والأديان على اختلافها يجد تقارباً و تشابهاً بين جوانب من الفكر الصوفي المنحرف وبين تلك الأفكار والمذاهب على اختلافها.
" ففي عهد الخلافة العباسية في القرن الثالث الهجري حين سيطرت حياة البذخ والترف، وانتشار العلوم، خصوصاً الفلسفية التي أبرزتها الترجمة، ووضعتها في متناول الجميع، ودخلت على الفكر الإسلامي، وفتحت الباب على مصراعيه أمام تدفق معتقدات وفلسفات ومذاهب لاهوتية غريبة عن الإسلام، كالزرادشتية (84) والمانوية (85) والمزدكية (86) والديصانية (87) والمرقونية (88) وغيرها، وكان المجتمع الفكري مزيجاً من فلسفة اليونان، وزهد الهنود، وزندقة الفرس والشك المسيحي، وانتشر المفسرون والمتحدثون والفقهاء والمتكلمون والفلاسفة والملاحدة، وأدت حرية العقل التي دعت إليها المعتزلة إلى البلبلة الفكرية" (89).
ومن مظاهر هذا التأثر والتشابه ما يلي :
1- تأثر التصوف باليهودية :
كان ما يعرف بالتنبؤ مشهوراً بين اليهود وكان لمتصوفة اليهود مراكز تسمى المسفايات وكانت مراكزهم هذه منتشرة في كل البلاد التي تواجد فيها اليهود وفتحها الإسلام، وحارب الإسلام الكهانة فكانت تمارس الكهانة اليهودية في الغرف المظلمة وحاول هؤلاء الكهنة واستطاعوا تعليم الكهانة والتصوف إلى بعض المسلمين الذين نشروا هذه الأفكار بدورهم (90).
وقد ظهر أحد الكهان وهوالحارث الدمشقي الذي سمى نفسه نبياً في زمن عبد الملك ابن مروان (91).
كما يوجد هناك تشابه بين ذكر الصوفية البدعي وما دعا إليه العهد القديم حيث جاء فيه " ليبتهج بنو صهيون بملكهم ليسبحوا اسمه برقص بدف وعود ليرنموا … هللو يا، سبحوا الله في قدسه، سبحوه برباب وعود، سبحوه بدف ورقص، سبحوه بأوتار ومزمار، سبحوه بسنوج الهتاف " (92).(1/21)
وكان التنبؤ ظاهرة معروفة لدى اليهود، وكذلك الكهانة والتنجيم، وقد ظهر ذلك في الصوفية وإن كان بأسماء أخرى مثل المعرفة الصوفية وطرقها التي هي ادعاء علم الغيب عن طريق الكشف وغيره.
ولا يخفى على أحد تأثر الشيعة من الفكر اليهودي في مسألة تقديس الأئمة وتناسخ الجزء الإلهي في بعض البشر وقال بعض فرق الشيعة في علي رضي الله عنه بذلك التناسخ، ومن ثم انتقل ذلك من هؤلاء أو أولئك إلى التصوف فظهر فيهم الغلو في المشايخ وأصحاب الطرق والأولياء.
2- تأثر التصوف بالنصرانية :
دخل الإسلام البلدان وخاصة الشام، وكان الرهبان منتشرين في الصحاري والجبال حيث يقيمون صوامعهم فتأثر أتقياء الأمة وزهادها بهم، وكان في أول الأمر التأثر باللباس، وكثرة العبادات من الذكر والصلوات والصيام. فتأثرت الصوفية بذلك وانتقلت الرهبنة النصرانية مثل العزوف عن ملذات الحياة الدنيا وعن الزواج، ولبس الثياب البالية والمرقعة إليهم. حتى تسمى بعض أتقياء الأمة بالرهبان أمثال الصحابي الجليل أويس القرني رضي الله عنه الذي لقب براهب الأمة، والمردار أحد شيوخ المعتزلة سمي براهب المعتزلة، وأبو بكر المخزومي - ت94هـ - راهب قريش، والدارمي - ت 243هـ - راهب الكوفة (93).
ولقد تمسك كثير من الصوفية بقصص الزهد التي تنسب إلى المسيح عيسى عليه السلام والحواريين والاستشهاد بأعمال الرهبان ورجال الدين النصارى، والصوامع والخلوة.
وكذلك تأثروا بالدعوة إلى التسامح والحب الإلهي والمحاسبة الشديدة للنفس وتعذيبها والاعتراف للشيخ ورجل الدين بالذنب وطلب العفو والغفران منه (94).(1/22)
وتأثر التصوف من النصرانية بفكرة المعرفة والشهود والتأمل والفناء، ومن ذلك ما ذهب إليه القديس (برنار) حيث يرى أن الحياة المسيحية الصوفية تنحصر في اتباع طريق النجاة، وطريق النجاة في نظره بأن يقوم العابد الزاهد بالبحث والتأمل في نفسه ثم في العالم ثم في الإله، ينتهي أولاً إلى الشهود والذي هو الإدراك اليقيني البعيد عن أي ريب في الحقيقة، وأخيراً ينتهي إلى الغيبوبة التي يكون الروح فيها شاغرة بنفسها فتسمو إلى مرتبة الاستمتاع بالصلة الإلهية، ولعل ذلك الإحساس أصل فكرة الفناء.
ويرى المتأله (أميرسون) أن المعرفة تكون بواسطة الزهادة أكثر منها بواسطة البحث الإنساني، وهي مناهج التأمل المرتبط بالتقدم الروحي ثم تنتهي إلى الاتصال بالله (95).
ويبين الدكتور/ حسن عاصي (96) أن التشابه بين النصرانية والصوفية في ثلاثة مفاهيم وهي :
أ ) الفقر : وقد ورد ذكره في انجيل لوقا " طوبى لكم أيها المساكين فإن لكم ملكوت الله، طوبى لكم أيها الجياع الآن فإنكم ستشبعون " 1/106.
ب) التوكل : وهو من مقامات الصوفية وجاء في إنجيل متى " لا تهتموا لأنفسكم بما تأكلون ولا لأجسادكم بما تلبسون …. انظروا إلى طير السماء فإنها لا تزرع ولا تحصد ولا تحزن وأبوكم السماوي يقوتها، أفلستم أنتم أفضل منها " 6/25- 26.
ج) الحب الإلهي : واستدل على ذلك بقوله " العابد يقف أمام معبوده، يخاطبه مخاطبة العاشق معشوقه والحبيب محبوبه ".
3- التأثر بالديانات الهندية :
لقد عرفت الهند الكهانة قبل المسيحية بثمانية قرون، وعرف المسلمون الهند في مطلع القرن الثاني الهجري عن طريق التجارة، وعن طريق السياحة الهندية التي كانت مشتهرة عند الهنود الذين تركوا الدنيا والملذات حيث ساحوا في العراق وغيرها من بلاد الإسلام " (97).
والمطلع على أديان الهند يجد كثيراً من الفكر الشبيه بالفكر الصوفي وهذا بعضاً من ذلك :
أ ) التأمل والحلول :(1/23)
يوجد تشابه كبير بين معتقدات البراهمة وهم حكماء الهنود والصوفية، فإن الكهنة الهنود عن طريق التأمل يصبون إلى الوصول إلى الكمال الروحي الذي يؤدي في النهاية إلى الحلول في الله تعالى بزعمهم (98).
ب) التناسخ والفناء :
وإن كانت البوذية تأثرت بالبراهمة في فكرة الفناء غير أن النرفانا الكبرى هي من الفكر البوذي حيث يرى البراهمة أن الروح تخرج إلى جسد آخر ، ولكن النرفانا الكبرى تعني الفناء المطلق وهو عودة الروح إلى منشئها لتحل في الله تعالى بزعمهم (99).
ج) اليوغا ( تعذيب الجسد ) :
واليوغا الهندية هي عبارة عن رياضات شاقة فيها تعذيب للجسد للوصول إلى قتل الشهوة، وتحرير النفس من رغباتها وتعويد الجسد على الهدوء، وأحياناً يكررون بعض الألفاظ (الذكر عندهم).
د ) وحدة الوجود :
ويعتقدون كما تشير كتبهم القديمة أن جميع أشكال الحياة من الحياة الإلهية إلى حياة أصغر الخلائق هي ذات واحدة وهي ماثلة في كل مخلوق وهي فكرة (وحدة الوجود) (100).
هـ) المظهر العام :
إن الذي يذهب إلى الهند يجد عندهم لباس الخرقة والمرقعات، واستعمال السبح ذات الأعداد الكبيرة من الأمور المشتهرة بينهم.
و ) القدرات والمعجزات :
يزعم صاحب كتاب بيتنجل في سياق حديثه عن التدين الهندي، أن الرجل إذا اشتغل بالرياضات وتهذيب النفس يمنح القدرة على ثمانية أشياء وهي :
1- التمكن من تلطيف البدن حتى يخفى عن الأعين، وقال بهذا كثير من الصوفية حيث زعموا أن الولي عندهم يشاهد في أدنى الأرض، وبعد قليل في أقصاها وقد يشاهد في مكانين معاً.
2- التمكن من تخفيف البدن حتى يستوي عنده وطء السوائل والوحل والتراب.
3- التمكن من تعظيمه حتى يُرى في صورة هائلة عجيبة، وهذا ما تزعمه الصوفية من أن أحدهم يكبر حتى يملأ الغرفة.(1/24)
4- انطواء المسافات بينه وبين المقاصد الشاسعة، وهذا ما يزعمه بعض الصوفية من أن أحدهم يصلي الصبح في المدينة والظهر في مكة والعصر في بيت المقدس، أو أنه يتحرك في لحظات من نجد إلى عرفة ويرجع وينقل لهم أخبار الحجيج.
5- التمكن من الإرادات ، أي فعل ما يريد.
6- التمكن من علم مايروم (يريد) ، أي يحصّل العلم الذي يريده.
7- التمكن من الترأس على أي طائفة ، أي إذا أراد أن يكون رئساً على طائفة ما فيستطيع تحقيق ذلك.
8- خضوع المرؤوسين وطاعتهم وهذا واضح عند الصوفية فيستطيع الشيخ جعل المريد يطيعه طاعة مطلقة حتى وإن كانت في معصية الله " (101).
مثال للتصوف الهندي :
من أمثلة التصوف الهندي (راما كريشنا) وهو رجل هندوسي كغيره من جحافل الوثنيين الذين يقدسون الماء والتراب والحيوان، ويعد من أعظم نساك الهند حيث كان لحياته أثر كبير في تغلغل السمو الروحي أعماق القلوب.
ويقول عنه الأديب الفرنسي الكبير (روما رولان) : إن راما كريشنا تتويج لجهود آلاف السنين في سبيل ترقية الحياة الباطنية لمئات الملايين من الهنود، إذ كان هذا الرجل المنعش الوحيد للهند الحديثة (102).
ومما تقدم نتبين تأثر الصوفية بكثير من المعان الموجودة في الفلسفة الهندية ولا نستطيع أن ننكر اتصال المسلمين بالهند منذ عصر الإسلام الأول كما تقدم.
4- التأثر بالفلسفة الصينية :
ظهرت الحكمة الصينية قديماً في القرن السابع قبل الميلاد حيث عاش المفكر لأوتسة في ذلك القرن وهو زاهد متقشف يرفض المتع البشرية ويريد الإصلاح لقومه، ويدعو إلى ترك العمل والتخلي عن الشهوات وحاجات الجسد المادية، وقد عاصر أيضاً حكيم الصين الأكبر (كونفوشيوس)، وقد كان مفكراً عمليا ومصلحاً إجتماعياً (103).(1/25)
وحين عجز لاؤتسه (لي آره) عن إصلاح قومه ويئس من ذلك نزع إلى العزلة والهجرة، وحين طلب منه رجل أن يترك له كتاباً ترك له كتاب (تأوته) وهذا الإسم يتكون من مقطعين : (تآو) ومعناها الطريق الروحي (ته) النعمة أو اللطف الإلهي.
وهذه الكلمة تآو ذات دلالة صوفية وهي كلمة قديمة تشتمل على الأخلاق، وفلسفة الحياة، وعلة الوجود، ونظام الطبيعة الخالد (بزعمهم)، وهي عندهم علة العلل المتجلية في الخالق والمرئية في العالم.
وقد أكسب لاؤتسه هذه الكلمة معاني جديدة حين زعم أن الإنسان يستطيع الإتصال بالتأو عن طريق التجرد من الشهوات وعن طريق الرياضة الصوفية وترك الزهو وهجر الشعور الذاتي، فبذلك ينجو من شرك المادة (الجسد) ويترفع عن حواجز المكان والزمان ويكون بلوغ التآو في مراحل ثلاث : -
أ – تزكية النفس وتطهيرها.
ب- الإشراق
ج- الإتصال والاتحاد (104).
ونلاحظ أن هذه الأفكار والمعاني وجدت في التصوف سواءً بسواء فالعزلة وتعذيب الجسد وفكرة اللطف واعتزال الشهوات والطهارة والتزكية والاتحاد، فقد مُلئت كتب التصوف بها.
كما نلاحظ أن الإشراق الصيني هو فكرة شبيهة بالكشف عند الصوفية، كما أن الإتصال والإتحاد شبيه بالفناء عند الصوفية.
5- التأثر بالفلسفة اليونانية :
لقد كان للفلسفة اليونانية تأثير واضح في التصوف وخاصة أن الإفلاطونية الحديثة كان لها شيوع واضح ما بين النهرين وفي حران. وكذلك انتشرت في بلاد الشام ومصر والعراق وفارس وبعض الهند حين سيطر اليونان بقيادة الاسكندر بن فليب المكدوني على تلك البلاد وامتزجت ثقافتهم بتلك الثقافات منذ القرن الثالث قبل الميلاد (105).
وإن بعض المؤرخين والمتخصصين يرجع الصوفية إلى أصل يوناني باعتبارها مأخوذة من كلمة سوفيا وهي بمعنى الحكمة باليونانية وهذا ما يعترض عليه الصوفيون.(1/26)
ومن أبرز عناصر الفكر اليوناني الغنوصية، والإشراقية وقد أثر ذلك في التصوف فقد دعا إلى التقشف ودعا إلى اتصال النفس بالملأ الأعلى، إذ يعتقد بوجود عالم روحاني نوراني فوق عالم الطبيعة لا يدرك العقل حسنه وبهاؤه، ويبلغ الإنسان ذلك العالم إذا تطهرت نفسه من علائق هذا العالم المادي، فتغدو زكية إذا تبرأت من العجب والتكبر والرياء والحسد (106).
والأفلاطونية الحديثة تحتوي على كثير من الفكر الصوفي إن صح التعبير – حيث يعتقدون بنظرية الفيض الإلهي وكذلك يقولون بالعقل الأول والنفس الكلية والهيولي والنفوس الجزئية وهي من مراتب الوجود عندهم وهذا ما يقول به بعض الصوفية كما عند ابن عربي، وكذلك نظرية الكشف والشهود والمعرفة.
ومن الأفكار التي أثرت في التصوف أفكار (ديونيسوس) ومن أبرز آرائه ما يسمى (التأله) وهو أن المعرفة الحقيقية تحصل بعد تطهير القلب من رجاساته، والتحرر من عبودية الجسد ونبذ الدنيا ولذائذها، والخشوع والصمت والتأمل وعند ذلك فقط يصل الإنسان إلى مشاهدة الله والإتصال به (107).
وكذلك تأثر التصوف بالغنوصية وهي كلمة يونانية بمعنى المعرفة وتطورت الكلمة حتى أخذت معنى اصطلاحياً وهو التوصل عن طريق الكشف والذوق إلى المعارف العليا دون الإستناد إلى البراهين العقلية (108).
كما نقلت وترجمت إلى العربية كثير من الكتابات اليونانية ومنها كتب (إسطفانوس برصديلي) وهو راهب غنوصي سرياني عاش بين القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد وقد انتشرت ترجمات كتبه انتشاراً واسعاً عند ظهور التصوف الإسلامي (109).
وهذا يدل دلالة واضحة على تأثر التصوف بالفلسفات اليونانية ومن الكلمات والمعاني الكثيرة التي كانت سائدة في الفكر اليوناني، واستعملت استعمالاً كثيراً في الفكر الصوفي المعرفة، والذوق، والكشف، الأزلية، والحقيقة، وحقيقة الحقائق، والكلمة، والعلة والمعلول ، ووحدة الوجود.
6- التأثر بعقائد الفرس :(1/27)
لقد ظهر في بلاد فارس الفكر الصوفي منذ زمن بعيد حيث سادت عندهم فكرة صدور كل شيء عن الله ورجوعه إليه وأن الموجود بحق هو الله.
وظهر الزهد والرهبنة في الديانة المانوية، والنهي عن ذبح الحيوان في الديانة المزدكية وكذلك ساعد دخول عدد كبير من الفرس في الدين الإسلامي على نقل تلك الأفكار بقصد حسن أو سيء وإن كثيراً من مشاهير الصوفية كانوا من أصول فارسية أمثال إبراهيم ابن أدهم ومعروف الكرخي، وشقيق البلخي، وحاتم الأصم، وسهل التستري، وأبو يزيد البسطامي والحلاج والسهروردي (110).
ولقد كان الفرس قبل الإسلام يدينون بالزرادشتية (الماجوسية) المبنية على وحدة الوجود، منحدرة من اتحاد أو حلول بين انبثاقات صادرة عن الهين اثنين (النور والظلمة) وكان مذهب الأكثرية المجوسية يرجع المبدأين (النور والظلمة) إلى كائن أعلى واحد منه انبثق الوجود، ثم جاءت المانوية متفقة مع الزردشتية في أصل العقيدة (111).
4- موقف العلماء من التصوف
أ - طائفة من الناس نظرت إلى مساوئ القوم وأغمضت العيون عن محاسنها فقالوا بضلال الصوفية وردوا كلامهم سواءً ما وافق الكتاب والسنة أو خالفهما وهذه الطائفة كما يقول ابن القيم (حجبت عن محاسن هذه الطائفة ولطف نفوسهم وصدق معاملتهم فأهدروها لأجل هذه الشطحات وأنكروها غاية الإنكار وأساءوا الظن بهم) (112).
ب - وطائفة أخرى نظرت إلى محاسن القوم وصدق معاملتهم وشفافية نفوسهم وحسن عبادتهم فأقبلت على علوم الصوفية وكتبهم وقصائدهم وقصصهم دون تمحيص مغمضة العيون عن عيوب القوم ومساوئهم، وهؤلاء كما يقول ابن القيم (حجبوا بما رأوه من محاسن القوم وصفاء قلوبهم وصحة عزائمهم وحسن معاملتهم عن رؤية شطحاتهم ).(1/28)
ج - وطائفة ثالثة وهم كما يسميهم ابن القيم أهل العدل والإنصاف الذين يقبلون من القوم ما يجدونه حسناً موافقاً للكتاب والسنة ويردون ما خالف الكتاب والسنة ويردون على شطحات القوم ، وهذا الموقف هو الذي يجب أن يقفه كل مسلم فلا تحملنا حسنات القوم على قبول خطئهم وتحسينه. كما يجب أن لا تحملنا سيئات القوم على رد حق ذهبوا إليه أو قالوا به، بل الحكم العدل الذي بيننا هو الكتاب والسنة (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (113)، ( وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (114).
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل العدل والإنصاف المتمسكين بكتاب ربهم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
المبحث الثالث - المراتب والمصطلحات
1- مراتب الصوفية وألقابهم (115)
يعتقد الصوفية بأن كبار أوليائهم لهم رتب وألقاب خاصة وهذه الرتب والألقاب درجات وهى كالتالي : -
1 - الغوث :
ولا يكون إلاغوث واحد وهو في مكة المكرمة. وهو الذي يغيث الله به أهل الأرض في رزقهم ونصرهم ، ويطلق عليه البعض القطب الغوث (116).
ويرى آخرون (117) أن الغوث يطلق على القطب حينما يلتجىء إليه الناس والبعض يطلق عليه قطب الأقطاب.
والاعتقاد بالغوث الغائب الحاضر من الشرك، فإن الله هو المغيث وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه.
ويقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله إن لفظ الغوث والغياث لا يستحقه إلاّ الله تعالى فهو غيّاث المستغيثين وعليه فلا يجوز لأحد الاستغاثة بغيره، لا بملك مقرب ولا نبي مرسل، ومن زعم أن أهل الأرض يرفعون حوائجهم - التي يطلبون بها كشف الضر عنهم - إليهم ونزول الرحمة بهم … فهو كاذب ضال مشرك (118).
2 - الأوتاد :
وعددهم أربعة أوتاد ، وهم الذين يثبت الله بهم الإيمان في قلوب الناس كما تثبت الجبال الأرض.(1/29)
وسموا أوتاداً تشبيهاً لهم بالجبال التي يثبت الله بها الأرض قال تعالى (والجبال أوتادا ) (119).
ويكون كل واحد منهم في جانب من جوانب الأرض الأربعة أي أنهم في المشرق والمغرب والشمال والجنوب (120).
وقال أحد المهاويس : إن مصر يحرسها أربعة ولولاهم لأصبحت في خبر كان قلت له (والكلام للكاتب)، إحك لي. قال : الدسوقي والبدوي يحرسان الوجه البحري والأسيوطي والقناوي يحرسان الوجه القبلي.
قلت له : إن الوجه القبلي أكبر من الوجه البحري ونحن في حاجة إلى عدد أكبر من ذلك فقال لي : على كل حال يوم الخميس حيث تعقد كل يوم خميس رئاسة رئيسة الديوان السيدة زينب، سوف أعرض عليها طلبكم وسوف ألح على المجلس أن يلبي طلبكم يا صعايدة (121). إنه كلام يدل على السذاجة وعدم العلم بل الجهل بالخالق وبربوبيته على خلقه.
3 - القطب :
والأقطاب عددهم سبعة أقطاب : الواحد قطب وسمي بذلك لأنه يكون قطب في القطر الموجود فيه كقطب الرحى ، وبوجوده تحفظ البلاد ، والمراد بالقطب هو الذي يحفظ الله به الشيء كقطب الدين وقطب القرية ، وكل من دار عليه أمر من أمور الدنيا أو الدين فهو قطب.
ويعتبر الجرجانى القطب أعلى منزلة عند الصوفية لأنه يعتبر الغوث قطباً والقطب هو موضع نظر الله في كل زمان وهو يسرى في الكون وأعيانه الظاهرة والباطنة سريان الروح في الجسد (122).
4 - الأبدال " البدلاء " :(1/30)
وعددهم أربعون بدلاْ، وسموا بالأبدال لأنهم ثابتون من حيث العدد كلما توفى أحدهم يسر الله تعالى واحداً غيره ، وقيل : هم الذين أبدلوا السيئات من أخلاقهم وأعمالهم وعقائدهم بالحسنات ، وهم بالشام ، واستدلوا على ذلك بحديث منقطع الإسناد- كما يذكر ذلك ابن تيميه وهو عن علي رضى الله عنه مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (الأبدال يكونون بالشام وهم أربعون رجلاً كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، يسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب) (123).
ويرى الجرجانى ان البدلاء سبعة رجال، من سافر منهم يترك جسداً على صورته حياً بحياته، ظاهراً بأعمال أصله بحيث لا يعرف أحد أنه فقد وذلك هو البدل لا غير، ويقول إن الأربعين الموجودين في الشام هم النجباء وليس الأبدال (124).
5 - النجباء :
وعددهم ثلاثمائة ، وهم في الشام ، وتزعم الصوفية أن الأعمال وسؤال الحاجات ترفع إلى الأبدال ثم إلى الأقطاب ثم إلى الأوتاد ثم إلى الغوث الذي يقوم بقضاء الحاجات. والنجباء مشغولون بحمل أثقال الخلق وخاصة التي لا تفي القوة البشرية بحملها (125).
ويزعم أصحاب هذه المعتقدات أن أصحاب هذه الألقاب هم من الأولياء الذين لا تخلو منهم الأرض فهم موجودون في كل زمان وفى كل مكان. ويعتقد هذه المعتقدات كثير عن أصحاب الطرق الصوفية.
* فإذا كان الأمر كذلك فمن حد لهؤلاء الأولياء حداً ، والولاية ثابتة بالكتاب والسنة ، فكيف حصرها الصوفية في هذه الأعداد والتحديد يحتاج لدليل شرعي.
* ثم إن هذه الألفاظ والمسميات لم ترد على ألسنة السلف الصالح ، والذين ذكروهم من الأوائل كابن تيمية رحمه الله إنما ذكرهم على سبيل الذم والنقد.
* وإن زعم زاعم أن الأرض لا تخلو من هؤلاء فلم لم يحدثنا عنهم الرسول محمد صلى الله علية وسلم ، وهو الذي لم يترك خيراً إلا دلنا عليه ولا شراً إلا حذرنا منه.(1/31)
* وهل وجودهم مقتصر على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فان كان مقتصراً عليها فكيف يزعمون أن الأرض لا تخلو منهم؟. وان كانوا فيمن قبله فأين هم في قوم نوح وإبراهيم وموسى و عيسي عليهم و علي نبينا أفضل الصلاة و السلام ؟ ولمَ لمْ يحدثنا محمد صلى الله عليه وسلم عنهم ؟.
* وكيف هم في الشام و فتحها جاء متأخراً عن عهد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ؟ وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل الشام وفضل اليمن و غيرها من البقاع و لم يذكر في فضل الشام و جود هؤلاء الأولياء المزعومين.
* وكيف ترفع حوائج الناس عن طريق هؤلاء ؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصماً ولا غائبا إنما تدعون سميعا بصيرا. إن الذي تدعون أقرب إلي أحدكم من عنق راحلته " (126).
و يقول تعالي : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (127).
ثم إن هذه الأسماء على هذا العدد والترتيب والطبقات ليست حقاً في كل زمان، بل يجب القطع بأن هذا على عمومه باطل.
فإن المؤمنين يكثرون تارة ويقلون أخرى، ويقل فيه السابقون المقربون تارة ويكثرون أخرى، وينتقلون في الأمكنة ليس من شرط أولياء الله أهل الإيمان والتقوى، ومن يدخل منهم في السابقين المقربين لزوم مكان واحد في جميع الأزمنة.(1/32)
وقد بعث الله رسوله بالحق وآمن معه بمكة نفر قليل كانوا أقل من سبعة ثم أقل من أربعين ثم أقل من سبعين ثم أقل من ثلثمائة، فيعلم أنه لم يكن فيهم هذه الأعداد ومن الممتنع أن يكون منهم الكفار، ثم إن الإسلام انتشر في مشارق الأرض ومغاربها وكان في المؤمنين في كل وقت من أولياء الله المتقين بل من الصديقين السابقين المقربين من لا يحصى عدده إلاّ رب العالمين ، لا يحصون ثلاثمائة ولا بثلاثة آلاف، ولما انقرضت القرون الثلاثة الفاضلة كان أيضاً في القرون الخالية من أولياء الله المتقين بل من السابقين ومن جعل لهم عدداً محصوراً لازماً فهو من الظالمين عمداً أو خطأً " (128).
2- مصطلحات الصوفية
1 - الكشف :
وهو الاطلاع على ما وراء الحجب من المعاني الغيبية والأمور الحقيقية وجوداً أو شهوداً (129) أو هو اطلاع أحد المتحابين المتصافين صاحبه على باطن أمره وسره (130).
أو هو ما يلقى في النفس عند تجريدها من العوارض الشهوانية وإقبالها بالقلوب على المطلوب (131). ويعني هذا أن الكشف هو العلم اليقيني الذي ينكشف فيه للصوفي العلوم والمعارف انكشافاً تاماً لا يبقى معه ريب ولا شك، لذلك نجد أن بعض الصوفية جاءوا بمعان جديدة للقرآن والسنة والآثار وزعموا أنهم يأخذون ذلك عن الله مباشرة وليس عن الموتى بزعمهم، وقالوا إن علماء الشرائع يأخذون ميتاً عن ميت وهم يأخذون عن الحي الذي لا يموت.
2 - الفيض الإلهي :
وينقسم إلى قسمين :
أحدهما : الفيض الأقدس : وهو تجلى الواحد أو التجلي الذاتي الموجب لوجود الأشياء واستعداداتها في الحضرة العلمية " في العالم المعقول ".
ثانيهما : الفيض المقدس : وهو تجلى الواحد أو التجلي الموجب لظهور الأعيان في الخارج.
فالأول : وجودها في العلم والعقل والثاني : وجودها في الخارج مع لوازمها وتوابعها (132).
3 - وحدة الوجود :(1/33)
تنسب نظرية وحدة الوجود إلى ابن عربي الذي جعل الله والخلق شيئاً واحداً وجعل الإنسان والإله في مرتبة واحدة. حيث تقوم هذه النظرية في مدلولها البسيط على أن كل الموجودات التي في الكون رغم كثرتها وتعددها شيءٌ واحد وهذا الشيء هو الله سبحانه فالله يظهر ويتجلى في صور متعددة بزعمهم (133).
والمراد بها أيضاً أن الله هو الحق، وليس هناك إلا موجود واحد هو الموجود المطلق وهو الله فليس غيره في الكون، وأما العالم فهو مظهر من مظاهر الذات الإلهية، والعالم ليس له وجود في ذاته لأنه صادر عن الله بالتجلي (134).
4 - الاتحاد :
يعني أن الإنسان يتحد بالله، وفي حالة الاتحاد قد يفقد الشيء ذاتيته أو بعض أوصافها أو خصائصها وفيه تكون الذاتان أكثر تداخلاً وأكثر قرباً. وتنسب هذه النظرية للبسطامي.
وهو شهود الوجود الواحد المطلق ، فالكل يتحد بالحق من حيث كون كل شئ موجوداً به، معدوماً بنفسه ،لا من حيث أن له وجوداً خاصاً انحل به فإنه محال (135).
5 - الحلول :
الحلول يعني أن الله تعالى حل في جميع أجزاء الكون في البحار والجبال والصخور والأشجار والإنسان والحيوان. مع بقاء عنصر كل من الطرفين – اللذين حل أحدهما في الآخر – على حالته الأولى فمن زعم أن الإله حل في البقرة فإن البقرة ما زالت هي هي تحلب وتؤدي وظائفها كما هي (136).
الفرق بين الحلول والاتحاد ووحدة الوجود :
الحلول يعني وجود شيء داخل شيء آخر دون أن يفقد أحدهما طبيعته أو هويته أو ذاتيته أو ماهيته فتحل الذات الإلهية في الذات الإنسانية فيحل على حد تعبيرهم اللاهوت في الناسوت.
أما الاتحاد فيكون أكثر قرباً وامتزاجاً وتداخلاً، وقد يفقد الشيء الممتزج ذاته أو بعض صفاته وخصائصه.
أما وحدة الوجود فتعني أن الله هو الموجود وما سواه فناء وأن الأشياء في الأصل كلها شيء واحد ولكنه قد يظهر بمظاهر متعددة فيظهر الله تعالى في صور الكائنات المتعددة (137).
6- الوقت :(1/34)
يقول أبو على الدقاق : " الوقت ما أنت فيه ،" فإن كنت في سرور فوقتك السرور ، وكذلك الحزن ، ويعنى هذا أن الوقت هو الحاضر ، وكما يقال الوقت بين زمانين أي الماضي والمستقبل.
لذا يرون التفكير في الوقت الماضي هو ضياع وقت حاضر، والانشغال بالمستقبل " الغيب " كذلك.
ويرون الموت هو ضياع الوقت ، لأن العمر وقت وقيل في هذا المعنى :
ليس من مات فاستراح بميت ***إنما الميت ميت الأحياء (138)
وقال الجرجانى : الوقت عبارة عن حالك ، وهو ما يقتضيه استعدادك (139) وهذا بنفس المعنى الذي ذهب إليه الدقاق.
7 - المقام :
والمراد بالمقام المنزلة التي يقيم عليها المتأدب ، وهو ما يشتغل به العبد من الآداب والمعاملات والمجاهدات في ظاهره وباطنه وشرطه ألا يرتقى إلى مقام آخر حتى يستوفى ما هو فيه ، فإنه من لا قناعة له لا يصح له التوكل ، ومن لا توكل له لا يصح له التسليم ، ومن لا توبة له لا تصح له الإنابة ، ومن لا ورع له لا يصح له الزهد (140).
ومن أمثلة المقام التوبة والصبر والشكر والزهد والخوف والرجاء والتوكل والرضا ، فقد كان مقام آدم عليه السلام التوبة ، ومقام نوح عليه السلام الزهد ، ومقام إبراهيم عليه السلام التسليم ، ومقام موسى عليه السلام الإنابة ، ومقام داوود عليه السلام الحزن ، ومقام عيسى عليه السلام الرجاء ، ومقام يحيى عليه السلام الخوف ، ومقام محمد صلى الله عليه وسلم الذكر (141).
ونحن لا نقرهم على هذا فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا يقيمون على جميع الأحوال سالفة الذكر.
8 - الحال :
والحال معنى يرد على القلب من غير تصنع ولا اجتلاب ولا اكتساب ، مثل طرب أو حزن أو بسط أو قبض ، أو شوق أو انزعاج أو هيبة (142).
وقيل إن الحال تدوم ، وقيل إنها عرضة للزوال ، والصواب أن الحال قابلة للزوال ، قبل زوالها تسمى حالاً ، وعندما تزول تسمى وارداً ، والوارد هو كل ما يرد على القلب من المعاني الغيبية ، من غير تعمد.(1/35)
فالأحوال مواهب ، والمقامات مكاسب ، والأحوال تأتى من الجود ، والمقامات تحصل ببذل المجهود (143).
وعلى ذلك فالمقام ثابت ومستقر بخلاف الحال فإنه متغير ومتحول وزائل وقد يتصف المريد به في وقت دون آخر فإذا تكرر حدوثه للمريد فقد يستقر ويصبح مقاماً.
ومن أمثلة الحال : المحبة والشوق والأنس والقبض والبسط والبقاء والفناء والمكاشفة والمشاهدة والغيبة والحضور.
ملاحظة : نلاحظ أن الهجويري ذكر الخوف والحزن في المقامات وهي في الحقيقة أحوال لأنها غير متكلفة.
9 - القبض والبسط :
وهما حالتان تردان على العبد ، تقربان من الخوف والرجاء ، أو يسببهما الخوف والرجاء ، بمعنى أن العبد يرتقى من حال الخوف والرجاء إلى حال القبض والبسط.
يقول الجنيد : الخوف من الله يقبضني، و الرجاء منه يبسطني.
و الخوف و الرجاء يتعلقان بأمر مستقبل مكروه أو محبوب ، والقبض و البسط يتعلقان بأمر حاضر في الوقت ويغلب علي قلب العارف من وارد غيبي (144).
10- التواجد والوجد والوجود :
التواجد استدعاء الوجد بنوع من الاختيار ، وليس لصاحبه كمال الوجد لأنه غير متكلف.
والمواجيد جمع وجد ، والوجد ما يصادف القلب ، ويرد عليه بلا تكلف ولا تصنع ، وقيل هي بروق تلمع ثم تخمد سريعاً والوجود فقدان العبد بمحاق (بزوال) أوصاف البشرية ووجود الحق لأنه لا بقاء للبشرية عند ظهور سلطان الحقيقة (145) ، فالتواجد بداية ، الوجود نهاية ، والوجد واسطة بين البداية والنهاية.
يقول الحسين النورى : أنا منذ عشرين سنة بين الوجد والفقد ، إذا وجدت ربى فقدت قلبي ، وإذا وجدت قلبي فقدت ربى.
وفى هذا المعنى يقول الشاعر :
وجودي أن أغيب عن الوجود ***بما يبدو عليَّ من الشهود
والوجد والتواجد هو نتيجة سماع شيء مثير للوجدان كالقرآن والمدائح والغناء ، فعند السماع يحصل لهم هيجان وثوران ،وتمايل ورقص وحركات بهلوانية حتى يفعل الواحد منهم أفعالاً لا يستطيعها في غير هيجانه (حضوره).(1/36)
يقال إن جهماً الدقي في حال هيجانه أخذ شجرة فاقتلعها من جذورها (146).
11- الفناء والبقاء :
والفناء هو سقوط الصفات الذميمة ، والبقاء بروز الأوصاف المحمودة ، والفناء والبقاء متلازمان، فمن فني عن شهوته بقى بإخلاصه وعبوديته ، ومن فني عن الدنيا بزهده فيها بقى بصدق إنابته (147). وفناء الجهل ببقاء العلم ، وفناء المعصية ببقاء الطاعة وفناء الغفلة ببقاء الذكر (148).
والفناء مقرون بالبقاء ، و هو أن تثبت إلهية الحق تعالى في قلبك ، و تنفي إلهية ما سواه وبمحبته عن محبة ما سواه ، و بخشيته عن خشية ما سواه فالنفي هو الفناء والإثبات هو البقاء ومن بقي بطاعته عن طاعة ما سواه هو البقاء وحقيقته أن يفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه (149).
12- الغَيبة والحضور :
و الغيبة هي غيبة القلب عن علم ما يجرى من أحوال الخلق لانشغال الحس بما ورد عليه من تذكر ثواب أو عقاب روي أن الربيع بن خيثم كان يذهب إلى ابن مسعود رضي الله عنه فرأى الحديدة المحماة في كير أحد الحدادين فغشي عليه ،فلما أفاق من غيبته " حضر " سئل عن ذلك فقال : تذكرت كون أهل النار في النار.
وسبب ترك أبي حفص النيسابورى الحداد حرفته أنه سمع أية من القران ، فورد على قلبه وارد غفل فيه عن إحساسه فأدخل يده في النار و أخرج الحديدة المحماة دون أن يتألم، فلما رأى ما ظهر علية ترك حرفته.
فالغيبة تكون عن الخلق و الحضور بالحق ، لتغلب ذكر الله على قلبه (150) والسكر هو الإحساس بالانبساط حال غيبته و إن كان سكره مستوفيا لم يشعر بشيء حال سكره ، و الصحو هو الإفاقة من السكر الذي كان فيه.
و السكر لا يكون إلا لأصحاب المواجيد.
13- المحاضرة و المكاشفة و المشاهدة :
المحاضرة حضور القلب عن دوام الفكر وتواتر البرهان واستيلاء سلطان الذكر، والمكاشفة حضوره بنعت البيان بغير افتقار إلى التأمل ودوام الفكر والمشاهدة حضور الحق(1/37)
من غير بقاء تهمة " شك " والمعنى أن تتوالى أنوار التجلي على قلبه من غير أن يتخللها ستر وانقطاع كما لو قدر تتابع البرق واتصاله في الليلة الظلماء فتصبح كضوء النهار فكذلك القلب إذا دام به التجلي فإنه يرى الحق من غير شك. لذا قال النوري : لا يصح للعبد المشاهدة ما دام حياً.
وقال الجنيد صاحب المحاضرة مربوط بآياته ، و صاحب المكاشفة مبسوط بصفاته ، وصاحب المشاهدة ملقى بذاته، صاحب المحاضرة يهديه عقله ، و صاحب المكاشفة يدنيه علمه وصاحب المشاهدة تمحوه معرفته (151).
وسئل الشبلى عن المشاهدة فقال : من أين لنا مشاهدة الحق وإن الحق لنا شاهد (152) وقال الجرجانى : المحاضرة حضور القلب مع الحق في الاستفاضة من أسمائه تعالى (153).
ونستطيع أن نجمل ذلك فنقول المحاضرة حضور القلب نتيجة الفكر والتأمل، والمكاشفة أن تنكشف له الغيوب فتحصل له المعرفة والمعلومات دون تفكر ولا تأمل، المشاهدة أن يشاهد العبد الغيوب عياناً.
14- الشريعة والحقيقة :
الشريعة أمر بالتزام العبودية ، والحقيقة مشاهدة الربوبية فكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة فغير مقبولة وكل حقيقة غير مقيدة بالشريعة فغير محصولة، فالشريعة جاءت بتكليف الخلق، والحقيقة إنباء عن تعريف الحق، فالشريعة أن تعبده والحقيقة أن تشهده، فالشريعة قيام بما أمر، والحقيقة شهود لما قضى وقدر، وأخفى وأظهر (154).
ويقول الهجويري : الشريعة بدون حقيقة رياء، والحقيقة بدون شريعة نفاق والشريعة مكاسب والحقيقة مواهب (155).
يقول أبو على الدقاق : " إياك نعبد " حفظ للشريعة " وإياك نستعين " إقرار بالحقيقة ويذهب البعض إلى أن الشريعة علوم الظاهر المستمدة من الكتاب والسنة (156) وعلم الحقيقة هو علم الباطن وهو العلم اللدنى المستمد من الله تعالى كعلم الخضر عليه السلام إذ قال تعالى : (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) (157). لذا نجد الصوفية عن طريق علم الحقيقة (158) نسخوا الشريعة بغير حق.(1/38)
15- الحقيقة المحمدية :
تعني أن النور المحمدي أشرق قبل أن يكون الخلق، ومنه خلق الكون وما حوى ، فهو أول شيء فاض عن الله سبحانه وتعالى، ثم ما زال يظهر ويتسلسل هذا النور في الأنبياء إلى أن وصل إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان محمد خاتم الأنبياء بهذا المعنى ولذا بُدىءَ به الأمر وختم، وكان محمد صلى الله عليه وسلم أكمل تجلى خلقي ظهر فيه الحق فهو الإنسان الكامل الذي حاز خلاصة الكون كله وأصبح مقابلاً للذات الإلهية (159).
3- علوم الصوفية بين الهبة والاكتساب
المراد بالعلوم الوهبية هي العلوم التي يحصلها الإنسان بلا جهد وذلك بتحصيلها من الله تعالى مباشرة ، وبعضهم يسميها العلوم اللدنية مستدلين بقوله تعالى : (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا).
والمراد بالعلوم الكسبية هي التي يحصلها الإنسان عن طريق التعلم والقراءة والكتابة وعن طريق التلقي من المشايخ والعلماء.
والناظر في كتب الصوفية الأوائل والكتب التي تتحدث عنهم يجد كثيراً من الأقوال المنسوبة لشيوخهم تبين أن علومهم من قبيل الكسبية المستمدة من الكتاب والسنة فمن أقوال شيوخهم :
قول القشيري : " اعلموا أن شيوخ هذه الطائفة بنوا قواعد أمرهم على أصول صحيحة في التوحيد ، وصانوا بها عقائدهم من البدع ودانوا بما وجدوا عليه السلف وأهل السنة " وقال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله : " كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل ".
وقال الجنيد بن محمد : " من لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الشأن لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة. " وقال : " الطرق كلها مسدودة عن الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم " (160).
وقال أبو حمزة البغدادي : " لا دليل على الطريق إلى الله إلا بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أحواله وأقواله وأفعاله ".(1/39)
هذه الأقوال تدل على ما كان عليه أولئك الشيوخ ومتقدمو الصوفية ولكن الذين جاءوا بعدهم ومتأخروهم أدخلوا أموراً على التصوف تخالف ما كان عليه أوائلهم.
وحقيقة " التصوف إيمان ثم علم ثم عمل ، وذلك يكون متقدم على علوم الصوفية بالضرورة …… فأما العلم السابق عن العمل فكسبي يأتي من جانب الإنسان وما يبذله في تحصيله من جهد ويقوم على الدليل والبرهان.
أما العلم الحاصل بعده – فهو العلم الوهبي – وهو ما يطلق عليه الصوفية اسم (المعرفة) أو العرفان. الذي تحصل فيه المشاهدة والعيان فيتميز أنه وهبي من لدن الله تعالى" (161).
وإلى هذه يشير الإمام أبو حامد الغزالي إلى العلم الكسبي والوهبي فيقول : " أما العلم فهو العلم بالأمور الدنيوية والآخروية والحقائق العقلية …… وهي تتحصل له - أي العلوم الكسبية – بالتجارب والفكر ، والناس في هذا مراتب لا تحصى يتفاوت الخلق فيها بكثرة المعلومات وقلتها وبشرف المعلومات وخستها وبطريق تحصيلها.
ثم يتحدث بعد ذلك عن العلوم الوهبية وهي التي " تحصل لبعض القلوب بإلهام إلهي على سبيل المبادأة والمكاشفة …… وهي درجات …… وأقصى الرتب رتبة النبي صلى الله عليه وسلم الذي تنكشف له كل الحقائق أو أكثرها من غير اكتساب وتكلف ، بكشف إلهي في أسرع وقت (162). ويقول عبد الحليم محمود : إن المشاهدة الصوفية ليست ثقافة كسبية ولا يتأتى التحدث عن مصادرها الخارجية أياً كانت هذه المصادر … لأن المعرفة الصوفية استمداد من مصدر النور والهداية (163).
من أقوال الصوفية في العلم الوهبي واعتراضهم على العلوم الكسبية قول أبي يزيد البسطامي لعلماء عصره : أخذتم علمكم من علماء الرسوم ميتاً عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت.
وقد أرسل ابن عربي رسالة إلى الفخر الرازي صاحب التفسير يقول فيها : اعلم يا أخي وفقنا الله وإياك أن الرجل لا يكتمل عندنا في مقام العلم حتى يكون علمه عن الله عز وجل بلا واسطة من نقل أو شيخ (164).(1/40)
وإذا كان طريق تحصيل العلوم الشرعية المكتسبة هي الكتاب والسنة وتلقي العلوم المتعلقة بهما من العلماء كالتفسير وشروح كتب السنن ، فإن طريق تحصيل العلوم الوهبية تكون عن طريق : -
1- الكشف : ويقول عنه الغزالي : هو العلم اليقيني الذي تنكشف فيه العلوم انكشافاً لا يبقى معه ريب ولا يقارنه إمكان الغلط والوهم ولا يتسع القلب لتقدير ذلك (165) وهو كما سبق تعريفه الاطلاع على ما وراء الحجب من المعاني الغيبية.
2- الذوق : وهو نور عرفاني يقذفه الحق بتجليه في قلوب أوليائه ويفرقون به بين الحق والباطل من غير أن ينقلوا ذلك من كتاب أو غيره (166).
3- الوجد : وهو ما يصادف القلب دون تكلف.
4- الإلهام : وهو ما يلقى في الروع بطريق الفيض أو هو ما وقع في القلب من علم (167).
أو هو الإطلاع على أسرار الغيب بعين البصيرة في عالم المثال بلا شك ولا شبهة اطلاعاً غيبياً (168).
5- الفراسة : وهي معرفة حال الإنسان عن طريق النظر إليه وذلك بقياس حاله على أمثاله من خلال التجربة أو من خلال ما يراه الناظر ، أو من خلال ما يجده في نفسه، أو هي قدرة المؤمن التقي على توسم الخير أو الشر بمن حوله من الأشخاص والكائنات. ويستدلون على ذلك بالحديث (اتق فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) (169).
6- الرؤى المنامية : واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) (170) وفي رواية الرؤيا الصالحة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم، أو تُرى له " (171).
وهذه الأمور جميعها عرضة للوقوع في الخطأ لذا يجب أن يكون الفاصل في ذلك هو الكتاب والسنة ، لأن كل علم يحصل للإنسان من غير طريقهما قد يكون من قبيل الضلال والباطل والأحوال الشيطانية والأوهام والتخيلات.
ولقد دخل للتصوف كثير من البدع والضلالات بسبب الكشف والرؤية والإلهام ……(1/41)
المبحث الرابع - أقسام التصوف
لقد قسم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله التصوف إلى قسمين : وكل قسم ينقسم إلى ثلاثة أقسام، حيث جعل القسم الأول منها بالنظر إلى جهة العمل ثلاثة أقسام ، وبالنظر إلى جهة الاعتقاد ثلاثة أخرى.
فالثلاثة الأولى منها كما يلي (172) : -
1- صوفية الحقائق : والتصوف عندهم عبارة عن حقائق وأحوال وحدود وسيرة، ومن لوازم التصوف عندهم صفاء الباطن والظاهر ، وصفاء الباطن بالبعد عن الأمراض القلبية ، كالبغض والحقد والحسد …… وصفاء الظاهر بكثرة العبادات والنوافل والبعد عن الملذات والشهوات. وهم أفضل الناس بعد الأنبياء ، وذلك لحرصهم على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم درجات ومقامات بحسب عبادتهم والتزامهم.
2- صوفية الأرزاق : وهم الذين تركوا السعي على الرزق وكسب المعاش واكتفوا بما يجود به الناس عليهم من الصدقات ، وعليهم توقف الأوقاف الخيرية ، وتبنى لهم التكايا ، وبعضهم يعزف عن الزواج ، وهم حريصون على الزهد والعبادة وتظهر عليهم الذلة والمسكنة بخلاف أرباب صوفية الحقائق الذين يكسبون أرزاقهم بالعمل والسعي وراء الرزق.
3- صوفية الرسم : وهم قوم اقتصروا على الانتساب إلى الصوفية ، وتزيوا بزي الصوفية ، وحرصوا على لبس المرقعات ، وهم لا يلتزمون بطريقة صوفية ولا يتابعون شيوخهم ، ولا يحرصون على العبادات ولا يزهدون في الدنيا كسابقيهم.
والناظر إليهم يظنهم زهاداً ، ومن تعامل معهم ونظر إلى أعمالهم ، وجدهم ليسوا من التصوف في شيء.
وأما الثلاثة الأخرى ، " أي من جهة الاعتقاد " فهم كما يلي (173) :(1/42)
1- السلفية : وهم الزهاد الذين آمنوا بما آمن به السلف وساروا على نهجهم. حيث قال عنهم ابن تيمية رحمه الله : والثابت الصحيح عن أكابر المشايخ يوافق ما كان عليه السلف وقد نقل عن كثير منهم بالأسانيد المتصلة ما يدل على تمسكهم بالكتاب والسنة وعقيدة السلف وهم أمثال الجنيد بن محمد والفضيل بن عياض وسهل بن عبد الله التستري وأبو سليمان الداراني وغيرهم كثير.
2- الأشعرية : ويقصد بهم الذين سلكوا طريق أبي الحسن الأشعري من مشايخ الصوفية القائلين بأن الله يتكلم بلا حرف ولا صوت والذين يؤولون الصفات الخبرية ، مع أن بعضاً من مشايخ الصوفية كانوا ينكرون على من اتبع طريقة الكلاّبية والأشاعرة ، حيث نقل عن القشيري قوله : فإن هؤلاء المشايخ مثل أبي العباس القصاب له من التصانيف المشهورة في السنة ومخالفة طريقة الكلابية والأشعرية ما ليس هذا موضعه ، وكذلك سائر شيوخ المسلمين من المتقدمين والمتأخرين ، الذين لهم لسان صدق في الأمة.
3- الحلولية والاتحادية : وهم الذين يقولون بالحلول والاتحاد بحيث تكون أحد الذاتين وعاءً للأخرى ، وحقيقة مذهبهم أن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى ، وليس وجودها غيره، ولا شيء سواه ، ويقصدون أن الأول هو وجود الحق " الحال " والثاني وجود المخلوق " المحل ". وأمثال هؤلاء محي الدين بن عربي ، والحلاَّج ، وابن سبعين.
وهؤلاء القوم يقرب قولهم من قول الجهمية الذين يقولون إن الله في كل مكان.
ولكني رأيت أن أقسم التصوف إلى ثلاثة أقسام بالنظر إلى أعمالهم وعقائدهم وسلوكهم خلال التاريخ ، والتقسيم الذي ذهبت إليه دمجت فيه جميع الأقسام المتقدمة التي ذهب إليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى والأقسام الثلاثة هي : -(1/43)
1- التصوف السني : ويدخل فيه صوفية الحقائق وصوفية الأرزاق والصوفية السلفية والأشعرية لأن الأشاعرة من أهل السنة وقد أكد ذلك ابن تيمية في أكثر من موضع في الفتاوي الكبرى مع مآخذه على الصوفية والأشاعرة ورده على أخطائهم.
2- التصوف البدعي : ويدخل فيه كثير من صوفية الأرزاق وصوفية الرسم ، وكثير من أصحاب الطرق والقبوريين.
3- التصوف الفلسفي : ويدخل فيه القائلون بوحدة الوجود والحلولية والاتحادية.
وقد يكون تسمية التصوف (التصوف السني) مثيراً للجدل وقد يعترض عليه بعض أهل العلم اعتراضات تدل على عدم الرضا ولكني استمزجته واستنبطته من تقسيمات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
أولاً : التصوف السني
والمراد بهذا النوع من التصوف هو ما كان قرين الزهد والتقلل من متاع الدنيا وملذاتها وهو امتداد لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وإن كان هذا الزهد لم يعرف باسم التصوف إلا في أواخر القرن الثاني الهجري فإن أصله ومعناه وحقيقته
كان معروفاً في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد حث على ذلك القرآن الكريم في كثير من أي الكتاب الحكيم قال تعالى : (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) (174).
وقال تعالى : (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) (175).(1/44)
وكذلك كثر ذكر الزهد في كتب الحديث والسنن وكثرت أبوابه، والناظر فيها يجدها قد اشتملت على أبواب كثيرة مثل باب الزهد في الدنيا ، باب فضل الجوع ، باب القناعة والعفاف، باب فضل البكاء من خشية الله …… والناظر في هذه الكتب يجد كثيراً من الأحاديث والآثار الواردة في الزهد ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما يرجع (176) وقوله صلى الله عليه وسلم " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك " (177).
لذا لم يكن مستغرباً أن يزهد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم في دنياهم، ولا تابعوهم والسلف الصالحين.
ولم يكن الزهد عن قلة المال وإنما الزاهد هو من جاءه المال فزهد فيه وأنفقه ولم يجعله كل همه.
مصادر التصوف السني :
1- القرآن الكريم :
والقرآن الكريم هو الأساس الذي يستمد منه كل علم شرعي شرعيته، وعليه يعتمد أهل الحق في التمسك بحقهم. كما أن القرآن الكريم هو الكتاب الخاتم وهو الكامل الشامل كما قال تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلامَ دِينًا) (178).(1/45)
لذلك لم يهمل القرآن الدعوة إلى الزهد والتقلل من متاع الحياة الدنيا التي يضرب لها مثلاً بقوله : (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (179).
وقال أيضاً : ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً) (180).
2- السنة النبوية :
والمصدر الثاني من مصادر هذا الدين هو السنة النبوية ، لذا فإن الناظر في كتب السنن وفى شمائل النبي صلى الله عليه وسلم يجدها مليئة بالدعوة إلى الزهد واليك بعض المختارات من بستان النبوة الذي يعج ويحفل بوصف الدنيا ودنوها لطالبيها وأنها مزرعة الآخرة ولا تغنى عن الآخرة شيئاً.
قال صلى الله عليه وسلم : " إن الدنيا حلوة خضرة، وان الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون؟ فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " (181).
وقال : فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم " (182).
وقال مبيناً تعاسة من تمسك بها وشغل نفسه بها : "تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أعطي رضي وان لم يعط لم يرض " (183).(1/46)
و قال : " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء " (184).
وكان يقول : آلا إن الدنيا ملعونة ، ملعون ما فيها ، إلا ذكر الله تعالى وما والاه وعالم ومتعلم (185).
ولقد كان محمد صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا ، كيف لا وقد كانت تأتيه مرغمة فيردها إلى من هو دونه وينفقها، وقد قال : لو كان لي مثل أحد ذهباً لسرني أن لا تمر على ثلاث ليال وعندي منه شيء أرصده لدين (186).
ويقول النعمان بن بشير رضي الله عنه يصف حال النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك عنه قال : لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم ، وما يجد من الدقل " ( رديء التمر) "ما يملأ به بطنه " (187).
وفى حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام على حصير فأثرّ في جنبه فقال له أصحابه رضى الله عنهم : يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاءً. فقال : " مالي وللدنيا ؟ ما أنا في الدنيا إلاّ كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها " (188) وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليالٍ حتى قبض. وفي رواية أخرى " ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض " (189).
وما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته ديناراً ولا درهماً ، ولا عبداً ولا أمةً ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه ، وأرضاً جعلها لابن السبيل صدقة " (190).
هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا أن نتأسى به ونقتفي أثره (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِر) (191).
3- آثار الصحابة والتابعين :
عند الرجوع إلى أحوال الصحابة رضي الله عنهم والتابعين نرى فيهم التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم بترك متاع الدنيا وزخرفها.(1/47)
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين وليَّ الخلافة دفع كل ما له في بيت مال المسلمين، فلما سئل عن ذلك قال : كنت أتجر فيه فلما وليتموني شغلتوني عن التجارة (192) وحين وليَّ الخلافة خرج إلى السوق ليعمل فقال له الصحابة رضي الله عنهم : نفرض لك ففرضوا له قوت رجل من المهاجرين ليس بأفضلهم ولا بأوكسهم، فكان له برداه للصيف والشتاء إن أخلقهما " أي قَدِمَا " وضعهما وأخذ مثلهما وظهره إذا سافر ، ونفقته على أهله كما كان ينفق عليهما قبل أن يُستخلف، فقال أبو بكر رضي الله عنه قد رضيت (193).
وكان عمر رضي الله عنه على درب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه فحين فتحت عليه الدنيا كلمتاه عائشة وحفصة رضي الله عنهما في تغيير جبته التي كانت فيها اثنتا عشرة رقعة ويقدم له طعام يأكل منه وأضيافة، فأبا وقال إن له أسوة بصاحبيه فلا يجمع بين أُدمين إلا الملح والزيت، ولا أكل لحماً إلا في كل شهر ينقضي ما انقضى من القوم (194) ولما قدم له ما ء قد شيب بعسل فقال : إنه لطيِّب وقال : ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ) (195). فأخاف أن تكون حسناتنا عجلت لنا فلم يشربه " (196).
وفي البداية والنهاية لابن كثير أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج بسيفه إلى السوق وقال : من يشتري مني سيفي هذا فلو كان عندي أربعة دراهم أشتري بها إزاراً ما بعته (197).
ورضي الله عن أبي الدرداء إذ يقول : والذي نفس أبي الدرداء بيده ما أحب أن لي اليوم حانوتاً على باب المسجد ، لا يخطئني فيه صلاة ، أربح فيه كل يوم أربعين ديناراً وأتصدق بها كلها في سبيل الله. قيل له : يا أبا الدرداء وما تكره في ذلك؟ قال : شدة الحساب (198).
والمتبع لقصص الصحابة في الحلية ، وكنز العمال ، والبداية والنهاية ، وكتب السنن يجد الشيء الكثير من ذلك وكذلك قصص التابعين.
من أعلام التصوف السني :(1/48)
1- إبراهيم بن أدهم (199) بن منصور البلخي التميمي كنيته أبو اسحق، كان أبوه من ملوك * خراسان وكان موسراً ، وعاش مترفاً منعماً ، وقد خرج إبراهيم بن أدهم رحمة الله عليه للصيد فسمع صوتاً يناديه فالتفت إليه فلم ير شيئاً وتكرر ذلك معه ، ثم قال له المنادى : ما لهذا خلقت ولا بذا أمرت فعزم أن لا يعصي الله تعالى بعد ذلك ورجع إلى بيته فترك فرسه وعمد إلى أحد رعاة أبيه فأخذ منه جبةً وكساءً وتخل عن ثيابه وترك المتع.
خرج إلى العراق والى الشام طلباً للعمل وللرزق الحلال وتجول فيها وكان يأكل من عمل يده ، كان يعمل بالحصاد وجني الثمار وحفظ البساتين والحمل والطحن ، وكان إذا أنهى عمله قبل أن ينام ينادي في الناس من يريد أن يطحن ؟ فيأتيه الناس فيطحن لهم بلا كراء.
أخذ عن كثير من علماء العراق والحجاز ، وكان قد تفقه ، وكان يشترك مع الغزاة في قتال الروم. وكان يتكلم الفصحة ولا يلحن في العربية ، وكان إذا وقف سفيان الثوري في مجلسه يعظ أوجز مخافة الزلل.
كان يلبس في الشتاء فرواً لا قميص تحته، وفى الصيف لا يتعمم ولا يحتذي، وكان يصوم في السفر والإقامة.
ولما سئل كم لك في الشام ؟ قال : أربعة وعشرون عاماً ، ولما سئل ما جاء بك إليها قال : لأشبع من خبز الحلال.
عمل في أحد البساتين سنين ، فجاءه صاحب البستان وطلب منه رماناً حلواً فجاءه به فوجده حامضاً فقال له : تأكل فاكهتنا سنين ولا تميز الحلو من الحامض. فأقسم أنه ما أكل فاكهتهم ولا يميز الحلو من الحامض.
وجاءه عبد لأبيه يحمل له عشرة آلاف درهم ، ويخبره أن أباه قد مات في بلخ وخلف له مالاً كثيراً، فاعتق العبد ووهبه الدراهم ولم يعبأ بمال أبيه.
هذا هو إبراهيم بن أدهم الذي ترك الدنيا ومتاعها طلباً لبحبوحة الجنة وقد توفى رحمه الله سنه 161هـ –778 م. وأخباره كثيرة وفيها اختلاف في مسكنه ونسبته ووفاته.
2- عبد الله بن المبارك (200) :(1/49)
هو عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي بالولاء التميمي المروزي ، يكنى بأبي عبد الرحمن وهو شيخ الإسلام ، كان من الربانيين في العلم الموصوفين بالحفظ المذكورين بالزهد وقد جمع الحديث والفقه والعربية ، وأيام الناس والشجاعة والتجارة، والمحبة عند الفرق، كان من سكان خراسان ولد سنة 118 هـ، سمع سفيان الثوري وشعبه والأوزاعي والليث بن سعد، أفنى عمره في الأسفار حاجاً وتاجراً ومجاهداً ، كان سخياً ، وكان يقضي الدين عن المدينين، ويسعى في فك المحبوس، له كتاب في الجهاد وهو أول من صنف فيه.
مات بهيت على الفرات منصرفاً من غزو الروم سنة 181هـ.
قال الأوزاعى : لو رأيت ابن المبارك لقرت عينك.
وقال سفيان الثوري : لو جهدت جهدي أن أكون في السنة ثلاثة أيام على ما عليه ابن المبارك لم أقدر.
قال ابن المبارك : زيادة دنياكم بنقصان آخرتكم ، وزيادة آخرتكم بنقصان دنياكم. وكان يقول : أحب الصالحين ولست منهم ، وأبغض الطالحين وأنا شرٌ منهم.
وقال : الصمت أزين للفتى من منطق في غير حينه ، والصدق أجمل بالفتى في القول عندي من يمينه.
وسئل ابن المبارك مَنْ الناس ؟ قال العلماء : فمن الملوك ؟ قال : الزهاد. فمن سفلة الناس ؟ قال : الذين يعيشون بدينهم.
3- الفضيل بن عياض (201) :
الفضيل بن عياض التميمي من بني يربوع ولد بخراسان ، قدم الكوفة وهو كبير كان ثقة ثبتاً فاضلاً عابداً ورعاً ، وكان من شدة الخوف نحيفاً.
كان كثير الحديث وسمع الحديث من منصور بن المعتمر وغيره ، وروى عنه ابن المبارك والشافعي وبشر الحافي وغيرهم. ثم تعبد وانتقل إلى مكة وكان لا يقبل هدايا الدولة.
وتوفى بمكة المكرمة سنة 187هـ في خلافة هارون الرشيد وكان ذلك يوم عاشوراء، وقد نيف على الثمانين عاماً. قال هارون الرشيد : ما رأيت في العلماء أهيب من مالك ولا أورع من الفضيل. وقال إبراهيم بن الأشعت : كان الفضيل إذا ذكر الله ، أو(1/50)
ذُكر عنده ، أو سمع القرآن ظهر به من الخوف والحزن وفاضت عيناه وبكي حتى يرحمه من بحضرته. وقال : كنا إذا خرجنا مع الفضيل في جنازة يعظ ويذكر ويبكي كأنه يودع أصحابه ذاهب إلى الآخرة فإذا وصلنا المقبرة جلس كأنه بين الموتى.
قال عبد الله بن المبارك : إذا مات الفضيل ارتفع الحزن.
وللفضيل أقوال كثيرة في كتب التراجم منها :
" من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة "
" ليس من عبد أُعطي شيئاً من الدنيا إلا كان نقصاناً له من الدرجات في الجنة "
" ليست الدار دار إقامة وإنما أُهبط آدم إليها عقوبة "
" لو خيرت لاخترت أن أعيش كلباً وأموت كلباً ولا أرى يوم القيامة "
وكان رحمه الله يكثر من صلاة الليل فيلقى إليه حصير فإذا غلبته عيناه استلقى عليه ثم يفيق يصلي ……
4- معروف الكرخي (202) :
هو معروف بن فيروز " الفيرزان " الكرخى أبو محفوظ ولد في كرخ بغداد ونشأ فيها، كان أبواه نصرانيين فأسلماه إلى مؤدبهم فكان يقول له : قل ثالث ثلاثة فيقول : بل هو الواحد فيضربه معلمه ضرباً مبرحاً فهرب وأسلم على يد على بن موسى الكاظم. وكان أبواه يقولان ليته يرجع على أي دين فنتبعه فرجع إليهما مسلماً فأسلما. وكان مولى من موالي علي بن موسى الكاظم وكان يحجبه فكثر الزحام فضغطه الناس فتكسرت أضلاعه فمات ببغداد سنة 200هـ.
لما حضرته الوفاة قيل له : أوصى. فقال : أوصى بقميصي إذا مت فتصدقوا به أريد أن أخرج منها عرياناً كما دخلتها.(1/51)
وقبره ببغداد مشهور ويزار ويستشفع به ويتبرك به ويستسقى به " وهذا لا يصح " وكان رحمه الله مشهوراً بالصلاح مستجاب الدعوة حريصاً على الحق ، ذات يوم مر بسقاء يقول رحم الله من يشرب وكان صائماً فشرب طمعاً ببركة دعائه. قال رجل لمعروف الكرخى : ما شكرت معروفي. فقال : وقع معروفك من غير محتسب عند غير شاكر. وقال معروف الكرخى : " طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب ، وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور وارتجاء رحمة من لا يطاع جهل وحمق ".
ثانياً : التصوف البدعى
وهذا التصوف خليط من التصوف الإسلامي والتصوف الجاهلي، وقد يكون رجاله أهل علم وأصحاب نوايا حسنة ، وأثرت فيهم العادات السائدة في عصرهم وخاصة ما فيها من بدع.
بعضهم حاول إصلاح الطرق فلم يستطع فاضطروا إلى تأويل أعمالهم التي هي في الظاهر مخالفة لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليوهموا الناس بأنها لا تعارض النصوص الشرعية وليسلموا من الطعون والانتقادات الموجهة إليهم.
وهؤلاء القوم ليس لهم تطلع لإقامة دين الله تعالى في الأرض بل هم يشغلون أنفسهم بأمور أهمها : -
1- الاشتغال بالأذكار والأوراد وغالباً ما تكون طريقتهم في الذكر غير مطابقة للسنة بل تشتمل على بعض البدع ، كأن يكون الذكر بصورة جماعية ، ويسبق بعضهم بعضاً مما يجعل المسبوق يترك بعض الكلمات التي تخل بالمعنى، إضافة إلى الحركات المصطنعة التي يحدثونها أثناء الذكر من التمايل والقفز والتراقص.
كما أن أورادهم غالباً ما تشتمل على الاستشفاع والتوسل بالأولياء والصالحين والاستعانة بالمقبورين ، والاستغاثة بهم والتوجه إليهم بالدعاء.(1/52)
2- التربية والتزكية عن طريق النوافل، فهم غالباً يحرصون على الإكثار من صيام التطوع فبعضهم يتحرى صيام المندوبات والبعض يصوم زيادة على ذلك. وكذلك الصلوات فهم يكثرون من صلاة النافلة وقيام الليل بل يجعلوا لكل ليلة قيامًا مخصوصاً وتلاوة مخصوصة، ولا يجوز تخصيص يوم أو ليلة بعبادة مخصوصة إلا بدليل.
3- البيعة يهتم كثير من أصحاب الطرق الصوفية البدعية بأخذ البيعة من المريد وتكون البيعة على الطاعة المطلقة لشيخه، دون الاعتراض عليه.
والطاعة المطلقة لا تصح إلا للمعصوم عليه السلام وكل بيعة لغيره يجب أن تكون مقيدة في حدود عدم المعصية لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنه " لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف " (203).
أبرز ما يميز هذا النوع من التصوف هو الوقوع في البدع.
أقسام البدعة :
البدعة تنقسم إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة :
1- البدعة الحسنة أو السنة الحسنة وهي تكون في الجوانب الحياتية والتقدم العلمي التجريبي وفى الأمور التي تخضع للمصالح المرسلة "المصالح العامة التي لا نص فيها " كعمل صندوق للصدقات وبناء المستشفيات والمدارس التعليمية وما شابه ذلك.
2- البدعة السيئة وهى كل محدثة في دين الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم " إياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة " (204).
وقد وقع الصوفية في كثير من البدع والشركيات منها.
ما يكون من غلاة عباد القبور الذين يزعمون أن أرواح الأولياء تتصرف بعد الموت فيقضون الحاجات ويفرجون الكربات وينصرون من دعاهم ويحفظون من التجأ إليهم ولاذ بحماهم، فإن هذه من خصائص الربوبية (205).
والذين يجعلون مع الله نداً يدعونه كما يدعو الله تعالى ويسألونه الشفاعة كما يسألون الله تعالى ، ويحبونه كما يحبون الله تعالى.
وقد حذر صلى الله عليه وسلم مما هو أدنى من ذلك فحين قيل له عليه السلام " ما شاء الله وشئت ". قال : أجعلتنى لله عدلاً (نداً) ؟ بل ما شاء الله وحده (206).(1/53)
ومن ذلك أيضاً التبرك بالأماكن والأشخاص والأشجار وغير ذلك ، وقد طلب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم شيئاً من ذلك وهم حديثو عهد بكفر وذلك حين خرجوا لغزوة حنين فمروا " بشجرة " بسدرة للمشركين يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط قالوا : اجعل لنا شجرة كذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى (اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون) (207) ، إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم" (208).
ومن ذلك الذبح للأولياء والصالحين ، وتقديم القرابين لهم ، والذبح عند قبورهم. وقد نهى الله تعالى عن ذلك وحذر من الوقوع في ذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَريكَ له) (209).
وقال تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (210) وقال صلى الله عليه وسلم " لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من لعن والده ، ولعن الله من أوى محدثاً ، ولعن الله من غير منار الأرض " (211).
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الذبح عند الأوثان أو في أماكن يقام فيها عيد جاهلي وذلك حين سُئل عن رجل نذر أن يذبح إبلاً بأحد الأماكن فقال صلى الله عليه وسلم : هل كان فيه وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ فقالوا : لا، قال : فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قالوا : لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم" (212).
ومنها الاستعاذة بالمقبورين والصالحين من الأولياء الذين لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً. والاستعاذة معناها الالتجاء والاعتصام والتحرز والهرب من شيءٍ تخافه إلى من يعصمك منه (213).(1/54)
وقد أمرنا المولى عز وجل أن نستعيذ به قال تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (214) وقال أيضاً : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِين وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) (215) وقال : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) (216) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (217).
ومنها الاستغاثة بغير الله تعالى والاستغاثة طلب الغوث لإزالة الشدة كالاستنصار طلب النصرة ، والاستغاثة تمتاز عن الدعاء بأنها لا تكون إلا من المكروب قال تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) (218).
فقد وقع كثيرٌ من الصوفية والعوام في ذلك فمنهم من يدعو شيخه عند اشتداد الكروب فيقول : يا علي ، ويا عبد القادر ، ويا بدوي …… وأدى الغلو إلى أكثر من ذلك منهم من يسألهم الجنة وغفران الزلات …… حتى زعم أحدهم أن شيخة يجلس عند النار فلا يدع أحداً استغاثه يدخلها …… ونسجوا كثيراً من القصص المكذوبة فزعموا أن فلاناً استغاث شيخه فأغاثه ، أو دعا الولي الفلاني فأجابه أو فرج كربته (219) (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) (220).
وممن وقع في ذلك البوصيري حيث قال :
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم
ولا يضيق رسول الله جاهك بي ... إذ الكريم تحلى باسم منتقم
فإن لي ذمة منه بتسميتي ... ... محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي ... فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم (221)
فقد وقع البوصيري بأخطاء كثيرة في أشعاره هذه منها : -
1- إنه نفى أن يكون له ملاذ إذا حلت به الخطوب إلا الرسول عليه السلام وليس ذلك إلا لله.
2- تضرع للرسول عليه السلام وناداه ودعاه وطلب منه أموراً لا تطلب إلا من الله عز وجل.(1/55)
3- طلب منه الشفاعة عندما يريد الله تعالى الانتقام ولا يمنع ذلك أحد. قال تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) (222).
4- ادعى أن له ذمة لأن اسمه محمد وهذا غير صحيح لأنه ليس بين الرسول عليه السلام ومن اسمه محمد ذمة إلا بالطاعة، وكم من الطغاة من سماه أهله بمحمد.
5- زعم أنه لا خلاص له إلاّ إذا تفضل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذ بيده يوم القيامة، والخلاص والنجاة يوم القيامة تكون بفضل الله عليه.
وكذلك البرعي وقع في شيء من ذلك في قوله :
أرجوك في سكرات الموت أن تشهدني ... ... كيما يهون إذ الأنفاس في صعد
وإن نزلتُ ضريحاً لا أنيس به ... ... فكن أنيس وحيد فيه منفرد
وقال أيضاً :
يا سيدي يا رسول الله يا أملي ... ... يا موئلي يا ملاذي يوم يلقاني
هبني بجاهك ما قدمت من زلل ... ... جوداً ورجح بفضل منك ميزاني
واسمع دعائي واكشف ما يساورني ... ... من الخطوب ونفّس كل أحزاني
فأنت أقرب من ترجى عواطفه ... ... عندي وإن بعدت داري و أوطاني (223)
فقد وقع البرعي بأبياته هذه في أخطاء عدة منها : -
1- انه يستغيث بالرسول عليه السلام ويطلب حضوره عند موته ليهون عليه سكرات الموت وهذا ليس إلا لله عز وجل.
2- وطلب من الرسول عليه السلام أن يؤنس وحشته في قبره وليس للعبد أنيس إلا العمل الصالح.
3- وطلب منه أن يرجح ميزانه يوم القيامة ولا يرجح الميزان إلا الإخلاص والعمل الصالح
4- وطلب منه عليه السلام أن يكشف عنه الضر والكربات ويهون عليه الحزن والخطوب.
5- وهو الذي يرجو عاطفة الرسول صلى الله عليه وسلم مهما بعدت الدار … والرسول صلى الله عليه وسلم لا يرجى بعد موته.
6- زعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أقرب من يرجى، والله تعالى هو القريب المجيب وليس الحبيب محمد عليه السلام بعد وفاته.(1/56)
ومن الأخطاء التي وقع فيها القوم التوسل (224). والتوسل هو اتخاذ الوسيلة وهي الطريقة التي توصل إلى المطلوب " المرغوب".
الوسائل نوعان كونية وشرعية :
1- الوسيلة الكونية : وهي كل سبب طبيعي يوصل إلى المقصود بخلقته التي خلقه الله بها ويؤدي إلى المطلوب بما أودعه الله فيه من سنن كالماء فهو الوسيلة إلى ري الظمآن والطعام هو الوسيلة لحصول الشبع للجائع ، والملابس تحفظ الإنسان من حرارة الشمس وبرد الشتاء، واستعمال الزراعة والري للحصول على الغذاء والزواج وسيلة لحصول الذرية وهي مشتركة بين المؤمن والكافر من غير تفريق … ويشترط لاستعمالها شرطان أن تكون مباحةً شرعاً، وثبت بالتجربة وغالب الظن تحقق المطلوب بها.
2- والوسيلة الشرعية : وهي كل سبب يوصل إلى المقصود عن طريق ما شرعه الله تعالى وبينه في كتابه وسنة نبيه وهي خاصة بالمؤمن المتبع أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
- فالوضوء والغسل والتيمم وسيلة لحصول الطهارة ، والامتناع عن الطعام وسيلة لحصول الصيام والنطق بالشهادتين والعمل بمضمونها وسيلة لحصول مرضاة الله تعالى والفوز برحمته ودخول الجنة، وإتباع السيئة الحسنة وسيلة إلى محو السيئة، وقول الدعاء المأثور بعد الأذان وسيلة إلى نيل الشفاعة، وصلة الرحم وسيلة لطول العمر وسعة الرزق. ويشترط فيها ثبوتها بالشرع الحنيف.
فهذه القضايا السابقة تحقق تلك الغايات والمقاصد عن طريق الشرع وحده، لا عن طريق العلم والتجربة أو الحواس، فنحن لم نعلم أن صلة الرحم تطيل العمر وتوسع الرزق إلا من قوله صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه " (225).
التوسل المشروع لا يتم إلا بأحد أنواع ثلاثة : -
1- التوسل باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته.
2- التوسل بعمل صالح قام به الداعي.
3- التوسل بدعاء رجل صالح (226).
النوع الأول : التوسل باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته :(1/57)
قال الله تعالى : (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) ومنه ما ورد في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في أحد أدعيته "اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي " (227).
وفي الحديث من كثر همه فليقل " اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ماض فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك ، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي " إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجاً " (228).
وفي الحديث ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني " (229).
النوع الثاني : التوسل إلى الله بصالح الأعمال :
وهو أن يتوسل الإنسان بصالح أعماله إلى الله عز وجل لأن هناك مناسبة بين توسل الإنسان إلى الله وبين عمله الصالح الذي أخلص به لوجه الله تعالى والدليل على صحة ذلك ما ورد في القرآن الكريم قال تعالى : (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (230) وقال تعالى : (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (231).
وما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " انطلق ثلاثة رجال ممن كان قبلكم ، فآواهم المبيت إلى غار فدخلوه ، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار.
فقالوا : والله لا ينجينا من هذه الصخرة إلا أن ندعوا الله بصالح أعمالنا.(1/58)
فقال أحدهم : كان لي أبوان شيخان كبيران ، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً ، فعاقني طلبُ يوماً ، فلم أرح عليهما حتى ناما ، فحلبت لهما غبوقهما ، فجئتهما به فوجدتهما نائمين ، فتحرجت أن أوقظهما ، وكرهت أن أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فقمت والقدح بيدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما..
اللهم … إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ، فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة انفراجاً لا يستطيعون الخروج منه.
وقال الثاني : " اللهم لقد كانت لي ابنة عم ، كانت أحب الناس إليَّ ، فراودتها عن نفسها فامتنعت ، حتى ألمت بها سنة من السنين ، فجاءتني فأعطيتها مائة وعشرين ديناراً على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت ، حتى إذا قدرت عليها ، قالت : لا يحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه ، فتحرجتُ من الوقوع عليها وانصرفت عنها وهي أحب الناس إليّ ، وتركت المال الذي أعطيتها إياه.
اللهم … إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج.
ثم قال الثالث : " اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجورهم ، غير رجل واحد منهم ، ترك أجره وذهب ، فثمرت أجره ، فجاءني بعد حين ، فقال يا عبد الله أدِّ إليَّ أجرتي، فقلت له : إن أجرتك هي كل ما ترى من الإبل والغنم والبقر والرقيق ، فقال : يا عبد الله لا تستهزئ بي ، فقلت : إني لا أستهزئُ بك ، ورويت له القصة ، فأخذ ذلك كله فاستاقه ، ولم يترك منه شيئاً.
اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ، فأفرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة فخرجوا من الغار يمشون … وهذا حديث صحيح (232).
وهذا الحديث يدل على صحة أعمالهم فيها وإن الله قبلها وقبل دعاءهم وتوسلهم بصالح أعمالهم.
النوع الثالث : التوسل بدعاء الصالحين :(1/59)
وهو كأن يقع المسلم في ضيق شديد أو تحل به مصيبة كبيرة ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تعالى فيحب أن يتقرب إلى الله بسبب قوي، فيذهب إلى رجل حيث يعتقد فيه الصلاح والتقوى والعلم والفضل فيطلب منه أن يدعو له ربه أن يكشف عنه الضر ويفرج كربه.
ومن ذلك توسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدعاء العباس رضي الله عنه والاستسقاء به حيث قال : " اللهم إنّا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا ، وإنّا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، فيسقون " (233).
والمراد أن عمر رضي الله عنه كان يقول للعباس رضي الله عنه قم فاستسق لنا ربك فيدعو لهم فيسقيهم الله تعالى.
ومن ذلك أن معاوية رضي الله عنه دعا يزيد بن الأسود يستسقي لهم فدعا لهم ودعا الناس فسقاهم الله (234).
وأما الشفاعة فهي شبيهة بالتوسل وليس لأحد أن يشفع عند الله تعالى إلا بإذنه لقوله تعالى : ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه ) (235) ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن شفاعته بأن الله عز وجل يحد له حداً ويقول له اشفع في هؤلاء فيشفع …… وأما الشفاعة في الدنيا فيجوز للإنسان أن يشفع شفاعة حسنة. ولا تصح الشفاعة في ظلم ولا في حد من حدود الله لقوله صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد مستنكراً " أتشفع في حد من حدود الله ، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها " (236).
والشفاعة في الآخرة لا تطلب إلا من الله تعالى فليس لأحدنا أن يطالب أو يرجو الشفاعة من أحد حتى من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يطلب ذلك من الله تعالى فيقول اللهم ارزقنا شفاعته.
وأما ما ورد في حديث الضرير حين توضأ وصلى ركعتين ، وكان من دعائه بعدهما عن محمد صلى الله عليه وسلم اللهم شفع فيَّ محمداً وشفعني فيه ، فالمراد من قوله اللهم تقبل دعاءه لي ودعائي له ، فيكون المراد أيضاً طلب استجابة دعاء كلٍ منهما من الله عز وجل.(1/60)
وأما الأحاديث الأخرى الواردة وتشمل على السؤال بحق النبي ، أو بجاه النبي أو بحق السائلين فلا يقوى منها حديث لدرجة الصحة ، فكلها بين الضعيف والموضوع.
من أبرز رجال التصوف البدعي :
1- البوصيري : هو محمد بن سعيد بن حماد بن عبد الله الصنهاجي البوصيري المصري كنيته أبو عبد الله ولقبه شرف الدين ، وهو شاعر مليح المعاني حسن الديباجة. والبوصيري نسبة إلى " أبو صير " من أعمال بني سويف بمصر ، وأمه منها ، وأصله من المغرب ، وتوفى بالإسكندرية. عاش بين عامي 608– 696هـ ، 1212– 1296م. له ديوان شعر وأشهر أشعاره البردة.
وسميت البردة بهذا الاسم – كما زعموا - لأن البوصيري أصيب بشلل نصفي ، فأنشدها فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام فألقى عليه بردته فبرئ ، وكان بعض الفقراء إذا مرض قرأ البردة فبرئ والله أعلم (237). وهذا لا يصح شرعاً لاشتمال البردة على مغالطات شرعية وعقدية ولا يصح عقلاً.
2- البرعي : وهو عبد الرحيم بن أحمد بن علي البرعي اليماني ، وهو شاعر متصوف من سكان اليمن ، درس العلم وأفتى ودَرَّسَ ، له ديوان شعر مطبوع أكثره في المدائح النبوية ، ينسب إلى برع بتهامة ، توفيَّ سنة 803هـ – 1400م (238).
ثالثاً : التصوف الفلسفي (الباطل) :
وهو التصوف الذي اختلط بالفلسفات القديمة حتى غلبت عليه أفكار الفلاسفة كالفلسفة الإشراقية والزرادشتية وهو أيضاً يشتمل على رهبانية النصاري ، ودردشة الهنادكة ، ودخل إليه الشرك أيضاً عن طريق تأثره بالفلسفة اليونانية والرومانية والفارسية.
وأصحاب هذا النوع من التصوف تحللوا من شريعة الإسلام ومبادئه ووقعوا في جاهلية عمياء حيث وقعوا في الخرافات والأكاذيب وابتعدوا عن الدعوة إلى الله والوعظ والإرشاد وانقطعوا لاستقبال الهبات والنذور من جهلة القوم (239). وأبرز الأفكار التي ظهرت عند هؤلاء القوم هي وحدة الوجود والحلول والاتحاد والاعتماد على العلوم الكشفية.(1/61)
والملاحظ أن هذا النوع من التصوف لا يستمد أصوله وأفكاره من مصادر إسلامية لذلك قوبل بمعارضة شديدة من العلماء والأئمة كالغزالي في كتابه المنقذ من الضلال ، ابن تيمية في فتاويه ، ابن القيم في مدارج السالكين ، وابن الجوزي في تلبيس إبليس.
من أبرز رجال التصوف الفلسفي :
1- الحلاّج (240) :
هو الحسين بن منصور الحلاج الفارسي ولد بفارس سنة 244هـ البيضاوي البغدادي ، جدهُ زاردشتي ، صوفي متكلم وله اتصال بالقرامطة له شطحات كثيرة ، وأقوال سقيمة منها قوله " ما في الجبة إلا الله " " وأنا الحق " ولا يؤمن بفريضة الحج يقول أبو بكر بن الصولي عنه رأيت الحلاج وخاطبته فرأيت جاهلاً يتعاقل وغبياً يتبالغ وفاجراً يتزاهد …… وكان مع جهله خبيثاً ، وكان متشدداً وعنيداً ومغالياً ويكتنفه كثير من الغموض وقد قتل مصلوباً بفتوى من علماء عصره سنة 309هـ.
2- ابن الفارض (241) :
هو عمر بن علي بن المرشد بن علي الحموي الأصل المصري ولد سنة 576هـ ، شاعر صوفي لقب بسلطان العاشقين اشتغل بفقه الشافعية أخذ الحديث عن ابن عساكر، وأخذ عنه الحافظ المنذري ، حبب إليه سلوك طريق الصوفية كان يعتزل الناس ويأوى إلى المساجد المهجورة والأماكن الخربة.
توفى بالقاهرة سنة 632هـ ، وله ديوان شعر وشعره ينعق بالاتحاد الصريح.
3- ابن عربي (242) :(1/62)
هو محي الدين بن محمد بن على بن محمد بن أحمد بن عبد الله الطائي ، الحاتمي ، صوفي ومتكلم وفقيه وأديب ومفسر ، ولد بالأندلس سنة 560هـ كان يلقب بالشيخ الأكبر والكبريت الأحمر، له أراء سقيمة أنكرها عليه كثيرٌ من أهل عصره واتهموه بالزندقة وعمل بعضهم على قتله خاصة في مصر، وحرم الشيخ جلال الدين السيوطي النظر في كتبه، له مؤلفات كثيرة منها الفتوحات المكية ، وفصوص الحِكَم ، من أقواله : الوجود كله واحد ، وجود المخلوقات عين وجود الخالق ، وجود الله هو الوجود الحقيقي ، وجود العالم هو الوجود الوهمي، ويبني ابن عربي على وحدة الوجود وحدة الأديان وغير فكرة التوحيد بقوله ليس في الوجود على الحقيقة إلا الله ولا معبود في الواقع إلا الله وقد قال عن نفسه كيف يحبس من حل منه اللاهوت في الناسوت. وكانت وفاته عام 638هـ بدمشق ودفن فيها وله قبر يزار في أيامنا هذه.
4- ابن سبعين (243) :
هو عبد الحق بن محمد بن نصر الاشبيلي المرسى القرمطي ، ولد سنة 614 وتوفى سنة 669 هجرياً ، وتوفى منتحراً ، قيل أنه فصد الدم من يديه وتركه ينزف حتى تصفى فمات.
وهو صوفي وحكيم درس العربية وآدابها بالأندلس.
من أقواله السقيمة " لقد كذب ابن أبي كبشة حين قال لا نبي بعدي.
ومن مؤلفاته أسرار الحكمة – الحروف الوضعية في الصور الفلكية – جواهر السر المنير.
ولا تخلو مؤلفاته من الأقوال الباطلة كان يكثر من القول بوحدة الوجود في مؤلفاته ومواعظه.
5- شهاب الدين السهروردي (244) :
هو أبو الفتوح شهاب الدين يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي، الملقب بالشيخ المقتول، ولد عام 549هـ في مدينة ميديا المعروفة باسم سهرورد من أعمال زنجان من فارس (العراق العجمي)، تنقل في البلدان، تتلمذ على يد عبد الكريم الجيلي " الجيلاني " شيخ فخر الدين الرازي، طالع كتب ابن سينا وتصوف وتقرب من الملك الظاهر بن السلطان صلاح الدين الأيوبي وحضر مجالسه.(1/63)
اختلف الفقهاء مع السهروردي لقوله (إن الله قادر على أن يخلق نبياً بعد محمد صلى الله عليه وسلم وأمر صلاح الدين ابنه الملك الظاهر بقتله لانحلال عقيدته، وكان ذلك عام 587هـ ، كان مستوى القامة يميل إلى سماع الموسيقى، يحتقر من يتقرب إلى السلطان والأبهة الدنيوية، سليط اللسان، لا يحترم الفقهاء والشيوخ، وكان أحياناً يرتدي الخرقة الصوفية والثياب المهلهلة؛ وكان رديء الهيئة ذريء الخلقة لا يغسل له ثوباً ولا يقص ظفراً ولا شعراً.
وكان أوحد زمانه في العلوم الحكمية، جامعاً للفنون الفلسفية بارعاً في الأصول الفقهية، مفرط الذكاء، فصيح العبارة، علمه أكبر من عقله، من أقواله حرام على الأجساد المظلمة أن تلج ملكوت السموات.. اللهم خلص لطيفي من هذا العالم الكثيف.
وله كثير من المؤلفات بعضها مطبوع مثل : هياكل النور، رسالة في اعتقاد الحكماء، حكمة الإشراق وبعضها مخطوط مثل : المشارع والمطارحات، التلويحات، مقامات الصوفية.
وذكر ابن خلدون الاختلاف في اسمه هل هو يحيى أم أحمد أم عمر والمترجم عنده أنه يحيى وذلك لأن جماعة من أهل الفن كتبوه بهذا الاسم.
الخاتمة
وبعد … فقد توصلت والحمد لله تعالى إلى النتائج التالية : ـ
أولاً : إن الباحث لا يستطيع أن يقف على تعريف أو اشتقاق متفق عليه بين أهل الفن وأصحاب المذاهب الصوفية، بل هم في ذلك طرق ومذاهب شتى.
ثانياً : إن التصوف مر بأطوار شتى وكل فترة زمنية امتازت عن الأخرى ببعض المستجدات مع العلم أن الأطوار كلها لم تنته بعد بل هنالك من الناس من لا زالوا متأثرين بالطور الأول، وآخرون متأثرون بالأطوار الأخرى.
ثالثاً : نلاحظ من خلال هذا البحث أن الصوفية لهم مصادرهم والمؤثرات التي تأثروا بها فغالبهم يعتبر العلوم وهبيه يحصلون عليها عن طريق الرياضات والكشف والذوق والرؤى المنامية، مبتعدين بذلك عن الهدي النبوي متبعين للأفكار والمعتقدات التي تأثروا بها.(1/64)
رابعاً : نتبين أن التصوف والصوفية ليسوا مدرسة واحدة بل هم مدارس وطرق وجماعات متباينة الفكر والتوجه، وإن كان يجمعها كلها البعد عن الملذات والشهوات والمتع الزائلة.
خامساً : لا يمكن أن يعامل جميع الصوفية معاملة واحدة ولا يمكن أن يجمعهم حكم عام بل كل واحدٍ وكل طريقة منهم تدرس على حدة، حتى نعرف ما عندهم من الحق والباطل، ونحكم عليهم بناءً على ذلك، فكلما كانوا أقرب إلى السنة كانوا أقرب إلى الحق، وكلما كانوا أبعد عن السنة كانوا أقرب إلى الضلال.
وأسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأسأل الله العلي القدير أن يهدينا سبل السلام إنه على كل شيء قدير.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
د. محمود يوسف الشوبكي
24 صفر 1423هـ
7 مايو 2002م
الهوامش
(1) بتصرف عن أصول التصوف/ عبد الله حسين زروق، المركز القومي للإنتاج الإعلامي، 1995م – 1415هـ، ص7- 9.
(2) صحيح البخاري فتح الباري ، دار الفكر، حديث رقم 1975، كتاب الصوم، باب حق الجسد في الصوم. 4/217- 218.
(3) صحيح البخاري فتح الباري ، حديث رقم 3606 ، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام ، 6/615.
(4) مجموع الفتاوى 11/27- 28.
(5) آل عمران : الآية 31.
(6) الكهف : الآية 110.
(7) انظر : ابن تيمية وموقفه من أهم الفرق والديانات : د. محمد حرب، عالم الكتب، ط1، 1407هـ- 1987م، ص178.
(8) انظر : الصحاح للجوهري 4/1388 ، 1389، مطابع دار الكتاب العربي ، والقاموس المحيط 3/169، ولسان العرب 11/102- 103 ، ومعجم مقاييس اللغة 3/322.
(9) المصباح المنير ، المطبعة العثمانية 1/161.
(10) التعرف لمذهب أهل التصوف ، ط دار الكتب العلمية - بيروت. ، ص24
(11) الرسالة القشيرية ، ط دار الكتاب العربي - بيروت. ، ص127، ص127
(12) النجم : الآية 32.
(13) التصوف الإسلامي ، زكي مبارك، ط ، المكتبة العصرية – لبنان، ص54.(1/65)
(14) تلبيس إبليس : ابن الجوزي ، ط دار الوعي، ص183.
(15) نشأة التصوف الإسلامي : د.إبراهيم بسيوني، ط ، دار المعارف بمصر عام 1969، ص11.
(16) دراسات في الفرق والمذاهب القديمة والمعاصرة : عبد الله الأمين، دار الحقيقة – بيروت، ط1 ، 1406- 1986، ص239.
(17) انظر : الملل والنحل للشهرستاني ، تحقيق : محمد سيد كيلاني ، شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط 1396- 1976، 1/92، نشأة الفكر الفلسفي/ علي سامي النشار، دار المعارف، ط2 ، 1/265.
(18) انظر : نشأة الفلسفة الصوفية : عرفان عبد الحميد، ص108، ط8 ، المكتب الإسلامي ينقل عن نيكلسون مؤلف دائرة معارف القرن العشرين.
(19) الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ : محمود عبد الرؤوف القاسم، ط1، 1408هـ – 1987م، ص739- 749.
(20) انظر : أصول التصوف : د. عبد الله حسن زروق ، المركز القومي للإنتاج الإعلامي ، إبريل 1995م، ذي القعدة 1415هـ ، ص22.
(21) تلبيس إبليس 161، دار الكتب العلمية، وانظر : لسان العرب ط بولاق الأولى11/102،.
(22) مجموع الفتاوي 11/6.
(23) مجموع الفتاوي 11/6.
(24) تلبيس إبليس 161، دار الكتب العلمية، وانظر : لسان العرب ، ط بولاق الأولى11/102.
(25) الفتاوي 11/6،7 ، وتلبيس إبليس 161.
(26) عوارف المعارف للسهروردي، مطبعة السعادة 1/211.
(27) مقدمة ابن خلدون، ط4 ، ص468.
(28)انظر : كتاب التجانية، دراسة في ضوء الكتاب والسنة : علي بن محمد دخيل الله دار طيبة، الرياض، ص22،23.
(29) ديوان أبي فراس، ص243، دار صادر بيروت.
(30) تلبيس إبليس 198.
(31) المرجع السابق 182.
(32) دراسات في التصوف الإسلامي : طه عبد السلام خضير ومحمد مصطفى، ص6- 7.
(33) أخرجه البخاري ، حديث رقم 5813 ، كتاب اللباس ، باب البرود والحبرة والشملة ( الفتح 10/277 )(1/66)
(34) زاد المعاد ، ابن قيم الجوزية ، تحقيق شعيب وعبد القادر الأرنائوط ، ط1 مؤسسة الرسالة ، بيروت ، 1399هـ - 1979م 1/144.
(35) أخرجه أبو داود مراجعة محمد محي الدين عبد الحميد ، دار الفكر ، حديث رقم 474 ، كتاب اللباس ، باب في السواد ، 4/54.
(36) تلبيس إبليس : ابن الجوزي، 194،195،196.
(37) المرجع السابق 190.
(38) الرسالة القشيرية دار الكتاب العربي127،.
(39) نقلاً عن عبد الرحمن دمشقية أبوحامد الغزالي والتصوف، دار طيبة، ط2 ، ص132.
(40) انظر : الرسالة القشيرية، ص183.
(41) انظر في هذا الموضوع : كتاب مدخل إلى التصوف الإسلامي : د. السيد عقيل بن على المهدلي، ط2، دار الحديث، ص62- 80.
(42) الرسالة القشيرية 2/552.
(43) عوارف المعارف 313.
(44) مدخل الى التصوف ،المهدلي ص 67
(45) السابق ص69.
(46) السابق ص 70.
(47) السابق ص71.
(48) السابق ص72.
(49) السابق ص 73.
(50) السابق ص74.
(51) السابق ص76.
(52) السابق ص77.
(53) السابق ص79.
(54) مقدمة ابن خلدون، دار القلم ، ط5 ، 1984م – 1419هـ ، ص467.
(55) انظر : أبو حامد الغزالي والتصوف/عبد الرحمن بن محمد دمشقية 133- 140.
(56) مجموع الفتاوي 9/186.
(57) النحل : الآية 125.
(58) آل عمران : الآية 159.
(59) المائدة : الآية 8.
(60) انظر : ابن تيمية وموقفه من أهم الفرق والديانات في عصره محمد حربي ، عالم الكتب ، ط1 ، 1407هـ – 1987م ، ص182.
(61) الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ : محمود عبد الرؤوف القاسم، ص745، وفي كتابه الفلسفة الإسلامية وملحقاتها المطبوع في دمشق، عام 394- 1974.
(62) دراسات في الفرق والمذاهب القديمة المعاصرة : عبد الله الأمين، ص243 ، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 11/5- 29 ، المنقد من الضلال للغزالي ، ص215- 216.
(63) الحديد : الآية 20.(1/67)
(64) أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب قول النبي "كن في الدنيا كأنك غريب" حديث رقم (6416) فتح الباري 11/233.
(65) القصص : الآية 77.
(66) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب : حق الجسم في الصوم. ح 2، ص 697، حديث رقم 1975 فتح الباري 4/217- 218.
(67) صحيح مسلم ترقيم محمد فواد عبد الباقي، حديث رقم 784، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن، 1/541.
(68) وفيات الأعيان 1/249.
(69) التصوف في الإسلام : عمر فروخ ، دار الكتاب العربي – بيروت، سنة 1981م، ص62.
(70) الكواكب الدرية 1/109.
(71) الكواكب الدرية 1/109.
(72) حلية الأولياء 9/348.
(73) هذا الطور يعتبره محمد فروخ الطور الثاني وهو التشبه بالسابقين.
(74) القشيري 17،18 الشعراني 1/84.
(75) الوفيات 1/309.
(76) ابن الأثير 8/129 ، وفيات 2/145.
*وهذا القول من غرائب الصوفية لأن سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وسلف الأمة كانوا يذكرون الله بألسنتهم وقد أمرت النصوص الشرعية بذلك " فاذكروني أذكركم " " من ذكر الله في ملأ ذكره الله في ملأ خير من ملئه ".
(77) القشيري 32.
(78) انظر الشعراني 1/140.
(79) المرجع السابق 1/156، ووفيات الأعيان 1/171- 172.
(80) الشعراني 2/13- 14.
(81) انظر : الموسوعة الميسرة ، ص348.
(82) الموسوعة الميسرة ، ص348.
(83) للاستزادة عن أحوالهم يراجع طبقات الصوفية للشعراني، المجلد الثاني، فهو مليء بأخبارهم.
(84) وهم أصحاب الحكيم وزادشت بن يورشب ومقره فارس يعتقدون أن للعالم أصلين النور والظلمة يقال لهم كهنة النار يقولون بالعقل الكلي.
(85) أصحاب ماني بن فاتك الحكيم يعتقدون أن العالم مصنوع من أصلين أزليين النور والظلمة يقتسمان الخير والشر والصلاح والفساد، ظهرت في منتصف القرن الثالث الميلادي، امتدت هذه الديانة حتى بلاد الشام والترك.(1/68)
(86) ظهر مزدك عام 484م واصل تعاليم ماني ولكنه أيام الإشتراكية في الزوجات والأموال ويعتقدون أن أركان الكون ثلاثة الماء والأرض والنار، ولها مدبر الخير والشر.
(87) وهم أصحاب ديصان قالوا بأصلين النور والظلمة، وأن النو يفعل الخير قصداً واختياراً، وأن الظلام يفعل الشر طبعاً واضطراراً، النور حي عالم قادر فيه الخير والحسن، والظلام ميت وعاجز.
(88) وهم أثبتوا أصلين النور والظلمة، ثم قالوا بأمرٍ ثالث دون النور وفوق الظلمة، والنور هو الله تعالى، والزواج عندهم فقط لإنتاج الأولاد وما سوى ذلك فهو حرام.
(89) انظر : دعوة التوحيد الدرزية/ سليمان سليم علم الدين ، ط1 ، بيروت 1998م، ص329.
(90) انظر : الكشف عن حقيقة الصوفية/ محمود عبد الرؤوف قاسم، ص750- 751.
(91) السابق، ص755.
(92) العهد القديم سفر المزامير، مزمور 149/33 و 81 , 149- 150.
(93) انظر : التصوف الإسلامي : حسن عاصي ، ط1 ، 1414هـ – 1994م، ص30 ، والتصوف الإسلامي : عبد الرحمن بدوي، ص104.
(94) انظر : دعوة التوحيد الدرزية، ص342- 345 ، وانظر : إحياء علوم الدين فإنه مليء بقصص تنسب للمسيح والرهبان، ولا يتسع المجال لسردها.
(95) انظر : ركائز الإيمان بين العقل والقلب : محمد الغزالي ، ص144.
(96) انظر : التصوف الإسلامي : حسن عاصي ، ص59.
(97) انظر : التصوف الإسلامي : د. حسن عاصي ، ص52.
(98) انظر : أبو حامد الغزالي والتصوف : عبد الرحمن دمشقية ، ص143.
(99) السابق والصفحة.
(100) التصوف الإسلامي : د. محمد عاص، ص52، دعوة التوحيد الدرزية، ص335.
(101) انظر : أبو حامد الغزالي والتصوف، ص141- 142.
(102) ركائز الإيمان : محمد الغزالي ، دار القلم، دمشق،ن ط1، 1400- 1985، ص140.
(103) انظر : الصوفية في الإسلام : سميح عاطف الزين ، ص34- 35، التصوف في الإسلام : عمر فروخ، بيروت، 1981، ص43.(1/69)
(104) انظر : عيون الأنباء في طبقات الأطباء : ابن أبي أصيبعة (بيروت) ص67 وما بعدها ، نقلاً عن التصوف الإسلامي : حسن عاصي، ط1، مؤسسة عز الدين، بيروت، 1414هـ- 1994م ، ص55- 56.
(105) الكشف عن حقيقة الصوفية : محمود عبد الرؤوف قاسم، ص749.
(106) عيون الأنباء ، ص67 ، نقلاً عن التصوف الإسلامي : حسن عاصي ، ص55- 56.
(107) انظر : التصوف الإسلامي : د. حسن عاصي ، ص57.
(108) أبو حامد الغزالي والتصوف : عبد الرحمن دمشقية ، ص138.
(109) ركائز الإيمان : محمد الغزالي ، دار القلم، دمشق،ن ط1، 1400- 1985، ص140.
(110) انظر : دعوة التوحيد الدرزية ، ص346.
(111) انظر : الكشف عن حقيقة الصوفية : محمود عبد الرؤوف القاسم ، ص749.
(112) مدارج السالكين 2/39،40.
(113) النساء : الآية 59.
(114) المائدة : الآية 8.
(115) التصوف والصوفية : ابن تيمية ، ص44.
(116) الفكر الصوفي في الإسلام : عبد الرحمن عبد الخالق : ص363.
(117) التعريفات : للجرجانى، ص163.
(118) مجموعة الرسائل والمسائل، ابن تيمية ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط2 ، 1412هـ – 1992م ، 1/59.
(119) سورة النبأ، آية 7.
(120) التعريفات : للجرجانى، ص39 ، وانظر : مجموعة الرسائل والمسائل ابن تيمية ، 1/62.
(121) كرامات أولياء الله الصالحين : علي عبد العال الطهطاوي ، مكتبة الصف القاهرة، ط1، 1421هـ- 1992، 1/62.
(122) السابق ص177
(123) مسند الإمام الأحمد ، طبع ونشر دار الفك العربي ، ضعفه الألباني رحمه الله في ضعيف الجامع الصغير رقم 1405.
(124) التعريفات : للجرجانى، ص23 ، 239.
(125) السابق ، ص239.
(126)أخرجه مسلم - كتاب الذكر والدعاء - باب استحباب خفض الصوت للذكر - حديث رقم 2704 ، 4/2076.
(127) سورة البقرة آية186.
(128) مجموعة الرسائل والمسائل ، 1/58- 59.
(129) التعريفات : للجرجانى، ص184.
(130) مدارج السالكين : ابن القيم، 3/221.(1/70)
(131) بيان تلبيس الجهمية : ابن تيمية، 1/263.
(132) التعريفات : للجرجانى، ص169.
(133) انظر : أصول التصوف، عبد الله زروق ، ص78.
(134) المعجم الفلسفى : جميل صليبا 2/569، والفكر الصوفي : عبد الرحمن عبد الخالق، ص115.
(135) السابق 1/35 ، التعريفات، ص 8 ، أصول التصوف : عبد الله زروق ، ص77.
(136) انظر : حقائق عن التصوف : عبد القادر عيسى، المطبعة الوطنية – عمان، ط 4، 1401هـ – 1981م، ص540. التصوف في الميزان : مصطفى غلوش ، ص67.
(137) انظر : التصوف في الميزان ، د. مصطفى علوش ، دار نهضة مصر القاهرة ، ص67.
وأصول التصوف : عبد الله حسن زروق ، ص76.
(138) الرسالة القشيرية : ص55،56.
(139) التعريفات : للجرجاني، ص254.
(140) الرسالة، ص57، الموسوعة الميسرة، ص346.
(141) كشف المحجوب للهجويري ، ص616.
(142) انظر : التعريفات : للجرجاني، ص81 ، 249.
(143) التعريفات : للجرجاني ، ص172 ، الرسالة القشيرية، ص58، 59.
(144) الرسالة القشيريه، ص67 ، التعريفات : للجرجاني، ص169.
(145) التعريفات : للجرجاني، ص270.
(146) الرسالة القشيرية ، ص34.
(147) الرسالة القشيريه، ص67 ، التعريفات : للجرجاني، ص169.
(148) اللمع للسراج - دار الكتب الحديثه - نشره عبد الحليم محمود سنه 1960، ص284.
(149) مدارج السالكين : ابن القيم، ط المنار، 3/312.
(150) الرسالة القيشريه، ص69 ، 70، التعريفات : للجرجاني، ص163.
(151) انظر : الرسالة القيشرية ص75 ، الحركة الصوفية في الإسلام ، د. محمد علي أبو ريان ، دار المعرفة الجامعية ، 1995 ، ص140.
(152) المرجع السابق، ص 48.
(153) التعريفات : للجرجاني، ص205.
(154) الرسالة للقشيري، ص82.
(155) كشف المحجوب للهجويري ، ص627.
(156) الرسالة للقشيري ، ص83.
(157) سورة الكهف اّية 65 ،.
(158) وانظر ، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب ، ص345.
(159) انظر : دعوة التوحيد الدرزية ، ص388.(1/71)
(160) الاستقامة : ابن تيمية 1/82- 97، نقلاً عن مجلة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، عدد 41 ، سنة 1415هـ ص157.
(161) دراسات في التصوف : د. طه عبد السلام خضير ، د. محمد مصطفى، ص27.
(162) إحياء علوم الدين : للغزالي، ت 505هـ، ج3 ، ص8 ، باختصار دار الفكر بيروت.
(163) حاشية المنقذ من الضلال : للغزالي، ص 241.
(164) الطبقات الكبرى : أبو المواهب عبد الوهاب الشعراني، ط1 ، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1 ، 997 – 1418، ص11.
(165) المنقذ من الضلال : للغزالي، ص89 – 90.
(166) التعريفات، ص104.
(167) التعريفات، ص34.
(168) جامع الأصول في الأولياء : أحمد الكمشخانوي، دار إحياء الكتب العربية، ص206.
(169) أخرجه الطبراني/ المعجم الكبير للطبراني 8/102 ، رقم الحديث 7497 ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، إسناده حسن 10/268.
(170) أخرجه البخاري عن عبادة بن الصامت، كتاب التعبير، باب الرؤيا الصالحة رقم الحديث 6987، فتح الباري 12/373.
(171) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة ، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، حديث رقم 479 ، 1/348.
(172) انظر : الصوفية والفقراء : لابن تيمية، ص24،25.
(173) انظر : الاستقامة : لابن تيمية، 1/82- 88.
(174) فاطر : آية 5.
(175) العنكبوت : آية 64.
(176) أخرجه مسلم. كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب فناء الدنيا ، حديث رقم 2858 ، 4/2139.
(177) أخرجه البخاري. عن ابن عمر رضي الله عنه، كتاب الرقاق، باب قول النبي كن في الدنيا كأنك غريب، حديث رقم 6416، فتح الباري 11/233.
(178) المائدة : آية 3.
(179) يونس : الآية 24.
(180) الكهف : الآية 45- 46.
(181) أخرجه مسلم. عن أبي سعيد الخدري، كتاب الذكر والدعاء، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، حديث رقم 2742، 4/2098.
(182) أخرجه البخاري. كتاب الجزية، باب الجزية والموادعة ، حديث رقم 3158، فتح الباري 6/257، 258.(1/72)
(183) أخرجه البخاري. كتاب الجهاد والسير، باب الحراسة في الغزو ، حديث رقم 2887، فتح الباري 6/8.
(184) أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين في كتاب الرقاق، وقال صحيح الإسناد، 4/341- 342، رقم الحديث 7847.
(185) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب، كتاب الزهد، باب ما جاء في هوان الدنيا، حديث رقم 232، 4/561.
(186) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب قول النبي، ما أُحب أن لي مثل أحد ذهباً، رقم الحديث 6445، 4/228.
(187) أخرجه مسلم. كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم 2977، 4/2284.
(188) أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح. كتاب الزهد، باب ما جاء في أخذ المال بحقه، حديث رقم 2377، 4/588- 589.
(189) أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم 2970، 4/2281.
(190) أخرجه البخاري. كتاب الوصايا، باب الوصايا، حديث رقم 2739، البخاري مع الفتح 5/356.
(191) الممتحنة : آية 6.
(192) كنز العمال 3/132.
(193) السابق، 3/130.
(194) منتخب كنز العمال 4/408.
(195) الأحقاف : آية 20.
(196) حياة الصحابة، 2/269.
(197) البدآية والنهآية : لابن كثير، 8/3.
(198) كنز العمال، حديث رقم 8588، 3/726- 727.
(199) الأعلام : للزركلى 1/31، حلية الأولياء 7/367 ، فوات الوفيات 1/3.
* بحث بعض المستشرقين فلم يجد ملكاً في بلخ إسمه أدهم فشكك فيه. بل نفى أن يكون هناك متصوف مسلم يدعى إبراهيم بن أدهم بل زعم أن قصته ملفقة على قصة بوذا، ولعل المراد أن أبوه من ملوك خراسان، أي من الملوك والموسرين بها. انظر : الموسوعة الصوفية، ص16.
(200) الإعلام للزركلى 4/115 ، الحلية 8/ 162 - 171 ، تاريخ بغداد 10/ 152- 159.
(201) الطبقات الكبرى 5/500، رقم الترجمة 1249 ، حلية الأولياء، المكتبة السلفية 8/84- 139 ، تذكرة الحفاظ 1/245، رقم الترجمة 232.(1/73)
(202) الأعلام 7/269، طبقات الصوفية، ط3 ، مطبعة المدني، 1406هـ- 1986م، ص83- 90 ، وفيات الأعيان، دار الثقافة، بيروت، تحقيق : إحسان عباس، 5/231- 233، ترجمة رقم 729.
(203) أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء، حديث رقم 1840، 3/1469.
(204) أخرجه الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة، حديث رقم 2676، 5/44..
(205) تيسير العزيز الحميد، ص28.
(206) أخرجه أحمد عن ابن عباس، حديث رقم 1844، 1/282.
(207) الأعراف : آية 138.
(208) أخرجه أحمد في مسنده عن أبي واقد الليثي، حديث رقم 21956، 5/258..
(209) سورة الأنعام : الآية 162.
(210) الكوثر : الآية 271.
(211) أخرجه مسلم ، كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله، حديث رقم 1978، 3/1567.
(212) أخرجه أبو داود، كتاب الأيمان والنذور، باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر، حديث رقم 3313، 3/238.
(213) تيسير العزيز الحميد 187.
(214) فصلت : الآية 36.
(215) المؤمنون : الآية 97- 98.
(216) الفلق : الآية 1.
(217) الناس : الآية 1.
(218) الأنفال : الآية 9.
(219) انظر : تيسير العزيز الحميد 185.
(220) الأحقاف : الآية 5.
(221) تيسير العزيز العمد 187.
(222) الزمر : الآية 19.
(223) تيسير العزيز الحميد 191.
(224) انظر : كتاب التوسل، أنواعه وأحكامه : محمد عيد العباس، المكتب الإسلامي، بيروت، ط5 ، 1406هـ – 1986م، ص 17ـ24.
(225) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق، حديث رقم 2067، 2/10.
(226) المرجع السابق، ص46.
(227) أخرجه النسائي، كتاب السهو، الباب نوع آخر، حديث رقم 1306، سنن النسائي ، ط1، بيروت، 1406- 1986، 3/55.
(228) أخرجه الحاكم في المستدرك/ دار الكتب العلمية، بيروت، ط1 ، 1411- 1990، كتاب الدعاء والتكبير، حديث رقم 1877/77 ، مجلد 1/590.(1/74)
(229) أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل، حديث رقم (2717)، صحيح مسلم، تعليق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية 4/2086.
(230) سورة آل عمران ، الآية : 16.
(231) سورة آل عمران ، الآية : 53.
(232) أخرجه البخاري، كتاب المزارعة، باب إذا زرع بمال قوم ، حديث رقم 2333، فتح الباري 5/16.
(233) أخرجه البخاري كتاب الجمعة، باب سؤال الناس الإمام الإستسقاء، حديث رقم 1010، فتح الباري 2/494.
(234) أخرجه ابن عساكر بسند صحيح في تاريخ دمشق 65/113.
(235) البقرة : الآية 255.
(236) أخرجه مسلم، كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف، رقم الحديث 1688، 3/1315.
(237) الأعلام : للزركلي 6/139، فوات الوفيات : للكتبي، تحقيق : إحسان عباس، ترجمة رقم 456 ، ج3، ص368. الموسوعة الصوفية : عبد المنعم الحفني، ط1، 1412ـ 1992م، دار الرشاد القاهرة، ص70- 7.
(238) الأعلام 3/343.
(239) انظر : مبادئ الإسلام : للمودودي، 133ـ 134.
(240) المنتظم : ابن الجوزي، 6/160- 164، تاريخ بغداد 8/112، وفيات الأعيان 1/405- 407، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض، ص343.
(241) وفيات الأعيان 3/126- 127، لسان الميزان 4/317- 319، الموسوعة الصوفية 311- 313.
(242) سير النبلاء للذهبي 13/231، فوات الوفيات : للكتبي، 3/435- 440، الموسوعة الصوفية 286- 291.
(243) انظر : الطبقات الكبرى، للشعراني، ص286 ، وفيات الأعيان 1/274، شذرات الذهب 5/321 وما بعدها.
(244) انظر : وفيات الأعيان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان ، تحقيق : د. إحسان عباس دار الثقافة بيروت 6/268- 270. الأعلام للزركلي دار العلم للملايين 8/140.(1/75)