مباحث هامة
فى المسيحية والاسلام
=============
مَعَالِم أسَاسِيَّة
فى الدِّيَانَة المَسِيحِيَّة
دراسات متخصصة للمثقفين
من دعاة الحوار الإسلامى المسيحى
و للقارىء المُجدّ الصَابر لا صَاحِب النظر العابر
ع . م/ جمال الدين شرقاوى
بَسْم الله الرَّحمن الرَّحِيم
هذا ذِكْرُ مَن مَّعِىَ وَذِكْرُ مَن قبْلى
بَلْ أكثرُهُمْ لا يَعْلمُونَ الحَقَّ فهُم مَّعْرضُون
( 24 / الأنبياء )
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" أيها الناس إنَّ لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم ..
وإنَّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم ..
إنَّ العبد المؤمن بين مخافتين :
بين أجل قد مضى لا يدرى ما الله قاض فيه ..
وبين أجل قد بقى لا يدرى ما الله صانع فيه ..
فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ، ومن دنياه لآخرته ، ومن الشبيبة قبل الكبر ومن الحياة قبل الممات . والذى نفسى بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار " .
{ شكر وتقدير }
إلى إخى الكبير مقاما / رفاعى سرور ..
وإلى أخى الأصغر وابنى الغالى / محمد حسن ..
إليكما أقدِّم شكرى وتقديرى لتعبكما معى فى مراجعة هذا الكتاب والمساهمة فى نشره لوجه الله تعالى . لا نبتغى ثلاثتنا منه منفعة دنيوية غير نشر العلم بين الناس ، وإعلان الحق بينهم .
ولقد جدت عندكما ما لم أجده عن الكثيرين مِن المتخصصين فى مجال الدعوة ، مِن حُبِّ للعلم الجديد الأصيل المنضبط بشرع الله وفقا للمنهج السلفى وبعيدا عن مبدأ التقليد الأعمى لسلفنا الصالح .
اللهم تقبل مِنَّا هذا العمل خالصا لوجهك الكريم ، وأجب يارب فى حقنا دعوة قارىء صالح تقىّ نقىّ ، فاهم واع لما حواه الكتاب مِن بحوث هامة تضع الناس على طريقك المستقيم . وتبعِدُ الآخرين عن مزالق الشيطان الرجيم . إنَّك بكل جميل كفيل . اللهم أفض بركاتك ورحماتك على كل مَن ساهم فى إخراج هذا الكتاب إلى النور .
اللهم تقبل مِنَّا إنَّك أنت السميع العليم
فاتحة هذا الكتاب(1/1)
===========
الحمد لله الأوَّل بلا ابتداء ، الآخر بلا انتهاء . المنفرد بقدرته والمتعالى فى سلطانه . الذى لا تدركه العيون ولا تبلغه الظنون . البادىء بالإحسان العائد بالامتنان . الحمد لله الذى جعل عبادته اختيارا ، ومعرفته اضطرارا . الذى قرن بالفضل رحمته وبالعدل عذابه . فالناس مدينون بين فضله وعدله ، آذنون بالزوال آخذون فى الانتقال من دار بلاء إلى دار جزاء . أحمده على حلمه بعد علمه وعلى عفوه بعد قدرته . فإنه رضى الحمد ثمنا لجزيل نعمائه وجليل آلائه وجعل مفتاح رحمته وآخر دعوى أهل جنته { أن الحمد لله رب العالمين } . وصلى الله على نبينا المُكرَّم ، الشافع المُقرَّب . الذى بُعِث آخرا واصْطُفِىَ أولا . جعلنا الله من أهل طاعته وعتقاء شفاعته .
رَبِّ أنعمتَ فزِدْ
أمَّا بعد :
عندما ينقلب البصر إلى بصيرة . حينئذ تكون لحظة الإيمان وبرد اليقين . وليس الموضوع إدراك فهم أو حلّ إِشكال طال زمانه . إنه نور الحق وومضة الصدق وسلامة الفكر . تراه البصيرة من فوق السطور ، فتطلب الغوص فى أعماق المسطور لتستجلى الأمور ، وتكشف عن المستور حتى تفوز ببرد اليقين ألا وهو الإيمان الصحيح . فالحقيقة لا تتجلى بذاتها لكل قارىء ، ولكنها تخصّ مريديها الباحثين عنها بعيدا عن الأهواء ومتابعة الناس . ومهما تعامت البصائر فإنَّ لها فى حلم الله تعالى أملا فى اكتشاف النور . نور الحق والحقيقة .
وأنا لا أطلب من قارىء كتابى هذا ـ مسلم أو مسيحى ـ إلاَّ أن يكون على قدر متوسط من اليقظة التى ينبغى أن يحافظ عليها أثناء التعامل مع ما يقرؤه بعقله وهو فى حالة صحو تام . ليس مخدرا أو متخيلا لأشياء غير مكتوبة بين يديه ، فكم من رُؤَى مقلوبة اُبتلى بها الذهن من فرط ما ضُخّ فيه من تعاليم مغلوطة عبر القرون الماضية .(1/2)
وقضايا هذا الكتاب تدور حول معالم عقدية بديهية اختفت دلالاتها فى ترجمات الأناجيل المتداولة حاليا ، وبالتالى غابت عن الأذهان الفطنة حقائقها . استخدَمْتُ اللغة فى تبيان وتأصيل وتفهيم تلك المعالم العقدية الخطيرة بطريقة جديدة . من خلال اِلقاء الضوء الساطع على بضع مِن كلماتها القرآنية والإنجيلية بغية التحليل والتفنيد والتأصيل . متجولا بين لغة الأصل ولغات الفرع ، بهدف العودة إلى الأصل بفكر العصر .
... إنها بضعة أبحاث عقدية ومعالم أساسية تناولها هذا الكتاب ، من خلال الوقوف طويلا أمام كلمات مشهورة معروفة ، توَرَّمَت منها بطون أمهات الكتب الدينية بدون فهم أو دراية أو حتى عروج إلى أصولها اللغوية المعروفة .
بضع كلمات غيرت مجرى التاريخ الدينى المسيحى بتغير معناها ومغزاها ، فأضحى معناها الغير صحيح بمثابة ركائز إيمان فى العقيدة المسيحية ، بنيت عليها صروح الدين وعقائده القديمة والجديدة ..!!
إنها بضع كلمات لم يتوقف عندها الدارسون والباحثون فى الأصول . فمنها الذى ضاع وفقِد فى الترجمات المتعددة للأناجيل الحالية ، ومنها الدارس معناه المفقود مغزاه . ومنها المُشوَّهُ فى ترجمته المختل معناه ومبناه . وهذه الكلمات التى يتناولها هذا الكتاب بالبحث والدراسة هى على التوالى :
الله ؛ المسيح عيسى ابن مريم ؛ الإنجيل ؛ اسم الدين الذى جاء به المسيح - عليه السلام - ؛ ثم أصول رسالة المسيح - عليه السلام - وما جاء فيها مِن بشارات دارت عليها رسالته كـ الملكوت ؛ وانتقال الرسالة مِن بنى إسرائيل إلى أمَّة العرب .
... إنها معالم أساسية وركائز دينية إيمانية إسلامية ومسيحية . حام حولها الحائمون ولم يتعرَّف على أصولها العارفون . وقال جمهور علماء المسلمين بأعجمية أكثر كلماتها . ولم يهتد المسيحيون إلى معناها فى لسانها الأصلى ..!!(1/3)
... فدارت أبحاث هذا الكتاب حول المعالم : الله ؛ الرسول ؛ الكتاب ؛ اسم الدين . كأربع معالم أساسية للمتدينين من كل دين . الإله المعبود ، ثم المبلغ عن الإله ، ثم الكتاب المسجل فيه ذلك البلاغ ، واسم الدين الذى يتعبدون به .
ثم كان البحث والتأصيل بعد ذلك حول تبيان أصول رسالة المسيح - عليه السلام - التى جاء مِن أجلها . ثم الكلام حول أهم البشارات التى بَشَّرَ بها - عليه السلام - ، والتى كانت رسالته مِن أجلها . إنها بشارة الملكوت التى من أجلها أرسله الله .. وأيضا الإنذار بانتقال الرسالة مِن بنى إسرائيل إلى الأمَّة العربية .
ولقد كتبت هذا الكتاب أولا لنفسى باحثا فيه عن الحق المجرد والحقيقة الناصعة . وسهرت عليه الليالى والشهور ، وقرأت لأجله الكثير مِن الكتب والمراجع المتعددة اللغات . وها أنا أقدمه لإخوتى وأخواتى فى وطننا العربى الكبير ، مسلمهم ومسيحيهم . أقدِّمَه لمن يريد أن يُحَكِّمَ عقله وقلبه وضميره على ضوء المعلومات الواردة فيه ، لعلنا جميعا نفهم ونعقل أمور ديننا ومعالمه . وكلى أمل فى أن يتسع صدر القارىء المثقف المسيحى لما يكتبه الكاتب المسلم هنا عن المسيحية .
فدارت أبحاث هذا الكتاب على قسمين :
ففى القسم الأول : كانت الأبحاث حول اسم الإله الأسمى المعبود عند المسيحيين ( الآب ) فى لغة المسيح ولسان قومه إبَّان فترة بعثته . واسم المبلغ عنه ( المسيح ابن مريم ) فى لغته الأصل . وماهية ( الإنجيل ) هل هو كتاب أم مجرد بشارة ..!!؟ ثم اسم الدين الذى جاء به المسيح - عليه السلام - ما هو اسمه كما جاء على لسان المسيح وأقواله المُسجَّلة فى الأناجيل الحالية ..!!؟
إنها أربع بديهيات أصيلة لن تجد مسيحى حسن اعتقاده يجيبك عنها صراحة أو حتى تساءل عنها وسأل قساوسته عنها من قبل ..!!(1/4)
أولا : اسم الإله المعبود . ما هو اسمه المذكور فى الأناجيل المتداولة بين الناس حاليا والمشار إليه بالكلمة آب ..!؟ مع العلم بأنَّ المسيح - عليه السلام - قد أظهر ذلك الاسم وعَرَّفه لقومه من بعد أن طمسَ معالمه علماءُ بنى إسرائيل ومنعوا الناس مِن نطقه والتلفظ به . وإن وقعت عينى القارىء اليهودى على الحروف الدالة عليه قالوا له قل : أدوناى أى سيدى بدلا من نطق الاسم المقدّس ..!!
وعندما قال المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - مناجيا لربِّه كما فى إنجيل يوحنا ( 17 : 6 ، 26 ) على التوالى : " أظهرت اسمك للناس الذين وهبتهم لى من العالم " و " قد عَرَّفتهم اسمك وسأعرِّفهم أيضا " . فأى اسم هذا الذى أظهره المسيح - عليه السلام - لقومه ..!؟ وأى اسم هذا الذى عَرَّفهم إيَّاه ..!؟
لقد خلت الأناجيل تماما من ذكر ذلك الاسم المقدَّس الشريف . فمن يا ترى الذى حذف الاسم المقدَّس من الأناجيل الحالية ..!؟ أم أنَّ كتبتها لا يعرفون اسم إلههم فلم يكتبوه ..!!؟
والمسيحيُّون فى جميع أرجاء العالم يرتلون فى صلاتهم الربَّانية التى علَّمَهُم إيَّاها المسيح - عليه السلام - " أبانا الذى فى السموات ، ليتقدَّس اسمك .." . فما هُوَ ذلك الاسم الذى يريدون تقديسه ..!؟
إنه سؤال صعب لا أحد يعرف له جواباً . فالأصول اليونانية للأناجيل الحالية لا يوجد فيها اسم إله السموات والأرض ..!!
ذلك الاسم الآرامى الذى أظهره المسيح - عليه السلام - من بعد إخفاء اليهود له وحذفهم له من أسفارهم الدينية وإن رمزوا إليه ببعض الأحرف الهجائية الأربعة ( ى هـ و هـ ) . تلك الأحرف الأربعة التى لا ينطقها اليهودى إذا ما وقعت عيناه عليها ، وإنما يقول بدلا منها أدوناى أى سيدى .. !!(1/5)
ثانيا : الاسم العلم للمسيح - عليه السلام - الذى كان قومه وتلامذته وسائر أتباعه ينادونه به فى فلسطين إبَّان فترة بعثته . ذلك الاسم الآرامى المحبب إلى قلوبنا جميعا . أين هو فى الأناجيل العربية أو حتى الأجنبية المتداولة بين الناس ..!؟
ذلك الاسم المبارك الذى قال عنه يوحنا فى إنجيله ( 2 : 32 ) : أنَّ " كثيرون قد آمنوا باسمه المبارك .. " . وأنَّ الذى لا يؤمن باسم المسيح فقد صدر عليه حكم الدينونة ( يوحنا 3 : 18 ) . وأنَّ مِن وصايا المسيح - عليه السلام - " الإيمان باسمه " ( رسالة يوحنا الأولى 3 : 23 ) . وأخيرا نجد يوحنا الإنجيلى يخاطب المَسِيحيِّين قائلا لهم : " يا مَن آمنتم باسم المسيح " ( رسالته الأولى 5 : 13 ) .
فأى اسم هذا الذى آمن به الأتباع من بعده ..!؟
هل هو يسوع المذكور فى الأناجيل العربية والذى ظهر إلى الوجود بعد ظهور الإسلام بعدة قرون ..!؟ أم هو جيسس المذكور فى الأناجيل الإنجليزية والذى ظهر فى الإنجليزية من بعد القرن السابع عشر ..!؟ أم هو هيسُّوس المذكور فى الأناجيل الأسبانية ..!؟ أم هو جايزو المذكور فى الأناجيل الإيطالية ..!؟ أم هو ياسوس أو ييسوس المذكور فى الأناجيل الألمانية ..!؟ لا أحد يعرف النطق الصحيح للاسم المبارك . ومن يعرف منهم لا ينطقه ولا يتلفظ به خوفا من رجال كنيسته ..!!
... ومعلوم بالضرورة من تراثنا العربى القديم من قبل ظهور الإسلام أنَّ نصارى العرب كانوا ينطقون الاسم المبارك الصحيح ألا وهو عيسى كما هو ثابت فى أشعارهم بشهادة الآثار وكتب الأشعار ومقارنة الأديان وحتى القرن العاشر الميلادى من قبل أن يختفى من الأناجيل العربية ..!!
... وقد تناولت البحث هنا عن الفقرات الثلاث المُكوِّنَة لاسم المسيح الكامل " المسيح ؛ عيسى ؛ ابن مريم " فى ثلاثة أبحاث بطريقة جديدة لم تخطر على بال القدماء ولم يقترب منها إلا عدد يسير مِن المعاصرين .(1/6)
ثالثا : أمَّا عن الموضوع الثالث فقد ضاعت معالمه واختفى اسمه ورسمه من أحدث طبعات العهد الجديد ، إلا من بقايا يسيرة فى الترجمات العربية الأقدم عهدا . إنه كتاب الله الذى كان المسيح - عليه السلام - يدعو قومه ويحثهم للإيمان به حسب قول كاتب إنجيل مرقس ( 1 : 14 ) : " قد اكتمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل " . قطعا إنه ليس إنجيل متى أو مرقس أو لوقا أو يوحنا أو غيرهم ممن كشفت عنهم آثار نجع حمادى المصرية فكل ذلك كان من بعد بعثة المسيح - عليه السلام - .
فأى إنجيل هذا الذى كان يتكلم عنه المسيح - عليه السلام - .. !؟ وهل هو كتاب أم مُجَرَّد بشارة سارة كما يقول المسيحيون أجمعون ..!؟
الكل يؤمن بأنَّ المسيح - عليه السلام - لم يترك لهم كتابا أو رسالة مكتوبة أو محفوظة شفويا تعرف باسم إنجيل . فهل هذا الإيمان صحيح على التحقيق ..!!؟
إنَّ هناك نصوصا منسوبة إلى المسيح - عليه السلام - يُبينُ فيها أنَّ الله قد أعطاه كلاما ليبلغه لقومه من بنى إسرائيل ، فبلغ - عليه السلام - ذلك الكلام . فقال مناجيا ربه : " الكلام الذى أعطيتنى قد أعطيتهم " و " أنا قد أعطيتهم كلامك " ( إنجيل يوحنا 17 : 8 ، 14 ) .
وهذا الكلام .. هو كلام الله الذى أعطاه الله للمسيح ليبلغه لقومه .
وهذا الكلام .. هو الإنجيل الذى أعطاه الله للمسيح .
وهذا الكلام .. قد أعطاه المسيح - عليه السلام - لقومه " قد أعطيتهم " .
فأين كلام الله هذا المبلغ بواسطة المسيح - عليه السلام - إلى بنى إسرائيل ..!؟ هل قام الأتباع بجمعه فى كتاب نسبوه إلى المسيح ..!؟ لا لم يفعلوا شيئا من ذلك . وإنما فعل اليونان والرومان شيئا آخرا . حيث قاموا بتسجيل بعض حوادث سيرة المسيح ، ومزجوها بأقوالهم وعقائدهم اليونانية وأطلقوا عليها اسم أناجيل ، ثم نشروها بين الأمم وشعوب العالم المختلفة .(1/7)
لقد كتبت من قبل عن اسم المسيح - عليه السلام - وحقيقة الإنجيل حسب قواعد علم تتبع أصول الكلمات ( الإيتومولوجى ) . وتلك موضوعات تحتاج إلى أبحاث تلو أبحاث حيث ضلَّت الحقيقة طريقها إلى عقول المسيحيين ، ولم يعترفوا بعد بما بين أيديهم من حقائق بَيِّنة ونصوص واضحة . ما هذا الذهول الشديد عن معرفة النصّ القريب الواضح ، إلى فطنتهم العجيبة للأمور البعيدة التى لا تخضع للنصّ الإنجيلى ..!؟ إنها حقا مأساة ، أن يبصر العقل الشىء البعيد الغامض ويَعْيا عن القريب الواضح .
رابعا : ثم يأتى البحث الرابع عن اسم الدين الذى جاء به المسيح - عليه السلام - . إنها فعلا مأساة أن لا تجد لذلك الدين المسيحى ذكرا لا فى الأناجيل ولا فى كل رسائل العهد الجديد ..!! وسيتم الكشف عن اسم ذلك الدين بإذن الله تعالى .
ثم دارت أبحاث القسم الثانى مِن هذا الكتاب حول : أصول رسالة المسيح - عليه السلام - ومبدأ عالمية دعوته من عدمها ، والإنذار بانتقال الرسالة من بنى إسرائيل إلى الأمَّة العربية . وحيث أنَّ البشارة كانت من أصول رسالة المسيح - عليه السلام - ؛ ذكرت أهم البشارات التى كانت رسالة المسيح إلى قومه مِن أجلها .
فبدأتُ بشرح جديد للعبارة التى دارت عليها رسالة المسيح - عليه السلام - والتى عَبَّرَ عن أهميتها المسيح - عليه السلام - فى إنجيل لوقا ( 4 : 43 ) وأنه من أجل التبشير بها كانت رسالته . فبشر - عليه السلام - بقرب زمان حلولها على الناس . إنها العبارة القرآنية الإنجيلية ملكوت الله . تلك العبارة التى لا يعرفون معناها الصحيح مع أنها عربية اللسان ..!! هذه العبارة التى لم يعطها أصحاب المعاجم العربية حقها فى الشرح والتفسير . وقالوا عنها مثل ما قاله المسيحيون أو قريبا منه وإن اختلف التطبيق ومفهوم الإيمان بها .(1/8)
فمِن أقوال المسيح - عليه السلام - كما جاء فى إنجيل لوقا ( 4 : 43 ) : " إنه ينبغى لى أن أبشر المدن الأخرى أيضا بـ ملكوت الله لأنى لهذا قد أرسِلتُ " . وقوله - عليه السلام - كما جاء فى إنجيل مرقس ( 1 : 14 ) : " قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله " . كما نجده عليه السلام يُرسل تلاميذه ليبشروا بملكوت الله ( لوقا 6 : 20 ) .
فما هو ذلك الملكوت الذى اقترب زمانه وأوشك على الظهور للناس ..!؟
وما هو ذلك الملكوت الذى من أجله كانت رسالة المسيح - عليه السلام - ..!؟
سوف تجدون الإجابة الصحيحة الصريحة بإذن الله ، المدعمة بالبرهان من لغة المسيح - عليه السلام - الآرامية ذات اللسان العربى فى كتابى هذا .
... ثم يأتى البحث حول خصوصية رسالة المسيح - عليه السلام - إلى قومه مِن بنى إسرائيل ، وعمومية رسالة خاتم النبيين مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - إلى العالم أجمع .
وتنتهى أبحاث ذلك الكتاب بخاتمته وفهارسه .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنى مفتاحا للخير بهذه الدراسات ، مُقرِّباً بين أواصر أخوَّة المواطنة بين المسلمين والمسيحيين ، تحت راية الحق والحقيقة والبحث والتمحيص النزيه بعيدا عن التعصّب البغيض .
اللهم يَسِّر وزد يا كريم .. آمين .
ع . م / جمال الدين شرقاوى
توطئة لأبحاث هذا الكتاب
لغة يهود فلسطين فى عصر المسيح - عليه السلام -
======================
...
إنَّ القارىء لأبحاث هذا الكتاب سوف يفاجأ بأبحاث لغوية غير عادية فى دراسات مقارنة الأديان السائدة فى عالمنا العربى . أبحاث عربية اللسان . عربية البيان والتبيين . مع أنَّ أصول أسفار العهد الجديد المتوافرة لدى المسيحيين لا يُعرف لها أصل عربى أو آرامى أو حتى عبرى ..!!(1/9)
... من هنا كانت هذه التوطئة لقارىء كتابى هذا ضرورية وهامة جدا لمن أراد الفهم ومسايرة علوم العصر ، وهو لا يزال متعلقا بالأصل ، يريد أن يراه بلغته الأصلية وليس بترجماته الأجنبية المتعددة ، سواء كانت يونانية أو لاتينية أو قبطية أو سريانية أو سائر اللغات المعاصرة .
... لعل القارىء يسأل هنا ويقول كيف يُفهَمُ النصّ بلغته الأصلية وقد ضاعت هذه اللغة وفُقِدَت من على ألسنة الناس ..!؟ فأقول له : إن كانت لغة الأصل الآرامية قد فُقِدت منذ زمن بعيد إلا أنَّ الله سبحانه وتعالى قد قيض لهذه اللغة من يكتشفها ويفك طلاسم خطوطها . شأنها فى ذلك كشأن اللغة المصرية القديمة ، ظلَّت مصوَّرَة على الأحجار مئات السنين ولم يتمكن العلماء من فك طلاسمها إلى أن ظهر حجر رشيد والعالم الفرنسى شمبليون الذى استطاع فك شفرة قراءة الرموز المصرية الفرعونية .
ومنذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادى وحتى النصف الثانى من القرن العشرين الميلادى تمت معرفة مجموعة اللغات السامية القديمة ذات اللسان العربى ، من بعد اكتشافها فى كل من سوريا القديمة والعراق القديم وشمال غرب شبه الجزيرة العربية وجنوبها ، وحتى فى الآثار المصرية فى جزيرة فِيلة بأسوان وتل العمارنة فى المنيا . وقرأ العلماء الخط الآرامى بأشكاله ولهجاته المتعددة .
وعَرِفَ العَالم اللغة التى كانت سائدة فى فلسطين إبَّان فترة بعثة المسيح - عليه السلام - . إنها اللغة الآرامية وليست بالعبرية المعروفة . ويجب التنويه هنا إلى أنَّ الكثيرين مِن قدماء العرب كانوا يشيرون إليها فى كتاباتهم تحت مسمى اللسان العبرانى نسبة إلى العبرانيين الذين كانت أسفارهم المقدسة مكتوبة بذلك الخط الآرامى القديم .(1/10)
وقد اكتشف العلماء مخطوطات وأحجار مكتوب عليها أجزاء من هذه الأسفار اليهودية بالخط الآرامى القديم ، وفى كثير منها كتابات بالخط الأشورى المربع ـ وهو لهجة من لهجات اللسان الآرامى ـ الذى تمسَّك به علماء أهل الأثر اليهود من بعد ظهور الإسلام وتشكيل حروف القرآن الكريم ، فكتبوا به نسختهم المعروفة بالماصورتية ـ أو المازورتية ـ فى القرن العاشر الميلادى ، ثم زعموا أنَّ ذلك الخط خاص بهم وحدهم فقط وأنه خط اللغة العبرية منشقين بذلك على اللسان العربى ..!!
... وعقب انتهاء بعثة المسيح - عليه السلام - انشق الأتباع إلى طرائق قددا : فمنهم المتمسكون بما جاء به المسيح من توراة وإنجيل . المحافظون على لغتهم الوطنية الآرامية لغة الوحى الإنجيلى . هؤلاء الذين عُرفوا فى كتابات العهد الجديد باسم النصارى وأصحاب كنيسة الختان .
والذين تبرأ منهم اليهود الذين رفضوا رسالة المسيح ولم يؤمنوا بدعوته واعتبروهم منشقين عليهم . وحاربهم المسيحيون اليونان الذين اعتبروهم فرقة من فرق الهراطقة . فاشترك اليهود والمسيحيون اليونان فى محو آثار هؤلاء النصارى . فتعقبهم اليهود داخل فلسطين يمحون آثارهم ويقاومون دعوتهم . وتعقبهم أيضا الأتباع المسيحيون اليونان واللاتين خارج فلسطين حيث اعتبروهم فرقة من الهراطقة وأحرقوا كتاباتهم .
وهرب النصارى إلى تخوم العراق وإلى مناطق جنوب شبه الجزيرة العربية كاليمن ونجران ، وإلى المناطق الشمالية الغربية مِن شبه الجزيرة العربية مثل دومة الجندل ومدينة الرقيم قريبا مِن خليج العقبة . ونزل القرآن الكريم وكانت هناك بقية منهم يسجدون (1) للهِ فى صلاتهم . ويؤمنون بكتاب معهم يُسَمَّى الإنجيل فيه نبأ وأخبار المسيح عيسى بن مريم . وإلههم الأسمى الذى يعبدونه يُسَمَّى الله .(1/11)
هؤلاء النصارى العرب كان كتابهم آرامى اللغة عربى اللسان وإن قال عنه القدماء : عبرانىّ اللغة نسبة إلى العبرانيين . وقد دخل معظمهم فى دين الإسلام ، ومَن بقى منهم على دينه لم يحفل التاريخ بذكرهم وتعقب شأنهم فبادوا مع البائدين . وضاعت معهم كتاباتهم الآرامية إلا من قطع متناثرة هنا وهناك عثر عليها المنقبون فى الآثار العربية القديمة .
ومع ضياع وفقدان الأصول الآرامية لأقوال المسيح - عليه السلام - وأقوال أتباعه المتكلمين بالآرامية اعتقد كثير من علماء المسيحية وأنصاف المثقفين منهم أنَّ المسيح - عليه السلام - وتلامذته الفلسطينيين كانوا يتكلمون اللغة اليونانية ، وهذا اعتقاد غير صحيح على التحقيق . ومرجع ذلك الاعتقاد الخاطىء يعود إلى أنَّ أقدم الوثائق والمخطوطات الدينية المسيحية التى يعود زمن كتابتها إلى نهاية القرن الثانى والرابع والخامس كلها مكتوبة باللغة اليونانية . وهذا سهَّل الأمر على الأتباع بأن يقولوا بأنَّ المسيح وتلاميذه كانوا يتكلمون اليونانية حتى تكون هذه الكتابات اليونانية موحى بها من الله ..!!
وقد ساعد على ذلك الاعتقاد الخاطىء أنهم وجدوا اليهود الذين يقيمون خارج فلسطين كالاسكندرية وغيرها يعرفون اليونانية ويكتبون بها .
وهنا فى ذلك التمهيد سوف أذكر بعون الله تعالى بعضا من الشواهد الدالة على أنَّ اللغة التى كانت سائدة فى فلسطين إبَّان فترة بعثة المسيح - عليه السلام - هى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. السجود ركن أساسى فى الصلاة ، تركه المسيحيون بجميع طوائفهم ، فهم لا يسجدون فى صلاتهم كما كان
المسيح - عليه السلام - يفعل فى صلاته , اقرؤا نص إنجيل متى ( 26 : 39 ) وإنجيل مرقس ( 14 : 35 ) لتتحققوا من
أنَّ المسيح - عليه السلام - كان يسجد فى صلاته . " .. وخَرَّ على وجهه وكان يصلى قائلا ... " وتلك هيئة سجود بوضع(1/12)
الوجه على الأرض ، ورغم ذلك الوضوح .. فإنَّ القوم قد ضيعوا ركن السجود فى صلاتهم .
الآرامية وليست اليونانية أو العبرية المزعومة ، وسوف أذكرها نقلا عن كتابى " اللغة التى تكلم بها المسيح - عليه السلام - " لعلها تفى بالغرض وتؤدى المطلوب : ـ
أولا : شهادة المسيحيين الأوائل . ...
وهؤلاء المسيحيون الأوائل ليسوا من قوم المسيح - عليه السلام - ولا يعرفون لغته ولغة بنى إسرائيل الفلسطينية . أذكر منهم بابياس ـ فى النصف الأول من القرن الثانى ـ وإيرنياوس ـ فى القرن الثانى ـ اللذان قالا بأنَّ متَّى كتب إنجيله باللسان العبرانى ونشره بين قومه فى فلسطين . وحذا حذوهم العلامة جيروم حيث قال بأنَّ متَّى نشر إنجيله عن المسيح فى اليهودية بالعبرانية . وهذا الإنجيل تُرْجمَ فيما بعد إلى اليونانية بواسطة مترجم مجهول (1) .
وبالمثل نجد أنَّ المؤرخ المسيحى القديم يوسابيوس ـ فى القرن الرابع ـ أفاد بأنَّ بولس الطرسوسى تكلم مع العبرانيين بلسانهم الوطنى ـ أى الآرامى ـ وقال بعضهم بأنَّ لوقا هو الذى فعل ذلك . وقال آخرون بترجمة نصوص العهد الجديد إلى اليونانية مثل كليمنت كما أفاد بذلك جيروم حين قال : إنَّ كون بولس عبرانى فإنه كتَبَ بلسانه العبرانى غالبا ، وأنَّ هذه الكتابات العبرانية تُرجمت فيما بعد إلى اليونانية (2) .
قلت جمال : وجميع الشهادات السابقة تؤدى إلى أنَّ كتابات متَّى وبولس إلى قومهم فى فلسطين كانت باللغة الوطنية المعمول بها فى فلسطين أى الآرامية . ثم تُرجمت هذه الكتابات فيما بعد إلى اليونانية بواسطة مترجمين غير معروفين . وهذه الشهادات تثبت أنَّ اليهود فى زمن بعثة المسيح - عليه السلام - كانوا يتكلمون ويكتبون بلسانهم العامى الآرامى . وكانوا متمسكون به جيدا ويكرهون اللسان اليونانى وإن تعلمه بعضهم لأسباب وظيفية (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
((1/13)
1) .. ( Jerome, Lives,3 ) نقلا عن المصدر السابق .
(2) .. ( Eusebius, H . E . 3:38:2 ) .
(3) .. راجع كتاب ( The Sacred Name v1 page132 )
(Papias, cited in Eusebius, H.E.3:39:16:Iren,3:1:1, and cited in Eusebius, H.E 5:8:2 )
ثانيا : شهادة اليهود الأوائل .
... 1 .. من أشهر يهود تلك الفترة المؤرخ يوسف بن متَّى المعروف عند المسيحيين باسم يوسيفوس . وُلِد يوسف بن متى فى القدس من عائلة ثرية ودرس الدين اليهودى وفرقه المختلفة ثم عَمِلَ كاهنا والتحق بجماعة الفريسيين . ثم تخصص فى كتابة التاريخ اليهودى .
كتب يوسف بن متى تاريخه الشهير فى الفترة الواقعة ما بين سنة 75 وسنة 79 ميلادية وقال فيه بأنه " كتب تاريخه ذلك بلغته العامية ـ أى الآرامية ـ وأرسله لقومه فى فلسطين " (1) . وقال أيضا : " وفى وقت متأخر قام بترجمة الكتاب إلى اللغة اليونانية " (2) . ووصف يوسف بن متى اللسان اليونانى بأنه لسان غير مألوف لدى يهود فلسطين ( unfamiliar tongue ) (3) . وأفاد أيضا ذلك المؤرخ اليهودى الفلسطينى المولد بأنَّ " قومه اليهود كانت معلوماتهم قليلة عن اللغة اليونانية " (3) حتى أنه شخصيا كان ينطق اليونانية بصعوبة (3) .
من أقوال يوسف بن متى السابقة نعلم أنَّ لغة يهود فلسطين فى تلك الآونة لم تكن اليونانية . وأنَّ اللسان اليونانى غير محبوب وغير مرغوب فيه . ومعلوم أنَّ رجال الدين هم الأرقى تعليما بين اليهود . فإذا كان هذا شأنهم من اللغة اليونانية فكيف بعامة اليهود من الصيَّادين والنجَّارين والعشَّارين .!؟
فيهود فلسطين إبَّان بعثة المسيح - عليه السلام - كانوا لا يتكلمون اليونانية ولا يحبوُّنها .
... 2 .. كتبة التلمود اليهودى .(1/14)
هناك قصة طريفة فى التلمود تبين بجلاء تام موقف اليهود تجاه لغة اليونان . إنها قصة ابن داماح مع عَمِّه الرِّبِّى اسماعيل التى حدثت فى أوائل القرن الثانى الميلادى . عندما طلب ابن داماح من عَمِّه الإذن والسماح له بتعلم اللغة اليونانية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. ( Thackeray . jos , II . intro . pp.ix.4f.na. Aramaic or hebrew ) . نقلا عن كتاب :
( The Sacred Name v1 page129 ) .
(2) .. ( Jos . Apion . 1 : 9 ) راجع كتاب ( The Sacred Name v1 page129 ) .
(3) .. (Jos . Antiq .20 : 11 : 1 ) راجع كتاب ( The Sacred Name v1 page129 ) .
فكانت إجابة العمّ لابن أخيه هو نصّ سفر يشوع ( 1 : 8 ) : " واظب على ترديد كلمات هذه التوراة . وتأمل فيها ليلَ نهار " . ثم قال له " اذهب وابحث لك عن وقت ليس بالليل أو بالنهار لتتعلم اليونانية وفلسفتها " (1) .
ويظهر هذا التوجّه تجاه اللغة اليونانية إذا قرأنا شيئا عن موقف اليهود من الترجمة اليونانية لأسفار العهد القديم . فيذكر تلمودهم أنه فى اليوم الذى تُرجمت فيه التوراة إلى اللغة اليونانية ـ النسخة السبعينية ـ أصاب أرض فلسطين زلزال شديد لم يترك شبرا واحدا فى الأرض دون دمار . وقالوا بأنَّ ذلك علامة من الله بغضبه على اليهود حيث ذكِرَ اسمه المقدّس بالحرف اليونانى وتلك معصية تشابه معصية اتخاذهم العجل معبودا لهم لحين عودة موسى إليهم من ملاقاة ربه (2) . فقيام أجدادهم بترجمة التوراة إلى اللغة اليونانية يشابه تماما قيام أجداد أجدادهم من قبل بصناعة العجل الذهبى وعبادته ..!!(1/15)
وتصديق كل ما سبق نجده فى لفائف كهوف قمران المكتشفة حديثا . حيث أنَّ معظمها مكتوب باللغة الآرامية وبعضها مكتوب بالخط الأشورى المربع ، وإن زعم اليهود بأنها عبرية قياسا على الخط العبرى المربع الذى وُجِدَ بعد ذلك بخمسة قرون . كما يندر فيها وجود كتابات يونانية . وهناك أيضا الترجمة الآرامية للعهد القديم التى كان معمولا بها فى فلسطين فى زمن بعثة المسيح - عليه السلام - وهى المعروفة باسم " الترجوم الفلسطينى " .
ثالثا : شهادة نصوص أسفار العهد الجديد .
مِن كتب ومخطوطات العهد الجديد اليونانية يستطيع المرء أن يتعرَّف بسهولة على كثير من الكلمات والفقرات الآرامية مكتوبة كما هى بلسانها الأصلى ولكن بالحرف اليونانى ( Transliterate ) . إضافة إلى وجود كلمات أخرى مذكورة فى النصّ مع شرح معناها باليونانية . كما يمكنه أيضا أن يتعرَّف بصعوبة على ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. نقلا عن كتاب ( The Sacred Name v1 page130 ) .
(2) .. المصدر السابق ( The Sacred Name v1 page131 ) .
بعض الكلمات والأسماء الآرامية التى تم ترجمة معناها إلى اليونانية ثم قام المترجمون بتسجيلها فى النصوص دون الإشارة إلى أصلها الآرامى .
فمن الكلمات الآرامية المذكورة فى النصوص بالحرف اليونانى أذكر منها : أبَّا ؛ ربِّى وربَّانى ؛ هللوايا ؛ قومى ؛ اتفتح ؛ أتى ؛ سيطان ؛ قربان ؛ قطوان ؛ بارقليط ؛ مِسِّيَّا ؛ وآمين .... الخ .
ومن الكلمات الآرامية التى ذكِرت فى النصوص اليونانية مع عبارات تفسيرية يونانية تبين معناها للقارىء اليونانى أذكر منها : كلمة أبَّا التى معناها فى اليونانية باتر ( ????? ) ؛ وكلمة مِسِّيَّا التى كتِبَ معناها فى اليونانية كرستوس ( ??????? ) . وكلمة كيفا التى كتِبَ معناها فى اليونانية باتروس ( ?????? ) . إلى غير ذلك من كلمات وعبارات مثل عِمَّانوئيل وغيرها .(1/16)
ومن الكلمات التى ترجمت ( Translated ) إلى اليونانية خطأ أذكر منها : كلمة ملكوت حيث ترجمت إلى باسليا ( ???????? ) بمعنى امبراطورية أو مملكة كبيرة . واسم الجلالة الله حيث ترجم إلى ( ثيون ???? و كيريون ?????? ) بمعنى إله وسيد أو ملك . وكلمة جَمَل الآرامية التى تعنى الحبل الغليظ الذى تشد به السفن حيث ترجمت الكلمة إلى كاميلوس بمعنى الجمل الحيوان المعروف ... إلى غير ذلك من كلمات وعبارات سوف تمر علينا فى ثنايا هذا الكتاب .
... مما سبق يتبين لنا بوضوح شديد أنَّ اللغة الآرامية هى لغة الأصل التى تكلم بها المسيح - عليه السلام - وتلاميذه . وعندما نقلت تلك الأصول إلى اليونانية قام المترجمون بالخلط بين الترجمة ( Translation ) وبين النقل الصوتى للكلمات الآرامية مستخدمين الحرف اليونانى ( Transliteration ) فى الكتابة . ولا يوجد فى أى مكان فى العهد الجديد عبارة تفيد أو تقول بأنَّ المسيح - عليه السلام - أو تلاميذه تكلموا أو كتبوا باليونانية . بل العكس هو الصحيح ولزيادة اطمئنان قلب القارىء سوف أذكر أمثلة من داخل نصوص أسفار العهد الجديد .
... 1 .. جهل التلاميذ باليونانية .
إنَّ من يقرأ سفر أعمال الرسل ( 4 : 13 ) سيجد أنَّ كبير التلاميذ سِمْعَان الذى يطلقون عليه اسم بطرس ، والتلميذ يوحنا كانا أميَّان غير متعلمين ( ?????? ) ولا يعرفان الخط ( ?????????? ) . ومن هنا أقول بأنَّ قول القائل بأنَّ مرقس المنسوب إليه الإنجيل المعروف هو المترجم لأقوال سِمْعَان غير بعيد عن الصحة . فإن كان كل من سِمْعَان ويوحنا لا يعرفان الكتابة ولا القراءة فى لغتهم المحلية . فكيف بهما فى اليونانية ..!؟(1/17)
... وقد أفاد العلامة جيروم ـ القرن الرابع الميلاد ـ أنَّ النسَخ الأصلية التى كتبها متى الإنجيلى فى أورشليم ـ القدس ـ لا تزال موجودة فى فلسطين وهى مكتوبة باللغة العبرانية ـ يقصد الآرامية ـ ثم أضاف بقوله أنَّ متى الإنجيلى كان ينقل فقرات العهد القديم من النسخة المعمول بها فى فلسطين ـ المعروفة بالترجوم الفلسطينى ـ ولا ينقل من النسخة اليونانية السبعينية (1) . وهذا يدل على جهله باليونانية مع أنَّ إنجيله كان موجها إلى المسيحيين اليونان وليس إلى نصارى فلسطين .
... 2 .. أمثلة من أقوال المسيح - عليه السلام - .
إنَّ المتدبر فى أقوال المسيح - عليه السلام - سيجد أن معظم كلماته - عليه السلام - فيها النبرة الآرامية العربية التى نتكلمها فى حياتنا اليومية إلى الآن . ففى الأصل اليونانى لإنجيل مرقس ( 5 : 41 ) حين قام المسيح - عليه السلام - بإنقاذ حياة الفتاة المسماة طلية (1) أمسك بيدها قائلا لها : " طليتا قومى " وهذا القول يشابه تماما قولنا " فلانة قومى " . فإن علمنا أنَّ الفتاة تدعى طلية ( والاسم طلية مأخوذ من كلمة الطل أى المطر الخفيف ) وأنَّ الألف الممدودة فى آخر الكلمة طليتا تعنى حرف النداء يا . فإنَّ معنى عبارة المسيح هو " يا طلية قومى " . وتلك جملة عربية مائة فى المائة لا تحتاج إلى ترجمة لها عند سماعنا لها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. نقلا عن كتاب ( The Sacred Name v1 page135 )
وهناك مثل آخر فى إنجيل مرقس أيضا ( 7 : 34 ) اليونانى ، وهو قول المسيح - عليه السلام - لعين الأعمى " اتفتح " يريد أن تنفتح عيناه . إنها عبارة عربية أيضا مائة فى المائة صيغة أمر من الفعل فتح ولكن بالمعنى العامى فى لساننا الذى نتكلمه حتى الآن .(1/18)
ومثل آخر ورد فى كل من الأناجيل اليونانية ( متى 19 : 24 ؛ مرقس 10: 25 ؛ لوقا 18 : 25 ) والعبارة هنا مأخوذة من إنجيل مرقس . قال المسيح - عليه السلام - لتلاميذه : " ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله . مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت الله " . فهذه العبارة عربية أيضا نتوقف فيها عند كلمتين هما جمل و ملكوت . فكلمة جمل فى الآرامية والعربية لها معنيان : إمَّا الحيوان العربى المعروف بالجمل . وإمَّا الحبل السميك الذى تشد به السفن . والمعنى المقصود هنا هو الحبل السميك الذى لا يدخل فى ثقب الإبرة وليس بالحيوان المعروف (1) ..!!
وكلمة ملكوت فى الآرامية والعربية لها معنيان أساسيان ، فى داخل كل منهما معانى كثيرة ذكرت بعضها فى كتابى هذا ، سوف يطالعها القارىء بإذن الله . ومعنى عبارة ملكوت الله هنا تعنى الجنة وليس مملكة الله كما يزعم الزاعمون . ونجد تفسيرها وارد فى القرآن الكريم فى قوله تعالى : { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط } ( 40 / الأعراف ) .
... 3 .. حتى بولس ..!!
بولس الطرسوسى الرومانى الجنسية اليهودى الديانة ، زعيم فرقة النصارى فى أول أمره ( أعمال 24 : 5 ) . العدو اللدود للمسيح - عليه السلام - ولتلاميذه ولدعوته أثناء فترة بعثة المسيح - عليه السلام - . عندما اهتدى إلى المسيحية أثناء تعقبه لأتباع المسيح - عليه السلام - وهو يريد التنكيل بهم ، هناك على طريق دمشق تعرض له الجنِّىّ المدعو ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. وقد قال بذلك المعنى الصحابى الجليل عبد الله بن عباس فى تفسير الآية رقم 40 من سورة الأعراف .(1/19)
" عيسو النصرانى " (1) فى رؤية فى عِزّ الظهر ، وخاطبه بالآرامية حسب الذى ورد فى النسخة العالمية ( NIV ) . وأيضا سنجد فى سفر الأعمال ( 21 : 40 ؛ 22 : 2 ؛ .. الخ ) حسب النسخة الإنجليزية العالمية ( NIV ) أنَّ بولس كان يتكلم فى فلسطين باللغة الآرامية مع يهودها . وهذا يدل على أنَّ الآرامية هى اللغة السائدة فى فلسطين فى ذلك الوقت .
... 4 .. وأخيرا ..!!
نجد أنَّ الانسان الذى صُلبَ حسب رواية الأناجيل ، كان يصرخ مستجيرا بإلهه لينقذه من ذلك العذاب المُهين ، وكانت صرخاته تخرج من فمه بلسان آرامى لا عجمة فيه من اليونانية " إيلى إيلى لما شبقتنى " (2) . وتحت أقدام ذلك المسكين كتبت لافتة باللغة الآرامية واليونانية واللاتينية حسب الذى جاء فى النسخة الإنجليزية العالمية ( NIV ) تقول " عيسى النصرانى ملك اليهود " (3) .
أعتقد الآن ومن بعد هذه النبذة المختصرة عن اللغة التى كانت متداولة بين يهود فلسطين فى زمن بعثة المسيح - عليه السلام - وشهادة الشهود ، قد أيقن القارىء بأنَّ الآرامية هى التى استخدمها المسيح - عليه السلام - فى تبليغ رسالته إلى بنى إسرائيل . وأنها هى أيضا لغة تلاميذه وحوارييه الذين لم يعرفوا اليونانية ولم تجر على ألسنتهم قط .
وداخل أبحاث كتابى هذا سيجد القارىء الكثير من الكلمات الآرامية التى تكلم بها المسيح - عليه السلام - وهى مسجلة بالخط اليونانى ومنطوقها لا يزال آرامى اللغة عربى اللسان ( Transliteration ) وليست بـ ( translation ) . ومن أهمها المعالم الأساسية فى الديانة المسيحية : اسم الإله المعبود . واسم مبلغ الرسالة . واسم الكتاب الذى يحوى الرسالة . وأصول تلك الرسالة . وشيئا عن البشارات التى جاءت فى تلك الرسالة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع تحقيق ترجمة النصّ فى كتابى " الجنى يسوع النصرانى مسيح بولس " .
(2) .. إنجيل مرقس ( 15 : 34 ) .
((1/20)
3) .. إنجيل يوحنا ( 19 : 19 , 20 ) .
.. القسم الأول ..
المبحث الأول
========
اسْم الجَلالة
Q
فى أصول الأناجيل اليونانية
يا الله : إلى متى يُعَيِّرُنا الخَصْمُ !؟
أيظلُّ العَدُوُّ يستهين ُ باسْمِكَ إلى الأبد !؟
( مزمور 74 : 10 نسخة كتاب الحياة المصرية )
====================
إنه لشىء يدعو إلى الدهشة والتعجب أن ترى مئات الملايين من أتباع الكنائس المسيحية المنتشرة فى العالم اليوم لا يعرفون اسم الإله الآب الذى يعبدونه ..!! وعلماءهم يجدون صعوبة بالغة فى إيجاد إجابة مقبولة ومعقولة عن خلو الأناجيل المتداولة من اسم الإله المعبود ، أقصد الإله المشار إليه بعبارة " أبانا " . لقد اختفى الاسم تماما عن قرَّاء الأناجيل ..!!
كيف هذا واعتقاد المسيحيُّين عميق حول صحة نصوص كتابهم المقدس وأنه هو الحق وحده . أليس هو كلمة الله فى اعتقادهم ..!؟
وكيف يفتتح المسيحى صلاته الربَّانية بقوله " أبانا الذى فى السموات . ليتقدس اسمك .. " وهو لا يعرف شيئا عن ذلك الاسم المطلوب تقديسه ..!؟
وكيف يبتهل إلى مولاه قائلا : " يتكل عليك الذين يعرفون اسمك ، لأنك يا رب لم تخذل طالبيك " ( مزمور 9 : 10 من نسخة كتاب الحياة ) وهو من الذين لا يعرفون اسمه ..!؟
وكيف يكرر القول لإلهه : " أعْلِنُ اسمك لإخوتى . وأسبحك فى وسط الجماعة " ( مزمور 22 : 22 ) وهو لا يدرى أنه لا يعلمُ الاسم المقدس ..!!؟
إنها حقاً كارثة إيمانية أصولية حلَّت ببنى قومى من المسيحيين ..!!(1/21)
ولكن ربكم رحيم بعباده ، أقصد العامة من العرب المسيحيين . حيث أدرج مترجمو الكتاب ـ المقدس ـ اسم الجلالة ( الله ) فى النسخ العربية مجاراة لبنى قومهم المسلمين . مع الوضع فى الاعتبار أنَّ لفظ الجلالة ( الله ) ليس هو على التأكيد عندهم اسم الآب المذكور فى الأناجيل حسب اعتقادهم . فحَلَّ الضباب على مفهوم اسم الجلالة . ولذلك نجد رؤسائهم يقولون فى مناسباتهم العامة أمام المسلمين " بسم الرب الواحد الذى نعبده جميعا " أو " بسم الإله الواحد الذى نعبده جميعا " ولا يقولون : " بسم الله الواحد الذى نعبده جميعا " . فيستبدلون اسم الله بكلمتى الرب والإله . ولئن سألتهم عن اسم الله أو اسم الآب فى الكتاب المقدس لقالوا لك على الفور : يهوة ؛ جيهوفا ؛ ايلوهيم ؛ إيل شداى ؛ ثيوس ؛ كيريوس ؛ ... الخ . وتهَرَّبُوا سريعا من اسم الجلالة الله ..!!
وسوف نعْرفُ فى هذا الكتاب أنَّ تلك الكلمات ليست بأسماء لإله السموات والأرض على التحقيق . وليست أيضا من اللغات التى تكلم بها مُبلِّغُ التوراة موسى - عليه السلام - أو مبلغ الإنجيل عيسى - عليه السلام - . ولن يجادلنى فى ذلك عالِمٌ واحِدٌ يحترم علمه وأمانته العلمية .
... وأبدأ بحثى باستعراض سريع لنصوص أسفار العهد القديم وموقف اليهود من اسم إله السموات والأرض . ثم بيان لموقف المسيح - عليه السلام - إبَّان فترة بعثته تجَاهَ اسم رب العالمين . وأخيرا أبيِّنُ كيف كان موقف أتباع المسيحية من اسم إله السماء والأرض من بعد أن ورثوا الكِتابَ كاملا بعهديه القديم والجديد .
ــ أولا ــ
... يبدأ البحث من عند مبلغ التوراة أى منذ عهد موسى - عليه السلام - . جاء فى سفر الخروج ( 3 : 13 ، 14 من نسخة كتاب الحياة ) :(1/22)
" فقال موسى لله : حينما أقبِلُ على بنى إسرائيل وأقول لهم إنَّ إله آبائكم قد بعثنى إليكم وسألونى : ما اسمه ..!؟ فماذا أقول لهم ..!؟ فأجابه الله : أهْيَةِ الذى أهْيَةْ . وأضاف هكذا تقول لبنى إسرائيل : أهْيَةْ هو الذى أرسلنى إليكم " . فالاسم هنا هو إمَّا ( أهْيَة الذى أهْيَة ) أو هو ( أهْيَة ) فقط . وهذا كلام لامعنى له عند العقلاء وليس باسم على التحديد ..!!
والقسس العرب ورهبانهم يشرحون بشق الأنفس تلك العبارة فيقولون للأتباع إنَّ معناها هو ( أنا الذى هو أنا ) أو ( أكون الذى أكون ) . وفى الشروح الإنجليزية نجدهم يكتبون العبارات :
(I am who I am ) أو (I am He who is )
أو ( I am He who exists )
نفس التخريف وعدم الفهم . مع ملاحظة أنَّ فعل الكينونة ( am ) لا يستخدم فى تكوين الجمل العبرية أو الآرامية أو العربية ..!!
كما يلاحظ أنَّ اسم الجلالة الله المذكور فى النصّ العربى لا وجود له فى جميع ترجمات لغات العالم بما فيها العبرية ، حيث أنَّ الموجود فى اللغة العبرية هو كلمة إلوهيم . وهى صيغة جمع للكلمة العبرية إلوه التى تعنى إله فى العربية والآرامية . وشتَّانَ بين الاسم الجليل الله الذى لا جمع لها وبين صيغة الجمع آلهة .
... وقد سبق أن بيَّنْتُ وبَرْهنتُ فى أكثر من موضع فى كتبى السابقة أنَّ اللغة التى كانت عليها التوراة فى عصر موسى - عليه السلام - هى المصرية القديمة التى كانت قبل عصر الأسرات الفرعونية المعروفة وليست بالعبرية التى لم تكن قد وُجدَتْ بعد (1) .
المهم هنا أنَّ اسم الإله الذى دار بينه وبين موسى - عليه السلام - الحوار السابق هو المُعَبَّرُ عنه بـ ( أهْية الذى أهْية ) أو ( أهْية ) فقط . والحقيقة هنا أنَّ الاسم غير مذكور فى النصّ والأرجح أنه كان مذكورا ثم حُذِفَ واستعيض عنه بتلك العبارة .(1/23)
وقد بيَّنَ القرآن الكريم حقيقة الاسم الموحى به فى ذلك اللقاء المثير فى قوله تعالى لموسى { إننى أنا الله لا إله إلا أنا } (2) . إنه هو الله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع كتابى ( التوراة المصرية ) .
(2) .. الآية رقم 14 / سورة طه .
ذلك الاسم الجليل الذى لا يشاركه فيه مشارك ولا يدَّعيه لنفسه مُدَّعى . ذلك الاسم الذى كشفت عنه الآثار الحديثة فى أوغاريت بالساحل السورى وفى أبيلا وأخيرا فى حفريات البحر الميت . وكل تلك الآثار يرجع تاريخها إلى ما قبل المسيحية والإسلام ، بل يرجع بعضها إلى ما قبل اليهودية والتوراة .
فالإله المعبود يُعلنُ عن اسمه لموسى - عليه السلام - فى القرآن الكريم بقوله : إننى أنا الله . ويعلن عن اسمه فى سفر الخروج بقوله لموسى أيضا : أنا الذى هو أنا وهذا ليس بشىء ..!! فكلمة أنا الثانية زائدة لا معنى لها بدليل اكتفاء المفسرين الإنجليز بالعبارة ( أنا أكون I Am ) فقط بدون تكرار ( أنا أكون أنا ) . وتلك جملة ناقصة المبنى والمعنى تشير إلى أنَّ هناك حذفا قد وقع على العبارة . ولنضرب على ذلك مثلا ، ولله المثل الأعلى :
افترض أننى أقدِّمُ نفسى لشخص قابلته لأول مرة . فماذا أقول له عنى ؟ سوف أقول له بدون شك ( أنا جمال ) . فإن حاولت أن أوَكِد له أننى هو الشخص المدعو جمال الذى سبق أن سمع عنى فسأقول له ( إننى أنا جمال ) .
وإن قلت له عبارة ( أنا الذى هو أنا ) فما قلت له شيئا عن اسمى . وإن قلت ( أكون الذى أكون ) فما قلت له أيضا شيئا عن اسمى .
ولكن إن قلت له العبارة ( أنا الذى هو جمال أو أنا أكون جمال ) فقد أخبرته باسمى وأكدت له حقيقتى ولكن بطريقة من لا يعرف كيف يصيغ الجُمَل فى لغته . فتلك خمس إجابات ثلاثة منها فيها ذكر الاسم واثنتان ليستا بإجابة أصلا هما اللتين وردتا فى سفر الخروج ..!!(1/24)
من المثل السابق يتبين لنا أنَّ عبارة سفر الخروج تشابه الحالتين الثالثة والرابعة تماما ( أنا الذى هو أنا ) أو ( أكون الذى أكون ) . فأين الاسم المسؤل عنه فى تلك الإجابة ..!!؟
إنَّ هذه العبارة بها خلل وحذف . وصحيحها هو إمَّا أن تكون ( أنا الذى هو الله ) أو بذكر أى اسم آخر للإله المُخَاطِبُ لموسى . أو أن تكون الإجابة تليق بالمقام والحضور الإلهى كما جاءت فى القرآن الكريم { إننى أنا الله } أو { أنا الله } .
أمَّا عن كلمة إهية العبرية فهى تعادل كلمة أكون الإنجليزية ( am ) التى لا تستخدم فى جميع اللغات السامية . فلا أقول ( أنا أكون جمال I am gamal ) وإنما أقول فى العربية مباشرة أنا جمال . وعلى فرض استخدامها فى العبرية فإنَّ معنى ( أكون الذى أكون ) فيه احتقار للسامع وتجهيل للاسم ..!!
... ثم يستكمل سفر الخروج القصَّة ، حيث يأمر الإله بأن يُعْلِنَ موسى لبنى إسرائيل أنَّ : " يَهْوَه إله آبائكم إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب أرسلنى إليكم . هذا أسمى إلى الأبد وهذا ذكرى إلى دور فدور " ( خروج 3 : 15 ) . وفى هذا النصّ نجد التصريح بأنَّ هذا هو اسم ذلك الاله إلى الأبد . ربما يظن الكثيرون أنَّ الاسم هو يهوه . فأقول لهم مهلا مهلا . اسألوا أهل الذكر من علماء العبرية وعلماء أسفار العهد القديم .
إنَّ هذه الكلمة تكتب فى العبرية بأربعة حروف صوامت هى ( ى هـ و هـ ) ولا يعرف أحَدٌ من العلماء كيفية نطقها إلى يومنا هذا سواء كان يهوديا أو مسيحياً . المهم أنها أربعة حروف مقطعة تشير إلى اسم الإله وليست بكلمة واحدة . فعندما تقع أعْيُن اليهودى عليها لا يقرأها وإنما يقول على الفور أدوناى أى سيدى . فإن كانت هذه الأحرف الأربعة هى الاسم المقدس لظلت ألسن العُبَّاد تذكره بها إلى الأبد ، ولما ضاع منهم نطقه والتلفظ به ..!!(1/25)
وهناك محاولات كثيرة يبذلها العلماء فى كيفية نطق الاسم المشار إليه بهذه الأحرف الأربعة ، من أشهر تلك المحاولات هو أن تخْرِجَ من فمك صوتا يشابه صوت خوار العِجْل فتقول جيهوووووفا والذى يكتب فى التراجم الإنجليزية ( Jehova ) كأنهم يحاكون خوار العجل الذهبى الذى عبدوه أثناء ذهاب موسى - عليه السلام - لميقات ربه ..!!
ومن تلك المحاولات الشهيرة أيضا ، محاولة آباء كنيسة الاسكندرية القدماء حين نطقوها باللاتينية قائلين ( أيُّوووووه ) . إنها الكلمة التى لا يزال أهل الاسكندرية بمصر يُرَدِّدُونَها وهم لا يعلمون معناها ..!!
قلت : ولى محاولة ربما تكون أصَّح من محاولاتهم لأنَّ دليلها أقوى وبرهانها لايزال قائما منذ القدم وإلى الآن .. انظروا إلى أى مِصْرىّ تعتريه الدهشة الشديدة أو النسيان المفاجىء ماذا يفعل ..؟؟ سوف يضع يده على جبينه ويقول بأعلى صوته : يـ هووووووه ..!!
إنها نفس الكلمة ، صدرت ولا تزال تصدر من أحفاد الذين آووا بنى إسرائيل وبلسانهم كان يتكلم موسى - عليه السلام - منذ صغره ، وإلى أن أوحى الله إليه بالتوراه وإلى حين وفاته بالكثيب الأحمر بشرقىّ أرض سيناء المصرية على مشارف الأرض المقدسة .
فالكلمة مصرية متوارثة عن الأجداد منذ آلاف السنين من قبل عهد الأسرات الفرعونية المعروفة فى التاريخ المصرى القديم . تكلمت عن أصلها ومعناها وكيفية إدراجها فى نصوص العهد القديم اليهودى وذلك فى كتابى ( تابوت يهوة ) . ومن زعم بغير ذلك ـ وكثير ما هم ـ فعليه بالدليل والبرهان .(1/26)
المهم أنَّ تلك الأحرف الأربعة تشير إلى إله الكون .. رب العالمين . ولكنها ليست باسم علم له على التأكيد . وفِعْل اليهود أكبر دليل على ذلك ، فهم لا ينطقون الحروف الأربعة على هيئة كلمة واحدة ، وإنما ينطقون بكلمة أخرى هى أدوناى أى سيدى . فتلك الأحرف وضعها علماء اليهود أخذا من التراث المصرى إشارة إلى الإله الذى كان يعبده المصريون القدماء حينذاك (1) . وطمسا للإسم المقدس حتى لا يشاركهم فى معرفته مشارك ، ومع تقادم الزمن ومِحَنِهِ عليهم نسوا ما ذكِّرُوا به . فحين حَرَّمُوا التلفظ به على أنفسهم وتناسوه أنساهم الله ذكر اسمه المقدس . ثم بعث الله إليهم الأنبياء تترا ، كُلٌ يُذَكِّر باسم إله العالمين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. هو عُزير الذى يكتبونه فى الإنجليزية أوزير ..!! راجع كتابى " تابوت يهوة " .
خذ مثلا سفر أشعيا ( 12 : 4 ، 5 ) حيث يقول لهم نبيهم : " احمدوا الرب نادوا باسمه ، عَرِّفوا بأفعاله بين الشعوب وأذيعوا أن اسمه قد تعالى " . فهذا نصّ صريح يدعوا إلى إظهار الاسم وإعلانه بين العالمين . ولكن القوم لم يمتثلوا للأمر فحذفوا هنا أيضا الاسم وجاؤا بدلا منه بالأحرف الأربعة ( ى هـ و هـ ) حسب ما هو مُدَوَّن فى النسخ العبرية ، ثم جاء من بعدهم المترجمون المسيحيُّون فحذفوا الأحرف الأربعة وجاؤا بدلا منها بكلمة الرب الماثلة فى النصّ السابق ، وهى بالتأكيد ليست باسم للإله ..!!
ومثل آخر نجده فى سفر أشعياء ( 42 : 8 ) فى قول إله العالمين : " أنا الرب هذا اسمى " . فالموجود فى الترجمة العبرية بدلا من كلمة الرب هى الحروف الأربعة ( ى هـ و هـ ) فحذف اليهود هنا اسم الله وأشاروا إليه بتلك الحروف . ثم جاء المسيحيون من بعدهم فحذفوا الأحرف الأربعة وكتبوا بدلا منها كلمة الرب ..!!(1/27)
فإن أتينا إلى سفر ميخا ( 4 : 5 ) نجد نصا يقول " فإن جميع الأمم تسْلُكُ باسم إلَهِهَا . أمَّا نحن فنسلك باسم الرب إلهنا إلى أبد الآبدين " . وفى هذا النصّ نجد أنَّ اليهود قد حذفوا أيضا الاسم وكتبوا مكانه هنا الأحرف الأربعة ( ى هـ و هـ ) التى تشير إليه . ثم جاء المترجمون المسيحيُّون فحذفوا هذه الأحرف الأربعة من النصّ وأتوا بدلا منها بكلمة الرب ..!!
فاجتمع اليهود والمسيحيُّون على طمس معالم الاسم من النصّ . بل من الكتاب بأكمله كما سنرى . ربما هناك داع أو سِرّ كان وراء السبب فى إخفاء اليهود للاسم حتى لا يعرفه غيرهم .
أمَّا فى حالة المسيحيين أتباع الكنائس اليونانية فأمرهم مختلف تماما لأنَّ دعوتهم عالمية ، فهم لا يعرفون الاسم أصلا حتى يحذفوه ، وإنما ساروا على نهج اليهود بحسن ظن منهم ، فضلوا عن الاسم ومعرفته .
واستمر الحال هكذا مع اليهود ، عِصْيَانٌ ظاهرٌ لأوامر ربهم .. رب العالمين ، وإخفاء بيِّنٌ لاسمه المقدس . فاتبعوا ما تتلوه الشياطين على لسان أدعياء النبوة الكاذبة منهم ، الذين يُنسون قومهم اسم الله . جاء فى سفر أرميا ( 23 : 27 ) من نسخة كتاب الحياة قول إله إسرائيل عن الأنبياء الكذبة " فينسون شعبى اسمى بما يقصه كل واحد منهم على صاحبه من أحلامه ، كما نسى آباؤهم اسمى لأجل وثن البعل " .
إلى أن جاء النور ببعثة المسيح - عليه السلام - فقام فيهم ناصِحاً أمينا على وصايا ربه بقوله - عليه السلام - كما جاء فى إنجيل متى ( 15 : 6 ) : " أنتم بهذا تُلغُونَ ما أوصى به الله محافظة على تقاليدكم واتباعا للأنبياء الكذبة " . وإخفاء اسم الله وعدم النطق به من أشهر تقاليدهم ومِن أهم أعمال الأنبياء الكذبة ..!!
ونطق عليه السلام بالاسم المقدس بلسان آرامى مبين ، وبَيَّنَه لهم .
ــ ثانيا ــ(1/28)
... عندما بُعِث المسيح - عليه السلام - إلى قومه بنى إسرائيل ، كانوا قد تمادوا فى غَيِّهِمْ وتفشت فيهم تقاليد الأحْبَار حتى عَلَتْ على وصايا التوراة . وتخبرنا الأناجيل بأنَّ المسيح - عليه السلام - قد تصَدَّى لهم مُبَيِّنا لهم أهمية نصوص التوراة وزيف تقاليد الأحْبَار إلى أن واجههم بقولته الشهيرة ( متى 23 : 24 ) : " أيها القادة العميان . إنكم تُصَفُّونَ الماء من البعوضة ، ولكنكم تبلعون الجمل " ..!!
حيث اهتموا بصغائر الأمور وتركوا وصايا رب العالمين ، وأولها معرفة اسمه المقدس والثناء عليه والعمل بموجبات العدل والرحمة والأمانة وسائر متطلبات الشريعة .
ومعلوم أنَّ مَحَبَّة الله هى المحافظة على وصاياه كما جاء فى ( 1 يوحنا 5 : 3 ) . وإعلان الاسم ونشره بين العالمين من أهم الوصايا . ألم يقل الله لموسى - عليه السلام - أنَّ بعثته إلى فرعون وخروج بنى إسرائيل من مصر كانت من أجل رؤية المعجزات الإلهية " ولكى يذاع اسم الله فى جميع الأرض " ( خروج 9 : 16 ) .
... وهناك نصوص كثيرة تُبَيِّنُ مدى أهمية الاسم ونشره بين الامم . أذكر هنا على سبيل المثال قول الله فى آخر أسفار العهد القديم وهو سفر ملاخى والصحيح ملاكى بالكاف ( 1 : 11 ، 14 ) الفقرتين الآتيتين: " من مشرق الشمس إلى مغربها اسمى عظيم بين الأمم " و " أنِّى ملك عظيم واسمى مهوب بين الأمم " . فالاسم عظيم ومهول بين الأمم جميعا وليس بين بنى إسرائيل فقط . ولن يكون عظيما ومهيبا بين الأمم إلا من بعد نشره وإذاعته بينهم عملا بالوصية الربَّانية المذكورة أعلاه من سفر الخروج . فهل أذاع بنو إسرائيل اسم إلههم ونشروه بين الأمم ..!؟(1/29)
لا لم يفعلوا شيئا من ذلك ، بل حذفوه من أسفارهم ووضعوا بدلا منه أربعة أحرف تشير إليه وحرَّموا النطق به على أتباعهم . ومنعوا كتابته وحمله إلى بلاد الكفَّار . كل ذلك حتى لا يذاع الاسم بين الناس من غير اليهود . فالعالم غير مستعد كفاية لإذاعة الاسم والنطق به كاملا حسب الذى جاء فى مدراشهم .
وهناك قانون وضعه الكهنة اللاويون ينصّ على قتل كل من ينطق باسم الله ويصفون تلك الحادثة بأنها تجديف ( blasphemes ) . وسوف نشاهد فى الأناجيل كيف استفاد أحبار اليهود من ذلك القانون للحكم على المسيح - عليه السلام - بالموت رجما بالحجارة .
قال أحد أحبارهم المدعو يوشع بن قورة فى المشنا : " أنَّ اليهود كانوا لا يقبلون شهادة الشهود إذا نطقوا بالاسم المبارك . ويساق المُجَدِّف إلى القتل رجما بالحجارة . ولكنهم كانوا يقبلون شهادة الشهود إذا نطقوا بأى اسم آخر أو كنية أو أى لقب يشير إلى الله بدون ذكر الاسم الجليل (1) . ونجد تصديق ذلك فى الأناجيل عند محاكمة السيد المسيح - عليه السلام - أمام مجلس السنهدريم حيث قال الكاهن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. نقلا عن كتاب ( The Sacred Name v 1 page 156 ) .
الأكبر لأعضاء المجلس : لا نحتاج الآن لشهادة الشهود ، وخلع ملابسه وقال يقتل ابن مريم .
وبُعِث المسيح - عليه السلام - إلى قومه وهم تحت طائلة ذلك القانون الذى يحظر التفوه بالاسم المقدس وينصّ على عقاب المجدف بالاسم الجليل بالقتل رجما .
وما أن بعث الله المسيح - عليه السلام - إليهم حتى قام بإعلان الاسم وإظهاره بينهم وأمر أتباعه أن يحذوا حذوه . يخبرنا كاتب إنجيل لوقا ( 4 : 16 ـ 21 ) أنَّ المسيح - عليه السلام - قد قام يقرأ فى المجمع من سفر أشعيا ( 61 : 1 ـ 2 ) " روح السيد الرب علىَّ ..... " الخ . وفى ذلك النصّ كلام حول دقة الترجمة ..!!(1/30)
فكلمة السيد فى الترجمة العبرية الماصورتية نجدها الكلمة أدوناى أى سيدى . أمَّا عن الكلمة الثانية الرب التى جاء بها المترجمون المسيحيون فى النصّ من عندهم فأصلها فى العبرية ( ى هـ و هـ ) أى الأربعة أحرف إيّاها .
فإن التزمنا بالتقليد العبرى فى القراءة فسوف نقرأ النصّ هكذا " روح أدوناى أدوناى عَلىَّ " وهذا ليس بشىء . فإن كان النصّ اليهودى فيه اشارة إلى الاسم عن طريق تلك الأحرف الأربعة فقد تم حذف هذه الاشارة فى النصّ المسيحى ..!!
فإن نظرنا إلى النصّ فى أصل إنجيل لوقا اليونانى وجدناه كالآتى : " روح كيريو ( ?????? ) عَلىَّ " فهنا نجد كلمة يونانية واحدة تشير إلى الاسم المقدس وليست كلمتان كما وردت فى الترجمة العربية ..!!
فهل تكلم المسيح - عليه السلام - أمام اليهود فى مَجْمَعِهم باللغة اليونانية ..!؟
لا يستطيع أحد أن يقول بذلك الرأى ويبرهن عليه . فالمشهور عند الجميع أنَّ اللغة التى كانت سائدة فى فلسطين فى ذلك العصر هي الآرامية ذات اللسان العربى كما سبق إثبات ذلك الأمر فى توطئة ذلك الكتاب ، فبها تكلم المسيح - عليه السلام - فماذا قال المسيح بدلا من تلك الكلمة اليونانية التى جاء بها لوقا فى إنجيله ..!؟ الله وحده يعلم .
المهم أنها كلمة تشير إلى اسم الله نطقها المسيح ولم يكتمها عن الناس ويقول أدوناى حسب التقليد اليهودى البغيض . وسوف نكشف عنها النقاب فى كتابى هذا من داخل نصوص سفر دانيال حيث نجدها مكتوبة باللغة الآرامية فصبرا ..!!
والدليل البَيِّن على أنَّ المسيح - عليه السلام - قد أعلن لقومه من بنى إسرائيل الاسم هو قوله - عليه السلام - فى إنجيل يوحنا ( 17 : 6 ، 26 ) : " أظهرت اسمك للناس الذين وهبتهم لى من العالم " و " وقد عَرَّفتهُم اسمك ، وسأعرفهم إيَّاه " .(1/31)
والاظهار لا يتم إلا من بعد الاخفاء والفقدان واليهود قد أخفوه ثم فقدوه . والتعريف بالشىء لا يكون إلا من بعد الجهل وعدم المعرفة واليهود قد جهلوه ولم يعرفوه .
نعم لقد أظهر وعرَّفَ المسيح - عليه السلام - اسم الله لقومه من بعد اخفائهم له وضياعه من على ألسنتهم . انظروا معى وتمعنوا جيدا فى قول المسيح - عليه السلام - حسب ما جاء فى إنجيل يوحنا ( 17 : 11 ، 12 ) وهو يبرىء نفسه أمام الله من تبعة اخفاء اسمه تعالى " حين كنت معهم فى العالم كنت أحفظهم فى اسمك الذى أعطيتنى .. " وقوله - عليه السلام - " أيها الآب القدوس احفظهم فى اسمك الذى أعطيتنى .. " . وقال - عليه السلام - لقومه كما جاء فى إنجيل يوحنا ( 5 : 43 ) : " أنا جئت باسم إلهى ـ وفى الترجمات العربية نجد كلمة أبى بدلا من إلهى ـ ولم تقبلونى " .
فهناك إذا اسم لله تعالى قد أعطِىَ للمسيح ليبلغه لقومه ويظهره لهم . هذا هو الاسم الذى فقده الأتباع اليونان ، ويُصِرُّ الأتباع الحاليُّون على إخفائه ومحوه من النصوص بقصد أو بدون قصد .
انظروا معى أيها القراء الأعزاء إلى نصّ يوحنا ( 17 : 11 ، 12 ) وركزوا على عبارة ( اسمك الذى أعطيتنى ) التى تم حذفها من الترجمات العربية المعاصرة مثل نسخة كتاب الحياة المصرية ونسخة التفسير التطبيقى للعهد الجديد ..!!
لقد اختفت عبارة ( الذى أعطيتنى ) من النصّ وهى لا تزال فى الأصل اليونانى للإنجيل مكتوبة هكذا ( ??? ??????? ??? ) ومكررة مرتين . وهذه العبارة نجدها مكتوبة فى نسخة الملك جيمس المعتمدة ( KJV ) ، ثم حذفت من النسخة الجديدة للملك جيمس ( NKJV ) ..!! وهى لا تزال موجودة فى النسختين القياسيتين القديمة والجديدة ( RSV , NRSV ) وأيضا فى النسخة القياسية العالمية المعتمدة الأمريكية ( NASB ) .(1/32)
وهناك نسخ متداولة تم فيها استبدال عبارة ( اسمك الذى أعطيتنى ) إلى معان أخرى ليست فى النصّ . مثل قولهم ( عنايتك التى أعطيتنى ) أو قولهم ( قدرتك التى أعطيتنى ) مثلما جاء فى النسخ الإنجليزية الحالية :
( Living Bible , New English Bible ) .
... المهم أنَّ هناك اتفاقا بين كثير من النسخ المعتمدة وبين الأصول اليونانية على الاعتراف بأنَّ المسيح - عليه السلام - كان معه اسم الله الذى بلغه وبينه للناس أثناء فترة بعثته . وقد وفَّى - عليه السلام - بما قال وعرَّف قومه اسم الله . فأدى الأمانة وبلغ الرسالة وتبرأ إلى الله من التبعية بقوله - عليه السلام - " أنا قد أعطيتهم كلامك .. " وقوله - عليه السلام - " الكلام الذى أعطيتنى قد أعطيتهم .. " ( يوحنا 17 : 8 ، 14 ) . فجاء - عليه السلام - ومعه اسم إلهه " أنا جئت باسم إلهى " ولذلك قال الناس عند دخوله لمدينة القدس " مبارك الآتى باسم الرب " ( متى 21 : 9 ) .
ولكن يا حسرتاه على الأتباع حيث اتفقوا قديما وحديثا على إضاعة الاسم من أقوال المسيح - عليه السلام - المذكورة فى أناجيلهم اليونانية ..!!
ألا يخشون الله وهم يبتهلون إليه بما هو مسجل فى المزمور ( 74 : 10 ) بقولهم : " حتى متى يا الله يُعَيِّرُ المقاوم ويهين العدو اسمك إلى الغاية " ..!!؟
وكأنَّ المسيح - عليه السلام - قد عَلِمَ أنَّ الأتباع سوف يحذون حذو الذين سبقوهم من بنى إسرائيل بمنع إعلان الاسم ونشره بين الناس فعلمهم كيف تبدأ الصلاة بالثناء على الله وتقديس اسمه المعظم فقال لهم قولوا : " أبانا الذى فى السموات ليتقدس اسمك " . وامتثل الأتباع فقالوا بمثل ما قال - عليه السلام - فى صلاتهم ، إلا أنهم لم يسألوا أنفسهم إلى الآن ما هو الاسم الذى يثنون عليه فى صلاتهم بقولهم ليتقدس اسمك ..!!؟ وضاع الاسم من بعد إعلان المسيح له وإظهاره بين الناس .
ــ ثالثا ــ
الحواريون كانوا يعرفون اسم الله(1/33)
... إذا فتح القرَّاء الكرام أى شرح لإنجيل يوحنا وقرؤوا أقوال الشرَّاح عند الفقرتين السابق ذكرهما ( 17 : 6 ، 26 ) فسوف يجدون أنَّ المسيح - عليه السلام - قد أعلم تلاميذه بالاسم المقدس . والشراح هنا يلمزون إلى أنَّ معرفة الاسم كانت سرية بين المسيح وتلاميذه . وذلك هروبا من جهل المسيحيين بالاسم الجليل . فكون التلاميذ يعلمون الاسم لا خلاف فيه عندهم طالما هو سِرُّ أسَرّ به المسيح - عليه السلام - إلى تلاميذه . ولكن قول المسيح فى يوحنا ( 18 : 20 ) يُكذبهم حيث قال : " علناً تكلمتُ إلى العالم ، ودائما علَّمتُ فى المَجمع والهيكل حيث يجتمع اليهود كلهم ، ولم أقل شيئا فى السِّر " .
... ونجد عند قراءة نصّ إنجيل لوقا ( 19 : 37 ـ 38 ) :
" ولما قرُبَ عند منحدر جبل الزيتون ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التى نظروا . قائلين مبارك الملك الآتى باسم الرب . سلام فى السماء ومجد فى الأعالى . وأمَّا بعض الفريسيين من الجمع فقالوا له يا مُعلم انتهر تلاميذك . فأجاب وقال لهم : أقول لكم إنه إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ " .
ففى ذلك النصّ الآتى :
.. أنَّ التلاميذ قد سبحوا الله بصوت عظيم أى قالوا سبحان الله . فذكروا الاسم المبارك الجليل . وقطعا لم يقولوا سبحان الرب أو سبحان يسوع ..!!
.. الدليل على أنهم قد نطقوا بالاسم المقدس يكمن فى قول الفريسيين للمسيح - عليه السلام - يا معلم انتهر تلاميذك ، ولن يقولوا له ذلك إلا إذا فعل التلاميذ شيئا مُحرما أو ممنوعا وهذا الشىء الممنوع هو النطق باسم الله . ولو أنَّ التلاميذ قالوا سبحان الرب أو سبحان الإله لما غضب الفريسيون وطالبوا المسيح - عليه السلام - أن يمنع تلاميذه من التلفظ باسم الرب .
..(1/34)
وقول المسيح - عليه السلام - " إن سكت هؤلاء ـ التلاميذ ـ فالحجارة تصرخ " فيه بيان بأنَّ التلاميذ قد نطقوا بشىء عظيم واجب النطق به فى الشريعة ولكن تقاليد الشيوخ حرَّمته على الناس . فإن لم ينطق به التلاميذ المؤمنون بما جاء به المسيح - عليه السلام - فإنَّ الحجارة سوف تنطق وتظهر الحقيقة بذكر اسم الله للناس .
.. فإن نظرنا إلى الأصل اليونانى وبحثنا عن الكلمتين ( الله ، الرب ) المذكورتين فى النصّ العربى ، لوجدناهما على الترتيب ( ثيون ???? ) و ( كيريون ?????? ) وهما ليسا بأسماء علم للإله المعبود أو حتى كنية له عند بنى إسرائيل . ولكنهما أسماء جنس بمعنى إله وسيد على الترتيب وهما لا يستوجبان الانكار والنهى عند الفريسيين حيث أنهما إسما صنمين معبودين يونانيين لا علاقة لهما بإله يهود فلسطين . فالترجمة اليونانية غير صحيحة لعدم ذكرها للاسم العلم المقدس الذى نطق به التلاميذ .
.. وفى قول التلاميذ ثانيا " مبارك الملك الآتى باسم السيد ( كيريون ?????? ) " يفيد بأنَّ ذلك الآتى ( كيريون ) وجيه أو سيد أو رب بمعنى رئيس وليس بمعنى إله يُعْبدُ . مثل قولنا رب البيت ورب الأسرة . فالمطلوب البركة له فى قول التلاميذ مبارك عبارة عن شخصية إنسانية وجيهة . وحسب المعنى المراد من كلمة الآتى يكون للفقرة معنيان :
ـ إنْ كان كاتب الإنجيل يقصد الحدث الماضى والحاضر من كلمة مبارك . فإنَّ النصّ يتكلم عن المسيح - عليه السلام - .
ـ إن كان كاتب الإنجيل يقصد الحدث المستقبلى من كلمة مبارك . فإنَّ النصّ يتكلم عن شخصية انسانية وجيهة ستأتى فى المستقبل مطلوب لها البركة .(1/35)
الخلاصة : أنَّ التلاميذ قد علموا اسم الله المقدس ونطقوا به عند دخولهم القدس وبصوت مرتفع قائلين : سبحان الله . تماما كما يفعل المسلمون عند اقترابهم من الحرم المكىّ الشريف . وكما يجب أن يفعله المسيحيون أسوة بتلاميذ المسيح - عليه السلام - واتباعا لنصّ الرسالة إلى العبرانيين ( 2 : 12 ) " أخبر باسمك إخوتى وفى وسط الكنيسة أسبحك " .
ــ رابعا ــ
جهل الأتباع اليونان بالاسم المقدس
ومن بعد بعثة المسيح - عليه السلام - تبَنَّى فريق من أتباع المسيح - عليه السلام - لغة اليونان بديلا عن لغة المسيح الآرامية فى تسجيل القصص الدينية عن حياة المسيح وأحداث بعثته - عليه السلام - أخذا عن شهود العيان كما قال لوقا فى بداية إنجيله ( 1 : 1ـ 2 ) . وهؤلاء الأتباع ذوى اللسان اليونانى هم الذين أطلق عليهم فى أنطاكية لأول مرة اسم المسيحيون (1) . تفرقة بينهم وبين أتباع المسيح - عليه السلام - من بنى إسرائيل المتكلمين بالآرامية ، الذين كانوا يقيمون أحكام التوراة والإنجيل . والمعروفين باسم النصارى وأصحاب كنيسة الختان كما ورد ذلك فى المصادر المسيحية (2) .
... يقول الدكتور القس المصرى صموئيل مشرقى مُعَرِّفا لنا طائفة النصارى بقوله : " هم الفئة التى تبعته ـ أى المسيح ـ وهى لا تزال فى نطاق اليهودية حتى إننا نراها تؤدى شعائر عبادتها فى الهيكل فى أوقاتها المُعيَّنة .!! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. سفر الأعمال ( 11 : 26 ) .
(2) .. الموضع الوحيد الذى ذكرت فيه كلمة ( نصارى ) ولمرة واحدة فى كتب العهد الجديد وصفا لأتباع المسيح
من يهود بنى إسرائيل هو فى أعمال ( 24 : 5 ) .(1/36)
مع أنهم كانوا يقيمون فيما بينهم عبادات خاصة يومية فى بيوتهم ، وقد اعتبروا نواة المسيحية بعد انسلاخهم من الأمَّة اليهودية ورفضها للناصرى الذى كانوا قد آمنوا به . ومع ذلك كانوا فى البداية مجرد فرقة يهودية تميزت بانتسابها ليسوع الناصرى ، فهم الطائفة التى آمنت به من بنى إسرائيل ، وبقيت على يهوديتها وتبعيتها لموسى وتمسكوا بالختان وغيرتها على الشريعة ( أ ع 15 : 5 ؛ 21 : 20 ) فليسوا هم المسيحيون الذين بدءوا يحملون هذا الاسم فى أنطاكية ومنها انتشروا فى أنحاء الأرض . وهذا ينفى الظن الشائع أنَّ المسيحية هى النصرانية بعينها " (1) .
المهم هو أنَّ طائفة النصارى هذه انقرضت ولا وجود لها الآن من بعد أن تغلبت عليها طائفة المسيحيين اليونان . ومن نصوص القرآن الكريم علمنا بوجود طائفة النصارى بين العرب إبَّان فترة ظهور الاسلام . وإن ظل اسم النصارى يطلق على معتنقى الديانة المسيحية من العرب حتى تنصَّلوا من هذا الاسم من بعد أن احتل المستعمرون المسيحيون الأوروبيون البلاد العربية إبَّان القرن المنصرم ..!!
من النبذة التاريخية السابقة نجد أنَّ المسيحيين اليونانيين هم الذين نشروا ديانة المسيح - عليه السلام - بين الأمم المختلفة وباللسان اليونانى . فجميع أصول ووثائق العهد الجديد كلها مكتوبة باليونانية . ومن الغريب حقا أن لا تجد كتابا واحدا أو حتى ورقة واحدة مسيحية مكتوبة بلغة المسيح - عليه السلام - الآرامية الغربية التى كانت منتشرة فى عصره فى فلسطين .(1/37)
... وللأسف الشديد أنَّ كتبة الأناجيل اليونانية وباقى كتب العهد الجديد لم يتقيدوا بالحِفَاظِ على الأسماء الآرامية كما هى بعد نقلها إلى اليونانية ، وخاصة اسم الله كما نطقه المسيح - عليه السلام - بلسانه المبارك . ولم يلتزموا بالنقل من الترجمة الآرامية لأسفار العهد القديم التى كانت متداولة بين يهود بنى إسرائيل إباَّن فترة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. من هو يسوع المسيح ص 34 ـ 35 الكتاب الثامن والسبعون .
بعثة المسيح - عليه السلام - والمعروفة عند العلماء باسم الترجوم الفلسطينى أى الترجمة الفلسطينية . ولكنهم التزموا بالنقل من الترجمة اليونانية للعهد القديم والتى قام بترجمتها يهود الاسكندرية فى حوالى سنة 250 قبل الميلاد والمعروفة عند العلماء باسم الترجمة السبعينية .
وقد علمنا فيما سبق أنَّ اليهود قد حذفوا اسم الله من كتابهم ووضعوا بدلا منه الحروف الأربعة ( ى هـ و هـ ) ، وحَرَّموا على أنفسهم التلفظ بالاسم . فما بالك بترجمة وضعوها بأمر الامبراطور اليونانى الوثنى ولغير اليهود ..!!
قطعا لن يذكروا فيها اسم الله ، وهذا هو الذى حدث . ولا تزال هذه الترجمة حاليا بين أيدى علماء المسيحية وتُبَاعَ فى الأسواق وليس فيها ذكر لاسم الله .
... هذه الترجمة هى التى اعتمد عليها مؤسسو الديانة المسيحية العالمية بولس الطرسوسى وباقى كتبة الأناجيل . ولذا خلت الأناجيل من ذكر اسم الله فيها واستعيض عنه بالكلمتين اليونانيتين كيريوس و ثيوس الواردتين فى الترجمة السبعينية . ومن اليونانية وُضِعَتْ الترجمات اللاتينية والقبطية والسريانية ثم سائر الترجمات الأوروبية المعروفة وقد خلت كلها من ذكر اسم الله فيها .(1/38)
... وقد حاولت بعض الترجمات الأوروبية من بعد عصر النهضة أن تنهل من نصوص النسخة العبرية الماصورتية التى تم الإنتهاء منها فى القرن العاشر الميلادى ظنا منهم أنها أصَحَّ وأدَقَّ من الترجمة السبعينية . فظهرت فى بعض هذه الترجمات القياسية الجديدة الكلمة يهوه التى تشير إلى اسم الاله المعبود ومرادفها الإنجليزى جيهوفا . ولكن بعدد محدود وفى أماكن مُعَيَّنَة خلاف النسخ العبرية ..!!
... وقبل الإنتهاء من متابعة الأتباع وكتاباتهم اليونانية لا بُدَّ من التكلم عن شىء هام ألا وهو البَصْمَة الإلهية على كل كِتاب مُوحَى به إلى العباد . ولنضرب لذلك مثلا ولله المثل الأعلى : إنَّ لكل كِتاب مُؤلِفٌ نجدُ اسمه على الكتاب . فتخيل أنك مؤلف كتابا منشورا عليه اسمك وتوقيعك ، ثم جاء آخرون فحذفوا اسمك من على كتابك ثم قاموا بنشره بدون ذكر اسمك . وربما وضعوا اسما آخرا غير اسمك عليه ثم طبعوا منه آلاف الطبعات بمختلف اللغات . فماذا سيكون موقفك تجاههم ..!؟ هل ستقاضيهم حفاظا على حق التأليف حسب نصوص اتفاقية الجاد العالمية ..!؟ وما هو الوَصْف الذى نَصِفُ به هؤلاء القوم الذين حذفوا اسمك من على كتابك ..!؟
فما بالك إن كان الكتاب كتاب رب العالمين ، فماذا يكون موقفه من هؤلاء القوم الذين حذفوا اسمه من كتابه ..!؟ أعتقد أنَّ الموقف خطير تقشعِرُّ منه الأبدان وترتجف منه القلوب المؤمنة برب العالمين .(1/39)
أقرءوا معى نماذج للبصمة الإلهية على آخر كتاب نزل من السماء إلى الأرض ألا وهو القرآن الكريم : { هذا كتابنا ينطق بالحق } ( 29 / الجاثية ) ؛ { إنه لتنزيل رب العالمين } ( 192 / الشعراء ) ؛ { إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا } ( 23 / الإنسان ) ؛ { تنزيل العزيز الرحيم } ( 5 / يس ) ؛ { تنزيل من الرحمن الرحيم } ( 2 / فصلت ) ؛ { تنزيل من رب العالمين } ( 80 / الواقعة ) . إلى غير ذلك من آيات كثيرة تثبت أنَّ القرآن الكريم هو كتاب الله . عليه البصمة الإلهية لإثبات التبعية لله بأسمائه الحسنى . فأين مثل تلك البصمة الإلهية فى الأناجيل الحالية .. !؟
اسم واحد أم أسماء حسنى ..!!؟
====================
...
فى الحقيقة أنَّ الأسماء لها أنواع تعرف بها . فمنها أسماء الأعلام والتى يطلقون عليها فى الإنجليزية عبارة ( Personal names ) أى أسماء الأشخاص مثل زيد وعمرو . ومنها الأسماء الدالة على الجنس والنوع ( Generic names ) مثل رجل وغلام وفتاة وأسد وحصان وسفينة وطائرة وسيارة ، وإله ونبىّ وكتاب . ومنها الأسماء الدالة على الصفات مثل غنى وفقير وصحيح وسقيم وكريم وحليم وقوى وضعيف . ومنها أسماء تدل على العناوين ( Titles ) مثل مسيح ومسِّيَّا ورسول وسفير وعائلة وقبيلة وعشيرة .(1/40)
والخلط بين هذه الأنواع يحبط القدرة على الفهم والتمييز ويوجب سوء الفهم والانحراف عن القول السليم . فإن سألك سائل عن اسم ( إله ) فهو قطعا يسألك عن الاسم العلم ( Personal names ) المعروف به ذلك الإله لأنَّ كلمة ( إله ) تدل فى أصلها على اسم جنس ( Generic names ) فهو يسألك عن اسم إله معيَّن من بين عدة آلهة . فالاسم العلم أكثر تحديدا وتمييزا عن اسم الجنس والنوع . وقد يشير اسم الجنس إلى الاسم العلم إذا دخلت عليه بعض الكلمات التوضيحية ، مثل قولنا إله العالمين أو إله السماوات والأرض . وقد تضاف علامة التعريف الـ إلى اسم الجنس لتدل على الاسم العلم ولكن بالاشارة وليس بالتصريح مثل قولنا ( الإله ) فنحن نعنى شخص الإله الذى نعرفه ونشير إليه بدون ذكر اسمه . وقِس على ذلك قولنا الرب والنبىّ بمعنى الرب المعبود ونبيه المعروف ، وليس فيهما ذكر لاسم الإله أو اسم النبى .
... فقول المسيح - عليه السلام - " أنا جئت باسم إلهى " معناه أنه قد جاء بالإسم العلم فى الإنجيل سواء كان مقروءا يقرأه الناس أو مسموعا من فمه الشريف . حتى يتمكن العباد من نطقه على الوجه الصحيح . وهذان شرطان أساسيان فى الاسم العلم .
فإن قلت لصديق لك تعرفه جيدا : يا رجل أو يا سيدى أو يا حضرت . فقد تجاهلت اسمه وربما أشعرته بأنك لا تعرف اسمه . وهذا خلاف مناداتك له باسمه العلم كأن تقول له يا علىّ أو يا جرجس . وهذ هو بالضبط الذى حدث مع اسم الله . فكيف يقولون أنَّ اسمه الرب والإله ..!؟ مع أنَّ الله سبحانه وتعالى يقول فى سفر أشعيا ( 52 : 6 ) " عبادى يعرفون اسمى " .(1/41)
والمتتبع لنصوص الأسفار اليهودية والمسيحية باحثا عن اسم الإله المعبود سوف يلفت انتباهه الخلط الكبير بين أسماء الجنس والنوع وبين أسماء العناوين دون ذكر الاسم العلم للإله المعبود . ويجد أيضا اضفاء أداة التعريف على أسماء الجنس مثل كلمة الرب وأحيانا استخدام عبارات التميز مثل رب الجنود ورب إسرائيل . وأحيانا نجد عبارة الرب الإله . وكل ذلك ليس فيه ذكر للاسم العلم للإله المعبود .
... وقد دأب أحبار اليهود على رفع شأن أسماء الجنس والنوع والصفات لإلههم المعبود ، والخلط بينهم حتى يتوهم القارىء أنَّ لإله إسرائيل عدة أسماء حتى يحافظوا على سِرِّية اسم إلههم وعدم نشره بين العالمين .
... وحيث أنَّ المسيحيين قد ورثوا الكتاب من اليهود وإن لم يعملوا بكل ما فيه فتبنوا القول بأنَّ إله العهد القديم له عدة أسماء .. وهى فى حقيقة الأمر ليست بأسماء . وإنما هى صفات وعناوين وإشارات ترمز للإله . ففى العبرية إيل وإلوهيم وأدون والكلمة المكونة من الأربعة حروف ( ى هـ و هـ ) ، ورب الجنود ورب إسرائيل والإله العلى وبعل بريت ( رب العهد ) وإيل بريت ( إله العهد ) . وفى اليونانية ثيوس بمعنى إله وكيريوس بمعنى رب .
... وضاع الاسم العلم من الترجمات اليونانية للعهد الجديد بما فيها الكلمة ذات الأحرف الأربعة ( ى هـ و هـ ) . ومنها أخذت سائر الترجمات اللاتينية والسريانية والقبطية وباقى لغات العالم المسيحى . كلُّ يكتب على هواه وما تمليه عليه قواعد لغته من أسماء عدة للإله المعبود ليس من بينها الاسم الموحى به إلى كليم الله موسى - عليه السلام - أو الذى أظهره المسيح - عليه السلام - لقومه وتلاميذه .(1/42)
من هنا كان السؤال الهام جدا عن اسم الإله المعبود صدمة لكل المتدينين المسيحيين العقلاء .. فهم لا يعرفون له اسما معينا ولكنهم يعرفون له عناوين وعبارات تدل عليه . مثل قولهم أبانا الذى فى السماء ، والرب أو الرب الإله . وأسفار العهد الجديد كلها خالية تماما من اسم الإله المعبود كأنه ليس له اسم معروف ..!!
وذهب كثير من علماء المسيحية الإنجيلية الذين فرَّقوا بين أسماء الجنس والنوع والصفات إلى القول بأن إله السماوات والأرض ليس له إسم ..!!
... ومن الأمور الغريبة حقا أن يُحْذف اسم الله من أسفار العهد الجديد ويُذكر الشيطان فى مواضع كثيرة . فورد فى صيغة الإفراد سيطان (????? ) بالسين وليس بالشين مجاراة للمنطوق الآرامى حوالى أربعة وثلاثين مرة ، وفى صيغة الجمع سياطين ( ??????? ) حوالى سبعة وثلاثين مرة . وللشياطين مكانة مرموقة فى الأناجيل لدرجة أنَّ شيطانهم الأكبر ( ابليس ) امتحن المسيح - عليه السلام - فى تجربته الشهيرة ..!!
... والمدقق فى أسفار الكتاب بعهديه القديم والجديد سوف يلاحظ شيئا هاما ربما لم ينتبه إليه أحد ، ألا وهو خلو الكتاب بأكمله من صيغة الجمع أسماء منسوبة إلى الإله المعبود ..!!
... فجميع الفقرات تتكلم عن اسم الإله بصيغة الإفراد فقط ( إسمى وردت 97 مرة ، اسمك وردت 109 مرة ، اسمه وردت 108 مرة ) .
من هنا أقول بأنَّ إله العهدين القديم والجديد ليس له إلاَّ إسما واحدا هو الذى يرمز إليه اليهود فى أسفارهم بالحروف الأربعة ( ى هـ و هـ ) .(1/43)
فموسى - عليه السلام - قال للإله الذى أرسله " حينما أقبل على بنى إسرائيل وأقول لهم إنَّ إله آبائكم قد بعثنى إليكم وسألونى : ما اسمه ؟ فماذا أقول لهم ؟ فأجابه الإله : أهْيَه الذى أهْيَه . وأضاف قائلا : هكذا تقول لبنى إسرائيل أهْيَه هو الذى أرسلنى إليكم " ( خروج 3 : 13 ، 14 ) . والمسيح - عليه السلام - قال " أظهرت اسمك للناس الذين وهبتهم لى من العالم " و " قد عرَّفتهم اسمك وسأعرفهم أيضا " ( يوحنا 17 : 6 , 26 ) . فلم يقولا عليهما السلام : أسمائك . ولا يوجد فى العهدين القديم والجديد فقرة تتكلم عن أسماء للإله بصيغة الجمع . ولا وجود ولا أثر للأسماء الحسنى أو ما يعادلها .
من هنا كانت الدواعى مُلحَّة فى ذكر بشارة المسيح - عليه السلام - بالآتى من بعده باسم الله حين قال - عليه السلام - : " لن تروننى من الآن حتى تقولوا مبارك الآتى باسم الرب " ( متى 23 : 39 ) .
وجاء المُبَشَّرُ به - صلى الله عليه وسلم - ومعه أسماء الله الحسنى كلها ، تسع وتسعون اسما ليس من بينهم الكلمة ذات الحروف الأربعة ( ى هـ و هـ ) ..!!
أهمية اسم الله فى كتب العهد الجديد
=====================
...
قد لا يُعيرُ بعض الناس اهتماما بمدى خطورة حذف الاسم المقدس وإثبات كلمة الرب مكانه فى النصوص ، ظنا منهم بأنَّ المعنى لن يتغير ، ولكن الأمر أخطر مما يظنون . فكلمة الرب تعتبر من الكلمات العامة التى تحتاج إلى تحديدٍ لمعناها يَصْرفُها إلى الخالق سبحانه وتعالى وحده . كأن تقول : رب العالمين أو رب الناس أو رب الفلق أو حتى رب الجُنودِ ورب صهيون ... إلى غير ذلك من عبارات مُحَدِّدَة للمعنى المراد .(1/44)
... كما أنَّ هناك أرباباً كثيرين ، وصيغ الجمع من كلمة رب معروفة معترف بها فى جميع اللغات ، بل هناك التأنيث والتذكير منها ، وهناك رب حق ورب باطل . ورب عابد ورب معبود . ومع تداخل العقيدة المسيحية بالفلسفة اليونانية ابتعدت المعانى السهلة الواضحة وحوَّمَتْ العقولُ حول اللا معقول . وحَلَّ الضباب الكثيف حول النصوص واختلفت المفاهيم ، كُلٌ يفهَمُ بما يعتقد وبما حفظه من صِغرهِ لا بما يقرأ بعينيه من النصوص ..!!
... إنَّ حذف اسم الاله من الترجمات اليونانية يؤدى إلى عدم فهم المقصود من النصوص ، بل يثير اضطرابا وفوضى أصولية بين المسيح - عليه السلام - وبين الله عزّ وجلّ وقد حدث ذلك الأمر . ولنضرب لذلك مثلا : قال سِمْعَان ـ بطرس ـ ( أع 2 : 21 ) " كل من يدعو باسم الرب ( ?????? ) يخلص " . وقال بولس ( رومية 10 : 13 ) " كل من يدعو باسم الرب ( ?????? ) يخلص " . فمن هو المقصود بكلمة الرب اليونانية ( كيريون ?????? ) هنا ..!؟
يظن كثير من المسيحيين أنَّ الرب هنا هو المسيح - عليه السلام - . وهذا خطأ جسيم وخلل فى فهم النصّ نتج عن حذف اسم الاله المعبود . ولكن بعد قراءة النص بتأنِّى سوف نجد أنَّ بولس وسِمْعَان كانا يتحدثان عن ( ى هـ و هـ ) وليس عن المسيح - عليه السلام - حيث استشهد كل منهما بنصّ يوئيل ( 2 : 32 ) القائل : " كل من يدعو باسم الرب ( ى هـ و هـ ) يخلص " .
وقطعا فإنَّ كلمة كيريو اليونانية غير كلمة يهوه العبرية ولا سيَّمَا أنَّ مفهوم النصّ وصريحه يشيران إلى أنَّ الكلمة المبحوث عنها هنا عبارة عن اسم للإله المعبود . والمعلوم الثابت بديهيا أنَّ الأسماء لا تترجم وإنما تنقل كما هى على أصل منطوقها فى لغتها الأصلية .(1/45)
ولو كان المقصود منها هو المسيح - عليه السلام - لكانت العبارة هكذا " كل من يدعو باسم المسيح يخلص " . وكلمة المسيح فى اليونانية هى كرستو أو خرستو حسب صحة التصويت اللغوى . وهذا لم يحدث فى النصّ فعلمنا يقينا أنَّ المقصود ليس هو المسيح - عليه السلام - بمعنى أنَّ الكلمة تشير هنا إلى اسم رب العالمين الذى تم حذفه من النصوص وليس إلى المسيح - عليه السلام - .
... ربما يتسرَّعُ متسرِّع فيقول لقد وجدت فى سفر الأعمال أنَّ بولس وسيلا قد قالا لضابط السجن : " آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك " ( 16 : 31 ) . فأقول له مهلا .. الموجود فى النصّ اليونانى قولهما آمن بـ ( ?????? ?????? ???????? ) (1) ومنطوق العبارة هو آمن بـ ( كيريون إيسون كرستون ) أى السيد عيسى مسيح . ولا يوجد فى النصّ كلمة اسم حتى تتداخل المفاهيم . فهل شاهدتم كيف ساء الفهم واختلفت المفاهيم بغياب اسم رب العالمين من النصّ ..!؟
وبمناسبة ذكر الخلاص والمُخلِّص ، فإنَّ المُخلِّص من الذنوب والآثام هو الله رب العالمين وليس المسيح - عليه السلام - كما يعتقدون . اقرؤا معى وتمَعَّنُوا فى قول السيدة مريم عليها السلام كما ورد فى إنجيل لوقا ( 1 : 47 ) " الله مُخلِّصِى " . وقال بولس أيضا ( 1 تيماوس 2 : 3 ) " الله مُخلِّصُنا " . فجاءت الترجمة العربية بلفظ الجلالة الله المأخوذة عن اليونانية ثيو ( ???? ( اسم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. نقلا عن : Interlinear Greek English New testament
صنم اليونان الأكبر ، وهى كلمة أخرى غير كيريو التى يوصف بها المسيح - عليه السلام - وكلّ الوُجَهَاءِ من الناس ورؤسائهم فى اليونانية .(1/46)
ومن الأمثلة التى تدل على أنَّ حذف الاسم من النصّ يُؤدِى إلى جعله غير وافى بالمعنى أو لا معنى له ، نصّ إنجيل متى ( 22 :44 ) " قال الرب لربى .. " .!! وتلك عبارة غامضة لا ينجلى معناها إلا بعد الرجوع إلى الترجمة العبرية للنصّ فى المزمور ( 110 : 1 ) بدلا من اليونانية التى لم تفرق بين الكلمتين ..!!
... فكلمة الربّ الأولى هى اسم رب العالمين الذى تم حذفه من النصّ حتى لا ينطقه القرَّاء ثم أشير إليه بالأحرف الأربعة ( ى هـ و هـ ) . أمَّا كلمة ربّ الثانية فهى الكلمة العبرية أدوناى أى سيدى .
فعندما تقرأ نصّ المزمور ( 110 ) فى الترجمات الإنجليزية سوف تجد فرقا بين الكلمتين ، فعلى سبيل المثال نجد فى نسخة ( Living Bible ) النصّ هكذا : ( The God said to my Lord ) ففرقت هذه النسخة الإنجليزية بين الكلمتين . فكلمة ( God ) تشير إلى إله اليهود القومى ( ى هـ و هـ ) . وكلمة ( Lord ) تشير إلى كلمة ( أدون ) العبرية (1) . ولكن للأسف الشديد نجد أنَّ جميع الترجمات المسيحية لذات الفقرة تترجَمُ خطأ عند ورودها فى متى ( 22 : 44 ) وذلك بسبب الخطأ الواقع فى النُسَخ اليونانية ..!!
وكل ذلك مرجعه إلى حذف الاسم المقدس من النصّ عن طريق اليهود أوَّلاً فى ترجماتهم العبرية واليونانية السبعينية ، ثم عن طريق أتباع المسيحية البوليسية ثانيا حيث أخذوا عن النسخة اليونانية السبعينية فوقعوا فى ذلك الخطأ الشنيع وفقدوا اسم إله العالمين من النصّ ..!!
... إنَّ اعلان اسم الاله المعبود يعنى معرفة العابدين له ومن ثَمَّ تكون عبادتهم له وحده دون سواه . ولا أعلم كيف خرج مؤسسو الديانة المسيحية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع الشرح المستفيض لهذه الفقرة فى كتابى " المسيح .. هارونى أم داودى " .(1/47)
العالمية ينشرون دعوتهم بين أقوام يعبدون آلهة أخرى (1) . دون أن يُبَيِّنُوا لهؤلاء الناس اسم الإله الجديد الذى يدعون إليه ..!!؟
فنرى بولس يقدم دينه إلى أهل كورنتوس ( 1 كو 8 : 6 ) قائلا " فليس عندنا نحن إلا إله واحد هو الآب ( ????? ) الذى منه كل شىء ونحن له . ورب واحد هو يسوع مسيح (?????? ?????? ??????? ) الذى به كل شىء ونحن به " . فقدَّم لهم إلها واحدا هو الآب الآرامى ولكن بصفته وليس باسمه فقال الكلمة اليونانية باتر التى أخِذتْ عنها فيما بعد الكلمة الإنجليزية ( فاذر father ) أى أب . كما قدَّمَ إليهم سَيِّدًا واحدا ـ كلمة ( ?????? ) معناها سيد ـ هو السيد عيسى مسيح ..!! وظن اليونان أنَّ كلمة آب الآرامية ومقابلها باتر فى اليونانية تؤديان معنى اسم ذلك الإله الواحد ..!!
مع أنَّ من مستلزمات معرفة الإله شيئين أساسيين هما : الغرض أو الهدف من تلك المعرفة وهو التفرقة والفصل بين ذلك الإله وبين الآخرين من آلهة مزعومة . ثم تبعات تلك المعرفة من تقديم العبادة له وحده . وفى الحالتين لابُدَّ من توافر معرفة الاسم العلم على وجهه الصحيح مكتوبا ومنطوقا . وبالتالى فإنَّ نطق الاسم على الوجه الصحيح بدون لحن فى القول هو المُتعَيَّنُ . حيث أنَّ اللحن إن لم يتعذر فهو الأساس . فتغيير الاسم أو ترجمة معناه يعتبر إهانة للخالق سبحانه وتعالى . جاء فى المزمور ( 91 : 14 ) " من عَرَفَ اسم الإله الحق فالله منجيه من المهالك ويرفع ذكره " .
... وهناك قصة طريفة وقعت لليهود المصريين الصعايدة وردت فى سفر أرميا الاصحاح 44 أذكرها هنا لأهمية الدروس المستفادة منها :(1/48)
ففى عصر أرميا النبىّ الإسرائيلى كانت هناك مجموعة كبيرة من سبط يهوذا تقيم فى صعيد مصر . ضاع منهم ذكر اسم إله بنى إسرائيل بين أسماء معبودات المصريين فذكروا آلهة المصريين وأوقدوا لها البخور وقدموا القرابين . ويذكر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. يقول بولس ( 1 كورنتوس 8 : 5 ) : " وما أكثر تلك الآلهة والأرباب " .
سفر أرميا أنَّ اليهود الصعايدة عبدوا إيزيس ملكة السماء المصرية وقدموا لها البخور . فغضب عليهم إله إسرائيل وقال لهم كما جاء فى سفر ( أرميا 44 : 26 ) : " ها قد أقسمت باسمى العظيم . يقول الرب : أن لا يتردد اسمى من بعد على فم أحد من شعب يهوذا فى كافة ديار مصر " (1) .
إنه عقاب يهون بجانبه موتهم وفنائهم فى أرض مصر كما جاء فى باقى فقرات الاصحاح . إنه نسيانهم تماما لاسم إلههم وعدم استطاعتهم ذكره والنطق به على ألسنتهم . فليهلكوا وليكونوا مع الهالكين . فمعرفة الاسم والنطق به فرقان بين الحق والباطل . فكل عبادة لا يذكر فيها اسم الله عبادة باطلة . وكل عبادة يذكر فيها اسم الله تعتبر عبادة صحيحة إذا خلصت النية وصفت السرائر .
اقرءوا معى بإمعان الخطبة التى ألقاها يعقوب فى مجمع أورشليم أمام كبار أتباع المسيح - عليه السلام - المذكورة فى سفر الأعمال ( 15 : 14 ـ 21 ) لتعلموا أنَّ العبادة الصحيحة ومعرفة اسم الله لا ينفكان عن بعضهما . فلن تستطيع أن تعبد إلهك عبادة صحيحة ما لم تنطق اسمه بفمك أو بقلبك فقط إن كنت أخرسا لا تستطيع الكلام . فاسم الله له نور ونجاة لحامله . ألم يقل يوحنا اللاهوتى فى رؤياه ( 7 : 3 ؛ 14 1 ؛ 22 : 1 ـ 4 ) أنَّ الاسم يكتب على جباه المؤمنين ..!! فمن لم يعرف اسم إله السماوات والأرض ، رب العالمين فهو على خوف من ربه .(1/49)
فالدرس المستفاد من اليهود الصعايدة أنه من قدَّم القرابين وأوقد البخور لآلهة أخرى فقد حُرِمَ من معرفة اسم الله والتلفظ به ، والعكس صحيح فمن لا يعرف اسم ربه ولا يستطيع النطق به فإنَّ عبادته غير صحيحة وغير مقبولة من ربه وأنه قد وقع عليه غضب من الله . جاء فى سفر أشعيا ( 52 : 6 ) قول إله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. لقب " ملكة السماء " أطلقه الكنعانيون على معبودتهم عشتار . وأطلقه المصريون على معبودتهم إيزيس .
وحديثا أطلقه المسيحيون الكاثوليك على السيدة البتول مريم عليها السلام . وكل منهم يعبد ملكته ويقدم لها
القرابين والنذور ويتوجه إليها بالدعاء والشفاعة . ونسوا الله إله السماء والأرض ( عزرا 5 : 11 ) ومالك
يوم الدين ( سورة الفاتحة آية رقم 3 ) رب العالمين .
بنى إسرائيل " عبادى يعرفون اسمى " . فهل نطمَعُ أيها المؤمنون أن نتعرَّفَ على اسم الإله الحق المذكور فى الكتاب المقدس حتى يُنْجينا الله من المهالك ويرفع ذكرنا .. !؟ نعم إننا نطمَعُ ونطْمَعُ ونطمَعُ .. فهَلُمُّوا بنا نتعَرَّفُ عليه .
اسم الله تعالى فى الكتاب المقدس
======================
لقد ذكرت مرارا وتكرارا أنَّ اللغة الآرامية هى لغة المسيح - عليه السلام - الوطنية التى يعبرون عنها بالإنجليزية بـ ( home language ) . وهى التى كانت سائدة فى فلسطين فى عصره - عليه السلام - . وفى هذه اللغة سوف أبحث بإذن الله تعالى عن اسم الإله المعبود الذى أظهره المسيح - عليه السلام - لقومه من بنى إسرائيل حسب نصّ إنجيل يوحنا ( 17 : 6 ، 26 ) حين قال - عليه السلام - مُناجيا ربه " أظهرت اسمك للناس الذين وهبتهم لى من العالم " و " وقد عَرَّفتهُم اسمك ، وسأعرِّفهُم أيضا " . و " أيها الآب القدوس احفظهم فى اسمك الذى أعطيتنى " . " حين كنت معهم فى العالم كنت أحفظهم فى اسمك الذى أعطيتنى " يوحنا ( 17 : 11 , 12 ) .(1/50)
... من المعلوم أنَّ جميع أسفار العهد الجديد مكتوبة كلها باللغة اليونانية . ومن هنا كان من الصعب الوصول إلى الاسم الآرامى الذى أظهره المسيح - عليه السلام - لقومه . إلا عن طريق استخدام عملية الاقتراب الآرامى للنصوص . ولكن شاءت إرادة الله عزّ وجلّ أن يترك المترجمون لأسفار العهد القديم بقايا فقرات ونصوص مكتوبة باللغة الآرامية . أخذها علماء المسيحية من اليهود من قبل أن ينتهوا من استكمال نسختهم العبرية المعروفة بـ الماصورتية فى القرن العاشر الميلادى . إضافة إلى الوثائق والمخطوطات التى تم العثور عليها مؤخرا ، مثل حفريات البحر الميت وغيرها .
... قارئى العزيز تثبت جيدا فيما أقوله لك هنا ، وتأكد من صدق قولى وصحة نقلى للنصوص وذلك بمراجعة المراجع التى أنقل عنها وهى بحمد الله متوفرة وتباع فى المكتبات المسيحية . وسوف اقتصر بحثى عن الاسم الآرامى على سفر دانيال وعلى الأخص الإصحاحات أرقام ( 3 ، 4 ، 5 ، 7 ) . حيث أنَّ هذه الأجزاء قد كتبت أساسا وأصلا باللغة الآرامية .
افتحوا أى كتاب إنجليزى يحمل عنوان ( Word studies ) للبيبل وليكن مثلا القاموس الإنجليزى :
( Lexicon to the Old and New Testaments ) والمرفق بكتاب (NASB the Hebrew Greek Key study Bible ) . ثم تعالوا نبحث سويا عن الكلمة الآرامية ـ وأحيانا يقولون لك الكلدانية وهما لِسَانٌ واحد ـ التى تحمل الرقم ( 5943 ) وحاولوا أن تنطقوا الكلمة حسب كتابتها بالحروف الإنجليزية ( Allahee ) . إنها لفظ الجلالة اللهِ بكسر الهاء فى آخر الكلمة .(1/51)
وهذه الكلمة ( الله ) يترجم معناها فى نسخ الكتاب المقدس الإنجليزية إلى العبارة ( The Most High God ) (1) أى ( الرب الأعلى أو الإله الأعلى ) أو إلى العبارة ( The Supreme God ) (2) أى ( الرب الأسمى أو الإله الأسمى ) . بمعنى أنَّ الاسم فى أصله هو ( الله ) ومعناه هو ( الإله الأعلى أو الإله الأسمى ) . وحسب التقليد المسيحى اليهودى المتبع فقد تمَّ حذف الاسم الجليل ( الله ) وكُتِبَ مكانه المعنى الذى يشير إليه ..!!
... وهذا الاسم الجليل مذكور تسع ( 9 ) مَرَّات فى سفر دانيال وهذا بيانها ( 3 : 26 ، 4 : 2 ، 17 ، 24 ، 25 ، 34 ، 5 : 18 ، 21 ، 7 : 25 ) . وهناك جذور لغوية واشتقاقات أخرى مستخرجة من الكلمات الآرامية إله وأله أعرضت عن ذكرها خوفا من الإطالة وتصعيب البحث على القارىء . المهم أنَّ الاسم هو ذات الاسم العربى ( الله ) وأنَّ اشتقاقه من ذات الجذور العربية مثل إله ، أله .. الخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. وردت هذه العبارة فى النسخ الآتية : ( NASB , NIV , RSV , KJV ) .
(2) .. وردت هذه العبارة فى نسخة ( GNB ) .
... وللأسف الشديد لا نجد التصحيح المناسب فى الترجمات العربية حيث اعتمد المترجمون العرب على الترجمات الإنجليزية التى حذفت الاسم المقدس . فجاؤا إلينا بترجمة معنى الاسم وقالوا ( العَلىّ ) بدلا من ( الله ) وليتهم كانوا يقصدون من كلمة ( العلى ) الاسم المقدس ، ولكنها عندهم عنوان وصفة لذلك الإله المدعو ( الله ) . بدليل ترجمتهم لمعنى الكلمة بقولهم (The Most High God ) بدلا من قولهم ( Allah ) .(1/52)
وفى الترجمات العربية ترجمت كلمة ( God ) الإنجليزية إلى كلمة ( الله ) تمويها على القرَّاء العرب ، ثم ترجمت العبارة الإنجليزية ( The Most High ) إلى كلمة ( العَلىّ ) أى تحولت الكلمة الآرامية ( الله ) إلى كلمة (العَلىّ ) وأحيانا يكتبونها ( الله العَلىّ ) مجاراة للنسخ الإنجليزية ..!!
تأكدوا أيها القراء الأعزاء من قولى هذا بمراجعتكم لأى نسختين للكتاب المقدس احداهما إنجليزية والأخرى عربية . فقول المترجمين العرب الله العلى أو العلى فقط مأخوذ من الترجمات الإنجليزية . وهم يعلمون جيدا أنَّ تلك الكلمات جاءت تفسيرا لاسم الجلالة ( الله ) .
ولن يلاحظ القارىء العادى أنَّ المترجمين قد حذفوا اسم الله من هذا النصّ الآرامى . إضافة إلى أنَّ عبارة ( الله العلى ) و ( العلى ) موجودة فى أماكن كثيرة من النصوص الكتابية وليست بترجمة للكلمة الآرامية ( الله ) .
ففى النسخة المعتمدة فانديك ونسخة كتاب الحياة المصرية نجد العبارة الله العلى فى دانيال ( 3 : 26 ؛ 4 : 2 ؛ 5 : 18 ، 21 ) . وكلمة العلى فقط نجدها فى دانيال ( 4 : 17 ، 24 ، 25 ، 34 ؛ 7 : 25 ) . أمَّا فى نسخة الكاثوليك العربية ( ط 1993 ) فنجد فيها العبارة الله العلى فى التسع أماكن . وفى نسخة الآباء اليسوعيين العربية نجد فيها العجب العجاب حيث اختلف السفر بكامله من حيث الكم والكيف ..!! فالإصحاح الثالث فقط يحتوى على سبعة وتسعين فقرة ، بينما مثيله فى نسخة كتاب الحياة أو النسخة الوطنية طبعة 1977 يحتوى على ثلاثين فقرة فقط . وفى نسخة الكاثوليك ط 1993 فيحتوى الإصحاح على ثلاثة وثلاثين فقرة ..!!
... وقد سبقت الإشارة بأنَّ عبارة ( الله العلى ) تجدها فى أكثر من موضع خلاف تلك المواضع التسعة ، تمويها على القارىء وقطعا لطريق الباحث عن اسم الله الصريح المُسَجَّل فى أصول سفر دانيال .(1/53)
ذلك هو الاسم الذى أظهره المسيح - عليه السلام - لقومه ولم يقبلوه منه ثم أضاعه أتباعه من بعده وكأنه - عليه السلام - قد علم بما سيحدث من بعده . فقال لقومه مُوَضِّحا ومُبشرا كما ورد فى كل من إنجيلى متى ( 23 : 39 ) ومرقس ( 11 : 9 ) بما نصه " لن ترونى حتى يأتى القادم باسم الله " .
وجاء القادم بـ ( اسم الله ) - صلى الله عليه وسلم - ونشر الاسم الجليل فى الآفاق ، وكان أول ما نزل عليه من القرآن قوله تعالى { اقرأ باسم ربك الذى خلق } فقرأ بـ ( اسم رَبِّهِ ) ما أنزل إليه .
وبعدد سُوَر القرآن الكريم الأربعة عشر ومائة نجد قوله تعالى { بسم الله الرحمن الرحيم } وفى كثير من آياته الشريفة نجد اسم مُنَزِّل ذلك الكتاب المبين . أقصد البصمة الإلهية على ذلك الكتاب الكريم . ولم يأت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باسم واحد لله فقط ، ولكنه جاء للعالمين ومعه تسعة وتسعون اسما . ولأول مرة تعرف البشرية المصطلح القرآنى الأسماء الحسنى . لقد استكثروا على الله أن يُذكر له اسم واحد فى أسفار كتابهم . فجاءهم القادم باسم الله ومعه الأسماء الحسنى كلها ..!!
فيا من تؤمن بـ ( اسم الله ) هل عرفت الآن الاسم الذى تثنى به على ربك فى صلاتك بقولك " أبانا الذى فى السموات ليتقدس اسمك " ..!؟ إنَّ من أعظم الثناء إلى الله هو أن تدعوه باسمه الذى أظهره المسيح - عليه السلام - وعرَّفه لأتباعه المؤمنين . ولا يضيق صدرك لأنَّ المسلمين يعرفونه وبه يُعْرَفُون بين الأمم .. ألم تقرأ ما قاله يعقوب فى مجمع القدس ( أعمال 15 : 14 ) : " استمعوا لى أيها الأخوة : أخبركم سِمْعَان كيف تفقَّد الله منذ البداية غير اليهود ليتخذ من بينهم شعبا يحمل اسمه " ..!؟ فالمسلمون هم الذين يحملون اسم الله . وهكذا ترون أنَّ المسيح - عليه السلام - قد بشَّر بالقادم باسم الله ، وأنَّ حوارى المسيح وتلميذه الأكبر سِمْعَان قد بشَّر بالشعب الذى يحمل اسم الله .(1/54)
وللأسف الشديد فإنَّ هناك الكثيرين مِن القسس والرهبان المصريين يسبُّون الله عدوا بغير علم ، فيقولون بأنَّ الله هو إله المسلمين وأنَّه إله قمرى كان يعبده الوثنيون العرب ، وهو ليس بإله الكتاب المقدَّس ..!!
... ولن استزيد فى بيان تلك الهجمة الضالة على مقام رب العالمين فمكانها هناك على شبكة المعلومات الدولية . ووالله لو أنصف المسلمون لأقاموا دعوى قضائية فى محكمة العدل الدولية على هؤلاء الضالين المُضلين . وهلا قام هؤلاء الضالون بحذف اسم الجلالة الله من أناجيلهم وأتوا بالأصل اليونانى ثيوس أو زيوس اسم صنم اليونان الأكبر المذكور فى خرافات الإغريق وأساطيرهم ، ليعرف المسيحيون أنهم يعبدون صنما منحوتا مِن الحجر يعرفه جيدا كل مَن قرأ فى الأساطير اليونانية . فكيف يكون موقف هؤلاء الضالون المضلين أمام عامة المسيحيين الذين اعتقدوا أنَّ إله العالمين هو الله وعاشوا وماتوا على تلك العقيدة ( الله محبة ) ..!!؟
فيا عباد الله " الذين يتقون الله ، والمتفكرين فى اسمه المقدس . الذين يكتبهم الله فى سِفر التذكرة ..!؟ " ( ملاخى 3 : 16 ) . ويا عباد الله الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم .. !؟
" مَجِّدُوا الله معى ، ولنعظم اسمه معا .. " (1)
{ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. مزمور ( 34 : 3 ) .
(2) .. ( 180 / الأعراف ) .
موقف علماء المسيحية
==============
...
إذا حاولنا أن نتعرف على أقوال علماء المسيحية حول فقرتى إنجيل يوحنا ( 17 : 6 ، 26 ) فلن نجد إجابات شافية مقنعة عن اسم الله الذى أظهره المسيح - عليه السلام - لقومه . فالأمر غير واضح فى الأذهان . اسم الله ..!!
ما هو اسم الله ..!!؟ ما هذا الكلام ..!؟ هل الآب له اسم ..!؟ كيف نناجى ربنا باسمه المقدس ..!؟ هل تكلم المسيح فعلا عن الله وأسمائه الحسنى ..!؟(1/55)
وما معنى قول المسيح - عليه السلام - الوارد فى إنجيلى متى ولوقا ( 23 : 39 ؛ 13 : 35 ) " إنكم لن ترونى أبدا حتى يأتى وقت تقولون فيه : مبارك الآتى باسم الله " ..!؟
وما هذا التحذير الخطير المذكور فى المزمور ( 91 : 14 ) " من عرف اسم الإله الحق فالله منجيه من المهالك " ..!؟
... عزيزى القارىء بين يدى الآن أكبر وأشهر ثلاث دوائر معارف كتابية مسيحية معاصرة (1) بحثت فيها عن اسم الاله المعبود فى كتب العهد الجديد . وما هى أقوال المسيح - عليه السلام - عن الاسم فلم أجد غير تكرار الكلام عما هو موجود فى أسفار العهد القديم اليهودى دون تمييز بين الاسم والصفة والعنوان ..!! وانحصرت جميع الأسماء فى كلمتين أو ثلاث يونانية بيانها كالتالى :
ثيوس .. وهى الكلمة اليونانية المكافئة للكلمات العبرية إيلوهيم و إيل . كما جاء فى النسخة اليونانية السبعينية ، وفى أحيان قليلة تدل على كلمة يهوه .
كيريوس .. وهى الكلمة اليونانية المكافئة للكلمات العبرية أدوناى و يهوه . كما جاء فى النسخة السبعينية اليونانية .
دسبوتس .. تأتى أحيانا للدلالة على الرب المعبود وعلى المسيح - عليه السلام - .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. ( the international standard Bible Encyclopedia v 2 p 508 ) .
( Zondervan pictorial Encyclopedia of the Bible v 2 p 764-765 ) .
(B.A.K.E.R Encyclopedia of the Bible v 1 p 887-888 )(1/56)
وأحيانا تتبادل هذه الكلمات اليونانية مواقعها الدلالية ، فقد نجد كلمة كيريوس تشير إلى أدوناى ( مرقس 1 : 3 ) ، وقد تتساوى الكلمتان كيريوس وثيوس ( يوحنا 20 : 28 ) وقد تشير كيريوس إلى اسم المسيح - عليه السلام - . وكل هذه الكلمات اليونانية ليست بأسماء أعلام ( Personal names ) على التحقيق وإلا ما تغيرت فى منطوقها واختلفت بين العبرية واليونانية ، وإنما هى أسماء جنس ( Generic names ) . والمسيح - عليه السلام - وقومه من بنى إسرائيل كانت لغتهم الآرامية وليست اليونانية ، فأين الأسماء الآرامية للإله المعبود ..!؟
وقد سبقت الاشارة إلى أنَّ اليهود قد حذفوا الاسم من النسخة اليونانية السبعينية التى اعتمد عليها مؤسسو المسيحية من بعد المسيح - عليه السلام - . فالكلمتان ( ثيوس و كيريوس) موجودتان فى النسخة السبعينية من قبل عصر المسيح - عليه السلام - بحوالى ثلاثة قرون . فأين إذاً الاسم الذى أظهره المسيح - عليه السلام - لقومه وظل يُبَيِّنَهُ لهم طوال فترة بعثته كما قال " أظهرت اسمك للناس الذين وهبتهم لى من العالم " و " قد عرفتهم اسمك وسأعرفهم أيضا " ..؟؟؟ لا أحد يجيب عن ذلك فى الموسوعات الكتابية ولا فى قواميس الكتاب ..!!
ربما نجد الاجابة فى شروح الأناجيل فتعالوا نرى :
بين يدى شرح بشارة يوحنا للدكتور القس ابراهيم سعيد طبع دار الثقافة . فقال فى ص693 ما نصَّه : " إنَّ قوله أنا أظهرت اسمك يوازى قوله فى عدد 4 أنا مجدتك وكلا القولين مفسر للآخر . أمَّا الناس الذين قصدهم المسيح بقوله أظهرت اسمك للناس فهم تلاميذه " .
فهل شاهدتم قرَّائى الأعزاء كيف لم يخطر على باله أنَّ هناك اسما لله أظهره المسيح - عليه السلام - ..!! وكيف احتاط ذلك القس للأمر فجعل هذا الاظهار سِرَّا بين المسيح وتلاميذه فقط ..!! والأغرب من ذلك هو ابتلاعه عبارة ( وعرفتهم اسمك ) أثناء شرحه للفقرة ص 717 كأنه لم يراها فى شرحه .(1/57)
إنه ذهول العقول عن المكتوب أمام العيون ..!!
... فإذا انتقلنا إلى متىّ المسكين فى شرحه لإنجيل يوحنا ج 2 ص1031 نجده يقول : " ( أنا أظهرت اسمك ) تأتى متوازية ومتساوية لقوله أنا مجدتك عدد4 . والاثنان يقعان تحت بند الاستعلان . فقد أكمل المسيح استعلان الله كآب له وللآخرين ، له بنوع الخصوصية ، وللآخرين بالنعمة المنحدرة بتوسُّطه وذلك بكل إصرار وتكرار ليس فى قوله وعمله فحسب بل وبحيلته . وقد وضح أنَّ هذا الاستعلان كان جديدا بالفعل على الذهن اليهودى ، بالرغم من ادعائهم البنوية لله " .
ثم قال المسكين : " بثلاثة أمور أظهر المسيح اسم الآب :
أولا : بكونه هو الابن الذى أطاع الآب حتى الموت ، لأنه باستعلان بنوته الخاصة الجوهرية لله أظهر وأعلن اُبُوَّة الله .
ثانيا : بإعطاء تعاليم الآب وكلماته تحت اسم الآب : أنا هو .
ثالثا : بصنع القوات والآيات التى تعلن عن الآب الحالّ فيه . وكل نور أدخله المسيح إلى عالم الانسان بإعلان الحق وممارسة الحب كان فى الحقيقة هو بهاء أو شعاع مجد الآب ورسم أو صورة لجوهره " انتهى .
قلت جمال : وبمثل ذلك الكلام وقريبا منه قاله فى ص1093 :
" التعريف باسم الله جاء هنا على مستوى استعلان الله فى ذاته أى استعلان أبوَّته القائمة فى الابن الذى أرسله ..... " .
... فلم ير المسكين النصّ القريب الواضح أمامه ( أظهرت اسمك للناس ) وذهب بفطنته العجيبة لأمور بعيدة مستقرها عقله الباطن ..!!(1/58)
فإظهار اسم الإله لا يتوقف على البنوة سواء كان له ابن أو لا . كما أنَّ فعل المعجزات لا يتوقف عليه إظهار الاسم . وأيضا فإنَّ إعطاء التعاليم الإلهية تحت شعار الآب لا يعنى أنَّ الله اسمه الآب ، فتلك كلمة نقولها جميعا مسلمين ومسيحيين فى حياتنا اليومية لكل من كان كبيرا فى السن والمقام . حتى أنَّ المسيحيين يقولون لأى قس ( يا أبانا ) و( أبونا ) . أمَّا عن قوله أنَّ اسم الآب ( أنا هو ) فتلك والله مصيبة لغوية لا يقع فيها تلاميذ المرحلة الابتدائية ..!!
... وفى كتاب الكنز الجليل فى تفسير الانجيل للدكتور وليم ادى نجده يقول " أنا أظهرت اسمك للناس بتعليمى أنك أنت الاله الحق وبتمجيدى ايَّاك على الأرض كما ذكر فى ( ع 2 ، 4 ) والمقصود باسم الله هنا صفاته تعالى ..... والاسم الذى أظهره المسيح للناس أعظم إظهار بتعليمه وعمله هو الآب أى أنه تعالى أبونا " . وقال فى شرحه للفقرة ( 17 : 26 ) بما نصّه : " وعرفتهم اسمك .. اسم الله كناية عن صفاته وأخص أسمائه وكل تعليم المسيح وعمله إعلان تلك الصفات الحسنى . سأعرفهم بروح القدُّوس الذى سأرسلهُ وعمل ذلك الروح : الإرشاد إلى جميع الحق وإعلان محبة الله الفائقة المعرفة ولم يزل المسيح يعرِّف الناس باسم أبيه بواسطة كتابه ومبشريه وروحه القدوس العامل فيهم وبهم " انتهى .
قلت جمال : لقد أدرك هذا الرجل أنَّ هناك اسما أظهره المسيح - عليه السلام - ولكنه أخطأ فى فهمه ، فلم تكن كلمة الآب مجهولة عند الإسرائيليِّين فى فلسطين إبَّان فترة بعثة المسيح - عليه السلام - حتى يظهرها المسيح . وهم أصحاب اختراع البنوة لله تعالى وتشهد عليهم بذلك فقرات كثيرة فى أسفار العهد القديم وقد سَجَّلَ القرآن الكريم قولتهم الشهيرة { نحن أبناء الله وأحبائه } .(1/59)
وكلمة الآب ليست اسما على التحقيق ، وإنما هى عنوان ( adress ) آرامى للخالق سبحانه وتعالى استخدمه المسيحيون بطريقة خاطئة فخرج عن معناه الموضوع له . وقوله " بأنه تعالى أبونا " لا يفهم منه أنَّ ( أبونا ) هو الاسم الذى أظهره المسيح ، فالأب ليس باسم علم يميز الأب عن غيره من الآباء فكم من آباء كثيرين . فلا بد من التمييز بذكر اسم ذلك الأب المطلوب إعلان اسمه واظهاره للناس . أمَّا عن قوله " وأخص أسمائه المحبة " فهو كلام لا يقال فى العربية الفصحى أو العامية . وأين النصّ الدال على ذلك ..!؟ وأين قال المسيح - عليه السلام - أنَّ اسم الله هو المحبة المؤنثة ..!؟ فهل يقبل أى رجل مسيحى أن يُسميه الناس حبيبة مثلا ..!؟
أمَّا عن قوله " سأعرفهم بروح القدُّوس الذى سأرسلهُ " كلام لاهوتى اختلفت فيه وعليه الطوائف المسيحية بكنائسها المختلفة . فمن الذى سيرسل الروح القدس : المسيح أم الله ..!؟ ثم من هو الروح القدس ، البارقليط ( ?????????? ) أم الملاك جبريل أم روح جوالة مجهولة أم الأقنوم الثالث عندهم ..!؟
وأخيرا قوله " ولم يزل المسيح يعرِّف الناس باسم أبيه بواسطة كتابه ومبشريه وروحه القدوس " . فهو لا يدرى أنه لا يعتقد بأنَّ المسيح - عليه السلام - قد ترك لهم كتابا يسيرون على هديه ، فكلمة إنجيل عندهم ليست بكتاب حتى يقول بذلك الكلام الذى لا معنى له عندهم ولا يعتقدون فيه .!!
وما معنى قوله أنَّ المسيح لم يزل يعرِّف الناس باسم أبيه ..!؟ هل كان يقول لهم إنَّ اسم أبى هو أبى ..!!؟ أم قال لهم إنَّ اسم أبى هو المحبة ..!!؟
اللهم إنا نسألك الهداية فى الفهم والقول الصحيح .(1/60)
... فإن حاولت أيها القارىء الباحث عن الحق أن تبحث فى قاموس الكتاب المقدس طبع دار الثقافة عن اسم الله فلن تجد مادة ( اسم ) فى القاموس كأن أسفار العهدين القديم والجديد لم ترد فيهما كلمة اسم ..!! فتضطر أن تبحث فى مادة رب فى ص 396 فتجد تحتها الآتى : " رب .. يقصد بهذا اللفظ :
.. اسم الجلالة ، وفى هذه الحالة تطلق على الآب والابن بدون تمييز بينهما ( اع 10 : 36 ورؤ 19 : 16 ) سيما فى رسائل بولس الرسول .
.. وقد تستعمل بمعنى سيد أو مولى دلالة على الاعتبار والإكرام " .
هذا هو كل الموجود تحت هذه المادة ، اسم الجلالة هو ( رب ) ..!! فيا لكرم هؤلاء الكتبة وسخائهم فى التعريف باسم الاله المعبود . وبقى أن يذكروا لنا ما هو اسم الجلالة الذى يقصدون ..!؟
... وفى مادة ( يهوه ) ص 1096 قالوا الآتى : " هو اسم من أسماء الله . وهذا الاسم يحفظ الدين من خطرين : الأول من جعل الله فكرة أو تصورا . والثانى من جعله وجودا يتلاشى فيه كل ما فى الوجود . فالاسم يجعل الله إلها معينا معلنا يستطيع الانسان أن يدعوه بألفاظ وتعابير واضحة . ولفظة يهوه هى فعل المضارع من هيه أو هوه كما كان فى الأصل . ومعناه كان أو حدث أو وجد وبعبارة أخرى هو الذى كان والذى أعلن ذاته وصفاته ..... ومنذ أواخر القرن الرابع قبل المسيح تزايد الخوف من تدنيس اسم يهوه فمنع الشعب من النطق به . وأصبح لا يستطيع التلفظ به إلا رئيس الكهنة عند تلاوة الصلاة واعطاء البركة فى الهيكل . واستعاضوا عن النطق به بأسماء أخرى أهمها ( أدونى ) أى الرب والسيد . واستعملت فى الترجمة السبعينية ( السبتواغنتا ) فى القرن الثالث قبل المسيح لفظة كيريوس ( رب ) بدلا منه " . انتهى(1/61)
قلت جمال : وبقى أن يذكروا لنا اسم الجلالة فى العهد الجديد والذى أظهره المسيح - عليه السلام - . ولكن يا أسفاه لا يعلمون ..!! ففى مادة ( آب ) قالوا بما نصّه : " آب : لفظ يطلقه المسيحيون على الله لأنه الآب السماوى " ..!!
... فكلمة ( آب ) عندهم ليست اسما لله ، ولكنها لفظة يطلقونها على الآب السماوى ..!! فهل شاهدتم أيها القرَّاء كيف يضل الناس عن الحق الصُرَاح ويتيهون فى البيداء فى ليلة ظلماء على ناقة عرجاء ..!!
اللهم اهدنا صراطك المستقيم :
{ صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } آمين
القادم باسم الله - صلى الله عليه وسلم -
===========
لقد سبقت الاشارة إلى القادم باسم الله أثناء الفصل السابق ، وذلك أمر يدعو إلى الدهشة والتساؤل لدى المسيحيين ، فلن تعثر على شرح لتلك الفقرة فى شروحهم للأناجيل كأنَّ الأمر غير وارد أساسا ، أو أنهم لا يرون ذلك النصّ بعيونهم جيدا ..!!
وسوف أذكر للقارىء هنا النصّ مِن إنجيلى متى ولوقا كما ورد فى الترجمات العربية المعاصرة ، حتى نتبين طريقنا الصحيح أثناء شرح النصّ .
إنجيل متى ( 23 : 39 ) ... إنجيل لوقا ( 13 : 35 )
النسخة الوطنية ( فانديك ) ... النسخة الوطنية ( فانديك )
أقول لكم إنكم لا تروننى من الآن حتى تقولوا مبارك الآتى باسم الرب . ... الحق أقول لكم إنكم لا تروننى حتى يأتى وقت تقولون فيه مبارك الآتى باسم الرب .
نسخة كتاب الحياة ( المصرية ) ... نسخة كتاب الحياة ( المصرية )
أقول لكم إنكم لن ترونى من الآن حتى تقولوا مبارك الآتى باسم الرب . ... أقول لكم : إنكم لن ترونى أبدا حتى يأتى وقت تقولون فيه مبارك الآتى باسم الرب .
نسخة الكاثوليك ... نسخة الكاثوليك
أقول لكم لن ترونى إلا يوم تهتفون تبارك الآتى باسم الرب . ... أقول لكم : لا ترونى حتى يجىء يوم تهتفون فيه تبارك الآتى باسم الرب .
نسخة الآباء اليسوعيين ... نسخة الآباء اليسوعيين(1/62)
أقول لكم لا تروننى بعد اليوم حتى تقولوا تبارك الآتى باسم الرب . ... أقول لكم : لا تروننى حتى يأتى يوم تقولون فيه تبارك الآتى باسم الرب .
لقد قيل هذا النصّ عقب خروج المسيح - عليه السلام - من أورشليم القدس ومن بعد أن استقبلته الجموع أثناء دخوله للمدينة بالهتاف قائلة : " مبارك الآتى باسم الرب " ( متى 21 : 9 ) . ومن بعد أن تساءل أهل مدينة القدس عنه بقولهم : " من هو هذا ..؟ فأجابت الجموع : هذا هو عيسى ( ةçَïٍُ ) النبىّ الذى من الناصرة بالجليل " .
... فالجموع السائرة فى موكب المسيح أثناء دخوله للمدينة هم الذين قالوا " مبارك الآتى باسم الرب " وهم الذين قدَّمُوه إلى أهل القدس بقولهم " هذا هو عيسى النبىّ ... " فيفهم من هذا النصّ معنيان هما :
... 1 .. أنَّ عيسى النبىّ - عليه السلام - قد جاءهم باسم الله من قبل أن يدخل إلى القدس . وأنه سوف يأتيهم مرة ثانية باسم الله من بعد خروجه من القدس . هذا إذا كان القادم باسم الله المذكور فى النصّ هو المسيح - عليه السلام - . ولكن النصّ قال بأنهم لن يرونه منذ تلك اللحظة حتى يقولوا مبارك الآت باسم الله ، ولا توجد فى أسفار العهد الجديد كله فقرة واحدة تثبت أنهم قالوها من بعد أن خرج المسيح - عليه السلام - من القدس .
... 2 .. أنَّ هناك آت آخر باسم الرب غير عيسى النبىّ سيأتى من بعده . وأنَّ ذريتهم من بعدهم سوف يقولون مبارك الآتى باسم الله ، وبعدها سيرون المسيح - عليه السلام - أثناء مجيئه الثانى فى آخر الزمان .(1/63)
والمعنى الثانى أكثر اِحتمالا وترجيحا ، وموافقة لصحيح المعقول وصريح المنقول ، ومانعا لتشتت الذهن والفكر . فقد أتاهم عيسى النبىّ - عليه السلام - باسم الله وأظهره وبينه لهم كما سبق إثباته . وبعد أن خرج المسيح - عليه السلام - من المدينة نظر إليها وإلى أهلها وقال : " يا أورشليم .. يا أورشليم .. يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها . كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها فلم تريدوا . ها إنَّ بيتكم يترك لكم خرابا . فإنى أقول لكم : إنكم لن ترونى من الآن حتى تقولوا : مبارك الآتى باسم الرب " . وهذا النصّ يتكلم عن المستقبل سواء كان قريبا أو بعيدا .
فقوله - عليه السلام - " لن ترونى من الآن " يفيد بأنهم لن يرونه من بعد خروجه من المدينة لا فى هذا اليوم ولا فى الأيام التالية ، وإتيانه بـ لن يفيد منع الرؤية على التأبيد أى لن يرونه أبدا منذ تلك اللحظة كما جاء فى نصّ لوقا من نسخة كتاب الحياة . وهذا النصّ الخطير جدا يهدم كل ما قيل عن رؤيته والقبض عليه فى مساء ذلك اليوم أو الأيام التالية . ولذلك لم يتناوله غالبية الشراح فى شروحهم للأناجيل . ومن حاول منهم الكلام عنه أحاله إلى آخر الزمان وقال بأنَّ النصّ نبوءة مسِّيَّانية بالمجيىء الثانى للمسيح ..!!
ومرجع ذلك كله هو الاعتقاد بأنَّ ذلك الآتى باسم الله هو المسيح - عليه السلام - . فحاروا وداروا ولم يعترفوا بأنَّ هناك آت آخر باسم الله من بعد المسيح - عليه السلام - . مع أنَّ هناك نصوصا كثيرة تتكلم عن وجود آت آخر . فهاهم تلاميذ نبىّ الله يحيى بن زكريا عليهما السلام يذهبون إلى المسيح - عليه السلام - ويقولون له " أأنت هو الآت .!؟ " ( لوقا 7 : 19 ) ولم يقل لهم المسيح - عليه السلام - أنه هو ، وإنما أشار إلى المعجزات التى أجراها الله على يديه ليعلموا أنه هو المسيح وليس ذلك الآتِ باسم الله . ...(1/64)
... فقوله المسيح - عليه السلام - " لن ترونى ( أبدا ، من الآن ، بعد اليوم ) حتى ( يوم ، وقت ) تقولون فيه مبارك الآتى باسم الله " . كلام صدق وحق ومن قال بغير ذلك هو الكاذب والمفترى على المسيح - عليه السلام - .
... وهم يشهدون بأنَّ المخاطبين بكلام المسيح - عليه السلام - لم يقولوا من بعد ذلك اليوم " تبارك الآتى باسم الرب " للمسيح حيث لم يأتهم إلى الآن ليقولوا له تلك العبارة ..!! فهم منتظرون لذلك اليوم حتى يقولونها ..!!
ولقد جاءهم المسيح - عليه السلام - من قبل باسم الله فضيَّعوه وحذفوه من أناجيلهم .
... ولى هنا وقفة لغوية مع كلمة تبارك : إنَّ كلمة تبارك لا تقال فى العربية إلا لله عز وجل . فنقول " تبارك الله " ولا نقول تبارك فلان مهما كان . لأنَّ معناها تقدس وتنزه وذلك لا يكون إلا لله عز وجل . وأمَّا فى حق غيره سبحانه وتعالى فنقول مبارك مثل قولنا كتاب مبارك وبيت مبارك وشجرة مباركة ... وهكذا . والكلمة اليونانية الواردة فى فقرتى ( متى 23 : 39 ؛ ولوقا 13 : 35 ) هى ( إُëïمçىهيïٍ ) وتنطق ( يولوجينوس ) كما جاء فى القاموس اليونانى الكتابى ( Thayers Greek English Lexicon ) فى الصفحات ( 259 ، 260 ) وهذه الكلمة تحمل الرقم ( 2172 ) .
... ومعناها فى القواميس اليونانية باللغة الإنجليزية كما جاء فى القاموس السابق ذكره هو ( to invoke blessing ) بمعنى يسأل ـ يطلب ـ النعمة عليه أو يسأل الله أن يسبغ عليه نعمته (to ask God’s blessing on a thing ) . وهى بالمعنى الإسلامى طلب الصلاة عليه من الله عزّ وجلّ .(1/65)
... والصلاة من الله على عبد من عباده معناها أن يسبغ الله عليه نعمته مثل قولنا صلى الله عليه وسلم أو عليه السلام . فالكلمة الإنجليزية ( blessed ) معناها المُنعَمُ عليه بفتح العين وليس بكسرها . فمن الخطأ الشنيع أن يكتب المترجمون هذه الكلمة بالعربية تبارك ويا ليتهم كتبوها مبارك حتى لا يتوقف عندها الناطقون بالعربية ..!!
ألم تكن فى الترجمات العربية المعتمدة مثل نسخة فانديك وكتاب الحياة مكتوبة مبارك كما هو ماثل أمام القارىء فى الجدول السابق . فلم غيَّرها المترجمون فى النسخ الأحدث عهدا إلى تبارك ..!!؟
... ونستكمل الشرح فأقول : انظروا معى أيها القراء إلى العبارة " مبارك الآتِ باسم الرب " ثم اسألوا العقلاء من كل ملة ودين . هل الآتِ هنا فى هذه الفقرة هو الرب أم غيره ..!؟ فهناك شخصان مذكوران فى العبارة : الآتِ و الرب وليس شخصا واحدا كما يقول المسيحيون جميعا عالمهم وجاهلهم ..!!
فإن كان الرب عندهم هو المسيح ، فالآتى شخص غيره وإلا اختل معنى وتكوين العبارة لتصبح هكذا : ( مبارك الآتِ باسم الآتِ ) أو ( مبارك الرب باسم الرب ) .!! فهناك إذا شخص آتٍ من بعد المسيح . والجموع ونسلهم من بعدهم لن يروا المسيح منذ خروجه من المدينة المقدسة إلا بعد أن يقولوا : " مبارك الآتى باسم الله " . ولقد جاءهم المسيح - عليه السلام - أثناء بعثته باسم الله كما قال عليه السلام مخاطبا لربه : " حين كنت معهم فى العالم كنت أحفظهم فى اسمك الذى أعطيتنى " و " أظهرت اسمك للناس الذين وهبتهم لى من العالم " و" قد عرفتهم اسمك وسأعرفهم أيضا " . ثم دعا الله سبحانه وتعالى أن يحفظ أتباعه الحقيقيين بقوله " أيها الآب القدوس احفظهم فى اسمك الذى أعطيتنى " . ولذلك قال الناس عند دخوله لمدينة القدس " مبارك الآت باسم الله " . وقال لهم عليه السلام عند خروجه من مدينة القدس " لن ترونى من الآن حتى تقولوا مبارك الآت باسم الله " .(1/66)
فهناك إذا فقرتان تتكلمان عن الآت باسم الله : أولاهما قالها الناس للمسيح عند دخوله للقدس . والثانية سوف يقولها أحفادهم وذرياتهم من بعدهم للقادم الآخر باسم الله من قبل أن يروا المسيح على الأرض للمرة الثانية فى آخر الزمان ..!!
وجاء ذلك الآتِ باسم الله ومعه تسعة وتسعون اسما لله عز وجل . وقال : ويقول الناس عند ذكر اسمه ( إُëïمçىهيïٍ ) أى صلى الله عليه وسلم فهو المُنعَمُ عليه . وفى آخر الزمان وفى عهد خليفته سينزل المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - ليراه الناس للمرة الثانية بعد أن قالوا : صلى الله عليه وسلم ( إُëïمçىهيïٍ ) لمن جاءهم باسم الله . فهل من مؤمن مصدق بما جاء به المسيح - عليه السلام - ..!!؟
اللهم ألا إنى قد بلَّغت اللهم فاشهد
وصلى الله وسلم على مُحَمَّدٍ خاتم الأنبياء والمرسلين(1/67)
المبحث الثانى
=============
المَسِيحُ عِيسَى ابن مَرْيَم
- عليه السلام -
فاتحة هذه الدراسة
============
إنَّ هذه الدراسة قد سبق نشر معظمها فى كتبى السابقة ، وقد جمعتها هنا بعد إضافة الجديد المفيد إليها ليكتمل الكلام عن اسم المسيح كاملا . وتعتبر طريقة المعالجة لهذا الموضوع وبذلك المنهج البحثى ، معالجة جديدة لم أسْبَقُ إليها ولم يَحُمْ حولها حائم من قبلى وذلك من فضل الله وتوفيقه فهو نعم المولى ونعم النصير.
... لقد شاهدنا فى المبحث الأول كيف فقد المَسِيحيُّون اسم الله من أناجيلهم اليونانية عندما ساروا خلف اليهود حذوَ القذةِ بالقذةِ ونهَلُوا منهم بدون تثبت وتمْحِيص وهنا فى هذا المبحث الثانى سوف نرى العَجَب العُجَاب ، حيث أعْرَضُوا عن إثبات اسم المسيح - عليه السلام - صحيحا وكاملا فى أناجيلهم مع أنه مذكور بذات التصويت اللغوى الآرامى فى أصولهم اليونانية ..!!
من المعلوم أنَّ أسماء الأعلام ( الشخصيات الإنسانية ) لا تترجم بمعناها بين لغات العالم المختلفة وإنما تنقل كما هى بنفس منطوقها الصوتى ثم تكتب بالأحرف الهجائية لسائر اللغات حتى يتفق الجميع على قراءتها بأصوات قريبة جدا من بعضها البعض وهذا هو المعمول به دوليا ، فانظر إلى جواز السفر لأى إنسان حيث ترى اسمه مكتوبا بلغته الوطنية ثم بلغة ثانية بنفس المقاطع الصوتية ولكن بحروف لغة أخرى .
والخطابات والرسائل التى كانت متبادلة بين ملوك العالم القديم والقديم جدا والتى استطاع العلماء فك شفرة لغاتها ، وجدنا أنَّ أسماء الملوك فيها واحدة فى جميع اللغات . ولقد تم ضبط التاريخ القديم عن طريق تتبع أسماء الملوك فى العالم القديم فملك مصر الفرعونى فلان كان فى عصر الملك الأشورى عِلان بدليل ورود اسم كل منهما فى وثيقة رسمية تاريخية بلغتين مختلفتين كانت متبادلة بينهما . وهكذا كان الأمر ولا يزال حتى يومنا هذا .(1/1)
فتخيلوا كيف كانت ستتم مسألة ضبط حوادث التاريخ إذا ترجمت أسماء الملوك بمعناها بين اللغات ..!؟
وسأضرب للقارئ أمثلة عادية بسيطة فى حياتنا اليومية :
افترض أنَّ لك صديقا مصريا اسمه ( مِصْبَاح ) سافر إلى إنجلترا أو أمريكا هل سيتغير اسمه هناك ليصبح ( لامب Lamp ) ..!؟ حيث أنَّ معنى الاسم واحد . قطعا لا ! فهذا تخريف ، ولكن اسمه سيكون أيضا ( مِصْبَاح ) ويكتب بالأحرف الإنجليزية هكذا ( Mesbah ) حتى يقرؤه أهل ذلك البلد بذات النطق العربى .
فإذا كان ذلك واقعا فى حق عامة الناس فإنه يكون أوقع وأضبط إذا كانت الأسماء أسماء ملوك ورؤساء ومشاهير فملك بريطانيا السابق جيمس عرفه العالم أجمع باسم جيمس وليس باسم يعقوب أو جيكوب ( حيث تم ترجمة اسم يعقوب العبرانى إلى جيكوب ، وهو نفس معنى الاسم جيمس ) ..!!
والملك فهد ملك السعودية السابق عرفه العالم أجمع تحت اسم فهد وليس مترجما إلى ( Lion أوTiger ) ..!!
... وإذا كان الشخص ذا دعوة دينية أو دنيوية وله أتباع ينشرون فكره ودعوته فإنَّ ترجمة الاسم تكون أكثر انضباطا ودقة . فمثلا نجد بطرك كنيسة الإسكندرية المصرية يدعى شنودة ومعناه فى اللغة القبطية (1) هو المخبرُ أو المُعْلِنُ عن الإله أى بمعنى نبىّ . فهل نترجم اسم الرجل إلى النبىّ ..!؟ قطعا لا . فمعانى الأسماء شئ وأسماء الأعلام شئ آخر .
فإذا تصاعد الموضوع ووصلنا إلى أشهر خلق الله وهم الأنبياء والمرسلون فإنَّ ضبط الأسماء ينبغى أن يكون على أعلى درجة من الدقة والتمحيص . حيث أنَّ ترجمة معانى الأسماء تؤدى حتما إلى فقدان معالم صاحب الشخصية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. تتكون اللغة القبطية من ( 25 ) حرف يونانى مضافا إليهم سبعة أحرف مصرية ( ديموطيقية ) فهى لغة
يونانية أساسا مطعمة بسبعة أحرف مصرية فقط . وللعلم فإن اسم البابا شنودة هو نظير جيد .(1/2)
فنبىّ الله موسى - عليه السلام - كان اسمه ولا يزال موسى فى جميع اللغات المعروفة وإن حاول البعض تشويه الاسم إلى موشى أو موشيه أو موسس ..!! فالاسم مصرى صميم مكون من مقطعين ( مو ـ سى ) . و( مو ) فى اللغة المصرية القديمة تعنى الماء ولا نزال نستخدم هذه الكلمة فى بعض قرى صعيد مصر ، ثم كلمة ( سى ) وهى بمعنى الشجر فى اللغة المصرية القديمة ومعلوم عند الجميع أنَّ موسى قد التقطه آل فرعون من بين الماء و الشجر ..!! ولا أعلم أنَّ هناك أحدا من البشر ترجم الاسم موسى إلى الماء والشجر ، أو إلى اسم أداة الحلاقة ( Razor ) وهى بمعنى موسى فى العربية ..!!
وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يحاول أحد من الخلق أن يترجم معنى اسمه وإنما كُتِبَ محمدا فى جميع لغات العالم ولكن بحروف هجائية مختلفة .
لعل القارئ يستغرب من هذه المقدمة البديهية والطريفة ولكنى أقول له صبرا فالموضوع أكبر بكثير مما تتصور أو تتخيل ..!! فموضوعنا هنا فى هذه الدراسة هو الاسم العلم الشخصى للمسيح - عليه السلام - ( personal name ) الذى كان يُعْرَفُ به بين أهله وقومه وأتباعه الأوائل . حيث أنَّ مسيحيىّ العالم لا يعرفون له اسماً واحداً يتفقون عليه ..!!
والغريب أنَّهم لا يؤمنون به كنبىّ ورسول من الله ولكنه عندهم هو رب العالمين ..!! ومع ذلك فهم قد جهلوا أو تجاهلوا اسمه واخترعوا له أسماء مختلفة لم يعرفها المسيح ولا قومه . فلكل قوم منهم اسم اتفقوا عليه . فها هم مسيحيُّو العرب يطلقون عليه اسم يسوع والعالم المسيحيىّ أجمع لا يعرف شيئا عن هذا اليسوع . وها هم المسيحيُّون الناطقون بالإنجليزية يسمونه ( جيسس Jesus) ومسيحيُّو العرب لا يعرفون هذا الاسم ولا يوجد فى أناجيلهم .(1/3)
وهكذا نجد أنَّ لكل ترجمة للأناجيل فيها اسم مختلف للمسيح . فالاسم الموجود فى الترجمات الإنجليزية جيسس يختلف عن الموجود فى الترجمات العربية يسوع أو الأسبانية هِيسُّوس أو الألمانية يايسوس أو اليونانية إيسوس أو الإيطالية جايزو أوسائر لغات العالم من فرنسية وروسية وإفريقية وآسيوية وأوروبية وباقى لغات العالم ..!!
... وحقيقة الأمر أنه لا يوجد سوى اسم واحد . هو الاسم الصحيح للمسيح - عليه السلام - من بين تلك الأسماء المختلفة . هذا الاسم هو الذى سُمِّىَ به وهو فى بطن أمه من قبل أن يولد ، وسُمِّىَ به من بعد ميلاده ، وسُمِّىَ به بين عشيرته وقومه ، وعُرِفَ به وناداه الناس به بلسان آرامى فلسطينى .
فمن أراد أن يضبط الاسم تماما فعليه بالرجوع إلى أقدم المخطوطات المسيحية اليونانية ثم يحاول تصويت الاسم وضبط مخارج حروفه طبقا لقواعد اللغة الآرامية ( اللسان العربى العام ) ، والمقصود بالتصويت هنا هو النقل الصوتى أو الكتابة الصوتية (phonetic writing ) .
ثم مَن أراد أن يستزيد ويستعلم عن معنى الاسم فعليه باللغة الآرامية ففيها المراد . ومن حَادَ عن ذلك الطريق فليختر أى الأسماء أحب إلى نفسه ولكن يجب عليه أن يتذكر القول المأثور المذكور فى سفر ارمياء ( 23 : 37 ) " من ينس اسم الرب فقد ابتعد عنه لرب آخر " ..!!
... والإسم العلم المُمَيِّز لشخص المسيح - عليه السلام - يتكون من ثلاثة مقاطع متعاقبة هى المسيح ؛ عيسى ؛ ابن مريم . يتناول هذا المبحث الثانى تلك المقاطع واحدا تلو آخر بالدراسة المُتعَمِّقة بعض الشىء حتى يَنْجَلىَ الأمر للمُرْتاب وقصير النظر ، ويزداد إيمان المؤمن إيمانا ويقينا بما بين يديه ويطمئن قلبه .(1/4)
... فبـ بسم الله اتخذت الأسباب لكشف الحجاب عن اسم المسيح - عليه السلام - كاملا كما هو موجود فى الأصول اليونانية لكتب ورسائل العهد الجديد ، حتى ينقطع المنقطعون ويستيقن المؤمنون بأنَّ الاسم بمقاطعه الثلاث عربىٌّ مائة فى المائة لا عُجْمَة فيه ولا عِوَج . عربىٌّ فى اشتقاقه من جذوره اللغوية . عربىٌّ فى منطوقه .. وعربىٌّ فى مفهومه ومعناه .
هذا وقد أفاض الله عَلَىَّ من فضله بالجديد المفيد الذى يَسُرُّ الناظرين المتدبرين فى النصوص الدينية سواء كانت إسلامية أو مسيحية . الجديد المفيد الذى لم يسبقنى إليه أحد من قبل فالحمد لله أولا وآخرا .
اللهم إنا نعوذ بك من فتنة القول كما نعوذ بك من فتنة العمل
ونعوذ بك من التكلف لما لا نحسن كما نعوذ بك من العُجْبِ بما نحسن
رَبِّ أنْعَمْتَ فزِدْ
أولا ..
مَبْحَث حول كلمة المَسِيح أصلها وفصلها
تمهيد
==========
وقبل الكلام عن معنى كلمة المسيح لابد للقارئ أن يتعرَّف على شىء من الخلفية التاريخية واللغوية للفعل ( م س ح ) واشتقاقاته فى الموروث اليهودى والمسيحى حسب ماجاء فى كتب القوم المتخصصة فى مثل هذه الدراسات . فإذا كان الكلام عن بنى إسرائيل فاللغة المستخدمة فى العهد القديم هى العبرانية القديمة المعبر عنها فى النصوص التوراتية بأنها شفة كنعان ( أشعياء 19 : 18 ) وشفة كنعان هى اللسان الآرامى . فهى إذاً لهجة آرامية قديمة ، بل يمكنك أن تقول بأنها لغة من لغات اللسان العربى القديم .(1/5)
وأمَّا عن اللغة العبرية التوراتية الماصورتية التى انتهى العمل من تصويتها وضبطها ثم خرجت إلى الوجود فى القرن العاشر الميلادى فهى تختلف كثيرا عن شفة كنعان واللسان الآرامى . وللأسف الشديد فإنَّ معظم الترجمات للعهد القديم تعتمد حاليا على تلك النسخة العبرية ( الماصورتية ) المكتوبة بهذه اللغة باستثناء بعض الفقرات التى تعتمد فيها الترجمات على النسخة اليونانية السبعينية التى كتبت فى القرن الثالث قبل الميلاد .
وإذا كان الكلام عن اللغة التى كانت سائدة فى فلسطين إبَّان فترة بعثة المسيح - عليه السلام - فهى اللغة الآرامية ذات اللسان العربى القديم بشهادة الترجوم الفلسطينى الآرامى وحفريات البحر الميت ، وقد سبق إثبات ذلك بالبراهين المتعددة . ومن هنا وجب إجراء عملية الاقتراب الآرامى لنصوص العهد الجديد اليونانية حتى يعيش القارئ فى الجو الثقافى واللغوى الذى عاش فيه السيد المسيح - عليه السلام - .
الخلفية الدينية والتاريخية :
المسح بالزيت والدهن فى التراث اليهودى والمسيحى :
عُرِفَت عادة المسح بالزيت أو الدهن المقدس فى العالم القديم من قبل الإسرائيليين كعلامة تقديس وتكريس للآلهة . فكان المسح بالزيت المقدس على تماثيل الآلهة معروفا فى مصر الفرعونية وأيضا فى بابل بالعراق . ومنهم أخذ الإسرائيليون هذه العادة (1) . وكان المسح بالزيت أو الدهن فى بنى إسرائيل على نوعين :
إمَّا مسح عادة :
.. مثل دهن الرؤوس بالدهون العطرة أيام الأعياد والأفراح ( راعوث 3 : 3 ؛ مزمور 23 : 5 ؛ 92 : 10 ؛ جامعة 9 : 8 ) .
.. وفى حالات الحزن يترك التدهن بالطيب كعلامة على الحزن ( 2 صموئيل 14 : 2 ؛ متى 6 : 17 ) .
.. ومسح رأس الضيف ورجليه علامة تكريم ( لوقا 7 : 38 ، 46 ؛ متى 26 : 6 ـ 3 ؛ يوحنا 12 : 3 ) .
.. ودهان أجساد المرضى بالزيت للشفاء من الأمراض ( مرقس 6 : 13 ؛ يعقوب 5 : 14 ) .
.. ودهان جثث الموتى بالطيب ( مرقس 16 : 1 ) .(1/6)
وهناك أنواع أخرى من الدهان والمسح لم أذكرها منعا للإطالة .
وإمَّا مسح عبادة :
.. مسح بعض أدوات العبادة وأماكنها بالزيت المقدس ، مثل خيمة الاجتماع وتابوت الشهادة والمذبح وأوانى المقدس وغيرها ( خروج 29 : 36 - 37 ؛ 30 : 26 – 29؛ لاوين 8 : 10 – 11 ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) .. راجع قوائم ( تل العمارنة ) أرقام ( 51 ، 34 ) نقلا عن دائرة المعارف الكتابية :
Pictorial Encyclopedia of the bible v4 page198
.. مسح الملوك بالزيت المقدس . فنجد مثلا شاول وداود وسليمان ويوشع وغيرهم تم مَسْحَهُم بالزيت المقدس ( 1 صموئيل 10 : 10 ؛ 16 : 13 ؛ 1 ملوك 1 : 39 ) . وهذا معناه أنَّ هؤلاء الملوك المَمْسُوحين قد اختارهم الرب ليكونوا أداة فى يده يحكم بهم الشعب . ويطلق على كل هؤلاء لقب مسيح ..!!
.. مسح الكهنة بالزيت المقدس ليكونوا مُسَحَاء أيضا ..!! ( خروج 28 :41 ؛ 40:15 ؛ عدد 3 :3 ؛ لاوين 4 :5 ؛16 : 32 ) .
.. مسح الأنبياء ( أشعياء 61 : 1) . وفى الحقيقة لم يكونوا يُمْسَحُون بالزيت ولكنهم كانوا يُمْسَحُون بالمعنى المجازى حسب ما يقوله علماء المسيحية من أنَّ روح الرب قد مسحتهم ..!!
والمَسْح فى جميع هذه الحالات لا يكون إلا بزيت مخصوص وبواسطة شخص معين وبطريقة خاصة . فكانوا يُطلقون على كل هؤلاء المَمْسُوحين حسب الترجمات المتداولة للعهد القديم مُسَحَاء و مَمْسُوحين . وقد يتعدى الأمر ليكون هناك مُسَحَاء من الوثنيين مثل الإمبراطور الوثنى الفارسى قورش حيث سُمِّى مسيح الرب ( أشعياء 45 : 1 ) ..!!
... وعبارة مَسِيح الرب نجدها كثيرا فى أسفار العهد القديم ، وفى الترجمات الإنجليزية تكتب هكذا ( the anointed of the LORD ) كما نجد منها صيغة الجمع مُسَحَاء ( anointed ones) ( راجع مزموز 105 : 15 ؛ 1 أخبار 16 : 22 ) .(1/7)
... وبعد تتبع أماكن ورود كلمة مَسيح و مَمْسُوح و مُسَحَاء و مَمْسُوحين لم أجدها تأتى أبداً فى حق شخصية منتظرة مستقبليا . وإنما كانت تذكر دائما لشخصية موجودة حاضرة أو ماضية . إضافة إلى أنَّ كل هؤلاء المُسَحَاء ليس فيهم مخلوق سماوى نزل إلى الأرض وتجسد فى شكل إنسان . وإنما كانوا كلهم بشر عاديين اختصوا بالدعوة إلى الله أو رعاية شعب الله المختار حينذاك .
هذه هى الخلفية الدينية والتاريخية لكلمة ( م س ح ) التى اشتقت منها كلمة المَسِيح .
الخلفية اللغوية :
أولا .. معنى كلمة مَسيح فى اللغة العبرية :
يقول معظم علماء المسيحية أنَّ معنى كلمة مَسيح هو المَمْسُوح أو المَدْهُون بالزيت المقدس ( the anoint ) ولا يشذ منهم شاذ فى ذلك . ويقولون أيضا إنّ أصلها هو الفعل العبرى ( م ش خ ) ـ مع أنَّ الخاء لا توجد فى العبرية التوراتية ـ أى مَسَحَ .
... فإذا نظرنا فى أسفار العهد القديم العبرى أى النسخة العبرية التى تم تصويتها وكتابتها بواسطة أحبار اليهود فى القرن العاشر الميلادى . سوف نجد عدة كلمات تدل على معنى المَسْحُ والدَهْنُ بالزيت المقدس .
.. منها على سبيل المثال كلمة ماشاخ التى وردت فى الترجمات العربية مُعَبِراً عنها بالكلمات : مَسَحَ ومُسِحَ ومَسَحَوا وممسوحين ومَسْحِهِ ومَسْحَتِهِ . وأيضا : مَدْهُونَة ودَهَّنُوهُمْ .
.. ومنها كلمة ماشيخا التى وردت أيضا فى الترجمات العربية معبرا عنها بالكلمات : مَسِيح ومَمْسُوح ومَسِيحِى ومَسيح الرب ومَسْح ومَسِيحَكَ . وأيضا صيغة الجمع : مُسَحَائى .
.. ومنها أيضا الكلمات العبرية ميشيخا وموشيخا بمعنى يَمْسَحُون . وكلمة ميمشاخ ويتشار وبلل وسوك ..... الخ .(1/8)
قلت جمال : وهذه الكلمات العبرية (1) وعلى الأخص ماشاخ و ماشيخا لم ينطق بها المسيح ولا قومه أَبَّان بعثته لأنَّ هذا التصويت اللغوى العبرى قد بدأ العمل فيه من القرن السابع وانتهى فى القرن العاشر الميلادى أى بعد المسيح بألف سنة تقريبا . علما بأنَّ حرف الخاء ليس مِن حروف الأبجدية العبرانية القديمة ، عبرية الحروف الاثنين والعشرين . فهل يعقل أن نستدل بهذه اللغة على ما كان يتكلم به المسيح وقومه باللسان الآرامى الفلسطينى ..!؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
() .. راجع مواضع هذه الكلمات ومعانيها فى القاموس ( Strong’s exhaustive concordance ) تحت
الأرقام 4886 ؛ 4899 ؛ 4888 ؛ 4473 ؛ 3323 ؛ 1101 ؛ 5480 .
فليس الكلام هو الكلام وليست اللغة هى اللغة التى كانت متداولة حينذاك . فكيف نعتمد على هذا التخريج والتأصيل لكلمة مَسيح من تلك اللغة العبرية الماصورتية ..!؟
ربما يقصدون العبرانية القديمة التى أهملتها ألسنة بنى إسرائيل منذ أكثر من خمسة قرون من قبل ميلاد المسيح - عليه السلام - ولا يعرف المتخصصون طريقة نطقها حتى الآن مع أنَّ حروفها هى هى حروف اللغة الآرامية الأشورية ذات الاثنين والعشرين حرفا بحروفها المربعة الشكل ، كما أنها مذكورة فى الأسفار اليهودية تحت مسمى شفة كنعان ومن المعلوم أن شفة كنعان هى الآرامية ولكن حروفها ليست مربعة الشكل .
يقول الفيلسوف اليهودى الهولندى سبينوزا : " لم يترك علماء اللغة العبرية القدماء للخلف أى شئ بشأن الأسس والمبادئ التى تقوم عليها هذه اللغة أو على أقل تقدير لا يوجد لدينا أى شئ تركوه لنا : فلا يوجد قاموس أو كتاب فى النحو أو فى الخطابة . لقد فقدت الأمَّة العبرية كل ما يشرف الأمَّة ويزينها إلا فتات من لغتها وأدبها .(1/9)
لقد ضاعت تقريبا جميع أسماء الفاكهة والطيور والأسماك وأسماء أخرى كثيرة على مر الزمان . كما أنَّ معانى كثيرة من الأسماء والأفعال التى نصادفها فى التوراة إمَّا مفقودة أو على الأقل مختلف عليها .
فنحن إذاً نفتقر إلى هذه المعانى ، كما نفتقر بدرجة أشد إلى معرفة التراكيب الخاصة فى هذه اللغة ، فقد محى الزمان الذى يلتهم كل شئ كل العبارات والأساليب الخاصة التى استعملها العبرانيون تقريبا من ذاكرة الناس فلن نستطيع إذاً أن نبحث لكل نصّ كما نوَدّ عن جميع المعانى المقبولة وفقا للاستعمال الجارى فى هذه اللغة " (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. رسالة فى اللاهوت والسياسة ص251 ، ص252 .
وهذه اللغة القديمة لا يمكن فهم طلاسمها إلاَّ من خلال اللغة العربية كما بَيَّنَ ذلك كثير من المتخصصين فى هذا الشأن من علماء المسيحية .
... والخلاصة أننا لن نستطيع فهم معنى كلمة مَسيح وانطباقها على ابن مريم - عليه السلام - من خلال العبرية التى يستندون إليها . لأنَّ المعنى الوحيد لكلمة مَسيح فيها هو المَمْسُوح أو المَدْهُون سواء كان المَسْح بالزيت أو الدهان بالدهن وابن مريم - عليه السلام - لم يمسحه أحد لا بزيت ولا بدهن باعتراف جميع العلماء ولم يجرؤ أحد من علماء المسيحية العرب أن يقول عيسى المَدْهُون أو عيسى المَمْسُوح أو حتى يسوع المدهون والممسوح ..!!
ثانيا .. معنى كلمة مسيح فى اللغة اليونانية :(1/10)
وأصح ترجمة اعتمد عليها كاتبو الأسفار المسيحية هى النسخة السبعينية المعروفة بـ LXX )) ، التى كتبت فى الإسكندرية من قبل ميلاد المسيح ابن مريم - عليه السلام - بحوالى مائتين وخمسين سنة . وفى هذه النسخة السبعينية نجد أنَّ كلمة مَسيح الآرامية قد ترجمت فى اليونانية إلى (??????? ) التى تنطق خريستو أو كريستو بعد حذف لاحقة الإعراب اليونانية مِن آخر الكلمة ، وعنها سُجِّلت الكلمة فى سائر كتب العهد الجديد الحالية .
... وهذه الكلمة اليونانية مشتقة من كلمة خِرِيُو ( ???? ) اليونانية بمعنى مَسَحَ ودَهَنَ وطلى . وهناك عدة كلمات يونانية أخرى وردت فى الأناجيل وباقى كتب العهد الجديد تعبر عن المعنى مَسَحَ ودَهَنَ ومشتقاتها مثل الكلمات ( أليفو (((((( ؛ إِبِى ((( ؛ إِبِيخْرى ((((((( ؛ خِرِيُو (((( ) (1) .
... وكل هذه الكلمات بمعنى مَسَحَ بالزيت أو دَهَنَ بالدهن أو طلى بسائل ونحوه . ولكن القارئ اليونانى أثناء عصر تدوين كتب العهد الجديد لم يكن يعرف معنى مَمْسُوح ومَدْهُون ، لأنَّ الخلفية الدينية والتاريخية لهذه المعانى لم تكن معروفة فى العالم اليونانى فى ذلك الوقت .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1).. راجع معانى هذه الكلمات تحت أرقام ( 218 ؛ 1909 ؛ 5548 ) وذلك فى كتاب :
( Strong’s exhaustive concordance ) .
وحتى من بعد أن تمت الترجمة اللاتينية الرومانية عِوَضاً عن اليونانية والتى منها استخرجت اللغات الأوروبية المعروفة حاليا ومنها على الأخص اللغة الإنجليزية الحالية . وفى اللغة الإنجليزية نجد أنَّ كلمة مَسيح يتم ترجمتها إلى كلمة ( Anoint ) أى مَدْهُون أو إلى كلمة ( Smear ) بنفس المعنى . ولا يزال القارئ المسيحى الإنجليزى يجهل حقيقة المعنى المراد من هذه الكلمة ( anoint ) مع أنهم يقولون له إنَّ معناها مَدْهُون أو مَمْسُوح ..!!(1/11)
ولذلك نجد بعض علماء المسيحية المتخصصين والناطقين باللغة الإنجليزية يقولون بأنَّ كلمة ( Anointed ) ليس لها معنى مُحَدَّدا (1) .
قلت جمال :
وهنا أيضا كيف يمكننا أن نتعرَّف على معنى كلمة مَسيح من خلال هذه الكلمات اليونانية ( خريستو ، خِرِيو ، إِبِيخرى ، أليفو ، إبى ... ) ..!؟
وقد وردت صيغة الجمع من كلمة مَسيح فى كل من إنجيلى ( متى 24 :24 ومرقس 13 : 22 ) هكذا ( ((((((( ) وتنطق خِرستوى وفى الإنجليزية نجدها ( Christs ) وتنطق كرستس.
ولكن للأسف الشديد فإنَّ ابن مريم - عليه السلام - لم يتكلم اليونانية ، وإنما كان لسانه الوطنى آرامىّ اللهجة . وعلماء المسيحية يتمنون أن يكون المسيح ابن مريم - عليه السلام - قد تكلم اليونانية ولكن هذا الأمل لم يتحقق بدليل صحيح عندهم حتى الآن .
ثالثا .. استكمالاً للفائدة :
شاهدنا فيما سبق أنَّ كلمة مَسيح تعنى دائما عندهم كلمة المَمْسُوح والمَدْهُون وصيغ الجمع هى مُسَحَاء ومَمْسُوحون ومَدْهُونون . والمتتبع لهذه الكلمة فى الترجمات العبرية واليونانية وسائر اللغات الأجنبية سوف يجد أنها لا تدل على ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع النصّ فى آخر الكلام عن عبارة ) Son of Man ) فى الموسوعة الكتابية :
( Pictorial Encyclopaedia of Bible V3 page 203 )
اسم علم لشخص بدليل عدم ثبوت تصويتها بين اللغات . وإنما هى لقب لكل مَنْ مُسِحَ أو دُهِنَ بالزيت ليكون مؤهلا لخدمة الرب ولشعب الرب المختار .
... وهذا معناه أنَّ يسوع المسيح لم يكن عندهم مَسيحا من قبل أن يُعْلِنَ بعثته ورسالته ..!! وربما لم يكن مَسيحا من قبل أن يُمْسَحَ فى السماء عندما جلس عن يمين أبيه ( عبرانيين 1 : 9 ) ..!!(1/12)
والغريب أنَّ نصوص الأناجيل تشهد بأنه - عليه السلام - كان يأمر تلاميذه بعدم إشاعة أنه المَسيح بين الناس ..!! فهل كان ابن مريم - عليه السلام - من جملة هؤلاء المَمْسُوحِين و المَدْهُونين ..!؟ وهل يمكن أن نعتبره - عليه السلام - مَسِيحا من بين هؤلاء المُسَحَاء ..!؟
مع ملاحظة أنَّ هؤلاء المُسَحَاء فيهم الصادق فى دعواه وفيهم الكاذب وقد سجل كل من إنجيل متى ( 24 : 24 ) وإنجيل مرقس ( 13 : 22 ) قول ابن مريم - عليه السلام - يحذر أتباعه من المُسَحَاء الكذبة الذين سيأتون من بعده .
كما أنَّ فيهم مُسَحَاء يعبر عنهم بعبارة ضد المسيح (Anti Christ ) وفيهم أيضا المَسيح المؤمن والمَسيح الوثنى الكافر . فكيف نتعرف على المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - من بين هؤلاء المسحاء ..!؟ وكيف نتعرف على مصداقية اطلاق لقب المسيح على ابن مريم - عليه السلام - ..!؟ ومَن هو الذى أطلق عليه ذلك اللقب الشريف ..!؟ ومتى كان ذلك ..!؟
وقد سبق القول فى كل أبحاثى السابقة بأنَّ أسماء الأشخاص وألقابهم تظل كما هى فى سائر اللغات لا يترجم معناها فى النصوص . فمن كان اسمه أمين فى العربية لا نقول بأن اسمه أصبح فى الإنجليزية ( أونست honest ) وإنما هو ( Amen ) أيضا ..!!
أظن أنَّ الأمر واضح غاية الوضوح . لقد اعتبر علماء المسيحية كلمة المَسيح لا تدل على اسم أو لقب لابن مريم - عليه السلام - وإلا ثبت نطق هذه الكلمة بين سائر اللغات . فهو فى اليونانية خريستو وفى الإنجليزية كرست وفى العبرية ماشيخا وفى العربية مَسيح والله أعلم بما هو كائن فى باقى لغات العالم ..!؟(1/13)
... ولكن هناك الكثيرون من علماء المسيحية يرون أنَّ كلمة مَسيح اسم يدل على الوظيفة . فعندما يُمْسَحُ الشخص المراد جعله مَسِيحًا بالزيت المقدس يعتبر اسمه الوظيفى حينذاك هو المَسيح . كما نقول البابا والراهب . فهما لم يكونا بابا أو راهب إلا من بعد قيامهما بمهام هذه الوظيفة الدينية . مع أنَّ هذه الأسماء الوظيفية تمنح وتسحب من الأشخاص حسب مُكثهم فى هذه الوظائف .
وأعتقد أنَّ جميع المسيحيين يوافقوننى على أنَّ المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - لا ينطبق عليه ذلك الكلام السابق . فهو لم يُمْسَحُ من قِبَلَ أشخاص ، وإنما كان - عليه السلام - مَسيحا من قَبْل بعثته ، كما كان مَسيحا أثناء فترة بعثته ، وظل مَسيحا بعد انتهاء بعثته . ولن يستطيع أى شخص مهما كان أن ينزع عنه ذلك الاسم الشريف الذى زعموا أنه اسم وظيفى .
والأمر الغريب والمستغرب أنَّ المنتسبين إلى المَسيح - عليه السلام - لم يسموا أنفسهم بالمَمْسُوحين مع أنهم قد نالوا المِسْحَة ( كرسما (((((() من المسيح - عليه السلام - كما بيَّن ذلك يوحنا اللاهوتى فى رسالته الأولى فى الفصل الثانى فقرة ( 20 ، 27 ) ..!!
فالبحث حينئذ عن معنى كلمة مَسيح فى اللغات العبرية واليونانية أو حتى الإنجليزية لن يفيدنا كثيرا ، ولن نصل فيه إلى إجابة شافية عن الأسئلة الثلاث الآتية :
1 : كيف نتعرف على ابن مريم - عليه السلام - من بين هؤلاء المسحاء ..!؟
2 : وكيف نطابق مصداقية معنى الاسم مسيح على ابن مريم - عليه السلام - ..!؟
3 : ومن هو أول من أطلق هذا اللقب الشريف عليه ..!؟(1/14)
ولن أُضَيِّعَ وقت القارئ معى فى تتبع المعنى والإجابة على هذه الأسئلة من دراسة تلك اللغات التى لم يَعْرفها المَسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - ولا قومه أبَّان بعثته . فلن يقبل المسيحى العربى أن يقول عن المسيح - عليه السلام - أنه خرستو أو خرستوس أو خِرْيُو ( بالعربى خريان ..!! ) أو خِرْيُوس أو حتى موشيخا أو ميشيخا . لأنَّ العربىّ كان دائما يقول المَسيح من قبل ومن بعد ظهور الإسلام وزاد اقتناعه بذلك الاسم من بعد أن تَبَنِّى القرآن الكريم لذلك الاسم المبارك .
فمن أين جاءتهم هذه الكلمة المباركة المسيح ..!؟
هل ورثوها عن أجدادهم العرب فى الشام وفلسطين من قبل ظهور الإسلام أم أخذوها من القرآن الكريم ..!!؟
بنظرة سريعة فى التراث العربى القديم من قبل ظهور الإسلام سوف نجد أنَّ كلمة المَسيح كانت متداولة بين العرب عَلَماً على ابن مريم - عليه السلام - فنجدها فى أشعارهم وفى أسمائهم مثل عبد المسيح ونحوه .
جاء عن الشاعر الجاهلى ابن عبد الجز قوله (1) :
أما ودماء مائراتٍ تخالها على قُنَّةٍ العزَّى أو النِّسر عَنْدَما
وما قدَّس الرُّهبانُ فى كل هيكل أبيل الأبيلين المسيح ابن مريما
فهل العرب القدماء عَرَّبُوا هذه الكلمة من اليونانية ..!؟ أم أخذوها من العبرية التى لم تكن قد وُجِدَتْ على ساحة التاريخ بعد ..!؟ أم أنهم ورثوها تراثا عن لسانهم العربى القديم ..!؟
... نعم إنها الحقيقة . لقد حفظتها ذاكرتهم عن آبائهم وأجدادهم القدماء من قبل ظهور الإسلام ، لأنها من كلمات اللسان العربى القديم الآرامى . تلك اللهجة الآرامية أو اللغة الآرامية التى كان يتكلم بها المسيح - عليه السلام - وقومه ، فكانوا يقولون مَسيح و مِسيح بفتح الميم وكسرها ولا تزال العامة إلى وقتنا المعاصر ينطقونها هكذا بالفتح وبالكسر .(1/15)
وعندما سجلها القرآن الكريم احدى عشر مرة ضمن آياته المباركة وبقوله تعالى { وهذا لسان عربى مبين } علمنا أنها مِن كلمات اللسان العربى المبين . ومعنى المبين هنا أى أفصح وأنقى لهجات اللسان العربى القديم . ففى الآرامية مثلا نجد الكلمة تنطق مَسيح و مِسيح وعند إضافة أداة التعريف الآرامية تنطق الكلمة مَسيحا و مِسيحا بإضافة الألف الممدودة أى المَسيح و ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع كتاب أديان العرب قبل الإسلام ص 258 للأب جرجس داود . والأبيل معناها الزاهد والناسك
والراهب فى السريانية الآرامية .
المِسيح . وكلاهما لسان عربى ولكن فقط كلمة مَسيح بالفتح هى من اللسان العربى المبين . وبعد أن ثبتت لنا عروبة الكلمة وقِدَمَها إلى زمن بعثة المسيح - عليه السلام - فسوف أحاول بإذن الله تتبع معناها وفق اللسان الذى وُلِدَت فيه هذه الكلمة المباركة .
معنى كلمة مَسيح فى اللسان العربى
======================
...
من الثابت عند جميع العلماء من المسلمين والمسيحيين أنَّ المَسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - لم يَمْسَحه أحد مِنَ البشر لا بزيت ولا بدهن . فكيف يُطلقون عليه لقب مَسيح بمعنى مَمْسُوح أو مَدْهُون ..!؟ الكل قد قالوا بذلك المعنى أى أنه المَمْسُوح أو المَدْهُون . وقلب المؤمن من كل مِلَّةِ ودين لن يطمئن إلى هذا القول المأثور عن أحد مترجمى الأناجيل إلى اليونانية لا يعرف لغة المَسيح - عليه السلام - ولسانه الآرامى .
... ربما يقول لنا أحد المتعصبين الذين لا يريدون أن يفهموا : إنَّ المَسيح قد مُسِحَ فى السماء عندما جلس عن يمين أبيه من بعد انتهاء بعثته الأرضية استنادا إلى فقرة جاءت فى الرسالة إلى العبرانيين ( 1 : 9 ) . فأقول له : حتى لو كان ذلك قد حدث افتراضا ما جاز لأتباعه وقومه أن يقولوا عنه أبَّان فترة بعثته الأرضية إنه مَسيح لأنه لم يكن قد مُسِحَ بعد ..!!(1/16)
... وربما يقول آخر بلا دليل أو برهان على ما يقول : " استخدمت الكنيسة الأولى لقب المَسيح لأنَّ الروح القدس مَسَحَ حقا يسوع وهو فى أحشاء مريم العذراء يوم البشارة . ومَسَحَهُ للرسالة فى المعمودية . ومَسَحَهُ أخيرا بالقيامة من بين الأموات " (1) . وهكذا نراه قد كتب ما كتب بدون دليل واحد يذكره عن هذه المَسْحَات الثلاث . اضافة إلى التناقض بين أقواله . حيث قال إنَّ الكنيسة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. من أقوال القس فاضل سيدراوس فى كتابه ( يسوع المسيح فى تقليد الكنيسة ) ص12.
الأولى هى التى استخدمت لقب المَسيح وصفا لابن مريم - عليه السلام - وهذا لم يحدث إلا من بعد أن انتهت بعثة المَسيح ومن بعد إنشاء الكنيسة الأولى كما بينه علماء آخرون كما سيأتى .
... ولكن ابن مريم - عليه السلام - ثبت عنه أنه قال أنه المَسيح وشهد بذلك كبير تلامذته المدعو سِمْعَان بأنه المَسيح ولم ينكر عليه ذلك . وعندما سأل كبير الأحْبَار المَسيح عيسى - عليه السلام - بقوله أأنت المَسيح ..؟ أَقَرَّ بذلك وقال : أنا هو .. ( مرقس 14 : 61 ) .
فعيسى ابن مريم - عليه السلام - كان المَسيح بين قومه إبَّان فترة بعثته لا من بعد انتهائها كما يقولون . كما أنه - عليه السلام - لم يكن المَمْسُوح أو المَدْهون حيث لم يَمْسَحه أحد ولم يَدْهِنه أحد . وكلمة المَسيح هنا فى حقه - عليه السلام - لا تفيد ذلك المعنى كما سنرى إثبات ذلك الأمر بإذن الله تعالى :(1/17)
فكلمة مَسيح على وزن فعيل ولكنها ليست بمعنى المفعول مثل قولنا : جريح بمعنى مجروح وأسير بمعنى مأسور وقتيل بمعنى مقتول . فالقتيل لم يكن قتيلا من قبل أن يقتل والأسير لم يكن أسيرا من قبل أن يؤسر والجريح لم يكن جريحا من قبل أن يجرح . وكذلك الـ مَسيح هنا فى حق ابن مريم - عليه السلام - لا تعنى الـ مَمْسُوح لأنه لم يَمْسَحه أحد ، خلاف الجريح الذى هناك جارح له . والأسير الذى هناك من أسره والقتيل الذى هناك من قتله .
... كما أنَّ المَسيح كان مَسيحا منذ مولده وفى أثناء فترة حياته ثم من بعد انتهاء بعثته . فكلمة مَسِيح لا تساوى فى المعنى كلمة مَمْسُوح إذا تعلَّق الأمر بعيسى ابن مريم - عليه السلام - لدلالة القرائن جميعا على أنه ليس مَمْسُوحاً من أحد ولتناقض أقوال المستَدِلِّين واضطرابها كما مَرَّ .
وهنا لابد من هذه الإشارة اللغوية التى قد تضيئ المجاهل التى يتخبّط فيها أصحاب الأهواء ، ويضل فيها الجهلاء وأنصاف المثقفين .
وملخص ذلك أنَّ : كلمة مَسِيح على وزن فعيل من الفعل مَسَحَ .
والمراد هنا هو البحث فى دلالة فعيل هذه فى اللسان العربى ، لنطبقها على مسيح باعتبارها احدى وحداتها .
.. فهناك فَعيل التى تستخدم لمعنى المفعول والتى مَرَّ بنا التعرُّف عليها آنفا فى مثل جريح وقتيل اللتين بمعنى مجروح ومقتول . وقد أثبتنا أنَّ انطباق مثل هذه الصفة على المَسيح ممتنع واقعا وتاريخا .
.. وهناك فعيل التى لا تستخدم إلا بمعنى فاعل . وهى صفات الذوات مثل رحيم وكريم وحليم وأمين . وهى جميعا صفات ذوات لها تعلُّق بالآخرين من حيث ظهور أثرها عليهم ، فالكريم يظهر كرمه على الآخرين وقل مثل ذلك فى الرحيم والأمين والحليم .... الخ . فلا يعقل هنا أن نقول بأنَّ رحيم معناه مرحوم ، ولا أن نقول بأنَّ كريم معناه مكروم ..!!
..(1/18)
وهناك فعيل التى تستخدم للدلالة على الفاعل وعلى المفعول . مثل كلمة مَسِيح التى قد تدل على المَاسِح وعلى المَمْسُوح . ولكن لابد هنا من استقراء القرائن واستنطاق شواهد الحال لترجيح إحدى الدلالتين .
... وأظن ـ ويظن أى مُنْصِفٍ ـ أنَّ القرائن وشواهد الحال تُشِير بأصابعها وتكاد تنطق بألسنتها على دلالة الفاعل .
وليس من الحق والإنصاف أن يترك المَرْءُ الشواهد الواضحة والدلائل اللائحة ليتمسك بالأوهام . مع أنَّ معنى الفاعل أليق بشخص ابن مريم - عليه السلام - ومعجزاته . وهو الذى يميزه عن دون سائر المَمْسُوحِين من الكهنة والوثنيين . فما الذى يتميز به المَسيح - عليه السلام - إذا كان مَمْسُوحاً مثل الإمبراطور الوثنى قورش الذى أطلقوا عليه لقب مَسِيح الرَّب ..!؟
... بعد تلك الإشارة اللغوية التى تدارستها فى عجالة مع أخى الأستاذ الشيخ محمد عبد الحكيم القاضى جزاه الله خيرا أذكر قوله لى :
" إنَّ محاولة لَىِّ رِقَاب الصِّيَغ اللغوية للدلالة على ما تُمليه أوهام القوم وأمَانِيُّهم هو لَوْن من القرصنة اللغوية والإرهاب الذى يريد أن يَمُدَّ أظافره حتى يصل بها إلى رقبة الصيغ اللغوية ذاتها " .
والآن .. ماذا يختار علماء المسيحية من الدلالات التى مَرَّت بنا :
الحَقُ أم الباطل ..؟؟
انتبه معى أيها القارئ اللبيب وتمعن فيما أذكره لك من داخل الأناجيل لتفهم شيئا جديدا عن ابن مريم - عليه السلام - . إنَّ كلمة مَسِيح عندما تطلق على ابن مريم - عليه السلام - لا تأتى إلا بمعنى الفاعل تماما مثل كريم ورحيم وحليم ... الخ .
ومعلوم أنَّ كلمة مَسِيح مشتقة من الجذر ( م س ح ) ، وهذا الجذر اللغوى العربى له دائما معنيان متضادان فى المعنى ، فأنت تمْسَحُ جَسدك تريد إزالة التراب أو الماء عنه ، وأنت تمْسَحُ جسدك أيضا تريد غسله بوضع الماء أو الطيب عليه . فالمسح هنا يستخدم فى المعنيين الإزالة والوضع .(1/19)
وكذلك نجد أنَّ كلمة المَسِيحُ تستخدم للدلالة على معنيين مختلفين : فهناك مسيح يُمْسَحُ بضم الياء أى يَمْسَحَهُ الآخرون ( المَمْسُوح ) .
وهناك مَسيح يَمْسَحُ بفتح الياء أى يَمْسَحُ هو الآخرين ( المسيح ) .
وابن مريم - عليه السلام - قد جعله الله تبارك وتعالى منذ مولده مباركا حسنا وقال عنه على لسان ملائكته لمريم { إنَّ الله يبشرك بكلمة منه اسمه المَسِيحُ عيسى ابن مريم } . فالمَسيح اسم للموصوف وليس لقبا اخترعته الكنيسة فيما بعد ..!!
ويظهر لنا معنى ذلك الاسم المبارك المَسِيحُ عندما نقرأ الأناجيل المتداولة وننظر فى كيفية إجرائه - عليه السلام - لمعجزاته . فسوف نجد دائما عملية المَسْح باليدين على من يتم إجراء المعجزة بشأنه . تماما كما تمْسَحُ جسدك تريد إزالة الغبار والتراب عنه مع فارق كبير . أى أنه عليه السلام هو المَسيح الذى يَمْسَحُ الآخرين ..!!
فمَسْحُ المَسِيح - عليه السلام - بيده الشريفة على أجساد المرضى والموتى يعنى إزالة الآفات والأمراض من الأجساد . وهذا المعنى لم يفطن له أحد من علماء المسيحية لا فى الشرق ولا فى الغرب ..!!
فالمسيح - عليه السلام - كان حاملا لجميع المعانى الطيبة المباركة التى يمكن اشتقاقها من مادة ( م س ح ) العربية .
فكان - عليه السلام - يمسح الأمراض والعاهات من الأبدان ، فهو إذاً مَسِيحٌ بحق . مَسْحٌ بمجرد اللمس المباشر لا بزيت ولا بدهن ولكن بإذن من الله تعالى (1) . وبهذا المعنى الدقيق يمكننا أن نفرق بين المسيح ابن مريم - عليه السلام - وبين المسحاء الآخرين الممسوحين .
تلك هى المِسْحَة الربَّانية التى حاولوا محاكاتها على أيدى القساوسة والرهبان ولكن بزيت ودهن وأطلقوا عليها اسم مِسْحَة الشفاء (2) . ولكن هيهات هيهات أن يكونوا مثل المسيح ابن مريم - عليه السلام - . فهلموا معى أيها القراء الأعزاء لنشاهد ذلك المعنى الجديد فى نصوص الأناجيل .(1/20)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. ويعبر عن ذلك الإذن الإلهى فى الأصول اليونانية للأناجيل بأنه كان - عليه السلام - ينظر إلى السماء عند إجرائه
للمعجزات ويتمم ببعض كلمات كأنه يطلب الإذن الإلهى .. !!
(2) .. رسالة يعقوب ( 5 : 13 ـ 15 ) .
قراءة جديدة لمعجزات المسيح - عليه السلام - الشفائية
=============================
سبق أن ذكرت أنَّ كلمة مَسيح على وزن فعيل بمعنى فاعل وأنَّ لها متعلقا تظهر آثارها عليه . تماما مثل الكريم الذى يفيض كرمه على الآخرين والرحيم الذى تفيض رحمته على الآخرين والحليم الذى يفيض حلمه على الآخرين . والأمين الذى تصدق أمانته بين الناس . واللئيم الذى يصيب لؤمه الآخرين . إلى آخر ما جاء فى مفردات اللسان العربى من مثل تلك الصِّفات .
... ودراستنا هنا تدور حول إثبات مصداقية الاسم على حامله حتى يؤمن الجميع بأنَّ كلمة مَسِيح تنطبق على ابن مريم - عليه السلام - اسماً ومعنىً ، رَسْماً وحقيقةً . فهو بحق المَسِيحُ بألف ولام التعريف بلا منازع . فهو يختلف إذاً عن كل الـ مُسَحَاءِ المذكورين ـ بدون أداة التعريف ـ فى التراث اليهودى والمسيحى .
... وسبق أن ذكرت أنَّ من معانى كلمة ( م س ح ) هو الإزالة مثل مَسْحِك ثوبك بيدك تريد إزالة الغبار والتراب عنه . وهذا المعنى يضاد المَسْحُ الذى يثبت العكس بمعنى أنك تمْسَحُ وجهك تريد غسله بالماء أو مَسْحِه بالزيت أو الطيب . وهذا المعنى الأخير تأتى منه الصفة مَمْسُوحٌ و مَدْهُونٌ وقد بَيَّنْتُ أنَّ هذا المعنى لا ينطبق على ابن مريم - عليه السلام - حيث لم يَمْسَحُهُ أحَدٌ من البشر لا بزيت ولا بدهن .(1/21)
... وسوف نرى بإذن الله تعالى المعنى الأول من كلمة ( م س ح ) واضحا جليا فى الأناجيل المتداولة بين الناس حاليا . فكان - عليه السلام - بمجرد أن يَمْسَحُ بيده الشريفة على أجساد المرضى تذهَبُ منهم الآفات ويحِلُّ الشفاء سريعا بإذن الله .
بمعنى أنه - عليه السلام - كان يَمْسَحُ الآفات والأوجاع من أجساد المرضى والموتى فيحل الشفاء وتنعَمُ الجثث بالحياة مرة ثانية بإذن الله تعالى . فهو إذاً المَسِيحُ الذى يفيضُ معنى اسمه على الآخرين . المَسِيحُ الذى يَمْسَحُ الآخرين . المسيح الحق . وليس هو بالمَمْسُوحِ ( the anointed ) كما يقول علماء المسيحية قاطبة . مع التيقن التام بأنَّ صِفة المسح تلك ليست طبيعة كونية فيه - عليه السلام - لأنها مُقيَّدة بإذن الله تعالى .
... 1 .. إبراؤه - عليه السلام - للعمى :
جاء فى إنجيل متى (20 : 33 - 34 ) أنه كان هناك أعميان جالسان على الطريق أثناء سير عيسى - عليه السلام - فاستنجدا به فقال لهما : " ماذا تريدان أن أفعل بكما .!؟ قالا له : يا سيِّد أن تنفتح أَعْيُنُنَا . فتحنن عيسى ولمَسَ أعينهما فللوقت أبصرت أعينهما " . وذُكِرَت هذه الحادثة وربما غيرها فى إنجيل متى أيضا ( 9 : 9 - 30 ) حيث جاء فيه أنه - عليه السلام - " لمَسَ أعينهما قائلا لهما : بحسب إيمانكما ليكن لكما . فانفتحت أعينهما " .
وجاء فى إنجيل مرقس ( 8 : 22 - 25 ) " وجاء ـ - عليه السلام - ـ إلى بيت صيدا فقدَّمُوا إليه أعمى وطلبوا إليه أن يلْمِسَهُ . فأخذ بيد الأعمى وأخرجه إلى خارج القرية وتفل فى عينيه ، ووضع يديه عليه وسأله : هل أَبْصَرَ شيئا ؟ فتطلَّعَ الأعمى وقال : أُبْصِرُ الناس كأشجار يمشون . ثم وضع يديه أيضا على عينيه وجعله يتطلع . فعاد صحيحا وأبصر كل إنسان جليا " .(1/22)
قلت جمال : ونلاحظ هنا أنَّ المَسْحُ قد عُبِّرَ عنه باللمْسِ ووضع اليد وهما بنفس المعنى بدون خلاف . بمعنى أنَّ وضع اليد الشريفة على العضو المصاب يُذْهِبُ ما يسبب العمى فيعود الأعمى مبصرا بإذن الله تعالى . كما أنَّ النصّ يفيد بأنَّ قومه كانوا يعلمون أنه المَسِيحُ الذى يَمْسَحُ الآخرين فيزيل الله بمسحته الأمراض والعاهات بمجرد المَسْح بيده الشريفة واشتهر ذلك بينهم وإن عَبَّرت الأناجيل اليونانية بكلمة اللمْس بدلا من المَسْح وهما قريبان فى المعنى .
... 2 .. إبراؤه - عليه السلام - للأبرص :
جاء فى الأناجيل الثلاثة ( متى 8 : 3 ؛ مرقس 1 : 41 ؛ لوقا 5 : 13 ) ذِكر معجزة إبراؤه - عليه السلام - للأبرص " فمد يده ولمسه . وللوقت ذهب عنه البرص " . وهنا أيضا نجد أنَّ الشفاء قد تم بواسطة المَسْح على الأبرص وإن جاءت الترجمة بكلمة لمِسَهُ وهما بمعنى واحد تقريبا . المهم هو ملامَسَة المريض لجسد المسيح حتى يتم الشفاء سريعا .
... 3.. إبراؤه - عليه السلام - لأصمّ أعقد :
روى هذه المعجزة إنجيل مرقس ( 7 : 32 ـ 35 ) " وجاءوا إليه بأصَمَّ أعقد وطلبوا إليه أن يضع يده عليه . فأخذه من بين الجمع على ناحية ووضع أصابعه فى أذنيه وتفل ولمس لسانه . ورفع نظره نحو السماء وأَنَّ وقال له : إِفَّثَا ـ أى انفتح ـ وللوقت انفتحت أذناه وانحل رباط لسانه وتكلم مستقيما " (1) .(1/23)
قلت جمال : وهنا نجد أنَّ المسيح - عليه السلام - بعد أن وضع أصابعه فى الأذن المصابة ولمس بيده اللسان الأعقد ، رفع نظره نحو السماء ودعا الله بصوت خافت ـ الذى جاء التعبير الإنجيلى عن ذلك الدعاء الخافت بكلمة أنَّ ـ إنها العبارة الصادقة الدالة على طلب الإذن من الله تعالى (2) . فالشفاء بيد الله تعالى وحده ، والمسيح ما هو إلا وسيلة من وسائل الشفاء التى أجراها الله تعالى لخلقهِ . وهذه العبارة هى ترجمة حال للقول القرآنى { بإذن الله } حيث قال تعالى { وتبرئُ الأكمه والأبرص بإذنى } (110/ المائدة ) .
وهنا نجد كلمة آرامية جاءت فى الأصول اليونانية هكذا : ( ?????? ) وتصويتها بالإنجليزية هو ( ef - fath – ah ) وتنطق ( إف ـ فَثَ ـ اح ) . أى أنَّ منطوقها هو ( إف فثاح ) .
وحيث أنَّ حرف الثاء يتبادل مع حرف التاء بين الآرامية والعربية حيث نقول فى العربية أثنين وثلاثة وفى الآرامية تنين وتلاته فيكون التصويت العربى هو ( إف فتاح ) . وهو يعادل الصيغة المتداولة العامية ( إتفتاح أو إتفتيح ) بعد إعمال قاعدة التبادل بين الهمزة والياء . بل إنَّ إدغام نون الانفعال فى الحرف الأول على حسب التعبير والصياغة الآرامية موجود فى لساننا العامى . فهناك الكثيرون الذين يقولون فى انفتح افَّتَح وفى انكسر إكَّسر . ويقولون فى انطبخَ اطَّبخَ ..... الخ . وقد تختصر هذه الكلمة هكذا إتفتح . وهذه كلمة لا نزال نقولها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. كلمة ( أنَّ ) هى ترجمة خاطئة لكلمة ( تمتم ) أى قال كلاما لم يسمع تفاصيله من كان حوله . أى صلى لله
بصوت خافت أو دعاه بصوت خافت . وأما كلمة ( أنَّ ) فهى من ( الأنين ) أى التوجع الذى يصدر من
المرضى وعيسى - عليه السلام - لم يكن مريضا حتى يئن .. !!
(2) .. وسوف تشاهد مثل ذلك فى معجزة إحياء العازر من الموت ( إنجيل يوحنا 11 : 41 ـ 44 ) .(1/24)
فى عصرنا الراهن مما يؤكد أنَّ لغة المسيح الآرامية عبارة عن لهجة من لهجات اللسان العربى وهى تقترب كثيرا من من لهجتنا العامية فى مصر وعلى الأخص لهجة صعيد مصر ..!!
... 4 .. إحياؤه - عليه السلام - للموتى بإذن الله :
جاء فى إنجيل لوقا ( 7 : 11 - 17 ) " وفى اليوم التالى ذهب إلى مدينة تُدْعَى نايين . وذهب معه كثيرون من تلاميذه وجمع كثير . فلما اقترب إلى باب المدينة إذا ميت محمول ، ابن وحيد لأمِّهِ وهى أرملة ، ومعها جمع كثير من المدينة فلما رآها المَسيح تحنن عليها وقال لها لا تبكى . ثم تقدم ولمس النعش فوقف الحاملون . فقال : أيها الشاب لك أقول : قم . فجلس الميت وابتدأ يتكلم فدفعه إلى أمِّه فأخذ الجميع خوف ومَجَّدوُا الله قائلين : قد قام فينا نبىّ عظيم " .
قلت جمال : ونجد هنا أنَّ المَسْحَ ـ اللمس ـ كان للنعش فقط لأنَّ المعجزة أكبر بكثير من إبراء الأعمى والأبرص . فتصاعدت أدوات المعجزة من المَسْح على الميت إلى الاكتفاء بالمَسْح على النعش . أو لأنَّ الميت هنا داخل الكفن ( coffin ) ملفوف به فحال وجود الكفن من وصول يد المسيح - عليه السلام - إلى جسد الميت فاكتفى بلمْسِ النعش وهذا هو الأصح قولا .
وجاء أيضا فى كل من إنجيل ( مرقس 5 : 40 - 42 ؛ متى 9 : 25 ؛ لوقا 8 : 54 ) معجزة إحياء الفتاة الذى تدعى طلية . وأذكر النصّ من إنجيل مرقس لأنه أقدم الأناجيل تدوينا إضافة إلى أنه الإنجيل الوحيد الذى وردت فيه كلمات آرامية كثيرة :(1/25)
" وإذا واحد من رؤساء المجمع اسمه يايرس جاء ، ولَمَّا رآه خرَّ عند قدميه وطلب إليه كثيرا قائلا : ابنتى الصغيرة على آخر نسمة ليتك تأتى وتضع يدك عليها لتشفى فتحيا " وذهب معه المسيح - عليه السلام - إلى منزله فسمع القوم يبكون ويولولون " فدخل وقال لهم : لماذا تضجون وتبكون ..!؟ لم تمت الصبية لكنها نائمة فضحكوا عليه . أمَّا هو فأخرج الجميع وأخذ أبا الصبية وأُمَّهَا والذين معه ودخل حيث كانت الصبية مضطجعة . وأمسك بيد الصبية وقال لها : طليثا قومى ( ????? ) وللوقت قامت الصبية ومشت لأنها كانت ابنة اثنتى عشرة سنة فبهتوا بهتا عظيما " (1) .
قلت جمال : وهنا نجد وضع اليد طلبا للشفاء واضحاً إن كانت الفتاة مريضة ولم تمت كما قال المسيح - عليه السلام - لم تمت الصبية ولكنها نائمة . وإن كانت قد ماتت كما يقول علماء المسيحية فقد وضع المسيح - عليه السلام - يده الشريفة على يدها وأقامها من الموت . ونجد هنا أنَّ ظاهرة المَسْح المعبر عنها هنا بوضع اليد أو الإمساك بها قد عملت مفعولها فى المعجزة . فهو بحقٍّ المَسِيحُ الذى يَمْسَحُ .
ولى هنا وقفة لغوية طريفة : ثبت من حفريات وآثار رأس الشمرا وأوغاريت فى سوريا أنَّ الإله بعل الآرامى كان له ثلاث بنات هُنَّ : بدرية وأرصية وطلية . والاسم الأول منسوب إلى القمر ( بدر ) والثانى منسوب إلى الأرض ( أرص ) بالصاد لخلو الآرامية من حرق الضاد . والثالث منسوب إلى المطر الخفيف ( الطل ) . واسم البنت الثالثة طلية هو ذات اسم الفتاة التى أقامها المسيح - عليه السلام - بإذن الله من رقادها .
... والجملة طليثا قومى تحتاج لشرح بسيط . فحرف الثاء يعادل حرف التاء فى الآرامية كما سبق بيانه . والجملة تقرأ هكذا فى الآرامية : طليتا قومى .(1/26)
وأصلها هو ( طلية ـ ا ـ قومى ) وهذه الألف التى فى آخر الاسم تستخدم فى الآرامية كحرف نداء مثل ( يا ) فى العربية . كما أنَّ لها استخداما آخر للتعريف كما فى مَلْكا حيث توضع ألف ممدودة فى آخر الكلمة أى الملك .
ومعنى هذه الجملة الآرامية كالآتى :
طلية : اسم الفتاة وهو اسم مشتق من الطلّ أى المطر الخفيف والذى يعادله فى عاميتنا الاسم نادية أو ندية . وهو اسم عربى صميم مائة فى المائة .
الألف الممدودة : هو حرف النداء فى الآرامية والذى يعادل ( يا ) فى عربيتنا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. قارن بين إحياء المسيح - عليه السلام - للفتاة طلية وإحياء اليسع للموتى المذكور فى سفر الملوك الثانى ( 13 : 20 ؛
4 : 32 - 37 ) حيث اضطجع فوق الصبى الميت بكامل جسمه ووضع فمه على فمه وعينيه على عينيه
ويديه على يديه وتمدد عليه .. وكرر ذلك الفعل مع الصلاة إلىالله إلى أن أحيا الله الصبى ..!! .
وراجع أيضا إحياء )إيليا ) لابن الأرملة المذكور فى سفر الملوك الأول ( 17 : 24 ) .
التى نتكلمها .
قومى : فعل أمر بمعنى قومى العربى أى انهضى .
فيكون صحيح الجملة عربيا هو : يا طلية قومى ..!!
ومترجمو الأناجيل يعلمون معنى الجملة حيث قالوا أنَّ معناها يا فتاه قومى ولكنهم لم يعلموا كيف جاء المعنى من الآرامية ..!! كما لم يعلموا شيئا عن اسم هذه الفتاة ..!!
ثم أشير هنا إلى أنَّ الكلمة اليونانية المسجلة فى أصل إنجيل مرقس وهى كلمة قومى ( ????? ) التى كتبت فى اليونانية بذات التصويت الآرامى قومى ولكن بلكنة الكاف بدلا من القاف - لعدم وجود حرف القاف فى اليونانية - فجاءت الكلمة هكذا : كومى وفى بعض النسخ اليونانية الأخرى نجدها مكتوبة هكذا كوم أى قوم بصيغة التذكير مع أنها فتاة ..!!(1/27)
وهذه الكلمة لا تزال تكتب فى النسخ الإنجليزية وغيرها بنفس المنطوق الآرامى العربى قومى أو كومى كما نقول فى عاميتنا فى صعيد مصر . وفى هذه المعجزة نجد الدليل على أنَّ المسيح - عليه السلام - كان يتكلم أيضا بلسان يقترب كثيرا جدا من لساننا العربى العامى .
واستكمالا للفائدة : أذكر كيفية إحياء المسيح - عليه السلام - للموتى عندما تتعذر عليه عملية المسح بيده الشريفة على جسد الموتى . جاء فى إنجيل يوحنا الإصحاح الحادى عشر قصة إحياء لعاذر من بعد مضى أربعة أيام على موته : " فرفعوا الحجر حيث كان الميت موضوعا ورفع عيسى عينيه إلى فوق وقال : أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لى . وأنا عَلِمتُ أنَّك فى كل حين تسمع لى ، ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت . ليؤمنوا أنك أرسلتنى " ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم : لعاذر هَلُمَّ خارجا فخرج الميت " ( إنجيل يوحنا 11 : 41 ـ 44 ) .
وهذا النصّ فيه الدليل البيِّن على طلب الإذن الإلهى من السماء وأنَّ المعجزة تمت بغرض إثبات أنَّ المسيح رسول الله حقا . ولكن للأسف الشديد نجد أنَّ علماء المسيحية يفهمون هذا النصّ خلاف معناه الواضح السهل ..!!
... 5 .. إبراؤه - عليه السلام - لمرض الحُمَّى :
يروى كل من إنجيلىّ ( متى 8 : 14 - 15 ؛ مرقس 1 : 30 – 31 ) أنَّ المسيح - عليه السلام - عندما ذهب إلى بيت تلميذه سِمْعَان ـ بطرس ـ وجد حماة سمعان محمومة " فلمس يدها فتركتها الحُمَّى وقامت تخدمهم " .
... 6 .. إبراؤه - عليه السلام - للمرأة المنحنية الظهر :
يروى لنا هذه المعجزة إنجيل لوقا ( 13 : 13 ) حيث يقول " ووضع عليها يده ففى الحال استقامت ومَجِّدَت الله " .
7 .. إبراؤه - عليه السلام - لمن به استسقاء :
يروى هذه المعجزة إنجيل لوقا فى ( 14 : 2 - 4 ) حين شاهد المسيح - عليه السلام - رجلا مُسْتَسْقا " فأمسكه وأبرأه وأطلقه " .
... 8 .. إبراؤه - عليه السلام - للنازفة دماً :(1/28)
روى هذه المعجزة كل من الأناجيل ( متى 9 : 20 ؛ مرقس 5 : 27 ؛ لوقا 8 : 44 ) وفيها نجد أنَّ الأمر قد فاض وتجاوز شكل المسح أو اللمس من يده الشريفة لإذهاب الآلام والأمراض من الأجساد . حيث نجد هنا فى هذه المعجزة أنَّ المرأة النازفة دَماً قد جاءت من خلف المسيح - عليه السلام - وهو بين جموع من الناس و مَسَّت ثوبه أو لمست هدب ثوبه ففى الحال وقف نزف دمها . ويذكر لنا كتبة الأناجيل أنَّ المسيح - عليه السلام - قد أحس بهذه الحركة وبأنَّ شيئا قد خرج منه بمجرد لمس المرأة لطرف ثوبه ..!!
قلت جمال : إنها القوة الشفائية المكنونة فى اسمه المَسِيح التى تزيل كل الآفات والأمراض بإذن الله تعالى . جاء فى إنجيل لوقا ( 6 : 19 ) " وكل الجميع طلبوا أن يلمسوه لأن قوَّة كانت تخرج منه وتشفى الجميع " . وجاء أيضا فى إنجيل لوقا ( 8 : 46 ) " وقال يسوع : قد لمسنى واحد لأنى علمت أنَّ قوَّة قد خرجت مِنِّى " .
... 9 .. إبراؤه - عليه السلام - لجموع كثيرة بمجرد لمْسِهم له :
روى مرقس فى إنجيله ( 3 : 10 ) أنَّ أمر المسيح قد أشتهر " حتى وقع عليه ليلمسه كل من فيه داء " . مجرد اللمس للجسد الشريف يذهب الأوجاع ويحل الشفاء ..!! إنها الصورة الواضحة تماما لمتعلق كلمة مَسِيح الآرامية العربية . الإزالة لكل ما هو ضار ، وليس معناها المَمْسُوح أو المَدْهُون كما يقولون ..!!
والآن وبعد أن شاهد القارئ الفطن سِرًا من أسْرَار معنى كلمة المَسِيح العربية . وأيقن وتحقق من انطباق الصفة على الموصوف . بات واضحاً أنه ليس هناك إلاَّ مَسِيحاً واحداً يتحقق فيه معنى الكلمة فى أحسن معانيها . إنه المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - معَّرفاً بالألف واللام . المَسِيحُ الذى يَمْسَحُ الآخرين فيُذهب عنهم الأسقام والآلام .(1/29)
يقول كاتب إنجيل يوحنا فى ( 20 : 31 ) " وأمَّا هذه المعجزات فقد دُوِّنَتْ لتؤمنوا بأنَّ عيسى هو المَسيح ـ معرفا بالألف واللام ـ ... " . وأمَّا الآخرين المذكورين فى أسفار الكتاب المقدس بعهديه فلا ينطبق عليهم لقب المَسِيحُ بهذا المعنى وإنما هم مَمْسُوحِون أو مَدْهُونِون أو مُسَحَاء بدون ألف ولام التعريف .
وأمَّا عن المُسَحَاء الكَذَبَة الذين أخبر عنهم المَسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - فينطبق عليهم من ألقابهم الصفات المضادة لمعنى كلمة مَسيح فهم مُسَحَاء كذبة يجلبون الآفات والأوجاع والكفر والنفاق إلى من يخالطهم ويسير فى ركابهم عافانا الله منهم ومن كبيرهم المَسِيحُ الدَجَّال المذكور فى العهد الجديد تحت مسمى ضد المَسيح .
... وحيث أنَّ صفة المَسْح ثابتة فى حق المَسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - فهى إذا صفة ملازمة له لا تُنْزَع منه إلا بإذن مِن الله تعالى . كما أنها ليست بوظيفة كما يقول علماء المسيحية . بمعنى أنها اسم ثابت له عليه السلام ، فلك أن تقول أنَّ اسمه المَسيح عيسى أو أن تكتفى بقولك أنَّ اسمه المَسيح . ولكن لا تقل عيسى ( أو يسوع ) فقط لأنَّ هناك الكثيرون الذين يحملون هذا الاسم . ولابد من التمييز بقولك عيسى ابن مريم . وتعتبر الصيغة المَسيح عيسى ابن مريم هى أصح الصيغ الدالة على اسمه الشريف حيث قُدِّمَت الصفة المَسيح على الاسم الشخصى عيسى ابن مريم .
وقد تحقق لنا من القراءة السابقة لمعجزات المسيح - عليه السلام - أنَّ كلمة المَسِيحُ هى الأكثر دلالة وإشارة إليه - عليه السلام - . فالمعجزات تمت تحت الاسم المَسيح وليست تحت الاسم عيسى أو يسوع ، حيث كان المَسْحُ من يده الشريفة على الموتى والمرضى وذوى العاهات هو الشئ الظاهر للناس حيث تراه عيونهم ..!!(1/30)
فكان التحدى وإثبات الرسالة يتم عن طريق الاسم المَسِيح لا عن طريق الاسم عيسى أو يسوع . ومن هنا كان الإيمان بأنه المَسِيح لا بأنه عيسى فقط . وحيث أنَّ علماء المسيحية لا يرون فيه إلا معنى المَمْسُوح أو المَدْهُون فقد غابت عنهم هذه المعانى الطيبة للاسم المَسِيح . كما أنهم فقدوا الإيمان بالاسم المَسِيحُ عيسى حيث اختفى من أناجيلهم الأربعة وَحَلَّ مكانه الاسم .. يسوع ..!!
تأمل معى أيها القارئ المنصف للحق ، المُحِبُّ للمَسيح - عليه السلام - إلى هذه النصوص الإنجيلية :
.. اعترافه - عليه السلام - أثناء بعثته بأنه المَسِيح بالألف واللام حسب ما جاء فى نصوص إنجيل مرقس اليونانية ( 14 : 61 ، 62 ) هكذا (((((((((( ) حين سأله رئيس الكهنة قائلا : هل أنت المَسيح .. ؟
ولم يقل له هل أنت مَسيح .. ؟ وكانت الإجابة " أنا هو .. " .
.. وقوله - عليه السلام - لتلاميذه حسب ما جاء فى إنجيل متى ( 23 : 1 ) :
" لأنَّ رئيسكم واحد وهو المَسيح (((((((((( ) " فذكر أداة التعريف .
.. واعتراف التلاميذ متمثلا فى قول كبيرهم سِمْعَان حسب ما جاء فى إنجيل مرقس ( 8 : 29 ) : أنت المَسيح بذكر أداة التعريف هكذا ( ((((((((( ) .
... .. واعتراف المرأه ـ مرثا ـ حيث قالت حسب ما جاء فى إنجيل يوحنا ( 11 : 27 ) : " أنا قد آمنت أنك أنت المَسيح " . فجاءت بالاسم معرفا أيضا ( ( ((((((( ) . ولم تقل : آمنت أنك أنت يسوع أو آمنت أنك مسيح . ألا يدل ذلك على أنه كان يُدْعَى المَسِيحُ أثناء فترة بعثته . وأنَّ الإيمان برسالته كان لا يتم إلا بعد الإيمان بأنه المَسيح ..!؟(1/31)
وهذا الأمر هام جدا لكل مسيحى يؤمن حقا بـ المَسيح كما كان يؤمن به تلاميذه ومعاصروه ، حيث سنجد فيما بعد أنَّ الاسم الشريف المَسِيح المُعَرَّف بالألف واللام قد انسلخت منه أداة التعريف بواسطة أتباع الكنيسة الأولى من بعد عصر بعثة المَسيح - عليه السلام - ليصبح الاسم مَسيح . ثم يتأخر ذلك الاسم أيضا ليتقدم عليه الاسم عيسى ليصبح عيسى مَسيح حسب اعتراف علماء المسيحية غربيها وشرقيها كما سيأتى بيانه بعد قليل بإذن الله تعالى .
... ثم تظهر لنا نصوص غريبة فى الأناجيل تقول بأنَّ المَسيح - عليه السلام - قد أمر بكتمان الأمر بأنه مَسيح حسب ما جاء فى إنجيل متى ( 16 : 20 ) وأنه - عليه السلام - كان يحظر على الشياطين أن يعلنوا أنه مَسيح حسب ما جاء فى إنجيل لوقا ( 4 : 41 ) .
وتلك مسألة عويصة عندهم تسمى بمسألة السِرّ المسيحانى تجدها فى معظم كتب اللاهوت وفى شروح إنجيل مرقس خاصة . ويستمر الغموض والتناقض عند دراسة نصوص العهد الجديد كظاهرة ثابتة لمن أراد البحث والتنقيب فى أصول الأناجيل اليونانية ..!!
وعبارة عيسى مَسيح هى التى تذكر فى الأناجيل حسب الأصول اليونانية وهى التى تذكر فى الترجمات العربية بالعبارة يسوع المسيح ..!! والفرق واضح جلىّ بين أن تقول العبارة المَسِيحُ عيسى التى تبين لنا وتحدد شخصية ابن مريم - عليه السلام - بأنه هو المَسِيحُ ولا مَسِيحَ آخر غيره حيث يكتب معرفا بالألف واللام (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. لن يلاحظ قارئ الأناجيل العربية هذه الفروق الهامة حيث لا تتطابق هذه الترجمات العربية مع الأصول
اليونانية أو حتى الترجمات الإنجليزية وسأضرب أمثلة على ذلك بعد قليل . مع ملاحظة أنَّ عبارة ( المسيح
عيسى ) لم ترد فى الأصول اليونانية للأناجيل الأربعة .. !!(1/32)
أمَّا عبارة عيسى مسيح ( أو يسوع مسيح ) (1) فهى تقدم لنا ابن مريم - عليه السلام - على أنَّ اسمه عيسى أو يسوع ، وأنه مَسِيحٌ من ضمن مجموعة مُسَحَاء . فهناك الكثيرون مثله من المُسَحَاء إلا أنه يتميز عنهم بأنَّ اسمه عيسى . فشتان بين المعنيين وما أبعد المسافة بين المَسيح و مَسيح ..!!
... ومن هنا كان العُثَار فى الإيمان بـ المَسِيحُ عيسى حيث تشابه القول عليهم وانحرف الإيمان السابق بـ المَسِيح إلى الإيمان اللاحق بـ اليسوع ..!!
ويا ليت الأمر لم يتجاوز هذا الانحراف عن الاسم الصحيح ، حيث سنجد عبارة أخرى تظهر كثيرا فى رسائل بولس وهى عبارة مسيح عيسى التى تكتب فى الأصل اليونانى ( (((((((((((( ) . وفى الترجمات العربية نجدها تكتب مَسيح عيسى بتقديم مَسيح على عيسى وهذه الشخصية المُسَمَّاة مَسيح عيسى تختلف تماما عن المَسِيح عيسى وعن عيسى مَسِيح .
... وعبارة مَسيح عيسى نجدها ترد فى معظم الأحيان مسبوقة بحرف الجر فى كأنه شخص يدخل فى الناس ويدخل الناس فيه ..!! وهو أشبه بمصطلح صوفى مأخوذ عن فلاسفة الإشراق اليونان ..!!
... والقارئ العربى العادى المتوسط الثقافة يدرك بسهولة معنى العبارة مَسيح عيسى وأنها تختلف تماما عن عبارة عيسى مَسيح . فهناك مَسيح يخص عيسى يشار إليه بالعبارة مَسيح عيسى . وهناك عيسى الذى يُعَدُّ مَسيحا من ضمن مجموعة مُسَحَاء يشار إليه بالعبارة عيسى مسيح ..!!
ولتتأكد من هذا المعنى استبدل كلمة مَسيح فى العبارة بأى كلمة أخرى ولتكن على سبيل المثال كلمة عبد ثم انظر معى إلى العبارتين : عبد عيسى و عيسى عبد . فأمامك الآن شخصان لا شخص واحد . أحدهما عبد لشخص يدعى عيسى . وثانيهما شخص يسمى عيسى صفته أنه عبد . وعيسى فى الحالتين لا يدل على شخص واحد . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
((1/33)
1) .. عبارة ( عيسى مَسيح ) هى العبارة الواردة فى الأصول اليونانية للأناجيل الأربعة . باستثناء ورودها مرة
واحدة فقط فى إنجيل متى ( 16 : 20 ) ( عيسى المَسيح ) وقد تم حذف الاسم ( عيسى ) منها فى النسخة
العربية الحديثة جدا ط 1996 المرفقة فى كتاب التفسير التطبيقى للعهد الجديد .. !!
... فهو فى العبارة الأولى سيد يملك عبدا . وفى العبارة الثانية نجده عبدا اسمه عيسى . وتلك بديهيات يعرفها أطفالنا ، قد أطلت فى ذكرها حيث تلاعبت الأهواء فى بيانها للقراء والترجمات العربية شاهدة على انحراف المترجمين فى نقل الأسماء والعبارات المذكورة فيها الأسماء .
فتأملوا معى على سبيل المثال العبارة الواردة فى آخر فقرة من سفر الرؤيا ( 22 : 20 ) حيث نجدها فى الأصل اليونانى هكذا :
( ((((((((((((((((( ) وترجمتها الحرفية فى العربية " تعال يا رب عيسى " . ولكن الترجمات العربية للفقرة وردت فى جميع النسخ المعاصرة هكذا : تعال أيها الرب يسوع ..!!
فهل رب عيسى هو الرب يسوع ..!!؟
قطعا سيقول العقلاء لا . ولكن مترجمى الكتاب المقدس إلى العربية يقولون لا فرق فى المعنى بين رب عيسى و الرب يسوع .
فلا حول ولا قوة إلا بـ الله .
تعقيب على المعنى الجديد لكلمة مَسيح
======================
...
إنَّ المعنى الجديد السابق ذكره لكلمة مَسِيحٌ لا يعتبر معنىً جديدا عند المسلمين ولا عند الذين هم على معرفة جيدة بمفردات اللغة العربية والتراث الإسرائيلى القديم . فقد وردت أحاديث صحيحة عن نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - يذكر فيها أنَّ ذلك المعنى كان معروفا عند بنى إسرائيل ، أذكر منها حديثا واحدا فقط رواه الإمام البخارى فى صحيحه . وهو حديث الرجال الثلاثة من بنى إسرائيل : الأبرص والأعمى والأقرع . حيث جاء فيه أنَّ الله تعالى قد أرسل إليهم ملكا .(1/34)
" فأتى الأبرص وقال له : أى شئ أحب إليك ؟ قال : لون حسن وجلد حسن قد قذرنى الناس . فمَسَحَهُ فذهب عنه ـ برصه ـ وأعطى لونا حسنا وجلدا حسنا .
وأتى الأقرع فقال له : أى شئ أحب إليك ؟ قال شعر حسن ويذهب عنى هذا قد قذرنى الناس . فمَسَحَهُ فذهب عنه ـ صلعه ـ وأعطى شعرا حسنا .
وأتى الأعمى فقال له : أى شئ أحب إليك ؟ قال : يرد الله إلى بصرى فأُبْصِرَ به الناس فمَسَحَهُ فرد الله إليه بصره ...." (1) .
قلت جمال : فالمَسْح هنا كان لإزالة الآفات والأمراض ، تماماً كما حدث من المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - فى معجزاته الإنجيلية السابقة .
فلا أعلم لماذا تبنى علماء المسيحية معنى المسح بالزيت أو الدهن فقط فى كلمة المَسِيح ..!؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. نقلا عن مختصر صحيح البخارى للزبيدى ص 326 حديث رقم 1448 .
الاسم الوظيفى لابن مريم - عليه السلام -
===================
...
يذهب مجموعة كبيرة من علماء المسيحية إلى القول بأنَّ كلمة المسيح هى الاسم الوظيفى (1) لعيسى ابن مريم - عليه السلام - . وذلك الاسم الوظيفى المَسيح يتقدم عند بعضهم على الاسم الشخصى عيسى . وعند البعض الآخر يتأخر ذلك الاسم الوظيفى المَسيح على الاسم الشخصى عيسى .
فمِن القائلين بتقدم الاسم الوظيفى المَسيح على الاسم الشخصى عيسى نجد على سبيل المثال القس المصرى صموئيل مشرقى حين يقول فى بحثه ( من هو يسوع المَسيح ص 39 ) ما نصّه " أنَّ ذلك الاسم الوظيفى تَقَدَّمَ على الاسم الشخصى يسوع من بعد الصعود فأضحى المَسيح يسوع . إذ احتل اسم الوظيفة مكان الصدارة والأولوية تكريما لعمله " .(1/35)
ومن القائلين بتأخر الاسم الوظيفى المَسيح على الاسم الشخصى عيسى نجد المستشار زكى شنودة حيث قال فى كتابه ( المَسيح ج1 ص 69 ) ما نصّه " ... وقد أصبح تلاميذ المَسيح والمسيحيون جميعا منذ ذلك الحين ـ أى من بعد القيامة والصعود ـ يقرنون اسم يسوع دائما بهذا اللقب قائلين يسوع المَسيح " .
قلت جمال : من الأمور البديهية أنَّ الاسم الوظيفى لا يطلق على الشخص إلا من بعد أن يتقلد مهام وظيفته . فكل من البابا والبطرك والقسيس والراهب و .... الخ كلها أسماء وظيفية . ومن المعلوم أنَّ أصحابها لم يكن أحد منهم بابا أو بطرك أوقسيس من قبل تعيينه وقيامه بمهام وظيفته . وكذلك النبىّ لم يكن نبيا من قبل أن تأتيه النبوة أو أن يتنبأ ..!!
وفى وظائفنا الدنيوية نجد الملك والرئيس . ولم يكن الملك ملكا من قبل أن يتقلد عرشه ، ولم يكن الرئيس رئيسا من قبل أن يقوم بمهام رئاسته . كما أنَّ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. منهم إلى سبيل المثال : القس صموئيل مشرقى فى كتابه ( من هو يسوع المسيح ) ص 39 . والقس فاضل
سيدراوس فى كتابه ( يسوع المسيح فى تقليد الكنيسة ) ص13. وصاحب كتاب ( معجم اللاهوت الكتابى )
فى ص 867 .
هذه الألقاب الوظيفية تزول عن أصحابها فور زوال وظائفهم . فالملك والرئيس عندما يتركان مهام وظائفهما لم تعد تطلق عليهم هذه الأسماء الوظيفية ، فلم يعد الملك ملكا ولا الرئيس رئيسا . وكذلك الأمر فى أسماء الوظائف الدينية المسيحية مثل البابا والبطرك والقمص ... الخ . كلها تنزع عن أصحابها عند التحول إلى وظائف أخرى أو لمجرد ترك الوظيفة فهب مثلا أنَّ بطركا أو قسيسا دخل الإسلام وأسلم ، فهل يظل الاسم الوظيفى ملازما له ..!؟ قطعا لا .
هذه هى حال الأسماء الوظيفية لها بداية ولها نهاية ، وقد تزول عن صاحبها فى أى لحظة خلاف الاسم الشخصى الدائم أبدا . فهل المَسِيحُ عيسى - عليه السلام - كذلك ..!؟(1/36)
... كلا وألف كلا . إنه المَسِيحُ عيسى ابن مريم منذ مولده وأثناء بعثته ومن بعد انتهاء بعثته - عليه السلام - . ألم تقل الملائكة فى بشارتها للرعاة ليلة مولده - عليه السلام - " وُلِدَ لكم اليوم فى مدينة داود مُخلِّص هو ( (((((((((((((( ) مَسِيحٌ سيدٌ " (1) فهو مَسِيحٌ حسب الإنجيل منذ ليلة مولده .
إلا أنَّ الأناجيل الأربعة تذكر أنه - عليه السلام - قد قام بمهام وظيفته المَسِيح عندما بلغ الثلاثين من عمره ..!! وتقول أيضا الأناجيل أنَّ المَسيح - عليه السلام - كان فى أثناء فترة بعثته يوصى تلاميذه بألا يذيعوا بين الناس أنه المَسِيح ( انظر إنجيل متى 16 : 20 ) . ولكن مسيحيِّى الكنيسة الأولى أخذوا يُرَوِّجُونَ بين الناس من بعد انتهاء بعثة المسيح - عليه السلام - أنَّ عيسى هو مَسِيح أو هو المَسيح فخالفوا تعاليم معلمهم ..!!
جاء فى سفر الأعمال ( 2 : 36 ) " فليعلم يقينا جميع بيت إسرائيل أنَّ الله جعل يسوع هذا الذى صلبتموه ربا ومَسيحًا " . فهل صار عيسى - عليه السلام - مَسِيحًا من بعد انتهاء بعثته كما يقول بعضهم ..!؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. النصّ مأخوذ من إنجيل لوقا ( 2 : 11 ) و لكن بعد إعادة ترجمة لفظة ( كيريوس ) اليونانية التى من معانيها
( الرب ) و ( السيد ) و ( الشريف ) . ومعلوم أنَّ المسيح - عليه السلام - لم يتعرف عليه الناس بما فيهم تلاميذه ، بل
وأقرباؤه أثناء فترة بعثته على أنه رب بمعنى ( إله ) فتكون الترجمة الصحيحة هى سيد منعا للاشتباه .
أم أنه صار مَسِيحًا عندما بلغ الثلاثين سنة من عمره ..!؟ أم أنه كان مَسِيحًا منذ مولده ولكنه لم يقم بعمله كمَسيح إلا من بعد أن بلغ عمره الثلاثين ..!؟ ثم مَن هو الذى جعله مَسيحا .. الله أم أتباعه ..!؟(1/37)
وحقيقة الأمر أنَّ كل ذلك لم يحدث لأنَّ كلمة المَسِيح كانت هى الشطر الأول من اسمه الشريف المبارك المَسيح عيسى ابن مريم . وسوء الفهم ذلك نشأ من قولهم أنَّ كلمة المَسِيح معناها المَمْسُوح ، والمَمْسُوح يلزم له مَاسِحٌ يَمْسَحُهُ وتوقيت تتم فيه هذه المِسْحة . حينئذ فقط تكون كلمة المَسيح اسماً وظيفياً فالمَمْسُوح لم يكن مَسيحا قبل مَسْحِه مثل القتيل لم يكن قتيلا قبل قتله . والجريح والأسير كما سبق بيانه .
وحيث أنه قد ثبت لنا فى هذه الدراسة أنَّ كلمة المَسِيح عندما تطلق فى حق ابن مريم - عليه السلام - فهى ليست من هذا الباب . فهى صفة ملازمة له ، واسم علم يدل عليه جاءت به البشرى فى القرآن والإنجيل . وحيث أنَّ قضية المَسْح ثابتة فى حق المَسيح - عليه السلام - فهى إذاً اسم لا ينزع وليست بوظيفة كما يقولون . فالكريم ليست وظيفته إكرام الآخرين ، والرحيم ليست وظيفته رحمة الآخرين ..!! كذلك المَسِيحُ ليست وظيفته مَسْح الآخرين ..!!
ولكنه اسم ينطبق معناه على صاحبه فتنساب منه حقيقته من خلال شخص ابن مريم - عليه السلام - . إنه المَسيحُ عيسى ابن مريم - عليه السلام - هكذا وردت النصوص عنه فى القرآن والإنجيل .. قال تعالى فى محكم آياته : { إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِين } ( 45 / آل عمران ) .
مَنْ يسبق مَنْ .. المسيح أم عيسى .. !؟
========================
...(1/38)
الكلمتان المَسيح و عيسى تُكَوِّنانِ الاسم المركب لابن مريم - عليه السلام - ومن يقرأ الأناجيل وباقى رسائل العهد الجديد سوف يجد أنَّ الكلمتين تتبادلان موقعهما من حيث التقديم والتأخير ، فتارة نجد الاسم عيسى المَسيح وتارة نجده المَسيح عيسى . وفى معظم الأحيان نجد أنَّ كلمة المَسيح تكتب بدون أداة التعريف وذلك فى الأصول اليونانية والترجمات الإنجليزية . فتارة نجد عيسى مَسيح وتارة نجده مَسيح عيسى . وقطعا فإنَّ المعانى المقصودة من الصيغ الأربعة للاسم الشريف ليست سواء ..!!
فقولهم عيسى مَسيح يختلف فى معناه عن قولهم مَسيح عيسى أو عيسى المَسيح أو المَسيح عيسى ..!!
وأهل العلم والاختصاص يعلمون جيدا الفرق فى المعنى ، فنجدهم يذكرون بعض مايعرفون فى كتب اللاهوت ويكتمون البعض . وتارة نجدهم يُغَيِّرون فى صِيَغ الاسم المبارك ـ وخاصة فى الترجمات العربية ـ حتى لا يفطن القارئ المسيحى المسكين إلى الفرق فى المعنى فيسأل عن ذلك ..!!
وإن سأل القارئ فإنَّ الإجابة تكون غير شافية ، إنها مسألة لاهوتية . فإن قُدِّمَتْ كلمة المَسيح على كلمة يسوع فالمقصود من العبارة هو لاهوت المَسيح . وإن قُدِّمَتَ كلمة يسوع على كلمة المَسيح فالمقصود هنا هو ناسوت المَسيح . وربما يزيدون قليلا فى غموض إجابتهم فيقولون بأنَّ كلمة المَسيح تشير إلى الكائن السماوى . وأنَّ كلمة يسوع تشير إلى الكائن البشرى ..!! كأنَّ هناك كائنين وليس كائن واحد هو شخص المسيح ..!!
وتكون عبارة يسوع المَسيح تشير إلى اللاهوت التصاعدى ?
وتكون عبارة المَسيح يسوع تشير إلى اللاهوت التنازلى ?
ويقولون للسائل أيضا إنَّ عبارة يسوع المَسيح تشير إلى المسيح حسب الجسد وعبارة المَسيح يسوع تشير إلى المَسيح حسب الروح ..!!
وكل ذلك ليس بإجابات ولكنها طرق مختلفة للهروب من الإجابة وربما كانوا يجهلون فعلا الإجابة ..!!(1/39)
... وفى هذا الفصل سوف أُبَيِّن للقارئ اللبيب المؤمن والمحب للمَسيح هذه الصيغ الأربع لاسم المَسيح - عليه السلام - من واقع الأصول اليونانية ، وبيان مدى الاختلاف والتعارض بينها وبين الترجمات العربية الحديثة لكتب العهد الجديد . أسأل الله سبحانه وتعالى السلامة فى الفهم والأمانة فى النقل .
أولا .. الصيغة عيسى مَسيح .
وهذه الصيغة من انتاج الكنيسة الأولى التى تكونت من بعد انتهاء بعثة المسيح - عليه السلام - حيث راح المؤمنون يشيعون بين الناس أنَّ يسوع الذى صُلِبَ قد جعله الله مَسِيحًا فهو يسوع مَسيح (1) . بمعنى أنه مَسيح ولكن ليس المَسيح الذى تريدونه ..!! وهذا معناه أنهم جعلوا يسوع مَسِيحًا من ضمن مجموعة مُسَحَاء .
جاء فى معجم اللاهوت الكتابى ص 867 : " والكنيسة الأولى عند قولها ( Jesus Christ أى عيسى مَسيح ) (2) تجمع الكنيسة فى صلة وثيقة اللقب الذى يعلنه المؤمنون مَسيح والشخص التاريخى الذى عاش على الأرض عيسى " .
وجاء أيضا فى ص 745 " وهكذا لم يعد لقب مَسيح بالنسبة له لقبا من الألقاب بل أصبح اسم علم خاص بالنسبة إليه بدون أل التعريف " ( كورنتس 15 : 12 ـ 23 ) .
قلت جمال : ومما يؤكد أنَّ هذه الصيغة عيسى مَسيح قد وُجِدَت من بعد بعثة المسيح - عليه السلام - وأنها من انتاج الكنيسة اليونانية الأولى هو خلو إنجيل لوقا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. ويحدد علماء المسيحية التوقيت بدقة فقالوا ( من بعد حادثة الصعود ) . قلت جمال : ولا مانع فى ذلك
فالصعود كان أيضا بعد انتهاء البعثة بلا خلاف .
(2) .. ذكر هنا المترجم العربى لهذا الكتاب الاسم هكذا ( يسوع المسيح ) مع أن الاسم مذكور باللغة الفرنسية بدون
أداة التعريف ..!!(1/40)
منها حيث لم ترد فيه هذه الصيغة ، ثم أوردها لوقا فى سفر الأعمال سبع مرات بيانها كالتالى : ( 2: 38 ؛ 3: 6،20؛ 4: 10؛ 8: 12؛10: 36، 16: 18 ) . وهناك مرة ثامنة فى ( 8 : 37 ) وردت فيها العبارة بوضع أداة التعريف للاسم عيسى هكذا ( (((((((((((((((((( ) أى ( العيسى مسيح ) ..!!
... وإليك قارئى العزيز موقف الأناجيل الثلاثة ( متى ومرقس ويوحنا ) من هذه الصيغة طبقا للأصول اليونانية :
... .. ذكرها مؤلف الإنجيل المنسوب لمتى مرتين ( 1 : 1 , 18 ) حين قال فى أول إنجيله " كتاب ميلاد عيسى مَسيح " وحين قال " أمَّا عن ولادة عيسى مَسيح " .
... .. وذكرها مؤلف إنجيل مرقس مرة واحدة ( 1 : 1 ) وذلك فى بداية إنجيله حين قال " بدء إنجيل عيسى مَسيح " .
... .. وجاء ذكر هذه الصيغة أيضا فى إنجيل يوحنا مرتين : " لأنَّ الناموس بموسى أُعْطِىَ . أمَّا النعمة والحق فبـ عيسى مَسيح صارا " ( 1 : 17 ) . و " هذه هى الحياة الأبدية : أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك وعيسى مَسيح الذى أرسلته " ( 17 : 3 ) .
مما سبق يتبيَّن لنا أنَّ جميع المواضع باستثناء موضع يوحنا ( 17 : 3 ) قد وردت الصيغة عيسى مَسيح من أقوال كتبة الأناجيل أو نساخها أو مترجميها فلم يُنْسَب قولها إلى أحد قد قالها أثناء بعثة المَسيح - عليه السلام - . سواء كان ذلك القائل من أقرباء المَسيح أو تلاميذه أو حتى من أعدائه . وهذا يدل قطعا على أنَّ ذلك الاسم عيسى مَسيح لم يكن معروفا فى زمن بعثة المَسيح وأنه من إنتاج الكنيسة اليونانية الأولى كما قالوا .
أمَّا عن فقرة إنجيل يوحنا ( 17 : 3 ) المنسوبة إلى المَسيح ذاته - عليه السلام - فإنَّ المتأمل فيها سوف يكتشف سريعا أنَّ الاسم عيسى مَسيح مأخوذ عن أحد الكتاب الذين لا يعرفون اللغة الآرامية لغة المَسيح - عليه السلام - ولسانه الذى يعد من لغات اللسان العربى القديم .(1/41)
وصحيح العبارة هو : إمَّا عيسى المَسيح أو المَسيح عيسى بوضع أداة التعريف على كلمة مسيح . ويوافقنى على هذه النتيجة جميع مترجمى الأناجيل إلى العربية حيث صححوها إلى يسوع المَسيح أى عيسى المَسيح بعد تصحيح الاسم يسوع من الأصل اليونانى وحيث أنه قد سبق بيان أنَّ مدار الإيمان برسالة المَسيح - عليه السلام - كان حول اسمه المَسيح وليس عيسى فيكون صحيح عبارة يوحنا ( 17 : 3 ) هو المَسيح عيسى بتقديم المَسيح على عيسى .
ملحوظة : تختلف جميع الترجمات العربية لأسفار العهد الجديد عن الأصول اليونانية والترجمات الإنجليزية والفرنسية وسائر الترجمات الأوروبية فى إيراد صيغة عيسى مَسيح . حيث تكتب فى الترجمات العربية يسوع المَسيح بتعريف كلمة المَسيح خلافا للأصول والفروع الأوروبية . حيث تذكر كلمة المَسيح منكرة مثل قولهم فى الإنجليزية ( Jesus Christ ) . ومع أنَّ الفقرة عبارة عن اسم علم لشخص فكان من الواجب أن ينقل كما هو بدون زيادة أو نقصان أو تعريف أو تنكير .. ولله فى خلقه شئون ..!!
ثانيا .. الصيغة عيسى المَسيح
...
... وهذه الصيغة لم ترد فى الأناجيل الأربعة ـ حسب الأصول اليونانية ـ إلا مرة واحدة ، حيث ذكرها صاحب إنجيل متى فى الفقرة ( 16 : 20 ) ولم يتعرف عليها باقى الإنجيليين . والغريب فى الأمر أنَّ لوقا لم يذكرها فى إنجيله ولكنه ذكرها مرتين فى سفر الأعمال وذلك فى الفقرتين ( 5 : 42 ؛ 9 : 34 ) وهذه البيانات مأخوذة عن الأصل اليونانى المذكور فى كتاب :
( Interlinear Greek - English New Testament ) .
والعجيب فى الأمر أنَّ نصّ إنجيل متى ( 16 : 20 ) نجد فيه أنَّ المَسيح - عليه السلام - يوصى تلاميذه أن لا يقولوا لأحد أنه عيسى المَسيح ..!!(1/42)
والأعجب منه هو الذى أورده صاحب سفر الأعمال من أنَّ التلاميذ لم يحافظوا على وصية المَسيح - عليه السلام - لهم بعدم القول بأنه عيسى المَسيح حيث جاء فى الفقرة ( 5 : 42 ) أنَّ التلاميذ بعد انتهاء بعثة المَسيح - عليه السلام - " كانوا لا يزالون كل يوم فى الهيكل وفى البيوت مُعَلِّمِين ومبشرين بـ عيسى المَسيح " ..!!
قلت جمال : وإذا حاولنا سويا أن نقرأ نصّ إنجيل متى ( 16 : 20 ) كما جاء فى الترجمات العربية الحديثة للكتاب المقدس ، فسوف نكتشف بسرعة أنَّ هناك فقدان للأمانة العلمية فى النقل والترجمة عن الأصول اليونانية ..!!
... ففى النسخة المعتمدة ( فانديك ط 1977 ، 1995 م ) نجد أنَّ النصّ المذكور هو أنَّ المَسيح - عليه السلام - قد أوصى " تلاميذه أن لا يقولوا لأحد إنه يسوع المَسيح " . ولكن جميع الترجمات العربية التى ظهرت حديثا والمتداولة بين القرَّاء قد تم فيها حذف اسم يسوع من الفقرة خلافا للأصل اليونانى المذكور فيه عيسى المَسيح أو المَسيح عيسى ( (((((((((((((((( ) ...!!
ففى نسخة التفسير التطبيقى للعهد الجديد ( NAV ط 1996 ) وفى نسخة الكاثوليك العربية ( ط 1993 ) ، وفى النسخة البروتستانتية المصرية كتاب الحياة ( ط 1988 ) ، وفى نسخة الآباء اليسوعيين العربية ( ط 1991 ) تمَّ حذف الاسم عيسى ( (((((( ) منها جميعا ..!!؟
... وحقيقة الأمر أنَّ المَسيح - عليه السلام - قد أمر تلاميذه أن لا يقولوا عنه إنه عيسى المِسِّيَّا لأنَّ المِسِّيَّا المنتظر لم ولن يكون من بنى إسرائيل كما ثبت لى ذلك أيها القارئ الباحث المدقق فى نصوص الكتاب ، وذلك بالبراهين الجلية المذكورة فى آخر بحث فى هذا الكتاب .
... ومعلوم يقينا أنَّ كلامه - عليه السلام - حق وصدق ولكن المترجمين للنصّ غَيَّرُوا وبَدَّلُوا وحذفوا وأضافوا وقالوا بأن كلمة المِسِّيَّا معناها فى اليونانية هو مَسيح ( خرستوس ((((((( ) واختلط الأمر عليهم من بعد ذلك .(1/43)
فتارة نجدهم قد حذفوا الاسم عيسى المَسيح وذكروا بدلا منه الاسم المِسِّيَّا وذلك فى النسخ الإنجليزية ( LV ; TEV ; NEB ) حيث جاء فيها عبارة المِسِّيَّا ( the Messiah ) . وتارة أخرى نجدهم يحذفون العبارة عيسى المَسيح ويذكرون بدلا منها الاسم المسيح (the Christ ) فقط كما جاء ذلك فى النسخ ( NIV ; JP ; PME , RSV ) . وأحيانا يتركونها كما هى (Jesus the Christ ) أى عيسى المسيح كما جاء فى النسخ الإنجليزية ( KJV ; NKJV ) . وكل ذلك ينفى الثقة عن المترجمين لنصوص الكتاب المقدس سواء كانوا من العرب أم من غيرهم فلا حول ولا قوة إلا بـ الله .
وقلت أيضا : إنَّ هذه الصيغة عيسى المَسيح ظهرت بين أتباع المسيح - عليه السلام - من بنى إسرائيل ، وفى داخل فلسطين وذلك مِن بعد انتهاء بعثة المَسيح - عليه السلام - ومن بعد حادثة القيامة والصعود إلى السماء حسب أقوال علماء المسيحية . قال المستشار زكى شنودة فى كتابه ( المَسيح جـ 1 ص 69 ) عن ذلك ما نصّه " وقد أصبح تلاميذ المَسيح والمسيحيون جميعا منذ ذلك الحين يقرنون اسم يسوع دائما بهذا اللقب قائلين يسوع المَسيح " .
قلت جمال : وهذا الكلام يؤدى بنا إلى أنَّ هذه الصيغة عيسى المَسيح لم يعلنها التلاميذ وأتباع المَسيح - عليه السلام - أثناء فترة بعثته وقد سبق أن أوصاهم المَسيح - عليه السلام - حسب زعم صاحب إنجيل متى بألا يقولوها .
وهنا أهمس فى أذن القارئ المدقق بأنَّ كلام المستشار لا يوثق به لأنه مبنى على التمويه وصرف النصوص اليونانية عن معناها حيث استشهد المستشار على كلامه السابق بنصّ سفر الأعمال ( 2 : 14 - 36 ) وبعد تتبع هذه الفقرات فى الأصول اليونانية لم أجد فيها عبارة يسوع المَسيح أى عيسى المَسيح حسب دقة الترجمة إلى العربية فهذه العبارة لم ترد فى الأصول اليونانية لسفر الأعمال إلا فى الموضعين المشار إليهما سابقا ( 5 : 42 ؛ 9 : 34 ) .(1/44)
وخطأ المستشار جاء من الاعتماد على الترجمات العربية للعهد الجديد حيث لا يفرق المترجمون بين هذه العبارات ويخالفون فيها دائما الأصول اليونانية والترجمات الأوروبية .
ثالثا .. الصيغة مَسيح عيسى
وهذه الصيغة لم ترد فى الأناجيل الأربعة ، ولكنها وردت كثيرا فى رسائل بولس وهذا الأمر يدعو إلى الدهشة ..!! فبولس لم يكن إسرائيليا فلسطينيا حتى يعرف اسم المَسيح - عليه السلام - عن قرب ، كما أنَّ متى ويوحنا كانا من تلاميذ المَسيح - عليه السلام - ـ حسب أقوال علماء المسيحية ـ فكيف غابت عنهما هذه الصيغة ولم يذكراها فى إنجيليهما ..!؟
قلت جمال : وهذه الصيغة مَسيح عيسى من اختراع الكنيسة الأولى اليونانية أيضا ، ومن بعد انتهاء بعثة المَسيح - عليه السلام - وبالتحديد من ابتكارات بولس الطرسوسى . فمن المعلوم أنَّ أقدم كتابات وصلتنا عن المسيحية هى كتابات بولس وفيها نجد بداية ظهور الصيغة مَسيح عيسى والخلط بينها وبين صيغة عيسى مَسيح حيث ذكرت الصيغتان معاً فى رسائل بولس بأعداد كبيرة .
كما أنَّ صيغة مَسيح عيسى ظهرت فى الرسالة إلى العبرانين مرة واحدة فى الفقرة ( 3 : 1 ) ونجدها أيضا فى رسالة بطرس الأولى مرتين فقط فى ( 5 : 10، 14 ) ثم تختفى تماما فى باقى كتب ورسائل العهد الجديد ..!!
... وحيث أنه قد سبقت الإشارة إلى أنَّ القوم عندما يقدِّموُن كلمة المَسيح على كلمة عيسى فإنَّ الأهمية الأولى تكون موجهة إلى الكائن الإلهى ثم وبتفكير لاهوتى تنازلى يفهمون المعنى ..!! وعندما يقدمون كلمة عيسى على كلمة المَسيح فإنَّ الأهمية الأولى هنا تتجه الى الكائن البشرى ثم وبتفكير لاهوتى تصاعدى يفهمون المعنى ..!! وهنا فى حالتنا هذه المعنية بدراسة الصيغة مَسيح عيسى نجد التأييد على أقوالهم اللاهوتية السابقة ..!!(1/45)
فقولنا على سبيل المثال يسوع رب يختلف فى معناه عن قولنا رب يسوع . فباختلاف تركيب العبارة اختلف المعنى بل ظهر لنا أنَّ هناك شخصين لا شخصاً واحداً تتكلم عنهما العبارتان . فهناك يسوع رب وهناك رب يسوع . فالأول كائن بشرى حسب قولهم والثانى كائن إلهى . وحالتنا هنا هى مَسيح عيسى وعلاقتها بـ عيسى مَسيح وهى تشبه تماما مثلنا السابق .
وهاتان العبارتان موجودتان بكثرة فى رسائل بولس . فنجدها فى الأصول اليونانية هكذا :
فهناك مَسيح عيسى .......... (((((((((((((( ؛ (((((((((((((
وهناك عيسى مَسيح ....................................... ((((((( (((((
وتكتب فى الإنجليزية هكذا ( Christ Jesus ) و ( Jesus Christ ) على التوالى . فاتفقت الأصول اليونانية مع الترجمات الإنجليزية على ذكر العبارتين بدون تعريف كلمة مَسيح .
ولكن القارئ العربى يفهم جيدا أنَّ الكائن المشار إليه بعبارة مَسيح عيسى يختلف عن الكائن الآخر المشار إليه بالعبارة عيسى مَسيح . ولذلك نجد أنَّ الترجمات العربية للعهد الجديد قد أصلحت هذا الخلل بوضع أداة التعريف ( أل ) قبل كلمة مَسيح لتصبح العبارتان هكذا : عيسى المَسيح و المَسيح عيسى حتى لا يفطن القارئ العربى لهذه القفشة أو العثرة ..!!
ولنأخذ فقرة واحدة من أقوال بولس كمثال يجمع بين العبارتين :
جاء فى مقدمة رسالة بولس إلى أهل أفسس مانصّه : " بولس رسول عيسى مَسيح (((((((( ((((( ) (1) بمشيئة الله إلى القديسين الذين فى أفسس . والمؤمنين فى مَسيح عيسى ( (((((((((((( ) (2) : نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب عيسى مَسيح (((((((( ((((( ) (1) ".
... ... إنه رسول الكائن البشرى عيسى مَسيح إلى المؤمنين بالكائن الإلهى مَسيح عيسى . ذلك هو خلاصة تعريف بولس لنفسه لأهل أفسس ..!!(1/46)
وجميع المثقفين يعلمون جيدا أنَّ إيمان بولس كان مبنيا على الثنائية لا على الثالوث الذى ظهر من بعده . وقبل أن يعترض علىَّ أنصاف المثقفين أذكر لهم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. الموجود فى الترجمة العربية فانديك ( يسوع المسيح ) و ( المسيح يسوع ) ، وقد قمت بتصحيح الترجمة
حسب الأصل اليونانى المكتوب أمام القارئ باللغة اليونانية بين قوسين .
(2) .. راجع النسخة العربية المعتمدة الجديدة NAV ط 1996 ، طبعة الكاثوليك العربية ط 1993 ، الآباء
اليسوعين ط 1991 ، كتاب الحياة 1988 .
مثالا واحدا من أقوال بولس المسجلة فى رسائله اليونانية حيث قال فى رسالته الأولى إلى تيموثاوس ( 2 : 5 ) حسب الترجمة العربية فانديك والمعتمدة عند جميع الكنائس العربية الكبرى ما نصّه : " لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المَسيح " .
والموجود فى الأصل اليونانى هو ( (((((((((((((( ) أى مَسيح عيسى . فتلاعب المترجمون العرب فى عبارة الأصل مَسيح عيسى حيث قدموا كلمة عيسى على كلمة مَسيح . ثم أضافوا ألـ التعريف إلى كلمة مَسيح ثم غيروا الاسم الشخصى عيسى إلى يسوع . ثلاث تغييرات تمت على عبارة مَسيح عيسى فقط ..!!
... ولكن الترجمات العربية الحديثة جدا لم يعجبها ذلك التغيير الذى يؤكد ثنائية الإله عند بولس فأخروا كلمة يسوع وقدموا كلمة المَسيح (1) .(1/47)
فقولهم الإنسان يسوع المَسيح يشير إلى الكائن البشرى كما سبق بيانه وهو لاهوت تصاعدى فى مفهومهم . مع العلم بأنَّ جميع العبارات التى ذكرها بولس فى رسائله والتى اشتملت على مَسيح عيسى كانت فى معظم الأحوال مسبوقة بحرف الجر ( فى ) أى أنها وفى معظم الأحيان تكتب هكذا : فى مَسيح عيسى . ولكن الكائن البشرى لا يوصف هكذا لأنه لا يحل ولا يدخل فى أجساد الآخرين ولا يقبل المشاركة . والموضوع كبير وقد يخرجنا عن موضوع دراستنا فنقف عند هذا الحد ، ومن أراد الزيادة فعليه بالأصول اليونانية لا بالترجمات العربية .
... وإليك ثلاثة أمثلة تدلك على عدم الوثوق بالترجمات العربية ، وتلك الأمثلة أذكرها لك من خلال نسختين فقط هما المعتمدتان عند الكنائس العربية .
نسخة فانديك المعتمدة والنسخة المعتمدة الجديدة العربية ( NAV ط 1996 ) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع النسخة العربية المعتمدة الجديدة NAV ط 1996 ، طبعة الكاثوليك العربية ط 1993 ، الآباء
اليسوعين ط 1991 ، كتاب الحياة 1988 .
... 1 .. جاء فى رسالة بولس الأولى كورنثوس ( 15 : 31 ) :
" إنى بافتخاركم الذى لى فى يسوع المَسيح ربنا ... " . ( نسخة فانديك )
" فبحسب افتخارى بكم فى المَسيح يسوع ربنا .... " . ( نسخة NAV )
مع أنَّ المذكور فى الأصول اليونانية هو فى مَسيح عيسى .
... 2 .. الرسالة الأولى إلى تيموثاوس ( 2 : 5 ) :
" لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس ، الإنسان يسوع المَسيح " .
( نسخة فانديك )
" فإنَّ الله واحد والوسيط بين الله والناس واحد ، وهو الإنسان المَسيح يسوع " .
( نسخة NAV ) . والأصل اليونانى فيه مَسيح عيسى .
... 3 .. الرسالة الثانية إلى تيموثاوس ( 1 : 1 ) :
" بولس رسول يسوع المَسيح بمشيئة الله ، لأجلب وعد الحياة التى فى يسوع المَسيح " . ( نسخة فانديك )(1/48)
" مِن بولس وهو بمشيئة الله رسول للمَسيح يسوع فى سبيل الوعد بالحياة التى هى فى المَسيح " . ( نسخة NAV )
وفى الأصل اليونانى عيسى مَسيح و مَسيح عيسى على التوالى .
فهل شاهدتم كيف خالفت النسختان العربيتان الأصل اليونانى ، ثم خالفت كل منهما الأخرى ..!؟
فيا مَن تؤمنون بالمَسيح .. اقرءوا جيدا الأمثلة الثلاث السابقة ثم قارنوها بالأصول اليونانية وجميع الترجمات الإنجليزية حتى يتأكد ظنكم فى ثقتكم بالترجمات العربية .
رابعا .. الصيغة المَسيح عيسى
وهذه الصيغة وردت مرتين فقط فى رسائل بولس الطرسوسى ( فيلبِّى 3 : 12 ؛ كولوسى 2 : 6 ) ولم يتعرَّف عليها أصحاب الأناجيل الأربعة ، ولا باقى كتبة أسفار العهد الجديد .
وتكتب فى الأصول اليونانية ( ((((((((((((((((( ) . وهذه الصيغة تقلق بال المترجمين العرب لأنهم يؤمنون بـ يسوع المَسيح ولا يعترفون بأنَّ اسمه هو المَسيح عيسى كما جاء فى القرآن الكريم .
فاختلفوا فيما بينهم حول إقرار هذه الصيغة فى الترجمات العربية . فنجد النسخ العربية فانديك ط 1995 ؛ كتاب الحياة ط 1988 ؛ النسخة العربية المعتمدة الجديدة NAV ط 1996 كتبت هذه الصيغة هكذا المَسيح يسوع أى المَسيح عيسى بعد تصحيح النقل من الأصل اليونانى .
ونجد النسخة العربية الكاثوليكية ط 1993 قد سجلت العبارة المَسيح يسوع فى نصّ فيلبى ( 3 : 12 ) ثم غيرته إلى العبارة يسوع المَسيح فى نصّ كولوسى ( 2 : 6 ) .
ونجد النسخة العربية للآباء اليسوعيين ط 1991 قد غيرت العبارة فى الموضعين إلى يسوع المَسيح مخالفة بذلك الأصول اليونانية ..!!(1/49)
... والباحث فى الترجمات العربية لن يكتشف شيئا مما ذكرته لك أيها القارئ لأنَّ الترجمات العربية لا تفرق بين الأسماء المعرَّفَة والمنكرة فعبارة مَسيح عيسى التى تكررت كثيرا فى رسائل بولس نجدها فى الترجمات العربية مُعَرَّفة ومكتوبة هكذا المَسيح يسوع ، وعندما نأتى إلى صيغة المَسيح يسوع لن نجد هناك فرقاً بينها وبين مَسيح يسوع .
وهكذا لدرجة أنَّ الاسم العلم عيسى الذى يكتبونه خطأً يسوع يوجد معرفا بالألف واللام فى الأصول اليونانية لجميع أسفار العهد الجديد بما فيها الأناجيل الأربعة هكذا ( (( (((((( ) أو ( ((((((((( ) أى العيسى . وحسب ترجماتهم يكون اليسوع ولكنهم كتبوه يسوع فقط وأهملوا تماما أداة التعريف اليونانية . ولم يقتصر الأمر على الاسم ( عيسى ) فقط ، فقد جاءت الأسماء ( يوحنا ) و( بطرس ) معرفة أيضا فى الأصول اليونانية أى ( اليوحنا و البطرس ) ولكنهم أهملوا تعريفها فى الترجمات العربية ..!!
... وكل ذلك التخليط والتخبيط يبعد الباحث المدقق عن الحق واكتشاف الحقيقة فى أسفار العهد الجديد . مع ملاحظة أنَّ عبارة مَسيح عيسى ترد فى معظم الأحيان مسبوقة بحرف الجَرّ ( فى ) خلاف عبارة المَسيح عيسى والقارئ العربى لن يستطيع التفريق بين العبارتين إلاَّ إذا أخبروه مسبقا بأنَّ حرف الجر ( فى ) يأتى قبل عبارة مَسيح عيسى فقط . ولن يخبره أحد بذلك ..!!
انظروا مثلا إلى كتابات الأب مَتَّى المسكين وخاصة فى كتابه الكبير عن بولس ( من ص 263 إلى ص 272 ) فعندما تعرض لشرح الاصطلاحين البولسيين فى المَسيح و مع المَسيح . لم يستطع المسكين أن يفرّق بين عبارة فى مَسيح عيسى وعبارة المَسيح عيسى ، مع أنه يذكر النصّ اليونانى بحروفه اليونانية فكتبت يده التنكير والتعريف ولكن عيناه لم تر ما كتبته يده ..!!
إنهم يقرءون ما فى عقولهم ولا يقرءون ما هو مكتوب أمام عيونهم ..!!(1/50)
وحتى لا يظن القارئ أنى أتجنى على القوم فسوف أذكر له مثلا آخرا : يقول القس المصرى صموئيل مشرقى فى كتابه من هو يسوع المَسيح ص 39 " أنَّ ذلك الاسم الوظيفى المَسيح ، تقدم على الاسم الشخصى يسوع من بعد الصعود فأضحى المَسيح يسوع إذ احتل اسم الوظيفة مكان الصدارة والأولوية تكريما لعمله " .
قلت جمال : وهذا كلام لا يصح منه شئ :
أولا : الاسم المَسيح ليس اسماً وظيفياً كما قال .
ثانيا : عبارة المَسيح يسوع خطأ والمذكور فى سفر الأعمال ورسائل بولس والأناجيل هو عبارة يسوع مَسيح .
ثالثا : لم يستطع فى كل كتابه أن يفرق بين الكلمتين مَسيح و المَسيح حسب الأصول اليونانية لأنه اعتمد فى بحثه على الترجمات العربية ، والترجمات العربية لا تفيد الباحث بشئ .
... وخلاصة القول فى مثل تلك الأمور أنَّ الباحث عن الحق فى كتابات العهد الجديد يحتاج إلى ثبات فهم فى اللغة الأصل وهى الآرامية ذات اللسان العربى ، ثم الدقة فى تتبع الكلمات اليونانية . مع الإلمام بالترجمات الأوروبية وخاصة الإنجليزية والألمانية والفرنسية لأنها أقرب إلى اليونانية من العربية . فإنَّ المعانى تختلف باختلاف تركيب العبارات فقولنا عيسى رب يختلف فى معناه عن قولنا رب عيسى . فإن تم تعريف الكلمتين عيسى و رب اختلفت العبارات حسب التقديم والتأخير وتبادل التعريف والتنكير بين الكلمتين .
... انظروا إلى اسم الراهب المصرى الصيدلى المعروف بمتىّ المسكين وتخيروا أى الأسماء أحب إليه ويسمح لكم أن تنادونه بها من العبارات الآتية : متى مسكين أم متى المسكين أم مسكين متى أم المسكين متى ..!؟؟
قطعا لن يسمح لكم إلا باسم واحد من هذه العبارات الأربع فالمعانى مختلفة وباختلافها يختلف المراد وما تضمره النفوس . فإذا كان ذلك واقع فى حق إنسان عادى فما بالكم بالمسيح شخصيا ..!!؟
هل هو: يسوع مسيح أم مسيح يسوع أم يسوع المسيح أم المسيح يسوع ..!؟(1/51)
إنها أربع عبارات بأربعة معانى مختلفة ، تاه فى معناها فطاحلة علماء المسيحية ولم يتفق على واحدة منها المترجمون . فإن صححنا العبارات السابقة وكتبنا عيسى بدلا من يسوع أصبح لدينا أربع عبارات أخرى هى عيسى مسيح و مسيح عيسى و عيسى المسيح و المسيح عيسى .
فأى اسم من تلك الأسماء الثمانية عُرفَ به المسيح فى فلسطين وناداه به قومه وتلامذته باللسان الآرامى ..!؟ أعتقد أنَّ الإجابة الصحيحة لهذا السؤال قد وصلت لقارىء كتابى هذا . فتمسك بها أيها القارىء المحب للمسيح من بعد أن تتحقق من صحة أدلتى ومراجعتها مع الأصول اليونانية .
متى أصبح يسوع مسيحا ..!؟
=============
... هناك طريقتان للإجابة : فهناك إجابة موضوعية ( objective ) . وهناك إجابة غير موضوعية (subjective ) . والفرق بينهما يكمن فى أنَّ الموضوعية تشير دائما إلى حوادث تاريخية وقعت ، ومِن ثم تفتح ملفات التاريخ الصحيح لتقييم الاجابة وتفنيدها . بينما نجد الاجابات غير الموضوعية عبارة عن تفسير لأفعال الإله ، ويرجع الحكم فيها إلى آراء الناس وأهوائهم فقط وليس إلى حوادث تاريخية محددة . أمَّا عن ذكرها لبعض التواريخ فهو من باب تعيين تاريخية إعلان الناس لتلك الاجابة ، وهى اجابات تختلف من شخص لآخر حسب اختياره لخصوصيات معينة قد يشاركه فيها الناس وقد لا يشاركونه الرأى فيها .
... وبالنسبة لسؤالنا الأساسى ، نجد أنَّ الاجابة المسيحية قد حدث فيها اضطراب وفوضى بدون داع .. لقد أخذوا بالقول الثانى (subjective ) أى الإجابة الغير موضوعية ..!! وحيث أنه لا يوجد مكان معروف توزع فيه الشهادات المسيحانية على المنتمين إليه ، ولم يذهب إليه يسوع لينال الشهادة المسيحانية فى تاريخ محدد معروف ..!!(1/52)
فالرتبة المسيحانية عندهم رتبة عامة مفتوحة لكل مَن دُهِن بالزيت سواء كان كاهنا أو ملكا مؤمن وغير مؤمن ..!! والمسيحيون فقط يعتمدون على قول مسيحييهم الأوائل مِن أنَّ يسوع قد صار مسيحا ..!!
فالإجابة على السؤال أخذت فى الوثائق المسيحية الطريقتين معا حيث نجدها تأخذ فى غالب الأمر منحى الإجابة الغير موضوعية ، كما نجدها أيضا فى بعض النصوص تشير إلى الإجابة الموضوعية ، ولكن يعلوها غبار اللا موضوعية .
وفى الحقيقة أنها كانت موضوعية عند الأوائل ، ثم بعد عِقد أو عِدَّة عُقود من السنين تبنت الكنيسة الأولى ( بطرس ) الإجابة الغير موضوعية . ثم تداخلت الطريقتان عند الذين جاؤا من بعدهم ، ومِن ثم فقد اعتمِدَت الطريقة الغير موضوعية عند المتأخرين ولا تزال إلى الآن .
وكل ذلك نجده بوضوح تام فى بيانات كتب العهد الجديد :
إذا فتحنا وثائق العهد الجديد للبحث عن بعض الحوادث التاريخية التى تشير إلى أنَّ يسوع قد أصبح مسيحا .
... 1 ـ صار يسوع مسيحا بعد موته : قال بطرس ( أعمال 2 : 36 ) : " فليعلم يقينا بنو إسرائيل جميعا ، أنَّ الله قد جعل يسوع هذا الذى صلبتموه أنتم ربا (!) ومسيحا " . وهذا معناه أنَّ يسوع فى توقيت ما بعد موته وقيامته قد صار مسيحا .
... وهذا النصّ لا يمكن أن نعتبره حادثة تاريخية معلومة تفتح ملفات التاريخ لدراستها وتقييمها . إنها حادثة تتكلم عن أعمال الإله وليس عن التاريخ البشرى . فالحكم البشرى على أعمال الإله يعتبر تفسيرا وتأويلا وليس تاريخا .
... 2 ـ صار يسوع مسيحا أثناء بعثته : فى إنجيل مرقس أثناء قصة يسوع فى قيصرية فيليبس ، عندما سأل تلاميذه عما يقول الناس عنه . فقالوا عدة إجابات ، قال بطرس عقبها " أنت المسيح " ( مرقس 8 : 29 ) .(1/53)
وهذا النصّ يفيد بأنَّ كاتب الإنجيل يعتقد بأنَّ يسوع كان مسيحا أثناء بعثته وقبل موته وقيامته . والأمر المُحيِّر هو طلب المسيح من تلاميذه حينذاك ألا يعلنوا بين الناس أنَّه المسيح . وهو ما يعرف بمسمى السِّرّ المسيحانى .
وهذا السِّر يفتح الباب لدراسة الإجابة عن سؤال البحث ، وهو كيف صار يسوع مسيحا . هل بعد موته وانتهاء بعثته كما قال بطرس عند لوقا أم أثناء بعثته وقبل موته كما قال مرقس ..!؟
... 3 ـ صار يسوع مسيحا عند تعميده : وهذا تقرير كاتب إنجيل مرقس عندما تيقن أنَّ المسيحيين قد اعترفوا بأنَّ يسوع هو المسيح . فقال بأنَّ ذلك الحدث وقع أثنا التعميد على يد يوحنا المعمدان . فحين خرج يسوع من الماء انفتحت السماء وهبط عليه الروح فى صورة حمامة: " أنت ابنى الحبيب بك سُررت كل السرور " ( مرقس 1 : 11 ) .
وهذه القصة فى مفهوم اللاهوت المسيحى القديم كانت تعرف بـ ( adoption theory ) أى نظرية اتخاذ يسوع ولدا ، وبمعنى آخر مسيحانية يسوع أى اتخاذ يسوع لقب المسيح . وفى أناجيل نجع حمادى نجدها تقرر هبوط المسيح على يسوع ليصبح يسوع المسيح . فكلمة مسيح هنا تعادل معنى البنوة لله ( تعالى الله عمَّا يقولون علوا كبيرا ) . فالمسيح كائن إلهى نزل وحلَّ فى يسوع .
أى أنَّ يسوع وُلِدَ إنسانا عاديا إلى أن جاء الوقت عقب التعميد ليصير مسيحا وابنا للإله . مِن أجل ذلك لا نجد ذكرا لقصة الميلاد عند مرقس .
... وتلك العقيدة القديمة تجد مَن يُعلنها بين الحين والحين . وإن كان المسيحيون يعتبرونها من عقائد الغنوصية . التى كانت منتشرة بين المسيحيين حتى زمن كتابة مرقس لإنجيله سنة 70 م وإلى القرنين الرابع والخامس .(1/54)
... 4 ـ صار يسوع مسيحا عند مولده : فى قصة ميلاد يسوع عند متى ولوقا نجدهما يُعلنان أنَّ يسوع كان مسيحا منذ مولده وقبل بعثته . ولكن أثناء البعثة نجدهما يخلطان بين المفاهيم فتارة يتقدمان فى التعبير عن يسوع بين رتبتى المسيحانية والبنوَّة للإله وتارة أخرى يتراجعان .
... 5 ـ صار يسوع مسيحا عند خلق العالم : وهذا المعنى نجده إذا تصفحنا الإنجيل الرابع ( يوحنا 1 : 1 ـ 18 ) حيث تراجع الأمر إلى الوراء كثيرا أى إلى قبل خلق العالم . فيسوع كان مسيحا منذ الأزل وهو الكلمة . ولذا لا نجد أدنى اشارة فى الإنجيل إلى قصة الميلاد لأنها كانت فى الأزل منذ البداية .
... وهنا يتحول السؤال عن كيف صار يسوع مسيحا إلى السؤال كيف تجسد الكلمة أو الابن المولود الغير مخلوق ليصبح بشرا سويا ..!؟ وتحول السؤال من كيف تأله الانسان إلى كيف تجسد الإله ..!!؟
... ومع تقادم الزمن وانعقاد المجامع الكنسية ، تبلورت الاجابة عبر قانون التثليث الشهير . وأصبحت الاجابة عن السؤال كيف صار يسوع مسيحا إلى الإجابة عن كيف تجسد الأقنوم الثانى ليصبح يسوعا .
... وتحولت العقيدة المسيحية إلى مناقشة وتفسير لأعمال الإله من تجسد ومولد وتعميد ورسالة وصلب وقيامة وصعود إلى السماء وجلوس عن يمين أبيه ثم العودة ثانية لمقاضاة الناس ..!!
وكلها خطوات تفسيرية على طريق الإجابة غير الموضوعية عن كيف صار يسوع مسيحا ..!!؟
وتحول معنى كلمة المسيح إذا أطلقت على يسوع من الإنسان المدهون إلى الكائن الإلهى الابن والكلمة ..!!
... ولم يُقرأ التاريخ الكتابى المسيحى جيدا إلا منذ قرنين من الزمان فقط وبعد مرور ثمانى عشر قرنا من بعثة المسيح - عليه السلام - . فوجد المتخصصون أنه لم يكتب على مستوى واحد أو عن طريق كاتب واحد ( الإلهام كما كانوا يزعمون من قبل ) . ولكنه كتب بأيدى كتبة مُختلفى الأغراض . وتطور الإجابة على سؤالنا دليل على ذلك .(1/55)
فإن راجعنا الموقف الكتابى نجد فيه أنَّ يسوع صار مسيحا بعد موته . ثم تراجع الوضع بعد ذلك إلى أنه صار مسيحا أثناء بعثته . ثم تراجع الأمر إلى قبيل بعثته أى أثناء تعميده . ثم تراجع الوضع إلى مولده . ثم تراجع إلى بداية خلق العالم .
وكلها تفسيرات لأعمال الإله . فهى إجابات غير موضوعية لا دليل عليها من حوادث التاريخ . وهى أيضا آراء رجال مختلفين كتبوها فى أزمنة مختلفة وبأغراض خاصة .
وخطوة تتبعها خطوات فى عبادة يسوع المسيح اختفت تماما دلالات الاسم مسيح من الأذهان وأضحى اسم المسيح بديلا عن الربوبية لله رب العالمين . وكل ذلك ناتج عن الابتعاد عن لغة الأصل الآرامية أو اللسان الأم لها وهو اللسان العربى .
وللعلم وللتاريخ فإنَّ المسيحيين القدماء أتباع بولس الأوائل كانوا يعتبرون المسيح كائن سماوى مخلوق له جسد أو تجسد ( Greek, docein ) مثل الملائكة كما قال بولس " كائن فى صورة الله " . ولذلك كان العلم الباحث فى المسيح عندهم يُسمى علم الـ ( Docetic ) بدلا من علم الـ الكرستولوجى ( Christology ) المعمول به حاليا . والفرق غير كبير عند التحقيق .
... والمسيحيون يرون أنَّ المسيح روح الحقيقة المنزلة ، وأنَّ القليل ممن فهموا تعاليمه هم الذين نالوا الخلاص ، الذين آمنوا بقيامته الروحية . وتلك المفاهيم جائتهم من قبل فلاسفة الاستشراق اليونانيين وليس من قبل تلامذة أنبياء الله . وهذا المفهوم تسرَّب إلى الفكر الصوفى الفلسفى القائل بوحدة الوجود ـ ابن عربى وابن سبعين والجيلى وغيرهم ـ عند قولهم بالحقيقة المحمدية ..!!(1/56)
... وقد ضاعت تعاليم هذه الفرق المسيحية القديمة منذ القرن الرابع الميلادى وحفظ بولس بعضا منها فى رسائله فقد كان تأثره كبيرا بالفكر الغنوصى ( Docetism ) ومن الأمثلة الدالة على ذلك قوله بقيامة يسوع الروحية من الموت ـ الموهوم ـ مثلهم تماما . وحديثا ظهرت كتابات تلك الفرق القديمة عند اكتشاف وثائق نجع حمادى التى بينت أصول ومعتقدات المسيحية قبل تغييرها بقوانين الإيمان التى ظهرت فيما بعد .
وتلك الخلاصة التاريخية تبيِّن لنا معنى قولهم يسوع هو المسيح . فذلك التعبير الإنجيلى جاء ردا على القول السائد فى ذلك الوقت من أنَّ المسيح نزل على يسوع عند التعميد وغادره عند الصلب . فالمسيح كائن سماوى ويسوع كائن أرضى " لتؤمنوا أنَّ يسوع هو المسيح " ( يوحنا 20 : 31 ) ..!!
وقد أفاض قديما العلامة ايرناوس فى الرد على تلك المقولة التى كان يقول بها المسيحيون الأوائل .
وأذكر الآن بعض الملاحظات التى هى من صلب العقيدة المسيحية
ـ يقولون : الله أبو ربنا يسوع المَسيح . ولا يقولون أبو ربنا المَسيح يسوع ..!!
ـ يقولون المَسيح الحىّ ولا يقولون يسوع الحىّ ..!!
ـ ويقولون الرب يسوع ولا يقولون الرب المَسيح ..!!
ـ يضيف بولس فى رسالته إلى أهل غلاطية ( 3 : 26 ) أنَّ الإيمان ينعقد فى مَسيح يسوع ( Christ Jesus In ) وليس فى يسوع مَسيح أو باقى العبارات الأربع ..!!
وكل ذلك يُعتبر دليلا جديدا على كل ما جاء فى هذا البحث وإن كان مُسجلا فى الكتاب المسيحى . دليل على تطور مفهوم كلمة المسيح العربية الآرامية إلى أن تعادلت مع الألوهية ..!!
فيا من كنت مُحِبًا للمَسيح متمسكا بدينه ودعْوتِه .. اسأل علماءك عن معانى هذه المصطلحات وتواريخ ظهورها فهى ليست متساوية فى المعنى . ثم ليكن قرارك لك وحدك حيث يسألك الله عنه يوم السؤال .
اللهم تقبل منى هذا البحث خالصا لوجهك الكريم
واجعلنى ممن تكون آخر دعواهم
أن الحمد لله رب العالمين .(1/57)
ثانيا ..
مَبْحَث حول كلمة عِيسَى
أصلها وفصلها
=======
فاتحة هذا المبحث :
الحمد لله ميسر الصعب وشارح الصدر لاستقبال نور العلم والحق . والصلاة والسلام على نبىّ الهدى القائل فى درر أحاديثه : " أَلاَ لا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكم رَهْبةُ النَّاسِ أن يقُول بحَقٍ إِذا رآه أو شَهِدَه . فَإِنَّهُ لا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ ، ولا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ . أَن يَقُول بحَقٍ أو يُذكِّرَ بعَظِيمٍ " .
أمَّا بعد :
يعتبر البحث والتحقيق للاسم الثانى عيسى أصعب كثيرا من البحث الأول المسيح لأسباب منها : موقع الاسم العَلم ( personal name ) فى العقيدة المسيحية . حيث أنَّ مدار الايمان فى المسيحية الحالية معلق بالاسم العَلم وليس بكلمة المسيح التى لا معنى لها عندهم سوى الممسوح بالزيت أو الدهن ، والتى أضفيت على ابن مريم - عليه السلام - من أتباعه من بعد انتهاء بعثته كما يقولون ..!!
... وحيث أنَّ القارىء لهذا الكتاب قد علم أنَّ المعجزات التى أجراها الله على يد ابن مريم - عليه السلام - كان دليلها وبرهانها كامن فى الاسم المسيح . وقد انتهت المعجزات وعصرها ولم يبق إلا ذكرها . ومع فقد معنى كلمة المسيح عندهم وتبنيهم لمعناها الزائف الممسوح تراجعت أهمية كلمة المسيح وتقدمت أهمية الاسم العلم يسوع لتعلق الإيمان المسيحى بذلك الاسم حسب نصوص كتب العهد الجديد كما سنرى .
... ومع تلك الأهمية الإيمانية للاسم العلم فقد أضاع المسيحيون أيضا ذلك الاسم العلم فى ترجماتهم المتعددة اللغات . وافترقوا كثيرا ولم يتفقوا بعد على اسم واحد يتعلق به إيمانهم ..!! فمنهم من دار إيمانه حول جيسس ومنهم من دار إيمانه حول جايزو ومنهم من آمن بيسوع ومنهم من آمن بهيسُّوس أو إيسوس ومنهم آخرون كثيرون آمنوا بأسماء أخر لا يحيط بعلمها إلا الله . وكل منهم يدافع عن الاسم الذى يؤمن به ويدور حوله إيمانه .(1/1)
إنها أسماء توارثوها عن آبائهم ما أنزل الله بها مِن سلطان ، ولكل كنيسة آباء وللآباء لغات متعددة ..!! ولن يترك الأبناء ما ورثوه عن الآباء ما لم يأتيهم نور من الله وبرهان يطغى على العقول والقلوب . فالإنسان يفعل كما يفعل الناس ، وينشأ فى الاعتقاد حسب ما تعلمه من والديه . إلى أن يعمل بما فتح الله عليه من علم فيترك الخطأ ويتمسك بالصواب .
... وأعلمُ الناس وأعرفُهم هو المنصف للحق إذا اختلف الناس كما علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكره الحاكم فى صحيحه . فمن لم يكن لديه هوى ولا حمية ولا عصبية وصفت غريزته عن الكدر ، ولم يكن له مأرب ولا مقصد إلا معرفة صحيح الأمر ظفر بذلك بسهولة من غير مشقة ولا تعب . لأنَّ ذلك موجود فى الأصول اليونانية للأناجيل .
... فلا مطمع فى الحق إلا بتوفيق الله وهدايته ، فإنه إذا أراد أمرا يَسَّرَ أسبابه وسهَّل طريقه . وكل مُقلد هو مُقِرٌ على نفسه بعدم القدرة على الفهم ومعرفة الحجج والنصوص . والعلم الناقص أشدُّ خطرا من الجهل . وأنا هنا فى كتابى هذا لا أخاطب من لا يدرى ولا يتعقل الحجة ، ولا يعرف الإنصاف . فمن توافرت فيه تلك الصفات لا ينفع معه علم ولا دين .
وفى هذا البحث سوف نستجلى الأمر معا ، ليتفق الجميع على اسم واحد هو المسجل فى أصولهم اليونانية ، الاسم العلم الذى يجب أن يؤمن به كل مسيحى . وتنحنى له جباه المتكبرين احتراما وتوقيرا . ذلك الاسم العلم الذى سوف يرى القارىء فى معناه وصفا دقيقا لصاحبه كأنك تراه فى المرآة ..!!
ومن صار على الدرب وصل كما قال الأقدمون . اللهم بلغنا الحق وارزقنا العمل به . آمين .
اسم المسيح - عليه السلام - فى الأصول اليونانية
=======================(1/2)
وقبل أن نطالع نصوص الأناجيل لنتعرف على الجزء الثانى مِن اسم المسيح عيسى - عليه السلام - أحب أن أُعْلِمَ القارئ بأنَّ اسم السيد المسيح - عليه السلام - فى الأصول اليونانية له ثلاثة صيغ طبقا لقواعد نحو اللغة اليونانية وموقع الاسم فى الجملة . حيث تضاف إلى آخره حروف يونانية زائدة على الاسم تبين حالة إعرابه . فهو فى حالة الفاعل يختلف عنه فى حالة المفعول به ، أو فى حالة المنادى والمضاف إليه .
أولا : الصيغة ( إيسون )
وكلمة إيسون هى اللفظة اليونانية الدالة على اسم المسيح - عليه السلام - عندما يكون موقعه فى الجملة مفعولا به . كما جاء مثلا على لسان الملاك جبريل إلى مريم البتول حين بشرها بالحمل بالمسيح . روى هذه الواقعة إنجيل لوقا ( 1 : 28ـ31 ) قائلا : " فدخل إليها الملاك وقال سلام لك أيتها المنعم عليها ، الرب معك مباركة أنت فى النساء فلما رأته اضطربت من كلامه ، وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية . فقال لها الملاك لا تخافى يا مريم لأنك قد وجدت نعمة من الله وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع " .
هذا هو نصّ الترجمة العربية المتداولة حاليا بين الناس . فهل الترجمة العربية صحيحة فى نقلها للاسم الموحى به من الله إلى مريم ..!؟ سوف نرى كيف تكون الأمانة العلمية فى ترجمة النصوص الدينية .
قارئى العزيز افتح معى الكتاب الشهير المُدوَّن به الأصل اليونانى للأناجيل ( Interlinear Greek-English N/T ) وباقى كتب العهد الجديد والمرفق به نسخة الملك جيمس الشهيرة . إضافة إلى الترجمة الإنجليزية الحرفية بين أسطر الأصل .(1/3)
فإن بحثنا عن الاسم المبشر به من الملاك جبريل سوف نجده باليونانية مكتوبا هكذا ( (((((( ) وينطق فى اليونانية إيسون وهذه اللفظة اليونانية واردة هنا فى النصّ على اعتبار أنها مفعول به نحويا . ولنحاول سويا أن ننطق هذا الاسم بعد تصويت الحروف اليونانية بأخرى إنجليزية وعربية ، حسب أقوال علماء اللغات المتخصصين .
اتجاه القراءة
إنجليزى ... n ... u ... I
يونانى ... ? ... ? ... ï ... َ ... ç ... ?
عربى ... ن ... ى ... و ... س ... ى ... ع
وتبعا لقواعد اللغة اليونانية فإنَّ الحرف الأخير حسب اتجاه القراءة المبين فى الجدول ( ن ، ? ، n ) ليس من الكلمة ، وإنما هو من لواحق الإعراب . وحرف الواو العربى عبارة عن الضمة القصيرة على حرف السين . فيكون منطوق الاسم فى كل من اليونانية والإنجليزية هو ( إيسُى Iesou ) وفى العربية عِيسُى .
ويلاحظ أنَّ وضع الضمة على حرف السين جاء من اللسان العبرى الجديد فهو يميل دائما إلى الضم خلافا للعربية والآرامية ، مثل كلمة إله بالفتح فى العربية والآرامية حيث تنطق إلوه بالضم فى العبرية . فيكون التصويت بلغة المسيح - عليه السلام - الآرامية للاسم هو عِيسَى بالفتح وليس عيسُى .
ولك أن تقول عِيسُو أو عيشو وفق اللسان العبرى الجديد . ولك أن تقول عِيسَى وفق اللسان الآرامى والعربى .
... ويلاحظ أيضا فى عملية التصويت من اللغات الأوروبية إلى العربية أو الآرامية أنَّ هناك حروفا عربية وآرامية ليس لها وجود فى اللغات الأوروبية - كاليونانية والإنجليزية - مثل حرف العين ( ع ) فإنه يصوت إلى حرف آى ( I ) الإنجليزى أو حرف يوتا ( I ) اليونانى . فإن حاولت مثلا أن تجعل يونانيا ينطق حرف ( عين ) العربى فإنه سيقول لك ( إين ) فنطق بحرف (I ) أو بحرف ( ? ) وإن حاولت أن تجعله ينطق الكلمة العربية عِيسَى فسيقول لك على الفور إِيسَى مستبدلا حرف العين بالحرف ( I ) أو الحرف ( ( ) الذى يعادل حرف ( e ) الإنجليزى .(1/4)
فظهر لنا أنَّ الحرف الأول من اسم المسيح - عليه السلام - هو حرف العين ( ع ) فأين هذا من حرف الياء ( ى ) الذى يبدأ به اسم يسوع ..!؟
ربما حاول المترجمون أن يقرؤا الاسم اليونانى من اليمين إلى اليسار مثل قراءة اللغة العربية ..!! ولكن حتى فى هذه الحالة المضحكة ـ البعيدة كل البعد عن كافة الطرق المعروفة للقراءة ستجعل الاسم يصبح أُسيع أو وسيع أو يسيع طبقا للسان العربى بعد إعمال قاعدة التبادل بين الأحرف الثلاث ( أ ، و ، ى ) ..!!
وحقيقة الأمر أنَّ المترجمين قد صوتوا الاسم صحيحا فى مسوداتهم ثم قاموا بعملية تبديل مكان الحرف الأول ليكون مكانه فى آخر الكلمة ثم كتبوه فى أناجيلهم بعد تبديل مكان الحرف الأول هكذا :
الاسم حسب اللسان العبرى الجديد هو عيسو .
و حسب اللسان ( الأى كلام ) هو يسوع .
وتسهيلا على القارىء سوف أضع حروف الكلمتين تحت بعضهما حتى يُمْكِن للقارىء المنصف أن يكتشف عملية تبديل مكان الحرفين الأول والأخير .
ع ى س و
ى س و ع
إنه تبديل لمكان الحرف الأول فقط ليكون فى آخر الكلمة ..!!
فهل شاهدتم كيف تكون الأمانة العلمية فى ترجمة أسماء الأشخاص بين اللغات . مع أنها لا تترجم أصلا ولكن تنطق كما هى فى جميع اللغات المنقولة إليها .(1/5)
... المهم أنَّ اسم المسيح - عليه السلام - كما هو مسجل فى الأصول اليونانية هو عيسى وليس يسوع كما يزعمون . عيسى ذلك الاسم الذى نطقت به ملائكة الرحمن حين قالت لمريم عليها السلام { إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِين } ( آية 45 / آل عمران ) . فأنَّى للنبىّ العربىّ الأمىّ - صلى الله عليه وسلم - أن يعلم بلغة اليونان حتى يترجم منها وعنها اسم المسيح عيسى - عليه السلام - ..!؟ وأنَّى له صلوات الله عليه وسلامه أن يعلم باللغة الآرامية حتى يتعرَّف منها على الاسم الآرامى الفلسطينى عيسى ولم يقل عيسو تبعا للعبرية ..!؟
ثانيا : الصيغة ( إيسوس )
وكلمة إيسوس هى اللفظة اليونانية الدالة على اسم المسيح - عليه السلام - فى حالة وروده فى صيغة الفاعل وفق قواعد الإعراب اليونانى .
جاء فى إنجيل لوقا ( 2 : 21 ) " ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبى سُمِّىَ يسوع ( (((((( ) كما تسمى من الملاك قبل أن حُبل به فى البطن " .
فإذا بحثنا عن ذلك الاسم يسوع فى ذلك النصّ كما جاء فى الأصول اليونانية نجده مكتوبا هكذا ( (((((( ) والذى ينطق فى اليونانية إيسوس فى صيغة الفاعل . والفارق الوحيد بين هذه الصيغة إيسوس وبين الصيغة السابقة إيسون هو فى لاحقة الإعراب اليونانية ، فهنا كانت اللاحقة عبارة عن إضافة حرف سجما ( ? ) ـ حرف السين فى العربية ـ اليونانى فى آخر الكلمة ، وهناك كانت اللاحقة هى إضافة حرف نى ( ( ) اليونانى ـ حرف النون فى العربية ـ ويلاحظ أنَّ حرف سجما ( ? ) اليونانى له ثلاثة أشكال حسب موقعه فى الكلمة فهو يكتب ( ( ) إذا كان فى أول الكلمة ويكتب (? ) إذا كان فى وسط الكلمة ويكتب ( ( ) إذا كان فى آخر الكلمة . وهنا نجده فى منتصف كلمة إيسوس ( (((((( ) وأيضا فى آخرها .(1/6)
... وتصويت الاسم اليونانى ((((((( ) هو هو ذات الاسم عيسى بعد حذف لاحقة الإعراب اليونانية . ولا يمكن أن نستخرج بأى حال من الأحوال المشروعة لغويا الاسم يسوع من إيسوس إلا بمعجزة تعمى فيها الأبصار وتصمت الألسنة وقد انتهى عصر المعجزات ..!!
... وأنا أعلم جيدا ردود فعل علماء المسيحية على ذلك التصويت اللغوى . فهم لا يناقشون تصحيح الاسم بقدر ما يناقشون معناه الذى يريدون . وسوف أفتح بإذن الله تعالى مناقشة بعد قليل حول الاسم يسوع ومن أى لغة جاء هذا الاسم فصبرا . المهم أنَّ المسيح - عليه السلام - قد سُمّىَ عيسى تصديقا للوحى الإلهى فى القرآن والإنجيل ، وبشرى الملائكة لمريم بذلك الاسم المبارك .
ثالثا : الصيغة إيسوى
وكلمة إيسوى هى اللفظة اليونانية الدالة على اسم المسيح - عليه السلام - فى حالة وروده فى صيغة المنادى أو المضاف إليه وسوف أختار هنا بعض النصوص التى ورد فيها الاسم حسب تلك الصيغة وهى كون الاسم منادى أو مضافا إليه .
ورد الاسم فى حالة المنادى ( يا يسوع ) ثمانى مرات أذكر منها هنا موضعين فقط ـ أحدهما مكرر ـ حيث أنَّ باقى المواضع وردت على ألسنة مجانين ملبوسين بشياطين ( متى 8 : 29 ؛ مرقس 1 : 24 ، 5 : 7 ؛ لوقا 4 : 34 ، 8 : 28 ) .
الموضع الأول فى إنجيل مرقس ( 10 : 46 ـ 47 ) " وفيما هو خارج من أريحا مع تلاميذه وجمع غفير كان بارتيماس الأعمى بن تيماوس جالسا على الطريق يستعطى . فلما سمع أنه يسوع الناصرى ابتدأ يصرخ ويقول : يا يسوع ابن داود ارحمنى " . وهذه الحادثة تكررت فى إنجيل لوقا ( 18 : 35 ـ 38 ) ولكن بتعارض شديد مع نصّ متى لا يهمنا هنا الكلام عنه الآن .
وإليك النصّ : " ولما اقترب من أريحا كان أعمى جالسا على الطريق يستعطى . فلما سمع الجمع مجتازا سأل ما عسى أن يكون هذا فأخبروه أنه يسوع الناصرى مجتازا . فصرخ قائلا : يا يسوع ابن داود ارحمنى " .(1/7)
الموضع الثانى فى لوقا ( 17 : 11 ـ 13 ) " وفى ذهابه إلى أورشليم اجتاز فى وسط السامرة والجليل . وفيما هو داخل قرية استقبله عشرة رجال برص فوقفوا من بعيد ورفعوا صوتا قائلين : يا يسوع .. يا معلم ارحمنا " .
وفى هذه المواضع المذكور فيها صيغة ( يا يسوع ) نجد أنَّ الاسم هنا فى الأصل اليونانى مكتوبا هكذا ( ????? ) وينطق فى اليونانية إيسوى . وتلك صيغة سهلة للاسم حيث حُذفت منه إضافات النحو اليونانى مع ملاحظة أنَّ منطوق الكلمة اليونانية إيسوى مأخوذ عن اللسان العبرى الجديد الذى يميل إلى الضم عِيسُوى بدلا من الفتح فى اللسان الآرامى عِيسَى . وهذه الصيغة تنطق فى العربية بدون صعوبة عيسى . فكان قومه عليه السلام ينادونه يا عيسى ولم يقولوا يا يسوع كما يزعم المترجمون للأناجيل العربية ..!!
... وقد وردت هذه الصيغة ( ????? ) إيسوى عدة مرات فى حالة المضاف إليه مثل قولهم : قدمى يسوع وجسد يسوع وركبتى يسوع وحضن يسوع وصدر يسوع .... الخ (1) . والترجمة الصحيحة لهذه الفقرات هى على التوالى هكذا : قدمى عيسى وجسد عيسى وركبتى عيسى وحضن عيسى وصدر عيسى و... وهكذا . وقد سبق الكلام عن ترجمة أسماء الأعلام بين اللغات فكيف نثق بقوم يغيرون الأسماء وفق ما يفهمون وما يريدون ..!؟
ولننظر الآن فى اسم المسيح - عليه السلام - عند تلامذته من بعد انتهاء بعثته وما قيل عن صلبه وموته ودفنه ونزوله الجحيم ثم تمجيده ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع على التوالى : متى ( 15 : 3 ، 27 : 57 ) ، لوقا ( 5 : 8 ) ، يوحنا ( 13 : 23 ، 25 ) .(1/8)
يظهر لنا من الأناجيل وباقى كتب العهد الجديد أنَّ التلاميذ كانوا يطلقون على المسيح بعد انتهاء رسالته اسم عيسى ( ????? ) أيضا . وبالإيمان باسمه هذا نشروا الدعوة المسيحية . وأخذوا يستخدمون هذا الاسم الشريف ( ????? ) فى عمل الكرامات ( المعجزات ) (1) وفى تعميد الداخلين إلى الديانة المسيحية وأمور أخرى كثيرة سوف أذكر بعضها بعد قليل .
وسأذكر هنا قولين لاثنين من التلاميذ أولهما كبيرهما سِمْعان والثانى هو يوحنا . ذكر لوقا فى سفر أعمال الرسل ( 3 : 6 ) أنَّ كبير التلاميذ سِمْعان الذى يطلقون عليه زورا اسم بطرس قد أجريت على يديه عدة كرامات منها كرامة شفاء رجل كسيح وذلك بمجرد ذكر اسم المسيح عليه حيث قال له " باسم يسوع ( ????? ) المسيح الناصرى امشى " فقام الرجل ومشى ..!!
ويلاحظ أنَّ الاسم المنطوق هنا هو اسم عيسى ( ????? ) والذى تَمَّت بذكره هذه الكرامة وليس يسوع أو جيسس كما يزعمون ..!!
... ويذكر لنا يوحنا قانونه الإيمانى وعبارته الشهيرة التى اختص بها من دون الآخرين وهى " الإيمان باسم المسيح " والتى ذكرها خمس مرات فى إنجيله ورسالته الأولى . نذكر له هنا قوله فى رسالته الأولى ( 3 : 23 ) : " ووصيته هى أن تؤمن باسم ابنه يسوع ( ????? ) المسيح " .
والاسم المذكور كما هو ماثل أمام القارىء هو عيسى ( ????? ) وليس يسوع كما يزعم المترجمون ..!!
هذا هو الاسم عيسى الذى كان يعرفه سِمْعَان ويوحنا وباقى التلاميذ . هذا هو الاسم عيسى الذى تعَبَّدَ بذكره التلاميذ وتركه الأتباع من بعدهم . أمَّا عن يسوع وإيسوع وأشيوع وأيشوع ومايسوغ و.. و ... إلى آخر ما جاء من أسماء اخترعوها للمسيح عبر القرون الماضية (2) فلا أقول لهم إلا كما قال ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. إنهم لا يفرقون بين الكرامة و المعجزة ، فالمعجزة لا تكون إلا من الأنبياء وبغرض إقامة الحجة والتحدى(1/9)
خلاف الكرامة التى تكون من نصيب بعض عباد الله الصالحين .
(2) .. هذه هى نماذج من الأسماء الواردة فى الأناجيل العربية التى كتبت من قبل القرن الثانى عشر الميلادى
وبعده بقليل .
رب العزة فى محكم آياته : { إن هى إلاَّ أسماء سميتموها أنتم وآباءكم ما أنزل الله بها من سلطان . إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى } ( 23 / النجم ) .
زيادة إيضاح :
ربما يعترض على عملية تصويت الاسم عيسى (????? ) جهول عصوب لا يريد أن يعرف الحق أو أن يسمع الصدق .
وربما يعترض على عملية تصويت الاسم عيسى (????? ) جهول يريد أن يعرف الحق ويسمع الصدق ولكن من خلال كتابات قومه وتسجيلات كتابه المقدس .
وهناك كثيرون يعرفون ويكتمون ما يعرفون عن أتباعهم إلى هؤلاء جميعا أقول بأننى قد التزمت بقواعد اللسان الآرامى العربى . كما اتفقت مع القوم فى تصويتهم للأسماء العبرية المترجمة إلى العربية . وسأضرب ثلاثة أمثلة فقط لبعض الأسماء المذكورة فى كتب ورسائل العهد الجديد ترجمها علماء المسيحية إلى العربية لنتعرف على مدى مصداقية ما قمت به فى عملية تصويت الاسم عيسى من اللغة اليونانية إلى العربية .
المثال الأول : اسم ابن نبىّ الله إسحاق - عليه السلام - : إنه عيسو . لقد ورد الاسم فى رسالة بولس إلى ( رومية 9 : 13 ) " كما هو مكتوب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو " وورد اسم عيسو أيضا فى الرسالة إلى العبرانيين ( 11 : 20 ) " بالإيمان إسحاق بارك يعقوب وعيسو " . وورد أيضا فى ( 12 : 16 ) من الرسالة إلى العبرانيين " لِئَلا يكون أحد زانيا أو مستبيحا كـ عيسو الذى لأجل أكلة واحدة باع بكورته " .
فهنا فى هذه النصوص الثلاث نجد أنَّ اسم عيسو فى الأصول اليونانية مكتوبا هكذا ( (((( ) . مع ملاحظة أنَّ حرف إيتا ( ( ) هو نفس حرف إيتا ( ? ) ولكن بالبنط الكبير .(1/10)
ولنحاول أن نقرأ هذا الاسم فى اللسان العربى بعد الاستفادة من شرح الراهب ببنودة بيشوى ومُراجع الشرح الأستاذ الدكتور موريس تاوضروس على قواعد اللغة اليونانية المستخدمة فى العهد الجديد .
جاء عنهما أنَّ حرف إيتا ( ( ، () يعادل الحرف الإنجليزى (E ) والهمزة المكسورة ( إِ ) الطويلة فى العربية . وحرف سجما ( ? ) يعادل حرف ( s ) فى الإنجليزية وحرف ( س ) فى العربية . وأنَّ المقطع (?? ) يُنطق آو كما فى ( caw ) (1) . ونقرأ الآن الاسم تبعا للرسم المدون :
إتجاه القراءة
E s au
? ? ? ?
آو س إ
إنه ( إِيساو ) فى العربية و( Esau ) فى الإنجليزية
إيساو و إيسو ، والترجمة الإنجليزية إيسو صحيحة عندهم لا خلاف فيها . ولكنهم لم يكتبوا التصويت العربى إِيساو وإنما كتبوه عِيسُو . لقد صَحَّحُوا تصويت الكلمة من اللسان العبرانى الحديث . فحرف ( ( ) لا يعادل حرف العين وإنما هو الكسرة الطويلة العربية التى تعادل حرف الياء . مع أنَّ الكلمة إِيسا مصرية مهجنة أى يونانية مطعمة باللسان المصرى ( أى من كلمات اللغة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع كتاب يونانى العهد الجديد ص13 ، ص 15 مع ملاحظة أن المقطع ((( ) يعادل فى الإنجليزية
المقطع ( au ) خلاف ما قالاه ، وعلى هذه الملاحظة جاءت الترجمات الإنجليزية للاسم عيسو فى اللغة
الإنجليزية هكذا (Esau ) .
القبطية ) مثلها مثل كلمة بيسا التى نستخدمها كاسم إلى الآن ..!!
والملاحظة المستفادة من هذا المثل هى علامة الفتح فى آخر الاسم إِيسَاو أو عِيسَاو . فحرف السين هنا ينطق بالفتح وليس بالضم كما زعموا عِيسُو والترجمة الإنجليزية ( au ) شاهدة عليهم .(1/11)
وهذا التصويت راجع إلى أنَّ هذا الاسم من كلمات اللغة العبرية القديمة الموصوفة فى العهد القديم بأنها شفة كنعان ( أشعيا 19 : 18 ) خلاف اللغة العبرية الحديثة المتداولة حاليا والتى ظهرت طريقة تصويتها للوجود من بعد القرن العاشر الميلادى . ومعلوم أنَّ لغة ( شفة ) كنعان هى الآرامية . وقد سبقت الإشارة إلى أنَّ الآرامية والعربية تميلان فى معظم الأحيان إلى الفتح خلاف العبرية الحديثة التى تميل إلى الضم . فـ إِيساو أو عِيسَاو وفق اللسان الآرامى والعربى . و إِيسو أو عِيسُو وفق اللسان العبرى الجديد . والترجمات العربية الحديثة للكتاب المقدس استخدمت اللسان العبرى الجديد عوضا عن اللسان العبرى القديم أو اللسان العربى .
وهناك ملاحظة لغوية قيِّمَة أفادنا بها الدكتور كمال الصليبى حيث قال فى كتابه ( خفايا التوراة ص 168 ) " والتحول فى اللغات السامية ، حتى فى اللهجات من اللغة الواحدة بين الواو والياء أمر عادى ، وكذلك التحول بين كل من حرفى العلَّة والهمزة " .
وقال لى أخى الشيخ محمد القاضى : وهى ظاهرة عادية فى اللغة العربية يطلق عليها الصرفيون اسم ( الإعلال و الإبدال ) ، وهو باب كبير يستوعب معظم الوحدات الصوتية التى تجاورت فيها حروف العلة أو ألجأت الحاجة الصوتية إلى هذا التحول المشار إليه .
ويمكننا أن نستخدم هذه المعلومة لنتعرف على أنَّ الاسم عيسو العبرى هو الاسم العربى عيسى بدون جدال أو تعنت .
فـ عِيسُو بالضم وفق اللسان العبرى الجديد .
و عِيسَى بالفتح وفق اللسان الآرامى والعربى .
... ولنحاول الآن أن ندرس الاسم عيسو مع اسم المسيح - عليه السلام - كما ورد فى الأصول اليونانية للعهد الجديد .
عيسو يسوع
????? ????(1/12)
يلاحظ أنَّ النهاية ( ?? ) تنطق بالفتح أى ( آى ) والنهاية ( ?? ) تنطق بالضم أى ( أُى ) . ولك أن تقول فى العربية أنَّ النهاية ( ?? ) تشبه الفتحة فوق حرف الياء ( ىَ ) ولكن بشئ من المد فى الفتحة ، ولك أن تقول فى العربية أنَّ النهاية (?? ) تشبه الضمة فوق حرف الياء ( ىُ ) ولكن بشئ من المد فى الضمة . أمَّا عن الحرف ( ? ?) فهو يعادل الكسرة الممدودة ( إِ ) والتى يعبر عنها فى العربية بحرف الياء المكسورة . وعن حرف يوتا ( ? ) فهو بدون اشكال يكتب فى العربية ( ع ) فيكون التصويت العربى للاسمين هكذا :
????? ????
إِيسَاو أو يِيسَاى عِيسُو أو عِيسَى
ولاحظ جيدا التصويت اللغوى للحرفين الأولين من اسم المسيح ( ? ? ) لقد ترجموهما فى العربية إلى ( يس ) من يسوع . ولكن حرف السين هو الحرف الثالث ومن ثم فإنَّ الحرفين ( ? ? ) هما منطوق حرف الياء فقط . وبالتالى فإنَّ منطوق الثلاث أحرف الأولى من الاسم ( ????? ) هو ( يس ) . وبقى علينا أن نستدل على باقى الاسم يسوع . لم يتبق لنا سوى حرفين فى الاسم اليونانى هما ( ?? ) وهما ينطقان أوى ، بمعنى أنَّ الحرف ( ? ) هو حرف الواو العربى وحرف ( ? ) هو حرف الياء العربى . فأين إذا حرف العين الموجود فى آخر الاسم العربى يسوع ..!؟ لقد ضاع ..!!
وفى الحقيقة أنه فى أول الاسم ( ? ? ) ( عِ ) وليس فى آخره كما زعموا ..!!
انظر ثانية إلى موقع حرف العين من الاسم عيسو ( ???? ) إنه فى أول الاسم اليونانى الحرف إيتا ( ? , ? ) أيضا ..!!
فهل شاهدتم مثل هذا التخليط ، وهل بعد الحق إلا الضلال ..؟(1/13)
لقد استبدلوا اسم ابن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام باسم المسيح فى اللسان العبرى الجديد ثم حذفوا تماما اسم المسيح من أناجيلهم وجاءوا بدلا منه باسم آخر حسب هواهم هو يسوع وهذا الاسم لم يأتوا به من بعيد . لقد علموا أنَّ اسم المسيح فى اللسان العبرى الجديد هو عِيسُو فجعلوه اسماً لابن إسحاق البكر . ثم تلاعبوا فى هذا الاسم بتغيير مكان الحرف الأول منه ليكون الأخير فيصبح عيسو هو يسوع ..!!
( ع ى س و )
( ى س و ع )
وربما يأتى آخرون فيجعلون حرف الواو هو الحرف الثانى بعد العين فيصبح عيسو هو عويس (1) ..!!
( ع ى س و )
( ع و ى س )
مع ملاحظة أنَّ التخريج الثانى هو الأقرب لغة بين لهجات اللسان السامى كما يقول المتفيقهون المعاصرون . فهل اقتنعت أيها القارئ وتيقنت من تلاعب المترجمين العرب لنصوص الأناجيل المعاصرة وباقى رسائل العهد الجديد ..!!
فأى أمانة علمية عند هؤلاء القسس والرهبان الذين قاموا بعملية الترجمة وتصويت الأسماء من اليونانية إلى العربية ..!؟ المهم عندهم وعندهم فقط هو ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. وضريح الشيخ ( عويس ) مشهور فى مصر حيث يقوم بزيارته والتبرك به المسيحيون والجهلاء
من المسلمين ..!!
مخالفة المسلمين فى اسم المَسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - . فإن كان - عليه السلام - عند المسلمين هو عيسى ، فليكن عند المسيحيين العرب يدعى يسوع ، ولا يهم أن يجهل هذا الاسم سائر المسيحيين فى العالم أجمع الناطقون بلغات أخرى غير العربية ..!!
وإلى الآن لم أحاول الكلام عن معنى الاسم لأننا نتكلم عن ترجمة أسماء الأشخاص بين اللغات ، والمعانى لا تظهر إلا فى الشرح والتفسير وليس فى ترجمة الأسماء .
المثال الثانى : اسم فتى موسى - عليه السلام - يشوع بن نون .(1/14)
وهذا الاسم يشوع ( أو يهوشوع أو يوشع ) قد ذكر فى ( أعمال 7 : 45 ) بالرسم اليونانى وهو فى صيغة المضاف إليه هكذا ( ????? ) . إنه إيسو اليونانى العبرانى أو عيسى الآرامى العربى ..!!
ونجده أيضا فى الرسالة إلى العبرانيين ( 4 : 8 ) وهو فى حالة الرفع الاعرابى اليونانى هكذا ( ?????? ) . إنه أيضا إيسوس اليونانى العبرانى أو عيسى الآرامى العربى ..!! ولكنهم كتبوه يشوع فى الترجمات العربية ..!!
لاحظ أيضا عدم وجود حرف العين فى آخر الاسم اليونانى حتى يقولوا يشوع . ولكننا نجده فى أوله ( ? ? ) ( عِ ) ..!!
وهذا الاسم كتبوه فى الترجمات الإنجليزية هكذا ( Joshua) أى جوشا وينطقه الأمريكان المعاصرون بشىء من التدليل قائلين جوش . بمعنى أنَّ اسم الدلع لـ يشوع هو جوش ..!!
قلت جمال : والاسم الصحيح كما ثبت لى بعد الاستقراء المستفيض فى الآرامية وليس فى اليونانية هو يوشع وليس يشوع العبرى . وجذره اللغوى العبرانى هو( ى ش ع ) ولن أتكلم الآن عن معانى الأسماء وجذورها فلها مكانها بعد إثبات صحة الاسم المتكلم عليه .
المثال الثالث : إنها عبارة هلِّلُو يَا .
ولمزيد من الإفادة فهناك عبارة مشهورة يعرفها ويحفظها جميع المسيحيين واليهود فى جميع أنحاء العالم وبلغاته المختلفة إنها عبارة هلِّلُو يَا . الواردة حوالى ( 21 ) مرة فى سفر المزامير وأربع مرات فى سفر الرؤيا ، ولم يترجم معناها الحقيقى حتى الآن إلى العربية .. !! والقوم لا يحبون الأصول العربية لكلمات الكتاب المقدس بعهديه ..!!
هذه العبارة يقول عنها مسيحيو الغرب إنَّ معناها ( glorify the God ) أى مَجِّدوا الرب . أو هى بمعنى اشكروا الرب أو احمدوه ( praise the God ) .(1/15)
هذه العبارة نجدها مكتوبة فى سفر الرؤيا المسيحى أربع مرات ( 19 : 1 , 3 , 4 , 6 ) . ورسمها فى اليونانى هكذا ( ????????? ) وهى مكونة من شطرين هما ( هللو ـ يا ) . فإذا نظرنا جيدا إلى الرسم اليونانى سوف نجده مكتوبا طبقا للتصويت الآرامى والعربى ( Translitration ) ..!!
المهم هنا هو الاسم ( يا ) الذى يشير إلى رب السموات والأرض . لقد كتب ( يا ?? ) فى اليونانية . أذكر ذلك لأولى الألباب لأنَّ علماء المسيحية قالوا وهم مخطئون : أنَّ اسم يسوع مكون من مقطعين يا و يُخلِّص بمعنى الله يُخلِّص أو المُخلِّص . فأين يا أولى الألباب هذا المقطع اليونانى ( يا ?? ) الدال على اسم الله فى اسم المسيح اليونانى ( ????? ) ..!!؟؟
قطعا ليس هو حرف العين المكسور ( ?? ) كما يزعمون للعامة ..!!
أنا شخصيا قمت بسؤال عدد من علماء المسيحية الأمريكان والإنجليز المتخصصين فى لغات الكتاب عن موقع حرف العين الآرامى فى اسم المسيح هل هو فى أوله أم فى آخره ..!!
فحاروا وداروا وأخذوا يشرحون لى معنى الاسم وأنه مكون من شطرين وهو بمعنى الله يُخلِّص ، وأنَّ الحرفين ( ?? ) من الاسم اليونانى يعادلان ( يا ) . وحاولوا أن يأخذونى إلى اللغة العبرية ، ولكن المسيح لم يتكلم العبرية المعروفة كما أنه لا توجد أناجيل أو أسفار مسيحية مكتوبة باللغة العبرية حتى نحتكم إليها ..!!
فلينظر القارىء جيدا إلى الرسم اليونانى لاسم المسيح - عليه السلام - ليستخرج منه المقطع اليونانى ( ?? ) الدال على اسم الإله ( يا ) . وليستبين أمر الكاذبين . لقد زعموا أنَّ الاسم يسوع مُكوَّن من شطرين ( يا ) بمعنى الله و ( سوع ) بمعنى يُخلِّص فيكون معنى يسوع هو الله يُخلص ..!! ولكن هذا الزعم لا دليل عليه من الاسم اليونانى ( ????? ) فلا وجود للحرفين ( يا ?? ) فى الاسم اليونانى .(1/16)
... وبالمناسبة فإنَّ عبارة هللويا وردت فى أكثر من موضع فى العهد القديم أختار منها سفر دانيال ( 2 : 23 ) حيث نجدها قد وردت حسب اللسان العربى ذو اللغة الآرامية المكتوب بها ذلك الجزء من السفر . نجد الكلمة هللوا مشتقة من الفعل الآرامى سَبَّحَ . بمعنى أنَّ العبارة هلِّلُو يا معناها فى العربية والآرامية سَبِّحُو يا . وهى صيغة تنزيه وتقديس للإله مثل قول المسلمين سبِّحوه مع ملاحظة أنَّ الهاء تشير إلى الله سبحانه وتعالى .
وفى لغتنا العربية نستطيع أن نستخرج معنى هلِّلُو يا من المعاجم العربية بسهولة فقولنا هلَّلَ الرجل معناه : قال بصوت مرتفع لا إله إلا الله . بمعنى أنَّ العبارة فيها توحيد للإله أى وَحِّدُوا يا أو وحِّدُوا الله أو وَحِّدُوه . ولكن العبارة لا تزال كما هى فى الترجمات العربية للكتاب المقدس بدون ترجمة أو تفسير لأنها تتعارض مع عقيدة التثليث ..!!
فلا حول ولا قوة إلا بالله
أهمية اسم المسيح - عليه السلام -
==============
يعتقد المسيحيون اعتقادا كبيرا فى اسم المسيح - عليه السلام - حيث ينسبون إلى اسمه قوة وفاعلية مؤثرة فى الأشياء وفى عمل المعجزات . فنجد القديس يوحنا يصرح فى إنجيله ورسالته الأولى خمس مرات بأن الإيمان المسيحى منعقد على الاعتقاد فى اسم المسيح ( believe in his name) . وليس كما كنت أفهم ويفهم معى المؤمنون بأنَّ الاعتقاد لابد وأن يكون مركزا فى شخص المسيح ورسالته ..!!
فالوصية الإيمانية المسيحية هى " أن تؤمن باسم يسوع المسيح " (1) مع ملاحظة أنَّ الأصل اليونانى لكلمة يسوع هنا هو (????? ) أى إيسو حسب اللسان اليونانى ، وعيسو حسب اللسان العبرى الجديد وعيسى حسب اللسان الآرامى والعربى .(1/17)
فـ باسم المسيح تعلن التوبة وغفران الخطايا لجميع الأمم ( إنجيل لوقا 24 : 47 ) . وبـ اسم يسوع (????? ) المسيح يتم التعميد لمسح الخطايا وليدخل المعَمَّد إلى الديانة المسيحية ( أعمال 2 : 38 ، 8 : 16 ، 19 : 5 ) . وبـ اسم يسوع (????? ) المسيح يتم شفاء المرضى ( أعما ل 4 : 7 ـ10 ، 3 : 6 ، 9 : 34 ) . وبـ اسم يسوع ( ????? ) المسيح يتم شكر الله ( أفسس 5 : 20 ، كولوسى 3 : 17 ) .
وكان المسيحيون الأوائل يُسَمُّون أنفسهم " الذين يدعون باسم الرب " ( أعمال 9 : 14 ؛ 21 : 10 ؛ كورنتوس 1 : 2 ؛ تيماوس 2 : 23 ) .
ونجد أنَّ كتاب الرؤيا كما يقولون مُوَجَّه إلى المسيحيين الذين يتحملون العذاب من أجل هذا الاسم ( رؤيا 2 : 3 ) . والأمر المثير للدهشة حقا هو الذى نجده منتشرا على صفحات الأناجيل وباقى كتب العهد الجديد من علاقة اسم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. المواضع الخمسة نجدها فى : إنجيل يوحنا ( 2 :23 ، 3 :18، 3 : 23) وفى رسالة يوحنا الأولى
( 3 : 23 ، 5 : 13 ) .
يسوع ( ????? ) بالشياطين وبالأرواح الشريرة ( evil spirits , devils ) كأنَّ المسيح - عليه السلام - قد بُعِثَ خصيصا لقوم ملبوسين بالجن والشياطين ..!!
ومعجزاته - عليه السلام - فى طرد الشياطين والأرواح الشريرة من أجساد الناس ليست قليلة فى الأناجيل . ولذلك نجد أنَّ المسيحيين الأوائل قد لاحظوا تلك العلاقة القائمة بين اسم يسوع (????? ) والجن والشياطين . فكانوا يستخدمون تلك الروشتة السحرية (( theurgic formula فى عمل المعجزات .
ثم انتشرت هذه الروشتة وذاع خبرها عند الأتباع من بعدهم . وهناك نصوصا إنجيلية تشير إلى أنَّ كثيرا من المعزِّمِين والسحرة قد استخدموا هذه الروشتة السحرية المحتوية على اسم يسوع (????? ) فى جلب المنافع الدنيوية ..!!(1/18)
فها هو بولس عندما أخرج شيطانا من جسد امرأة قال له " آمرك باسم يسوع ( ????? ) المسيح أن تخرج منها ، فخرج من وقته " ( أعمال 16 : 18 ) . ثم تلاه المُعَزِّمون يفعلون مثل ما فعل بولس قائلين " عَزِّمْتُ عليك ـ عليكم ـ باسم يسوع ( ????? ) الذى يبشر به بولس (1) " ( أعمال 19 : 13 ) وفى نسخة أخرى جاء النصّ العربى هكذا " نُقْسِمُ عليك بيسوع (????? ) الذى يكرز به بولس (1) " ..!! كأنَّ هناك أكثر من يسوع معروف لدى المعزمين والدجاجلة ..!! ولا يزال كثير من القسس والرهبان يفعلون كما فعل الأوائل ولكن باستخدام اسم جديد لم يعرفه الأوائل هو اسم يسوع ..!!
سجَّل متى فى إنجيله ( 7 : 21ـ23 ) قول المسيح - عليه السلام - " ليس كل من يقول يا رب .. يا رب .. يدخل ملكوت السماوات بل الذى يفعل إرادة أبى الذى فى السماوات . كثيرون سيقولون لك فى ذلك اليوم يا رب .. يا رب .. أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين ، وباسمك صنعنا قوات كثيرة . فحينئذ أُصَرِّحُ لهم إنى لم أعرفكم قط . أذهبوا عنى يا فاعلى الإثم " . فكل من يفعل هذه ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع كتابى " الجنى يسوع النصرانى مسيح بولس " لتتعرَّف عليه ، فإنه بحث جديد وجدُّ خطير.
الأشياء أو يقترف شيئا منها سوف يتبرأ منه المسيح فى يوم الدينونة . فهذه الأفاعيل تعتبر ضربا من ضروب السحر الأسود التى يستطيع أن يفعلها المعتقدون والمنكرون للمسيح ورسالته .(1/19)
روى مرقس فى إنجيله ( 9 : 38 ـ 39 ) أنَّ يوحنا قال للمسيح " يا معلم رأينا واحدا يخرج شياطين باسمك وهو ليس يتبعنا فمنعناه لأنه ليس يتبعنا . فقال يسوع (?????? ) لا تمنعوه لأنه ليس أحد يصنع قوة باسمى ويستطيع سريعا أن يقول علىَّ شرا . لأنَّ من ليس علينا فهو معنا " . فهل شاهدت أيها القارئ كيف استخدم أتباع يسوع اسمه فى إخراج الشياطين وعمل المعجزات فتبرأ منهم المسيح . وكيف استخدم الاسم رجل ليس من أتباع المسيح فقال عنه المسيح إنه معنا ..!! وبمثل هذه النصوص واتخاذ هذه الأفاعيل تحول الإيمان برسالة المسيح إلى الاعتقاد فى قوة وفعالية الاسم ( ????? ) .
... وينظر بعض رجال الإصلاح الدينى إلى هذه الأفعال بعين الريبة والشك فنراهم مثلا قد شجبوا الاعتقاد بما يسمى مِسْحَة المرضى المذكورة فى رسالة يعقوب ( 5 : 13 ـ 15 ) . تلك المِسْحَة التى لا تزال الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية تفعلها وتؤمن بها . تلك المِسْحَة التى تتم عندما يشرف المريض على الموت ، حيث يقوم القسس بدهن جسم المريض بالزيت ثم يذكرون عليه اسم المسيح ( الروشتة السحرية ) لينال الشفاء وتغفر له خطاياه ..!!
وهذه العملية ـ والتى هى سِر مِن أسرار الكنيسة السبعة ـ تعتبرها الكنائس الإنجيلية ضربا من ضروب السحر حتى بات واضحا من أنها لا تفيد المريض كثيرا ولا يرى لها أثرا صحيا على المريض . ورغم ذلك فقد زعموا بأنها تغفر له خطاياه كلها ما تقدم منها وما تأخر ..!! فأنَّى لهم بتلك المعرفة ..!؟
... يقول الأب متَّى المسكين فى شرحه لإنجيل يوحنا ( ج 1 ص 72 ) :(1/20)
" ومعروف أنَّ النطق باسم الله أو باسم ابن الله له قوة وسلطان الحضور الإلهى تماما ، وهذا نسمعه من التلاميذ : فرجع السبعون بفرح قائلين : يا رب .. حتى الشياطين تخضع لنا باسمك ( لوقا 10 : 7 ) . كذلك فالدعاء بالاسم انتقل إلى مناداة القديسين بأسمائهم لا لكى يسمعوا بل لكى يحضروا ، فالدعاء باسم القديس هو تكليف حُبِّى متواضع للحضور للمعونة أدع الآن فهل لك من مجيب . وإلى القديسين تلتفت ( أيوب 5 : 1 ) فالدعاء بالاسم هو استدعاء . " انتهى .
قلت : وحيث أنَّ النطق بالاسم هو استدعاء لصاحب الاسم كما قال ..!!
فمن قال : يا يسوع .. فقد طلب حضور يسوع .
ومن قال : يا إيسو .. فقد طلب حضور إيسو .
ومن قال : يا جيسس .. فقد طلب حضور جيسس .
ومن قال : يا هيسوُّس .. فقد طلب حضور هيسُّوس .
ومن قال : يا جايزو .. فقد طلب حضور جايزو .
فأى هؤلاء الأشخاص هو المسيح المقصود ..!؟
تدلنا الأصول اليونانية للأناجيل وأفعال تلامذة المسيح أنهم كانوا يستخدمون الاسم عيسو ( ????? ) . ولم يكونوا يعرفون شيئا عن يسوع الذى ظهر استخدامه فى العربية بعد قرون طويلة من زمن بعثة المسيح (1) . ولم يكونوا كذلك يعرفون شيئا عن جيسس (Jesus ) الذى ظهر فى أوروبا بعد قرون أيضا (2) . فيا من كنت حقا من أتباع المسيح ومن المعتقدين فى اسمه الشريف عليك بالأصل ودعك من الصورة لأنها معكوسة .
فقل عيسى .. ولا تقل مقلوبها يسوع ..!!
وآمن بعيسى .. ولا ترتد إلى يسوع ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. أترك للقارئ مهمة تتبع تاريخ ظهور الاسم ( يسوع ) فى الترجمات العربية للأناجيل القديمة ، وهو أمر
يسير على من يريد أن يعرف الكثير ..!!
(2) .. لقد ظهر الاسم جيسى ( Gesua ) مؤنث جيسس ( Gesus ) أولا فى فينيسيا فى القرن السادس الميلادى
ثم ظهر منه بعد ذلك الاسم ( Jesus ) . والمدقق فى رسم ذلك الاسم الإنجليزى سوف يجد الاسم العبرى(1/21)
فى منتصف الكلمة مضافا إليه حرفين فى أوله وفى آخره هكذا ( s J esu ) . وهناك ملاحظة هامة أخرى
بخصوص الاسم الإنجليزى ( Jesus ) ، لقد وُجد منطوق الحرف J فى القرن السابع عشر الميلادى حيث
كان يتبادل منطوقه مع الحرف I ، فمثلا نجد أنَّ العبارة هللوا ياه تكتب فى الإنجليزية هكذا ( halleuyah )
و ( hallelujah ) ومنطوقهما كان واحدا هللواياه إلى أن ظهر منطوق الحرف J .
وكانت الكلمة ( Jesus ) تنطق مثل اليونانية بحرف I ثم نطقت فيما بعد بحرف J . وهذا الحرف J ليس
مِن حروف الإنجليزية القديمة .
مع الاسم يسوع وشرح معناه
================
...
ولنناقش القوم الآن فى يسوع ومن أين جاءوا به : وإذا كان الكلام عن يسوع فهذا معناه أنَّ مسيحيى العالم لا دخل لهم بهذا الحوار لأنهم لا يعرفون شيئا عن ذلك الاسم فهو خاص بالعرب المسيحيين فقط ..!!
والمسيحيون العرب مختلفون فى أصل هذا الاسم :
فمنهم من يقول بأنَّ يسوع هو الصيغة اليونانية للاسم العبرى يهوشوع (1) .
ومنهم من يقول بأنَّ يسوع هو الصيغة العربية للاسم العبرى يشوع (2) .
مع ملاحظة أنَّ يهوشوع هو يشوع نفس الشخص ..!!
... ولم يقل أحد منهم بأنه الصيغة العربية للاسم الآرامى ، وبالتالى فقد حادوا جميعا عن الصواب فى كلامهم هذا لأنه قد تبيَّن للقارىء بأنَّ الإسم آرامى الأصل حسب اللغة التى كانت سائدة بين بنى إسرائيل حينذاك وإليك البيان :
أولا : مع القائلين بأنَّ يسوع هو الصيغة اليونانية لـ يهوشوع .(1/22)
جاء فى أخبار الأيام الأول ( 7 : 27 ) اسم يهوشوع بن نون فى الترجمات العربية للكتاب المقدس و ( Joshua) فى الترجمات الإنجليزية . وقد ذكر هذا الاسم فى ذلك الموضع من سفر الأخبار فى الترجمة اليونانية السبعينية هكذا ( ?????? ) . وهذا الاسم اليونانى يذكرنا بـ عيسى وليس بـ يسوع مع فارق بسيط هو إضافة حرف الكسرة القصيرة لآخر الاسم والمعبر عنها بالحرف اليونانى إبسلون ( ( ) المعادل للحرف الإنجليزى ( e ) . فهو إذا قراءة أخرى للاسم عيسى حيث ينطق عِيسِى بكسر آخره بدلا من عِيسَى بفتح آخره وتلك قراءة عربية معروفة للاسم عيسى ..!!
وفى زمن بعثة المسيح - عليه السلام - وما بعده كان يكتب بفتح السين أى عِيسَى بدون حرف ( ( ) اليونانى . كما أننا نجد الاسم يشوع ـ يهوشوع أو يوشع ـ قد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. منهم الدكتور القس إبراهيم سعيد فى كتابه شرح بشارة لوقا ص21 .
(2) .. منهم أصحاب قاموس الكتاب المقدس ص 1065 .
ذكر فى سفر الأعمال ( 7 : 45 ) بالرسم اليونانى وهو فى صيغة المضاف إليه هكذا ( ????? ) إنه إيسو اليونانى أو عيسى الآرامى العربى .
... كما نجده أيضا فى الرسالة إلى العبرانيين ( 4 : 8 ) وهو فى حالة الرفع الاعرابى اليونانى هكذا ( ?????? ) . إنه إيسوس اليونانى أو عيسى الآرامى العربى ..!!
فقراءة الاسم عِيسِى بكسر السين أقدم زمنا من قراءته عِيسَى بفتح السين . وذلك الاستنتاج الاستقرائى مأخوذ من مراعاة الفرق الزمنى بين كتابة النسخة السبعينية وكتب العهد الجديد . فهل اقتنعت أيها القارئ بخطأ هؤلاء القائلين ..!؟
ثانيا : مع القائلين بأنَّ يسوع هو الصيغة العربية للاسم العبرى يشوع .(1/23)
من يقرأ أسفار الكتاب المقدس وخاصة العهد القديم ، سوف تقع عيناه على الصيغة العربية ليشوع . إنها يشوع أيضا ، لم تكتب أبدا يسوع فى أى موضع من أسفار العهدين القديم أو الجديد . وإن وافقنا القوم جدلا على قولهم بأن يسوع هو الصيغة العربية ليشوع . وأنه هو الاسم العربى للمسيح .
فما هو الاسم الذى كان يقوله أقباط مصر عن المسيح قبل دخول الإسلام إلى مصر على سبيل المثال ..!؟
ومعلوم أنَّ الإسلام دخل مصر فى القرن السابع الميلادى ومِنَ الإسلام عرف المصريون اللغة العربية . وهذا معناه أنَّ اسم يسوع العربى كما يقولون قد عرفه مسيحيو مصر بعد سبعة قرون من بعثة المسيح - عليه السلام - ..!؟
فهل يعقل هذا الكلام يا أصحاب الأفهام ..!؟
سبعة قرون وأكثر لم يعرف مسيحيو مصر ذلك الاسم يسوع ، ثم فُرِضَ عليهم فرضا ليتعبدوا به ويتوجهوا إليه فى صلاتهم وصيامهم . ولا أحد يتوقف ليسأل نفسه من أين جاء هذا الاسم وقد خلت منه جميع الوثائق والمخطوطات القديمة للأناجيل وباقى كتب العهد الجديد ..!؟
هل يحق للمسيحيين أن ينساقوا هكذا وراء قساوستهم ورهبانهم إلى المجهول وإلى المصير المحتوم دون أن يعرفوا شيئا ..!؟
وهل يعلم القارىء العربى والمصرى خاصة أنَّ اسم المسيح - عليه السلام - فى اللغة القبطية هو عيسى وليس يسوع ..!!
وهذا هو رسمه فى القبطية ( ??C ) و ( ?C ) . حيث أنَّ حرف (C ) يكتب بدلا من حرف ( ?) اليونانى وينطق ( س ) فى العربية والقبطية واليونانية . وأنَّ حرف ( I ) ينطق ( ع ) وحرف ( H ) ينطق ( ى ) كما سبق بيانه . بمعنى أنَّ حرف العين هو الحرف الأول فى الاسم ، وأنَّ مسيحيى مصر كانوا يقولون عيسى قبل الفتح الاسلامى لمصر ثم غيَّروه إلى يسوع من بعد أن تكلموا العربية حتى يخالفوا المسلمين فى ذلك الاسم الشريف ..!!(1/24)
ولكن مسيحيِّى مصر الذين يعلمون القبطية سيقولون لك إنَّ هذه الأحرف ما هى إلا اختصارات للاسم اليونانى إيسوس ..!! وأنَّ منطوق الاسم فى القبطية هو إيسوس بى إخارستوس ( Isoos Pi ekhrestos ) أى عيسى المسيح . فتحولوا من القبطية إلى اليونانية التى لا تسعفهم فى زعمهم .
وقد سبق أن علمنا أنَّ الصيغة العربية لاسم المسيح - عليه السلام - هى عيسى بفتح السين وكسرها وأنَّ الصيغة العبرية هى عيسو . كما أنَّ الصيغة العربية لـ يهوشوع حسب النصوص العربية القديمة هى يوشع بن نون . فتطابق الاسم فى كل من العربية والقبطية واليونانية .
اللهم إنك تعلم أنى قد بَيَّنْتُ وأوْضَحْتُ
ولك وحدك قد سعيت بعملى هذا خالصا لوجهك الكريم
فتقبله منى يا أكرم الأكرمين .
مع كلمة يسوع فى العربية
================
وحيث أنَّ كلمة يسوع انحصرت فى لغتين : إمَّا العربية وإمَّا اليونانية حسب أقوال علماء المسيحية العرب . ولكن بالبحث والتقصى فى مفردات اللغة اليونانية لم نجد هذا الاسم يسوع فيها . ولذا انحصر معناه وأصله فى اللغة العربية . وهذا يجعل لنا الحق فى أن نبحث عن معناه فى اللغة العربية وليس فى العبرية أو الآرامية حيث أنه لا يوجد أحد منهم قد قال بأنَّ الاسم يسوع عبرى أو آرامى . ويحق لنا أن نبحث عن معناه فى معاجم اللغة العربية والتراث العربى لنتعرف على معناها .
فكلمة يسوع قد تكون مشتقة إمَّا من ( س و ع ) أو ( ى س ع ) :
فهناك سُوع بالضم : اسم قبيلة عربية كانت باليمن ، قال فيها النابغة الذبيانى :
مستشعرين قد ألقوا فى ديارهم .. دعاء سوع ود عمى وأيوب(1/25)
ويروى دعوى يسوع وكلها من قبائل اليمن . وهناك سُواع بالضمة أيضا : وهو اسم صنم كما جاء فى القرآن الكريم { وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسرا } ( 23 / نوح ) . وبالفتح لغة فيه وبه قرأ الخليل . وهذا الصنم كان لهمدان وقيل لأهل الجاهلية فعبد من دون الله عز وجل كذا نصَّ الليث وزاد الجوهرى ثم صار لهذيل . قال رجل من العرب :
تراهم حول قيلهم عكوفا .. كما عكفت هذيل على سواع (1)
وجاء فى المعجم الوسيط : سواعا .. صنم عبد فى قوم نوح - عليه السلام - ثم صار لهذيل أو كان لهمدان وحُجَّ إليه (2) .
ومن المهم جدا أن نعلم بأنَّ هذا الاشتقاق اللغوى لمادة ( س و ع ) ورد فى المعاجم العربية نقلا عن التراث العربى القديم من قبل أن يظهر على مسرح التاريخ الاسم يسوع كاسم علم للمسيح عيسى ابن مريم عند أتباع الديانة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع تاج العروس بشرح القاموس ج 5 ص390 .
(2) .. المعجم الوسيط ج 1 ص 463 .
المسيحية العرب .
... قال الأستاذ أنيس فريحه ـ المسيحى ـ عن اسم الصنم يغوث المذكور فى القرآن الكريم : " يغوث فعل مضارع بمعنى يسعف وهو الاسم العبرى يشوع من جذر يشع بمعنى خَلَّصَ ومنها يسوع " (1) .
قلت : وشهد شاهد من أهلها ..!! .
لقد اختار القوم اسما لصنم عربى قديم وقدموه إلى عامتهم ليعبدوه عوضا عن اسم المسيح عيسى - عليه السلام - . وغالبية القوم لا يعلمون بما يفعلون ولا يريدون الحق فيعلمون ..!! فهلاَّ تراجعوا عن عبادتهم لـ يسوع وآمنوا بما جاء به المسيح عيسى - عليه السلام - ..!؟(1/26)
... وفى حالة اشتقاق الاسم يسوع من الجذر ( يسع ) فإنَّ المعنى هنا لا يقبله إنسان يحب المسيح - عليه السلام - أو يكن له أدنى احترام . افتحوا معى قواميس اللغة العربية فسوف تجدون أنَّ المعنى المراد من يسع هو الضائع أو الهالك أو الذى يترك ولده للضياع مسياع ، أو أساعه بمعنى أهمله وضيَّعه ..!!
ولم يكن المسيح - عليه السلام - فى يوم من الأيام ضائعا أو هالكا .
ونستكمل كلامنا عن اسم يسوع العربى . إن كان الاسم يسوع هو الصيغة العربية للاسم يشوع العبرى كما قال أكثرهم . فإنَّ يشوع هذا هو الذى قاد اليهود إلى أرض كنعان بعد موت نبىّ الله موسى - عليه السلام - . ويشوع بن نون هذا من قبيلة إفراين الإسرائيلية . وهنا ينقل لنا الدكتور عبد المحسن الخشاب عن علماء الغرب المسيحى فى كتابه ( تاريخ اليهود القديم بمصر ) عن معنى الاسم يشوع قولهم : " هو اسم مشتق من اسم الثور الذى كان بنو إسرائيل يعبدونه فى الصحراء " (2) . وهنا نتعرف على شكل ذلك الصنم المدعو يسوع ، إنه يشبه الثور ..!! ولكن المسيحيين يؤمنون به على أنه خروف (3) ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. دراسات فى التاريخ ص 99 .
(2) .. تاريخ اليهود القديم بمصر ص 105 .
(3) .. يسوع الخروف ( رؤيا 14 : 1 ،3 ) . الكنيسة عروس الخروف ( رؤيا 21 : 9 ) .
وأكتفى بهذا القدر المزعج من المعلومات عن يسوع لعل الله سبحانه وتعالى يحدث بعد ذلك أمرا . فهلاَّ بحث مسيحيو وطنى العربى الحبيب عن صحة ما يلقيه إليهم أساقفتهم ورهبانهم وليتأملوا فيما لديهم من تراث كنسى ليأخذوا صحيحه ويتركوا سقيمه .
... ما دخل يهوه وخلاصه فى اسم يسوع العربى ..!؟ فالشرح والتفسير لا علاقة له بالصيغة العربية يسوع أو إيسوا اليونانية المأخوذة عن الأصل الآرامى عيسى .(1/27)
إنَّ المنصفين يعلمون جيدا أنَّ هناك عِلماً يدعى " بعلم أمراض الدين " ( pathology of religion ) . وأنَّ هناك أمراضا جَمَّة قد انتشرت بين أصحاب الديانات المختلفة . ومَثَلُنَا هنا هو اسم يسوع الذى يعتبر ظاهرة مَرَضِيَّة مسيحية عربية . تحتاج إلى مصلحين أتقياء على درجة عالية من الصدق والمصداقية والأمانة العلمية فى نقل المعلومات الدينية إلى الجماهير المسيحية العربية .
فهل يستطيع أن يقف قسيس عربى مسئول ذو مكانة عالية فى الكنيسة أمام الجماهير من عامة المسيحيين ويقول لهم إنَّ اسم ربنا وفادينا الذى نعبده والذى عبده آباؤنا وأجدادنا ليس هو يسوع وإنما اسمه الصحيح هو عيسى ..!؟
هل من الممكن أن يحدث هذا ..!؟
مع أنَّ القضية صحيحة لا ترى فيها عِوَجا ولا أمتا . فالأصول اليونانية بين أيديهم واللغة الآرامية تم كشف رموزها وحل شفرتها اللغوية . وليس هناك يسوع وإنما هو عيسى . قال تعالى فى محكم التنزيل { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه . والله سريع الحساب } ( 39 / النور ) .
بين السين العربية والشين العبرية
================
هناك مواضع كثيرة تتداخل فيها السين مع الشين فى النسخ العربية للكتاب المقدس ، ومن ثمَّ تضيع المعانى بين اللغتين العربية والعبرية . فكلمة عيشو العبرية ( ??? ) الواردة فى نصّ ( تك 25 : 25 ) كاسم علم لابن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام تختلف عن نظيرتها عيسو العربية المسجلة فى نسخ الكتاب العربية . فالمعادل العربى لكلمة عيشو العبرية هو أعْثى أى أشعر أى الكثير الشعر على جسده من الجذر العربى ( عثا ) . وبهذا المعنى جاء النصّ فى سفر التكوين ( 25 : 25 ) فى وصف ابن إسحاق البكر عند ولادته " كله كفروة شعره فدعوا اسمه عيشو " . راجع معنى الكلمات أرقام ( 6215 , 6213 ) فى القاموس الكتابى ( Gesenius hebrew-Chaldee lexicon ) .(1/28)
ولكن للأسف الشديد نجد أنَّ الترجمات العربية للكتاب لم تلتزم بالمنطوق العبرى للاسم عيشو حيث جاء فيها كلمة عيسو أخذا من الترجمات اليونانية التى لا تفرق بين حرفى السين والشين ..!!
... فـ عيشو العبرى مأخوذ من الجذر اللغوى العبرى ( ع ش هـ ??? ) الذى يحمل الرقم ( 6213 ) فى القواميس الكتابية (1) وهو المعادل للجذر اللغوى العربى ( ع ث ا ) بنفس المعنى المراد من الكلمة . أمَّا عيسو وعيسى فهما من الجذر العربى ( ع و س أو ع ى س ) السابق شرح معناهما وليس فيهما معنى كثير الشعر .
... قلت جمال : ويبدو أنَّ الاسم العربى القديم لابن اسحاق البكر هو عيص بالصاد وليس بالسين وهذا رسمه فى العبرية ( ??? ). وبهذا الاسم قال علماء أهل الكتاب العرب القدماء الذين أسلموا مثل وهب بن منبه وكعب الأحبار وغيرهم . وسُجِّل هذا الاسم عيص أو العيص فى كتب التراث العربى الإسلامى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع الكلمة رقم ( 6215 ) فى القاموس الكتابى ( Strong Exhaustive Concordance ) .
القديمة مثل تفسير الطبرى وغيره . ومعنى الـ عيص هو أصل خيار الشجر . بمعنى أنه الابن البكر لإسحاق ، فطابق الاسم المسمى .
ولقد قالوا ظلما وعدوانا أنَّ مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - قد أخطأ فى نقله لاسم المسيح فقال فى القرآن الكريم عيسى بدلا من عيسو العبرانى ، وهم يعلمون أنَّ الاسم العبرانى عيشو وليس عيسو ، وأنَّ معادله العربى هو عثأ أى كثير الشعر وليس عيسى . ولقد سجلوا على أنفسهم أنهم يعلمون الحق ، فقالوا فى القاموس الكتابى العبرى الكلدانى :
( Gesenius' Hebrew-Chaldee Lexicon of the Old Testament ) عند الكلمة عيشو رقم (6215 ) ما نصّه :(1/29)
ومثل ذلك الخلط والتشويش على المعانى بين كلمات اللغتين العربية والعبرية نجده فى الاسمين يشوع و يسوع . فالاسم الأول يشوع له صورتان فى العبرية هما ( يهوشع ????? ) و ( يهوشوع ?????? ) (1) . وهما مشتقان من الجذر العبرى ( يشع ??? ) بمعنى ينقذ والذى أخذوا منه معنى يُخلِّص .
أمَّا الاسم الثانى العربى يسوع فهو من الجذر العربى ( س و ع ) الذى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع الكلمة رقم ( 3091 ) ورقم ( 3467 ) فى القواميس الكتابية :
( Strong Exhaustive Concordance ) . و ( Gesenius hebrew-Chaldee lexicon )
ليس فيه معنى الإنقاذ أو الخلاص ، وإنما فيه معنى الضياع والهلاك ..!!
وكل هذه الفروق اللغوية تضيع إذا تجاهلنا اللغتين العربية والعبرية وذهبنا إلى اللغات اليونانية واللاتينية وسائر اللغات الأوربية .
ولقد استخدمت فى هذا الكتاب اللغة اليونانية للكشف عن اسم المسيح - عليه السلام - لأنه لا توجد أى مصادر مسيحية مكتوبة باللغة العبرية أو الآرامية ، وكان هدفى فى ذلك الأمر هو تحقيق منطوق الاسم فى العربية بعيدا عن معناه ، فلا تعارض بين كلامى هنا وبين ما سبق تحقيقه من قبل .(1/30)
مع الاسم جيسوس ( Jesus ) الإنجليزى
========================
لقد تعرَّفنا سابقا على معنى الاسم يسوع العربى الذى أطلقوه مؤخرا على المسيح - عليه السلام - وهنا أيضا سوف نصل إلى نتيجة مشابه ، فالباطل باطل وإن تعددت صُوَر أصنامه . فـ سُوَاع عُبِدَ من دون الله قديما عند العرب ولا يزال يعبد تحت مسمى يسوع . و ثيوس ( زيوس ) عُبِدَ من دون الله قديما عند اليونان والرومان . ولا يزال يعبد تحت مسمى جيسوس . وإليك البيان :
معلوم عند المتخصصين أنَّ اللغة اللاتينية هى اللغة الأم لبعض اللغات الأوروبية وبالأخص اللغة الإنجليزية ، مع احتفاظ بعض اللغات الأوروبية فى أخذها مباشرة عن اليونانية مثل الألمانية .
وأصل كلمة جيسوس ( Jesus ) الإنجليزية والتى تنطق أحيانا جيزز مأخوذ عن اللاتينية جيزيوس ( Ge Zeus ) بمعنى السمكة (1) . مع اعتبار أنَّ كلمة زيوس تشير إلى نوع من الأسماك ( a kind of fish ) حسب الذى جاء فى القاموس اللاتينى الموضح ( انظر الصورة التالية ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. كانت السمكة هى شعار المسيحيين فى الزمن القديم ، ثم ظهر الصليب عوضا عنها ، ثم عادت السمكة حديثا
لترسم فوق السيارات وبداخلها كلمة ( Jesus ) ..!!
ومعلوم عند قرَّاء التاريخ المسيحى ، كيف احتلت السمكة المقدسة مكانا عاليا للدلالة على أتباع المسيح فى العصر الرومانى ..!! إضافة إلى أنَّ زيوس هذا هو الإله الأكبر عند اليونان ومن بعدهم الرومان ، أى الصنم الأكبر الذى كان معروفا فى عصر كتَّاب الأناجيل والآباء الأول ..!!
ولا يزال المسيحيون فى جميع أنحاء العالم يعتبرون صورة السمكة علامة على المعتقدين فى ديانة المسيح ..!!(1/1)
... وكما فعل اليهود قديما فى عدم ذكرهم اسم الله كتابة أو نطقا فى أسفارهم . فعل المسيحيون الأوائل كما فعل اليهود . فكانوا لا يكتبون اسم المسيح فى رسائلهم وإنما يرمزون إلى اسمه ببعض الحروف المتفق عليها فيما بينهم . ففى النسخ الثلاث القديمة المعتمدة : الإسكندرانية والسينائية والفاتيكانية ذكر فيهم حروف مختصرة تشير إلى اسم المسيح - عليه السلام - مثل ( IN ، IH ، HIS ) باستثناء موضع واحد هو نصّ فقرة إنجيل متى ( 1 : 23 ) فأثبتوا الاسم عِمَّانوئيل الذى لم يناده به أحد من تلاميذه أو أقاربه أو أحد من قومه المعاصرين لبعثته . وتلك المختصرات لاسم المسيح نجدها فى أناجيل نجع حمادى القبطية المكتشفة فى سنة 1945 م .
فإن بحثنا فى أقدم الأناجيل الإنجليزية مثل نسخة بايبل جنيف المطبوع سنة 1560 ميلادية ( Geneva Bible ) عن اسم المسيح لوجدناه ( Iesus ) باثبات حرف ( I ) بدلا من حرف ( J ) الذى لم يكن قد ظهر بعد فى الإنجليزية بمعنى أنَّ الاسم كان إيسوس ( Iesus ) وليس جيسوس ( Jesus ) وهذا الاسم إيسوس أو ييسوس ( Iesus ) مأخوذ عن اليونانية ياسوس ( ?????? ) .
وقد اعتقد الكثيرون من المسيحيين لأجيال طويلة أنَّ الاسم الصحيح للمسيح هو الاسم اليونانى ياسوس ( ?????? ) . ولكن بالنظر إلى القاموس اللاتينى نجد أنَّ ياسوس هذا هو ابن الإله اليونانى جوبيتر ، أى صنم آخر من الأصنام اليونانية ..!!
أنظر إلى صورة القاموس اللاتينى التالية :
...
هذا هو رأى وقول علماء المسيحية واضعى القاموس الإنجليزى اللاتينى . المسيح ياسوس هو ابن جوبيتر و أليكترا محبوبة كريس . وهما مِن آلهة اليونان القديمة وقصصهما مشهورة فى الأساطير اليونانية ..!!(1/2)
... ونتابع البحث فى نسخة جنيف الشهيرة عن اسم المسيح المُخلِّص فى الصورة الآتية :
من الصورة السابقة إذا نظرنا إلى السهم رقم واحد سوف نجد أنَّ المسيح الحقيقى هو عِمَّانوئيل حسب هذه النسخة المطبوعة فى سنة 1602 م والتى أخذت عنها نسخة الملك جيمس المعتمدة فيما بعد . وإن نظرنا إلى السهم رقم إثنين نجد أنَّ ييسوس فى أقصى اليسار قد صار هو المُخلِّص " Iasus ( that is saviour ) " . وإن نظرنا إلى السهم رقم ثلاثة نجد العبارة ( the Iasus of God ) أى أنَّ ياسوس هو مُخلَّص الرب بفتح اللام مع تشديدها ( the Saviour of God ) أى أنَّ ياسوس هو الذى خلَّصهُ الرب ..!!
قلت جمال : هذا هو ياسوس أو ييسوس أو إيسوس . ابن جوبيتر الصنم اليونانى والذى تحوَّر فيما بعد إلى جيسوس ( Jesus ) من بعد ادراج حرف ( J ) فى اللغة الإنجليزية .
وهناك محاولة أخرى ..!!
يقولون فى الغرب المسيحى أنَّ الاسم الإنجليزى جيسوس ( Jesus ) مأخوذ عن اليونانية ايسوس مباشرة ، وأنَّ هذا الاسم يؤدى إلى أنَّ المسيح هو ابن الإله اليونانى الأكبر زيوس أو ثيوس حسب نطقه على ألسنة الناس فيمكن تصويت قراءة الاسم جيسوس ( Jesus ) إلى جيزوس ( Jezus ) أو جيزيوس ( Je-zeus ) . ومعلوم فى اليونانية أنَّ زيوس ( Zeus ) هو المعبود الأكبر عند اليونان ، أى الصنم الأكبر . وثيوس هو احدى صور كتابة زيوس .(1/1)
ومعنى اسم المسيح ايسوس ( ?????? ) فى اليونانية هو ابن ثيوس . وقد بيَّن لوقا فى إنجيله هذا الاقتراب فى المعنى حين كتب اسم النبىّ أليشع فى الفقرة ( 4 : 27 ) هكذا ( ????????? ) . ونجد هذا الاسم قد تم تصويته فى نسخة الملك جيمس المعتمدة هكذا ( Eliseus ) أى زيوس إلهى ، لأنَّ إيلى ( Eli ) كلمة آرامية معناها إلهى ، و زيوس ( Seus ) هو معبود اليونان الأكبر أو صنمهم الأكبر ..!! ومن هنا قال بعضهم أنَّ اسم المسيح فى الإنجليزية القديمة ( Iesus ) يمكن كتابته هكذا : ( Ea-Seus ) أو ( Ea-Zeus ) ومعناه " زيوس الشافى " ..!!
والخلاصة
إنَّ اسم المسيح الحقيقى الآرامى قد ضاع من المسيحيين ولم يتعرَّفوا عليه إلى الآن ، وكان سبب ذلك هم الأتباع الأول الذين لم يُسجِّلوا اسم المسيح كما سمعوه من أتباعه وتلاميذه فى فلسطين ، فلم يكتبوه فى أناجيلهم ورسائلهم وإنما ألغزوا فيه فكتبوا حروفا يونانية ولاتينية تشير إليه ( IN , IH , IHS ) . ثم بدأ الأتباع بعد ذلك فى البحث عن الاسم الحقيقى فى التراث اليونانى والرومانى اللاتينى اللغة بدلا من التراث الآرامى العربى اللسان ، فضلوا الطريق ولم يهتدوا إليه بعد ..!!
وسبحان الله .. فإنَّ معظم الأسماء التى اهتدوا إليها تشير إلى أسماء أصنام وآلهة قديمة كانت تعبد من دون الله ، آلهة مُخلِّصين وآلهة شفاء ، ابتلعها لاهوت المسيحية العالمية وهضمها جيدا ، ثم أفرز للناس ديانة جديدة أحيا بها ذكرى تلك الآلهة والأصنام القديمة ..!!
ولذا لم يتركهم الله سبحانه وتعالى فى تلك الحيرة ، فأخبرهم بلسان عربى مبين وشفة نقية ( صفنيا 3 : 9 ) فى القرآن الكريم عن اسم المسيح - عليه السلام - فقال تعالى { اسمه المسيح عيسى ابن مريم } .
مع الاسم العربى الآرامى عيسى
أصله ومعناه
======(1/2)
... ذهب بعض علماء اللغة العربية القدماء إلى القول بأنَّ عيسى اسم أعجمى علم لا يصرف للعجمية والعَلَمية . وهؤلاء العلماء معذورون فى اجتهادهم هذا لعدة أسباب منها :
1 ـ أنهم اعتبروا اللغة العربية هى اللسان العربى الوحيد الذى تكلم أو يتكلم به أهل الجزيرة العربية فقط قبيل ظهور الإسلام .
2 ـ أنهم لم يكونوا يعرفون اللسان العربى القديم الذى صاحب الحضارات العربية القديمة ونشأت عنه عدة لغات ( أى شكل الكتابة المنطوقة باللسان العربى ) مثل الأكادية والكلدانية والآشورية والآرامية ( التى منها الكنعانية والفينيقية والأوغارية ...... الخ ) ثم النبطية واللحيانية . كل تلك اللغات كانت فى منطقة الهلال الخصيب شمال شبه الجزيرة العربية وهى تنطق بلسان عربى ولكن فيها اللسان العربى المبين وفيها غير المبين .
ثم كانت هناك أيضا فى الجنوب العربى لشبه الجزيرة العربية عدة لغات تنطق أيضا باللسان العربى العام ( المبين وغير المبين ) مثل الثمودية والسبئية وغيرها . إضافة إلى اللغات التى تم العثور على نقوشها فى نجد والحجاز والجوف وتبوك وتيماء وودان . وكلها كانت تنطق بلسان عربى عام وتكتب بأشكال مختلفة أى بحروف غير العربية المعروفة . إلى أن ظهر الخط العربى المتطور على يد قريش والقريب جدا من الخط النبطى الذى كان يكتب بالحرف الآرامى (1) . كل ذلك لم يكن يعرفه علماء العربية الأوائل فحصروا اللسان العربى فى منطقة الجزيرة العربية فقط وأطلقوا الزمان وأهملوا الكلام عن تطور الكتابة العربية من قبل الإسلام .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. من أراد المزيد والأدلة وشكل الكتابة لهذه اللغات فليراجع كتابى " اللغة التى تكلم بها المسيح " .(1/3)
وقد تم اكتشاف آثار الحضارات العربية القديمة وما خلفته من نقوش تدل على لغاتهم ، ومن هذه اللغات تعرفنا على اللغة الآرامية التى عاشت ما يقرب من ألف سنة كان يتكلم بها سُكَّان منطقة الهلال الخصيب ، أى من العراق شرقا حتى البحر المتوسط غربا ومن جنوب تركيا والأناضول شمالا حتى مشارف بادية العرب جنوبا . وكانت الآرامية هى اللغة السائدة فى فلسطين فى زمن بعثة المسيح - عليه السلام - وكان يتكلم بها بنو قومه أى بنو إسرائيل فى ذلك الوقت . ويشهد لذلك الترجمات الآرامية لأسفار العهد القديم ومنها الترجوم البابلى والترجوم الفلسطينى ولفائف البحر الميت المكتشفة حديثا .
فإن كان الاسم المبارك عيسى أعجميا كما يقولون . فمن أى لسان وأى لغة يوجد بها ..!؟ وفى أى منطقة أعجمية نشأ هذا الاسم ..!؟
لن تجد الاجابة فى مراجعنا العربية القديمة للأسباب المذكورة سابقا .
لقد كان يُنْطَقَ ذلك الاسم عيسى بلسان عربى آرامى وأصله المعروف كان فى المنطقة العربية وعلى الخصوص فى فلسطين العربية . ولم يُعْرَف هذا الاسم خارج موطن العرب فلا اليونان ولا الرومان ولا الفرس كان بينهم ذلك الاسم . بل نجد أنَّ هناك كثيرا من رجالات عرب الجاهلية قد تسموا بهذا الاسم أيضا قبل وبعد ظهور الإسلام . تلك نبذة مختصرة عن اللسان العربى وأشكال لغاته القديمة ومواطنها ذكرتها لمسيس الحاجة إليها هنا . وكفانا انتصارا لهذا الرأى أن تبنى القرآن الكريم ذلك الاسم عيسى فذكره الحق سبحانه وتعالى بين آيات القرآن وسوره المنزلة بلسان عربى مبين . وإذا كانت الكلمة قرآنية فهى من كلمات اللسان العربى المبين .
... وإذا ذهبنا نبحث عن المادة اللغوية ( ع و س ) أو عن ( ع ى س ) فى المعاجم اللغوية العربية لوجدنا لها أثرا لا ينكره أحد .(1/4)
... فالعيس هى كرائم الإبل وأحسن أنواعها . يميل لونها إلى اللون الأبيض الضارب للصفرة . ولك أن تقول بأنَّ اللون أشقر بلغة العصر ..!! جاء فى المعجم الوسيط ( ج 2 ص 639 ) ما يأتى : " تعيست الإبل : صار لونها أبيض تخالطه شقرة . الأعيس من الإبل : الذى يخالط بياضه شقرة والكريم منها . والجمع عِيس . العيساء : مؤنث الأعيس . " انتهى
... وقال الزبيدى فى تاج العروس ( ج 4 ص 200 ) : " وقال سيبويه عيسى فعلى وليست ألفه للتأنيث إنما هو أعجمى ولو كانت للتأنيث لم ينصرف فى النكرة وهو ينصرف فيها قال أخبرنى بذلك من أثق به ، يعنى بصرفه فى النكرة . ومثله قول الزجاج فإنه قال عيسى اسم أعجمى (1) عدل عن لفظ الأعجمية إلى هذا البناء وهو غير مصروف فى المعرفة لاجتماع العجمة والتعريف فيه . ويقال اشتقاقه من شيئين أحدهما العيس والآخر العوس وهو السياسة ، فانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها . والجمع عيسون بفتح السين قاله الجوهرى وقال غيره وتضم سينه لأنَّ الياء زائدة فسقطت . وقال الجوهرى : ونقول رأيت العيسين ومررت بالعيسين بفتح سينهما كوفية . وقال الجوهرى : وأجاز الكوفيون ضم السين قبل الواو وكسرها قبل الياء . ولم يجزه البصريون وقالوا لأنَّ الألف لما سقطت لاجتماع الساكنين وجب أن تبقى السين مفتوحة على ما كانت عليه سواء كانت الألف أصلية أو غير أصلية . وكان الكسائى يفرق بينهما ويفتح فى الأصلية فيقول معطون ويضم فى غيرها فيقول عيسون وكذا القول فى موسى . والنسبة إليهما عيسى وموسى بكسر السين وحذف الياء كما تقول فى مرمّى وملهّى . وعيسوى وموسوى بقلب الواو ياء كمرموىّ فى مرمى . قال الأزهرى كأنَّ أصل الحرف من العيس . وقال الليث إذا استعملت الفعل من عيس قلت عيس يعيس أو عاس يعيس . وأعيس الزرع اعياسا : إذا لم يكن فيه رطب " انتهى .(1/5)
... قلت جمال : ونخرج من هذه الأقوال بأنَّ الاسم عيسى عربى اللسان له اشتقاق فى اللغة العربية ، فهو إمَّا أن يكون مشتقا من العيس وإمَّا أن يكون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. رحم الله علماء العربية ، وعذرهم واضح فى قولهم بأعجمية الاسم عيسى لأنَّ اللسان العربى القديم لم يكن
معروفا فى زمانهم ، وإنما تم اكتشاف لغاته حديثا مثل الأكادية والآرامية وهذا الاسم آرامى اللغة عربى
اللسان .
مشتقا من العوس بمعنى السياسة . وأنَّ مفرده عِيسَى و عِيسِى بفتح السين أو إمالتها . والجمع منه عِيسٌ و عيسون والمثنى منه عيسين ومؤنسه عيساء .
... وكلمة عيسى فيها إشعار باللون الأبيض الذى تخالطه شقرة . وفيها أيضا معنى الانذار بقرب نهاية الزرع إذا خلا من الرطوبة وأصْفرَّ لونه ويَبُسَ . والمسيح عيسى بن مريم - عليه السلام - نجد فيه هاتين الصفتين :
... فالمسيح - عليه السلام - كان لونه أشقر ( أبيض مشرب بصفرة ) (1) . كما أنه - عليه السلام - كان آخر أنبياء بنى إسرائيل . وقد أعلم - عليه السلام - قومه بانتقال الملكوت والرسالة منهم إلى أمَّة أخرى ، هى الأمَّة العربية وذلك من خلال ضربه لمثل الكرم والكرامين وصاحبه والمستأجرين (2) . وقد سبق الكلام على ذلك المثل بالتفصيل فى كتابى ( نبىّ أرض الجنوب ) فارجع إليه وسيأتى شرح بعض ذلك الأمر فى كتابى هذا . وكانت معظم أمثاله - عليه السلام - وأشهرها لبنى إسرائيل تشمل الزرع والكرم وما شابه ذلك .
فكان لاسمه عيسى - عليه السلام - مَعْنَى مباشرا وإنذار إلى يهود بنى إسرائيل بانتهاء زرعهم وانتقاله إلى زراع آخرين فى أرض أخرى أكبر وأعم من منطقة فلسطين المحدودة . وبمجيئ عيسى - عليه السلام - أعيست أنبياء بنو إسرائيل فكان - عليه السلام - آخرهم .(1/6)
... قال تعالى فى محكم التنزيل : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ . ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّة ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }
( 26 ـ 27 / الحديد ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع مبحث صورة المسيح فى كتابى قضايا فى المسيحية والإسلام لتجد الدليل البيِّن على ذلك اللون .
(2) .. انجيل متى ( 21 : 33ـ 44 ) . وسوف يأتى شرح ذلك المثل فى كتابى هذا فصبرا .(1/7)
ثالثا ..
مَبْحَث حول عبارة " ابن مَرْيَم "
أصلها وفصلها
=====
فاتحة هذا المبحث :
الحمد لله على صِحَّة الاعتقاد ، ووجود مَن ينقدَ حسب قواعد الانتقاد . جامع الشتات ورافع من شاء فى الحياة وبعد الممات ، فله الحمد على نعمه الخفيات والجليات . والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد السادات وعلى آله وصحبه والتابعين لهم ما دامت الأرض والسموات .
أمَّا بعد :
لقد أرانا الله سبحانه وتعالى فى مباحث هذا الكتاب كيف لا ينتفع الإنسان ببصره ولا بسمعه ولا بتمييزه الفكرى ، إلا أن يهديه خالق الهدى والضلال . نسأل الله الذى هدانا لملة الإسلام الواضحة السليمة من كل ما ينافره العقل ، أن لا يضلنا بعد إذ هدانا حتى نلقاه على ملة الحق ونحلة الحق ومذهب الحق .
... إنَّ الدين واللغة هما قوام الأمَّة ، فالدين تنضبط سلوكيات الناس برب الناس وتنضبط به أمورهم فيما بينهم . وباللغة يفكر المفكرون ويبدع المبدعون . فالإنسان لا يستطيع أن يفكر إلا بالألفاظ فهى وحدها أداة التفكير . فمعانى كلمات كل لغة من لغات البشر تخضع لأساليب اللغة التى يتألف على مقتضاها الكلام . ومن هنا يتفق ويتشابه أبناء كل لغة ويختلفون عن أبناء كل لغة أخرى .
... ومعلوم أنَّ اللغات تتغير وتتطور عبر العصور . وتقوم لغة وتندثر أخرى وهكذا كان الأمر دوما . ومن اللغات القديمة التى اندرست اللغة الآرامية لغة المسيح - عليه السلام - وقومه . إلا أنَّ الله سبحانه وتعالى قد شاءت قدرته أن يحفظها فى اللسان العربى المبين والعامى . فمن أراد أن يتعرف على المسيح - عليه السلام - ومعانى كلماته المدونة فى الأناجيل فعليه بالآرامية وباللسان العربى وخاصة العامى منه للتشابه المثير بينه وبين اللسان الآرامى ..!!(1/1)
فبالتحليل اللغوى توصلنا إلى معانى جديدة حول اسم المسيح - عليه السلام - كاملا فلم يكن المسيح عيسى - عليه السلام - فى يوم من الأيام مَمْسُوحا بزيت أو بدهن كما قال علماء المسيحية قاطبة ..!! وإنما كان يَمْسَحُ بيده المباركة الأوجاع والأمراض بل وآفة الموت من الأجساد فتشفى وتتعافى بإذن الله . بمعنى أنه كان يزيلها بمجرد المسح على المتضررين .
كما توصلنا بعون من الله إلى أنَّ الشطر الثانى من اسم المسيح هو عيسى - عليه السلام - فى لغته الوطنية ، وعلمنا معنى الاسم المبارك وهو معنى جديد لا يعرفه المسيحيون جميعا ..!! فهو اسم يصف صاحبه كأنك تراه فى المرآة . كما أنه يدل على أنه - عليه السلام - آخر أنبياء بنى إسرائيل .
... وهنا أبحث بإذن الله تعالى فى الشطر الثالث من الاسم المبارك ، ألا وهو ابن مريم . فيظهر لنا اسم الأم الطاهرة البتول مريم ، التى كانت آية للعالمين قبل أن يكون ابنها آية . وإذا كان الكلام على مريم افتقدنا الكثير من المعلومات عنها وعن والديها وعن نشأتها منذ الحمل بها وولادتها ثم دخولها إلى بيت المقدس كمنذورة للإله تحت كفالة زكريا زوج عمتها (1) . فقد خلت الأناجيل من تلك المعلومات الهامة ..!!
ولكن الله سبحانه وتعالى شاءت قدرته ورحمته أن يتم العثور على مجموعة أناجيل وكتابات تعود إلى القرن الثانى والثالث الميلادى . وذلك فى نجع حمادى بمصر سنة ( 1945) مكتوبة باللغة القبطية الصعيدية ، فيها الكثير عن مريم وابنها عليهما السلام ، بعضه يصح تاريخيا وبعضه من مزايدات الغنوصية . ففى صحيحه نجد مريم المنذورة لبيت لله المقدس منذ ولادتها ونشأتها الأولى تحت كفالة زكريا . وهذا أمر هام جدا فى بيان معرفة منشأ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع كتابى " المسيح هارونى أم داودى ..!؟ " لتعلم تحقيق تلك القرابة .(1/2)
الاسم مريم وفهم معناه أثناء القيام باجراء عملية التحليل اللغوى للاسم وتصحيح النطق به ، ليصح النطق باسم المسيح - عليه السلام - كاملا .
وعبارة ابن مريم نجدها فى إنجيل مرقس ( 6 : 3 ) على لسان قومه وأهل مدينته " ولمَّا حَلَّ السبت ، أخذ يُعَلِّم ـ أى المسيح ـ فى المَجْمَع ، فدُهِش كثيرون حين سمعوه وقالوا : من أين له هذا ؟ وما هذه الحكمة الموهوبة له وهذه المعجزات الجارية على يديه ..!؟ أليس هذا هو النَجَّار ابن مريم ..!؟ " .
فالقوم يعرفونه نجَّاراً ، ولكن النجَّارُون كثيرين فلا بد من التخصيص .
فقالوا : النَجَّار ابن مريم . فنسبوه إلى أمِّه . وهذا معناه أنهم لا يعرفون له أبا ينسبونه إليه كعادتهم فى مثل تلك الأمور . فالنسب إلى الأم عيب ولا يجوز فعله وتلك عادتنا الشرقية ولا تزال إلى اليوم .
... كما أنَّ العبارة ابن مريم تفيد أنَّ القوم كانوا يَعْرفُون مريم جيدا . ولكن الأمهات لا يُعْرَفْنَ بين الناس فى المجتمعات الشرقية ، ولا يُنْسَبُ إليهن الأبناء حسب التقاليد اليهودية فى تلك الأزمنة . فلا بد من وجود شىء اشتهرت به مريم وعُرِفَت به بين قومها . إنه ابن مريم . مريم التى يعرفونها جيدا . ولكن كتبة الأناجيل الحالية لا يعرفون شيئا عن مريم سوى اسمها .
... نعم إنَّ قومها يعرفونها منذ ولادتها بأنها الطفلة التى نذرتها أمها لبيت الله المقدَّس وهى لا تزال جنينا فى بطن أمها . وكانت الأم تظن أنَّ الجنين ذكر { فلما وضعتها قالت ربِّ إنى وضعتها أنثى ، والله أعلم بما وضعت . وليس الذكر كالأنثى . وإنى سَمَّيتها مريم ، وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم . فتقبلها ربها بقبول حَسَنٍ وأنبتها نباتا حَسَنًا ، وَكفَّلهَا زكريا ، كلما دخل عليها زكريا المحراب وَجَدَ عندها رزقا ، قال يمريم أنَّى لك هذا ، قالت هو من عند الله ، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } ( الآيات 36 ـ 37 / آل عمران ) .(1/3)
... هذا الجانب القرآنى المضيىء من سيرة السيدة البتول هَامٌ جدا فى دراسة الاسم مريم . وما ذكرته هنا إلا لنقص المعلومات الإنجيلية .
ولم استشهد بما جاء فى مكتشفات نجع حمادى المكتوبة باللغة القبطية من قبل ظهور رسالة الإسلام بثلاثة قرون ، ففيها الدليل البيِّن على صدق الرواية القرآنية وفيها البرهان على أنَّ الوحى الإلهى هو الذى أخبر النبىّ العربىّ الأمىّ بأنباء ذلك الغيب البعيد .
... إنَّ قصة نذارة مريم للبيت وكفالة زكريا لها وكلام عيسى فى المهد وأشياء أخرى لا نحتاجها فى بحثنا هذا (1) كلها مسجلة فى تلك الأناجيل التى لم يعلم عن أخبارها مسيحيو العالم إلا فى عصرنا الراهن .
المهم أنَّ مريم سُمِّيت بهذا الاسم لغرض واضح ، إنها ستكون حسب رغبة أمها خادمة لبيت الله ـ أى منذورة له ـ لا عمل لها سوى عبادة الله فى بيته المقدس . والنذراء لا يتزوجون غالبا فلا تكون لهم ذرية . فكيف قالت الأم { وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } ..!؟
فسألت الله أن يعيذ مريم وذريتها من الشيطان الرجيم . لقد تمَنَّتْ الأم على الله أن يرزق ابنتها الذرية مع أنها منذورة لبيته طمعا فى كرم الله . أليست ممن اصطفاهم الله على العالمين ..!؟ إنها ذرية بعضها من بعض .
ثمَّ قالت : وإنى سَمَّيتُهَا مريم . فإنها وإن كانت يارب أنثى ، وإن كانت أيضا منذورة لبيتك المقدس . فإنى قد سميتها مريم . إنه تحَدٍ وطمَعَاً فى كرم الله . فتقبلها ربها بقبول حسن .
أتعلمون أيها القرَّاء الأعزاء أين هذا التحدى والطمع فى كرم الله ..!؟
إنه فى الاسم الغريب مريم { وإنِّى قد سميتها مريم } ..!!
فهلموا بنا ندرس هذا الاسم فى لغته الأصلية ، أقصد الآرامية .(1/4)
... إذا قرأنا الاسم فى الأناجيل اليونانية سوف نجد له قراءتان هما ( مَاريا ????? و مَاريام ?????? ) . فالقراءة الأولى مَاريا مأخوذة عن المصرية بمعنى المحبوبة أو العزيزة ( beloved ) . ومنه مَاريا القبطية التى أهداها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع إنجيل الطفولة وإنجيل مريم المكتشفان ضمن مجموعة نجع حمادى سنة ( 1945 م ) وذلك فى
كتاب ( The lost books of the Bible ) .
مقوقس مصر إلى نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - فتزوجها وأنجب منها إبراهيم ، أمَّا الاسم الثانى مَريام فهوآرامى الأصل مكون من شقين ( مارى ـ أم ) أو ( مارى ـ أما ) نتوقف عندهما قليلا .
... كلمة مار فى الآرامية تعنى السيد من البشر ، فإن أضفت إليها حرف الياء مارى فمعناها هو السيد من البشر المؤمن بالله . مثل قولهم مارى جرجس وهو شخصية دينية مشهورة فاسمه جرجس ولكنه ولى من أولياء الله . فهو كما يقول المسلمون سيدنا فلان أو كما يقول المسيحيون القديس فلان .
... وفى بعض المراجع الآرامية نجد أنَّ مار للمذكر و مارى للمؤنث . ومنه مارى منيب الممثلة المصرية الشهيرة ، ومنه مار مرقص المنسوب إليه الإنجيل . وهما بمعنى القديس والقديسة فى لغة المسيحيين وبمعنى سيدنا فلان وستنا فلانة فى لغتنا العامية فـ مارى هى السيدة العابدة لله فى لغة المسيح - عليه السلام - وقومه .
فإن قرأنا الاسم كاملا فهو ( مارى أم ) و ( مارى أما ) ومعناهما على التوالى : السيدة الأم العابدة لله و السيدة أمَةُ الله أى خادمة الله أو خادمة بيت الله .
و ( مارى أم ) حسب قواعد اللغة ، فإنَّ الهمزة والياء يتبادلان . وبإعمال قاعدة الإدغام والتخفيف تحذف الهمزة فيقرأ الاسم هكذا مَرْيَم ويظل معناه على أصله السيدة الأم العابدة لله { وإنى سميتها مريم } ..!!(1/5)
وتقبلها ربها بقبول حسن ، وأنبتها نباتا حسنا وجعلها آية للعالمين . فأتت بعيسى لقومها وهى تحمله فقالوا لها { يا مَريَمُ لقد جئت شيئا فريا . يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا . فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا } وتكلم الصبىّ وهو فى مهده يدافع عن شرف أمِّه فكانت هى وابنها آيتين للعالمين . إنها مارى أم وباللسان العربى المبين مَرْيَم .
أمَّا عن الاسم الثانى ( مارى أمَا ) فمعناه واضح إنها خادمة بيت الله . ولك أن تقول هى أمَة الله كما قالت هى عن نفسها حسب إنجيل لوقا ( 1 : 38 ) " ها أنا عبدة الرب " وفى بعض النسخ نجد العبارة هكذا " ها أنا أمَة الرب " . وهذا الاسم يدل دلالة واضحة على أنها كانت منذورة لخدمة بيت الله المقدس .
فتحقق فى مريم قول أمِّها { رَبِّ إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا فتقبل منى } . وتقبل الله منها نذرها ، وتتطابق معنى الاسم مع المسمى . فأصبحت مريم أمَة الله فى الواقع .
تأصيل الاسم مريم فى العربية
الجذر اللغوى ( مرء ، مرأ ، مرى ) نجده فى الآرامية والعربية بنفس المعنى فالـ مرء هو المفرد من الناس عموما وإن كثر استعماله فى الرجال . قال تعالى { واعلموا أنَّ الله يحول بين المرء وقلبه } ( 24 / الأنفال ) و { يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء } ( 28 / مريم ) .
والـ مرأة هى الأنثى من بنات آدم فى صيغة الافراد . ويكثر استخدام هذا الجذر ومشتقاته فى محاسن الأخلاق وجميل العادات . ومنه المروءة التى قالوا فى معناها " تعاطى المرء ما يستحسن وتجنب ما يسترذل وصيانة النفس عن الأدناس وما يشين عند الناس ، أو السمت الحسن وحفظ اللسان عن فاحش القول إلى أخر ما قيل فيها من معان ". وتمرأ فلان أى تكلف المروءة أى صار ذو مروءة (1) .(1/6)
... فـ المرأة فى العربية هى الأنثى ذات الصفات الحميدة والتى نطلق عليها كلمة سيدة . وفى الآرامية نجدها مَرَتْ بدون الهمزة وباثبات تاء التأنيث الآرامية . وهذه الكلمة لا نزال نستخدمها فى عاميتنا الحالية فنقول مَرَتْ فلان أى إمرأة فلان ومنه أيضا : مِراته و مَرته بفتح الميم والراء (2) وقد تضم الميم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع تاج العروس بشرح القاموس ج 1 ص 117 .
(2) .. وإن كُسِرت الميم والراء بكسرة طويلة هكذا ( ميريت ) سنجد هذا الاسم فى التاريخ المصرى القديم وهو
بمعنى السيدة الجميلة فى اللغة الهيروغريفية . فجميع اللغات القديمة تعود لأصل واحد ولسان واحد هو
لسان آدم عليه السلام .
فى فصحى الآرامية مُرْت . فإن أضفنا الألف الممدودة فى آخر الكلمة والتى تدل على أداة التعريف فى الآرامية فتصبح الكلمة مَرْتا أى السيدة .
وهذه الكلمة مَرْتا آرامية مائة فى المائة اشتقاقا ومعنى ، وليس لها فى العبرية نصيب . وقد وردت تحديدا فى إنجيل لوقا ( 10 / 38 ) . جاء فى قاموس ( New Bible Dictionary p746 ) عن هذه الكلمة ما يلى :
“ The name derives from an aram form not found in Heb . Meaning lady or mistres “
وترجمته أنَّ هذا الاسم مشتق من الآرامية ولا يوجد فى العبرية ، ومعناه سيدة أو ربة بيت .
ولكن المترجمين للكلمة فى النسخ العربية جعلوه اسما لسيدة ..!!
مع إعترافهم بأنَّ الكلمة لا تعنى أكثر من سيدة ..!! وليتهم سكتوا على ذلك الخطأ ولكنهم تمادوا فيه وقالوا مرثا بالثاء وليس بالتاء مع أنَّ حرف الثاء لا يوجد فى الآرامية ويستبدل بالتاء فيقولون تنين وتلاته فى الأعداد بدلا من اثنين وثلاثة أو قولهم توب بدلا من ثوب ..!!(1/7)
... وأكتفى بذلك القدر من التأصيل اللغوى حتى لا أشق على القارىء . المهم أنَّ الاسم مريم عربى صميم وليس بأعجمى كما يقول المفسرون لكتاب الله القرآن الكريم والحمد لله الذى هدانا لمعرفة معناه فى أصل لغته . وياليت قومى من العرب المسيحيين يكُفُّون عن اللحن فى الاسم بقولهم ميرى جريا وراء الاسم الإنجليزى ( Mary ) وبطريقة خاطئة ، حيث يحذفون حرف الميم الأخير مع أنه موجود فى الأصل اليونانى ( ?????? ) .
... وتتبقى لى ملحوظة أذكرها لأهميتها عند المسلمين والمسيحيين . لقد دأب المستشرقون على مهاجمة القرآن الكريم بقولهم : لقد أخطأ القرآن فى قوله عن مريم { يا أخت هارون } ويقصدون أنَّ القرآن يشير إلى مريم أخت هارون وموسى المذكورة عندهم فى الكتاب . وللأسف الشديد نجد تكرار هذه الفرية على لسان العرب المسيحيين بدون روية منهم ..!!
... والقرآن الكريم ليس فيه شىء من هذا الكلام ، فلم يذكر اسم أخت موسى وهارون . كما أنَّ قوله عن مريم { يا أخت هارون } يشابه تماما قول لوقا فى إنجيله عن زوجة زكريا أنها ( من بنات هارون ) يقصد أنها من نسل هارون . تماما كما يقصد القرآن الكريم من أنَّ مريم من نسل هارون . قالوا ذلك ولم يقرؤا كتابهم ..!!
إنَّ أخت موسى وهارون مسجل اسمها فى الأصول اليونانية للعهد القديم مِيريام بكسر الميم . وتفرق الترجمات الإنجليزية بين المريمتين هكذا ( Miriam ) بكسر الميم لأخت هارون و( Mary) بفتح الميم لأم المسيح . ولكن الترجمات العربية لا تفرق بين الاثنين وتكتبهما مريم والمعنيان مختلفان تماما ..!!
... فـ مِيريام أخت موسى وهارون نجدها فى اللغة العبرية تعنى البدينة السمينة الشحم واللحم . كما أنَّ هذا الاسم مشتق من العِصْيَان فما أبعد المعنى بين هذه وتلك ..!!(1/8)
... ومعانى الاسم مريم فى المراجع المسيحية العربية والأجنبية بعيد كل البعد عن الاسم الصحيح بشهادة القرآن والإنجيل . ففى قاموس الكتاب المقدس العربى ( طبعة دار الثقافة ص 856 ) تجد معناه عِصْيان . وفى المراجع الأجنبية تجده بمعنى البدينة السمينة وأحيانا المحبوبة .
والخلاصة :
أنَّ معنى هذا الاسم الطيب وقراءاته المختلفة ينحصر فى أربع صُوَر :
إن قلت مَريم بفتح الميم فقد قصدت الوظيفة والجنس . فهى السيدة الأم البتول وهى أيضا أمَة ـ عابدة ـ الله .
وإن قلت مَاريا بفتح الميم مع المد ، فهى حبيبة الإله ومحبوبته لأنَّ المقطع يا يشير إلى اسم إله السموات والأرض فى اللسان العربى القديم وأيضا فى أسفار الكتاب المقدس بعهديه كما سبق بيانه .
وإن قلت مَرتا بفتح الميم فهو بمعنى السيدة أو ربة البيت لا أكثر ولا أقل وليس باسم علم يدل على الشخص خلاف الثلاثة أسماء السابق ذكرها .
وإن قلت مِريم أو مِريام بكسر الميم فقد قصدت الشكل الخارجى فهى البدينة والسمينة لحما ودهنا ، وهى أيضا العاصية أو المتمردة ..!!
وإن قلت مِيريت بالكسرة الطويلة على كل من الميم والراء فهى السيدة الجميلة . وهو اسم مصرى فرعونى .
فالأسماء مَريم و مَاريَّا و مَرتا أسماء عربية . أمَّا الاسم مِريام فيكثر استخدامه فى العبرية ، ومِيريت مصرى قديم ، عاد استخدامه حديثا فى أسماء الفتيات العربيات ..!!
وأبدأ الآن فى دراسة كلمة ابن حيث اختلط فيها الأمر لدى علماء المسيحية اليونان والرومان ومن جاء بعدهم ..!!(1/9)
فمن المعلوم يقينا أنَّ جذور الديانة المسيحية فى فلسطين حيث كان المسيح - عليه السلام - . وأنَّ لغة الدين المسيحى هى الآرامية حيث تكلم بها المسيح - عليه السلام - . ودعك ممن يؤمنون بأنَّ أصول هذا الدين يونانية فإنَّ كل ذلك جاء من بعد انتهاء بعثة المسيح - عليه السلام - . كما أنَّ هذه الديانة تناولها من لا يفقهون شيئا عن لغة المسيح - عليه السلام - وقومه فقالوا فيها ما قالوا .
... وكما سبق أن بينت مرارا بأنَّ موضوعات هذا الكتاب وما قبله موضوعات علمية بحتة ، تنكشف فوق صفحاتها الحقائق مجردة من كل تمويه وتطلية فالمصارحة بالحق أنفع لى وللجميع بدلا من أن يغضبوا علىّ بسبب المصارحة عملا بالحكمة القائلة " صديقك من صدقك لا من صدَّقك " . فالقارىء المجد الصابر هو المنتفع بما فى هذا الكتاب من علم ، وليس صاحب النظر العابر ..!!
ومعلوم أنَّ الشعب المصرى بنسيجه الواحد مسلمين ومسيحيين كان دائما وأبدا بعيدا عن الغل والحقد والتشفى إلا من قلة شاردة من هنا ومن هناك . فالكل متحابون والدراسة المتعمقة لكلا الدينين لا علاقة لها بالطائفية أو إثارة نعراتها وإنما هى تقرب بين المثقفين من الطرفين . فأحاسيس الود ومشاعر الأخوة ومفهوم السلام والأمان من أساسيات الدينين فمن خرج عن هذه الأساسيات فقد أضاع أساسا من أصول دينه .
مع كلمة ابن
كلمة ابن فى الآرامية هى ذات الكلمة العربية المستخدمة فى ذات المعنى إلا أنَّ كلمة ابن فى الآرامية لها استخدام آخر . إضافة إلى وجود كلمة أخرى تتشابك فى معناها مع كلمة ابن وهى كلمة ( بار ) الآرامية . وهذا الأمر هو الذى دعانى إلى الكلام تفصيلا عن كلمة ابن .(1/10)
... ومِن المعلوم عند العلماء أنَّ استخدامات الصِّفة فى الآرامية اليهودية ليست قوية فى تكوين الجُمَل . فكان يؤتى بكلمة ابن متبوعة باسم للدلالة على المبالغة فى وصف الشىء . فالرجل المُسَالِم الذى يختار السلام على سجيته يطلق عليه ابن السلام . وأبناء السلام هم المسالمون أو السلاميون أو المسلمون حسب التخريجات اللغوية ..!! وأبناء الله هم المؤمنون والأتقياء والصالحون . وهنا نجد أنَّ كلمة ابن قد تغير معناها عن أصله فأصبحت لا تعنى الابن المولود لوالد .
... وعندما تظهر لنا الكلمة الآرامية الثانية بار تتداخل المفاهيم . حيث أنَّ كلمة بار تعنى أيضا معنى ابن حسب قول علماء المسيحية . ولكن حقيقة الأمر وصحيحه غير ذلك . فمعناها الصحيح هو الصَفِىّ أو النقىّ أو الخالص أو المختار تشهد بذلك نصوص العهد الجديد (1) كما سنرى ..!!
فأسماء القرابة فى الآرامية والعربية ـ وباقى لغات اللسان العربى القديم التى يطلقون عليها مسمى السامية ـ واحدة لا تتغير ثابتة فى معناها . فالأب والأم والابن والابنة والعم والعمة والخال والخالة و... الخ . هى هى ذات الكلمات المستخدمة عند الجميع لا فرق . إلا أنَّ هناك استخداما آخر لبعض هذه ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع بحث البارقليط فى كتبى المنشورة لتعرف تفاصيل أكثر عن معنى كلمة بار الآرامية .
الكلمات حسب المعنى المراد من الجملة المستخدم فيها هذه الكلمات . فهناك المعنى الحقيقى والمعنى المجاز ونحن العرب نعرف ذلك الأمر جيدا .
والمعنى الحقيقى هو الذى ينصرف إليه الذهن أولا ، فإن تعذر ذلك ذهبنا إلى المعنى المجاز . فإن قرأنا العبارات الآتية : ابن إبراهيم ؛ ابن يوسف ؛ ابن داود ؛ ابن يونا ؛ ابن زكريا ؛ ابن حلفى ... الخ . علمنا أنَّ المعنى المراد من كلمة ابن هو المعنى الحقيقى ابن مولود لوالد .(1/11)
وإن قرأنا العبارات الآتية : ابن السلام ( لوقا 10 : 6 ) ؛ ابن الهلاك ( يوحنا 17 : 12 ) ؛ ابن جهنم ( متى 23 : 15 ) ؛ ابن الإنسان ( ورد كثيرا فى الأناجيل ) ..... الخ . علمنا أنَّ المعنى المراد من كلمة ابن هنا هو المعنى المجازى ، أى مبالغة فى الوصف . فالسلام والهلاك وجهنم ليس لهم أبناء فى الحقيقة . ولكن السائرين فى طرق السلام والهلاك وجهنم يوصف كل منهم بأنه ابن لذلك المسمى .
فـ ابن جهنم مثلا المذكور فى النسخة الوطنية ط 1977 نجده قد تغير إلى عبارة أهلا لجهنم فى نسخة كتاب الحياة ، وهذا معنى مقبول . وبالمثل مع ابن ابليس ( أع 13 : 10 ) فهو وصف لكل من كان سائرا على درب ابليس . و ابن الإنسان لكل من اتصف بالأخلاق الإنسانية الحميدة أو مبالغة فى إنسانيته حتى لا يظن فيه ظان .
و ابن الله أو أبناء الله مبالغة فى الوصف لكل من كان مؤمنا لله ، وقد بيّن مترجمو إنجيل لوقا فى الفقرة ( 20 : 36 ) هذا المعنى جيدا بقولهم المؤمنون بدلا من عبارة أبناء الله الموجودة بالأصل اليونانى . فالمؤمنون الصالحون يطلق عليهم أبناء الله . والكلمة الآرامية ابن لم تكتب كما هى فى الأناجيل اليونانية وإنما ترجمت إلى كلمة ( ???? ) التى تنطق يىاُس بتصريفاتها الإعرابية المختلفة (1) وحالات الجمع والافراد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. هناك أربع كلمات يونانية فى الحقيقة تتبادل فى معناها بين ابن وطفل وولد وخادم وهذه الكلمات هى :
( ???? , ?????? , ???? , ???? ) .(1/12)
وهناك الكلمة الآرامية الثانية بار التى قالوا بأنَّ معناها ابن . وفى حقيقة الأمر فهى لا تعنى الابن المولود لأب على التحقيق ، وإنما معناها الحقيقى هو الرجل الصالح ( good man ) . من الجذر اللغوى برر فى الآرامية والعربية على حد سواء . صفة حسنة فى الانسان قال تعالى على لسان عيسى - عليه السلام - { وبارا بوالدتى } وهى أيضا تعنى الاصطفاء والانتقاء والنقاء .
فإن توقفنا أمام اسم الشقى المدعو ( ???????? ) بارابَّاس وبعد حذف اللاحقة الاعرابية اليونانية ( س ) نجد أنَّ الاسم أصبح ( بار ـ أبَّا ) . فإن طبقنا قول علماء المسيحية أنَّ كلمة بار معناها ابن فسيكون معنى اسم ذلك الشقى هو ابن الله لأنَّ الآب عندهم هو الله ..!! وهذا تخريف وانحراف لغوى عن المعنى الصحيح . وإنما المعنى أنه سُمِّىَ تقىّ الله أو صفىّ الله وما شابه ذلك ثم خاب فيه ظن من أطلق عليه ذلك الاسم فأصبح شقى الله (1) ..!!
ومثله نجده فى اسم ذلك النبىّ الكذَّاب المذكور فى سفر الأعمال ( 13 : 6 ) والمدعو ( ??? ?????? بار إيسوس ) أى بار عيسى والذى يكتبونه بطريقة خاطئة فى الترجمات العربية بار يشوع بالشين ولم يكتبوه بار يسوع بالسين ..!! والمعنى هنا ليس ابن عيسى أو ابن يسوع وإنما عيسى التقىّ أو عيسى المختار أو ما شابه ذلك من معان مثل عيسى البار وغيره . ونظرا لمطابقة ذلك الاسم لاسم المسيح عيسى - عليه السلام - فقد كتبه المترجمون إلى العربية يشوع بدلا من يسوع ..!!
وإليك عدة أسماء يوجد فيها المقطع بار ينطبق عليها الشرح السابق دون فرق مثل بارنابا ( ???????? ) ( أع 4 : 36 ) وبارسابا ( ???????? ) ( أع 1 : 23 ) وبارتيما ( ?????????? ) ( مرقس 10 : 46 ) وباريونا ( ??????? ) ( متى 16 : 17 ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع قصة ذلك الشقى فى إنجيل مرقس ( 15 : 7 ، 11 ، 15 ، .... الخ ) ومثله فى باقى الناجيل .(1/13)
... أمَّا عن عبارة بارناس الآرامية والتى يترجمونها إلى ابن الإنسان فى العربية وإلى ( son of man ) فى الإنجليزية . والتى يصرفون معناها إلى المسيح - عليه السلام - فلم ترد فى الأناجيل الأربعة ..!! والموجود هو كلمة ابن ( ???? ) وليس بار أى بـ المعنى الحقيقى ابن الإنسان وليس مجازا ، وتلك العبارة تعادل فى معناها ابن آدم مبالغة فى الآدمية والإنسانية .
ولا يسعنى هنا إلا أن أذكر أهم كلمة تحتوى على المقطع بار ذكرت فى أسفار العهد الجديد . وتم حذفها من الترجمات العربية والانجليزية واستبدالها بكلمات أخرى لا تؤدى معناها .
وهذه الكلمة يعرفها جيدا المسلمون والمسيحيون . إنها الكلمة الآرامية بارقليط والتى لا تزال مسجلة فى الأصول اليونانية هكذا ( ?????????? ) والتى تنطق بعد اجراء عملية التصويت عليها ( بار ـ قليط ) وهى التى كانت موجودة فى الأناجيل العربية القديمة . وصاحب هذا الاسم شخص سوف يأتى من بعد المسيح - عليه السلام - حسب أقوال يوحنا صاحب الإنجيل المعروف . وقد توسعت كثيرا فى تتبع كلمة بارقليط فى اللسان اليونانى القديم وتأصيل العبارة وإثبات آرامية الكلمة بحمد الله تعالى وشرحها المستفيض فى الآرامية والعربية وذلك فى كتابى ( نبىّ أرض الجنوب ) فراجعه فإنه مفيد وجديد .
والآن وبعد تلك الجولة اللغوية السريعة نعود إلى عبارة ابن مريم فهى على المعنى الحقيقى وليست مجازا ، فهو المولود من مريم المخلوق فى رحمها بكلمة الله الكونية ـ كن ـ فكان . ولا يصح شىء من العبارات الواردة فى أسفار العهد الجديد والتى تصف المسيح - عليه السلام - بأنه : ابن يوسف أو ابن داود أو ابن النجار أو ابن الله إلى غير ذلك ... الخ .(1/14)
وسوف أضرب للقارىء المستبصر فى أمره مثلا واحدا لعله يكون فيه الشفاء بإذن الله : جاء فى إنجيل مرقس ( 15 : 39 ) قول قائد المائة عن المسيح - عليه السلام - : " حقا كان هذا ابن الله " . ومعلوم عند الجميع أنَّ إنجيل مرقس أقدم الأناجيل تدوينا . ومنه أخذ كل من متى ولوقا إضافة إلى الذى أخذوه من المصدر الأصلى المُسَمَّى عند العلماء بـ ( Q ) . فأخذ متى الفقرة السابقة وكتبها فى إنجيله ( 27 : 54 ) بعد إضفاء صيغة الجمع قالوا بدلا من قال " حقا كان هذا ابن الله " . ثم أخذها لوقا وتأنق فيها فقال " بالحقيقة كان هذا الانسان بارا " ( لوقا 23 : 47 ) .
فأصاب لوقا وأخطأ كل من مرقس ومتى ..!!
فمعنى عبارة ابن الله كما قال لوقا فى إنجيله هو الانسان البار . فهل يعتبر المعتبرون ..!!؟ ويقولوا بأعلى صوتهم :
حقا لقد كان هذا ابن مريم . لقد ظهر فينا نبىّ كبير ( لوقا 7 : 16 )
حقا كان هذا بالحقيقة هو النبىّ ( يوحنا 7 : 4 )
اللهم ألا إنِّى قد بلغت اللهم فاشهد
تعقيب هام حول صيغ الاسم الكامل للمسيح - عليه السلام -
وموقف القرآن منه
===========
... لقد سبق التعقيب والاجابة على السؤال الهام جدا : متى صار يسوع مسيحا ..!!؟ وذلك فى نهاية بحث المسيح . وهنا سوف استعرض بإذن الله تعالى كيفية تعامل القرآن الكريم مع الصيغ المختلفة للاسم الكامل لابن مريم - عليه السلام - . وبدون اللجوء إلى مهاترات الإجابة الموضوعية ( objective ) أو الإجابات الغير موضوعية (subjective ) (1) .
فقد حدث فى الاجابات المسيحية اضطراب وفوضى بدون داع .. فقد أخذ المسيحيون بالاجابات الغير موضوعية كما سبق بيانه . المهم أنَّ الصيغ المُعبِّرة عن اسم المسيح فى وثائق العهد الجديد اليونانية أخذت الصُّوَر التالية :(1/15)
ـ إمَّا التعبيرات الأربع المتضمنة الكلمتين ( المسيح وعيسى ) بالتقديم والتأخير لكل منهما أو التعريف وعدم التعريف لكل منهما مع ملاحظة أنَّ الاسم عيسى ( عيسو ) فى اليونانية يأتى دائما معرفا أى العيسى ( اليسوع حسب الترجمات العربية ) . فتكون الصيغ أربعة بعد إهمال تعريف عيسى الذى لا معنى له ( المسيح عيسى ؛ عيسى المسيح ؛ مسيح عيسى ؛ عيسى مسيح ) وقد سبق الكلام عنها تفصيلا .
وتلك الصيغ الأربعة تحديدا لا وجود لها فى القرآن أو صحيح السنة النبويَّة .
ـ وإمَّا كلمة المسيح فقط . وهى عندهم ترادف فى معناها العقدى معنى الألوهية والبنوة لله ـ تعالى الله عمَّا يقولون علوا كبيرا ـ كما فى " أنت المسيح ابن الله " ( متى 16 : 16 ) . وهى عندهم فى معناها اللغوى لا تفيد سوى معنى المدهون ، وقد سبق اثبات خطأ ذلك المعنى إن كان بشأن ابن مريم خاصة .
وتلك الصيغة المفردة ( المسيح ) وردت فى القرآن الكريم وصحيح السنة ومعها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع التعريف والتفرقة بين الإجابات المسيحية الموضوعية والغير موضوعية فى نهاية بحث المسيح .
أسباب الافراد والاقتصار عليها لهدم مفاهيم القوم بشأنها .
ـ وإمَّا عيسى فقط . وتلك الصيغة المفردة وردت فى القرآن الكريم .
ـ وإمَّا ابن مريم ( مرقس 6 : 3 ) . وتلك صيغة وردت فى القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية .
ـ وإمَّا عيسى بن داود ( راجع ) . لا أصل لها فى مصادر الإسلام .
ـ وإمَّا عيسى بن يوسف ( راجع ) . لا أصل لها فى مصادر الإسلام .
وكل ذلك نجده بوضوح تام فى إعلانات كتب العهد الجديد . ولا يصح من كل تلك الصيغ الكتابية غير الصيغ ( ابن مريم ) و ( عيسى ) و( المسيح ) .(1/16)
... وجاء القرآن الكريم مهيمنا على كل ما سبق ، ومفصِّلا القول والبيان حول صيغ اسم المسيح - عليه السلام - كاملا ، ومكان التعبير بالاسم المناسب فى المكان المناسب ، ودحض فرية الألوهية والبنوَّة مِن خلال استخدامات القرآن لهذه الصيغ المباركة ليستيقن الذين أوتوا الكتاب بأنه كلام الحق المطلع على ما فى قلوبهم وليزداد الذين آمنوا إيمانا .
... * .. ففى مقام ذكر البشارة بالاسم كاملا ، وكذا فى مقام توصيف صاحبه بأنه رسول الله وكلمة الله التى ألقاها إلى مريم وروح منه . جاءت الصيغة هكذا ( المسيح عيسى ابن مريم ) ولثلاث مرات فقط وبيانها كالآتى :
{ إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ... } ( 45 / آل عمران ) .
{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ ... } ( 157 / النساء ) . وعبارة { رَسُولَ اللهِ } مِن تعقيبات قول الحق سبحانه وتعالى وليست مِن قول اليهود على سبيل السخرية كما قال البعض .
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ... } ( 171 / النساء ) . وهذه الصيغة الكاملة للاسم لم ترد فى أصول الأناجيل اليونانية . ولا يعرفون عنها شيئا .
* .. وفى مقام نفى الألوهية عن المسيح - عليه السلام - وإثبات النبوَّة له ووقوع صاحب الاسم تحت طائلة الحكم الإلهى جاءت الصيغة " المسيح ابن مريم " ولخمس مرات فقط :
{(1/17)
لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِى الأَرْضِ جَمِيعاً ... } ( 17 / المائدة ) .
{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ... } ( 72 / المائدة ) .
{ مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ ... } ( 75 / المائدة ) .
{ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ( 31 / التوبة ) .
وهذه الصيغة ( المسيح ابن مريم ) لم ترد فى أصول الأناجيل اليونانية لأنَّ المسيح عندهم كائن إلهى فلا يليق أن يٌنسب إلى أم مِن البشر ..!!
... * .. وفى مقام إثبات العبودية لله ، ونفى البنوَّة له جاءت الصيغة مقتصرة على كلمة " المسيح " فقط ولثلاث مرات :
{ لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً } ( 172 / النساء ) .
{ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِى إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ . إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ باللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } ( 72 / المائدة ) .
{(1/18)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ . ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } ( 30 / التوبة ) .
وهذه الصيغة المفردة ( المسيح ) واردة فى الأناجيل القانونية وغير القانونية . وهى عندهم بمعنى كائن إلهى نزل إلى عالم البشر ، جعلوه إلها فى مواضع وفى مواضع أخرى جعلوه ابنا للإله مثل " انت المسيح بن الله " ( متى 16 : 16 ) . فجاء القرآن مستخدما لتلك الصيغة لنفى الألوهية والبنوَّة عن رسول الله ابن مريم - عليه السلام - .
... * .. وفى مقام اثبات النبوَّة وإيتاء الرسالة ، وكذا فى خطاب الله تعالى له جاء التعبير بـ عيسى ابن مريم . وفى خطاب الحواريون له وكذا فى تقرير قول المسيح لقومه جاء التعبير بـ عيسى ابن مريم . ثم كان التعبير عن مجمل قصة المسيح بقوله تعالى { ذلك عيسى ابن مريم } . وفى ثلاثة عشر مرة .
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ... } ( 87 / البقرة ) .
{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ... } ( 253 / البقرة ) .
{ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ، وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ، وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ، وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } ( 46 / المائدة ) .
{(1/19)
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } ( 78 / المائدة ) .
{ إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِى عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِى فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِى وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِى وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِى وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ... } ( 110 / المائدة ) .
{ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ( 112 / المائدة ) .
{ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } ( 114 / المائدة ) .
{ وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ } ( 116 / المائدة ) .
{ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ( 34 / مريم ) .
{(1/20)
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } ( 7 / الأحزاب ) .
{ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِـ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } ( 27 / الحديد ) .
{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِى إِسْرَائِيلَ إِنِّى رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } ( 6 / الصف ) .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِى إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ } ( 14 / الصف ) .
فنوَّه القرآن الكريم فى آياته السابقة على بشرية المسيح مستخدما الصيغة البشرية تماما ( عيسى ابن مريم ) .
*.. أمَّا عن الصيغة عيسى فقط فقد وردت تسع مرات فى القرآن الكريم وبيانها كالتالى :
ـ فى أثناء سرد الاسم بين سياق أسماء الأنبياء :
{(1/21)
قُولُواْ آمَنَّا باللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِىَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } ( 136 / البقرة ) .
{ قُلْ آمَنَّا باللهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } ( 84 / آل عمران ) .
{ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } ( 163 / النساء ) .
{ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ } ( 85 / الأنعام ) .
{ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } ( 13 / الشورى ) .
... ـ وعند لحظات الكرب الشديد :
{ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا باللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } ( 52 / آل عمران ) .
... ـ وعند نجاته مِن بين قومه برفعه إلى السماء :
{(1/22)
إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّى مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } ( 55 / آل عمران ) .
... ـ وعند المقارنة فى الخلق بينه وبين آدم :
{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } ( 59 / آل عمران ) .
... ـ وعندما جاء لقومه بالبينات :
{ وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلأبيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ } ( 63 / الزخرف ) .
وفى كل تلك المواقف التسع لا ينفع فيها ذكر اللقب ( المسيح ) ولا داعى لذكر أمِّهِ فيها .
... * .. وفى مقام المقارنة بينه وبين آلهة العرب استخدم القرآن صيغة ابن مريم فقط وبعدد مرتان .
{ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } ( 50 / المؤمنون ) .
{ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } ( 57 / الزخرف ) .
كما يُعَبِّر القرآن الكريم عن المثل المضروب والآية المعجزة بالصيغة ابن مريم إمَّا تصريحا كما فى ( 50 / المؤمنون ؛ 57 / الزخرف ) وإمَّا تلميحا ( وَابْنَهَا ؛ وَلِنَجْعَلَهُ ؛ وَإِنَّهُ ) كما فى ( 91 / الأنبياء ؛ 21 / مريم ؛ 61 / الزخرف ) وبيانهم كالتالى حسب الترتيب المذكور :
{ والتى أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين } .
{ .. ولنجعله آية للناس ورحمة مِنَّا وكان أمرا مقضيا } .
{ وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعونِ ، هذا صراط مستقيم } .
ملاحظة :(1/23)
يلاحظ مِن قوله تعالى { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } ( 59 / آل عمران ) المثلية الكاملة فى الخلق بكلمة كُنْ الرَّبَّانية فكان عيسى كما كان آدم مِن قبل . والملاحظة المدهشة أنَّ عدد ورود كلمة آدم فى القرآن الكريم هو ( 25 مرة ) كما كان عدد ورود كلمة عيسى فى القرآن الكريم ( 25 مرة ) ..!!
هذا وأكرر القول بأنَّه لم ترد فى القرآن الكريم الصيغة الكتابية " المسيح عيسى " أومشتقاتها الأربع ، مع أنها الصِّيَغ المثبتة فى الأناجيل وباقى كتب العهد الجديد مما يؤكد بانتفاء أخذ القرآن ممن الكتب السابقة . وكذلك كان الأمر مع الصيغتان عيسى بن داود وعيسى بن يوسف لا أثر لهما فى نصوص القرآن أو صحيح السنة .
وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالى : لماذا كانوا يقولون عيسى مسيح أو عيسى هو المسيح ... الخ .
قلت جمال : ذلك التعبير جاء ردا على القول السائد فى ذلك الوقت من أنَّ المسيح ـ الكائن الإلهى ـ نزل على عيسى ـ الإنسان ـ عند التعميد وغادره عند الصلب . فالمسيح كائن إلهى منزل وعيسى كائن بشرى أرضى " لتؤمنوا أنَّ يسوع هو المسيح " ( يوحنا 20 : 31 ) ..!!
وقد أفاض العلامة المسيحى القديم ايرناوس فى الرد على تلك المقولة التى كان يقول بها الغنوصيون أقباط مصر ، وقد تبنَّاها كل من بولس ويوحنا ..!!(1/24)
المبحث الثالث
==========
الإنجيل
كتابٌ أعْطاهُ المسيح ( إلى قومه شفاهة
" الكلام الذى أعطيتنى قد أعطيتهم "
" أنا قد أعطيتهم كلامك "
( إنجيل يوحنا 17 : 8 ، 14 )
فاتحة هذه الدراسة
===============
...
الحمد لله الذى خلق فسوَّى ، ووهب فأعطى . مُنَوِّر البصائر ، ومصوِّر الخواطر . والحمد لله الذى جعلنا موحدين ، ووفقنا للاعتصام بهذا الدين . والصلاة والسلام على الصادق الأمين ، إمام المرسلين وعلى أخيه روح الله وكلمته المسيح عيسى ابن مريم ( فى العالمين .
... أمَّا بعد :
هناك الكثير من الدراسات المقارنة حول المسيحية والإسلام . تكتظ بها رفوف المكتبات ولكن للأسف أنَّ معظمها تكرار لما فات . والإنسان بطبعه يحب الجديد الوليد ويستثقل التكرار البغيض . والباحث عن الحق يشكو من كثرة المعروض مما تنبو عنه الأحداق وتتجافى عن قراءته الأذواق ، ففيه يجد البرهان على تخاذل الذهن وتراجع الفكر .
ولقد حاولت أن أفتح بابا جديدا فى دراسة الوثائق الدينية سواء كانت إسلامية أم مسيحية تحت شعار " العودة إلى الأصل بفكر العصر " مستخدما المعلومات الجمَّة عن تراثنا وحضاراتنا القديمة التى لم يكن يعلمها علماؤنا فى القرون الماضية ، حيث تم اكتشافها وفك شفرة لغاتها ، فنطقت الأحجار والألواح فأنبأتنا بخبر من راح . وعَلِمْنا أنَّ لساننا العربى ـ ولا أقول لغتنا العربية ـ قديم قدم آدم ونوح ، وأنَّ لغة الكتابة تطورت وتغيرت مع تقدم الإنسان فى مسيرته الحضارية . وموضوع بحثى هنا هو كلمة إنجيل التى ورثناها عن الأجداد من قبل ظهور الإسلام . أبحث عنها وفيها بغية الوصول إلى إجابات مقنعة للأسئلة التالية :
هل الإنجيل كتاب كما يقول المسلمون ويعتقدون ..!؟
أم بشارة وأخبار سعيدة وليس بكتاب أصلا كما يقول المسيحيون ..!؟
وبأى لسان ولغة كان إنجيل المسيح ( ..؟
ومن أى لسان جاءت كلمة إنجيل ..؟
وفى أى لغة كثر استخدامها ..؟(1/1)
وفى أى المناطق الجغرافية ظهرت ابتداءً ..؟
وما معنى كلمة إنجيل فى لسان المسيح ( ..؟
إنها محاولة تحتاج إلى بذل المزيد والله من وراء القصد يعين ويزيد .
... لقد نشأنا نحن المسلمين منذ الصغر ، نؤمن بأنَّ هناك إنجيلا مع النصارى يؤمنون بما فيه ، ولكن اعتقادنا بصحة جميع كلمات ذلك الإنجيل تشوبه شائبة التحريف والتبديل ، على أساس أنَّ الإنجيل كتاب إلهى منزل كان مع المسيح ( إبَّان فترة بعثته . ونشأ أيضاً إخواننا فى المواطنة منذ صغرهم على الإيمان بالإنجيل الذى بيد آبائهم ، على أساس أنَّ المسيح ( لم يترك لهم إنجيلا مكتوبا ، ولم يكن معه كتاب منزل من السماء يُعلمَهُ لقومه يُسمى إنجيل . ومع مرور الزمن وتدرج إخوان المواطنة فى التعلُّم واتساع دائرة الثقافة بينهم تَطَوَّرَ مفهومهم الدينى لكلمة الإنجيل .
فعند عامتهم : الإنجيل هو مجموع كتب ورسائل العهد الجديد بما فيها الأناجيل الأربعة . وعند أنصاف المثقفين منهم : الإنجيل هو الأناجيل الأربعة مجتمعة معاً .
وعند المثقفين والمتخصصين من علمائهم وقساوستهم فالإنجيل له مفهومان : مفهوم مجازى بمعنى أنَّ الإنجيل هو مجموع الأناجيل الأربعة . ومفهوم حقيقى بمعنى أنَّ الإنجيل ليس بكتاب أصلاً . وإنما هو عبارة عن الأخبار السعيدة التى جاء بها المسيح . وهذه الأخبار السعيدة أو البشارة الطيبة عبارة عن مجئ المسيح إلى عالم البشرية وتحمله للعذاب المهين من أحقر خلق الله ، ثم موته على الصليب ثم دفنه وقيامته من الموت حاملاً معه أوزار الناس جميعا (1) . تلك الأوزار التى لم يغفرها الإله الآب عن طريق توبة عباده وعودتهم إلى صراطه المستقيم منذ عهد آدم وإلى زمن بعثة المسيح ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. المقصود هنا هو الخطيئة الأولى لآدم . ذلك الفيروس المسيحى الذى انتشر فى جميع ذريته من بعده
حاملا إِيَّاهم إلى الجحيم وبئس المصير ..!!(1/2)
أمَّا عن المعاصرين من علمائهم فلا يعنى الإنجيل كتاباً أصلاً . وإنما هو شخص يسوع ذاته ..!!
والقارئ الدارس لتاريخ المسيحية فى قرونها الأولى يعلم جيداً مقدار وحجم الهرطقات والانشقاقات الدينية التى نشأت وترعرعت فى السر تحت سيطرة الحكم الرومانى . والحق لا يعيش طويلا فى السر والظلام ، والحق لا يتعايش أبدا مع الباطل الذى أطل برأسه ونشر جذوره وسيقانه فى أرجاء الإمبراطورية الرومانية . والحق واحد لا يتعدد . فإذا كان المسيح ( قد قال لقومه أبَّان فترة بعثته " توبوا وآمنوا بالإنجيل " ( إنجيل مرقس 1 : 15 ) . فهناك إذا إنجيل كان مع المسيح مطلوب الإيمان به .
... إنجيل كان مع المسيح ( يدعو قومه إلى الإيمان به . إنجيل معلن معروف بين القوم حتى يؤمنوا به . وبغض النظر عن معنى كلمة إنجيل فإنَّ الكلمة تشير إلى شئ ما كان مع المسيح ( يدعو قومه إلى الإيمان به .
... وتوقيت هذه الدعوة كان بعد حادثة القبض على المعمدان ( يحيى بن زكريا ) ( . بمعنى أنَّ هذا الشئ المسمى إنجيلا كان موجودا مع المسيح ( أبَّان فترة بعثته وقبل حادثة الصلب الشهيرة . وأنَّ تلاميذ المسيح ( فى تلك الفترة كانوا قد آمنوا بذلك الإنجيل .
... ومن المتفق عليه عند جميع علماء المسيحية قديما وحديثا أنَّ تلاميذ المسيح فى أثناء فترة بعثته ( لم يتعرفوا عليه على أنه إله أو ابن إله ، فآمنوا بدعوته وبالإنجيل الذى معه ولم يكونوا يعرفون شيئا بعد عن الصلب وما صاحبه من أحداث بعد ذلك مثل غفران أوزار الناس جميعا بدم المسيح المسفوك على الصليب ..!!
... فآمَنُوا بالإنجيل وعملوا بأحكام التوراة كما أمرهم المسيح ( . فى تلك الفترة تدور دراستنا أو أهم فصولها . فترة بعثة المسيح ( التى انتهت بحادثة الصلب الشهيرة . هذه الفترة هى التى كان أول مطلب فيها هو الإيمان بدعوة المسيح ( وبالإنجيل الذى معه .(1/3)
والكلمة المعبرة عن الإنجيل التى استخدمها المسيح ( كانت باللسان الآرامى فما هى تلك الكلمة التى خرجت من فم المسيح ( باللسان الآرامى الفلسطينى والتى دعا إليها قومه ليؤمنوا بها ..!؟
إنها قطعا لم تكن كلمة يونانية . فأتباعه كانوا من عامة الناس وأقلهم علما . صيادين سمك وعَشَّارين . فأنَّى لهم بلغة المثقفين والنبلاء الأجانب ..!؟ وهل من المعقول أن يطالبهم المسيح بالإيمان بشئ يونانى لا يفهمون معناه ومحتواه ..!؟
وحيث أنَّ الكلمة العربية إنجيل هى الكلمة التى حفظتها ذاكرة الشعوب العربية القديمة ، وتوارثها الأحفاد عن الأجداد من يهود ونصارى ومسلمين . وَسُجِّلَت فى الأسفار المسيحية العربية وشهد بصحتها القرآن الكريم . فليس لنا بديل غيرها نتكلم عنه . ولم يُطْلَب من العرب المسيحيين منذ ألفى عام إلا أن يؤمنوا بهذا الإنجيل . ذلك الإنجيل الذى فُقِدَ وسط زحام الأناجيل التى ظهرت من بعد عهد المسيح( .
ومع فقدان لغة اللسان الآرامى الفلسطينى العربى ضاعت معالم دعوة المسيح تماما ، فلم يعد هناك تمييز وفهم سليم لمعانى الكلمات السامية ذات اللسان الآرامى كما سبق بيان ذلك فى الأبحاث السابقة فى هذا الكتاب .
فضاع اسم الله من فوق صفحات الأناجيل الأربعة . وضاع معنى كلمة مسيح من أذهان المسيحيين . وتحولت كلمة عيسى إلى كلمة يسوع . وضاع معنى كلمة مريم وأصلها . حتى المعنى البسيط السهل لكلمة ابن ضاع فى زحام الترجمات المتعددة . وضاعت كلمة إنجيل أيضا من النصوص وتحولت إلى بشارة كما سنرى ..!! وضاعت كلمات ومفاهيم كثيرة مما جاء على لسان المسيح ( كما سنرى .
وهكذا فقدنا كلمات آرامية كثيرة كانت من صلب معالم دعوة المسيح ( حيث تحولت إلى كلمات يونانية لا علاقة لها بلغة المسيح ( وقومه .
وبدون الاسترسال فى موضوعات كثيرة اختلفوا فيها وحولها . وتفرقوا حولها شيعا وأحزابا ، أتكلم هنا بالتحديد حول كلمة إنجيل .(1/4)
... ما هو أصل هذه الكلمة ..؟؟
وكيف وصلت إلى اللسان العربى المبين ـ القرآن الكريم ـ منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان ..؟؟
وما هو معناها فى اللسان العربى المبين ..؟؟
وهل تكلم بها المسيح ( بلسانه الآرامى..؟؟
وإن كانت كلمة إنجيل العربية اسما لشئ دعا المسيح ( قومه إلى الإيمان به فما هو ذلك الشئ ..؟؟
إنه بدون شك لن يتغير اسمه بين لغات العالم حيث أنَّ مناط الإيمان والتكليف منعقد به " توبوا وآمنوا بالإنجيل " . فالتوراة توراة فى جميع لغات العالم . والقرآن قرآن فى جميع لغات العالم . خلاف الإنجيل فهو ليس باسم كتاب أصلا عندهم حتى يثبت اسمه بين لغات العالم ، بل ليس باسم شئ مطلوب الإيمان به عندهم خلافا لقول المسيح ( فالإيمان المسيحى إيمان تقاليد وإيمان كنيسة كما يقولون .
فهل نستطيع بعون الله تعالى أن نستخرج من عند القوم نصوصا تثبت أنَّ الإنجيل كان كتابا سماويا فى أصل معناه سواء كان مكتوبا أو مسموعا من فم المسيح ( دعى قومه إلى الإيمان به ..؟؟
إنَّ المسألة صعبة جداً لأنَّ النصوص التى نبحث فيها منها كتب أربعة يسمى كل منها إنجيل . كما أنَّ هناك ذكرا لأكثر من إنجيل فى هذه الأناجيل . أسأل الله سبحانه وتعالى تيسير الأمر وتذليل الصعب .
الإنجيل فى الأصول اليونانية
================
إنَّ الباحث فى الأصول اليونانية لكتابات العهد الجديد سوف يجد ثلاث كلمات يونانية لها ارتباط لغوى وثيق الصلة بكلمة الإنجيل :(1/5)
... 1.. الصيغة الفعلية : أى صيغ الأفعال المنتمية إلى كلمة إنجيل اليونانية من حيث كونها أفعالا مبنية للمجهول ( Passive ( أو أفعالا مبنية للمعلوم ( Active ) أو حتى مجهولة الصيغة معلومة المعنى ) Deponent ) التى تتناول الفترات الزمنية الثلاث الماضى والحاضر والمستقبل . علاوة على صيغ المذكر والمؤنث للمفرد والمثنى والجمع . وكل تلك المعانى والاشتقاقات تشملها الكلمة اليونانية ( (?(((((((( ) وتنطق ( يو ـ أنج ـ جهيل ـ يد ـ زو ) أو ( yoo - ang - ghel - id - zo ) بالإنجليزية .
ومِن أمثلة صيغ الأفعال هذه الموجودة فى النسخ العربية الكلمات : بَشَّر وبُشِّر ويُبَشِّر ويُبَشِّرون ..... إلى آخر صيغ الفعل بَشَّرَ ، حيث تَبَنَّى القوم معنى كلمة الإنجيل بمعنى البشارة . ولا يهمنا هنا دراسة هذه الصيغ الفعلية لعدم الحاجة إليها .
... 2.. الصيغة الاسمية : أى صيغ الأسماء المنتمية إلى كلمة إنجيل اليونانية . وقد عثرت على ثلاث صيغ للكلمة :
كلمة ( (((((((((( ) اليونانية وتنطق يوانجهيليون . وهى التى تكتب فى النسخ العربية إنجيل وفى النسخ الإنجليزية ( Gospel ) .
وكلمة ( (((((((((((((((( ) وتنطق ( بروـ يوانجهيليزوماى ) وهى بمعنى الإنجيل السابق أو الأول .
ثم كلمة ( ((((((((( ) وتنطق ( يوـ انج ـ جهيل ـ بس ) وهى ترد بمعنى إنجيل فى النسخ العربية ، وفىالنسخ الإنجليزية ( Gospel ) مع وجود فرق فى المعنى المراد .
... 3 .. الصيغة اليونانية : ( ( (((((((((((( والتى تنطق هكذا يوانجيليستنس وهى بمعنى القائم على تعليم الإنجيل ، أى مُعَلِمَ الإنجيل .
وسوف تنحصر دراستنا هنا على الصيغة الاسمية للكلمات الدالة على مُسَمَّى إنجيل وخاصة الكلمة يوانجيليون أو يوانجهيليون حسب دقة التصويت والتى تكتب فى اليونانية ( ((((((((( ) .(1/6)
تذكر معظم المراجع المسيحية الإنجليزية الكتابية المتخصصة أنَّ معنى الكلمة ( ((((((((( ) فى اليونانية القديمة هو الهدية أو المكافأة التى تقدم لحامل الخبر السار (present given to one who brought good tidings ) (1) ثم تحول معناها فى اللغة اليونانية المتأخرة ( Later Gr ) إلى الخبر أو النبأ السار ذاته good tiding themselves ) ) . فالبشرى بمولد إمبراطور المستقبل تعد يوانجيليون ، وكذلك خبر إعتلائه العرش يسمى يوانجيليون . وخبر انتصاره فى الحروب يعد يوانجيليون (2) .
جاء فى معجم اللاهوت الكتابى ( الترجمة العربية ) " وفى اللغة اليونانية العامة تعنى كلمة إنجيل ( الخبر السار ) وبخاصة بشرى انتصار . وكان عهد السلام الرومانى وكذلك الأحداث البارزة فى حياة الإمبراطور ( الإله والمخلّص ) تعتبر إنجيلا . أى بشرى سارة " (3) .
وقد تَبَنَّى مسيحيو العالم هذا المعنى وطَبَّقُوه على المسيح ( الإله والمخلّص بدلا من الإمبراطور الرومانى ..!!
فنجد على سبيل المثال فى الترجمة العربية لـ ( معجم اللاهوت الكاثوليكى ) ص 38 : " فى كتابات العهد الجديد المتأخرة ، إنَّ مفهوم الإنجيل يمتد إلى البشارة وتعريف ما حصل فى حياة المسيح وسُمع ورُئِىَ من التلاميذ :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع كل من : The New Unger’s Bible Dictionary page 493
Thayer’s Greek - English Lexicon of the N.T page 257
(2) .. راجع : pictorial Encyclopaedia of the Bible V2 page 779
(3) .. معجم اللاهوت الكتابى الترجمة العربية ص 113
وجود المسيح و خطاباته ، حياته . تصبح هى نفسها محتوى الإنجيل . بهذا المعنى إنَّ الإنجيل هو بصورة مباشرة الخبر الحسن يوجِّهه الله للإنسان " انتهى النقل .
ثم تطور المعنى بعد ذلك لتصبح حادثة بعثة المسيح ( هى الإنجيل :
((1/7)
the christ - event is the gospel ) (1) . ثم ازداد تطور المعنى ليصبح الإنجيل هو شخص المسيح ..!!
جاء فى معجم اللاهوت الكتابى فى شرح نصّ مرقس (1: 15) " حان الوقت واقترب ملكوت الله ، هذا هو جوهر الرسالة ولكن هذه المرة تصبح شخصية الرسول ذاتها مركز الخبر السار . فالخبر السار هو يسوع بنفسه (2) .
قلت جمال : وكل هذه المعانى تبعدنا كثيرا عن أصل وفصل كلمة إنجيل الآرامية الفلسطينية . فالإنجيل كان شيئا موجودا فى عصر المسيح ( قبل حادثة الصلب الشهيرة ، وكان عليه السلام يدعو قومه إلى الإيمان به فيقول لهم " توبوا وآمنوا بالإنجيل " . أى آمنوا بما فيه . بنفس المعنى حين يقول اليهودى لبنى قومه توبوا وآمنوا بالتوراة أو كما يقول المسلم توبوا وآمنوا بالقرآن . ولن نستعجل الأمور فى فرض هذا المعنى البديهى . المهم أنَّ الإنجيل كان شيئا ما مع المسيح ( يدعو قومه للإيمان به .
وتارة نجد المسيح ( يشير إلى الإنجيل بواسطة اسم الإشارة هذا وفى اليونانية ( ((((( ) كما جاء فى إنجيلى ( متى 26 : 13 ؛ مرقس 14 : 9 ) " الحق أقول لكم : إنه حيث ينادى بهذا الإنجيل ... " (3) . نفهم أنَّ الإنجيل كان موجودا مع المسيح ( ويشير إليه باسم الإشارة المذكر هذا . فهو ليس بقصة عن حياة المسيح ( وكلماته وموته وقيامته كما يقولون فكل ذلك لم يكن قد وُجِدَ بعد ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. New Bible Dictionary page 436
(2) .. معجم اللاهوت الكتابى ص 113
(3) .. حسب النسخة العربية الوطنية (فانديك) ، الترجمة العربية الحديثة كتاب الحياة . أما سائر الترجمات العربية
الأخرى فقد استبدلت كلمة الإنجيل المذكرة بكلمة البشارة المؤنثة ..!!
فالإنجيل ليس هو ذات شخص المسيح وإلا كان كلامه عليه السلام هكذا توبوا وآمنوا بى حسب مرقس . أو حسب متى : إنه حيث ينادى بى .(1/8)
جاء فى قاموس الكتاب المقدس طبع دار الثقافة المصرية ص120 :
" إنجيل : من اللفظ اليونانى أونجليون ومعناه خبر طيب ... " . وقد استعمل جستن مارتن الشهيد كلمة إنجيل عن الكتابات التى تتضمن الشهادة الرسولية ليسوع فى عصر مبكر أو فى سنة 150 م تقريبا . والكلمة العربية للإنجيل وهى بشارة . وتشمل هذا المعنى أيضا أى أنها كتاب رسولى يختص بحياة المسيح على الأرض " .
قلت جمال : وهذا المعنى المُغرض ينطبق على الكتابات التى ظهرت من بعد بعثة المسيح ( . ونحن نبحث عن معنى وماهية الإنجيل الذى كان موجودا أبَّان بعثة المسيح وقبل حادثة الصلب . إنَّ الإنجيل الذى كان المسيح يدعو قومه للإيمان به ليس هو بالكتابات الرسولية التى وُجِدَت فيما بعد بعدة عقود من الزمان .
فما هو ذلك الإنجيل وما هى ماهيته ..!؟ وما هى الكلمة الآرامية التى قالها المسيح ( وترجمتها اليونانية هى كلمة يوانجيليون ( (((((((((( ) ..!؟
... الجميع يعلم أنَّ الكلمات تاب وتوبوا ويتوبون لسان آرامى عربى . وكذلك كلمة الإيمان آمنوا . من كلمات اللسان الآرامى العربى . ولكنا نتوقف قليلا أمام كلمة إنجيل ونقول : من أى لسان هذه الكلمة ..؟ وما هو أصلها وفصلها ..؟ هل هى من كلمات اللسان الأنجلوساكسونى كما يزعم المتكلمون باللغة الإنجليزية حين قالوا بأنَّ كلمة ( Gospel ) من العبارة الأنجلوساكسونية ( good spell ) التى تفيد معنى قصة جيدة (good story ) أو حتى أخبار سارة ( good news )..!!؟
... وما هو الدليل على ذلك من أقوال المسيح التى قالها بلسانه الآرامى الوطنى ..!!؟ وكيف كانت الكلمة فى اللسان العربى من قبل ظهور الإسلام ..!؟
فالشام كلُّه كان تحت الاحتلال الرومانى ولكنه كان عربيا لسانا وسلوكا فكانت لسكانه العرب المتنصرين ترجمات عربية للإنجيل ، وكذلك نصارى العرب فى نجران واليمن بجنوب الجزيرة العربية .
فما هى الكلمة العربية التى كانت تعبر عن الإنجيل ..!؟(1/9)
ومن أين جاء بها القرآن الكريم ذو اللسان العربى المبين ..!؟
أفيدونا يا أهل الأفهام ..!؟
... إنَّ القارئ فى التراث العربى الجاهلى يعلم جيدا أنَّ هذه الكلمة الإنجيل كانت مشهورة بين العرب ، حفظتها ذاكرتهم منذ أيام بعثة المسيح ( . ومعناها واشتقاقاتها اللغوية تختلف تماما عن معنى كلمة البشارة . ولكن القوم لا يبحثون عن أصول دينهم فى التراث العربى أبدا ولا يقبلون عن التراث اليونانى بديلا . كما أنهم يزعمون أنَّ المسيح ( لم يكن معه أبَّان بعثته كتابا يدعى إنجيلا ، ولم يترك لهم ( شيئا أصلا يسمى إنجيلا سواء كان كتابا مقروءا أو محفوظا فى الصدور وهذا أمر غريب حقا ..!!
يقول الدكتور القس فهيم عزيز : " .. فحينما يذكر اسم الإنجيل يتجه التفكير مباشرة ، إمَّا إلى أحد الكتب الأربعة متى ومرقس ولوقا ويوحنا ، أو إلى الكتاب الذى نسميه العهد الجديد . لكن هذا المعنى ظهر فى عصر متأخر عن العصر الذى كتب فيه العهد الجديد ، أى منذ أن قال جاستن مارثر : لأنَّ الرسل فى ذكرياتهم التى كتبوها التى تسمى الأناجيل سلمونا ما تسلموه هم أنفسهم . لكن هذا المعنى لم يرد فى كتاب العهد الجديد نفسه فهناك يتضح أنَّ الإنجيل لا يعنى كتاباً بل يعنى عملاً " ( المدخل إلى العهد الجديد ص 77 ) .
... قلت جمال : وسوف أذكر بعون الله تعالى نصوصا من كتابهم المقدس تشير إلى أنه كان هناك إنجيل بمعنى كتاب من قبل بعثة المسيح ( . وأنَّ هناك إنجيل بمعنى كتاب أثناء بعثة المسيح ( . وأنَّ هناك إنجيل لجميع الأمم سوف يوجد من بعد بعثة المسيح ( . إضافة إلى عدة كتابات كتبها أتباع المسيح يسوع من بعده يسمى كل منها إنجيلا .
أنواع الأناجيل فى كتب ورسائل العهد الجديد
=============================
أولا .. الأناجيل الأولى
1 ـ أناجيل إبراهيم
2 ـ إنجيل موسى(1/10)
هناك موضعان فى أسفار العهد الجديد يشيران إلى كتابين إلهيين أحدهما كان لإبراهيم الخليل ( . وثانيهما كان لبنى إسرائيل أطلق على كل منهما اسم إنجيل .
... 1 .. النصّ الأول ورد فى رسالة بولس غلاطية ( 3 : 8 حسب ما جاء فى النسخة الإنجليزية القياسية المنقحة ( RSV) :
" And the scripture , foreseeing that God would justify the Gentiles by faith , preached the Gospel beforehand to Abraham saying “ In you shall all the nation be blessed ”. "
وترجمة النصّ كالآتى " والكتاب رأى مسبقا أنَّ الرب سوف يُزَكِّى الأمميين بالإيمان فَأَعْلَمَ إبراهيم الإنجيل الأول قائلا : فيك ستتبارك جميع الأمم " .
وفى الأصل اليونانى طبقا لنسخة ( IGENT ) نجد أنَّ التعبير اليونانى عن عبارة الإنجيل الأول هو ( ??? ????????????) (1) . وفى الأصل اليونانى طبقا لقاموس ( Thayer’s Greek - English Lexicon ) نجد أنَّ العبارة هى ( ((((((((((((((((( ) (2) . والفارق بينهما فى الإعراب والجمع والإفراد . فعبارة نسخة IGENT ) ) صيغة المفرد أى الإنجيل الأول والعبارة الثانية الأناجيل الأولى ، لا حظ علامة الجمع اليونانية ( ?? ) فى آخر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. Inter linear Greek - English New Testament page 495
(2) .. Thayer's Greek - English Lexicon of the N.T page 539
ومثله فى القاموس اليونانى لنسخة . Key study Bible ( NASB )
الكلمة . وكلمة الإنجيل هنا تشير إلى كتاب إلهى كان مع أبى الأنبياء إبراهيم الخليل ( ولك أن تقول عنه إنجيل إبراهيم أو أناجيل إبراهيم أو كتاب إبراهيم أو كتب إبراهيم .
... وفى اللسان العربى المبين أى القرآن الكريم جاء النصّ على أنه كانت هناك صحف إبراهيم الأولى بصيغة الجمع ( ((((((((((((((((( ) ( آية 19 / الأعلى ) .(1/11)
ولا مانع أن يكون فى هذه الأناجيل الأولى بشارة أو بشارات تخص الأميّين وليس الأممين . والمسيح ( لم يرسل إلاَّ إلى الخراف الضالة من بنى إسرائيل . وبالجمع بين القرآن وبين الأصول اليونانية نعلم أنه كانت هناك أناجيل أولى مع إبراهيم ( أى صُحِف إبراهيم الأولى حسب التعبير القرآنى . وبغض النظر عن وجوه الخلاف فى معنى النصّ إلا أنهم قد وافقوا على اعتبار مجرد البشارة السابقة إنجيلا أولا أو إنجيلا سابقا لإنجيل الخلاص الذى تقول به الكنيسة . والبشارة هنا عبارة عن نصّ مدون فى كتاب أطلقوا عليه اسم إنجيل . وقد سجَّلت النسخ الإنجليزية ( RSV ; NEB ; PME ; NIV ; KJV ) كلمة إنجيل فى ذلك النصّ .
والعجب العجاب من مترجمى النسخ العربية أنهم قد حذفوا تماما كلمة إنجيل ( Gospel ) من نصّ غلاطية (3 : 8 ) وجاءوا بفقرة مبتورة حيث جعلوا الاسم إنجيل فعلا هكذا " والكتاب إذ سبق فرأى أنَّ الله بالإيمان يبرر الأمم سبق فبشر إبراهيم أنَّ فيك تتبارك جميع الأمم " . فاختصروا العبارة ( preached the Gospel beforhand ) الإنجليزية إلى كلمة واحدة هى فَبَشَّرَ ..!!
والإشارة الوحيدة التى عثرت عليها فى الترجمات والشروح العربية للنصّ هى التى ذكرها الدكتور وليم إدى فى تفسيره ( الكنز الجليل جـ 7 شرح غلاطية ص 39 ) حيث اعترف بكون الوعد لإبراهيم ( يعتبر إنجيلا سابقا وخلاف ذلك تختفى كلمة الإنجيل فى النصّ العربى عند الجميع ..!!
... 2 .. النصّ الثانى : ورد فى الرسالة إلى العبرانيين ( 4 : 2 , 6 ) حيث يخاطب كاتب الرسالة اليهود المتنصرين الذين دخلوا الديانة المسيحية بقصد تثبيتهم فى الإيمان المسيحى . ومنعا من ارتدادهم إلى اليهودية مع أنها ديانة المسيح ( .!!
وسوف أذكر النصّ طبقا لما جاء فى نسخة ( NIV ) الإنجليزية :(1/12)
For we also have had the gospel preached to us , just as they did but the message they heard was of no value to them , because those who heard did not combine it with faith (4: 2) .
... It still remains that some will enter that rest , and those who formerly had the gospel preached to them did not go in , because of their disobedience (4: 6) .
وترجمة النصّ هكذا : لأننا نحن قد جاءتنا دعوة الإنجيل تماما كما جاءتهم ـ أى اليهود ـ ولكن الرسالة التى سمعوها لم تكن لها قيمة عندهم ، لأنَّ الذين سمعوا بها لم يمزجوها بإيمانهم ( 4 : 2 ) . ولا يزال هناك بقية سوف يدخلون الراحة ـ أى الجنة ـ أولئك الذين جاءتهم دعوة الإنجيل لم يدخلوها بسبب عصيانهم ( 4 :6 ) .
فهناك إذاً إنجيلان : إنجيل سابق كان لبنى إسرائيل وهو التوراة أو العهد القديم ، وإنجيل لاحق كان لبنى إسرائيل أيضا ولكن مع المسيح ( . فمن آمن وأطاع الإنجيل فسوف يدخل راحة الرب أى الجنة ومن أبى وعصى الإنجيل فلن يدخلها أبدا . تأملوا جيدا فى العبارتين الآتيتين ثم ابحثوا عنهما فى الترجمات العربية : ( the gospel preached to us )
و ( the gospel preached to them )
لن تجدوا شيئا سوى كلمتى بُشِّرنَا و بُشِّرُوا ..!!
وقد أُثبتت كلمة الإنجيل فى النسخ ( KJV ; INV ; PME ) واستبدلت إلى ( Good News ) فى النسخ (RSV ; NEB ; TEV ; JB ; NASB ) . مع أنَّ الأصل اليونانى IGENT )) نجد فيه الكلمتين :
( ?????????????? و ???????????????) الأولى من اليسار إنجيل النصارى ، والثانية إنجيل بنى إسرائيل . وهما من مشتقات صيغة الأفعال السابق الإشارة إليها فى أول الكلام . وهذا دليل بَيِّن على إطلاق اسم إنجيل على كتاب اليهود المعروف باسم التوراة أو العهد القديم مجازا .(1/13)
وهناك موافقة صريحة على ما ذكرته ، وجدتها فى كتاب معجم اللاهوت الكاثوليكى ص 38 من الترجمة العربية تحت عنوان الإنجيل الأول فى نصّ سفر التكوين ( 3 : 15 ) من العهد القديم : " لأنه حسب التفسير التقليدى فى الكنيسة يحتوى ( فى ملء المعنى : معنى الكتاب ) فى بدء تاريخ البشرية بعد الطرد ... " .
ثانيا .. إنجيل المسيح (
الإنجيل فى أثناء بعثة المسيح ( وقبل حادثة الصلب
علمنا مما سبق أنَّ هناك ذكرا لكلمة إنجيل فى كل من العهدين القديم والجديد وكانت بمعنى نصوص كتابية . وهنا أيضا سنتعرف على كلمة إنجيل منصوص عليها فى كتب ورسائل العهد الجديد ، ولن نتعرف عليها جيدا إلا إذا فتحنا عيوننا وقلوبنا لتقبل الحقائق البديهية عملا بوصية المسيح ( ( متى 7 : 5 ) " أخرج أولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا " . ولنطرح المعنى الذى زرعته الكنيسة فى أعين أتباعها من أنَّ الإنجيل هو الأخبار السعيدة أو أنه هو المسيح ذاته ثم ليكن ما يكون المعنى المراد من كلمة الإنجيل تبعا لما جاء بشأنه على لسان المسيح ( .
... 1 .. جاء فى إنجيل مرقس ( 1: 14،15) طبقا لنسخة ( RSV ) القياسية :
“ Now after John was arrested , Jesus came into Galilee preaching the gospel of God , and saying : The time is fulfilled and the kingdom of God is at hand , repent , and believe in the gospel . ”
وترجمته : " الآن وبعد اعتقال يحيى ـ المعمدان ـ جاء عيسى إلى الجليل يعلم إنجيل الرب ويقول : لقد كمل الزمان واقترب ملكوت الرب . توبوا وآمنوا بالإنجيل " .
وهذا النصّ الذى قاله المسيح ( نجد فيه ذكرا للإنجيل مرتين . المرة الأولى يقوم فيها المسيح بتعليم الناس إنجيل الرب . وفى المرة الثانية يطلب منهم المسيح ( الإيمان بالإنجيل. وبالرجوع إلى النصّ اليونانى بنسخة ( IGENT ) نجد أنَّ هناك فرقا بين الإنجيلين يلاحظه المدقق فى الرسم الإملائى اليونانى .(1/14)
فكلمة إنجيل الأولى الواردة فى ( 1: 14 ) كتبت فى الأصل اليونانى هكذا ( ????????? ) . وكلمة إنجيل الثانية الواردة فى ( 1 : 15 ) نجدها كتبت هكذا ( ????????? ) مع ملاحظة اختلاف أداة التعريف لكل منهما ( (( ) و ((( ) .
وباختصار شديد وبعد تتبع مواضع الكلمتين وجدت الآتى : أنَّ الإنجيل الذى كان المسيح ( يقوم بتعليمه إلى قومه هو ( ?? ????????? ) حسب الرسم اليونانى وهو عبارة عن الناموس بكامله ، أى توراة موسى بكاملها إضافة إلى ما أوتيه المسيح ( من ربه . هذا هو إنجيل الرب تصديقا لقول المسيح( ( متى 5 : 17 ، 18 ) : " لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء . ما جئت لأنقض بل لأكمل . فإنى الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل " . ولزم تلاميذ المسيح تعاليم الناموس ( ?? ????????? ) بكاملها وأقاموها على أنفسهم وَعُرِفُوا عند المسيحيين باسم النصارى أصحاب كنيسة الختان .
وأنَّ الإنجيل الذى كان المسيح ( يطالبهم بالإيمان به . هو الذى كُتِبَ فى النصّ اليونانى هكذا ( ?? ????????? ) (1) منسوبا إلى المسيح . وإذا ذهبنا نتعرف عليه فى مواضعه سوف نجده دائما وأبدا منسوبا إلى المسيح ( أو مشارا إليه بأنه الإنجيل الواجب طاعته . مثل إنجيل الابن وإنجيل المسيح والإنجيل المطلوب طاعته وإنجيل ربنا يسوع المسيح وإنجيل الرب ... وهكذا .
وهذا الإنجيل يختلف تماما عن باقى الأناجيل التى ظهرت من بعد بعثة المسيح مثل إنجيل بولس والإنجيل الآخر و.. و... الخ . والتى سوف أتكلم عنها فيما بعد . ومِن الأمور العجيبة أن يُذكر هذا الإنجيل بعدد ( 12 ) مرة فى الأصول اليونانية (1) ، وذكر القرآن الكريم كلمة الإنجيل ( 12 ) مرة أيضا ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
((1/15)
1) .. ورد هذا الإنجيل فى الأصول اليونانية اثنى عشر مرة ( بعدد أسباط بنى إسرائيل ) ومواقعها كالآتى :
مرقص ( 1 : 15) ورومية ( 1 : 9 ؛ 10 : 16 ) و 1 كو ( 9 : 12، 18 ) و2 كو ( 8 : 18 ؛
10 : 14 ) و فيلبى ( 4 : 3 ) و1 تسالوكى ( 3 : 2 ) و2 تسالوكى ( 1 : 8 ) و 2 تيماوس ( 1 : 8 )
و 1 بطرس ( 4 : 17 ) .
وهناك نقطة هامة يجب ملاحظتها عند ذكر كلمة الرب . فالرب دائما ليس هو الإله المعبود فى جميع أحواله ، فالرب إن جاء على لسان المسيح ( فهو رب المسيح والناس أجمعين وإله المسيح والناس أجمعين . والرب إن جاء على لسان كتبة الأسفار المسيحية هو المسيح ذاته عندهم ..!! فقول المسيح( إنجيل الرب غير قول بعضهم إنجيل الرب فى معظم الأحيان إلا عند وجود قرينة تفيد غير ذلك .
ونرجع إلى نصّ إنجيل مرقس ( 1: 14 ، 15) لأسجل خلاصة الأمر وهو وجود إنجيل الرب الذى قام المسيح ( بتعليمه إلى الناس ووجود إنجيل ثان مع المسيح ( دعى الناس إلى الإيمان به . ولاحظ كلمة ( believe ) الإنجليزية التى تفيد الاعتقاد وهى أشد من كلمة الإيمان .
( believe in the gospel ) و ( believe in his name )
عبارتان هامتان فى النصوص المسيحية . الإيمان العقدى فى إنجيل المسيح . والإيمان العقدى فى اسم المسيح عيسى ابن مريم ( . والغريب فى الأمر أن القوم قد فقدوا الاثنين . فقدوا إنجيل المسيح بقولهم هو بشارة الخلاص . وفقدوا اسم المسيح بقولهم هو يسوع أو جيسس .
... وإذا حاولنا تتبع المعانى فى الترجمات العربية فلن نجد شيئا . والقارئ العادى بل المثقف من إخواننا فى المواطنة من المسيحيين لا يعلم شيئا فهو مسكين دائما . فقد تم حذف الكلمتين المعبرتين عن الإنجيل فى نصّ إنجيل مرقس فى نسخة الآباء اليسوعيين ط (1991) ليصبح النصّ هكذا " وبعد اعتقال يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يعلن بشارة الله ، فيقول : حان الوقت واقترب ملكوت الله ، فتوبوا وآمنوا بالبشارة " ..!!(1/16)
وتم حذف إحدى الكلمتين فقط فى نسخة الكاثوليك العربية ط (1993) ليصير النصّ هكذا " وبعد اعتقال يوحنا . جاء يسوع إلى الجليل يعلن بشارة الله فيقول : تم الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل " ..!! ومثله فى نسخة البروتستانت العربية ( فانديك ط 1977 ) .
إلاَّ أن نسخة البروتستانت المصرية ( كتاب الحياة ط 1988) هى الوحيدة التى حفظت لنا الكلمتين فى نصها هكذا : " وبعد ما ألقى القبض على يوحنا . انطلق يسوع إلى منطقة الجليل يُبَشِّر بإنجيل الله قائلا : قد اكتمل الزمان واقترب ملكوت الله ، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل " .
وتجاهل الجميع كلمة ( preaching ) التى تفيد معنى التعليم بواسطة الإلقاء الشفهى فقول مرقس فى إنجيله ( preaching the gospel of God ) ليس معناه أنَّ المسيح أعلن إنجيل الرب أو بَشَّر بإنجيل الرب ، وإنما معناه القطعى أنَّ المسيح أخذ يُعَلم الناس إنجيل الرب .
... وبغض النظر عن كل ما سبق فإنه يُفْهَمُ صراحة من النصّ أنَّ هناك تعاليم إلهية كان المسيح يقوم بتعليمها لبنى قومه وهذه التعاليم الإلهية عُبِّرَ عنها هنا بكلمة إنجيل . وسواء كانت هذه التعاليم مسجلة على أوراق أو محفوظة فى الصدور فهى أيضا إنجيل . ومن قال بأنها بشارة وأخبار سعيدة فعليه بالبرهان من كلام المسيح نفسه وليس من كلام الكنيسة . وسوف تمر علينا فى أثناء بحثنا هذا ( تعاليم تخالف تعاليم الكنيسة ) أطلقوا عليها أيضا اسم إنجيل . فهى بدون شك ليست بأخبار سعيدة لهم ..!!
جاء فى إنجيل يوحنا ( 17 : 8 ، 14 ) قول المسيح ( وهو يخاطب ربه : " الكلام الذى أعطيتنى قد أعطيتهم .. " و " .. أنا قد أعطيتهم كلامك " .
وهذا الكلام .. هو كلام الله الذى أعطاه الله للمسيح ( .
وهذا الكلام .. هو الإنجيل الذى أعطاه الله للمسيح ( .
وهذا الكلام .. قد أعطاه المسيح ( لقومه " قد أعطيتهم " .(1/17)
... وقبل أن ننتقل إلى نصّ آخر أهمس فى أذن القارئ بأنَّ كلمة إنجيل اليونانية فى صيغتها الاسمية ( ????????? ) لم يتعرف عليها صاحب إنجيل لوقا ولا صاحب إنجيل يوحنا حيث لم ترد فى إنجيليهما معاً وهذا أمر يدعو إلى الدهشة ..!! . كما أنَّ الكلمة اليونانية ( ?? ????????? ) المعبرة عن إنجيل المسيح لم يتعرف عليها أصحاب الأناجيل الثلاثة متى ولوقا ويوحنا ..!!
ولم ترد فى إنجيل مرقس إلا مرة واحدة فى ( 1 : 15 ) فقط . ولكن بولس تعرف عليها فى رسائله وأيضا بطرس فى رسالته الأولى .
... 2 .. جاء فى إنجيل مرقس (14: 9) وإنجيل متى (26 : 13) :
أنَّ امرأة جاءت إلى المسيح وهو مع تلامذته فى بيت سِمْعَان الأبرص فسكبت عليه قارورة عطر . فتذمر التلاميذ من هذا الإسراف فقال لهم المسيح طبقا لنسخة البروتستانت العربية ( فانديك ط 1977) ما نصّه " الحق أقول لكم حيثما يكرز بهذا الإنجيل فى كل العالم يخبر أيضا بما فعلته هذه تذكارا لها " .
وهنا نجد المسيح عليه السلام قد استخدم اسم الإشارة المذكر هذا وهو يشير إلى الإنجيل الذى معه . فإذا قال المسيح( هذا الإنجيل فالإنجيل حتما اسم مذكر فهو ليس بالبشارة المؤنثة التى يقولون بها . وأنَّ الإنجيل هنا ليس شخص المسيح عند العقلاء ..!!
وكلمة يكرز آرامية ، معناها فى الإنجليزية ( preached ) أى وَعَظَ من الوعظ ، وكلمة إنجيل هنا فى الأصل اليونانى نجدها ( ????????? ) . وقطعا هناك فرق بين الواعظ والموعظة فهما ليسا شيئا واحدا ..!!
فكلمة ( preached ) غير كلمة ( preacher ) . وسبق أن علمنا أنَّ المسيح ( كان واعظا ومعلما للإنجيل أى ( preacher ) . فلن يكون هو الموعظة ذاتها التى يُعَلمُهَا للناس ولكنه كان قدوة يُقتدى بها .. !!(1/18)
فالموعظة هى الـ ( كاروزوتا ) فى اللغة السريانية المولدة من اليونانية والآرامية . وتطلق فى السريانية على كتب متى ومرقس ولوقا ويوحنا أى مواعظ كل من متى ومرقس ولوقا ويوحنا . فالأناجيل التى كتبت من بعد المسيح ( تسمى مواعظ ( كاروزوتا ) ، وهى غير شخص المسيح ( .
والقوم جميعا يقولون بأنَّ الإنجيل هو البشارة وأنَّ البشارة هى كل ما جاء عن المسيح : حياته ، آلامه ، صلبه ، موته ، قيامته ، ... الخ . بل قال المعاصرون منهم أنَّ البشارة هى ذات المسيح ..!! ولكن هذا النصّ يهدم مفاهيمهم الخاطئة عن الإنجيل ولهذا نجد أنَّ الترجمات العربية الحديثة حذفت اسم الإشارة من هذا النصّ بل حذف بعضهم أيضا كلمة الإنجيل وأتوا بدلا منها بكلمة البشارة ..!!
... 3 .. وجاء فى إنجيل مرقس (10 : 28ـ31 ) النصّ الآتى من نسخة كتاب الحياة المصرية ( ط 1988) " فأخذ بطرس يقول له : ها نحن قد تركنا كل شئ وتبعناك ............... فأجاب يسوع : الحق أقول لكم ما من أحد ترك لأجلى ولأجل الإنجيل ـ إنجيلى ـ (1) بيتا أو أخوة أو أخوات أو أما أو أبا أو أولادا أو حقولا . إلاَّ وينال مئة ضعف الآن فى هذا الزمان وفى الزمان الآتى الحياة الأبدية . ولكن أولون كثيرون يصيرون آخرين والآخرون يصيرون أولين " .
وفى ذلك النصّ ثلاثة أمور :
الأمر الأول : هو قول المسيح( لأجلى ولأجل إنجيلى ففرق ( بين نفسه وبين إنجيله ( For my sake and the gospel’s ) فهما شيئان مختلفان ، والمسيح ( كان مُبَشِّراً ( proclaimer ) وإنجيله ( هو المُبَشَّرُ به ( proclaimed ) . ولكنهم قالوا باتحاد الاثنين . بمعنى أنَّ المُبَشِّرُ هو فى ذات الوقت المُبَشَّرُ به ..!! فكيف يفصل بينهما المسيح ( ..!؟(1/19)
وكيف أصبح المبشِّر ـ بكسر الشين المشددة ـ بإنجيل الرب هو المبشَّر ـ بفتح الشين المشددة ـ به عند اللاهوتيين ..!؟ إنه سؤال تصعب الإجابة عليه إلا عند المتسرعين الذين لا تزال الخشبة فى أعينهم فلا يرون جيدا ..!!
الأمر الثانى : هو قول المسيح ( لكل من ترك شهوات الدنيا وزينتها وتبعه وتبع إنجيله " ينال مائة ضعف الآن وفى هذا الزمان " . وهذا النصّ يفيد بأنَّ إنجيل المسيح كان موجودا فى زمان بعثة المسيح ( . فالإنجيل إذا كتاب إلهى سواء كان مكتوبا أو محفوظا فى الصدور مع المسيح ( فمن اتبع المسيح ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. وفى بعض النسخ الإنجليزية مثل ( NASB , KJV , PME ) ترد الكلمة إنجيلى منسوبة إلى المسيح .
وهى كذلك فى الأصول اليونانية حسب القاموس المتخصص جدا المعروف بـ
Strong’s Exhaustive concordance page 417 No 2098
وعمل بذلك الإنجيل فله من الله ذلك الثواب العظيم فى حينه ـ الآن ـ وله فى الآخرة الحياة الأبدية .
وتوقيت النصّ بكلمة الآن يعنى أنَّ الإيمان الصحيح بدعوة المسيح وإنجيله كان قبل حادثة الصلب التى لم تكن قد حدثت بعد . وأنَّ الذين آمنوا بالمسيح واتبعوه واتبعوا النور الذى معه ـ الإنجيل ـ قد جازاهم الله مائة ضعف ثوابا من عند الله .
ومن المعلوم صراحة وبإجماع علماء المسيحية قاطبة ، قدماء ومعاصرين ، أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت ومن انشق منهم من طوائف مختلفة . نجدهم يقولون جميعا بأنَّ تلاميذ المسيح ( آمنوا به واتبعوه وهم لم يتعَرَّفُوا عليه كإله أو ابن إله . ولم يخطر على بالهم عقيدة التثليث والخطيئة الأولى فى ذلك الزمان .
فى ذلك الزمان المقيد بكلمة الآن التى قالها المسيح ( آمن التلاميذ وأخذوا أجرهم ومن تبعهم مائة ضعف ، ولم تكن حادثة الصلب قد جاءت بعد . ولن يفهم هذا النصّ فهما صحيحا إلاَّ بعيدا عن الصلب والصليب .(1/20)
الأمر الثالث : هو قول المسيح ( لتلاميذه " ولكن أولين كثيرين يصيرون آخرين والآخرون يصيرون أولين " . فيه أنَّ الأولين والآخرين هم جميعا مؤمنون بالمسيح وإنجيله . وقد سبق شرح هذه العبارة فى كتابى ( نبىّ أرض الجنوب ) والمسيحيون المعاصرون جميعا لا يوجد فيهم من يؤمن بأنَّ هناك إنجيلا كان مع المسيح ( مطلوباً الإيمان به . وتلك قضية خطيرة جدا ولكن القوم عن الحق والحقيقة غافلون . فقد وضع لهم بولس الخشبة فى أعينهم وأخرج لهم إنجيل النعمة وإنجيل الخلاص الذى يدخلهم إلى الراحة بدون تعب ولا عمل ..!!
والمسلمون جميعا لا يشذ عنهم شاذ يؤمنون بالمسيح ( وبإنجيله الذى كان معه . فهم الآخرون إيمانا ، الأولون دخولا إلى جنة الله ورضوانه .
ثالثا .. الإنجيل الخالد
( الإنجيل السرمدى المحفوظ )
( إنجيل الملكوت )
( القرآن الكريم )
نجد ذكر ذلك الإنجيل فى مرقس ( 13: 10 ) ومتى (24 : 14 ) . وهذا الإنجيل حسب كلام المسيح ( المسجل عند القوم سوف يظهر إلى العالم فيما بعد عصر المسيح ( . ويكون من نصيب من يصبرون من أتباع المسيح ( على الفتن وعدم اتباعهم لكثير من الأنبياء الكذبة الذين سيظهرون تحت ستار دعوة المسيح ( ويتكلمون باسمه . إنه إنجيل لجميع الشعوب والأمم ، إنجيل آخر الزمان ، إنجيل عام شامل لجميع الناس . وسوف أذكر النصّين الإنجيليين من النسخ الإنجليزية لأنها أقرب فى معناها من الأصول اليونانية ، خلاف الترجمات العربية المغرضة .
أولا : نصّ إنجيل مرقس ( 13 :10 ) كما فى النسختين الإنجليزيتين ( PME , NEB ) :
“ But (For) before the end the Gospel must be proclaimed to all nations ”(1/21)
والمعنى كالآتى : ولكن قبل النهاية سوف يُعْلَن ـ ينادى ـ بالإنجيل لجميع الأمم . والكلمة اليونانية المعبر بها عن الإنجيل هنا هى ( ????????? ) وهى التى تكتب فى الترجمات الإنجليزية جوسبل (Gospel ) . وقد أثبتت هذه الكلمة النسخ ( KJV , RSV , PME , TEV , NIV , NEB , NASB ) ، وتم استبدالها فى النسخ (LB , JB ) بعبارة Good News ) ) .
... أمَّا عن الترجمات العربية الحديثة فقد حذفت الكلمة من نسخة الآباء اليسوعيين ( ط 1991 ) وكذلك فعلت نسخة الكاثوليك ( ط 1994 ) . وتم إثباتها فى نسختى فانديك ( ط 1977 ) وكتاب الحياة ( ط 1988 ) . وسوف أتكلم على شرح النصّ بعد استكمال ذكر نصّ إنجيل متى التالى .
ثانيا : نصّ إنجيل متى ( 24 : 14 ) كما جاء فى نسخة ( RSV ) :
“ And this gospel of the kingdom will be preached throughout the whole world , as a testimony to all nations , and then the end will come .”
والمعنى كالآتى : وإنجيل الملكوت هذا سوف يُدَرَّس فى جميع أنحاء العالم كَبَيِّنَة لجميع الأمم . ثم تأتى بعد ذلك النهاية .
وهنا نجد أيضا نفس الكلمة اليونانية ( ????????? ) التى تترجم إلى كلمة إنجيل العربية أو جوسبل ( Gospel ) بالإنجليزية . وقد تم إثبات هذه الكلمة فى النسخ الإنجليزية ( KJV , NIV , RSV , NEB , NASB ) . وتم حذفها واستبدالها بعبارة ( Good News ) فى النسخ الإنجليزية ( LB , TEV , PME , JB ) .
... أمَّا عن النسخ العربية المعاصرة . فقد تم حذف كلمة إنجيل من النصّ فى جميع الترجمات العربية واستبدلت بعبارة بشارة الملكوت ..!!
والسبب واضح جدا عند الباحث فى النصوص الإنجيلية . فهذا الإنجيل المشار إليه فى النصّ والذى سوف ينادى به فى جميع أنحاء العالم يختلف تماما عن إنجيل الخلاص المسيحى ..!!(1/22)
إضافة إلى أنَّ ذلك الإنجيل لم يكن موجودا فى عصر المسيح ( وإنما سيأتى من بعد ذلك . وهذا الإنجيل سوف يُدَرَّسُ ( preached ) فى جميع أنحاء العالم على أنه كتاب . وصيغة الإفراد اليونانية ( ????????? ) تدل على أنه إنجيل واحد وليس أربعة أناجيل بصيغة الجمع المعبر عنها فى اليونانية بالكلمة ( ????????? ) .
جاء فى قاموس كلمات الكتاب المقدس ( Expository Dictionary ) عن هذا الإنجيل المذكور فى نصّ إنجيل متى (24 : 14 ) ما نصّه :
... “ it is clear from the context that this preaching is not of the christian gospel of salvation but is the announcement to all that Jesus is again about to appear on earth .”
ومعناه : إنه واضح من محتوى هذا التعليم إنجيل الملكوت أنه غير تعليم إنجيل الخلاص المسيحى ، ولكن إعلانه للعالم أجمع يشير إلى المجئ الثانى لعيسى إلى الأرض (1) .
قلت جمال : وهو كلام فيه حق وباطل ، ويحتاج إلى إيضاح وتوضيح . فليس كل ما هو مكتوب بصحيح . لتدخل أقلام المغرضين والجاهلين من النساخ وعدم دقة الترجمات وفقدان لغة المسيح ( الآرامية . فإذا قرأنا من بداية الإصحاح الرابع والعشرين من إنجيل متى سوف نجد أنَّ المسيح ( بعد مغادرته أبنية بيت المقدس مع تلامذته أخبرهم بأخبار غيبية ستحدث فى المستقبل منها : تدمير هيكل بيت المقدس وإنباؤه ( بما سيحدث لأتباعه من بعده من حوادث ، فقال لهم ناصحا ومحذرا " انظروا لا يضلكم أحد . فإنَّ كثيرين سيأتون باسمى قائلين أنا هو المسيح ويضلون كثيرا . وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب . انظروا لا ترتاعوا . لأنه لابد أن تكون هذه كلها . ولكن ليس المنتهى بعد . لأنه تقوم أمَّة على أمَّة ومملكة على مملكة وتكون مجاعات وأوبئة ......... ويقوم أنبياء كذبة كثيرون (2) ويضلون كثيرين . ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين . ولكن الذى يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص " .(1/23)
ثم يأتى عقب ذلك النصّ المعنى بالدراسة .
والعلامات التى ذكرها المسيح ( قبل ظهور هذا الإنجيل الأخير قد تحققت . فتم تدمير هيكل بيت المقدس سنة 70 ميلادية على أيدى الرومان ولم تقم له قائمة . وتاريخ المسيحية فى قرونها الأولى يشهد بظهور أدعياء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. 379 Zondervan Expository Dictionary of Bible words . page
(2) .. وهؤلاء الأنبياء الكذبة كانوا من المسيحيين ليس فيهم يهودى ولا مسلم .
المسيحانية والأنبياء الكذبة الذين حرَّفُوا تعاليم المسيح وابتعدوا عنها وكثر اضطهاد الرومان لأتباع ديانة المسيح ( .
... وواضح من النصّ أنَّ أتباع ديانة المسيح ( سوف يعيشون فى ظل القمع والاضطهاد . ولكثرة الإثم فى العالم سوف تبرد محبة الكثيرين ولكن الذى يصبر ويتحمل فهو الفائز الذى يستحق الخلاص . عند ذلك سوف يظهر إنجيل الملكوت ليعمل به جميع شعوب الأرض . ويعتبر ظهور إنجيل الملكوت هذا شهادة على صدق كلام المسيح ( .
وهذا الإنجيل هو الذى يرد اسمه فى بعض الترجمات الإنجليزية لسفر الرؤيا (14 : 6 ) بمعنى الإنجيل الأبدى ـ المحفوظ من التبديل والتغيير . وهذه هى العبارات الإنجليزية المعبرة عنه ( The everlasting Gospel ) (1) . وبمعنى الإنجيل الخالد أو السرمدى ( The eternal Gospel ) (2) . وبمعنى إنجيل الرسالة الخالدة ( ( An eternal message of G.N (3) .
والغريب فى الأمر أنَّ هذا الإنجيل الخالد المحفوظ من التبديل والتغيير إنجيل الرسالة الخالدة لم يكن أبدا فى عهد المسيح ولا فى عهد أتباعه من بعده بشهادة جميع علماء المسيحية ولم يقم أحد من الخلق بكتابته . لأنه كما هو منصوص عليه فى سفر الرؤيا سيهبط به ملاك من السماء ..!!(1/24)
وتلك هى صفات كتاب الله المحفوظ . القرآن الكريم . وفى خضم تلك المعلومات التى يندهش منها إخواننا فى المواطنة ، لا ننسى شهادة علمائهم بأنَّ ذلك الإنجيل ـ إنجيل الملكوت ـ يختلف تماما عن إنجيل الخلاص المسيحى فنصيحة لهم ألا يتسرعوا بالدفاع والتلفيق ..!!
وإذا رجعنا إلى النصّ اليونانى لنتعرف على الكلمات اليونانية الدالة على ذلك الإنجيل نجدها حسب سفر الرؤيا ( ????????? ??????? ) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. كما ورد فى نسخة الملك جيمس الشهيرة ، وأيضا نسخة فيلبس الإنجليزية الحديثة ( PME ) .
(2) .. كما ورد فى النسخة الدولية الجديدة (NIV) ونسخة الكتاب المقدس الإنجليزى الجديدة ( NEB ) .
(3) .. كما ورد فى نسخة Today’s English Version (TEB)
بمعنى الإنجيل الخالد وفى إنجيل متى (????????? ??? ????????? ) بمعنى إنجيل الملكوت . ونلاحظ أنَّ كلمة إنجيل مذكورة فى النصّين بنفس اللفظة اليونانية . المهم أنَّ ذلك الإنجيل الخالد المحفوظ الذى سينزل به ملاك من السماء سوف يكون بيد نبىّ آخر الزمان الوارد ذكره فى مخطوطات البحر الميت المكتشفة حديثا . وقد سبق ذكر توقع ظهور ذلك النبىّ ( فى كتابى : المسيح هارونى أم داودى ..!؟ ) المعبر عنه فى كتابات علماء المسيحية الغربيين تحت عبارة ( The end day prophet ) . وأنَّ اليهود الأسينيين كانوا يتوقعون ظهوره من بعد ظهور أحد المسيحين الرِّبِى أو الملكى . ولا داعى للاستفاضة فى ذكر ذلك هنا . حيث أنَّ الغرض من هذا البحث هو إثبات أن كلمة الإنجيل تشير إلى كتاب وليس إلى شخص كيسوع أو بشارة بشخص .
استدراك وتوضيح :
قد يلتبس الأمر على القارئ المدقق الباحث عن إنجيل الملكوت وذلك لورود نصَّين فى إنجيل متى يفيدان بأنَّ المسيح ( كان يقوم بنشر وتعليم إنجيل الملكوت بين قومه من بنى إسرائيل . فأقول ومن الله التوفيق والسداد : ـ(1/25)
... إنَّ النصَّين المشار إليهما يتكلمان عن الكتاب الذى آمن به بنو إسرائيل إضافة إلى ما أوتيه المسيح ( من ربه . أى الناموس التوراتى مضافا إليه إنجيل المسيح . وقضية تعليمه ( للناموس التوراتى . داخل وخارج المجامع اليهودية ثابتة فى نصوص الأناجيل الأربعة . أمَّا عن تعليمه ( للإنجيل ( ?? ????????? ) ومطالبتهم بالإيمان به فثابت فى إنجيل مرقس فقط كما سبق بيان ذلك .
فإنجيل الملكوت الوارد فى متى ( 4 : 23 ، 9 : 35 ) يختلف تماما عن إنجيل الملكوت السابق الكلام عنه فى متى ( 24 : 14 ) . فالأول كان فى زمن المسيح ( والثانى سيكون فى آخر الزمان مع نبىّ آخر الزمان ( .
وتسهيلا للمقارنة على القارئ أذكر النصين كما وردا فى النسخة القياسية المنقحة ( RSV ) :
... And he went about all Galilee , teaching in their synagogues and preaching the gospel of the kingdom and healing every disease and every infirmity among the people . ( 4 : 23)
... And Jesus went about all the cities and villages , teaching in their synagogues and preaching the gospel of kingdom , and healing every disease and every infirmity . ( 9 : 35)
والنصّان متشابهان جدا لأنهما تكرار لحادثة واحدة . والمعنى العام كالآتى :
" وكان عيسى يطوف بأرجاء منطقة الجليل مُدُناً وقرى يُعَلِّم ( teaching ) ويَعِظُ ( preaching ) فى مجامع اليهود بإنجيل الملكوت ويشفى الناس من كل مرض وداء " .
ونلاحظ هنا أنَّ إنجيل الملكوت يحتوى على علم وعلى موعظة وكلاهما لا ينطبق عليه عبارة بشارة التى يقولون بها . ومعظم العلم فى الناموس أى التوراة . والموعظة والهداية جاءت فيما جاء به المسيح ( أى الإنجيل .(1/26)
ورغم ذلك الوضوح فى المعنى إلا أنَّ القوم قد فرطوا فى إنجيل الملكوت هذا ولم يصل إلينا ولم يتعرف عليه الأتباع إلى الآن . فالأناجيل الأربعة ( متى ومرقس ولوقا ويوحنا ) لم يعرفها المسيح ( وليس فيها سوى شذرات عطرة من سيرته ( .
وليت الأمر اقتصر على ذلك فقد تم استبدال عبارة إنجيل الملكوت الثابتة فى الأصول اليونانية بعبارة بشارة الملكوت فى الترجمات العربية المعاصرة . وذلك حتى لا يفطن القارئ الباحث إلى المعنى الصحيح المراد فهمه من النصّ . وربما يفطن فيسأل ويبحث عن إنجيل الملكوت هذا الذى كان مع المسيح ..؟ وتلك مسألة محرجة للقوم لأنهم يقولون بأنَّ المسيح لم يترك لهم شيئا مكتوبا أو غير مكتوب يسمى إنجيل .
علما بأنه قد تم حذف كلمة إنجيل فى نصّ إنجيل متى ( 4 : 23 ، 9 : 35 ) واستبدلت بكلمة بشارة فى جميع الترجمات العربية المعاصرة باستثناء نسخة الكاثوليك العربية ( ط 1993) حيث أُثبتت كلمة إنجيل فى نصّ متى ( 4 : 23 ) . ثم حُذِفت فى متى ( 9 : 35 ) من نفس النسخة مع أنَّ النصين متشابهان مكرران ..!!
رابعا .. أناجيل المنتسبين إلى المسيح
من بعد انتهاء بعثته (
===========
إنجيل بولس والأناجيل الأخرى :
ويعد مرجعنا عن إنجيل بولس والأناجيل الأخرى هو رسائل بولس التى كتبها بخط يده ، واعترف فيها بأنَّ له إنجيلا كما كان للمسيح إنجيل . ويفرِّقُ بينهما بقوله إنجيل المسيح وبقوله إنجيلى وإن حاول كثيرون من مترجمى الرسائل طمس تلك الحقيقة ..!!
وقبل الدخول مباشرة فى بحثنا أذكر للقارئ المتفهم للأمور نبذة قصيرة عن بولس ورسائله : اسمه العبرى شاول ومعناه سائل (( asked for وهو يعادل الاسم الآرامى العربى ساول أو سائل بقانون التبادل بين الهمزة والواو فى مجموعة اللغات السامية . وحيث أنه كان مواطنا رومانيا وُلِدَ ونشأ خارج أرض فلسطين فقد كان له لقبا عُرِفَ به بين مواطنيه وهو الصغير أو الأصغر بمعنى الأحقر والأقل شأنا ..!!(1/27)
... وأول ظهوره على مسرح التاريخ المسيحى كان فى هيئة المضطهد لأتباع ديانة المسيح ( يتعقبهم فى كل مكان بالأذى والاضطهاد . ولم يتعرف بولس على المسيح ( ولم يشاهده فى حياته ولم يكن فى يوم من الأيام ضمن تلاميذ المسيح . وانتهت بعثة المسيح ( ولم يكن بولس قد آمن بعد بالمسيح عيسى بن مريم ( . ويعترف بولس بأنه كان مجدِّفاً ومفترياً على ديانة المسيح وأتباعه قائلا " وفى كل المجامع كنت أعاقبهم مرارا كثيرة . واضطرُّهم إلى التجديف . وإذا أفرط حنقى عليهم ، كنت أطردهم إلى المدن التى فى الخارج " ( أعمال الرسل 11:26 ) . و " أنا الذى كنت قبلا مجدِّفاً ومضطهدا ومفترياً " ( 1 تى1 :13 ) و " كنت أضطهد كنيسة الله بإفراط وأُتلفها " ( غلا 1 : 13 ) .
وقال عنه الأب مَتَّى المسكين فى تأريخه لهذه الفترة من حياة بولس :
" ولكن يلاحظ الذى يتتبع أعمال بولس الجنونية وإفراط حنقه الزائد عن الحد أنَّ الشيطان كان يستخدمه ضد المسيح بصورة مكشوفة لم تَفُتْ عليه ، بل أحسها بعد ذلك واعترف بقوله ناصحا " لئلا يطمع فينا الشيطان لأننا الآن لا نجهل أفكاره " ( 2 كو 2 :11 ) . وفعلا إنَّ أعظم وصف لبولس القتَّال هو أنه كان قد طمع فيه الشيطان واستغلَّه وسلَّمه عقله وسلطانه " (1) .
قلت جمال : وعندما فشلت أعمال بولس الجنونية فى صد الدعوة الإيمانية التى تولاها تلاميذ المسيح من بعده ، غَيَّرَ الشيطان خطط ( بولس ) وجعلها فى الاتجاه المضاد أى فى طريق الإيمان ذاته ..!! وهدف الشيطان واحد هو قوله الذى سجَّله القرآن الكريم ( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ( .
وباض الشيطان وفَرَّخ ..!! فهناك على طريق دمشق وفى منتصف النهار وضع الشيطان بيضته ..!! حيث تراءى لبولس الجِنِّىّ يسوع النصرانى (2) مناديا : شاول شاول لماذا تضطهدنى ؟ . وظن بولس أنَّ الذى تراءى له هو الرب يسوع الذى صُلِبَ ومات ، وأكل بولس البيضة بقشرها ..!!(1/28)
يقول الأب مَتَّى المسكين عن الصوت الذى سمعه بولس ما نصه " هنا نود أن نلفت نظر القارئ إلى أنَّ كافة الشراح فى الغرب ظنوا أنَّ صوت الرب كان يسمعه بولس فى داخله وحسب ، ومنهم من يعتقد أنَّ المسألة لا تخرج عن انفعال نفسانى أو ربما مرض عصبى ...." (3) .
قلت جمال : لقد ذكر المسكين ذلك الكلام وهو لا يعتقده ، لأنه يؤمن بأنَّ الصوت والمرئى هو الرب يسوع ..!!
واستراح بولس لمدة ثلاث سنوات عقب هذه الحادثة فى بلاد العرب إلى أن تم هضم أكبر بيضة باضها الشيطان لأعوانه . ثم ظهر بولس ينادى بإنجيل آخر ومسيح آخر وتكلم اللاهوتيون عن المسيحَيْن :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. بولس الرسول ص 69 .
(2) .. راجع حادثة طريق دمشق فى سفر الأعمال ( 9 : 3 ـ9 ) ؛ ( 22 : 6 ـ 11 ) ؛ ( 26 : 13 ـ 18 ) . وراجع
أيضا البحث المستفيض الجديد الخطيرعن ذلك المسيح الذى ترائى لبولس فى كتابى " يسوع النصرانى
.. مسيح بولس " .
(3) .. القديس بولس الرسول ص 73 .
المسيح التاريخى ( historical christ ) عيسى بن مريم الإنسان .
والمسيح الإيمانى ( Biblical christ ) مسيح بولس الإله .
ومنذ نهاية القرن التاسع عشر الميلادى وإلى الآن تكونت فى الغرب المسيحى مدارس فكرية تبحث وتحقق فى هذين المسيحين وفق قواعد البحث العلمى التاريخى وظهرت لنا نتائج هذه الأبحاث :
المسيح التاريخى ( عيسى بن مريم ) الذى وُلِدَ فى فلسطين وانتهت رسالته بحادثة الصلب الشهيرة . هذا المسيح يمكن إثبات وجوده تاريخيا .
أمَّا المسيح الإيمانى ( مسيح بولس ) فهو شخص إلهى نزل من السماء حيث سكن فى رحم امرأة من فلسطين تدعى مريم وولد منها ثم صلب ومات ودفن ثم قام من بين الأموات وهو الآن بجانب أبيه فى السماء ..!! وهذا المسيح لا يمكن إثبات وجوده تاريخيا أو عقلانيا (1) .(1/29)
... وتضخم الكلام عن مسيح بولس ( الإله المصلوب ) لدرجة أن حل الضباب تماما حول شخصية المسيح التاريخى ( عيسى بن مريم ) رسول الله . ولم يقتصر الأمر على هذا ، بل امتد الأمر إلى تجاهل رسالة المسيح ( عيسى ابن مريم ) ( وأصول دعوته وإنجيله الذى كان معه ...... الخ .
ونعود سريعا إلى بحثنا فى رسائل بولس ، تلك الرسائل التى تُعَد كما قال الأب مَتَّى المسكين " أقدم وثائق مكتوبة بَلَغَتنا عن مسيحيتنا . فيَد بولس أول يد كتبت عن المسيح وللمسيح " (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع التفاصيل الكاملة عن مسيح بولس فى كتابى " يسوع النصرانى مسيح بولس " .
(2) .. القديس بولس الرسول ص 24 .
إنجيل بولس
بادئ ذى بدء لابد أن نعترف بأنه كان لبولس إنجيل خاص به يقوم بنشر تعاليمه بين اليونانيين والرومانيين . وأنَّ إنجيل بولس هذا يختلف فى تعاليمه عن إنجيل المسيح عيسى ابن مريم ( الذى تم نشر تعاليمه بين بنى إسرائيل فقط وفى منطقة فلسطين . واعترافنا بهاتين الحقيقتين مأخوذ من أقوال بولس فى رسائله :
... 1 .. قال بولس فى رسالته الرومية ( 2 : 16) : " وتكون الدينونة يوم يَدِينُ الله خفايا الناس وفقا لإنجيلى . على يد يسوع المسيح " ( كتاب الحياة ) . وقوله وفقا لإنجيلى أو حسب إنجيلى كما جاء فى نسخة فانديك يؤكد أن لبولس إنجيلا يختلف عن إنجيل المسيح وإلا قال وفقا لإنجيل المسيح .
والترجمات الإنجليزية توضح هذه الفقرة أكثر :
جاء فى نسخة ( PME ) قوله (as my gospel plainly states ) أى حسب حالات إنجيلى المخططة .
وفى نسخة ( NIV ) قوله (as my gospel declares ) أى حسب مقررات إنجيلى .
وفى كثير من الترجمات نجد التعبير ( according to my gospel ) أى حسب إنجيلى والوارد فى الأصل اليونانى ( ???? ?? ?????????? ??? ) .(1/30)
ولكن قول بولس إنجيلى يقلق مسيحيى الشرق المسلم فما كان منهم إلا أن ترجموا النصّ السابق بصورة مشوهة حتى لا يظهر فيه أنَّ لبولس إنجيلا . جاء فى نسخة الكاثوليك العربية ( ط 1993) النصّ هكذا " وسيظهر هذا كله كما أُبَشِّرُكم به ، يوم يدين الله بالمسيح يسوع خفايا القلوب " ..!!
أو كما جاء فى نسخة الآباء اليسوعيين العربية ( ط 1991) " وسيظهر ذلك كله كما أُعْلِنَ فى بشارتى يوم يدين الله بيسوع المسيح ما خفى من أعمال الناس " .
فهل شاهد القارىء الفطن كيف تم تشويه النصّ ..!!؟
... وإذا نظرنا إلى النصّ السابق بإمعان سوف نرى فيه أنَّ مسيح بولس هو الذى سيقاضى الناس يوم القيامة بتكليف من الله .. !!وأنَّ هذه المقاضاة سوف تتم وفق مقررات إنجيل بولس ..!! مع أنَّ مسيح الأناجيل ( قد قال فى إنجيل يوحنا ( 12 : 47 ) : " وإن سمع أحد كلامى ولم يؤمن فأنا لا أدينه لأنى لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم " . فنفى ( الزعم القائل بأنه سيقاضى الناس على أفعالهم . فخالفت مقررات إنجيل بولس تعاليم إنجيل المسيح ( .
... 2 .. وقال بولس فى رسالته الرومية ( 16 : 25 ) طبقا لما جاء فى النسخة القياسية المنقحةRSV ) ) :
... “ Now to him who is able to strengthen you according to my gospel and the preaching of Jesus christ , according to the revelation of the mystery which was kept secret for long ages ”
والمعنى : " الآن : إلى القادر أن يثبتكم حسب إنجيلى ، وحسب تعاليم عيسى المسيح وحسب إعلان السر الذى كان مكتوما لأزمنة طويلة " .
والنصّ هنا عبارة عن دعاء ختامى من بولس فى رسالته لأهل رومية . والدعاء موجَّه إلى القادر على تثبيت إيمانهم بمقررات إنجيل بولس فى المقام الأول ثم تأتى تعاليم المسيح ، ثم السر المكتوم الذى أعلنه لهم بولس ..!!
وبنظرة ثانية إلى النصّ نجد أنَّ بولس قد ذكر ثلاثة أشياء هامة :
أولا .. الثبات على الإيمان بإنجيل بولس .(1/31)
ثم ثَنَّى .. بتعاليم مسيح بولس .
ثم ثَلَّث .. بالسر المكتوم .
لاحظ قارئى العزيز كيف كُتِبَ الضمير( him ) بحرف ( h ) الصغير بدلا من ( H ) الكبير .
إنهم يعرفون أنَّ القادر على تثبيت إيمانهم بإنجيل بولس ليس هو الله رب العالمين ..!!
... ولننظر الآن فى الترجمات العربية للنصّ كى نشاهد كيف تكون الأمانة العلمية فى نقل المعلومات الدينية المقدسة :
نسخة البروتستانت فانديك ط 1977
نسخة كتاب الحياة ط 1988
وللقادر أن يثبتكم حسب إنجيلى والكرازة بيسوع المسيح حسب إعلان السر الذى كان مكتوما فى الأزمنة الأزلية .
والمجد للقادر أن يثبتكم وفقا لإنجيلى وللبشارة بيسوع المسيح ، وفقا لإعلان ما كان سرا ظل مكتوما مدى الأزمنة الأزلية .
نسخة الكاثوليك ط 1993
نسخة الآباء اليسوعيين ط 1991
المجد لله القادر أن يثبتكم فى الإنجيل الذى أُعْلِنَهُ مناديا بيسوع المسيح وفقا للسرِّ المعلن الذى بقى مكتوما مدى الأزل .
لذاك القادر على أن يثبتكم . بحسب البشارة التى أُعلِنُها مناديا بيسوع المسيح وفقا لسرِّ كشف وقد ظل مكتوما مدى الأزل .
لعَلَّ القارىء قد لاحظ اختفاء كلمة إنجيلى فى نسخة الآباء الحديثة واستبدالها بالبشارة البوليسية . ثم اشارة بولس فى نسخة الكاثوليك إلى الإنجيل الذى سيعلنه . بينما نجد الاشارة صريحة إلى إنجيل بولس ( إنجيلى ) فى نسختى البروتستانت كتاب الحياة وفانديك . وحيث أنَّ المقام هنا ليس مقام الشرح والنقد فلن أقول أكثر من ذلك وحسبى إثبات أنَّ هناك إنجيلا لبولس يقول عنه إنجيلى تميزا له عن إنجيل المسيح الذى ذكره فى أكثر من موضع .
... 3 .. وقال بولس فى رسالته الثانية إلى تيماوس ( 2 : 8 ) طبقا لما جاء فى النسخة القياسية المنقحة ( RSV ) :
“ Remember Jesus christ , risen from the dead , descended from David , as preached in my gospel .”(1/32)
والمعنى : " تذكَّر عيسى مسيح ، القائم من الموت ، من نسل داود ، كما أعلنته فى إنجيلى " . وهنا نجد بولس يوصى صديقه تيماوس بتذكر مسيح بولس الذى أعلنه فى إنجيله ، المسيح الملكى الداودى السلالة . القائم من الموت بعد عملية الصلب . وقد ذكرت نسختى البروتستانت ( فانديك ط 1977) و( كتاب الحياة ط 1988) قول بولس إنجيلى خلاف نسختى الكاثوليك العربية ( ط 1993 ) ونسخة الآباء اليسوعيين العربية ( ط 1991 ) حيث تم استبدال كلمة إنجيلى بعبارة ( وهى البشارة التى أُعْلِنُهَا ) أو بعبارة ( بحسب بشارتى ) على التوالى والقارئ العادى لن يلاحظ الفرق فى المعنى فكل شئ عندهم يعتبر بشارة ..!!
مع أنَّ المذكور فى الأصل هو عبارة إنجيلى ( ?? ?????????? ??? ) .
4 .. وهناك مواضع أخرى فى رسائله تثبت لنا بأدلة قاطعة من أنه كان له إنجيل يدعو الناس إلى الإيمان بما فيه . وقد ذكرت لك أيها القارئ العزيز النصوص الثلاثة السابقة والمذكور فيها قول بولس صراحة عن هذا الإنجيل بعبارته إنجيلى . وتارة نجده يذكر هذه العبارة بشئ من التفخيم لنفسه مثل قوله إنجيلنا كما ورد فى رسالته الثانية إلى أهل كورنتوس ( 4 : 3 ) ، وإلى غير ذلك من العبارات الدالة على إنجيله مثل قوله " الإنجيل الذى بشرتكم به " ( 1 كو15 : 1 ) أو قوله " الإنجيل الذى له عُيِّنتُ أنا مبشرا ورسولا ومعلما " ( 2 تيمو1 :11) إلى غير ذلك من العبارات .
مفارقة إنجيل بولس لإنجيل المسيح(1/33)
وقبل إثبات هذه المفارقات يجب التنويه على أنَّ المسيح الذى أتكلم عنه هو المسيح التاريخى عيسى بن مريم ( عبد الله ورسوله إلى بنى إسرائيل والذى قامت الشهادات التاريخية والبراهين العقلية على إثبات وجوده وبعثته إلى قومه فى فلسطين . أمَّا المسيح الذى يتكلم عنه بولس فى إنجيله فهو مسيح آخر باعترافه فى رسالته إلى أهل رومية ( 7 : 4 ـ 6 ) " إذا يا إخوتى أنتم أيضا قد مُتُّم للناموس بجسد المسيح ـ المسيح التاريخى ـ لكى تصيروا لآخر ـ مسيح بولس ـ للذى قد أقيم من الأموات لنثمر للرب . لأنه لما كنا فى الجسد كانت أهواء الخطايا التى بالناموس تعمل فى أعضائنا لكى نثمر للموت وأمَّا الآن فقد تحررنا من الناموس إذ مات الذى كنا ممسكين فيه ـ المسيح التاريخى ـ حتى نعبد بجدة الروح لا بعتق الحرف " ( فانديك ط1977) .
وفى الترجمات الإنجليزية نجد على سبيل المثال نصّ RSV ) ) :
( so that you may belong to another ) بمعنى أنكم بعد موت المسيح التاريخى على الصليب أصبحتم تنتمون إلى مسيح آخر هو الذى جاء به بولس .
وفى الحقيقة وبالبراهين القاطعة من داخل نصوص الأناجيل الأربعة لا توجد شهادة قاطعة فى محكمة التاريخ تثبت وقوع عملية الصلب يقينا على المسيح بن مريم ( .
ويلاحظ أنَّ الكلمة اليونانية المترجمة إلى كلمة " آخر" هى ( ????? ) التى تنطق فى اليونانية هتيروس وهى بمعنى آخر ولكن ليس من نفس النوع . فهو آخر من نوع مختلف (1) . وهذه اللفظة اليونانية تذكرنا بلفظة أخرى استخدمها المسيح ( فى بشارته بالبارقليط الذى سيأتى من بعده ، إنها لفظة ( ??????? ) والتى تنطق فى الإنجليزية ( allos ) وهى أيضا بمعنى آخر ولكن من نفس النوع والجنس .(1/34)
وحيث أنَّ القوم مغرمون باللغة اليونانية ، فحسبنا هذا المعنى المأخوذ من لغة الوحى البولسى للدلالة على اختلاف المسيحين ..!! فالمسيح التاريخى والبارقليط الذى سيأتى من بعده من نفس النوع والجنس ، خلاف المسيح التاريخى ومسيح بولس الجنِّىّ فهما من نوعين مختلفين .
وعلماء المسيحية لهم عبارات تفرق بين المسيحين ، فإذا أرادوا الكلام عن المسيح التاريخى ـ المسيح الحق ـ قالوا عنه المسيح حسب الجسد وإن تكلموا عن مسيح بولس يقولون عنه المسيح حسب الروح ..!!
والقارىء العادى أو صاحب النظر العابر لن يعرف الفرق فى المعنى ولن يعلم أن هناك مسيحين مختلفين .. !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع ذلك المعنى فى كتاب : Expository Dictionary of Bible words page 578.
ونعود سريعا إلى بحثنا عن الإنجيل : سبق الكلام عن الكتاب الذى كان بيد المسيح ( أبَّان فترة بعثته وقبل حادثة الصلب فوجدناه يحتوى على كتابين هما : كتاب موسى المعروف بالناموس وكتاب الإنجيل الذى أوتيه المسيح ( من إلهه وربه .
... وكان ( معلما للتوراة والإنجيل معاً . مقيما لأحكامهما معاً ، وعلى ذلك المنهج كان تلاميذه وحواريوه من بعده . وكانت دعائم دعوته ( قائمة على التوبة والرجوع إلى الله . ثم الإيمان بالإنجيل الذى معه ، ثم البشارة بالبارقليط وملكوت الله . مع التمسك بأحكام الناموس .
... أمَّا عن بولس فكان ينادى بإنجيل آخر يتركز حول شخص إلهى أسلمه شعبه إلى السلطات الرومانية متهمين إياه بالضلال . فيرفعونه على خشبة الصليب ويقتلونه كمجرم . ويقول بولس : إنَّ هذا المصلوب الذى لم ينزل من على الصلب لكى يخلص نفسه من الموت ، هو نفسه المُخلِّص العظيم رب العالمين الذى خلَّصَ البشر جميعا من خطيئة آدم ..!!
... وبظهور ذلك المسيح البولسى انتهت أحكام الناموس وأصبح الناس فى عهد النعمة حيث لا قيود شرعية ولا حلال ولا حرام ولا ختان للذكور ..!!(1/35)
قال بولس ( غلاطيه 3:13 ) " إنَّ المسيح ـ مسيح بولس ـ حَرَّرَنا بالفداء من لعنة الشريعة . إذ صار لعنة عِوَضاً عنا . لأنه قد كُتِبَ ملعون كل من عُلِّقَ على خشبة " . وكان بولس يهدد كل من سَوَّلتْ له نفسه أن يبث فى الناس تعاليم إنجيل آخر يخالف تعاليم إنجيله بأنه أناثيما أى مطرود من رحمة الرب ( راجع رسالته إلى أهل غلاطيه 1 : 8 ، 9 ) .
ومكث بولس عدة سنوات يبلغ الوثنيين تعاليم إنجيله . فينتصر فى مواقع وينهزم فى أخرى . وفى رسالته الرومية نجده ينتصر لإنجيله على إنجيل المسيح قائلا فى الإصحاح ( 3: 21 ) نقلا من كتاب القديس بولس الرسول لمتَّى المسكين ص 326 وما بين الأقواس من وضع متَّى المسكين تفسيرا للمراد :
" وأمَّا الآن فقد ظهر بر الله ( بالمسيح ) بدون الناموس ( الإنجيل ) مشهودا له من الناموس والأنبياء ...".
قلت جمال : وهنا نجد أنَّ الإنجيل ( إنجيل المسيح ) قد تم إلغاؤه تبعا لتفسير الأب متَّى المسكين لكلمة الناموس ..!! مع ملاحظة أنَّ بولس لم يكتب فى رسائله كلها لفظ الجلالة الله فلا أعلم من أين أتى بها المترجمون العرب ..!؟
... وعلى الرغم من انفتاح أراضى الإمبراطورية الرومانية أمام بولس ليبث فيها دعوته وإنجيله ، إلا أنَّ أرض فلسطين وموطن المسيح ( لم يستطع أن يبث فيها بولس تعاليم إنجيله لوجود تلاميذ المسيح المتمسكين بتعاليم الناموس كاملة إضافة إلى إيمانهم بإنجيل المسيح( .(1/36)
... فقد كان تلاميذ المسيح وأتباعهم يشكلون عقبة كؤود أمام بولس حيث نجد بعضهم يدخل مدنا قد تم نشر تعاليم إنجيل بولس فيها فيرُدُّونَ أهلها إلى تعاليم إنجيل المسيح الحق . ونجد مثالا لذلك فى مدينة غلاطية . حيث تعَجَبَ بولس من ارتداد أهلها عن إنجيله عندما جاءهم بعض تلاميذ المسيح وعلموهم تعاليم إنجيل المسيح فقال بولس " إنى أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعا عن الذى دعاكم بنعمة المسيح ـ مسيح بولس ـ إلى إنجيل آخر . ليس هو آخر غير أنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحولوا إنجيل المسيح ـ مسيح بولس ـ ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما . كما سبقنا فقلنا أقول الآن أيضا إن كان أحد يبشركم بغير ما قبلتم فليكن أناثيما " ( غلاطية 1 : 6ـ 8 ) .
... جاء فى تفسير الكنز الجليل تفسير نصّ غلاطيه ص 12 ما نصّه :
" ومعلوم أنَّ أهل غلاطية دخلوا فى الديانة المسيحية ـ البولسية ـ قبل ست سنوات من كتابة هذه الرسالة إليهم . وكان ذلك الارتداد عقب دخول غلاطية عدد من المعلمين المتمسكين بالتوراة والإنجيل " . والإنجيل الآخر الذى كان معهم " ينادى بطريق خلاص غير طريق الاتكال على استحقاق المسيح وموته ويجعل حفظ الرسوم الموسَويَّة ضروريا للخلاص . وسماه إنجيلا لأنَّ المعلمين الكاذبين ادَّعوا أنه كذلك وأنه هو الذى بشر به الرسل ( أى تلاميذ المسيح ) " .
وقد سبق أن قلت وأوضحت بأنَّ بولس كان يبشر بمسيح آخر غير المسيح الحقيقى عيسى ابن مريم رسول الله . وتأكيدا على تلك الحقيقة وجدت موسوعة باكر الكتابية الأمريكية تقول عن ذلك الإنجيل الآخر الذى ذكره بولس فى النصّ السابق :(1/37)
... “ is not another gospel about Jesus , but a message about another Jesus - not the real one , but one who exists only in the minds and the messages of those who proclaim him . On the other hand , to preach the true christ is to preach the true gospel. ”
والمعنى كالآتى : إنه ليس إنجيلا آخر عن عيسى ، ولكنه رسالة عن عيسى آخر ليس هو المسيح الحقيقى . ولكنه الوحيد الموجود فى عقولهم والرسائل التى يبشرون بها . وعلى الجانب الآخر ، لكى تدعو للمسيح الحقيقى يجب أن تدعو للإنجيل الحقيقى (1) ..!!
قلت جمال : وهذا كلام مختلط فيه الحق بالباطل ، فكيف نتعرف على الإنجيل الحقيقى حتى نتعرف على المسيح الحقيقى ..!؟
... وكما قال بولس عن إنجيل تلاميذ المسيح قالوا هم أيضا عن إنجيله حسب ما جاء فى أقوال الأب مَتََّى المسكين فى كتابه ( القديس بولس الرسول ص 340 ) : " فإنجيل بولس قالوا عنه : إنه ليس هو إنجيل المسيح بل هو إنجيل آخر . وبرهانهم على ذلك أنَّ بولس نفسه لم يَرَ المسيح ولا المسيح أرسله بواقعة تاريخية مسجَّلة . أمَّا إنجيلهم هم فهو الإنجيل الحقيقى لأنهم عرفوا المسيح وخدموا معه فهم رُسُلٌ حقيقيون " ثم عقب المسكين قائلا : " ولكنهم ـ وكيهود ـ اتضح لبولس الرسول أنهم يتمسكون ويكرزون بالمسيح حسب الجسد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. BAKER Encyclopaedia of the Bible V1 page 895.
فقط ، وليس المسيح حسب الروح كابن الله . من هنا ظهر فعلا وبالتالى أنه إنجيل آخر وهو حتما وبالضرورة لا يحيى ولا يقيم من موت . وإنما إنجيل يتبع الناموس والحرف فهو إنجيل قاتل .. !! " .
قلت جمال : فنحن الآن أمام إنجيلين : إنجيل مع بولس يلغى فيه أحكام التوراة وإنجيل المسيح . وإنجيل مع تلاميذ المسيح يقيمون فيه أحكام التوراة والإنجيل . فأى الإنجيلين هو الإنجيل الحقيقى الواجب اتباعه ..!؟(1/38)
... لا تتسرع أيها المسيحى وتقول كما قال القسس والرهبان . ولكن تمهل قليلا واستخدم عقلك بعض الشئ ونفذ تعاليم المسيح إليك بنزع الخشبة أولا من عينك حتى ترى الأمور على حقيقتها . وليكن قرارك مؤيدا لأقوال المسيح ( لا لأقوال غيره مهما كان . وأنت تحفظ جيدا كلام المسيح : " لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء . ما جئت لأنقض بل لأكمل . فإنى الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل " ( إنجيل متى 5 : 17 ، 18 ) .
فأى الإنجيلين كان أصحابه متمسكين بأقوال وأفعال المسيح ..!؟
وأى الأتباع هم الذين تبرؤوا من أقوال المسيح وأفعاله وقاموا بإلغاء أحكام الناموس ..!؟ أعتقد أنَّ القرار الصحيح لا يزال صعبا أمام المتمسكين بالتقاليد الكنسية البوليسية !.
ولى هنا وقفة لغوية : هل يصح هنا القول بأنَّ معنى كلمة إنجيل هو الأخبار أوالبشارة السعيدة ..!؟ فأحد الإنجيلين هنا يقود إلى الهلاك . وكلاهما يطلق عليه كلمة إنجيل . وحسب قول متَّى المسكين فإنَّ أحدهما إنجيل قاتل . فهو حتما ليس بأخبار سعيدة ..!؟ فهل يصح لنا أن نقول بشارة سعيدة قاتلة ..!؟
قطعا لا . لأنَّ معنى كلمة إنجيل فى العربية غير معنى البشارة السعيدة كما سنبين ذلك بإذن الله تعالى .
إنجيل المسيح ( كما جاء فى إنجيل برنابا
=============================
...
إنجيل برنابا اكتشف فى الغرب المسيحى منذ حوالى قرنين من الزمان وهو إنجيل ترفضه الكنائس ويقولون عنه بأنه من الأناجيل غير القانونية . وبرنابا المنسوب إليه الإنجيل أحد تلاميذ المسيح ( . وهو الذى قَدَّم بولس إلى التلاميذ وعَرَّفهُمْ به حيث كانوا لا يثقون فى بولس بشهادة تاريخه وسلوكه . ولكن برنابا طمأن التلاميذ من سلوك بولس وحسن إيمانه ، وسرعان ما أدار بولس ظهره لبرنابا وصَحْبهِ من تلاميذ المسيح ( كما سبق بيان ذلك عندما جاء بإنجيل آخر ومسيح آخر ..!!(1/39)
... ولذلك نجد برنابا يفتتح إنجيله بعبارة تبَيِّنُ شدة أسفه على بولس قائلا : " أيها الأعزاء إنَّ الله العظيم العجيب قد افتقدنا فى هذه الأيام الأخيرة بنبيه يسوع المسيح برحمة عظيمة للتعليم والآيات التى اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى . مبشرين بتعليم شديد الكفر . داعين المسيح ابن الله . ورافضين الختان الذى أمر به الله دائما . مجوزين كل لحم نجس الذين ضل فى عدادهم أيضا بولس الذى لا أتكلم عنه إلا مع الأسى وهو السبب الذى لأجله أسطر ذلك الحق الذى رأيته وسمعته أثناء معاشرتى ليسوع لكى تخلصوا ولا يضلكم الشيطان فتهلكوا فى دينونة الله . وعليه فاحذروا كل أحد يبشركم بتعليم جديد مضاد لما أكتبه لتخلصوا خلاصا أبديا " ( افتتاحية إنجيل برنابا ـ ترجمه من الإنجليزية الدكتور خليل سعادة ) .
ويعد إنجيل برنابا مثلا ونموذجا صريحا لما وصفه بولس بالإنجيل الآخر . وسوف أذكر منه فقرات نسبت إلى المسيح ( نتعرف منها على إنجيل المسيح ( وماذا قال عنه :
... 1 .. جاء من أقوال المسيح لتلاميذه ( الفصل 168ص 257 ) :
" صدقونى أنه لما اختارنى الله ليرسلنى إلى بيت إسرائيل أعطانى كتابا يشبه مرآة نقية نزلت إلى قلبى حتى إنَّ كل ما أقول يصدر عن ذلك الكتاب . ومتى انتهى صدور هذا الكتاب من فمى أصعد عن العالم . أجاب بطرس : يا معلم هل ما تتكلم الآن به مكتوب فى ذلك الكتاب ..؟ أجاب يسوع : إنَّ كل ما أقول لمعرفة الله ولخدمة الله ولمعرفة الإنسان ولخلاص الجنس البشرى إنما هو جميعه صادر من ذلك الكتاب الذى هو إنجيلى " .
... 2.. وجاء فيه أيضا قول المسيح ( ( الفصل 52 ص82) :(1/40)
" الحق أقول لكم متكلما من القلب إنى أقشعر لأنَّ العالم سيدعونى إلها وعلَّى أن أقدم لأجل هذا حسابا . لعمر الله الذى نفسى واقفة فى حضرته إنى رجل فان كسائر الناس . على أنى وإن أقامنى الله نبيا على بيت إسرائيل لأجل صحة الضعفاء وإصلاح الخطاة خادم الله . وأنتم شهداء على هذا كيف أنى أنكر على هؤلاء الأشرار الذين بعد انصرافى من العالم سيبطلون حق إنجيلى بعمل الشيطان . ولكنى سأعود قبيل النهاية ..." .
... 3 .. وجاء فيه قول المسيح ( ( الفصل 72 ص 110) :
" احذروا أن تُغَشُّوا .. لأنه سيأتى أنبياء كذبة كثيرون يأخذون كلامى وينجسون إنجيلى " .
... 4 .. وجاء فيه أيضا قول المسيح ( ( الفصل 211 ص 304) :
" انظروا أن لا تنسوا الكلام الذى كلمكم الله به على لسانى كونوا شهودى على كل من يفسد الشهادة التى قد شهدتها بإنجيلى على العالم وعلى عشاق العالم " .
قلت جمال : ورغم هذه التحذيرات فقد وقع الكثيرون فريسة للشيطان وفعلوا ما حذرهم منه المسيح ( . إضافة إلى إخفائهم إنجيل المسيح ( لدرجة أنَّ كاتب إنجيل يوحنا ( أكبر الأناجيل الأربعة حجما وآخرها فى زمن التدوين ) لم يذكر كلمة إنجيل ولو لمرة واحدة داخل صفحات إنجيله .
وأذكر للقارئ نصّا من إنجيل برنابا ليرى القارىء كيف تصرَّف فيه كاتب إنجيل يوحنا : جاء فى إنجيل برنابا ذكر الحادثة الآتية ( الفصل156ص 240) " ولما اجتاز يسوع من الهيكل بعد أن صلى صلاة الظهيرة وجد أكمها . فسأله تلاميذه قائلين : أيها المعلم من أخطأ فى هذا الإنسان حتى ولد أعمى أبوه أم أمه ..؟ أجاب يسوع : لا أبوه أخطأ فيه ولا أمه . ولكن الله خلقه هكذا شهادة للإنجيل . وبعد أن دعا الأكمه إليه تفل على الأرض وصنع طينا ووضعه على عينى الأكمه . وقال له : اذهب إلى بركة سلوان واغتسل " . فذهب الأكمه واغتسل وشفاه الله .(1/41)
... وعندما ذكر كاتب إنجيل يوحنا هذه الحادثة ( 9 : 3 ) غيَّر وبدَّل فى عبارة المسيح بقوله " ولكن حتى تظهر فيه أعمال الله " ..!!
فهل شاهدت أيها القارئ كيف أخفى صاحب إنجيل يوحنا كلمة إنجيل وجاء بدلا منها بأعمال الله تمويها على القارىء ، وهو مذهب بولس كما سبق بيانه إذا جاء المسيح ـ مسيح بولس ـ اختفى الإنجيل ..!!
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .
------------------------
خلاصة ما سبق بحثه
وبعد تتبع كلمة الإنجيل فى أسفار ما يطلق عليه بالعهد الجديد ، وبعد مضاهاة الترجمات بالأصول اليونانية خَلُصنا إلى النتائج الآتية :
1 .. كانت هناك صُحُفٌ أولى مع خليل الله إبراهيم ( تسمى فى الأصول اليونانية بـ ( ???-????????????? ) أى الأناجيل الأولى .
2.. إنَّ كتاب موسى ( الذى فيه الشريعة لبنى إسرائيل أُطْلِقَ عليه فى الرسالة إلى العبرانيين اسم الإنجيل السابق . وفى الأصول اليونانية عُبِّرَ عنه بالكلمة اليونانية ( ??????????????? ) .
3.. وكان مع المسيح عيسى بن مريم ( إنجيل يدعو بنى قومه إلى الإيمان به وهذا الإنجيل عُبِّرَ عنه فى الأصول اليونانية بلفظة ( ????????? ) .
... ثم ظهرت من بعد انتهاء بعثته ( عدة أناجيل نسبت إلى أصحابها ومؤلفيها مثل إنجيل بولس و الإنجيل الآخر و إنجيل برنابا ثم الأناجيل الأربعة إنجيل متى و إنجيل مرقس و إنجيل لوقا و إنجيل يوحنا .
... وهناك عدة أناجيل أخرى تم العثور على أجزاء منها فى الفترة الواقعة من منتصف القرن التاسع عشر الميلادى وحتى منتصف القرن العشرون ، من أشهرها مجموعة أناجيل نجع حمادى الشهيرة وكلها تعتبرها الكنائس أناجيل غير قانونية .(1/42)
4.. ثم كانت هناك الإشارة إلى الإنجيل الخالد إنجيل الملكوت الذى سيكون للبشرية جمعاء ، والذى سيهبط به ملاك من السماء . ونزل بحمد الله تعالى ذلك الإنجيل الخالد المعبر عنه فى الأصول اليونانية بـ ( ?????????? ?????? ) بواسطة الملاك جبريل إلى رسول الله للعالمين محمد ( .
... وفى جميع الأحوال الماضية وجدنا أنَّ كلمة إنجيل تعبر فى أصلها عن معنى كتاب إلهى فيه العقيدة والشريعة والجزاء والعقاب . خلاف الأناجيل التى كتبها البشر وظهرت إلى الوجود من بعد عصر المسيح ( .
ويوضح لنا المسيح ( أسباب تعدد كتب الله إلى خلقه كما جاء فى إنجيل برنابا ( الإصحاح 24 ص 188 ) قوله " الحق أقول لكم أنه لو لم يُمْحَ الحق من كتاب موسى لما أعطى الله داود أبانا الكتاب الثانى ، ولو لم يفسد كتاب داود لم يعهد الله إنجيله إلَّى . لأنَّ الرب إلهنا غير متغير ولقد نطق رسالة واحدة لكل البشر . فمتى جاء رسول الله . يجئ ليطهر كل ما أفسد الفجار من كتابى " .
فالإنجيل هو الكتاب ـ الكلام ـ الموحى به من الله إلى المسيح ( . وهذا الإنجيل ـ الكلام ـ بلَّغهُ المسيح ( لقومه وعلَّمهم به شفاهة ، فلم يُكتب فى زمن المسيح ( ولا فى زمن أصحابه ، وإنَّما نقل تلاميذه مضمون ذلك الإنجيل شفاهة إلى مَن بعدهم فيما يبدو . وتفرقت كلمات الإنجيل ومضمونه على أفواه الناس ، إلى أن قام مِن بعد ذلك أناس كثيرون بتسجيل بعض هذه الأقوال فى رسائل وكتب عُرفت باسم يوأنجيليون فى اليونانية وباسم كاروزوتا فى السريانية وباسم أناجيل فى العربية .
قال لوقا فى مطلع إنجيله : " إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصَّة فى الأمور المتيقنة عندنا كما سلَّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخدَّاما للكلمة رأيت أنا أيضا إذ تتبعت كل شىء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالى ... " .
وقصَّ لنا لوقا قصَّته فى إنجيله المعروف .
قصة الإنجيل المفقود ( Q )
===============(1/43)
واستكمالا للفائدة سأذكر هنا قول الأب فاضل سيداروس اليسوعى حول مصادر الأناجيل الحالية كما ورد فى كتابه " تكوين الأناجيل " ، مع العلم بأنَّ ذلك القس الفاضل لا يؤمن بوجود إنجيل كان مع المسيح ( .
فقال فى ص 31 تحت عنوان مصادر الإزائية بما نصَّه :
" تساءل المفسرون ما هو أصل الإزائية ـ أى الأناجيل الثلاثة متى ولوقا ومرقس ـ هل هناك إنجيل يكون بمثابة الأصل ، أم هناك عدَّة أناجيل لم تصلنا وإنما أثرت فى تكوين الإزائية ..!؟ وللقضية افتراضات عديدة تبحّر فيها المفسرون واختلفوا فى ما بينهم . ونورد هنا ثلاث نظريات أو افتراضات نالت نوعا من الإجماع ولو جزئيا :
1 .. نظرية المصدرين :
هناك مصدران بحسب هذه النظرية :
( أ ) .. مصدر ثلاثى أثر فى مرقس ومتى ولوقا . أو أثر فى مرقس وانطلاقا من مرقس فى متى ولوقا . والمعروف أنَّ مرقس هو مبتكر الفن الأدبى " إنجيل " وليس فى إنجيل مرقس نصوص تميِّزه عن متى ولوقا . فضلا عن أنه مختصر بالنسبة إليهما . لذلك قد يكون إنجيل مرقس هو الذى أثر فى الإنجيلين الآخرين .
( ب ) .. مصدر Q : إنَّ حرف Q بداية كلمة ( Quelle ) الألمانية التى تعنى " منبع " أو " مصدر " . وإنَّ هذا المصدر عبارة عن مجموعة أقوال ( Logia باللغة اليونانية ) تفوَّه بها يسوع . ويكون هذا المصدر المكتوب باللغة الآرامية أو اليونانية قد أثر مباشرة فى إنجيل متى ولوقا فقط .
وهذان المصدران ـ المصدر الثلاثى والمصدر Q غير موجودين حاليا بصورة مستقلة .
... 2 .. نظرية متى الآرامى : فاغانى ( vaganey )(1/44)
بحسب هذه النظرية التى افترضها المفسِّر فاغانى ( vaganey ) ، إنَّ هناك إنجيلا معروفا ـ لكنه غير موجود حاليا ـ بإنجيل متى ، مكتوبا باللغة الآرامية . وقد ترجم إلى اللغة اليونانية . وإنجيل متى اليونانى هذا قد أثر فى متى الحالى ومرقس ـ الذى تأثر من جهة أخرى ببطرس الرسول ـ ولوقا . غير أنَّ متى الحالى ولوقا قد تأثرا بمصدر يونانى أيضا . وتؤيد نظرية ( vaganey ) بعض النصوص مثل ( متى 17 / 14 ؛ مرقس 9 / 14 ؛ لوقا 9 / 37 ) فضلا عن أنَّ متى الحالى ولوقا أكثر موازاة فى ما بينهما منهما مع مرقس ( بسبب المصدر اليونانى ) . أمَّا ما يعجز هذه النظرية ، فعدم وجود العظة على الجبل عند مرقس ، فى حين أن متى الآرامى ومتى اليونانى يكونان قد أورداها " .
... 3 .. نظرية المصدرين المصححة :
بحسب هذه النظرية ، هناك مصدران :
( أ ) .. متى الآرامى ومنه متى اليونانى ـ بحسب نظرية فاغانى ـ اللذان أثرا فى متى الحالى ولوقا لا فى مرقس ( راجع تعجيز النظرية الثانية ) .
( ب ) .. مرقس الذى أثر فى متى الحالى ولوقا ( بحسب النظرية الأولى )
... ويضاف إلى ذلك .. التوضيحات الآتية :
.. أنَّ متى الآرامى ومتى اليونانى إنجيلان ، لا مجموعة كلمات فقط .
.. متى الحالى إعادة تأليف لمتى الآرامى ومتى اليونانى ، ولكن دون فرق أساسى بينه وبينهما .
.. إنَّ ما يُثبت وجود متى اليونانى ( وبالتالى متى الآرامى ) هو المتوازيات التى تجمع متى الحالى ولوقا والتى لم ترد عند مرقس .
.. متى الحالى : لغة يونانية سليمة ويظهر أنه لا يتقن اللغة العبرية تماما . فضلا عن أنَّ هناك بعض الأخطاء فى شواهد العهد القديم . علاوة على بعض التكرارات . لذلك هناك احتمال أن يكون مؤلف متى الحالى مختلفا عن متى الآرامى ومتى اليونانى .
.. للروايات الشفهية أهمية بالغة فى تكوين الأناجيل .
.. ولقد أثرت فى الأناجيل بعض التقاليد الأخرى ، فعلى سبيل المثال قد تأثر مرقس ببطرس الرسول .(1/45)
... 4 .. الخلاصة : من الصعب البتّ فى موضوع الأناجيل الإزائية بصفة قاطعة وأكيدة . ولكن النظرية الثالثة ( Levie ) تنال اليوم نوعا من الاجماع ( وهى تدمج مكتسبات الأولى والثانية وتتحاشى عيوبهما ) إلى أن تظهر نظرية أخرى تفرض نفسها أكثر مما هى الحالة فى أيامنا " انتهى النقل .
قلت جمال : تلك هى بعض الدراسات المسيحية التى تبحث عن الإنجيل الأصل المفقود نقلتها للقارىء من أقوال قس عربى . ومثل تلك الأبحاث والدراسات كثيرة فى كتب المسيحية الغربية وكلها تشير إلى وجود إنجيل أصلى مفقود . نقل منه وترجم عنه كتبة يونانيين لا يعرفهم أحد ، متى عاشوا ومتى ماتوا وما هى أسمائهم وغير ذلك من مجاهيل لا داعى لذكرها هنا .
والكلام فى مثل تلك الأمور مقبول عند المسيحيين ولكن بشىء من الامتعاض لشعورهم بفقد كتاب أصل دينهم ، ولكن إن تكلم مسلم حول ذلك المعنى أو أشار إليه هاجت عليه الطوائف المسيحية قاطبة ..!!
ولعل القارىء قد لاحظ أنَّ معظم أقوال ذلك القس العربى عن الإنجيل والأناجيل تشير إلى كتاب وكتب يُدْعَى كل منها إنجيل .
ولكن إن تكلم مسلم وقال بأنَّ الإنجيل فى كامل معناه يُشير إلى اسم كتاب ، هاجت الدنيا وماجت وقال المسيحيون جميعا بأنَّ كلمة إنجيل ليس معناها كتابا وإنما معناها بشارة ..!!
الإنجيل فى معاجم اللغة العربية
==================
إنَّ الباحث المدقق فى معاجم اللغة العربية عن كلمة إنجيل لن يصل إلى نتيجة علمية يرضاها العلماء المستنيرون ، حيث تدور معانى كلمة إنجيل فى المعاجم العربية حول الجذر( ن ج ل ) ومشتقاته المختلفة ، وهذا الجذر اللغوى وُضع ارتجالا ولا دليل عليه مؤكد عند مؤلفى تلك المعاجم ، وإنما هو اجتهاد منهم حسب علوم عصرهم المتاحة لهم . ولذلك نجد معظمهم مترددين فى إثبات عروبة الكلمة إنجيل ، فهم ما بين مقر بأعجميتها وهم الغالبية ، ومعترف بعروبتها وإن جهل جذرها اللغوى . وإليك الدليل :(1/46)
جاء فى تاج العروس ( جـ 8 ص 128 ) " نجل الشئ ينجله نجلا : أظهره . قيل ومنه اشتقاق الإنجيل " . ثم قال " والإنجيل بالكسر كإكليل وإخريط ويفتح وبه قرأ الحسن قوله تعالى ( وليحكم أهل الإنجيل ( وليس هذا المثال فى كلام العرب . قال الزجاج : ولقائل أن يقول هو اسم أعجمى فلا ينكر أن يقع بفتح الهمزة لأنَّ كثيرا من الأمثلة العجمية تخالف الأمثلة العربية نحو آجر وإبراهيم وهابيل وقابيل .
يذكر ويؤنث ـ أى الإنجيل ـ فمن أنَّث أراد الصحيفة ومن ذكَّر أراد الكتاب وهو اسم كتاب الله المنزل على عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام والجمع أناجيل ومنه الحديث فى صِفة الصحابة " صدورهم أناجيلهم " وفى رواية " وأناجيلهم فى صدورهم " .
واختلف فى لفظ الإنجيل فقيل اسم عبرانى وقيل سريانى وقيل عربى وعلى الأخير قيل مشتق من النجل وهو الأصل أو من نجلت الشئ أى أظهرته أو من نجله إذا استخرجه وقيل غير ذلك . وحكى شمر عن الأصمعى : الإنجيل كل كتاب مكتوب وافر السطور وهو إفعيل من النجل وقد أوسع فيه الخفاجى فى شفاء العليل وغيره " . انتهى النقل .
... وقال الإمام القرطبى فى تفسيره ( ج 4 ص 6 ) : " من نَجَلْتُ الشئ إذا استخرجته فالإنجيل مستخرج مثل الولد والنسل يقال لكل منهم نجلاً لخروجه كما قيل :
إلى مَعْشَرٍ لم يُورِثِ اللؤمَ جَدُّهم أصاغرَهم وكلُّ فَحْل لهم نَجْلُ
والنَّجْل : الماء الذى يخرج من النَزَّ ، واستنجلت الأرض ، وبها نِجَالٌ إذا خرج منها الماء من النَّجَل فى العين ( بالتحريك ) وهو سعتها ، وطعنة نجلاء أى واسعة . قال القائل :
رُبَّما ضَرْبةٍ بسيفٍ صقيلٍ بين بُصْرَى وطعنة نَجْلاء
فسمى الإنجيل بذلك لأنَّ فيه توسعة خلاف التوراة . روى فى قصة مناجاة موسى ( إنه قال " يا رب أرى فى الألواح أقواما أناجيلهم فى صدورهم فاجعلهم أمتى ، فقال الله تعالى له : تلك أمة أحمد( " . انتهى .(1/47)
وقال المُفسِّر الشيعى أبو على الطبرسى فى تفسيره ( ج 2 ص694 ) :
" وأمَّا الإنجيل بفتح الهمزة فمثال غير معروف النظير فى كلامهم لأنه ليس فى كلامهم أفعيل بفتح الهمزة ولو كان أعجميا لكان فيه ضرب من الحجاج لكنه عندهم عربى وهو إفعيل من نَجَل يَنْجُل إذا أثار واستخرج ، ومنه نَجْلُ الرجل لولده لأنه استخرجهم من صلبه ومن بطن امرأته قال الأعشى :
أنْجَبَ أزْمَان والِداهُ بِهِ إذْ نَجَلاهُ فَنِعْمَ مَا نَجَلا (1)
أى أنجب والداه أزمان إذ نجلاه ، ففصل بين المضاف الذى هو أزمان وبين المضاف إليه الذى هو إذ كقولهم حينئذ ويومئذ بالفاعل . وقيل له إنجيل لأنَّ به يستخرج علم الحلال والحرام . وذاك من نَجَل يَنْجُل إذا استخرج لما فى الكتابين التوراة والإنجيل من معرفة الحلال والحرام .... وقال على بن عيسى : النجل الأصل فكأن الإنجيل أصل من أصول العلم . وقال غيره النجل الفرع ومنه قيل للولد نجل فكأن الإنجيل فرع على التوراة يستخرج منها . وقال بن فضال : ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. أى أتى بولد نجيب .
هو من النَجَل وهو من السعة يقال عين نجلاء وطعنة نجلاء وكأنه وسع عليهم فى الإنجيل ما ضيق على أهل التوراة وكل محتمل " . انتهى
... وأمَّا عن معجم ألفاظ القرآن الكريم لمجمع اللغة العربية ( راجع ج 1 ص 62 ) فقد وجدت فيه عجباً ..!! لقد وضع مؤلفوه كلمة إنجيل تحت مادة ( إ ن ج ى ل ) ولم يتكلموا عن معنى الكلمة اطلاقا . ولقد اتضح معنى ذلك التجاهل اللغوى للكلمة فى المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية أيضا حيث جاء فى ( ج 1 ص 29 ) ما نصه " الإنجيل : كتاب الله المنزل على عيسى ( وهى كلمة يونانية معناها البشارة ( ج ) أناجيل " .(1/48)
قلت جمال : وبعد التأنى والتدبر فى أقوال علماء العربية حول معنى كلمة إنجيل وهم بين معترف بأعجمية الكلمة وبين مُقِرّ بعروبتها . لم أجد فى أقوالهم جميعا أى دليل بَيِّن أو برهان واضح يثبت عروبة الكلمة بشكل يقينى . أو تبيان اللسان الأعجمى الذى جاءت منه هذه الكلمة بالدليل القاطع .
وقد سبق دراسة أصول الكلمة فى اللغة اليونانية ووجدنا اختلافا بَيِّنًا بين تلك الأصول وبين الكلمة العربية إنجيل سواء فى المنطوق الصوتى للكلمة أو فى المعنى المراد منها . علاوة على أنَّ الكلمة العربية إنجيل نجد حرف الجيم فيها مُخففا أى ليس عليه علامة الشدَّة الدالة على تكرار الحرف فى الكلمة . فتأملوا رحمكم الله فى هذه العلامة المميزة وقارنوها بحرف الجيم اليونانى ( ? ) المكرر فى الكلمة اليونانية ( (((((((((( ) التى زعموا أنها أصل كلمة إنجيل العربية . إضافة إلى أنَّ الاشتقاقات العربية التى وردت فى المعاجم العربية مبنية على الظن والتخمين ، حيث أنَّ الجذر اللغوى للكلمة ليس هو ( ن ج ل ) كما جاء فى المعاجم العربية كما سنرى بإذن الله تعالى .
تأصيل كلمة إنجيل فى اللسان العربى
======================
إذا استطعنا أن نثبت وجود هذه الكلمة فى اللسان العربى القديم أو أن نجد لها عائلة لغوية مشابهة فى البنيان اللغوى فإننا نكون بعون الله قد عرفنا انتماء هذه الكلمة إلى تلك العائلة اللغوية فى اللسان العربى القديم . وإن استطعنا أن نثبت السبق التاريخى لعائلة الكلمات التى تنتمى إليها كلمة إنجيل على التواجد اللغوى اليونانى المعروف فإننا نكون قد حددنا بشكل قاطع الانتماء اللغوى للكلمة إلى اللسان العربى القديم .(1/49)
... ومع الحذر الشديد فإنى استخدم عبارة اللسان العربى عِوَضاً عن عبارة اللغة العربية . حيث أنَّ هناك فرقا كبيرا بين التعبيرين فاللسان العربى تجتمع فيه عدة لغات منها اللغة العربية المعروفة . ومن قرأ تاريخ المنطقة العربية الكبرى والحضارات التى قامت فيها بالقراءة المعاصرة ، أى بعد فك رموز ونقوش الكتابات الأثرية التى وجدت محفورة على الألواح الطينية فى عدة مواقع بالعراق ومن أشهرها ألواح مكتبة آشور بانيبال التى تعد بالآلاف . وأيضا فى عدة من المواقع السورية مثل رأس الشمرا وأوغاريت وأبيلا وغيرها تَعَرَّفَ العلماء على اللغات الأكدية والكلدانية والآرامية خاصة والتى خرجت منها عدة لهجات لغوية مثل الكنعانية والفينيقية و......الخ .
... كل تلك اللغات واللهجات تعتبر من اللسان العربى القديم يمكن التعرف عليها من طريقة الكتابة والاشتقاقات اللغوية . إضافة إلى أنَّ العربى حتى وقتنا الحاضر يستطيع أن يفهم أجزاء كثيرة منها إذا سمعها سماعاً صحيحا ، لتعذر قراءتها إلا على المتخصصين وهناك الكثير من مفردات هذه اللغات صدَّق عليها اللسان العربى المبين أى القرآن الكريم لتصبح عربية بشكل قاطع يقينى . مع ملاحظة أن طريقة الكتابة كانت خاضعة دوما للتجديد بغرض التحسين وتسهيل القراءة والكتابة .
... ثم إذا نزلنا إلى شبه الجزيرة العربية سوف نجد عدة لغات أخرى ففى أقصى الجنوب العربى نجد المعينية والسبئية والحميرية و... و... وفى المناطق الشمالية للجزيرة العربية نجد الثمودية واللحيانية والصفوية ثم النبطية التى كانت صورة معدلة من الآرامية وهى اللغة التى طورتها قريش لتصبح اللغة العربية المعروفة قبل ظهور الإسلام بحوالى ثلاثة قرون . وما بين الشمال والجنوب العربى تواجدت عدة لغات أيضا فى كل من مناطق تبوك والحجاز ونجد وودان والجوف وتيماء و...... الخ . وكل تلك اللغات يجمعها اللسان العربى القديم .(1/50)
... ثم فى آخر المطاف نجد وثائق البحر الميت التى تم اكتشافها فى الفترة الواقعة بين سنة 1949م وحتى سنة 1972م . وهى عبارة عن كتابات اليهود الأسينيين التى يرجع تاريخ كتابتها إلى الفترة الواقعة بين المائة سنة قبل ميلاد المسيح ( وإلى سنة 70 بعد الميلاد وهى وثائق دينية مكتوبة باللغة الآرامية لغة المسيح ( وكتب بعضها بالرسم الأشورى ذو الحروف المربعة فظن الكثيرون بأنها الخط العبرى الذى ظهر فيما بعد . وكلها أيضا من لغات اللسان العربى القديم . وعندى أدلة قوية تثبت أنَّ كثيرا من كلمات اللسان العربى المبين موجودة فيما عُثِرَ عليه من وثائق مكتوبة بـ اللسان العربى القديم (1) .
قال تعالى : ( وإنه لفى زبر الأولين ( ( 196 / الشعراء ) . والضمير هنا يعود إلى اللسان العربى المبين حسب قولى والله تعالى أعلم . ولقد قام عدة من العلماء الأفاضل بتقسيم لغات اللسان العربى القديم إلى مجموعات لغوية كان أيسرهم وأفضلهم إلى الدارس تقسيم العلامة الدكتور جواد على فى موسوعته ( المفصل فى تاريخ العرب ) حيث تم تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات حسب أداة التعريف (2) : ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع تلك الأدلة باستفاضة فى كتابى اللغة التى تكلم بها المسيح عليه السلام .
(2) .. المفصل فى تاريخ العرب ج 8 ص 673 .
... ـ مجموعة أل فى العربية الشمالية حيث توضع أداة التعريف ( أل ) فى أول الاسم .
... ـ مجموعة ن أو ان فى العربية الجنوبية حيث توضع أداة التعريف ( ن أو ان ) فى آخر الاسم .
... ـ مجموعة هـ أو ها كما فى اللحيانية والثمودية والصفوية حيث توضع أداة التعريف ( هـ أو ها ) فى أول الاسم .
وأكتفى بذلك القدر اليسير من تاريخ اللسان العربى القديم والذى اشتمل على عدة لغات تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ من قبل تواجد اليونان على مسرح الأحداث التاريخية . ونعود إلى بحثنا عن كلمة إنجيل .(1/51)
... هناك عائلة لغوية لأسماء عدة تنسب إلى إله السماوات السبع الذى كان يطلق عليه أجدادنا بلسانهم العربى القديم اسم إيل . وكثيرا من أسماء هذه العائلة يعود إلى تاريخ ما قبل التوراة . وقد أرجع القرآن الكريم بعضها إلى زمن أبى البشر آدم ( .
... فمثلا نجد أنَّ أسماء ابنى آدم هابيل و قابيل يمكن كتابتها هكذا للتوضيح ( هاب ـ يل ) و ( قاب ـ يل ) مع ملاحظة أنَّ المقطع ( يل ) هو اسم الإله إيل عند الإضافة . ثم نجد أنَّ نبىّ الله إبراهيم ( قد أطلق على ابنه البكر اسم إسماعيل أى ( إسماع ـ يل ) . ثم حفيده يدعى إسرائيل أى ( إسراء ـ يل ) . ومن المعلوم أنَّ إبراهيم ( كان آراميا حسب قول التوراة (1) وأنَّ إسماعيل هو جد العرب المستعربة كما يقولون .
ونجد من أسماء ملائكة الله الأسماء الآتية : جبريل ( جبر ـ يل ) وميكائيل ( ميكاء ـ يل ) و إسرافيل ( إسراف ـ يل ) (2) وعزرائيل ( عزراء ـ يل ) (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. سفر التثنية ( 26 : 5 ) .
(2) .. هو الملك نافخ البوق إيذانا بقيام الساعة ، ورد اسمه فى السنة .
(3) .. هو ملك الموت عند العامة وفى التراث القديم .
وهذه الأسماء الثمانية من البشر ومن الملائكة لا يعرف عنها شئ فى التراث اليونانى الوثنى إلا من خلال ترجمة الأسفار اليهودية . إضافة إلى أنَّ نبىّ الله إبراهيم ( لا يزال يدعى عند المسلمين والنصارى واليهود بأنه خليل الله . والاسم خليل يمكن كتابته أيضا على الصورة ( خل ـ يل ) أى خِلُّ الله بمعنى صَفّى الله فى حالة كون يل هو من أسماء الله فى اللسان العربى القديم .(1/52)
وعند قراءة ألواح أوغاريت التى تم اكتشافها فى عام 1929 م نجد أنها مكتوبة بخط عربى قديم ـ أى لا يشابه الخط الحالى ـ مكون من ثمانية وعشرين حرفا يرجع تاريخ كتابتها إلى الألف الثالثة قبل الميلاد أى قبل تدوين أسفار العهد القديم العبرانية . حيث نجد فيها ذكرا مستفيضا عن الإله إيل رب السموات الذى يعتلى عرشه فى السماء السابعة .
وقد شاعت عبادة ذلك الإله فى معظم الحواضر السورية القديمة . إلا أنَّ الإنسان من دأبه الجهول كان دوما يتدخل بمعاونة الشيطان الرجيم على تشويه عبادة الإله الواحد ، فجعلوا له زوجة وبنين وبنات . والشئ الهام فى بحثنا أننا نجد أسماء كنعانية قديمة تنتمى إلى العائلة التى تنسب أسماء أفرادها إلى الإله يل . فنجد مثلا : غلاميل ( غلام ـ يل ) ، أبيكيل ( أبيك ـ يل ) (1) .
وعند قراءة أسفار العهد القديم اليهودية سوف نجد بضع عشرات من أسماء تلك العائلة لأسماء أشخاص وأسماء مواقع وبلدان أختار منهم هنا قدرا يسيرا .
فمن أسماء الرجال نجد أنَّ هناك رجلا عربيا من أهل الشمال يدعى أبيئيل ( أبى ـ يل ) مذكور فى ( 1 صم 9 : 1 ،14 : 51 ؛ 1أخبار 11 :32 ) وهناك رجل عربى من أقصى الجنوب العربى يدعى أبيمايل ( أبيما ـ يل ) مذكور فى ( تك 10 : 28 ؛ 1 أخبار 1 : 22) . وهناك أمير عربى شمالى يدعى زبديئيل ( زبدى ـ يل ) مذكور فى ( المكابين الأول 11 :17) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع مغامرة العقل الأولى ص 110 بشئ من التصرف .
وهناك عدة من الأسماء الإسرائيلية مثل : راحيل ( راح ـ يل ) و رفائيل ( رفا ـ يل ) و صموئيل ( صمو ـ يل ) و عِمّانوئيل ( عمانو ـ يل ) و ميخائيل ( ميخا ـ يل ) و حزقئيل ( حزق ـ يل ) و يزرعيل ( يزرع ـ يل ) .
ومن أسماء الأماكن نجد : قبصئيل ( قبص ـ يل ) ومجدل إيل ( مجدل ـ يل ) و نحليئيل ( نحلى ـ يل ) إلى غير ذلك من أسماء عدة لا داعى لذكرها .(1/53)
... وحيث أنه قد تم التعرف على أكبر حشد من عائلة الأسماء التى تنتهى بالمقطع ( يل ) المعبر عنه فى الترجمات العربية لنصوص الكتاب المقدس بلفظ الجلالة الله . فلا غرابة فى انتماء الاسم إنجيل إلى هذه العائلة اللغوية وخاصة أنَّ المسيح ( قد نشأ وتربى فى هذه البيئة الشرقية النابع منها أسماء هذه العائلة بدءًا من أبناء آدم ( هاب ـ يل ) و( قاب ـ يل ) مرورا بخليل الله ( خل ـ يل ) وابنه ( إسماع ـ يل ) ثم حفيده ( إسراء ـ يل ) ثم انتهاءً بـ ( عمانو ـ يل ) .
وعلى ذلك الانتماء اللغوى العربى القوى المتين ، السابق للغة اليونانية وحضارتها . يمكننا قراءة الاسم إنجيل هكذا ( إنج ـ يل ) بدون تكلف منا .
ولنبحث الآن فى معنى العبارة وفق ما سمحوا لأنفسهم فى تفسير أسماء عائلة الأسماء السابقة :
فمعنى الكلمة إنج فى اللسان العربى إمَّا من الجذر ( ن ج و ) بتخفيف الجيم بمعنى المناجاة . وإمَّا أن تكون من الجذر ( ن ج ى ) بتخفيف الجيم بمعنى النجاة . وحيث أنَّ الكلمة الثانية يل تشير باعتراف الجميع إلى الله سبحانه وتعالى . فيكون معنى الاسم إنجيل هو ( مناجاة الله أو نجاة الله ) أو ما شابه ذلك من معان تبعا لقانون تبادل الياء والواو فى الساميات .
... وحيث أنه قد تم إثبات معنى كلمة إنجيل من الأصول اليونانية بأنها تدل على كتاب أصلا فى ملء المعنى . فيكون معنى الاسم إنجيل هو ( كتاب مناجاة الله أو كتاب نجاة الله ) بمعنى أنَّ القارىء فى ذلك الكتاب يناجى الله . وأنَّ المؤمن بذلك الكتاب ناج من عذاب الله . والله تعالى أعلم بحقيقة الأمر . وحسبى أننى قد اجتهدت حسب وسعى وعلمى .
وكلمة النجاة هنا هى أصل كلمة خلاص و المخلِّص عند إخواننا المسيحيين . وعلى ذلك يكون الإنجيل هو ( كتاب خلاص الله ) للبشر أو ما شابه ذلك من معان . فتم بحمد الله جمع الشمل بين الموروث العربى القديم والموروث النصرانى العربى فى ظل اللسان العربى القديم .(1/54)
ألم يقل الشاعر العربى الجاهلى القديم عدى بن زيد العبادى :
وأوتينا الملك والإنجيل نقرؤه نشفى بحكمته أحلامنا عللا (1)
فأشار إلى كتاب يسمى الإنجيل يقرأ ما فيه . وأتى بصيغة الإفراد ولم يقل الأناجيل المعروفة ..!!
ومن أصرَّ من القوم على القول بأنَّ معنى كلمة إنجيل هو البشارة فأقول له مهلا إنَّ ( كتاب خلاص الله ) لعباده هو فى حد ذاته أكبر بشارة . وإنَّ ( كتاب مناجاة الله ) لعباده هو أعظم من البشارة ذاتها ، فمناجاة الله لعباده لهو أفضل شىء عند المؤمنين . وليس بـ بشارة الكلمة اليونانية ( ?????????? ) بميلاد الإمبراطور ( الإله والمُخلِّص ) أو انتصاره ..!!
ومعلوم عند كل ذى عين ولب أنَّ الأسماء تظل كما هى بين اللغات . والكلمة اليونانية فيها حرف الجيم ( ? ) مشدَّد ( أى مكرر ?? ) خلاف الكلمة العربية المخففة الجيم ( انج ـ يل ) فهى من باب آخر .
كما أنه لا توجد لغة أعجمية تضرب فى القِدَم إلى عهد ابنى آدم وإلى عهد إبراهيم ( تحتوى على كلمة مماثلة لكلمة إنجيل حتى يذهب بعض علمائنا الأفاضل إلى القول بأنها كلمة أعجمية ويوردونها فى المعاجم الحديثة تحت مادة ( إ ن ج ى ل ) كما جاء فى معجم ألفاظ القرآن الكريم والمعجم الوسيط وكلاهما من أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة ..!!
قال الله سبحانه وتعالى فى قرآنه ( الآيات 192 ـ 199 / الشعراء ) :
( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. نقلا عن كتاب أديان العرب قبل الإسلام للأب جرجس داود ص 269. ...(1/55)
الْمُنذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِىِّ مُبِينٍ . وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الأوَّلِينَ . أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِى إِسْرَائِيلَ . وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ . فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ( . فجاء النصّ على أنَّ كلمات القرآن كلها من اللسان العربى المبين الموجودة فى زبر الأولين أى كتب الأولين . ومن ضمن كلماته الكريمة وردت كلمة إنجيل اثنتى عشرة مرة ألا تكفى شهادة القرآن الكريم بعروبة الكلمة إنجيل ..!!؟؟
اللهم تقبل منى ذلك الجهد الزهيد ، جهد المقل الراجى عفو ربه
واجعلنى ممن تكون آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين .(1/56)
المبحث الرابع
========
اسم الدِّين الذى جاء به المسيح
- عليه السلام -
فاتحة البحث
======
الحمد لله مُقلب القلوب والأبصار ، مُثبت العقول عن الزيغ والضلال . جاعل الإيمان فى قلوب مَن يخشونه وبأمره ونهيه يعملون . وبدينه الواحد يُدينون وعلى شرع أنبيائه هم سائرون . والصلاة والسلام على مَن جاءنا بدين الحق والهدى ، نبىّ الإسلام أحمد المجتبى - صلى الله عليه وسلم - .
أمَّا بعد :
فمِن المعالم الأساسية أيضا تبيان اسم الدين الذى جاء به المسيح - عليه السلام - . فلقد دهشت كثيرا عندما بحثت عن اسم الدين الذى جاء به المسيح عيسى - عليه السلام - فى الأناجيل الحالية ، فلم أجد له ذكرا لا فى التوراة ولا فى الأناجيل كلها ..!!
لقد تعددت الشرائع والكتب الإلهية منذ آدم ونوح ، وإدريس وهود . وإلى إبراهيم وبنيه مِن بعده إسماعيل وإسحاق . وكثر أنبياء بنى إسرائيل مِن بعد موسى - عليه السلام - إلى أن جاء يَحْيَى وعيسى عليهما السلام ، فكانا آخرا أنبياء بنى إسرائيل . وبما أنَّ الإله المعبود كان واحدا أحدا ، فلا بُدَّ وأنَّ دين هؤلاء الأنبياء جميعا كان واحدا . هكذا يؤدى العقل السليم والفكر المستنير .
... وتعَدُّدِ الأنبياء دليل على فساد العباد ، وابتعادهم عن المنهج الحق والدين الواحد . واختلف الناس وتعددت أهواءهم وتباينت دياناتهم حسب زعمهم ، كل حزب بما لديهم فرحون . فهذا إسرائيلىّ وآخر يهودى وثالث نصرانىّ ورابع مسيحىّ . وأضحت تلك الدعاوى بمثابة أديان بعد أن كان الناس على دين واحد ويعبدون ربَّا واحدا . ومِن المعلوم أنَّ بداخل هذه الأديان فرق وطوائف شتى .(1/1)
... وهذا المبحث يعود بالقرَّاء ذوى العقول المفتوحة القابلة للجديد إلى العودة إلى الأصل ولكن بفكر العصر . بعد أن شاهدنا ضياع أهم معالم الدين من بين روَّاد علماء المسيحية الأولى والأخيرة ، وتوَهَان المعاصرين فى متاهات أقوال السابقين يُردِّدُون ما قد قيل بدون فهم أو تفكير .
... ومبحثى هذا يبحث عن اسم الدين الذى يتدين به أصحاب الكتاب المكون مِن العهد القديم والعهد الجديد . يبحث بين ثنايا نصوص الأصول الآرامية والعبرية واليونانية عن اسم الدين الذى جاء به كليم الله موسى - عليه السلام - ، واسم الدين الذى جاء به روح الله عيسى ابن مريم - عليه السلام - مؤسس المسيحية حسب اعتقاد المسيحيين .
إنهَّ أمر هام لم يحاول علماء المسيحية الولوج إليه مِن خلال نصوص أصول كتابهم المقدَّس . واكتفوا بالقول بأنهم على الديانة المسيحية وهم لا يعلمون أنَّ المسيح - عليه السلام - لم يتكلم عن ديانة جديدة اسمها المسيحية أو مفارقته لديانة قديمة اسمها اليهودية . وإنما جاء لتصحيح المسار ورفع الآصار . والمناداة بالتوبة والعودة إلى الإله الواحد الأحد ، والإيمان بالإنجيل الذى معه .
... ما اسم الدين الذى جاء به المسيح - عليه السلام - ..!!؟
إنَّه سؤال بديهى تحتار فى الإجابة عنه المراجع المسيحية ، فلن تجد له إجابة شافية مِن أقوال السيد المسيح - عليه السلام - المُسجَّلة فى الأناجيل الأربعة الحالية . ولن تجد له إجابة مِن كتابات العهد الجديد كلها .
بداية البحث
====
لقد سألت الكثيرين مِن علماء المسيحية فى الغرب عن اسم الدين الذى يدينون به كما ورد عن المسيح - عليه السلام - . وللأسف كانت مفاجأة لهم ولم يُجيبنى أحد ولم يُبيِّنوا لى اسم الدين الذى جاء فى العهد القديم . أو اسم الدين المسيحى كما جاء فى الأناجيل ..!!؟(1/2)
... فبحثت عن الكلمة الإنجليزية ريليجن ( religion ) التى هى الترجمة المزعومة لكلمة دين العربية والآرامية ، فلم أجدها فى كل الترجمات الإنجليزية لأسفار الكتاب كله بعهديه إلا عند بولس ويعقوب فقط وبغير معناها المتعارف عليه ..!!
فوردت فى الأصول اليونانية بمعنى اليهودية ( ????????? رقم 2454 ) ( غلاطية 1 : 13 ، 14 ) وليس بمعنى الدين اليهودى . والمحققون يعلمون جيدا أنَّ اليهودية تشير فى أولى معانيها عند أهلها إلى الجنس اليهودى قبل أن تشير إلى الدين الذى يعتنقه هؤلاء اليهود .
ووجدت فى رسالة يعقوب الكلمتين ديانة و متدين وهما فى الأصول اليونانية على التوالى ( ???????? برقم 2356 و ??????? برقم 2357 ) بدون ذكر اسم تلك الديانة .
وفى سفر الأعمال المنسوب للوقا ( 13 : 43 ؛ 26 : 5 ) وجدت على التوالى الكلمتين متهودين ( ???????? ) برقم ( 4576 ) و ديانتا السابق ذكرها عند يعقوب برقم ( 2356 ) .
هذا هو كل الموجود فى الكتاب المقدَّس . يهودية ومتهودين وديانة ومتدين . مع ملاحظة أنَّ الكلمتين يهودية ومتهودين آراميتان والكلمتين ديانة ومتدين يونانيتان فى أصلهما .
فما معنى ذلك ..!!؟ وهل له دلالة معينة ..!!؟
... المتتبع لأسفار الكتاب كله سوف يجد كلمة اليهود كثيرة الورود إلا أنها لا تشير إلى اسم دين معيَّن وإنما تشير إلى جنس شعب مُعَيَّن ( اسطورة شعب الله المختار ) يُدْعَى جزء مِن أفراده باليهود . وهناك منسوبات كثيرة إلى تلك الكلمة : ففى أسفار العهد القديم نجد العبارات لغة اليهود و جيش اليهود و أعداء اليهود و أعياد اليهود و ... الخ . فمن المؤَكَّد أنَّ هناك أيضا دين لليهود ولكن يا أسفاه .. فلا وجود لذكر اسمه فى الأسفار اليهودية كأنَّ بيان الدين ليس مِن المعالم الهامة فى أسفار العهد القديم ..!!(1/3)
فإن اعتبرنا أنَّ اليهود هم ذرية يهودا أحد أبناء نبىّ الله يعقوب - عليه السلام - كما ذهب إلى ذلك القول كثير مِن الباحثين ، فيصبح معنى تلك العبارات : لغة ذرية يهودا وجيش ذرية يهودا وأعداء ذرية يهودا وأعياد ذرية يهودا . فكل العبارات لا تؤدى إلى معنى دين أو تدين . ومِن المعروف أنَّ سبط يهودا كان متواجدا فى الجزء الجنوبى مِن دولة بنى إسرائيل . ويظهر ذلك مِن بعد عصر سليمان - عليه السلام - حين انقسمت مملكته على يد أبنائه إلى مملكتين ، مملكة إسرائيل فى الشمال ومملكة يهودا فى الجنوب . ثمَّ سُمِّى أفراد مملكة الجنوب باليهود دون سائر بنى إسرائيل كما سيأتى بيانه . فظهور كلمة اليهود كان مِن بعد عصر سليمان - عليه السلام - تحديدا .
ولكن عبارة دين اليهود أو ديانة اليهود لم ترد فى الكتاب كله إلا فى العهد الجديد وعلى لسان بولس فقط ( غلاطية 1 : 13 ، 14 ) . فهل ظهرت اليهودية كاسم دين مِن بعد بعثة المسيح - عليه السلام - ..!!؟ ربَّما ..
لأنَّ اليهود لم يكتبوا شيئا عن اسم دينهم وحذفوه مِن أسفارهم المقدَّسة ، كما حذفوا اسم الله مِن أسفارهم وأتوا بدلا منه بالأربعة أحرف ( ى هـ و هـ ) . فغاب مِن أسفارهم اسم الدين واسم صاحب الدين .
ولذلك كان مِن ضمن المعالم الأساسية التى جاء بها السيد المسيح - عليه السلام - هو اظهار اسم الله للناس مِن بعد أن أخفاه اليهود مِن كتبهم ( يوحنا 17 : 6 ، 26 ) . وحذا المسيحيون حذو اليهود فحذفوا بدون عِلم منهم اسم الله مِن كتابهم مِن بعد أن أظهره المسيح لقومه ..!! وسوف نجدهم قد فقدوا أيضا تسجيل اسم الدين الذى جاء به المسيح - عليه السلام - ..!!(1/4)
فهل بيَّن المسيح - عليه السلام - اسم الدين الذى جاء به كما بيَّن وأظهر لقومه اسم الله عزّ وجلّ ..!!؟ أكيد وبالقطع قد فعل .. لأنَّه جاء مُصَدِّقا للتوراة ومتمما لأحكامها ( إنجيل متى 5 : 17 ـ 18 ) . فلا بُدَّ وأنْ يكون قد تكلم عن اسم الدين الذى جاء مِن أجله لقومه . ولكن لم يتصدَّ أحد مِن علماء المسيحية لا فى الشرق ولا فى الغرب لتبيان ذلك الأمر الذى فقِد فى الترجمات اليونانية لأقوال السيد المسيح - عليه السلام - .
إن بحثنا عن اسم الدين المسيحى أو النصرانى فى الأناجيل اليونانية الحالية وسائر أسفار العهد الجديد فلن نجد شيئا يُذكر عنه . وإنَّما سنجد فقط فى سفر الأعمال الكلمتين نصارى و مسيحيين ( أعمال 24 : 5 ؛ 11 : 27 ) . الأولى تشير إلى أتباع تلامذة المسيح اليهود الفلسطينيين المعروفين فى كتب التاريخ بـ أصحاب كنيسة الختان . والثانية تشير إلى أتباع بولس مِن اليونان والرومان الذين رفضوا اسم نصارى وتسموا باسم مسيحيين فى أنطاكية . فالنصارى وُجِدُوا فى التاريخ قبل المسيحيين يقينا ، وهم أقرب عهدا إلى بعثة المسيح - عليه السلام - مِن المسيحيين .
والنصرانية والمسيحية اسمان لطائفتين أو مذهبين وليستا باسمين لدينين تصديقا لما هو مكتوب فى سفر الأعمال مِن أنَّ بولس كان فى أول أمره زعيما لطائفة النصارى ( 24 : 5 ) . وأنَّ أتباع تلك الطائفة مِن اليونان والرومان قد غيَّروا اسم طائفتهم فى أنطاكية مِن نصارى إلى مسيحيين ( أعمال 11 : 27 ) . وظل الأتباع الفلسطينيون مِن بنى إسرائيل والعرب يحملون اسمهم القديم النصارى حتى بداية القرن العشرين .
ومِن المعلوم أنَّ المذاهب أو الطوائف الدينية تخرج دائما من أصل واحد يجمعها .. فما اسم ذلك الدين الأصل الذى جاء به المسيح - عليه السلام - ..!!؟ لا أحد يجيب فعلماء المسيحية صامتون لا يتكلمون عن مثل تلك الأمور البديهية ..!!(1/5)
وهنا استحضرت قول الحق تبارك وتعالى { إنَّ الدين عند الله الإسلام } وقلت فى نفسى هل يمكن أن أجد تصديق تلك الآية القرآنية فى نصوص الكتاب بعهديه القديم والجديد ..!؟ وبدأت البحث والتنقيب عن اسم الدين الذى كان عليه أنبياء بنى إسرائيل .
... إنَّ أول شىء فى التعرُّف على الأديان - إن كانت هناك أديان بصيغة الجمع - هو التعرُّض لاسم الدين قبل الكلام عن تعاليمه . فـ الدين الإسلامى مذكور اسمه فى القرآن وفى أحاديث نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - ، والدين اليهودى لم يذكر اسمه لا فى التوراة ولا فى الصُحُف التى كتبها موسى - عليه السلام - بيده (1) .
... ونجد أيضا أنَّ الدين المسيحى لم يذكر اسمه فى أقوال المسيح - عليه السلام - المسجَّلة فى الأناجيل الحالية ولا فى سائر أسفار العهد الجديد . ثمَّ بعد ذلك علينا البحث عن معنى كلمة دين فى أصول اللغات وقواميسها اللغوية . وهل فعلا كلمة دين العربية يصِحّ ترجمتها إلى كلمة ( religion ) الإنجليزية ..!؟
ولنبدأ مِن الآخر .. ونبحث أولا عن معنى الكلمة ( religion ) الإنجليزية عند أهلها وشيئا عن اشتقاقاتها اللغوية :
... يقول المتخصصون الناطقون بالإنجليزية فى دوائر المعارف الكتابية (2) أنَّ كلمة ( religion ) تعنى وجود علاقة بين البشر وبين المقدَّس ( relationship to the holly ) . وتحديدا يرجع معناها إلى علاقة البشر برب الكتاب المقدس فقط ، أى إلى يهوه فى العهد القديم أو إلى الآب أبو المسيح فى العهد الجديد . وهنا يكثر نقاشهم عن المسلمين الذين يعبدون الله وحده لا إله غيره .
فقلة منهم يقولون بصيغة التضعيف أنَّ الله إله المسلمين هو يهوة وهو الآب المذكورين فى الكتاب المقدس . ومعظمهم يقول بأنَّ الله إله المسلمين ليس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع كتابى " التوراة مصرية " .
((1/6)
2) .. راجع على سبيل المثال دائرة المعارف العالمية القياسية الكتابية :
(The International standard Bible Encyclopedia V 4 page 79 )
إله الكتاب المقدس بعهديه . وبالتالى فإنَّ دين الإسلام لا يدخل تحت عباءة معنى تلك الكلمة الإنجليزية ( religion ) على التحقيق .
ثم تساهلوا جدا فى مدلول كلمة ( religion ) حتى يتمكنوا مِن النقاش مع سائر الأديان الأخرى . فقالوا ليس بشرط أن تكون العلاقة مع يهوه أو الآب فقط . فهناك أديان أخرى تعبد أربابا زائفة متعددة زعموا أنَّ الإسلام منها . وهناك أديان لا وجود لأرباب فيها مثل الديانتين الكنفوشوسية والبوذية اللتان تقومان على أساس أخلاقى بحت . وبذلك يصفوا لهم القول فيما يُطلق عليه بعلم مقارنة الأديان تحت معنى الكلمة الإنجليزية أديان ( religions ) ، وليس تحت المعنى العربىّ أو الآرامىّ أو الأكادىّ لكلمة دين .
مع أنَّ هذه الكلمة العربية دين ومشتقاتها اللغوية كانت مِن مفردات لغة المسيح وقومه فى فلسطين ، كما أنها مذكورة فى أصول نصوص أسفار العهد القديم كما سيأتى اثبات ذلك الأمر بإذن الله تعالى ، ولكنهم لم يتركوها كما هى . فحذفوها وجاؤا بدلا منها بكلمات أخرى لا تؤدى معناها المراد .
... وأمَّا عن أصل كلمة ( religion ) الإنجليزية فقالوا : أنها مأخوذة عن الكلمة اللاتينية ( relegare ) التى تفيد معنى الالتزام . أو أنها مأخوذة عن الكلمة اللاتينية الأخرى ( relegere ) التى تفيد معنى التكرار . كتكرار فعل الصلاة مثلا ، أو تكرار القراءة فى الوثائق المقدَّسة .
وخلاصة القول عندهم : أنَّ اليهود والمسيحيون يؤمنون بأنَّ إله العهد القديم وإله العهد الجديد هو الإله الحق الأوحد وما سواه آلهة باطلة (1) . وهم هنا يُلمزون كثيرا إلى إله المسلمين " الله " الذى يختلف عن يهوه وعن الآب .(1/7)
فإن تم لهم إثبات أنَّ الله هو أبو المسيح أو إثبات أنَّه هو يهوه فإنَّ الإسلام يدخل تحت معنى كلمة ( religion ) على التحقيق . وإن لم يثبت لهم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. The International standard Bible Encyclopedia V 4 page 79 .
صحَّة ذلك الأمر وهو أمر يقينى عندهم فإنَّ الإسلام لا يدخل تحت معنى كلمة ( religion ) الإنجليزية . فهلاَّ أدرك المسلمون ومترجموهم لنصوص الإسلام إلى أنَّ معنى كلمة الدين فى الإسلام أو الإسلام ذاته لا يدخل تحت عباءة الكلمة الإنجليزية ( religion ) ..!!
ثمَّ فلنبحث ثانيا عن معنى كلمة دين فى العربية :
لقد كتب الأستاذ الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله تعالى كتابا مستفيضا حول كلمة الدين العربية فقال فيه بعد استعراض المعانى المتعددة للكلمة فى المعاجم اللغوية بما نصَّه : " وجملة القول فى هذه المعانى اللغوية أنَّ كلمة الدين عند العرب تشير إلى علاقة بين طرفين يعظم أحدهما الآخر ويخضع له . فإذا وُصِف بها الطرف الأول كانت خضوعا وانقيادا . وإن وُصِف بها الطرف الثانى كانت أمرا وسلطانا وحكما والزاما ، وإذا نظر بها إلى الرباط الجامع بين الطرفين كانت هى الدستور المنظم لتلك العلاقة أو المظهر الذى يُعَبر عنها .
ونستطيع الآن أن نقول إنَّ المادة كلها تدور على معنى لزوم الانقياد . فإنَّ الاستعمال الأول ، الدين هو إلزام الانقياد . وفى الاستعمال الثانى هو التزام الانقياد . وفى الاستعمال الثالث هو المبدأ الذى يلتزم الانقياد له " ( كتاب الدين ص 31 ) .
قلت جمال : وقطعا فإنَّ معانى كلمة دين العربية السابقة لا تتطابق مع معنى الكلمة الإنجليزية ( religion ) وبالتالى فإنَّ دين الإسلام لا يمكن له أن يدخل تحت عباءة تلك الكلمة الإنجليزية .(1/8)
... وإن ذهبنا نستطلع أصل كلمة دين فى اللسان العربى بلغاته القديمة المتعددة فإننا نجد أنَّ الجذر اللغوى للكلمة دين هو ذات الكلمة ( د ى ن ) . ومع استعمال القاعدة اللغوية التى تفيد التبادل بين الحروف الثلاثة ( أ ، ى ، و ) نحصل على ثلاثة جذور لغوية هى ( دين ؛ دان ؛ دون ) .
... فالكلمة الأولى دين تؤدى معنى الخضوع والانقياد مِن البشر إلى الله . والكلمة الثانية تؤدى معنى سلطان الله وحكمه وإلزامه للبشر . والكلمة الثالثة تؤدى معنى تسجيل الرباط الجامع بين الله والبشر وهو الكتاب المدوَّن المنظم لتلك العلاقة .
فالخضوع والانقياد لسلطان الله وأوامره المُدَوَّنة فى كتابه المقدَّس يستدعى وجود حساب ( يوم الدين ) ومُحَاسِب ( مالك يوم الدين ، الدَّيَّان ) ومكان يعقد فيه الحِساب ( الدِّيوان ) . وهكذا نجد أنَّ المادة ( د ى ن ) غنية جدا فى اشتقاقاتها (1) . وكل هذه الاشتقاقات اللغوية قديمة جدا . فنجدها فى مجموعة لغات اللسان العربى القديم كالأكادية والآرامية والآشورية والعربية والعبرانية القديمة .
وقد حفظت لنا أسفار العهد القديم تلك الكلمات فى أصولها اللغوية وإن غيَّرها المترجمون إلى كلمات أخرى . ومَن أراد التأكد فليفتح معى أحد القواميس الكتابية الأجنبية وليراجع هذه الكلمات بأرقامها المدونة ليتأكد مِن عروبتها : فهناك كلمة دين ( 1779 ؛ 1778 ) ، وكلمة ديَّان ( 1781 ) وكلمة ديوان ( 1780 ) . وهناك تركيبات الكلمات كـ يوم الدين و يوم الدينونة . وهذه الكلمات طُمِست فى الترجمات العربية المعاصرة وظهرت بدلا منها كلمات أخرى ربما تقترب فى معناها مِن الأصل وربما لا .(1/9)
أعتقد الآن أنَّ الأمر أصبح ميسرا للفهم والبحث عن كلمة الدين بمعناها المعروف والمتفق عليه .. الدين الذى نادى به أنبياء الكتاب المقدس بعهديه . فالله واحد لا يتغيَّر ، والأنبياء تترى كثيرون ، والدعوة إلى الله أصلها واحد . بمعنى إله واحد ودين واحد ومُبلِّغين عن الله كثيرون .
... مِن أقوال علمائهم وقسيسيهم : مِن الأفضل ألا تفهم وألا تسأل .. وألا تُجادل من أجل العلم ..!! تنفيذا لأمر بولس " افعلوا كل شىء بلا دمدمة ولا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. أخذت الجذور الثلاثة هنا على اعتبار فتح الدال والياء والألف والواو تسهيلا على القرَّاء . حيث أنَّ مِن
خصائص العربية أنَّ المعانى تختلف باختلاف التشكيل ، فالدِين بكسر الدال غير الدَين بفتح الدال ، وكلاهما
يفيد الالزام والخضوع ولكن الأولى إلزام سلوكى تجاه الله والثانية إلزام مالى تجاه المدين . وقل مثل ذلك مع
تغيير علامات التشكيل .
مجادلة ، لكى تكونوا بلا لوم وبسطاء أولادا لله بلا عيب ... " ( فيليبى 2 : 14- 15 ) .
ولكنى أقول للقرَّاء : عليكم بأقوال المسيح - عليه السلام - " أخرج أولا الخشبة مِن عينك وحينئذ تبصر جيدا " ( متى 7 : 5 ) وقوله " فتشوا الكتب " ( يوحنا 5 : 39 ) وقوله " اسألوا تعطوا . اطلبوا تجدوا . اقرعوا يفتح لكم . لأنَّ كل مَن يسأل ينال . ومَن يطلب يجد ومَن يقرع يُفتحُ له " ( متى 7 : 7 ـ 8 ؛ لوقا 11 : 9 ـ 10 ) . وأخيرا قوله - عليه السلام - " تعرفون الحق والحق يُحرركم " ( يوحنا 8 : 32 ) .
فتعالوا معى أيها القرَّاء الأعزَّاء لنقرأ بعد تنفيذ تعليمات المسيح - عليه السلام - السابقة . ماذا جاء فى نصّ المزمور ( 76 : 8 ) حين قال صاحب تلك الأنشودة مخاطبا الله سبحانه وتعالى : " مِنَ السماء أصْدَرْتَ حُكْمًا ( دينا ??? ) فلمَّا سمعته الأرض فزعت وصمتت " .(1/10)
والكلمة المكتوبة حُكْمًا نجدها فى أصلها الآرامى ( دينًا ) بإثبات أداة التعريف الآرامية وهى الألف الممدودة فى آخر الكلمة . أى أنَّ أصل الكلمة مُعَرَّفة هو ( الدين ) ، وفى أصلها العبرى القديم ( دينا ??? ) وأحيانا تتحول الياء إلى واو فى العبرية فتكتب ( دون ??? ) وهذه الكلمة نجدها فى القواميس الكتابية المتخصصة تحت رقم ( 1779 ) بمعنى التدوين وديوان المحاكمة .
فتم تغيير كلمة الدين العربية إلى كلمة حكم ، لأنَّ النصّ هنا يشير إلى دين واحد لكل الأرض ومَنْ عليها . وهذا الأمر يُذكِّرنى بقول الحق تبارك وتعالى فى قرآنه الكريم { إنَّا عرضا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان .. } ( 72 / الأحزاب ) . فالأمانة فى النصّ القرآنى واحدة ، أشفقت مِن حَملها السماوات والأرض . والدين الصادر مِن السماء واحد ، فزعت منه الأرض وصمتت فى نصّ المزمور .
فالدين الواحد الذى فزعت مِن حمله الأرض وحمله الإنسان ليس هو الدين اليهودىّ أو الدين النصرانىّ أو الدين المسيحىّ .
... فالدين اليهودى فيه تكاليف وحرام وحلال ولكنه لطائفة مُعينة مِن البشر هم ذرية نبىّ الله يعقوب ( إسرائيل ) .
... والدين المسيحى عالمى لكل البشر ولكن ليس فيه تكاليف شرعية أو حلال وحرام .
... إنَّ الدين الواحد الذى يتكلم عنه النصّ الكتابى ، دين لكل البشر فيه تكاليف مُلزمة يُحاسب على تركها المقصِّرون ويُجازى فيه العاملون . وتلك صفة لا نجدها إلا فى الدين الإسلامى .
... ونجد فى سفر دانيال ( 7 : 10 ) قول النبىّ دانيال فى وصف رؤياه التى رآها عن رب العِزَّة والعرش الإلهى : " وتخدمه ألوف ألوف الملائكة . ويمثل فى حضرته عشرات الألوف ، فانعقد مجلس القضاء ( دين ??? ) وفتحت الأسفار " .(1/11)
... وهنا حُذِفت الكلمة العربية دين أو ديوان التى تحولت إلى مجلس القضاء . وهذه الكلمة تحمل الرقم ( 1780 ) فى القواميس الكتابية . فالنبىّ دانيال هنا يرى فى الرؤيا أنَّ الله قد أسس تحت كل السماء ديناً واحداً ( ??? ) أو ديوانا واحدا للحساب والمحاكمة . وكما هو معلوم أنَّ الدين فيه معنى الحكم والقضاء ومنه كلمة الديوان المشتقة منه لتنفيذ الأمر الإلهى .
... وفى المزمور ( 1 : 5 ) " لذلك لا تقوم لهم ـ الأشرار ـ قائمة فى يوم القضاء ( دين ??? ) ، ولا يكون للخطاة مكان بين جماعة الأبرار " . والكلمة هنا أيضا هى كلمة الدين العربية الآرامية الأكادية . فجاء المترجمون وغيَّروا عبارة يوم الدين إلى عبارة يوم القضاء حتى لا تختلط الأمور مع عبارة يوم الدين القرآنيَّة ..!!
وهكذا تم حذف كلمة الدين ومشتقاتها كـ الديوان و الديَّان و يوم الدين مِن النصوص حتى لا يتكلم أحد عن الدين الواحد الذى أصدره الله مِن السماء ليكون منهاجا لأهل الأرض . وبه وعليه يعقد الديوان الإلهى فى يوم الدين لمجازان الناس على أعمالهم ، فمن يعمل خيراً يره ومَن يعمل شراً يره .
وإن ذهبنا نبحث عن كلمة الدين ومُشتقاتها فى أسفار العهد الجديد فلن نجد شيئا سوى مادة الحساب والمقاضاة ويوم الدينونة بألفاظ يونانية بعيدة جدا عن لغة المسيح وقومه .
وأكتفى بذلك القدر مِن تتبع كلمة الدين ومشتقاتها فى النصوص الكتابية والتى اختفت تماما مِن الترجمات العربية وسائر اللغات الأجنبية . وذلك تخفيفا على القارىء وحتى لا يملّ ، فدائما الأبحاث اللغوية ثقيلة على قرَّاء اليوم .
ولنتكلم الآن عن الإسلام ودين الإسلام :
الإسلام فى لغة القرآن ليس اسما لدين خاص ، وإنما هو اسم للدين المشترك الذى هتف به كل الأنبياء وانتسب إليه كل أتباع الأنبياء .(1/12)
فنوح - عليه السلام - قال { وأمِرْتُ أن أكون مِن المسلمين } ( 72 / يونس ) . ويعقوب - عليه السلام - يوصى بنيه بقوله { فلا تموتن إلا وأنتم مسلمين } ( 132 / البقرة ) . وأبناء يعقوب - عليه السلام - يجيبون أباهم { نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون } ( 133 / البقرة ) . وهذا يوسف - عليه السلام - يدعو الله قائلا { أنت ولىِّ فى الدنيا والآخرة توفنى مُسلِما } ( 101 / يوسف ) ( 84 / يونس ) . وموسى - عليه السلام - يقول لقومه { يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين } . وهذا النبىّ الملك الإسرائيلى سليمان - عليه السلام - يقول لملكة سبأ وقومها { ألا تعلوا علىَّ وأتونى مسلمين } ( 31 / النمل ) . والحواريون يقولون لعيسى - عليه السلام - { آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون } ( 52 / آل عمران ) .
كما أنَّ هناك أيضا فريق مِن أهل الكتاب قالوا حين سمعوا القرآن { آمنا به إنه الحق مِن ربنا إنا كنا مِن قبله مسلمين } ( 53 / القصص ) . واختم الآيات القرآنية بقول فرعون حين أشرف على الغرق { قال آمنت أنَّه لا إله إلا الذى آمنت به بنوا إسرائيل وأنا مِن المسلمين } ( 90 / يونس ) فبيَّن أنَّ بنى إسرائيل كانوا مسلمين . فالإسلام شعار عام يدور فى القرآن على ألسنة الأنبياء وأتباعهم منذ أقدم العصور وإلى زمن البعثة المحمدية .
والقرآن الكريم يجمع كل تلك الدعاوى ليقدمها مرة واحدة إلى مشركى العرب . ويقول لهم أنه لم يشرع لهم دينا جديدا ، وإنما هو دين الأنبياء ورسل الله مِن قبلهم { شرع لكم من الدين ما وصَّى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصَّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } ( 13 / الشورى ) . فما هو اسم ذلك الدين الجامع المشترك الذى هو دين جميع الأنبياء والمرسلين ..!؟ إنه دين الإسلام .(1/13)
وهذا الدين لا يقارن بأى أديان أخرى فالدين واحد والإله واحد . وإنما الشريعة التى أنزلت على خاتم الأنبياء والمرسلين - صلى الله عليه وسلم - هى التى يمكن إيجاد مقارنات بينها وبين شرائع الأنبياء السابقين . كشريعة موسى وشريعة عيسى . ومِن هنا نطلق اسم الإسلام مجازا على الشريعة التى جاء بها مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - . فحينئذ توجد مقارنة بين الإسلام المجازى وبين اليهودية والنصرانية أو المسيحية . مقارنة بين الشرائع وليس بين الأديان فلا توجد أديان على التحقيق وإنما هو دين إلهى واحد .
... فكما لا يوجد ما يطلق عليه بالإسلام المحمدى فى القرآن والسنة . فلا يوجد دين باسم اليهودية فى توراة موسى أو حتى فى أسفار العهد القديم كله . ولا يوجد دين باسم المسيحية أو النصرانية فى الأناجيل كلها . وإنما تلك المسميات أطلقها أتباعها على أنفسهم مِن بعد عصر أنبيائهم . إلا الإسلام فهو مذكور باسمه المعروف فى القرآن والسنة فى عصر رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم - ولم يتسم باسمه الأتباع مِن بعد إنتهاء البعثة الإسلامية ، مثل قوله تعالى { رضى لكم الإسلام دينا } و { إنَّ الدِّين عند الله الإسلام } إلى غير ذلك مِن آيات وأحاديث صحيحة .
فإن نظرنا إلى الانتساب للدِّين ، نجد أنَّ المسلمين يُنسَبُون إلى إسم الإسلام المذكور فى كتابهم . واليهود ينسبون إمَّا إلى اسم شخص يهودا أو يهوذا أو إلى اسم بقعة مِن الأرض هى مملكة يهودا جنوب فلسطين ، ولا يُنسبون إلى كليم الله موسى - عليه السلام - مُبلغ التوراة أو إلى التوراة ذاتها . فيقال عنهم الموسويون أو التوراتيون . فإلى أى شىء يُنسب النصارى والمسيحيون ..!؟(1/14)
هل يُنسبون إلى قرية الناصرة التى لم يكن لها وجود فى زمن المسيح - عليه السلام - حسب التحقيق الإنجيلى (1) ..!؟ أم يُنسَبون إلى اسم دين لا وجود له فى أقوال المسيح المسجلة فى الأناجيل .!!؟ . أم يُنسَبون إلى نصرتهم للمسيح ومعاونتهم له فى توصيل دعوته والدفاع عنه وهذا لم يحدث..!؟ .
فالإسمين مسيحية ومسيحيون لم يكن لهما وجود فى عصر المسيح - عليه السلام - بشهادة أسفار العهد الجديد كلها .
والسؤال الوارد هنا ما هو اسم الدين الذى جاء به المسيح - عليه السلام - واتبعه تلاميذه والمؤمنون به فى عصره ..!؟
ستجدوا الإجابة فى الآيات القرآنية السابقة . فـ الإله واحد هو الله رب العالمين . و دين الله واحد . و ملكوت الله واحد . والمُبلغون عن الله كثيرون . فتعددت الشرائع وتوَحَّدَ الدين .
واختلف الناس فى الإله الواحد ..
فقال اليهود يهوة وقال المسلمون الله . وخرج المسيحيون عن المنهج وقالوا بأنه واحد فى ثلاثة ( الآب والإبن والروح القدس ) ..!!
واختلفوا فى اسم الدين ..
فقد فقِد اسمه ورسمه فى الكتاب المقدس كله فلم يرد فيه اسم الدين الذى دَعَى إليه موسى وسائر أنبياء بنى إسرائيل عليهم السلام . ولم يرد أيضا فى الأناجيل اسم الدين الذى دَعَى إليه المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - . ولكن القرآن الكريم ورد فيه اسم الدين الذى كان يدعوا إليه أنبياء الله ورسله كلهم بما فيهم خاتمهم وإمامهم - صلى الله عليه وسلم - .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع تحقيق ذلك الأمر فى مبحثى لغز الناصرة مِن كتابى " يسوع النصرانى مسيح بولس " .(1/15)
واختلفوا فى الملكوت .. فلم يتعرَّف عليه اليهود إلى الآن ولا يوجد له ذكر فى أسفارهم الكتابية . وتاه فى معناه المسيحيون منذ ألفى سنة ، وهم لا يزالون يسألون الآب إلى الآن فى صلاتهم الربَّانية أن يأتى بملكوته ..!! وعرفه المسلمون بمعانيه المتعددة منذ زمن نزول القرآن .
وربما يقول قائل مِكلام يُجيد الكلام : إنَّ كلمة اليهود كافية للإشارة إلى اسم الدين الذى يعتنقه اليهود . فأقول له هل تقصد مثل قولنا كلمة المسلمون التى فيها اسم الدين الذى يعتنقه المسلمون ألا وهو الإسلام ..!؟
فهذا الأمر صحيح مع المسلمين لأنَّ حروف كلمة الإسلام ( س ل مـ ) موجودة فى كلمة المسلمين . ولكن كلمة اليهود فيها اسم أحد أبناء يعقوب الاثنى عشر وليس فيها حروف اسم الدين الذى يعتنقه اليهود فإلى ماذا تعنى ..!؟
والغريب أنهم انتسبوا إلى يهودا أحد أبناء نبىّ الله يعقوب ، ولم ينتسبوا إلى مِن جاءهم بالتوراة أى موسى - عليه السلام - . ويهودا لم يكن على شريعة التوراة لأنه كان قبل موسى - عليه السلام - بزمن طويل .
ولنفتح سويا أسفار العهد القديم ونبحث عن أول ظهور لكلمة اليهود . فسوف نجد ظهورها الأول فى سفر الملوك الثانى ( 16 : 16 ، 25 : 25 ) أى أنها لم ترد فى كل أسفار التوراة الخمسة الأولى . فلم يعرفها مُبلِّغ التوراة موسى - عليه السلام - .
وإن بحثنا عن معنى كلمة يهود فى القاموس الكتابى العبرى الكلدانى المتخصص ( Gesenius Hebrew-Chaldee Lexicon to O/T ) نجد فيه معنيين : المعنى الأول لكلمة اليهود ( ????? ) : " هى اسم لكل مَن يُنسب إلى مملكة يهودا " (1) . فدولة بنى إسرائيل فى ذلك الزمان ـ أى زمان الملوك ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع الكلمة رقم ( 3064 ) ص 337 فى القاموس الكتابى المتخصص :
( Gesenius Hebrew-Chaldee Lexicon to O/T ) .(1/16)
كانت منقسمة إلى مملكتين أحدهما مملكة إسرائيل فى الشمال وبها عشرة أسباط ومملكة يهودا فى الجنوب وبها سبطين فقط أحدهما سبط يهودا . فاليهود هم المُقيمون بمملكة يهودا فقط فى الجنوب ( 1 / 6 عدد الأسباط ) ، وليسوا بباقى الأسباط الإسرائيلية . وهذا المعنى ينطبق على الكلمة الواردة فى سفر الملوك الثانى .
أمَّا عن المعنى الثانى لكلمة اليهود ( ????? ) فجاء فيه : " وفى العبرية المتأخرة أطلقت كلمة اليهود على كل الإسرائيليين " (1) . وهذا المعنى الثانى نجده تحديدا فى سفر أرميا ( 32 : 12 ، 38 : 19 ، 40 : 11 ، 43 : 9 ) .
فكلمة اليهود فى أسفار العهد القديم تشير إلى اسم شعب مُعَيَّن كقولنا المصريون والسوريون أو العرب أو الإنجليز ، وهى لا تزال إلى الآن بذات المعنى . ولا تزال دولة إسرائيل محجمة عن استصدار التعريف القانونى لمن هو اليهودى . لأنهم يريدون القول بأنَّه هو الذى يعيش فى إسرائيل وليس بالذى يعتنق نفس الديانة ويقيم فى خارج إسرائيل كأمريكا وغيرها مِن بلدان العالم . وهذا التعريف الإسرائيلى يؤلب عليهم يهود العالم فأرجئوا التصديق عليه فى الكنيست ..!!
... الخلاصة :
يبدو مما سبق أنَّ اسم الديانة اليهودية قد وُجِدَ بعد بعثة المسيح - عليه السلام - وفى المرحلة التاريخية التى تقع بين أواخر القرن الثانى وأوائل القرن الثالث بعد الميلاد . هذا وإن كانت بوادرها كدعوة دينية قد ظهرت قبيل بعثة المسيح - عليه السلام - تصديقا لقول المسيح الوارد فى إنجيل متى ( 23 : 15 ) حين خاطب علماء قومه مِن بنى إسرائيل بقوله : " الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون ، فإنكم تطوفون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع الكلمة رقم ( 3064 ) ص 337 فى القاموس الكتابى المتخصص :
( Gesenius Hebrew-Chaldee Lexicon to O/T ) .(1/17)
البحر والبر لتكسبوا متهودا واحدا ، فإذا تهَوَّد جعلتموه أهلا لجهنم ضعف ما أنتم عليه " . فبيَّن المسيح - عليه السلام - أنَّ مَن تهوَّد وترك الدين الذى كانت عليه بنى إسرائيل فهو فى نظر المسيح - عليه السلام - مِن أهل جهنم .
... وهذا النصّ الإنجيلى يُؤدى بنا إلى بيان حقيقة اليهود الاشكنازيين الذين اعتنقوا الديانة اليهودية فى القرن الثانى عشر الميلادى . وهم ليسوا مِن بنى إسرائيل يقينا ولم يكن لهم وجود أبدا بالمنطقة العربية قديما . فموطنهم الأصلى فى البقاع الواقعة شمال سلسلة جبال القوقاز . وعندما تم القضاء على دولتهم تلك بواسطة الروس انساحوا إلى مناطق شرق أوروبا ، ومنها إلى غرب أوروبا وأمريكا . وهم أيضا الذين جاؤا إلى فلسطين وأسسوا دولتهم الحالية إسرائيل . هؤلاء اليهود هم مِن أهل جهنم كما بيَّن المسيح - عليه السلام - .
ووُجِدَت أيضا الديانة المسيحية المنشقة عن النصرانية المنشقة عن ديانة بنى إسرائيل مِن بعد بعثة المسيح - عليه السلام - وبالتحديد منذ عصر بولس . ويبدو أنَّه مِنَ الواضح أنَّ الخلط بين أهل الكتاب العرب القدماء المسلمين الشرقيين الذين قالوا حين سمعوا القرآن { آمنا به إنَّه الحق مِن ربنا إنَّا كنَّا مِن قبله مسلمين } ( 53 / القصص ) وبين أهل الكتاب مِن يهود ونصارى ومسيحيين ـ تلك الطوائف التى ظهرت مِن بعد بعثة المسيح - عليه السلام - مِن مختلف الامم ـ قد أدَّى إلى سوء الفهم وعدم التمييز حتى وصل ذلك الأمر الى الفكر العربى والإسلامى .
إنَّ نصوص التاريخ المسيحى هى وحدها التى تستطيع تحديد التوقيت التاريخى الذى تم فيه استعلان الدعوتين اليهودية والمسيحية كديانتين مختلفتين . وذلك عبر الدراسة المتعمقة لحركة الانشقاق التى قادها بولس الطرسوسى فى مناطق آسيا الصغرى .(1/18)
ومن الغريب أنَّ ذلك الحدث لم يُثر الكثير من الدراسات والتحقيقات المسيحية حتى الآن ، مع انه ربما كان أكبر حدث فى تاريخ الكنيسة البولسية . كما يلاحَظ أنَّ قيام حركة الانشقاق المسيحى فى الكنيسة القديمة كان الهدف منها مطالبة المؤمنين من أتباع بولس فى آسيا الصغرى بالعودة الى دين يهود . وليس إلى الدين الذى جاء به موسى وعيسى عليهما السلام . وترك مسيحية بولس العالمية وتعاليم مسيحه يسوع النصرانى (1) . والمرتدون عن بولس هم أصحاب الديانة اليهودية ، تلك الديانة الوارد ذكرها على لسان بولس والذى أطلق على متبعيها اسم يهود . فهذه علامة مِن جملة علامات تبيِّن نشأت بذور اليهودية كاسم دين .
ومِنَ المعلوم بالضرورة أنَّ أنبياء الله يَحْيَى وعيسى عليهما السلام لم يأتيا بدين جديد وإنما دعيا إلى العودة إلى الدين الصحيح . الدين الذى نادى به أنبياء بنى إسرائيل . وذلك بواسطة التوبة والتعميد فى المياه الجارية لمحو الذنوب والخطايا . وإن كان المسيح - عليه السلام - قد تفرَّد بإتيانه بالإنجيل .
فلو كانت الديانة اليهودية هى ديانة يَحْيَى بن زكريَّا وعيسى ابن مريم عليهم جميعا السلام أو ديانة شعبهم لحفلت نصوص العهد الجديد بذكر تلك الديانة . ولو تواجدت الديانة اليهودية قبل وليس بعد ذلك الوقت لورد ذكرها كديانة فى نصوص العهد القديم .
غير أنَّ دلالة تلك النصوص لهذا الأمر بالذات أى أمر الدين هو فى تشخيصها لذلك الدين فى نصوصها على أنه الإسلام القديم ، سواء دعى أهل ذلك الدين بالصديقين أو بالسالمين أو المسالمين أو بالآمنين المؤمنين .(1/19)
... إنَّ المخطوطات والنقوش القديمة الأشورية والآرامية والأوغاريتية لم تشر إلى ديانة قديمة اسمها اليهودية ، ولكنها أشارت إلى أسماء أديان مشتقة من الجذرين ( ص د ق ؛ س ل م ) . واذا اعتبرنا كذلك الأسماء الالهية فى الكتابات المصرية المشتقة من جذر ( أ مـ ن ) يصبح بالإمكان تحسس وجود مغرق فى القدم للدين الإسلامى الذى ما زال علماء أهل الكتاب الغربيون يُطلقون عليه مسمى الإسلام الأوّلِى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع تحقيق ذلك الأمر فى كتابى " يسوع النصرانى مسيح بولس " .
وهناك اعتراف صريح فى الموسوعات الكتابية المسيحية بدين العرب القدماء (1) الذى ورثوه عن آبائهم إبراهيم وإسماعيل . وهذا الدين يُطلق عليه الباحثون المسيحيون الغربيون اسم ( Pre-Islamic ) أى الإسلام الأوّلى ..!! والذى يُسميه القرآن بدين الإسلام بدون أول أو آخر ..!!
وهم يعترفون بأنَّ هذا الدين الإسلامى الأوَّل كان له وجود بين عرب الشمال القيداريون ـ نسبة إلى أبيهم قيدار بن اسماعيل بن إبراهيم ـ فى الفترة الواقعة بين سنة 1200 ق م وإلى توقيت ظهور الإسلام من مكة المكرمة .
وقد وردت إشارات تاريخية عن بنى قيدار ـ القيداريون ـ فى التراث الأشورى المكتشف حديثا ، تثبت أنه كان للقيداريين قوة ورهبة يعمل المناوئون لها على تفاديها ( وثائق أشور بانيبال 632 ـ 668 ق م ) .
وهناك أيضا بعض الوثائق المصرية المكتوبة بالآرامية فى القرن الخامس قبل الميلاد تشيرإلى الملك العربى جشيم ( Geshem ) والذى تقول عنه موسوعة زندرفان الكتابية (1) أنه هو المذكور فى سفر نحميا ( 2 : 19 ؛ 6 : 1 ـ 6 ) وهو ملك بنى قيدار . وجشيم هذا يرد اسمه فى النسخ العربية تحت مسمى جاشم . والأصح أن يكون جاسم أو قاسم ( السين فى العربية تتحول غالبا إلى شين فى العبرية ) .(1/20)
... إنَّ من يقرأ كتابات بولس وباقى رسائل العهد الجديد باستثناء الأناجيل الأربعة وسفر الأعمال ، سيجد أنَّ أسفار العهد القديم هى المرجع الأساسى للمعلومات الدينية المسيحية ، إضافة إلى الرؤى والأحلام الممزوجة بالأساطير ولم يذكر أحد منهم قولا واحدا مأخوذ عن المسيح ابن مريم - عليه السلام - .
... فعلى سبيل المثال عندما أشار صاحب الرسالة إلى العبرانيين إلى الخونة والمستهترين ذكر عيسو الذى باع حقوقه بوصفه الابن البكر لقاء أكلة واحدة ( 12 : 16 ) . ولم يذكر يهوذا الذى خان ابن مريم - عليه السلام - وباعه بثلاثين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. Pictorial Encyclopedia of the Bible v3 page 779
قطعة من الفضة ( متى 26 : 14 ـ 16 ؛ مرقس 14 : 10 ـ 11 ؛ لوقا 22 : 3 ـ 6 ) .
وكل أقوالهم تنصب على مسيح بولس الجنِّىّ (1) ذلك الابن الروحانى الجاهز التحضير لمحو آثار رسالة ابن مريم - عليه السلام - . فلا التوبة ولا الإيمان بملكوت الله القادم ولا الاعتراف برسالة المسيح ابن مريم - عليه السلام - ولا معجزاته التى أجراها الله على يديه ولا غير ذلك مما ورد عن ابن مريم له قيمة فى لاهوت بولس ودعوته العالمية . ولم يذكر أحد منهم أنَّ المسيح الذى يتكلمون عنه كان مُعَلما وهاهى تعاليمه . فكل الذى ذكروه من أقوال نسبوها مباشرة إلى الله أخذوها بطريق الرؤى والأحلام أو اقتبسوها من أسفار العهد القديم ، ولا شىء مِن أوعَن إنجيل المسيح ابن مريم - عليه السلام - .(1/21)
ربما يستدرك علىَّ بعض أنصاف المثقفين ويقولون بأنَّ الأناجيل كتبت فى زمن مبكر ، فى سنة خمسين أو ستين كما هو متوارث بين إخواننا المسيحيين من العرب . فأقول لهم اقرءوا جيدا فى تاريخ المسيحية وشهادة علماء النقد المسيحى لتعلموا أنَّ آباء الكنيسة الأولى مثل كليمنت واغناطيوس وبوليكارب ومؤلف رسالة برنابا وغيرهم كثير . لم يعرف أحد منهم شيئا عن الأناجيل فى ذلك الزمان ولم يذكروها فى كتبهم . ومناظراتهم مع الهراطقة الأول تشهد على ذلك .
... وهنا وجد آباء الكنيسة اليونانية من بعد عصر بولس أنَّ دعوتهم لا تستند إلى تقليد متوارث عن الآباء يعود فى أصله إلى شخصية تاريخية خلاف شخصية مسيح بولس الوهمية الروحية . ففى حوالى سنة 107 ميلادية قام أسقف أنطاكيا المدعو اغناطيوس أثناء رحلته وهو أسير فى قبضة الجنود الرومان إلى روما لإعدامه بها ، قام بكتابة عدة رسائل للمسيحيين يعترف فيها بأنَّ الإيمان الصحيح لا يكون إلا بالإيمان بالمسيح ابن مريم - عليه السلام - الذى صلب فى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع التفصيل والايضاح فى كتابى " يسوع النصرانى مسيح بولس " .
عهد بيلاطس المولود حقيقة من مريم بدون زرع بشرى ، الذى أكل وشرب و ..... الخ .
ولن نجد مثل ذلك الكلام أو شبيهه فى كل رسائل العهد الجديد التى ألِّفت قبل زمن أغناطيوس مثل رسائل بولس كلها أو يعقوب أو العبرانيين أو بطرس الأولى والثانية أو يوحنا الأولى والثانية والثالثة أو رؤيا يوحنا أو الديداخى أو كليمنت الأولى أو ... أو ... الخ . وفى معظم رسائل أغناطيوس نجده دائما يُرَكِّز على الاعتقاد فى المسيح ابن مريم - عليه السلام - الرجل الذى عاش فى زمن هيرود ومات فى عصر بيلاطس .
... ... إنها مؤمرة صمت رهيبة قبل زمن أغناطيوس لمحو ذِكر ابن مريم - عليه السلام - من ذاكرة الناس ..!!(1/22)
... وإن بحثنا عن أول اشارة لمعجزات المسيح ابن مريم نجدها فى رسالة برنابا من بعد أغناطيوس فى التوقيت التاريخى . ولا توجد أدنى اشارة إلى معجزات ابن مريم قبل برنابا . وتلك أيضا مؤامرة صمت موجهة ضد المسيح ابن مريم - عليه السلام - ..!!
... واستمر الحال على ما هو عليه إلى أن ظهرت الأناجيل الأربعة على مسرح التاريخ وإن لم يُعْرَف كاتبوها أو مترجموها على التحقيق إلى الآن .
فقال كاتب إنجيل لوقا على سبيل المثال فى افتتاحية إنجيله بما نصّه :
" إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة فى الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة ( لوجوس ????? ) . رأيت أنا أيضا إذ تتبعت كل شىء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالى إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذى عُلمت به . كان فى أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه ........... " . وأخذ فى تأليف وسرد قصته عن المسيح ابن مريم - عليه السلام - وإن اختلطت بما يسمى بـ الكلمة أى اللوجوس أى مسيح بولس الابن السماوى .
... وبدأ المسيحيون اليونانيون الأوائل أتباع بولس يعرفون شيئا عن ابن مريم - عليه السلام - مَنْ هى أمه ، ومَنْ هم أقاربه ، وكيف وُلد ، وفى عهد مَنْ وُلد وفى أى بقعة أرضية وُجد ، ومتى جاءته الرسالة ، وما هى مُدتها ، وما هى أصولها وفروعها وأساسها الذى وضعه ابن مريم ، وبماذا عَلَّمَ ابن مريم وبأى لغة تكلم . ومَن هم تلاميذه ، والمعجزات التى جرت على يديه . وأشياء أخرى كثيرة تتكلم عن مسيح بشرى اسمه عيسى ابن مريم وليس عيسى النصرانى الذى ترائى لبولس من السماء فى عالم الرؤيا .
... وتغير كلام المسيحيين اليونانيين الأوائل من الحديث عن تجليات المسيح الابن السماوى من خلال الرؤى والأحلام ، إلى الحديث عن المسيح ابن مريم الذى جاء وأعلن رسالته المكملة للتوراة وأحكامها فى فلسطين . المسيح المُعَلِّم بالوصايا والأمثال الرائعة .(1/23)
فإذا كان هذا هو حال بولس اليهودى الفريسىّ وأتباعه مِن اليونان الذين تسموا باسم المسيحيين وانفصلوا عن طائفة النصارى فى فلسطين . فكيف بنا أن نتعرَّف على اسم دين إلهى غاب صاحبه ومُبلِّغه وجميع تعاليمه ..!!؟
هذا هو حال المسيحية لا النصرانية . والأمر يحتاج لتتبع واستقصاء وفهم جيد لقراءة التاريخ الدينى منذ إنتهاء بعثة المسيح - عليه السلام - وإلى نهاية القرن الثانى الميلادى . ففى تلك الفترة مِن الزمان ظهرت المسيحية كاسم طائفة منشقة على النصرانية ، وكلاهما ليستا باسم لدين جاء به المسيح - عليه السلام - . وإنما هما انتساب إلى بلدة مزعومة أو إلى لقب المسيح . وحال الطائفتين النصرانية والمسيحية يشابه على سبيل المثال حال طائفة أهل السنة وطائفة الشيعة مع الفارق الكبير ، فليس اسم أهل السنة باسم دين وكذلك اسم الشيعة ، ولكنهما انبثقا عن دين جامع اسمه دين الإسلام .
فما هو اسم ذلك الدين الجامع الذى انبثقت منه طائفة النصارى والطائفة المسيحية ..!!؟ إنَّه سؤال هام بديهى ينتظر إجابة مقنعة بأدلة مِن داخل نصوص الكتاب المقدَّس . فهل مِن مُجيب يا أهل العلم والإيمان ..!!؟(1/24)
... وخير ختام لهذا المبحث هو ذِكْر آيات مِن الذكر الحكيم تُبيِّن الدين الذى كان عليه أنبياء الله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام كما تتحدث عن وصية كل مِن إبراهيم ويعقوب إلى بنيهم . فقال تعالى : { ومَن يرغب عن ملة إبراهيم إلا مَن سفه نفسه ، ولقد اصطفيناه فى الدنيا وإنَّه فى الآخرة لمِن الصالحين . إذ قال له ربُّهُ أسلم ، قال أسلمت لرب العالمين . ووصَّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب : يا بَنِىّ إنَّ الله اصطفى لكم الدِّينَ فلا تموتنَّ إلا وأنتم مُسلِمُون . أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوبَ الموتُ إذ قال لبنيه ما تعبدون مِن بعدى ..!؟ قالوا : نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مُسلمون } ( 131 ـ 133 / سورة البقرة ) .(1/25)
.. القسم الثانى ..
أصول رسالة المسيح - عليه السلام -
والبشارة بملكوت الله القادم
وتحوّل الرسالة إلى الأمَّة العربية
ومحدودية رسالة المسيح - عليه السلام - لبنى إسرائيل
وعالمية رسالة خاتم المرسلين - صلى الله عليه وسلم -
المبحث الأول
======
أصُول رسَالة المَسِيح
- عليه السلام -
فاتحة هذا البحث
=========
الحمد لله الذى امتَنَّ على عباده المؤمنين ببعثة الرسول الصادق الأمين فأخرجهم به من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم واليقين . أحمده سبحانه حَمْدَ أوليائه المُتَّقين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين . وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله الذى ترك أمَّته على المنهج الواضح المستبين . صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .
أمَّا بعد :
وبعد أن تعَّرفنا على المعالم الأربع الأساسية ( الله ؛ الرسول ؛ الكتاب ؛ اسم الدين ) فى الديانة المسيحية . وشاهدنا مقدار وحجم ما ارتكبه المسيحيون من إثم تجاه اسم رب العالمين وتجاه اسم فاديهم ومعبودهم المسيح عيسى ابن مريم ..!! وشاهدنا كيف ضاع منهم الإنجيل وفُقِدَ معناه بقولهم أنه ليس بكتاب أصلا وإنما هو الأخبار السعيدة التى جاء بها المسيح أو أنَّ الإنجيل هو شخص المسيح ..!! كما فقدوا اسم الدين الذى نادى به المسيح - عليه السلام - .
تلك المعالم الأربع الأساسية التى فَرَّطَ فى حفظها الآباء ، ومِن ثم فقد جهلها الأبناء من بعدهم . وبالتالى فمن البديهى أن تضيع رسالة المسيح وأصول دعوته كما ضاعت تلك المعالم الأساسية ..!!(1/1)
... فلن تجد فى القواميس الدينية ودوائر المعارف الكتابية شيئا يذكر عن رسالة المسيح ( Jesus Message ) كما جاء بها - عليه السلام - أو أى شىء عن أصول دعوته . ولكنك ستجدهم يقولون بأنَّ الله الابن قد تجسد فى صورة إنسان ليُصلب ويقتل فداء للبشرية عن الخطيئة الأولى التى ارتكبها آدم ..!! وهذا كلام لا أصل له فى أقوال المسيح المسجلة فى الأناجيل الحالية .
وستجد مادة بعنوان الكلمة أو اللوجوس اليونانى ( ????? ) كأنهم يبحثون فى شخص المسيح وليس عن أصول رسالته وحقيقة دعوته .
فـ اللوجوس هو الكلمة ، والكلمة هى المسيح ، والمسيح هو الرسالة . والرسالة هى الإنجيل ، والإنجيل هو المسيح . والمسيح هو الابن ، والابن هو الآب ، والآب هو الله .. !!
وهكذا يدور أصحاب الأفهام حول معانى الكلمات بدون فهم لما يدورون حوله . مع أنَّ هناك نصوصاً كثيرة نسبوها إلى المسيح - عليه السلام - فى الأناجيل تفيد أنه كان مرسلا من ربه وإلهه . والمُرْسَل من الله هو الرَّسُول ، والرَّسُول تكون معه رسَالة يبلغها إلى المُرْسَلُ إليهم . وهذا شىء فطرىّ المفهوم .
فهناك إذا مُرْسِل ؛ ومُرْسَل ؛ ومُرْسَلٌ إليهم ؛ ورسَالة يتم تبليغها ؛ ثم كتاب الرسالة . تلك هى المعالم الخمسة لاتصال السماء بالأرض عند المؤمنين بالإله الواحد إله السموات والأرض . والعجيب فى الأمر أنَّ المسيحيين يعلمون ذلك جيدا لأنهم ورثة الكتاب الأول اليهودى ( أسفار العهد القديم ) . فتكلموا كثيرا عن المُرْسِل والمُرْسَل وساوَوْا بينهما أثناء بحثهم فى شخص المسيح . وضاع منهم اسم المُرْسِل واسم المُرْسَل كما سبق بيانه ..!! كما تكلموا عن القوم المُرْسَلُ إليهم ( بنوإسرائيل ) وجعلوهم كل شعوب العالم . وتناسوا الكلام عن الرِّسَالة وكتاب الرِّسَالة ( الإنجيل ) فالإنجيل عندهم هو شخص المسيح : حياته وآلامه وموته وقيامته حاملا فوق كتفه خطايا الإنسان كفَّارة منه للبشر .(1/2)
... وقد تكلمتُ عن اسم المُرْسِل سبحانه وتعالى ، وبَحثتُ باستفاضة عن الاسم الكامل لـ المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - . ثم أفردت بحثا مستفيضا عن معنى كلمة إنجيل وأثبَتُّ فيه أنَّ كلمة الإنجيل فى كامل معناها تفيد معنى الكتاب وأنها عربية اللسان وليست بأعجمية يونانية . وذكرت بحثا مُختصرا عن اسم الدين الذى جاء به المسيح - عليه السلام - . وآن الأوان للبحث عن رسَالة المسيح - عليه السلام - وأصول دعوته بين فقرات ونصوص الأناجيل اليونانية كما وردت فى أقواله - عليه السلام - وأقوال تلاميذه الذين آمنوا به واتبعوه أثناء فترة بعثته - عليه السلام - .
... معلوم أنَّ لكل رسول دعوة أو رسالة يقوم بتبليغها إلى قومه إمَّا شفاهة وإمَّا فى كتاب إلهى . وأصول دعوة الرسول نجدها مسجلة فى كتابه أو محفوظة من أقواله وأفعاله . فمثلا نجد أصول دعوة نبىّ الله موسى - عليه السلام - مسجلة فى التوراة وكتابات أتباعه مِن بعده . ونجد أصول دعوة خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - مسجلة فى القرآن الكريم ومحفوظة فى صحيح أحاديثه - صلى الله عليه وسلم - .
كما نلاحظ أنَّ أول أصل من أصول دعوة الرسل جميعا نجده دائما واحدا لا يتغير وهو معرفة الإله الواحد والإيمان به وبرسوله الذى أرسله . ثم تأتى بعد ذلك باقى معالم الرسالة من أحكام وشريعة كل رسول على حده والتى تتلاءم مع ظروف عصره وقومه .
... وقد جعل الله سبحانه وتعالى لعباده علامات صدق على صحة أقوال رسوله الذى أرسله ، ألا وهى المعجزات التى يجريها الله سبحانه وتعالى على أيدى رسله . وهذه المعجزات ليست من أصول الدعوة أو معالم الرسالة ولكنها أمر خارجى لتأكيد صحة الدعوة ، فلا نخلط الأوراق ونضلل العباد .
... وسوف أتحرى الدقة فى بحثى عن رسالة المسيح أو أصول دعوته - عليه السلام - وذلك من أقواله المسجلة فوق صفحات الأناجيل ومن أقوال حوارييه وخاصته الذين شاهدوه وآمنوا به وبرسالته .(1/3)
... وللكشف عن رسالة المسيح - عليه السلام - فى الأناجيل الحالية ، سيفاجأ الباحث بتعدد صُوَر المسيح أمامه أو بتعدد المُسحاء . فعندما نقرأ الأناجيل ، يجب علينا أن نسمع ونشاهد أقوال المسيح الحقيقى بأذن وعيون معاصريه ، وليس بأذان وعيون وألسنة المجامع الكنسية وقوانين الإيمان النيقية .
فإنَّ قارىء الأناجيل الثلاثة الإزائية لن يجد المسيح يقول أنا ابن الله أو أنا المِسِّيَّا (1) أو أن يقول آمنوا بى . وإنما نجده يقدِّمُ الله الإله الواحد ، ويقدِّمُ ملكوت الله كما يقدِّمُ التوبة للمنحرفين الضالين مِن قومه . وكان يطلب مِن قومه الإيمان بالإنجيل الذى معه . أمَّا فى إنجيل يوحنا فنجد المسيح يقدم نفسه . فيقول أنا خبز الحياة ، أنا الراعى الصالح ، أنا الحياة والقيامة ، أنا طريق الحقيقة . وإلهى وأنا واحد . ومَن رآنى فقد رأى الآب . فهناك إذا مسيحان إنجيليان : مسيح يتكلم عن الله وعن الإيمان به وبالإنجيل وعن التوبة وملكوت الله . ومسيح يتكلم عن نفسه ويساوى بين نفسه وبين الله تعالى .
... ومِن الثابت المعلوم أنه قبل أن تكتب الأناجيل كان هناك مسيح بولس الكونى الأزلى الذى صلب وقام قبل الدهور ، مسيح جِنِّىّ كان يتكلم على لسان بولس بأقوال لا أصل لها فى تعاليم مسيح الأناجيل ، مسيح جِنِّىّ فى صورة زيوس إله اليونان وصنمهم الأكبر . لم يره أحد ولا حتى بولس وإنما كان يسمع صوته فقط ومن خلال الرؤى كان يعطيه تعليماته . مسيح جنِّىّ كان يمحو معالم المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - وتعاليمه النورانية الربَّانية من الوجود أو الظهور بين الناس (2) .(1/4)
... وتاه المسيح الحقيقى أمام قارىء كتب العهد الجديد بين المسحاء الثلاثة وأخذ كلٌّ من المسحاء الثلاثة ( مسيح الأناجيل الثلاثة الإزائية ؛ مسيح إنجيل يوحنا ؛ مسيح بولس ) بعضا من صفات المسيح الحقيقى وأقواله ، فكان أقربهم إليه مسيح الأناجيل الثلاثة الأول ، ثم مسيح إنجيل يوحنا ، وكان أبعدهم عنه هو مسيح بولس..!! وفى القرن الرابع عندما انعقد مجمع نيقية سنة 325 م تم دمج المسحاء الثلاثة فى مسيح واحد وأضيفت إليه صفات ونعوت جديدة . وسُنت قوانين للإيمان ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. المِسِّيَّا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذى من ذرية مِسَّا بن نبىّ الله اسماعيل - عليه السلام - . راجع الشرح المستفيض عنه فى
كتابى نبىّ أرض الجنوب .
(2) .. راجع كتابى " يسوع النصرانى مسيح بولس " فإنه جديد مفيد للمسيحى والمسلم .
... علما بأنَّ المسيح الحقيقى عيسى ابن مريم - عليه السلام - رسول الله ، الذى هو بمثابة النافذة لنور الله إلى عباده ، والقناة الشرعية التى عبرت منها رسالة الله إلى عباده فى ذلك الزمان . المسيح الحقيقى الإنسان الكامل وأحد أولى العزم من رسل الله العظام . الذى أوحى إليه كما أوحى إلى سائر النبيين من قبله .
... ذلك المسيح كان يطوف مدن فلسطين وقراها " يعلِّمُ فى مجامعها " ( متى 9 : 35 ؛ مرقس 6 : 6 ) وفى " مجامع الجليل " ( لوقا 4 : 44 ) . ذلك المسيح الذى كان " يعلِّمُ فى كفرناحوم " ( يوحنا 6 : 59 ) . ذلك المسيح الذى كان " يعلِّمُ فى الهيكل " ( يوحنا 8 : 20 ) . ذلك المسيح الذى كان " يعلِّمُ فى السبوت " ( لوقا 4 : 31 ) . ذلك المسيح الذى كان " يعلِّمُ الجموع من السفينة " ( لوقا 5 : 3 ) .(1/5)
... ونجد فى الأناجيل الأربعة ثلاث كلمات ( يُعَلِّمُ ) و ( يكرز ) و ( يُبشِّرُ ) وهى تتناوب فى وصف ما كان يفعله المسيح مع قومه . فكان يُعَلِّمُ الناس . وكان يعِظ ( يكرز ) الناس . وكان يُبشِّرُ الناس . ورسالة المسيح الحقيقى - عليه السلام - هى كل ما كان يقوم بتعليمه لقومه . وكل ما كان يعظ به قومه . وكل ما كان يُبشِّرُ به قومه .
فلنبحث سويا فى كل من تعاليم المسيح ومواعظه ومُبشراته لقومه . فتلك هى أصول الرسالة ودعائمها . فمن كان يحب المسيح حقيقة فليستمع إلى أقواله ويعمل بها كما قال - عليه السلام - " إذا كنتم تحبونى حافظوا على تعليماتى " ( يوحنا 14 : 15 ) . وهذا الكلام قيل من قبل أن يكون هناك كنائس وطوائف مسيحية . وإنما كان هناك قومه مِن بنى إسرائيل فقط . فالمسيحى الحقيقى هو الذى يتبع المسيح الحقيقى وتعليماته .
... لقد جاء المسيح الحقيقى لتصحيح الدعوة التوراتية والعمل على تقرير التوبة والعودة إلى الله والإيمان بالإنجيل كما سنرى بإذن الله تعالى . ومن ثم فإنَّ حياته وموته ليسا بشىء هام فى أصول رسالته . فنحن بحاجة إلى فتح الأعين وتجويد سماع الآذان وشحذ الأفهام ، لنرى ونسمع ونفهم أقوال المسيح - عليه السلام - لا أقوال غيره . ونتعرَّف على أصول دعوته ودعائم رسالته - عليه السلام - . فنحن بحاجة إلى الحوار الهادىء والتعامل المهذب والاحترام المتبادل لنتذوق سويا طعم الإيمان والحقيقة .
أولا ..
رسالة المسيح - عليه السلام - وأصول دعوته كما وردت فى أقواله
--------------------------
الأصل الأول : الإيمان بالإله الواحد الحق وبرسوله الذى أرسله .(1/6)
هناك نصّ وحيد وفريد من نوعه فى كل أسفار العهد الجديد ، نجد فيه اعترافا صريحا من فم المسيح - عليه السلام - يُبَيِّنُ فيه الأصل الأول من أصول دعوته . ذاكراً فيه اسمه الصحيح لأول وآخر مرة يُذكر فيه ذلك الاسم المبارك من فم المسيح فى العهد الجديد بكامله وأنه رسول الله . وهذا النصّ نجده مذكورا فى إنجيل يوحنا ( 17 : 3 ) حين وقف المسيح - عليه السلام - بين تلاميذه وهو رافعا عينيه إلى السماء داعيا إلهه قائلا وبصوت مسموع : " هذه هى الحياة الأبدية : أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك والمسيح عيسى (1) الذى أرسلته " .
ولنحاول أن نفهم ذلك النصّ بدون تدخلات قسرية من رجال الكنائس . نفهمه فهما فطريا سهلا حسب ألفاظه وبدون تعقيدات لاهوتية ، نفهمه فهما شرقيا نابعا من بيئة المسيح - عليه السلام - وقومه الذين كانوا يدينون بشريعة التوراة وفيها الوصايا العشر الشهيرة . فأقول ومن الله التوفيق والسداد فى الأمر :
... يتكون هذا النصّ من عنوان وفقرتين . فعنوانه " الحياة الأبدية " والحياة الأبدية هى الحياة الدائمة التى لا نهاية لها . إنها حياة ما بعد البعث من الموت . وهنا نجد أنها نوعان : إمَّا حياة فيها نعيم مقيم وإمَّا حياة فى جحيم ( طبقا لقانون الثواب والعقاب ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. الاسم الوارد فى جميع الترجمات العربية المعاصرة هو " يسوع المسيح " . وقد سبق بيان الاسم الصحيح
فى مبحث اسم المسيح - عليه السلام - فى هذا الكتاب فراجعه .
... والأمر هنا قائم على الدعوة والترغيب فى الحصول على الحياة الأبدية وهى هنا حياة النعيم المقيم أى الجنة كما يقول المسلمون . والحصول على هذه الحياة الدائمة له شروط جاءت فى الفقرتين التاليتين .(1/7)
... وهناك تفسير آخر للحياة الأبدية . فهناك من علماء المسيحية من يقول بأنَّ الحياة الأبدية فى إنجيل يوحنا تعادل ملكوت الله الوارد فى الأناجيل الثلاثة متى ومرقس ولوقا (1) . مع قولهم بعدم معرفتهم بماهية ملكوت الله .
ومن معانى ملكوت الله : دين الله الحق كما سيأتى بيان ذلك الأمر بإذن الله تعالى ، وكما يظهر من مَثَل الكرم والكرامين (2) الذى ذكره المسيح - عليه السلام - وَبَيَّنَ فيه أنَّ ملكوت الله سوف ينزع من بنى إسرائيل و يعطى لأمَّة العرب حيث تثمر ثمره . وبناء على ذلك التفسير يصبح عنوان النصّ هكذا : " وهذا هو الدين الحق " . وأتباع الدين الحق سيفوزون بدون شك بالنعيم المقيم ( الحياة الأبدية ) فى جنة الخلد بفضل من الله تعالى .
ثم تأتى أولى الفقرتين " أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ":
وهذا هو الشطر الأول من الأصل الأول من أصول دعوة المسيح ورسالته - عليه السلام - . أن يعرف قومه الإله الحقيقى وحده ، أى يعرفوا التوحيد الحقيقى للإله الحق . أى يعلموا أن ( لا إله إلا الله ) ومن ثمَّ يعلموا اسم الله الذى فقدوه . ويلتزموا بعقيدة التوحيد الخالص . والإله الحق فى لغة المسيح - عليه السلام - ـ الآرامية ـ هو الله وليس ثيوس أو زيوس أو كيريوس . تلك الأسماء اليونانية الصنمية المذكورة فى أسفار العهد الجديد ..!!
وكلمة التوحيد " لا إله إلا الله " ليست قاصرة على المسلمين فقط كما يزعم الزاعمون ، فكل الأنبياء والرسل قد قالوها ودعوا أقوامهم إلى الإيمان بها ويكفينا هنا قول المسيح - عليه السلام - فى ذلك النصّ المعنى بالشرح . وبما قاله من نصوص نورانية تناثرت فوق صفحات الأناجيل مثل قوله - عليه السلام - :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع على سبيل المثال قول الأب متى المسكين فى كتابه المدخل لإنجيل يوحنا ص 162 .
(2) .. راجع المثل فى إنجيل متى ( 21 : 33 ـ 44 ) .(1/8)
" الله واحد وليس آخر سواه " ( مرقس 12 : 32 ) وقوله - عليه السلام - " للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد " ( متى 4 :10 ) .
... ومعلوم أنَّ تلك هى الوصية الأولى من وصايا رب السموات والأرض إلى عباده التى نجدها مذكورة فى كل من التوراة والإنجيل والقرآن .
ففى التوراة نجد فى سفر التثنيية ( 6 : 4 ) " اسمع يا إسرائيل : الرب إلهنا ربٌ واحد ( أحَدٌ ??? ) " وكما يرى القارىء أنَّ الترجمات العربية قد غيرت الكلمة العربية والعبرية ( أحَدٌ ) إلى كلمة واحد . وشتان بين معنى الكلمتين فمعناهما ليس واحدا . وهذه الكلمة أحَدٌ نجدها فى القواميس العبرية والكلدانية الكتابية تحت رقم ( 259 ) .
وفى القرآن الكريم نجد قوله تعالى لعباده { قل تعَالوا أتلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكمْ عَلَيْكُمْ ألاَّ تُشرِكُوا بهِ شيْئاً } ( 151 / الأنعام ) . وقال تعالى مطالبا نبيه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وسائر المؤمنين بأن يتعلموا كلمة التوحيد فقال سبحانه وتعالى { فاعلم أنَّهُ لا إله إلاَّ الله } ( 19 / محمد ) . وهذه الآية تشابه تماما قول المسيح عليه السلام فيما وصلنا عنه من ترجمات القوم " أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك " . وكلمة يعرفوك هنا يؤخذ معناها من اللسان العربى الآرامى أى بمعنى العلم المصاحب للعمل ، ولا يؤخذ معناها من اللسان العبرى الذى يُحْمَلُ معناها فيه على المباشرة الجنسية بين الرجل والمرأة (1) ..!!
... وهناك محاولات من العلماء المسيحيين للاعتراف بكلمة التوحيد لا إله إلا الله ولكن بعيدا عن المعنى الإسلامى والعربى . وقد سجلها بعضهم على صفحات الكتاب المقدس كعنوان لفقرات بعض الإصحاحات كما فعل مترجمو النسخة العربية للكتاب المقدس للآباء اليسوعيين حيث وضعوها عنوانا فى سفر أشعياء ( 44 : 6 ـ 8 ) بدون حرج من ذكرها ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع مثلا معنى كلمة ( يعرفها ) فى متى ( 1: 25 ) .(1/9)
... ثم تأتى الفقرة الثانية " والمسيح عيسى الذى أرسلته " :
وهذا هو الشطر الثانى من الأصل الأول من أصول دعوة المسيح - عليه السلام - . وفيه تصريح ما بعده تصريح . أنَّ اسمه - عليه السلام - كما قال هو بفمه الشريف : المسيح عيسى . وليس يسوع أو جيسس أو جايزو كما يزعمون . وأنه - عليه السلام - مرسل من ربه الإله الحقيقى .
فهذا النصّ الوارد على لسان المسيح - عليه السلام - يُقَرِّرُ صراحة أنَّ المسيح رسول الله . ولن تنال الحياة الأبدية ـ النعيم المقيم ـ إلا من بعد الإيمان القولى والعملى بهذين الشطرين للأصل الأول : " لا إله إلا الله وأنَّ المسيح عيسى رسول الله " . هذه هى الشهادة المسيحية الحقة . من قالها مؤمنا بها كان من أتباع المسيح - عليه السلام - . فهل هناك مِنْ مُصَدِّق مِنَ القوم بكلام المسيح أو مؤمن بما قال - عليه السلام - ..!؟
ولمزيد من الطمأنينة فى قلب كل محب للمسيح - عليه السلام - وأقواله .. أذكر دُرَراً من أقوال المسيح المتناثرة بين صفحات الأناجيل والتى تثبت أنه رسول الله ، وأنه لا يمكن أن يتساوى أبدا مع الإله الذى أرسله :
ــ جاء فى إنجيل يوحنا ( 13 : 16 ـ 17 ) قول المسيح - عليه السلام - : " الحق أقول لكم إنه ليس عبد أعظم من سيده ولا رسول أعظم من مُرْسِلِه . إن علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه " . وأكد ذلك المعنى بأوضح صورة فى قوله - عليه السلام - : " لأنَّ الآب أعظم منى " ( يوحنا 14 : 28 ) .
ــ وجاء أيضا فى إنجيل يوحنا ( 7 : 28 ) قوله - عليه السلام - " تعرفوننى وتعرفون مِنْ أَيْنَ أنا وَمِنْ نفسى لم آت بل الذى أرسلنى هو حق الذى أنتم لستم تعرفونه " .
ــ وقال - عليه السلام - " الذى يؤمن بى ليس يؤمن بى ، بل بالذى أرسلنى " ( يوحنا 12 : 44 ) و " الذى يقبلنى يقبل الذى أرسلنى " ( يوحنا 13 : 20 ، متى 10 : 44 ) و " الذى يُرْذِلَنى يُرْذِلُ الذى أرسلنى " ( لوقا 10 : 16 ) .(1/10)
ــ ثم قال - عليه السلام - حسب ما جاء فى إنجيل يوحنا ( 7 : 16 ـ 18 ) :
" ليس تعليمى من عندى ، بل من عند الذى أرسلنى . فإذا أراد أحد أن يعمل بمشيئته عَرفَ هل ذاك التعليم من عند الله أو أنى أتكلم من عند نفسى . فالذى يتكلم من عند نفسه يطلب المجد لنفسه ، أمَّا من يطلب المجد للذى أرسَلَهُ فهو صادقُُ لا نفاق فيه " . وحاشا المسيح - عليه السلام - أن يكون فيه نفاق أو ظلم ، فهو الصادق فى نقله عن ربه وهو الطالب لمجد ربه الذى أرسله . ألم يقل - عليه السلام - لقومه حسب ما جاء فى إنجيل متى : " لا تدعو لكم إلها على الأرض لأنَّ إلهكم واحد الذى فى السماء " ( 23 : 9 ) .
... وقبل أن أنتقل إلى الكلام عن الأصل الثانى من أصول دعوة المسيح - عليه السلام - أذكر فى عجالة سريعة موقف علماء المسيحية المعاصرين من فقرة إنجيل يوحنا ( 17 : 3 ) التى قمت بشرحها آنفا :
... هناك الكثيرون من العلماء الغربيين يرفضون هذا النصّ ويقولون بأنه مدسوس على إنجيل يوحنا وعلى الأخص الفقرة الأخيرة منه التى تثبت أنه رسول الله وأنَّ اسمه عيسى . ويقولون بأنَّ إنجيل يوحنا كتِبَ أساسا حول فكرة تأليه المسيح (1) ، فلا يمكن أن يكون المسيح رسولا مِن الله .
... ولكن علماء المسيحية العرب لا يقولون بذلك الرأى النقدى للإنجيل فهم يقبلون النصّ كما هو . ثم يحرِّفُون معناه وفق عقيدتهم فى يسوع لا فى المسيح عيسى مع إصرارهم على تسميته يسوع خلافا لقول المسيح المبين لاسمه الصحيح ..!!
فيا من تحب المسيح وتؤمن بأقواله : عليك بما قال المسيح - عليه السلام - ودعك من أقوال الغير . وإن علمت ذلك وعملت بما قال المسيح فطوباك كما قال المسيح " إن علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه " . واستمع معى ثانية إلى قول المسيح لأتباعه الحقيقيين " إذا كنتم تحبونى حافظوا على تعليماتى " ( يوحنا 14 : 15 ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع التفصيل فى :(1/11)
The New Century Bible Commentary , the Gospel of John page 519 .
وراجع أيضا أقوال متى المسكين فى مدخله لإنجيل يوحنا ص 162 .
الأصل الثانى : التأكيد على استمرار العمل بشريعة التوراة .
... وفى هذا الأصل الثانى نجد المسيح - عليه السلام - يؤكد لقومه أنه ما جاء لإلغاء أحكام التوراة وشريعتها ولكنه جاء مصدقا بها والعمل بأحكامها وسوف يستمر هذا الأمر من بعده حتى تأتى الشريعة الكل . فقال - عليه السلام - حسب ما جاء فى إنجيل متى : " لا تظنوا أنِّى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء . ما جئت لأنقض بل لأكمل . فإنى الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل ( ((((( ) " ( 5 : 17 ـ 18 ) .
والمسيحيون بجميع طوائفهم ومذاهبهم يعلمون جيدا أنَّ المسيح - عليه السلام - قد صدق فى قوله السابق حيث وُلِدَ ونشأ فى ظِلّ الشريعة اليهودية وعمل بأحكامها طوال فترة حياته وبعثته ، ولم يرد عنه - عليه السلام - نصّ واحد يفيد بإلغاء الشريعة وأحكامها . وقد حَذَّرَ - عليه السلام - مَنْ يخالف وصايا التوراة ويُعَلِّمَ الناس بغيرها بأنه سيدعى الصغير (1) ( Little ) أى الأحقر أو قليل الشأن فى ملكوت السماوات .
فقال - عليه السلام - حسب ترجمة الآباء اليسوعين لإنجيل متى ( 5 : 19 ) :
" فمن خالف وصية من أصغر تلك الوصايا وعَلًّمَ الناس أن يفعلوا مِثْلَه عُدَّ الصغير فى ملكوت السماوات . وأمَّا الذى يعمل بها ويعلمها فذاك يُعَدُّ كبيرا فى ملكوت السموات " .(1/12)
قلت جمال : والعمل بشريعة التوراة يتطلب تدخلا من المسيح - عليه السلام - ليُبَيِّن للناس بعض الأحكام التى اختلفوا فيها ، بعدما تدخل الأحبار بوضع وصاياهم التى أطلقوا عليها وصايا الشيوخ والتى كانت بمثابة أثقالا وقيودا على الناس . فألغى - عليه السلام - وصايا الشيوخ وأحَلَّ للناس بعض الذى حُرِّمَ عليهم . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. ومن مفارقات القدر أن جاء يولس ( Poulus ) الطرسوسى من بعد انتهاء بعثة المسيح - عليه السلام - فقام بإلغاء
احكام التوراة ووصاياها ضاربا بتحذيرات المسيح عرض الحائط .. !! وعلَّم الناس فعملوا بما قال بولس
وتركوا وصية المسيح وتحذيره لهم ( متى 5 : 19 ) والأمر العجيب حقا هو أن معنى الاسم الرومانى
بولس ( Poulus ) هو الصغير ( the little ) ..!! فـ لله درُّ ك يا روح الله وكلمته حين أخبرت أتباعك
بذلك . راجع معنى الاسم فى : Pictorial Encyclopedia of Bible V.4 page 624 .
ومن يقرأ إنجيل متى مِن الفقرة رقم 17 من الاصحاح الخامس وحتى نهاية الاصحاح يجد المسيح - عليه السلام - يُبيِّن مجموعة من الأحكام التوراتية ووصايا الشيوخ ويقوم بتصحيحها أو تغييرها ، فيقول " قد سمعتم أنه قيل للقدماء ... وأمَّا أنا فأقول لكم ... " وبيان ذلك الأمر ليس هنا مكانه .
الأصل الثالث : المناداة بالتوبة إلى الله .(1/13)
ولفهم معنى التوبة المقصودة هنا يجب علينا أن نرجع إلى البيئة الإسرائيلية الفلسطينية فى زمن المسيح - عليه السلام - . فالقوم فى ذلك التوقيت كانوا أصلا مؤمنين بالإله الواحد ولكنهم ابتعدوا كثيرا عن منهجه وشريعته ، فارتكبوا كثيرا من المعاصى التى حرمتها عليهم شريعتهم . والتوبة فى حقهم هى : الإقلاع عما هم فيه من معاصى ومخالفات شرعية ثم الندم على ما فعلوا ، ثم الرجوع إلى الله والثبات على شرعه فيما سيأتى من أعمارهم . ذلك هو مفهوم التوبة عند المجتمعات التى تؤمن بإله السموات والأرض . ولن نجدها فى القواميس اليونانية الدينية بنفس المعنى المراد ، حيث أنَّ معناها عند القوم يغلب عليه الجانب الذهنى فقط مثل قولهم :
( to feel sorry that one has done this or that )
( to chang one’s mind for the better )
بمعنى : أنا أشعر بالأسف يا ربِّى . أو بمعنى : لقد غيرت فكرى يا ربِّى إلى شىء أفضل ..!!
وأرسل الله المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته إلى قومه من بنى إسرائيل ليدعوهم إلى التوبة فقال لهم كما فى إنجيل مرقس ( 1 : 15 ) :
" قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله . فتوبوا وآمنوا بالإنجيل " . وخرج تلاميذ المسيح - عليه السلام - يأمرون قومهم بالتوبة كما جاء فى إنجيل مرقس ( 6 : 12 ) .
هذه التوبة التى تحولت عند أتباع المسيح - عليه السلام - فيما بعد إلى ما يُعْرف بسِرّ الاعتراف أمام القسس والرهبان ..!!
قلت جمال : والتوبة لا تكون إلا للعاصين الضالين من المؤمنين . لأنَّ فيها الإقلاع عما هم فيه والعودة إلى الدين الحق . وهذا الأمر لا يُمْكن أن يحدث للمشركين الكافرين من يونان ورومان ، فإلى أى شىء يرجعون بعد إقلاعهم عن كفرهم ..!!؟ أللكفر ثانية يرجعون ..!!؟(1/14)
وهذا يدل على أنَّ مناداة المسيح - عليه السلام - بالتوبة فيه التأكيد على أنَّ رسالته كانت خاصة إلى قومه من بنى إسرائيل . ولقد بين ذلك جيدا فى قوله - عليه السلام - : " لقد أرسلت فقط إلى خراف بيت إسرائيل الضالة " ( إنجيل متى 15 : 24 ) .
الأصل الرابع : الإيمان بإنجيل المسيح - عليه السلام - .
وبعد أن عَرَّفَ المسيح - عليه السلام - قومه بأنه " لا إله إلا الله وأنَّ المسيح عيسى رسول الله " ودعاهم إلى التمسك بشريعة التوراة والأنبياء ، وأنه جاء مصدقا لها . وبعد دعوته لهم بالتوبة والرجوع إلى الله قدَّم لهم الإنجيل ليؤمنوا بما فيه .
وإنجيل المسيح - عليه السلام - فيه الهدى والنور ، مصدقا لأحكام التوراة ، ومُبَيِّنا لهم الفرق بين وصايا التوراة وبين وصايا الشيوخ . تلك الوصايا التى كتبها الحاخامات والربِّانيون اليهود وزعموا بأنها من عند الله . فحمَّلوا الناس أحمالا عَسِرَة وألزموهم بتعاليم ليست من الشريعة . وقد وَبَّخهُم المسيح - عليه السلام - على ذلك الفعل ( راجع إنجيل متى 23 ) . وهذه الوصايا أطلقوا عليها اسم وصايا الشيوخ كما جاء فى إنجيل مرقس ( 7 : 5 ) .
... فجاء المسيح - عليه السلام - ليحل لهم بعض الذى حُرِّمَ عليهم من قِبَلَ الشيوخ . وبَيَّنَ لهم بعض ما اختلفوا فيه . كل ذلك نجده بين ثنايا أقوال المسيح المتناثرة فوق صفحات الأناجيل نقلا عن إنجيله الذى كان معه .
... وإنجيل المسيح - عليه السلام - كان معه أثناء بعثته . فحين يقول المسيح لقومه " توبوا وآمنوا بالإنجيل " فإنه لا يأمرهم بشئ غير موجود أصلا . وحين يقف ويشير بيديه إلى الإنجيل قائلا " هذا الإنجيل " ( إنجيل مرقس 14 : 9 ، متى 26 : 13 ) . فمعناه عند كل ذى لب أنَّ الإنجيل كان بيده الشريفة .
ذلك الإنجيل الذى فُقِدَ وضاع بين زحام الأناجيل التى ظهرت من بعد بعثته - عليه السلام - . وقد سبق الكلام عن ذلك فى مبحث الإنجيل فراجعه .(1/15)
الأصل الخامس : البشارة بما هو آت من بعد بعثته - عليه السلام - .
ومِن المعلوم أنَّ لكل رسول بشارة إلى قومه والمسيح - عليه السلام - ليس بدعا من الرسل . فكانت له - عليه السلام - بشارتان وليست بشارة واحدة . بشارة بـ ملكوت الله القادم . وبشارة بـ البارقليط الآتى من بعده . وسيأتى بإذن الله تعالى مبحث البشارة بملكوت الله وأمَّا مبحث البشارة بالبارقليط فقد ذكرته فى كتابى نبىّ أرض الجنوب فراجعه هناك .
... ويعتبر ذلك الأصل الخامس " البشارة " هو الأصل الوحيد من أصول دعوة المسيح - عليه السلام - الذى لم يفقد اسمه بعد . وللأسف الشديد فإنَّ هذا الأصل أيضا لم يُحْفَظُ منه إلا اسمه بعد أن فُقِدَ محتواه ومعناه كما سيأتى بيان ذلك .
----------------------
ولننظر الآن إلى موقف أتباع الديانة المسيحية من أصول دعوة المسيح - عليه السلام - والمسجلة عندهم فى الأناجيل بفمه الشريف :
ــ الأصل الأول : " لا إله إلا الله وأنَّ المسيح عيسى رسول الله " .
لا يوجد مسيحى واحد يؤمن بذلك الأصل الأول .
ــ الأصل الثانى : " استمرار العمل بشريعة التوراة " .
تم إلغاء جميع أحكام التوراة عند جميع الطوائف المسيحية الكبرى .
ــ الأصل الثالث : " التوبة إلى الله " .
تحولت التوبة إلى سر الاعتراف أمام القسس ، ولم يعد من معانيها العودة إلى الدين الحق وشريعة التوراة والعمل بما جاء به المسيح - عليه السلام - .
ــ الأصل الرابع : " الإيمان بالإنجيل " .
لا يعرفون شيئا عن إنجيل المسيح - عليه السلام - ويقولون بأنَّ المسيح لم يترك لهم شيئا مكتوبا يدعى إنجيل .
ــ الأصل الخامس : " البشارة بملكوت الله القادم وبـ البارقليط " .(1/16)
وهذا الأصل الخامس لا يعرفون عنه إلا اسمه . من بعد أن تركوا لغة الوحى الآرامية ونهلوا من التراث اليونانى ولغته ، ففقدوا معناهما . فهم إلى الآن يدعون إلههم أن يأتى إليهم بملكوته ( وهم فى الحقيقة لا يعرفون ما هو الملكوت الذى يسألونه ) . وبالنسبة للبارقليط (1) فلم يفهموه حق فهمه فزعموا بأنه الروح القدس الأقنوم الثالث الذى تم تأليهه فى أفسس فى القرن الخامس الميلادى ..!!
فهذا هو موقف المسيحيين اليوم من أصول دعوة المسيح - عليه السلام - ويعلم الله أنِّى لم أتجنَّ على القوم ولم آت بشئ من عند نفسى ، وإنما هى أصول مذكورة فى أناجيلهم نسبوها إلى المسيح - عليه السلام - . فتعاليم المسيح - عليه السلام - بسيطة يمكن فهمها بسهولة ويسر . ولكن سماعها صعب جدا على الأذن المسيحية ..!!
إنها أصول ضاعت منهم معالمها ومن ثمَّ فقدوها كما فقدوا كل شىء ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع بحث البارقليط فى كتابى " نبىّ أرض الجنوب " لترى التأصيل الجديد للمصطلح .
ومن واقع نصوص الأناجيل نتعرَّف على النتيجة النهائية لرسالة المسيح - عليه السلام - إلى قومه وأتباعه : فلا قومه تابوا وانصلحوا ، ولا أتباعه فهموا رسالته ..!!
فإنا لله وإنا إليه راجعون .
استدراك أول :
ربما يسأل سائل عن أركان الدين وفرائضه من صلاةٍ وزكاةٍ وصومٍ وحجِّ . لماذا لم أذكرها من ضمن أصول دعوة ورسالة المسيح - عليه السلام - ..!؟
فأقول ومن الله التوفيق والسداد : إنَّ المسيح - عليه السلام - أرسله الله سبحانه وتعالى إلى قوم لهم دين وكتاب ، أقصد بنى إسرائيل الذين كانوا يعرفون الصلاة والزكاة والصيام والحجِّ ، قصَّروا فيهن أم أدُّوها على وجهها الصحيح .(1/17)
فكانت التوبة إلى الله فى حقهم هى أصل من الأصول التى جاء بها المسيح - عليه السلام - وليس بتعليمهم الصلاة والزكاة والصوم والحج . قال - عليه السلام - " لا تظنوا أنِّى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء . ما جئت لأنقض بل لأكمل . فإنى الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل " ( متى 5 : 17 ـ 18 ) .
وهذا دليل بَيِّنٌ على أنَّ دعوة المسيح - عليه السلام - لم تكن أبدا تصلح للأمميين من يونان ورومان الذين لم يعرفوا الله ومنهجه إلى عباده ، ولا أركان العبادة من صلاة وزكاة وصيام وحج . وحتى هذه الفرائض الخمسة لم تظل على ما هى عليه كما كانت أيام المسيح - عليه السلام - :
فصلاة المسيحيين غير صلاة اليهود : فاليهود يغتسلون ويتطهرون قبل أداء صلاتهم والمسيحيون لا يفعلون ذلك ..!!
وصلاة اليهود فيها ركوع وسجود ، وصلاة المسيحيين ليست كذلك ..!!
وصلاة اليهود لها قبلة يتجهون إليها ، وصلاة المسيحيين ليست كذلك ..!!
وقل مثل ذلك وأكثر فى سائر العبادات .
هل تعلموا لماذا حدث ذلك الاختلاف ..!؟
عندما ظهر بولس وقام بنشر الدعوة بين اليونان والرومان لم يقدم لهم الدين اليهودى أولا ، وإنما أخذ بنشر الدعوة بعيدا عن كتابها وعباداتها . فجاءت دعوته ناقصة مبتورة عن أصلها . ويا ليته قام بنشر أصول دعوة المسيح السابقة ، وإنما قام بنشر أصولا أخرى لم يعرفها المسيح - عليه السلام - ولم يأمر بها .
الاستدراك الثانى :
وهنا يتبادر إلى ذهن القارىء المسيحى السؤال التالى : أين الخطيئة الأولى التى جاء المسيح من أجل خلاصنا منها ..!؟ تلك الخطيئة التى كانت سببا أساسيا فى صلبه وقتله ليحملها ويتحملها عنا ..!! تلك الخطيئة التى بُنيت عليها عقيدة الخلاص والفداء ، ومن ثمَّ الصلب وتوابعه ..!!(1/18)
فى الحقيقة أنه لا يوجد شىء من ذلك الهوس فى أقوال المسيح المسجلة فى الأناجيل . وإنما كل ذلك منبته ومصدره بولس الطرسوسى !! (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. راجع كتابى " يسوع النصرانى مسيح بولس " ففيه الجديد الخطير .
ثانيا ..
رسالة المسيح - عليه السلام -
كما وردت فى أقوال كبير تلاميذه سِمْعَان
--------------------------
ومَن بعد أن انتهت بعثة المسيح - عليه السلام - يلخص لنا كبير تلاميذ المسيح سِمْعَان ـ الذى يطلقون عليه خطأ اسم بطرس وبيتر (1) ـ دعوة المسيح ورسالته قائلا فى موعظته التى ألقاها فى بيت كرنيليوس طبقا لما ورد فى النسخة العالمية الجديدة (NIV ) من سفر الأعمال ( 10 : 36 ) :
“ This is the massage God sent to the people of Israel telling the good news of peace through Jesus Christ . ”
ومعنى النصّ هو " هذه هى الرسالة : الرب أرسل إلى بنى إسرائيل يخبرهم بأخبار السلام السارة من خلال المسيح عيسى " .
ويحتوى هذا النصّ على الآتى :
1 ـ هناك رسالة من الرب إلى بنى إسرائيل .
2 ـ هذه الرسالة تحتوى على أخبار السلام السارة .
3 ـ تم تبليغ هذه الرسالة إلى بنى إسرائيل بواسطة ـ من خلال ـ المسيح عيسى .
هذا هو ملخص رسالة المسيح ودعوته كما بينها سِمعان . ولك أن تتخيل رسالة مبعوثة من رب العالمين إلى بنى إسرائيل وعليها البيانات الآتية :
الراسل : الرب .
المرسل إليه : بنو إسرائيل .
عنوان الرسالة : أخبار السلام السارة .
تم تسليم الرسالة إلى المرسل إليهم بواسطة المسيح عيسى .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
((1/19)
1) .. الاسم الآرامى هو سِمْعَان ( من فعل سَمِعَ العربى و سِمِعَ الآرامى ) وفى اللغة العبرية الجديدة ينطق شمعون أما لقب بطرس فهو من الكلمات اليونانية (Petros ) بصيغة المذكر و (Petra ) بصيغة المؤنث وقد أطلق المسيح - عليه السلام - على سِمْعَان لقب كيفا أى الحجر أو الصخرة ومنه الكلمة اليونانية المدرجة فى النصّ الأصلى اليونانى كيفاس (Kephas ) . ويطلقون عليه أيضا اسم سيمون . والمفروض أنَّ أسماء الأعلام تظل كما هى بدون تغيير يذكر.
... وحيث أنَّ البشر جميعا عاجزون تماما عن قراءة الرسائل الإلهية بدون نبىّ أو رسول فقد تولى المسيح - عليه السلام - قراءة الرسالة عليهم . ولمزيد من الإفادة وزيادة الثقة المتبادلة بينى وبين القارئ فسوف أحاول قراءة هذه البيانات السابقة من الترجمات الإنجليزية للنصّ ثم أشير عقب ذلك بما تم عمله فى الترجمات العربية المعاصرة .
أولا : أنَّ هناك رسالة من الرب إلى بنى إسرائيل .
اتفقت جميع الترجمات على إثبات ذلك المعنى إمَّا بصريح العبارة كما ورد فى نسخة (NIV ) السابق ذكره ، وكما ورد فى نسخة الملك جيمس :
) The word which God sent unto the children of Israel (
وإمَّا تحت الضمير الغائب المستتر (He ) كما ورد فى نسخة (NASB ) :
( The word which He sent to the Sons of Israel )
وكما ورد فى نسخة ( TEV ) :
( You know the message he sent to the people of Israel )
وعلى تلك الهيئة جاءت معظم الترجمات الإنجليزية للنصّ ، تتبادل فيه كلمة رسالة ( message ) مع كلمة ( word ) أى ( لوجوس اليونانية ) . كما أنَّ راسل الرسالة يكتب تارة بالمعنى الظاهر (God ) أى الرب وتارة أخرى بالضمير الغائب هو ( He) والغريب فى الأمر أنَّ ذلك الضمير يكتب فى بعض النسخ بالحرف الصغير ( he) ولا أعلم مغزى تلك الإشارة عندهم ..!!
ثانيا : عنوان الرسالة .(1/20)
تكاد تجمع الترجمات الإنجليزية للنصّ على أنَّ عنوان الرسالة التى بَلَّغَهَا المسيح إلى بنى إسرائيل هو " أخبار السلام السارة " وباللغة الإنجليزية :
( the good news of peace ) (1) . وأحيانا ترد كلمتى الأخبار السارة بالحرف الكبير هكذا " Good News of peace " كما جاء فى النسختين ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. و هذه العبارة الإنجليزية وردت فى النسخ الآتية : RSV ; NEB ; JB ; PME ; NIV ; TEV .
( GNB , TEV ) . أو كما فى نسخة ( LB ) ولكن بعد حذف كلمة السلام ( peace ) ..!!
... وقبل أن أذكر هنا عنوان الرسالة طبقا للترجمات العربية المعاصرة . أرى لزاما عَلىَّ أن أُبَيِّنَ للقارئ الطريقة التى اتبعها المسيح - عليه السلام - فى توصيل هذه الأخبار السارة . فنجد أنَّ الكلمات الإنجليزية المستخدمة هنا للتعبير عن ذلك المعنى على قسمين :
القسم الأول : عبارة عن كلمات تدل على أنَّ طريقة التوصيل كانت شفهية أى ليست كتابا من عند الله ، مثل الكلمات الآتية :
( preaching ) .. أى وعظ شفهى مباشر .... ( KJV , RSV , NASB )
( proclaming ) .. أى يعلن ................................. ( TEV , GNB )
( telling ) .. أى يخبر ............................................. ( NIV )
( announcing ) .. أى يعلن ....................................... ( IGENT )
القسم الثانى : عبارة عن كلمات تدل على أنَّ طريقة التوصيل كانت من كتاب منزل من عند الله ، مثل الكلمات الآتية :
( giving ) .. أى يعطى ............................................... ( PME )
( gave ) .. أى أعطى ............................................... ( HEB )
( brought ) .. أى أحضر ................................................. ( JB )
وحول عنوان الرسالة طبقا للترجمات الإنجليزية وجدت الآتى :
... 1 ـ تتفق النسخ الإنجليزية المشهورة الآتية :
((1/21)
RSV , NEB , PME , JB , NIV , TEV , CNB )على كتابة الرسالة هكذا ( The good news of peace ) مع اختلاف بسيط فيما بينهم حول كتابة الحرفين الأولين من الكلمتين ( good news ) تارة بالأحرف الكبيرة ( G , N ) وتارة بالأحرف الصغيرة ( g , n ) . وهذا العنوان معناه فى العربية الأخبار السارة للسلام أو أخبار السلام السارة حسب إثبات أداة التعريف أو حذفها ( The ) .
... 2 ـ تتفق النسخ الإنجليزية ( KJV , NASB ) على حذف الكلمتين الدالتين على الأخبار السارة مع الإبقاء على الموضوع الأساسى لعنوان الرسالة وهو السلام . وبناء على تلك الترجمة يصبح عنوان الرسالة هو السلام .
... 3 ـ تنفرد نسخة ( LB ) بحذف كلمة السلام مع الإبقاء على عبارة الأخبار السارة ( Good news ) .
... 4 ـ وطبقا لنسخة ( IGENT ) الترجمة الإنجليزية الحرفية للأصل اليونانى لنسخة الملك جيمس نجد العنوان معناه فى العربية هو الأنباء السارة للسلام هكذا The glad tidings - peace ) ) .
وحيث أنَّ كلمة السلام هى الكلمة الأساسية فى عنوان الرسالة فلا معنى للترجمات التى حذفت هذه الكلمة الهامة لورودها فى الأصول اليونانية .
وهنا يتبادر إلى الذهن المحايد الذى يريد أن يفهم ويتفكر قليلا فى النصوص الإنجيلية السؤال الآتى :
إذا كان موضوع رسالة المسيح الأساسى هو السلام فما معنى قوله - عليه السلام - الوارد فى إنجيلى متى ( 10 : 24 ) ولوقا ( 12 : 49 ، 51 ) " لا تظنوا أنِّى جئت لألقى السلام على الأرض . ما جئت لألقى سلاما بل سيفا " .
وقوله " أتظنون أنى جئت لألقى السلام على الأرض ؟ أقول لكم : لا .. بل الخلاف " . وفى بعض النسخ " بل الانقسام " .
وقوله " جئت لألقى على الأرض نارا . وما أشد رغبتى أن تكون قد اشتعلت " . ... إنها كلمات تتعارض تماما مع رسالة المسيح - عليه السلام - وما قاله كبير التلاميذ سمعان من أنَّ الرسالة كانت أخبار السلام السارة .(1/22)
وفى الطبعات الحديثة الإنجليزية والعربية نجد أنهم قد وضعوا عناوين فوق هذه الفقرات الإنجيلية غريبة الشأن مثل :
عيسى السبب فى الخلاف .................................................... ( JB )
لا سلام ولكن سيفا ........................................................... ( TEV )
أمير السلام جاء ليحضر الشقاق ................................. ( PME )
عيسى يعلن أنَّ سبب مجيئه هو بث الفرقة .............................( PME )
عيسى سبب الانقسام ........................................................ ( TEV )
قلت جمال : وهذا تعارض عظيم مع أصل موضوع الرسالة التى أتى بها المسيح - عليه السلام - من رب العالمين ليخبر بها بنى إسرائيل ..!!
ربما كان نصّ سفر الأعمال كاذب وربما كان نصّ متى ولوقا هما الكاذبان . وربما كان الأمر خلاف ذلك . وربما نجد مخرجا من ذلك المأزق الذى وضعتنا فيه تلك النصوص ، ألا وهو النظر قليلا إلى كلمة السلام الواردة فى النصّين ونحاول أن نبحث عن أصولها فى لغة المسيح - عليه السلام - الآرامية . فربما جاء هذا الاضطراب والخلل من الترجمات المختلفة للكلمة .
... فنجد أنَّ كلمة ( peace ) فى كل من نصّ الأعمال ونصّ إنجيل متى واحدة فهى فى الأصل اليونانى ( (((((( ) وتنطق إيرينى والمرادف اللغوى لهذه الكلمة اليونانية فى الأصل الآرامى أو العبرى الجديد هو سلاما و شالوم على التوالى . وسلام أو إسلام فى العربية ، ولا توجد كلمة عربية أخرى غير إسلام أو سلام تقابل الكلمة الآرامية سلاما أو العبرية شالوم . كما أنه لا توجد فى اللغة العبرية كلمة بمعنى إسلام غير كلمة شالوم .
فإن كانت كلمة ( peace ) الإنجليزية أو أصلها اليونانى ( ?????? ) تدلان على مرادف لاسم دين تنحل المشكلة بين النصوص . فليست الكلمة هنا بمعنى سلام ضد معنى قتال وفرقة وخصام ، وإنما هى بمعنى إسلام كدين سماوى .(1/23)
وهنا تصبح ترجمة عنوان الرسالة فى نصّ سفر الأعمال ( 10 : 36 ) هو : أخبار الإسلام السارة أو الأخبار السارة للإسلام ، أى التبشير بأخبار الإسلام وليست الدعوة إلى الإيمان به . ويصبح معنى نصّ متى ( 10 : 34 ) ولوقا ( 12 : 51 ) هو أنَّ المسيح - عليه السلام - قد بَشَّرَ بدين الإسلام .
... ويتأيد هذا المعنى تماما من نصّ إرميا ( 28 : 9 ) طبقا لما جاء فى نسخة كتاب الحياة المصرية ط 1988 " أمَّا النبىّ الذى تنبأ بـ السلام ، فعند تحقق نبوءته يُعْرَفُ أنَّ الرب قد أرسله حقا " . وإليك النصّ الإنجليزى لنسخة ( NASB ) :
The prophet who prophesies of peace , when the word of the prophet shall come to pass , then that prophet will be known as one whom the LORD has truly sent .
يلاحظ أنَّ أرميا النبىّ كان قبل المسيح بكثير ، وأنَّ كلامه هذا كان للتمييز بين النبىّ الصادق والنبىّ الكاذب . والكلمة ( prophesies ) صيغة مضارع أى يتنبأ (1) أى يخبر عن طريق الوحى الإلهى إلى الناس ، وقد أخبر المسيح - عليه السلام - فى رسالته التى تلقاها من رب العالمين إلى قومه بنى إسرائيل بخبر الإسلام . أى تنبأ لهم عن الإسلام كما قال النبىّ أرميا .
... وتحققت نبوءة المسيح - عليه السلام - وجاء الإسلام من بعده بحوالى ستة قرون أو تزيد قليلا . هذه هى كلمة ( peace ) التى ترجمت فى اليونانية إلى إيرينى وإلى العربية سلام . وأعود وأذَكِّر القارئ بأنَّ عنوان الرسالة المنصوص عليها فى سفر الأعمال ( 10 : 36 ) هو أخبار الإسلام السارة أو الأخبار السارة عن الإسلام .
ثالثا : الموصل لهذه الرسالة .(1/24)
تجمع الترجمات الإنجليزية على أنَّ هذه الأخبار السارة ـ عن الإسلام ـ وصلت إلى بنى إسرائيل عن طريق المسيح . وقد استخدمت الترجمات الإنجليزية الألفاظ المعبرة عن ذلك المعنى مثل ( Through Jesus ) أو ( by Jesus ) . وفى الأصل اليونانى نجد اللفظة ( ((( ) وهى بمعنى ( by ) الإنجليزية وبمعنى بواسطة فى العربية . وهذا معناه أنَّ موصل الرسالة يختلف تماما عن عن صاحب الرسالة وحتى لا نختلف مع العقلاء نضرب مثلا مشابها تماما :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. فى الأصول الإنجليزية للكلمة توجد الكلمة فى صيغة المضارع وليس فى صيغة الماضى كما فعلت
جميع الترجمات العربية ، والصحيح يتنبأ بدلا من تنبأ . راجع النصّ الإنجليزى الوارد أعلاه .
1 .. هناك رسالة مُوَجَّهة إلى بنى إسرائيل .
2 .. وهناك من يقوم بتسليم الرسالة إلى بنى إسرائيل .
3 .. وهناك صاحب الرسالة الذى هو رب العالمين .
... ومُسَلِّم الرسالة أو القائم على تسليمها هو المسيح - عليه السلام - . وقطعا لن يكون هنا صاحب الرسالة هو مُسَلِّمها إلى بنى إسرائيل . حيث جاء فى أول النصّ أنَّ الرب أرسل المسيح وأنَّ هذه الرسالة سلمت إلى بنى إسرائيل بواسطة المسيح .
... أقول ذلك لأبَيِّن للقارئ أنَّ هناك إضافة فى آخر النصّ مكذوبة عليه وهى قولهم أنَّ " يسوع المسيح الذى هو رب العالمين " ( نسخة الكاثوليك العربية ط 1993 ) . أو كما جاء فى نسخة الآباء اليسوعيين ( ط 1991 ) " إنما هو رب الناس أجمعين " . أو كما جاء فى نسخة كتاب الحياة ( ط 1988) " يسوع المسيح رب الجميع " . أو كما جاء فى النسخة الوطنية فانديك ( ط 1977) " هذا هو رب الكل " .(1/25)
... ولقد تنبه لهذا الخطأ بعض المحققين والمترجمين للنصّ فوضعوا هذه الفقرة بين قوسين للدلالة على أنها ليست من النصّ المذكور . جاء ذلك فى النسخ الإنجليزية ( NASB , RSV , KJV , IGENT ) وجاءت الفقرة بفاصل ( - ) عن بقية النصّ فى النسخ ( PME , JB ) .
... ولكن الترجمات العربية المعاصرة فى حالة غياب كامل ومخاصمة تامة عن التحقيق والتدقيق والاطلاع على الجديد ، لأنهم يعتبرون بل ويعتقدون أنَّ عنوان الرسالة التى سلمها المسيح إلى بنى إسرائيل هى شخص المسيح ذاته ..!!
فهو أخبار السلام السارة أو هو خبر السلام السار أو هو الخبر السار أو هو السلام .. !!
ولنقرأ سويا النصّ الكامل للترجمة العربية ثم نتفكر فى معناه ونقارن ذلك بالترجمات الإنجليزية حتى ندرك الفرق فى المعنى .
... جاء النصّ مترجما إلى العربية وفق أحدث ترجمة عربية ظهرت إلى وقت كتابة هذا البحث وهى الترجمة الكاثوليكية ( ط 1994 ) كما يلى :
" فقال بطرس : أرى أنَّ الله فى الحقيقة لا يفضل أحدا عن أحد . فمن خافه من أية أمَّة كانت وعمل الخير كان مقبولا عنده . أرسل كلمته إلى بنى إسرائيل . يعلن بشارة السلام بيسوع المسيح الذى هو رب العالمين " ( أعمال 10 : 34 ـ 36 ) .
فالراسل هنا هو الله ، مع أنَّ لفظ الجلالة لم يرد أبدا فى الأصول اليونانية للأناجيل وسائر كتب العهد الجديد .. !!
... الله أرسل يسوع المسيح ، ويسوع المسيح أعلن لبنى إسرائيل بشارة السلام بيسوع المسيح ، ويسوع المسيح هو رب العالمين . فهل فهمت شيئا أيها القارئ .. !؟ الله أرسل الله ، ليبشر بـ الله الذى هو الله .. !!
وهذه التخاريف لا توجد فى الترجمات الإنجليزية التى بين يدى .
وبمثل هذه التخاريف جاء أيضا النصّ فى نسخة فانديك البروتستانتية المعترف بها لدى الكنائس الكبرى الثلاث العربية " الكلمة التى أرسلها إلى بنى إسرائيل يبشر بالسلام بيسوع المسيح هذا هو رب الكل " ..!!(1/26)
وهكذا اختفت الرسالة وتراجعت ، ومُحِىَ عنوانها من على المظروف ، وأصبح حامل الرسالة هو الرسالة بعينها وهو هو الذى أرسل الرسالة .
فلا راسل ولا رسول ولا رسالة فالكل قد ضاع .. ضاع .. ضاع .. !!(1/27)
المبحث الثانى
=======
البشَارَة
البؤرة التى تمركزت حولها رسالة المسيح
... وبعد أن تتبعنا بإيجاز أصول رسالة المسيح - عليه السلام - وعلمنا أنَّه جاء متمما لما بدأه أنبياء بنى إسرائيل . وتيقنا مِن أنه لم يأت بأصول جديدة فى شريعة بنى إسرائيل اللهم سوى الإيمان بالإنجيل الذى كان معه ( كلام الله ) .
... وحيث أنه كان آخر أنبياء بنى إسرائيل ولم تختم النبوة ورسالات الله إلى خلقه به ، فقد تمركزت دعوة الإنجيل الذى كان معه حول ما يُسمَّى بالبشارات بما سيأتى مِن بعده ، وبما سيكون ويجرى على بنى إسرائيل فى مستقبل الأيام . فالإيمان بإنجيل المسيح هو إيمان ضمنى بما بشَّر به .
... وتنقسم بشارات إنجيل المسيح إلى ثلاثة أقسام :
أولا .. البشارة بملكوت الله القادم مِن بعده .
ثانيا .. بما سيكون من أمر بنى إسرائيل فى مستقبل الأيام .
ثالثا .. البشارة بنبىّ آخر الزمان وخاتم النبيين والمرسلين - صلى الله عليه وسلم - تحت المسميات البارقليط والمسِّيَّا .
... وستدور أبحاث الكتاب حول البشارتين الأولى والثانية حيث تم شرح البشارة الثالثة ( البارقليط والمِسِّيَّا ) بالتفصيل وذلك فى كتابى " نبىّ أرض الجنوب " فهناك الجديد المفيد ..!!
أولا : الملكوت
فاتحة هذا البحث
============
... الحمد لله ذى الكبرياء والملكوت ، والعظمة والجبروت ، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول ، لا إله إلا هو إليه المصير . باعث الرسل مبشرين ومنذرين بالثواب والعقاب ، ومُنزل عليهم الكتب مبينة للخطأ والصواب ، وجاعل الشرائع كاملة لا نقص فيها ولا عاب . لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل .(1/1)
... والصلاة والسلام على عبده أحمد . الذى أسْرىَ به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وأطلعه الله على ملكوت السموات والأرض وأراه آيات ربه الكبرى . جاء عنه صلوات الله وسلامه عليه فيما رواه الامام أحمد فى مسنده من حديث المعراج أنه قال لجبريل : ما هذا يا جبريل ..؟ فقال له جبريل : هذه الشياطين يحومون على أعين بنى آدم أن لا يتفكروا فى ملكوت السماوات والأرض . ولولا ذلك لرأوا العجائب .
... أمَّا بعد :
إنَّ الباحث فى سيرة المسيح وأقواله - عليه السلام - المسجلة فى الأناجيل الحالية . يعرف جيدا أنَّ رسالة المسيح تمركزت حول ما يسمى بـ الملكوت والتبشير بقرب حلوله على الناس واقتراب زمان ظهوره . وضرب لهم عليه السلام أمثالا كثيرة يشرح فيها معنى الملكوت تبدأ فى معظم الأحيان بعبارة " يشبه ملكوت السموات كذا .. " . ثم يذكر بعدها المثل المضروب ثم يعقبه شرح مفردات المثل ليفهم تلاميذه المعنى المقصود .
... ومن بعد بعثة المسيح - عليه السلام - وإلى الآن لم يفهم الأتباع المعنى المقصود من كلمة ملكوت . ويقولون بأنَّ المسيح - عليه السلام - لم يبينها لهم بتعريف جامع محدد . وسبب ذلك أنهم تركوا كلية لغة المسيح ولسانه الآرامى الذى كان يتكلم به ونهلوا من اللسان اليونانى وما تفرع منه من لغات عدة .
... وكلمة ملكوت فى الأصول اليونانية هى باسيليا ( ???????? ) والتى تترجم فى الإنجليزية إلى كلمة كِنجدَمْ ( Kingdom ) بمعنى امبراطورية أو مملكة كبيرة . فإذا كانت هذه الكلمة بمعنى امبراطورية فى الأصول اليونانية أو مملكة فى الترجمات الإنجليزية فقد ضاع معناها فى لغتها الأصلية على الأتباع وهذا هو الذى حدث فعلا . فلم يأت المسيح - عليه السلام - ليقيم مملكة أو امبراطورية ليهود بنى إسرائيل ، ولم تأت هذه المملكة المزعومة إلى الآن ..!!(1/2)
... وكلمة ملكوت عند علماء المسيحية معناها حكم وسلطان ومملكة . فإذا أضيف إليها كلمة السماوات أى ملكوت السماوات كما قال متى فى إنجيله صار معناها حكم السماء أو مملكة السماء أو سلطان السماء . وكل ذلك لا معنى محدد له ويحتاج إلى شرح آخر . فهل كان المسيح - عليه السلام - يبشر بقرب حلول حكم السماء أو سلطانها أو حتى مملكتها ..!؟ ومنذ متى كان للسماء حكم أو سلطان أو حتى مملكة على الأرض وهى خلق من خلق الله تعالى ..!؟
... فإن أضيف إليها اسم الجلالة الله ، أى ملكوت الله صار معناها عندهم حكم الله أو سلطان الله أو مملكة الله ، كأنه لم يكن هناك قبل بعثة المسيح - عليه السلام - حكم لله أو سلطان لله أو حتى مملكة لله . لدرجة أنَّ المسيح صار ينادى فى المدن باقتراب حلول ومجىء حكم وسلطان الله ..!!
... وهم لا يزالون إلى الآن يدعون فى صلاتهم الربَّانية بأن يأتى ملكوت الله .. ولم يأت عندهم الملكوت بعد !!. فكأنهم يقولون بأنَّ حكم الله وسلطانه ومملكته لم يكن لهم وجود فى الماضى وحتى الآن . فالعالم منذ خلق وإلى الآن بدون حكم الله وسلطانه . فهل يعقل ذلك يا أهل الأفهام والعقول ..!؟
... إنَّ الملكوت عندهم عبارة عن حدث تاريخى له بداية ومنطقة نفوذ . ولا تسألنى عن معناها عندهم حينئذ ، لأنهم لا يعلمون أكثر من ذلك . وإن ضيقت عليهم الخناق قالوا لك إنَّ المسيح لم يبينها لهم بشكل محدد قاطع فى معناه ..!!(1/3)
... من أقوال المسيح - عليه السلام - كما جاء فى إنجيل لوقا ( 4 : 43 ) قوله : " إنه ينبغى لى أن أبشر المدن الأخرى أيضا بملكوت الله لأنى لهذا قد أرسِلتُ " . و قوله - عليه السلام - كما جاء فى إنجيل مرقس ( 1 : 14 ) : " قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله " . ونجده عليه السلام يُرسل تلاميذه ليبشروا بملكوت الله ( لوقا 6 : 20 ) . وعلَّم الأتباع بأن يقولوا فى صلاتهم " أبانا الذى فى السماوات : ليأت ملكوتك ، لتكن مشيئتك كما فى السماء كذلك على الأرض " .
فما هو ذلك الملكوت الذى اقترب زمانه وأوشك على الظهور للناس ..!؟
وما هو ذلك الملكوت الذى من أجله كانت رسالة المسيح - عليه السلام - ..!؟
وما هو ذلك الملكوت الذى يدعوا المسيحيون بمجيئه فى صلاتهم الربَّانية ..!؟
... يقول الدكتور القس فهيم عزيز عن معنى ملكوت الله : " ومنذ بداية خدمته ـ أى المسيح ـ إلى أن رفع على الصليب ، استمر يسوع فى التبشير بملكوت الله وشرحه وتفسير ظواهره فى أمثاله وتعاليمه ، ثم أظهره فى حياته وعمله عندما شفى المرضى وأقام الموتى وطهَّر البرص . وأخيرا عندما مات وقام . ولقد كان موته وقيامته الطريق الوحيد لمجىء ملكوت الله على الأرض وظهوره فى حياة الناس كعامل فعَّال مجدد . ومن هذا يتضح أنَّ حياة يسوع ورسالته التعليمية والعملية قد تركزت حول ملكوت الله .
... ومع ذلك فلم يعط يسوع تعريفا محددا كاملا لهذا الاصطلاح . بل كان يتكلم عنه ببساطة ويسر مما يوحى بأنه كان يعلم أنَّ سامعيه لا تنقصهم معرفة المعنى الحقيقى للملكوت . ولكن هذا لا يعنى أنَّ ملكوت الله شىء غامض غير محدد المعالم . فكل دارسى الكتاب يستطيعون من خلال كلام يسوع وعمله أن يعرفوا معناه ويتأكدوا مما كان يرمى إليه فى تعاليمه وعمله " (1) .
... ثم يسترسل الدكتور القِسّ العربىّ فى الكلام عن المعنى اللغوى قائلا :(1/4)
" لعل أجلّ دراسة ظهرت فى هذا الموضوع هى تلك التى قام بها العالم الألمانى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. كتاب ملكوت الله فصل معنى ملكوت الله لغويا ص 9 .
جوستاف دلمان (1) فهو أول من نبه الأذهان إلى أنَّ المعنى الأساسى للكلمة العبرية والآرامية التى تترجم ملكوت هو سلطان الله وحكمه . أمَّا ما يظنه البعض من أنَّ الكلمة تعنى المكان أو المنطقة التى يظهر الله فيها سلطانه فهو من قبيل تحميل الكلمة من معان لا تحتملها " (2) .
... وتبنى الدكتور القس العربى المعنى الأوروبى لهذا المصطلح العربى وقال كما يقولون بأنَّ " الكلمة الآرامية التى كان يسوع يستخدمها ، لم تكن تعنى سوى سلطان الله وحكمه " (3) . مع تركيزه على " أنَّ يسوع لم يضع تعريفا محددا للاصطلاح ملكوت الله " (4) . ولذلك لم يلتزم حضرته بهذا المعنى فى كتابه الكبير والبالغ عدد صفحاته 370 صفحة وضاع منه معنى المصطلح اللغوى العربىّ . ولم يكلف نفسه مشقة البحث عن معنى الكلمة فى التراث العربى الآرامى ، أى فى اللسان الذى يتكلم به فضيلته ..!!
... وعلماء المسيحية لا يحبون أن يضعوا لأتباعهم معنا محددا للكلمة . لأنها عندهم هى سلطان الله وحكمه مبدئيا ، ثم وفى النهاية فالله عندهم هو المسيح والمسيح هو الكلمة والكلمة هو الابن والابن هو الكل فى الكل . فيجب على الأتباع أن يقيموا ملكوت الله فى أنفسهم بدون فهم أو وعى لمعنى كلمة ملكوت ..!!
... افتحوا أيها القرَّاء الأعزاء أى شرح للأناجيل العربية وابحثوا عن معنى كلمة ملكوت التى كان المسيح يبشر باقتراب زمان حلولها . لن تجدوا شيئا اللهم إلا كلاما مبهما لا يُسْمِنُ ولا يُغنى من جوعة المؤمنين ومحبى لغة المسيح - عليه السلام - .
... وعلماء المسيحية وقسوسها منقسمون أمام الملكوت على فريقين :(1/5)
فريق يرى أنَّ الملكوت موجود الآن بين الناس وإن كان البعض لا يراه ، وفى ذات الوقت سيتم إعلانه فى المستقبل عندما يحين الوقت .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. جوستاف دلمان . كلمات يسوع من ص 91 إلى ص 101 .
(2) .. ملكوت الله ص 10 .
(3) .. ملكوت الله ص 13 .
(4) .. ملكوت الله ص 17 .
وفريق يرى أنَّ الملكوت لم يأت بعد ، ربما يأتى فى المستقبل مع المجىء الثانى للمسيح - عليه السلام - فى آخر الزمان .
... وما بين هذين الرأيين تتفاوت أقوالهم فلا يوجد دليل صحيح يعتد به على أقوالهم نظرا لغياب المعنى الأساسى اللغوى لكلمة ملكوت . فإن سألت قسيسا مثقفا عن ملكوت الله سيؤكد لك أنَّ ملكوت الله سوف يتحقق بتغلب الكنيسة على بقية الكنائس الملحدة . وسيقول لك قِسٌ آخر عن الفترة الألفية السعيدة فى آخر الزمان . ويقول لك قِسٌ ثالث لا بد أولا من أن تقيم ملكوت الله فى نفسك حتى تشعر به ..!!
... وغالبية المسيحيين تائهون بين تلك الآراء ، ولا يوجد لديهم تعريف مُحَدَّد لهذه الكلمة الآرامية أو العربية . ومع ذلك فهم مترقبون للحظة مجىء الملكوت الذى يدعون بمجيئه فى صلاتهم الربانية " ليأت ملكوتك " .
... والمتأمل فى أقوالهم وأحوالهم يعلم جيدا بأنَّ حالهم يشابه تماما حال اليهود وترقبهم لمجىء المسيح ابن داود الملك إلى الآن . مع أنه قد جاءهم منذ ألفى سنة وهم له ناكرون لأنه جاء من نسل هارون ، وليس كما يتوقعون ويتمنون وتهواه أنفسهم ..!! فقل مثل ذلك فى حق المسيحيين ، فقد جاءهم ملكوت الله منذ أكثر من أربعة عشر قرنا وهم له ناكرون وعن الحق مبتعدون لأنه ليس بالذى يتوقعون ويتمنون وتهواه أنفسهم ..!!(1/6)
... فهل يقبل الأتباع أن نرجع بالنصوص الإنجيلية إلى أصلها الآرامى ونجرى عليها ما يسمى بعملية الاقتراب الآرامى لنفهم المعنى المقصود منها . إنها كلمة عربية آرامية دارت حولها بعثة المسيح - عليه السلام - . وكانت السبب الرئيسى للبعثة كما جاء فى إنجيل لوقا من قول المسيح - عليه السلام - " لا بد لى من أن أبشر المدن الأخرى أيضا بملكوت الله لأنى لهذا أرسلت " ( لوقا 4 : 43 ) .. ؟؟ سوف أحاول واجتهد راجيا من الله العون والسداد فى الأمر .
... فهذا تراثنا وتلك لغتنا ولسان أجدادنا ونحن خير من يفهم عنهم ، ولساننا الحالى شاهد على الاتفاق . خلاف اليونانيون وسائر الأوربيون الذين لا يمكنهم النطق بلساننا ولا فهم كلام أجدادنا . فعيب علينا كبير أن نأخذ عن الألمان والأمريكان الفهم السليم لأقوال أسلافنا وأجدادنا المتكلمون بلساننا وعلى الأخص إن كان ذلك دينا يُتَّبَع ..!!
... وكلمة ملكوت كلمة عربية اللسان آرامية اللغة موغلة فى القدم من قبل رسالة الإسلام . ولا وجود لها فى الكتابات اليهودية من قبل زمن بعثة المسيح ابن مريم - عليه السلام - . فأول ظهور لها بين الإسرائيليين كان على يد المسيح - عليه السلام - . ثم بدأت فيما بعد فى الظهور فى كتابات الربَّانيين والأحبار اليهود من بعد القرن الأول الميلادى . ولذلك لا نجد شرَّاح الأناجيل يلجئون فى شروحهم لكلمة الملكوت إلى اللغة العبرية سواء كانت القديمة أم الحديثة .
وكلمة ملكوت لا تزال مسجلة فى القرآن وأحاديث سيد الأنام - صلى الله عليه وسلم - وفى أشعار العرب القدماء سواء كانوا على الجاهلية أم على الحنيفية أم على النصرانية لا دخل لها باسم دين معين . فاللغة لغة فى جميع الأحوال ، بها نفهم ونعبِّرَ عما نريد ، وبها نفكر ونكتب . فتعالوا أيها القراء الأعزاء نبحث عن معناها فى لسان الأجداد .
معنى كلمة ملكوت فى اللسان العربى
( فى اللغتين العربية والآرامية )
=============(1/7)
يدور اشتقاق كلمة ملكوت حول الجذرين ( م ل ك ) بكسر حرف اللام أو بفتحه . فـ ملِك جمعها ملوك . وملَك بالفتح جمعها أملاك وملائكة .
... والجذر الأول ـ أى بكسر اللام ـ يأتى منه القوة والسيطرة والعظمة . وهى أمور لا تكون مطلقة إلا لله سبحانه وتعالى ، وبعض منها لخلقه من ملوك الدنيا وعظمائها . وتلك معان يشاهدها الانسان ببصره وببصيرته حيث أنها من عالم المشاهدة .
... والجذر الثانى ـ أى بفتح اللام ـ يأتى منه كل ما هو محجوب عن البصر ويراه الانسان المؤمن ببصيرته ، والعلماء يستنتجون صحة وجوده بعلمهم . فهى أمور من عالم الغيب القريب والبعيد .
... فهناك إذا عالمان بفتح اللام : عالم الشهادة وعالم الغيب . أو لك أن تقول عالم الخلق وعالم الأمر . أو عالم الظاهر وعالم الباطن . والله سبحانه وتعالى بيده ملكوت كل شىء مهيمن على الجميع ظاهرا وباطنا .
وكلمة ملكوت صيغة مبالغة على وزن فعلوت مثل جبروت ورهبوت . فهى تحتوى على كل معانى الجذرين : ملَك وملِك بفتح اللام وكسرها ، أى أنها تضم عالمى الغيب والشهادة ، وفيها معان العظمة والقوة والسيطرة الظاهرة والباطنة . ولذلك وُصِف بها الحق سبحانه وتعالى بأنه ذى الملكوت أى رب العالمين .
... والكلمة الآرامية التى نطقها المسيح - عليه السلام - وكان يبشر بقرب زمان حلولها هى كلمة ملكوتا بالألف الممدودة فى آخر الكلمة التى هى أداة التعريف الآرامية والتى تعادل الـ فى العربية أى الـ ملكوت . والمعنى واحد فى العربية والآرامية ومن هنا يكون بداية الفهم الصحيح للكلمة .
فإن اقترنت الكلمة بكلمة أخرى تدل على الزمن مثل قول المسيح - عليه السلام - " اقترب ملكوت السموات " . علمنا أنَّ معنى العبارة يدور حول حدث تاريخى سيتحقق وقوعه أمام الناس . وهذا الحدث من عالم الملكوت بفتح اللام أى من عالم الغيب القريب الذى لم يستأثر الله بعلمه ، كبعث نبىّ أو رسول لله تعالى أو إنزال شريعة من الله .(1/8)
وإن اقترنت الكلمة بكلمة تدل على الحركة مثل قوله - عليه السلام - : " يدخل المساكين ملكوت السماوات " . علمنا أنَّ المعنى يدور حول حدث مكانى يدخل إليه المساكين . وذلك المكان ليس من عالمنا الذى نعيش فيه وإنما هو من عالم الغيب كالجنة مثلا .
وإن اقترنت الكلمة بكلمة تدل على طلب شىء ما مثل قوله - عليه السلام - : " اطلبوا ملكوت الله " . علمنا أنَّ المعنى يدور حول أمر من أمور الله سبحانه وتعالى مطلوب إقامتها وتحقيقها فينا . مثل دينه وشريعته وأحكامه وما شابه ذلك من أمور تطلب ويبذل فيها الغالى والنفيس .
وإن اقترنت الكلمة بكلمة تدل على الدعاء والتضرع إلى الله مثل قولنا فى الصلاة الربانية " ليأت ملكوتك " . علمنا أنَّ الشىء المطلوب إتيانه ليس مُلك الله أو سلطانه كما يقولون ..!!
فملكه تعالى وسلطانه قائم موجود أبدا من قبل وجود الزمان . وإنما المعنى يدور حول إتيان أمر من أمور الله تعالى قد قضِى فيه من قبل . مثل شرع جديد أو حكم جديد أو نبىّ أو رسول لله يأتى إلى الناس . أو كشف أسرار خلق السماوات والأرض وظهور ما حُجِب عنا مِن عجائب الخلق .
وهكذا نجد أنَّ كلمة ملكوت يختلف معناها حسب مدلول الكلمات المصاحبة لها فى الجملة . ومعظم معانيها واقع فى عالم الغيب الذى يُرَى بالبصيرة وليس بالبصر . ومن هنا علمنا لماذا كان المسيح - عليه السلام - يضرب الأمثال لقومه وتلاميذه وهو يشرح لهم معانى الملكوت المختلفة مبتدئا المثل بعبارة " يشبه ملكوت الله كذا " أو " يشبه ملكوت السماوات كذا " ولم يكتف بذلك بل كان - عليه السلام - يقوم بشرح المثل ومفرداته الكلامية .(1/9)
وكان - عليه السلام - يحذرهم بقوله كما جاء فى إنجيل متى ( 13 : 19 ) : " كل من سمع كلمة الملكوت ولم يفهمها ، يأتى الشرير ـ أى الشيطان ـ ويخطف ما زرع فى قلبه " . ولكن الأتباع لم يفهموا معنى الكلمة إلى الآن لأنَّ الشرير يخطف ما ينبت فى قلوبهم من معانى إيمانيَّة ..!!
وسوف نتتبع الكلمة بإذن الله تعالى فى الأناجيل لنرى معانيها المختلفة كما بينها المسيح - عليه السلام - بأمثاله الرائعة ، ولنرى صحة وبرهان تلك المقدمة اللغوية التى سردتها على القرَّاء الأعزاء . أسأل الله سبحانه وتعالى الهداية إلى الحق والصواب وأن ينير بصيرة وقلوب كل محبى المسيح - عليه السلام - .
الملكوت فى أقوال المسيح - عليه السلام -
=================
... إنَّ قراءة تلك النصوص وفهمها تحتاج أولا إلى نزع الخشبة اللعينة من العين عملا بوصية المسيح - عليه السلام - " أخرج أولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا " ( متى 7 : 5 ) . فالخشبة التى وضعتها الكنيسة فى أعين أتباعها حجبت عنهم مشاهدة النصوص وقراءتها بعين البصيرة . فهلموا بنا أيها القراء الأعزاء نقرأ ونشاهد بعيوننا أقوال المسيح - عليه السلام - المسجلة فى الأناجيل الحالية ثم نحاول فهمها بعد أن نعمل بوصية المسيح السابقة . فأقواله عليه السلام هينة لينة سهلة الفهم والادراك ليس فيها اللاهوت وقوانينه .
... كما أذكِّر القارىء بأنَّ معظم المعانى الواردة لكلمة ملكوت المذكورة فى أقوال المسيح - عليه السلام - الآتية لا ترى بالعين المجردة للمخاطبين بها أثناء بعثة المسيح - عليه السلام - لأنها من عالم الغيب ، ففيها أمور ستنكشف للناظرين عند اقتراب زمانها ، بمعنى أنَّ بعض أمور الملكوت التى بشَّر بها المسيح - عليه السلام - قد انكشفت لنا ، وشاهدناها بالبصر وبالبصيرة أى صارت من عالم المشاهدة . وهناك أمور أخرى لن تنكشف أمام الناس إلا فى آخر الزمان حيث أنها من الغيب الذى استأثر الله بعلمه .(1/10)
أولا : ملكوت الله بمعنى جنة الله .
والنصّ هنا مأخوذ من إنجيل مرقس ( 10 : 17 ـ 25 ) نسخة كتاب الحياة ( ط 1988) " وبينما كان ـ المسيح ـ خارجا إلى الطريق ، أسرع إليه رجل وجثا له يسأله : أيها المعلم الصالح ، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية ..؟ ولكن يسوع قال له : ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله . أنت تعرف الوصايا : لا تقتل ، لا تزن لا تسرق ، لا تشهد الزور ، لا تظلم ، أكرم أباك وأمك .
... فأجابه قائلا : هذه كلها عملت بها منذ صغرى . وإذ نظر يسوع إليه أحبه وقال له : ينقصك شىء واحد اذهب وبع كل ما عندك ووزع على الفقراء فيكون لك كنز فى السماء . ثم تعال اتبعنى . فاكتأب هذا الرجل ومضى بعيدا وهو حزين لأنه كان صاحب ثروة كبيرة .
... فتطلع يسوع حوله وقال لتلاميذه : ما أصعب دخول الأغنياء إلى ملكوت الله . فدهش التلاميذ لهذا الكلام . فعاد يسوع يقول لهم : يا بنىّ ما أصعب دخول المتكلين على المال إلى ملكوت الله . فأسهل أن يدخل الجمل فى ثقب إبرة من أن يدخل الغنى إلى ملكوت الله " .
قلت جمال : وفى ذلك النصّ نعلم جيدا أنَّ الرجل كان من المؤمنين العاملين بالوصايا العشر . ولكن غريزة حب المال كانت مسيطرة عليه ، فأراد المسيح - عليه السلام - أن يطهره منها فأمره بتوزيع أمواله على الفقراء . ولكن المسكين حرم نفسه من دخول ملكوت الله . وكل من كان فى قلبه ذرة من إيمان يعلم جيدا أنَّ ملكوت الله هنا هو شىء لا تراه الأعين فى الدنيا ، وإنما هو شىء قد أعده الله للمؤمنين فى الآخرة مكافأة لمن آمن بالمسيح وأطاع تعليماته ، إنه هنا هو الجنة . شىء من عالم الغيب الذى يؤمن به المؤمنون دون أن يروه ..!!
ومثل دخول الجمل من ثقب الابرة يشابه تماما النصّ القرآنى من قوله تعالى { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط . وكذلك نجزى المجرمين } ( 40 / الأعراف ) .(1/11)
هذا فى حق الكافرين والمستكبرين . والغنى الذى به داء حب المال ويمسك عن الإنفاق منه على الفقراء يعتبر من المستكبرين دون شك ، فمن الصعب جدا عليه أن يدخل الجنة لطول الحساب والله تعالى أعلم . اِضافة إلى عدم اِطاعتة للمسيح - عليه السلام - .
وقد ورد مثل ذلك فى أحاديث خاتم المرسلين - صلى الله عليه وسلم - كما ورد فى شأن المنافقين الاثنى عشر الذين لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط . الحديث الذى رواه كل من الامام أحمد فى مسنده عن حذيفة وذكره ابن كثير فى البداية والنهاية وأيضا فى الجامع الصغير للسيوطى وغيره .
وتفسير ملكوت الله هنا فى قول المسيح - عليه السلام - بالجنة قول صحيح تشهد له فطرة الانسان السَّوىِّ . إضافة إلى أنَّ مسلمى أهل الكتاب من العرب القدماء قالوا بمثل ذلك التفسير . فها هو وهب بن منبه نجده يقول فيما رواه عنه الامام أحمد فى مسنده أنه قال : " دخول الجمل فى سم الخياط أيسر من دخول الأغنياء الجنة " . وذلك هو نصّ قول المسيح - عليه السلام - الوارد فى الإنجيل العربى القديم (1) .
ثانيا : ملكوت السماوات بمعنى الملأ الأعلى .
والنصّ هنا مأخوذ من إنجيل متى ( 5 : 17 ـ 20 ) نسخة فانديك المعتمدة قال المسيح - عليه السلام - : " لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء . ما جئت لأنقض بل لأكمل . فإنى الحق أقول لكم : إلى أن تزول الأرض والسماء ، لن يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل . فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلَّمَ الناس هكذا يُدعى أصغر فى ملكوت السماوات . وأمَّا من عمل وعلَّمَ فهذا يُدعى عظيما فى ملكوت السماوات فإنى أقول لكم إنكم إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السماوات " .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. سبقت الاشارة فى أول الكتاب إلى أن كلمة الجمل هنا تعنى فى الآرامية الحبل السميك الذى تشد به السفن .(1/12)
وبمثل ذلك المعنى قال حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضى الله عنه .
... قلت جمال : وملكوت السماوات فى النصّ السابق كناية عن الملأ الأعلى عالم الملائكة والروح ، عالم السماوات . فمن تمسك بالناموس كاملا أى بالتوراة والإنجيل ووصاياهما وبما جاء به الأنبياء وعمل به وعلَّمَ ، فهذا يُدعى عظيما فى الملأ الأعلى بين الملائكة . ومن نقض وصايا الناموس وبما جاء به الأنبياء ثم عَلَّمَ بهذا فإنه يُدعى الأصغر ـ أى القليل الشأن أو الأحقر ـ بين الملأ الأعلى .
ومن فراسة المسيح - عليه السلام - وتوقعه بما سيحدث من بعده أنه وَصَفَ الذى سينقض وصايا الناموس وبما جاء به الأنبياء من قبله ، ويقوم بنشر تعليمه هذا بين الناس أنه سيدعى الأصغر ( the little ) . وقد تحقق ذلك الأمر على يد بولس الطرسوسى الرومانى الجنسية صاحب اللقب اليونانى الذى ترجمته الأصغر ( the little ) ..!!
جاء فى الحديث القدسى المشهور أنَّ الله سبحانه وتعالى قال : " وإذا ذكرنى ـ عبدى ـ فى ملأ ذكرته فى ملأ خير من ملئه " . وأفضل الذكر تلاوة كتبه والعمل بوصاياه وبث ذلك العلم بين الناس . فهذا يُدعى فى الملأ الأعلى عظيما كما قال المسيح - عليه السلام - . وجاء أيضا فى الحديث الشريف أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " عليكم بالصدق ، فإنَّ الصدق يهدى إلى البر وإنَّ البر يهدى إلى الجنة . وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا . وإنَّ الكذب يهدى إلى الفجور . وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا " . قال الحافظ بن حجر فى الفتح : " المراد بالكتابة الحكم عليه بذلك وإظهاره للمخلوقين من الملأ الأعلى " .(1/13)
قلت جمال : فالصديق والكذاب فى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هما العظيم والأصغر فى قول المسيح - عليه السلام - . وهناك أناس ذكروا بأسمائهم وأنسابهم وألقابهم فى الملأ الأعلى جاءت بهم الآثار فى التراث الإسلامى ، مثل الصحابى الجليل أبىّ بن كعب الذى ذكر اسمه ونسبه فى الملأ الأعلى ( راجع فتح البارى ج 7 مناقب أبىّ ابن كعب ) . ومثل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان الذى يدعى فى الملأ الأعلى بذى النورين .
وفى كتب التفسير وردت قصة طريفة فى أسباب نزول قوله تعالى { وَلأمَة مُؤمِنة خير من مُشركة ولو أعجبتكم } . وهى أنَّ حذيفة بن اليمان كانت له أمَة سوداء ذات دمامة . فعندما نزلت الآية قال حذيفة لأمته : يا خنساء قد ذكرت فى الملأ الأعلى مع سوادك ودمامتك وأنزل الله تعالى ذكرك فى كتابه ثم أعتقها وتزوجها بعد ذلك .
والنصوص الإسلامية كثيرة فى إثبات أنَّ هناك الكثيرين من الأتقياء والصالحين يُذكرون فى الملأ الأعلى بأفضل الصفات . بل نجد تحديدا أنَّ الأئمة المسلمون قد رووا عن المسيح - عليه السلام - أنه قال : " من علِمَ وعمِلَ وعلَّمَ يدعى فى الملكوت ـ الملأ الأعلى ـ عظيما "
وتكفى القارىء المسلم تلك الجرعة المختصرة ليعلم أنَّ من معانى كلمة ملكوت " الملأ الأعلى " . ويكفى القارىء المسيحى قول المسيح - عليه السلام - اضافة إلى التحليل اللغوى للكلمة .
ثالثا : ملكوت الله بمعنى عجائب الله فى الكون .
جاء عن المسيح - عليه السلام - فى كل من ( متى 13 : 11 ؛ مرقس 4 : 11 ) أنه قال :(1/14)
" قد أعطى لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت الله " . وملكوت الله هنا هو آياته وعجائب خلقه فى الكون الفسيح . وتلك المعرفة ميسرة بأسبابها ، إمَّا بفراسة ونور الإيمان هبة من الله سبحانه وتعالى ، وإمَّا بالعلم وأدواته المتعارف عليها بين العلماء . قال تعالى { وكذلك نُرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين } ( 75 / الأنعام ) أى ما فيهما من عجائب وآيات . وقال تعالى { أو لم ينظروا فى ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شىء } ( 185 / الأعراف ) .
وأخرج ابن أبى شيبة وابن أبى حاتم وابن مردويه ، عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال النبىّ - صلى الله عليه وسلم - " ليلة أسرى بى .... فلما نزلت إلى السماء الدنيا نظرت إلى أسفل منى ، فإذا أنا برَهَج ودخان وأصوات ، فقلت : ما هذا يا جبريل ..؟ قال : هذه الشياطين يحومون على أعين بنى آدم ، لا يتفكرون فى ملكوت السماوات والأرض . ولولا ذلك لرأوا العجائب ".
وفى رواية أخرى عن أبى هريرة رضى الله عنه ذكرها الإمام أحمد فى مسنده أن النبىّ - صلى الله عليه وسلم - قال " لولا أنَّ الشياطين يحومون على قلوب بنى آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات " .
رابعا : ملكوت الله بمعنى كتاب الله .(1/15)
سبق أن طالعنا فى بحث الإنجيل من هذا الكتاب ، البراهين الدالة على أنَّ عبارة إنجيل الملكوت فى كامل معناها تشير إلى كتاب إلهى . وفصَّلت فيه القول هناك بأنه يوجد نوعان من إنجيل الملكوت : فهناك إنجيل الملكوت الذى كان المسيح - عليه السلام - يقوم بتعليمه لقومه من بنى إسرائيل وهو كتاب التوراة والأنبياء مضافا إليه إنجيل المسيح - عليه السلام - . وهناك إنجيل الملكوت للعالم أجمع وهو الذى كان يبشر بقرب ظهوره المسيح - عليه السلام - وهو غير إنجيل الخلاص المسيحى كما قال علماء المسيحية . إنه الإنجيل الخالد ، كتاب آخر الزمان الذى ينزل به ملاك من السماء إنه القرآن الكريم . فتراجع هناك الأدلة والبراهين اللغوية للنصوص اليونانية .
... وسوف أذكر هنا للقارىء نصّ واحد من إنجيل متى ( 24 : 14 ) للتذكرة حيث يخبر المسيح - عليه السلام - بما سيحدث فى مستقبل الأيام فقال : " ويُكرز ببشارة الملكوت هذه فى كل المسكونة شهادة لجميع الأمم . ثم يأتى المنتهى " والترجمة هنا غير أمينة فى النقل عن الأصل اليونانى فعبارة ويكرز ببشارة الملكوت مكتوبة فى الأصل اليونانى هكذا :
( ??? ???????????? ?????-??-?????????? ??? ????????? )
وترجمتها وسوف يُعْلن إنجيل الملكوت هذا ، فهناك إنجيل الملكوت أى كتاب الملكوت كما سبق إثبات ذلك فى بحث الإنجيل . وهذا الإنجيل لم يكن فى عصر المسيح - عليه السلام - ولذلك نسبه إلى الملكوت بمعنى أنه مغيب عن الأبصار ولن يراه الناس إلا عند حلول زمانه فينزل به ملاك من السماء ـ كما قال يوحنا اللاهوتى فى سفر الرؤيا ـ على النبىّ الخاتم - صلى الله عليه وسلم - . وقد تكلم علماء المسيحية عن هذا الإنجيل وقالوا بأنه سيكون فى آخر الزمان . وأنه يختلف عن إنجيل الخلاص المسيحى . راجع كل ذلك فى بحث الإنجيل السابق ذكره .(1/16)
... وكما سبق أن أوضحت فى المقدمة اللغوية أنَّ مادة ملكوت تدور مع عالم الغيب فإن انكشفت للناس فلم تعد من الغيب فى شىء . وإنجيل الملكوت هذا كان فى عالم الغيب وعَلِمَ به المسيح - عليه السلام - فأخبر بحقيقته الغيبية فقال إنجيل الملكوت . ونزل بحمد الله ذلك الإنجيل السرمدى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بواسطة الملاك جبريل . وبالتالى فقد أزيلت عنه صفة الملكوتية الغيبية ، وقرأه الناس وهو بين أيديهم . ذلك الكتاب الذى بشر به أبو الأنبياء إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فى قوله الذى سجله القرآن الكريم { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة } فقال صلوات الله عليه { يتلو عليهم آياتك } وتلك صفة قراءة القرآن بتلاوة آياته .
خامسا : ملكوت الله بمعنى دين الله .
هل عملنا بوصية المسيح أيها القراء الأعزاء ونزعنا الخشبة من أعيننا حتى نبصر جيدا فمن لم ينزعها فلينزعها الآن فهذا هو أوانها ..!! قال المسيح - عليه السلام - كما جاء فى إنجيل مرقس ( 1 : 14 ) : " قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله . فتوبوا وآمنوا بالإنجيل " . وهذا النصّ مكون من شطرين :
ـ قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله . وهذا أمر مُبشر به سيقع من بعد بعثة المسيح - عليه السلام - . فملكوت الله قد اقترب زمانه ، وهذا الملكوت شىء غيبى اقترب زمان انكشافه للناس . بمعنى انتقال هذا الشىء من عالم الغيب إلى عالم المشاهدة . وهذه الجملة إخبار عن هذا الشىء . فالزمان قد كمل والتوقيت اقترب وقوعه . ونرجىء الكلام عن هذا الشىء بعض الوقت .
ـ فتوبوا وآمنوا بالإنجيل . وهذا هو الشطر الثانى من قول المسيح - عليه السلام - يخص المعاصرين له من قومه . مطلوب منهم التوبة أولا من عصيانهم لأوامر ربهم ومخالفتهم لوصاياه المكتوبة فى التوراة ثم الإيمان بالإنجيل الذى معه .(1/17)
... فالشطر الأول من العبارة يتكلم عن شىء من عالم الغيب اقترب زمان ظهوره للناس . والشطر الثانى يتكلم عن شىء من عالم المشاهدة وهو الإيمان بالإنجيل الموجود فعلا مع المسيح - عليه السلام - .
... وللأسف الشديد نجد أنَّ المسيحيين لا يعترفون بأنَّ المسيح - عليه السلام - كان معه إنجيل ..!! ومن ثمَّ فقد فقدوا العمل بالشطر الثانى من قول المسيح - عليه السلام - فلا توبة ولا إيمان بإنجيل ولم يتبق لهم إلا انتظار ظهور هذا الشىء الذى أخبر عنه المسيح فى الشطر الأول من كلامه ولذلك نجدهم يقولون فى صلاتهم حتى الآن " ليأت ملكوتك " ..!!
سبحان الله .. كأنه - عليه السلام - قد علم بما سيكون عليه الأتباع من بعده ..!!
... فإن ذهبنا نستطلع ماهية هذا الشىء فى أقوال المسيح - عليه السلام - ، سنجده فى مَثل الكرامين الذى سيتم شرحه كاملا بإذن الله تعالى فى فصل قادم ولنأخذ منه ما يناسبنا هنا . جاء فى إنجيل متى ( 21 : 42 ـ 44 ) قول المسيح - عليه السلام - : " أما قرأتم قط فى الكتب .. الحجر الذى رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية . من قِبَل الرب كان هذا وهو عجيب فى أعيننا . لذلك أقول لكم إنَّ ملكوت الله يُنزع منكم ويعطى لأمَّة تعمل أثماره . ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه " .(1/18)
... والكلام هنا مع قوم المسيح من بنى إسرائيل ، فما هو الشىء الذى بحوزتهم والمعبر عنه بملكوت الله والذى سينزع منهم ..؟؟ إنهم الوحيدون بين الأمم فى زمان المسيح - عليه السلام - الذين ينسبون إلى دين الله وبه يُعْرَفون . فالشىء الوحيد الذى به يتميزون على سائر الأمم هو الدين الذى بأيديهم . وسدانة هذا الدين سوف تنزع منهم وتعطى لأمَّة تثمر ثمره . وزعم المسيحيون اليونانيون بأنهم هم الذين أخذوا الدين من اليهود بمعنى أنَّ الملكوت هنا هو دين الله ولكن النصوص لا تقف فى صفهم . وإنما النصوص مع تلك الأمَّة التى وصفوها بأنها أمَّة أمِّية وثنية ، أو كما قالوا : شعب ليس بشعب .. ألخ . ولم تكن أمَّة اليونان أمِّية أو جاهلة فى ذلك الزمان ( سيأتى تفصيل ذلك قريبا بإذن الله ) .
... المهم أنَّ معنى عبارة ملكوت الله هنا تعنى دين الله بلا نزاع . وأنَّ الشىء المبشر باقتراب زمانه فى قول المسيح - عليه السلام - " قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله " هو ذات الشىء الذى يدعو بإتيانه جميع المسيحيين فى صلاتهم إلى الله قائلين :
" أبانا الذى فى السماوات . ليتقدس اسمك . ليأت ملكوتك " . وهم لا يزالون إلى الآن يقولون " ليأت ملكوتك " .. !!
... وحسب تفسيرهم للملكوت بأنه ( kingdom of God ) أى مملكة المسيح الرَّب . وبدعائهم فى الصلاة ليأت ملكوتك كل ذلك يفيد أن الملكوت لم يأت بعد . أى لم تكن هناك مملكة للمسيح الرب حتى الآن ..!!
ولكن إن فتحنا أعيننا ونزعنا الخشبة منها أبصرنا جيدا ، ورأينا ملكوت الله الذى بشر بقرب ظهوره المسيح - عليه السلام - . إنه دين الله ، إنه دين الإسلام .
سادسا : وهناك معان أخرى للملكوت تظهر للقارىء المدقق فى الأناجيل فلا داعى للاستفاضة فى ذكرها . وحسبنا تلك المعانى الخمسة السابقة . فكلها جديدة على القارىء المسيحى ، بل وعلى بعض المسلمين أيضا .
... وفى الختام :(1/19)
فلنقف وقفة تأملية أمام نصّ إنجيل متى ( 23 : 13 ) حين قال المسيح - عليه السلام - لأحبار اليهود : " الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون . فإنكم تغلقون ملكوت السماوات فى وجوه الناس ، فلا أنتم تدخلون ، ولا تدَعون الداخلين يدخلون " . وجاء هذا النصّ بصورة أخرى فى إنجيل لوقا ( 11 : 52 ) هكذا : " الويل لكم يا علماء الشريعة ، فإنكم خطفتم مفتاح المعرفة . فلا أنتم دخلتم ، ولا تركتم الداخلين يدخلون " .
... قلت جمال : فملكوت السماوات هنا له باب ، والباب له مفتاح . والمفتاح بيد علماء الشريعة اليهودية . تلك أساسيات هامة فى النصّ .
فهل يمكننا أن نتفهم سويا النصّ السابق بدون تعقيدات لاهوتية كنسية ..!؟
إنَّ ملكوت السماوات هنا ليس معناه مملكة الله أو سلطان الله أو حكم الله حيث أنَّ مفتاحه بيد علماء الشريعة اليهود . وليس لهؤلاء العلماء سيطرة على سلطان الله ومملكته أو حكمه ..!!
فالكلام إذا عن شىء له باب أو أبواب . شىء واقعى غير منظور من عالم الغيب . شىء له مفتاح منه نسخ كثيرة ، ولك أن تقول له مفاتيح كثيرة . بدليل وجود هذا المفتاح بيد علماء الشريعة وهم كثيرون ، فلا بد من القول بتعدد المفاتيح موافقة لباقى نصوص الأناجيل .
وعندما أطلق لوقا عليه اسم مفتاح المعرفة علمنا أنه ليس بمفتاح مادى يمكن حمله أو تعليقه حول الرقبة . والمعرفة الوحيدة التى مع علماء الشريعة اليهودية هى المعرفة الدينية وصالح الأعمال التى من المفترض أن يقوموا بتعليمها للناس . المعرفة الدينية التى تثمر أعمالا صالحة يرضاها الله من عباده فيجازيهم عليها فى الآخرة . فهل قام علماء الشريعة بما يجب عليهم وبما يستحوذون عليه من معارف دينية ..!؟
... يخبرنا المسيح - عليه السلام - بأنهم لم يفعلوا ذلك فى مواطن كثيرة من الأناجيل الأربعة فأغلقوا باب الأعمال الصالحة بعدم تعليمهم الناس وبعدم أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر .(1/20)
وقد سبقت الاشارة فى أول أبحاث هذا الكتاب إلى أنهم حجبوا اسم الله عن الناس ومنعوهم من النطق به . فكأنهم منعوا الناس من ثواب الله وما أعده لعباده المؤمنين . فلا هم دخلوا ولا تركوا الناس يدخلون ..!!
هذا هو المعنى المراد من ملكوت السماوات ، أى ما أعده الله لعباده المؤمنين ولك أن تقول بأنه الجنة . والجنة من عالم الغيب أى عالم الملكوت الذى لا يرى بالبصر فى الحياة الدنيا . ومن أهم المعارف الدينية هى توحيد الله أو الوصية الأولى من الوصايا العشر التوراتية .
ولك أن تقول بأنها شهادة التوحيد لا إله إلا الله . فلا هم قاموا بحقها ولا هم علموها للناس فحرموا أنفسهم من دخول الجنة ومنعوا الناس أيضا من دخولها بعدم تعليمهم شروطها . فكلمة التوحيد مفتاح من مفاتيح الجنة . بل من أهم مفاتيحها ، ولكل مفتاح أسنان هى التى أعنيها بقولى بحقها وبشروطها . فكلمة التوحيد شبهت بالمفتاح وأسنانه الصلاة والزكاة والصيام وسائر الأعمال الصالحة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وذكر الله بأسمائه الحسنى .
وقد جاء فى الحديث الشريف " أنَّ شهادة لا إله إلا الله مفتاح الجنة " رواه الإمام أحمد والبزار . وبمثل ذلك المعنى ورد فى صحيح البخارى عن أحد أهل الكتاب الذين أسلموا ، أقصد التابعى وهب بن منبه الذى قيل له : " أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله ؟ قال : بلى ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان ، فإن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا فلا " .
... وهذا المفتاح تركه المسيحيون مع اليهود .. من بعد أن خرجوا عليهم وتركوا العمل بأحكام التوراة ..!! وألغى لهم بولس اليهودى أحكام الشريعة كلها فلم يدخل ولم يترك أتباعه يدخلون من بعده .
... وورث المسلمون ذلك المفتاح بحمد الله تعالى ، فمنهم من استخدمه بحقه وشروطه ، ومنهم من ظلم نفسه .(1/21)
... والخلاصة : أنَّ المسيح - عليه السلام - لم يأت لتأسيس ملكوت الله ، ولكنه بالقطع واليقين كان ذو صلاحية أن يُبيِّن أوصافه وخصائصه . فبيَّن فى أمثاله الرائعة ماهية الملكوت ومَن هو صاحبه ، ومَن هم أبنائه وبناته وأتباعه ، وما هو إنجيل الملكوت . وسوف أذكر هنا شرحا لفقرة واحدة قالها المسيح - عليه السلام - للمؤمنين به وهى قوله - عليه السلام - : " لا تعطوا ما هو مقدَّس للكلاب ، ولا تطرحوا جواهركم أمام الخنازير لكى لا تدوسها بأرجلها ... " ( متى 7 : 6 ) .
... قارئى العزيز دَعْكَ من الكلاب والخنازير واسأل نفسك عن ما هو الشىء المقدَّس الغالى الذى بحوزة المسيحيين أو اليهود ولا يعطونه لغيرهم ..!؟ وما هى الأماكن المقدَّسة التى بحوزتهم لا تطأها أقدام غيرهم مِن الناس ..!؟
... يقول عبد الأحد داود رحمة الله عليه فى كتابه القيم : الصليب والإنجيل ما معناه : " لا يوجد شىء مضنون به عندهم على غير أهله ، فبالنسبة للمكان فيمكن لأى إنسان أن يدخل جميع الكنائس والمعابد اليهودية . ولكن عند أبناء الملكوت فهم يمنعون غير المسلمين من التواجد فى منطقة الحرمين الشريفين بمكة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة ، فلا تطأها أقدام غير أبناء الملكوت مِن المسلمين ".
... وإن نظرتم أيضا إلى بنات الملكوت ، فلا يمكن لأى يهودى أو مسيحى أن يتزوجها فهى لا تحل إلا لابن مِن أبناء الملكوت . فرحم بنت الملكوت لا يستحوذ عليه بالرباط المقدس مسيحى أو يهودى ، أمَّا رحم المسيحية واليهودية فيمكن الحصول عليه بالزواج مِن المسلم ، فلا مانع عندهم يحول دون ذلك لا فى توراة ولا فى إنجيل ولا فى قوانين الكنيسة . فإلى أى دين تنتسب صاحبة ذلك الرحم المقدَّس ..!؟ إنه دين الإسلام .
معنى الملكوت عند بولس الطرسوسى
========================(1/22)
... لم يعرف بولس المسيح ابن مريم - عليه السلام - ولم يسمع قوله المذكور فى إنجيل لوقا ( 4 : 43 ) : " لا بد لى من أن أبشر المدن الأخرى أيضا بملكوت الله لأنى لهذا أرسلت ".. ؟؟
... ولكنَّ بولس كان يعرف مسيحا آخرا جِنِّيَّا يُدعى يسوع النصرانى ، كان يترائى له فى الرؤيا فقط ويعطيه أوامره . فكان مِن الطبيعى أن لا يعرف بولس معنى الملكوت الذى بشَّر بقرب ظهوره ابن مريم - عليه السلام - والذى كان سببا رئيسيا فى رسالته " لأنى لهذا أرسلت " .
واختلطت المفاهيم عند بولس بشأن الملكوت . فتارة نجده ينسب ملكية الملكوت إلى الابن يسوع النصرانى كما فعل فى ( كولوسى 1 : 13 ؛ 2 تيموثاوس 4 : 1 ) . وتارة ثانية ينسب ملكيته إلى الآب ثيوس كما فعل فى ( رومية 14 : 17 ؛ 1 كورنتوس 4 : 20 ، 5 : 9 ، 15 : 50 ؛ غلاطية 5 : 21 ؛ كولوسى 4 : 11 ؛ 1 تسالونيكى 2 : 12 ؛ 2 تسالونيكى 1 : 5 ؛ 2 تيموثاوس 4 : 18 ) . وتارة ثالثة يجعل ملكية الملكوت للإثنين معا الآب والابن كما فعل فى ( أفسس 5 : 5 ) . وأحيانا يجعل الملكوت مع المسيح الذى يُسلمه للآب كما فعل فى ( 1 كورنتوس 15 : 24 ) .
فملكية الملكوت ليست لله وحده ، أو للمسيح وحده ولكنها موزعة بين اثنين هما الآب ( ثيوس ) والابن ( كريو ) يجتمعا عليها ويفترقا . ويلاحظ هنا أنَّ الروح القدس ثالثهما ليس له شىء فى ملكية الملكوت لأنَّ بولس لم يكن يعرف الأقنوم الثالث الذى ظهر من بعد عصره ..!!(1/23)
... أمَّا عن ماهية الملكوت عند بولس ووراثته فقد قال عنه : " ملكوت الله ليس بأكل وشرب ، بل هو بر وسلام وفرح فى الروح القدس " ( رومية 14 : 17 ) . وقال عن دخول الملكوت " ملكوت الله ليس بالكلام ، بل بالقوة " ( 1 كورنتوس 4 : 20 ) . وقال " إنَّ الظالمين لن يرثوا ملكوت الله .. فإنَّ ملكوت الله لن يرثه الزناة ولا عابدو الأصنام ولا الفاسقون ولا المتخنثون ولا مضاجعو الذكور ولا السَّرَّاقون ولا الطمَّاعون ولا السِّكيرون ولا الشتامون ولا المغتصبون " ( 1 كورنتوس 5 : 9 ـ 10 ) .
... وأكَّد على ذلك فى غلاطية ( 5 : 19 ـ 21 ) أنَّ " الزنى والنجاسة والدعارة وعبادة الأصنام والسحر ، والعداوة والنزاع والغيرة والغضب والتحزب والانقسام والتعصُّب والحسد والسكر والعربدة وما يشبه هذه . إنَّ الذين يفعلون مثل هذه لن يرثوا ملكوت الله " . وقال أيضا " أنَّ كل زان أو نجس أو صاحب شهوة نهمة ، وما هو إلا عابد أصنام ليس له ميراث فى ملكوت المسيح والله " . وقال بأنَّ " الأجسام ذات اللحم والدَّم لا يمكنها أن ترث ملكوت الله " ( 1 كورنتوس 15 : 50 ) .
فالملكوت عند بولس ليس إلا مكانا أعدَّه الله لمن توافرت فيه صفات الوارثين للملكوت والتى بينها بولس كما سبق . مكان " بر وسلام وفرح " . مكان لا يُنال " بالكلام بل بالقوة " والقدرة على اجتناب الموبقات التى ذكرها بولس . وتلك هى صفات الجنة " دار السلام " (1) التى أعدَّها الله للوارثين { الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون } (2) .
وأحيانا يكون معنى الملكوت عند بولس هو المُلك والمملكة كما بيَّن ذلك المعنى فى رسالته الأولى لأهل كورنتوس ( 15 : 24 ) حسب ترجمة كتاب الحياة : " وبعد ذلك ـ تكون ـ الآخرة حين يُسلم المسيح المُلْك ـ الملكوت ـ لله الآب بعد أن يكون قد أباد كل رئاسة وكل سُلطة وكل قوَّة " .(1/24)
... قلت جمال : وضاعت من بولس المعانى الشرعية المتعددة التى بيَّنها المسيح فى الأناجيل وشرحها بضرب الأمثال الرائعة . فالملكوت بمعنى الدين ليس له وجود عند بولس ، وإنجيل الملكوت ليس له وجود أيضا . فلا دين ولا كتاب منير كان يدعو إليهما بولس ، وإنَّما هناك فقط عصر النعمة الذى حلَّ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. آية رقم ( 127 / الأنعام ؛ 25 / يونس ) .
(2) .. آية رقم ( 11 / المؤمنون ) .
على المؤمنين بسفك دم يسوع النصرانى كفارة عن الخطيئة الأزلية والمعصية الأولى لآدم ..!!
معنى الملكوت عند الكنيسة
==============
... أمَّا عن معنى الملكوت عند مؤسسى الكنائس المختلفة فلا ينضبط أبدا تحت معنى شرعى لغوى واحد محدد . فهو عند معظم الكنائس موجود الآن بين الناس وإن كان البعض لا يراه . ورغم ذلك الزعم فهم يدعون فى صلاتهم الرَّبَّانية بتعجيل قدوم ملكوت الله ..!!
... وترى كنائس أخرى أنَّ الملكوت لم يأت بعد ، ربما يأتى فى المستقبل مع المجىء الثانى للمسيح - عليه السلام - فى آخر الزمان . وفى جميع الحالات فمعناه هو مملكة وسلطنة ومنطقة نفوذ لها . وهذا الملكوت تقول عنه كل كنيسة بأنَّه سوف يتحقق بتغلب الكنيسة على بقية الكنائس الأخرى الملحدة ..!!
والآن ..
" افتحوا الأبواب ، ولتدخل الأمَّة الصِّدِّيقَة الحافظة للحق "
( أشعياء 26 : 2 )
Open the gates
that the righteaus nation which keeps the truth
may enter in
( NKJV )
انتقال الرسالة من بنى إسرائيل إلى الأمَّة العربية
==========================(1/25)
قال سِمْعان كبير تلاميذ المسيح - عليه السلام - فى رسالته الثانية المنسوبة إليه حسب النسخة العربية المعتمدة ( ط 1977 ) " وعندنا الكلمة النبوية وهى أثبت ، التى تفعلون حسنا إن انتبهتم إليها ، كما إلى سراج منير فى موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح فى قلوبكم " ( رسالة بطرس الثانية 1 : 19 ) .
... فما علينا أيها الإخوة والأخوات الأعزاء إلا الانتباه لكلام الأنبياء الذى سوف أذكر منه هنا .. ثلاث شهادات لثلاثة أنبياء ، بدون الاعتماد على التدخلات الكنسية ، لأنَّ الكلمة النبوية أثبت وأحق أن تتبع كما قال سِمْعان .
والأنبياء الثلاثة المستشهد بأقوالهم فى انتقال الرسالة الإلهية من بنى إسرائيل إلى الأمَّة العربية هم : كليم الله موسى - عليه السلام - أول نبىّ إسرائيلى عَبدَ الله على شريعة التوراة . وأشعياء النبىّ - عليه السلام - الذى ظهر فى منتصف التاريخ الدينى الإسرائيلى والذى كان على شريعة التوراة . والمسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - آخر أنبياء بنى إسرائيل الكبار .. المولود تحت سلطان شريعة التوراة .
ولقد حاولت وسع جهدى المتواضع أن أسلك فى بحثى هذا طريقا موصلا للغاية المأمولة ومعى نصوص الأسفار المسيحية . راجيا من الله أن تكون هذه الطريق هى التى أشار إليها النبىّ ( أشعيا 35 : 8 ) فى قوله " يكون هناك طريق سالكة يقال لها الطريق المقدسة ، لا يَعْبر فيها نجس ، ولا يضل إن سلكها جاهل " . ربما يقتنع بما أقول وأبرهن عليه قوم قد خفى عنهم الحق مع شدة ظهوره فهم " لا يرون النور الذى يلمع فى السماء " ( أيوب 37 : 21 ) .
ولا تزال هذه الدراسة تسير مع سابقاتها حسب المنهج المفضل إلىّ :
" العودة إلى الأصل بفكر العصر " . دعوة إلى الاتصال لا إلى الانفصال .. دعوة جامعة لبنى وطنى العربى الحبيب مسلمين ومسيحيين ، تحت ظلال المجادلة بالتى هى أحسن .(1/26)
فالدين لله ولرسوله وللمؤمنين ، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى . ورحم الله من تتبع أخطائى ثم أهداها إلىّ .
{ رب اجعل لى لسان صدق فى الآخرين }
=========
أولا .. شهادة كليم الله موسى - عليه السلام - :
وتلك الشهادة نجدها فى سفر التثنية ( 32 : 21 ) . ويعتبر الإصحاح 32 الوارد فيه تلك الشهادة خطبة كاملة ألقاها نبىّ الله موسى - عليه السلام - على مسامع بنى إسرائيل . استعرض فيها تاريخ بنى إسرائيل منذ خروجهم من مصر :
كفرهم بآيات الله وجحدهم لنعم الله عليهم مع أنَّ الله كان قد فضلهم على العالمين حينذاك . ثم أنبأهم موسى - عليه السلام - بما سيكون عليه حالهم فيما سيأتى من الأزمنة من عبادتهم لآلهة مزعومة غير الله تعالى واتخاذهم للأوثان والذبح لها ، وقتلهم الأنبياء بغير حق ، وما شابه ذلك من أفعال كفرية نتج عنها أنَّ الله سبحانه وتعالى سوف ينقل اصطفائه لهم وأفضليتهم على العالمين إلى أمَّة أخرى جزاء بما قدمت أيديهم .
... وهذه الأمَّة الجديدة حاملة الاصطفاء الإلهى الخالد والأفضلية الخاتمة تعتبر عند بنى إسرائيل أمَّة محتقرة وجاهلة حسب إعتقادهم . ولقد وفى الله تعالى بوعده الذى أخبر به موسى بن عمران - عليه السلام - .
... فاصطفى سبحانه وتعالى الأمَّة العربية التى كانت فى ضلال مبين . وتمت كلمته التى ألقاها إلى أبى الأنبياء إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فى شأن البركة لإسماعيل ونسله ( تكوين 17 : 20 ؛ 21 : 13 , 18 ) . قال تعالى فى سورة الجمعة { هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين } .(1/27)
وسوف أذكر بعون الله تعالى نصّ سفر التثنية طبقا للترجمات العربية الأربع المعاصرة ، إضافة إلى نسخة التوراة السامرية ترجمة الكاهن السامرى أبو الحسن اسحاق الصورى ، ثم أعرج على بعض الترجمات الإنجليزية للنصّ . ليتبين لنا صدق النبوءة ونتعرف على مدى الحقد الدفين والاحتقار المزعوم للأمَّة العربية .
نسخة فانديك ( ط 1977 ) ... نسخة كتاب الحياة ( ط 1988 )
هم أغارونى بما ليس إلها . أغاظونى بأباطيلهم فأنا أغيرهم بما ليس شعبا . بأمَّة غبية أغيظهم . ... هيجوا غيرتى بعبادة أوثانهم . وأسخطونى بأصنامهم الباطلة لذلك سأثير غيرتهم بشعب متوحش . وأغيظهم بأمَّة حمقاء .
نسخة الكاثوليك ( ط 1993 ) ... نسخة الآباء اليسوعيين ( ط 1991 )
أثارونى بمن لا إله هو , وكدرونى بأصنامهم الباطلة ، وأنا سأثيرهم بشعب لا شعب هو . وأكدرهم بقوم جهلاء . ... هم أغارونى بمن ليس إلها . وأغضبونى بأباطيلهم . وأنا أغيرهم بمن ليسوا شعبا وبأمة حمقاء أغضبهم .
نسخة التوراة السامرية
هم أسخطونى بغير قادر . أكادونى بهبائهم . وأنا أغيرهم بغير قوم . بشعب ساقط أكيدهم .
دراسة النصّ : المتكلم هنا هو إله بنى إسرائيل ، الكلمات والأسلوب من وضع المترجمين وكتبة النصّ . ورغم اختلاف الكلمات والحذف والإضافة فى النصّ ، فلا يزال المعنى العام واحدا فى الجميع وهو تغيير اصطفاء بنى إسرائيل بأمَّة أخرى . ثلاث نسخ أثبتت التغيير صراحة باللفظ وأنا أغيرهم ونسختان أخفتا التغيير تحت ستار الإثارة والغيرة والتكدير لبنى إسرائيل ..!!
والمتأمل فى الترجمات السابقة يجد أنَّ هذه الأمَّة قد وُصفت بأنها :(1/28)
أولا : بأنها شعب متفرق لا يشكل كيان دولة واحدة ولذلك نجد ترجماتهم جاءت هكذا : بما ليس شعبا ؛ بشعب لا شعب هو ؛ بمن ليسوا شعبا ؛ بغير قوم . وتلك صفات الأمَّة العربية فى جاهليتها حيث كانت مشكلة من عدة قبائل متفرقة لا تشكل شعبا كشعوب الأمم المعروفة . ونفهم من ذلك الوصف عدم انطباقه على الأمَّة اليونانية أو الأمَّة الرومانية كما يزعم علماء المسيحية .
ثانيا : وُصِفت هذه الأمَّة بأوصاف عدة ، أفرغ فيها الكاتب والمترجم الحقد الدفين والاحتقار العميق للأمَّة العربية مثل قولهم : أمَّة غبية و أمَّة حمقاء و قوم جهلاء و شعب ساقط ؛ ... الخ . وفى الترجمات الإنجليزية نجد المزيد من ذلك الحقد مثل :
الترجمة العربية للنصّ ... النص الإنجليزى ... اسم النسخة
أمَّة الحمقى . ... A nation of foolish .
أمَّة ليس لها فهم . ... A nation of foolish .
أمَّة حمقاء . ... Foolish nation . ... , RSV
أمَّة أمِّية وثنية . ... Foolish heathen nation .
أمَّة بغير دين . ... A irreligious people . ... JB
وهناك صفات أخرى تحمل الحقد الدفين للعرب فى النسخ الأخرى .. لا داعى لذكرها .
... والمتأمل فى تلك الصفات يجد أنها لا تنطبق على أمَّة اليونان أو وارثى حضارتهم من الرومان ، فقد كان اليونان متفوقين جدا على العالم المتحضر فى زمانهم . فى كل العلوم حيث نبغ فيهم الفلاسفة والحكماء وأرباب الفنون المتنوعة . كما أنهم كانوا عالمين بما فى التوراة من قبل بعثة المسيح - عليه السلام - بحوالى ثلاث مائة سنة عن طريق الترجمة السبعينية اليونانية للتوراة . فلم تكن أمَّة اليونان أمِّية ولا جاهلة ليس لها فهم .(1/29)
... ولكن الأمَّة العربية فى جاهليتها كانت أمَّة أمِّية جاهلة ، تعبد الأوثان تقربا إلى الله . أمَّا عن وصف المترجمين لها بأنها أمَّة الحمقى أوالحمقاء أو الغبية أو الساقطة فهذا من حقد اليهود الدفين على نسل إسماعيل وللبركة الموعودة له فى نسله . ثم انتقل ذلك الحقد إلى الطوائف المسيحية عن طريق اللقاح اليهودى الدائم للفكر المسيحى وارث الأسفار اليهودية .
... ولا يفوتنى هنا أن أذكر ترجمة نصّ سفر التثنية السابق كما ذكره رسول الأمم المسيحية اليهودى بولس الطرسوسى فى رسالته الرومية ( 10 : 19 ) لنرى كيف تم اللقاح اليهودى للفكر المسيحى :
النسخة الوطنية ( ط 1977 ) ... كتاب الحياة ( 1988 )
ألعل إسرائيل لم يعلم . أولا موسى يقول أنا أغيركم بما ليس أمَّة . بأمَّة غبية أغيظكم . ... أما فهم إسرائيل ؟ إن موسى أولا يقول : سأثير غيرتكم بمن ليسوا أمَّة . وبأمَّة بلا فهم سوف أغضبكم .
نسخة الكاثوليك ( 1993 ) ... نسخة الآباء اليسوعيين ( 1991 )
إن بنى إسرائيل ما فهموا ؟ قال موسى من قبل : تحسدون شعبا لا يكون شعبى ، وأثير غيرتكم بشعب ما هو بشعب . ... أترى إسرائيل لم يفهم ؟ سبق أن قال موسى : سأثير غيرتكم ممن ليسوا بأمَّة وعلى أمَّة غبية أغضبكم .
والكلمة اليونانية المستخدمة فى وصف الأمَّة الغبية هى ( ??????? ) والتى تنطق أسينيتف بمعنى الأمَّة التى ليس لها بعد نظر ، أو التى بدون بصيرة أو رأى ثاقب . وليست غبية كما كتب المترجمون ..!!
يقول الدكتور وليم أدى فى شرحه لهذا النصّ ( رومية 10 : 19 ) :
" وهذا مقتبس من ( تث 32 : 21 ) على ماهو فى ترجمة السبعين ، وهو إنباء موسى بمستقبل بنى إسرائيل وهو أنهم فى ما يأتى من الأزمنة ، يهيجون غيرة الله وغيظه برفضهم إياه وإتخاذهم الأوثان ( التى ليست بآلهة ) آلهة ، فلذلك هو يغيرهم برفضه إياهم وإتخاذه من ليسوا شعبا شعبا " (1) .(1/30)
والخلاصة التى لا جدال فيها أنَّ نبوءة موسى - عليه السلام - فى شأن انتقال إصطفاء الله إلى أمَّة أخرى قد تحققت ، وشهد شاهد على صحة تلك النبوءة التى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. الكنز الجليل شرح رسالة رومية ص 163 .
ينكرها علماء بنى إسرائيل ، وهذا الشاهد هو مؤسس المسيحية العالمية . والاختلاف الواقع بيننا نحن المسلمين وبين علماء المسيحية البولسية هو فى تعيين هذه الأمَّة الأمِّية الجاهلة .
... فهم يقولون بأنها أمَّة اليونان ، بل زعموا أنها الأمَّة العالمية أى جميع شعوب الأرض وأممها فكل معتنق للديانة المسيحية هو عندهم من تلك الأمَّة الأمِّية الجاهلة ..!! وهذا التفسير يتعارض تماما مع الصفات المذكورة لهذه الأمَّة فى كل من سفرى التثنية والرسالة الرومية .
ولقد أفاد مؤلفو موسوعة زندرفان الكتابية الأمريكية أنَّ خصائص هؤلاء القوم المشار إليهم فى نصّ ( تث 32 : 21 ) الدينية والأخلاقية تسوغ لهم بالكاد أن يطلق عليهم اسم ناس ..!! فالنصّ ينكر عليهم أن يلحقوا بأى مجموعة طبيعية من البشر . وإليك نصّ الموسوعة كما هو بالإنجليزية :
“ The unusual expression of Deut. ( 32:21 ) .. literally a non-people denies to a physical group of humans those moral and spiritual characteristics which justify the name of people “ . (1)
ونحن المسلمين نقول بأنَّ هذه الأمَّة الأمِّية الجاهلة هى الأمَّة العربية فى جاهليتها قبل عصر الاسلام ، حيث كانت لا تمثل شعبا واحدا بالمعنى الحرفى لكلمة الشعب فى كيان الدولة . ناهيك بأنها فعلا كانت أمَّة أمِّية لا تقرأ ولا تكتب إلا ما ندر فيها . والنصوص التوراتية الكثيرة تشير إليها منذ البداية فى أثناء الحديث عن البركة الممنوحة لإسماعيل وذريته من بعده ، وأنهم سيكونون أمَّة كبيرة .. كبيرة وعظيمة .(1/31)
والاسقاط التاريخى لوقائع الأحداث يثبت صحة قول المسلمين ، حيث ظهر فيهم من قلب شبه الجزيرة العربية ( أرض الجنوب التوراتية ) النبىّ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. ( Encyclopedia of the Bible v4 page 376 Pictorial )
الخاتم صلوات الله عليه شبيه موسى فكوَّنَ الدولة الاسلامية فى المدينة المنورة وجمع القبائل العربية المتفرقة تحت راية الاسلام . فكانوا خير أمَّة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
ثانيا .. شهادة نبىّ الله أشعياء - عليه السلام - :
وقد وردت هذه الشهادة فى سفر أشعياء ( 56 : 1 ) من خلال رؤيا لأشعياء ينسب فيها الكلام إلى إله بنى إسرائيل يحذرهم فيها من التمرد والعصيان لتعاليم الإله الواحد الحق . وأنه تعالى سيسلبهم امتيازاتهم الممنوحة لهم ويعطيها لأمَّة أخرى . وسوف أذكر هنا الفقرة الأولى فقط من ذلك الإصحاح ففيها المراد بإذن الله . ومحيلا القارىء لتصفح باقى فقرات الإصحاح ليطلع على المخالفات التى عملها بنو إسرائيل تجاه إلههم :
وهنا نجد أنَّ الأمَّة الأمية السابق ذكرها فى سفر التثنية وُصِفت بأنها أمَّة لم تُسَمَّ باسم الإله المعبود و لم تُدْعَ أيضا به . فبنى إسرائيل نجد فى اسم إسرائيل اسم إلههم إيل . فإن نظرنا إلى اسم اليهود نجد اختصار اسم إلههم القومى يهوه فى اسمهم . والأمَّة المسيحية إن جاز لنا فرضا أن نطلق عليها اسم
نسخة فانديك ( ط 1977 ) ... كتاب الحياة ( 1988 )
أصغيت إلى الذين لم يسألوا . وُجدْت من الذين لم يطلبونى . قلت هأنذا هأنذا لأمَّة لم تسمَّ باسمى . ... قد أعلنت ذاتى لمن لم يسألوا عنى , ووجدنى من لم يطلبنى , وقلت هأنذا لأمَّة لم تدْعَ باسمى .
نسخة الكاثوليك ( 1993 ) ... نسخة الآباء اليسوعيين ( 1991 )(1/32)
قلت ظهرت لمن لا يسألون عنى ووُجدت لمن لا يطلبوننى ، وقلت ها أنذا ، ها أنذا لأمَّة لا تدعو باسمى (1) . ... إنى اعتلنت لمن لم يسألوا عنى ، ووَجدنى الذين لم يطلبونى . قلت هاءنذا هاءنذا لأمَّة لم تدعُ باسمى .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. ورد هذا التعليق فى الهامش : لا تدعو ( أو تتوجه بصلاتها ) باسمى . هكذا فى الترجمات . وفى العبرية
التقليدية : لم تدع ( أى لم تسم ) باسمى .
أمَّة تحمل اسم إلهها المسيح فى اسمها . ولكن الأمَّة العربية ليس فى طيات اسمها لقب أو اسم إلهها المعبود ولم تدْعَ به بين أمم العالم .
ومن هنا لجأت الترجمات العربية الكاثوليكية الحديثة والآباء اليسوعيين إلى تغيير هذه الكلمة ( تُسَمَّ ، تُدْعَ ) إلى معنى آخر مثل ( تدْعُو ، تدْعَ ) من الدعاء والتوجه بالصلاة باسم الإله . والفرق كبير فى المعنى بين تُدْعَ و تَدْعُ وأيضا بين تُسَمَّ و تُسَمِّى . وهم يحاولون الخروج من معنى الاسم والتسمية إلى معنى الدعاء والعبادة ولكن الأمر خلاف ذلك فى الترجمات الأجنبية للنصّ .
فنجد النصّ مثلا فى الترجمة الإنجليزية المعتمدة ( KJV ) هكذا :
( a nation that was not called by my name ) ونجده مكتوبا هكذا ( a nation that did not call on my name ) فى النسخ المشهورة ( RSV , NASB , NIV ) .
... وقد اقتبس بولس هذا النصّ فى رسالته الرومية ( 10 : 20 ) وقال :
نسخة فانديك ( ط 1977 ) ... كتاب الحياة ( 1988 )
ثم إشعياء يتجاسر ويقول : وُجِدتُ من الذين لم يطلبونى . وصِرْت ظاهرا للذين لم يسألوا عنى ... وأمَّا إشعياء فيتجرءُ على القول : وجَدَنى الذين لم يطلبونى وصِرْت مُعْلُناً للذين لم يبحثوا عنى
نسخة الكاثوليك ( 1993 ) ... نسخة الآباء اليسوعيين ( 1991 )(1/33)
أمَّا إشعياء فيقول بجرأة : وَجَدَنى من كانوا لا يبحثون عنى ، وظهرت لمن كانوا لا يطلبونى ... أمَّا أشعيا فلا يخشى أن يقول : إن الذين لم يطلبونى وَجَدُونى ، والذين لم يسألونى عن شىء تراءيت لهم .
وبمقارنة نصّ رومية بنصّ أشعيا نجد أنَّ هناك اختلافا جوهريا بينهما إنها الأمَّة التى لم يبحث أفرادها عن الله ثم وجدوه تجاههم . وهذا تحريف مقصود . لأنَّ دعوة بولس كانت عالمية لجميع الأمم ، والنصّ المقتبس منه يتكلم عن أمَّة بعينها بصيغة الافراد ، فتعارض النصّ مع دعوة بولس فوجب تعديله بحذف هذه الفقرة ..!!
علما بأنَّ نصّ أشعيا المستشهد به هنا مأخوذ من الترجمة السبعينية اليونانية التى تمت ترجمتها من قبل ميلاد بولس بثلاثة قرون .
وقد بَيَّنَ المسيح - عليه السلام - أنَّ هذا الظهور الإلهى والامتياز الربَّانى سيكون لأمَّة أخرى بصيغة الإفراد ، وليس إلى أمم بصيغة الجمع كما سيأتى بيانه فى حينه . يقول الدكتور وليم إدى فى شرحه لرسالة رومية عند قوله ( من الذين لم يطلبونى ) " أى الأمم الذين لم يطلبوه قبل أن دعاهم " . وفى قوله ( صرت ظاهرا للذين لم يسألوا عنى ) " أى أعلنت نفسى للأمم الذين لم يسألوا عنى قبل ذلك الإعلان " (1) .
قلت جمال : هكذا يكون التحريف والزيغ عن الحق ، النصّ يتكلم عن أمَّة واحدة بصيغة الإفراد وهم يجعلونه يتكلم عن أمم بصيغة الجمع ليتقرر لهم مبدأ عالمية الدعوة المسيحية ..!!
جاء فى حاشية نسخة الآباء اليسوعيين على هذا النصّ ( رومية 10 : 20 ) " الاستشهاد بأشعيا يمهِّد لفكرة دخول الوثنيين إلى ميراث إسرائيل " (2) .
قلت جمال : ودعوة بولس كانت أساسا موجهة إلى الوثنيين من اليونان والرومان وليست إلى بنى إسرائيل كما كانت دعوة المسيح - عليه السلام - .
ثالثا .. شهادة المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام - :(1/34)
وشهادة المسيح هنا مذكورة بشكل واضح وقاطع فى إنجيل متى ، وفى كل من إنجيلى مرقس ولوقا بشكل مستتر قليلا . وذلك من خلال مثل الكرامين القتلة الذى ضربه المسيح - عليه السلام - لقومه من بنى إسرائيل . وسوف أذكر المثل كاملا كما ورد فى إنجيل متى ( 21 : 33 ـ 44 ) من نسخة الآباء اليسوعيين العربية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. الكنز الجليل / شرح رسالة رومية ص 163 .
(2) .. العهد الجديد / رسالة رومية ص 491 .
... قال المسيح - عليه السلام - مخاطبا أحبار اليهود : " اسمعوا مثلا آخر : غرس رب بيت كرما ، وسيَّجَه وحفر فيه معصرة وبنى بُرْجا وآجره بعض الكرامين ثم سافر . فلما حان وقت الثمر ، أرسل خدمه إلى الكرامين ليأخذوا ثمره . فأمسك الكرامون خدمه فضربوا أحدهم ، وقتلوا غيره ورجموا الآخر . فأرسل أيضا خدما آخرين أكثر عددا من الأولين ففعلوا بهم مثل ذلك . فأرسل إليهم ابنه آخر الأمر وقال : سيهابون ابنى . فلما رأى الكرامون الابن قال بعضهم لبعض هو ذا الوارث ، هلمَّ نقتله ونأخذ ميراثه . فأمسكوه وألقوه فى خارج الكرم وقتلوه . فماذا يفعل رب الكرم بأولئك الكرامين عند عودته ..؟ قالوا له : يهلك هؤلاء الأشرار شر هلاك ، ويؤجر الكرم كرامين آخرين يؤدون إليه الثمر فى وقته .
قال لهم يسوع : أمَا قرأتم قط فى الكتب " الحجر الذى رذله البناؤون هو الذى صار رأس الزاوية . من عند الرب كان ذلك وهو عَجَبٌ فى أعيننا . لذلك أقول لكم : إنَّ ملكوت الله سينزع منكم ويعطى لأمَّة تثمر ثمره . من وقع على هذا الحجر تهشم ، ومن وقع عليه هذا الحجر حطمه " .
فلما سمع عظماء الكهنة والفريسيون أمثاله أدركوا أنه يُعَرِّضَ بهم فى كلامه فحاولوا أن يُمْسكوه ولكنهم خافوا الجموع لأنهم كانوا يعدونه نبيا " .(1/35)
قلت جمال : نجد فى هذا المثل الرائع أنَّ صاحب هذا الكرم هو الله سبحانه وتعالى ، وأنَّ معنى ملكوت الله هنا هو دين الله . قد شبه بهذا الكرم المجهز بكل ما يلزم للانتفاع به . وأنَّ هذا الكرم ـ الذى هو دين الله ـ قد أحيط بسياج من أحكام الشريعة وحدودها . والكرامون هنا هم بنو إسرائيل ، وعلى رأسهم الأحبار والرؤساء الذين استحفظوا على دين الله ووصاياه (1) . وأنَّ عبيد صاحب الكرم هم الأنبياء . وأنَّ ابن صاحب الكرم كناية عن المسيح - عليه السلام - (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. يقول بولس فى رسالته الرومية ( 3 : 2 ) : " لأنهم استؤمنوا على أقوال الله " .
... (2) .. يقول ديفد هل ( David Hill ) فى شرحه لإنجيل متى ما ترجمته : " أنَّ الكنيسة الأولى قد اعتبرت الابن
فى هذا المثل هو المسيح لكن الرأى الاقتراحى الأصلى فى المثل أن الابن يمثل ببساطة آخر رسل الله إليهم "
( تفسير القرن العشرين ـ إنجيل متى ص 299 ) . قلت جمال : وتلك شهادة نعتز بها نحن المسلمون .
فالمسيح - عليه السلام - كان حقا آخر رسل الله إليهم كما نؤمن به .
لقد مكث بنوإسرائيل مدة طويلة متمتعين بنعم الله عليهم التى لا تحصى ولا تعد . ومن أهمها إكرامهم بدين الله المنزل على موسى - عليه السلام - واختصاصهم بالأفضلية على العالمين ، ولكنهم انحرفوا عن الطريق القويم وقالوا بأنهم أبناء الله وأحباؤه . فأرسل الله سبحانه وتعالى إليهم الأنبياء تترى ليعيدوهم إلى حظيرة الايمان الحق " فجلدوا بعضا وقتلوا بعضا ورجموا بعضا " . واُشربت قلوبهم بالعصيان والجحود ، وظنوا أنهم الأوصياء على الدين بما استحفظوا فخانوا وغدروا كما قال بولس فى رسالته الرومية ( 3 : 2 ) : " واستؤمنوا على كلام الله ووصاياه ". فأرسل الله إليهم خاتمة أنبيائهم المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام - فكفروا به وهموا به كما فعلوا بالأنبياء السابقين .(1/36)
وهنا نجد أنَّ المسيح - عليه السلام - أقام الحجة على أحبار اليهود من قولهم حين ألزمهم بقوله " فماذا يفعل صاحب الكرم مع هؤلاء الكرامون ..!؟
فأجابوه : يهلكهم هلاكا ثم يعطى الكرم إلى كرامين آخرين . فألزمهم بقولهم الذى قالوه : " لذلك أقول لكم إنَّ ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمَّة تعمل أثماره " . فواجههم عليه السلام بحقيقة المثل المضروب فى حقهم . إنَّ ملكوت الله وكل امتيازاته لكم سوف تنزع منكم وتعطى لأمَّة أخرى .
... ورغم وضوح المعنى لقومه من بنى إسرائيل إلا أنَّ الأتباع المسيحيين لا يفهمون ذلك المثل لسيطرة التقاليد الكنسية على العقول والقلوب . " إنَّ ملكوت الله سينزع منكم ويعطى لأمَّة تثمر ثمره " والملكوت هنا هو دين الله ورسالته إليهم . وهم يعلمون جيدا أنَّ هذه الأمَّة هى المذكورة فى سفرى التثنية ( 32 : 21 ) وفى أشعيا ( 65 : 1 ) .
... ولكنهم هنا فى ذلك الموضع يفسرون الأمَّة بالأمم بصيغة الجمع ..!! ولا يُفسِّرون معنى الملكوت لأنَّ المُلك والسلطان الذى قالوا به لم يكن مع بنى إسرائيل حتى يُنزع منهم ..!!
يقول متى هنرى فى شرحه لهذه الفقرة " ( ويعطى لأمَّة ) أى للعالم الأممى . ( تعمل أثماره ) أولئك الذين لم يكونوا شعبا ، وكانوا غير مرحومين أصبحوا أعزاء السماء .." (1) . ولكن قوله أولئك الذين لم يكونوا شعبا يفضحه ويدل على أنه يتكلم عن الأمَّة الأمِّية الجاهلة ..!!
وهناك من يتقيد منهم بالمعنى الحرفى ولا يريد أن يفهم مثل الذى قال فى معنى قول المسيح - عليه السلام - لأمَّة تؤدى ثمرا " لا نقصد هنا الأمم أى الوثنيين . بل مجموعة تشبه الأمَّة المقدسة التى ورد ذكرها فى خروج ( 19 : 6 ) . وسيسلم ملكوت الله بعد اليوم إلى أمَّة مقدسة جديدة هى الكنيسة " (2) ..!!(1/37)
قلت جمال : ومنذ متى كانت الكنيسة أمَّة ..!؟ وإن كانت جدلا أمَّة ، فأى الكنائس يقصد ..!؟ وهل يعترفون بأنَّ الكنيسة هى أمَّة الحمقى عديمة الفهم المنزوعة البصيرة كما وردت صفاتها فى سفر التثنية ( 32 : 21 ) ..!؟
لقد استؤمن اليهود على أقوال الله فخانوا وغدروا ( رومية 3 : 2 ) . فانتهت وكالتهم وامتيازاتهم ، وانتقلت النبوة والرسالة إلى أمَّة العرب . لتكون هى حاملة لكلام الله وكتابه الكريم .
جاء فى التفسير الحديث لجمهرة من دكاترة القسيسين : " أنَّ مجال عمل الله الخلاصى لم يعد فى نطاق أمَّة إسرائيل ، بل فى أمَّة أخرى . وليس المقصود هنا الأمم لأنَّ هذا يستلزم استخدام الجمع ( ethnesin ) وليس الفرد ( ethnei ) " (3) . وهكذا لن تجد اتفاقا بين أقوالهم لأنها كلها تلفيق وتكذيب . وكما نقول فى المثل الشعبى ( الكدب مالوش رجلين ) ..!!
فإن أوقعنا الاسقاط التاريخى على الواقع الملموس والمشاهَد ، وجمعنا بين الشهادات الثلاث للأنبياء الثلاثة موسى وأشعيا وعيسى عليهم من ربى أفضل السلام . سوف نجد هذه الأمَّة واضحة جلية بدون تدخلات كنسية عفى عليها الزمان . إنها البركة الإلهية الممنوحة لاسماعيل وذريته . والتى تحققت فى أجل صورها بالبعثة الإسلامية وظهور النبىّ الإسماعيلى - صلى الله عليه وسلم - .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. شرح إنجيل متى / ترجمة القمص مرقس داود ج2 ص 236 .
(2) .. دراسة فى الإنجيل كما رواه متى ص 63 للأب اسطفان شربنيية .
(3) .. التفسير الحديث / إنجيل متى ص 344 .(1/38)
جاء فى سفر التكوين ( 17 : 20 ) قول الله لإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - " وأمَّا إسماعيل فقد سمعت لك فيه . ها أنا أباركه وأثمره ، وأكثره كثيرا جدا ، اثنى عشر رئيسا يلد . وأجعله أمَّة كبيرة " . وقال أيضا فى التكوين ( 21 : 13 ) " وابن الجارية أيضا سأجعله أمَّة لأنه من نسلك " . وفى التكوين ( 21 : 18 ) " سأجعله أمَّة عظيمة " .
وكثر نسل إسماعيل وكونوا قبائل متفرقة سكنت فى أرض شبه الجزيرة العربية وكونوا ما يشبه الشعب وما هو بشعب ، ولم يصيروا أمَّة واحدة أبدا إلا من بعد ظهور الإسلام . فكانت الأمَّة الكبيرة التى استأجرها الله على كرمه وزرعه يؤدون ثمره يوم حصاده { ومثلهم فى الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه . يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار . وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما } ( 29 / الفتح ) .
... وأمَّا عن قول المسيح - عليه السلام - للأحبار " أمَا قرأتم قط فى الكتب : الحجر الذى رفضه البناؤن هو الذى صار رأس الزاوية . من عند الرب كان ذلك وهو عجب فى أعيننا " . فإنه يحيلنا إلى سفر المزامير ( 118 : 22 ـ 24 ) لنجد النصّ فيه ، والذى منه استمد المسيح - عليه السلام - قوله لهم " إنَّ ملكوت الله سينزع منكم ويعطى لأمَّة تثمر ثمره من وقع على هذا الحجر تهشم ، ومن وقع عليه هذا الحجر حطمه " .
... والمسيح - عليه السلام - يذكرهم هنا بما هو مكتوب عندهم . فأنبياء بنى إسرائيل شُبِّهُو بأحجار استخدمت فى بناء بيت . وأنَّ البنائين اليهود قد رفضوا حجرا معينا لم يضعوه فى مكانه من البناء . ولكن ذلك الحجر هو الذى صار رأس الزاوية فى البنيان . وهذا الحجر المرفوض هو النبىّ المنتظر من نسل إسماعيل بن إبراهيم صلوات الله عليهم . شبيه موسى - عليه السلام - والذى هو من إخوتهم من العرب .(1/39)
... جاء فى سفر التثنية ( 18 : 18 ) من النسخة العبرانية : " أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامى فى فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به " . وجاء أيضا فى سفر التثنية ( 34 : 10 ) ما يفيد بأنَّ ذلك النبىّ لم يأت ولن يأت من بنى إسرائيل . ومنعا لسوء الفهم أذكر هنا النصّ من النسختين العبرانية والسامرية . ففى العبرانية : " ولم يقم بعد نبىّ فى إسرائيل مثل موسى الذى عرفه الرب وجها لوجه " . وفى السامرية : " ولا يقوم أيضا نبىّ فى إسرائيل كموسى الذى ناجاه إلهه شفاها " .
... ذلك هو النبىّ الذى رفضه بنو إسرائيل . إنه حجر الزاوية الذى تختم به النبوة وتتم به رسالات السماء . والغريب فى الأمر أنَّ علماء المسيحية يقولون بأنَّ المسيح هو ذلك النبىّ ، مع أنهم يرفضون نبوته عليه السلام ..!!
كما أنَّ النصّ التوراتى يصرح بأنه لن يكون من بنى إسرائيل . والمسيح يقول معلقا على ذلك بقوله " وهو عجب فى أعيننا " . لقد صار ذلك النبىّ المنتظر هو رأس الزاوية فمن الطبيعى جدا حينذاك أن يقول المسيح - عليه السلام - " لذلك أقول لكم إنَّ ملكوت الله سينزع منكم ويعطى لأمَّة تثمر ثمره . من وقع على هذا الحجر تهشم . ومن وقع عليه هذا الحجر حطمه " .
وهذا الوصف لا ينطبق على المسيح - عليه السلام - بكل المقاييس . فلم يهشم أحدا ولم يحطم أحدا ، تصديقا لما جاء فى إنجيل يوحنا ( 12 : 47 ) " وإن سمع أحد كلامى ولم يؤمن به فأنا لا أدينه لأنى لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم " . ولكن النبىّ العربى الخاتم - صلى الله عليه وسلم - حطم وهشم الامبراطوريتين الفارسية والرومانية لأنهما وقفتا أمام دعوته ولم يؤمنا به .
... قال نبىّ الاسلام - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عنه البخارى ومسلم فى صحيحيهما :(1/40)
" إنَّ مثلى ومثل الأنبياء من قبلى ، كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية . فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ..!؟ قال : فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين " . وقال - صلى الله عليه وسلم - : " أنا دعوة أبى إبراهيم وبشارة عيسى " (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. حديث صحيح رواه كل من أحمد والحاكم والبيهقى عن العرباض بن سارية . راجع تخريج أحاديث مشكاة
المصابيح للألبانى ج3 ص 127 .
قال تعالى :
{ ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أنَّ الأرض يرثها عبادى الصالحون }
( 105 / الأنبياء ) . وورث نسل إسماعيل الأرض الموعودة ـ من النيل إلى الفرات ـ ولم يرثها نسل إسحاق ويعقوب . والواقع يشهد ، والعالم يشهد .
فهل بعد ذلك البيان بيان ..!!؟
وهكذا يصير الآخرون أولين ، والأولون آخرين
===========================
إنَّ المعنى العام للدين هو التسليم والطاعة لله سبحانه وتعالى فى كل ما يريده من عباده على لسان رسله . وأول أمر إلهى جاء إلى البشر بواسطة الأنبياء والمرسلين هو إفراد العبادة لله { أمر أن لا تعبدوا إلا إياه } ( 40 / يوسف ) وعلى ذلك الأمر بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين . وقال تعالى مخاطبا آخر رُسُلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } ( 25 / الأنبياء ) . وقال - صلى الله عليه وسلم - : " أفضل ما قلت أنا والنبيين من قبلى لا إله إلا الله " .
وبمثل ذلك المعنى قال المسيح - عليه السلام - ففى إنجيل متى ( 4 : 10 ) :
" للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد " . فتوحيد العبادة لله أمر لا جدال فيه . والاعتراف برسالة النبيين والمرسلين أمر ضل فيه الكثيرون . فإذا لم يتم الاعتراف بالمرسلين فإنَّ توحيد العبادة لله يصبح أمرا عسيرا .(1/41)
... يقول المسيح - عليه السلام - كما جاء فى إنجيل يوحنا ( 17 : 3 ) : " وهذه هى الحياة الأبدية : أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ، والمسيح عيسى الذى أرسلته " . فمن أراد الحياة الأبدية فى جنة الخلد فما عليه إلا أن يمتلك مفتاحها . ومفتاحها هو معرفة أن لا إله إلا الله وأنَّ المسيح عيسى رسول الله . وحيث أنهم لم يعرفوا المسيح عيسى كرسول لله فقد ضاع منهم مفتاح المعرفة الذى سبق الكلام عنه .
... وحيث أنَّ دين الله واحد لم يتغير فى يوم من الأيام ، وإنما شكل العبادة وتوقيتاتها وتشريعاتها من محرمات ومحللات كل ذلك كان خاضعا لعصر كل رسالة ومتطلباتها وظروف الأمَّة المعنية بالرسالة . فالدين الذى نادى به كليم الله موسى - عليه السلام - هو ذات الدين الذى نادى به الأنبياء من قبله والأنبياء من بعده .
... فالمسيح - عليه السلام - لم يأت بدين جديد إلى بنى إسرائيل ، وإنما جاء على شريعة التوراة مضافا إليها ما آتاه الله من علم وحكمة والإنجيل ، وطوال فترة بعثته كان يصلى كما كان يصلى قومه ويصوم مثل صيامهم ويحج مثلهم ولا يأكل إلا الطيب ويبتعد عن خبيث الطعام وكل ذلك موجود بالأناجيل الحالية .
... وهذا الدين الذى جاء به المسيح - عليه السلام - ومن قبله من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه ، هو ذات الدين الذى جاء به خليل الرحمن محمدا - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ، والذى أوحينا إليك . وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } ( 11 / الشورى ) . وقال تعالى : { وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ، ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين } ( 46 / المائدة ) .(1/42)
... وهذا القول القرآنى يتطابق مع أقوال المسيح - عليه السلام - التى صَحَّت وورد بعضها فى الأناجيل التى بين أيدينا الآن مثل قوله - عليه السلام - الوارد فى إنجيل متى ( 5 : 17 ) " لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء . ما جئت لأنقض بل لأكمل " . وهذا معناه أنَّ الدين الذى نادى به المسيح - عليه السلام - هو هو ذات الدين الذى نادى به الأنبياء من قبله . وما جاء إلا ليكمل المشوار ويصحح للناس أمور دينهم " للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد " لا ليكمل التوراة وأحكامها بإلغاء حلالها وحرامها كما يزعمون .
... أليس هو القائل " الحق أقول لكم لن يزول حرف أو نقطة من الناموس حتى يكون الكل " ( متى 5 : 18 ) . ولقد اختلفوا كثيرا فى معنى قوله " حتى يكون الكل " حتى صرَّح بعض مترجمى الأناجيل العربية بأنَّ " العبارة يصعب فهمها " (1) . مع أنَّ المعنى واضح جدا ولكن القوم لا يؤمنون بالشريعة الكل ..!!
... وحيث أنَّ طريق الرسالات الإلهية واحد ، وركب البشرية سائر فيه يقودهم الأنبياء والمرسلون كلٌ على رأس أمَّته ، ومحطات ذلك الطريق كثيرة بعدد الأنبياء والمرسلين . فى كل محطة ينضم إلى الركب نبىّ أو رسول مع مَن آمن مِن أمَّته ، إلى أن نصل إلى المحطة الأخيرة حيث ينضم النبىّ الخاتم - صلى الله عليه وسلم - ( الكل ) وأمَّته إلى الركب ليقود البشرية إلى الله .(1/43)
فإن أخذنا مثلا ركب موسى - عليه السلام - ومن معه من بنى إسرائيل ومن تبعه من أنبيائهم كأولين ساروا على الطريق . ثم جاء ركب المسيح - عليه السلام - ومعه مَن آمن مِن قومه فانضموا إلى السائرين على الطريق من قبلهم (2) . ثم جاء ركب النبىّ الخاتم مُحَمَّد ( الكل ) - صلى الله عليه وسلم - ومن آمن معه من جميع شعوب الأرض كآخر ركب انضم إلى السائرين على الطريق فالمسلمون هنا هم الآخرون توقيتا . قال الله عزّ وجلّ { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا } ( 3 / المائدة ) .
موكب المؤمنون السائرون إلى الله
اليهود
النصارى ... .........................
المسلمون ... ......................... ... ..........................
المؤمنون بالتوراة ... المؤمنون بالتوراة ... المؤمنون بالتوراة والإنجيل والقرآن
والإنجيل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. هامش ص 48 من إنجيل متى نسخة الآباء اليسوعيين ط 1991 .
(2) .. فى الواقع أن هناك أنبياء كثيرون سبقوا موسى - عليه السلام - ، ولكن القوم لا يعرفون إلا موسى كأول نبى ، وهم
معذورون فى ذلك لأنهم يسيرون خلف اليهود ، واليهود لا يعترفون بأنبياء قبل موسى . وإبراهيم وإسحاق
ويعقوب عليهم السلام يعتبرونهم آباء وليسوا بأنبياء ..!!(1/44)
جاء فى الحديث الشريف عن النبىّ الخاتم - صلى الله عليه وسلم - قوله : " نحن الآخرون .. السابقون يوم القيامة " (1) . ومعنى السابقون هنا الأولون كما بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى عدة أحاديث أذكر منها هنا الحديث الذى رواه الإمام البخارى فى صحيحه أنه قال : " إنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال من لى إلى نصف النهار على قيراط قيراط ..؟ فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط . ثم قال : من يعمل لى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ..؟ فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط . ثم قال : من يعمل لى من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ..؟
... ألا فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس ، ألا لكم الأجر مرتين . فغضبت اليهود والنصارى فقالوا : نحن أكثر عملا وأقل عطاء..!! قال الله تعالى فهل ظلمتكم من حقكم شيئا ..؟ قالوا : لا .. قال الله تعالى " فإنه فضلى أعطيه من شئت " (2) .
... قلت جمال : يفهم من ذلك الحديث الشريف أنَّ الثواب على الأعمال ليس على قدر التعب ولا على جهة الاستحقاق ، ولكنه فضل من الله يؤتيه من يشاء من عباده . والمراد باليهود والنصارى فى الحديث هم الذين ثبتوا على دين الحق أى اليهود العاملون بأحكام التوراة حتى زمن بعثة المسيح - عليه السلام - والنصارى العاملون بأحكام التوراة والإنجيل معاً حتى زمن بعثة النبى الخاتم - صلى الله عليه وسلم - .
... هؤلاء هم الأجراء المؤمنون الذين يغبطون الآخرون على فضل الله . أمَّا عن اليهود الذين لم يؤمنوا بالمسيح - عليه السلام - وبإنجيله فهم غير معنيين هنا . وأيضا النصارى الذين آمنوا بالمسيح - عليه السلام - ولم يؤمنوا بالنبىّ الخاتم - صلى الله عليه وسلم - . فهؤلاء كافرون بكتب الله ورسله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
((1/45)
1) .. مشكاة المصابيح بتحقيق الألبانى ج1 ص 427 حديث رقم 1354 ؛ 1355 . والحديث بطرقه رواه الامام
مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة رضى الله عنه .
(2).. مشكاة المصابيح بتحقيق الألبانى ج 3 ص 1769 حديث رقم 6274 ؛ وراجع أيضا كل من :
تحفة الأحوذى ج 8 ص 176 ؛ الفتح الربانى ج23 ص 204 .
فالآخرون الأولون هم أتباع إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى وما أوتيه النبيون من ربهم لا يفرقون بين أحد منهم . المؤمنون بصحف إبراهيم وموسى وبالتوراة والإنجيل والقرآن { أولئك يؤتون أجرهم مرتين } (54 / القصص ) و { للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم } (172 / آل عمران ) وقال تعالى { نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين } ( 56 / يوسف ) وقال تعالى فى سورة فاطر { إنَّ الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور . ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور } ( 29 , 30 / فاطر ) .
... وعن الذين يؤتون أجرهم مرتين ، فقد بيَّن النبىّ الخاتم - صلى الله عليه وسلم - أنهم ثلاثة أنواع منهم " رجل من أهل الكتاب آمن بكتابه وآمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - " (1) . وذكر الرجال هنا للتغليب بمعنى أنَّ النساء يسرى عليهن هذا الحكم أيضا . وقد بيَّن القرآن الكريم ذلك فى قوله تعالى { ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما } ( آية رقم 31 / الأحزاب ) .
... فتضافرت الأخبار قرآنا وسنة بأنَّ المؤمنين والمؤمنات من هذه الأمَّة الإسلامية ( الآخرون توقيتا ) ، يؤتون أجرهم مرتين ليكونوا الأولين ثوابا عند الله . إنهم المقربون السابقون .(1/46)
وبمثل تلك النصوص الإسلامية جاءت أقوال المسيح - عليه السلام - . فالمشكاة واحدة والأنبياء جميعا دعوتهم واحدة . لا يأخذ اللاحق منهم من أقوال السابق . ولكنهم جميعا يأخذون من نبع واحد وأصل واحد ، فتشابهت أقوالهم وأمثلتهم لأقوامهم .
... جاء فى إنجيل متى ( 20 : 1 ـ 16 ) من نسخة الكاثوليك ط 1994 قول المسيح : " فملكوت السماوات كمثل صاحب كرم خرج مع الفجر ليستأجر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. رواه الشيخان فى صحيحيهما ، وأصحاب السنن والمسانيد عن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه .
عمالا لكرمه . فاتفق مع العمال على دينار فى اليوم وأرسلهم إلى كرمه . ثم خرج نحو الساعة التاسعة فرأى عمالا آخرين واقفين فى الساحة بطالين ، فقال لهم : اذهبوا أنتم أيضا إلى كرمى وسأعطيكم ما يحق لكم . فذهبوا . وخرج أيضا نحو الظهر ثم نحو الساعة الثالثة وعمل الشىء نفسه . وخرج نحو الخامسة مساءً ، فلقى عمالا آخرين واقفين هناك ، فقال لهم : مالكم واقفين هنا كل النهار بطالين ..؟ قالوا له : ما استأجرنا أحد . قال لهم : اذهبوا أنتم أيضا إلى كرمى .
ولما جاء المساء ، قال صاحب الكرم لوكيله : ادع العمال كلهم وادفع لهم أجورهم مبتدئا بالآخرين حتى تصل إلى الأولين . فجاء الذين استأجرهم فى الخامسة مساءً وأخذ كل واحد منهم دينارا . فلما جاء الأولون ظنوا أنهم سيأخذون زيادة فأخذوا هم أيضا دينارا لكل واحد منهم ، وكانوا يأخذونه وهم يتذمرون على صاحب الكرم فيقولون : هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة فساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار وحرَّه . فأجاب صاحب الكرم واحدا منهم : يا صديقى أنا ما ظلمتك أمَا اتفقت معك على دينار ..!؟ خذ حقك وانصرف . فهذا الذى جاء فى الآخر أريد أن أعطيه مثلك . أمَا يجوز لى أن أتصرف بمالى كيفما أريد ..!؟ أم أنت حسود لأنى أنا كريم ..؟
((1/47)
وقال يسوع ) (1) : هكذا يصير الآخرون أولين ، والأولون آخرين " . انتهى
قلت جمال : يعتبر هذا المثل الإنجيلى من بقايا الأقوال الصحيحة للمسيح - عليه السلام - التى تناثرت على صفحات الأناجيل مختلطة بأقوال الذين لا يعلمون . والمقصود باليوم هنا هو امتداد عمر الدنيا ، أى فترة أعمال العباد فى حقل ربهم . والمقصود من قول المسيح - عليه السلام - " ولما جاء المساء " كناية عن يوم الدين حيث يوفى العاملون أجورهم .
وإن دققنا النظر فى المثل جيدا نجد أنَّ فئات الأجراء العاملون فى الحقل ثلاثة . كل فئة تشير إلى أمَّة من الأمم . فالعمال الذين تم جمعهم فى الفترة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. عبارة ( وقال يسوع ) غير موجودة فى جميع النسخ العربية والإنجليزية واليونانية ، والكلام من بعدها
من قول صاحب الكرم أى الله سبحانه وتعالى .
الواقعة بين الفجر وقبيل الظهر يشيرون إلى أمَّة بعينها . والعمال الذين تم جمعهم فى الفترة الواقعة بين الظهر وقبيل الساعة الخامسة ( عصرا ) يشيرون إلى أمَّة ثانية . والعمال الذين تم جمعهم فى الفترة الواقعة بين العصر ( الساعة الخامسة ) وقبيل المغرب ( المساء ) يشيرون إلى أمَّة ثالثة . تلك مفاهيم عامة فى المثل لا يختلف عليها المتفكرون ولا ينكرها إلا كل غبى جاهل معاند للحق .
ولا مانع بعد ذلك من أن نفهم مواقف خاصة وخاصة جدا من النصّ قد نختلف فيها وعليها . ولكن بعد الاعتراف بتلك المفاهيم العامة الجامعة والعكس غير صحيح .
... لقد خصص المفسرون الإنجيليون عمال الفترة الأولى والثانية ( من الفجر حتى الظهر ، ومن الظهر حتى العصر ) بالدعوة إلى يهود بنى إسرائيل . ثم خصوا عمال الفترة الثالثة ( من العصر حتى المغرب ) بالدعوة إلى الأمم .!!(1/48)
مع أنَّ دعوة المسيح - عليه السلام - لم تكن لغير يهود بنى إسرائيل كما سيأتى بيانه تفصيلا والبرهنة عليه . وسبب ذلك أنهم لا يعترفون بأنَّ هناك دعوة جديدة قد ظهرت للعالم منذ ألف وخمسمائة عام يدعى أصحابها بالمسلمون ..!!
فالعيب ليس فى النصّ الإنجيلى ولكن فى الذين ينظرون إليه وفى أعينهم خشبة المسيح - عليه السلام - التى أمرهم أن ينزعونها من أعينهم حتى يروا جيدا .
... وإلى الآن لم يستطع الجهابذة من علماء المسيحية أن يتعرفوا على من رُمِز إليهم فى المثل بأنهم عمال محظوظون . يقول أصحاب التفسير الحديث لإنجيل متى نشر دار الثقافة بالقاهرة ما نصّه " والنقطة الجوهرية فى هذا المثل ، هى أنَّ هذه السجايا لا تتوافر إلا فى الله وحده ، وأنَّ كرمه يسمو على كرم كل فكر بشرى عن العدل . فلم يحصل أحد من العمال على أقل مما يستحقه بل إنَّ البعض أخذ أضعاف أجره ، ولكن هذا الكرم كان جزاؤه بالطبع تذمر أولئك الذين لم يحصلوا إلا على الأجر المستحق لهم فقط . فمن كان المقصود بهذا المثل ..؟ هل نستطييع تعيين من هم الذين رمز إليهم أنهم عمال محظوظون استئجروا فى وقت متأخر ، وكذلك الذين رمز إليهم بالعمال المنتظمين الذين ملأتهم الغيرة منهم ..!؟ " (1) .
... قلت جمال : قطعا الإجابة الصحيحة على هذه الأسئلة العويصة قد وصلت للقارىء ذى الفطرة السليمة من النصوص السابقة . فالمسلمون هم الأمَّة الأخيرة فعلة الساعة الأخيرة وهاهم بشهادة المسيح نفسه الآخرون فى الظهور إلا أنهم الأولون فى الدخول إلى ملكوت الله أى جنة الله . جعل الله لهم الحسنة بعشر أمثالها ، بل بسبعمائة ضعف والسيئة بواحدة . وجعل التائب من الذنب كمن لا ذنب له . ومن كان آخر كلامه منهم لا إله إلا الله دخل الجنة . إضافة إلى الكثير والكثير مما لم يكن عند من سبقهم من الأمم .(1/49)
وذكر متى فى إنجيله ( 8 : 11 ـ 13 ) قول المسيح " إنَّ كثيرين سيأتون مِن المشارق والمغارب ، ويتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب فى ملكوت السماوات (2) وأمَّا بنوا الملكوت (3) ( أى بنى إسرائيل الذين كفروا بالمسيح ومحمد وبين أيديهم التوراة والإنجيل ) فيطرحون إلى الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الأسنان " . وأورد لوقا فى إنجيله ( 13 : 28 ) نصوصا مماثلة .
ولم تأت أمَّة من المشارق والمغارب تؤمن بكافة الأنبياء إلا أمَّة مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - وهى آخر أمَّة أرسل إليها رسول . وهى الأمَّة المبشر بها فى التوراة والإنجيل كما سبق بيانه .
قلت جمال : إنَّ المتدبر فى أقوال المسيح - عليه السلام - والتى اتفق النقاد المسيحيون على صحتها ، سوف يجدها متفقة تماما مع أقوال النبىّ الخاتم ( الكل ) - صلى الله عليه وسلم - . لأنهما يأخذان من مشكاة واحدة هى مشكاة رب العالمين عز وجل كما أنَّ أقوال المسيح - عليه السلام - المتفق على صحتها من قِبَل النقاد لن يجد فيها الباحث ما يتعارض مع نصوص الإسلام . والخلاف الوحيد بين نصوص الإسلام ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. التفسير الحديث ـ إنجيل متى من ص 320 إلى ص 321 .
(2) .. ملكوت هنا بمعنى الجنة مأوى الأنبياء والمرسلين والصالحين .
(3) .. والملكوت هنا بمعنى الدين ، وبنوا الملكوت أى أصحاب الدين .
وبين المسيحية لم يكن أبدا للمسيح - عليه السلام - وأقواله يد فيه . وإنما وقع هذا الخلاف الدينى بين نصوص الإسلام وبين أقوال ومعتقدات رجال الكنائس المختلفة فيما بينها فليفهم هذا جيدا . وليحاول إخواننا فى المواطنة أن ينزعوا عنهم غلالة الحقد الأسود تجاه الإسلام ونبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - ليروا النور الذى جاء من أرض الجنوب .
هل كانت رسالة المسيح - عليه السلام - عالمية ..!؟
====================(1/50)
للإجابة على ذلك السؤال يجب علينا جميعا مسلمين ومسيحيين أن نتجرد من التعصب البغيض ، وننظر إلى الموضوع المسؤول عنه من خلال وجهة النظر الإنجيلية فقط ، أى من خلال أقوال السيد المسيح - عليه السلام - صاحب الرسالة المسؤول عنها . ولكن مِن بعد الاستعداد التام للفهم ومن بعد ازالة العوائق التى تحجب الرؤية وتصم الأذن عن السمع . وأقوال المسيح - عليه السلام - مسجلة فى هذه الأناجيل الأربع التى بيد الناس الآن . ولكى نبصرها جيدا لا بد من تنفيذ تعليمات المسيح بنزع الخشبة اللعينة من العين أولا .. فهل نحن مستعدون للإبصار الجيد ..!؟
أولا : وصلت إلينا البشارة بمولده كما رواها إنجيل لوقا ( 1 : 33 ) من خلال أقوال ملاك الرب للصديقة مريم العذراء البتول ، حيث قال " يملك على بيت يعقوب إلى الأبد " . فقال يملك على بيت يعقوب ولم يقل يملك على بيوت الآخرين والمُلك تظهر آثاره على الرعية المملوكة والمنطقة المملوكة ـ منطقة النفوذ ـ أى على بيت يعقوب فقط ومنطقة فلسطين فقط . بمعنى أنه سيكون ملكا على يهود بنى إسرائيل فى منطقة فلسطين . تلك هى حدود المملكة المرتقبة طبقا للنصّ الإنجيلى وبدون أى تدخل تفسيرى مغرض .
وبهذا المعنى جاءت البشارة به فى إنجيل متى ( 2: 2 ) بـ ملك اليهود . فهل تحققت هذه النبوءة على أرض فلسطين ..!؟ للأسف الشديد لم تتحقق والعالم أجمع بمن فيه من يهود ومسيحيين ومسلمين يعلمون جيدا بأنَّ المسيح - عليه السلام - لم يكن فى يوم من أيام بعثته ملكا لا على اليهود فى فلسطين ولا على غيرهم .(1/51)
ثانيا : وعندما بُعِث - عليه السلام - قال بملء فيه إلى الجميع ( إنجيل متى 15 : 24 ) : " لقد أُرسلت فقط إلى خراف بيت إسرائيل الضالة " . فحدد عليه السلام القوم الذين أرسل إليهم . ومنعا لسوء الفهم وقلة النظر الجيد إلى النصّ جاء بكلمة فقط . وبيَّنَ أيضا بأنه لم يجىء إلى كل خراف بيت إسرائيل وإنما إلى الضالين منهم فقط . ونقرأ النصّ ثانيا كما جاء فى النسخة القياسية المعتمدة الإنجليزية ( RSV ) :
( I was sent only to the lost sheep of the house of Israel ) أى إلى الخراف الضالة فقط مِن بيت إسرائيل ، الذين انحرفوا عن شريعة التوراة وتعاليم موسى - عليه السلام - . واقرؤوا معى إن شئتم قوله - عليه السلام - الوارد فى إنجيل متى ( 9 : 12 ) " لأنى لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة إلى التوبة " . والتوبة لا تكون إلا لمن كان مؤمنا فى أول أمره ثم عصى ، وليست للكافرين الوثنيين أصلا .
... ومن العجيب فى الأمر أنَّ الترجمات العربية المعاصرة محذوف منها كلمة فقط فى نصّ متى ( 15 : 24 ) ، مع أنها مكتوبة فى معظم الترجمات الإنجليزية المعاصرة (RSV , NASB , NIV , TEV , JB , PME ) . وجاءت الترجمة أوضح كثيرا للمعنى فى النسخ ( LB , NEB ) حيث جاء فيهما على التوالى التعبيران الإنجليزيان ( to them alon ) إليهم وحدهم و ( not the Gentiles ) وليس إلى الأمم الأخرى .
فهل أبصر الذين نزعوا الخشبة من أعينهم المعنى الواضح المقصود . وشهدوا على مترجمى الأناجيل العربية بعدم الأمانة العلمية والدقة فى الترجمة . ومن لم يقتنع فليفتح معى الأصل اليونانى للأناجيل وليقرأ الفقرة ثانيا . فسوف يجد فيها كلمة ( ??-?? ) وهى بمعنى ( except ) أى ما عدا ، بمعنى أنَّ المسيح - عليه السلام - لم يُرسَل إلا إلى الخراف الضالة من بيت إسرائيل .(1/52)
ثالثا : يخبرنا كاتب إنجيل يوحنا فى ( 1 : 11 ) حسب ما ورد فى النسخة الإنجليزية ( JBV ) أنَّ المسيح - عليه السلام - قد جاء إلى وطنه فلسطين وإلى قومه بنى إسرائيل ( He came to his own country ) . بمعنى أنه - عليه السلام - قد أرسل إلى موطنه فلسطين ولكن قومه من بنى إسرائيل لم يقبلوه . وقد جاءت هذه الفقرة فى التراجم العربية المعاصرة محذوف منها الاشارة إلى موطنه أو منطقة إرساليته هكذا " إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله " ..!!
رابعا : جاء فى إنجيل متى ( 18 : 11 ) وإنجيل لوقا ( 19 : 10 ) قول المسيح - عليه السلام - حسب نسخة الملك جيمس المعتمدة ما نصّه :
( for the Son of man is came to save that which was lost ) بمعنى أنَّ ابن الانسان قد جاء لينقذ مَن قد هلك . ويقصدون هنا من عبارة ابن الانسان المسيح - عليه السلام - . وإن كان الأصل المتفق عليه فى الترجمات الأجنبية هو ابن رجل بتنكير كلمة رجل كما هو واضح فى النصّ الإنجليزى . والمسيح - عليه السلام - لم يكن فى يوم من الأيام ابن رجل وإنما هو ابن مريم ..!!
وكلمة ( save ) يترجمونها هنا إلى يُخلص بدلا من معناها الصحيح يُنقذ أو يحمى أو يُنجى ، حيث لا تزال الخشبة فى أعين المترجمين لم ينزعوها بعد ..!!
... والمعنى المراد من هذه الفقرة أنه - عليه السلام - قد جاء إلى الذين قد ضلوا الطريق الصحيح من قومه بنى إسرائيل ، فوقعوا فى الذنوب والمعاصى . إلى هؤلاء جاء المسيح - عليه السلام - لينقذهم ويضعهم على طريق الإيمان الصحيح بعيدا عن طريق الهاوية . وهذا المعنى يشابه تماما وإلى حد كبير قوله - عليه السلام - السابق " لقد ارسلت فقط إلى خراف بيت إسرائيل الضالة " فالذى ضل طريقه هو من الهالكين ولا بد .(1/53)
... والتعبير الإنجليزى ( which was lost ) جاء فى صيغة الماضى . مما يفيد أنَّ المسيح - عليه السلام - جاء لينقذ الذين ضلوا فعلا أو الذين هلكوا فعلا . وهذا المعنى ينطبق على المعاصرين لبعثة المسيح - عليه السلام - . فهو لن يقوم بإنقاذ من سيضل مِن بعده أو مَن سيجىء مِن بعده . ولقد تلاعب مترجمو الأناجيل إلى العربية فى هذا النصّ فبعد أن كان فى النسخة الوطنية المعتمدة هكذا ( قد جاء لكى يخلص ما قد هلك ) تحول النصّ فى النسخة المعتمدة الجديدة ليصبح هكذا ( قد جاء لكى يخلص الهالكين ) والفرق كبير بين المعنيين لمن يعرف شيئا من مبادىء اللغة ..!!
إنهم يحاولون جاهدين أن يجعلوا المسيح - عليه السلام - مخلصا للعالم أجمع فى الماضى والحاضر والمستقبل .
... ثمَّ نأتى الآن إلى قضية كبرى .. ألا وهى " مصداقية هذه الأناجيل " .
انظر معى أيها القارىء المؤمن بربك إلى موضع هذه الفقرة السابقة فى إنجيل متى ( 18 : 11 ) فسوف ترى العجب العجاب .. !!
... لقد حُذِفت هذه الفقرة من نسخة الآباء العربية ( ط 1991 ) وجاءت الإشارة إليها فى الهامش " أنَّ هذه الفقرة لا ترد فى جميع المخطوطات " . وفى نسخة الكاثوليك العربية ( ط 1993 ) وُضِعَت الفقرة داخل قوسين ثم جاءت الاشارة إليها فى الهامش بأنها لا ترد أيضا فى معظم المخطوطات القديمة .
... ولا تزال هذه الفقرة مثبتة فى نسخة فانديك المعتمدة ( 1977 ) والمعتمدة الجديدة ( ط 1996 ) وأيضا فى نسخة كتاب الحياة ( ط 1988 ) . وبدون ذكر أى تعليق عليها ..!! فما معنى ذلك ..!؟
لقد تعبَّد المسيحيون بهذه الفقرة من إنجيل متى قرابة ألفى سنة . واعتقدوا بمصداقية هذا الإنجيل ، ثم يكتشفوا الآن بأنَّ كتابة هذه الفقرة فى الإنجيل كان خطأ يجب تصحيحه ..!!(1/54)
فبين أيدينا الآن خمس نسخ عربية حديثة متداولة بين الناس منهما اثنتان محذوف منهما هذه الفقرة . هل كما قالوا لأنَّ السبب هو عدم ورودها فى الأصول اليونانية ..؟ أم لأنها تفيد محلية رسالة المسيح - عليه السلام - وقصرها على يهود فلسطين فقط ..؟ ومن نصَدِّق ومن نكذب ..؟ الأمر متروك لفراسة المؤمنين .
وإذا نظرنا إلى النسخ الإنجليزية المتداولة بين الناس ، نجد أنَّ الفقرة قد حُذِفت من النسخ (NIV , JB , PME , NEB , RSV, NRSV ) . وهى لا تزال مدرجة فى النسخ ( TEV , LB , KJV ) . فهلا قاموا بطباعة هذه المخطوطات القديمة التى يترجمون منها ليقرأها الناس ، حيث أنَّ الكثيرين من العلماء والمثقفين يجيدون اللغة اليونانية بلهجاتها القديمة المختلفة ..!؟ أم أنَّ الاطلاع عليها يعتبر سرا من أسرار الكنيسة لا يطلع عليه أحد غير القسس المنتقين جيدا لمثل هذه المهمة ..!؟
وأين كل هذا من قول المسيح - عليه السلام - المذكور فى إنجيل متى ( 5 : 17 ) :
" الحق أقول لكم : إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل " . وهنا نجد أنَّ فقرة بكاملها سقطت وليس نقطة واحدة ولم تزل السماء ولم تنهد الأرض . وكلام المسيح - عليه السلام - صدق وحق بشرط أن يكون النقل عنه أمينا صحيحا سليما . فعلى افتراض أنَّ هذه الفقرة غير صحيحة كما جاء فى كثير من النسخ الحديثة ، فيترتب على تلك القولة أنَّ هذا الإنجيل ليس من الناموس وإلا زالت السماء وانهدت الأرض ..!!(1/55)
خامسا : ومن تعليمات المسيح - عليه السلام - لتلاميذه ، نجده يحذرهم من نشر دعوته خارج موطنه فلسطين أو خارج قومه من بنى إسرائيل . وأن ينشروها فقط بين خراف بيت إسرائيل الضالة . فقال - عليه السلام - كما فى متى ( 10 : 5 ـ 6 ) من النسخة المعتمدة " إلى طريق أمم لا تمضوا ، إلى مدينة للسامريين لا تدخلوا . بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة " . والترجمات الإنجليزية لهذه الفقرة أدق وأوضح فى معناها ، حيث نجد فيها النهى عن دخول الطرق المؤدية إلى مناطق الأمميين لنشر دعوته مثل :
NEB ... Do not take the road to gentiles .
JB ... Do not turn your steps to pagan territory .
PME ... Don’t turn off into any of the heathern roads .
TEV ... Do not go to any gentile territory .
NIV ... Do not go among the gentiles .
وبجمع نصوص الترجمات المتعددة للفقرة نجد أنَّ المسيح - عليه السلام - قد شدد على عدم نشر دعوته خارج قومه من بنى إسرائيل . فحذر تلاميذه من الاقتراب أو الدخول أو الذهاب إلى الطرق المؤدية إلى مدن الوثنيين كالرومان واليونان وغيرهم .
بل جاء النصّ صريحا بنشر دعوته داخل بنى إسرائيل فقط . فجاء فى النسخة الإنجليزية المعروفة باسم ( Living Bible ) قوله : " ولكن فقط إلى بنى إسرائيل " ( but only to the people of Israel ) .
... والتزم التلاميذ بكلام معلمهم فلم ينشروا الدعوة خارج بنى إسرائيل . ومن يقرأ سفر الأعمال سيجد كيف نشب الخلاف بين تلاميذ المسيح - عليه السلام - وبين من حاولوا نشر الدعوة خارج بنى إسرائيل .(1/56)
... وعلى حد قول مؤرخى الكنائس فى تأريخهم لتلك الفترة المبكرة . نجدهم يذكرون أنَّ التلاميذ قد كونوا ما يسمى بكنيسة الختان مقرها القدس للدعوة داخل بنى إسرائيل . وتكونت كنائس أخرى خارج فلسطين لنشر الدعوة بين الوثنيين مخالفة بذلك تعاليم المسيح - عليه السلام - . وأطلقوا على أتباع كنيسة الختان اسم النصارى وعلى أتباع الكنائس الأخرى مِن يونان ورومان اسم المسيحيين .
... وسيطر المسيحيون وظهروا بفضل بولس وسيف الامبراطور وتراجع النصارى الذين تفرقوا فى الأرض العربية الشاسعة فى الشام والعراق وشبه الجزيرة العربية جنوبها وشمالها .
سادسا : ومن أقوال المسيح - عليه السلام - لتلاميذه كما فى إنجيل متى ( 19 : 18 ) " متى جلس ابن الانسان على كرسى مجده تجلسون أنتم أيضا على اثنى عشر كرسيا تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر " . فنجده هنا - عليه السلام - يقول لتلاميذه أنهم سيدينون أسباط بنى إسرائيل الاثنى عشر ولم يقل لهم سيدينون شعوب العالم ..!!
ومثله ورد فى إنجيل لوقا ( 22 : 30 ) " وتجلسون على كراسى تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر " . فحذف لوقا عدد الكراسى الاثنى عشر لأنه يعلم أنَّ يهوذا قد خان المسيح ولم يعد من التلاميذ الاثنى عشر ..!!
... ولى هنا وقفة أمام هذا النصّ :
هل حقا سيدين ( Judging ) التلاميذ أسباط إسرائيل ..؟؟ وهل حقا سيدين المسيح ( Judging ) - عليه السلام - جميع شعوب الأرض كما يزعمون ..؟؟
... للإجابة على هذين السؤالين لا بد من النظر مرة ومرات إلى النصّ فى أصله اليونانى . ثم محاولة الوصول إلى الأصل الآرامى للكلمة التى ترجمت إلى يُدِين أو يُدِينون . والأمر صعب .. ولكننى سوف أحاول من خلال القواميس الكتابية اليونانية الإنجليزية لعلنا نصل إلى الاجابة الصحيحة .(1/57)
1 ـ أولا يجب الاشارة إلى أنَّ قضية الدينونة فى الآخرة لا تسعفنا فيها نصوص الأناجيل الحالية لتعارضها الشديد مع بعضها ، مع أنها من ركائز الإيمان الأساسية . حيث أنَّ المؤمن لا بد له من أن يعرف أمام مَن سيقف يوم الدينونة والحساب . فمثلا نجد فى يوحنا ( 5 : 22 ) أنَّ المسيح - عليه السلام - سوف يدين العالم " أنَّ الآب لا يدين أحدا بل قد أعطى الدينونة للابن " ونجد مثله فى يوحنا ( 5 : 28 ) " وأعطاه سلطانا أن يدين لأنه ابن الانسان " .
وفى مقابل ذلك نجد نصوصا تنفى إعطاء الدينونة للمسيح - عليه السلام - مثل الذى جاء فى يوحنا ( 3 : 17 ) " لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم ، بل ليخلص العالم " . وفى يوحنا ( 12 : 47 ) " وإن سمع أحد كلامى ولم يؤمن فأنا لا أدينه لأنى لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم " .
فهل المسيح - عليه السلام - يُدين الناس أم لا يُدين أحدا ..!؟ الأمر مُحَيِّر ..!!
وإذا كان هذا شأن المسيح - عليه السلام - فى ادانة الناس ، فكيف بها فى حالة التلاميذ ..!؟ هل سيدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر أم لا ..؟؟
مع أنَّ التلاميذ قد خرج منهم يهوذا الخائن حسب إعتقاد الكنائس . فعدد التلاميذ أصبح أحد عشر وعدد الأسباط اثنى عشر . فهناط سبط لن يدينه أحد ..! مع العلم بأنَّ الاثنى عشر تلميذا المذكورين هنا هم الذين قيل لهم ذلك وكان من بينهم يهوذا . إنَّ القضية برمتها قضية مغلوطة ضاعت معالمها فى الأناجيل المتداولة بين الناس عبر العصور الماضية ، مع ضياع لغة الوحى الآرامية .
فإن رجعنا إلى أصل الكلمة اليونانية التى ترجموها هنا إلى كلمة يُدِين العربية أو كلمة ( Judging ) الإنجليزية ، نجدها ( ????? ) وتنطق كرينو . ومن معانى هذه الكلمة فى القواميس اليونانية : معنى مَن يُسْتدْعَى للسؤال . أى من يُطْلب للشهادة فى المحكمة وليس من يحاكِم المتهمين ..!!(1/58)
بمعنى أنَّ التلاميذ الاثنى عشر سيكونون شهودا على أسباط إسرائيل الاثنى عشر . بما فيهم يهوذا على الراجح .
وهذا المعنى اللغوى المأخوذ من القواميس اليونانية والإنجليزية الكتابية يذكرنا بالكلمة الآرامية سهادوتا أى الشهادة والواردة فى سفر التكوين ( 31 : 47 ) على لسان لابان الآرامى . فالجذر العربى شهد والآرامى سهد معناهما واحد . الاختلاف فقط فى لهجة النطق وتلك ظاهرة لا تزال قائمة فينا إلى الآن . فنقول فى عاميتنا الصعيدية شمس وسمس ؛ وشجر وسجر .. الخ . وما اللسان الآرامى إلا لهجة من لهجات اللسان العربى تميل إلى العامية .
وهذا المعنى أى الشهادة هو المذكور فى الذكر الحكيم ( آية رقم 53 / آل عمران ) على لسان الحواريين أى تلاميذ المسيح - عليه السلام - { ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين } . فبيَّن الحق سبحانه وتعالى بأنهم طلبوا أن يكونوا مع الشهداء على قومهم ، لا أن يكونوا مع القضاة يُدينون قومهم . فتوافق النصّ القرآنى مع الأصل الإنجيلى اليونانى وخالف قول الكنائس .
... واكتفى بهذا القدر من النصوص الواردة على لسان المسيح - عليه السلام - ولا داع لأقوال الغير حُبَّا منا للمسيح - عليه السلام - وغيرة منا على دعوته ودينه من أن يساوم عليهما المساومون ألم يقل - عليه السلام - كما جاء فى إنجيل متى ( 7 : 6 ) " لا تعطوا القدس للكلاب ولا تطرحوا درركم للخنازير " ..!! إنه تصريح ما بعده تصريح على أنَّ دائرة عمل دعوته ورسالته داخل حدود بنى إسرائيل فقط .
... ربما يعترض علىَّ المعترضون بنصوص أخر جاءت فى الأناجيل على لسان المسيح أيضا ، تفيد معنى عالمية الدعوة المسيحية . فها أنذا أذكر منها نصّين شهيرين لنرى حالهما أمام قواعد علم النقد المسيحى والمعمول به .(1/59)
النصّ الأول : جاء فى إنجيل متى ( 28 : 19 ) قول المسيح - عليه السلام - لتلاميذه : " فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس " . قيلت هذه الفقرة حسب اعتقاد المسيحيين جميعا من بعد حادثة صلب المسيح وانتهاء بعثته الأرضية . وهى فقرة انفرد بذكرها إنجيل متى الموجود بين أيدينا ، ولا أثر لها فى الأناجيل الثلاثة أو سفر أعمال الرسل الذى هو تسجيل لسير الدعوة من بعد حادثة الصلب مباشرة . إضافة إلى أنَّ إنجيل متى لم يكن أول الأناجيل كتابة .
... وتتكلم هذه الفقرة على موضوعين أصبحا فيما بعد من أساسيات الإعتقاد المسيحى . أولهما نشر الديانة المسيحية على جميع الأمم ، وهو أمر يتعارض مع أقوال المسيح - عليه السلام - أثناء البعثة والسابق ذكر بعضها .
... وإذا عرضنا هذا الموضوع على الواقع التاريخى نجد أنَّ عدد التلاميذ هنا يبلغ أحد عشر تلميذا . وهؤلاء التلاميذ قد امتنعوا عن تنفيذ هذا الأمر المزعوم كما هو مسجل فى سفر الأعمال ( 11 : 3 ؛ 15 : 17 ) . فلم يذهبوا إلى الأمم وينشروا الدعوة فيها ، بل نجدهم قد حاولوا جهد طاقتهم أن ينشروها بين اليهود فقط وفى فلسطين ، ولم يتخلوا قط عن تعاليم التوراة تنفيذا عمليا لوصايا المسيح لهم . وكان مثلهم فى ذلك هو المسيح - عليه السلام - شخصيا حيث وُلد ونشأ على تنفيذ وصايا التوراة طوال فترة بعثته ، كما أنهم لم ينسو قوله " ولكن زوال السماء والأرض أيسر من أن تسقط نقطة واحدة من الناموس " . فعاشوا وماتوا وهم تحت سلطان الشريعة وليكونوا شهداء على الذين جاؤوا من بعدهم .(1/60)
... أمَّا عن أصحاب الدعوة العالمية فلا يوجد عندهم نصّ واحد صحيح عن المسيح - عليه السلام - يقرر فيه عالمية الدعوة ، فها هو بولس صاحب نشر الدعوة العالمية لم يكتب كلمة واحدة فى رسائله عن عالمية الدعوة ينسبها إلى المسيح . كما نرى سِمْعان كبير التلاميذ لم يتقدم للموافقة على عالمية الدعوة التى يقول بها بولس إلا من بعد رؤية نسبوها إليه فى سفر الأعمال ( إصحاح رقم 10 ) . وشتان بين الحقيقة وخيالات الرؤيا ..!! ولم تقدم الكنيسة الأولى على طاعة هذا الأمر البولسى إلا من بعد شهادة سِمعان تلك ..!!
... ويعتقد المحققون من علماء المسيحية أنَّ نصّ متى موضوع البحث قد كُتِب من بعد مرور خمسين سنة على حادثة الصلب الشهيرة ..!! فلو كان هذا النصّ صحيحا لاستشهد به بولس فى وجه التلاميذ المناهضين له . ولكتبه مرقس فى إنجيله المكتوب قبل إنجيل متى أو كتبه لوقا ويوحنا فى إنجيليهما .
وحيث أنَّ المسيح عندهم إله وابن إله فكيف يتناقض كلام الإله مع بعض ..!؟
ولماذا تناقض دعوة المسيح من بعد حادثة الصلب دعوته أثناء البعثة ..!؟
... ثانيهما بخصوص صيغة التعميد الواردة هنا بـ ( اسم الآب والابن والروح القدس ) . فهى صيغة لا وجود لها فى التاريخ الكنسى إبَّان فترة عصر التلاميذ وما تلاها ، كما لا يوجد نصّ يماثل هذه الصيغة فى كل أسفار العهد الجديد . فلا يُعْرف عند القوم نصّ واحد يفيد بأنَّ المسيح - عليه السلام - قد عَمَّدَ أحد تلاميذه أو أنه قد تعمَّدَ بهذه الصيغة فالمعمودية عند اليهود كانت ولا تزال تشابه الوضوء أو الغسل بالماء عند المسلمين . علامة للطهارة والتوبة والرجوع إلى الله .(1/61)
... وإذا رجعنا إلى نصوص الأناجيل وسفر الأعمال ، نجد أنَّ صيغة التعميد المنسوبة إلى التلاميذ من بعد انتهاء بعثة التلاميذ كانت باسم المسيح فقط ( أعمال 2 : 38 ؛ 8 : 16 ) . وظلت هكذا فى القرون الأولى من قبل اعلان الثالوث المؤله فى مجمع أفسس سنة 381 مـ . فهاهو المؤرخ الكنسى القديم يوسابيوس القيصرى يذكر نصّ متى موضوع دراستنا هكذا " اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم باسمى " . وهذا النصّ لا يوجد الآن فى نسخ إنجيل متى المتداول الآن مما يوحى بأنَّ صيغة التثليث الحقت بالإنجيل من قِبَل الكنيسة فيما بعد ( راجع التفسير الحديث لإنجيل متى ص 463 ) .
وخلاصة القول : أنَّ نصّ متى ( 28 : 19 ) غير صحيح ، وهو إلحاقى أضيف إلى الإنجيل لتحقيق غرض الكنيسة فى إعلان عالمية الدعوة . كما أنه لا يثبت أمام النصوص المنقولة عن المسيح - عليه السلام - أبَّان فترة بعثته . وللقارىء اللبيب أن يختار ما يشاء وينظر إلى النصوص كيف يشاء .. إمَّا والخشبة فى عينيه .. وإمَّا بدونها ..!!
النصّ الثانى : جاء فى إنجيل مرقس ( 16 : 15 ) قول المسيح لتلاميذه : " اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها " .
ودراسة هذا النصّ أدهى وأمر مما سبق . فمن المعلوم أنَّ إنجيل مرقس ينتهى عند الفقرة ( 16 : 8 ) بشهادة جميع علماء المسيحية المحققين المعاصرين . فجميع المخطوطات القديمة لإنجيل مرقس ليس فيها الفقرات من ( 9 ـ 20 ) من الإصحاح السادس عشر . وتشهد بتلك الحقيقة هوامش النسخ الإنجليزية الآتية ( LB , NIV , JB , NEB ) . وقد أعلنت نسخة ( TEV ) صراحة إنتهاء الإنجيل عند الفقرة رقم ( 8 ) ثم كتبت بعد ذلك الإضافة المذكورة على أنها ملحق خاص يأتى من بعد إنتهاء الإنجيل . وكذلك فعلت النسخة الإنجليزية المعروفة ( PME ) حيث جاءت التكملة تحت عنوان ملحق قديم وبالإنجليزية ( An ancient appendix ) .(1/62)
وقد أثبتت المخطوطتان السينائية والسريانية المكتشفتان فى دير سانت كاترين فى النصف الثانى من القرن الماضى أثبتتا انتهاء إنجيل مرقس بدون هذه الزيادة . فهل يصلح الاعتماد على نصّ لا أصل له معروف ، وتاريخه لا يرجع إلى زمن كتابة الأناجيل بعدة قرون ..!!؟
... أمَّا بخصوص الترجمات العربية المعاصرة . فقد أثبتت هذه الزيادة لنهاية إنجيل مرقس بدون ذكر أى اشارة تصحيحية تمويها على القراء المسيحيين ( راجع النسخة العربية المعتمدة ط 1977ونسخة كتاب الحياة ط 1988) . وأثبتت هذه الزيادة نسخة الآباء اليسوعيين ( ط 1991 ) مع التنويه فى الهامش إلى أنَّ " المخطوطات غير ثابتة فيما يتعلق بخاتمة إنجيل مرقس ( 9 ـ 20 ) " . وأثبتت أيضا هذه الزيادة نسخة الكاثوليك ( ط 1993 ) بين قوسين مع الاشارة إلى أنَّ الأرقام ( 9 ـ 20 ) لم ترد فى أقدم المخطوطات .
والآن .......
======
وبعد أن تحققنا من أنَّ دعوة المسيح - عليه السلام - كانت محلية ، قاصرة على بنى إسرائيل فقط اعتمادا على أقواله هو - عليه السلام - لا على أقوال أحد غيره أو إجتهادا مِن أحد . ظهر لنا تساؤل مُلِحٌ للغاية ألا وهو : ما هو موقف المسيحيين الآن . وهم يقينا ليسوا من قوم المسيح وخرافه الضالة التى جاء من أجلها ..!؟ وما هو شأن الكنيسة بتلك الدعوة البولسية العالمية ..!؟
الإجابة الصحيحة مُرَّة ، ولم يفكر أحد فيها لأنَّ الخشبة لا تزال فى الأعْيُن ..!!(1/63)
من المعلوم أنَّ جميع العرب المسيحيين المعاصرين ليسوا من ذرية إسرائيل أو ممن أطلق عليهم فيما بعد ببنى إسرائيل . والأدهى والأمر أنَّ مسيحيي الشام كله يعود أصلهم إلى ذرية إسماعيل العرب وليسوا من الفرع الإسحاقى . والتاريخ القديم يشهد على تلك الحقيقة ، فقد تنصَّرَ عرب الشام كله من قبل البعثة الإسلامية بثلاثة قرون زمنية . ومعظمهم من قبائل الجزيرة العربية التى هاجرت إلى العراق والشام وكونوا دولا وممالك عربية من قبل بعثة المسيح بآلاف السنين كشفت عنها الآثار الحديثة مثل الأكاديين والأشوريين والآراميين والكنعانيين وغيرهم .
... أمَّا عن مسيحيِّى مصر ، فهم مختلطو الأجناس ، فأغلبهم من نسل الفراعنة المصريين أقارب " هاجر " أم إسماعيل وأنسباء إسماعيل حيث تزوج منهم وعاش بينهم ، ومعظم أبنائه من أم مصرية ـ من العمالقة ـ كما شهدت بذلك نصوص التوراة الحالية . كما أنهم أنسباء نبىّ الإسلام - صلى الله عليه وسلم - عن طريق مارية القبطية . وقليل من مسيحيِّى مصر من نسل القبائل العربية الذين نزحوا من شبه الجزيرة العربية واستوطنوا المناطق الشرقية من أرض مصر بطول ساحل البحر الأحمر .
... وبناء على تلك الحقيقة التاريخية التوراتية يكون مسيحيُّو مصر أخوال إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام وأنسباء ذريته من بعده .
... فجميع نصارى العرب ومسيحيِّيهم ليسوا من خراف بيت إسرائيل الضالة ، وإنما هم من الأمميين فى عُرْف يهود إسرائيل .
... ولا أقول لمسيحيِّى اليوم إلا ما قاله قديما المسيح - عليه السلام - من أنَّ الله رب العالمين " تشرق شمسه على الأشرار والصالحين ، ويمطر على الأبرار والظالمين " ( متى 5 : 45 ) . فهلا استجابوا لدعوة المسيح - عليه السلام - ونزعوا الخشبة من أعينهم ليروا النور الساطع وليكونوا من خراف المسيح بدلا من خراف بولس ويسوعه النصرانى .(1/64)
فالمسيح - عليه السلام - لم يعرف كنيسة فى عهده ولم يأمر باتباعها ، كما أنه لم تبن كنيسة واحدة فى عهده ولا فى عهد تلامذته . أليس هو القائل " كل غرس لم يغرسه إلهى السماوى يقلع " ..؟ و " كل خطية وتجديف يغفر للناس ، وأمَّا التجديف على الله فلن يغفر للناس ، لا فى هذا العالم ولا فى الآتى " ( متى 12 : 32 ) . والتوبة التى نادى بها المسيح - عليه السلام - وكانت من أهم دعائم دعوته لا تزال مفتوحة ليلا ونهارا . فهل من تائبين ..!!؟؟؟
قال - عليه السلام - " ابحثوا عن الحق والحق يحرركم " ( يوحنا 8 : 32 ) . واشترط - عليه السلام - فى البحث عن الحق المُحَرِّر أن يتجرد الباحث عنه من الهوى والتقاليد ثم يخرج الخشبة من عينه حتى يبصر جيدا . فالحق واضح ، ولكن الأبصار لا تراه مع أنه أمامها وفى متناول العقول والأفهام البسيطة . لا يحتاج إلى فلاسفة اليونان ولا إلى لاهوتى الإسكندرية حتى يبينوه للناس . إنَّ علماء اللاهوت المسيحى مثلهم كمثل أحبار اليهود قديما الذين وصفهم المسيح - عليه السلام - بقوله : " يُصَفُّون عن البعوضة ويبلعون الجمل " ( متى 23 : 24 ) . لقد تورمت المجلدات من كتاباتهم عن لاهوت المسيح وناسوته ، ذلك اللاهوت الذى بلع الناسوت والجمل بما حمل ..!!
... فيا لها من فاجعة حلت ببنى قومى من المسيحيين الذين صَوَّرَ لهم علماء اللاهوت أنَّ لحم مسيحهم يؤكل ودمه يُشرب وذلك فى سر الأفخارستيا ..!!
... ويتكرر اعتذار الباباوات لليهود وتبرئتهم من دم المسيح ..!!
ويُقدَّس الصليب أداة قتل يسوعهم بدلا من احتقاره . ويُشكر اليهود على قتلهم للمسيح ، ذلك القتل الذى حرر المسيحيِّين من كل ذنوبهم وآثامهم ، بل وخلصهم من أحكام الشريعة ..!!
إنها صُوَر مقلوبة لعقول منكوسة . ولا أحد يتوقف قليلا ليسأل ويتساءل أين الصحيح من السقيم ..!!(1/65)
أين اسم الله فى الأناجيل ، وما هو اسم المسيح الصحيح فى لغته الآرامية . وأين الإنجيل الذى كان المسيح يدعو قومه إلى الإيمان به ، وما هو اسم الدين الذى جاء به المسيح ، وما هو الملكوت وإنجيل الملكوت اللذان كان المسيح يبشر بقرب ظهورهما . ثم وما دخل مسيحيى العالم بدعوة المسيح وهم ليسوا من خرافه الضالة التى من بنى إسرائيل ..!!؟؟؟
وغير ذلك كثير وكثير وكثير لا تتسع له مجلدات الكتب .
ولكن قلوب المؤمنين تعرف الحق وتهفوا إليه أينما كان
اللهم إنك تعلم بأنى بلغت وأوضحت
فإليك الرغبة فى التوفيق
إنك الفاتح من الخير أبوابه
والميسر له أسبابه
عالمية الرسالة الإسلامية
============
ظهر الإسلام من قلب أرض الجنوب (1) وقضى على الشرك والوثنية . وأخرج الناس من الظلمات إلى النور ، ومن الجهل إلى العلم والمعرفة ، وكسى الكون لباس الحضارة . وعمَّره بصنوف العمران اجتماعيا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا . وهذا الانقلاب العظيم الذى كان له أعظم الأثر ضد الخرافات والعقائد الباطلة . فانقشعت به سحب الباطل من على وجه الحق ، وأخذ نور الإسلام ينفذ إلى قلوب الناس واحدا بعد واحدا ونفرا بعد نفرا . فجاء الحق وزهق الباطل إنَّ الباطل كان زهوقا .(1/66)
... لقد بُعِث نبىّ أرض الجنوب التوراتية - صلى الله عليه وسلم - وأفضل أرض العرب وأغناها ليست فى أيدى العرب ، وإنما هى فى أيد غيرهم ..!! فالأراضى العربية فى كل من الشام والعراق كانت خاضعة لسيطرة الروم والفرس ، وإن كان عليها ملوك وأمراء من العرب يحكمون تحت سلطة الروم والفرس . وكذلك أرض اليمن فى أقصى الجنوب العربى كانت خاضعة أيضا للفرس وإن كان أيضا عليها أمراء من العرب يحكمون تحت سلطة الفرس . ولم يكن بأيدى العرب إلا الحجاز ونجد وما إليهما من الصحارى القاحلة . وكان بإمكان النبىّ العربى - صلى الله عليه وسلم - أن يعلنها دعوة عربية لتحرير الأرض العربية وما إلى ذلك ، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - أعلنها دعوة إسلامية عالمية تحت راية لا إله إلا الله .
... وعالمية الرسالة الإسلامية انبثقت من داخل نصوص كتابها الكريم . ولم يتدخل فيها إنسان مهما علا وكان شأنه . كما أنه لم تنعقد مجامع دينية لتصنيع العقائد وإعدادها للناس ، فالعقائد لا تصنع وإنما تتلقى عن الخبر الصادق عن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) .. ذلك هو الاسم التوراتى لأرض شبه الجزيرة العربية ، فعندما خرج أبو الأنبياء إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - من أرض
مصر عابرا لصحراء سيناء المصرية اتجه حسب نص سفر التكوين ( 13 : 1 ) إلى أرض ( ها نجب ) .
وكلمة نجب العبرية معناها الجنوب وها أداة التعريف العبرية أى اتجه - صلى الله عليه وسلم - إلى أرض الجنوب . ولا توجد
أراضى تقع جنوب سيناء غير جزيرة العرب وإقليم الحجاز تحديدا .
راجع كتابى " نبىّ أرض الجنوب " .
رب العالمين . كما أنه لم يقم المسلمون بصنع عقيدتهم من بعد عهد النبوة والوحى ـ كما حدث فى المجامع المسيحية ـ ولكنها صنعت بيد الخالق سبحانه وتعالى كأوامر إلهية نزل بها الروح الأمين على قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسُجِّلت فوق صفحات القرآن الكريم .(1/67)
... ولغة الوحى المنزل هى هى اللغة المكتوب بها القرآن الكريم الذى بين أيدينا ، لسان عربىّ مبين . لم تتدخل اللغات الأجنبية لتحول بين القارىء الذى يعرف اللسان العربىّ وبين فهمه للقرآن الكريم . والقرآن الكريم وإن كان مكتوبا بلسان عربىّ مبين إلا أنه عالمى التوجيه والتشريع والسلطان .
وتبدأ عالمية الدعوة الإسلامية بداية من كلمة الإسلام ذاتها . حيث تعنى التوجه إلى رب العالمين فى خضوع لا يشوبه شرك ، وإيمان واثق بكل ما جاء من الله بأى لسان وفى أى مكان وفى أى زمان دون تمرد على حكمه ، ودون تمييز شخصى أو طائفى أوعنصرى بين كتاب وكتاب من كتبه ، أو بين رسول ورسول من رسله .
{ قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم . لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } ( 130 / البقرة ) .
فهل شاهدتم كيف يمكن للعالم كله أن ينتسب إلى كلمة مسلمون ..!؟ فمدلول الكلمة يتسع له الكون كله زمانا ومكانا .
... ومن الطبيعى أن تستوعب الرسالة الخاتمة أصول الرسالات السابقة وتتحدث عن أنبيائها ورجالها ونسائها . وتعد الإيمان بها أصلا مِن أصول الإيمان . فإن كان المسيحيون مؤمنين حقا بدين المسيح - عليه السلام - فهذا هو دينه وسبيله فليطيعوه ولا يظلموه ويتقوا الله فيه وفى أمِّه الطاهرة العفيفة الشريفة مريم عليها السلام .
... ومن عظمة هذا الدين فى فطرته ومن آياته فى سماحته أنه لا يكره أحدا على الدخول فيه ولا يأمر أهله إلا بالإحسان لمخالفيه ، فمن حقه أن يقابل إحسانه بإحسان وفضله بشكر وامتنان . وهو يبيح لأتباعه أن يلتقوا مع أهل الكتاب فى مصاهرة ونسب . وللزوجة أن تبقى على دينها بل وأن تذهب إلى كنيستها أو بيعتها فى حرية كاملة وبر مكفول .(1/68)
... وإذا تأملنا الإسلام وجدناه داعيا إلى العلم آمرا به . وأدركنا أن معجزته الباقية لم تعتمد على خوارق العادات ، وإنما اعتمدت على التأمل والفكر والنظر فى الكون الفسيح وتلك المعجزة وحدها أكبر برهان على عالمية الإسلام .
... ولن أتوسع فى ذكر عالمية الدعوة حيث كتب فيها من هم أفضل منى كثيرا من أهل الاختصاص من علماء الأمَّة الإسلامية سلفا وخلفا ، ولكنى سأذكر فقط ثلاث آيات قرآنية مما نزل مبكرا بمكة من قبل الهجرة وتكوين الدولة الاسلامية فى المدينة ، وبحدث واحد من أفعال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قام به عقب صلح الحديبية وقبل فتح مكة . أذكر ذلك لأبيِّن للقوم أنَّ عالمية الرسالة الإسلامية بدأت منذ أن بدأت دعوة الاسلام بمكة . وأنَّ رسالة الاسلام ودعوة النبىّ العربىّ - صلى الله عليه وسلم - لم تكن للعرب خاصة كما يزعم الزاعمون المنصفون ..!!
أولا : أول السور المكية وفق ترتيب المصحف الشريف هى سورة الأنعام . وقد ورد فى شأنها روايات تذكر أنَّ السورة قد نزلت كلها جملة واحدة . وتوقيت نزول سورة الأنعام كان فى العام السادس من البعثة أى فى العام الثالث من بدء الجهر بالدعوة بمكة . وقد جاء فى هذه السورة الآيات ( 19 ـ 21 ) الآتية : { قل أى شىء أكبر شهادة ، قل الله شهيد بينى وبينكم ، وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم ومن بلغ . أءِنكم لتشهدون أنَّ مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد . قل إنما هو إله واحد وإننى برىء مما تشركون . الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم . الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون . ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظلمون } .
ومعنى قوله تعالى { لأنذركم به ومن بلغ } أى من بلغه القرآن فقد أنذره محمد - صلى الله عليه وسلم - . فكل من بلغه هذا القرآن من الناس بلغة يفهمها ويحصل منها محتواه ، فقد قامت عليه الحجة به وبلغه الإنذار وحق عليه العذاب إن كذب بعد البلاغ .(1/69)
ثانيا : وثانى سورة مكية حسب ترتيب المصحف الشريف هى سورة الأعراف التى تلى سورة الأنعام مباشرة . جاء فيها { الذين يتبعون الرسول النبىّ الأمىّ الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل . يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم . فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون . قل يأيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعا الذى له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت . فآمنوا بالله ورسوله النبىّ الأمىّ الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون } ( الآيات 157 ـ 158 ) .
ثالثا : وجاء فى سورة سبأ المكية قوله تبارك وتعالى لنبيه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - { وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون } ( الآية رقم 28 ) .
يقول الكذابون المزورون للتاريخ الإسلامى من أهل الكتاب أنَّ محمدا - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يدور بخلده وهو فى مكة أن يمد بصره برسالته إلى غير أهلها ، وأنه إنما بدأ يفكر فى أن يتجاوز بها قريشا ، ثم يجاوز بها أهل الجزيرة العربية وما وراءها كل ذلك بعد أن أغراه النجاح الذى ساقته إليه الظروف ..!!
وكل ما قالوه سالفا كذب محض يتهاوى أمام الآيات القرآنية السابقة ومعرفة توقيت نزولها ، ولكن القوم ماضون فى كذبهم وزعمهم . فالرسالة قد وصلت للناس كافة وبين يديها البشارة والإنذار . البشارة للمؤمنين بحسن العاقبة وإنذار الجاحدين بسوء الخاتمة . فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .
رابعا : ونجد فى سيرته - صلى الله عليه وسلم - أنه بعد صلح الحديبية بين المسلمين وبين كفار مكة فى أوائل العام السادس الهجرى وقبل فتح مكة ، أنه - صلى الله عليه وسلم - قد قام بإيفاد رسل منه إلى ملوك ورؤساء العالم يدعوهم إلى الاسلام .(1/70)
فإلى هرقل الروم ذهب إليه الصحابى دحية بن خليفة الكلبى .
وإلى مقوقس مصر ذهب الصحابى حاطب بن أبى بلتعة .
وإلى كسرى الفرس ذهب الصحابى عبد الله بن حذافة السهمى .
وإلى نجاشى الحبشة ذهب الصحابى عمرو بن أمية الضمرى .
وإلى الحارث الغسانى حاكم دمشق ذهب الصحابى شجاع بن وهب الأسدى . وإلى غيرهم ذهب رسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ألا يدل ذلك على عالمية الدعوة الاسلامية ...؟؟
الحمد لله على اتمام الكتاب
اللهم تقبله منى خالصا لوجهك الكريم
وصلاة الله وسلامه على أشرف المرسلين(1/71)
فهَارس الكتاب
===============
معانى الاختصارات الأجنبية
أهم المراجع الأجنبية
أهم المراجع العربية
فهرس موضوعات الكتاب
قائمة بأسماء كتب المؤلف
معانى الاختصارات الأجنبية
==============
Interlinear Greek - English New Testament . ... IGENT
Revised Standard Version . ... RSV
New Revised Standard Version . ... NRSV
James Version . ... KJV
King James Version . ... NKJV
English Bible . ... NEB
Modern English . ... PME
International Version . ... NIV
Bible . ... JB
s English Version . ... TEV
American Standard Bible . ... NASB
أهم المراجع الأجنبية
=============
Eight Translation New Testament . ... 1 -
- King James version .
- Phillips Modern English .
- Rivesed standard version .
- The Jerusalem Bible .
- The living Bible .
- New international version .
- Todayْs English version .
- The New English Bible .
USA Tyndale House publishers Inc. (1985) .
The Hebrew - Greek . Key study Bible . ... 2 -
New American standerd Bible .
AMG publishers .(1990) USA .
The New King James Version . ... 3 -
USA ( 1997) .
New Revirsed Standard Version . ... 4 -
Zondervan publishers USA ( 1996 ) .
Interlinear Greek - English . New Testament . ... 5 -
By George Richer Berry - Baker House - USA (1994) .
Strongْs Exhaustive Concordance . ... 6 -
James H. strong - BAKER House . USA ( 1992) .
Thayerْs Greek - English Lexicon of the N/T . ... 7 -
Joseph H. thayer - Baker House . USA (1994) .
Gesenius Hebrew-Chaldee Lexicon to O/T . ... 8 -
H.W.F. Gesenius - Baker House . USA ( 1994 ) .
B.A.K.E.R. Encyclopaedia of the Bible . ... 9 -
BAKER book house . USA (1989) .
The International Standard Bible Encyclopaedia . ... 10
Grand Rapids , Michigon . USA (1992) .
New Bible Dictionary . ... 11(1/1)
Inter - varsity , Leicester , England (1985) .
Pictorial Bible dictionary . Merrill C. Tenney . ... 12
The Zondervan publishing house . USA (1994) .
Smithْs Bible Dictionary . ... 13
William Smith , LL.D. - Tove Book . USA ( 1982 ) .
The New Century Bible Commentary , USA ( 1987 ) ... 14
- The Gospel of Matthew ( David Hill ) .
- The Gospel of Mark ( Hugh Anderson ) .
- The Gospel of Luke ( E. Earle Ellis ) .
The Dead Sea Scrolls and the Bible . ... 15
Charlies F. Pfeiffer - Baker House USA ( 1994 ) .
The Dead Sea Scrolls today . ... 16
James C. Vanderkam - SPCK . USA ( 1996 ) .
The Dead Sea Scriptures . ... 17
Theodor H. Gaster . Anchor Books . USA ( 1976 )
The Sacred Name . ... 18
R.Clover .Qadesh La Yahweh Press .USA ( 1995 )
The Lost Books of The Bible ... 19
Gramercy Books . New York .
أهم المراجع العربية
============
1ـ ... الكتاب المقدس .
النسخة الوطنية المعتمدة فانديك ( AV ) .
جمعية الكتاب المقدس فى الشرق الأدنى . ط 1977.
النسخة المصرية البروتستانتية ( كتاب الحياة ) .
جى.سى.سنتر ـ مصر الجديدة ـ القاهرة . ط 1992.
نسخة الكاثوليك . دار الكتاب المقدس ـ لبنان . ط 1993.
طبعة الآباء اللبنانية . دار المشرق ش م م ـ بيروت ط 1991.
نسخة التفسير التطبيقى للعهد الجديد ( NAV ) ط بريطانيا 1986 .
2 ـ ... قاموس الكتاب المقدس . مجموعة من العلماء .
دار الثقافة بالقاهرة .
3 ـ ... فهرس الكتاب المقدس . دكتور / جورج بوست .
بدون .
4 ـ ... معجم اللاهوت الكتابى . الأب كنزافيه ليون دوفر اليسوعى .
دار المشرق ـ بيروت ط 1986
5 ـ ... شرح إنجيل لوقا ( 1 ، 2 ، 3 ) . الخورى بولس فغالى .
الرابطة الكتابية ـ بيروت ـ 1996 .
6 ـ ... شرح إنجيل يوحنا . دكتور قس / إبراهيم سعيد .
دار الثقافة ـ القاهرة .
7 ـ ... شرح إنجيل يوحنا . الأب / متىَّ المسكين .(1/2)
مطبعة دير الأنبا مقار .
8 ـ ... القديس بولس . الأب / متىَّ المسكين .
مطبعة دير الأنبا مقار .
9 ـ ... يسوع المسيح ربنا . جون ف . والفورد ـ ترجمة حزقيال بسطورس .
دار الثقافة ـ القاهرة
10 ـ ... يسوع المسيح فى تقليد الكنيسة . فاضل سيدراوس .
دار المشرق ش.م.م. ـ بيروت ( ط 1992 ) .
11 ـ ... من هو يسوع المسيح . دكتور قس / صموئيل مشرقى .
الكنيسة المركزية لمجمع الله الخمسينى بشبرا .
12 ـ ... أديان العرب قبل الإسلام . الأب جرجس داود .
المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ـ بيروت ط 1988 .
13 ـ ... المسيح . المستشار / زكى شنودة ز
مكتبة المحبة ـ القاهرة .
14 ـ ... رسالة فى اللاهوت والسياسة . سبينوزا ـ ترجمة د/ حسن حفنى .
دار الطليعة ـ بيروت .
15 ـ ... إنجيل برنابا . ترجمة الدكتور خليل سعادة .
مكتبة و مطبعة محمد على صبيح ـ القاهرة ط 1958
16 ـ ... محمد - صلى الله عليه وسلم - كما ورد فى كتاب اليهود والنصارى . عبد الأحد داود .
دار أبو القاسم للنشر والتوزيع ـ جدة ط 1414 هـ
17 ـ ... تاج العروس من جواهر القاموس . محمد مرتضى الزبيدى .
دار مكتبة الحياة . بيروت .
فهرس موضوعات الكتاب
==============
أهم الموضوعات ... الصفحة
شكر وتقدير ............................................................. ... 4
فاتحة هذا الكتاب ....................................................... ... 5
توطئة لأبحاث هذا الكتاب ............................................. ... 13
لغة يهود فلسطين فى عصر المسيح - عليه السلام - .......................... ... 13
أولا : شهادة المسيحيين الأوائل ................................. ... 16
ثانيا : شهادة اليهود الأوائل ....................................... ... 17
.. يوسف بن متى ( يوسيفوس ) .......................... ... 17
.. كتبة التلمود اليهودى .................................... ... 17
ثالثا : شهادة نصوص أسفار العهد الجديد ..................... ... 18
..(1/3)
جهل تلاميذ المسيح - عليه السلام - باليونانية .................... ... 20
.. أمثلة من أقوال المسيح - عليه السلام - ............................ ... 20
.. حتى بولس ..!! ........................................... ... 21
.. وأخيرا ..................................................... ... 22
.. القسم الأول ..
المبحث الأول : ... 23
اسم الجلالة الله
يا الله إلى متى يُعَيِّرُنا الخصم ..!؟ .................................. ... 25
أولا .. اليهود واسم الله تعالى ................................. ... 26
ثانيا .. المسيح واسم الله تعالى ................................ ... 32
ثالثا .. تلاميذ المسيح واسم الله تعالى ........................ ... 37
رابعا .. الأتباع اليونان وجهلهم باسم الله .................... ... 39
إسم واحد أم أسماء حُسنى ..!؟ ........................................ ... 43
أهمية اسم الله فى كتب العهد الجديد .................................. ... 47
اسم الله تعالى فى الكتاب ـ المقدس ـ .................................. ... 52
موقف علماء المسيحية من اسم الله تعالى ............................ ... 57
القادم باسم الله تعالى ..................................................... ... 63
المبحث الثانى :
المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام -
فاتحة هذه الدراسة ...................................................... ... 71
أولا : مبحث المسيح ... 76
تمهيد : .................................................................... ... 76
ـ الخلفية الدينية والتاريخية ............................................ ... 77
ـ مسح عادة ...................................................... ... 77
ـ مسح عبادة ..................................................... ... 77
ـ الخلفية اللغوية ......................................................... ... 79(1/4)
أولا : معنى كلمة مسيح فى اللغة العبرية ....................... ... 79
ثانيا : معنى كلمة مسيح فى اللغة اليونانية ...................... ... 81
ثالثا : استكمالا للفائدة .............................................. ... 82
معنى كلمة مسيح فى اللسان العربى .................................. ... 86
قراءة جديدة لمعجزات المسيح - عليه السلام - الشفائية ........................ ... 91
تعقيب على المعنى الجديد لكلمة ( مسيح ) .......................... ... 103
الاسم الوظيفى لإبن مريم - عليه السلام - ........................................ ... 104
مَن يسبق مَن .. المسيح أم عيسى ..!؟ ............................... ... 107
أولا : الصيغة .. عيسى مسيح ................................. ... 108
ثانيا : الصيغة .. عيسى المسيح ................................. ... 110
ثالثا : الصيغة .. مسيح عيسى .................................. ... 113
رابعا : الصيغة .. المسيح عيسى ................................. ... 117
متى أصبح يسوع مسيحا ..!؟ ......................................... ... 120
ملاحظات هامة من صلب العقيدة المسيحية ......................... ... 125
ثانيا : مبحث عيسى
فاتحة هذا البحث ......................................................... ... 127
اسم المسيح - عليه السلام - فى الأصول اليونانية ............................... ... 129
أولا : الصيغة ( إيسون ) .......................................... ... 129
ثانيا : الصيغة ( إيسوس ) ......................................... ... 132
ثالثا : الصيغة ( إيسوى ) .......................................... ... 133
زيادة إيضاح .............................................................. ... 136
المثال الأول ( عيسو ) ............................................. ... 136(1/5)
المثال الثانى ( يشوع ) ............................................. ... 141
المثال الثالث ( هللو يا ) ........................................... ... 142
أهمية اسم المسيح - عليه السلام - .................................................. ... 144
مع الاسم يسوع وشرح معناه .......................................... ... 148
مع كلمة يسوع فى العربية .............................................. ... 151
بين السين العربية والشين العبرية ................................ ... 154
مع الاسم جيسس ( Jesus ) الإنجليزى .............................. ... 157
وهناك محاولة أخرى ..!! ......................................... ... 161
والخلاصة ..!! ...................................................... ... 162
مع الاسم العربى الآرامى عيسى ...................................... ... 163
ثالثا : مبحث ابن مريم
فاتحة هذا البحث ......................................................... ... 167
معنى الاسم مريم وصوره اللغوية .................................... ... 170
تأصيل الاسم مريم فى اللسان العربى ................................ ... 172
الخلاصة فى صيغ الاسم مريم ........................................ ... 174
مع كلمة ابن ومعانيها فى الآرامية .................................... ... 176
موقف القرآن مِن صيغ اسم المسيح المختلفة ........................ ... 181
المبحث الثالث :
الإنجيل
فاتحة هذا البحث ......................................................... ... 191
الإنجيل فى الأصول اليونانية .......................................... ... 196
أنواع الأناجيل فى كتب ورسائل العهد الجديد ....................... ... 201
أولا : أناجيل قبل بعثة المسيح - عليه السلام - .............................. ... 201
أناجيل إبراهيم وموسى عليهما السلام ................... ... 201(1/6)
ثانيا : إنجيل أثناء بعثة المسيح - عليه السلام - ............................. ... 205
ثالثا : الإنجيل الخالد المحفوظ ( القرآن الكريم ) .............. ... 212
استدراك حول إنجيل الملكوت ............................ ... 216
رابعا : أناجيل المنتسبين إلى المسيح - عليه السلام - ...................... ... 219
إنجيل بولس والأناجيل الأخرى ......................... ... 219
إنجيل بولس ................................................ ... 222
مفارقة إنجيل بولس لإنجيل المسيح - عليه السلام - ................ ... 225
إنجيل برنابا وما جاء فيه عن إنجيل المسيح - عليه السلام - ..... ... 231
خلاصة ما سبق بحثه ................................................... ... 234
قصة الإنجيل المفقود ( Q ) ........................................... ... 236
كلمة إنجيل فى معاجم اللغة العربية ................................... ... 240
تأصيل كلمة إنجيل فى اللسان العربى ومعناها الجديد ............. ... 243
المبحث الرابع :
اسم دين المسيح - عليه السلام -
فاتحة هذا البحث ......................................................... ... 253
بداية البحث ............................................................... ... 255
كلمة ريليجون ( religion ) ومعناها فى المراجع المسيحية .... ... 258
كلمة دين ومعناها فى العربية والآرامية ............................. ... 260
كلمة دين ومشتقاتها فى الكتاب المقدَّس .............................. ... 261
كلمة الدين فى المزمور ( 76 : 8 ) ................................. ... 262
كلمة الدين فى سفر دانيال ( 7 : 10 ) .............................. ... 263
كلمة الدين فى المزمور ( 1 : 5 ) ................................... ... 263
الإسلام دين جميع الأنبياء ............................................. ... 264(1/7)
هل كلمة اليهود تشير إلى اسم دين ..!؟ .............................. ... 263
معنى كلمة يهود وأصلها الكتابى ...................................... ... 267
متى وُجِدَت الديانة اليهودية ..!؟ ...................................... ... 268
ومتى وُجِدَت الديانة المسيحية ..!؟ ................................... ... 269
الدين الذى نادى به يَحْيَى بن زكريا وعيسى ابن مريم ............ ... 270
الإسلام الأولى ( pre-Islamic ) فى المراجع المسيحية ........ ... 271
خاتمة البحث ............................................................. ... 275
.. القسم الثانى ..
المبحث الأول :
أصول رسالة المسيح - عليه السلام -
فاتحة هذا البحث ......................................................... ... 279
أصول رسالة المسيح كما وردت فى أقواله - عليه السلام - ................... ... 284
الأصل الأول ........................................................ ... 284
الأصل الثانى ........................................................ ... 289
الأصل الثالث ........................................................ ... 290
الأصل الرابع ........................................................ ... 291
الأصل الخامس .................................................... ... 292
الأصول الخمسة والواقع المُحزِن ..................................... ... 293
إستدراك أول ........................................................ ... 294
إستدراك ثانى ....................................................... ... 295
رسالة المسيح - عليه السلام - كما وردت فى أقوال كبير تلامذته ............ ... 296
أولا : هناك رسالة من الرب إلى بنى إسرائيل ................. ... 297
ثانيا : عنوان الرسالة ............................................... ... 297(1/8)
ثالثا : المُوَصِّل لهذه الرسالة ...................................... ... 301
المبحث الثانى :
الملكوت وانتقال الرسالة إلى الأمَّة العربية
فاتحة هذا البحث والمعنى الجديد لكلمة ملكوت الآرامية ........... ... 306
معنى كلمة ملكوت فى اللسان العربى ................................ ... 312
الملكوت ومعانيه المتعددة فى أقوال المسيح - عليه السلام - ................... ... 314
أولا : ملكوت الله بمعنى جنة الله ................................. ... 315
ثانيا : ملكوت الله بمعنى الملأ الأعلى ........................... ... 316
ثالثا : ملكوت الله بمعنى عجائب الله فى الكون ................ ... 318
رابعا : ملكوت الله بمعنى كتاب الله .............................. ... 319
خامسا : ملكوت الله بمعنى دين الله .............................. ... 320
سادسا : معان أخرى للملكوت .................................... ... 322
وفى الختام ................................................................ ... 322
معنى الملكوت عند بولس الطرسوسى ............................... ... 326
معنى الملكوت عند الكنيسة ............................................ ... 228
انتقال الملكوت إلى الأمَّة العربية
انتقال الرسالة من بنى إسرائيل إلى الأمَّة العربية .................. ... 330
أولا : شهادة كليم الله موسى - عليه السلام - ................................ ... 331
ثانيا : شهادة نبىّ الله أشعياء - عليه السلام - ................................ ... 336
ثالثا : شهادة كلمة الله المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام - ............ ... 338
وهكذا يصير الآخرون أولين والأولون آخرين ..................... ... 344
هل كانت رسالة المسيح - عليه السلام - عالمية أم محلية ..!؟ ................ ... 352
والآن ...................................................................... ... 363(1/9)
عالمية الرسالة الإسلامية .............................................. ... 366
فهارس الكتاب وأهم المراجع المستخدمة ............................ ... 367
قائمة بأسماء كتب المؤلف
==============
مسلسل ... أولا : دراسات فى المسيحية
1 ـ ... الإنجيل كتاب أم بشارة ..!؟
2 ـ ... عيسى أم يسوع ..؟
3 ـ ... المسيح الهارونى أم المسيح الداودى ..!؟
4 ـ ... المسيح والمِسِّيَّا .
5 ـ ... المسيح إله أم نبىّ ..!؟
6 ـ ... التوراه مصرية .
7 ـ ... تابوت يهوه .
8 ـ ... يسوع النصرانى مسيح بولس .
9 ـ ... نبىّ أرض الجنوب .
10 ـ ... كلمة التوحيد فى الأصول المسيحية .
11 ـ ... سنوات الصمت ( موسوعة سيرة المسيح - عليه السلام - ) .
12 ـ ... معالم أساسية فى الديانة المسيحية .
13 ـ ... قضايا فى الإسلام والمسيحية ( ثلاثة أجزاء ) ..!!
14 ـ ... يَحْيَى أم يوحَنَّا ..!!؟
15 ـ ... الرَّد الوجيز على القِسّ فريز .
16 ـ ... المؤَيَّد القرآنىّ والبارقليط الإنجيلى .
17 ـ ... اسم الدين الذى جاء به المسيح - عليه السلام - .
18 ـ ... مَن قتل يسوع ..!!؟
19 ـ ... أسرار الكنيسة السبعة .
20 ـ ... زواج يسوع ..!!
21 ـ ... ولكن شبِّه لهم .
ثانيا : دراسات فى الإسلام
22 ـ ... هذا عطاؤنا فى الرضاع .
23 ـ ... العشرة المبشرون بالجنة .
24 ـ ... أهل الصُّفَّة .
25 ـ ... أصحاب الكهف والرقيم .
26 ـ ... ذو القرنين ويأجوج ومأجوج .
27 ـ ... يا ليت قومى يعلمون ..!؟
28 ـ ... كشف النقاب عن مزاعم عبد الوهاب .
29 ـ ... الخطاب الدينى والتيَّارات الثقافية المعاصرة .(1/10)