مجدد ملة عمرو بن لحي
وداعية الشرك في هذا الزمان
للعلامة الشيخ
سفر بن عبد الرحمن لحوالي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل في محكم كتابه المبين " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون " ، وقال جل ذكره : " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " .
وصلى الله وسلم وبارك على إمام الموحدين وخاتم النبيين الذي أخرج الله به من سبقت سعادته من ظلمات الشرك والضلال إلى نور التوحيد والسنة ، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، وحمى به جناب التوحيد وسد كل الذرائع إلى الشرك ، فكان مما أعلن لأمته وأبان من سنته " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله " - صلى الله عليه وسلم - وصحبه أجمعين .
أما بعد فإلى شيوخنا الكرام وعلمائنا الأفاضل وإخواننا طلبة العلم نتوجه بهذه الكلمات المسطرة لإعلام من لم يبلغه الأمر منهم وحض من بلغه على القيام بالواجب حماية لتوحيد الله وصيانة لجنابه وذبا عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيرة على دعوته .
وموجب هذا أنه ظهر منذ أشهر في بلد الله الحرام وغيرها من البلاد كتاب لداعية الشرك في هذا الزمان ومجدد ملة عمرو بن لحي المدعو (محمد بن علوي المالكي ) أسماه " شفاء الفؤاد بزيارة خير العباد" . طبعته ونشرته وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات .(1/1)
وقدم له وزيرها بمقدمة أثنى فيها على الكتاب وعلى مؤلفه مدعيا أنه : " قد جلا فيه وجه الصواب وأصاب كبد الحقيقة وأوضح سبيل الرشد بالأدلة الساطعة والبراهين القاطعة بأسلوب علمي دقيق وتوفيق رائع عميق .." إلى آخر ما هذى به .
وقد تلقف أهل البدع ومروجو الضلالة ودعاة الشرك والخرافة هذا الكتاب فنشروه على العامة ولبسوا به على الناس ، وتحمسوا في نظرهم ، للأخذ بالثأر ورد الاعتبار لمؤلفه بعد أن هتك الله ستره وفضح أمره .
ومما زاد في ألم أهل التوحيد والسنة أنه مع توزيع هذا الكتاب وانتشاره عند الخاصة والعامة ما سمعوا ولاعلموا أنه صودر أو حوسب موزعوه أو سئل كاتبه أدنى سؤال ولم يكن لذلك من أثر يذكر في العلاقة مع الدولة التي طبعته والوزارة التي نشرته .
بل الذي بلغهم يقينا أن كاتبا مصريا في صحيفة مصرية تعرض للمؤلف مستشهدا ببعض ما في كتابه السابق "الذخائر المحمدية " فثارت حمية وزارة الإعلام وكادت تبطش بالرقيب الذي فسح للصحيفة ( في قصة يعلمها الكثير في الوزارة ولا نريد الإطالة بذكرها) .
وهذا ما حدا بأهل الغيرة إلى مناشدة شيوخنا وعلمائنا أن يقوموا بواجبهم في هذا الشأن ، إذ لا نملك نحن طلبة العلم إلا أضعف الإيمان ، ولما طال الانتظار واستطال الأشرار قام كاتب هذه السطور بتعليق موجز على الكتاب وتنبيهات على ما فيه من الشرك الأكبر الذي لا يحتمل تأويلا ولا يقبل جدلا ، وذلك ضمن الوقت المخصص عادة للإجابة على أسئلة درس شرح العقيدة الطحاوية .
فنفع الله به على إيجازه وأطفأ به بعض غضب أهل التوحيد وأقام الحجة على بعض أهل الخرافة ، ولكن لم يمض على ذلك أسبوعان أو ثلاثة حتى صادرت الوزارة - وزارة الإعلام - الشريط وسحبته من كل التسجيلات ولا سيمافي المنطقة الغربية .
وأبلغنا بذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز حفظه الله وغيره من العلماء وانتظرنا فما سمعنا حتى تاريخه عن عمل أو إنكار أو رد من أحد من أهل السنة .(1/2)
بل سمعنا من بعض المرجفين في المدينة المنتسبين إلى السلفية - والله أعلم بما يبيتون - إنكارهم للشريط لأنه نسب طمس بعض الأبيات الشركية إلى فاعل خير ولم ينسبه إلى الحكومة - هكذا أوّلوا - مع أن شيوخنا في المدينة وغيرها يعلمون أمر الطمس جيدا ويعلمون لماذا لم يطمس الباقي حتى اليوم !!.
وقد خطر لي - وأرجو أن يكون ذلك حقيقة - أن الذي منع أهل السنة من الإنكار ليس الخذلان عياذا بالله لكنها المشاغل الكثيرة من جهة ، وعدم اطلاع بعضه على الكتاب وخطر ما فيه من جهة أخرى .
فرأيت أن أجمل بعض مصائبه في ورقات قلائل وأبعث بها إلى من يهمه الأمر مقرونة بصورة من الكتاب لمن لم يطلع عليه بعد ، رجاء أن يرفع الله عنا الإثم ويدفع العذاب ويبعث الهمم .
والكتاب محشو بما اشتملت عليه مصنفات الغالين المطرين قبله ( كالسبكي) من بدع الزيارة وحكاياتها المصنوعة بل الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي يتناقلونها جيلا بعد جيل مع بيان أئمة الحديث - رحمهم الله - لحالها ولو لم يكن إلا بيان شيخ الإسلام لكفى .
والمؤلف مع أنه يحمل شهادة الدكتوراه في الحديث ومع اطلاعه على كلام شيخ الإسلام - بدليل نقله عنه في الكتاب - أصر على تنكب طريق الحق وضرب صفحا عما يعلمه من تحريم الاستدلال بمثل هذه الروايات ، بل نقل هو في كتابه هذا صفحة " 69 " عن الشوكاني قول الحافظ رحمه الله : أكثر متون هذه الأحاديث موضوعة . نعوذ بالله من عمى البصيرة .(1/3)
وهذا الكتاب أشمل وأعمق في الضلالة من كتاب الزيارة الذي كتبه " الخميني " والذي يوزعه الرافضة في كل موسم ، فهو كالمستنقع للإرث المشترك بين الروافض والصوفية وعباد القبور في القديم والحديث إلا أنه تميز عمن سبقه - فيما أعلم - بإيراده لما يسمى قصائد الحجرة النبوية حيث حلّ رموز تلك القصائد التي لا يستطيع كثير من الناس قراءتها لصعوبة خطها أو لما اعتراها من طمس ونقص، ولم يكتف بإيرادها بل استحسن أن تقال أمام المواجهة النبوية كما سنبين من كلامه .
فأما نقوله التي اشتملت على الأحاديث الباطلة والحكايات المختلقة أو التي جاء بها للتلبيس من كلام أئمة الدين والفقهاء المعتبرين ، أو التي اشتملت على بدع ومخالفات دون الشرك فلم أر الإطالة بذكرها ؛ إذ الغرض التنبيه لا التفصيل ومثل هذا لا يخفى على فطنة القارئ من أمثالكم .
وأما نقوله الشركية وما فيها من حط لمقام الألوهية وغلو في الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى درجة الربوبية أو الألوهية وتقرير لمذهب غلاة الرافضة والصوفية بل الباطنية فهذا ما سنورد عليه نماذج تدلك على ما وراءها .
صفحة (109) قال " زيارة نبوية " معنونا ثم أورد فيها : " وقد وفدت عليك زائرا ، وبك مستجيرا وجئتك مستغفرا ، .. فها أنا في حضرتك وجوارك ونزيل بابك .. " ثم ذكر في قصيدة :
هذا نزيلك أضحى لا ملاذ له
إلا جنابك يا سؤلي و يا أملي
ضيف ضعيف غريب قد أناخ بكم
ويستجير بكم يا سادة العرب
يا مكرمي الضيف يا عون الزمان ويا
غوث الفقير ومرمى القصد في الطلب
هذا مقام الذي ضاقت مذاهبه
وأنتم في الرجا من أعظم السبب
صفحة ( 113) نقل ضمن زيارة أخرى لمن سماه " الإمام المَطَري " وهو المُطري في الحقيقة :
" السلام عليك يا معنى الوجود ، السلام عليكم يا منبع الكرم والجود "
وأتبعها بأبيات كذلك ومنها :
فالآن ليس سوى قبر حللت به
منجى الطريدوملجا كل معتصم
وقد حططنا لديه الرحل همتنا
على المدى نهلة من مورد الكرم(1/4)
هذا عطاؤك فاغمرنا بمنهله
فقد مددنا أكف الفقر والعدم
وإن رمتنا الخطايا وسط مهلكة
فأنت ملجأ خلق الله كلهم
صفحة (117) ذكره صلاة تقال عند زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - للحبيب علي بن محمد الحبشي :
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد أول متلق لفيضك الأول ..
إلى أن قال في الصفحة التي تليها :
" صلاة نشهدك بها من مرآته ونصل بها إلى حضرتك من حضرة ذاته قائمين لك وله بالأدب الوافر ، مغمورين منك ومنه بالمدد الباطن و الظاهر " .
ومنها في صفحة (118 ، 119) : " اللهم اكشف عني حجب الأغيار ، اللهم أفض على روحي ما أفضته على روح الكامل من هذه الأمة .. وهب لي زهدا كزهد الكامل وورعا كورعه، وعلما كعلمه ونورا كنوره وفهما كفهمه وإقبالا كإقباله " .
مع ملاحظة أن المقصود بالكامل هنا " رسول الله- صلى الله عليه وسلم - " .
صفحة (120) " زيارة نبوية للشيخ القشاش " كما عنون وفيها :
" السلام عليك يا أول السلام عليك يا آخر السلام عليك يا باطن السلام عليك يا ظاهر " .
5. صفحة (122) قال تحت عنوان " استشعار رد السلام " : " ينبغي للزائر أن يردد السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - بأدب ولطف وذل واستكانة ،لعل الله أن ييسر له سماع جواب سلامه الشريف شهادة وإلا فيؤمن به غيباً وإن لم يسمعه".
أقول :وعن رد النبي - صلى الله عليه وسلم - بصوت مسموع - بل إخراجه يده ومصافحته من سلم عليه- تحكي الصوفية من الخرافات والإختلاق ما لا يتسع له المقام وحسبك بما ينسبونه إلى الجيلاني والآخر البرعي من هذا.
06صفحة(123)نقل عن صاحب الدرة الثمينة - وهو قشاش السابق ذكره - جمجمة وغمغمة أشبه بكلام الباطنية فيها غلو في المدينة النبوية منها:(1/5)
"اعلم أن مراتب الداخلين من الزائرين بعد الاستقرار والتكرار السلام عليه عند تخالف الأطوار وتقسيم دخولهم بحسب أحوالهم وأصولهم"،"وتجعل له ضابطا من أسماء المدينة المشرفة كما أصل تسميتها بذلك لأنها محل القِرى لأهل المدن والقُرى بل ولأهل السماء كأهل الأرض فهي الدار الآخرة في الدنيا لمن نظر بها لغد إذا حصل الزائرون فيها وانتهى السالكون إليها ..وجاء الحق وبرد اليقين وانقطع الشك ببرهان العين بالعين للشاهدين .. "
إلى آخر ما لا نريد الإطالة به . ثم أخذ في تفصيل ذلك فقال بعدها :
7. صفحة (124) بعنوان " درجات الزائرين وأحوالهم في تحقيق معنى الزيارة " .
قال : " تختلف أحوال الزائرين في استفادتهم من زيارتهم واستمدادهم بواسطة نبيهم المصطفى وحبيبهم المجتبى - صلى الله عليه وسلم - بحسب استعدادهم في تلقي الفيوضات الإلهية والواردات الربانية بواسطة الحضرة المحمدية ولكل منهم مقام وباب يدخل منه ويقف عنده يناسب حاله وذلك يتناسب مع أسماء المدينة المنورة " .
ثم شرع في التفصيل فقال :"الطبقة الأولى في : يثرب " .
" فناس من الزائرين النبي - صلى الله عليه وسلم -إلى المدينة المشرفة المستغفرين الله لهم ( الطبقة الأولى ) من الزيارة وأحوال الزائرين ومنازلهم بالاسم الأول من أسمائها الذي هو ( يثرب ) وما والاه من الأسماء الإلهية والأسماء المحمدية ، بما يمد ذلك بقدر أولئك فهذه درجة العامة " .
ثم قال صفحة(125) :
" وفي هذا المنزل منازل لا تعد ولا تحصى بعدد الواصلين إلى الدوام إلى يوم القيامة فلهم ذلك الاسم وما والاه وما يقابله من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن الأسماء الإلهية أيضا ، فهذه منه فينزلون منازل الاسم وما والاه فتتلقاهم أملاكه وكراماته وجنوده الحسية والمعنوية " .
الطبقة الثانية في دار الهجرة :(1/6)
" وناس في الطبقة الثانية من طبقات الزيارة والزائرين له - صلى الله عليه وسلم -المستغفرين الله .. ومقامهم من أسماء المدينة المشرفة أرض الهجرة وبقية الأسماء المدنية ممدة لهم فيه كالأولين والآخرين على ذلك " .
قال صفحة (126) :
" ولهم من الأسماء المحمدية وما إلى ذلك كالماحي والرحيم ومن الأسماء الإلهية كذلك .
ولا يخفى عليك أيها المستبصر كالاسم المنان والكريم والوهاب في الحضرتين أيضا ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلقه القرآن كما قالت أم المؤمنين رضي الله عنها . فالأسماء الإلهية له أيضا أسماء سار في جميع الحضرات وهو الغالب وبعضها يخص بعض الحضرات بوجه ما وذلك قليل لحكم الكل في الكل وإنما بسبب طرف ما من الغالبية والمغلوبية يتقدم الأسماء بعضها بعضا وتترتب كذلك على بعضها بعضا فاذكر ذلك في جميع الباقي " . اهـ
أي أن حضر النبي- صلى الله عليه وسلم - لها ما لحضرة الله تعالى من الأسماء وتشترك الحضرتان في الأكثر وقليل ما تختص إحداهما باسم دون الأخرى لحكم الكل في الكل .
وهذا ما تورعت عن القول به كثير من طوائف النصارى المشركة - نعوذ بالله من الضلالة - فلا أكفر من هؤلاء إلا من قال إن اللاهوت والناسوت جوهر واحد .
وهؤلاء جعلوهما جوهرين أو حضرتين لكن الأسماء في الغالب مشتركة فالخصائص إذن مشتركة تعالى الله عما يصفون .
ثم قال صفحة (127) :
"الطبقة الثالثة في دار الإيمان : وناس في الطبقة الثالثة من طبقات الزيارة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وطبقات الزائرين المستغفرين لهم من الله رحمة وتوبة من حضرة اسمها الإيمان ... ..
ولهم من الأسماء المحمدية البر والباطن والبرهان والبينة وتمدها جميع الأسماء ولهم من الأسماء الإلهية النور الهادي الحميد المقيت وما والاها وتمدها جميع الأسماء " .(1/7)
" ومن الزوار من يدخل من باب دار الأخيار ومنهم من يدخل من باب دار الأبرار ومنهم من يدخل من باب دار الفتح منهم من يدخل من باب ذات الحجر " .
أقول : وهؤلاء لم يجعل لهم طبقة منفردة ولم يلحقهم بما ذكر من الطبقات فلا ندري أين يذهبون .
ثم قال صفحة ( 127) نفسها :
" ومن طبقات الزائرين طبقة المفتقرين إلى الله في جميع الحالات الواقفين على باب رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالذل والافتقار في جميع الفقرات الذين لا يأوون إلى أنفسهم في حالة من الحالات ولا حياة لهم إلا سيد السادات تدرعا به عنهم ، وهؤلاء لهم من الله رحمة وتوبة وفيض من باب اسمه الدرع مستمد من اسم المدينة المنورة (الدرع) " .
قال: " ثم تتفرع تلك الطبقات بحسب الأبواب العلية المستمدة من الأسماء المدنية إلى ما شاء الله من المداخل والمراتب : فمنهم جماعة في باب سيدة البلدان ومنهم جماعة في باب الشافية ومنهم في باب طابة ومنهم في باب طيبة " . اهـ
وهكذا تحت هذا الثالوث الصوفي ( الله ، الرسول ، المدينة) تندرج هذه الفلسفة الباطنية التي تسرح فيها أوهام الخرافيين كما تشاء ، ويكفيك من شر سماعه .
8. صفحة (169) قال بعنوان " الزيارة والشفاعة " .
" واستغاثة الناس يوم القيامة بالنبي لما- صلى الله عليه وسلم - كانت هي أعظم الاستغاثات لشدة كربهم وطول موقفهم وقتئذ ولظهور فضله - صلى الله عليه وسلم -على سائر الخلائق ولدلالة ذلك على جواز الاستغاثة به ونفعها بعد مماته لوقوعها في حياته الدنيوية والأخروية ، لهذا كله ناسب ذكر أحاديث الشفاعة هنا " .
وهكذا يظهر المالكي غرضه فإن موضوع الكتاب هو الزيارة لا الشفاعة ولكنه يتوصل بالشفاعة إلى الغرض من الزيارة وهو "الاستغاثة " ثم يتفلسف أو يتحامق في ذلك ضاربا بأعذاره وتمويهاته التي ادعاها بين يدي العلماء يوم نوقش عن كتاب "الذخائر" عرض الحائط .
فيقول صفحة (175) :(1/8)
" ولا فرق بين أن يسمى ذلك تشفعا أو توسلا أو استغاثة وليس ذلك من باب تقرب المشركين إلى الله تعالى بعبادة غيره فإن ذلك كفر ، والمسلمون إذا توسلوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أو بغيره من الأنبياء والصالحين لم يعبدوهم " .
وهكذا تجاوز صاحب الشفاعة العظمى إلى غيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ثم إلى الصالحين ومنهم بالطبع صالحو الصوفية المزعومون وجاء بهذا المعيار الفريد :
إذا كان المستغيث بغير الله من المشركين (كالهندوس مثلا) فهذا شرك وإن كان من المسلمين فهذا توحيد ، ونِعمَ أبناء عم له المشركون حينئذ ما كان من حلوة فهي له وما كان من مرة فهي لهم .
ولا يبالي بعد ذلك أن يقول :
9. صفحة (182) " وقد حفظ الله تلك الرحاب من كل ما ينافي التوحيد ولا يوجد بين الأمة المسلمة بحمد الله من يعتقد فيه أو في قبره - صلى الله عليه وسلم - اعتقادا باطلا ، استجابة لدعائه- صلى الله عليه وسلم -..إلخ " .
وعليه فكل ما يقال هناك توحيد ولو كان تضرعات الروافض واستغاثات الصوفية بل الأمر لا يختص بتلك الرحاب وحدها ، لكنه سرعان ما يقول :
" ولا تظنن ما يفعله بعض الناس مما ظاهره ينافي التوحيد إلا صادرا عن جهل يحتاج إلى تعليم وتنبيه " .
فهل يريد أن يقول أن ذلك لا ينافي التوحيد على الحقيقة وإن نافاه ظاهرا ليتسق أول كلامه وآخره وعليه فليقل من شاء ما شاء ولا حاجة للاستدراك أصلا ، أم يريد أن يقول إن ذلك ينافي لكنه ناتج عن الجهل ، والكلام ليس عن السبب بل عن مجرد الوقوع ، فمتى ما وقع لأي سبب كان انتقض كلامه الأول ، ولكن متى كان الصوفية غير متناقضين .
10. وهنا نأتي على القسم الأخير من الكتاب وعنوانه " الزيارة النبوية والشعر " .
وهنا تقشعر جلود الموحدين من إهدار حق رب العالمين على خلقه بهذا الشعر الشركي الذي قال في أوله صفحة (202) :(1/9)
" وسنذكر في هذا المبحث جملة من غرر القصائد النبوية والمدائح المحمدية التي يستحسن أن تقال أمام المواجهة النبوية وفي حضرة الزيارة المحمدية ".
هكذا استحسان بلا دليل ورحم الله من قال " من استحسن فقد شرع " ثم علل فقال :
" حيث اشتملت على خطابه - صلى الله عليه وسلم -بأجمل أنواع الخطاب .. واستعطافه- صلى الله عليه وسلم - بذكر خصائصه " .
قال : " ونبدأ بذكر القصائد الثلاثة التي حظيت بأن كتبت في المسجد النبوي الشريف وداخل الحجرة المكرمة ، ثم نذكر بعدها جملة من غرر القصائد والمدائح " . اهـ
ونقول له ولأولئك المطموسة بصائرهم بالحقد والهوى ممن يردون على أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان : لو كان المكتوب على القبر- أي قبر كان -قرآنا لكان ذلك بدعة مأمورا بطمسها يعلم ذلك كل من ينتسب إلى السنة حقا من صغير وكبير ، فكيف إذا كان الشرك الأكبر فاسمعوا هذه القصائد :
أ. أول الثلاث ما سماه المالكي " قصيدة الحجرة النبوية الشريفة " ووصفها باليتيمة العصماء صفحة (203) ومنها :
يا سيدي يا رسول الله خذ بيدي
مالي سواك ولا ألوي على أحد
فأنت نور الهدى في كل نائبة
وأنت سر الندى يا خير معتمد
وأنت حقا غياث الخلق أجمعهم
وأنت هادي الورى لله ذي المدد
إني إذا سامني ضيم يروعني
أقول يا سيد السادات يا سندي
كن لي شفيعا إلى الرحمن من زللي
و امنن عليّ بما لا كان في خلدي
وانظر بعين الرضا لي دائما أبدا
واستر بفضلك تقصيري مدى الأبد
واعطف علي بعفو منك يشملني
فإنني عنك يا مولاي لم أُحَد
ب. وثانيتهما هي التي سماها " القصيدة الوترية البغدادية أمام الحجرة النبوية الشريفة " صفحة (205) ثم ذكر موضع نقشها من المواجهة والمسجد ومنها :
بذلّي بإفلاسي بفقري بفاقتي
إليك رسول الله أصبحت أهرب
بجاهك أدركني إذا حوسب الورى
فإني عليكم ذلك اليوم أحسب
ج . وثالثة الأثافي ما سماها " القصيدة الحدادية الداخلية للحجرة النبوية الشريفة " صفحة (207) ومنها :(1/10)
ملاذ البرايا غوث كل مؤمل
كريم السجايا طيب الجسم و القلب
يؤمله العافون من كل ممحل
كتأميلهم للساكبات من السحب
كريم حليم شأنه الجود و الوفا
يرجّى لكشف الضر والبؤس والكرب
توجه رسول الله في كل حاجة
لنا ومهم في المعاش وفي القلب
وإن صلاح الدين والقلب سيدي
هو الغرض الأسمى فيا سيدي قم بي
عليك سلام الله ما سار مخلص
إليك يقول : الله والمصطفى حسبي
عليك سلام الله أنت ملاذنا
لدى اليسروالإعساروالسهل والصعب
عليك سلام الله أنت حبيبنا
وسيدنا والذخر يا خير من نُبّي
عليك سلام الله أنت إمامنا
ومتبوعنا و الكنز و الغوث في الخطب
11. صفحة (212) شرع في ذكر بقية الأشعار .
وأولها قصيدة لعبد الرحيم البرعي تلك الشخصية التي يرى بعض الباحثين أنها لم توجد إلا في خيال الصوفية ومنها :
يا غوث من في الغافقين وغيثهم
وربيعهم في كل عام مجدب
فأقل عثار عُبيدك الداعي الذي
يرجون إذ راجيك غير مخيّب
واكتب له ولوالديه براءة
من حر نار جهنم المتلهب
واقمع بحولك باغضيه وكل من
يؤذيه من متمرد متعصب
12. صفحة (214) أورد قصيدة بعنوان " شكوى في زيارة " للإمام يحيى الصرصري منها :
أشكو إليك رسول الله ما أجد
من الخطوب التي أعيا بها الجلد
13. صفحة (218) أورد قصيدة بعنوان " سيدي يا أبا البتول " للنبهاني منها :
سيد الرسل يا أبا الأكوان يا
أول خلق يا من به الانتهاء
جئت أبغي منك النوال وعندي
منك يا أعلم الورى استفتاء
ما أجتدي قط من سواكم نوالا
سيءٌ من سواكم الاجتداء
يبتغي أن تحيل منه الخطايا
حسنات من جودك الكيمياء
وأجرني وعترتي من زماني
فدواهيه كلها دهياء
فتداركه قبل أن تخطرالأخطار
فاليوم مسه الإعياء
وتكرم بشدّه فقواه
نالها بالشدائد استرخاء
14. صفحة (220) أورد قصيدة بعنوان" زيارة نبوية ومناجاة شعرية " للحداد ، ومنها :
وفيه عليه الله صلى ودائعٌ
من السر لا تروي خلال الدفاتر
ولكنها مكتوبة ومصانة
لدى الأولياء العارفين الأكابر(1/11)
نبي الهدى لا تنسني من شفاعة
فإني مسيء مذنب ذو جرائر
ألا يا رسول الله عطفا ورحمة
لمسترحم مستنظر للمبارر
ألا يا حبيب الله غوثا وغارة
لذي كربة مودة كالدياجر
ألا يا خليل الله نجدة ماجد
كريم السجايا كاشفا للمعاسر
ألا يا أمين الله أمنا لخائف
أتى هاربا من ذنبه المتكاثر
ألا يا صفي الله قم بي فإنني
بكم وإليكم ياشريف العناصر
وسيلتنا العظمى إلى الله أنت يا
ملاذ الورى من كل باد وحاضر
وياغوث كل المسلمين وغيثهم
وعصمتهم من كل خوف وضائر
15. صفحة (224) أورد قصيدة بعنوان " زيارة " للفيروز بادي منها :
يا أيها السيد المرجو نائله
ما لي سواك و ما في ذاك تمهيل
أنت الغياث وأنت الذخر يا أملي
والغوث والغيث والآمال والسول
إني بباب رسول الله سائله
وشافعي الدمع والمسؤول مأمول
إذا أتاه مقل معدم وجل
يغدو بأمن ولا عدم و تقليل
أنهيت قصة حالي سيدي فعسى
توقيع بِشر بأن العبد مقبول
16. صفحة (225) أورد قصيدة بعنوان " زيارة الشيخ القيراطي " منها :
أنت الذي جئته أرجو النجاة به
إن راعني في كلا الدارين تهويل
أنت الكريم الذي إنعامه أبدا
للوفد من كفه الفياض مبذول
يا نفس إن رسول الله معتمدي
وليس من شأنه للوفد تخجيل
17. صفحة (226) أورد قصيدة بعنوان " زيارة ابن جابر الأندلسي " منها :
يا سيد الرسل عبد قد أتى وله
من سالف الذنب تخويف وتخجيل
18. صفحة (227) أورد قصيدة بعنوان " زيارة نبوية " للصرصري منها :
فاعطف على وفدك الراجين فضلك يا
من عنده للعطاء الغمر إجزال
وها عبيدك يحيى قد أتاك على
علاته فله تزكو بك الحال
مستسلما خاضعا مستأنسا وجلا
مما يزخرف حاوي المكر محتال
19. صفحة (229) أورد قصيدة بعنوان "زيادة مدنية " للشيخ عبد اللطيف المدني منها :
أنا في جوارك قد أقمت وإنني جار
وجارك في الورى يتباهى
قد جئت أسعى نادما مستغفرا
فيما جنيت من المقال شفاها
وأقول يا خير البرية إنني
عبد كئيب مذنب قد تاها(1/12)
20. صفحة (230) أورد قصيدة بعنوان " زيارة حبشية " للحبشي منها :
يا ملاذ الكل يا أهل الندى
يا كريم الأصل يا رب الحور
يا غياث الخلق يا ذا الفضل
والجود والإحسان في بحر وبر
يا لجا اللاجين يا خير نبي
ورسول جاء حقا بالسور
يا رسول الله غوثا عاجلا
يدفع البلواء عنا والأشر
يا رسول الله عجل سيدي
بزوال البؤس عنا والضرر
قد لجونا نحو بابك سيدي
ووقفنا ننتظر منك الخبر
21. صفحة (232) أورد قصيدة بعنوان " يا رسول الله جئنا زائرين " لمن سماه ( الإمام العارف بالله : محمد أمين كتبي ) منها :
أنت سر الله والنور الذي
سار موسى نحوه في طور سين
فهو نور لا يسامى إنه
قبس من نور رب العالمين
يا رسول الله أنت المرتجى
يوم يأتي الناس ما للظالمين
يا رسول الله كن لي شافعا
أنت ذخري يا شفيع المذنبين
22. صفحة (234) أورد قصيدة بعنوان " قل للمدينة "للكتبي منها :
فلأنت في الدنيا وفي الأخرى وفي
كل المواطن عدتي وندائي
حسبي بجاهك مأمنا ومثابة
وببحر جودك مورد استفتاء
23. صفحة (235) أورد قصيدة بعنوان " زيارة نبوية " للكتبي أيضا منها :
أنت طور التحقيق كلم موسى
منه عادنا فصار نجيا
كلما لحت للملائك فردا
في السماوات سجدا وبكيا
ومددت الأكوان شرقا وغربا
مددا في كيانها كليا
24. صفحة (237) أورد قصيدة بعنوان " يا رسول الله إني جئت معتذرا " للكتبي أيضامنها :
يا سيد الرسل إني جئت معتذرا
إليك من زلتي العظمى وأدراني(1/13)
هذه أمثلة ونماذج ولا لا ريب أنكم ستجدون بثاقب فكركم وصحة نظركم غيرها مما لم نذكر وما بقي إلا أن نذكركم وكل غيور بما يجب على أمة التوحيد في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ أمتنا حيث أظهرت رؤوس الوثنية والشرك والبدعة والضلالة رؤوسها من كل ناحية وتوجهت سهامهم وسهام من يناصرهم من المنافقين إلى أهل السنة ورموهم عن قوس واحدة ، والله أسأل أن يجعلنا جنودا لدينه قائمين بأمره داعين إلى شريعته وأن ينصرنا على من ظلمنا وعادانا نه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين ..
كتبها سفر بن عبد الرحمن الحوالي
في : 6/ 5/ 1412 هـ(1/14)