كشف التلبيس والكذب
في قول الصوفية لا يوجد شرك في جزيرة العرب
تأليف فضيلة الشيخ:
أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري
حفظه الله تعالى
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}[النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}[الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة في النار.
أيها الناس: يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}[النساء:36].
ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}[الأنعام:151].(1/1)
ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: 21-22].
في هذه الآيات، بيان حق لله سبحانه وتعالى وهو توحيده، فهو أعظم حق لله على عبيده، وخلقهم من أجله، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[الذريات: 56-58].
و هذا أمر شامل لسائر المخلوقين من الجن والإنس، يجب أن يعبدوه لا يشركوا به شيئاً.
قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}[النور:55].
فهذا موعود كل من عبد الله لا يشرك به شيئاً، وقال سبحانه وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].(1/2)
وقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } [الأعراف:55-56] والقرآن كله من أوله إلى آخره توحيد، ومدح أهل التوحيد، وبيان ما أعد الله لأهل التوحيد، وذم الشرك، وأفعال المشركين، وأقوالهم البائرة، وبيان ما أعد الله للكافرين والمشركين، فمن قال في هذه الأزمنة أو غيرها: إنه لا يوجد شرك في الأرض، فإن مؤدى كلامه هذا أن القرآن ليس بحق، أو أن القرآن كله منسوخ، أو أن القرآن يصلح لزمن دون آخر، أو أن القرآن ليس لهذه الأمة ولسائر الأمم والله عزوجل يقول: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[الأنعام:19].
فهذه كلمة خطيرة، ترد على رب العالمين، وعلى رسوله الأمين، ويا لها من كلمة يددن بها أناس يدعون الإسلام، أنه لا يوجد شرك في هذه الأزمنة بعد موت رسول الله ?، انتهى الشرك من جزيرة العرب!.(1/3)
هكذا يقولون: واسمع إلى أدلة من كتاب الله، وسنة رسول الله ?، وكتاب الله، وسنة رسول الله ?، رد على كل من ضل من أهل الهوى في سائر الملل والنحل، قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً}[آل عمران:64]، فالكفار مشركون لهذه الآية، كل اليهود والنصارى مشركون بالله، سواء وجدوا في جزيرة العرب، أو في غير جزيرة العرب، وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[التوبة: 30-31].
فأبان الله أنهم مشركون، والله سبحانه يقول في كتابه الكريم: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً}[النساء:48]، وفي الآية الأخرى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً}[النساء:116].
وأن أعظم الذنوب وأكبرها هو الشرك بالله، فمن زعم أنه لا يوجد شرك في الأرض فقد رد هذه الأدلة، في أي زمن من الأزمنة، فإنه ما من نبي بعثه الله ولا رسول أرسله الله إلا ويدعو قومه إلى توحيد الله عز وجل، ويحذرهم من الشرك به، ومن الخلل في حق من حقوق الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:36].(1/4)
أهذا الأمر فقط في زمن الأنبياء؟، أو في حياة الأنبياء؟، أم ما دامت السموات والأرض!، إن الله لا يرضى أن يشرك به في الأرض ولا في السماء، دين الله سبحانه وتعالى واحد، يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}[المائدة:72].
هذا كلام خطير، ومعتقدٌ صاحبه كذاب ومبير، ففي «الصحيحين» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي ? قال: »اجتنوا السبع الموبقات«، هذا الأمر لأمته في حياته وبعد موته، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وبدأ بالشرك بالله فقال: »الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله، وعقوق الوالدين، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات«.
فأول ما ذكر رسول الله ? الشرك بالله، وحذرهم منه، لأن الله يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82]، فسائر المفسرين يفسرون الظلم هنا بالشرك بالله، كما ثبت الحديث بذلك، عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنهم قالوا لرسول الله ?: أينا لا يظلم نفسه يا رسول الله؟، قال: »ألم تقرءوا ما قال الله عز وجل عن لقمان: {إن الشرك لظلم عظيم}«.
ففسر رسول الله ? الظلم هنا بالشرك، وكل من آمن ولم يشرك بالله عز وجل، فهو آمن، فمعنى ذلك أن من آمن وألبس إيمانه بشركٍ فليس بآمن من عذاب الله، وأنه إن آمن ولم يلبس إيمانه بشرك فهو آمن.
بل نبي الله إبراهيم عليه السلام خاف على نفسه، وعلى بنيه من الشرك، وهؤلاء الضلال، ضلال الصوفية يقولون: إن الشرك قد انتهى، ولا يخافون على أنفسهم!.(1/5)
قال الله تعالى: مخبرًا عن نبي الله إبراهيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[إبراهيم:36].
ورسول الله ? يقول عند موته: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا لَعَنَ اللَّهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ».
ويقول: «إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ؛ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ».
ويقول: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»؛ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا، كل ذلك يخاف على أمته من الشرك وذرئعه.
وهكذا سأله رجل فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُوجِبَتَانِ؟ فَقَالَ: «مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ».
كما روى الإمام مسلم في «صحيحه» عن جابر رضي الله عنه.(1/6)
وفي «الصحيحين» من حديث معاذ، وجاء عن أنس رضي الله عنهما أن النبي ? قال لمعاذ: »يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ؟» قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ؟» قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ».
وعلى قول الصوفية: بعد موت النبي ? انتهى هذا الحق لله عزوجل من جزيرة العرب!.
إن هذه الأقوال من الصوفية: أنه انتهى الشرك من جزيرة العرب، معناها: أن الشفاعة حاصلة لكل من أشرك بالله سبحانه وتعالى، والنبي ? سئل: أي الناس أسعد بشفاعتك يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: »من مات لا يشرك بالله شيئاً«، والله تعالى يقول: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ}[غافر:18]، ومعنى الظلم هنا: الشرك.
فالصوفية بين قولين، أحلاهما مر: إما أن ينفوا أدلة الشفاعة، وإما أن يقولوا: بأن الشفاعة حاصلة للمشركين، ويعارضوا القرآن والسنة.
الشرك محبط للأعمال، وقد قال الله لنبيه ?: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[الزمر: 65-66]، يوجه الله الخطاب، لأجل خلقه، وأفضل خلقه، فهل هؤلاء يسلمون من هذا الخطاب ولا يشملهم؟، ويقولون: انتهى الشرك من الأرض، ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في سورة الأنعام بعد أن ذكر عدداً من الأنبياء، قال: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام:88].(1/7)
هذا حق خالص لله، حق لله سبحانه وتعالى، خلق البرية من أجله، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}[صّ:27]، وقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ}[الأنبياء:16]، وقال: {مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ}[الدخان:39].
هذا الحق العظيم لله سبحانه وتعالى، يعتدى عليه، ويغرر بالجهال، ويغرر بالأغبياء، من عباد الله المسلمين، أن هذا الحق قد انتهى، وأنه ما بقي شرك، وترد هذه الأدلة، والنبي ? يقول كما ثبت عنه في حديث ابن عمر: »بعثت والسيف بين يدي الساعة، حتى يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم«.
جاهد رسول الله ? المشركين جهاداً كبيراً، وهؤلاء يعيدون الوثنية، والنبي ? يقول: »اغزوا باسم الله، جاهدوا من كفر بالله«.(1/8)
إن هذه المقولة فيها تعطيل لجهاد المرتدين، وقد جاهدهم أبو بكر الصديق، ففي «الصحيحين» من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ?، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ?: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ، وَنَفْسَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ» فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ؛ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ? لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ، وأجمع الصحابة على ذلك، وقاتل الصحابة مسيلمة الكذاب ومن معه، وأجمع الصحابة على جهادهم.
وفيها تعطيل لتعلم توحيد الله سبحانه وتعالى؛ فإذا كان لا يوجد شرك، فتلك الكتب التي في التوحيد والعقيدة الصحيحة وجودها عبث! لا يحتاج لها؛ لأن الشرك غير موجود في جزيرة العرب حتى يحذره الناس، أعظم حق لله إذا عطل عندهم في هذه الأزمنة، فما دون ذلك من باب أولى أن يعطّل.(1/9)
روى الإمام مسلم في «صحيحه»، من حديث أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي ? قال: فيما يروي عن ربه عز وجل: »من جاء بالحسنة فله عشر أو أزيّد- في رواية: أزِيد- ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها، أو أغفر، ومن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن أتاني بقراب الأرض خطايا لا يشرك بي شيئاً، أتيته بقرابها مغفرة«.
هذا الخطاب خاص فقط بمن في زمن رسول الله ?!! أم هو إلى قيام الساعة؟، »لا تزال طائفة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم إلى قيام الساعة«.
وجاء بنحوه من حديث أنس بن مالك، عند الإمام الترمذي وغيره: »يا ابن آدم أنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً إلا أتيتك بقرابها مغفرة«.
وفي «الصحيحين» من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن النبي ? قال: »من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل«.
هذا دليل على من آمن بالحقوق لله سبحانه وتعالى التي آبانها في كتابه، ومن أعظم تلك الحقوق توحيد الله؛ دخل الجنة، أما من أنكر ذلك فالويل له؛ إن لم يتب إلى الله عز وجل.
إن الله سبحانه وتعالى قد أرسل رسله، وأنزل كتبه، لبيان حقوق الله سبحانه وتعالى، قال عزوجل: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[المؤمنون:117]، وهذا لفظ يقتضي العموم، في كل زمان، وفي كل ملة، وفي كل عصر، وفي كل موطن، وفي كل حين، فمن الذي خصص هذه الأدلة بزمن دون زمن؟!.(1/10)
ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}[الحج:73].
وفي حديث الحارث الأشعري عند الإمام أحمد وغيره، أن النبي ? قال: »إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، أَنْ يَعْمَلَ بِهَن، وَيَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَن، وَإِنَّهُ كَادَ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا، فَقَالَ عِيسَى: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، لِتَعْمَلَ بِهَا، وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، فَإِمَّا أَنْ تَأْمُرَهُمْ، وَإِمَّا أَنْ آمُرَهُمْ، فَقَالَ يَحْيَى: أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي بِهَا أَنْ يُخْسَفَ بِي أَوْ أُعَذَّبَ، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَامْتَلَأَ الْمَسْجِدُ، وَتَعَدَّوْا عَلَى الشُّرَفِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ، أَوَّلُهُنَّ: أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا؛ وَإِنَّ مَثَلَ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ: كَمَثَلِ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ، فَقَالَ: هَذِهِ دَارِي، وَهَذَا عَمَلِي، فَاعْمَلْ وَأَدِّ إِلَيَّ، فَكَانَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ، فَأَيُّكُمْ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ؟...»، انظر إلى هذا المثل العظيم في هذا الحديث العظيم.(1/11)
الله سبحانه لا يرضى أن يشرك به شيئاً في أي زمان، فهو القائل كما ف حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ? فيما يرويه عن ربه عز وجل: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركته».
وقال ?: »يا رويفع لعل الحياة ستطول بك، فأخبر الناس: أن من تقلد وتراً»، -كان الجاهلية يتقلدون الأوتار للبركة، وهذا نوع من الشرك- «أو استنجى برجيع أو عظم، أو عقد لحيته فإن محمداً بريء منه«، والحديث صحيح عن النبي ? في «مسند الإمام أحمد» وغيره.
وابن مسعود رأى على يد امرأة خيطاً وحلقة، فنزع ذلك الخيط نزعاً شديداً، وقال: إن آل عبد الله أغنياء عن الشرك، سمعت النبي ? يقول: »إن الرقى والتمائم والتولة من الشرك«، وهو حديث صحيح، عند أبي داود والحاكم وغيرهما، فأبان أن ذلك من الشرك، وهذا في زمن النبي ?، وبعد موت النبي ?، وفي سائر الأزمان.
ورسول الله ? رأى رجلاً معلقاً تميمةً فأمسك عن مبايعته، حتى نزع تلك التميمة، ثم بايعه رسول الله ?.
وفي «صحيح مسلم» من حديث ثوبان بن جندب خادم رسول الله ?: أن النبي ? قال: »لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالأوثان«، يعبدون الأوثان، ويلحقون بالمشركين.
وفي «صحيح البخاري» من حديث أنس: أن النبي ? قال: «لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم«، وثبت عن النبي ? أنه قال: »لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق«.
وهل هناك أشر من الشرك بالله تعالى، دل على أن الساعة تقوم على مشركين، على عبدة أوثان، على شرار الخلق.
وثبت من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي ? قال: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد».(1/12)
وفي «الصحيح» أن النبي ? قال: «لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة»، فدل هذا على أن الشرك يزداد من حين إلى آخر، حتى لا تقوم الساعة إلا على هذه الأصناف من المشركين، وقال عليه الصلاة والسلام لابن عباس: »أحفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله« الحديث، وهذه الوصية لابن عباس ولغيره في حياة النبي ? وبعد موته.
وفي «الصحيحين» من حديث أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه: لما سأله هرقل ما يأمركم؟ قال: يقول: »اعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آبائكم، يأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف، والصلة«.
هذا أمر من الله سبحانه وتعالى لنبيه، ولسائر الأنبياء أن يأمروا قومهم بذلك، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:25] ، وقال تعالى: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأحقاف:21].
فإن من أشرك ومات على شركه هو للنار وبئس القرار، وحديث: »أنتِ النار عذابي أعذب بك من أشاء، وأنت الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، ولكليكما عليّ ملئها»، وهذا الحديث مبيناً بالأدلة التي فيها مستحق النار، والأدلة التي فيها مستحق الجنة؛ كقول الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}[المائدة:72].(1/13)
أما شبهتهم في حديث جابر: »إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن بالتحريش بينهم«، أخرجه مسلم، فهذا الحديث يا بلداء الصوفية، إليكم كلام أهل العلم، على معناه، يقول أهل العلم: إن الشيطان قد يئس من رحمة الله، فليس بيأس الشيطان مبالاة، ولا يأبه به، ولا يبنى عليه حكمٌ، هذا قول.
القول الثاني: »إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب«، لا يمكن أن يجتمع المصلون في جزيرة العرب على عبادة غير الله، فإن هناك طائفة من أهل العلم، ومن أهل الحق، »لا تزال طائفة على الحق ظاهرين«، فلا يجتمع أبداً في جزيرة العرب على الشرك، بعد بعثة رسول الله ?، ولا تكون جاهلية مطلقة في جزيرة العرب بعد بعثة رسول الله ?، وأنه يوجد المشرك، ويوجد المرتد، ويوجد الكافر، ويوجد الزنديق، ويوجد المنافق، ولكن لا تجتمع الأمة على ذلك البتة؛ فإن الله حافظ دينه، برجال صالحين، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:9].
المعنى الثالث: أن المصلين الذين تصح صلاتهم، وتقبل صلاتهم، تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}[العنكبوت:45]، فدل على أن المشرك محبوط العمل، وصلاته لا تنهاه، وليس بمصلٍ، ولا يدخل تحت هذا الحديث، الذي فيه: أن النبي ? يقول: »إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون«، أي: المصلون الذين صلاتهم مقبولة صحيحة، أما المشرك فمحبوط العمل، قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65]، وقال: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23].(1/14)
وقال: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ}[إبراهيم:18].
ونظير حديث جابر حديث عقبة في «صحيح مسلم» أن النبي ? قال: «وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَتَنَافَسُوا فِيهَا»، وتوجيهه نفس توجيه هذا الحديث، ولهذا أتي هؤلاء القوم مع ما في قلوبهم من الزيغ، أتوا من سوء الفهم، قال الله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[الصف:5].
الخطبة الثانية
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ?.
أما بعد:
فسبق أن قيل: إن هذه المقولة ترد القرآن والسنة، وأيضًا ترد فهم السلف جميعاً، فأبو بكر وسائر الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً، قاتل الذين تبعوا الأوثان، هل قاتلوا مسلمين؟، أبداً، ولكن قاتلوا المرتدين والمشركين.
قول هؤلاء الضلال يرد قول الصحابة وإجماعهم، الذي أجمعوا عليه، ومعناه: أنه ما في شرك، وأن أبا بكر وأصحاب رسول الله ? جميعاً قاتلوا مسلمين، ما قاتلوا مشركين، ما قاتلوا مرتدين، ما قاتلوا كفاراً!.
والنبي ? يقول: »إنكم تشركون إنكم تنددون، تقولون: والكعبة، وتقولون: ومحمد«، وهؤلاء ينددون، وأحدهم يقول:
إذا كنت في هم وغم وكربة ... فادعني يا مرغمي أجيبك بسرعة(1/15)
ومعنى ذلك: أنه يجيب المضطر إذا دعاه، وعندهم أيضاً الأقطاب والأوتاد والغوث، أقطاب خمسة يمسكون الكون، والأوتاد أربعة يمسكون الكون، فيدعون مباشرة الأقطاب، إذا أصيب بغم أو بهم، أو بكربة، أو بشدة، دعا غير الله عز وجل، هذا تنديد وشرك أكبر، فكيف هذا الكذب أن يقال: ما في شرك في الأرض، وهم أنفسهم يزاولون الشرك بالله، هم والرافضة عليهم من الله ما يستحقون، وإذا عجز عن ذلك قال: يا غوث.
وبعد هذا: فإن الدراسة عندهم لا تجوز؛ لأن معناه إلقاء الناس إلى هلكة الشرك بالله، وهو ظلم عظيم، وتنديد لله سبحانه وتعالى.
فكيف يلقى بالناس إلى جامعة الأحقاف؟، وكيف يلقى بالناس إلى كلية مرعي بالحديدة؟، وكيف يلقى بالناس إلى هذه الأماكن التي تدرس التنديد بالله، وتقول: ما في شرك في الأرض؟!.
هذا مقرر عليهم في معتقداتهم، فلا يخرج أحدٌ من تلك الأماكن على توحيد الله، وإنما يخرج على هذا الفهم الوثني البطال، الفهم السيئ لدين الله الحق، ويخرج وهو يدعو غير الله، ويخرج وهو ينذر لغير الله، والنذر لغير الله شرك، ويخرج وهو يذبح لغير الله، وقد روى الإمام مسلم في «صحيحة» من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن النبي ? قال: »لعن الله من ذبح لغير الله«.
هذا اللعن فقط خاص بزمن دون زمن، أم هو على مر التاريخ، على مر الأزمان؟ مدة ما يكون الإنسان حياً لا يجوز له أن يذبح، ولا أن ينذر لغير الله عز وجل، «لعن الله من ذبح لغير الله»، يخرجون يرهبون من الأولياء، ويخافون من دون الله سبحانه وتعالى، والله عز وجل يقول: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:175].(1/16)
وإذا ذهب إلى الولي ينحني على ظهره، ويقول: جاءك فلان، راغبًا راهبًا خاشعًا، فلا يرجع من عندك خائبًا، والله كأنه في زمن شرك قريش وأشد في ذلك الزمن، وهو يقرأ القرآن، ولا يفهمه ولا يتدبره، ولا يعمل به، كأن الله قد طبع على قلوبهم، القرآن إنما يستفيد منه من كان من أهله، من كان من العاملين به، قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:24]، وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}[النساء:82].
ويقول الله سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9].
فما لهؤلاء القوم لا يهتدون به، لا بالقرآن، ولا بالسنة، ونسأل السلامة والعافية مما يعفلون، ويقولون، وحسبنا الله ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين.
أسئلة وأجوبة ملحقة بما مضى كانت بين مغرب وعشاء بعنوان:
الأجوبة السنية وكشف أباطيل الصوفية
السؤال (1): ما حكم المذهبية، وهل يلزم الأخذ بمذهب الشافعي؛ كما يقول بعض الصوفية عندنا مع الدليل؟
الجواب: قد تعبدنا الله سبحانه وتعالى بكتابه، وبإتباع سنة نبيه ? فقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}[المائدة:3].
وقال: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [لأعراف:3] .
وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36].(1/17)
وقال: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] .
وقال: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}[الشورى:10].
وقال سبحانه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[النساء:59].
وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:21].
وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31] فكتاب وسنة على فهم السلف رضوان الله عليهم، ولا يلتزم أحدٌ بتقليد أحدٍ من الناس، كائناً من كان؛ فإن الله تعبدنا بكتابه وسنة رسوله ?، وهم أنفسهم أئمة المذاهب لا يرضون لأحد أن يقلدهم.
فالشافعي رحمة الله عليه يقول: (إذا قلت قولاً يخالف حديث رسول الله ?، فاعلموا أن عقلي قد ذهب).
ويقول: (إذا قلت قولاً خالف حديث رسول الله ? فاعلموا أني راجع عنه في حياتي وبعد موتي).
وقال له رجل: أصح هذا الحديث؟ قال: نعم، قال: أتقول به؟ فتغير وجه الشافعي رحمة الله عليه، ثم قال: أترى على وسطي زناراً، أم تراني أعبد كنيسة؟!، أقول: صح الحديث وتقول: تعمل به!، كيف لا أعمل به بعد أن ثبت عن رسول الله ?؟!، فهذه بعض أقوال الإمام الشافعي.
والإمام مالك أيضاً قال: (كل يؤخذ من قوله ويرد، إلا رسول الله ?)، وفي رواية: (إلا صاحب هذا القبر)، وأشار إلى قبر رسول الله ?.
وأبو حنيفة يقول: (لا يحل لأحدٍ أن يأخذ أو يقول عنا ما لم يعلم من أين أخذنا).
وقال الإمام أحمد رحمه الله: (لا تقلدني ولا تقلد مالكاً، ولا الشافعي، وخذوا من حيث أخذنا.(1/18)
وقد ألف أهل العلم كُتباً مستقلة في التحذير من تقليد الأئمة، فإن ذلك قد أدى بهم إلى الفرقة، والتنافر، وأدى فيهم إلى البغضاء والشحناء، وأدى في الناس إلى التعصب الشديد، حتى إن منهم من يرى أن يكذب على المذهب الآخر، وممكن أن يؤول بعض الأدلة، من أجل نصرة مذهبه.
فالشوكاني قد ألف «القول المفيد في أدلة الاجتهاد وتحريم التقليد».
والمعصومي قد ألف رسالة، أبان فيها أن بعض مسلمي اليونان، كان السبب الذي أبعدهم عن الإسلام هو التقليد، وكل يأتي ويقول لهم قولاً، يوافق مذهبه، فشتتوهم؛ حتى زهدوهم في دين الإسلام، والفلاني كذلك كما في «إيقاظ همم أولي الأبصار»، ذكر كلاماً طيباً في تلك الرسالة المفيدة، وقد حققها الشيخ سليم وفقه الله.
وحسين بن مهدي النعمي، وكذا ابن القيم في «إعلام الموقعين»، وابن حزم في «إحكام الأحكام»، وشيخنا العلامة الوادعي، والعلامة الألباني، ومن جرى مجراهم، كلهم ينكرون على من قلد في دينه، وعلى ذلك قوله الله سبحانه وتعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}[البقرة: 166-167].(1/19)
وقال سبحانه: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً * إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً}[الأحزاب: 63-68].
ويقول سبحانه وتعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً * وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}[الفرقان: 27-30].
وفي حديث البراء بن عازب في شأن المقلد، أنه في القبر يسأل من ربك؟ ما دينك؟ من الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.
وقد ذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب النجدي رحمه الله عند قول الله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}[الزخرف:23]، ما معناه: أن التقليد أصل من أصول الكفر، فالكفار ساروا على التقليد، وعاشوا على التقليد، فلم يتخلصوا من الكفر بسببه.(1/20)
وفي حديث المسيب بن حزم، في قصة أبي طالب، أن النبي ? أتى إلى عمه أبي طالب، وهو يحتضر قال: «يا عم قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله»، فكان يقول ذلك: وبعض المشركين يقول له: أترغب عن ملة عبد المطلب، فكان آخر كلامه أن مات على التقليد الأعمى، وآخر كلامه أن قال: هو على ملة عبد المطلب.
فالتقليد الأعمى طريق الضلال، وصارف عن طريق الهدى، ولا تركن على قول من يقول: (قلد عالمًا تحشر سالمًا)، هذا كلام باطل، بل لو قيل: (قلد عالمًا تحشر ظالمًا)، لما أبعد، فهو ظالم لنفسه، الله أمره أن يبحث عن الحق، قال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ}[الكهف:29].
وقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}[لأعراف:3]، فتقليد الأئمة في غير الدليل؛ ظلم للنفس، قال ابن حزم في «الإحكام»، عند أن ذكر قول الله عز وجل: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النحل:43]، مبيناً أدلة من قال بالتقليد، ودعا إليه، قال: صدق الله، وكذب محرفو قوله، إن الله أمرنا أن نسألهم عن الذكر، ولم يأمرنا أن نسألهم عن آرائهم، فإذا أفادك بالذكر فأنت أخذت بالقرآن، أو بالسنة، أو أخذت بالدليل.
أما أنك تقلدهم في كل ما يقول، فقد قال ابن القيم: أجمع أهل العلم أن المقلد ليس بعالم.
وقال سليمان بن طرخان: من أخذ قول كل عالم، فقد جمع الشر كله.
وقال الطحاوي: لا يقلد إلا غبي، أو عصبي.
ويقول ابن الجوزي في «صيد الخاطر»: مثل المقلد كمثل إنسان له سراج فيطفئه، ويمشي في الظلمة.
الله قد أنزل الكتاب والسنة نوراً، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً}[النساء:174]، وقال: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:52].(1/21)
السؤال (2): سبق أنهم يحتجون على بدعهم برأي الإمام الشافعي، فالسؤال: ما هو موقف أهل الحق، لا سيما الإمام الشافعي رحمه الله من الصوفية والأشاعرة، مع ذكر نبذة عن هاتين الفقرتين؟
الجواب: أما موقف الشافعي من الصوفية فقد ذكر ابن الجوزي في «صفة الصفوة» بسند حسن أو صحيح إلى الشافعي أنه قال: (ما تصوف أحد في أول النار إلا جاء آخرا لنهار وهو أبله).
فهو يرى هذا الصنف بلهاء، وهو إمام في السنة، لقب بإمام أهل السنة، فالشافعي بريء من التصوف، الذي يحلق لحيته ويقول: شافعي كذاب ما هو شافعي؛ الشافعي ما حلق لحيته، الذي يتبنطل ويقول: هو شافعي، كذاب في ذلك؛ الشافعي ما تبنطل، الذي يأكل تراب القبر أو يذهب إلى النحبة تلك، أو الأذكار والأوراد المحدثة، ويقول: شافعي، كذاب، فما هو متبع لكتاب الله، وسنة رسوله ?، ولا هو متبع للشافعي، وكم ترى في كتاب «الأم» من الكلمات الجزيلة، التي يقول الشافعي: (وأحب إلي أن لا يفعل ذلك).
حتى في مسألة الأذان الأول، قال: ومهما كان –سواء أحدثه معاوية أو عثمان- ومهما كان، فأحب إليّ فعل رسول الله ?.
فهؤلاء ليسوا بشافعية ولا بمتبعين لكتاب الله وسنة رسوله ?، إنما هم متبعون للجهل، ومتبعون للبدع و الخرافات.
الصوفية واضح ما هم فيه من الشر؛ من الشركيات، وأكل أتربة القبور، وبدع باطلة، بعضهم يظن أن مجرد أكل الحلوى في ليلة المولد، أو مجرد أن يقال له: السيد، هذا التصوف، لا؛ التصوف عقيدة فاسدة، مخالفة لكتاب الله، وسنة رسوله ?، ومنهج السلف الصالح.
هم ثلاثة أصناف: صنف صاحب أوراد مخترعة، وهذا عنده بدع ومحدثات، »من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد«.
وصنف آخر عنده شركيات وبدع وخرافات، وهذا مشرك بالله، يدعو غير الله، ويأكل تراب القبر، ويعتقد أن هذا ينفع مع الله؛ وهذا مشرك بالله كافر.(1/22)
وصنف حلولي، أو اتحادي؛ يعتقد أن الله حالٌ أو متحد في الموجودات، من أشجار، وأحجار، وحيوانات، وجن، وإنس، ونساء، ورجال، إلى آخره، هؤلاء أكفر من اليهود والنصارى، قال ذلك شيخ الإسلام في كتاب «بغية المرتاب في الرد على أهل الإلحاد».
ويذكرون عنهم: أن بعض الصوفية سأله بعض الناس عن أخيه، قال: أخي غاب أربع سنين، فأين هو الآن؟ ما وجدناه فدلنا يا حبيب، فنكس رأسه وقال: نظرت إلى الجنة فلم أرى أخاك، ونظرت إلى النار فلم أرى أخاك، فهو حي.
بعض الصوفية يترك الصلاة ما يصلي، يقولون: مالك ما تصلي؟ يقول: أنا أقفز وأصلي في مكة، وأرجع وما قد أكملتم، حتى قال الشعراني الضال:
مريدي تمسك بي وكن بي واثقاً ... أحميك في الدنيا ويوم القيامة
فقالوا أيا هذا تركت صلاتك ... وما علموا أني أصلي بمكة
وهكذا أيضاً يعتقدون أن النبي ? يرجع، أي: يخرج من قبره ويحضر معهم في المولد أو الحضرة، والله يقول: {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} [يّس:50]، ويقول النبي ?: »إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك«، ويقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل:80].
حتى أنهم يدلسون على العامة، ويجعلون فيهم معتقدات فاسدة، ذكر بعض الكتاب عنهم: أن بعضهم اشتهى حلوى، فقال: يا حبيب نريد حلوى، فتغوط الحبيب في صحن، وقال له: كل، فأكل ذلك العامي، يأكل البراز!، قال: أكلت البراز؟ قال: نعم أكلته، وأنا أعتقد أنه حلوى، ما اعتقد أنه براز، هذه العجائب عند هؤلاء القوم.
أما الأشاعرة فمؤولة، ما يثبون لله إلا سبع صفات، مجموعة في قول القائل:
حي مريد قادر علام ... له السماع والبصر والكلام
وهو من «جوهرة التوحيد» للابن اللقان، هو نفسه أشعري، تلك الجوهرة على عقيدة أشعرية، ومع ذلك يقول في تلك الجوهرة:
وكل خير في إتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف
وفيها نفسها يقول:(1/23)
وكل نص أوهم التشبيه ... أوّله أو فوض ورم تنزيها
أين هذا البيت الذي فيه الحث على السلف، من تلك الجوهرة؟، التي فيها العقيدة الفاسدة، فهم مؤولة للأسماء والصفات، وما يثبتون إلا سبع صفات.
ويعتقد الصوفية أن ليلة المولد أفضل من ليلة القدر، أيقول هذا عاقل؟ يعرف الأدلة، النبهاني ذكر أبياتًا:
صف ليلة المولد وصفاً حسناً ... ما ليلة سواها عندنا
قد أشرقت فابتهجت منها الدنا ... واعتدلت فلم يكن فيها عنى
ما بين حر وصفها وبرد ... من ليلة القدر نراها أحسنا
قد هيجت أفراحنا وأنسنا ... وأوسعتنا نعماً ومننا
وبلغتنا كل قصد ومنى ... وكل مطلوب بغير عد
فانظر على كذاب، والله يقول: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر: 1-3].
السؤال (3): ما حكم الاستغاثة بغير الله، بحجة أنا لا نعتقد أنهم ينفعون أو يضرون من دون الله؟.
الجواب: الاستغاثة بغير الله لا تجوز، فهي من الشرك بالله عز وجل، قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ}[الأنفال:9]، والاستغاثة: هي دعاء بلهفة، فأدلة الدعاء يستدل بها على الاستغاثة، فإذا استغاث بحي قادر على أن يغيثه من ذلك المكروب له ذلك، قال تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}[القصص:15].
أما أن يستغيث بميت: فالميت لا يقدر أن يغيثه، أو يستغيث بحي لا يقدر على ذلك الشيء، فهو من الشرك بالله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62].(1/24)
وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [الزخرف:87].
وقال عزوجل: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}[الزمر:38]، {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون:117].
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج: 73-74].
ويقول سبحانه وتعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ}[الرعد:14] ، يبسط كفيه للماء من أجل أن يصعد، والماء ليس بصاعد، وليس ببالغ من بئر، ولا ركوة، وليس ببالغ كفيه بغير حبل ولا دلوٍ، فمثل من يدعو غير الله، كمن يبسط كفيه لماء في أسفل ويريده أن يصعد، {وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ}[الرعد:14].(1/25)
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الأحقاف:21].
فكل الرسل جاءوا محذرين ومنذرين، لمن دعا غير الله، محذرين من الشرك بالله سبحانه وتعالى، كبيره وصغيره، قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:36].
ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون:117]، لقد أخبر الله أنه كافر.
ويقول عزوجل: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}[لأعراف: 194-196].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}[فاطر: 15-17].
فرسول الله ? لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، فضلاً عن غيره من الناس الذين يستغاث بهم، قال الله تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}[لأعراف:188].(1/26)
وهكذا الجن لا يستطيعون أن يملكوا لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، قال الله تعالى: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}[سبأ:14].
ولا يجوز دعاء غير الله، سواء كان هذا الدعاء عن استغاثة، أو عن غير استغاثة، لقصد دفع الضر، أو جلب النفع مما لا يقدر على ذلك، ومن الذي يستطيع ذلك إلا الله سبحانه وتعالى، قال ?: »احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، وأن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف«، رواه الترمذي وغيره من حديث ابن عباس، وهو حديث صحيح.
السؤال (4): نوقش بعض دعاتهم في أن الله في السماء، فقال: لا نقول: إن الله في السماء، ولا نقول: إنه في كل مكان، بل نقول: إنه موجود لا في مكان؟
الجواب: هذا غلَط، فقوله: موجود لا في مكان، يختلف مع الأدلة تماماً، الله مستوٍ على عرشه، قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] .وقال: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}[الأنعام:18].
وقال سبحانه: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ}[الملك: 16-17].
وقال عزوجل: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}[المعارج:4]، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1].
هذه الأدلة أين يذهبون بها؟، نحو ألف دليل كما يقول ابن القيم في كتاب «اجتماع الجيوش الإسلامية على المعطلة والجهمية»، مثل حديث أبي بكرة، أن النبي ? خطب في الناس يوم عرفة، وقال: »ألا هل بلغت«، فقالوا: نعم، فكان يشير بأصبعه إلى السماء وينكتها إلى الأرض، ويقول: »اللهم فاشهد«.(1/27)
والساجد إذا سجد أمره رسول الله ? كما في حديث حذيفة عند مسلم يقول: »سبحان ربي الأعلى«.
وفي سورة الأعلى، {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1]، ويذهبون يؤولونه بعلو القدر، علو منزلة، علو شأن، تأويل فاسد، وقد أثبت الله سبحانه لنفسه علو الذات، وعلو القهر، وعلو الصفات، قال تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى}[الروم:27]، أي الوصف الأعلى، {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[البقرة:255].
ففي «الصحيحين» أن النبي ? قال: »أيما امرأة باتت وزوجها عليها غضبان، إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها«.
وفيهما أنه ? قال: »إن لله كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش، إن رحمتي تغلب غضبي«، قال بعض أبو حنيفة: من قال أن العرش في الأرض فقد كفر بالله.
وأدلة الإسراء والمعراج، إلى أين عرج بالنبي ?؟ قال الطحاوي: إلى السماء، ثم إلى حيث شاء الله من العلى، وأكرمه بما شاء، وأوحى إليه أوحى.
ويعارضون ذلك بمثل قول الله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}[الحديد:4]، وبقوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}[المجادلة:7]، هذا المتحذلق منهم، يأتي بمثل هذين الدليلين، يعتقد أن الله في كل مكان، في المزابل، وفي المزارع، وفي البيوت، في الأسواق، نعوذ بالله من هذا الضلال.
فإن الأدلة تدل على أن الله فوق عرشه، بائن من خلقه، سبحانه وتعالى، وأنه معنا بعلمه، كما هو قول جميع أئمة السلف الصالح رضوان الله عليهم، والذي ذكرناه غيظ من فيض، وقليل من كثير، وقد ألفت نحو خمسة كتب أو أكثر من ذلك في العلو، «العلو» للذهبي، «مختصر العلو» للألباني، «اجتماع الجيوش»، وكتب أهل العلم مليئة بذلك، فهؤلاء جهال، ما عرفوا المعتقد الصحيح، نسأل الله أن يهديهم، والله المستعان.(1/28)
السؤال (5): من باب تعظيم السيد أو الولي: أنهم إذا وصلوا إلى باب ديوانه أو مجلسه، يجثون على ركبهم، ثم يحبون إليه حبواً، فإذا وصلوا إليه سرعان ما ينهالوا عليه بالتقبيل، من تحت ركبته وحتى يبلغ رأسه، محتجين أنه يجوز تقبيل ركبة الوالدين، وهذا أفضل من الوالدين؟
الجواب: هذه بدعة، أنه يحبوا، سواء يحبوا أو يمشي عند الخروج على القهقرى؛ من أجل لا يوليه الدبر، كل هذا من تعظيم غير الله سبحانه وتعالى؛ فهي بدعة، إذا بلغ التعظيم بذلك الإنسان، كتعظيم الله أو أشد، فهو كفر بالله، قال لله سبحانه وتعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}[البقرة:165].
ويجب على من فعل ذلك أن يتوب إلى الله من هذه البدعة، ويجب على ذلك الذي يُقَبّل أن يزجر عن هذا الفعل الذي يتبرك به، والذي يُقَبِل ركبته، ويُقبل جسمه، يجب أن يزجرهم، لكن هذا ما يأتي منه خير، هذا الذي يفعل ذلك ما يأتي منه خير، فهو يحب أن يدندن على ظهورهم هذا من كبرياء الصوفية والشيعة، وأصلهم واحد، ذكر ذلك السندي في بحث له: أنهم يلتقون في كثير من المسائل.
فهو يحب أنه تقبل ركبته، وأن يقدّس، وما أحسن ما قاله ابن الوردي رحمه الله:
أنا لا أختار تقبيل يد ... قطعها أجمل من تلك القُبل
هذا أولى من أن تُقَبَل ركبة واحد صوفي متهوك، صوفي دجال من الدجاجلة، فحسبنا الله ونعم الوكيل، وهذا يدل على الجهل الراسخ عند كثير من الناس، الله أثنى على الراسخين في العلم، وهؤلاء راسخون في الجهل.
السؤال (6): ما حكم من يذهب إلى قبور الأولياء، كالعيدروس مثلاً، فيأخذ من ترابها، أو يذهب إلى السحرة، وما حكم الصلاة خلفه؟(1/29)
الجواب: هذا الرجل ماذا يريد بالتراب؟، لا شك أنه يريد البركة به، أو يعتقد فيه النفع والضر، لا يجوز أن يصلى خلف هذا، ففعله يدل على أنه يذهب للتراب؛ لقصد النفع والضر، وإذا كان الأمر كذلك، مع إتيانه السحرة، ويصدق السحرة، لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، وإن كان يأتي السحرة ويتعاون معهم فهو ضال، وإن كان ساحراً، يأتي السحرة ويتعلم منهم، فسيؤدي به ذلك إلى الكفر كما في سورة البقرة، {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}[البقرة:102].
فلا يجوز أن يُصلى خلف هذا؛ إن كان مشركاً يعتقد أن التراب ينفع أو يضر، فهو كافر، والصلاة خلف الكافر لا تصح بإجماع المسلمين، قال الله عزوجل: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}[النساء:141].
وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة:71].
وقال ?: «المؤمن للمؤمن كالبنيان»، هذا ما هو من المؤمنين.
وإن كان يتبرك به فهو أيضاً شرك، واعتقاد بركة في مثل هذا العمود، أو بركة في تلك التربة التي يأخذونها، تراب ذلك القبر، أو في شيء لا دليل عليه أنه مبروك، نوع من أنواع الشرك بالله سبحانه وتعالى، فلا يُصلى خلفه.
السؤال (7): هذا الأفكار وأشد منها وأشر يأتي بها بعض طلبة أبي بكر المشهور، وهو رجل في عدن، فماذا تعرفون عن هذا الرجل، وماذا تنصحون الناس أن يكون موقفهم أمام طلابه؟.(1/30)
الجواب: أما بالنسبة لهذا الدجال التي تأتي من قبله هذه الأشياء يجب التحذير منه، وأن ينهى وينأ عنه كل ناصح، التي تأتي من قبله هذه الشركيات، والبدع والخرافات، هذا شيطان من شياطين الإنس، هو والهدار، والزنديق مرعي صاحب الحديدة، وابن حفيظ، والجفري، مثل هؤلاء الصوفية الزائغين وطلابهم، يجب على المسلمين أن يحذروا منهم، »الدين النصيحة«، قلنا: لمن؟ قال: »لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم«.
دعوتهم دعوة إلى الشركيات، والآن بدأ مرعي فيما يخبرنا العدول: أنه يعلم بعض طلابه السحر، من أجل أن ينتصروا على الناس، وفي أوساطهم كتب السحر والتنجيم؛ مثل: «شمس المعارف»، وكتاب أبي معشر الفلكي، ومن حيث الأوراد يعلمهم «دلائل الخيرات»، ودلائل الخيرات قد حرقه الإمام محمد بن عبد الوهاب كما في قصيدة الصنعاني رحمه الله، وهؤلاء يذهبون يدرسونه تلك الخرافات، ففيه من الخرافات: اللهم ارحمني حتى لا يبقى من الرحمة شيء.
السؤال (8): قريتنا على قبور ممراتها، وطرقها، حتى المسجد، فماذا نعمل؟
الجواب: والله أنا أرى وجوب الانتقال من تلك القرية، ما دامت القرية بكاملها على قبور؛ لأن النبي ? قال: »لأن يجلس أحدكم على جمرة تحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يطأ على قبر مسلم«، أخرجه مسلم، من حديث أبي هريرة، وقال النبي عليه الصلاة والسلام من حديث عقبة: »لأن أخسف نعلي برجلي، أو أطأ على سيف أو على جمرة، أحب إلي من أن أطأ على قبر«.
فلا يجوز أن يطأ على قبر، وصلاته على القبور باطلة، وقال النبي ?: »لا تتخذوا بيوتكم قبوراً«، نهاهم أن يتخذوا البيوت قبوراً، فيجب عليهم أن ينتقلوا؛ إن كانوا ناصحين لأنفسهم، وكانوا مريدين للحق، وكانوا مريدين للبعد عن الذنوب.(1/31)
والدنيا متاع، كما يقول ربنا: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى}[النساء:77]، لأن تترك عمارتك تلك، أو بيتك الواسع، وتذهب وتخرج من الإثم، وتترك ذلك لله، خير لك وأتقى لك عند الله عز وجل، من أن تبقى في عمارة شاهقة، أو بيت واسع، وأنت صلاتك باطلة، وفي الصباح والمساء على المعاصي، وأنت عايش بين القبور، تتغوط عليها، وتأكل وتشرب، وتجلس عليها.
وإذا كان البيوت على غير قبور، وكانت الطرق فقط، فلهم أن يأخذوا بعض القبور إلى المقبرة، بحيث يمشون على غير القبور، دليلنا على ذلك حديث جابر أنه أخرج أباه بعد ستة أشهر، والحديث في «صحيح البخاري»، وأن النبي ? أمر بإخراج ابن سلول من قبره، وصلى عليه بعد أن أنزل قبره، وبوب البخاري على ذلك في «صحيحه».
فإذا احتاج أن ينبش بعض القبور من أجل يمر إلى المسجد، والمسجد يكون على غير قبور، فلا بأس في مثل هذا الحال.
السؤال (9): بني مسجد عندنا بعضه على قبور، فجعل فاصل بين القبور وأرضية المسجد، وذلك بأن رفعت أعمدة عن الأرض قدر شبرين، ثم صبت أرضية المسجد، فما حكم الصلاة في هذا المسجد؟
الجواب: أنا أنصح بالبعد عنه، وليس كالذي يطأ على القبر ويصلي، ولكن ما دام والقبور أسفل، والأدلة عامة، ننصح بالبعد عن الصلاة فيه، ويتخذون لهم مسجداً غير ذلك الذي تحته قبور، ولأن ذلك: فيه مفسدة البناء على القبور، وقد نهى النبي ? عن البناء عليها.
السؤال (10): إذا كان العمل مشروعاً، وعُمل معه شيئاً من البدع؛ كالتهليل بصوت جماعي عند تشيع الجنازة، فهل الذي يرد هو التشيع كاملاً مع بدعته، أم التهليل المبتدع فقط مع الدليل؟.
الجواب: »من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد«، وهذا الفعل إذا أحدث فيه شيء فهو رد، وصاحبه آثم مردود، لا يقبل الله توبة مبتدع حتى يدع بدعته، ما يجوز لهم أنهم يهللون خلف الجنازة، ولا يحمدون، ولا يقرءون.(1/32)
وقد أنكره ابن عمر بن الخطاب كما في كتاب «الباعث على إنكار البدع والحوادث»، سمع من يقول: استغفروا له، فقال: اسكت لا غفر لله لك.
السؤال (11): ما حكم القنوت في صلاة الفجر، وما حكم الجهر بالبسملة، والتلفظ بالنية عن العبادة، وهل كان الشافعي يرى ذلك؟.
الجواب: أما القنوت في صلاة الفجر، ففيه حديث ضعيف عن أنس، من طريق أبي جعفر الرازي، أن النبي ?: قنت حتى فارق الدنيا، هذا الحديث ضعيف، لم يثبت عن النبي ?، كما قال ابن القيم في المجلد الأول من «زاد المعاد»، ولو كان ثابت عن النبي ? لتناقله عنه أصحابه، لكن لم يفعلوا ذلك، بل إن ابن مغفل فعل ذلك فأنكر عليه بعض الصحابة رضوان الله عليهم، وتحري القنوت في صلاة الفجر محدث، ولم يثبت حديث، وللمزيد من ذلك يُنظر »زاد المعاد«، (المجلد الأول) عند هذه المسألة.
وأما التلفظ بالنية فلم يرى ذلك الشافعي، حتى قال ابن رسلان في متن الزبد:
يكفي بأن يكون قلب الفاعل ... مستحضر النية غير غافل
وهو من الشافعية الكبار ابن رسلان، فالشافعي ما ثبت عنه أنه كان يرى التلفظ بالنية في الصلاة، ويعجبني ما ذكره بعض الناس أن بعضهم كان في مسجد إلى طريق السعودية، وهو ذاهب إلى مكة، فنزل في المسجد، فقال: نويت أصلي خلف هذا الإمام أربع ركعات مقتدياً، صلاة الظهر، قال له واحد: قل في يوم كذا، وكذا، في مسجد القنفدة، أي: بقي أخبر ربك بكل شيء.
شيخ الإسلام له بحث في هذه المسألة يعتبر التلفظ بالنية من الضلالات، وفيه وسوسة، قد تلفظ (لبيك عن شبرمة)، وليس هذا تلفظ بالنية، وإنما النية بالقلب، وإنما تلفظ بالصوت للتلبية، لا للنية، وبالله التوفيق.
تمت الرسالة، والحمدلله.(1/33)