كتب المناهج والفرق(/)
…الأجوبةُ المُفيدَة
…عَن
…أَسئِلَة المنَاهِجِ الجدِيَدة
الأجوبَةُ المُفِيدَة
عَنْ
أَسئِلَةِ المْنَاهِجِ الجَْدِيدَة
مِنْ إجَابَاتِ
مَعَالي فضيلة الشَّيخ الدّكتور
صَالحِ بْن فوزان بْن عبد الله الفَوزَان
عُضوُ هَيئة كِبَارِ الْعُلَمَاءِ وَعُضْوُ اللَّجنَةِ الدَّائِمَةِ للإِفْتَاءِ
- حفظه الله –
جَمْعُ وَتَعْليقُ وَتخريجُ
جَمَال بْن فُريحِان الحَْارِثَّي
طبْعَةٌ جَدِيدَةٌ مَزِيدَةٌ ومُنقَّحَةٌ
مقدمة الكتاب
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
[ آل عمران: 102]
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ……… [ النساء: 1]
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } …………… [الأحزاب: 70, 71]
أما بعد:(1/1)
فـ (( الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم, يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصّرون بنور الله أهل العمى؛ فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه؛ فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح اثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين )) (1).
ونرجو أن يكون من هؤلاء شيخنا الفاضل:
معالي الشيخ: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان – حفظه الله –
في عصر تلاطمت فيه أمواج المذاهب الهدّامة وكثر فيه دعاة البدعة والفتنة والضلالة، وأصحاب الشّبه، وظهرت فيه بعض الكتب والمجلات التي تلبس على طلاب العلم دينهم بستار السنة, ناهيك عما تفعله في العامة من تشويش.
فأوضح فضيلته لطلاب العلم ما هم بحاجة إليه من بيان السنة، وكشف لهم عن الشُّبه التي أُلقيت في طريقهم, ورَدَّ على دعاة المناهج الهدَّامة, وعلى كل مخالف للكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح بالأدلة والبرهان والبيان الشافي؛ وذلك ضمن إجاباته على أسئلة قُدِّمَت له في دروس صيف عام ( 1413هـ) بمدينة الطائف، وغير ذلك من الدروس والمحاضرات واللقاءات في أماكن مختلفة وقد حظيت بتسجيلها وتنسيقها، ثم قمت بتفريغها بمساعدة بعض الأخوة – جزاهم الله خيراً-، واعتنيت بها، ثم قمت بتخريج الآيات والأحاديث والآثار، وعَلَّقت على بعض المواضع التي رأيتُ أن أعلِّق عليها بما يناسب المقام تتميماً للفائدة.
ولقد حرصت على خدمة السُّنة بنشر هذا الكتاب؛ إشاعة للعلم الشرعي المؤصّل على الدليل من كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - على فهم السلف الصالح.
__________
(1) " الرد على الجهمية" للإمام أحمد – رحمه الله – (ص 85 ). تحقيق: عبدالرحمن عميرة، وطبعة السلفية (1393 هـ ) ، (ص : 6 )(1/2)
وبعد الانتهاء عرضت هذا العمل على فضيلة شيخنا معالي الشيخ: صالح الفوزان – حفظه الله ونفعنا بعلمه-, فنظر فيه، وقَوَّم، وأضاف، وحذف ما يراه، ثم أجازِني خطياً في نشره- كما ستراه-؛ ليعم الانتفاع به, والحمد لله على توقيفه.
وهذا جهد المقل من حريص على نشر الدعوة السلفية, والله من وراء القصد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
…قاله وكتبه الراجي عفو ربه
…أبو فريحان جمال بن فريحان الهميلي الحارثي
…يوم الاثنين السادس من شهر ربيع الأول
…من سنة أربع عشرة وأربعمائة وألف للهجرة
…مدينة الطائف
مقدمة الطبعة الثالثة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
أما بعد: فالمتأمل في أحوال الناس- من المسلمين- اليوم يجد العجب العجاب، فما بين جاهل، ومغرور، ومغرر به، وضال، وصاحب هوى، ومحب للظهور، ومتعالم، وما بين عالم عامل، ومتبع مهتدٍ، ومستفتٍ مسترشد، وناصر للسنة. وصدق الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول: ((من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً...)) أحمد: (4/ 126).
ولكن ما هو المخرج من هذا الذهول ومن هذا التلاطم، إنه لا شك ولا ريب التمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - قال - صلى الله عليه وسلم -: (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي )) أبو داود : ( 4607).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي )) الصحيحة: (4/ 361). راجع المستدرك: (1/93).
فحينما ترك الكثير من الناس الاهتمام بهذين الأمرين والتمسك بهما، وأخذوا بالهوى، وبالمعقول دون المنقول، ومالوا إلى العاطفة، وإلى الرغبات(1/3)
النفسية. مالت بهم الأهواء، وزلت بهم الأقدام، فوقعوا في الفتنة.
وأما المتمسكون بالحبلين، الذين عضوا عليها بالنواجذ المهتدون بهما على نهج السلف الصالح، فهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة وهم الجماعة -ولو كانوا من رعاة الغنم- فهم الذين قال - صلى الله عليه وسلم - فيهم:(( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم )). مسلم: (1920).
وقال - صلى الله عليه وسلم - في حديث الفرق ((..... وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة )) الحاكم: (1/ 129)
قلنا من هي قال: (( الجماعة ))، وقال: (( من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي )) الترمذي: (2641 ).
فالواجب على المسلمين عامة والشباب خاصة الذين يريدون النجاة في الآخرة والسعادة في الدنيا أن يكونوا على حذر من مواطن الفتن، وأن يبتعدوا عنها ويجتنبوها وأن لا يخوضوا في بحارها، فإن من دخلها لا تأمن عليه الفتنة، والحذر كل الحذر من دعاة الضلالة الذين يتلبسون بالسنة ويتكلمون باسم السنة، وهم أبعد ما يكونون من السّنة، لأنهم إما انهم يعملون لصالح الأعداء وإما انهم جهال ما فهموا السّنة- والأخيرة أقرب ما نصفهم به- لأنهم ما درسوا السّنة على أيدي علماء السّنة، فإذا كان هذا هو حالهم فكيف يُتبَعُون، وكيف يوثق بهم، وكيف نأخذ منهم علماً أو فتوى أو توجيها، فالسقيم لا يزيد إلا سقماً على سقم.(1/4)
فالاستقامة على المنهج الصحيح لا يكون إلا باتباع الكتاب والسّنة، ولا يتأتى ذلك إلا بطلب العلم والجلوس عند العلماء والنظر في كتب علماء السلف الصالح- علماء السّنة الذين نصحوا للأمة-، والجد والاجتهاد في النافع من العلم والوقوف عند كلام أهل العلم المعتبرين وترك الخوض في مسائل لا طائل منها، والبعد عن كلام أهل الأهواء والبدع، فأهل الأهواء آفة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إنهم يذكرون النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته، فيتصيّدون بهذا الذكر الحسن عند الجهال من الناس، فيقذفون بهم في المهالك، فما أشبههم بمن يسقي الصبر باسم العسل، وقد يسقي السم القاتل باسم الترياق فأبصرهم، فإنك إن لا تكن أصبحت في بحر الماء؛ فقد أصبحت في بحر الأهواء الذي هو أعمق غوراً، وأشد اضطراباً، وأكثر صواعق، وأبعد مذهباً من البحر وما فيه.فتلك مطيتك التي تقطع بها سفر الضلال: وهي اتباع السّنة، فالموت اليوم كرامة لكل مسلم لقي الله على السّنة، فإلى الله نشكوا وحشتنا، وذهاب الإخوان، وقلة الأعوان، وظهور البدع، وإلى الله نشكوا عظيم ما حل بهذه الأمة من ذهاب العلماء وأهل السّنة وظهور البدع ولكن عزاؤنا واستئناسنا في قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين .....).
أما بعد: فهذه هي الطبعة الثالثة في ثوبها الجديد من كتاب " الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة " بعد مضي عقد من الزمن من صدور الطبعة الأولى وقد حدثت أحداث وزلت أقدام، فحينما ترك الكثير من الناس الاهتمام بهذين الأمرين والتمسك بهما، واختلطت مفاهيم كثير من الناس فكانت الحاجة إلى كلام أهل العلم ومعرفة مواقفهم في الأحداث والنوازل أشد من حاجتهم إلى الماء والغذاء للجسد، إذ أن مرض الأجسام لا يوازي مرض القلوب. فالقلب إذا دخلته الشبهة أفسد الدارين على صاحبه إن لم يجد من يزيلها يمحوها منه.(1/5)
والله أسأل أن يهدينا إلى الحق والصواب، وأن يجزي شيخنا خير الجزاء .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه
… وكتبه
…أبو فريحان جمال بن فريحان الهميلي الحارثي
…بعد فجر يوم السبت الثالث عشر من شهر شعبان
…عام ثلاثة وعشرين وأربعمائة وألف للهجرة
إذن الشيخ في طبع ونشر هذه الرسالة
للمرة الثالثة
الحمد لله وبعد: فقد أذنت للشيخ جمال بن فريحان الحارثي بإعادة طبع كتاب: الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة الذي قام بجمعه من أجوبتي عن أسئلة الطلاب خلال إلقاء الدروس. أذنت له بطبعه مع ما أضاف إليه من تعليقات من عنده ومع الزيادة التي ألحقها به ولم تكن موجودة في الطبعات السابقة، وفق الله الجميع لمعرفة الحق والعمل به.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه،،،
…كتبه
…صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
…في 23/12/1423هـ
صورة من الإذن بخط الشيخ
نبذة عن شيخنا – حفظه الله -
( اسمه ونسبه ومولده:
…هو: صالح بن فوزان بن عبد الله آل فوزان.
…من أهل الشماسية الوداعين من قبيلة الدواسر.
…ولد عام( 1354هـ).
( نشأته وتعليمه:
…توفي والده وهو صغير، فتربَّي في أسرته، وتعلم القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة على يد إمام مسجد البلد.
…ثُمَّ التحق بمدرسة الحكومة في بلده حين افتتاحها في الشماسية عام (1369هـ) وأكمل دراسته الابتدائية في المدرسة الفيصلية ببريدة عام(1371هـ). ثم التحق بالمعهد العلمي ببريدة عند افتتاحه عام (1373هـ) وتخرج منه عام (1377هـ) ،والتحق بكلية الشريعة بالرياض وتخرج منها عام (1381هـ).
( الدراسات العليا:
…نال درجة الماجستير في الفقه.
…نال درجة الدكتوراه في الفقه أيضاً وكلاهما من كلية الشريعة.
( المناصب التي تولاها وبعض أعماله:
تعين مدرساً في الابتدائي عام 1372هـ قبل التحاقه بالمعهد العلمي ببريدة .
عين مدرساً في المعهد العلمي في الرياض بعد تخرجه من كلية الشريعة.(1/6)
ثم مدرساً في كلية الشريعة، ثم في الدراسات العليا بكلية أصول الدين.
ثم في المعهد العالي للقضاء ثم عين مديراً للمعهد العالي للقضاء في عام (1396هـ).
ثم عاد للتدريس فيه مرة أخرى بعد انتهاء فترة الإدارة النظامية.
ثم عين في هيئة كبار العلماء في عام (1407هـ ).
ثم عين عضواً في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في عام (1411هـ ).
كما أنه لا يزال عضواً في المجمع الفقهي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي.
وكان عضواً في لجنة الإشراف على الدعاة في الحج سابقاً.
وهو إمام وخطيب ومدرس في جامع الأمير متعب بن عبد العزيز في الملز في الرياض.
ويشارك في الإجابة في برنامج " نور على الدرب " في الإذاعة السعودية كما له مشاركات منتظمة في المجلات العلمية على هيئة بحوث ودراسات ورسائل وفتاوى أيضاً.
كما أنه – حفظه الله – يشرف على الكثير من الرسائل العلمية في درجتي الماجستير والدكتوراه، وتتلمذ على يديه العديد من طلبة العلم الذين يرتادون مجالسه ودروسه العلمية المستمرة، وأنا واحد منهم. – ولي الفخر والاعتزاز بذلك – " جمال ".
( مشائخه:
…تتلمذ فضيلته على أيدي عدد من العلماء والقضاة البارزين ومن أشهرهم سماحة الشيخ/عبد العزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله – وقد كان سماحته يُجل شيخنا ويقدره ويثق به في المهمات وقد كان يحيل إليه بعض الكتب المؤلفة لمراجعتها وإبداء رأيه فيها.
ومن شيوخه أيضاً: الشيخ/عبد الله بن حميد – رحمه الله – حيث كان يحضر كثيراً من دروسه في جامع بريدة يوم كان طالباً في المعهد العلمي.
وفضيلة الشيخ/محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله –.
والشيخ عبدا لرزاق عفيفي – رحمه الله –.(1/7)
والشيخ حمود بن سليمان التلال الذي كان إمام المسجد بالبلدة التي نشأ بها شيخنا – يحفظه الله – وقد تولى القضاء بعد ذلك – أعني الشيخ حمود – في بلدة ضرية في منطقة القصيم. وقد تعلم على يده مبادئ القراءة والكتابة ثم تعلم على يد الشيخ/إبراهيم بن ضيف الله اليوسف يوم أن كان مدرساً في مدرسة الشماسية.
( مؤلفاته:
للشيخ – يحفظه الله – العديد من المؤلفات أبرزها:
· التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية في المواريث، وهو رسالته
في الماجستير، (مجلد).
· أحكام الأطعمة في الشريعة الإسلامية،وهو رسالته في الدكتوراه، (مجلد).
· الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، (مجلد).
· شرح العقيدة الواسطية، (مجلد).
· البيان فيما أخطأ فيه بعض الكتاب، (مجلدان).
· مجموع محاضرات في العقيدة والدعوة، (أربعة مجلدات).
· الخطب المنبرية في المناسبات العصرية، (ستة مجلدات).
· من أعلام المجددين في الإسلام.
· مباحث فقهية في مواضيع مختلفة.
· مجموع فتاوى في العقيدة والفقه (خمسة مجلدات).
· نقد كتاب الحلال والحرام في الإسلام، رد على يوسف القرضاوي.
· الملخص في شرح كتاب التوحيد، للشيخ محمد بن عبدالوهاب - شرح مدرسي- .
· إعانة المستفيد شرح كتاب التوحيد وهو شرح موسع في مجلدين .
· التعقيب على ما ذكره الخطيب في حق الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
· الملخص الفقهي، (مجلدان).
· إتحاف أهل الإيمان بدروس شهر رمضان.
· الضياء اللامع مع الأحاديث القدسية الجوامع.
· بيان ما يفعله الحاج والمعتمر.
· كتاب عقيدة التوحيد– وأصله مقرر في المرحلة الثانوية بوزارة المعارف.
· فتاوى ومقالات نشرت في مجلة الدعوة.
· دروس من القرآن الكريم.
· الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة – وهو الذي بين أيدينا – وله غير ما ذكر من الكتب بعضه تحت الطبع.(1/8)
وقد كان له دور كبير في توجيه الشباب وتحذيرهم من التيارات المنحرفة عن المنهج الصحيح، فانقمع به المبتدع والضال، ووُفِق الكثير للهداية إلى الحق والصواب.
فجزاه الله – عنا وعن المسلمين – خير الجزاء وجعل أعماله خالصة لوجهه الكريم وأن تكون في ميزان حسناته يوم الدين.
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
…كتبه
…جمال بن فريحان الحارثي
…أحد تلامذة الشيخ
الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة
وبالله نستعين
س 1: بماذا تنصحون الاخوة الأفاضل الذين يشتركون في المراكز الصيفية إذا تعارض وقت دروس المشايخ والعلماء مع وقت المراكز؛ فهل يحضرون الدروس، أم يبقون في المراكز ؟ مع التفصيل؛ لكثرة الكلام في هذا الموضوع بين الشباب ؟ .
…جـ / المقصود بالمراكز : تهذيب الطلاب وتعليمهم .
…فالذي أراه: أن ينسِّق القائمون على المراكز أوقاتها؛ فيحضروا منسوبيها إلى المساجد للمحاضرات والدروس؛ لأن حضور المحاضرات جزء من عمل المراكز، بدل ما تأتي بالمحاضر لهم في المراكز تذهب بهم إلى المحاضر في المسجد، وهذا أفضل؛ لأن حضورهم في المسجد، وفي بيت من بيوت الله، يسمعون فيه العلم؛ أفضل من بقائهم في المراكز(1) .
…فالحاصل: أنه يجب على القائمين على المراكز أن ينسقوا البرامج،بحيث يجعلون لحضور المحاضرات في المساجد وقتاً من برامجهم، ولا يحصل تعارض البرامج مع المحاضرات.وهذا من جملة مقاصد المراكز – كما ذكرنا-.
- - - - -
__________
(1) …ولقد كان المسجد في الصدر الأول هو منبع العلم، ومنهل العلماء، فمنه تخرّج جهابذة العلماء، فمنهم من برع في الحديث وعلومه، ومنهم من بَرَّز في الفقه وأصوله، وفي التفسير وأصوله، وفي النحو وفنونه، والذي جمعها كلها؛ قد تخرّجوا – غالباً – من حِِلَقِِ العلم في المساجد .
……=
=…وليعلم الجميع: أن العلم يُؤتى إليه ولا يأتي إلى الناس؛ فلا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.(1/9)
…س 2: المراكز الصيفية يُقام فيها التمثيل، والأناشيد، ما رأيكم في ذلك ؟ .
…جـ / يجب على القائمين على المراكز الصيفية أن يمنعوا منها الأشياء التي لا فائدة فيها، أو فيها مضرة على الطلاب، وأن يعلموهم القرآن والسنة والأحاديث والفقه، واللغة العربية، وفي هذا غنية وشغل للوقت عن الأشياء الأخرى، وكذلك تعليمهم العلوم التي يحتاجونها في دنياهم كالخط والحساب والمهارات المفيدة، أما الأشياء التي يسمونها ترفيهية فهذه في الواقع لا ينبغي أن تكون في البرامج (1)
__________
(1) قال الشيخ: صالح الفوزان، في كتابه: " الخطب المنبرية " ( 3/184-185 ) (ط1411هـ)، ما نصه:
…" وما ينبغي التنبيه عليه: ما كثُر تداوله بين الشباب المتدينين من أشرطة مسجل عليها أناشيد، بأصوات جماعية يسمونها (الأناشيد الإسلامية ) وهي نوع من الأغاني، وربما تكون بأصوات فاتنة،وتباع في معارض التسجيلات مع أشرطة تسجيل القرآن الكريم، والمحاضرات الدينية.
…وتسمية هذه الأناشيد بأنها ( أناشيد إسلامية ) تسمية خاطئة؛ لأن الإسلام لم يشرع
……=
= لنا الأناشيد، وإنما شرع لنا ذكر الله، وتلاوة القرآن...، وتعلّم العلم النافع.
…أما الأناشيد فهي من دين الصوفية المبتدعة، الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً، واتخاذ الأناشيد من الدين فيه تشبه بالنصارى، الذين جعلوا دينهم بالترانيم الجماعية والنغمات المطربة.
…فالواجب الحذر من هذه الأناشيد، ومنع بيعها وتداولها، علاوة على ما قد تشتمل عليه هذه الأناشيد من تهييج الفتنة بالحماس المتهور، والتحريش بين المسلمين.
…وقد يستدل من يروج هذه الأناشيد:بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تُنشد عنده الأشعار، ويستمع إليها، ويقرها.
…والجواب عن ذلك: أن الأشعار التي كانت تُنشد عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليست تُنشد بأصوات جماعية على شكل أغاني، ولا تُسمى ( أناشيد إسلامية )، وإنما هي أشعار عربية، تشتمل على الحِكَم، والأمثال، ووصف الشجاعة والكرم، وكان الصحابة ينشدونها أفرادًا لأجل ما فيها من هذه المعاني، ويُنشدون بعض الأشعار وقت العمل المتعب كالبناء، والسير في الليل في السفر، فيدل هذا على إباحة هذا النوع من إنشاد في مثل هذه الحالات خاصة، لا على أن يُتخذ فنًا من فنون التربية والدعوة، كما هو الواقع الآن؛ حيث يُلقّن الطلاب هذه الأناشيد، ويُقال عنها: ( أناشيد إسلامية )، أو ( أناشيد دينية ).
…وهذا ابتداع في الدين، وهو من دين الصوفية المبتدعة؛ فهم الذين عُرف عنهم اتخاذ الأناشيد دينًا.
…فالواجب التنبيه لهذه الدسائس، ومنع بيع هذه الأشرطة؛ لأن الشر يبدأ يسيراً، ثم يتطوّر ويكثر إذا لم يبادر بإزالته عند حدوثه )).
…وسئل فضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين عن الأناشيد، وهذا نص السؤال والجواب:
…(( س / هل يجوز للرجال الإنشاد الإسلامي ؟، وهل يجوز مع الإنشاد الضرب بالدف لهم ؟
وهل الإنشاد جائز في غير الأعياد والأفراح ؟ .
…جـ / الإنشاد الإسلامي إنشاد مبتدع، يشبه ما ابتدعته الصوفية، ولهذا ينبغي العدول …=
=…عنه إلى مواعظ القرآن والسنة، اللهم إلا أن يكون في مواطن الحرب ليُستعان به على الإقدام، والجهاد في سبيل الله – تعالى -؛ فهذا حسن.وإذا اجتمع معه الدُّف كان أبعد عن الصواب.نقلاً من كتاب : " فتاوى الشيخ : محمد العثيمين "، جمع : أشرف عبدالمقصود : ( 1/134-135 )، ط الثانية 1412هـ ، دار عالم الكتب .(1/10)
؛ لأنها تقتطع جزءاً من الوقت بلا فائدة، بل ربما تشغلهم وتنسيهم الفائدة التي جاءوا من أجلها، ومن ذلك : التمثيليات، والأناشيد؛ فإنه مجرد لهو ولعب، وتدرّب الطلاب على متابعة المسرحيات والأغاني، التي تُبَث في وسائل الإعلام المختلفة .
- - - - -
س3: أرجو التوضيح: ما المقصود بفقه الواقع؛ لأنه قد أطلق هذا اللفظ، وأريد به لفظ لغوي، لا لفظ شرعي ؟ .
جـ/ يقولون: من الصعب توضيح الواضح، الفقه المطلوب والفقه المرغَّب فيه هو الفقه في الكتاب والسنة، هذا هو الفقه المطلوب، أما الفقه اللغوي فهو من المباحات، ما هو أمر مطلوب من الناس، تتفقه في اللغة: تعرف معنى الكلمة ومشتقاتها وحروفها، وكذا، وكذا، هذا يسمى فقه اللغة، مثل: كتاب"فقه اللغة للثعالبي"وغيره، هذا من الأمور المكمِّلة، ومن تعلّم اللغة.
أما الفقه إذا أُطلق كما في قوله –تعالى-: { لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ } (1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - (( من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين )) (2) .
وقوله تعالى: { فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثا } ً(3).
{ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ } (4) إلى غير ذلك.
المراد بذلك: الفقه في الدين بمعرفة الأحكام الشرعية، هذا هو المطلوب، وهذا هو الذي يجب على المسلمين الاهتمام به وأن يتعلموه.
لكن ليس المقصود بفقه الواقع عند هؤلاء فقه اللغة، وإنما المرد به عندهم: الاشتغال بأمور السياسة والتهييج السياسي، وصرف الأوقات والهمم إليه.
أما فقه الأحكام فيسمونه: فقه الجزئيات، وفقه الحيض والنفاس، تهجيناً له وتنفيراً منه ومن الاشتغال به (5)
__________
(1) التوبة: 122.
(2) البخاري: ( 71)، مسلم: ( 1037 ).
(3) النساء: 78.
(4) المنافقون: 7.
(5) تَبَيَّن أن الفقه المطلوب أقسام:
…أ – فقه بمعنى: فهم الكتاب والسنة: واستنباط الأحكام منهما.
…ب – فقه اللغة العربية: التي هي لغة الكتاب والسنة: نحو، وصرف، وبلاغة، واشتقاقٌ، ودلالة.
…جـ- فقه ملابسات القضايا والنوازل:من أجل تطبيق الحكم الشرعي عليها تطبيقاً صحيحاً.
…أما ما يسمونه بـ(( فقه الواقع )) فيراد به: شغل الناس بأمور السياسة، وانتقاد الحكام، وإثارة الفتن والقلاقل، وزعزعة الأمن. وألصقوا به هذا الاسم من أجل التلبيس على الناس. وليس هذا جديداً من أصحاب (( فقه الواقع ))، فسلفهم وإمامهم (( سيد قطب))قد قال بـ (( فقه الواقع )) في كتابه: " في ظلال القرآن " ( 4/2006) في سورة يوسف، عند قوله تعالى : { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }
………=
=…حيث يقول بعد أن تكلم عن هذه الآية : " ... لقد نشأ الفقه الإسلامي في مجتمع مسلم، ونشأ من خلال حركة هذا المجتمع في مواجهة حاجات الحياة الإسلامية الواقعية، .. إن " فقه الحركة " يختلف اختلافاً أساسياً عن " فقه الأوراق "، .. إن " فقه الحركة " يأخذ في اعتباره " الواقع " الذي نزلت فيه النصوص، وصيغت فيه الأحكام ... " ا هـ .(1/11)
.
س 4: نسمع كثيراً عما يسمى بالجماعات الإسلامية في هذا العصر في مختلف أنحاء العالم؛ فما أصل هذا التسمية ؟ .وهل يجوز الذهاب معهم ومشاركتهم إذا لم يكن لديهم بدعة ؟ .
جـ/ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا وبين لنا كيف نعمل، ما ترك شيئاً يقرِّب أمته إلى الله إلا وبيَّنه، وما ترك شيئاً يبعدهم من الله إلا وبيَّنه (1) – عليه الصلاة والسلام -،ومِن ذلك هذه المسألة، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرًا ))،لكن ما هو العلاج عند حدوث ذلك ؟، قال :(( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسَّكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة )) (2) .
فهذه الجماعات (3) من كان منها على هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة، وخصوصاً الخلفاء الراشدين والقرون المفضلة، فأي جماعة على هذا المنهج فنحن مع هذه الجماعة؛ ننتسب إليها، ونعمل معها .
__________
(1) …يشير الشيخ – حفظه الله – إلى الحديث الثابت، الصحيح، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : (( ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا أمرتكم به )) .
…أخرجه عبدالرزاق في " المصنف ": ( 11/125 )، والبيهقي في " معرفة السنن والآثار " : ( 1/20 )،
(2) …صحيح بمجموع طرقه، أخرجه أبو داود : ( 4607 )، والترمذي : ( 2676 )، وابن ماجه : ( المقدمة، 34 )، وصححه الألباني في " الإرواء " : ( 2455 )، وسيأتي في الحاشية رقم ( 173 ) بزيادة تخريج .
(3) …يحسن أن نسمي كل من خالف الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح بالفِرَق، وهو الاسم الشرعي لها، كما سماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الفِرَق الآتي، وأما الجماعات فليست إلا جماعة المسلمين التي أشار إليها في الحديث، والله أعلم .(1/12)
وما خالف هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإننا نتجنبه وإن كان يتسمى ( جماعة إسلامية )، العبرة ليست بالأسماء، العبرة بالحقائق، أما الأسماء فقد تكون ضخمة، ولكنها جوفاء ليس فيها شيء، أو باطلة – أيضاً - .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة )) قلنا : من هي يا رسول ؟، قال : (( من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي )) (1) .
الطريق واضح، الجماعة التي فيها هذه العلامة نكون معها، من كان على مثل ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ فهم الجماعة الإسلامية الحقة .
أما من خالف هذا المنهج وسار على منهج آخر فإنه ليس منا ولسنا منه، ولا ننتسب إليه ولا ينتسب إلينا، ولا يُسَمَّى جماعة، وإنما يُسَمَّى فِرقَة من الفِرَق الضَّالة؛ لأن الجماعة لا تكون إلا على الحق، فهو الذي يجتمع عليه الناس، وأما الباطل فإنه يُفَرِّق ولا يجمع، قال –تعالى-: { وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ } (2).
- - - - -
س 5 : أيهما أشد عذابًا : العصاة أم المبتدعة ؟ .
جـ / المبتدعة أشد؛ لأن البدعة أشد من المعصية، والبدعة أحب إلى الشيطان من المعصية؛ لأن العاصي يتوب(3)
__________
(1) …أخرجه الترمذي : ( 2641 )، والحاكم : ( 1/129 )، ويشهد له رواية : (( هي الجماعة ))، راجع " تحفة الأحوذي " : ( 7/398 )، وأخرج هذه الرواية ابن ماجه: ( 3992 )، وهي عند أبي داود : ( 4597 )، وسيأتي في الحاشية رقم ( 139 ) .
(2) …البقرة : 137 .
(3) …قال سفيان الثوري – رحمه الله - : (( البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ فإن المعصية يُتاب منها، والبدعة لا يُتاب منها )) .
…(( مسند ابن الجعد )) : ( 1885 )، (( مجموع الفتاوى )) : ( 11/472 ) .
…وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( إن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة )) " الصحيحة " (1620).(1/13)
، أما المبتدع فقليلاً ما يتوب؛ لأنه
يظن أنه على حق، بخلاف العاصي؛ فإنه يعلم أنه عاصٍ وأنه مرتكب لمعصية، أما المبتدع فإنه يرى أنه مطيع وأنه على طاعة؛ فلذلك صارت البدعة – والعياذ بالله – شراً من المعصية، ولذلك يحذر السلف من مجالسة المبتدعة (1)؛ لأنهم يؤثِّرون على من جالسهم، وخطرهم شديد .
لا شك أن البدعة شر من المعصية، وخطر المبتدع أشد على الناس من خطر العاصي(2)، ولهذا قال السلف: (( اقتصاد في سنة خير من
اجتهاد في بدعة )) (3).
- - - - -
س 6 : هل من انتمى إلى الجماعات يعتبر مبتدعًا ؟ .
__________
(1) …قال الحسن البصري – رحمه الله - : (( لا تجالس صاحب بدعة؛ فإنه يمرض قلبك )) " الاعتصام " : ( 1/172 )، " البدع والنهي عنها ": ( ص 54 ) .
…وقال الشاطبي – رحمه الله – ( 1/158 ) : (( فإن فرقة النجاة – وهم أهل السنة – مأمورون بعداوة أهل البدع، والتشريد بهم، والتنكيل ممن انحاش إلى جهتهم بالقتل فما دونه، وقد حذر العلماء من مصاحبتهم ومجالستهم )) .
…أقول : رحم الله السلف، ما تركوا صاحب بدعة إلا وقمعوه وحذروا منه .
(2) …يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة – رحمه الله – في خطر أهل البدع : (( ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء –يعني : أهل البدع – لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب؛ فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، أما أولئك – ( المبتدعة ) – فهم يفسدون القلوب ابتداء )) .
…مجموع الفتاوى : ( 28/232 ) .
…ويقول – أيضًا – : (( أهل البدع شر من أهل المعاصي الشهوانية بالسنة والإجماع )) ( 20/103 ) .
(3) …من قول ابن مسعود - - رضي الله عنه --، راجع اللالكائي : ( 114 )، " الإبانة ": (161)، " السنة " لابن نصر: (30), "الصحيحة"( :5/14).(1/14)
جـ / هذا حسب الجماعات، فالجماعات التي عندها مخالفات للكتاب والسنة يُعتبر المنتمي إليها مبتدعاً (1).
س 7 : ما رأيكم في الجماعات كحكم عام ؟ .
جـ / كل من خالف جماعة أهل السنة فهو ضال، ما عندنا إلا جماعة واحدة هم أهل السنة والجماعة (2)
__________
(1) …قال الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد في كتابه : " حكم الانتماء إلى الفِرَق والأحزاب والجماعات الإسلامية " (ص 96-97) : (( لا يجوز أن يُنصَب شخص للأمة يُدعى إلى طريقته، ويُوالي ويُعادى عليها، سوى نبينا ورسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ فمن نصب سواه على ذلك فهو ضال مبتدع )) .
…وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – في الفتاوى ( 20/164 ) :
…(( وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصاً يدعو إلى طريقته ويوالي ويعادي عليها غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا ينصب لهم كلاماً يوالي عليه ويعادي غير كلام الله ورسوله وما
……=
=…اجتمعت عليه الأمة، بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصاً أو كلاماً يفرِّقون به بين الأمة، يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون )) .
…قال الشيخ بكر عقب نقله لكلام شيخ الإسلام هذا :
…(( وهذه حال كثير من الجماعات والأحزاب الإسلامية اليوم : أنهم ينصبون أشخاصاً قادة لهم؛ فيوالون أولياءهم ويعادون أعداءهم، ويطيعونهم في كل ما يفتون لهم دون الرجوع إلى الكتاب والسنة، ودن أن يسألوهم عن أدلتهم فيما يقولون أن يفتون )) .
…انتهى .
(2) …وهم الطائفة المنصورة، وهم الفرقة الناجية، وهم أهل الحديث، وهم أهل الأثر، وهم السلفيون، كما صرَّح بذلك جمع غفير من السلف والخلف من أهل العلم، منهم – على سبيل المثال لا الحصر - : الأئمة الأربعة المشهود لهم بالإمامة، ومن في طبقتهم، ثم من تأسَّى بهم ونهج منهجهم وإن تأخر زمنهم .
…أما تسمية هذه الفِرَق المخالفة لجماعة المسلمين الواحدة، بالجماعات؛ فلا تصح، كما ذكرتُ سابقاً، وبيّنه الشيخ، بل يقال لها : فِِرَق وأحزاب .(1/15)
، وما خالف هذه الجماعة فهو مخالف لمنهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
ونقول – أيضًا - : كل من خالف أهل السنة والجماعة فهو من أهل الأهواء، والمخالفات تختلف في الحكم بالتضليل أو بالتكفير حسب كبرها وصغرها، وبعدها وقربها من الحق .
- - - - -
س 8 : هل تُخَالَط الجماعات أم تُهجر ؟ .
جـ / المخالطة إذا كان القصد منها دعوتهم – ممن عندهم علم وبصيرة- (1) إلى التمسك بالسنة، وترك الخطأ فهذا طّيِب، وهو من الدعوة
إلى الله، أما إذا كان الاختلاط معهم من أجل المؤانسة معهم، والمصاحبة لهم، بدون دعوة، وبدون بيان؛ فهذا لا يجوز .
…فلا يجوز للإنسان أن يخالط المخالفين إلا على وجه فيه فائدة شرعية، من دعوتهم إلى الإسلام الصحيح، وتوضيح الحق لهم لعلهم يرجعون(2)
__________
(1) …هذا صحيح بالنسبة للأفراد؛ فيمكن دعوتهم والتأثير عليهم، أما باعتبار تغيير المنهج والتأثير على رموزه فلا يمكن – بالجملة -؛ بل قد يؤثرون على من خالطهم بدلاً من أن يتأثروا .
…وهذه الفرق – عموماً – لا تخرج في دعوتها عن تعليمات قادتها كفِرقة الإخوان المسلمين وفرقة التبليغ؛ فكم نصح المخلصون لهم ؟، وكم كُتِبَ فيهم ؟، وإلى الآن ( محلَّك راوِح ) كما يقال .وهاك الدليل على ما أقول :
…قال حسن البنا مؤسس فِرقة الإخوان المسلمين في كتاب " مجموع الرسائل " ص:(24)، تحت عنوان : (( موقفنا من الدعوات )) ، يقول :
…(( موقفنا من الدعوات المختلفة .. أن نزنها بميزان دعوتنا؛ فما وافقها فمرحبًا وما خالفها فنحن براء منه )) !! .
…و أنا أقول : اللهم اشهد أني بريء من دعوة الإخوان المسلمين ومؤسسها، المخالفة للكتاب والسنة وما عليه سلف هذه الأمة .
…وعلى هذا .. فإنهم لن يقبلوا دعوة أحد؛ لأنهم يريدون دعوة غيرهم أن تكون تبعًا لدعوتهم وخاضعة لها . والله أعلم .
(2) …إذا كان ولا بد من مخالطتهم لدعوتهم وتوضيح المنهج السلفي؛ فلا يكون إلا للعلماء،
……=
=…أو لطلاب العلم؛ المتمكنين من العقيدة الصحيحة، ومن السنة ومنهج السلف الصالح، وإلا فلا .(1/16)
، كما ذهب ابن مسعود – - رضي الله عنه - – إلى المبتدعة الذين في المسجد، ووقف عليهم، وأنكر عليهم بدعتهم .
…وابن عباس – رضي الله عنهما – ذهب إلى الخوارج، وناظرهم، ودحض شبههم، ورجع منهم من رجع .
فالمخالطة لهم إذا كانت على هذا الوجه فهي مطلوبة، وإن أصروا على باطلهم وجب اعتزالهم ومنابذتهم، وجهادهم في الله .
- - - - -
س 9 : هل هناك بأس في التحذير من هذه الفرق المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة ؟ .
جـ / نحن نحذِّر من المخالفين عموماً (1)، ونقول : نلزم طريق أهل
السنة والجماعة ونترك من خالف أهل السنة والجماعة، سواء كانت مخالفته كبيرة أو صغيرة؛ لأننا إذا تساهلنا في المخالفة ربما تتطور الأمور وتتضخم؛ فالمخالفة لا تجوز أبدًا .
ويجب لزوم طريقة أهل السنة والجماعة في الكبيرة والصغيرة .
- - - - -
س10: هل يلزمنا ذكر محاسن من نحذِّر منهم ؟ .
__________
(1) …وهذا دأب السلف : لا يسكتون بل ينكرون على من يسكت.
قال محمد بن بندار الجرجاني للإمام أحمد : (( إنه ليشتد علي أن أقول : فلان كذا وفلان كذا، فقال أحمد: إذا سكَتَّ أنت وسكَتُّ أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم ؟ )) .
…مجموع الفتاوى ( 28/231 )، وشرح علل الترمذي : ( 1/350 ) .
…وعندما سئل الإمام أحمد عن حسين الكرابيسي قال للسائل : (( هو مبتدع ))، وقال في موضع آخر : (( إياك إياك وحسين الكرابيسي، لا تكلمه ولا تكلم من يكلمه – أربع مرات أو خمس مرات - )) . راجع تاريخ بغداد : ( 8/65) .
…بل يرى – السلف – الكلام في أهل البدع أفضل من الصيام والصلاة والاعتكاف.
……=
=…قيل لللإمام أحمد : (( الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال : إذا صام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل )) مجموع الفتاوى : ( 28/231 ) .(1/17)
جـ/ إذا ذكرت محاسنهم فمعناه أنت دعوت لاتِّباعهم، لا، لا تذكر محاسنهم (1).
أذكر الخطأ الذي هم عليه فقط (2)
__________
(1) …في ذكر محاسن المبتدع تغرير بالناس وإن ذكرتَ مساوئه؛ لأنهم لن ينظروا إلى المساوئ ما دمتَ أنك أثنيت عليه خيراً ولم يكن من منهج السلف الثناء على أهل البدع في النقد .
…فهذا الإمام أحمد – رحمه الله – لم يثنِ على حسين الكرابيسي، عندما بين حاله، وقال عنه : (( مبتدع ))، بل حذَّر منه ومن مجالسته، وكذا حذّر تحذيراً شديداً من مجالسة المحاسبي. وسيأتي نقله في حاشية رقم : ( 49 ) .
…وهذا أبو زرعة – رحمه الله – سئل عن الحارث المحاسبي وكتبه فقال للسائل : (( إياك وهذه الكتب، هذه كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر )) .
…ولا يخفي عليك – أخي القارئ – أن الكرابيسي والمحاسبي من بحور العلم، ولهم ردود على أهل البدع، ولكن الأول سقط في القول باللفظ في القرآن، والآخر سقط في
……=
=…شيء من الكلام ورَدَّ على أهل الكلام بالكلام ولم يرد بالسنة ..هذه أَهَم نقطة أنكرها عليه الإمام أحمد، راجع التهذيب : ( 2/117 )، تاريخ بغداد: ( 8/215-216 )، السِّير للذهبي : ( 13/110 ) ( 12/79 ) .
(2) …هذه كتب شيخ الإسلام ابن تيمية أكبر برهان في عدم ذكر محاسن المبتدعة حين ذكرهم ببدعهم؛ فهي مليئة بالردود والنقد : فقد رَدَّ على أهل المنطق والكلام،
…ورَدَّ على الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، ولم نجده ذكر شيئًا من محاسنهم، وانتقد أشخاصًا بعينهم : كرَدِّه على الأخنائي والبكري وغيرهم، ولم يثنِ عليهم، ولا يشك أحد أن هؤلاء لا يخلون من المحاسن، ولكن لا يلزم ذكر المحاسن في النقد . فتأمل .
…قال رافع بن أشرس – رحمه الله - : (( من عقوبة الفاسق المبتدع أن تُذكر محاسنه )) شرح علل الترمذي : ( 1/353 ) .(1/18)
؛ لأنه ليس موكولاً إليك أن تزكي وضعهم، أنت موكول إليك بيان الخطأ الذي عندهم من أجل أن يتوبوا منه، ومن أجل أن يحذره غيرهم، والخطأ الذي هم عليه ربما يذهب بحسناتهم كلها إن كان كفرًا أو شركًا، وربما يرجح على حسناتهم، وربما تكون حسنات في نظرك وليست حسنات عند الله .
- - - - -
س11 : جماعة التبليغ – عل سبيل المثال – يقولون : نحن نريد أن نسير على منهج أهل السنة والجماعة، ولكن بعضهم قد يخطئ؛ فيقولون : كيف تحكمون علينا وتحذِّرون مِنَّا ؟ .
جـ/ جماعة التبليغ كتب عنهم من ذهبوا معهم ودَارَسُوهم، وكتبوا عنهم الكثير، وشخصوا الأخطاء التي عندهم؛فعليكم أن تقرءوا ما كُتب
عنهم؛ ليتبين لكم الحكم في هذا (1)
__________
(1) …ممن كتب عن فِرقة التبليغ وأجاد وأفاد ووضَّح طريقتهم :
…فضيلة الشيخ : سعد بن عبدالرحمن الحصين – حفظه الله – في كتابه المسمى : " حقيقة الدعوة إلى الله تعالى وما اختُصَّت به جزيرة العرب، وتقويم مناهج الدعوات الإسلامية الوافدة إليها " الذي اعتنى بإخراجه وطبعه فضيلة الشيخ : فالح بن نافع الحربي؛ فقد جاء في صحيفة : ( 70 )، الطبعة الأولى، في مقصود كلمة : ( لا إله إلا الله ) عند فرقة التبليغ :
…(( إخراج اليقين الفاسد من القلب على الأشياء، وإدخال اليقين الصحيح على ذات الله؛ أنه : لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا مدبر إلا الله ))، وهذا لا يزيد على توحيد الربوبية الذي يقر به المشركون في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يدخلهم في الإسلام .
…وقال – أيضاً – في ص (70) : (( عقيدتُها – أي : التبليغ - : أحناف في المذهب الفقهي، أشعرية ماتوريدية في العقيدة، جشتية نقشبندية قادرية سَهْرَوَرْدِية في طريقة التصوف )) . ص : ( 81، الطبعة الثانية ) .
…وكتب عنهم الشيخ : حمود بن عبدالله التويجري – رحمه الله – كتابًا نفسيًا فريدًا في بابه، وهو أوسع ما كُتب عن هذه الفِرقة، حيث جمع فيه بين بيان حقيقة هذه الجماعة من كتبها، والرَّد عليها، وبين شهادة الشهود العدول من أبناء جنسها – وغيرهم – ممن حصلت لهم مواقف خاصة مع قادتها وأتباعها .
…وهو مطبوع – والحمد لله – باسم : " القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ " .
…وكتب عنهم الميجر : محمد أسلم – رحمه الله -، وهو باكستاني الجنسية، ومن خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة .
…وكتب عنهم الشيخ الدكتور : محمد تقي الدين الهلالي – رحمه الله – في كتابه : " السراج المنير في تنبيه جماعة التبليغ على أخطائهم "، وهو من أوسع ما كُتِب في فرقة التبليغ، وهو شرح لكتاب محمد أسلم .
……=
=…وقد اتضح لكثير ممن كان مخدوعاً بهم، حقيقة أمرهم؛ فهجرهم، وحذّر منهم .
…ويكفي في ذمهم : أنهم لا يهتمون بالدعوة إلى التوحيد، بل ينفرّون منها، وممن يدعون إليها .
…ويقال لمن انخدع بهذه الفرقة الصوفية المقنَّعة ممّن يخرج معهم : وزِّعوا كتب الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله -؛ كتاب التوحيد – مثلاً – أثناء الخروج معهم، ثم انظروا ردّة الفعل منهم، وكيف يتحوّل حُسن الخُلُق المتكلّف إلى وحشية وهمجية، والصداقة إلى بغضاء وعداوة،…وهذا أمر مجرّب، وبهذا ينكشف أمرهم لك .
…قال مفتي الديار السعودية ورئيس القضاة والشؤون الإسلامية في عصره الشيخ : محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله – في (( فتاواه ورسائله )) : ( 1/267 ) :
(( هذه الجمعية – يعني : كلية الدعوة والتبليغ الإسلامية – لا خير فيها، فإنها جمعية بدعة وضلال وبقراءة الكتيبات … وجدتها تشتمل على الضلال والبدعة والدعوة إلى عبادة القبور والشرك … )) باختصار . تاريخ الفتوى 29/1/1382هـ .
ويقول المفتي العام للمملكة العربية السعودية في عصره، الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – في مجلة الدعوة السعودية، العدد : ( 1438 ) تاريخ 3/11/1414هـ : (( جماعة التبليغ ليس عندهم بصيرة في مسائل العقيدة، فلا يجوز الخروج معهم … )) "الفتاوى": (8/331).
وقال أيضاً في جوابه لسؤال : هل تدخل في الثنتين وسبعين فرقة ؟
(( نعم؛ تدخل في الثنتين والسبعين، من خالف عقيدة أهل السنة دخل في الثنتين والسبعين )) . ( المجلة السلفية ) العدد : السابع، ص ( 47 ) سنة 1422هـ .
قال العلامة محدث الشام، الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - :
(( جماعة التبليغ لا تقوم على منهج الكتاب والسنة، وما كان عليه سلفنا الصالح. فلا يجوز الخروج معهم .. )) ( الفتاوى الأماراتيه ) .(1/19)
.
الحمد لله ، الله أغنانا عن اتباع فلان وعلان، فعندنا طريق أهل السنة والجماعة نلزمه، ولا علينا من جماعة تبليغ أو غير تبليغ، هذا لسنا بحاجة إليه؛
فماذا بعد الحق إلا الضلال .
أما حقيقتهم فقد كتب عنهم كتابات كثيرة، اطلعوا عليها تعرفوا، والذين كتبوا عنهم ممن ذهبوا معهم وسافروا معهم وخالطوهم وكتبوا عنهم عن معرفة وعن بينة .
- - - - -
س12: هل هذه الجماعات تدخل في الاثنتين وسبعين فِرقَة الهالكة؟.
جـ/ نعم، كل من خالف أهل السنة والجماعة ممن ينتسب إلى الإسلام في الدعوة، أو في العقيدة، أو في شيء من أصول الإيمان؛ فإنه يدخل في الاثنتين وسبعين فرقة، ويشمله الوعيد، ويكون له من الذم والعقوبة بقدر مخالفته .
- - - - -
س 13 : هل من تسمَّى بالسلفي يعتبر متحزِّبًا ؟ .
جـ/ التسمِّي بالسلفية إذا كان حقيقة لا بأس به (1)
__________
(1) …قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى : ( 4/149 ) ما نصه : (( لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق؛ فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقًا )) .
أقول : تأمَّل أخي القارئ كلام شيخ الإسلام الذي كان قبل ثمانية قرون، وكأنه يرد على بعض المعاصرين اليوم ممن انتسب إلى العلم، وهو يقول : (( من أوجب على أحد الناس – أوجبه وجوبًا – أن يكون : إخوانيًا، أو سلفيًا، أو تبليغيًا، أو سروريًا؛ فإنه يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتِل ))!!.
…=
=…قالها في شريط مُتداول بين الشباب بعنوان : " فِرَّ من الحزبية فرارك من الأسد "•. =
...................................................................................................
(•)… بعد الانتهاء من هذا الكتاب وصلتني أوراق فيها بعض المراجعات من عائض القرني عن بعض أخطائه؛ فوجدت من بين تراجعاته تراجعه عن هذه الزلّة؛ فمن باب العدل والإنصاف نذكر له تراجعه؛ مع التحفّظ على بعض التراجعات وأسلوبه فيها، وقد تسمّى( مغالطات )؛ فيقول : (( الرابعة عشرة : وقد قلت في شريط " فِرَّ من الحزبية فرارك من الأسد " : ( من أوجب على الناس أن يكون أحدهم إخوانيًا، أو تبليغيًا، أو سلفيًا؛ فإنه يُستتاب؛ فإن تاب وإلا قُتل ) ا هـ .
فهذه العبارة خطأ مني، وأستغفر الله منها، وأنا أردتُ من فعل ذلك فقد شرّع، ولكنها غلطة على كل حال، وأنا أعتذر منها، وأعتقد أن مذهب السلف هو المذهب الصحيح الذي يجب على الناس اتباعه واقتفاءه، وسلوك سبيله )) انتهى النقل من الأوراق .
إن من المعلوم عند أهل السنة والجماعة الرجوع عن جميع الأخطاء وليس الجزء ، وأن يكتب الاعتراف والتصويب والرجوع في منابر النشر والإعلان حتى يراها كل أحد، وليس في أوراق منزوية لا يدري بها إلا أقل القليل؛ فتنبه أخي القارئ من المغالطات !! .
يقول ابن القيم : " من - شرط - توبة الداعي إلى البدعة : أن يبين أن ما كان يدعو إليه؛ بدعة وضلالة وأن الهدى في ضده . " عدة الصابرين : (93) .
…ثم إنّا نسأل سؤالاً : هل هذه هي الغلطة الوحيدة والزلة الفريدة من هذا الداعية الذي حصل على درجة الدكتوراه مؤخراً ؟
…إقرأ ما يلي :
يقول في كتابه (( المسك والعنبر .. )) ( 1/189 ) :
(( ماذا قدمنا للعام الهجري المنصرم ؟ ولك أن تتعجب معي !! وإنْ تعجب فعجب فِِعلُهم في هجرة محمد عليه الصلاة والسلام !! أين هي الصحف الصباحية ؟ أين هي الشاشة ؟ أين صحف لا تُحْيي محمداً - صلى الله عليه وسلم - ؟ بلاد ما أشرقت عليها شمس إلا بدعوته ولا تُحييه ؟ لا كلمة !! ولا عموداً صغيراً !! ولا زاوية تُحيْي المصلح العظيم )) ؟ !! ا. هـ .
…(
…=
=…فأقول : سبحان الله !، كيف سمح لنفسه أن يحشر المنهج السلفي الحق بين هذه المناهج والفِرَق البدعية الضالة الباطلة ؟ .
وسؤالنا لهذا الذي يعيش في بلاد التوحيد – ورسالته الماجستير في الحديث وقد حصل على الدكتوراه مؤخراً - : إن لم تكن سلفيًا فماذا عسى أن تكون ؟ !!.
وقد سئل العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله - :ما تقول فيمن تسمَّى بالسلفي والأثري، هل هي تزكية ؟ .
فأجاب سماحته – رحمه الله - : (( إذا كان صادقًا أنه أثري أو أنه سلفي لا بأس، مثل ما كان السلف يقول : فلان سلفي، فلان أثري، تزكية لا بد منها، تزكية واجبة )) .من محاضرة مسجلة بعنوان : " حق المسلم "، في 16/1/1413هـ بالطائف .
ويقول الشيخ بكر أبو زيد : (( وإذا قيل:السلف أوالسلفيون أو لجادتهم السلفية؛ فهي …=
...................................................................................................
( =…أليس هذا شبيه إن لمَ يكن مثله بالاحتفال البدعي (( المولد )) . الذي تحييه الصحافة والإذاعات والشاشات إلاّ هذه الدولة (( السنية – السلفية )) بلاد الحرمين : المملكة العربية السعودية حماها الله من أهل الأهواء والبدع . ويزيد الأمر تأكيداً في الغلو بالاحتفال بيوم الهجرة النبوية من هذا الداعية فيقول : ( 1/190 ) :
(( فماذا يَعتذر هؤلاء أمامه عليه الصلاة والسلام غداً )) ؟ !!
ويعني : الذين لمَ يحيوا يوم الهجرة بالكتابة والكلام عنه في الصحف والإذاعات والشاشات .
وقد زاد الغلو في الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل كلامه السابق فيقول :
(( أما المحرر الأول، أما إنسان عين الكون، أما الرجل الذي أصلح الله به الأمة؛ فلا كلام، ولا ترجمة )) .وهذا عين كلام الصوفية .
وكيف يتهم الداعية الأمة بانها ما ترجمت للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو اتهام لسلفنا الصالح؛ فكم من كتب تكلمت عن سيرته، وشمائله - صلى الله عليه وسلم - .
إلاّ أن تكون الترجمة المطلوبة بذكرى هجرته - صلى الله عليه وسلم - على نسق (( احتفال المولد )) فاللهم سلِّم سلِّم . ولمزيد من المعرفة إقرأ ما قاله بعد أن أوقف عشر : ص (245) .
=…هنا نسبة إلى السلف الصالح : جميع الصحابة – رضي الله عنهم – فمن تبعهم بإحسان، دون من مالت بهم الأهواء .. والثابتون على منهاج النبوة نُسِبُوا إلى سلفهم الصالح في ذلك؛ فقيل لهم : السلف، السلفيون، والنسبة إليهم : سلفي، وعليه فإن لفظ السلف؛ يعني : السلف الصالح .
وهذا اللفظ عند الإطلاق، يعني : كل سالك في الإقتداء بالصحابة – رضي الله عنهم – حتى ولو كان في عصرنا، وهكذا، وعلى هذا كلمة أهل العلم .
…فهي نسبة ليس لها رسوم خرجت عن مقتضى الكتاب والسنة، وهي نسبة لم تنفصل لحظة واحدة عن الصدر الأول، بل هي منهم وإليهم. وأما من خالفهم باسم أو رسم فلا، وإن عاش بينهم وعاصرهم ) " حكم الانتماء " ص 46 ط . الثانية .
ويقول أيضاً : (( كن سلفيَّاً على الجادّة )) " حِلية طالب العلم " ص : ( 8 ) .
أقول : هذه النسبة جارية في كتب التراجم والسيِّرَ :
فهذا الإمام الذهبي يقول في ترجمة محمد بن محمد البهراني : (( وكان ديِّناً خيِّراً سلفيِّاً)). معجم الشيوخ : ( 2/280 ) .
وقال في ترجمة : أحمد بن أحمد بن نعمة المقدسي : (( وكان على عقيدة السلف )) " معجم الشيوخ " : ( 1/34 ) .
فالنسبة إلى السلف نسبة لا بد منها حتى يتبين السلفي الحق من المتستر خلفهم، وحتى لا يلتبس الأمر على كل من يريد الاقتداء بهم، وينسج على منوالهم .
فإذا كثرت المذاهب المنحرفة والحزبيات الضالة المضلة فإن أهل الحق يعلنون انتسابهم إلى السلف من أجل البراءة ممن خالفهم، والله – تعالى – يقول لنبيه والمؤمنين: { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } { وما أنا من المشركين } .
…(1/20)
، أما إذا كان
مجرد دعوى؛ فإنه لا يجوز له أن يتسمَّى بالسلفية وهو على غير منهج السلف.
فالأشاعرة – مثلاً – يقولون : نحن أهل السنة والجماعة، وهذا غير صحيح؛ لأن الذي هم عليه ليس هو منهج أهل السنة والجماعة، كذلك المعتزلة يسمون أنفسهم بالموحدين .
كلٌ يَدَّعي وصلاً لليلى
وليلى لا تُقِر لهم بذاكا
فالذي يزعم أنه على مذهب أهل السنة والجماعة يتبع طريق أهل السنة والجماعة ويترك المخالفين، أمَّا أنه يريد أن يجمع بين ( الضب والنون ) – كما يقولون -، أي : يجمع بين دواب الصحراء ودواب البحر؛ فلا يمكن هذا، أو يجمع بين النار والماء في كِفَّة؛ فلا يجتمع أهل السنة والجماعة مع مذهب المخالفين لهم كالخوارج، والمعتزلة، والحزبيين ممن يسمونهم : ( المسلم المعاصر )، وهو الذي يريد أن يجمع ضلالات أهل العصر مع منهج السلف، فـ (( لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها )) .
فالحاصل أنه لا بد من تمييز الأمور وتمحيصها .
- - - - -
س 14 : من المعلوم أن الدعوة إلى الله تحتاج إلى العلم الشرعي؛ فهل هذا العلم هو حفظ الكتاب والسنة ؟ وهل يكفي العلم الذي يدرس في المدارس والجامعات للدعوة إلى الله ؟ .
جـ/ العلم هو حفظ النصوص وفهم معانيها؛ فلا يكفي حفظ النصوص فقط، لا يكفي أن الإنسان يحفظ نصوص القرآن والأحاديث، لا بد من معرفة معانيها الصحيحة، أما مجرد حفظ النصوص بدون فهم لمعانيها؛ فهذا لا يؤهل للدعوة إلى الله - عز وجل -.
أما ما يدرَّس في المدارس إذا كان فيه حفظ للنصوص وفهم لمعانيها؛ فهو كافٍ .
أما إذا كان حفظاً للنصوص دون فهم للمعاني؛ فهذا لا يؤهل للدعوة، لكن بإمكان هذا أن يُحَفِّظ الناس النصوص التي حفظها، ويلقِّنهم إياها دون شرح لمعانيها، أو يقرأها عليهم، ويُسمعهم إياها .
- - - - -(1/21)
س 15 : قد يتوهّم البعض إن الدعوة إلى الله لا يقوم بها إلا العلماء على الإطلاق، وأنه لا يلزم غيرهم القيام بالدعوة فيما علموه؛ فما توجيه فضيلتكم في ذلك ؟ .
جـ/ هذا ليس بتوهّم، هذا حقيقة، الدعوة لا يقوم بها إلا العلماء .
وأنا أقول هذا، لكن هناك أمور واضحة يعرفها كل إنسان؛ فكل إنسان يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر بحسب معرفته، فيأمر أهل بيته بالصلاة وبالأمور الواضحة، هذا مفروض حتى على العامة يأمرون أولادهم بالصلاة في المسجد، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر ))(1)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (( كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته ))(2)، هذه تسمى رعاية، وهذه تسمى أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه؛ فإن
لم يستطع فبقلبه )) (3) .
فالعامي مطلوب منه أن يأمر أهل بيته وغيرهم بالصلاة، والزكاة، وطاعة الله، وتجنُّب المعاصي، وأن يطهر بيته من المعاصي، ويربي أولاده على الطاعة، هذا مطلوب منه وإن كان عامياً؛ لأن هذا يعرفه كل أحد، هذا أمر واضح .
أما الفتاوى، وبيان الحلال والحرام، وبيان الشرك والتوحيد؛ فهذا لا يقوم به إلا العلماء .
- - - - -
س 16 : جماعات الدعوة كثرت الآن، والدعاة إلى الله كثروا، ولكن الاستجابة قليلة؛ فما السرِّ في ذلك ؟ .
جـ/ نقول :
أولاً : نحن لا نشجّع على كثرة الجماعات في الدعوة وغيرها، نحن نريد جماعة واحدة صادقة، تدعو إلى الله على بصيرة .
__________
(1) …صحيح : أبو داود : ( 495 )، " نصب الراية " : ( 1/298 ) بألفاظ متقاربة .
(2) …البخاري : ( 853 ) .
(3) …مسلم : 49 .(1/22)
أما كثرة الجماعات، وكثرة المناهج؛ فهذا مما يسبب الفشل والنزاع، والله – تعالى – يقول : { وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } (1). وقال - عز وجل -: { وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا } (2).
وقال – جل ذكره - : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا } (3) .
نريد جماعة واحدة تكون على المنهج الصحيح والدعوة الصحيحة، حتى ولو تفرَّقت في البلدان؛ فإن مرجعها واحد (4)، ويراجع بعضها بعضًا؛ فيستمد بعضها من بعض، هذا هو المطلوب .
أما كثرة الجماعات التي ليست على منهج واحد فمآلها الاختلاف .
ثانيًا : لا شك أن في إخلاص الداعية تأثيرًا على المدعو؛ فإذا كان الداعية مخلصًا في نيته وكان يدعو على المنهج الصحيح وعلى بصيرة وعلم فيما يدعو إليه، فإن هذا يكون له تأثير على المدعو، أما إذا لم يكن مخلصًا في دعوته وإنما يدعو إلى نفسه، أو يدعو إلى حزبية، أو إلى جماعة منحرفة، أو إلى عصبية – حتى ولو كان يتسمّى بالإسلام-؛ فإن هذا لا ينفع بشيء، وليس من الدعوة للإسلام بشيء .
وكذلك إذا كان يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن لا يعمل بما يدعو إليه؛ فهذا – أيضًا – مما ينفِّر الناس عنه، والله – تعالى – يعلم ما في القلوب، ويعلم ما يفعل الإنسان في أَيِّ مكان؛ فإذا كان يبارز الله بالمخالفة إذا خلى، و إذا ظهر للناس يدعوهم إلى الخير وهو بخلافه؛ فهذا لا يؤثر شيئًا، ولا يقبل منه؛ لأن الله لم يجعل في دعوته بركة، وانظر إلى الدعاة المخلصين؛ ماذا أثمرت دعوتهم، وهم أفراد، ولهم أضداد ؟، أمثال :
__________
(1) …الأنفال : 46 .
(2) …آل عمران : 105 .
(3) …آل عمران : 103 .
(4) …مصدر واحد هو الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح .(1/23)
شيخ الإسلام ابن تيميّة، وتلامذته، وشيخ الإسلام : محمد بن عبدالوهاب، وغيرهم، وانظر إلى كثرة الدعاة اليوم، وكثرة الجماعات الدعوية، وقِلّة آثارهم، وقِلة نفعهم؛ لتعلم أن العبرة بالكيفية لا بالكمية .
- - - - -
س 17 : هل مناهج الدعوة إلى الله توقيفية، أم اجتهادية ؟ .
جـ/ مناهج الدعوة توقيفية، بيَّنها الكتاب والسنة وسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - (1)
__________
(1) …إن الله تعالى قد أكمل لنا الدين؛ فليس لأحد من الناس أن يخترع من عنده طريقة للدعوة، وإلا سيكون لسان حاله يقول : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَصَّر في تبليغ الرسالة، وإلى التوصل إلى طريقة أكثر فائدة وتأثيرًا .
…فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن، قال له : (( إنك ستأتي قوماً أهل كتاب؛ فإذا جئتهم فادعُهم إلى : أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم .. )) الحديث . أخرجه البخاري (1331، 1425) .
…فهذا الحديث يدل دلالة واضحة صريحة على أن مناهج الدعوة إلى الله توقيفية، وإلا فإن معاذ بن جبل أجدر بالدعوة من آلاف دعاة اليوم .
…وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل جعل السماع طريقة لدعوة الناس وتتويبهم، وهذا نص السؤال والجواب :
…(( سئل – رحمه الله – عن جماعة يجتمعون على قصد الكبائر من قتل وقطع الطريق
…والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك، ثم إن شيخاً من المشايخ المعروفين بالخير واتباع السنة قصد منع المذكورين من ذلك؛ فلم يمكنه إلا أن يقيم لهم سماعًا يجتمعون فيه بهذه النيبة، وهو بدُف بلا صلاصل، وغناء المغني بشعر مباح بغير شبابة؛ فلما فعل هذا تاب
=…منهم جماعة، وأصبح من لا يصلي ويسرق ولا يزكي .. يتورع من الشبهات ويؤدي المفروضات ويجتنب المحرمات؛ فهل يباح فعل هذا السماع لهذا الشيخ على هذا الوجه لِمَا يترتب عليه من المصالح ؟ مع أنه لا يمكنه دعوتهم إلا بهذا !! .
فأجاب – رحمه الله - :
(( الحمد لله رب العالمين، إن الله بعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق، ...، وأنه أكمل له ولأمته الدين، ..، وأمر الخلق أن يردوا ما تنازعوا فيه من دينهم إلى ما بعثه به، ..، فمن اعتصم بالكتاب والسنة كان من أولياء الله المتقين وحزبه المفلحين وجنده الغالبين، وكان السلف كمالك وغيره يقولون : "السنة كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق".
إذا عرفتَ هذا؛ فمعلوم أن ما يهدي به الله الضالين، ويرشد به الغاوين، ويتوب على العاصين، لا بد أن يكون فيما بعث الله به رسوله من الكتاب والسنة، ..، وإذا تبين هذا نقول للسائل : إن الشيخ المذكور قصد أن يتوب المجتمعون على الكبائر؛ فلم يمكنه ذلك إلا بما ذكره من الطريق البدعي؛ يدل أن الشيخ جاهل بالطرق الشرعية التي بها تتوب العصاة، أو عاجز عنها؛ فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هم شر من هؤلاء من أهل الكفر، والفسوق، والعصيان؛ بالطرق الشرعية التي أغناهم الله بها عن الطرق البدعية )) .
انتهى باختصار من مجموع الفتاوى : ( 11/620-624 )، وقد طبعت مفردة بعناية الأخ / يوسف العتيق – وفقه الله – بعنوان : (( الطرق الشرعية والطرق البدعية في المسائل الدعوية من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية )) .
فتأمل – أخي الكريم – هذه الطريقة البدعية، وقارنها بالطريقة التي يسلكها بعض الدعاة اليوم والفِرَق، ويسمونها : ( مناهج دعوية ) من : اللعب بالكرة، والأناشيد، والتمثيليات التي يسمونها ( إسلامية ) – زعموا -، والرحلات، والقصص؛ فالله المستعان، والله – تعالى – أعلم .(1/24)
، لا نحدث فيها شيئًا من عند أنفسنا، وهي موجودة في كتاب الله
وفي سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا أحدثنا ضِعنا وضَيَّعنا .
قال – - صلى الله عليه وسلم - - : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ )) (1) .
نعم، جَدَّت وسائل تُستخدم للدعوة اليوم، لم تكن موجودة من قبل، مثل : مكبرات الصوت، والإذاعات، والصحف، والمجلات، ووسائل الاتصال السريع، والبث الفضائي؛ فهذه تُسمى : وسائل ، يُستفاد منها في الدعوة، ولا تُسمّى مناهج؛ فالمناهج بَيَّنها الله – تعالى – بقوله : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (2)، وقوله – تعالى - : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي } (3)، وفي سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة بمكة والمدينة ما يُبَيّن مناهج الدعوة؛ { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } (4) .
- - - - -
س 18 : ما هو المنهج الصحيح في المناصحة، وخاصة مناصحة الحكام؛ أهو بالتشهير على المنابر بأفعالهم المنكرة ؟ أم مناصحتهم في السر ؟ أرجو توضيح المنهج الصحيح في هذه المسألة ؟ .
جـ / العصمة ليست لأحد إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فالحكام المسلمون بشر يخطئون، ولا شك أن عندهم أخطاء وليسوا معصومين، ولكن لا نتخذ من أخطائهم مجالاً للتشهير بهم ونزع اليد من طاعتهم، حتى وإن جاروا، وإن ظلموا (5)
__________
(1) …البخاري : ( 3550 )، ومسلم : ( 1718 ) .
(2) …النحل : 125 .
(3) …يوسف : 108 .
(4) …الأحزاب : 21 .
(5) …هذه عقيدة أهل السنة والجماعة في الحاكم المسلم .
…قال صاحب العقيدة الطحاوية ( ص : 379 ) : (( ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يدًا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله-عز وجل-فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة ))
…هذا هو الذي عليه دعاة الحق إلى يومنا هذا .
…ويتكرر مثل هذا الكلام وما في معناه من سماحة شيخنا الشيخ : عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله – في دروسه ومحاضراته، وانظر كتاب : (( المعلوم من واجب العلاقة بين الحاكم والمحكوم ))، و (( نصيحة الأمة في جواب عشرة أسئلة مهمة ))، وانظر – أيضًا – تقديم سماحته لكتاب (( نبذة في حقوق ولاة الأمر )) عبدالعزيز العسكر .
…ولسماحته – رحمه الله – كلمة في (( مجلة البحوث الإسلامية )) العدد ( 50 ) .
…ففي هذه الكتب أبلغ ردٍّ على من يدَّعي أن سماحته لا يرى الكلام والتأليف في هذا الموضوع .(1/25)
، حتَّى وإن عصوا، ما لمَ يأتوا كفرًا بواحًا، كما أمر بذلك النبي- صلى الله عليه وسلم -(1)، وإن كان عندهم معاصٍ وعندهم جور وظلم؛ فإن الصبر على طاعتهم (2) جمع للكلمة، ووحدةً للمسلمين، وحماية لبلاد المسلمين،
__________
(1) …يشير-حفظه الله -إلى حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - الذي يقول فيه : (( دعانا النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فبايعناه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان )) الفتح : ( 13/5 ) .
…زاد أحمد : (( وإن رأيت أن لك – أي : اعتقدت أن لك – في الأمر حقًا فلا تعمل بذلك الظن، بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة )) .
…زاد ابن حبان وأحمد : (( وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك )) الفتح : ( 13/8 ) .
(2) …يشير الشيخ – حفظه الله – إلى حديث ابن عباس – رضي الله عنهما -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال : (( من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه؛ فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات إلا مات ميتة جاهلية)) أخرجه البخاري : ( 7054 ) .
……=…
=…وحديث أنس بن مالك – - رضي الله عنه - – أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إنكم سترون بعدي أثَرة وأمورًا تنكرونها )) قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ . قال : أدُّوا إليهم حقهم، وسَلوا الله حقكم )) .أخرجه البخاري : ( 7052 )، الترمذي : ( 2190 ) .(1/26)
وفي مخالفتهم ومنابذتهم مفاسد عظيمة؛ أعظم من المنكر الذي هم عليه، يحصل – في مخالفتهم – ما هو أشد (1) من المنكر الذي يصدر منهم، ما دام هذا المنكر دون الكفر، ودون الشرك .
ولا نقول : إنه يسكت على ما يصدر من الحكام من أخطاء، لا، بل تُعالَج، ولكن تُعالَج بالطريقة السليمة، بالمناصحة لهم سرًا، والكتابة لهم سرًا .
وليست بالكتابة التي تُكتب، ويوقع عليها جمع كثير، وتُوزّع على الناس، هذا لا يجوز، بل تُكتب كتابة سرية فيها نصيحة (2)، تُسَلّم لولي الأمر، أو يُكَلّم شفويًا، أما الكتابة التي تُكتب وتُصَوَّر وتُوَزَّع على الناس؛ فهذا عمل لا يجوز، لأنه تشهير، وهو مثل الكلام على المنابر، بل هو أشد، بل الكلام يمكن أن يُنسى، ولكن الكتابة تبقى وتتداولها الأيدي؛ فليس هذا من الحق .
قال - صلى الله عليه وسلم -: (( الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة )) قلنا : لمن يا رسول الله؟. قال :(( لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم )) (3).
وفي الحديث : (( إن الله يرضى لكم ثلاثًا : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم )) (4) .
__________
(1) …كالمظاهرات التي تحدث في بعض البلدان المجاورة، وهذه المظاهرات من عادات الكفار، وليست من عند المسلمين، وليست من الدين في شيء، وينتج عنها سفك الدماء وهتك الأعراض والتسلط على السنة وأهلها؛ فهلا فكر دعاة التهييج السياسي في العاقبة ؟!.
(2) …هذا هو المنهج السلفي في مناصحة ولاة الأمر : تكون سرًا حتى تكون أبعد عن الرياء،
…وأحرى للقبول عندهم، وقبول العمل عند الله – أيضًا -، وسيأتي – إن شاء الله – ذِكر بعض النصوص والآثار في ذلك .
(3) …أخرجه مسلم : ( 55 ) .
(4) …صحيح: " الموطأ " : ( 2/756 )، أحمد : ( 2/367 )، وأصله في (( مسلم )) : ( 1715 ) .(1/27)
وأولى من يقوم بالنصيحة لولاة الأمور هم العلماء، وأصحاب الرأي والمشورة، وأهل الحل والعقد، قال الله - تعالى - { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم } (1) .
فليس كل أحد من الناس يصلح لهذا الأمر، وليس الترويج للأخطاء والتشهير بها من النصيحة في شيء، بل هو من إشاعة المنكر والفاحشة في الذين آمنوا، ولا هو من منهج السلف الصالح، وإن كان قصد صاحبها حسنًا وطيبًا، وهو : إنكار المنكر – بزعمه -، لكن ما فعله أشد منكرًا مما أنكره، وقد يكون إنكار المنكر منكرًا إذا كان على غير الطريقة التي شرعها الله -تعالى- ورسوله - صلى الله عليه وسلم -(2)؛ لأنه لم يتبع طريقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الشرعية الَّتِي رسمها، حيث قال – عليه الصلاة والسلام - : (( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه؛ فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )) (3) .
__________
(1) …النساء : 83 .
(2) …قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : (( الرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا قيل : ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ونهيك عن المنكر غير منكر، وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات أو المستحبات، لا بد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة ... بل كل ما أمر الله به هو صلاح .
……=
=…وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين وذم الفساد والمفسدين في غير موضع؛ فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم لم يكن مما أمر الله به، وإن كان قد ترك واجبًا وفعل محرمًا، إذ المؤمن عليه أن يتقي الله في عباد الله وليس عليه هداهم )) انتهى من رسالة " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " ص : ( 19 ) .
(3) …أخرجه مسلم : ( 49 ) .(1/28)
فجعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - الناس على ثلاثة أقسام :
منهم : من يستطيع أن يزيل المنكر بيده وهو صاحب السلطة، أي : ولي الأمر، أو من وُكِل إليه الأمر، من : الهيئات، والأمراء، والقادة .
والقسم الثاني : العالِم الذي لا سلطة له؛ فينكر بالبيان والنصيحة، بالحكمة والموعظة الحسنة، وإبلاغ ذوي السلطة بالطريقة الحكيمة .
والقسم الثالث : من لا عِلم عند ولا سلطة؛ فإنه ينكر بقلبه، فيبغضه، ويبغض أهله، ويعتزلهم .
- - - - -
س 19 : انتشر اليوم بين الشباب : أنه يلزم الموازنة في النقد، فيقولون : إذا انتقدت فلانًا من الناس – في بدعته -، وبيَّنت أخطاءه؛ يلزمك أن تذكر محاسنه، وهذا من باب الإنصاف والموازنة. فهل هذا المنهج في النقد صحيح ؟ وهل يلزمني ذكر المحاسن في حالة النقد ؟ . جـ / هذه المسألة تقدم الجواب عنها، لكن إذا كان المنتَقَد من أهل السنة والجماعة، وأخطاؤه في الأمور التي لا تخِلّ بالعقيدة، فنعم، هذا تُذكر ميزاته وحسناته، وتُغمر زلاته في نصرته للسنة .
أما إذا كان المنتَقَد من أهل الضلال، ومن أهل الانحراف، ومن أهل المبادئ الهدّامة أو المشبوهة؛ فهذا لا يجوز لنا أن نذكر حسناته – إن كان له حسنات -؛ لأننا إذا ذكرناها فإن هذا يغرر بالناس؛ فيحسنون الظن بهذا الضال، أو هذا المبتدع، أو هذا الخرافي، أو ذاك الحزبي؛ فيقبلون أفكار هذا الضال، أو هذا المبتدع، أو ذاك المتحزب .
والله – جل وعلا – رَدَّ على الكفرة، والمجرمين، والمنافقين، ولم يذكر شيئًا من حسناتهم (1)
__________
(1) …لا يخْلُ أحدٌ من الحسنات حتى اليهود والنصارى عندهم حسنات؛ فعلى قاعدة أهل الموازنة يلزم ذكر حسنات الكفار إذا ذكرناهم، وهذا لا يقول به عاقل فضلاً عن طالب علم؛ فتأمل – وفق الله الجميع - .
…فمنهج السلف في النقد عدم ذكر الحسنات، وإن ذكروا الحسنات فمن باب عدم الاغترار بها، وليس من باب قول القائل، ينبغي أن لا ننسى جهوده وأعماله .
…وهذا مثال من أقوى الأمثلة – وفيه الهدى والنور لمن تدبره :
…الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث الخوارج قال : (( يخرج من ضِئضئ هذا قومٌ، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويَدَعُون أهل الأوثان؛ لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد )) البخاري : ( 3166 ).
…وفي رواية أخرى : (( يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم )) البخاري : ( 3414 )،
وفي رواية : (( فأينما لقيتموهم فاقتلوهم )) البخاري : ( 3415 ) .
…أقول : والله الذي لا إله غيره، ما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الصفات لهؤلاء القوم بغية
……=
=…الثناء عليهم أو ليغرر بهم، وإنما ليحذر الناس منهم لئلا يغتروا بأعمالهم الصالحة في ظاهرها .
…وقد فهم السلف هذا المعنى، وطبَّقوه في حياتهم، وأصبح منهجًا يعتقدونه .
…فهذا الإمام أحمد – رحمه الله – يُسقِط الكرابيسي عندما قال باللفظ .
…روى الإمام عبدالله – رحمه الله – في كتابه " السنة " : ( 1/165 ) فقال : (( سمعت أبي يقول:"من قال لفظي بالقرآن مخلوق هذا كلام سوء رديء، وهو كلام الجهمية "، قلت له : إن حسينًا الكرابيسي يقول هذا؛ فقال: " كذب، هتكه الله، الخبيث" )) .
…وقال الإمام أحمد – رحمه الله – عن الحارث المحاسبي أشد من ذلك. فقد أخبر عنه علي بن أبي خالد، قال : قلت لأحمد : إن الشيخ – لشيخ حضر معنا – هو جاري، وقد نهيته عن رجل، ويحب أن يسمع قولك فيه : حارث القصير - يعني : حارث المحاسبي -، وكنتَ رأيتني معه منذ سنين كثيرة، فقلت لي : " لا تجالسه، ولا تكلمه "، فلم أكلمه حتى الساعة، وهذا الشيخ يجالسه، فما تقول فيه ؟ .
…فرأيتُ أحمد قد احمرّ لونه، وانتفخت أوداجه وعيناه، وما رأيته هكذا قط .
…ثم جعل ينتفض ويقول : " ذاك ؟! فعل الله به وفعل، ليس يعرف ذاك إلا من خَبَرَه وعرفه، أُوّيه، أُوّيه، أُوّيه. ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره وعرفه . ذاك جالسه المغازلي، ويعقوب، وفلان؛ فأخرجهم إلى رأي جَهْم، هلكوا بسببه " .
…فقال له الشيخ: يا أبا عبدالله، يروي الحديث، ساكن خاشع، من قصته، ومن قصته؟ . فغضب أبو عبدالله، وجعل يقول : " لا يغرّك خشوعه ولينه "، ويقول : " لا تغترّ بتنكيس رأسه؛ فإنه رجل سوء، ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره، لا تكلمه، ولا كرامة له، كل من حدّث بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان مبتدعاً تجلس إليه؟ لا، ولا كرامة، ولا نُعمى عين " . " طبقات الحنابلة " : ( 1/233 ) .
…قلت : فأين الإنصاف – المزعوم ! – من الإمام أحمد – رحمه الله-؛ لم يذكر للكرابيسي ولا المحاسبي حتى ولا حسنة واحدة ؟، مع أن الكرابيسي من بحور العلم، كما جاء في ترجمته .
…وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في حاشية رقم : ( 22 )، و ( 23 ) .
…انظر : تاريخ بغداد : ( 8/64 )، السِّير : ( 12/79 ) .…=
=…رحم الله الإمام أحمد، لو كان في زماننا هذا لمّا سَلِم ولرُمِي بالتشدد والعمالة، والعلمنة، وغير ذلك من الألفاظ التي يطلقها الحزبيون لمّا أعيتهم الحجج؛ لأنه ما داهن ولا جامل أهل البدع والأهواء .
…وقال رافع بن أشرس –رحمه الله-: (( من عقوبة الفاسق المبتدع أن لا تُذكر محاسنه )) شرح علل الترمذي : ( 1/353 ) .(1/29)
، وكذلك أئمة السلف يردون على الجهمية والمعتزلة وعلى أهل الضلال، ولا يذكرون شيئًا من حسناتهم؛ لأن حسناتهم مرجوحة بالضلال، أو الكفر، أو الإلحاد، أو النفاق؛ فلا يناسب أنك تَرُدَّ على ضال، مبتدع، منحرف، وتذكر حسناته، وتقول : هو رجل طيب، عنده حسنات، وعنده كذا، لكنه غَلِط !! .
نقول لك : ثناؤك عليه أشد من ضلاله، لأن الناس يثقون بثنائك عليه؛ فإذا رَوَّجت لهذا الضال المبتدع ومدحته فقد غرَّرت بالناس، وهذا فتح باب لقبول أفكار المضللين (1) .
__________
(1) …هاك أخي القارئ هذه الواقعة التي تؤكد مدى خطر التغرير بالناس بمدح أهل البدع :
…روى هذه الحادثة الإمام الذهبي – وغيره – قال : (( قال أبو الوليد الباجي في كتاب : " اختصار فرق الفقهاء " من تأليفه عند ذكر القاضي أبي بكر الباقلاني : لقد أخبرني أبو ذر الهروي – وكان يميل إلى مذهبه الأشعري – فسألته : من أين لك هذا ؟ قال : كنت ماشيًا مع أبي الحسن الدارقطني فلقينا القاضي أبا بكر ابن الطيب –الأشعري-؛ فالتزمه الدارقطني، وقبَّل وجهه وعينيه؛ فلما افترقا، قلت : من هذا الذي صنعت به ما لم أعتقد أنك تصنعه، وأنت إمام وقتك؟ . فقال : هذا إمام المسلمين، والذاب عن الدين، القاضي أبو بكر الطيب فمن ذلك الوقت تكررت إليه فاقتديت بمذهبه )) ا هـ .
" تذكرة الحفاظ " : ( 3/1104-1105 )، و " السير " : ( 17/558-559 ) .
…قلت : في هذه القصة ترى أن الدارقطني لَمَّا فعل هذا بالباقلاني الأشعري، وأثنى عليه؛
……=
=…بأنه إمام المسلمين ... إلخ؛ اغترّ بذلك من رآه، واعتنق مذهب الأشاعرة بسببه .
…وهكذا، كل من أثنى على أهل البدع والأهواء؛ فإنه سيوقع خلقًا كثيرًا في مذهبهم؛ خاصة إذا كان ممن يُرى فيه الصلاح . والله أعلم .(1/30)
وأما إذا كان المردود عليه من أهل السنة والجماعة فإن الرَّدَّ يكون بأدب، وينبَّه على أغلاطه التي تكون في مسائل الفقه ومسائل الاستنباط والاجتهاد؛ فنقول: فلان أخطأ في كذا والصواب كذا بالدليل –غفر الله له-، وهذا اجتهاده، وهكذا، كما كانت الردود بين الفقهاء من المذاهب الأربعة وغيرهم .
وهذا لا يقدح في مكانته العلمية إذا كان من أهل السنة والجماعة .
وأهل السنة والجماعة ليسوا معصومين، عندهم أخطاء وقد يفوت أحدهم الدليل أو اختلال الاستنباط؛ فلا نسكت على الخطأ وإنما نبينه مع الاعتذار عنه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد )) (1) .هذا في مسائل الفقه .
أما إذا كان في مسائل العقيدة فإنه لا يجوز لنا أن نمدح المضللين والمخالفين لأهل السنة والجماعة من : معتزلة، وجهمية، وزنادقة، وملاحدة (2)
__________
(1) …البخاري : ( 6919 )، مسلم : ( 1716 ) .
(2) …قد يقول قائل : لماذا أنتم تتكلمون عن المعتزلة، والجهمية، والزنادقة، والأشاعرة، والخوارج، والمرجئة، وتذكرونهم دائمًا عند ذكر مسائل العقيدة، مع أن هذه الفِرَق قد مضت، وأهلها أصبحوا تحت الثرى، وكما يقال : " أكل الزمان عليها وشرب " ولا داعي لذكرها ؟ .
……=
=…نقول – وبالله التوفيق - :
…نعم، هذه فِرَق كانت في الماضي، وأهلها ومؤسسوها قد فارقوا الحياة من قرون مضت، ولكن الأفكار ما زالت، وعقائدهم ما تزال، بل أتباعهم المتأثرون بهم موجودون بين أظهرنا؛ فعقيدتهم وأفكارهم تنتقل من جيل إلى جيل، ولها مروّجون .
…فأما عقيدة المعتزلة: فموجودة، بل منتشرة بين كثير من المنتسبين إلى الإسلام، لأن الشيعة بجميع طوائفها – حتى الزيدية – على عقيدة الإعتزال .
…وأما الأشعرية: فهي الفرقة التي لها الوجود الجماعي بين جمهور المسلمين اليوم .
وأما الإرجاء: فموجود – أيضًا – عند الحنفية الذين يرون أن الإيمان هو التصديق والقول فلا تدخل الأعمال – عندهم – في مسمى الإيمان، وإن كان هذا الإرجاء أخف نوعًا مِن إرجاء أهل الكلام المعروف .
وإن كان لا يخل عصر من هذه العقائد والمذاهب المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة في الاعتقاد، إلا أن لكل عصر رجال، يدافعون عن هذه العقيدة .
فقد انبرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء بالمملكة العربية السعودية في التحذير من الإرجاء في الفتوى رقم ( 21436 ) في 8/4/1421هـ .
قالت اللجنة : " مقالة المرجئة الذين يخرجون الأعمال عن مسمى الإيمان، ويقولون : الإيمان هو التصديق بالقلب، أو التصديق بالقلب والنطق باللسان فقط، وأما الأعمال فإنها عندهم شرط كمال فيه فقط وليست منه، فمن صدق بقلبه، ونطق بلسانه، فهو مؤمن كامل الإيمان عندهم، ولو فعل ما فعل من ترك الواجبات وفعل المحرمات ويستحق دخول الجنة ولو لم يعمل خيراً قط ....
ولا شك أن هذا قول باطل وضلال مبين مخالف للكتاب والسنة، وما عليه أهل السنة والجماعة سلفاً وخلفاً، وأن هذا يفتح باباً لأهل الشر والفساد .." انظر كتاب : "التحذير من الإرجاء وبعض الكتب الداعية له" : ( 8-9 ) .
…وأما الملاحدة من : وِحدة الوجود وغيرهم : فموجودة؛ لأن أتباع ابن عربي الطائي موجودون، وهم غلاة الصوفية .
……=
=…وعلى هذا .. فإننا عندما نذكر هذه الفرق لسنا نتحدث عن العظام وهي رميم، ولكننا نتحدث عن فِرَق موجودة بين المسلمين اليوم، وهو أمر لا يخفى على طلاب العلم، وإنما ينكر علينا – ذِكرنا لهذه الفرق – من لا يعرف الحقائق، أو يريد التلبيس على الناس، وترويج العقائد الباطلة؛ فعليه أن يسأل قبل أن ينكر . هذا باختصار، وإلا فالموضوع طويل الذيل، والله أعلم .
وإليك بعض الأمثلة التي توضِّح أن أفكار تلك الفِرَق الهالكة موجودة :
1- يقول " سيد قطب " في كتابه : " ظلال القرآن " : ( 4/2328 ) ما نصه :
(( القرآن ظاهرة كونية كالأرض ولسماوات )) .
وهذا قولٌ بخلق القرآن، وهو قول الجهمية وغيرهم .
…ويصف الآيات القرآنية في كتابه " ظلال القرآن " بـ: الاقاعات الموسيقية، والأسلوب الموسيقي. في سورة : الشمس، الفجر، الغاشية، الطارق، القيامة، هذا على سبيل المثال .
ويصف الله تعالى، بـ (( الصانع )) في سورة : ( الأعلى ) ص: [ 3883 ] تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .
2- ويقول – أيضًا – في كتابه : " الظلال " : ( 6/4002 ) في تفسير ( قل هو الله أحد ) : (( إنها أحدية الوجود؛ فليس هناك حقيقة إلا حقيقته، وليس هناك وجود حقيقي إلا وجوده، وكل موجود آخر فإنما يستمد وجوده من ذلك الوجود الحقيقي )) . فهذه عقيدة وحدة الوجود .
…قال العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله- : "قرأت تفسيره – يعني: ظلال القرآن لسيد قطب – لسورة الإخلاص وقد قال قولاً عظيمًا فيها، مخالفًا لما عليه أهل السنة والجماعة؛ حيث إن تفسيره لها يدل على أنه يقول بوحدة الوجود : " براءة علماء الأمة " : ( ص /42 ) .
وقال المحدث الشيخ الألباني – رحمه الله - : "نقل – سيد قطب – كلام الصوفية ولا يمكن أن يفهم منه إلا أنه يقول بوحدة الوجود" . المصدر السابق : (ص 37 ).
…=
=…وكتب –رحمه الله– بخط يده على فاتحة كتاب" العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم " للشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله (ص 3، ط. الثانية 1421هـ) هذه العبارة :"كل ما رددته على سيد قطب حق وصواب، ومنه يتبين لكل قارئ مسلم على شيء من الثقافة الإسلامية أن سيد قطب لم يكن على معرفة بالإسلام بأصوله وفروعه. فجزاك الله خير الجزاء أيها الأخ( الربيع ) على قيامك بواجب البيان والكشف عن جهله وانحرافه عن الإسلام. اهـ . ونشر في " المجلة السلفية " العدد السابع، عام 1422هـ، ص : ( 46 ) .
…3- ويقول " محمد قطب " : (( إن الأمر يحتاج إلى دعوة الناس من جديد إلى الإسلام، لا لأنهم – في هذه المرة – يرفضون إن ينطقوا بأفواههم : لا إله إلا الله محمد رسول الله، كما كان الناس يرفضون نطقها في الغربة الأولى، ولكن لأنهم – في هذه المرة – يرفضون المقتضى الرئيسي لـ لا إله إلا الله وهو : تحكيم شريعة الله )) انتهى ، نقلاً من كتاب " واقعنا المعاصر " ( ص : 29 ) .
أقول : هذا تكفير للجماهير بالجملة، وإلا كيف يحكم بأنهم رفضوا حكم الله ؟ وكيف يشبِّههم بالجاهلية قبل الإسلام ؟ دون تفصيل أو استثناء للذين يُحَكِّمون شريعة الله، وليس لهم دستور إلا كتاب الله .
ومثل هذا الإطلاق يتكرر كثيرًا من هؤلاء الكتاب، كأنهم لا يعترفون بوجود دولة إسلامية سلفية عملاقة في قلب الجزيرة العربية، ولا يعترفون بوجود مسلمين في الأقطار الأخرى من أهل الحديث، وغيرهم من أنصار السنة ومذهب السلف .
…والغريب أن هؤلاء – أو بعضهم – يعيشون في هذا البلد الإسلامي ( المملكة العربية السعودية ) عندما يطلقون مثل هذا الكلام، الذي فيه تلبيس خطير على القراء، حيث يفهم القارئ البسيط بأنه لا توجد اليوم دولة إسلامية تنطق بـ ( لا إله إلا الله )، وتعمل بمقتضاها، وتحكّم شرع الله، ولا يوجد أفراد أو جماعات من أهل التوحيد على وجه الأرض، وهذا تغرير منهم للقراء وتضليل وتلبيس حتى يوقعوهم في التكفير وقد وقع الكثير في ذلك. فلينتبه طالب العلم لهذه الظاهرة المنتشرة بين كثير من هذا الصنف من الكتاب، هداهم الله إلى الصواب .
……=
=…4- يقول أحد المنتسبين إلى الدعوة : (( من المجاهرة : أن الإنسان يفخر بالمعصية أمام زملائه، يبدأ يجاهر بأنه فعل كذا، وفعل كذا، ويبدأ يسرد قائمة من المعاصي . هذا لا يُغفر له !! إلا أن يتوب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم عليه بأنه لا يُعافى " كل أمتي معافى "
……أقول: أين في الحديث أن الله لا يغفر لهؤلاء ثم من قال من أهل السنة والجماعة أن من يموت على معصية -وإن كان مجاهراً- لا يغفر الله له إلا بالتوبة، أليس هو تحت المشيئة إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ثم أدخله الجنة ؟ إلا أن يكون هذا مذهب الخوارج والمعتزلة !!.
…ثم يستمر هذا الداعية فيقول: وأخبث وأعظم من ذلك أن بعضهم ... يقول : أنا لي علاقات محرّمة، وأنا لي صداقات، وأنا لي أسفار. فهذا يتشبّع بالمعصية. وبعضهم يسجّل المعصية على أشرطة،ولا كرامة لهم لأنهم مرتدون بفعلهم هذا!!.
يسجّل كيف غرّر بفتاة، وارتكب معها الفاحشة. وهذه رِدّة عن الإسلام، هذا مخلد في نار جهنّم، إلا أن يتوب )) !!. انتهى من شريط" جلسة على الرصيف ".
وعن المغنين الذين يتداول بعض الشباب أشرطتهم التي تدعو للرذيلة وتغرير الشباب والفتيات .. يقول: (( أنا مطمئن أن صاحب هذا العمل أقل ما يقال عنه: أنه مستخف بالمعصية، ولا شك أن الاستخفاف بالذنب – خاصة إذا كان ذنبًا كبيرًا ومتفق على تحريمه – أنه كفر بالله؛ فمثل هؤلاء لا شك أن عملهم هذا ردة عن الإسلام، أقول هذا وأنا مرتاح مطمئن القلب إلى ذلك )) انتهى من شريط " الشباب أسئلة ومشكلات "، وسيأتي في التعليق رقم (132) .
…أقول : إن التكفير، وتفسير انتشار المعاصي وإشاعتها بين الناس بالأخبار يعتبر استخفافًا يؤدي إلى الكفر؛ يدل على الجرأة الزائدة على التكفير بالكبيرة، وعدم التورع؛ وهذا من منهج الخوارج، حيث إنهم يكفّرون بالكبيرة؛ لأن ما ذكره من الإخبار بالمعاصي والعلاقات السيئة مع العصاة، فمثل هذا الكلام محتمل، وليس صريحًا في الاستحلال؛ قد يكون الحامل عليه الجهل، لذلك ينبغي التذكير وعدم
……=
=…التكفير، وهذه طريقة أهل السنة والجماعة، وليس الاستخفاف استهزاءًا، بل كل من فعل معصية كبيرة أو صغيرة؛ فإنه لا يفعلها إلا بعد ما يستصغرها ويستخفها؛ فليس المستخف بالمستهزئ . ومن ذا المعصوم ؟ ! والله أعلم .
5- يقول آخر متسائلاً ومجيبًا في الوقت نفسه :
…(( تصوَّر أن المنكرات الموجودة في مجتمعنا مجرد معاصِ ؟، كثير من الناس يتصور الآن أن الربا مجرد معصية أو كبيرة، والمخدرات والمسكرات مجرد معصية، والرشوة مجرد معصية أو كبيرة من الكبائر ...، لا يا إخوان !!، تتبعت هذا الأمر فوضح لي الآن: أن كثيرًا من الناس في مجتمعنا استحلوا الربا -والعياذ بالله- !!،
…أتعلمون الآن في بنوك الربا في بلادنا زادوا عن مليوني شخص،بالله عليكم هل كل هؤلاء الملايين يعرفون أن الربا حرام، ولكنهم ارتكبوها وهي معصية؟ لا والله !! .
إذًا من الخطورة الموجودة الآن بسبب كثرة انتشار المعاصي : أن الكثير قد استحلوا هذه الكبائر – والعياذ بالله - )) ا هـ من شريط " التوحيد أولاً " !! .
أقول كما قلت وتكلمت على المثال الذي قبله ..
ولكن هذا المثال أخطر على صاحبه في فهمي، وذلك أنه قال في مبالغاته الخطيرة : أن ما يقع في هذا المجتمع من الربا والمسكرات والرشوة، أن كل ذلك ليس مجرد معصية أو كبيرة من الكبائر، ويقسم بالله على ذلك .
وهذا كما أشرت سابقًا في كلامي على المثال الذي قبله .
والجزم بأن من ارتكب هذه المعاصي أنه مستحِل، دون أن يسمع من أحد التصريح بأن الربا حلال، وتعاطي الرشوة حلال، وتعاطي المسكرات والمخدرات حلال، الجزم بالتكفير دون سماع مثل هذه العبارات، أن تشهد عليه بالاستحلال دون بَيِّنة عادلة، بل مجرد الاحتمال؛ دليلٌ واضحٌ على ضعف ورع هذا المكفِّر، وعلى عدم المبالاة، وهذا منهج الخوارج والمعتزلة .
فنصيحتي لهم ولأمثالهم : التراجع عن مثل هذا التصريح؛ الخطير عليهم قبل غيرهم، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل .
…=
=…6- ويقول ثالث – دكتور في العقيدة - :
…وهو يمسك منشورًا لأحد الفنادق في دولة خليجية –وذلك في بيت من بيوت الله، ولم يراعِ للمسجد حرمته -: (( في هذا الفندق – بكل صراحة – فيه مشروبات، أي : أنه يقدم الخمور، بالإضافة إلى ما فيه ... فهذه دعوة صريحة إلى الخمر، وأنه رقص مختلط وتعَرِّي، مع شرب الخمرـ، نعوذ بالله من هذا الكفر )) اهـ من شريط رقم : ( 272/2 ) " شرح العقيدة الطحاوية " .
…ويقول في كتاب له : (( ولقد ظهر الكفر والإلحاد في صحفنا، وفشى المنكر في نوادينا، ودُعِي إلى الزنا في إذاعاتنا وتلفزيوننا، واستبحنا الربا )) ا هـ .
…وقد خرج وطُبِع هذا الكتاب – بعناوين مختلفة – في : الباكستان بعنوان : " كشف الغُمَّة عن علماء الأمة "، وفي أمريكا بعنوان : " وعد كيسنجر "، وفي مصر بعنوان : " حقائق حول أحداث الخليج " .
…قلت : على كل، فأنت ترى أن صاحب هذا الكلام قد تجشّم القول باستباحتنا للربا وما عُطِف عليه، ونحن – بحمد الله – لم نستبح الربا ولا مجتمعنا، ولا نعتبر مجرّد انتشار الخمور في بعض الأقطار المجاورة كفرًا مخرجًا من مِلّة الإسلام، بل الذي ندين الله به : أن الأمور التي ذكرها هؤلاء المنتسبون إلى الدعوة كلها معاصٍ، دون الكفر، بل كل ذلك كفر دون كفر، أي : من المعاصي والكبائر التي يُنفَى عن مرتكبها الإيمان الكامل لا أصل الإيمان كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن .. )) الحديث أخرجه البخاري: (2343، 5256، 6390، 6400، 6425 ) .
…ولا شك أن الإيمان المنفي هنا هو الإيمان الكامل، ولذلك نظائر كثيرة في شريعتنا.
…نسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا، ويهدي هؤلاء وأمثالهم إلى الحق .
…أخي القارئ – يا من تتطلع إلى المنهج السلفي – بعد هذه النماذج من الأفكار الموجودة في بعض الدعاة فضلاً عن الشباب المغرر بهم الذي يجلس أمام هذا الداعية أو ذاك، ويتلقّى عنهم هذه الأفكار والمعتقدات التي تهدم عقيدة السلف؛ فبعد هذا تقول: لماذا نتكلم عن -الفِرَق- التي مضت وانقضت- الضالة والمنحرفة في عقائدها وسلوكها، بينما عقيدتها باقية، وانحرافها موجود ؟ .
……=
=…فتأمّل – وفقك الله – أهمية دعوة التوحيد والعمل بها، والتحذير من جميع الفِرَق في كل زمان ومكان، والرجوع إلى منهج السلف الصالح على ضوء الكتاب والسنة . والله أعلم .(1/31)
، وأناس مشبوهين في هذا العصر . وما أكثرهم .
وأصل هذه الشبهة – الموازنة بين الحسنات والسيئات في النقد – قالها بعض الشباب وكتب فيها رسالة؛ فطار بها بعض الشباب فرحًا .
وقد وقفت على هذه الرسالة التي يزعم صاحبها لزوم الموازنة .
ووقفت على رسالةٍ للشيخ : ربيع بن هادي المدخلي (1)، رَدَّ فيها على هذه الرسالة التي يزعم صاحبها لزوم الموازنة رَدًّا وافيًا، وبيَّن ما في هذا الكلام من الخطأ ومن ترويج الباطل، وبين مذهب السلف في الرّد وأنهم ردّوا على أناس مضللين ولم يثنوا عليهم؛ لأنهم لو أثنوا عليهم صار هذا من باب التناقض .
- - - - -
س 20 : ما تقول فيمن يقول : (( إن خصومتنا لليهود ليست دينية؛ لأن القرآن الكريم حض على مصافاتهم ومصادقتهم )) (2)
__________
(1) …هو كتاب " منهج أهل السنة والجماعة في نقد الكتب والرجال والطوائف "، وقد خرج في ثوب جديد في الطبعة الثانية، مع بعض الإضافات الهامة؛ ننصح بقراءته .
(2) …هذا القول لـ( حسن البنا ) مؤسس فرقة " الإخوان المسلمون "، راجع كتاب :
…" الإخوان المسلمين أحداث صنعت التاريخ " تأليف : محمود عبدالحليم، الجزء الأول، صحيفة : ( 409 ) تجده بنصه .
ونحو هذا الكلام الخطير يقوله محمد المسعري الخارجي المارق – تشابهت أقوالهما مع اختلاف منهج الرجلين، اللهم الاتفاق بينهما في الفكر الحركي -، الذي استبدل الذي
…=
=…هو أدنى بالذي هو خير، استبدل أرض الحرمين: بلاد التوحيد، بأرض الكفر والسكن فيها، ورضي بالتحاكم إلى الكفار .
…نشرت " جريدة الشرق الأوسط " في عددها ( 6270 ) الصادر يوم الأحد، 8/ رمضان / 1416هـ؛ حديثًا أدلى به المسعري؛ فقال :
…(( إن الوضع الحالي في السعودية، والذي لا يسمح للمسيحيين واليهود بممارسة شعائر العبادة علنًا، سيتغير عند مجيء اللجنة إلى الحكم – يعني : لجنته : لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية المزعومةـ، وأنه يجب منح الأقليات حقوقها، بما فيها حق ممارسة شعائرهم في كنائسهم، وحقهم في إبرام عقود الزواج وفقُا لشرائعهم الخاصة، وما إلى ذلك، إضافة إلى حرية أن يعيشوا حياتهم الدينية الشخصية بالكامل، سواء كانوا يهودًأ، أم مسيحيين، أم هندوسًا ( !! ).
وقال : إن إقامة الكنائس مباحة في الشريعة الإسلامية )) !! ا هـ .
ونقلت الإذاعة البريطانية عنه وبصوته، ليلة الأحد : ( 29/6/1417هـ ) .
قال المذيع : ويقول المنشق السعودي محمد المسعري، الذي يعيش في لندن، ويُطلق على نفسه لقب " الجهادي " : إنه سيعقد مؤتمرًا صحفيًا مع المنشقين الشيعة قبل نهاية الشهر الحالي لإعلان جبهة موحّدة معهم .
ثم أذاعت بصوت المسعري نفسه ما نصه : (( سيكون هناك تنسيق، وربما جبهة عريضة، نعمل ونسعى لهذا، والاتصالات على قدم وساق، إنها حركة إسلامية، وليست حركة سنّية أو حركة شيعية، حركة إسلامية تقوم على المجمع عليه، المقطوع به من الإسلام، ونجمع الناس جميعًأ، المسلمين : السنة والشيعة، وفوق ذلك تحافظ على حقوق المسلمين والمواطنين، وتعتبر لهم جميع حقوق المواطنة، من :
…اليهود، والنصارى، والمجوس، وغيرهم في البلاد الإسلامية. فحركتنا بهذا المعنى سياسية، تقوم على أساس الإسلام، وليست هي حركة طائفية، أو مذهبية )) ا هـ.
فهل يوجد أعظم من هذا التخبيط، وهذه الجرأة على الإسلام ؟؟ .
وأين المسعري من قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب )) البخاري:
……=
=…( 2888، 2997، 4168 ) .وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( لا يجتمع دينان في جزيرة العرب )) الموطأ، رواية يحيى (2/680-681)، (1862) رواية أبي مصعب، الكبرى للبيهقي: ( 9/208 ) .
…وهل من يجهل مثل هذه الأحاديث الواضحات يستحق أن يكون موجهًا أو قائدًا، إلا أن يكون قائد ضلالة وهوى، نسأل الله العافية والسلامة .
وكأنه يتمثل بقول الشاعر :
ودارهم ما دمت في دارهم
وأرضهم ما دمت في أرضهم
وقد نشرت جريدة " الرياض " في عددها : ( 12182 ) الصادر يوم الأربعاء الموافق15/ شعبان /1422هـ مقالاً للمفتي العام الإمام الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – جاء فيه : (( .. أما ما يقوم به الآن محمد المسعري وسعد الفقيه وأشباههما من ناشري الدعوات الفاسدة الضالة فهذا بلا شك شر عظيم، وهم دعاة شر عظيم وفساد كبير، والواجب الحذر من نشراتهم والقضاء عليها وإتلافها وعدم التعاون معهم في أي شيء ..، ويجب نصحهم وإرشادهم للحق وتحذيرهم من هذا الباطل، ولا يجوز لأحد أن يتعاون معهم في هذا الشر، ونصيحتي للمسعري والفقيه وابن لادن وجميع من يسلك سبيلهم أن يدَعوا هذا الطريق الوخيم، و أن يتقوا الله ويحذروا نقمته وغضبه، ويعودوا إلى رشدهم، وأن يتوبوا إلى الله مما سلف منهم فالله سبحانه وتعالى وعد عباده التائبين بقبول توبتهم )) ا. هـ . انظر مجموع فتاوى ابن باز (9/100) .(1/32)
؟ .
جـ / هذا الكلام فيه خلط وتضليل، اليهود كفار، وقد كفَّرهم الله – تعالى – ولعنهم، وكفّرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولعنهم، قال – تعالى - :
{ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيل } (1) .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (( لعنة الله على اليهود والنصارى )) (2) .
وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ } (3).
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } (4).
فعداوتنا لهم دينية، ولا يجوز لنا مصادقتهم، ولا محبتهم؛ لأن القرآن نهانا عن ذلك، كما في الآية التي سبق ذكرها .
- - - - -
س 21 : هل ترى قراءة الصحف والمجلات في المسجد من باب إنكار ما فيها من المنكر وبيانه للناس ليحذروه جائزًا ؟ .
جـ / الصحف والمجلات لا تُجمع وتُقرأ على رؤوس الناس، بل يُجمع ما فيها، وتُدرَس مع أهل العلم ومع أهل الحل والعقد .
أما أنه يُجاء بها في المساجد فهذا تشهير(5)
__________
(1) …المائدة : 78 .
(2) …البخاري : ( 425)، مسلم : ( 531 ) .
(3) …البينة : 6 .
(4) …المائدة : 51 .
(5) …ولا ننسَ أن في ذلك انتهاكًا لحرمة بيوت الله بإدخال الصور فيها .
…يقول الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي البلاد السعودية في عصره – رحمه الله - :
…(( وأما حكم استعمال الصور : فقد صرح الفقهاء – رحمهم الله – بأنه يحرم استعمال
…كل صورة من ذوات الأرواح، سواء كانت في المساجد أو خارجها، لكن لا يخفي أن الاستهانة بحرمات الله، واستعمال الصور في بيوت الله أشد تحريمًا وأغلظ جرمًا، واستعمالها أو حملها حال أداء الصلاة فهو أشد جرأة – والعياذ بالله - )) . انتهى من فتاوى ورسائل الشيخ : محمد بن إبراهيم آل الشيخ : ( 1/193 ) .(1/33)
لا إنكار، وربَّما يكون
هذا فرحًا بالمنكر (1)؛ لأن بعض الناس يفرح بالمؤاخذات من أجل أنه يروجها ويقولها، وربما يَنْدسّ مع هؤلاء ناس من المنافقين يريدون نشر الشر والباطل .
فالأمر خطير جدًا، وليس هذا هو طريق العلاج .
لا والله، ما هذه طريقة العلاج .
الذي يريد أن ينصح للمسلمين، ولأئمة المسلمين، وعامتهم؛ لا يتَّبع هذه الطريقة، وهي : جمع الأخطاء في المسجد، والإعلان عنها والتشهير بها، هذا شيء يجرّيء على الباطل ، يقول : ما دام أن الأمر بهذه الطريقة فالأمر منفرط، فيعمل من شاء ما شاء .
هناك أناس كثيرون لا يدرون عن هذه الأشياء، وأنت بهذا تفتح لهم الأبواب، وتخبرهم عن أشياء؛ هُم عنها غافلون، علاوة على ما في ذلك من مفاسد .
- - - - -
س 22 : إذا كانت هناك أخطاء في جريدة، ألا ننكر عليها، ونُبَيّن أمرها للناس ؟ .
جـ / أخطاء الجرائد – وحتى الأخطاء التي من أفراد الناس – معالجتها ليست في المساجد، ولا على المنابر، لكن لو قال في المسجد، أو في الخطبة : ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، من دون تعيين، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل؛ كان حسنًا، لأنه مصلحة بلا مفسدة .
إذا كان هناك أخطاء في جريدة – أو كاتب في جريدة – فأكتب رَدًّا عليها، أو عليه، وأرسله للجريدة، وإذا لم تنشره أرسله لغيرها، وبهذا يحصل العلاج (2) .
__________
(1) …بل في هذه الطريقة تهييج للعامة، وإيغار صدور الرعية على الحكام، ولا يخفى ما في ذلك من عظيم منكر ومفسدة، وما يترتب على هذا التهييج السياسي من الفوضى، وعدم الاستقرارفـ (( درء المفاسد مقدم على جلب المصالح )) إن كان في هذا مصلحة .
(2) …هذا هو المنهج السلفي الذي ينبغي للدعاة سلوكه في إنكار مثل هذه الأخطاء؛ بالردود، والمكاتبة، وعدم السكوت على المنكرات، وهذا من الحماية لجانب الشريعة، وهذا واجب . والله أعلم .(1/34)
أما أنك تجمع الجرائد، وتأتي بها للمسجد أو للخطبة، وتقرؤها على المنبر، هذا معناه : تدريس الناس طرق الشر، وإشاعة المنكر، وتشهير بالعصاة.
س 23 : ما صحة ما نُسب إلى الإمام أحمد – رحمه الله – بأنه صَلّى خلف الجهمية ؟ .
جـ / لا أعرف هذا، والإمام أحمد من أشد خصوم الجهمية، ولا أعرف أنه صلى خلفهم (1) .
نعم، الصلاة خلف الأمير إذا كان أميرًا وعنده مخالفة لا تصل إلى حد الكفر؛ يُصَلَّى خلفه، برًا كان أو فاجرًا، ما لم يخرج من الدين بارتكاب الكفر البواح، يُصَلَّى خلف الأمير وإن كان فاسقًا .
فالصحابة صلوا خلف الحجاج، وصلوا خلف غيره من الأمراء، الذين عليهم مؤاخذات، من أجل اجتماع الكلمة، عملاً بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (( السمع والطاعة، وعدم نزع اليد من الطاعة )) (2)، وعدم إثارة الفتنة والشرور، وهذا من التأليف وجمع الكلمة .
- - - - -
__________
(1) …وهو كذلك .. فقد جاء عن ابنه عبدالله ما يثبت أنه لا يُجَوِّز الصلاة خلف الجهمية؛ فقد جاء في كتاب " السنة " للإمام عبدالله : ( 1/103 ) أنه قال : (( سألت أبي – رحمه الله – عن الصلاة خلف أهل البدع ؟ قال : لا يُصلى خلفهم، مثل : الجهمية، والمعتزلة )) .
…وسُئل – أيضًا – عن : الصلاة خلف الجهمية ؟، فقال : (( لا يُصلِّ، ولا كرامة )) .
…" مسائل أحمد " لابن هانيء، ( 1/63 )، مسألة : ( 312 ) .
…وقال محمد بن يوسف الطباع : سمعتُ رجلاً سأل أحمد بن حنبل؛ فقال : "يا أبا
……=
=…عبدالله، أصلي خلف من يشرب المسكر ؟، فقال : لا. قال : أصلي خلف من يقول : القرآن مخلوق ؟، فقال : سبحان الله !!، أنهاك عن مسلم، وتسألني عن كافر !!" " الشريعة " : ( 81 ) .
(2) …يشير – حفظه الله – إلى حديث عوف بن مالك الأشجعي عند مسلم (1855) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي من معصية الله؛ فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدًا من طاعة )) .(1/35)
س 24 : ما حكم الانتساب إلى بعض الجماعات الواردة إلينا ومناصرتها والدفاع عنها ؟ .
جـ / هذه البلاد – والله الحمد – جماعة واحدة على التوحيد وعلى الإسلام، وتحت راية مسلمة، وفيها أمن واستقرار، وفيها خير كثير .
نحن جماعة واحدة لا نقبل تقسيمًا .
أما الجماعات فهي موجودة في البلاد الأخرى التي ليس فيها أمر مستقيم، ولا أمن مستتب .
أما بلادنا – والحمد لله – فهي تختلف عن البلدان الأخرى بما حباها الله من الخير : من الدعوة إلى التوحيد، وزوال الشرك، ومن قيام حكومة إسلامية تُحَكِّم الشريعة من عهد الإمام المجدد : محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – إلى وقتنا هذا – والحمد لله - .
لا نقول : إنها كاملة من كل وجه، لكن هي – والحمد لله – لا تزال قائمة على الخير، فيها أمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وإقامة للحدود، وحكم بما أنزل الله .
المحاكم الشرعية قائمة، والمواريث والفرائض على ما شرع الله، لا يتدخل فيها أحد، بخلاف البلاد الأخرى .
فنحن جماعة واحدة في هذه البلاد، لا نقبل بالجماعات والمذاهب الأخرى المخالفة لمذهب السلف؛ لأنها تفرِّق جمعنا، وتشتِّت شملنا، وتسمِّم أفكار شبابنا، وتحدث العداوة والبغضاء بيننا (1) .
__________
(1) …أما أفكار بعض شبابنا فقد تسمَّمت بأسباب هذه الفِرق البدعية، والمذاهب الهدامة، والحزبية المقيتة؛ فأصبحت العداوة واضحة بين كثير من الشباب، لا يختلف في ذلك اثنان، ولا يتنطح فها عنزان، بل العداوة بين الإخوة الأشقاء في بيت واحد، هذا ينتسب إلى هذه الفرقة ويعادي ويوالي عليها، وذاك ينتمي إلى تلك الفرقة يعادي ويوالي من أجلها، لا .. بل العداوة أصبحت بين الدعاة أنفسهم بسبب الانتماءات الحزبية والأهواء المضلة .
ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال :
(( البدعة مقرونة بالفُرقة، كما أن السنة مقرونة بالجماعة، فيُقال : أهل السنة والجماعة، كما يقال : أهل البدعة والفُرقة )) " الاستقامة " : ( 1/41 ) .(1/36)
فهذه الجماعات إذا دخلت علينا (1)
__________
(1) …أما الفِِرَق الحزبية المعاصرة من : تبليغ، وإخوان، وإخوان قطبية، وإخوان قطبية سرورية ولا ننسى الحدادية – سيأتي الكلام عنها -؛ فهي فٍرق دخيلة علنيا، ينبغي للدعاة السلفيين الذين ينتمون إلى عقيدة ومنهج السلف، الذين يأخذون بالأثر – بل يجب عليهم – الوقوف في وجه هذه الفِرَق المحدثة المخالفة لما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وعدم السماح لهم بالتوسع في بث منهجهم، بل يجب التضييق عليهم وقطع دابرهم، وذلك بنشر العلم الشرعي مقروناً بالأدلة من الكتاب والسنة، على فهم السلف الصالح، وتعليم الناس التوحيد الذي أهملته هذه الفِرَق، واشتغلت وأشغلت معها الناس بالسياسة والتهييج السياسي، وبعضها همّها إنقاذ الناس – كما يزعمون – من المعاصي وإدخالهم المساجد، وتركهم على عقائدهم الشركية من تمسح بالقبور، وطوافٍ حولها، واستغاثةٍ بأهلها، وبعضهم همُّه جمع الشمل – زعمًا منهم-، والتنازل عن الخلافات العقدية لأنها تفرِّق الأمة – في نظرهم -؛ فترى القبور، والخارجي، والمعتزلي، والجهمي، والشيعي في صفوفهم؛ فمنهجهم التجميع، وهمهم كسب عدد كبير من الجماهير، وقاعدتهم : (( ننفذّ معاً ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه )) .
…فعلى أهل السنة، أهل الأثر، السلفيين، أن يبينوا حال هذه الفِرَق المخالفة، وفضح أهلها، وتحذير الأمة منها، وتنفير الناس عنها، ورَدِّ شبههم وتفنيدها بالأدلة الشرعية، والدعوة إلى منهج السلف الصالح – رضوان الله عليهم -، وغرس العقيدة السلفية في قلوب الأجيال القادمة كما غرسها فينا من قبلنا .(1/37)
زالت هذه النعمة التي نحن نعيش فيها، نحن لا نريد هذه الجماعات، ما كان فيها من خير فهو عندنا – والحمد لله – وزيادة، وما كان فيها من شر فنحن نريد البعد عنه، ويجب علينا نحن أن نُصَدِّر الخير للناس (1) .
س 25 : صنف من الناس يتعصب لمذهب من المذاهب، أو عالم من العلماء، وصنف آخر يرمي بذلك عرض الحائط، ويتغافل عن توجيه العلماء والأئمة؛ فما هو توجيهكم في ذلك ؟
جـ / نعم، هذان على طرفي نقيض :
منهم : من يغلو في التقليد حتى يتعصب لآراء الرجال وإن خالفت الدليل .
وهذا مذموم، وقد يؤول للكفر – والعياذ بالله - (2) .
والطرف الثاني : الذي يرفض أقوال العلماء جملة، ولا يستفيد منها، وإن كانت موافقة للكتاب والسنة .
وهذا تفريط .
الأول مُفْرِط وهذا مُفَرِّط .
__________
(1) …وهذا إنما هو من باب التحدث بنعمة الله علينا، ولِمَا حبانا الله به من نعمة التوحيد ( العقيدة الصحيحة )،والعلماء الربانيين بقية السلف، والحكام الذين يحكمون=
=…بشرع الله، وجعلوا مصدرهم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يتخذوا القوانين الوضعية مصدراً لهم؛ فالحمد لله على ذلك .
(2) …قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
(( فمن يتعصب لواحد معين غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، كمن يتعصب لمالك، أو الشافعي، أو أحمد، أو أبي حنيفة، ويرى أن قول هذا المعين هو الصواب الذي ينبغي اتباعه، دون قول الإمام الذي يخالفه؛ فمن فعل هذا كان جاهلاً ضالاً، بل قد يكون كافراً؛ فإنه متى اعتقد أنه يجب على الناس اتباع واحد بعينه من هؤلاء الأئمة دون الإمام الآخر فإنه يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل )) . مجموع الفتاوى : ( 22/248-249 ) .(1/38)
فأقوال العلماء فيها خير، لا سيما فقه السلف، فقه الصحابة والتابعين، والأئمة الأربعة، والفقهاء الذين شهدت لهم الأمة بالفقه في الدين؛ يستفاد من أقوالهم وينتفع بها، لكن لا تؤخذ على أنها قضية مُسَلَّمَة، بل إذا عرفنا أن القول مخالف للدليل فإننا مأمورون أن نأخذ الدليل .
أما إذا كان هذا القول لا يخالف الدليل من الكتاب والسنة؛ فلا بأس أن نأخذ به ونقبله، وليس هذا من باب التعصب، وإنما من باب الانتفاع بفقه السلف الصالح، والاستفادة منه والاستضاءة به، فهو السبيل إلى معرفة معاني كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
وهذا هو القول الحق الوسط : نأخذ من أقوال العلماء والفقهاء ما وافق الدليل من كتاب وسنة، ونترك ما خالف الدليل، ونعتذر للعلماء في خطئهم ونعرف قدرهم ولا نتنقصّهم، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد )) (1) .
والخطأ مغفور إذا كان ممن تتوفر فيهم شروط الاجتهاد .
أما الجاهل أو المبتدئ في طلب العلم؛ فهذا ليس له اجتهاد، ولا يجوز له أن يجتهد، وهو آثم باجتهاده أخطأ أو أصاب؛ لأنه فعل ما ليس له فعله .
- - - - -
س 26 : كثير ما يعرض لبعض الناس، أو هي شبهة عند البعض من طلبة العلم المبتدئين : أن غشيان حلق العلم يعني زيادة في الحجة على من تلقّى هذا العلم؛ من مسؤولية تبليغه وإصلاح نفسه؛ مما يجعلهم – أو البعض منهم – يحجمون عن طلب العلم الشرعي. فما توجيهكم لهؤلاء ؟ .
جـ/ هذه وسوسة من الشيطان، يقول لك : لا تتعلم لأنك إذا تعلمت صار حجة عليك .
ونقول لهذا : وبقاؤك في الجهل مع وجود العلماء أليس هو حجة عليك ؟ .
__________
(1) …سبق تخريجه رقم : ( 51 ) .(1/39)
كونك تبقى في الجهل والعلم موجود، والعلماء موجودون، والدروس قائمة، هذا أشد خطرًا من كونك تأتي إلى دروس العلم وتتعلم وقد لا تعمل بما علمت؛ لكون الإنسان بطبعه عنده تقصير في الأعمال، وعنده بعض الذنوب؛ فإنه إذا حضر مجالس الذكر، والدروس العلمية عند العلماء في بيوت الله، يُرجى له أن يتنبه ويتوب من أخطائه، ويرجع إلى الصواب .
فهذه الحِلَق حياة القلوب، فلا يصدنك الشيطان عن العلم النافع، وتعلم العلوم الشرعية، بهذه الشبهة، وهذه الوسوسة .
- - - - -
س 27 : نرجو من فضيلتكم أن تبيَّنوا لنا موقفنا من فُرْقَة الشباب وطلبة العلم، حول مواضيع تصدهم عن طلب العلم، وتجعلهم ينالون من بعض العلماء، ويتعصبون لآخرين؛ لأن هذه مسألة هامة، وقد تَفَشَّت وانتشرت بين طلبة العلم؛ فما توجيهكم في ذلك ؟ .
جـ/ يوم أن كان أهل هذه البلاد مرتبطين بعلمائهم؛ شبابًا وشيبًا، كانت الحالة حسنة ومستقيمة، وكانت لا تأتي إليهم أفكار من الخارج، هذا هو السبب في الوحدة والتآلف، وكانوا يثقون بعلمائهم وقادتهم وعقلائهم،
وكانوا جماعة واحدة، وعلى حالة طيبة، حتى جاءت الأفكار من الخارج عن سبيل الأشخاص القادمين (1)، أو عن سبيل بعض الكتب أو بعض المجلات (2)، وتلقاها الشباب وحصلت الفرقة؛ لأن هؤلاء الشباب الذين شذُّوا عن المنهج السلفي في الدعوة، إنما تأثروا بهذه الأفكار الوافدة من الخارج .
__________
(1) …مثل أصحاب فرقة الإخوان المسلمين التي عمت وطمت البلوى بها، من تساهلٍ في العقائد، وانحراف عن منهج السلف الصالح، ومثل: فرقة التبليغ وغيرها، نسأل الله العافية .
(2) …مثل : كتب الإخوان المسلمين – وما أكثرها -، ومثل : المجلة الإخوانية القطبية التي تَسَمَّت بـ " السنة "، وقد " دُسَّ السم في العسل "، وسيأتي قريبًا الكلام عن صاحبها وكشف أوراقه – إن شاء الله تعالى - .(1/40)
أما الدعاة والشباب الذين بقوا على صِلة بعلمائهم، ولم يتأثروا بهذه الأفكار الواردة؛ فهؤلاء – والحمد لله – على استقامة كسلفهم الصالح (1).
فالسبب في هذه الفُرقة يرجع إلى تلقي الأفكار، والمناهج الدعوية من غير علماء هذه البلاد (2)، من أناس مشبوهين، أو أناس مضللين (3)
__________
(1) …المتمسكون بالسنة، أهل الأثر، السلفيون، وقد يرميهم أصحاب المناهج المعادية – لجهلهم بالسنة - : بالمتشددين، وبالعمالة، وبالمداهنة، ولا غرابة؛ فقد رُمِيَ السلف بعبارات أشد من ذلك، مثل : الحشوية، والمجسمة، إلى غير ذلك؛ فهذا حال أهل البدع (( الوقعية في أهل الأثر )) .
(2) …لأننا نعتقد – جزمًا – أن علماء هذه البلاد بقية السلف : عقيدةً ومنهجًا، ولا نزكي على الله أحدًا – حفظهم الله -، كما يوجد بعض العلماء السلفيين المنتشرين في بقية الأمصار، ولكن الكلام عن جملة علماء هذه البلاد بالمقارنة إلى جملة علماء أيِّ مِصر من الأمصار الأخرى .
(3) …أمثال : محمد سرور بن نايف زين العابدين، صاحب كتاب :" منهج الأنبياء .. "، وسوف ننقل لك – أخي القارئ – بعض أفكاره المشبوهة من هذا الكتاب – إن شاء الله - .
ومثل المدعو : محمد المسعري، وسعد الفقيه: الذين كفرا نعمة الله، وخرجا عن جماعة المسلمين، وهربا إلى بلاد الكفر، وصارا يدعوان إلى الضلال، ثم آل بهما الأمر إلى التلاعن، وفضح بعضهما بعضاً في الجرائد على رؤوس الأشهاد . نسأل الله العافية .
وابن لادن الذي كفر النعمة – أيضاً -، فانحرف عن طريق أهل السنة والجماعة إلى مذهب الخوارج، وأخذ ينشر في الأرض الفوضى والفتنة، ويعمل على إشاعة الفساد، ولكن ربك له ولأمثاله بالمرصاد .(1/41)
يريدون زوال هذه النعمة التي نعيشها في هذه البلاد من أمن، واستقرار، وتحكيم للشريعة، وخيرات كثيرة في هذه البلاد لا توجد في البلاد الأخرى، ويريدون أن يفرِّقوا بيننا، وأن ينتزعوا شبابنا، وأن ينزعوا الثقة من علمائنا، وحين إذن يحصل – والعياذ بالله – ما لا تحمد عقباه .
فعلينا – علماء ودعاة وشبابًا وعامة – أن نتنّبه لذلك؛ بأن لا نتقبَّل الأفكار الوافدة، ولا المبادئ المشبوهة، حتى وإن تَلَبَّست بلباس الحق والخير – لباس السنة - .
فنحن لسنا على شك من وضعنا – ولله الحمد - (1) .
نحن على منهج سليم، وعلى عقيدة سليمة، وعندنا كل خير ولله الحمد؛ فلماذا نتلقى الأفكار الواردة من الخارج، ونروجها بيننا وبين شبابنا ؟؟.
فلا حَلَّ لهذه الفُرقة إلا بترك هذه الأفكار الوافدة، والإقبال على تنمية ما عندنا من الخير (2) والعمل به والدعوة إليه .
__________
(1) …جاء رجل إلى الحسن البصري فقال: يا أبا سعيد إني أريد أن أخاصمك؛ فقال الحسن: (( إليك عني فإني قد عرفتُ ديني، وإنما يخاصمك الشاك في دينه )) .
اللالكائي : ( 1/128 ) .
وعن معن بن عيسى قال : (( انصرف مالك بن أنس – رحمه الله – يومًا من
……=
=…المسجد،وهو متكئ على يدي، فلحقه رجل يُقال له : أبو الحورية، كان يُتّهم بالإرجاء، فقال: يا عبدالله، أسمع مني شيئًا، أكلمك به، وأحاجك وأخبرك برأيي . قال : " فإن غلبتني ؟ " ، قال إن غلبتك اتبعتني، قال : " فإن جاء رجل آخر، فكلمنا فغلبنا ؟ "، قال : نتبعه، فقال مالك – رحمه الله تعالى - : " يا عبدالله، بعث الله – عز وجل – محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بدين واحد، وأراك تنتقل من دين إلى دين " )) " الشريعة " : ( 62 ) .
(2) …من العقيدة الصحيحة، والمنهج السلفي القويم، المستمد من كتاب الله – عز وجل - ومن سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، على فهم سلف الأمة الصالح .(1/42)
نعم، عندنا نقص، وبإمكاننا أن نصلح أخطاءنا، مِن غير أن نستورد الأفكار المخالفة للكتاب والسنة وفهم السلف من الخارج، أو من أناسٍ مشبوهين – وإن كانوا في هذه البلاد -، أو مضللين .
الوقت الآن وقت فتن، فكلما تأخر الزمان تشتد الفتن .
عليكم أن تدركوا هذا، ولا تصغوا للشبهات، ولا لأقوال المشبوهين والمضللين، الذين يريدون سلب هذه النعمة التي نعيشها، وأن نكون مثل البلاد الأخرى: سلب، ونهب، وقتل، وضياع حقوق، وفساد عقائد، وعداوات، وحزبيات .
وأقول: لا يقع في أعراض العلماء المستقيمين على الحق إلا أحد ثلاثة:
إما منافق معلوم النفاق. وإما فاسق يبغض العلماء؛ لأنهم يمنعونه من الفسق. وإما حزبي ضال يبغض العلماء، لأنهم لا يوافقونه على حزبيته وأفكاره المنحرفة .
- - - - -
س 28 : قرأت كتابًا اسمه : " منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله " لمؤلفه: محمد سرور بن نايف زين العابدين، قال فيه :
(( نظرتُ في كتب العقيدة فرأيت أنها كُتبت في غير عصرنا، وكانت حلولاً لقضايا ومشكلات العصر الذي كُتبت فيه، ولعصرنا مشكلاته التي تحتاج إلى حلول جديدة، ومن ثًمَّ فأسلوب كتب العقيدة فيه كثير من الجفاف؛ لأنه نصوص وأحكام، ولهذا أعرض معظم الشباب عنها، وزهدوا بها )) (1)
__________
(1) …كتاب : " منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله " الجزء الأول، الصحيفة : ( 8 )، لمؤلفه: محمد سرور بن نايف زين العابدين .
…وهذا الرجل عُرِف بانحراف الفكر من خلال كتاباته، وعداوته لأهل السنة في هذا البلد – بلاد الحرمين -. وما شهدنا إلا بما كتبت يده وخطه وقلمه .
…وإليك بعض أقواله في ذلك من مراجعها :
…أولاً : بغضه لكتب العقيدة :
…ويتمثل في السؤال أعلاه، وسيأتي الجواب الشافي الكافي عليه .
ثانياً: انتحاله عقيدة الخوارج "التكفير بالمعصية" للحكام الظلمة وكذا الشعوب :
أما الحكام : فكتاباته في مجلته " السنة " مستفيضة في هذا الموضوع وليست بخافية =
=…ما تكفير الشعوب بالمعصية : ففي كتابه : " منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله "، الجزء الأول، الصحيفة ( 158 ) : يرى أن قوم لوط لو آمنوا بنبيهم ولم يتركوا فعلتهم الخبيثة لما نفعهم ذلك الإيمان بالله، ويقول ما نصه: (( فليس من المستغرب أن تكون مشكلة إتيان الذُّكران من العالمين أهم قضية في دعوة لوط عليه السلام؛ لأن قومه لو استجابوا له في دعوته إلى الإيمان بالله وعدم الإشراك به لََمَا كان لاستجابتهم أي معنى، إذا لم يقلعوا عن عاداتهم الوحشية التي اجتمعوا عليها )) ا هـ .
…هكذا يكفِّر بالكبيرة مطلقًا، ولو لم يستحلها الفاعل .
ثالثاً : عداوته لأهل السنة السلفيين :
ففي هذه المقالة التي ستقرأها، يتكلم في علماء الدعوة السلفية: غمزًا ، ولمزًا، وقدحًا، وإسقاطًا لعلماء البلاد السعودية، وبالأخص كبار العلماء؛ فيقول تحت عنوان : " المساعدات الرسمية " :
…(( وصنف آخر يأخذون – يعني : المساعدات الرسمية -، ويربطون مواقفهم بمواقف ساداتهم ... فإذا استعان السادة بالأمريكان انبرى العبيد إلى حشد الأدلة التي تجيز هذا العمل، ويقيمون النكير على كل من يخالفهم، وإذا اختلف السادة مع إيران الرافضة تَذَكر العبيد خبث الرافضة .. وإذا انتهى الخلاف سكت العبيد وتوقفوا عن توزيع الكتب التي أُعطيت لهم .
هذا الصنف من الناس : يكذبون .. يتجسسون ... يكتبون التقارير ... ويفعلون كل شيء يطلبه السادة منهم ... وهؤلاء قِلَّة – والحمد الله -، ودخلاء على الدعوة والعمل الإسلامي، وأوراقهم مكشوفة، وإن أطالوا لحاهم، وقصروا ثيابهم•، وزعموا بأنهم حماة السنة، ولا يضير الدعوة الإسلامية وجود هذا الصنف من الناس، فالنفاق قديم ...
........................................
•…هكذا يسخر من السّنة فيما يسميه مجلة السّنة . [ الفوزان ] .
=…إخواننا : لا تغرنكم هذه المظاهر؛ فهذه المشيخة صنعها الظالمون، ومهمة فضيلة الشيخ لا تختلف عن مهمة كبار رجال الأمن ... )) ا هـ .
مجلة " السنة "، العدد : الثالث والعشرون، ذوالحجة 1412هـ صحيفة : ( 29-30 ) .
أخي القارئ : لا يخفي عليك أن المقصود – بكلامه السابق – بـ (الصنف الآخر ) هم علماء البلاد السعودية، و بـ ( السادة ) هم حكام البلاد السعودية، والشاهد على ذلك قوله :
…(( فإذا استعان السادة بالأمريكان انبرى العبيد ... )) .
وهو يتكلم عن قضية الاستعانة في حرب الخليج .
…و ( العبيد ) هنا يعني بهم علماءنا – عليه من الله ما يستحق - .
ويرميهم – أيضاً – بالنفاق . فهل من غيرة على علمائنا ؟ .
وفي مجلته "السنة"، العدد السادس والعشرين، جمادي الأولى 1413هـ، الصحيفة: ( 2-3 )، افتتاحية العدد تحت عنوان : " المستبدون والعبيد " :
(( وللعبودية طبقات هَرَمية اليوم :
الطبقة الأولى : يتربع على عرشها رئيس الولايات المتحدة " جورج بوش "، وقد يكون غدًا " كلنتون " .
والطبقة الثانية : هي طبقة الحكام في البلدان العربية، وهؤلاء يعتقدون : أن نفعهم وضررهم بيد " بوش " )) .
قلت : كيف جزم بأن هذه عقيدتهم ؟ .
هل شق عن قلوبهم، أو هل أخبروه بذلك ؟، { سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } .
ويستمر المقال، فيقول :
(( ولهذا فهم يحجون إليه، ويقدمون إليه النذور والقرابين )) .
وهذا دليلٌ على تكفير كاتبه للحكام، الذي أشرنا إليه قبل قليل .
ويستمر المقال فيقول :
والطبقة الثالثة : حاشية الحكام العرب من الوزراء، ووكلاء الوزراء، وقادة الجيوش،
……=
=…المستشارين، فهؤلاء ينافقون لأسيادهم، ويزينون لهم كل باطل دون حياء ولا خجل، ولا مروءة .
والطبقة الرابعة والخامسة والسادسة : كبار الموظفين عند الوزراء .
لقد كان الرِّق في القديم بسيطًا؛ لأن للرقيق سيدًا مباشرًا، أما اليوم فالرق معقد، ولا ينقضي عجبي من الذين يتحدثون عن التوحيد وهم : عبيد عبيد عبيد عبيد العبيد، وسيدهم الأخير نصراني )) ا هـ .
…فبالله عليك – أخي القارئ – أجب عن هذا السؤال بكل نزاهة وتقوى :
…من هم الذين يتحدثون عن التوحيد في جملة العلماء ؟ . أليسوا هم علماء البلاد السعودية، أمثال : الشيخ ابن باز، وابن عثيمين، وصالح اللحيدان، والفوزان، وأمثالهم من إخوانهم كبار العلماء ؟ .
فيأتي اليوم من يصفهم بأنهم عبيد للحكام، ومن ثَمَّ عبيد لـ ( بوش ) .
وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : (( إذا لم تستحي فاصنع ما شئت )) .
أخرجه البخاري : ( 3296 ) من حديث أبي مسعود البدري - - رضي الله عنه - - .
ثم هو متناقض في نفسه؛ فهو يحرم الاستعانة بالكفار عند الضرورة وهو يلجأ إليهم ويسكن في ديارهم وتحت حمايتهم، وما الفرق بين كفار أمريكا وكفار لندن الذين يعيش هو في ظلهم وتحت حكمهم – من غير ضرورة - ؟ .
{ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ } ؟ .
ألا يستحي هذا الرجل من عمله هذا ؟ أم أنه انطبق عليه قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا لم تسحي فاصنع ما شئت )) ومن كان بيته من زجاج لا يرمِ الناس بالحجارة .(1/43)
.
فما هو تعليق فضيلتكم على هذا الكلام ؟ .
جـ/ هناك أناس يُزّهِدون في تدريس العقيدة ويُزّهِدون في كتب السلف، ويُزّهِدون في مؤلفات أئمة الإسلام، ويريدون أن يصرفوا الناس إلى مؤلفاتهم هم وأمثالهم من الجهال، ومن دعاة الضلال .
هذا القائل من دعاة الضلال؛ نسأل الله العافية فيجب أن نَحْذَر من كتابه هذا، وأن نُحذِّر منه .
وأذكر لكم أن الشيخ محمد أمان الجامي – وفقه الله – قد أملى شريطًا كاملاً على هذه الكلمة ( أن كتب العقيدة نصوص وأحكام ... ) رد عليه ردًا بليغًا فعليكم أن تبحثوا عن الشريط وأن تنشروه بين المسلمين، حتى يحذروا من هذا الخبث، ومن هذا الشر الوافد إلى بلاد المسلمين .
نعم؛ هذا شريط قيم جدًا، جزا الله خيرًا شيخنا الشيخ محمد أمان الجامي، ونصر به الإسلام والمسلمين (1)
__________
(1) …عنوان الشريط : " ليس من النصيحة في شيء " .
…جاء فيه من كلام الشيخ محمد أمان الجامي – رحمه الله – قال :
…الجملة الأخيرة : "إن معظم الشباب أعرضوا عن كتب العقيدة الموجودة في أيدينا"
يهتشبه فرية ابن بطوطة، التي أرسلها على الإمام ابن تيمية وهو لم يره . زعم ابن بطوطة أنه دخل بغداد فرأى ابن تيمية يخطب خطبة الجمعة فينزل درج المنبر فيقول : (( ينزل ربنا كنزولي هذا )) .
…وقيض الله في علماء المسلمين من يُكذّب هذه الفرية تكذيبًا تاريخيًا .
…فقد كتب بهجة البيطار في كتابه سماه " حياة شيخ الإسلام " فأثبت فيه أن ابن تيمية وابن بطوطة لم يجتمعا قط، و أن ابن بطوطة لم ير ابن تيمية قط، يوم دخول ابن بطوطة بغداد كان ابن تيمية في السجن، فمات في السجن . تلك الفرية تناقلها الكُتَّاب .
…وفرية اليوم تحتاج إلى تفنيدها وردها، دفاعًا عن العقيدة .
…فأقول : محمد سرور ليس مؤهلاً بأن يُقيّم شباب المسلمين وإقبالهم على العقيدة أو إعراضهم؛ ليس بمؤهل، ليس بعالم، ليس بدارس للعقيدة، ليس مدرس للعقيدة.
……=
=…كيف يُقيّم ؟ من أين هذا التقييم ؟ إنما هي فرية .
…وهل محمد سرور – هذا الغيور – سمعتم له شريطًا ينكر على جيرانه حزب التحرير. فإذا كانت كتبنا ما راقت له ولا صلحت، هل أصدر كتابًا في التوحيد بأسلوبه الجذاب الجديد ليُقبل عليه شباب المسلمين ؟ هل حصل شيء من هذا ؟ إذًا لو كان طالب علم ومصلحًا لفعل ذلك .
…ولكن الرجل والله أعلم على ما يبدُ إنه يعادي العقيدة السلفية وحملة العقيدة السلفية.
…يا محمد سرور إلى أي شيء تدعو أنت؟، الأنبياء أوذوا لأنهم يدعون إلى العقيدة إلى الإسلام . وأنت إلى أي شيء دعوت ؟ أين العقيدة التي تدعو إليها ؟ إنما أنت منافس، تريد أن تنافس الحكام على الكراسي، ولما لم تجد سبيلاً للمنافسة، اكتفيت بالسب واللعن والتكفير. هل هذه هي الدعوة ؟ [ هل ] هذا هو الإسلام ؟ وتسمي نفسك وأمثالك دعاةً إلى الله، الدعوة إلى الله : الدعوة إلى دينه، إلى العقيدة، إلى الأحكام . وهل حصل شيء من ذلك ؟؛ لا .(1/44)
.
لماذا نستورد أفكارنا من الخارج ؟ .
لماذا نستورد من محمد سرور زين العابدين في لندن – أو غيره – هذه الأفكار ؟ .
لماذا لا نرجع إلى الكتب التي بين أيدينا، من كتب السلف الصالح، وكتب علماء التوحيد، التي صدرت عن علماء، ولم تصدر عن كاتب أو مثقف لا يُدرى عن مقاصده ؟، ولا يُدرى – أيضاً – عن مقدار علمه ؟ .
الرجل – محمد سرور – بكلامه هذا يضلِّل الشباب، ويصرفهم عن كتب العقيدة الصحيحة، وكتب السلف، ويوجههم إلى الأفكار الجديدة، والكتب الجديدة، التي تحمل افكارًا مشبوهة .
كتب العقيدة آفتها عند محمد سرور أنها نصوص وأحكام، فيها قال الله، وقال رسوله، وهو يريد أفكار فلان وفلان، لا يريد نصوصًا وأحكامًا .
فعليكم أن تحذروا من هذه الدسائس الباطلة، التي يُراد بها صرف شبابنا عن كتب سلفنا الصالح .
الحمد لله نحن أغنياء بما خلَّفه لنا سلفنا الصالح من كتب العقائد، وكتب الدعوة، وليست بأسلوب جاف – كما زعم هذا الكاتب -، بل بأسلوب علمي من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أمثال : صحيح البخاري، ومسلم، وبقية كتب الحديث، ومن كتاب الله – تعالى -، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم كتب السنة، مثل : كتاب " السنة " لابن أبي عاصم، و " الشريعة " للآجري، و " السنة " لعبدالله بن الإمام أحمد، وكتب شيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلميذه ابن القيم، وكتب شيخ الإسلام المجدد: محمد بن عبدالوهاب. فعليكم بهذه الكتب والأخذ منها .
فإذا كان القرآن جافًا، والسنة جافة ، وكلام أهل العلم المعتبرين فيه جفاف؛ فهذا من عمى البصيرة، وكما قال الشاعر :
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وينكر الفم طعم الماء من سقم
والعقيدة لا تؤخذ إلا من نصوص الكتاب والسنة، لا من فِكر فلان وعلاّن .
- - - - -(1/45)
س 29 : يقول محمد سرور زين العابدين في كتابه : " منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله " (1) :"لو أن قوم لوط قالوا (( لا إله إلا الله )) لا تنفعهم ما داموا مصرين على معصيتهم".
ما رد فضيلتكم في هذا الكلام ؟ .
جـ/ قوله أن قوم لوط لو وحدوا الله لم تنفعهم ما داموا على اللواط ... (2)
هذا كلام باطل، لأن اللواط لا شك أنه جريمة، وأنه كبيرة من كبائر
الذنوب، ولكن لا يصل إلى حد الكفر فمن تاب إلى الله عز وجل من الشرك، ولم يقع منه شرك، ولكن وقع منه جريمة اللواط هذا يعتبر قد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، لكنه لا يكفر .
فلو أن قوم لوط وحدوا الله عز وجل، وعبدو الله وحده لا شريك له،
__________
(1) …الصحيفة رقم ( 170 ) .
(2) …" لعل كثيراً من الشباب لا يفهم معنى هذا الكلام .
…معناه : أن الإنسان الذي مقيم وملازم لكبيرته فلم يتب، لا ينفعه الإيمان لو آمن، لو كان كافرًا ومرتكبًا لكبيرةِ، كفاحشة الزنا واللواط، ومع ذلك استجاب للداعية فآمن، ما نفعه إيمانه هذا طالما هو مرتكب لتلك الكبيرة، أي : إن الكبيرة تتنافى والإيمان . أي : أن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن .
…هذه عقيدة من ؟
عقيدة الخوارج .
وهذا الداعية الذي في لندن، يقول إنه داعية هو وأصحابه، إلى أي شيء يدعون؟ إلى عقيدة الخوارج، بعني : يريدون أن يقيموا دولة على عقيدة الخوارج .
والاعتقاد بأن صاحب الكبيرة لو مات على كبيرته قبل أن يتوب هو كافر، لا ينفعه إيمانه: عقيدة الخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب وكفّروه، كفّروا علي بن أبي طالب ". ا هـ .
من شريط في الرد على محمد سرور زين العابدين للشيخ محمد أمان الجامي – رحمه الله - .(1/46)
ولكن بقوا على جريمة اللواط؛ لكانوا فسقة مرتكبين كبيرة من كبائر الذنوب، يعاقبهم الله عليها إما في الدنيا وإما في الآخرة، أو يعفو عنهم سبحانه وتعالى، لكن لا يكفرون، الله تعالى يقول : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } (1) . وفي الحديث الصحيح : إن الله سبحانه وتعالى يأمر يوم القيامة أن يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان (2) .
ويراد بهم أهل التوحيد، الذين عندهم معاصي ودخلوا بها النار، يعذبون ثم يُخرَجون من النار بتوحيدهم وعقيدتهم فالموحد وإن دخل النار لا يُخَلَّد فيها، وقد يعفو الله عنه ولا يدخل النار أصلاً { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } .
فهذه الكلمة؛ كلمة جاهل، وهي أحسن ما نحمله عليها، أحسن ما
نحمله عليه الجهل .
والجهل داء وبيل والعياذ بالله، وهذه آفة كثيرا من الدعاة اليوم، الذين يدعون إلى الله على جهل؛ يقعون في هذا، ويكفرون الناس بدون سبب،
ويتساهلون في أمور التوحيد (3)
__________
(1) …النساء: 48، 116 .
(2) …أخرج البخاري وغيره من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى : (( أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان )) ، فيُخرجون قد إسودّوا، فيُلقون في نهر الحيا أو الحياة – شك مالك – فينبُتون كما تنبت الحبة في جانب السيل، ألم ترى أنها تخرج صفراء ملتوية ) . رقم ( 22 ) .
(3) …قال أحدهم، وهو يهون من أمر تعلم التوحيد، الذي دعت إليه الأنبياء والرسل عقودًا من الزمن في أقوامهم .
يقول في كتابه : " هكذا علم الأنبياء " : ( 43-44 ) : (( إن قضية التوحيد وإفراد الله – تعالى – بالعبادة هي القضية الكبرى والأساس، والتي دعا إليها جميع الأنبياء .. وهي قضية سهلة واضحة بعيدة عن التعقيد والإشكال، يفهمها كل واحد، .. فجزء من اليسر اليسرُ في العقيدة، بحيث تستطيع أن تشرح لأي إنسان عقيدة التوحيد في عشر دقائق أو نحوها، فينطلق وقد فهمها ووعاها بكل سهولة )) .
أقول إذا كان الأمر كذلك فلماذا – سيد قطب، وحسن البنا وأشياعهم ممن زل في العقائد – لم يفهموا عقيدة التوحيد في عشر سنوات ولا نقول عشر دقائق ؟ لماذا يستغيث أحدكم في بداية محاضرته؛ بدمه وقلبه؟ ويطلب الإسعاف والوقوف والإنقاذ منها .
إذا كان الأمر كذلك : فلماذا أرسل الله الرُسل، الرسول تلو الرسول؟ لماذا مكث نوح عليه السلام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ؟ يدعوهم إلى التوحيد { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } [ هود : 40 ] .
لماذا مكث محمد - صلى الله عليه وسلم - في مكة ثلاثة عشر عاماً يدعو إلى التوحيد ؟ لماذا كان - صلى الله عليه وسلم - يكرر في كل خطبة جمعة وعلى الملأ : ( شر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ) مسلم : ( 867 ) .
لماذا قال - صلى الله عليه وسلم -، وهو في مرض موته : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) البخاري : ( 1265، 1324 ) .
……=
=…ومع هذا كل نجد بعض القوم وهم في طريقهم إلى غزوة حنين، يقولون للنبي - صلى الله عليه وسلم - : (( اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط )) ابن حبان : ( 6702 ) .
فلماذا لم يكف هؤلاء العرب – الذين يفهمون العربية ويجيدونها في ذلك الوقت أكثر من غيرهم – العشر الدقائق بل العشرة أيام أو العشرين يوماً التي قضاها النبي - صلى الله عليه وسلم - معهم في مكة بعد الفتح وقبل حنين ؟ .
…فلينتبه الدعاة وغيرهم إلى أن أمر تعلم التوحيد عظيم ومهم، وتكراره أهم، والواقع والتاريخ يشهد لذلك. بل وقول الذي لا ينطق عن الهوى يشهد لأهمية تعلم التوحيد وتكرار تعليم التوحيد الذي هو حق الله على العبيد حيث يقول - صلى الله عليه وسلم - : ( يبعث الله على رأس كل سنة من يجدد لهذه الأمة دينها ) أبو داود: ( 4291 ) وانظر الفتح : ( 13/295 ) .
فلو كان الأمر بهذه السهولة في تعليم الناس التوحيد لما بعث الله من يجدد ما اندرس من الدين، وأكثر ما يندرس عند الناس التوحيد .(1/47)
.
انظروا إلى هذا الجاهل، هذا الجاهل يتساهل في أمر العقدية ويعظم أمر اللواط . أيهما أشد ؟
هل الشرك أشد أم اللواط أشد ؟ نسأل الله العافية .
- - - - -
س 30 : ما هو الموقف من هذا الكتاب – منهج الأنبياء – السابق الذكر ؟ .
جـ/ تُشخَّص الأمراض التي في الكتاب، ويُطلب سحبه من المكتبات، ومنعه من الدخول إلى المملكة (1)
__________
(1) …سئل سماحة الشيخ : عبدالعزيز بن باز في محاضرة بعنوان " آفات اللسان "
……=
=…بتاريخ :29/12/1413هـ في مدينة الطائف، عن كلام محمد سرور زين العابدين، وموقفه من كتب العقيدة في السؤال السابق فأجاب سماحته – رحمه الله - : (( هذا غلط عظيم ... كتب العقيدة : الصحيح أنها ليست جفاءً، قال الله، قال الرسول . فإذا كان يصف القرآن والسنة بأنها جفاء؛ فهذا رِدَّة عن الإسلام، هذه عبارة سقيمة خبيثة )) .
…وسئل عن حكم بيع الكتاب فقال : (( إن كان فيه هذا القول فلا يجوز بيعه، ويجب تمزيقه )) ا هـ النقل من الشريط المذكور .
…ومثل كلام " محمد سرور " يقول " حسن الترابي ": (( ينبغي لفقه العقيدة اليوم أن يستغني عن علم الكلام القديم، ويتوجه إلى علم جديد غير معهود للسلف )) .
…ويقول – أيضاً - : (( وعلينا أن ننظر في أصول الفقه الإسلامي، وفي رأيي أن النظرة السليمة لأصول الفقه الإسلامي تبدأ بالقرآن، الذي يبدو أننا محتاجون فيه إلى تفسير جديد ( !! )، إذا قرأتم التفاسير المتداولة بيننا تجدونها مرتبطة بالواقع الذي صِيغت فيه، كل تفسير يعبِّر عن عقلية عصره ...، إلا هذا الزمان؛ لا نكاد نجد فيه تفسيرًا عصريًا شافيًا )) .
انظر كتاب : " تجديد الفِكر الإسلامي " للترابي ، ( ص 42، 25 )، ط الدار السعودية، الطبعة الثانية 1407هـ .
قلت : وهو بهذا الكلام يريد أن يفسِّر القرآن بحسب أهواء الناس في مختلف العصور، ولا يدري أن التفسير متوقف ومقصور على مصادر محددة، هي : تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنة، وتفسير القرآن بأقوال الصحابة، وتفسير القرآن بمقتضى اللغة التي نزل بها. وهي على الترتيب بين هذه الأربعة المصادر، ولا يختلف هذا باختلاف الأزمان، وأحوال الناس ولا بتغير النظريات العلمية .(1/48)
.
س 31 : هل يجوز إطلاق لفظ الجاهلية على المجتمعات الإسلامية المعاصرة ؟ .
جـ / الجاهلية العامة قد زالت ببعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ فلا يجوز إطلاقها
على المجتمعات الإسلامية بصفة العموم (1)
__________
(1) …هذا الإطلاق بتكفير المجتمعات الإسلامية هو ما يردِّده (( سيد قطب )) في كتبه، وعلى سبيل المثال – لا الحصر – أعرض بعض مقالاته حتى لا يُقال : إننا نتقوَّل عليه :
…يقول (( سيد قطب )) في كتابه " معالم في الطريق " ( ص 101 ) :
(( يدخل في إطار المجتمع الجاهلي : تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة؛ وهذه المجتمعات لا تدخل في هذا الإطار لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله، ولا لأنها تقدّم الشعائر التعبديّة لغير الله – أيضًا -؛ ولكنها تدخل في هذا الإطار لأنها تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها؛ فهي وإن لم تعتقد بألوهيّة أحد إلا الله تُعطى أخص خصائص الألوهية لغير الله؛ فتدين بحاكمية غير الله ...
وإذا تعيّن هذا فإن موقف الإسلام من هذه المجتمعات الجاهلية كلها يتحدّد في عبارة واحدة : إنه يرفض الاعتراف بهذه، بإسلامية هذه المجتمعات كلها وشرعيتها في اعتباره )) .
ويقول في كتابه " العدالة الاجتماعية " ( ص 250 ) :
(( وحين نستعرض وجه الأرض كله اليوم – على ضوء هذا التقرير الإلهي لمفهوم الدين والإسلام – لا نرى لهذا الدين وجودًا ..؛ إن هذا الوجود قد توقف منذ أن تخلّت آخر مجموعة من المسلمين عن إفراد الله – سبحانه – بالحاكمية في حياة البشر ...؛ ويجب أن نقرِّر هذه الحقيقة الأليمة، وأن نجهر بها، وألاّ نخشى خيبة الأمل التي تُحدثها في قلوب الكثيرين الذين يحبون أن يكونوا مسلمين ...؛ فهؤلاء في حقهم أن يستيقنوا كيف يكونون مسلمين )) .
ويقول سيد قطب في كتابه " في ظلال القرآن " ( 2/1057 ) :
(( لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية، وعادت البشرية إلى مثل الموقف الذي كانت فيه تنَزل القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ..؛ لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بلا إله إلاّ الله؛ فقد ارتدّت البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلاّ الله، وإن ظل فرق
……=
=…منها يردِّد على المآذن: لا إله إلاّ الله، دون أن يدرك مدلولها..؛البشرية بجملتها، بما فيها أولئك الذين يردِّدون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات لا إله إلا الله، بلا مدلول ولا واقع ..وهؤلاء أثقل إثمًا وأشد عذابًا يوم القيامة؛ لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد من بعد ما تبيّن لهم الهدى، ومن بعد أن كانوا في دين الله )) .
وقد أخذ محمد سرور من هذا الكلام وأمثاله الجرأة بالطعن في العلماء، واتهامهم بأنهم عبيد عبيد عبيد العبيد .
ويشهد علي (( سيد قطب )) بتكفيره المجتمعات الإسلامية أيضاً: يوسف القرضاوي، في كتابه " أولويات الحركة الإسلامية " ( ص 110 ) وشهد شاهد من أهله فيقول: (( في هذه المرحلة ظهرت كتب سيد قطب التي تمثّل المرحلة الأخيرة من تفكيره، والتي تنضح بتكفير المجتمع، وتأجيل الدعوة إلى النظام الإسلامي ... وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافة ...
ويتجلى ذلك أوضح ما يكون في تفسير الشهيد " في ظلال القرآن " وفي " معالم في الطريق " وفي " الإسلام ومشكلات الحضارة " وغيرها ... )) . ا هـ .
كما يشهد فريد عبدالخالق، أحد قادة الإخوان المسلمين؛ فيقول في كتابه : " الإخوان المسلمون في ميزان الحق " ( ص 115 ) : (( أن نشأة فكر التكفير بدأت بين شباب بعض الإخوان في سجن القناطر، في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات، وأنهم تأثروا بفكر سيد قطب وكتاباته، وأخذوا منها : أن المجتمع في جاهلية، وأنه قد كفّر حكامه الذين تنكّروا لحاكمية الله بعدم الحكم بما أنزل الله، ومحكوميه إذ رضوا بذلك )) .(1/49)
.
وأما إطلاق شيء من أمورها على بعض الأفراد، أو بعض الفِرق، أو بعض المجتمعات؛ فهذا ممكن وجائز، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لبعض أصحابه : (( إنك امرؤٌ فيك جاهلية )) (1)، وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة )) (2) .
- - - - -
س 32: ما تقولون فيمن يطلق على الأمّة الإسلامية المعاصرة بأنها (( غائبة )) ؟ .
جـ/ القول بأن الأمة الإسلامية غائبة (3)؛ يلزم منه تكفير الدول الإسلامية كلها، لأن معناه : ليس هناك دولة إسلامية. وهذا مخالف لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله – تبارك وتعالى – وهم على ذلك )) (4) .
فمهما كثر الضلال والاختلاف والكفر؛ فلا بدّ من بقاء هذه الطائفة المسلمة .
فليس هناك غياب للأمة الإسلامية – والحمد لله -، و لا يشترط في المجتمع الإسلامي – أو في هذه الطائفة المنصورة- خلوّها من المعاصي؛ لأن المعاصي وُجدت على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد خلفائه، لكنها كانت تُقاوم وتُنكر.
__________
(1) …هذا الحديث سببه فيما رواه البخاري وغيره : فعن واصل بن الأحدب، عن
……=
=…المعروف، قال : لقيت أبا ذر بالرَّبَّذَة وعليه حُلَّة، وعلى غلامه حُلّة، فسألته عن ذلك، فقال : إني ساببت رجلاً فعيّرته بأمه، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( يا أبا ذر أعيّرته بأمه ؟، إنك امرؤ فيك جاهلية؛ إخوانكم خَوَلُكم ... )) . " البخاري " : ( 30 ) .
(2) …صحيح، أخرجه مسلم وغيره، واللفظ لأحمد : ( 5/344 ) .
(3) …وللأسف الشديد فإن بعض المنتسبين للدعوة، ممن يزعمون أنهم قادة الصحوة – المزعومة -؛ ألقى منذ فترة محاضرة في مدينة الطائف بعنوان : " الأمة الغائبة " !! .
(4) …سيأتي برقم : ( 141 ) .(1/50)
- - - - -
س 33 : ما رأيكم في كتاب " القطبية "، وهل تنصح بقراءته، وهل كتب الردود من منهج السلف رحمهم الله ؟ .
جـ/ الرد على المخالف؛ سنة السلف؛ فالسلف يردون على المخالفين وهذه كتبهم موجودة. رد الإمام أحمد على الزنادقة والمبتدعة، ورد شيخ الإسلام ابن تيمية على الفلاسفة وعلى علماء الكلام، وعلى الصوفية وعلى القبوريين، ورد الإمام ابن القيم وكثير من الأئمة ردوا على المخالفين من أجل بيان الحق وإظهار الحق للناس حتى لا تضل الأمة وتتبع المخطئين والمخالفين، وهذا من النصيحة للأمة أما كتاب " القطبية " وغيره من الكتب؛ فما كان فيه من صواب وصدق فلا بد من الأخذ به. فإذا كانوا الذين يردون على المخالفين ينقلون كلام الشخص المخالف من كتابه أو من شريطه ويعينون الكتب أو الأشرطة بالصفحة والجزء، والكلام الذي نقلوه؛ خطأ بين. فما المانع من الرد عليه ؟، من أجل نصيحة الناس ليس القصد تنقص الأشخاص إنما القصد النصيحة للناس والبيان للناس. فما دام كتاب القطبية أو غيره لم يذكر كذبًا على أحد، وإنما تنقل من كلام المخالفين بنصه، ولم ينقله بمعناه أو باختصار مخل، وإنما نقله بنصه وعين الجزء الذي قيل فيه والصفحة التي قيل فيها؛ بل والسطر الذي قيل فيه، فماذا عليه ؟ .
أما كوننا نتكتم على الناس، ونغرر بالناس ونقول اتركوا هذه الكتب بأيدي الشباب وبأيدي الناس وفيها السموم وفيها الأخطاء فهذا من الغش للأمة؛ ولا يجوز هذا . لابد من البيان لابد من النصيحة، لا بد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . هذه كتب الردود موجودة من قديم الزمان وما عابها أحد ولا انتقدها أحد الحمد لله، لابد من البيان .
- - - - -
س 34 : يلاحظ على بعض الشباب في هذه الآونة الأخيرة إهمالهم وزهدهم في تعلم العقيدة ومدارستها والاهتمام بها، وإنشغالهم بأمور أخرى، فما هو توجيهكم لمثل هؤلاء الشباب ؟ .(1/51)
جـ/ بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد .
فإنني أنصح للشباب وغيرهم من المسلمين أن يهتموا بالعقيدة أولاً وقبل كل شيء (1)، لأن العقيدة هي الأصل التي تُبنى عليه جميع الأعمال قبولاً ورداً، فإذا كانت العقيدة صحيحة موافقة لما جاء به الرسل عليهم الصلاة والسلام خصوصاً خاتم النبيين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإن سائر الأعمال تقبل إذا كانت هذه الأعمال خالصة لوجه الله تعالى، وموافقة لما شرع الله ورسوله،
__________
(1) …وقد استقى شيخنا هذا المنهج من قوله - صلى الله عليه وسلم - من حديث تميم الداري: (الدين النصيحة) قلنا لمن قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) " مسلم " : (55) . وقوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن ( أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله ) " البخاري " : (6937) .(1/52)
وإذا كانت العقيدة فاسدة، أو كانت ضالة مبنية على العوائد وتقليد الأباء والأجداد، أو كانت عقيدة شركية، فإن الأعمال مردودة لا يقبل منها شيء ولو كان صاحبها مخلصًا وقاصدًا بها وجه الله، لأن الله سبحانه وتعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كانت أعمالاً خالصة لوجهه الكريم، وصوابًا على سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فمن كان يريد النجاة لنفسه ويريد قبول أعماله ويريد أن يكون مسلمًا حقًا، فعليه أن يعتني بالعقيدة، بأن يعرف العقيدة الصحيحة وما يضادها وما يناقضها، حتى يبني أعماله عليها، وذلك لا يكون إلا بتعلمها من أهل العلم وأهل البصيرة الذين تلقوها عن سلف هذه الأمة (1)، قال سبحانه وتعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } (2)، وقد ترجم الإمام البخاري -رحمه الله- ترجمة قال فيها : (( باب العلم قبل القول والعمل )) (3) وساق هذه الآية الكريمة : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ } .
وقال تعالى : { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } (4) .
فرتب السلامة من الخسارة على مسائل أربع :
المسألة الأولى : الإيمان : ويعني الاعتقاد الصحيح .
المسألة الثانية : العمل الصالح والأقوال الصالحة، وعطف الأقوال الصالحة، والأعمال الصالحة على الإيمان مع أنها جزء منه من باب عطف الخاص على العام، لأن الأعمال داخلة في الإيمان، وإنما عطفها عليه اهتمامًا بها.
__________
(1) …وأن يكونوا ممن شهد لهم أهل العلم - المشهود لهم بالنصح – بالاستقامة وصدق الإخلاص والرزانة، وأن لا يكونوا من أهل الأهواء والأحزاب والفرق الضالة .
(2) …محمد : 19 .
(3) …صحيح البخاري : ( 1/37 ) .
(4) …سورة العصر .(1/53)
والمسألة الثالثة : تواصوا بالحق يعني دعوا إلى الله، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، ولمّا اعتنوا بأنفسهم أولاً وعرفوا الطريق، دعوا غيرهم إلى ذلك، لأن المسلم مكلف بدعوة الناس إلى الله سبحانه وتعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وتواصوا بالصبر، هذه هي المسألة الرابعة: وهي الصبر على ما يلاقونه في سبيل ذلك من التعب والمشقة .
فلا سعادة لمسلم إلا إذا حقق هذه المسائل الأربع، أما الاهتمام بالثقافات العامة، والأمور الصحفية وأقوال الناس، وما يدور في العالم، فهذه إنما يطّلع الإنسان عليها بعدما يحقق التوحيد، ويحقق العقيدة ويطّلع على هذه الأمور من أجل أن يعرف الخير من الشر، ومن أجل أن يحذر من ما يدور في الساحة من شرور ودعايات مضللة، لكن هذا بعدما يتسلح بالعلم، ويتسلح بالإيمان بالله ورسوله؛ أما أن يدخل في مجالات الثقافة والأمور الصحفية وأمور السياسة وهو على غير علم بعقيدته، وعلى غير علم بأمور دينه، فإن هذا لا ينفعه شيئًا، بل هذا يشتغل بما لا فائدة له منه، ولا يستطيع أن يميز الحق من الباطل، فكثير ممن جهلوا العقيدة واعتنوا بمثل هذه الأمور ضلوا وأضلوا، ولبّسوا على الناس بسبب أنهم ليس عندهم بصيرة(1)، وليس عندهم علم يميزون به بين الضار والنافع، وما يؤخذ وما يترك، وكيف تعالج الأمور، فبذلك حصل الخلل وحصل اللبس. عند كثير منهم، لأنهم دخلوا في مجالات الثقافة، ومجالات السياسة من غير أن يكون عندهم علم بعقيدتهم، وبصيرة من دينهم، فحسبوا الحق باطلاً والباطل حقًا .
- - - - -
__________
(1) …وهذا دأب الحركيين السياسيين الحزبيين، الذين اشغلوا المجتمعات المسلمة هنا وهناك بالتهييج السياسي، في محاضراتهم، وخطبهم، ومقالاتهم، ومؤلفاتهم، فنسأل الله لنا ولهم الهداية والاستقامة على الدين القويم .(1/54)
س 35 : لقد أعرض أولئك الشباب عن قراءة كتب السلف الصالح التي تصحح العقيدة ككتاب السنة لابن أبي عاصم، وغيرها التي توضح منهج أهل السنة والجماعة وموقفهم من السنة وأهلها، والبدع وأهلا وانشغلوا بالقراءة لمن يسمون بالمفكرين، والدعاة الذين يوجد في كلامهم ما يناقض كتب السلف ويقرر خلافها، فبماذا توجهون هؤلاء الشباب، وما هي الكتب السلفية التي تنصحونهم بقراءتها وبناء العقيدة وتصحيحها عليها ؟
جـ/ لما عرفنا أنه يجب العناية بالعقيدة وتعلمها وتعلم ما يجب على الإنسان نحوها فإنه يأتي السؤال: ما هي المصادر التي تؤخذ منها العقيدة ومن هم الذين نتلقى عنهم هذه العقيدة ؟
المصادر التي تؤخذ عقيدة التوحيد وعقيدة الإيمان منها هي : الكتاب والسنة، ومنهج السلف، فإن القرآن قد بين العقيدة بيانًا شافيًا، وبين ما يخالفها وما يضادها وما يخل بها، وشخّص كل الأمراض التي تخل بها (1)، وكذلك سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرته ودعوته وأحاديثه (2)
__________
(1) …قال تعالى : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } [ مريم : 64 ] .
وقال تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً } [ المائدة : 3 ] .
(2) …قال - صلى الله عليه وسلم - : (( تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعد إلاّ هالك ))
مستدرك الحاكم : 1/95.
…وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي )
المستدرك : 1/93 .(1/55)
، وكذلك السلف الصالح : الصحابة (1) والتابعون وأتباع التابعين من القرون المفضلة، قد اعتنوا بتفسير القرآن، شرح السنة، وبيان العقيدة الصحيحة وتبيينها للناس، فيرجع بعد كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلى كلام السلف الصالح، وهو مدون ومحفوظ في كتب التفسير وشروح الحديث، ومدون أيضًا بشكل خاص في كتب العقائد، وأما من يُتلقى عنهم العقيدة، فهم أهل التوحيد، وعلماء التوحيد الذين درسوا هذه العقدية دراسة وافية، وتفقهوا فيها، وهم متوفرون ولله الحمد خصوصًا في هذه البلاد بلاد التوحيد (2)، فإن علماء هذه البلاد على
__________
(1) …قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم .السنة لابن نصر : (28) و سنن الدارمي : ( 1/80 ) .
(2) …المقصود هنا (( المملكة العربية السعودية )) بلاد الحرمين .(1/56)
وجه الخصوص وعلماء المسلمين المستقيمين على وجه العموم، لهم عناية بعقيدة التوحيد، يدرسونها ويفهمونها، ويوضحونها للناس ويدعون إليها، فالرجوع إلى أهل التوحيد وإلى علماء التوحيد الذين سلمت عقيدتهم وصفت، هم الذين تؤخذ عنهم عقيدة التوحيد ، أما الانصراف عن العقيدة إلى كتب الثقافات العامة، والأفكار المستوردة من هنا وهناك، فهذه لا تغني شيئًا، وهي كما يقول القائل : "لحم جمل غث، فوق جبل وعر لا سمين فينتقى. ولا سهل فيرتقى" ، وهذه كتب لا يضر الجهل بها، ولا ينفع العلم بها(1)، ولكن من تضلع بعلوم التوحيد وعلوم العقيدة والعلوم الشرعية وأراد أن يطلع عليها من باب معرفة نعمة الله سبحانه وتعالى عليه، بأن هداه للعقيدة الصحيحة ، وحرم هؤلاء الذين انشغلوا بالقيل والقال وملئوا الكتب والصحف بالكلام الذي لا طائل تحته، وشره أكثر من خيره، فهذا لا بأس به على أن لا ينشغل عن قراءة ما يفيد، فلا يجوز لطالب العلم - والمبتدئ بالخصوص - أن يشتغل بهذه الكتب، لأنها لا تسمن ولا تغني من جوع، وإنما تأخذ الوقت وتشتت الفكر، وتضيع الزمان على الإنسان.
فالواجب على الإنسان أن يختار الكتب النافعة، والكتب المفيدة، والكتب التي تعتني بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتشرح فهم السلف الصالح لها، فالعلم ما قاله الله وما قاله رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله - :
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفان
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين النصوص وبين رأي فلان(2)
- - - - -
__________
(1) …اللهم زدنا بها جهلاً، وزدنا بالتوحيد علماً .
(2) …من قصيدة الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية – المعروفة – بـ " القصيدة النونية ".(1/57)
س 36 : من الشباب من زهدوا في متابعة الدروس العلمية المسجلة ولزوم دوروس أهل العلم الموثوقين، واعتبروها غير هامة أو قليلة النفع، واتجهوا إلى المحاضرات العصرية التي تتحدث عن السياسة وأوضاع العالم، لاعتقادهم أنها أهم، لأنها تعتني (( بالواقع )) فما نصيحتكم لمثل هؤلاء الشباب ؟
جـ/ هذا كما سبق؛ الاشتغال بالمحاضرات العامة والصحافة وبما يدور بالعالم، دون علم بالعقيدة ودون علم بأمور الشرع تضليل وضياع، ويصبح صاحبها مشوش الفكر، لأنه استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، والله سبحانه وتعالى أمرنا بتعلم العلم النافع أولاً، قال تعالى : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } (1).
{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ } (2).
{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } (3) .
{ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً } (4). إلى غير ذلك من الآيات التي تحث على طلب العلم المنْزَل في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لأن هذا هو العلم النافع المفيد في الدنيا والآخرة، وهذا هو النور الذي يبصر الإنسان به الطريق إلى الجنة وإلى السعادة، والطريق إلى العيشة الطيبة النزيهة في الدنيا والسعادة في الآخرة، قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً - فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً } (5).
__________
(1) …محمد : 19 .
(2) …الزمر : 9 .
(3) …فاطر : 28 .
(4) …طه : 114 .
(5) …النساء : 174-175 .(1/58)
ونحن نقرأ سورة الفاتحة في كل ركعة من صلاتنا وفيها الدعاء العظيم { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ } (1).
والذين أنعم الله عليهم هم الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح { مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً } (2).و { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } وهم الذين أخذوا العلم وتركوا العمل { ولا الضالين } وهم الذين أخذوا العمل وتركوا العلم.
فالصنف الأول : مغضوب عليه لأنه عصى الله على بصيرة.
والصنف الثاني : ضال لأنه عمل بدون علم. ولا ينجو إلا الذين أنعم الله عليهم، وهم أهل العلم النافع والعمل الصالح، فيجب أن يكون هذا لنا على بال، وأما الاشتغال بواقع العصر كما يقولون أو ( فقه الواقع )، فهذا إنما يكون بعد الفقه الشرعي، إذ الإنسان بالفقه الشرعي ينظر إلى واقع العصر وما يدور في العالم وما يأتي من أفكار ومن آراء ، ويعرضها على العلم الشرعي الصحيح ليميز خيرها من شرها، وبدون العلم الشرعي فإنه لا يميز بين الحق والباطل ، والهدى والضلال (3)، فالذي يشتغل بادئ ذي بدء بالأمور الثقافية، والأمور الصحافية، والأمور السياسية، وليس عنده بصيرة من دينه، فإنه يضل بهذه الأمور، لأن أكثر ما يدور فيها ضلال ودعاية للباطل، وزخرف من القول وغرور، نسأل الله العافية والسلامة .
- - - - -
س 37 : ما حكم التمثيل المسمى ( الديني )، والأناشيد المسماة بـ ( الإسلامية )، التي يقوم بها بعض الشباب في المراكز الصيفية ؟ .
__________
(1) …الفاتحة : 6 – 7 .
(2) …النساء : 69 .
(3) …أصحاب " فقه الواقع " قد بان عيبهم واتضح تقصيرهم وافتضح أمرهم في " حرب الخليج " عندما خالفوا فتوى " هيئة كبار العلماء " وظنوا أن تخرصاتِهم ستجدي وأن علمهم السياسي والفكري سيعلو؛ كلا وألف لا .(1/59)
جـ/ التمثيل (1)
__________
(1) …قال الشيخ بكر أبو زيد في كتاب " التمثيل " : (( وعن حدوثه في التعبد لدى غير
……=
=…المسلمين : فقد رجَّح بعض الباحثين أن نواة التمثيل من شعائر العبادات الوثنية لدى اليونان )) ا هـ ( ص : 18 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: " اقتضاء الصراط المستقيم .." ( 191، ط . دار الحديث ) عن ما يفعله النصارى في عيدهم المسمى " عيد الشعانين " قال : (( يخرجون فيه بورق الزيتون ونحوه، ويزعمون أن ذلك مشابهة لما جرى للمسيح - عليه السلام -)) ا هـ .
وقد نقله الشيخ بكر أبو زيد – أيضًا – في " التمثيل " .
وقال الشيخ بكر أبو زيد في الكتاب المشار إليه (ص : 27-28) :
…(( إذا علمت أن التمثيل منقطع الصلة بتاريخ المسلمين في خير القرون، وأن وفادته كانت طارئة في فترات، وأنه في القرن الرابع عشر الهجري استقبلته دور اللهو وردهات المسارح، ثم تسلل من معابد النصارى إلى فريق " التمثيل الديني " في المدارس وبعض الجماعات الإسلامية [ قلت : مثل فِرقة الإخوان المسلمين ]، إذا علمتَ ذلك فاعلم أن قواعد الشريعة وأصولها، وترقيها بأهلها إلى مدارج الشرف والكمال تقضي برفضه ..
ومعلوم أن الأعمال إما عبادات وإما عادات؛ فالأصل في العبادات لا يشرع منها إلا ما شرعه الله، والأصل في العادات لا يحظر منها إلا ما حظره الله …
وعليه : فلا يجوز أن يكون على سبيل التعبد " التمثيل الديني "، أو من باب الاعتياد على سبيل اللهو والترفيه. والتمثيل الديني لا عهد للشريعة به؛ فهو سبيل محدث، ومن مجامع ملة الإسلام قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدّ )) .
ولهذا فما تراه في بعض المدارس والجامعات من فِرَق للتمثيل الديني، فإن حقيقته "التمثيل البدعي "، لِِمَا علمت من أصله، وحدوثه لدى المسلمين خارجًا عن دائرة المنصوص عليه بدليل شرعي، وأنه من سبيل التعبد لدى أهل الأوثان من اليونان ومبتدعة النصارى؛ فلا أصل له في الإسلام بإطلاق، فهو إذًا محدث، وكل أمرٍ
……=
=…محدثٍ في الدين فهو بدعة تضاهي الشريعة؛ فصدق عليه – حسب أصول الشرع المطهر – اسم " التمثيل البدعي " .
وأما إن كان التمثيل في العادات : فهذا تَشَبُّه بأعداء الله الكافرين، وقد نُهينا عن التشبه بهم، إذ لم يُعرف إلا عن طريقهم )) ا هـ .
قلت : إن " التمثيل الديني " – في مسمّاهم – في المراكز الصيفية والمدارس يعتبر أسلوبًا من أساليب الدعوة، وطريقة للتأثير في الشباب عندهم، هذا رأيهم، وهو مردود عليهم شرعًا، إذ أن أساليب الدعوة إلى الله وطرقها توقيفية، فليس لأحد أن يُحدِث من عنده شيئاً .
…وحتى لا أطيل – فضلاً – راجع الفقرة [ 34 ]؛ تجد ردًا لشيخ الإسلام ابن تيمية على سؤال فيمن أحدث طريقة لتتويب الناس من المعاصي .
وإنْ قال قائل : إن الأساليب في الدعوة من المصالح المرسلة .
فنقول : هل الشريعة تهمل مصلحةً ما للعباد ؟ .
الجواب يأتي من شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فيقول :
(( والقول الجامع : أن الشريعة لا تُهمل مصلحة قط، بل الله تعالى قد أكمل لنا الدين، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيع عنها بعده إلا هالك )). ا هـ نقلاً من كتاب " الحجج القوية على أن وسائل الدعوة توقيفية " للشيخ : عبدالسلام بن برجس ص : ( 40 ) .
قلت : وإذا كان قد تاب من الكفر، والفسوق، والعصيان، عدد كبير بالطرق الشرعية- وهو كذلك -؛ فلِمَ يلجأ الداعية إلى وسائل لم ترد في الشرع؟، مع أن ما ورد في الشرع كافٍ لتحصيل الغاية من الدعوة إلى الله – تعالى -، وهي : تتويب العصاة وهداية الضُّلال؛ فليسع الدعاة إلى الله ما وسع محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ؛ فإنهم – رضي الله عنهم – عن علم يردون ويصدرون .
يقول ابن مسعود - رضي الله عنه - : (( أيها الناس : إنكم ستحدثون ويحدث لكم؛ فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالأمر الأول )).
……=
=… وقال : (( إياكم والتبدع، وإياكم والتنطع، وإياكم والتعمق، وعليكم بالعتيق )) طبقات الحنابلة : 1/69، 71 .
قال الشيخ عبدالسلام : (( إن تحديد المصلحة في أمر ما صعب جدًا؛ فقد يظن الناظر أن هذا مصلحة، وليس الأمر كذلك، ولذا فإن الذي يتولى تقدير المصلحة أهل الاجتهاد الذين تتوفر فيهم العدالة، والبصيرة النافذة بأحكام الشريعة، ومصالح الدنيا، إذ الاستصلاح يحتاج إلى مزيد الاحتياط في توخِّي المصلحة، وشدة الحذر من غلبة الأهواء، لأن الأهواء كثيرًا ما تزين المفسدة فتُرى مصلحة، وكثيرًا ما يُغتر بما ضرره أكبر من نفعه، وأنَّى للمقلد أن يدَّعي غلبة الظن أن في هذه مصلحة، وهل هذا إلا اجتراء على الدين، وإقدام على حكم شرعي بغير يقين ؟! )) .
ونقل – أيضًا – عن الشيخ السلفي : حمود بن عبدالله التويجري – رحمه الله – قوله : (( إن إدخال التمثيل في الدعوة إلى الله – تعالى – ليس من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا من سنة الخلفاء الراشدين المهديين، وإنما هو من المحدثات في زماننا، وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من المحدثات وأمر بردها وأخبر أنها شر وضلال )) الحجج القوية ( ص 45، 55 ) .(1/60)
لا أراه جائزًا؛ لأنه :
أولاً : فيه إلهاء للحاضرين (1)؛ لأنهم ينظرون إلى حركات الممثل ويضحكون (2)
__________
(1) …وفيه إضاعة للوقت، والمسلم مسؤول عن وقته، ومطالب بحفظه، والاستفادة منه فيما يرضي الله – عز وجل -، ويعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة؛ ففي حديث أبي برزة الأسلمي، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن : عمره فيمَ أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وعن جسمه فيمَ أبلاه )) الترمذي : ( 2417 ) وصححه .
(2) …الغالب على التمثيل – أيضًا – الكذب، بل كله كذب، إما للتأثير في الحاضرين والمشاهدين، وجذب اهتمامهم، وإما ليضحكهم، وهو من القصص الخيالية، وقد جاء الوعيد الشديد من الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمن يكذب ليضحك الناس؛ فعن معاوية بن
……=
=…حيدة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له )) .حديث حسن، أخرجه أحمد : (5/ 3-5 )، الترمذي : ( 2315 )، الحاكم : ( 1/46 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عقب هذا الحديث : (( وقد قال ابن مسعود : " إن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل " .
…وأما إن كان في ذلك ما فيه عدوان على المسلمين وضرر في الدين فهو أشد تحريمًا من ذلك، وعلى كل حال؛ ففاعل ذلك – مضحك القوم بالكذب – مستحق للعقوبة الشرعية التي تردعه عن ذلك )) ا هـ . مجموع الفتاوى : ( 32/256 ) .
وأما القصص : (( فقد كره السلف القصص ومجالس القصص؛ فحذروا منها أيما تحذير، وحاربوا أصحابها بشتى الوسائل )) من كتاب : " المذكر والتذكير والذكر" لابن أبي عاصم تحقيق : خالد الردادي، ص : ( 26 ) .
وروى ابن أبي عاصم بإسناده الصحيح : (( أن عليًا - رضي الله عنه - رأى رجلاً يقص؛ فقال : علمت الناسخ والمنسوخ؟ فقال : لا، قال : هلكت وأهلكت )) من كتاب : " المذكر والتذكير .. " ص : ( 82 ) .
وقال مالك : (( وإني لأكره القصص في المسجد )).
قال – أيضًا - : (( ولا أرى أن يُجلس إليهم، وإن القصص لبدعة )).
وقال سالم : (( وكان ابن عمر خارجًا من المسجد، فيقول : ما أخرجني إلا صوت قاصِّكم هذا )).
قال الإمام أحمد : (( أكذب الناس القُصَّاص والسؤَّال ..، قيل له : أكنت تحضر مجالسهم ؟، قال : لا )). انتهى نقلاً من كتاب : " البدع والحوادث " للطرطوشي ، ص : ( 109-122 ) .
وسيأتي – إن شاء الله – في جواب سؤال ( 102 ) وحاشيته .(1/61)
.
فالغالب من التمثيل مقصود به التسلية فقط وإلهاء الحاضرين . هذا من ناحية .
والناحية الثانية : أن الأشخاص الذين يُمَثَّلون قد يكونون من عظماء الإسلام، وقد يكونون من الصحابة، وهذا يُعتبر من التَّنَقُّص لهم (1)، شعرت أو لم تشعر؛ فمثلاً : طفل، أو صبي، أو إنسان على غير المظهر اللائق، يمثل عالمًا من علماء المسلمين أو صحابيًا .. هذا لا يجوز؛ لما فيه من تَنَقُّص الشخصية الإسلامية بمظهر الممثل الفاسق، أو المستهجن .
فلو جاء أحد يُمَثُّلك بأن يمشي مشيك أو يتكلم مقلدًا لك، هل ترضى بهذا ؟ أو تعد هذا من التنقص لك؟، وإن كان الممثِّل يقصد – بزعمه – الخير، لكن الأشخاص لا يرضون أن أحدًا يتنقصهم .
ثالثًا – وهو أخطر - : أن بعضهم يتقمّص شخصية كافرة، كأبي جهل، وفرعون – وغيرهم -، ويتكلم بكلام الكفر، بزعمه أنه يريد الرَّد عليه، أو يريد بيان كيف كانت الجاهلية؛ فهذا تشبُّه بهم، والرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن التشبُّه بالمشركين والكفار (2)، تشبُّه في تقَمُّص الشخصية، وتشبُّه بكلامهم .
وأيضًا من المحاذير: أن هذه الطريقة في الدعوة ليست من هدي
__________
(1) …من أسماء التمثيل : ( المحاكاة ) وهي : أن يقلد شخصًا في حركاته، وقد جاء الحديث الصحيح بذم المحاكاة والنهي عنها؛ فعن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( ما أحب أني حكيت إنسانًا، وأن لي كذا وكذا )) .
…صحيح، أخرجه أحمد : ( 6/136-206 )، والترمذي : ( 2503 ) .
(2) …الأحاديث في النهي عن مشابهة المشركين والكفار مستفيضة، منها :
…قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( خالفوا اليهود والنصارى ... )) ابن حبان : ( 2186 ) .
…وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( خالفوا المشركين ... )) مسلم ( 259 ) .
…وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( خالفوا المجوس ... )) مسلم ( 260 ) .(1/62)
الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا هو هدي سلفنا الصالح، ولا من هدي المسلمين .
هذه التمثيليات ما عُرفت إلا من الخارج – من الكفار-، وتَسَرَّبَت إلينا باسم الدعوة إلى الإسلام، واعتبارها من وسائل الدعوة، غير صحيح وسائل الدعوة – ولله الحمد – توقيفيةُ، غنيةٌ عن هذه الطريقة (1) .
وكانت الدعوة ناجحة في مختلف العصور بدون هذه التمثيليات، ولما جاءت هذه الطريقة ما زادت الناس شيئًا ولا أَثَّرت شيئًا؛ مما يدل على أنها سلبية، وأن ليس فيها فائدة، , وإنما فيها مضرّة .
وإن قال قائل : إن الملائكة تتمثّل بصور الآدميين .
نقول : إن الملك يأتي في صورة آدمي لأن الإنسان لا يطيق النظر إلى الملك بصورته، وهذا من مصلحة البشر لأن الملائكة لو جاءوا بصورتهم الحقيقية ما استطاع البشر أن يخاطبوهم ولا أن يكلموهم ولا أن ينظروا إليهم (2) .
والملائكة حينما تتمثل بصورة شخص لا تقصد التمثيل الذي يعنيه هؤلاء .
الملائكة تتمثل بالبشر من أجل المصلحة؛ لأن الملائكة لهم صور غير
صور البشر .
أما عند البشر فكيف تغير الصورة من إنسان إلى إنسان ؟ .
ما هو الداعي إلى هذا ؟!! .
- - - - -
س 38 : ما رأي فضيلتكم في بعض الشباب الذين يتكلمون في مجالسهم عن ولاة الأمور في هذه البلاد بالسب والطعن فيهم ؟ .
جـ/ هذا كلام معروف أنه باطل، وهؤلاء إما أنهم يقصدون الشر وإما أنهم تأثروا بغيرهم من أصحاب الدعوات المضللة الذين يريدون سلب هذه النعمة التي نعيشها .
__________
(1) …صدر كتاب بعنوان : " الحجج القوية على أن وسائل الدعوة توقيفية " للشيخ : عبدالسلام بن برجس آل عبدالكريم. وهو كتاب جيد في موضوعه، ننصح بقراءته .
(2) …ثم إن الملائكة لا تحكي قول الشخص الذي تتمثل بصورته، ولا تمشي مشيته، أو غير ذلك مما يفعله الممثلون الآن .
…أنظر كتاب : " إيقاف النبيل على حكم التمثيل "، للشيخ : عبدالسلام بن برجس – وفقه الله - .(1/63)
نحن – ولله الحمد – على ثقة من ولاة أمرنا، وعلى ثقة من المنهج الذي نسير عليه، وليس معنى هذا أننا قد كَمُلنا، وأن ليس عندنا نقص ولا تقصير، بل عندنا نقص؛ ولكن نحن في سبيل إصلاحه وعلاجه – إن شاء الله – بالطرق الشرعية .
وفي عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وُجِد من يسرق، ووُجِد من يزني، ووُجِد من يشرب الخمر، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقيم عليهم الحدود .
نحن - ولله الحمد – تُقام عندنا الحدود على من تَبَيَّن وثبت عليه ما يوجب الحد، ونقيم القصاص في القتلى، هذا – ولله الحمد – خير (1) ولو
كان هناك نقص، النقص لا بد منه لأنه من طبيعة البشر .
ونرجو الله – تعالى – أن يصلح أحوالنا، ويعيننا على أنفسنا، وأن يسدد خطانا، وأن يكمل نقصنا بعفوه .
أما أننا نتخذ من العثرات والزلات سبيلاً لتنقُّص ولاة الأمور، أو الكلام فيهم، أو تبغيضهم إلى الرعية؛ فهذه ليست طريقة السلف أهل السنة والجماعة (2)
__________
(1) …وهذا ملموس في بلادنا، متمثلاً في محاكمنا، ولا ينكره إلا من أعمى الله بصيرته، أو رجل في قلبه مرض وهوى، نسأل الله العافية .
(2) …سئل سماحة العلامة : عبدالعزيز بن باز، في محاضرة ألقاها في مدينة الطائف بعنوان : " آفات اللسان " في 29/2/1413هـ ، وقد طُبع هذا الكلام في آخر كتاب صغير اسمه : " حقوق الراعي والرعية "، والذي يتضمن بعض الخطب لفضيلة الشيخ : محمد العثيمين – رحمه الله -، وقد أفرد كلام سماحة الشيخ – عبدالعزيز – رحمه الله – في كتاب، وسمه جامعه بـ"المعلوم من واجب العلاقة بين الحاكم والمحكوم" .
…قال السائل : هل من منهج السلف نقد الولاة من فوق المنابر؟، وما منهج السلف في نصح الولاة ؟ .
…فأجاب : (( ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذِكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الخوض في الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، والاتصال بالعلماء الذين
…يتصلون به، حتى يوجَّه إلى الخير )) انظر (ص : 27 ) من كتاب حقوق الراعي والرعية، المعلوم من واجب العلاقة بين الحاكم والمحكوم : ( 22 ) .
وقال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين في الكتاب نفسه المشار إليه، صفحة (11): (( ومن حقوق الرعاة على رعيتهم : أن يناصحوهم ويرشدوهم، وأن لا يجعلوا من خطئهم إذا أخطأوا سُلَّمًا للقدح فيهم، ونشر عيوبهم بين الناس؛ فإن ذلك يوجب التنفير عنهم، وكراهتهم، وكراهة ما يقومون به من أعمال وإن كانت حقًا، ويوجب عدم السمع والطاعة لهم .…=
=…وإن من الواجب على كل ناصح – وخصوصاً من ينصح ولاة الأمر – أن يستعمل الحكمة في نصيحته، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة )) ا هـ .
وهؤلاء العلماء الأجلاء يستمدون كلامهم من هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وعلى فهم السلف الصالح، ومن ذلك ما جاء في الأحاديث الصحيحة :
فقد أخرج أحمد في المسند : ( 3/404 )، وابن أبي عاصم في السنة : ( 1096 )، والحاكم في المستدرك : ( 3/290 ) وأورده الهيثمي في " المجمع " : ( 5/229-230 ) بلفظ : (( من أراد أن ينصح ... )) ، من حديث عياض بن غنم - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علانية، وليأخذ بيده وليخل به؛ فإن قبلها قبلها، وإلا كان قد أدى الذي عليه والذي له )) . والسياق للحاكم، وهو حديث حسن .
وروى البخاري في " صحيحه " من حديث أبي وائل شقيق رقم ( 3094، 6675)، ومسلم رقم ( 2989 : (( قيل لأسامة : لو أتيت فلانًا - وفي رواية لمسلم : ألا تدخل على عثمان فتكلّمه؟ -، قال : إنكم لترون أني لا أكلمه إلا أُسمعكم !، إني أكلمه في السّر. - وفي رواية مسلم : والله لقد كلمته فيما بيني وبينه - دون أن أفتح بابًا لا أكون أوّل من فتحه )) .
…قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : ( قال المهلّب : أرادوا من أسامة أن يكلم عثمان، وكان من خاصته، وممن يختلف عليه في شأن الوليد بن عقبة، لأنه كان ظهر عليه ريح نبيذ، وشهر أمره، وكان أخا عثمان لأمه، وكان يستعمله، فقال أسامة : (( قد كلمته سراً دون أن أفتح بابًا )) أي : باب الإنكار على الأئمة علانية، خشية أن تفترق الكلمة .
وقال عياض : مراد أسامة : أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام؛ لما يخشى من عاقبة ذلك، بل يتلطّف به، وينصحه سرًا، فذلك أجدر بالقبول ) .
" الفتح " : ( 13/52 ) .
أقول : وهذا إمام أهل السنة " الإمام : أحمد بن حنبل – رحمه الله – " يُضرب
……=
=…بالسياط،ويُسحب، ويُسجن على مسألة خلق القرآن، ومع هذا لم نجد له ولا حتى أثر ضعيف يحث فيه على الخروج على الحاكم الفاسق الظالم؛ بل الآثار عنه بالأمر بالصبر ولزوم الطاعة والجماعة مستفيضة وكثيرة جداً وكان يقول : (( يا أمير المؤمنين )) هل كان يقول ذلك تزلفاً أو جُبناً ؟!! .
أليس لنا في سلفنا الصالح أسوة ؟ . أم نحن أعلم منهم وأشجع ؟ !! .
قال الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه : " جامع العلوم والحكم " :(( والنصيحة لأئمة المسلمين: معاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وتذكيرهم به، وتنبيههم في رفق ولطف، ومجانبة الوثوب عليهم، والدعاء له بالتوفيق، وحث الأغيار على ذلك )) ا هـ ص : ( 113 ) .
وقال الإمام الشوكاني في كتابه : " رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين " ما نصه : (( وقد ثبت في الكتاب العزيز الأمر بطاعة ولي الأمر، وجعل الله أولي الأمر وطاعتهم بعد طاعة الله سبحانه وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتواتر في السنة المطهرة – في الأمهات وغيرها – أنها تجب الطاعة لهم والصبر على جورهم، وفي بعض الأحاديث المشتملة على الأمر بالطاعة لهم، أنه قال - صلى الله عليه وسلم - : ((وإن ضر ظهرك، وأخذ مالك )) .
وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (( أعطوهم الذي لهم، واسألوا الله الذي لكم )) .انتهى كلام الشوكاني ص : ( 81-82 ) .(1/64)
.
أهل السنة والجماعة يحرصون على طاعة ولاة أمور المسلمين، وعلى تحبيبهم للناس، وعلى جمع الكلمة، هذا هو المطلوب .
والكلام في ولاة الأمور من الغيبة والنميمة، وهما من أشد المحرمات بعد الشرك، لا سيما إذا كانت الغيبة للعلماء ولولاة الأمور فهي أشد، لما يترتب عليها من المفاسد، من : تفريق الكلمة، وسوء الظن بولاة الأمور، وبعث اليأس في نفوس الناس، والقنوط (1) .
س 39 : يقول محمد قطب في كتابه : ( حول تطبيق الشريعة ) في معنى لا إله إلا الله، أي : " لا معبود إلا الله، ولا حاكم إلا الله "؛ فهل هذا التفسير صحيح (2) ؟ .
جـ/ معنى ( لا إله إلا الله ) بَيَّنَه الله - سبحانه وتعالى - في كتابه، وبَيَّنَه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، قال الله تعالى : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً } (3).
__________
(1) …وقد حصل التشكيك في علمائنا وولاة أمورنا من بعض المنتسبين للعلم، والذين
……=
=…نصبوا أنفسهم دعاة إلى الله؛ فانحرف بعض السذج من الشباب المغرر بهم عن جادة الطريق، وزهدوا في العلماء الربانيين كأمثال كبار العلماء في بلادنا؛ فأصبح إذا قلت: الشيخ فلان قال كذا، وأفتى بكذا، رَدَّ عليك بقوله : ذاك من علماء السلطة ومداهن !!، أو قال لك : ذاك عليه ضغوط من الدولة !! .
…فحسبنا الله ونعم الوكيل، آخر الزمان يتكلم الرويبضة في أمور الأمة .
(2) …في موضعين من الكتاب المذكور، وأكثر انظر : (ص : 20 – 21) .
…ويقرر هذا المعنى – أيضاً – في كتابه : " واقعنا المعاصر " (ص :29)؛ فيقول :
…(( ولكن لأنهم – أي : جاهلية هذا العصر كما يعبر عنها – في هذه المرة يرفضون المقتضى الرئيسي لـ"لا إله إلا الله"، وهو: تحكيم شريعة الله، والامتثال لمنهج الله )).
…راجع ( ص / 56 ) من كتابنا هذا تجد النص بأكمله .
(3) …النساء : 36 .(1/65)
وقال تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } (1).
وقال تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } (2).
وقول الله تعالى عن خليله إبراهيم - عليه السلام - : { إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ - إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي } (3) .
هذا هو معنى ( لا إله إلا الله )، قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } (4) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله )) وفي رواية : (( إلى أن يوحدوا الله )) (5) .
فبَيَّن - صلى الله عليه وسلم - أن معنى لا إله إلا الله هو : إفراد الله تعالى بالعبادة كلها، لا بالحاكمية فقط .
فمعنى ( لا إله إلا الله ) أي : لا معبود بحق إلا الله، وهو إخلاص العبادة لله وحده، ويدخل فيها تحكيم الشريعة، ومعنى ( لا إله إلا الله ) أَعَمُّ من ذلك وأكثر، وأَهَمُّ من تحكيم الكتاب في أمور المنازعات؛ أَهَمُّ من ذلك هو : إزالة الشرك من الأرض، وإخلاص العبادة لله – سبحانه -؛ فهذا هو التفسير الصحيح .
أما تفسيرها بالحاكمية، فتفسير قاصر، لا يعطي معنى (لا إله إلا الله).
وأما تفسيرها بأن ( لا خالق إلا الله ) هذا تفسير باطل ليس قاصرًا فقط؛ لأن ( لا إله إلا الله ) لم تأتِ لتقرير أنه ( لا خالق إلا الله )؛ لأن هذا يقر به المشركون؛ فلو كان معناها ( لا خالق إلا الله ) لصار المشركون موحدين، قال الله تعالى: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } (6)، معنى هذا : أن أبا جهل مُوَحِّد وأبا لهب .
__________
(1) …النحل : 36 .
(2) …البينة : 5 .
(3) …الزخرف : 26-27 .
(4) …الذاريات : 56 .
(5) …البخاري : ( 1335 – 2786 )، الترمذي : ( 2606 ) .
(6) …الزخرف : 78 .(1/66)
وتفسيرها بأن ( لا معبود إلا الله ) تفسير باطل – أيضًا -؛ لأنه يلزم عليه وِحْدة الوجود؛ فهناك معبودات كثيرة من الأصنام والقبور؛ فهل عبادتُها عبادة لله ؟!! .
والواجب أن يقال : ( لا معبود بحق إلا الله ) كما قال الله -تعالى-: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ } (1) .
- - - - -
س 40 : هل دعوة الشيخ : محمد بن عبدالوهاب، دعوة إسلامية حزبية؛ كجماعة الإخوان المسلمين، والتبليغ؟، وما نصيحتكم لمن يقول هذا الكلام، وينشره في الكتب ؟ .
جـ/ أنا أقول : إن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – على منهج السلف الصالح في الأصول والفروع (2)، ليس القصد منها التحيّز
لجماعة غير ما كان عليه أهل السنة والجماعة سلفًا وخلفًا .
أما جماعة " الإخوان المسلمين " والتبليغ، وجماعة كذا وكذا (3)
__________
(1) …لقمان : 30 .
(2) …هذه مؤلفاته – رحمه الله – موجودة، وهي تزخر ببيان العقيدة الصحيحة و بيان التوحيد، الذي هو حق الله على العبيد، وبيان ما يُضاده، وسيرته العطرة في دعوة الناس إلى عبادة الله وحده، ونبذ ما سواه، وهذه دعوة الرسل جميعاً – صلوات الله وسلامه عليهم - .
…فنقول : هذه دعوة الإمام المجدد، الذي أحيا الله به العباد والبلاد، وما زلنا – ولله الحمد – نعيش في ظل دعوته المباركة .
(3) …أما دعوة " الإخوان المسلمون " فنسأل : هل ألَّف مؤسسها كتابًا واحدًا في التوحيد في بيان العقيدة الصحيحة، أو أتباعه إلى يومنا هذا؟، وهل دعا حسن البنا إلى إخلاص العبادة لله – تعالى -، ونبذ الشرك بجميع أنواعه؟، وهل أزال القباب؟، وهل سوّى الأضرحة، ومنع التوسل بقبور الصالحين والأولياء – كما يزعمون -؟ وهل أقام السنة ؟ .
…كل هذه الأسئلة ليس لها أجوبة بنعم، بل الجواب لدى من عرف العقيدة السلفية
…وقارنها بدعوة الإخوان المسلمين، المتمثلة في مؤسسها حسن البنا، وقرأ كتبه؛ يجد أنه لم تكن له دعوة صريحة وجادة في محاربة الشرك والبدع بل بالعكس .
…يقول حسن البنا : (( وصحبتُ الإخوان الحصافية بدمنهور، وواظبت على الحضرة في مسجد التوبة في كل ليلة )) ." مذكرات الدعوة والداعية" له، ط. دار التوزيع . (ص : 24) هل هذه دعوة لتصفية العقيدة ؟ .
وقال في الكتاب نفسه : (( وحضر السيد عبدالوهاب – المجيز في الطريقة الحصافية – وتلقيتُ الحصافية الشاذلية عنه، وآذنني بأدوارها ووظائفها )) (ص : 24) .
وقال : (( كانت أيام دمنهور ... أيام استغراق في عاطفة التصوف ..؛ فكانت فترة استغراق في التعبد والتصوف )) (ص : 28 ) نسأل الله العافية .
وقال فيه – أيضًا - : (( كنا في كثير من أيام الجمع التي يتصادف أن نقضيها في دمنهور؛ نقترح رحلة لزيارة أحد الأولياء الأقربين من دمنهور، فكنا – أحيانًا – نزور دسوقي، فنمشي على الأقدام بعد صلاة الصبح مباشرة، حيث نصل حوالي الساعة الثامنة صباحًا، فنقطع المسافة في ثلاث ساعات، وهي نحو عشرين كيلوا متراً، ونزور، ونصلي الجمعة، ونستريح، ... ونعود أدراجنا إلى دمنهور ... )) ص : ( 30 ) ألم يسمع قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تشهد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد .. ) . البخاري : ( 1132 )، مسلم : ( 1397 ) .
……=
=…وقال حسن البنا : (( وكنا – أحيانا – نزور عزبة النوام، حيث دُفن في مقبرتها الشيخ : سيد سنجر، من خواص رجال الطريقة الحصافية، والمعروفين بصلاحهم وتقواهم، ونقضي هناك يومًا كاملاً، ثم نعود )) مذكرات دعوته. (ص : 30 ) .
وقال : (( وأذكر أنه كان من عاداتنا أن نخرج في ذكرى مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالموكب بعد الحضرة كل ليلة، من أول ربيع الأول إلى الثاني عشر منه، ونحن بالموكب، ونحن ننشد القصائد المعتادة في سرور كامل وفرح تام )) !!(ص : 52).
ومن القصائد :
… هذا الحبيب مع الأحباب قد حضر وسامح الكل فيما قد مضى وجرى
…وفي كتاب : " مجموع رسائل حسن البنا " رسالة : التعاليم، تحت عنوان : " الأصول العشرون "، يقول في الأصل الخامس عشر : (( والدعاء إذا قُرِن بالتوسل إلى الله بأحد من خلقه خلافٌ فرعي في كيفية الدعاء، وليس من مسائل العقيدة )) (ص : 392 ).
قلت : هذا لا يحتاج إلى إسهاب في التعليق؛ فالرجل : صوفي، حصافي، قبوري، وقد أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - صفة الخالق في المغفرة، ولم يبق لله من ذلك شيء، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .
وفي " رسائل العقائد " من الكتاب نفسه يقول : (( البحث في مثل هذا الشأن – يعني: في الأسماء والصفات – مهما طال فيه القول لا يؤدي في النهاية إلاّ إلى نتيجة واحدة هي : التفويض لله – تبارك وتعالى - )) !! انتهى، تحت عنوان : " مذهب السلف والخلف في الأسماء والصفات " (ص : 452 ) .
أقول : وجدتُ كلامًا سلفيًا نفيسًا لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -، يبين حال المفوضة الذين يفوضون علم المعني إلى الله – تبارك وتعالى -، وأنهم من شر أهل البدع؛ ففي كتاب " درء تعارض العقل والنقل " الجزء الأول، الوجه السادس عشر ( ص 201-205 )، يقول :
(( وأما التفويض : فإن من المعلوم أن الله – تعالى – أمرنا أن نتدبر القرآن، وحضنا على عقله وفهمه؛ فكيف يجوز مع ذلك أن يُراد منا الإعراض عن فهمه، ومعرفته،
……=
=…وعقله )) إلى أن قال – رحمه الله – في ذم المفوضة : (( فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد )) ا هـ .
…وبعد هذا، هل يقول من لديه أدنى ذرّة من علم، وعقل : أنه ثَمَّ مقارنة، أو أدنى مقارنة بين دعوة الإمام المجدد : محمد بن عبدالوهاب، وبين مجددهم للبدع ؟ . شتان بين الثرى والثريا .
…سئل الإمام الشيخ: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله تعالى – عن (( الإخوان المسلمون )) في " مجلة المجلة " العدد ( 806 ) تاريخ 25/2/1416هـ، ( ص 24 )، وهذا نص السؤال والجواب :
(( سماحة الشيخ : حركة " الإخوان المسلمين " دخلت المملكة منذ فترة، وأصبح لها نشاط واضح بين طلبة العلم، ما رأيكم في هذه الحركة؟، وما مدى توافقها مع منهج أهل السنة والجماعة ؟ .
أجاب الشيخ / حركة الإخوان المسلمين ينتقدها خواص أهل العلم؛ لأنه ليس عندهم نشاط في الدعوة على توحيد الله، وإنكار الشرك، وإنكار البدع، لهم أساليب خاصة؛ ينقصها : عدم النشاط في الدعوة إلى الله، وعدم التوجيه إلى العقيدة الصحيحة، التي عليها أهل السنة والجماعة.
فينبغي للإخوان المسلمين أن تكون عندهم عناية بالدعوة السلفية: الدعوة إلى توحيد الله، وإنكار عبادة القبور، والتعلُّق بالأموات، والاستغاثة بأهل القبور، كالحسن، أو الحسين، أو البدوي، أو ما أشبه ذلك، يجب أن يكون عندهم عناية بهذا الأصل الأصيل بمعنى ( لا إله إلا الله )، التي هو أصل الدين، وأول ما دعا إليه النبي في مكة دعا إلى توحيد الله، إلى معنى ( لا إله إلا الله ) .
فكثير من أهل العلم ينتقدون على الإخوان المسلمين هذا الأمر، أي : عدم النشاط في الدعوة إلى توحيد الله، والإخلاص له، وإنكار ما أحدثه الجهال من التعلق بالأموات، والاستغاثة بهم، والنذر لهم، والذبح لهم، الذي هو الشرك الأكبر .
وكذا ينتقدون عليهم عدم العناية بالسنة : تتبع السنة، والعناية بالحديث الشريف،
……=
=…وما كان عليه سلف الأمة في أحكامهم الشرعية.
…وهناك أشياء كثير، أسمع الكثير من الإخوان ينتقدونهم فيها.
ونسأل الله أن يوفقهم )) ا هـ .
وقد اعترض معترض على نقد العلامة ابن باز –رحمه الله– لـ(( الإخوان المسلمين )) وقلّ أدبه، وأنقله بنصه.
قال المعترض : إنني أحترمك وأقدرك وأحبك في الله، ولكن لي عند سماحتكم عتاب. وهو أنني قرأت اليوم في " مجلة المجلة " حديثًا مع فضيلتكم وكُتب بها على لسانكم عن " الإخوان المسلمين " ولقد كتب المحرر : أن الإخوان المسلمين لا يهتمون بالعقيدة وأنهم يحيون الموالد، ويفعلون كثيرًا من البدع، ولقد دُهشت كثيرًا لهذا الكلام، لأنني عاملت الإخوان في مصر لسنوات عديدة ولم أعلم منهم شيئاً من ذلك، ولم أجد في معاملتهم أي بدعة، أو أي شيء مما كتب عنهم في هذه المقالة .
فلذا أرجو من سماحتكم تصحيح هذا الكلام . ا هـ .
الله أكبر !! يريد من الشيخ أن يغير كلاماً تكلم به عن علم ودراية، وهل الإمام ابن باز يهرف بما لا يعرف ؟ سبحان الله !! .
أجاب الشيخ إمام السنة – رحمه الله - :
"نعم، كثير من الإخوان نقل عنهم ذلك، نحن حكينا نقل جماعة من المشايخ والإخوان، أن " الإخوان المسلمين " ليس عندهم نشاط كلي وقوي في التحذير فيما يتعلق بالشرك ودعوة أصحاب القبور، وهذا على كل حال يراه في كتبهم وسيرتهم فإذا روجعت كتبهم يرى منها ذلك" . ا هـ . من شريط مسجل من دروس الشيخ بالطائف صيف عام 1416هـ شهر صفر . بصوت إمام " جامع الشيخ ابن باز " ذلك الوقت : إحسان محمد شرف الحلواني .
أقول : هذا السائل تراه جمع مع سوء أدبه الكذب والافتراء على الإمام . وصدق عليه المثل القائل (( حشفًا وسوء كيلة )) .
……=
=…أولاً : الديباجة التي في مقدمة السؤال (( أحبك ... ولكن )) لمن يقال هذا الأسلوب من الكلام ؟؟ ! لإمام من أئمة السنة، ناصر السّنة وقامع البدعة .
…ثانياً : يقول : (( قرأت ... وكُتب على لسانكم )). وهذا من سوء الأدب مع العلماء ويبدوا أن السائل لم يقرأ سيرة الطلاب مع مشايخهم على مر الدهر ولم يقرأ كيف كان الإمام الشافعي – رحمه الله – يتأدب مع شيخه إمام دار الهجرة مالك بن أنس، ولم يطّلع على أدب عَلَم الأعْلام مجدد الدين الإمام أحمد بن حنبل مع الإمام الشافعي – رحمهم الله - . والأمثلة على ذلك كثيرة فالأولى لهذا السائل وأمثاله أن يتعلموا الأدب قبل الطلب .
وقوله : (( وكُتب على لسانكم )) فيه استغفال للإمام – رحمه الله – حيث يفهم من ذلك أنه يُكتب عنه ما لم يعتقد، أو ما لم يكن لديه فيه علم .
ولا يفوتك أيها القارئ اللبيب، أن هذه مقابلة رسمية، ومقالة ذو أهمية فلا يستطيع صاحب اللقاء أو المحرر أن يغير، ولو حدث ذلك فإن الشيخ لن يسكت على ذلك ولا سيما إذا عرفت أن للشيخ رحمه الله وقت يتفرغ فيه لمعرفة ما في الصحف اليومية .
ثالثاً : قول السائل : ولقد كتب المحرر .. وأنهم يحيون الموالد، ويفعلون كثيراً من البدع .
مع استمرار السائل في سوء أدبه مع الإمام ابن باز في قوله ولقد كتب المحرر، أيضاً أضاف هنا الفرية والكذب على الشيخ في قوله: (( يحيون الموالد.. ويفعلون..البدع )) أقول مقالة الشيخ في " الإخوان المسلمين " الذي يغلي منها هذا السائل وأمثاله نقلتها كما هي؛ صورة طبق الأصل، والقارئ الكريم، ليس بالساذج، تنطلي عليه الأكاذيب فاقرأ المقالة وراجع المرجع فأين (( يحيون الموالد .. ويفعلون .. البدع )) ولكنه عمى البصيرة عن قبول الحق والهُدى، نسأل الله العافية !! ( وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ) مسلم : ( 2607 ) .
……=
=…رابعاً : قول السائل : (( دُهشت ...لأنني عاملت ... ولم أعلم منهم شيئاً من ذلك)).
أقول لهذا المندهش وبإيجاز : اقرأ كتب القوم كما أشار إليك سماحة الإمام في خاتمة جوابه على سؤالك .
…وإن كنت لا تستطيع القراءة لضيق الوقت عندك، فارجع إلى الورقات قبل هذه بقليل فستجد ملخص عن بعض ما فعلوه الإخوان بقيادة مرشدهم حسن البنا، وما لم تعلمه أنت فاعترافات القوم تكفي عن معرفتك وعلمك .
…ثم إنك لو علمت القاعدة (( من حفظ حجة على من لم يحفظ )) ، (( والجرح مقدم على التعديل )) ، (( وزيادة الثقة مقبولة )) وإذا أضيف إلى ذلك كله أن المتكلم هو إمام الجرح والتعديل في زمانه، وهو الذي لا يجرح ولا ينتقد حتى يتثبت؛ لو علمت هذا ووعاه قلبك لما أقدمت على ما أقدمت عليه .
خامسًا : قول السائل : (( فلذا أرجو .... تصحيح هذا الكلام )) .
سبحان الله . إنا لله وإنا إليه راجعون .
ما هذه الجرأة وهذا التعالي على الجبل الشامخ ؟!! .
يطلب من رجل هو مرجع للأمة في عصره في أنحاء المعمورة العدول عن قول الحق !.
والله إني لأعلم علماء أجلاء من أقرانه – رحمه الله – أنهم يستحيون أن يقفوا لإلقاء كلمة بحضرته في بيت من بيوت الله أو في مجلس هو فيه، حتى يستأذنوا أو يُستأذن لهم، ومنهم من هو عضو في هيئة كبار العلماء، ناهيك من أن يطلبوا مثل هذا الطلب.
سادساً : جاءت قاصمة الظهر في جواب الإمام -رحمه الله- وقد أكد ما قاله في مقالته السابقة وزاد صاعاً : بأن يراجع هذا السائل وأمثاله كتب القوم فسوف يرى منها ما ذُكر .(1/67)
؛
فنحن ندعوهم – جميعًا – إلى أن يردوا مناهجهم إلى كتاب الله، وإلى سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإلى هدي وفهم السلف الصالح، وبعرضها على ذلك؛ فما وافق فالحمد لله، وما خالف فإنه يُصحح الخطأ . هذا الذي ندعو إليه .
س 41 : هناك مَن فرَّق بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية؛ فهل التفريق صحيح؟ وإذا كان كذلك فمن هم الفرقة الناجية ؟ ومن هم الطائفة المنصورة ؟ .
جـ/ هؤلاء يريدون أن يفرقوا بين كل شيء، يريدون أن يفرقوا بين
المسلمين، وحتى صفات المسلمين يريدون أن يفرقوا بينهما، وهذا القول ليس بصحيح، فالطائفة المنصورة هم الفِرقة الناجية (1)
__________
(1) …وهذا هو قول أئمة الحديث؛ فالفرقة الناجية هم الطائفة المنصورة، وهم أهل الحديث، وهم أهل السنة والجماعة، وهم الجماعة، وهم السلفيون، كما صرَّح بذلك عدد غير قليل من السلف والخلف، وإليك بعض أقوالهم :
يقول الإمام أحمد- رحمه الله – عقب حديث : (( وستفترق ... )) :
…(( إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري مَن هُم ؟ )) .
…أخرجه الحاكم في " معرفة علوم الحديث " (ص : 3) بسند صحيح .
…ونقل المباركفوري في مقدمة " تحفة الأحوذي " (ص : 13) عن أبي اليُمن ابن عساكر أنه قال : (( لِيَهْنِ أهل الحديث هذه البشرى ... فهم – إن شاء الله – الفرقة الناجية )) .
…قال الترمذي – عقب حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تزال طائفة من أمتي )) رقم: ( 2229 ) : (( سمعت البخاري يقول : سمعت ابن المديني يقول : " هم أهل الحديث " )) .
…وقال البخاري في كتاب : " خلق أفعال العباد " (ص : 61)، عقب حديث أبي سعيد في قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } : هم الطائفة المذكورة في حديث: " لا تزال طائفة من أمتي " .
…ولم يُفَرِّق شيخ الإسلام ابن تيمية بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، بل قال في أول كتاب " العقيدة الواسطية " :
…( أما بعد : فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة، أهل السنة
……=
=…والجماعة .. . ) . وكذا في " مجموع الفتاوى " : ( 3/129 ) .
…وقال بعد ذِكر حديث الافتراق: (( هم أهل السنة والجماعة، وهم الطائفة المنصورة )). مجموع الفتاوى : ( 3/159 ) .
…وقال أيضاً : (( إن قولي اعتقاد الفرقة الناجية هي الفرقة التي وصفها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنجاة، هو الاعتقاد المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -، وهم ومن اتبعهم الفرقة الناجية )) . مجموع الفتاوى : ( 3/179 ) .
…وقال : (( بهذا يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية : أهل الحديث والسنة )) . مجموع الفتاوى : ( 3/347 ) .(1/68)
– والله الحمد -، لا تكون منصورة إلا إذا كانت ناجية، ولا تكون ناجية إلا إذا كانت منصورة؛ فهما وصفان متلازمان لشيء واحد .
وهذا التفريق إما من جاهل وإما من مغرض يريد أن يشكك شباب المسلمين في الطائفة المنصورة الناجية (1) .
س 42 : هل من خالف الفِرقة الناجية؛ الطائفة المنصورة، في مسألة الولاء والبراء، أو في مسألة السمع والطاعة لولاة الأمور؛ برّهم وفاجرهم مالم يأمروا بمعصية، يخرج منها، مع موافقته لهم في باقي مسائل العقيدة ؟ .
__________
(1) …وقد أجهد بعض المنتسبين للعلم نفسه، وأضاع وقته، وشتَّت أفكار الشباب، وألف كتاباً يريد أن يثبت أن ثمة فرقاً بين الطائفة المنصورة وبين الفرقة الناجية، ولم ولن يستطيع .
…وقد زاد الطين بِلَّة بأن افترى على شيخ الإسلام ابن تيمية، ونسب إليه القول بالتفريق بدون إحالة، وذلك في كتابه المسمى : " الغرباء الأولون " .
والرَّد على هذه الفرية هو ما قد عرفتَ من كلام شيخ الإسلام السابق .
…وقد تعدَّى به الحال إلى أن نسب القول بالتفريق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة إلى الإمام : عبدالعزيز بن باز، حيث سئل في محاضرة له عن تفريقه بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، فقال :
(( الشيخ عبدالعزيز بن باز – والحمد لله – وافقني على ذلك، ووعدني أن يكتب تعليقاً يتضمن ذلك )) . ا هـ من محاضرة له في شريط مسجل .
……=
=…والحمد لله؛ فقد فضحه الله؛ حيث لم يوافقه الشيخ عبدالعزيز بن باز عندما سئل عن ذلك :
…قال السائل : هل تفرِّق بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية ؟ .
فأجاب سماحته :
(( الطائفة المنصورة هي الفرقة الناجية، هما واحدة، هم أهل السنة والجماعة، وهم السلفيون )) .
قال السائل :
إن فلاناً ... يقول إنك وافقته على التفريق، هل هذا صحيح ؟ .
فأجاب الشيخ عبدالعزيز :
(( لا .. لا .. وَهِم – أو قال – غلط )) ا هـ من شريط مسجل .(1/69)
جـ/ نعم، إذا خالفهم في شيء ووافقهم في شيء، فإنه لا يكون منهم فيما خالفهم فيه، ومنهم فيما وافقهم عليه .
وعليه في ذلك خطر عظيم، ويدخل في الوعيد : (( كلهم في النار ))، وقد يدخل النار بسبب هذه المخالفة، وإن كانت مخالفة في مسألة واحدة في العقيدة؛ لأن قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( كلهم في النار )) ليس معناه : أنهم كلهم يكفرون ويخلَّدون في النار، , وإنما يدخلون النار بحسب مخالفتهم، لأن المخالفة قد تكون مخرجة من الملّة، وقد تكون غير مخرجة من الملّة .
س 43 : هل يكفر من زيّن الفواحش والرذائل للناس ؟ .
جـ/ الذين يدعون إلى الكفر يكفّرون، أما إذا كانوا يدعون الناس إلى المعاصي التي هي دون الكفر والشرك فهؤلاء لا يكفرون (1)
__________
(1) …يقول صاحب شريط : " الشباب أسئلة ومشكلات " :
…(( إن هناك مجموعة : واحد أو أكثر من الفنانين المعروفين، الذين يتداول بعض الشباب الساقطين أشرطتهم، وهي أشرطة في غاية القذارة والسوء، تتكلم عن الفجور والرذيلة والزنا ... وتفتخر بها، وتتمنى أن الناس كلهم على هذه الوتيرة ... أنا مطمئن تمامًا إلى أن مثل هذا العمل إذا كان بالصورة التي ذكرتها الآن، أن صاحب هذه الفعل أقل ما يقال عنه أنه مستخف بالمعصية، ولا شك أن الإستخفاف بالذنب خاصة إذا كان ذنباً كبيرًا ومتفق على تحريمه أنه كفر بالله ، مراد الكلام عن فئة، أو فرد، أو أكثر، من فنانين معروفين، يتداول بعض الشباب أشرطتهم، وهي تتاجر بالرذيلة، وتعلن محاربة الله – عز وجل – بوقاحة وتبجّح، بدون حياء، بحيث يجزم معه الإنسان أن هؤلاء لا يؤمنون بتحريم الله – تعالى – لهذه الأمور، فمثل هؤلاء لا شك أن عملهم هذا ردّة عن الإسلام؛ أقول هذا وأنا مرتاح مطمئن القلب إلى ذلك )) .
…قلت : إن المرء قد يعمل المعصية ويرتكبها بالخطأ، وهذا سرعان ما يرجع ويتوب ويستغفر ربه على الزلة .
…وإما أن يرتكب المعصية عمداً بسبب الهوى، والشيطان، والنفس الأمّارة بالسوء، وهو مقر بحرمتها، فمرتكب المعصية على هذا الوجه، لا يفعلها إلا وهي خفيفة الذنب في عينه، ومستصغرًا لها، وإلاّ لما فعلها؛ وهذا لا يكفر .
…وإما أن يكون مرتكب المعصية مستحلاً لها بإقراره؛ كأن يقول : الزنا حلال، أو الخمر حلال، أو الربا حلال؛ فهذا لا شك في كفره .
فنقول لهذا المحاضر :من قال بأن الاستخفاف بالذنب كفر بالله، وردة عن الإسلام قبلك؟!
بل الذي ندين الله به، أنه معصية ويجب التوبة والإنابة منه، ما لم يستحل فعند ذلك يكفر بالاستحلال .(1/70)
، ولكن يأثمون
بهذا، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً )) (1) .
قال الله تعالى : { لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ } (2) .
- - - - -
س 44 : هل هناك فرق بين العقيدة والمنهج ؟ .
جـ/ المنهج أعم من العقيدة، المنهج يكون في العقيدة وفي السلوك
والأخلاق والمعاملات وفي كل حياة المسلم، كل الخِطة التي يسير عليها المسلم تسمى المنهج .
أما العقيدة فيراد بها أصل الإيمان، ومعنى الشهادتين ومقتضاهما هذه هي العقيدة .
- - - - -
س 45 : هل يجب على العلماء أن يُبَيَّنُوا للشباب وللعامة خطر التحزب والتفرق والجماعات ؟ .
جـ/ نعم، يجب بيان خطر التحزب، وخطر الانقسام والتفرق؛
ليكون الناس على بصيرة، لأنه حتى العوام ينخدعون، كَمْ من العوام الآن انخدعوا ببعض الجماعات يظنون أنها على حق ؟ .
فلابد أن نُبَيِّن للناس – المتعلمين والعوام – خطر الأحزاب والفِرَق؛ لأنهم إذا سكتوا قال الناس : العلماء كانوا عارفين عن هذا وساكتين عليه؛ فيدخل الضلال من هذا الباب؛ فلا بد من البيان عندما تحدث مثل هذه الأمور، والخطر على العوام أكثر من الخطر على المتعلمين؛ لأن العوام مع سكوت العلماء يظنون أن هذا هو الصحيح وهذا هو الحق .
- - - - -
س 46 : ما حكم مشاهدة المباريات في كرة القدم وغيرها ؟ .
__________
(1) …أخرجه مسلم : (2674 )، وأحمد : ( 2/397 )، و أبو داود : ( 4609 )، والترمذي : ( 2674 )، كلهم من حديث أبي هريرة .
(2) …النحل : 25 .(1/71)
جـ/ الإنسان وقته ثمين (1) لا يضيعه في مشاهدة المباريات، لأنها
تشغله عن ذكر الله (2)، وربما تجذبه ويصير رياضياً في المستقبل أو لاعبًا،
ويتحول من العمل الجد وعمل النفع إلى العمل الذي لا فائدة منه .
- - - - -
…س 47 : هل يتوقف على صحة المنهج جنة أو نار ؟ .
جـ/ نعم، المنهج إذا كان صحيحاً صار صاحبه من أهل الجنة؛ فإذا كان على منهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومنهج السلف الصالح يصير من أهل الجنة بإذن الله، وإذا صار على منهج الضُّلاِّل فهو مُتَوَعَّدٌ بالنار (3)
__________
(1) …يجب على المرء المسلم أن يحرص على الوقت، وأن يستغل أوقاته وعمره في ذكر الله، وفي طاعة الله، وفي تحصيل العلم النافع، ولنتذكر حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - حيث قال لرجل وهو يعظه : (( اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك )) من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما - .
…أخرجه الحاكم وصححه : ( 4/306 ) ووافقه الذهبي .
(2) …سوف يُسأل المرء عن كل شيء فعله من خير أو شر، ويُحاسب عليه، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك : (( لا تُزال قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع : عن عمره فيمَ أفناه، وعن شبابه فيمَ أبلاه ... )) الحديث .
…رواه البيهقي من حديث معاذ بن جبل، وأخرجه الترمذي رقم : ( 2417 ) من حديث أبي برزة الأسلمي، وفيه : (( وعن جسمه)) بدل شبابه.
…انظر " صحيح الترغيب " : ( 1/126 ) .
(3) …وهو تحت مشيئة الله – تعالى -، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة .
…وإذا لم يترتب على صحة المنهج من عدمه جنة أو نار؛ فما فائدة قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة قالوا : من هي ؟ . قال : (( ما أنا عليه اليوم وأصحابي )) سبق تخريجه وسيأتي .
…فمن كان على هدي النبي وأصحابه فهو من أهل الجنة، ومن كان على غير ذلك فهو تحت الوعيد .
ومن المعلوم الثابت عند أهل السنة والجماعة : أن الاثنين والسبعين فرقة الهالكة في الحديث ليست مخلدة في النار، ولا أحد يقول بذلك من أهل الحديث؛ فتأمل، إلا أن تكون بدعته مكفّرة وفرقته ردّة . والله أعلم .(1/72)
.
فَصِحَّة المنهج من عدمها يترتب عليها جنة أو نار .
- - - - -
س 48 : ما هو القول الحق في قراءة كتب المبتدعة، وسماع أشرطتهم ؟ .
جـ/ لا يجوز قراءة كتب المبتدعة، ولا سماع أشرطتهم؛ إلا لمن يريد
أن يَرُدَّ عليهم ويُبيِّن ضلالهم .
أما الإنسان المبتدئ، وطالب العلم، أو العامي، أو الذي لا يقرأ إلا لأجل الاطلاع فقط، لا لأجل الرَّد وبيان حالها؛ فهذا لا يجوز له قراءتها؛ لأنها قد تؤثر في قلبه (1)
__________
(1) …وقد تواترت الآثار عن السلف في التحذير من أهل الأهواء والبدع، فهذه بعض الآثار نسوقها لك أخي طالب الحق :
…قال أبو قلابة : ((لا تجالسوهم – يعني: أهل البدع- ولا تخالطوهم؛ فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم كثيراً مما تعرفون )) .
…اللالكائي : ( 1/134 ) : " البدع والنهي عنها ": (55)، " الاعتصام " : ( 1/172 ) .
…وقال إبراهيم النخعي : (( لا تجالسوا أصحاب البدع، ولا تكلموهم؛ فإني أخاف أن ترتد قلوبكم )) " البدع والنهي عنها ": (56)، " الاعتصام ": ( 1/172 ) .
…وقال أبو قلابة : (( يا أيوب – السختياني -، لا تَمكِّن أصحاب الأهواء من سمعك )) اللالكائي : ( 1/134 ) .
…وقال الفضيل بن عياض : (( إذا رأيت مبتدعًا في طريق فخذ في طريق آخر )) . " الإبانة " : ( 2/475 ) .
…وسُئِل أبو زرعة عن الحارث بن أسد المحاسبي وكتبه؛ فقال للسائل : (( إياك وهذه الكتب، هذه كتب بدع وضلالات، عليك بالأثرة )) قيل له : في هذه الكتب عبرة، فقال: (( من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه عبرة )) ثم قال:
…(( ما أسرع الناس إلى البدع ))." التهذيب ": ( 2/117 )، " تاريخ بغداد: ( 8/215 ).
وقال الإمام أحمد في حق المحاسبي كلامًا عنيفًا لمّا سُئل عنه؛ فمما قاله للسائل : (( لا تغتر بتنكيس رأسه؛ فإنه رجل سوء ..لا تكلمه، ولا كرامة له.. ولا نُعمى عين ))، راجع رقم : ( 49 ) .
فهذا منهج السلف في التعامل مع أهل البدع وموقفهم من كتبهم وسماع كلامهم،
……=
=…وقِس ذلك على أشرطتهم فإن شقشقة الكلام في الأشرطة أخطر .
فليت شعري : هل يفطن شبابنا لهذا المنهج، ويَحْذوا أشرطةَ وكتب أهل البدع والأهواء في عصرنا هذا ؟ .(1/73)
وتُشَبِّه عليه فيصاب بشرها .
فلا يجوز قراءة كتب أهل الضلال؛ إلا لأهل الاختصاص من أهل العلم، للرَّد عليها، والتحذير منها .
- - - - -
س 49 : من هي الفرقة الناجية المنصورة في هذا العصر ؟، وماصفاتها وسماتها ؟ .
جـ/ الفرقة الناجية المنصورة في هذا العصر – وإلى قيام الساعة – هي التي قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيها لما سئل؛ حين قال : (( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة )) قالوا: من هي ؟، قال : (( من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي )) (1) .
وقال عنهم الله – سبحانه وتعالى- : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (2) .
من صفات هذه الفرقة : أنها متمسكة بما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه .
ومن صفاتها : أنها تصبر على الحق ولا تلتفت إلى أقوال المخالفين، ولا تأخذها في الله لومة لائم، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك )) (3) .
ومن صفات الفرقة الناجية المنصورة : أنها تحب السلف الصالح، وتثني عليهم، وتدعو لهم، وتتمسك بآثارهم .
__________
(1) …أخرجه الترمذي : ( 2641 )، والحاكم: ( 1/129 )، واللالكائي : ( 1/100 )، والآجري في " الشريعة " : ( 26 ) تحقيق الفقي، والمروزي في " السنة ":(23), راجع "الصحيحة": (1492,204,203), .وسبق تخريجه رقم : ( 12 ) .
(2) …التوبة : 100 .
(3) …مسلم : ( 1920 ) .(1/74)
ومن صفاتهم : عدم تنقصهم لأحد من السلف، سواء الصحابة أو من بعدهم (1) .
ومن علامة الفِرقة المنحرفة : أنها تبغض السلف، وتبغض منهج
السلف، وتُحَذِّر منه (2) .
- - - - -
س 50 : كيف تكون مناصحة الطالب لشيخه ؟ .
جـ / المفروض العكس؛ أن الشيخ هو الذي ينصح الطالب؛ لأن الشيخ أدرى بالأمور وأعرف بها، والطالب لا يزال يتلقى العلم من شيخه ؛
__________
(1) …قال الإمام أبو محمد الحسن بن علي البربهاري في كتابه : " شرح السنة " :
(( إذا رأيت الرجل يجب أبا هريرة، وأنس بن مالك، وأسيد بن حضير؛ فأعلم أنه صاحب سنة – إن شاء الله - .
…وإذا رأيت الرجل يحب أيوب، وابن عون، ويونس بن عبيد، وعبدالله بن إدريس الأودي، والشعبي، ومالك بن مِغْوَل، ويزيد بن زريع، ومعاذ بن معاذ، ووهب بن جرير، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وزائدة بن قدامة؛ فاعلم أنه صاحب سنة .
وإذا رأيت الرجل يحب أحمد بن حنبل، والحجاج بن المنهال، وأحمد بن نصر، وذَكَرَهم بخير، وقال بقولهم؛ فاعلم أنه صاحب سنة )) .
انظر :" شرح السنة " بتحقيق الأخ الفاضل: خالد الردادي، ص: ( 120–121 ).
(2) …يقول البربهاري – أيضًا – في " شرح السنة " ص : ( 115 ) :
…(( وإذا رأيت الرجل يطعن على أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فأعلم أنه صاحب قول سوء وهوى )) .
…وقال في (ص 115- 116) : " وإذا سمعت الرجل يطعن على الآثار، أو يرد الآثار، أو يريد غير الآثار؛ فاتهمه على الإسلام، ولا تشك أنه صاحب هوى،مبتدع" قال قتيبة بن سعيد : (( إذا رأيت الرجل يحب أهل الحديث فإنه على السنة، ومن خالف هذا فاعلم أنه مبتدع )) " مقدمة شعار أصحاب الحديث " (ص: 7 ) .
…وقال أبو حاتم الرازي : (( وعلامة أهل البدع : الوقيعة في أهل الأثر )) .
…اللالكائي : ( 1/179 ) .…للإستزادة؛ انظر كتاب " لم الدر " أبواب [ علامة أهل السنة ] ، [ علامة أهل البدع ] .(1/75)
فربما يبدو للطالب شيء يظنه مخالفة وهو ليس كذلك .
فالواجب: إذا أشكل على الطالب شيء أن يسأل شيخه بأدب (1) .
وأما إن كان الشيخ ضالاً أو مخالفاً فلا يجوز أن تتتلمذ عليه .
وأما إن كان الشيخ ملازمًا للحق، ولكن وقع منه شيء من الأخطاء؛ فعليك أن تناصحه بطريق السؤال، مثلاً تقول : يا شيخ، ما حكم من فعل كذا؛ فهو سَيَتَنَبَّه، ويحصل المقصود – إن شاء الله - .
- - - - -
س 51 : أرجو توجيه نصيحة للطلاب المبتدئين ؟ .
جـ / نصيحتي لطلاب العلم المبتدئين : أن يتتلمذوا على العلماء الموثوق بعقيدتهم وعلمهم ونصحهم (2)
__________
(1) …كان السلف يُجِلُّون مشايخهم، ويقدرونهم، ويعرفون حقهم، ويتأدبون معهم ... وهو الواجب .
…نقل ابن عبدالبر في : " جامع العلم وفضله " عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال : (( من حق العالم عليك : إذا أتيته أن تسلم عليه خاصة وعلى القوم عامة، وتجلس قُدَّامًه، ولا تُشِر بيديك، ولا تغمز بعينك، ولا تقل : قال فلان خلاف قولك، …=
=…و لا تأخذ بثوبه، ولا تُلِحَّ عليه في السؤال؛ فإنه بمنزلة النخلة المرطبة، لا يزال يسقط عليك منها شيء )) (ص : 231 ) .
(2) …وهنا ينبغي تحديد المفهوم الصحيح لمن يطلق عليه لفظ العالم، وهذا من الأهمية بمكان، إذ بسبب عدم الإدراك من الكثيرين تخلل صفوف العلماء من ليس منهم؛ فوقعت الفوضى العلمية التي نتجرع الآن مرارتها؛ فأصبح الكثير من الناس عامة وطلبة العلم خاصة يظن أن كل من أًلَّف كتابًا، أو أخرج مخطوطة، أو خطب، أو ألقى محاضرة؛ هو العالم .
…إن من يستحق أن يُطلق عليه اسم العالم في هذا الزمن هم قليل، و أقل من القليل، بل قليل جداً، وذلك لأن للعالم صفات، قد لا ينطبق كثير منها على كثير ممن ينتسب إلى العلم اليوم، وليس العالم من كان فصيحًا بليغًا في خطبه ومحاضراته ونحو ذلك، وليس العالم من أَلَّف كتابًا أو حقق مؤلفًا أو مخطوطة و أخرجها .
إن وزن العالم بهذه الأمور فحسب هو المترسب – وللأسف – في أذهان كثير من الشباب والعامة .
……=
=…يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – في ذلك :
(( وقد ابتلينا بجهلة من الناس، يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم؛ فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كل من تقدم من الصحابة ومن بعدهم لكثرة بيانه ومقاله )) .
ويقول : (( وقد فُتِن كثير من المتأخرين بهذا، وظنوا أن من كُثر كلامه، وجداله، وخصامه في مسائل الدين فهو أعلم ممن ليس كذلك )) .
…قلت : هذا في زمن ابن رجب – رحمه الله -؛ فكيف لو اطّلع على متعالمة زماننا الذين يملئون الأشرطة والكتب بكلامهم؛ فيغتر الناس بهم لكثرة ما يُصدِرون من أشرطة كل أسبوع، ويُخرجون الكتب كل شهر؛ فيظنونهم هم العلماء .
ويقول ابن رجب – رحمه الله – أيضًا : (( فيجب أن يُعتقد أنه ليس كل من كثر بسطه للقول وكلامه في العلم كان أعلم ممن ليس كذلك )) انتهى من كتابه : " بيان فضل علم السلف على علم الخلف " ص : ( 38-40 ) .
…ومما ينبغي أن يميَّز به من يُطلَق عليه لفظ " عالم " في هذا الزمن كِبَر السن، وأن يكون أخذ العلم من الكبار شرطًا في تلقي العلم، وفي هذا الزمن بخاصة، لأن الكبير يكون أغزر علمًا، وأكمل عقلاً، وأبعد عن غلبة الهوى، وغير ذلك .
وفي ذلك يقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: (( لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، وعن أمنائهم وعلمائهم؛ فإذا أخذوا من صغارهم وشرارهم هلكوا )) .
وروى الخطيب البغدادي – رحمه الله – بسنده في كتابه : " نصيحة أهل الحديث "، عن ابن قتيبة – رحمه الله – أنه سئل عن معنى هذا الأثر فأجاب : (( يريد: لا
…يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ، ولم يكن علماؤهم الأحداث )) ويعلل هذا التفسير فيقول : (( لأن الشيخ زالت عنه متعة الشباب، وحدته، وعجلته، وسفهه، واستصحب التجربة والخبرة؛ فلا يدخل عليه في علمه الشبهة، ولا يغلب عليه الهوى، ولا يميل به الطمع، ولا يستزله الشيطان استزلال الحدَث، ومع السن الجلالة والوقار والهيبة، والحَدَث قد تدخل عليه هذه الأمور التي أمنت على الشيخ؛ فإذا دخلت عليه وأفتى هلك وأهلك )) : ( 7 ) .
……=
=…وقد عقد ابن عبدالبر في كتابه : " جامع بيان العلم وفضله " بابًا بعنوان : ( من يستحق أن يسمي فقيهاً أو عالمًا حقيقةً لا مجازًا؟، ومن يجوز له الفتيا عند العلماء ؟) فليراجعه طالب العلم والحق؛ فإنه مهم . والله أعلم .(1/76)
، وأن يبدأوا بالمختصرات في العلوم ويحفظوها، ويتلقوا شرحها من مشايخهم شيئًا فشيئًا، وخصوصًا المقررات المدرسية في المعاهد العلمية، والكليات الشرعية؛ ففيها من المقررات العلمية المتدرجة لطالب العلم شيئًا فشيئًا الخير الكثير .
وإن لم يكن الطالب ملتحقًا بهذه المدارس النظامية؛ فعليه أن يلتزم الحضور مع المشايخ في المساجد، سواءً في الفقه، أو النحو، أو العقيدة، وهكذا.
وأما ما يفعله بعض الشباب الآن؛ وهو أنهم يبدءون بالمطولات، أو يشتري أحدهم كتبًا، ويجلس في بيته يقرأ فيها ويطالع؛ فهذا لا يصلح، وما هذا بتَعَلُّم، بل هذا غرور .
وهذا الذي أَدَّى ببعض الناس بأن يقول في العلم، ويفتي في المسائل بغير علم، ويقول على الله بغير علم؛ لأنه ما بنى على أساس .
فلا بُدَّ من الجلوس أمام العلماء في حِلَق الذكر، ولا بد من الصبر والتحمُّل.
وكما قال الشافعي – رحمه الله - :
ومن لم يذق ذُلَّ التَّعَلُّم ساعة … تجرَّع كأس الجهل طول حياته
- - - - -
س 52 : يلاحظ على بعض شباب الصحوة (1)
__________
(1) …كلمة : ( الصحوة ) أو ( شباب الصحوة ) أو ( الصحوة الإسلامية ) : تتكرر كثيرًا من بعض الدعاة والشباب، وهي تُشعِر بأن الأمة الإسلامية كانت نائمة أو كانت في غيبوبة، ولم يكن لها دعوة، وهذا لا يصح؛ لأن المسلمين – خصوصًا في هذه البلد – ما زال الخير موجودًا فيهم – والحمد لله -، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :(( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين )) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تجتمع أمتي على ضلالة )) الحديث انظره في " كشف الخفاء ": ( 2999 )، تذكرة المحتاج : (51).
…وأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ما تزال يقظة وقائمة، والعلماء الربانيون موجودين في كل عصر جيلاً بعد جيل، لم يخل عصر من العصور من عالم – بل من علماء -، وإن قلنا خلاف ذلك فنكون قد كذَّبنا خبر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - - نعوذ بالله من ذلك -، القائل في الحديث الصحيح : (( لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس )) .
أخرجه مسلم : 3/1524 ( 1037 ) .
إن الذين يتكلمون عن ( الصحوة ) ويؤرخون لها، إنما يؤرخون لها من تاريخ قيام ونشأة فِرقة (الإخوان المسلمون) بمصر، على يد مؤسسها ومرشدها " حسن البنا "، ويشهد لذلك ما قاله محمد قطب – وغيره - .
قال محمد قطب في كتابه: " واقعنا المعاصر " ص : ( 401 ) ما نصه :
(( إنما نحن فقط ندرس هذه الظاهرة " ظاهرة الصحوة الإسلامية "، لقد بدأت في قلب رجل واحد – يعني : حسن البنا – فتح الله عليه، ووهب له من إشراقة الروح، وصفاء الصلة بالله )) .
قلت : وهذا تعبير صوفي، - والحمد لله – أنه لم يقل : أنه تلقى العلم عن المشايخ المشهورين من أهل العلم، حتى لا يغتر به البسطاء فيقولوا عنه : عالم .
والناس العقلاء لا يثقون إلا بالعلماء، وأما الرعاع منهم فيثقون بكل ناعق ومهرّج. وقال في صحيفة : ( 403 ) : (( لقد كانت هذه الإشراقة في قلب حسن البنا
…
……=
=…وروحه فتحًا ربانيًا .. وكانت في الوقت ذاته هي الاستجابة الصحيحة للأحداث القائمة منذ أكثر من قرن من الزمان في العالم الإسلامي بأسره، وفي مصر بصفة خاصة )) .
…يؤخذ من هذا الكلام : أن دعوة " الإخوان " في نشأتها قامت على ردود الأفعال، و (( شهد شاهد من أهلها )) .
وقد أَلَّف محمد قطب كتابًا أسماه : " الصحوة الإسلامية "، قال الناشر في المقدمة :
(( تمثل الصحوة الإسلامية التي أشرق نورها في العالم الإسلامي أكبر حدث إنساني في النصف الثاني من القرن العشرين )) .
وقال محمد قطب في الكتاب نفسه (ص : 75 ) :
(( جاءت الصحوة الإسلامية في موعدها المقدور عند الله، وإن فاجأت من فاجأت من الناس من هنا وهناك )) .
قلت : لا شك أن كل شيء بقدر الله، ولكن لا خير في هذه الصحوة المتخبِّطة، وأي مفاجأة فيها ؟ .
وقال – أيضاً – (ص 63 ) :
(( وجاءت حركة الإمام الشهيد والأمة على هذا النحو من الغفلة – إلا من رحم ربك - )) .
وقال (ص 96) : تحت عنوان " منهج الحركة " :
(( تختلف الجماعات العاملة اليوم ... حول منهج الحركة الواجب اتباعه ... فقد كانت الحركة تسير على المنهج الذي رسمه الإمام الشهيد وأقام جماعته على أساسه، ولم تكن هناك في الساحة جماعات أخرى غير تلك الجماعة )) !! .
…قلت: فأين الدعوة السلفية القائمة في هذه البلاد " السعودية " – وفي غيرها – والتي كانت في أوج قوتها في ذلك الحين – وإلى اليوم -، ولا زال المسلمون جميعًا يجنون ثمارها المباركة –دون أي أضرار كبقية الدعوات الأخرى– حتى اليوم ؟ ، ولكنه ..
يصدق على هذا الصنف من الناس قول الشاعر :
الحق شمس والعيون نواظر ……لكنها تخفى على العميان
وقول من قال :
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم ِ…=
=…قال بكر أبو زيد في كتابه : " معجم المناهي اللفظية " ص : (209)، تحت مادة : " الصحوة الإسلامية " : (( هذا وصفٌ لم يعلق الله عليه حكمًا؛ فهو اصطلاح حادث،
…ولا نعرفه في لسان السلف جاريًا، وجرى استعماله في فواتح القرن الخامس عشر الهجري، في أعقاب عودة الكفار كالنصارى إلى " الكنيسة "، ثم تدرّج إلى المسلمين، ولا يسوغ للمسلمين استجرار لباس أجنبي عنهم في الدين، ولا إيجاد شعار لم يأذن الله به ولا رسوله ؛ إذ الألقاب الشرعية توقيفية : الإسلام، الإيمان، الإحسان، التقوى؛ فالمنتسب : مسلم، مؤمن، محسن، تقي.
فليت شعري ! ما هي النسبة إلى هذا المستحدث " الصحوة الإسلامية " : صاحٍ أم ماذا ؟؟ )) انتهى كلامه .(1/77)
حماسًا شديدًا في
القيام بالدعوة مما يَسمَع من عِظَم أجر الداعية، ثم سرعان ما يزول ذلك الحماس، فما هو توجيهكم في ذلك ؟ .
جـ/ أنا لي تحفّظ على استعمال هذه الكلمة ( الصحوة الإسلامية )، وقد نُشرت في الصحف أكثر من مرّة؛ لما فيها من جحود لجهود العلماء المصلحين المستمرّة في كل زمان، وجحود للبقايا الصالحة من هذه الأمة، التي لا تخلو منها الأرض إلى قيام الساعة .
والحماس للدعوة طيب، والإنسان قد يكون فيه رغبة إلى فعل الخير وإلى الدعوة، لكن لا يجوز له أن يباشر الدخول في الدعوة إلا بعد أن يتعلم، ويعرف كيف يدعو إلى الله – عز وجل -، ويعرف طرق الدعوة، ويكون عنده علم بما يدعو إليه: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ } (1) يعني : على علم .
فالجاهل لا يصلح للدعوة، لا بد أن يكون عنده علم، وإخلاص، وصبر، وتحمُّل، وحكمة، ولا بد أن يعرف طرق الدعوة، ومناهج الدعوة التي جاء بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
أما مُجرّد الحماس، أو مجرد المحبة للدعوة، ثم يباشر الدعوة، هذا في الحقيقة يفسد أكثر مما يُصْلِح، وقد يقع في مشاكل، ويوقع الناس في مشاكل؛ فهذا يكفيه أن يُرغِّب في الخير، ويؤجر عليه – إن شاء الله -، لكن إن كان يريد الدخول في مجال الدعوة فليتعلم أولاً .
ما كل واحد يصلح للدعوة، وما كل متحمِّس يصلح للدعوة.
التحمُّس مع الجهل يضر ولا ينفع (2) .
- - - - -
س 53 : هل التحذير من المناهج المخالفة لمنهج السلف واجب ؟ .
جـ/ نعم، يجب أن نحذر من المناهج المخالفة لمنهج السلف (3)
__________
(1) …يوسف : 108 .
(2) …قال ضرار بن عمرو : (( والذي لا إله غيره، ما عمل عامل قط على جهل إلا كان ما يُفسد أكثر مما يصلح )) . " الفقيه والمتفقه " : ( 1/19 ) .
(3) …هذا هو منهج السلف، كانوا –رحمهم الله– أشداء في التحذير من أصحاب المناهج
…المخالفة للكتاب والسنة؛ بل والتشريد بمن أثنى عليهم، أو عَظَّم كتبهم .
…قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
(( يجب عقوبة من انتسب إليهم، أو ذَبَّ عنهم، أو أثنى عليهم، أو عَظَّم كتبهم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدري ماهو ؟، أو من قال إنه صنف هذا الكتاب؟، وأمثال هذه المعاذير، التي لا يقولها إلاَّ جاهل أو منافق، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم؛ فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات )) . " مجموع الفتاوى " : ( 2/132 ) .(1/78)
، هذا
من النصيحة لله، ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم .
نحذِّر من أهل الشرور، ونحذِّر من المناهج المخالفة لمنهج الإسلام، ونُبيِّن مضار هذه الأمور للناس، ونحثهم على التمسك بالكتاب والسنة، هذا واجب .
ولكن هذا من شؤون أهل العلم الذين يجب أن يتدخلوا في هذا الأمر، وان يوضحوه للناس بالطريقة اللائقة المشروعة الناجحة – بإذن الله - .
- - - - -
س 54 : أيهما أفضل : طلب العلم، أم الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - ؟
جـ/ طلب العلم أولاً؛ لأنه لا يمكن للإنسان أن يدعو إلى الله إلا إذا كان معه علم، وإن لم يكن معه علم فإنه لا يستطيع أن يدعو إلى الله، وإن دعا فإنه يخطئ أكثر مما يصيب .
فيُشترَط في الداعية : أن يكون على علم قبل أن يباشر الدعوة : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي } (1) .
وهناك أمور ظاهرة بإمكان العامي أن يدعو إليها، مثل : إقامة الصلاة، والنهي عن تركها مع الجماعة، والقيام على أهل البيت، وأمر الأولاد بالصلاة، هذه الأمور ظاهرة يعرفها العامي ويعرفها المتعلم، لكن الأمور التي تحتاج إلى
فقه، وتحتاج إلى علم، أمور الحلال والحرام، وأمور التوحيد والشرك، هذه لا بد فيها من العلم .
- - - - -
س 55 : هل بيان بعض أخطاء الكتب الحزبية، أو الجماعات الوافدة إلى بلادنا؛ يُعتبر من التعرض للدعاة ؟ .
جـ/ لا، هذا ليس من التعرّض للدعاة (2)
__________
(1) …يوسف : 108 .
(2) …دعاة المنهج السلفي لا يعتبرون الكلام في أهل البدع، والضلال، والفِرَق الحزبية الموجودة اليوم في الساحة، والتحذير منهم، ومن كتبهم؛ من التعرُّض للدعاة، ولا الطعن في ذواتهم، بل يعتبرون التحذير من أهل البدع أنفسهم، والتحذير من كتبهم؛ هو من منهج السلف الصالح، والآثار في ذلك كثيرة جدًا من كتب السنة، وكتب الجرح والتعديل، بل ويتقربون به إلى الله .
…يقول شعبة – رحمه الله – : (( تعالوا حتى نغتاب في الله ساعة – يعني : نذكر الجرح والتعديل - )) . شرح علل الترمذي : ( 1/349 )، الكفاية : ( 91 ) .
…وقال أبو زرعة الدمشقي-رحمه الله-: (( سمعت أبا مسهر يُسأل عن الرجل يغلط ويَهِم، ويصَحِّف؛ فقال: بَيَّن أمره. فقلت لأبي زرعة : أترى ذلك غيبة؟ قال : لا )).
…شرح علل الترمذي : ( 1/349 ) .
…وقال عبدالله بن الإمام أحمد : (( جاء أبو تراب النخشبي إلى أبي، فجعل أبي يقول : فلان ضعيف، وفلان ثقة، فقال أبو تراب: يا شيخ، لا تغتب العلماء. – قال : - فالتفت أبي إليه وقال : ويحك، هذه نصيحة ليس هذا غيبة )) .
…شرح علل الترمذي : ( 1/349-350 )، الكفاية للخطيب : (46) .
قلت : لكن الدعاة المشبوهين هم الذين يتأثرون عندما تُنتَقد كتب أهل البدع والأهواء، ويُحَذَّر منها، ومن أصحابها – إن كانوا أحياء - .(1/79)
لأن هذه الكتب ليست
كتب دعوة، وهؤلاء – أصحاب هذه الكتب والأفكار – ليسوا من الدعاة إلى الله على بصيرةٍ، وعلمٍ، وعلى حق .
فنحن حين نُبَيِّن أخطاء هذه الكتب – أو هؤلاء الدعاة – ليس من باب التجريح للأشخاص لذاتهم، وإنما من باب النصيحة للأمة(1) أن تتسرب إليها أفكار مشبوهة، ثم تكون الفتنة، وتتفرّق الكلم، وتتشتت الجماعة، وليس غرضنا الأشخاص، غرضنا الأفكار الموجودة بالكتب التي وَفَدَت إلينا باسم الدعوة (2)
__________
(1) …وإن كان ذلك من باب جرح الرجال في عدالتهم، وتوثيقهم، وعدم الاغترار بهم، خصوصًا من كان لهم تأثير، ولهم أتباع، كقادة الحركات؛ فهذا موجود في كتب الجرح والتعديل، وكتب الرجال والسِّير، ولا حرج في ذلك لمن كان أهلاً له؛ فهذا للتعريف بحال الرجل، والتحذير منه، وليس للتشفي .
فهذا الإمام أحمد – رحمه الله – سئل عن حسين الكرابيسي فقال : (( مبتدع )) .
تاريخ بغداد : ( 8/66 ) .
وسئل عن المحاسبي فقال: (( ذاك رجل سوء، لا تكلمه ولا كرامة )) ، وقد سبق ذلك معنا.
وسئل أبو زرعة عن الحارث المحاسبي وكتبه فقال للسائل : (( إياك وهذه الكتب، هذه كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر )) . التهذيب : ( 2/117 ) .
(2) …للأسف الشديد فقد تلقى بعض الدعاة، وبعض الشباب في بلاد التوحيد هذه
…الكتب المشبوهة والمنحرفة بالقبول، يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، بل قد وُجِد من يثني ويعظّم : أبا الأعلى المودودي وكتبه، ومحمد سرور بن نايف زين العابدين، وحسن البنا، وسيد قطب، ومحمد قطب، وحسن الترابي، وأمثالهم وأضرابهم من أهل البدع، كصلاح الصاوي، ومحمد أحمد الراشد .
فإن قال قائل : لماذا تَجمع هكذا بالجملة؟، لأن الذين ذكرت أسماءهم قد وصلوا إلى ما لم تصل إليه من الشهرة ؟ ! .
……=
=…فأقول : إن الشهرة لا تمنع من بيان الحق الذي هو أحب إلينا من كل أحد؛ فمنهج السلف واضح في التحذير من المناهج المنحرفة والهدامة، والذي ينبغي للمعترض أن يقوله: هاتِ الأدلة على هؤلاء الذين ذكرتهم ؟ .
فأقول :
أولاً:(المودودي): يقول في كتابه: "رسائل ومسائل " ص (57) طبعة 1351هـ :
…(( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظن خروج الدجال في عهده أو قريبًا من عهده، ولكن مضَت على هذا الظن ألف سنة وثلاثمائة سنة وخمسون عامًا، قرونًا طويلة ولم يخرج الدجال؛ فثبت أن ما ظنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن صحيحًا )) !! .
…وزاد في طبعة سنة 1362هـ : (( وقد مضت ألف .. ولم يخرج الدجال؛ فهذه هي الحقيقة )) .
…وهذا إنكار واضح لخروج الدجال، التي تواترت بخبر خروجه الأحاديث الصحاح. وقال ص (55) : (( كل ما رُوِي في أحاديثه - صلى الله عليه وسلم - في الدجال ثبت أن كل ذلك كان رأياً وقياسًا منه - صلى الله عليه وسلم -، وكان في ريبة من أمره )) .
…أليس هذا إنكارًا للدجال ؟، وتكذيبًا لخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي قال الله عنه : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } .
…يقول أبو محمد الحسن بن علي البربهاري : (( ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئاً من آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام، فإذا لم يفعل شيئاً من ذلك فهو مؤمن ومسلم بالاسم لا بالحقيقة )) . طبقات الحنابلة : ( 2/23 ) .
…ويقول المودودي في كتابه " أربعة مصطلحات القرآن الأساسية " ص (156) :
…( إن الله سبحانه أمره - صلى الله عليه وسلم - في سورة النصر بأن يستغفر ربه ما صدر منه من أداء الفرائض [ فرائض النبوة ] من تقصيرات ونقائص ) !! .
…نعوذ بالله من هذا البهتان .
…ألا يكفيه ما وصف الله به نبيه - صلى الله عليه وسلم - من صفة ( العبودية )، التي هي أكمل الصفات
……=
=…البشرية ؟ . فوصفه بها في أكثر من آية من كتابه – جل وعلا - ؟؟ .
…أين هو من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث الثلاثة نفر الذين سألوا عن عبادته - وكأنه نص في هذه المسألة -، قال : (( أما إني لأتقاكم لله ... )) الحديث ؟ .
…بل إن المودودي عُرف عنه الاستهزاء بالسنة، ولدى أخواننا أهل الحديث في القارة الهندية ردود علمية عليه، مقرونة بالأدلة، توضّح انحرافاته وانحراف فرقته التي تُسمّى بالإسلامية .
ثانيًا : ( محمد سرور بن نايف زين العابدين )، صاحب مجلة " السنة " والتي تصدر من لندن، وقد ملأ مجلته بالتهييج السياسي، وأشغل الشباب به، ويربِّيهم على تكفير الحكام، وطعن العلماء الربانيين السلفيين أئمة البلاد السعودية، والتكفير بالمعصية .
…وحتى لا أطيل بالإعادة راجع الصفحات : ( 74-79 )، المتن والحاشية من هذا الكتاب، وستجد الوثائق هناك .
ثالثاً : حسن البنا: قد تقدم ذكر بعض حاله ص ( 111-117 )، الحاشية رقم: ( 129 ) .
رابعاً: سيد قطب : تقدم ذكر بعض أقواله في العقيدة ص : (52-53)، ( 84-86 ) الحاشية .
…وأما تَنَقُّضه لعثمان - رضي الله عنه - والقدح فيه : فقد ملأ كتابه " العدالة الاجتماعية في الإسلام " بذلك؛ فيقول : (( هذا التصور لحقيقة الحكم قد تغير شيئًا ما دون شك على عهد عثمان، وإن بقي في سياج الإسلام، لقد أدركت الخلافة عثمان وهو شيخ كبير، ومن ورائه مروان بن الحكم يصرف الأمور بكثير من الإنحراف عن الإسلام )) !! . ص : (214) ط : السابعة .
…ويقول : (( منح عثمان من بيت المال زوج ابنته الحارث بن الحكم مئتي ألف درهم، ومنح الزبير ذات يوم ستمائة ألف، ومنح طلحة مئتي ألف، ونفّل مروان بن الحكم خُمس خراج إفريقية )) ص : (214 ) .
نقول : (( ثبِّت العرش ثم انقش )) ، نريد مصادر هذا الكلام الخطير، وإلا فأقول للقارئ الكريم : راجع في إبطال هذه الإفتراءات كتاب " العواصم من القواصم " لأبي بكر القاضي ابن العربي ص : ( 61-146 ) .
……=
=…ويقول سيد قطب (ص 217) من كتابه " العدالة " : (( مضى عثمان إلى رحمة ربه، وقد خلف الدولة الأموية قائمة بالفعل، بفضل ما مكن لها في الأرض وبخاصة في الشام، وبفضل ما مكن للمبادئ الأموية المجافية لروح الإسلام في إقامة الملك الوراثي ... مما أحدث خلخلة في الروح الإسلامي العام )) .
ويقول (ص : 234) : (( ونحن نميل إلى اعتبار خلافة علي - رضي الله عنه - امتدادًا طبيعيًا لخلافة الشيخين قبله، وأن عهد عثمان الذي تَحكَّم فيه مروان كان فجوة بينهما )) .
وللمزيد من المعلومات راجع كتاب الشيخ : ربيع بن هادي المدخلي " مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " .
يقول سيد قطب في كتاب " معركة الإسلام والرأسمالية " : ص (61) .
(( ولا بد للإسلام أن يحكم، لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معًا مزيجًا كاملاً يتضمن أهدافها جميعًا ويزيد عليهما التوازن والتناسق والاعتدال )) .
سئل الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين عن هذه المقالة، فأجاب– رحمه الله-:
…" نقول له إن المسيحية دين مبدل، والشيوعية دين باطل لا أصل له، ومن قال إن الإسلام مزيج من هذا وهذا فهو إما جاهل بالإسلام، وإما مغرر بما عليه الأمم الكافرة من النصارى والشيوعيين "اهـ .
…وقال الشيخ المحدث إسماعيل بن محمد الأنصاري – رحمه الله – جوابًا على هذه المقالة:
" فإن كلمة ذلك المدَّعي المذكور كلمة تدعو إلى وحدة الأديان وإلى التقريب بينهما " اهـ .
وقال الشيخ المحدث حماد بن محمد الأنصاري–رحمه الله–جوابًا على هذه المقالة نفسها:
"إذا كان قائل هذا الكلام حيًا فيجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتدًا، وإن كان قد مات فيجب أن يبين أن هذا كلام باطل ولا نكفره لأننا لم نقم عليه الحجة" ا. هـ . جميع هذه النقول من كتاب : " العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم " ص (22) ط. الثانية .
خامسًا: …" حسن الترابي "، يقول في كتابه : " الدين والفن " (ص 91) ط
……=
=… الأولى1408هـ،الدار السعودية :
(( لَمَّا كان الدين ممارسة رمزية – أيضًا -، تتفاعل مع الغيب، وتتجاوز ظاهرة الحياة الدنيا، وتتطلع للخلود؛ فتدرك من كل شيء آية، وتتخذ من كل وسيلة إلى الله؛ فإن الفن وثيق صلة بالدين، ويمكن للدين، والفن أن يتساوقا فيهدي الفنان إلى الإيمان، ويلهمه إيمانه فنًا زائدًا )) ا. هـ .
ومثل هذا الكلام لا يحتاج إلى تعليق !! .
ويقول الترابي (ص 98) : (( وما كان للفن الإسلامي أن يستكمل نهضته في طوره الأول في بلاد العرب، لاسيما أن المادة الثقافية، والتراث الفني الموروث غير الشعر ضئيلاً، ولما تجاوزت مراكز الحضارة بلاد العرب، ولما فرغ الناس بعد قيام مؤسسات الإسلام في الحجاز، واتسعت لهم الحياة وإمكاناتها؛ انتشر الغناء والطرب وآلاته، وروي السماع عن كثير من التابعين والعلماء )) ا. هـ .
…تأمَّل أيها القارئ الكريم، كيف أن الترابي يثني على الطرب والغناء، ويتهم التابعين والعلماء بأنهم أصحاب سماع ( طرب وغناء ) عامله الله بما يستحق .
…ويقول – أيضًا ( ص 106 ) من الكتاب نفسه : (( فلا بأس بالرسم: تصويرًا، أو تمثيلاً، للشخوص، والأشياء، والمشاهد" .
ولا بأس بالكلام الطيب الجميل : شعرًا، أو ملحميًا، أو دراميًا، أوغنائيًا .
ولا بالنثر : خطابيًا، أو قصصيًا، أو غير ذلك؛ إلا ما يحتوي باطلاً .
ولا بأس بالفن المسموع والمرئي : غناءً، أو رقصًا، أو موسيقى؛ إلاَّ أن يؤدي إلى محظور من الأخلاق .
ولا بالفن الأدائي الهادف : تمثيلاً بالمسرح، أو لأغراض الاتصال العام كالسينما والتلفزيون )) ا هـ .
وهذه جرأة على الدين – نسأل الله السلامة والعافية – بإباحته الغناء، والموسيقى، والرقص، والتمثيل المسرحي والسينمائي، وغيره .
فاللهم اهدِ ضال المسلمين . آمين .
……=
=…أيها القارئ الكريم : وددتُ أني لم أثقل سمعك بهذه العبارات السقيمة، الممرضة للقلوب؛ لولا أنه من الواجب تبيين أخطاء وزلات وخطورة هذا الرجل وأضرابه؛ ليعرفه الناس على حقيقت، ولا يغتروا به، ولا ينخدعوا أكثر مما انخدعوا به .
وخذ مني هذه الأخيرة :
يقول الترابي (ص110) من المصدر السابق : (( فلا بد من اتخاذ الفن لعبادة الله؛ فمن تلقائه يضل كثير من الضالين، وبه يمكن أن يهتدي المهتدون، فمن أهمله – يعني : الفن – ترك بابًا واسعًا للفتنة الملهية عن الله، والداعية إلى معاصيه، ومن أخذه بما ينبغي فتح بابًا واسعًا للدعوة إلى الله بدفع جاذبية الجمال ولعبادته أجمل وجوه العبادة )) .
…انظر إلى هذه الدعوة الصريحة من الترابي إلى الفن، والتحذير لمن أهمله، وأن من أخذه فتح بابًا، وليته اكتفى بذلك بل بابًا واسعًا للدعوة إلى الله .
…وهذا هو حال (( الإخوان المسلمون )) يجيزون التمثيل، والأناشيد الصوفية المبتدعة، وكذا الكذب والمراوغات، وكل ذلك من أجل (( مصلحة الدعوة )) - بزعمهم -، وهذه من علامات ومميزات (( الإخوان المسلمون ))، وعندهم : أن (( الغاية تبرر الوسيلة )) .
ومن معالمهم : (( المراكز الصيفية )) ، و (( الرحلات البرية والمخيمات )) ، وهي من توصيات وتخطيط مؤسس (( فرقة الإخوان المسلمون )) : حسن البنا، والشاهد على ذلك ما قاله حسن البنا في " مذكرات الدعوة والداعية " (ص270) :
(( وقد أنشئت هذه الفِرق ... فِرق رحلات الإخوان المسلمين عقب نشأة الدعوة، وكادت تلازم أول شُعَبِها وجودًا، وقد ألَّفت بنفسي أول فِرقة، وكنتُ أزاول تدريبها بشخصي على بعض التمرينات الرياضية )) ا. هـ .
ولنتعرّف أخي القارئ على ما يدور في هذه (( الرحلات الصيفية )) ، يقول " حسن البنا " في " مذكراته " (ص280) تحت عنوان : (( نواحي النشاط : أولاً : قسم الرحلات الصيفية : الغرض من هذه الرحلات: التدريب العسكري، والتعارف، ونشر الدعوة، تنظيم الرحلات في يوم جمعة من كل أسبوع مدة شهور
……=
=…الإجازة الصيفية، ويُشترط أن يكون لدى الأخ لباس الجوّالة، أو التدريب العسكري )) .
قلتُ : رحلات ومراكز اليوم هنا، والتي نشاهدها لا تطلب لباس التدريب العسكري؛ لأنهم لو فعلوا ذلك لانكشفت أوراقهم، وافتضح أمرهم ومخططاتهم، ولكنهم يطلبون إحضار اللبس الرياضي؛ فتأمَّل !!! .
ويستمر حديث " حسن البنا " فيقول : (( ومعسكر الصيف : الغرض من هذه المعسكرات التدريب العسكري، والرياضة البدنية في الهواء الطلق، والرياضة
…الرومية...، يقسَّم الإخوان المشتركون إلى فِرق، ويُشترط أن يكون لدى الأخ لباس الجوّالة، أو التدريب العسكري )) ا هـ .
…وفي مخيمات المراكز الصيفية تدريبات على الحراسة والهجوم والمداهمة بالليل من قِبَل بعض المجموعات على بعض، حسب الجدول والتنظيم الذي أُعِدّ من قبل، كما أنهم يتدربون على تسلّق الجبال، وذلك استعدادًا منهم – زعموا – للجهاد في أي وقت وفي أي مكان ويعتبرون التفجيرات والاغتيالات جهاداً " يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان " .
أيها القارئ الكريم : إذا كنت تريد أن تتأكد من أن هذه المراكز الصيفية، والمعسكرات، والمخيمات، التي تراها اليوم – وقد تكون شاركت فيها يومًا من الأيام، أو أبناؤك، وقد تكون ما تزال تشارك فيها – هي امتداد لتلك المراكز، والمعسكرات، والرحلات، والمخيمات التي أنشأها " حسن البنا "، وأوصى بها؛ فاسمع حسن البنا ماذا يقول، وأعرضها على الترتيبات التي واجهتك، ومسميات المخيمات التي تنامون فيها، والمجموعات التي معك؛ فيقول – وهو يروي موقف صاحب له - : (( ولقد حدثني – رحمه الله – بنفسه : أنه في إحدى دوريات الحراسة قبل فجر ليلة من الليالي؛ مَرَّ يتفقد الخيام، وكانت مسماة بأسماء أبطال الصحابة؛ فهذه خيمة أبي بكر، وهذه خيمة أبي عبيدة، وهذه خيمة خالد، وأخرى لسعد بن أبي وقاص، وهكذا ... )) " المذكرات " ( ص 289 ) .
قلت : إذا رأيت بعد هذه النقول من أقوال أهل البدع وكلامهم في العقيدة، وفي التنقُّص لسيد ولد آدم – عليه الصلاة والسلام -، فمن يثني عليهم، أو يمجدهم، أو
……=
=… يعظم كتبهم، أو يعتذر لهم؛ فألحقه بهم ولا كرامة ولا نعمى عين .
وهذا هو منهج السلف الصالح – رضي الله عنهم - .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( ويجب عقوبة كل من انتسب إلى أهل البدع، أو ذب عنهم، أو أثنى عليهم، أو عظَّم كتبهم، أو عُرف بمساعدتهم ومعاونتهم، أو
…كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم؛ فإن القيام عليهم من أوجب الواجبات )) .
" الفتاوى " : (2/132) .
…وقال ابن عون : (( من يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع )) . " الإبانة ": (2/473) .
وقال سفيان الثوري : (( من ماشي المبتدعة عندنا فهو مبتدع )) .(1/80)
.
س 56 : ما هو منهج أهل السنة في نقد الرجال وذكر الأسماء، وهل تبيين أخطاء بعض الدعاة فتنة يجب الكف عنها ؟
جـ/ الخطأ يبين، لا بد أن يبين الخطأ من الصواب، أما الأشخاص فليس في تناول شخصياتهم فائدة، بل فيها مضرة. نحن لا نتعرض للأشخاص، وإنما نبين الأخطاء ونبين الصواب للناس، من أن يأخذوا بالصواب ويتركوا الخطأ. وليس الهدف من ذلك هو النيل من الشخصيات أو التشفي منها، ليس هذا هو الغرض، الذي قصده التشفي هذا صاحب هوى، أما الذي قصده بيان الحق للناس هذا ناصح للمسلمين .
وإذا اقتضى أن يُسمى الشخص المردود عليه من أجل أن يعرفه الناس، فهذا من أجل المصلحة الراجحة .
المحدثون يسمون الرواة المجروحين، يقولون : فلان، وفلان. فلان كذاب، فلان سيء الحفظ، فلان مدلس، يبينون يقولون فلان. ليس قصدهم النيل من الشخص، وإنما قصدهم بيان الحق وأن يعرف هذا الشخص بأن في روايته للحديث مطعن حتى يجتنبه الناس ويأخذوا حذرهم منه. فالمدار على المقاصد فإن كان القصد؛ النيل من الشخص فهذا هوى ولايجوز .
وإن كان القصد بيان الحق والنصيحة للخلق فلا بأس لذلك والحمد لله (1) .
- - - - -
س 57 : هل التحذير من المناهج المخالفة ودعاتها يعتبر تفريقًا للمسلمين وشقًا لصفهم ؟ .
جـ / التحذير من المناهج المخالفة لمنهج السلف يعتبر جمعًا لكلمة المسلمين لا تفريقًا لصفوفهم، لأنّ الذي يفرّق صفوف المسلمين هو المناهج المخالفة (2)
__________
(1) …قال ابن المبارك : (( المعلى بن هلال هو، إلا أنه إذا جاء الحديث يكذب فقال له بعض الصوفية : يا أبا عبدالرحمن تغتاب؟، فقال : (( أسكت، إذا لم نُبين، كيف يُعرف الحق من الباطل )) )) . " الكفاية " : (9) .
(2) …إن السنّة وإقامتها والدعوة إليها لم ولن تكون يوماً من الأيام مفرقة لصف المسلمين، ولم يكن التحذير من البدع والأهواء وأهلها- أيضًا – تفريقًا لصف المسلمين، بل إن ذلك كله يعتبر جمعًا للصف والكلمة .
والدليل على ذلك تحذير النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه – والخطاب عام لأمته – من الخوارج
……=
=…في الحديث المشهور – وقد تقدم ذكره في هذه الرسالة - .
…بل السكوت على البدع والأهواء وأهلها، وعدم الكلام في المناهج المخالفة لمنهج السلف بدعوى : لا تغتابوا العلماء . ومرّة : لحوم العلماء مسمومة. ومرّة : لا تشوشوا على الناس. ومرّة : لا تفرقوا بين المسلمين، ولنتحد ضد عدونا اللدود. ومرة بعبارة ساذجة نسمعها كثيراً: تردون على إخوانكم وتتركون الكفار والمنافقين والعلمانيين وما أشبه ذلك من العبارات، وهي (( كلمة حق أريد بها باطل )) .
…بل مثل هذا هو من تفريق الصف والكلمة للمسلمين، مع أن هؤلاء في الحقيقة هم عدونا اللدود، فإن العدو من الداخلي أشد خطراً من العدو الخارجي .
يقول الشيخ بكر أبو زيد في كتابه " الرّد على المخالف من أصول الإسلام " ( ص/87 ) : " العلماء قُدُرات، وكُلٌّ يزاول ما يحسن، حسب قدرته، فهو على ثغر يحميه من أي عدوان عليه .
فعالم يردّ على ملحد . وآخر على صاحب بدعة خفيفة . وثالث على صاحب فسوق. وآخر يرد على رأي شاذ . كل ذلك حسب القدرة والتأهيل" .
ويقول ( ص /79 ) : " في السكوت عن المخالفين وتخذيل المصلحين أمور مضِرّة بالدين والدنيا، منها : نزول أهل السنة درجات . ارتفاع أهل الأهواء على أهل السنة. فشو الشبهة. ومداخلتها للاعتقاد الحق . تحريك العقيدة عن مكانتها بعد ثباتها . فيضعف الاعتقاد السليم . ظهور المبطلين في المجامع وعلى درجات المنابر . كسر الحاجز النفسي بين السنة والبدعة، والمعروف والمنكر، فيستمرئ الناس بالباطل، وتموت الغيرة على حرمات الدين، ويستعصي إصلاح الدهماء على العلماء، ويجفلون من نصحهم ) . ننصح بقراءة هذا الكتاب .
إن الردّ على أهل الأهواء والبدع، والتحذير من البدع؛ له ثمرات طيبة، يقول بكر أبو زيد – حفظه الله -: " القيام بهذا الواجب الكفائي -يعني : الرد على المخالف-يحقق مطالب شرعية، وثماراً مباركة، تلتمع في حياة المسلمين، منها : اتقاء المضار – آنفاً – الناجمة عن السكوت . نشر للسنة، وإحياء لما تآكل منها، فكما
……=
=…يكون نشرها بالعمل بها والدعوة إليها، فكذلك بردّ العدوان عليها . ونصح للمخالف، وتنقية الساحة من المنكودين بالتعريف عليهم بما خالفوا به أمر السنة والكتاب، فابتدعوا، وفجَرُوا، ونابذوا السنة، وآذوا المسلمين ) . الرد على المخالف : ( 83 ).(1/81)
لمنهج السلف .
س 58 : البعض من الناس – هداهم الله – يقدِّسون الرجال، ويتعصبون لآرائهم، فما نصيحتكم لهؤلاء ؟ .
جـ / الواجب اتباع الحق مع من كان (1)، لا اتّباع الرجال المخالفين للحق (2) .
قال الإمام أحمد – رحمه الله - : (( عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان )) (3)، والله – تعالى – يقول : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (4) .
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- : (( يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول : قال الله، وتقولون : قال أبو بكر وعمر )) (5) .
فإذا كان هذا التحذير والوعيد في اتباع أفضل الناس بعد الأنبياء من غير دليل، فكيف باتباع من هو (( لا في العير ولا في النفير ))، ممن لا يُعرف بعلم ولا فضل، إلا أنه يجيد شقشقة الكلام ؟ !! .
- - - - -
س 59 : كيف يمكن تعامل الشباب المبتدئ مع المبتدعين وأصحاب الأفكار الهدّامة والعقائد الضالة ؟ .
__________
(1) …قال الأوزاعي : (( ندور مع السنّة حيث دارت )) اللالكائي : ( 1/64 رقم 47 ) .
(2) …عن زكريا بن يحيى بن صبيح قال :" سمعت أبا بكر بن عياش قال له رجل : يا أبا بكر من السنّي ؟، قال : الذي إذا ذكرت الأهواء لم يتعصب لشيء منها" اللالكائي : ( 1/65 رقم 53 ) .
(3) …(( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد )) : ( 386 ) .
(4) …النور : 63 .
(5) …أورده شيخ الإسلام : محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – بهذا اللفظ في " كتاب
…التوحيد "، ( باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحلّ الله … )، وهو في " مسند أحمد " : ( 1/337 ) بلفظ : (( أُراهم سيهلكون، أقول : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ،
……=
=…ويقول : نهى أبو بكر وعمر )) وصحح إسناده أحمد شاكر، رقم : ( 3121 )، وأخرجه الخطيب في " الفقيه والمتفقه ": ( 1/145 )، وانظره في"الآداب الشرعية" لابن مفلح : ( 2/66 ) .(1/82)
جـ / الشباب يتجنَّبون المبتدعين، وأصحاب المناهج الهدامة والأفكار الضالة، يبتعدون عنهم وعن كتبهم، ويلازمون أهل العلم والبصيرة، وأهل العقيدة السليمة، ويتلقون العلم عنهم، ويجالسونهم، ويسألونهم .
أما أصحاب البدع والأفكار الهدامة؛ فيجب على الشباب الابتعاد عنهم، لأنهم يسيئون إليهم، ويغرسون فيهم العقائد الفاسدة والبدع والخرافات، ولأن المعلّم له أثره على المتعلم؛ فالمعلم الضال ينحرف الشاب بسببه، والمعلم المستقيم يستقيم على يديه الطلبة والشباب؛ فالمعلم له دور كبير، فلا نتساهل في هذه الأمور (1) .
س 60 : كيف تكون المناصحة الشرعية لولاة الأمور ؟ .
جـ / مناصحة ولاة الأمور تكون بأمور؛ منها :
الدعاء لهم بالصلاح والاستقامة؛ لأنه من السنة الدعاء لولاة أمور المسلمين (2)
__________
(1) …جزى الله شيخنا خير الجزاء؛ فقد بَيَّن المنهج السلفي للشباب في التعامل مع أهل
…البدع؛ وهو : البعد عنهم وعن كتبهم .
فلو قال شيخنا : نأخذ الخير الذي عندهم ونترك الشر لهم، كما هي قاعدة أهل
……=
=…الموازنة في هذا العصر، وكما هو واقع بعض الدعاة : " خذ خيره واترك شره "؛ لضل الشباب، ولتميع وضاع المنهج السلفي، ولتلوثّت عقائد الأجيال القادمة .
…فالحمد لله الذي جعل في كل عصر ومصر من ينافح عن المنهج السلفي، ويُبَيِّنه، ويظهره للناس على بساط التطبيق، وإن رغمت أنوف .
راجع جواب الشيخ على سؤال رقم ( 19 ) ص(ص49-60).
يقول الفضيل بن عياض – رحمه الله - : (( إنما هما عالمان : عالم دنيا، وعالم آخرة؛ فعالم الدنيا علمه منشور، وعالم الآخرة علمه مستور، فاتبعوا عالم الآخرة، واحذروا عالم الدنيا، لا يصدكم بسكره )) " حلية الأولياء " : ( 8/92 ) .
(2) …قال الإمام أبو محمد الحسن بن علي البربهاري في كتابه " شرح السنة " : (( إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة – إن شاء الله - )) .
…ص : ( 116 )، تحقيق : أبي ياسر خالد الردادي .
…وآثار السلف في الدعاء للسلطان كثيرة :
…فهذا الفضيل بن عياض – رحمه الله – يقول : (( لو كان لي دعوة مستجابة ما صَيَّرتها إلا في الإمام، قيل له : وكيف ذلك يا أبا علي ؟، قال : متى صيرتها في نفسي لم تجزني، ومتى صيرتها في الإمام فصلاح الإمام صلاح العباد والبلاد )) .
…حلية الأولياء : ( 8/91 ) .
…وقال الإمام أحمد مملياً ابنه عبدالله : (( وإني أسأل الله – عز وجل – أن يطيل بقاء أمير المؤمنين، وأن يثبته، وأن يمده منه بمعونة، إنه على كل شيء قدير )) . كتاب " السنة " لعبدالله : ( 1/140 ).(1/83)
، ولا سيما في أوقات الإجابة، وفي الأمكنة التي يُرجى فيها إجابة الدعاء.
قال الإمام أحمد : (( لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان ))(1) .
إذ في صلاح السلطان صلاح للمجتمع، وفي فساد السلطان فساد للمجتمع .
ومن النصيحة لولاة الأمور: القيام بالأعمال التي يسندونها للموظفين.
ومن النصيحة لهم : تنبيههم على الأخطاء والمنكرات التي تحصل في المجتمع – وقد لا يعلمون عنها -، ولكن يكون هذا بطريقة سِرِّية فيما بين الناصح وبينهم (2)، لا النصيحة التي يجهر بها أمام الناس، أو على المنابر؛ لأن هذه الطريقة تثير الشر، وتحدث العداوة بين ولاة الأمور والرعية .
ليست النصيحة أن الإنسان يتكلم في أخطاء ولاة الأمور على منبر، أو على كرسي أمامَ الناس؛ هذا لا يخدم المصلحة، وإنما يزيد الشر شراً (3)
__________
(1) …" مجموع الفتاوى " : ( 28/391 )، " كشاف القناع " : ( 2/37 ) .
(2) …وهذه هي الطريقة المثلى الحقة في مناصحة ولاة الأمور، وقد وجهنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليها فقال: (( من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علانية، وليأخذه بيده وليخل به؛ فإن قبلها قبلها، وإلا كان قد أدى الذي عليه والذي له )) سبق تخريجه، ص : ( 108 ) .
(3) …التشهير بالنصيحة فيه عدة محاذير :
أولاً : فيها نوع من الرياء وحب الظهور، ولا يخفي ما في هذا من الشر على الإنسان نفسه من إحباطٍ لعمله؛ لأن العمل إذا كان مستوراً كان أرجى للقبول عند الله .
…ثانياً : لا يُرجى لها القبول عند المنصوح؛ لأنه يرى أنها فضيحة له وليست نصيحة، وقد تأخذه العزة بالإثم؛ فيكون على الشخص الناصح كِفل من الوزر .
ثالثاً : أن التشهير بالحكام على المنابر – وإن كان ما يقال صحيحاً – فيه…=
=…تهييج للعامة، وإغار لصدور الرعية على ولاة الأمور، وقد يفضي إلى عدم السمع والطاعة بالمعروف، وهذا من منهج الخوارج .
وما حدثت فتنة مقتل عثمان - رضي الله عنه - إلا بسبب ما قام به بعض من جهل السنة تبعاً للمغرضين فيما موَّهوا به على الناس في حق الخليفة الراشد عثمان - رضي الله عنه - . راجع الصفحات : (45-49) .
فلا يجوز تربية الشباب والعامة على هذا المنهج الخبيث، الذي يُؤدي بالناس إلى الهلاك، بل تجب محاربته بالبيان، والتوضيح بالكتاب والسنة، على منهج السلف الصالح من هذه الأمة . والله أعلم .(1/84)
.
إنما النصيحة أن تتصل بولاة الأمور شخصياً، أو كتابياً، أو عن طريق بعض الذين يتصلون بهم (1)، وتبلغهم نصيحتك سراً فيما بينك وبينهم .
وليس من النصيحة – أيضاً - : أننا نكتب نصيحة وندور بها على الناس، أو على كل أحد ليوقعوا عليها، ونقول : هذه نصيحة . لا، هذه فضيحة؛ هذه تعتبر من الأمور التي تسبب الشرور، وتُفرِح الأعداء، ويتدخل فيها أصحاب الأهواء .
- - - - -
س 61 : لقد انتشرت – ولله الحمد – الدعوة إلى منهج السلف والتمسك به، ولكن هناك من يقول : إن هذه الدعوة إنما هي لشق الصف وتمزيقه، وضرب المسلمين بعضهم ببعض ليشتغلوا بأنفسهم عن عدوهم الحقيقي، فهل هذا صحيح وما هو توجيهكم ؟ .
جـ / هذا من قلب الحقائق، لأن الدعوة إلى التوحيد ومنهج السلف الصالح تجمع الكلمة، وتوحّد الصَّف، كما قال الله – تعالى - : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا } (2)، وقال تعالى : { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } (3)؛ فلا يمكن للمسلمين أن يتَّحِدوا إلا على كلمة التوحيد ومنهج السلف، وإذا سمحوا للمناهج المخالفة لمنهج السلف الصالح تفرّقوا واختلفوا، كما هو الواقع اليوم .
فالذي يدعو إلى التوحيد، ومنهج السلف؛ هو الذي يدعو إلى الاجتماع، والذي يدعو إلى خلافه؛ هو الذي يدعو إلى الفُرقة والاختلاف (4)
__________
(1) …مثل : العلماء – وفقهم الله - .
(2) …آل عمران : 102 .
(3) …الأنبياء : 92 .
(4) …إن الدعوة إلى التوحيد عند (( فرقة التبليغ )) وفِرقة (( الإخوان المسلمون )) أمر مُنَفِّر، ومفرّق للمسلمين- زعموا -، ولا يرون الدعوة إلى التوحيد من أصول دعوتهم، ولا يرضون بمن يدعون إلى التوحيد، بل إنهم يحذرون من يدخل معهم من أن يتكلم في التوحيد .
…وهذه واقعة وقعت للأستاذ : محمد بن عبدالله بن محمد الأحمد نفسه، ذكرها الشيخ حمود التويجري - رحمه الله - في كتابه : " القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ " (ص 46)، باختصار .
(( فقال الأستاذ محمد : طلب مني الأمير – يعني : أمير " فرقة التبليغ " – توجيه كلمة إلى الحُجَّاج بعد صلاة العصر، وحيث أَنّي حديث عهد بالخروج مع هذه الجماعة، فقد طلب الأمير من مساعده توجيه كلمة إليَِّ، فقال المساعد: يجب عليك أن تتجنب في حديثك ثلاثة أشياء – وذكر منها وهو المقصود – الكلام في
……=
=…الشركيات وأنواع البدع، لأن سبب انحسار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب هو الاهتمام الزائد في ذلك )) .
قلت : والأمثلة في ذلك كثيرة جداً، راجع الكتاب المذكور تجد العجب العجاب .
أما (( فرقة الإخوان المسلمون )) فإن هذه الفرقة مؤسسة على التجميع، فهي تجمع بين طيّاتها جميع أهل البدع والأهواء، فالرافضي أخوهم ومنهم وفيهم، وكذا الجهمي والمعتزلي والخارجي، وأصحاب الموالد،والقبوري، والصوفي،بل اليهودي والنصراني.
وخذ هذا البرهان :
…قال حسن البنا : (( إن خصومتنا لليهود ليست دينية، لأن القرآن الكريم حض على مصافاتهم ومصادقتهم )) سبق تخريجه حاشية ( 54 ) .
سئل سماحة الإمام ابن باز - رحمه الله – عن هذه المقولة، فقال : "هذه مقالة باطلة خبيثة . اليهود من أعدى الناس للمؤمنين ومن أشر الناس، بل هم أشد الناس عداوة للمؤمنين مع الكفار فهذه المقالة خاطئة ظالمة، قبيحة، منكرة .
وقال أيضاً – رحمه الله - : إذا قال ليس بين الإسلام وبين اليهود شيء فهذا كفر وردة . نقلاً من كتاب " العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم " ص : ( 65-66 ) ط. الثانية .
…وفي حق النصارى، ما نقل جابر رزق ( الإخواني ) في كتابه : " حسن البنا بأقلام تلامذته ومعاصريه " ص : ( 188 ) مقالاً للدكتور حسان حتحوت ( الإخواني ) بعنوان : (( تهمة التعصب )) ؛ فقال : فماذا عن (( قنا )) ؟، البداية حفل كبير زاخر على رأسه علماء المسلمين وقُسس الأقباط، ومحبة، ونشاط، وإخاء يسري كسري الكهرباء ... وعلى ذكر قسس الأقباط؛ فإن الكثيرين يحاولون أن يلصقوا بالرجل – يعني به : حسن البنا – ودعوته تهمة التعصب ضد النصارى، أو التفرقة بين عنصري الأمة، ويشهد الله ومن حضر من الصادقين أن العكس هو الصحيح ... فلم يكن الرجل داعية بغض ولا تفرقة، وكان يبرهن أن الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية لا يمكن أن تكون للأقباط لأنها ستطبق علينا وعليهم على السواء، وأنها لا تصادر على الإطلاق نصرانيّة النصراني، فإنما هي مجموعة من القوانين لا يوجد في النصرانيّة بديل لها، ولا نقيض لأحكامها، وأنه لو وجدت في الإنجيل قوانين فلتسر=
=…قوانين الإنجيل على النصارى، ولا يجد الإسلام غضاضة في ذلك، وأنه ما دام رأي الأغلبية لا يتنافى مع دين الأقلية فليس هناك ظالم ولا مظلوم .
وقد وجدتْ دعوة الرجل- حسن البنا – صداها وتصديقها لدى ذوي الفهم من المسلمين والأقباط ... ويكفي أن أُذكّر الذين يزعمون أن الرجل كان عدوّ النصارى بأن الأستاذ "لويس فانوس" من زعماء الأقباط –وهو في ذمة ربه الآن– كان من الزبائن المستديمين لدرس الثلاثاء الذي يلقيه " حسن البنا "، وكانت بينهما صداقة وطيدة، وأن " حسن البنا " عندما تقدم مرشحاً للانتخابات " البرلمان " كان وكيله الذي يمثّله في مقر إحدى اللجان الانتخابية رجلاً قبطياً، وأن حسن البنا لما اغتيل ومنعت الحكومة أن يشيع في جنازة، لم يمش وراء نعشه إلا رجلان هما والده ومكرم عبيد الزعيم السياسي النصراني، وأذكر أننا كنا ونحن طلاب نزور جمعيات الشباب المسيحية لنتحدث عن موقف الإسلام من النصرانية، فنخرج وقد شعرنا أنهم أقرب الناس مودّة )) ا هـ .
…قلت : لا يحتاج هذا المقال إلى تعليق فإنه واضح، وأكتفي بهذا المقال الذي نقلته وإن كان طويلاً، إلاّ أني أردت أن يفهم الجميع أن قاعدة (( الإخوان المسلمون )) : التجميع تحت اسم الإسلام، ولا يهمهم تصفية العقائد، لأن الدعوة إلى التوحيد، ومنهج السلف؛ لا توصلهم إلى مصادقة اليهود، والنصارى، والرافضة، وأهل البدع، والأهواء الضالة المضلة .
وقاعدتهم هي عبارة حسن البنا المشهورة، قال الدكتور حسان حتحوت : (( ومن تعاليم الأستاذ " البنا " التي طالما ردّدها بلا ملل؛ قولته المشهورة التي لا تزال حيّة إلى اليوم : " ننفذ معًا ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه " )) من الكتاب المذكور ( ص 190 ) . قال الإمام ابن باز – رحمه الله – أما عُذر بعضنا لبعض فيما اختلفنا فيه فليس على إطلاقه . فما كان من مسائل الاجتهاد التي يخفى دليلها فالواجب عدم الإنكار فيها من بعضنا على بعض، أما ما خالف النص من الكتاب والسنة فالواجب الإنكار على من خالف النص بالحكمة والموعظة الحسنة . مجموع فتاواه : ( 3/58 ) .وهذه المقولة على إطلاقها واضحة جلّية أنها =
=…تعارض قاعدة الولاء والبراء، والحب في الله والبغض في الله، وأصلها قاعدة صاحب مجلة " المنار " المعروفة، انتحلها الإخوان؛ لأنها وافقت هوىً في نفوسهم :
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ……فصادف قلبًا خاليًا فتمكنا
يقول الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله – في كتابه " حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية ": (ص 149). معلقاً على هذه العبارة "ننفذ معاً" المشهورة عند (( الإخوان المسلمون )) والمعترف بها عندهم؛ يقول :
"وهذا تقعيد حادث فاسد، إذ لا عذر لمن خالف في قواطع الأحكام في الإسلام، فإنه بإجماع المسلمين لا يسوغ العذر ولا التنازل عن مسلمات الاعتقاد، وكم من فرقة تنابذ أصلاً شرعياً وتجادل دونه بالباطل ؟ .(1/85)
.
س62: ما هي السلفيّة؟،وهل يجب سلوك منهجها والتمسك بها؟ .
جـ/ السلفية هي : السير على منهج السلف، من : الصحابة، والتابعين، والقرون المفضَّلة، في العقيدة، والفَهم، والسلوك، ويجب على المسلم سلوك هذا المنهج(1)، قال -تعالى- { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } الآية (2)، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا } (3)،
__________
(1) …ليست السلفية حزبًا من الأحزاب كما يظنه البعض ويدّعيه، بل هي نسبة إلى السلف الصالح، واقتداء بمنهجهم – كما بيّن الشيخ حفظه الله -، لأنهم – أي : الصحابة – كما وصفهم ابن مسعود - رضي الله عنه - بقوله : (( من كان مستناً فليستن بمن قد مات، فإن الحيّ لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أَبَرَّ الناس قلوبًا، وأغزرهم علماً، وأقلّهم تكلّفًا )) " جامع بيان العلم وفضله " ( ص 419 )، و " مشكاة المصابيح "( 1/67 -رقم 193 )، و من قول ابن عمر - رضي الله عنه - عند أبي نعيم في " الحلية " ( 1/305 ) .
…وهذه فتوى اللجنة الدائمة : " السلفية نسبة إلى السلف والسلف هم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأئمة الهدى من أهل القرون الثلاثة الأولى - رضي الله عنهم - والسلفيون جمع سلفي نسبة إلى السلف، وهم الذين ساروا على منهاج السلف من إتباع الكتاب والسنة والدعوة إليهما والعمل بهما فكانوا بذلك أهل السنة والجماعة ". ا هـ . فتاوى اللجنة : 2/165 من الفتوى رقم ( 1361 ) .
…راجع حاشية رقم ( 26 ) ففيها التوضيح الواسع عن السلفية، ولا داعي للإعادة .
(2) …التوبة : 100 .
(3) …الحشر : 10 .(1/86)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة )) (1) .
- - - - -
س 63 : لقد انتشر فكر جديد، ورأي جديد، وهو عدم تبديع من أظهر بدعة حتى تقام الحجة عليه ولايبدع حتى يقتنع ببدعته دون الرجوع إلى أهل العلم والفتوى، فما هو منهج السلف في هذه المسألة الهامة ؟ .
جـ / البدعة (2) هي ما أحدث في الدين من زيادة أو نقصان أو تغيير من غير دليل من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ( من
أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) (3).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار )(4) ، وقال تعالى : { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ } (5).
__________
(1) …صحيح بمجموع طرقه، أخرجه أحمد : ( 4/126 )، الترمذي : ( 2676 )، الحاكم: ( 1/96 )، البغوي في " شرح السنّة " : (102 ) .
…وقد سبق برقم : ( 10 ) بزيادة تخريج .
(2) …البدعة؛ لغة : الاختراع على غير مثال سابق .
…شرعاً : طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يُقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه . " الاعتصام " : ( 1/50 ) .
(3) …البخاري : ( 2550 )، مسلم : ( 1718 ) .
(4) …النسائي : في " المجتبى " : ( 1577 ) ، الحاكم : ( 1/97 ).
(5) …الأعراف : 3 .(1/87)
فالبدعة إذاً إحداث شيء في الدين، ولا تُعرف بآراء هؤلاء ولا بأهواء هؤلاء، وليس الأمر راجعاً إليهم، وإنما الأمر راجع إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فليست السنة ما تعارفه الناس، والبدعة ما لم يتعارفوه، أو السنة ما رضي به زيد أو فلان، فإن الله - سبحانه وتعالى -لم يكلنا إلى عقولنا أو آراء الناس بل أغنانا بالوحي المنزل على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فالسنة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أمور الدين، والبدعة ما لم يأت به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الأقوال والأفعال في الدين، وليس لأحد أن يحكم على شيء بأنه بدعة أو أنه سنة حتى يعرضه على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وأما من فعل ما يخالف الكتاب والسنة عن جهل وظن أنه حق ولم يكن عنده من يبين له فمعذور بالجهل، لكن في واقع أمره يكون مبتدعاً، ونعتبر عمله هذا بدعة.
وننصح الشباب الذين يسلكون هذا المنهج ويحكمون على الأشياء حسب أهوائهم أن يتقوا الله سبحانه وتعالى وأن لا يتكلموا في الدين إلا عن
علم ومعرفة، ولا يجوز للجاهل أن يتكلم عن الحلال والحرام والسنة والبدعة، والضلالة والهدى، بدون علم، فإن هذا قرين الشرك.
قال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَالا تَعْلَمُونَ } (1). فجعل القول على الله بلا علم مع الشرك، مما يدل على خطورته في الدين وليس الكذب على الله كالكذب على غيره، وليس الكذب على الرسول كالكذب على غيره، قال - صلى الله عليه وسلم - : ( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) (2) .
- - - - -
__________
(1) …الأعراف : 33 .
(2) …البخاري: ( 110 )، مسلم : ( 3 ) .(1/88)
س 64 : من خالف أصول الطريقة السلفية ممن هم حولنا، وناصر المناهج الأخرى؛ بأن مدح مؤسسّيها ومفكريها، هل يجب نسبته إليهم ليحذره الناس، ولا يغترّوا به وبمنهجه ؟ .
جـ / من خالف منهج السلف، ومدح المناهج المخالفة لمنهج السلف، ومدح أهلها، فإنه يعتبر من أهل المخالفة، تجب دعوته ومناصحته، فإن رجع إلى الحق وإلاّ فإنه يُهجر ويُقاطع .
وما أظن أن في هذه البلاد التي نشأت على التوحيد ومنهج السلف من يفعل ذلك – إن شاء الله -، ولكن قد يكون فيها من يحسن الظن ببعض أصحاب الاتجاهات المخالفة؛ وهو لا يعلم حقيقة ما هم عليه، فإذا بُيّن له الحق بطريقة سليمة، فإنه سيقبله – بإذن الله - .
وأوصى بعدم التسرّع في الحكم على الناس، ورميهم بالمخالفة، وتنفيرهم (1) .
- - - - -
س 65 : هل الذي يرتكب بدعة وهو جاهل أنها بدعة لأنه لم يصله الحق، هل يؤجر على ذلك العمل أم أن ذلك العمل لا يقبل منه مع أن نيته قصد العبادة ؟
جـ / لا يؤجر على ذلك العمل لأنه غير مشروع، ولكن يسلم من الإثم؛ بعذر الجهل فقط .
- - - - -
__________
(1) …يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - : (( ومن كان محسناً للظن بهم – وادعى أنه لم يعرف حالهم – عرّف حالهم، فإن لم يباينهم ويظهر لهم الإنكار، وإلاّ ألحق بهم وجعل منهم .
…وأما من قال لكلامهم تأويل يوافق الشريعة، فإنه من رؤوسهم وأئمتهم، فإنه إن كان ذكيًا فإنه يعرف كذب نفسه فيما قاله )) " مجموع الفتاوى " : ( 2/133 ) .
قال الشيخ بكر أبو زيد : (( فكل من ظاهر مبتدعًأ، فعظّمه أو عظّم كتبه، ونشرها بين المسلمين، ونفخ به وبها، وأشاع ما فيها من بدع وضلال، ولم يكشفه فيما لديه من زيغ واختلاف في الاعتقاد، إن من فعل ذلك فهو مفرط في أمره، واجب قطع شره لئلا يتعدى إلى المسلمين )) . انتهى من كتاب " هجر المبتدع " ( ص 48 ) .(1/89)
س 66 : لقد تفشى ورع بارد بين بعض طلبة العلم، وهو : إذا سمعوا الناصحين من طلبة العلم أو العلماء يحذرون من البدع وأهلها ومناهجها، ويذكرون حقيقة ما هم عليه ويردون عليهم وقد يوردون أسماء بعضهم ولو كان ميتاً لافتتان الناس به، وذلك من أجل الدفاع عن هذا الدين، وكشف تلبيس الملبسين والمندسين بين صفوف الأمة لبث الفرقة والنزاع فيها، فيدّعون أن ذلك من الغيبة المحرمة، فما قولكم في هذه المسألة ؟
جـ / القاعدة في هذا: التنبيه على الخطأ والانحراف بعد تشخيصه،
وإذا اقتضى الأمر أن يصرح باسم الأشخاص المخالفين حتى لا يغتر بهم، وخصوصاً الأشخاص الذين عندهم انحراف في الفكر أو انحراف في السيرة والمنهج، وهم مشهورون عند الناس، ويحسنون فيهم الظن، فلا بأس أن يُذْكَروا بأسمائهم وأن يُحَذر من منهجهم، والعلماء بحثوا في علم التجريح والتعديل فذكروا الرواة وما قيل فيهم من القوادح، لا من أجل أشخاصهم، وإنما من أجل نصيحة الأمة أن تتلقى عنهم أشياء فيها تجنٍّ على الدين، أو كذبٍ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالقاعدة أولاً أن ينبه على الخطأ ولا يذكر صاحبه إذا كان يترتب على ذكره مضرة أو ليس لذكره فائدة، أما إذا اقتضى الأمر أن يصرح باسمه لأجل تحذير الناس من منهجه، فهذه من النصيحة لله وكتابه ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وخصوصاً إذا كان له نشاط بين الناس، ويحسنون الظن به، ويقتنون أشرطته وكتبه، لا بد من البيان، وتحذير الناس منه لأن السكوت ضرر على الناس، فلا بد من كشفه لا من أجل التجريح أو التشهي، وإنما من أجل النصيحة لله وكتابه ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
س 67 : ما حكم من أحب عالماً أو داعية، وقال : إني أحبه حبًا كثيرًا، لا أريد أن أسمع أحداً يرد عليه، وأنا آخذ بكلامه حتى وإن كان مخالفاً للدليل، لأن هذا الشيخ أعرف منا بالدليل ؟ .(1/90)
جـ / هذا تعصب ممقوت مذموم، ولا يجوز (1) .
نحن نحب العلماء –و لله الحمد-، ونحب الدعاة في الله - عز وجل -، لكن إذا أخطأ واحد منهم في مسألة فنحن نُبَيِّن الحق في هذه المسألة بالدليل، ولا يُنقص ذلك من محبة المردود عليه، ولا من قدره .
يقول الإمام مالك – رحمه الله - : (( ما مِنَّا إلا رادٌ ومردودٌ عليه؛ إلا صاحب هذا القبر )) (2) . يعني : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) …نقل محمد سلطان الخجندي صاحب كتاب : " هل المسلم ملزم باتباع مذهب معين من المذاهب الأربعة ؟ " عن علي القاري الحنفي قوله : (( لا يجب على أحد من هذه
…الأمة أن يكون حنفياً، أو مالكياً، أو شافعياً، أو حنبلياً، بل يجب على آحاد الناس إذا لم يكن عالمًا أن يسأل واحدًا من أهل الذكر ، والأئمة الأربعة من أهل الذكر؛ ولهذا قيل : (( من تبع عالمًا لقي الله سالمًا )) ، وكل مكلّف مأمور باتباع سيد الأنبياء سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - )) ( ص 58 ) تحقيق الهلالي .
قلت : وقريبًا من هذا المعنى جاء عن شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – فراجعه في الحاشية رقم ( 67 ) من هذا الكتاب .
قال الإمام الشافعي – رحمه الله تعالى - : (( أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس )) انظر : " إعلام الموقعين " لابن القيم ( 1/7 ) .
(2) … راجع تخريج هذا الأثر في كتاب : " صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - " للألباني ( ص /26 )
…حاشية (3)، ط. المكتب الإسلامي 1403هـ . و أورده العجلوني في " كشف الخفاء " : ( 1961 ) .(1/91)
نحن إذا رددنا على بعض أهل العلم، وبعض الفضلاء؛ ليس معنى هذا أننا نبغضه أو نتنقصه، وإنما نُبَيِّن الصواب، ولهذا يقول بعض العلماء لما أخطأ بعض زملائه، قال : (( فلان حبيبنا، ولكن الحق أحب إلينا منه )) (1) ، هذا هو الطريق الصحيح .
ولا تفهموا أن الرَّد على بعض العلماء في مسألة أخطأ فيها معناه تَنَقُّص له أو بُغض، بل ما زال العلماء يرد بعضهم على بعض، وهم اخوة ومتحابون .
ولا يجوز لنا أن نأخذ كل ما يقوله الشخص أخذاً مسلّماً؛ أصاب أو أخطأ، لأن هذا تعصُّب .
الذي يؤخذ قوله كله ولا يترك منه شيئاً هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لأنه مبلِّغ عن ربه، لا ينطق عن الهوى، أما غيره فهم يخطئون ويصيبون، وإن كانوا من أفضل الناس، هم مجتهدون يخطئون ويصيبون .
ليس أحد معصومًا من الخطأ إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
يجب أن نعرف هذا، ولا نتكتّم على الخطأ محاباة لفلان، بل علينا أن نُبَيِّن الخطأ .
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( الدين النصيحة ، قلنا : لمن ؟، قال : لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم )) (2) .
وبيان الخطأ من النصيحة للجميع، وأما كتمانه فهو مخالف للنصيحة .
س 68 : ما حكم طلب العلم عند شيخ يختلف مع أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات، أفيدونا أفادكم الله ؟ .
جـ/ إن اختيار المدرِّس المستقيم في عقيدته، وفي علمه؛ أمر مطلوب، وإذا لم يمكن، ووجدت من عنده معرفة في الفقه – مثلاً -، أو النحو، والعلوم التي لا تتعلق بالعقيدة؛ فلا بأس أن تدرس عنده في العلوم التي يحسنها، أما العقيدة فلا تدرسها إلى على أهل العقيدة الصحيحة .
- - - - -
__________
(1) … هذه المقالة لشيخ الإسلام ابن القيم، في حق أبي إسماعيل الهروي. انظر : " مدارج السالكين " : ( 3/394 ) .
(2) … سبق تخريجه حاشية : ( 44 ) .(1/92)
س 69 : هل يكفر الأشاعرة والمعتزلة ومن على شاكلتهم في المعتقد، وهل يجوز أخذ العلم من مشايخهم في العقيدة، والفقه، والتفسير؛ إذا عُلم موضع إشكالهم ؟ .
جـ / لا يكفر إلا من عرف الحق وعاند، أما من خالف الحق عن تأويل أو عن جهل فهذا لا يُكفّر، بل يقال : هذا خطأ، وهذا ضلال .
ومن تأوَّل وظن أن هذا التأويل حق، أو أنه مقلد لغيره ظانًا أنه مصيب، أو فعل هذا عن جهل؛ فهؤلاء كلهم لا يكفرون، ولكن يضللون .
أما الأخذ عنهم في غير العقيدة من العلوم التي يتقنونها - فلا بأس -، مثل أن يؤخذ عنهم الفقه، والنحو، وعلم الحديث؛ لا مانع من ذلك بشرط أن لا يكونوا مجاهرين ببدعتهم .
ولكن إن وجد غيرهم مِمَّنْ هو أفضل منهم فإنه يجب التتلمذ على من هو أفضل منهم، وإذا لم يجد الشخص غيرهم في مثل هذه العلوم – الفقه، اللغة العربية، وما أشبه ذلك – لا مانع أن يؤخذ عنهم هذه العلوم أما العقيدة فلا تؤخذ إلا من أهلها .
- - - - -
س 70 : إذا قال طالب علم ببدعة ودعا إليها وكان صاحب فقه وحديث، فهل يلزم بالبدعة سقوط علمه وحديثه ؟ وعدم الاحتجاج به مطلقاً ؟
جـ / نعم . لا يوثق به. إذا كان مبتدعاً مجاهراً ببدعته لا يوثق به ولا يُتتلمذ عليه، لأنه إذا تُتلمذ عليه يتأثر التلميذ بشيخه ويتأثر بمعلمه، فالواجب الابتعاد عن أهل البدع، والسلف كانوا ينهون عن مجالسة المبتدعة، وزيارتهم، والذهاب إليهم خشية أن يسري شرهم على من جالسهم وخالطهم (1)
__________
(1) … فكل قرين بالمقارن يقتدى. وقد قيل : كُثر الكلام يغلب السحر . وكُثر الدّق يفك اللِّحَام .
…فالمقارنة والاختلاط والمعاشرة لها تأثير، ولقد تأثر أبو ذر الهروي بالقاضي أبو بكر بن الطيب، فاعتنق مذهبه الأشعري بعد أن تكرر إليه .
…راجع " تذكرة الحفاظ ": ( 3/1104-1105 )،و" السير":( 17/558-559 ).
…وهذا عمران بن حطان الذي روى عن جماعة من الصحابة، وكان من أهل السّنة، ولكن اختلاطه أوقعه في مذهب الخوارج .
قال يعقوب بن شيبة : وكان سبب ذلك فيما بلغنا أن ابنة عمه رأت رأي الخوارج فتزوجها ليردها عن ذلك فصرفته إلى مذهبها . ا. هـ . " تهذيب التهذيب " : ( 8/113 ) .…=
=…وأبلغ بيان في تأثر الجليس بجليسه قول الذي لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول: ( المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ) " الصحيحة " : ( 927 ) .(1/93)
.
س71 : تعيش الأمة الإسلامية حالة اضطراب فكري خصوصاً ما يتعلق بالدين، فقد كثرت الجماعات والفرق الإسلامية التي تدّعي أن نهجها هو المنهج الإسلامي الصحيح الواجب الإتباع. حتى أصبح المسلم في حيرة من أمره أيها يتبع وأيها على الحق ؟
جـ/ التفرق ليس من الدين، لأن الدين أمرنا بالاجتماع وأن نكون جماعة واحدة وأمة واحدة على عقيدة التوحيد وعلى متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، يقول الله تعالى : { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } (1) .
ويقول تعالى : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا } (2).
وقال - سبحانه وتعالى -: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } (3).
وهذا وعيد شديد على التفرق والاختلاف .
فديننا دين الجماعة ودين الألفة والاجتماع، والتفرق ليس من الدين، فتعدد الجماعات ليس من الدين، لأن الدين يأمرنا أن نكون جماعة واحدة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ) (4) .
فلا بد من الاجتماع وأن نكون جماعة واحدة أساسها التوحيد ومنهجها دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومسارها على دين الإسلام . قال تعالى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } (5) .
__________
(1) … الأنبياء : 92 .
(2) … آل عمران : 103 .
(3) … الأنعام : 159 .
(4) … البخاري : ( 2314 ) .
(5) … الأنعام : 153 .(1/94)
فهذه الجماعات وهذا التفرق الحاصل على الساحة اليوم لا يقره دين الإسلام بل ينهي عنه أشد النهي ويأمر بالاجتماع على عقيدة التوحيد (1) .
- - - - -
س 72 : هل يوجد على الساحة – وخاصة عندنا في (( السعودية )) – مناهج مخالفة لمنهج السلف – رحمهم الله تعالى -؟، وكيف يكون التعامل مع هذه المناهج ودعاتها ؟ .
جـ / لا يوجد عندنا – ولله الحمد – في هذه البلاد (( السعودية ))
مناهج مخالفة لمنهج السلف، كلها بلاد سلفية، ولكن قد يوجد فيها من هو
دخيل ليس من أهلها، وهو يحمل أفكاراً مخالفة (2)
__________
(1) … الفِرق الموجودة في الساحة اليوم، ترى أن الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك وهدم القباب والتحذير من البدع والرد على المخالف للكتاب والسنة، كل هذه تفرق – عندهم – ولا تجمع .
أما علموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بُعث في وقتٍ كان الناس فيه شذر مذر، متطاحنين متناحرين، فجمعهم الله على يد نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد. فأين أولى الأبصار والنُهى ؟ والنبي - صلى الله عليه وسلم - جاء مفرقاً بين العباد أيضاً، روى البخاري في صحيحه: ( 6852 ) من حديث جابر بن عبدالله، من كلام الملائكة : ( ومحمد - صلى الله عليه وسلم - فرق بين الناس ) أي يفرق بين المؤمن والكافر، والحق والباطل .
(2) … أمثال : محمد سرور بن نايف زين العابدين، وكان في منطقة القصيم، وقد بيّض وفّرخ، والغزالي، وعبدالرحيم الطحان في منطقة عسير، ومحمد قطب، وغيرهم .
…وما زال نظراؤهم من قيادات وأعضاء " الإخوان المسلمون " موجودين، والذين أحسنت إليهم هذه الحكومة – السعودية وفقها الله لكل خير -؛ فأساءوا إليها بأفكارهم، ومعتقداتهم، وفتاويهم التي شوّشت على بعض شبابنا، فنسأل الله –تعالى– لنا ولهم الهداية و الاستقامة على منهج السلف الصالح، آمين .
…وهذا من باب النصح للمسلمين حتى يحذرهم الناس، ولا يغتروا بخطاباتهم وتآليفهم .(1/95)
، وقد يتأثر به بعض أبناء هذه البلاد، عن حسن ظن وجهل بواقعه، ولذلك نوصي أبناءنا أن يكونوا على حذر من هؤلاء وأمثالهم، وأن لا يمنحوا ثقتهم لكل وافد؛ وهم لا يعرفون عقيدته واتجاهه، ولا مستواه العلمي، ولا من أين تلقى العلم، لأنّ (( فاقد الشيء لا يعطيه )) .
هذا البلاد – بلاد نجد – كانت متفرقة، كل قرية تحكم نفسها، وكل قرية تقاتل القرية الأخرى .
ولَمَّا مَنَّ الله على هذه البلاد بظهور الشيخ الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – ودعا الناس إلى توحيد الله وإلى دين الله الذي جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونبذ الشرك والبدع والخرافات، والرجوع إلى الدين الصحيح .
و قد من الله على أسرةٍ من الحكام وهم آل سعود، وكانوا يحكمون قرية من القرى. ولكنّ الله منّ على جدهم فناصر دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وجاهد معه. فاجتمع جهاد العلم وجهاد السيف حتى دخلت البلاد في أمنِ واستقرار، وذهبت عنها العادات الجاهلية والتقاليد الباطلة، وأزيلت منها البدع والخرافات والشركيات فتوحدت البلاد تحت راية " لا إله إلا الله محمد رسول الله " واستتب الأمن، وحصلت الأخوة بين الناس واجتمع أهل القرى والمدن على دولة واحدة وأمة واحدة (1)
__________
(1) …هذا الأمن، وهذا الاجتماع الذي نعيشهما الآن في هذه البلاد – السعودية – ما حصل إلا بفضل الله تعالى أولاً وأخيراً ثم بفضل تطبيق الشريعة، والنية الصادقة من قِبَل المؤسس – رحمه الله تعالى وطيب ثراه – والرغبة الأكيدة في تحكيم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - منذ الأيام الأول من توليه حكم البلاد ثم سار على ذلك أبناؤه من بعده، فاللهم احفظ علينا ديننا وأمننا وولاتنا آمين .
ولقد غاظ – هذا الأمن وهذا الاجتماع – أهل الأهواء المبغضين لعقيدة السلف، فبدءوا يبثون الأفكار الهدامة بين الشباب، وللأسف وجدوا من البعض الاستجابة .
فمن هذه الشبه والأفكار والمناهج المخالفة التي تُبث هنا وهناك بين الفينة والفينة:
1- تكفير الحكام ويسمونهم " الطواغيت "، وتهييج العامة بعبارات ساخنة .
…2- الطعن في علماء السنة ( المتبعين لمنهج السلف المبينين لأخطائهم ) ورميهم بألفاظ هم منها براء، على سبيل المثال : علماء السلاطين – علماء الحيض والنفاس – عملاء – عبيد – لا يفقهون الواقع – علماء الكراسي بل وتكفير العلماء كما فعل أسامة بن لادن ( الخارجي ) ومن حذا حذوه واقتفى أثره .
3- الجهاد ( على طريقتهم ) بتفجير المنشآت سواء كانت للمسلمين أم للكفار بحجة مجاهدة الكفار والطواغيت والعلمانيين ( على زعمهم )، والاغتيالات، ويرون ذلك قُربة إلى الله تعالى !! .(1/96)
.
لكن لا تنسوا أن الأعداء لا يزالون يتربصون ويريدون أن يفرقوا هذا الاجتماع .
يبثون هذه التفرقة بين هذه الأمة في هذه البلاد بما دسوه من مبادئ ومناهج غريبة مشبوهة تقبّلها بعض الشباب نسأل الله أن يصلحهم وأن
يهديهم، لا يريدون بنا إلا الشر، وإلا لماذا يا عباد الله ؟؟ ألسنا جماعة واحدة ؟ ألسنا على دين التوحيد؛ على عقيدة التوحيد؟ ألسنا نعيش في الأمن والاستقرار ؟ . ما الذي نريد غير هذا ؟ لماذا نقبل الأفكار الدخيلة والمناهج المستوردة، وقول فلان وعلان ممن لا يُعرف لا بدين ولا بعلم، ولا يُعرف من أين تلقى العلم وأين درس، ولا يُعرف ما هي عقيدته ؟. ثم نتلقى ما يقوله ونتبناه ونترك ما نحن عليه من الدين الصحيح والعقيدة الصحيحة والمنهج السليم، احذروا من هذه الفرق وحذروا إخوانكم وأولادكم .
نحن جماعة واحدة وأمة واحدة وعلى منهج واحد وعلى عقيدة واحدة، ودولتنا - ولله الحمد - دولة إسلامية، والحكم فينا بشريعة الله .
أنا لا أقول إننا كاملون، بل عندنا نقص، لكن نقص دون نقص - الحمد لله -، الأمر فينا بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والبلاد كلها من أقصاها إلى أقصاها بلاد إسلامية تُحكم بشريعة الله، والعقيدة واحدة والمنهج واحد خلفاً عن سلف .
فلماذا نقبل هذه المبادئ وهذه الأفكار وهذه المناهج المختلفة والمخالفة للعقيدة، ثم كل طائفة منها تأخذ منهج وكل طائفة تعادي الطائفة
الأخرى، ونترك المنهج الصحيح السليم الذي كان عليه آباؤنا وأجدادنا، وعاشت عليه أجيالنا وبلادنا، أليس هذا نكران للنعمة !! أليس هذا كفر بالنعمة ؟!
لماذا لا نتذكر نعمة الله علينا { وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً
فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } (1) .
__________
(1) …آل عمران : 103 .(1/97)
ما أشبه الليلة بالبارحة وما أشبه اليوم بالأمس، فعلينا أن نستجلي التاريخ ونقرأ السير ونعرف ما كُنَّا، ونعرف ما نحن عليه .
- - - - -
س 73 : انصبّ انتقاد بعض الدعاة على هذه الدولة وعلمائها وأنهم مداهنون وعلماء سلطة، ولا يفهمون الواقع، بينما يمتدحون بعض الدول التي تدعي تطبيق الشرع مع التغاضي عن المخالفات الكبيرة التي تقع فيها، ويمتدحون بعض الدعاة والمبتدعة والمخالفين لمنهج السلف فما رأيكم وردكم على هؤلاء ؟ .
جـ / ما أحب للمسلمين وخصوصاً في هذه البلاد إلاّ الخير والنصيحة والتآلف .
ومجتمعنا - ولا نزكي على الله أحداً – ولله الحمد هو أحسن المجتمعات. من ناحية وُلاتنا ومن ناحية علمائنا ومن ناحية رعيتنا، هم أحسن – ولله الحمد – الموجودين. لا نقول أنهم كاملون، والإنصاف يقتضي هذا، لكن لا نجحد فضل الله ونعمة الله علينا؛ لأن هذا من الكفر بالنعمة. عندنا ولله الحمد علماء، وعندنا ولله الحمد ولاة مستقيمون ليس لهم مذهب اشتراكي أو مذهب بعثي أو مذهب مخالف للإسلام، هم على عقيدة التوحيد وعلى دين الإسلام. عقيدتهم خالية من الشرك ولله الحمد، يقيمون الحدود،
ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويُحَكّمون كتاب الله فتحوا - في كل هجرة وفي كل قرية وفي كل مدينة أو قريباً منها – محكمة يتحاكم الناس إلى شرع الله فيها .
والأخطاء موجودة ، لكن الخير أكثر. فالواجب علينا النصيحة والدعاء لهم بالتوفيق والتسديد والهداية ومناصحتهم سراً وإيصال الحق إليهم، هذا هو الواجب علينا .(1/98)
هل نريد أن يتفكك هذا المجتمع ؟ هل نريد أن يتناحر هذا المجتمع ؟ هل نريد أن يختل أمن هذا المجتمع ؟ ولا يأمن الناس على أموالهم ولا على بيوتهم ولا على محارمهم، ولا على أنفسهم، هل نريد زوال هذه النعمة ؟ اتقوا الله يا عباد الله، وأشكروا هذه النعمة. ولا تغتروا بدعاة الضلال الذين يشوشون علينا ويتلمسون الأخطاء وينفخون فيها، الذين ينظرون القذاة في غيرهم ولا ينظرون الجذع في أعينهم .
علينا أن نتقي الله فإن هذا دين، وهذه ذمة، وهذه مسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى . والنِعم إذا لم تشكر زالت. قال سبحانه : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } .
قارنوا بين هذه البلاد وبين البلاد الأخرى إن كانت لكم عقول، قارنوا تروا الفرق، وتعرفوا السبب ما هو ؟ .
السبب هو ما في هذه البلاد من الخير ولله الحمد، ما فيها من العقيدة الصحيحة، ما فيها من تحكيم كتاب الله - عز وجل -، وما فيها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . هذه نعم عظيمة، كون أننا نكفرها وننكرها ونجحدها ونتلمس العيوب والأخطاء وننفخ فيها؛ هذا ليس من شأن المسلمين الناصحين (1)
__________
(1) …ماذا يريد المتشدقون من هذه الدولة – دولة التوحيد – التي لا يوجد لها مثيل على هذه البسيطة اليوم ؟ .أتظنون أنكم في عهد خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ؟ أم أننا في عهد النبوة ؟.وأي الدول التي تبكون عليها وتدندنون حولها ؟ .أهي التي بَنَتْ على أرضها " القبة الإبراهيمية " تخليداً لذكرى قائد الطريقة الإبراهيمية ؟ ! .
و التي دعا مرشدها الروحي إلى عقد اجتماع (( تقارب الأديان )) ، وتم الاجتماع. ولقد امتنعت قيادة دولة التوحيد بأن يُشارك منها أحد . أم هي دولة (( المزارات )) الصوفية الماتريدية الأشعرية ؟ . إنكم تناقضون أنفسكم وأقوالكم وأفعالكم تقولون لماذا تتركون الكفار والعلمانيين، ...و...وتردون على أهل الإسلام، وعلى الدعاة..
الجواب من وجهين:
الأول : أن الرد على أهل الإسلام، لا يكون إلا على المخالف للكتاب والسنة ومذهب السلف الصالح، وهذا واجب لحماية جانب العقيدة .
…ثانياً : ليس كل أحد يلزمه الرد على الجميع، بل كل على قدر طاقته وجهده وقدراته. فهذا يرد على مخالف من أهل الإسلام، وهذا يرد على علماني، وذاك يرد على كافر وهكذا المسلمون يكمل بعضهم بعضاً والقدرات تتفاوت كل بحسبه .
ولكن السؤال إليكم : لماذا التركيز على هذه الدولة – السعودية – أما ترون أنكم تعينون الكفار ؟ أما ترون أنكم فاتحوا باب شر ؟
فالواجب: الوقوف بجانب دولة التوحيد والذب عنها، وإن كان هناك أخطاء والأخطاء موجودة فيجب أن تصحح بالطرق الشرعية التي دلنا عليها الكتاب والسنة وسار عليها سلفنا الصالح وأئمتنا الأفاضل إلى يومنا هذا، وليس أحد بمعصوم، ولم يدع أحد العصمة بل الكل مقصر، والكل مذنب .فإلى متى وأنتم تنخرون في هذا الكيان ؟ !! .إلى أن تُقيموا دولة الخوارج؟ أو دولة التصوف والشركيات؟ أو دولة البرلمانات والأحزاب ؟ فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل يقول الله تعالى: { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } ويقول - عز وجل - { وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ =
=… إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } وقال جل من قائل : { إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً }
وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( لله أشد فرحاً بتوبة عبده، حين يتوب …. ) [ مسلم : 2747 ] .(1/99)
.
س 74 : كثر في هذه الفترة السب والطعن في العلماء الكبار والحكم عليهم بالكفر والفسق لا سيما بعدما صدرت بعض الفتاوى في التفجيرات، وأن عند علمائنا ضعفا في الولاء والبراء فأرجو أن توجهوا لنا نصيحة في هذا الموضوع وما حكم الرد على الشاب القائل بهذا ؟ .
جـ / على الجاهل أن لا يتكلم، وأن يسكت ويخاف الله عز وجل ولايتكلم بغير علم قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } (1) .
فلا يجوز للجاهل أن يتكلم في مسائل العلم ولا سيما المسائل الكبار مثل التكفير، وأيضاً الغيبة والنميمة، والوقيعة في أعراض ولاة الأمور، والوقيعة في أعراض العلماء (2)
__________
(1) … الأعراف : 33 .
(2) … ويل لمن يطعن في علماء الأمة – إذا لم يتب -، علماء السنة ورثة الأنبياء . فإذا لم نثق بعلمائنا الأكابر ونُجلهم ونحترمهم ونتعلم منهم فممن نأخذ العلم ؟؟ أمِنْ الرؤساء الجهال الذين أخبر عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وسوف يسوق شيخنا حفظه الله الخبر قريباً .
…قال معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ : (( الواجب على كل مؤمن أن يحذر أتم الحذر من أن يقول بلا علم وأن يجترئ على ما ليس له به حجة، سيما في مسائل الاعتقاد ومسائل الإيمان والتكفير ومسائل الحلال والحرام، ومن أعظم ما وقع في الأمة من الانحراف عن الحق، تكفير المسلم الذي ثبت إسلامه وعدم الاستبيان =
=…منه، وفي عهد عثمان - رضي الله عنه - ظهر هؤلاء الخوارج، وكان أساس انحرافهم هو نظرهم في أن أمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه -لم يقم بما أوجب الله عليه . فمنهم من كفّره، ومنهم من أوجب قتله، وكفّروا علياً - رضي الله عنه - وهكذا سادات الأمة كَفّرهم معارضوهم .
والتكفير معناه : الحكم بالخروج من الدين والحكم بالردة .
…والحكم بالردة على مسلم ثبت إسلامه؛ لا يجوز . إلا بدليل شرعي يقيني بمثل اليقين الذي حصل بدخوله في الإيمان، وما ذكره السائل بقوله إن العلماء الكبار كفار، هذا من الخطر العظيم، لأن العلماء الكبار يبينون الحق، وإذا اتهمهم أحد أو رماهم بالكفر لأجل تبيينهم الحق فلا يعني أن رمي الرامي موافق للصواب؛ بل جناية على نفسه ويجب أن يؤخذ على يده وأن يعزر تعزيراً بليغاً من قبل القضاة .
وعلى كثرة ما جاء من بحوث في هذه المسائل من قديم، من وقت سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين – رحمهما الله – وكثرة ورود هذه المسائل. لكن نخشى أن يكون المنهج التكفيري يمشي في الناس والعياذ بالله، والخوارج سيبقون ومعتقدات الخوارج ستبقى، والناس - إن لم يتداركوا أنفسهم – قد يكون فيهم خصلة من خصال الضُلاّل إن لم يحذروا من ذلك .
فالواجب علينا جميعاً أن نحذر وأن نتنبه إلى الحق، وأن نتواصى [ به ] وأن نكون حافظين لألسنتنا من الوقوع في ورثة الأنبياء وهم العلماء )) . ا . هـ . باختصار
كتاب: " الفتاوى المهمة في تبصير الأمة " .(1/100)
، فهذه أشد أنواع الغيبة . نسأل الله العافية !!
فهذا الأمر لا يجوز .
وهذه الأحداث وأمثالها من شئون أهل الحل والعقد، هم الذين يتباحثون فيها ويتشاورون، ومن شؤون العلماء فهم الذين يبينون حكمها الشرعي .
أما عامة الناس والعوام والطلبة المبتدئين فليس هذا من شأنهم، قال الله
جل وعلا : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً } (1) . فالواجب إمساك اللسان عن القول في هذه المسائل. لا سيما التكفير، ولا سيما الولاء والبراء .
الإنسان قد يحكم على الناس بالضلال والكفر وهو مخطئ، ويرجع حكمه عليه. لأن الإنسان إذا قال لأخيه يا كافر أو فاسق وهو ليس كذلك رجع ذلك عليه والعياذ بالله (2) .
الأمر خطير جداً فعلى كل من يخاف الله أن يمسك لسانه، إلا إن كان
ممن وُكل إليه الأمر وهو من أهل الشأن، بأن يكون من ولاة الأمر أو من العلماء فهذا لابد أن يبحث في هذه المسألة.
أما إن كان من عامة الناس ومن صغار الطلبة فليس له الحق في أن يصدر الأحكام ويحكم على الناس ويقع في أعراض الناس وهو جاهل ويغتاب وينم ويتكلم في التكفير والتفسيق وغير ذلك، فهذا كله يرجع إليه، ولا يضر المتكَلَّم فيه، وإنما يرجع إليه .
__________
(1) … النساء : 83 .
(2) … أخرج البخاري في صحيحه : ( 5753 ) وغيره من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ).(1/101)
فعلى المسلم أن يمسك لسانه وألا يتكلف ما لا يعنيه (1) ، أما أن يتناول الأحكام الشرعية ويُخطِّي ويصوب ويتكلم في أعراض ولاة الأمور وفي أعراض العلماء ويحكم عليهم بالكفر أو بالضلال، فهذا خطر عظيم عليه، وأما هم فلا يضرهم كلامه فيهم .
وقبض العلم إنما يكون بموت اللعلماء : هو ما أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله : ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ) (2) .
__________
(1) … وأن ينصرف للعلم الشرعي والاجتهاد في تحصيله، الذي هو حياة القلوب، ورفعة للعبد في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل : { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ } [ المجادلة : 11 ] .
…أخرج مسلم في صحيحه : ( 2699 ) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة). والعلم يحجز صاحبه عن الوقوع في المخالفات الشرعية، واتباع الهوى، وطرق الشيطان.
…قال ابن القاسم : سمعت مالكاً يقول : (( إن أقواماً ابتغوا العبادة وأضاعوا العلم، فخرجوا على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بأسيافهم ولو ابتغوا العلم لحجزهم عن ذلك )) .
…وقال وهب : (( كنت بين يدي مالك بن أنس فوضعت وقمت إلى الصلاة، فقال : ما الذي قمت إليه بأفضل من الذي تركته )). ( يعني العلم ).[مفتاح دار السعادة] : ( 1/119-120 ) .
…قال معاذ بن جبل - رضي الله عنه - : (( عليكم بالعلم، فإن طلبه عبادة، وتعلمه لله حسنة، وبذله لأهله قربة، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، والبحث عنه جهاد، ومذاكرته تسبيح )) . الديلمي : ( 2/41 )، فتاوى ابن تيمية : ( 4/42 ) .
(2) …البخاري : ( 100 ) .…(1/102)
والله هذا هو الواقع اليوم، الآن رؤوس جهال يتكلمون بأحكام الشريعة ويوجهون الناس ويحاضرون ويخطبون وليس عندهم من العلم والفقه شيء، إنما عندهم تهريج، وتهييج، قال فلان وقال فلان، شغلوا الناس بالقيل والقال وهذا مصداق ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً (1) .
ومع الأسف يسميهم الناس علماء، ولا حول ولا قوة إلا بالله. في حين لو تسأله عن نازلة من النوازل أو حكم شرعي فإنه لايستطيع أن يجيبك بجواب صحيح، لأنه يقول هذا ليس بعلم، العلم هو الثقافة السياسية وفقه الواقع، فحُرمِوا العلم والعياذ بالله، نسأل الله العافية .
- - - - -
س 75 : بسبب الأحداث التي وقعت أصبح بعض المسلمين يوالي الكفار وذلك لفتوى سمعها من أحد طلاب العلم فما حكم ذلك ؟
جـ/ ما أظن أن مسلماً يوالي الكفار لكن أنتم تفسرون المولاة بغير
معناها. فإن كان يواليهم حقيقة فهو إمَّا جاهل وإلا فليس بمسلم. بل هو من المنافقين، أما المسلم فإنه لا يوالي الكفار .
__________
(1) …يقول أحدهم وهو يحمل الدكتوراه في السنة، في شريط له بصوته بعنوان " أما بعد " الوجه الأول : ( من أين أبدأ … كيف أبدأ ؟ يا دم اسعفني، يا قلبي قف معي، يا دم انقذني ) .
…هذا حالهم جهل وتخبط، وإلا لو سألت طالب الابتدائية في مدارسنا – في بلاد الحرمين حرسها الله -. من تسأل ومن تدعو ومن تطلبه الاعانة والإنقاذ في الشدائد والأزمات والملمّات والمواقف الحرجة وغيرها؟ لقال، الله .
…الله أكبر!! ما أحوج الناس جميعاً لمعرفة التوحيد وتعلمه وفهمه، وتشتد الحاجة إلى ذلك في مثل هؤلاء الذين نصبّوا أنفسهم قادة ومربين ودعاة . ولكن كيف يكون همهم تعليم الناس التوحيد وكلماتهم ومحاضراتهم تهون من شأن التوحيد وتجعله أمراً سهلاً، وتركز على الناس في السياسة . وقد مر بنا، ص: ( 83 ) أحد المهونين .(1/103)
لكن هناك أفعال تحسبونها أنتم موالاة وهي ليست موالاة، مثل : البيع والشراء مع الكفار، والإهداء إلى الكفار، وقبول الهدية منهم هذا جائز وليس هو من الموالاة، هذا من المعاملات الدنيوية، ومن تبادل المصالح. ومثل استئجار الكافر للعمل عند المسلم هذا ليس من الموالاة. بل هذا من تبادل المصالح، والنبي - صلى الله عليه وسلم - استأجر عبدالله بن أُريقط الليثي ليدله على الطريق في الهجرة وهو كافر، من أجل أن يستفيد من خبرته في الطريق .
ويجوز أن يؤجر المسلم نفسه للعمل عند الكافر إذا احتاج، لأن هذا من تبادل المنافع أيضاً وليس من باب المودة والمحبة، حتى الوالد الكافر يجب على الولد أن يَبرَّ به وليس هذا من باب المحبة وإنما هو من المكافأة على الجميل .
قال تعالى : { لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ } (1) . ولكن يحسن إليه ويبر به، لأن هذا من الإحسان الدنيوي ومن المكافأة للوالد .
فهناك بعض من التعاملات مع الكفار كالهدنة، والأمان مع الكفار هذا يجري بين المسلمين والكفار وليس هو من المولاة .
فهناك أشياء يظنها البعض من الجهال أنها موالاة وهي ليست
موالاة (2) .
__________
(1) … المجادلة : 22 .
(2) … أين الذين نصّبوا أنفسهم دعاة وموجهين وقادة من هذه المواقف والأدلة والسيرة النبوية في التعامل مع الكفار؟
هم على ضربين : إما جهال فيجب أن يتعلموا قبل أن يُسوَّدوا.
وإما عارفين بذلك فنقول : اتقوا الله وبينوا الحق للناس ولا تتبعوا الهوى.(1/104)
وهناك المداراة. إذا كان على المسلمين خطر ودارؤا الكفار لدفع الخطر هذا ليس من الموالاة وليس هو من المداهنة، هذا مداراة، وفرق بين المداراة والمداهنة. المداهنة لا تجوز، والمداراة تجوز. لأن المداراة إذا كان على المسلم أو على المسلمين خطر ودَفعه ودَارَأ الكفار لتوقي هذا الخطر فهذا ليس من المداهنة وليس من الموالاة .
الأمور تحتاج إلى فقه وتحتاج إلى معرفة، أما كل فعل مع الكفار يفسر بأنه موالاة، فهذا من الجهل ومن الغلط أو من التلبيس على الناس.
فالحاصل: لا يدخل في هذه الأمور إلا الفقهاء أهل العلم. لا يدخل فيها طلاب العلم الصغار وأنصاف المتعلمين ويخوضون فيها ويحللون ويحرمون ويتهمون الناس ويقولون هذه موالاة، وهم لا يعرفون الحكم الشرعي، هذا خطر، على القائل، لأنه قال على الله بغير علم (1) .
س 76 : ما حكم التبرع للكفار بالأموال الطائلة ؟
جـ / إذا كان ذلك لمصلحة المسلمين، فلا مانع أن ندفع شرهم، حتى الزكاة يعطى منها المؤلفة قلوبهم من الكفار مما يرجى كف شره عن المسلمين.
__________
(1) … القول على الله بغير علم أشد وأعظم جرماً من الإشراك بالله قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 33 ] .…=
=…فالشاهد أن المعاصي جاء ذكر الأعظم إثماً منها فالأعظم، فلما كان الإشراك بالله أعظم الذنوب، فقد جاء القول على الله أعظم من الشرك به – تعالى – لأن القائل أصبح مُشرِّعاً، ولم يكن نداً فقط .(1/105)
فالكافر الذي يرجى كف شره عن المسلمين يعطي من الزكاة التي هي فرض، فكيف لا يعطي من المال الذي ليس بزكاة من أجل دفع ضررهم عن المسلمين. وهذا مما يظنه بعض الجهال موالاة، وهو ليس موالاة، هذه مداراة لخطرهم وشرهم عن المسلمين .
- - - - -
س 77 : يُكتب في الصحف هذه الأيام الدعوة إلى مقاطعة البضائع الأمريكية وعدم شرائها وعدم بيعها، وأن العلماء يدعون إلى المقاطعة، وأن هذا العمل فرض عين على كل مسلم، وأن الشراء لواحدة من هذه البضائع حرام ، وأن صاحبها فاعل لكبيرة، ومعين لهؤلاء ولليهود على قتال المسلمين، فأرجو من فضيلتكم توضيح هذه المسألة للحاجة إليها، وهل يثاب الشخص على هذا الفعل ؟ .
جـ / هذا غير صحيح، العلماء ما أفتوا بتحريم الشراء من السلع الأمريكية، والسلع الأمريكية ما زالت تُورَّد وتباع في أسواق المسلمين .
فلا تقاطع السلع إلا إذا أصدر ولي أمر المسلمين منعاً بذلك وأمَرَ بمقاطعة دولة من الدول، فيجب مقاطعتها .
أما مجرد الأفراد فلا يفتون بالتحريم، لأن هذا من تحريم ما أحل الله.
- - - - -
س 78 : سماحة الشيخ : أنتم وإخوانكم العلماء في هذه البلاد سلفيّون – ولله الحمد -، وطريقتكم في مناصحة الولاة شرعيّة كما بيّنها الرسول - صلى الله عليه وسلم - - ولا نزكي على الله أحدًا -، ويوجد من يعيب عليكم عدم الإنكار العلني لما يحصل من مخالفات، والبعض الآخر يعتذر لكم فيقول : إن عليكم ضغوطًا من قبل الدولة؛ فهل من كلمة توجيهيّة – توضيحيّة – لهؤلاء القوم ؟ .
جـ / لا شك أن الولاة – كغيرهم من البشر – ليسوا معصومين من
الخطأ، ومناصحتهم واجبة (1)
__________
(1) …قال ابن أبي عاصم في كتابه : " السنّة " ( 2/502 ) :
…(( ما يجب على الرعية من النصح لولاتها )) ، وذكر أحاديث منها : حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لله، والنصيحة لولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم )) ، قال الألباني : (( إسناده صحيح )) .(1/106)
، ولكن تناولهم في المجالس وعلى المنابر(1)،
يُعتبر من الغيبة المحرمة؛ وهو منكر أشد من المنكر الذي يحصل من الولاة لأنه غيبة، ولما يلزم عليه من زرع الفتنة وتفريق الكلمة والتأثير على سير الدعوة (2) .
فالواجب إيصال النصيحة لهم بالطرق المأمونة، لا بالتشهير والإشاعة .
وأما الوقيعة في علماء هذه البلاد، وأنهم لا يناصحون، أو أنهم مغلوبون على أمرهم (3)
__________
(1) …كما يفعله من لا فقه – في الدين – عنده، أو هو من دعاة الفتنة .
…يقول سماحة الشيخ الإمام عبدالعزيز بن باز – رحمه الله - : أما سب الأمراء على المنابر فليس من العلاج؛ العلاج الدعاء لهم بالهداية والتوفيق وصلاح النية وصلاح البطانة؛ هذا هو العلاج، لأن سبهم لا يزيدهم خيراً، سبهم ليس من المصلحة، سبهم ولعنهم ليس من الإسلام . نقلاً من كتاب الأخ الفاضل عبدالمالك رمضاني الجزائري – وفقه الله - : " فتاوى العلماء الأكابر .. " (ص 65 ).
(2) …وكذا يفضي إلى عدم السمع والطاعة في المعروف، وإلى إراقة الدماء، كما حدث وأن سُفك دم عثمان – رضي الله عنه وأرضاه – من أجل السب العلني الذي أحدثه الخوارج، عليهم من الله ما يستحقون .
(3) …وهناك نوع آخر من الطعن في العلماء سمعناه كثيرًا من (( فرقة الحدّاد )) نسبة إلى (( محمود الحدّاد المصري )) ، نزيل المدينة المنورة – سابقاً -، وقد موَّه على البسطاء بفتح (( أزرار ثوبه )) حتى تبدو سرته .
وقد بدأت هذه الفرقة أول ما بدأت بالطعن والتشهير بالحافظ (( ابن حجر العسقلاني )) ، وكذا (( النووي )) في مجالسهم ابتداءً، ودعوة الناس لتبديعهم علانيّة، وامتحانهم على ذلك، والمخالف يلحقوه بأهل البدع؛ وقد وصل بهم الحال إلى الطعن في الإمام ابن باز، والفوزان، واللحيدان، والألباني، وغيرهم .
…حتى أن أحدهم كان يقرأ على الإمام ابن باز في الصيف بالطائف كتاب: " السنّة " لابن أبي عاصم فترة من الزمن، فترك، فقيل له في ذلك، فقال : كنت أقرأ لأقيم الحجة على ابن باز !!! .
قلت : وأي حجة يريد أن يقيمها هذا الغر على العلم الشامخ، والجبل الثابت، ناصر السّنة وقامع البدعة والمبتدعة ألا قبّح الله أهل البدع والأهواء .
وأما سيّدهم (( محمود الحدّاد )) فإنه يطعن فيمن يوصي بكتاب:"العقيدة الطحاوية"، فيقول : (( درج كثير من أهل السنّة المعاصرين على الوصية بكتاب العقيدة…=
=…الطحاوية وشرحه )) !!.
أقول : إن من الذين يوصون به الإمام ابن باز، بل إنه يدرّس هذا الكتاب لطلابه في المسجد، كما ينكر على المحدث الألباني تخريجه للكتاب بدون تنبيه ( ص90 ) من كتابه : " عقيدة ابن أبي حاتم وأبي زرعة " .
قلت : قبّح الله أهل البدع يأخذون مالهم ويتركون ما عليهم، فإن (( الحدّاد )) نفسه متناقض، وهذا من فضل الله – تعالى – أن فضح هؤلاء؛ فقد استخرج تخريج أحاديث " إحياء علوم الدين "، والكثير يعلم ما في هذا الكتاب من طوام عظام، ومع هذا لم ينبه ولم يعلق، ولم يوضح مواطن العطب في الكتاب ولم ينقحه، فأي تناقض أكثر من هذا، فشتان ما بين الكتابين المذكورين .
ثم إن من وقع من أتباعه في العلماء إنما كان ذلك تأسياً بكبيرهم نفسه، فقد تنقّص شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -، ووصفه بأنه يهوّن من شأن الإرجاء، فقال : (( قال ابن تيمية – رحمه الله تعالى – في كتابه الإيمان : إن الإرجاء بدعة لفظية ))، وفسرّها الحداد من عند نفسه، فقال: (( يعني : أنها ليست بدعة في المعنى !، وهذا تهوين من شأنها )) .
راجع كتابه : " عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين " ( ص 89-90 ) .
وليس هذا تتبع لعثراته، وإنما هو لبيان بعض حاله، والوقوف على حقيقته، ليستيقظ من اغترّ به ومن هو على شاكلته؛ وإلاّ أين هم عن هذه الأمور – من تبديع
…ابن حجر، والنووي، وابن حزم، والشوكاني، والألباني، وغيرهم، وعدم ترحمهم على المذكورين – قبل أن يأتيهم (( الحدّاد )) ، ويتعرفوا عليه ؟ !! .
إن من تناقضات (( محمود الحدّاد )) : أنه لا يرى ولا يجيز قراءة كتب المتبدعة وأهل البدع، بل ولا النظر فيها – وهذا صواب -، إلاّ أن هناك فرقًا بين من هو داعية إلى البدع ومكابر في الحق، وبين من وقع عن اجتهاد وتأويل، وهو ناصر للسنّة، وديدنه السنّة، وخادم لكتب السنة بصدق .
يقول (( الحدّاد )) : (( لا يكون المرء من أهل السنّة حتى ينتهي عن النظر في البدع،
……=
=…مواضعها، ودلائلها وكتب أهلها )) .
" عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة " جمع : الحدّاد ( ص 105 ) .
هذا كلام الحدّاد، وقد سبق أن أنكر على من يوصي بكتاب " العقيدة الطحاوية "، وأنكر على العلامة : الألباني تخريجه أحاديث الكتاب، ولم ينكر على نفسه اختصاره لكتاب ابن الجوزي : " صيد الخاطر " .
وعلى منهج (( الحدّاد )) هناك ملاحظتين :
…الأولى : كيف يسمح ويجيز لنفسه قراءة كتب ابن الجوزي – رحمه الله -، وهو يقول عن ابن الجوزي : (( أنه جهمي جلد )) ، في مقدمة كتاب : " المقتنى العاطر " وهو اختصار : " صيد الخاطر " .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ } [ سورة الصف الآية : 2-3 ] . { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ } [ سورة البقرة آية : 44 ].
الثانية : إن كتاب : " صيد الخاطر " من أسوء الكتب، ومن الكتب التي يجب التنبيه عليها، وتحذير الناس -الخاصة والعامة- منها، فكيف تعتني به يا " محمود "، وتضيع وقتك، وتغرر الناس بهذا الكتاب بفعلك هذا، وأنت من أنت الذي اشتهر عنك
…أنك – ويا ليتك كذلك – تحذّر من كتب البدع والمبتدعة ؟ !!؛ فإذا رأى المغرور هذا الكتاب وعليه اسمك أخذه على عماه، وكله ثقة أنه كتاب سنّة وعقيدة، مع أن الكتاب من أوله إلى آخره إنما هو صيد خاطر، اسم على مسماه، ليس فيه قال الله، قال رسوله، قال الصحابة أولوا العرفان .
إن الحدّاد وأتباعه لا يرون الترحُّم على الإمام ابن حجر، والنووي - رحمهما الله -، وأمثالهم .
فهو ينكر على من يقول: الإمام، ويرحمه الله، حيث يقول في ( ص 106 ) من كتاب: " عقيدة أبي حاتم ... " : (( ... حتى صار أئمة أهل البدع يطلق عليهم السني بزعمه ! لقب ( الإمام ) ويردفه : ( رحمه الله ) ! )) ا هـ .
……=
والرجل وأضرابه جرت ألسنتهم على الطعن، والشتم، والبذاءة في العلماء؛ فقد قال عن " علي بن الحسن ابن عساكر " : (( جهمي جلد )) ، راجع : " الجامع في الحث على حفظ العلم " تحقيقه ( ص 212 ) .
…أقول – والحق أقول - : إن الحداد بتنقصه لأهل السنّة، وتطاوله عليهم، أمثال الإمام ابن باز، والعثيمين، والفوزان، وغيرهم ممن يوصون بكتاب " العقيدة الطحاوية " وشرحه، وهمزه للألباني على تخريجه إياه، وطعنه على شيخ الإسلام ابن تيمية؛ كل هذا نابع من غيرته الشديدة – بزعمه – على عقائد المسلمين حتى لا يدخلها شائبة !!، سبحان الله !! .
لم يسلم منه أهل السنة أهل التوحيد، الخُلَّص، وسلم منه أهل البدع والشرك والخرافات، فهل هذه هي الغيرة على عقائد المسلمين لا يلوثها الأئمة الأعلام ؟ !! .
سلم منه (( الإخوان المسلمون )) الذين جابوا البلاد المصرية عرضًا وطولاً، وعاثوا في الأرض فسادًا، فلم نر ولم نسمع أنه تكلم فيهم، ولا أخرج كتاباً عنهم، ولا شارك بمقال في مجلة، ولا في صحيفة، ولم ينكر عليهم طوال إقامته في مصر، أو حتى لما كان بعيداً عنهم – في بلاد الحرمين -، وآمنًا من شرهم على نفسه .
…سلم منه القبوريون، فالأضرحة منتشرة في بلاده، والطواف والتمسح بالقبور أمامه على مرآى منه ومسمع، والاستغاثة بالأولياء – زعموا – لا ينكرها أحد .
سَلِمَ منه الصوفيّة، وأصحاب الموالد!! .
سَلِمَ منه (( حزب التكفير )) والخوارج !.
سَلِمَ منه (( حزب التبليغ )) !! .
سَلِمَ منه ...، و سَلِمَ ...، وسكت عن الجميع ...
ألا يسعه السكوت وإمساك لسانه عن أهل السنّة، الداعين إليها، الذابين عنها، المحذرين من الشرك، والبدع، والمعاصي، المنفِّرين من أهل البدع والأهواء ؟؟ !! .
واستنتاجاً مما سبق نقول : إن الرجل ليس عنده ذب عن السنّة، ولا دفاعٌ عنها، وإنما هو الهوى، وحب الظهور نسأل الله العافية والسلامة .
……=
=…ويعجبني هنا مقولة العلامة المحدث الشيخ : ناصر الدين الألباني، التي كثيرًا ما أسمعها منه : (( حبّ الظهور يقصم الظهور )) .(1/107)
، فهذه طريقة يُقْصد بها الفصل بين العلماء وبين الشباب والمجتمع؛ حتى يتسنى للمفسد زرع شروره، لأنه إذا أسيء الظن بالعلماء فُقدت الثقة بهم، وسنحت الفرصة للمغرضين في بث سمومهم .
وأعتقد أن هذه الفكرة دسيسة دخيلة على هذه البلاد وأهلها من عناصر أجنبية، فيجب على المسلمين الحذر منها .
- - - - -
س 79 : هل من الاجتماع: الاستخفاف بـ(( هيئة كبار العلماء ))، ورًمْيِهِم بالمُداهنة والعَمَالَة ؟ .
جـ / يجب احترام علماء المسلمين، لأنهم ورثة الأنبياء .
والاستخفاف بهم يُعتبر استخفافاً بمقامهم، ووراثتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، واستخفافاً بالعلم الذي يحملونه .
ومن استخفّ بالعلماء استخفّ بغيرهم من المسلمين من باب أولى . فالعلماء يجب احترامهم لعلمهم ولمكانتهم في الأمة، ولمسئوليّتهم التي يتولونها لصالح الإسلام والمسلمين، وإذا لم يوثق بالعلماء فبمن يوثق؟، وإذا ضاعت الثقة بالعلماء فإلى من يرجع المسلمون لحل مشاكلهم، ولبيان الأحكام الشرعية ؟. وحينئذ تضيع الأمة، وتشيع الفوضى .
والعالِم إذا اجتهد وأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، والخطأ مغفور .
وما من أحد استخفّ بالعلماء إلاّ وقد عرّض نفسه للعقوبة (1)
__________
(1) …يقول ابن عساكر - رحمه الله - : (( لحوم العلماء مسمومة وأن هتك الله أستار منتقصهم معلومة فمن ابتلاهم بالثلب ابتلاه الله بالعطب )) .
…وقال : (( إن لحوم العلماء – رحمة الله عليهم – مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والإفتراء مرتع وخيم، والاختلاق على من اختاره الله منهم خُلق ذميم، والاقتداء بما مدح الله به قول المتبعين إلى الاستغفار بمن سبقهم وصف كريم، إذ قال مثنياً عليهم في كتابه - العزيز – وهو بمكارم الأخلاق وضدها عليم : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } (الحشر: 10) . والارتكاب لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الاغتياب وسب الأموات جسيم، { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (النور: 63) )). ا هـ . " تبيين كذب المفتري " : ( 27، 29 ) .(1/108)
، والتاريخ خير شاهد على ذلك قديمًا وحديثًا، ولاسيّما إذا كان هؤلاء العلماء ممن وُكِلَ إليهم النظر في قضايا المسلمين، كالقُضاة، وهيئة كبار العلماء (1)
__________
(1) …وقد ابتلي المسلمون اليوم بفئام من المنتسبين إلى الدعوة، يطعنون في كبار العلماء بعبارات خفيّة، ولكنها لا تخفى على ذوي الألباب .
ولكي يتبيّن الأمر، وينجلي الغبار؛ نذكر بعض مقالات هؤلاء :
يقول صاحب شريط : " حقيقة التَّطَرُّف " :
(( يجب أن يقال للعلماء والدعاة : قوموا أنتم بواجبكم، وخاطبوا جمهور الأمة، وأدّوا دوركم دون أن تنتظروا من أحد أن يأذن لكم بذلك، أو يأمركم به )) .
يقول هذا الكلام بإطلاق ولا يستثنى، وهو يتكلّم في هذه المحاضرة في البلاد السعودية !! . فتأمل – وفقك الله – الكلام ومقصوده .…=
=…ثم يقول – وبهذا الكلام يتضح لك المراد - : (( إن المناصب الرسميّة الدينيّة أصبحت [ حكراً ] على فئات معلومة؛ ممن يجيدون فنّ المداهنة والتلبيس، وأصبح هؤلاء في زعم الأنظمة هم الناطقين الرسميّين باسم الإسلام والمسلمين، مع أنه لا دور لهم إلا في مسألتان :
1- إعلان دخول رمضان وخروجه .
2- الهجوم على من تسميِّهم بالمتطرِّفين )) .
ويقول في شريط " الشريط الإسلامي ماله وما عليه " : (( ما هي قيمة العالم إذا لم يبيّن للناس قضاياهم السياسية، التي هي من أهم القضايا التي يحتاجون إليها )) .
…بهذا الكلام يريد من العلماء أن يشغلوا الناس بالسياسة والأحداث السياسية، والخوض فيما لا يصلح للأمة ولا ينفعها .
إن أهم القضايا هي دعوة الناس إلى التوحيد، وتعليمهم أمور العبادات، وهي التي يحتاج إليها الناس، وليست السياسة الجوفاء التي تدعو إلى الفوضى، وإلى الجهل
…بالدين. وما فائدة السياسة وغالبية المسلمين لا يعرفون من التوحيد شيئاً، ولا من العبادات إلاّ اسمها .
ثم يقول صحاب الشريط : (( أتريد من العالَم أن يبقى محصورًا فقط في أحكام الذبائح، والصيد والنسك، والحيض والنفاس، والوضوء، والغسل، والمسح على الخفين ؟ )) .
وهذا استهجان منه بهذه العبادات ومعرفتها، والتي لا تصح عبادة من أحد حتى يعرف الحكم الشرعي فيها .
وأقول لهذا وأمثاله : لا عليكم، فإن لكم سلف من أمثال : عمرو بن عبيد المعتزلي، الذي كان يسخر من الإمام الحسن البصري – رحمه الله -، ويقول – منفّراً عنه -: ( ما علّمكم الحسن البصري إلا حيضة في خرقة ) .
وهاك أخي نموذجًا آخر :
يقول صاحب شريط : " ففرّوا إلى الله " :
(( أنا أقول كلمتنا للعلماء … لا نضع اللوم دائمًا على جهة معينة …، وخاصة
……=
الذي يعيش معترك معيّن، وظروف معيّنة تحتم عليه مجاملات أو أوضاع صعبة … وعلماؤنا يا أخوان كفاهم كفاهم، لا نبّرر لهم كلّ شيء، لا نقول : إنهم معصومون، كفاهم أنهم أجهدوا أنفسهم في طلب العلم، وأعطونا الفتاوى في عباداتنا، وفي عقائدنا، في معاملاتنا.. لكن نقول : نعم، عندهم تقصير في معرفة الواقع، عندهم أشياء نحن نستكملها …، ليس من فضلنا عليهم، لكن لأنا عشنا الأحداث وهم ما عاشوها، بحكم الزمن الذي عاشوه، أو بأحكام أوضاع أخرى .
أنا أقول : العلماء جزاهم الله خيراً، نحن نتمِّمهم، ونكمّلهم، ونبيّن لهم أمر الواقع …
ومع ذلك أقول : المسئولية الأساسية علينا نحن طلبة العلم في الدرجة الأولى … وبعض هؤلاء العلماء قد بدأ يسلّم الأمر، لأنه – يعني – انتهى في السنّ أو إلى مرحلة … فكِّروا من سيخلفهم، فكِّروا من … ؟ )) . اهـ .
…وهذا هو الذي أسموه (فقه الواقع)، حتى أن أحدهم ألّف كتاباً أسماه ( فقه الواقع )، ولقد انتقده العلامة المحدث : ناصر الدين الألباني في حوار طويل مسجل في شريطين أو أكثر وقد وعد صاحب كتاب " فقه الواقع " الشيخ الألباني في ذلك الحوار أن يعيد طباعة الكتاب بعد حذف ما لاحظه الشيخ عليه؛ ولكن لم ... !! .
وقد أشغلوا الناس به، وما هو إلا فقه الجرائد والمجلات وإذاعة لندن، وغيرها .
راجع الجواب على سؤال ( 3 ) وحاشيته رقم ( 8 ) من هذا الكتاب .
تأمّلوا أيها القُرّاء؛ فإنهم يتكلمون على وَتِيرة واحدة، وبمعنىً واحد، مع أن هذا في الغرب، وذاك في الشمال من البلاد السعودية .
ومثل هذا الصنف كثير، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ويريد هذا – وأمثاله – من المهيّجين السياسيين والمثيرين للفتن أن يخْلُفوا كبار العلماء في بلادنا؛ أمثال الإمام : ابن باز، والعثيمين، والفوزان، واللِّحَيْدان، والغِدَيَّان، وبقيّة إخوانهم !! . فاللهم سلِّم .
وأقول لدعاة ( فقه الواقع ) – زعموا - : من كان أفقه للواقع ؟، ومن كان موفقاً ومصيباً ؟، أأنتم ؟؟ أم هيئة كبار العلماء – حفظهم الله – في حرب…=
=…الخليج، عندما أجازوا الاستعانة بأمريكا وغيرها لصد عدوان الظالم؟، وهل تناسيتم عندما عارضتم قرار الهيئة في كلماتكم ومحاضراتكم الملتوية العبارات، وظننتم أن لا أحد يفهمكم؟.(1/109)
.
س 80 : ما نصيحتكم لمن يقول أن هذه الدولة تحارب الدين وتضيق على الدعاة ؟ .
جـ / الدولة السعودية منذ نشأت وهي تناصر الدين وأهله، وما قامت إلا على هذا الأساس، وما تبذله الآن من مناصرة المسلمين في كل مكان بالمساعدات المالية، وبناء المراكز الإسلامية والمساجد، وإرسال الدعاة، وطبع الكتب وعلى رأسها القرآن الكريم، وفتح المعاهد العلمية، والكليّات الشرعيّة، وتحكيمها للشريعة الإسلامية، وجعل جهة مستقلة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل بلد؛ كل ذلك دليل واضح على مناصرتها للإسلام وأهله؛ وشجى في حلوق أهل النفاق وأهل الشر والشقاق، والله ناصر دينه ولو كره المشركون والمغرضون (1) .
__________
(1) …ومن نعم الله علينا : أنه لا يوجد ضريح يُعبد ولا يقصد من دون الله، كما هو الحال في غير هذه البلاد " السعودية " .
…كما أن هذه الدولة قامت بفتح مراكز للدعوة والإرشاد على طول البلاد وعرضها، وفتحت حلقات لتحفيظ القرآن الكريم في بيوت الله، فلا ينبغي أن تُغمر هذه الجهود، ونلتمس العثرات .
وأما وصف هذه الدولة بأنها تُضيِّق على الدعاة، فنعم !!؛ هي تضيق على دعاة الضلالة والمخالفين لمنهج السلف الصالح، فجزاها الله عنّا وعن الإسلام كل خير .
وإنه من واجب السلطان : أن لا يسمح لكل أحد (( أن يهرف بما لا يعرف )) ، وإلا
……=
=…لفسدت العقائد باختلاف المناهج والمشارب .
فهؤلاء دعاة (( الصوفية ))، وهؤلاء دعاة (( الروافض ))، وهؤلاء دعاة (( التبليغ )) ، وهؤلاء دعاة (( الإخوان المسلمون ))، وهؤلاء دعاة (( السياسة ))، وهؤلاء دعاة (( التكفير ))، وغيرهم ، وغيرهم .
فلو سُمح لهؤلاء وهؤلاء، فماذا عسى أن تكون البلاد ؟؟ .
نسأل الله السلامة والعافية .
أيسُر هؤلاء ما يحدث من فوضى في بعض الدول المجاورة بدعوى حرية الرأي، وحرية الكلمة دون ضوابط شرعية ؟ !! .(1/110)
ولا نقول : إن هذه الدولة كاملة من كل وجه، وليس لها أخطاء، فالأخطاء حاصلة من كل أحد، ونسأل الله أن يعينها على إصلاح الأخطاء .
ولو نظر هذا القائل في نفسه لوجد عنده من الأخطاء ما يقصر لسانه عن الكلام في غيره، ويخجله من النظر إلى الناس – ونحن – إن شاء الله – نبين الحق وليس علينا ضغوط من أحد - ولله الحمد - .
- - - - -
س 81 : بعض الشباب اليوم يفهم معنى قوله تعالى : { وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ } أنهم أولئك الذين يذكرون أخطاء الحكام على المنابر، وأمام الملأ، وفي الأشرطة المسجلة، ويحصرون ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) في ذلك أيضاً، نرجو توجيه أولئك الشباب هداهم الله إلى السلوك الصحيح وتوضيح المعنى الصحيح لهذه الآية، وحكم أولئك الذين يتكلمون في الحكام علناً ؟ .
جـ / يقول الله - سبحانه وتعالى -: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ } (1)، هذه الآية في كل من قاتل المرتدين قال كلمة الحق وجاهد في سبيل الله، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر طاعة لله تعالى، ولم يترك النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله من أجل الناس أو من خشية الناس، ولكن قضية النصيحة والدعوة إلى الله هي كما قال تعالى : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (2) ، والله سبحانه وتعالى قال لموسى وهارون لما أرسلها إلى فرعون : { فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } (3).
__________
(1) … المائدة : 54 .
(2) … النحل : 125 .
(3) … طه : 44 .(1/111)
وقال تعالى في حق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } (1) .
فالنصيحة للحكام تكون بالطرق الكفيلة لوصولها إليهم من غير أن يصاحبها تشهير أو يصاحبها استنفار لعقول الناس السذج والدهماء ، والنصيحة تكون سراً بين الناصح وبين ولي الأمر، إما بالمشافهة، وإما بالكتابة له، وإما أن يتصل به ويبين له هذه الأمور، ويكون ذلك بالرفق، ويكون ذلك بالأدب المطلوب.
أما الذم لولاة الأمور على المنابر، وفي المحاضرات العامة، فهذه ليست نصيحة، هذا تشهير، وهذا زرع للفتنة، والعداوة بين الحكام وشعوبهم، وهذا يترتب عليه أضرار كبيرة، قد يتسلط الولاة على أهل العلم وعلى الدعاة بسبب هذه الأفعال، فهذه تفرز من الشرور ومن المحاذير أكثر مما يظن فيها من الخير.
فلو رأيت على شخص عادي ملاحظة أو وقع في مخالفة ثم ذهبت إلى الملأ وقلت : فلان عمل كذا وكذا لاعتبر هذا من الفضيحة وليس من النصيحة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة ) (2) ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينبه على شيء لا يخص قوماً بأعيانهم بل يقول : ( ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ) (3) ؛ لأن التصريح بالأسماء يفسد أكثر مما يصلح، بل ربما لا يكون فيه صلاح، بل فيه مضاعفة سيئة على الفرد وعلى الجماعة.
وطريق النصيحة معروف، وأهل النصيحة الذين يقومون بها لا بد أن يكونوا على مستوى من العلم والمعرفة، والإدراك والمقارنة بين المضار والمصالح، والنظر في العواقب، ربما يكون إنكار المنكر منكراً كما قال شيخ الإسلام رحمه الله(4)
__________
(1) … آل عمران : 159 .
(2) …مسلم : ( 2699 ) .
(3) … مسلم : ( 1401 ) .
(4) … قال ابن تيمية قيل : (( ليكن أمرك بالمعروف، بالمعروف، ونهيك عن المنكر غير منكر )) .
……=
=…وقال سفيان الثوري : (( لا يأمر بالمعروف ولا ينهي عن المنكر إلا من كان فيه ثلاث خصال : رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهي، عدل بما يأمر، عدل بما ينهي، عالم بما يأمر، عالم بما ينهي )) " رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " لابن تيمية : ( 7، 19 ) .(1/112)
، وذلك إذا أنكر المنكر بطريقة غير شرعية، فإن الإنكار نفسه يكون منكراً لما يولد من الفساد، وكذلك النصيحة بغير الطريقة الشرعية ربما نسميها فضيحة ولا نسميها نصيحة، نسميها تشهيراً، نسميها إثارة، ونسميها زيادة فتنة إذا جاءت بغير الطريق الشرعي المأمور به . - - - - -
س 82 : هل يشترط في القنوت في الصلاة إذن ولي الأمر ؟
جـ / الصلاة عبادة، ولا يجوز إحداث شيء فيها إلى بفتوى من أهل العلم ينظرون فيها ويقدرون متى يجوز القنوت ومتى لا يجوز القنوت ولا تجوز الفوضى في الصلاة .
فإذا صدرت فتوى من أهل العلم؛ بالقنوت، فولي الأمر يعمم هذه الفتوى على الناس، وإذا لم يفتوا، فالإمام لا يقنت .
- - - - -
س 83 : ما حكم الذهاب إلى الجهاد دون موافقة ولي الأمر مع أنه يُغفر للمجاهد من أول قطرة دم، وهل يكون شهيداً ؟ .
جـ / إذا خالف وعصى ولي الأمر (1)
__________
(1) … وفي مثل هذه الحال وحال السؤال الذي قبله وغيرها يلزم المسلم استئذان ولي
……=
=…الأمر، لأنه أعطى البيعة له فكيف يخرج عنه دون إذن .
ولنا في سلفنا الصالح خير قدوة وأسوة .
فقد أورد الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي في كتابه " الحوادث والبدع " (ص 109)، أن : تميماً الداري - رضي الله عنه - قال لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : دعني أدعُ اللهَ وأقصَّ وأذكِّرَ الناس .
قال عمر : لا" .
فإذا كان هذا في مجال الدعوة والوعظ، استئذن تميم - رضي الله عنه - ، ومنع عمر - رضي الله عنه - ، فكيف بما دون ذلك ؟؟ فيكون من باب أولى وألزم .
…وقد قال بعض القوم اليوم - مستنكراً أن يكون القنوت في الصلاة بفتوى من أهل العلم -: حتى القنوت يحتاج إذن من الإمام وإلا نكون من الخوارج، أو نحن خواج … عبارة مثلها .
أقول : وهذا ما هو إلا استهزاء وسخرية بمن يدعو إلى عدم مخالفة ولي الأمر في غير معصية الله، والوقوف عند منعه وإجازته لأنه يعارض بذلك الكتاب والسنة والإجماع، ولو كان عنده علم وتقوى ما قال ذلك .(1/113)
، وعصى والديه يكون عاصياً .
س 84 : هل من كلمة توجيهية قصيرة حول الجماعة، والسمع والطاعة ؟ .
جـ / أمر الله الأمة الإسلامية بالاجتماع على الحق، ونهاها عن التفرّق، والاختلاف؛ فقال الله – تعالى - : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا } (1) .
وقال – تعالى - : { وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (2) .
وأمر سبحانه الأمة بإصلاح ذات بينها عندما يحصل اختلاف؛ فقال-تعالى- : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (3) .
ومن المعلوم أنه لا يمكن أن يتم اجتماع بين المؤمنين، ولا تتكون لهم جماعة؛ إلاّ بوجود قيادة صالحة، تأخذ على الظالم، وتنصف المظلوم، وتدافع عن البلاد، ويرجع إليها في تنفيذ الأحكام الشرعية، وحماية الأمن؛ ولهذا انعقد إجماع أهل السنّة على وجوب تنصيب الإمام (4) .
__________
(1) … آل عمران : 103 .
(2) … آل عمران : 105 .
(3) … الحجرات : 9 – 10 .
(4) … وإن كان السلطان فاسقًا، فإن إقامة حكم الله في الأرض، وتطبيق أحكام الشريعة؛ أحب إلى الله من إهمال الأمر، وترك الناس في هرج ومرج، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( حدٌّ يُعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يُمطروا أربعين صباحًا )) . راجع "الصحيحة" ( 231 ) .(1/114)
ولما تُوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقم الصحابة بتجهيزه - صلى الله عليه وسلم - حتى نصبوا لهم إمامًا يخلف الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ فبايعوا أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - ؛ مما يدلّ على ضرورة هذا الأمر، وعدم التساهل فيه .
- - - - -
س 85 : ما هي أسباب ووسائل الاجتماع ؟ .
جـ / أسباب الاجتماع هي:
أولاً : تصحيح العقيدة، بحيث تكون سليمة من الشرك؛ قال تعالى:
{ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } (1) ؛ لأن العقيدة الصحيحة هي التي تؤلّف بين القلوب، وتزيل الأحقاد، بخلاف ما إذا تعدّدت العقائد، وتنوّعت المعبودات؛ فإن أصحاب كل عقيدة يتحيّزون لعقيدتهم ومعبوداتهم، ويرون بطلان ما عليه غيرهم، ولهذا قال– تعالى - : { أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } (2) .
ولهذا كان العرب في الجاهلية متشتِّتين، مستضعفين في الأرض، فلما دخلوا في الإسلام، وصَحّت عقيدتهم؛ اجتمعت كلمتهم، وتوحّدت دولتهم.
ثانيا: السمع والطاعة لولي أمر المسلمين؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : (( أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، إن أُمِّر عليكم عبد حبشي؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً...)) الحديث (3). لأن معصية وليّ الأمر سبب للاختلاف.
ثالثاً: الرجوع إلى الكتاب والسنة لحسم النزاع، وإنهاء الاختلاف، قال- تعالى- : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } ؛ (4) فلا يرجع إلى آراء الرجال وعاداتهم.
__________
(1) … المؤمنون : 52 .
(2) …يوسف : 39 .
(3) …صحيح: أخرجه أبو داود: (4607)، الترمذي: ( 2776)، والحاكم:( 1/96)، واللفظ له.
(4) …النساء : 59 .(1/115)
رابعاً: القيام بإصلاح ذات البَين عند ما يدبّ نزاع بين الأفراد، أو بين القبائل؛ قال- تعالى-: { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ } (1) .
خامساً: قتال البُغاة والخوارج، الذين يريدون أن يفرقوا كلمة المسلمين؛ إذا كانوا أهل شوكة وقوّة تهدِّد المجتمع المسلم، وتفسد أمنه، قال-تعالى- { فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي } (2)؛ ولهذا قاتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - البغاة والخوارج، وعُدَّ ذلك من أفضل مناقبه- رضي الله عنه وأرضاه-.
- - - - -
س86: من الذي له حق الاجتماع والسمع والطاعة؟.
جـ/ الذي له حق السمع والطاعة على عامة المسلمين هم ولاة الأمور، من: الأمراء والعلماء، في غير معصية الله، قال- تعالى-: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُم } (3)، لِمَا في طاعة ولاة أمور المسلمين من اجتماع الكلمة، وتجنّب الاختلاف.
أما النمّامون والمنافقون فلا تجوز طاعتهم (4)؛ قال تعالى :
__________
(1) …الأنفال : 1 .
(2) …الحجرات : 9.
(3) …النساء : 59.
(4) …وهذه الطاعة تشبه الاتباع للأحزاب السياسيّة، والفِرق الموجودة اليوم، الذين يأخذون البيعة لرؤساء الفِرق والأحزاب، فلا يخرجون عن أوامرهم، ويتركون طاعة السلطان. …
…وهناك من يُرَوّج لهذه البيعات الحزبية البدعية. …=
=…يقول صاحب شريط " الإسلام والحزبية " : (( أما الكلام في البيعة التي عند بعض الجماعات الإسلامية؛ فقد رأيت.... أقرب ما يقال في ذلك- فيما يظهر لي، وهو اجتهاد خاص، لا ألزم به أحداً- الذي أراه: أن أقل أحولها أن تكون مكروهة [ !!ٍ ]، لما فيها من التشبه أو مشابهة النذر[!]، فإنها تشبه النذر. فالذي أراه : أن أقل أحواله أن يكون مكروهاً كراهة تنزيه، قياساً على النذر [ !!!]. هذا ما يظهر لي )) ا هـ .(1/116)
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } الآية (1)، وقال- تعالى- { وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ? } (2) .
- - - - -
س 87: هل من الاجتماع إثارة وشحن الغل والحقد في قلوب العامة نحو ولاة الأمر؟
جـ/ شحن الغل والحقد على ولاة الأمور في قلوب العامة هو من عمل المفسدين والنمّامين؛ الذين يريدون إشاعة الفوضى، وتفكيك المجتمع الإسلامي (3) .
__________
(1) …الأحزاب : 1 .
(2) …القلم : 10-12 .
(3) …وهم المحرضون على الخروج على الحكام، وإن لم يخرجوا، وقد سماهم أهل العلم بـ"القعدية" فهذا ابن حجر- رحمه الله –يعدد الفرق الضالة ويعرفها فيقول : " القعدية": الذين يزينون الخروج على الأئمة ولا يباشرون ذلك. هدي الساري مقدمة فتح الباري: ( ص/ 459)
……=
=…ويقول أيضاً معرفاً " القعدية"،: والقعد الخوارج كانوا لا يُروْنَ بالحرب بل ينكرون على أمراء الجور حسب الطاقة ويدعون إلى رأيهم ويزينون مع ذلك الخروج ويحسنونه.ا هـ . " تهذيب التهذيب" : ( 8/114).
…و " القعدية": فرقة من الخوارج، فلا يظن ظاناً أن الخوارج هم الذين يخرجون بالسيف لقتال الحاكم فقط؛ فتنبه !!!
…يقول ابن حجر- رحمه الله- في " هدي الساري": ( ص 460) - وهو يذكر أسماء بعض الرجال الذين رُموا في عقيدتهم: عمران بن حطان رمي برأي القعدية من الخوارج. اهـ .
و" القعدية " غالباً أخطر من الخوارج أنفسهم؛ إذ أن الكلام وشحن القلوب وإثارة العامة على ولاة الأمر له أبلغ الأثر في النفوس وخاصة إذا خرج من رجل بليغ متكلم يخدع الناس بلسانه وتلبسه بالسّنة.
روى أبو داود في مسائل الإمام أحمد- رحمهم الله – عن عبدالله بن محمد الضعيف - رحمه الله- أنه قال: قعد الخوارج هم أخبث الخوارج. ( ص/ 271) .(1/117)
وقد حاول المنافقون قديماً مثل هذا عندما أرادوا أن يفصلوا المسلمين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفكّكوا المجتمع، وقالوا: { لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا } (1).
فمحاولة الفصل بين الراعي والرعيّة هي من عمل المنافقين، المفسدين في الأرض، الذين قال الله فيهم: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } (2).
والناصح لأئمة المسلمين وعامتهم على العكس من ذلك؛ فهو يسعى
في تحبيب الرُّعاة إلى الرّعية، وتحبيب الرعيّة إلى الرُّعاة، وجمع الكلمة، وتجنّب كل ما يفضي إلى الخلاف.
- - - - -
س 88: ما هو الواجب على الدعاة وطلبة العلم لولاة الأمر؟.
جـ/ الواجب على الدعاة إلى الله - عز وجل -: العمل على جمع كلمة المسلمين، وإبطال خطط الكفّار والمنافقين، الذين يريدون تفكيك المجتمع المسلم، وزرع العداوة والأحقاد بين المسلمين، والفصل بين المسلمين وبين قيادتهم.
ويجب عليهم: حثّ المسلمين على الاجتماع والتآلف،والنصيحة لولاة الأمور (3)
__________
(1) …المنافقون : 7 .
(2) …البقرة : 11 .
(3) …وهذا التوجيه والإرشاد للمجتمع ينبغي أن يكون في خطب الجمع والمحاضرات العامة، حيث يكون الجمع أكثر، والفائدة أعم، بدلاً من الخطب والمحاضرات الحماسية الثورية التي تثير العداوة على ولاة الأمور.
كما ينبغي لهذا التوجيه أن يكون في المدارس على جميع مراحلها، وتربية النشئ على محبة ولاة الأمور واحترامهم، وعدم تنقصهم؛ لأن تنقّصهم يفضي إلى عدم السمع والطاعة بالمعروف، فإذا حدث ذلك، فإن الفوضى تعمّ، والفتنة تَهيج.
فليعلم ذلك الدعاة، وليوجهوا الشباب للوجهة الصحيحة السلمية؛ المستقاة من الكتاب والسنة، على فهم سلف الأمة الصالح.(1/118)
، وإعانتهم على الحق، وإرشادهم إلى الخير؛ فيما بينهم وبينهم، دون تشهير أو تعنيف، قال- تعالى-: { فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } (1) .
س 89: هل البيعة واجبة أم مستحبة أم مباحة؟؛ وما منزلتها من الجماعة والسمع والطاعة؟.
جـ/ تجب البيعة لولي الأمر على السمع والطاعة عند تنصيبه إماماً للمسلمين على الكتاب والسنة (2)؛ والذين يبايعون هم أهل الحل والعقد من العلماء والقادة.
أما غيرهم من بقيّة الرّعية فهم تَبَعٌ لهم، تلزمهم الطاعة بمبايعة هؤلاء، فلا تطلب البيعة من كل أفراد الرعية؛ لأن المسلمين جماعة واحدة، ينوب عنهم قادتهم وعلماؤهم (3)
__________
(1) …طه : 44 .
(2) …قال الشوكاني- رحمه الله-: " من أعظم الأدلة على وجوب نصب الأئمة، وبذل البيعة لهم: ما أخرجه أحمد، والترمذي، وابن خزيمة، وابن حبّان في صحيحه، من حديث الحارث الأشعري، بلفظ: " من مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلية". ثم إن الصحابة لمّا مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدّموا أمر الإمامة ومبايعة الإمام على كل شيء؛ حتى أنهم اشتغلوا بذلك عن تجهيزه - صلى الله عليه وسلم - " . السيل الجرّار ": ( 4/ 504).
(3) …يقول الإمام الشوكاني:" طريقها- أي: البيعة- : أن يجتمع جماعة من أهل الحل والعقد، فيعقدون له البيعة .. وأن المعتبر هو وقوع البيعة له – الإمام – من أهل الحل والعقد، فإنها هي الأمر الذي يجب بعده الطاعة ويثبت به الولاية، وتَحرُم معه المخالفة. وقد قامت على ذلك الأدلة وثبتت به الحجة.
وقد أغنى الله عن النهوض، وتجشُّم السفر، وقطع المفاوز ببيعة من بايع الإمام من أهل الحق والعقد؛ فإنها ثبتت إمامته بذلك، ووجبت على المسلمين طاعته.
…وليس من شرط ثبوت الإمامة: أن يبايعه كل من يصلح للمبايعة، ولا من شرط الطاعة على الرجل أن يكون من جملة المبايعين؛ فإن الاشتراط في الأمرين مردود
=…بإجماع المسلمين أوّلهم وآخرهم، سابقهم ولا حقهم )) .
" السيل الجرّار" : ( 4/511،513).
قد يقول قائل- وقد قيل، وسمعناه من بعضهم هنا وهناك-: إن البيعة لا تنعقد إلاّ للإمام العام للمسلمين جميعاً، كما هو الشأن في زمن الخلافة الراشدة.
فنقول وبالله التوفيق ردًّا على هذه الشُّبهة :
يقول الإمام الشوكاني- رحمه الله تعالى-:" إذا كانت الإمامة الإسلامية مختصة بواحد، والأمور راجعة إليه، مربوطة به ، كما كان في أيام الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ فحكم الشرع في الثاني الذي جاء بعد ثبوت ولاية الأول : أن يقتل إذا لم يتب عن المنازعة.
وأما بعد انتشار الإسلام، واتساع رقعته، وتباعد أطرافه؛ فمعلوم أنه قد صار في كل قطر أو أقطار الولاية إلى إمام أو سلطان، وفي القطر الآخر أو الأقطار كذلك، ولا ينفذ لبعضهم أمر ولا نهي في قطر الآخر وأقطاره التي رجعت إلى ولايته؛ فلا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين، ويجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره و نواهيه؛ وكذلك صاحب القطر الآخر، فإذا قام من ينازعه في القطر الذي قد ثبتت فيه ولا يته ، وبايعه أهله، كان الحكم فيه: أن يقتل إذا لم يتب؛ ولا تجب على أهل القطر الآخر طاعته، ولا الدخول تحت ولايته لتباعد الأقطار.
فاعرف هذا؛ فإنه المناسب للقواعد الشرعية، والمطابق لما تدل عليه الأدلة، ودع عنك ما يقال في مخالفته، فإن الفرق بين ما كانت عليه الولاية الإسلامية في أول الإسلام، وما هي عليه الآن أوضح من شمس النهار، ومن أنكر هذا فهو مباهت،
…لا يستحق أن يخاطب بالحجة لأنه لا يعلقها". انتهى باختصار من " السيل الجرّار": (4/ 512).
وقد ترد شبهة أخرى؛ فيقال: لا تكون الإمامة إلا بالاختيار والرضى من الرعيّة .
فنقول : هذا الكلام لا يَرد إلا من اثنين:
……=
=…إما جاهل بالسنة: فهذا يُبيّن له الأمر، ونسأل الله أن يشرح صدره.
وإما صاحب هوى عرف الحق وعاند: فهذا ليس في مخاطبته حيلة.
وردًّا على هذه الشبهة؛ نقول- وبالله نستعين-: ليعلم الجميع من طلبة العلم وعامة الناس أنّ الخلافة والإمامة تنعقد بأمور:
إما بالاختيار لمن هو أولى وأفضل، كما حدث لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - .
وإما بعهد الأول إلى الثاني، كما عهد أبو بكر إلى عمر رضي الله عنهما.
وإما بالعهد إلى نفر معروفين معيّنين لاختيار واحد منهم، كما عهد عمر - رضي الله عنه - إلى أصحاب الشورى.
ثم لما استشهد عثمان بايعوا عليًّا رضي الله عنهما .
وإما بالغلبة والسيف، كما هو في عهد بني أمية وغيرهم؛ فقد حصلت الخلافة لبني أمية في الأندلس، والخلافة قائمة في بغداد للعباسيين ، والأئمة والعلماء متوافرون، منهم: حميد الطويل، وشعبة بن الحجاج، والثوري ، وحمّاد بن سلمة، وإسماعيل ابن عياش، وابن المبارك، وابن عييينة، ويحي القطان، والليث بن سعد، وغيرهم.
ولم يقل أحد منهم بإبطال قيام خلافة الأندلس، والبيعة لخليفتها.
ولا ننسَ أن لازم هذا المذهب- أي : أن الإمامة لا تكون إلا بالرضى- إبطال لخلافة علي وابنه الحسن رضي الله عنهما، الذي آلت إليه الخلافة بعد مقتل أبيه؛ إذ لم تجتمع جميع الأمة على بيعتهما. فتأمّّل وتدبر !!!.
…يقول الإمام أحمد – إمام أهل السنة: (( أصول السنّة عندنا: التمسّك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والاقتداء بهم.....، والسمع والطاعة للأئمة ... البَرّ
…والفاجر؛ ومن وَلٍٍِِيَ الخلافة فاجتمع الناس عليه ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة ... ماضٍِ، وليس لأحد أن يطعن عليهم، وينازعهم...، ومن خرج على إمام المسلمين- وقد كان الناس اجتمعوا عليه، وأقرُّوا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضى، أو بالغلبة- فقد شقّ هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية )).
……=
=…من كتاب " أصول اعتقاد أهل السنة" للّلالكائي: ( 1/ 156- 161).
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله تعالى-: (( الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان؛ له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا. لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصلح إلا بالإمام الأعظم )). " الدرر السنّية" : ( 7/239).
يقول الإمام عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: ننصح الجميع بلزوم السمع والطاعة ، والحذر من شق العصا والخروج على ولاة الأمور مما يروا من المنكرات العظيمة، لأن هذا من دين الخوارج، وهذا غلط، هذا خلاف ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يجوز لأحد شق العصا، والخروج، والذي يدعو إلى ذلك- الشرع أن – يُقتل والواجب على ولاة الأمور إن عرفوا من يدعو إلى هذا أن يأخذ على يديه بالقوة حتى لا تقع فتنة بين المسلمين.ا هـ. راجع كتاب:" الفتاوى المهمة في تبصير الأمة " .(1/119)
.
هذا ما كان عليه السلف الصالح من هذه الأمة، كما كانت البيعة لأبي بكر - رضي الله عنه - ولغيره من ولاة المسلمين.
وليست البيعة في الإسلام بالطريقة الفوضوية المسمّاة بالانتخابات، التي عليها دول الكفر، ومن قلّدهم من الدول العربية، والتي تقوم على المساومة، والدعايات الكاذبة، وكثيراً ما يذهب ضحيّتها نفوس بريئة.
والبيعة على الطريقة الإسلامية يحصل بها الاجتماع والائتلاف، ويتحقق بها الأمن والاستقرار، دون مزايدات، ومنافسات فوضوية، تكلّف الأمة مشقّة وعنتًا، وسفك دماء، وغير ذلك .
- - - - -
س 90: ما حكم معصية ومخالفة ولاة الأمر فيما ليس بمحرّم ولا معصية؟.
جـ/ حكم مخالفة ومعصية ولاة أمور المسلمين فيما ليس بمحرّم ولا معصية: أن ذلك محرّم، شديد التحريم؛ لأنه معصية لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - (1)
__________
(1) …يقول الإمام: إسماعيل بن يحي المزني في رسالته "شرح السنّة" إلى أهل طرابلس المغرب: (( والطاعة لأولي الأمر فيما كان عندالله – عزّ وجل- مرضيًّا، واجتناب ما كان عند الله مسخطًا )) .
…قد يقول قائل: كيف وإن جاروا، وإن ظلموا، فلن يسعنا السكوت على الظلم والفسق.
فالجواب على ذلك : أن نرد الاختلاف والتنازع إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ قال تعالى-: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول } الآية ؛ فعلى هذا فإن الله- تعالى – أمرنا أن نطيع وليّ الأمر في غير معصية، قال – عز وجل -: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ } ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( بل اسمع وأطع، وإن أكلوا مالك، وضربوا ظهرك )) انظر الفتح : ( 13/8 ) .
يقول شارح" الطحاوية "( ص:381 ) (( وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا: فلأنه يترتّب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جَورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات، ومضاعفة الأجور، فإن الله - تعالى -
…ما سلّطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل. فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل )) .(1/120)
؛ قال- تعالى-: { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ } (1) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( من يطع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني)(2) .
ولِمَا يترتّب على معصية ولاة الأمور من شَقّ العصا، وتفريق الكلمة، واختلاف الأمة، وحدوث الفتن، واختلال الأمن.
ومبايعة وليّ الأمر تقتضي طاعته بالمعروف، ونزع اليد من طاعته يُعتبر خيانة للعهد، وقد قال- تعالى-: { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ } (3)، والغدر بالعهد من صفات المنافقين.
- - - - -
س 91: ما حكم فتح الثغرات على ولاة الأمر، وفتح لِجان ومشاريع لم يأذن بها ولاة الأمر؟.
جـ/ لا يجوز لأحد من الرعيّة أن ينشيء لِجان أو مشاريع تتولّى شيئاً من أمور الأمة إلا بإذن وليّ الأمر؛ لأن هذا يُعتبر خروجاً عن طاعته، وافتئاتاً عليه، واعتداءً على صلاحيته، ويترتّب على ذلك الفوضى، وضياع المسئولية.
- - - - -
س 92: هل من الحكمة رفع المظالم والشكاوي لعامة الناس، وما الطريق الصحيح في ذلك؟.
جـ/ رفع المظالم والشكاوي يجب أن يكون إلى وليّ الأمر، أو نائبه، ورفع ذلك إلى غيره من عامة الناس مخالف لمنهج الإسلام في الحكم والسياسة، ويلزم عليه منازعة وليّ الأمر في صلاحيّاته؛ فلا يجوز لأحد أن ينصِّب نفسه مرجعاً للناس دون وليّ الأمر، لأن هذا من مبادئ الخروج على وليّ الأمر: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً } (4)؛ فلا فوضى في الإسلام، وإنما الفوضى في نظام الكفرة والمنافقين، ونظام الإسلام منضبط-ولله الحمد-.
- - - - -
__________
(1) …النساء : 59 .
(2) …صحيح: أخرجه ابن أبي عاصم في " السنّة": (1065- 1068).
(3) …النحل : 91 .
(4) …النساء : 115 .(1/121)
س 93: هل يمكن الاجتماع مع اختلاف المنهج والعقيدة؟.
جـ/ لا يمكن الاجتماع مع اختلاف المنهج والعقيدة، وخير شاهد
لذلك: واقع العرب قبل بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، حيث كانوا متفرِّقين متناحرين، فلما دخلوا في الإسلام، وتحت راية التوحيد، وصارت عقيدتهم واحدة، ومنهجهم واحداً؛ اجتمعت كلمتهم، وقامت دولتهم، وقد ذكّرهم الله بذلك في قوله تعالى : { وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } (1).
وقال- تعالى- لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: { لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (2)
والله – سبحانه- لا يؤلف بين قلوب الكفرة والمرتدّين والفِرق الضالة
أبداً (3) ، إنما يؤلف الله بين قلوب المؤمنين الموحّدين، قال – تعالى- في الكفّار والمنافقين المخالفين لمنهج الإسلام وعقيدته: { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ } (4).
وقال-تعالى-: { ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك } (5) { إلا من رحم ربك } وهم أهل العقيدة الصحيحة، والمنهج الصحيح؛ فهم الذين يسلمون من الاختلاف.
__________
(1) …آل عمران : 103 .
(2) …الأنفال آية : 63.
(3) …حال الفرق والأحزاب التي على الساحة اليوم- كما يقال- أكبر شاهد ودليل؛ فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب. والقلوب إذا اتفقت وتعارفت فإنها تأتلف، والعكس.
كما جاء الوصف على لسان نبينا - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( الأرواح جنود مجندة؛ فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف )) . البخاري: ( 3158).
(4) …الحشر : 14 .
(5) …هود : 118 .(1/122)
فالذين يحاولون جمع الناس مع فساد العقيدة واختلاف المنهج يحاولون مُحالاً؛ لأن الجمع بين الضدين من المحال.
فلا يؤلّف القلوب، ويجمع الكلمة؛ سوى كلمة التوحيد (1)، إذا
عُرف معناها، وعُمل بمقتضاها ظاهراً وباطناً، لا بمجرّد النطق بها مع مخالفة ما تدلّ عليه؛ فإنها حينئذ لا تنفع.
- - - - -
س 94: هل يمكن الاجتماع مع التحزّب؟. وما هو المنهج الذي يجب الاجتماع عليه؟.
جـ/ لا يمكن الاجتماع مع التحزب؛ لأن الأحزاب أضداد لبعضهم
البعض، والجمع بين الضدين مُحال، والله – تعالى- يقول: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا } (2).
فنهى- سبحانه- عن التفرّق، وأمر بالاجتماع في حزب واحد؛ وهو حزب الله: { أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (3) .
وقال- تعالى-: { وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } (4) .
فالأحزاب والفِرق والجماعات المختلفة ليست من الإسلام في شيء، قال- تعالى- : { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } (5).
__________
(1) …الذين يحاولون جمع الناس مع فساد العقيدة واختلاف المنهج، على سبيل المثال لا الحصر في عصرنا هذا: ( فرقة الإخوان المسلمون)، فإنها تضم في صفوفها: الرافضي، والجهمي، والأشعري، والخارجي، والمعتزلي، وكذا النصراني؛ فلا تنسَ ذلك.
وقد سبق وأن قرأتَ أيها القاريء الكريم في ثنايا هذا الكتاب أقوال بعض أهل العلم عن فرقة " الإخوان المسلمون " ؛ بأنهم لا يهتمون بالدعوة إلى التوحيد، ولا يحذرون من الشرك. …=
=…وهذه الصفة من مزايا( فرقة التبليغ )_ أيضاً-، وليست ( الإخوانية، والإخوانية القطبية) منها ببعيد.
(2) …آل عمران : 103 .
(3) …المجادلة : 22.
(4) …المؤمنون : 52.
(5) …الأنعام : 159.(1/123)
ولَمَّا أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فِرقة قال: ( كلها في النار إلا واحدة)، وقال: ( من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) (1).
فليس هناك فرقة ناجية إلاّ هذه الواحدة، التي منهجها: ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ وما سوى ذلك فهو يفرّق ولا يجمع، قال- تعالى-: { وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ } (2).
يقول الإمام مالك- رحمه الله-: " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها". (3)
وقال-تعالى-: { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ } (4) فليس لنا إلاّ الاجتماع على منهج السلف الصالح.
- - - - -
س95 : هل تجوز العمليات الانتحارية وهل هناك شروط لصحة هذا العمل؟
جـ/ لا حول ولا قوة إلابالله، لماذا الانتحار (5) والله جل وعلا
__________
(1) …سبق تخريجه، رقم ( 12، 139).
(2) …البقرة : 138.
(3) …هذا الأثر جاء عن وهب بن كيسان والراوي عنه الإمام مالك، انظر " التمهيد" : ( 23/10) ، وقد فاتني تخريجه (39).
(4) …التوبة : 100.
(5) … قال المحدّث الألباني – رحمه الله- : العمليات الانتحارية في الزمن الحاضر الآن،
……=
=…كلها غير مشروعة، وكلها محرمة، وقد تكون من الأنواع الذي يُخلِّد صاحبها في النار، أما أن تكون عمليات الانتحار قربة يتقرب بها إلى الله....... هذه العمليات الانتحارية ليست إسلامية إطلاقاً.
…وقال العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله-: أما ما يفعله بعض الناس من الانتحار، بحيث يحمل آلات متفجرة ويتقدم بها إلى الكفار ثم يفجرها إذا كان بينهم، فإن هذا من قتل النفس والعياذ بالله . انظر كتاب : " الفتاوى المهمة في تبصير الأمة " .(1/124)
يقول: { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً } (1) فلا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه بل يحافظ على نفسه غاية المحافظة ولا يمنع من ذلك أن يجاهد في سبيل الله ويقاتل في سبيل الله... ولا يحكم لكل من قتل نفسه أو قتل بأنه شهيد.
في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الغزوات كان أحد الشجعان يقاتل في سبيل الله، فقام الناس يثنون عليه يقولون ما أبلى منا أحد مثل ما أبلى فلان، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هو في النار)) فصعب ذلك على الصحابة كيف هذا الإنسان الذي يقاتل ولا يترك أحداً من الكفار إلا تبعه وقتله يكون في النار. فتبعه رجل وراقبه وتتبعه بعد ما جرح ثم في النهاية رآه وضع غمد السيف على الأرض ورفع ذبابته إلى أعلى ثم تحامل عليه وقتل نفسه.
فقال الصحابي صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأن الرسول لا ينطق عن
الهوى (2) .
لماذا دخل النار مع هذا العمل، لأنه قتل نفسه ولم يصبر. فلا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه ولا يقدم على شيء فيه قتل نفسه؛ إلا إذا كان ذلك في حال الجهاد مع ولي أمر المسلمين وكانت المصلحة راجحة على مفسدة تعريض نفسه للقتل .
- - - - -
س 96 : هل القيام بالاغتيالات وعمل التفجيرات في المنشآت الحكومية في بلاد الكفار ضرورة وعمل جهادي؟
جـ / الاغتيالات والتخريب، أمر لا يجوز. لأنه يجر على المسلمين شراً، ويجر على المسلمين تقتيلاً وتشريداً، إنما المشروع مع الكفار الجهاد في سبيل الله ومقابلتهم في المعارك إذا كان عند المسلمين استطاعة يجهزون الجيوش ويغزون الكفار ويقاتلوهم كما فعل النبي- صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) …النساء : 29 – 30 .
(2) …الحديث في البخاري: (2742 ، 3966) وقد ساقه الشيخ - حفظه الله - بمعناه .(1/125)
أما التخريب والاغتيالات فإنها تجر على المسلمين شراً. (1)
والرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما كان في مكة قبل الهجرة كان مأموراً بكف اليد. { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } (2)
كان مأموراً بكف اليد عن قتال الكفار، لأن المسلمين ما عندهم استطاعة في قتال الكفار ولو قتلوا أحداً من الكفار لقتلهم الكفار عن آخرهم واستأصلوهم عن آخرهم، لأنهم أقوى من المسلمين، وهم تحت وطأتهم وشوكتهم.
مثل ما تشاهدون الآن وتسمعون. الاغتيالات والتفجيرات ليست من أمور الدعوة ولا من الجهاد في سبيل الله.
هذا يجلب على المسلمين شرًا كما هو حاصل اليوم .
فلما هاجر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأصبح عنده جيش وعنده أنصار، حينئذٍ أُمر بجهاد الكفار .
والرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة – رضي الله عنهم – يوم أن كانوا في مكة هل كانوا يخربون ممتلكات الكفار أو يغتالونهم .
هل كانوا يخربون أموال الكفار وهم في مكة ؟ أبدًا . كانوا منهيين عن ذلك .
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مأمور بالدعوة والبلاغ، أما النِزال والقتال فهذا إنما كان في المدينة لما صار للإسلام دولة .
- - - - -
__________
(1) …(( هذه الاغتيالات من الفتن والمصائب، وهذه إنما نشأت من الجهل، الإسلام لم يأت بالاغتيالات، جاء للدعوة إلى الله وتبيين الحق و تحذير الناس، أما أن يعتقد أن هذا كافر فيجب أن أقتله، هذه أمور إنما يرتكبها أناس قصر علمهم وقلت معرفتهم، وضعف فقههم في دين الله، فيعجزوا عن الدعوة إلى الله تعالى، فاتخذوا تلك الوسائل لتنفيذ أمورهم، وأعمالهم، هذه إنما هي خدمة لغيرهم ولتحقيق أهداف غيرهم )). من كلام سماحة المفتي العام الشيخ / عبدالعزيز آل الشيخ .
من كتاب : " الفتاوي المهمة في تبصير الأمة".
(2) …النساء : 77 .(1/126)
س 97 : ما حكم من يُنزِّل حديث الصعب بن جثامة في قتل الأبرياء وتفجير المنشآت من أجل ترهيب الكفار وتخويفهم والانتقام لما يحدث للمسلمين من شر بسببهم ؟ .
جـ / تدمير ممتلكات الكفار وهدم حصونهم مع ما قد يترتب عليه من قتل الصبيان والأطفال هذا إنما هو في الجهاد (1) .
ليس لكل واحد من الأفراد أن يذهب ويخرب بدون جهاد وبدون أمر ولي الأمر، هذا لا يجوز، هذا يجر على المسلمين شروراً وليس له نتيجة في النهاية إلا الشر على المسلمين فهناك فرق بين التخريب والاغتيالات، وبين الجهاد في سبيل الله بقيادة وراية من رايات المسلمين، وجيش من جيوش المسلمين، فيه فرق بين هذا وهذا، فلا يخلط بين الحق وبين الباطل .
- - - - -
س 98 : هل من وسائل الدعوة القيام بالمظاهرات لحل مشاكل ومآسي الأمة الإسلامية ؟ .
جـ / ديننا ليس دين فوضى، ديننا دين انضباط، دين نظام، ودين
سكينة . والمظاهرات ليست من أعمال المسلمين و ماكان المسلمون يعرفونها ودين الإسلام دين هدوء ودين رحمة لا فوضى فيه ولا تشويش ولا إثارة فتن، هذا هو دين الإسلام .
والحقوق يتوصل إليها دون هذه الطريقة. بالمطالبة الشرعية، والطرق الشرعية .
__________
(1) …حديث الصعب بن جثامة - رضي الله عنه - قال : قلت ثم يا رسول الله إنا نصيب في البيات من ذراري المشركين قال - صلى الله عليه وسلم - : ( هم منهم ) .
وفي رواية : قيل له : لو أن خيلاً أغارت من الليل فأصابت من أبناء المشركين، قال: - صلى الله عليه وسلم - ( هم من آبائهم ) . مسلم : ( 1745 ) وانظر ابن ماجة : ( 2840 ) .
…فأين الاستشهاد بجواز الاغتيالات في حال السِّلْم والأمان كما بين الشيخ – حفظه الله -، إلاّ أن يكون الفقه المنكوس أو الجهل المطبق .(1/127)
هذه المظاهرات تحدث فتناً كثيرة، تحدث سفك دماء، وتحدث تخريب أموال، فلا تجوز هذه الأمور (1)
__________
(1) …لقد كان لتأييد وتشجيع بعض المتحمسين المشهورين بالتهييج والإثارة، الأثر الكبير لدعم المظاهرات في الجزائر .
…يقول صاحب شريط " شرح الطحاوية " رقم ( 185/2 ) في معرض ثنائه على موقف " جبهة الإنقاذ " بالجزائر – بل هي جبهة الدمار للإسلام - :
[ لمّا الدعاة والمشايخ قالوا نطلع مسيرة، طلع ثلاثة مليون ناس قالوا أخرجوا يريدون حكم الله، أخرجوا ... خرجوا النساء سبعمائة ألف خرجن يقولوا احكمونا بالقرآن نريد الحجاب الغوا الاختلاط ] .
{ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (البقرة:111) سمي لنا هؤلاء الدعاة والمشايخ الذين أذنوا بخروج هؤلاء النسوة في المظاهرات، حتى نتعرف على هويتهم، ونحْذرهم، ونُحذر منهم. لأنهم دعاة فتنة وبلاء .
واسمعوا إلى الآخر وهو يقول في خطبة جمعة :
[ والذي نفسي بيده لقد خرج في الجزائر في يوم واحد سبعمائة ألف امرأة مسلمة متحجبة يطالبن بتحكيم شرع الله ] انظر كتاب " مدارك النظر .. " ص: ( 476 ) ولا شك أن هذا الكلام في سياق الموافقة والرضى والدعم . وإلا فأين الإنكار ؟ .
…أقول: كيف تم لكم إحصاء هذه الآلاف المؤلفة والملايين من البشر ؟!
……=
=…وأين تذهب من الله في هذا القسم المغلظ ؟؟
كيف تُقرون خروج النساء ؟!
كيف تقرون الضوضاء والفتنة للمسلمين ؟!
وأنتم الدعاة والمربون والموجهون العارفون بالواقع !! زعماً .
أما تقرؤون قول الله تعالى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى } .
والرد على هؤلاء وأمثالهم يأتي بقاصمة الظهر من العلم الشامخ العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – مختصرًا من " جريدة المسلمون " العدد : ( 540 ) في 11/1/1416هـ حيث قال : (( إن الذين قتلوا من الجزائريين خلال ثلاث سنوات ... عدد كبير خسرهم المسلمون من أجل إحداث مثل هذه الفوضى ...
…الواجب علينا أن ننصح بقدر المستطاع ... وقد علمتُم الآن أن هذه الأمور لا تمت إلى الشريعة بصلة ولا إلى الإصلاح بصلة، ولا نؤيد المظاهرات أو الاعتصامات أو ما أشبه ذلك، لا نؤيدها إطلاقاً، ويمكن الإصلاح بدونها، لكن لا بد أنّ هناك أصابع خفية داخلية أو خارجية تحاول بث مثل هذه الأمور )) ا هـ .
ألا يكون كلام القوم من الأصابع الخفية ؟؟ .
يلاحظ أن فتوى الشيخ العثيمين – رحمه الله – كانت بعد تأييد وتهييج المشار إليهما، إذ أن كلامهما في تأييد المظاهرات في الجزائر كان سنة 1411هـ، ولم نعرف لهما تراجع في ذلك لا من قريب ولا من بعيد .
فأي الفريقين أعلم بـ (( فقه الواقع )) كما يدندنون حوله ؟ أهم المهيجون المتحمسون أم الراسخون في العلم ؟!
كيف بهما وأمثالهما إذ وقفوا في عرصات يوم القيامة والناس من ورائهم، يسألون الله القصاص منهم، وقد حملوا أوزار كل من تأثر بأقوالهم واندفع وراء فتاويهم .
…قال - صلى الله عليه وسلم - : (( من دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص من آثامهم شيئاً )) جزء من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند " مسلم " (6745) وغيره.(1/128)
.
س 99 : هناك من يرى إذا نزلت نازلة أو مصيبة وقعت في الأمة يبدأ يدعو إلى الإعتصامات والمظاهرات ضد الحكام والعلماء لكي يستجيبوا تحت هذا الضغط، فما رأيكم في هذه الوسيلة ؟ .
جـ / الضرر لا يُزال بالضرر، فإذا حدث حادثة فيها ضرر أو منكر فليس الحل أن تكون مظاهرات أو اعتصامات أو تخريب، هذا ليس حلاً، هذا زيادة شر، لكن الحل مراجعة المسئولين ومناصحتهم وبيان الواجب عليهم لعلهم يزيلوا هذا الضرر، فإن أزالوه وإلا وجب الصبر عليه تفادياً لضرر أعظم منه .
- - - - -
س 100 : بعض الناس يبدّع بعض الأئمة كابن حجر، والنووي، وابن حزم، والشوكاني، والبيهقي، فهل قولهم هذا صحيح ؟ .
جـ / لهؤلاء الأئمة من الفضائل، والعلم الغزيز، والإفادة للناس، والاجتهاد في حفظ السنّة ونشرها، والمؤلفات العظيمة؛ ما يغطي ماعندهم من أخطاء، رحمهم الله – تعالى - .
وهذه الأمور ننصح طالب العلم أن لا يشتغل بها، لأنه يُحرم العلم والذي يتتبع هذه الأمور على الأئمة سيُحرم من طلب العلم، فيصير مشغولاً بالفتنة، ومحبة النزاع بين الناس (1)
__________
(1) …لقد نبتت نابتة تدِّعي السلفية، والسلفية منهم براء، وتتمثل في قائدها "محمود الحدّاد" – الذي سبق ذكره -، فأصبح همّهم : التنقيب عن هفوات الأئمة الكبار
……=
=… الأعلام، والمحدثين المحققين .
نعم، لقد وقع ابن حجر والنووي في بعض أخطاء الأشعرية، ونَبَّه عن ذلك العلماء، وتعليقات الإمام ابن باز على " فتح الباري " معروفة مشهورة، ولكن لا نجعل من هذه الأخطاء مجالاً للتشهير بهم، وابتداء المجالس بذمهم، مع أنهم لم يكن ديدنهم الدعوة إلى البدعة، بل إنهم نصروا السنّة، وحققوا المسائل بالدليل، فلا يقاسون بأهل البدع، الداعين إليها، المخالفين لمنهج السلف قلبًا وقالبًا .
…ومع هذا فإننا نقول – وسبق أن قلنا مثل هذا -: إن الخطأ والمخالفة لا يُسكت عنها، بل تُبين حسب مقتضى الحال والمقام .
ومع هذا فإن الترحم على أهل البدع جائز، ما داموا في دائرة الإسلام، ولا دليل على المنع .
…وقد أثنى العلماء على ابن حجر، والنووي، وكتابيهما " الفتح " و " شرح مسلم "، وهي من الكتب المعتبرة عند أهل السنة، واعتمدوا أقوالهما المصيبة للحق، وهي كثيرة، وتجنّبوا أخطاءهما .
قال الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب : (( ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة المعتبرة ...، وعلى فهم الحديث بشروح الأئمة المبرزين كالعسقلاني، والقسطلاني على البخاري، والنووي على مسلم )) ، وقال : (( ولله در النووي في جمعه كتاب " الأذكار " )) ." الدرر السنية " : ( 1/127، 133 ) .
…يقول العلامة المحدث السلفي الشيخ الألباني – رحمه الله - : (( ومثل النووي وابن حجر العسقلاني وأمثالهم؛ من الظلم أن يقال عنهم : من أهل البدع، أنا أعرف أنهما من الأشاعرة، لكنهم ما قصدوا مخالفة الكتاب والسنة، وإنما وهموا وظنوا أنما ورثوه من العقيدة الأشعرية ظنوا شيئين اثنين :
أولاً : أن الإمام الأشعري يقول ذلك، وهو لا يقول ذلك إلاّ قديماً .
وثانياً : توهموه صوابًا، وليس بصواب )) انتهى من شريط : " من هو الكافر ومن هو المبتدع " .
……=
=…فإن قيل : لماذا يُعتذر عن النووي وابن حجر، وما صدر منهما من تأويل، ولا يُعتذر عن ( سيد قطب ) و ( البنا ) و ( المودودي ) وأمثالهم ؟
فالجواب من وجهين :
الأول : أن هناك فارقًا كبيرًا بين الصنفين؛ فإن لدى النووي وابن حجر من الرصيد العلمي، ونفع المسلمين؛ ما يغطي ما حصل منهما من خطأ، وقد بَيَّنه أهل العلم، وحذّروا منه؛ فالخطر قد زال بهذا التنبيه.
أما ( سيد ) و ( البنا ) ... فليس لهما رصيد علمي ولا عملي، ولا نفع للمسلمين مثل ما للنووي وابن حجر، وغيرهما من الأئمة الكبار .
…الوجه الآخر : أن النووي وابن حجر لم يدعُوَا إلى أخطائهما، ولم يدعُوَا إلى تحزّب، وتكفير المجتمعات، وتوحيد الصف بين الرافضة، والنصارى، والمجوس، والفِرَق الضالة من جهة، وبين المسلمين، ولم يتضرر من أخطائهما المجتمع.
بعكس ( سيد قطب ) و ( البنا ) وغيرهما – من أضرابهما - ؛ فإنهم لا يرون فرقًا بين العقائد الباطلة الفاسدة، بل الكافرة، وبين العقيدة الصحيحة السليمة، ولا يرون التفريق بين الرافضي والنصراني وغيرهم، وبين المسلم، وقد أضرّوا بالمسلمين ولم يصلحوا؛ فقد تعصّب الكثير لآرائهم المخالفة للكتاب والسنة، وعادوا أهل السنة، وهذا من أعظم الأضرار وأقبحها.و
أخيراً: من ذا الذي يستغني عن كتب ابن حجر والنووي ؟! .(1/129)
، نوصي الجميع بطلب العلم
والحرص على ذلك، والاشتغال به عن الأمور التي لا فائدة منها .
والنووي، وابن حزم، وابن حجر، والشوكاني، والبيهقي؛ هؤلاء أئمة كبار، محل ثقة عند أهل العلم، ولهم من المؤلفات العظيمة، والمراجع الإسلامية- التي يرجع إليها المسلمون – ما يغطي أخطاءهم وزلاتهم، رحمهم الله - تعالى - .
ولكن أنت يا مسكين ماذا عندك ؟، يا من تتلمس وتتجسس على ابن حجر وابن حزم، ومن ذُكِر معهما، ماذا نفعت المسلمين به ؟؟ .
ماذا جمعت من العلم ؟؟ هل تعرف ما يعرفه ابن حجر والنووي ؟؟ .
هل قدمت للمسلمين ما قدم ابن حزم والبيهقي ؟؟ .
سبحان الله !!! . رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه . قل علمُك فتجرأت، وقل ورعك فتكلمت .
- - - - -
س 101 : أرجو أن تبين لنا القول في علماء المدينة وأعني بهم من يدعون بالسلفيين، فهل هم على صواب فيما يفعلون، أوضح لنا الحق في هذه المسألة ؟
جـ / علماء المدينة(1)، أنا ما أعرف عنهم إلاّ الخير، وأنهم أرادوا أن يبينوا للناس الأخطاء التي وقع فيها بعض المؤلفين أو بعض الأشخاص، من أجل النصيحة للناس . وما كذبوا على أحد وإنما ينقلون الكلام بنصه موثقاً بالصفحة والجزء والسطر. ارجعوا إلى ما نقلوه، فإن كانوا كاذبين بينوا لنا جزاكم الله خيراً، نحن ما نرضى بالكذب راجعوا كتبهم انقدوها، هاتوا لي نقلاً واحداً كذبوا فيه أو قصروا فيه وأنا معكم على هذا.
__________
(1) …المقصود بِهم كلاًّ من المشايخ: محمد أمان الجامي- رحمه الله - ، وربيع بن هادي المدخلي، وعبيد الجابري، وعلي الفقيهي، وصالح السحيمي، ومحمد ابن هادي – حفظهم الله - ، والذين لهم الفضل بعد الله - سبحانه وتعالى - في تبصير الكثيرين من طلبة العلم بحال فرقة " الإخوان المسلمين" والرد على قياداتِهم هنا وهناك .(1/130)
أما أن تقولوا للناس اسكتوا واتركوا الباطل ولا تردوا عليه ولا تبينوا؛ هذا غير صحيح، هذا كتمان للحق، الله جل وعلا يقول : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ } (1).
قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ } (2).
نحن نرى الأخطاء ونسكت، ونترك الناس يهيمون ؟؛ لا . هذا ما يجوز أبدًا. يجب أن نبين الحق من الباطل رضي من رضى وسخط من سخط .
- - - - -
س 102 : لقد ذكر السلف القصّاص وذمّوهم، فما هي طريقتهم، وما موقفنا تجاههم ؟ .
جـ / حَذَّر السلف – رحمهم الله – من القصّاص (3)
__________
(1) …آل عمران : 187 .
(2) …البقرة : 159 .
(3) …كان السلف الصالح أشد الناس ذمًا للقصّاص وكرهًا لهم .
…قال أبو إدريس الخولاني : (( لأن أرى في ناحية المسجد نارًا تتأجج أحبُّ إليّ من أن أرى في ناحية المسجد قاصّاً يقص )) .
وقال مالك : (( وإني لأكره القصص في المساجد )) .
وقال – أيضًا -: (( ولا أرى أن يُجلس إليهم، وإن القصص لبدعة )).
قال سالم : (( وكان ابن عمر يُلقى خارجًا من المسجد، فيقول : ما أخرجني إلاّ صوت قاصكم هذا )) راجع كتاب الحوادث والبدع: ( 190 ) .
قلت : لأنهم في الغالب يلهون الناس عن تعلم العلم النافع بالقصص الكاذبة غالباً .
……=
=…قيل لابن سيرين : لو قصصت على إخوانك ؟،فقال :(( قد قيل: لا يتكلم على الناس إلاّ أمير أو مأمور أو أحمق !،ولست بأمير ولا مأمور وأكره أن أكون الثالث )) .
قال ضمرة : قلت للثوري : نستقبل القاص برجوهنا ؟، قال : (( ولُّوا البدع ظهوركم )) .
ولما دخل سليمان بن مِهران الأعمش البصرة، نظر إلى قاص يقص في المسجد، فقال: حدَّثنا الأعمش عن أبي إسحاق، وحدَّثنا الأعمش عن أبي وائل ... فتوسط الأعمش الحلْقَة، ورفع يديه، وجعل ينتف شعر إبطيه، فقال له القاص : يا شيخ ! ألا تستحي ؟، نحن في علم وأنت تفعل هذا؟، فقال الأعمش : (( الذي أنا فيه خير من الذي أنت فيه )) ، قال : كيف ذلك؟، قال : (( لأني في سُنَّة، وأنت في كذب،
…أنا الأعمش، وما حدّثتك مما تقول شيئًأ !! )) ، فلما سمع الناس ما ذكر الأعمش، انفضوا عن القاص، واجتمعوا حوله، وقالوا : حدِّثْنا يا أبا محمد .
…كتاب : " الحوادث والبدع " : ( 111 – 112 ) .
…والآثار في ذلك كثيرة جدًا، ولو استرسلت في النقل لطال المقام، فراجع في ذلك كتاب : " المذكر والتذكير والذكر "، و" القصّاص والمذكرين "، و" تحذير الخواص من أكاذيب القصّاص "، و " تاريخ القصّاص "، وغيرها .(1/131)
؛ لأنهم في
الغالب يتوخون في كلامهم ما يؤثر على الناس من القصص والآثار التي لم تصح، ولا يعتمدون على الدليل الصحيح (1)، ولا يُعنَوْنَ في تعليم الناس أحكام دينهم وأمور عقيدتهم، لأنهم ليس عندهم فقه (2)
__________
(1) …قال الإمام أحمد بن حنبل : (( أكذب الناس القصّاص والسّؤال، وما أحوج الناس إلى قاص صدوق، لأنهم يذكرون الموت وعذاب القبر )) .
…كتاب : " الحوادث والبدع " للطرطوشي : ( 112 ) .
(2) …قال الدكتور محمد الصبّاغ في كتابه : " تاريخ القصاص " – نقلاً عن محقق كتاب : " المذكر والتذكير والذكر " ( ص 30 ) – بتصرًّف :
……=
=…(( وقد يظن ظان أن موضوع إفساد القصّاص لم يعد موجودًا الآن، وإنما هو أمر تاريخي بحت، لا يتصل اليوم بواقع الحياة والناس .
وهذا ظن خاطيء، بعيد عن الصواب، ذلك لأن هؤلاء القصّاص ما زالوا – مع الأسف – موجودين بأسماء أخرى، يعيثون في الأرض فسادًا.
ولئن كان المخادعون الدجّالون يظهرون تحت عنوان ( القصّاص ) فيما مضى، فإنهم يظهرون في أيامنا هذه تحت عنوان ( الداعية )، و ( الموجّه )، و ( المربّي )، و ( الأستاذ )، و ( الكاتب )، و ( المفكر ) ... وما إلى ذلك من الألقاب الرنّانة، ويبدو أن المجاملة التي ليست في محلها ساهمت في تأخير كشف حقيقة هذا النفر ...
…فما يزال كثير من الناس لا يعرفون هؤلاء القوم على حقيقتهم، ويخلطون بين هؤلاء الجهّال وبين الدعاة إلى الله الواعين الصادقين )) ا هـ .
(( وقد تستّر بعض هؤلاء القصّاص المعاصرين تحت شعار الدعوة إلى الله وفي سبيله – وما أكثرهم في عصرنا هذا -، فقلّ أن تجد مصرًا إلاّ وقد حلوا فيه، وراجت فيه
…أكاذيبهم وبدعهم على خلق غفير من عامة الناس؛ فأكثر كلامهم اليوم عن القصص، وضرب الأمثال السخيفة – التي يبادر كل فرد منهم إلى حفظ أكبر قدر منها، وكأنها آيات وأحاديث -، وخوض في الفضائل والزهد على غير أساس سليم، حتى إنك لتجد بينهم من يحرف نصوص القرآن والسنّة عن مواضعها ليؤيد بها باطله الذي أتى به )) .
قال : (( ومنهم من يحث الناس على الزهد وقيام الليل – وهو أمر حسن -، ولا يُبين للعامة المقصود، فربما تاب الرجل من المعاصي والذنوب، وانقطع إلى زاوية يتلقَّف قلبه البدع والخرافات، أو حبَّبوا إليه الخروج من قطر إلى قطر، والترحال من بلد إلى آخر، ويرون الترحال في الدعوة إلى منهجهم واجبًا متحتمًا على كل فرد منهم حتى تزكو نفسه، ويصفو قلبه من الشهوات- حسب زعمهم -؛ فيركن إلى التواكل- لا التوكل -، وترك الأخذ بالأسباب، فكم منهم من ترك أهله لا شيء لهم، ولا من يقوم بمصالحهم، وحوائجهم!،بل كم منهم من فسدت أسرته ! .
ولا تجد منهم من يرشد الناس إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، ونبذ الشرك والتحذير
……=
=…منه، ومن دعاته، لأنّ هذا لا يُعدُّ من أسس دعوتهم ومنهجهم .
هذا حال طائفة من القصّاص المعاصرين )) .
قلت : وهذا ينطبق على (( فرقة التبليغ )) والويل لك إن تكلمت عندهم عن التوحيد، ونبذ الشرك والبدع .
(( وثَمَّة طوائف أخرى لا تقل عنها خطراً وضرراً، لبسوا حُلة الخطابة والدعوة إلى الله، فرقى الكثير منهم المنابر، وعقدت لهم الندوات والمجالس، ولا ديدن لهم إلا
…الصراخ، والتهويل، والقصص التي تَمُجُّها الأسماع السليمة، وسرد الآيات في غير مواضعها، وذكر للأحاديث المكذوبة والواهية، وتحلية المجالس بالحكايات، والإسرائيليات، والرؤى، وبناء الأحكام عليها )) .
قلت : وهذا ينطبق على (( الصوفيّة )) ، وعن الصوفية فلا تسأل !! .
…(( ومنهم من تصدى للدعوة إلى الله عن طريق تسطير المسرحيّات!، بل والأناشيد الإسلامية – زعموا -، والموشحات المخالفة للسنّة!، فليس في دين الله مسرحيّات، بله الأناشيد، ولا يغرنك إضافة لفظ ( إسلامية ) لها، فكل هذه منحولة من الغرب، والروافض، والمتصوفة المارقين عن السنّة وأهلها، فالله المستعان )) .
قلت : وهذا الوصف ينطبق على فرقة (( الإخوان المسلمون )) ، أنصار حسن البنا، وعن الإخوان المسلمين وأفاعيلهم حدِّث ولا حرج .
(( ومع هذا كله نجد بعض أهل العلم قد سكتوا عنهم، بل ووقع البعض في مجاملتهم في باطلهم هذا، فكان هذا من أبرز الأمور التي ساهمت في انتشار دعواتهم الباطلة، ورواجها بين عامة الناس )) .
انتهى من كلام أخينا الفاضل خالد الردادي محقق كتاب : " المذكر والتذكير والذكر " ص ( 30-31 ) حفظه الله .(1/132)
، ويمثلهم في وقتنا
الحاضر :جماعة التبليغ بمنهجهم المعروف، مع ما عندهم من تصوف وخرافة .
وكذلك هم – القصاص – في الغالب يعتمدون على نصوص الوعيد، فيُقنّطوا الناس من رحمة الله – تعالى - .
س 103 : ما وجه نسبة الجماعات الموجودة اليوم إلى الإسلام أو وصفهم بالإسلامية، وصحة إطلاق لفظ الجماعات عليهم، وإنما هي جماعة واحدة كما في حديث حذيفة - رضي الله عنه -؟
جـ / الجماعات فرق توجد في كل زمان، وليس هذا الأمر بغريب،
قال - صلى الله عليه وسلم - : ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة ) (1) .
فوجود الجماعات، ووجود الفرق هذا أمر معروف، وأخبرنا عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : ( من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ) (2).
ولكن الجماعة التي يجب السير معها والاقتداء بها والانضمام إليها هي جماعة أهل السنة والجماعة، الفرقة الناجية، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما بين هذه الفرق قال :( كلها في النار إلا واحدة. قالو : ومن هي ؟ قال : ما أنا عليه وأصحابي ). هذا هو الضابط فالجماعات إنما يجب الاعتبار بمن كان منها على ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من السلف الصالح (3).
والله تعالى يقول : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
__________
(1) … الحاكم : ( 1/129 ) وقد سبق تخريجه ( 12، 139 ) .
(2) … أحمد : ( 4/126 ) وقد سبق تخريجه ( 10، 173 ) .
(3) … "كل الجماعات التي تدَّعي الانتساب إلى السلف، إذا لم يعملوا بما كان عليه السلف، فإنما هي دعوى يدعونها". محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – .
من كتاب : " فتاوى العلماء الأكابر " لعبدالمالك (ص 98 ) .(1/133)
وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (1).
هؤلاء هم الجماعة، جماعة واحدة ليس فيها تعدد ولا انقسام (2)، من أول الأمة إلى آخرها، هم جماعة واحدة { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } (3).
هذه هي الجماعة الممتدة من وقت الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى قيام الساعة، وهم أهل السنة والجماعة (4)
__________
(1) …التوبة : 100 .…
(2) …" جماعة المسلمين على منهاج النبوة لا تقبل التشطير ولا التجزئة، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أصحابه رضي الله عنهم، كانت دعوتهم لتكوين جماعة المسلمين حاملة راية التوحيد، (( لا لجماعة من المسلمين )) وأنهم هم المسلمون، وهم الطائفة المنصورة، وهم الفرقة الناجية وهم السلف الصالح، وهم من كان على مثل ما عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وأمر بلزومهم، ونهى عن مفارقتهم والشذوذ عنهم، كما نهى عن تفرقهم" . " حكم الانتماء " ( ص : 60 ) .
(3) …الحشر : 10 .
(4) …" أهل الإسلام ليس لهم سوى الكتاب والسنة، والسير في الدعوة إليهما على مدارج النبوة، وهم كما وصفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله : (( من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي )) ، وهم الذين سماهم - صلى الله عليه وسلم - : الجماعة وهم الطائفة المنصورة؛ كما وصفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وهم الفرقة الناجية، كما وصفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك لما ذكر الفرق الضالة، وهم المنتسبون لسنته وطريقته، وهم السلف الصالح .
ومن هنا: لما ظهرت البدع والأهواء المضلة، قيل لمعتقدهم : السلفي، أو العقيدة السلفية " . " حكم الانتماء " ( ص :112-113 ) .(1/134)
، وأما من خالفهم من الجماعات فإنها لا اعتبار بها وإن تسمت بالإسلامية، وإن تسمت جماعة الدعوة أو غير ذلك، فكل ما خالف الجماعة التي كان إمامها الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنها من الفرق المخالفة المتفرقة التي لا يجوز لنا أن ننتمي إليها أو ننتسب إليها، فليس عندنا انتماء إلا لأهل السنة والتوحيد { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } (1).والذين أنعم الله عليهم بينهم في قوله : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً } (2).
فالجماعة التي اتخذت منهجها كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وعملت بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور ) (3)، هؤلاء هم الجماعة المعتبرة، وما عداها من الجماعات فإنه لا اعتبار بها، بل هي جماعة مخالفة، وتختلف في بعدها عن الحق وقربها من الحق، ولكن كلها تحت الوعيد، كلها في النار إلا واحدة، نسأل الله العافية .
- - - - -
__________
(1) …الفاتحة : 6-7 .
(2) …النساء : 69 .
(3) …سبق تخريجه ( 10، 173 ) .(1/135)
س 104 : ماذا تقول لمن يخرجون إلى خارج المملكة للدعوة وهم لم يطلبوا العلم أبدًا، يحثون على ذلك - أي : الخروج - ويرددون شعارات غريبة ويدّعون أن من يخرج في سبيل الله للدعوة سيلهمه الله، ويدّعون أن العلم ليس شرطًا أساسيًا . وأنت تعلم أن الخارج إلى خارج المملكة سيجد مذاهب وديانات وأسئلة توجه إلى الداعي ألا ترى يا فضيلة الشيخ أن الخارج في سبيل الله لا بد أن يكون معه سلاح لكي يواجه الناس وخاصة في شرق آسيا يحاربون مجدد الدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أرجو الإجابة على سؤالي لكي تعم الفائدة ؟
جـ/ الخروج في سبيل الله ليس هو الخروج الذي يعنونه الآن، الخروج في سبيل الله هو الخروج للغزو، أما ما يسمونه الآن بالخروج فهذا : بدعه لم يرد عن السلف (1)، وخروج العالِم يدعو إلى الله حسب إمكانياته ومقدرته، بدون أن يتقيد بجماعة إلا جماعة أهل السنة أو يتقيد بأربعين يومًا أو أقل أو أكثر .
وكذلك مما يجب على الداعية أن يكون ذا علم لا يجوز للإنسان أن يدعو إلى الله وهو جاهل، قال تعالى : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ } (2) .
أي : على علم لأن الداعية لابد أن يعرف ما يدعو إليه من واجب،
ومستحب، ومحرم، ومكروه، ويعرف ما هو الشرك، والمعصية، والكفر، والفسوق، والعصيان، يعرف درجات الإنكار وكيفيته .
والخروج الذي يشغل عن طلب العلم، أمر باطل. لأن طلب العلم فريضة وهو لا يحصل إلا بالتعلم، لا يحصل بالإلهام؛ هذا من خرافات الصوفية الضالة لأن العمل بدون علم ضلال. والطمع بحصول العلم بدون تعلم وهمٌ خاطيء .
- - - - -
__________
(1) …" الواقع أنهم ( يعني : فرقة التبليغ ) مبتدعة، وخروجهم ليس في سبيل الله، ولكنه في سبيل إلياس " . " فتاوى ورسائل " عبدالرزاق عفيفي : ( 1/174 ) .
(2) …يوسف : 108 .(1/136)
س 105 : ماهي، أو من هي جماعة التبليغ وما منهجها الذي تسير عليه وهل يجوز الانضمام إليها والخروج مع أفرادها للدعوة – كما يقولون – ولو كانوا متعلمين وعندهم عقيدة صحيحة كأبناء هذه البلاد؟ (1) .
جـ/ الجماعة التي يجب الانضمام إليها والسير معها والعمل معها هي: جماعة أهل السنة والجماعة التي تسير على ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه . أما ما خالفها فإنه يجب أن نتبرأ منه .
نعم، يجب أن ندعُوهم إلى الله على سنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هذا واجب علينا .
أما أن ننضم إليهم ونخرج معهم ونمشي على تخطيطهم ونحن نعلم أنهم ليسوا على طريق صحيح، فهذا لا يجوز لأنه ولاء لجماعة غير جماعة أهل السنة والجماعة .
- - - - -
س 106 : ما حكم وجود مثل هذه الفرق كالتبليغ والإخوان المسلمين وغيرها في بلادنا خاصة وبلاد المسلمين عامة ؟ .
جـ / بلادنا ولله الحمد جماعة واحدة، كل أفرادها وكل حاضرتها وباديتها تسير على منهج الكتاب والسنة يوالي بعضهم بعضًا، ويحب بعضهم بعضًا .
أما هذه الجماعات الوافدة فيجب أن لا نتقبلها لأنها تريد أن تنحرف بنا أو تفرقنا، وتجعل هذا تبليغي وهذا إخواني وهذا.. وهذا..، لِمَ هذا التفرق؟؟ هذا كفر بنعمة الله تعالى حيث يقول الله تعالى: { وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } (2) .
__________
(1) …" أنا أعرف التبليغ من زمان قديم، وهم المبتدعة في أي مكان هم في مصر، وأمريكا، والسعودية، وكلهم مرتبطون بشيخهم إلياس ". " فتاوى ورسائل " عبدالرزاق عفيفي: ( 1/174 ) .
…قال الشيخ عبدالمحسن العباد :" جماعة التبليغ عندهم أمور منكرة، والمؤسسون هْمّ من أهل البدع ومن أهل الطرق الصوفية ومن المنحرفين في العقيدة فهي بدعة محدثة " : " الفتاوى المهمة في تبصير الأمة " .
(2) …آل عمران : 103 .(1/137)
نحن على جماعة واحدة وعلى وحدة وعلى بينة من أمرنا، فلماذا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ؟!! .
لماذا نتنازل عمّا أكرمنا الله عز وجل به من الاجتماع والألفة والطريق الصحيح وننتمي إلى أحزاب تفرقنا وتشتت شملنا وتزرع العداوة بيننا، هذا لا يجوز أبدًا .
أنا شاهدت بنفسي زهد جماعة التبليغ في عقيدة التوحيد ونفورهم من ذكرها وذلك عندما ألقيت محاضرة في التوحيد في بعض مساجد الرياض وكانوا – أي جماعة التبليغ – مجتمعين فخرجوا من المسجد، ومثلي بعض المشايخ ألقوا في المسجد نفسه محاضرة عن التوحيد فخرجوا منه عند ذلك، وكانوا نازلين فيه فإذا سمعوا الدعوة إلى التوحيد خرجوا من المسجد مع أنهم يدعون إلى الاجتماع في المسجد ،لكن لما سمعوا الدعوة إلى التوحيد خرجوا من المسجد.
وأما أنهم لا يقبلون ممن دعاهم إلى التوحيد، فنعم ،وهذا ليس خاص بهم. بل كل من يسير على منهج مخطط لا يقبل التنازل عنه. لو كانوا وقعوا في هذا الأمر عن جهل، فهم يمكن أن يرجعوا إلى الصواب، لكن وقعوا في هذا الأمر عن تخطيط وعن منهج يسيرون عليه من قديم، فلا يمكن أن يرجعوا عن منهجهم، لأنهم لو رجعوا عن منهجهم انحلت جماعتهم وهم لا يريدون هذا.
وآخر كتاب صدر وجمع فيه مقالات عنهم وانتقادات عليهم ممن صحبوهم ثم خرجوا عنهم وتركوهم، هو كتاب حافل جامع للشيخ حمود بن عبدالله التويجري - رحمه الله -، فإنه كتاب ما ترك شيئاً حول هذا الموضوع، لأنه كتاب متأخر جدًا جمع كل ما قيل من قبل فلم يبق فيهم إشكال أبدًا.
لكن الفتنة – والعياذ بالله – إذا جاءت تعمي الأبصار.
وإلا كيف إنسان عاش على التوحيد ودرس التوحيد وعرف
عقيدة التوحيد، ويغتر بهؤلاء ؟!! كيف يخرج معهم ؟ (1). كيف يدعو إليهم ؟ .كيف يدافع عنهم ؟.
__________
(1) …"هم لا يدعون إلى الكتاب والسنة، ولكن يدعون إلى إلياس شيخهم ". ا هـ . من كلام العلامة عبدالرزاق عفيفي فتاواه ( 1/174 ) .(1/138)
هل هذا إلا الضلال بعد الهدى، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، نسأل الله العافية والسلامة.
ونصيحتي للعوام وغير العوام أن لا يصحبوهم .
- - - - -
س 107 : ما موقف الشاب الناشيء من هذه الجماعات الموجودة اليوم، التي تريد ضمه إليها ؟ .
جـ / قد أخبرنا الله ورسوله عن حدوث الفِرَق المخالفة لجماعة أهل السنّة، وبَيّن الله ورسوله كيف نتعامل مع هذه الفرق، قال – تعالى - : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (1) .
وقد بيّن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذلك بيانًا واضحًا، حيث خط خطًّا مستقيمًا، وخط عن يمنيه وشماله خطوطًا أخرى، وقال عن الخط المستقيم : (( هذا سبيل الله ))، وقال عن الخطوط الأخرى : (( وهذه سُبُل ، على كل
سبيل منها شيطان يدعو الناس إليه )) (2) .
__________
(1) …الأنعام : 153 .
(2) …يشير – حفظه الله – إلى حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - الثابت في الصحيح، أنه قال :
……=
=…خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطًّا بيده، ثم قال : (( هذا سبيل الله مستقيمًا )) ، قال : ثم خط عن يمينه وشماله، ثم قال: (( هذه السُّبل، ليس منها سبيل إلاّ عليه شيطان يدعو إليه )) ، ثم قرأ : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ } . أخرجه أحمد : ( 1/465 )، الحاكم : ( 2/318 )، ولفظه : قال : خط لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطًّا، ثم خط عن يمينه وعن شماله خطوطًا، ثم قال : (( هذا سبيل الله، وهذه السُّبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ... )) الحديث، وقال الحاكم: (( هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرِّجاه )) ، ووافقه الذهبي .(1/139)
وقال - صلى الله عليه وسلم - عن قوم يأتون في آخر الزمان : (( دعاة على أبواب جهنم، من أطاعهم قذفوه فيها )) (1) .
فالواجب على الشباب وغيرهم : رفض كل الجماعات والفِرق المخالفة لجماعة أهل السنة والاستقامة، وأن يحذَروا من الدعاة الذين يدعون لتلك الجماعات كما حذّر منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن يلزموا جماعة أهل السنة،
وهي الجماعة الواحدة الثابتة على ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ عملاً بقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين )) (2)؛ فأمر - صلى الله عليه وسلم - عند الاختلاف بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين، ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم .
- - - - -
__________
(1) …هذا قطعة من حديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - حيث يقول : كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت : يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟، قال : نعم ، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير؟، قال : نعم، وفيه دخن ، قلت: وما دخنه ؟، قال : قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر ، قلت: فهل بعد الخير من شر ؟، قال : نعم، دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها ، قلت : يا رسول الله، صفهم لنا، قال : هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا ، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟، قال : تَلْزَم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟، قال : فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تَعَضَّ بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك . أخرجه البخاري : رقم ( 3411، 6673 ) واللفظ له، وأخرجه مسلم والحاكم، وغيرهم .
(2) …سبق تخريجه، رقم : (10)، و ( 173 ) .(1/140)
س 108 : هل من كلمة أبوية لأبنائكم الشباب الذين اغتروا بهذه الجماعات ولمن انضم إليها ودعا بدعوتها ؟
جـ/ ندعو جميع شباب المسلمين،-وخصوصًا في هذه البلاد-أن يرجعوا عن الخطأ، وأن ينضموا إلى جماعة أهل السنة والجماعة والفرقة الناجية المتمثلة في زماننا هذا ولله الحمد فيما عليه أهل هذه البلاد (1) من علمائها وقادتها وعامتها كلهم نشأوا على التوحيد وساروا على الجادة الصحيحة فنحن على بينة من أمرنا .
ننصح شبابنا بالسير على خُطى هذه الجماعة التي تسير على المنهج الصحيح وأن لا يلتفت إلى الفرق وإلى الجماعات وإلى الحزبيات وإلى المخالفين، لأن هذا يسلب النعمة عن بلادنا ويشتت جماعتنا ويفرق بين قلوبنا، كما هو حاصل الآن – للأسف - .
هذا التعادي الذي بين الشباب الآن، وبين كثير من المنتسبين إلى الدعوة في هذه البلاد الآن، هذا إنما نشأ من النظر إلى هذه الجماعات والاغترار بها وترويج أفكارها هذا هو الذي سبب التعادي بين الشباب وبين بعض طلبة العلم .
أما لو أنهم شكروا نعمة الله عليهم وتمسكوا بما أعطاهم الله من البصيرة والدعوة إلى الله عز وجل - التي أقامها وقادها في هذه البلاد المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله على بينة وعلى بصيرة ونجحت – لما نظروا إلى هذه الجماعات المخالفة لما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين لهم بإحسان .
__________
(1) …(( نحذر من أنواع الارتباطات : الفكرية المنحرفة، والالتزام بمبادئ جماعات وأحزاب أجنبية.
الأمة في هذه البلاد يجب أن تكون جماعة واحدة متمسكة بما عليه السلف الصالح، وتابعوهم، وما كان عليه أئمة الإسلام قديمًا وحديثًا من لزوم الجماعة والمناصحة الصادقة، وعدم اختلاق العيوب أو إشاعتها )) ا هـ .
طرف من بيان هيئة كبار العلماء في دورة المجلس التاسعة والثلاثين بالطائف في شهر ربيع الأول من عام ثلاثة عشر وأربعمائة وألف للهجرة .(1/141)
ودعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله – لها أكثر من مائتي سنة وهي ناجحة لَم يختلف فيها أحد وهي تسير على الطريق الصحيح .
دولة قائمة على الكتاب والسنة ودعوة ناجحة، لا شك في ذلك، حتى اعترف الأعداء بذلك . الأعداء يعترفون بأن هذه البلاد تعيش أرقى أنواع الأمن في العالم بالاستقرار، والأمن، والسلامة من الأفكار؛ كل يعرف هذا .
فلماذا نستبدل هذه النعمة ونتطلع إلى أفكار الآخرين التي ما نجحت
في بلادهم؟! . هذه الأفكار وهذه الدعوات وهذه الجماعات ما نفعت في بلادهم ولا كونت في بلادها جماعة إصلاحية، ولم تحول بلادها من قانونية أو من بلاد وثنية أو قبورية إلى جماعة إسلامية صحيحة، بل هذه الجماعات ليس لديها إهتمام بالعقيدة، وهذا دليل على عدم نجاحها .
فلماذا نُعجب بها ونروج لها وندعو لها ؟!! .
- - - - -
س 109 : لماذا سُمي أهل السنّة والجماعة بذلك ؟ .
جـ/أهل السنّة سُمّوا أهل السنة لأنهم يعملون بالسنّة، ويلازمونها.
وسموا بالجماعة : لأنهم مجتمعون غير مختلفين، لأن منهجهم واحد هو الكتاب والسنّة، اجتمعوا على الحق واجتمعوا على إمام واحد، فكل شئونهم العامة اجتماع وتعاون وتحاب .
- - - - -
س 110 : يزعم بعض الناس أن السلفية تعتبر جماعة من الجماعات العاملة على الساحة، وحكمها حكم بقية الجماعات، فما هو تقييمكم لهذا الزعم ؟
جـ / الجماعة السلفية هي الجماعة التي على الحق، وهي التي يجب الانتماء إليها والعمل معها والانتساب إليها، وما عداها من الجماعات يجب أن لا تعتبر من جماعات الدعوة لأنها مخالفة إلا إذا انضمت إلى هذه الجماعة السلفية .
إما إذا استمرت مخالفة فلا نتبعها وكيف نتَّبع فرقة مخالفة لجماعة أهل السنة وهدي السلف الصالح ؟؟ ما خالف للجماعة السلفية فإنه مخالف لمنهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - مخالف لما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه .(1/142)
فقول القائل:إن الجماعة السلفية واحدة من الجماعات الإسلامية، هذا قول غلط (1) . لأن الجماعة السلفية هي الجماعة الوحيدة التي يجب اتباعها والسير على منهجها والانضمام إليها والجهاد معها لأنها الجماعة الأصيلة وما عداها فهي جماعة اصطلاحية تضع لها منهجاً اصطلاحياً .
فما عدا الجماعة السلفية فإنه لايجوز للمسلم أن ينضم إليه، لأنه مخالف.
فهل يرضى إنسان أن ينضم إلى المخالفين ؟!، لا يرضى بهذا مسلم .
الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ) (2) .
ويقول - صلى الله عليه وسلم - عن الفرقة الناجية : ( من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) (3) .
هل يريد الإنسان النجاة ويسلك غير طريقها .
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تمشي على اليبس
- - - - -
س111 : هل السلفية حزب من الأحزاب وهل الانتساب لها مذموم؟ .
جـ / السلفية هي الفرقة الناجية وهم أهل السنة والجماعة ليست حزبًا من الأحزاب التي تسمى أحزابًا وإنما هم جماعة على السنة والدين .
قال - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ) (4) .
__________
(1) " بعض من الذين كتبوا عن الجماعات والفرق الإسلامية المعاصرة للموازنة بينها، ونقدها يذكرون من أقسامها : أهل السنة والجماعة !! .
…وهذا خطأ كبير في الفهم والتصور والبعد عن الحقيقة، فإن أهل السنة والجماعة أهل الحديث، هم جماعة المسلمين، وليست هذه في شكلها ومضمونها إلا دعوة الإسلام بجميع ما تعنيه هذه الكلمة. بخلاف الجماعات الأخرى، فهي أحزاب وفرق ] . ا هـ .
…من كلام معالي الشيخ بكر أبو زيد في " حكم الانتماء " ( ص: 115 ) ط. الثانية.
(2) …أبو داود : ( 4607 ) وقد سبق تخريجه : ( 10، 173 ) .
(3) …الترمذي : ( 2641 ) وقد سبق تخريجه : ( 12، 139 ) .
(4) …سبق تخريجه : ( 141 ) .(1/143)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ) قالوا : من هي يا رسول الله، قال : ( من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) (1).
فالسلفية طائفة على مذهب السلف على ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه .
هي ليست حزباً من الأحزاب العصرية الآن (2)، إنما هي جماعة قديمة أثرية من عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - متوارثة مستمرة لا تزال على الحق ظاهرة إلى قيام الساعة كما أخبر - صلى الله عليه وسلم - .
- - - - -
س 112 : هل من كلمة توجيهية لتعظيم السنة وأهلها، وتعلمها والعمل بها، وبغض البدع وأهلها ؟ .
جـ / الذي نوصي به أنفسنا وإخواننا هو : تقوى الله تعالى (3)
__________
(1) …سبق تخريجه : ( 12، 139 ) .
(2) …"الدعوة السلفية هي تحارب الحزبية بكل أشكالها وأنواعها، والسبب واضح جدًا، الدعوة السلفية تنتمي إلى شخص معصوم وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمن خرج عن دعوة هؤلاء لا نسمّيه بأنه سلفي .
…أما الأحزاب الأخرى فينتمون إلى أشخاص غير معصومين .
من ادعى السلفية والتي هي الكتاب والسنة، فعليه أن يسير مسيرة السلف، وإلاَّ الاسم لا يُغني عن حقيقة المسمى " . ا هـ .
من كلام المحدث الألباني – رحمه الله – " فتاوى العلماء الأكابر " ( 97-98 ).
(3) …هذه وصية الله للأولين والآخرين، قال – تعالى - : { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ } …[ النساء : 131 ]
…وأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بها؛ فقال – عز وجل - : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ } [الأحزاب :1]
وأمر المؤمنين فقال–جل ذكره-: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ }
……[الحديد : 28 ]
وأمر الناس جميعًا فقال عز من قائل : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ }
……[ النساء : 1 ](1/144)
، والتمسّك بمنهج السلف الصالح والحذر من البدع والمبتدعين والعناية بدراسة العقيدة الصحيحة وما يضادها، والأخذ عن العلماء الموثوقين في علمهم وفي عقيدتهم .
والحذر من دعاة السوء الذين يلبسون الحق بالباطل، ويكتمون الحق وهم يعلمون (1)، أو الجهلة الذين يدَّعون الحق وهم لا يعرفونه (2)؛ لأنهم يفسدون أكثر مما يصلحون (3)، والله ولي التوفيق .
- - - - -
س 113: ما هي الضوابط الشرعية التي يحافظ بها المسلم على التزامه وتمسكه بمنهج السلف الصالح، وعدم الانحراف عنه والتأثر بالمناهج الدخيلة المنحرفة ؟.
جـ / الضوابط الشرعية تفهم من مجموع ما سبق الكلام فيه، وذلك:
أولاً : بأن يرجع الإنسان إلى أهل العلم والبصيرة (4)، يتعلم منهم،
=… ويستشيرهم فيما يجول في فكره من أمور ليصدر عن رأيهم في ذلك .
__________
(1) …وهذه صفة " اليهود " – نسأل الله العافية – فهم قد عرفوا الحق، وعرفوا أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - نبيًا مُرسلاً من عند الله – تعالى -، ومع ذلك كَذَّبوا به، فهم { المغضوب عليهم } .
(2) …وهذه صفة " النصارى " الذين عبدوا الله على غير هدى، ولا بصيرة، ولا علم، فهم { الضالين } .
…قال عبدالله بن المبارك : (( من ضلَّ من علمائنا فيه شبه من اليهود، ومن ضلَّ من العامة فيه شبه من النصارى )) .
(3) …قال عمر بن عبدالعزيز – رحمه الله تعالى - : (( من عمل في غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح )) . " جامع بيان العلم وفضله " : ( 54 ) .
(4) …أهل العلم والبصيرة : هم الذين أخذوا العلم عن علماء التوحيد وعلماء المنهج
…السلفي وأخذوه من الأكابر.
ولا يُؤخذ العلم ممن تتلمذ على أيدي أصحاب المناهج الهدامة، المعادية لمنهج السلف
……=
=…الصالح، ولا يُؤخذ العلم عن الأدباء والمفكرين، ولا يُؤخذ العلم عن الأصاغر الذين
لم ترسخ أقدامهم في العلم ولم يوطنوا أنفسهم على منهج السلف الصالح .(1/145)
ثانياً : التروي في الأمور، وعدم العجلة، وعدم التسرع في الحكم على الناس، بل عليه أن يتثبت، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } (1).
وقال - سبحانه وتعالى -: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } (2)، تبينوا : أي تثبتوا مما بلغكم.
ثم إذا ثبت فعليكم معالجته بالطرق الكفيلة بالإصلاح، لا بالطرق المعنفة أو بالطرق المشوشة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( بشروا ولا تنفروا ) (3)، وقال : ( إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين ) (4).
وقال لبعض فضلاء الصحابة : ( إن منكم لمنفرين، فمن أم الناس فليخفف، فإن وراءه الضعيف وذا الحاجة ) (5) وعلى كل حال فالأمور
تعالج بحكمة وروية، ولا يصلح لكل أحد أن يتدخل في مجال لا يحسن التصرف فيه.
__________
(1) …الحجرات : 6 .
(2) …النساء : 94 .
(3) …البخاري : ( 3274 ) جزء من حديث .
(4) …البخاري : ( 217 ) .
(5) …البخاري : ( 672 ) .(1/146)
ثالثاً : من الضوابط أن يتزود الإنسان من العلم بمجالسة أهل العلم، والاستماع لآرائهم، وكذلك بقراءة كتب السلف الصالح، وسير المصلحين من سلف هذه الأمة وعلمائها، وكيف كانوا يعالجون الأمور، وكيف كانوا يعظون الناس، وكيف كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وكيف يحكمون على الأشياء، وهذا مدون في سيرهم وفي تراجمهم، وفي أخبارهم وفي قصص الماضيين من أهل الخير وأهل الصلاح وأهل الصدق { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ } (1).
فالإنسان المسلم فرد من هذه الأمة، والأمة هي مجموع المسلمين من أول ظهور الإسلام إلى قيام الساعة، هذا هو مجموع الأمة، والمسلم يراجع السلف الصالح وأخبارهم، وكيف كانوا يعالجون الأمور، وهديهم في ذلك حتى يسير على نهجهم، ولا ينظر إلى أقوال المتسرعين، وأخبار الجهلة الذين يحمسون الناس على غير بصيرة.
كثير من الكتيبات اليوم أو المحاضرات أو المقالات تصدر عن جهلاء بأمور الشرع (2) يحمسون الناس ويأمرون الناس بما لم يأمرهم الله به ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان هذا صادراً عن حسن قصد وحسن نية، فالعبرة بالصواب، والحق هو ما وافق الكتاب والسنة بفهم السلف، أما الناس ما عدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهم يخطئون ويصيبون، فيقبل الصواب ويترك الخطأ .
- - - - -
__________
(1) …يوسف : 111 .
(2) …من أمثلة ذلك : شريط وكتيب بعنوان " أما بعد " وإن كان صاحبه يحمل الدكتوراه في السنة ولكن حديثه يدل على أنه يجهل شيئاً من العقيدة يقول في الشريط، الوجه الأول في المقدمة : (( من أين أبدأ ... كيف أبدأ، يا دم أسعفني، يا
……=
=…قلبي قف معي، يا دم انقذني )) .
…فهل الاستغاثة بغير الله من العلم الذي استفاده في العشر سنوات، الذي يقول فيها عن نفسه : (( فقد وقفت عشرًا واستفدت عشرًا )) وذلك في الوجه الأول من الشريط، و(ص 13) في الكتيب .(1/147)
س 114 : لقد كثر المنتسبون إلى الدعوة هذه الأيام، مما يتطلب معرفة أهل العلم المعتبرين الذين يقومون بتوجيه الأمة وشبابها إلى منهج الحق والصواب فمن هم العلماء الذين تنصح الشباب بالاستفادة منهم، ومتابعة دروسهم وأشرطتهم المسجلة، وأخذ العلم عنهم، والرجوع إليهم في المهمات والنوازل وأوقات الفتن ؟
جـ / الدعوة إلى الله أمر لا بد منه، والدين إنما قام على الدعوة والجهاد بعد العلم النافع قال تعالى : { وَالْعَصْرِ - إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } (1).
فالإيمان يعني العلم بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه وصفاته، وعبادته، والعمل الصالح يكون فرعًا عن العلم، لأن العمل لا بد أن يؤسس على علم، والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والتناصح بين المسلمين هذا أمر مطلوب.
ولكن ما كل أحد يحسن أن يقوم بهذه الوظائف، هذه الأمور لا يقوم بها إلا أهل العلم والرأي الناضج، لأنها أمور ثقيلة مهمة لا يقوم بها إلا من هو مؤهل للقيام بها، ومن المصيبة اليوم أن باب الدعوة صار بابًا واسعًا كل يدخل منه ويتسمى بالدعوة، وقد يكون جاهلاً لا يحسن الدعوة، فيفسد أكثر مما يصلح، متحمسًا يأخذ الأمور بالعجلة والطيش (2)
__________
(1) …سورة العصر .
(2) …يقول صاحب كتيب " أما بعد "، ص 3 : (( فهذه رسالة " أما بعد "، أول محاضرة بعد عشر سنوات من التأمل والتدبر والمطالعة ودراسة الماضي، والاستعداد للمستقبل .....، وقد حرصت على مسألة الدعوة، وهموم الداعية وخصائصه )) .
…هذا الدكتور –هدانا الله وإياه لمنهج السلف – حريص على الدعوة ومهتم في تربية الدعاة وتوجيههم .
فماذا عسى أن يتعلم منه الدعاة .
إذا كان رب البيت بالدف ضارباُ … فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
…يقول في محاضرته ( أما بعد ) – الوجه الأول – والكتيب ص : 9 .
……يا أنت يا أحسن الأسماء في خلدي … ماذا أعرف من متنٍ ومن سند
أقول وأنا صاحب البضاعة القليلة، اعترافًا وليس تواضعًا: لا أعرف أحدًا نادى الله سبحانه وتعالى وجل في علاه بـ " الضمير " فقال " يا أنت " إلا ما تعبر به الصوفية بـ ( هو ) .
وهنا أسوق فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء رقم (3867)،"فتاوى اللجنة الدائمة" : (2/202):
وهل يجوز أن تدعو الله بـ (يا هو) يعني" الله " ضميراً مستتراً تقديره : هو الله ؟
لا. لأن• ضمائر المتكلم والخطاب والغيبة، كناية عن المتكلم أو المخاطب أو الغائب
……=
.............................................................................
• (الواو) من (وهل) في بداية السؤال، وكذلك(لا. لأن) في بداية الجواب من توجيهات وتعديلات شيخي " الفوزان " حفظه الله .
=…مطلقاً، فليست أسماء الله لغة ولا شرعاً، لأنه لم يسم بها نفسه، فدعاؤه بها تسمية ونداء وذكره بغير أسمائه؛ فلا يجوز .
…ولأنه إلحاد في أسمائه بتسميته بما لم يسم به نفسه، ونداء له ودعاء بما لم يشرعه، وقد نهى سبحانه عن ذلك فقال : { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } … [ الأعراف الآية : 180 ]
…وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
إن قال قائل هذه زلة وسبق لسان، نقول هذا في حق الأمي الجاهل الذي لم يتعلم، أما رجل حصل على شهادة الدكتوراه في السنة وفي بلاد الحرمين ويزل هذه الزلات فماذا نقول عن غيره .
وإن سلمنا بذلك جدلاً، فلماذا لم يعتذر عن استغاثته التي وقعت في الشريط إن كانت زلة لسان أديب . فقد أكد هذه الاستغاثة في الكتيب الذي أصدره بعد الشريط، لماذا لم يعترف بخطائه حتى لا يغتر الناس بالشريط الذي طار من ليلته في الآفاق إنْ كانت زلة !! . ثم إنه كرر البيت المذكور في الكتيب الذي هو بعد الشريط .
فما هناك إلا الجهل، والحماس، ... إذا اجتمعت في المرء، أصبح إفساده أكثر من إصلاحه. فالواجب على جميع المسلمين - وأنا منهم – العناية بالعقيدة الصحيحة وتعلم التوحيد وما يضاده، ويتأكد في مثل هؤلاء الرجال الذين نصبوا أنفسهم دعاة وموجهين ومربين .(1/148)
، فيتولد عن فعله من الشرور أكثر مما يعالج وما قصد إصلاحه، بل ربما يكون ممن ينتسبون إلى الدعوة ولهم أغراض وأهواء يدعون إليها، ويريدون تحقيقها على حساب الدعوة، وتشويش أفكار الشباب باسم الدعوة والغيرة على الدين، وهو يقصد خلاف ذلك كالانحراف بالشباب، وتنفيرهم من مجتمعهم وعن ولاة أمورهم، وعن علمائهم، فيأتيهم بطريق النصيحة، وبطريق الدعوة في الظاهر كحال
المنافقين في هذه الأمة الذين يريدون للناس الشر في صورة خير.
أضرب لذلك مثلاً : أصحاب مسجد الضرار، بنوا مسجدًا، في الصورة والظاهر أنه عمل صالح، وطلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي فيه من أجل أن يرغب الناس به ولكن الله علم من نيات أصحابه أنهم يريدون بذلك الإضرار بالمسلمين، الإضرار بمسجد قباء أول مسجد أسس على التقوى، ويريدون أن يفرقوا جماعة المسلمين، فبين الله لرسوله مكيدة هؤلاء، وأنزل قوله :
{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ - لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } (1).
__________
(1) …التوبة : 107-108 .(1/149)
يتبين لنا من هذه القصة العظيمة أن ما كل من تظاهر بالخير والعمل الصالح يكون صادقاً فيما يفعل، فربما يقصد من وراء ذلك أموراً بعكس ما يظهر، فالذين ينتسبون إلى الدعوة اليوم فيهم مضللون يريدون الانحراف بالشباب، وصرف الناس عن الدين الحق، وتفريق جماعة المسلمين، والإيقاع في الفتنة، والله سبحانه وتعالى حذرنا من هؤلاء فقال: { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ } (1).
فليس العبرة بالانتساب أو فيما يظهر، بل العبرة بالحقائق وبعواقب الأمور، والأشخاص الذين ينتسبون إلى الدعوة يجب أن ينظر فيهم أين درسوا، ومن أين أخذوا العلم، وأين نشأوا، وما هي عقيدتهم، قال تعالى : { أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ } (2). ويجب أن تُنظر أعمالهم وآثارهم في الناس، وماذا أنتجوا من الخير، وماذا ترتب على أعمالهم من الإصلاح، فيجب أن تدرس أحوالهم قبل أن يغتر بأقوالهم ومظاهرهم، هذا أمر لا بد منه، خصوصاً في هذا الزمان الذي كثر فيه دعاة الفتنة، وقد وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاة الفتنة بأنهم قوم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن الفتن قال: ( دعاة على أبواب جهنم، من أطاعهم قذفوه فيها ) (3).
__________
(1) …التوبة : 47 .
(2) …المؤمنون : 69 .
(3) …سبق تخريجه رقم ( 292 ) .(1/150)
سماهم دعاة، فعلينا أن ننتبه لهذا، ولا نحشد في الدعوة كل من هب ودب، وكل من قال أنا أدعو إلى الله، وهذه جماعة تدعوا إلى الله، لا بد من النظر في واقع الأمر، ولا بد من النظر في واقع الأفراد والجماعات، فإن الله سبحانه وتعالى قيد الدعوة بأن تكون دعوة إلى الله وإلى سبيل الله قال تعالى { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ } (1) دل ذلك على أن هناك أناسًا يدعون إلى غير الله.
والله تعالى أخبر أن الكفار يدعون إلى النار فقال : { وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ } (2)، فالدعاة يجب أن يُنظر في أمرهم.
قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى عن هذه الآية: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ } (3) : فيه الإخلاص، فإن كثيراً من الناس إنما يدعو إلى نفسه، ولا يدعو إلى الله - عز وجل -.
مطلقاً، فليست أسماء الله لغة ولا شرعاً، لأنه لم يسم بها نفسه، فدعاؤه بها تسمية ونداء وذكره بغير أسمائه؛ فلا يجوز .
س 115 : ما هي أوصاف العلماء الذين يقتدى بهم ؟
جـ / أوصاف العلماء الذين يقتدى بهم هم أهل العلم بالله سبحانه وتعالى، الذين تفقهوا في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتحلوا بالعلم النافع، وكذلك يتحلون بالعمل الصالح .
الذين يقتدى بهم؛ هم الذين جمعوا بين الأمرين، بين العلم النافع والعمل الصالح، فلا يقتدى بعالم لا يعمل بعلمه، ولا يقتدى بجاهل ليس عنه علم، ولا يقتدى إلا بمن جمع بين الأمرين : العلم النافع والعمل الصالح.
__________
(1) …يوسف : 108 .
(2) …البقرة : 221 .
(3) …يوسف : 108 .(1/151)
وبالنسبة للذين يقتدى بهم في بلادنا ومن تؤخذ أشرطتهم وهم كثيرون ولله الحمد، معروفون عند الناس : لا يجهلهم أحد لا البادية ولا الحاضرة، ولا الكبار ولا الصغار، هم القائمون على أعمال الفتوى والقضاء والتدريس وغير ذلك، والذين عرف عنهم العلم والتقى والورع، وعلى رأس علمائنا الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله تعالى (1)
__________
(1) …رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجعل الفردوس الأعلى منزله، ونفعنا الله بعلمه من بعده هكذا جاءت في الشريط بالحفظ لأن الكلام عنه كان في حياته – رحمه الله - .
…هو الإمام : عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله بن باز . ناصر السنة، إمام أهل السنة في زمانه، قامع البدعة والمبتدعين .
…ولد في 12/12/1330هـ بمدينة الرياض. فقد بصره سنة 1350هـ حفظ القرآن قبل البلوغ، برز في العلوم الشرعية وعين قاضياً سنة 1350هـ كان جاداً في طلب العلم والبحث والتدريس والتأليف .
شيوخه : وقد تلقى العلم على أيدي كثير من العلماء منهم :
الشيخ : محمد بن عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ، وصالح بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل الشيخ، وسعد بن حمد بن عتيق، وحمد بن فارس، ومحمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ، وسعد وقاص البخاري .
عُيّن نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1381هـ ثم رئيساً لها سنة 1390هـ .
عُيّن رئيساً لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بأمر ملكي في 14/10/1395هـ . وفي شهر محرم من عام 1414هـ صدر المرسوم الملكي بتعيينه " مفتي عام المملكة ".
إلى جانب ذلك هو : عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ورئيس وعضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، ورئيس المجلس الأعلى العالمي للمساجد، ورئيس المجمع الفقهي
…الإسلامي بمكة المكرمة، وعضو المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، وعضو الهيئة العليا للدعوة الإسلامية .
…مؤلفاته : ألف الإمام – رحمه الله – أكثر من 23 مؤلف ما بين مجلدات وكتب
……=
=…ورسائل وردود وتعليقات .
وفاته : توفي – رحمه الله – فجر يوم الخميس الموافق 28/1/1420هـ في مدينة الطائف التابعة لمنطقة مكة المكرمة – بالمملكة العربية السعودية، ودفن في مكة المكرمة في مقبرة العدل .
طيب الله ثراه، وجعل الجنة مأواه .
وبوفاته خُلع باب، فخرجت منه فتاوى عمّت وطمّت وكثُرت بها البلوى من رؤساء جهال، وذلك على الشاشات، وعبر الفضائيات، فلا حول ولا قوة إلا بالله .(1/152)
، فإنه رجل منّ الله عليه بالعلم الغزير والعمل الصالح والدعوة إلى الله والإخلاص والصدق وما لا يخفى على كل أحد، وهو ولله الحمد صدر عنه خير كثير من الكتابات ومن المؤلفات ومن الأشرطة ومن الدروس.
وكذلك العلماء الذين يفتون في برنامج نور على الدرب، هؤلاء أيضاً ولله الحمد عرفت عنهم الفتاوى الصائبة، والأقوال النافعة، وهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز وفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين وإخوانهم من أصحاب الفضيلة القضاه، لأنه لا يشتغل بالقضاء ويثق الناس به في دمائهم وأموالهم وفروجهم إلا من كان موثوقاً بعلمه.
إن هؤلاء لهم جهود في الدعوة والإخلاص والرد على من يريدون الانحراف بالدعوة عن طريقها الصحيح سواء عن قصد أو غير قصد، هؤلاء لهم تجارب ولهم خبرة وسبر للأقوال، ومعرفة الصحيح من السقيم، فيجب أن تروج أشرطتهم ودروسهم، وأن ينتفع بها، فإن فيها فائدة كبيرة للمسلمين، وكل عالم لم يجرب عليه خطأ ولم يجرب عليه انحراف في السيرة أوالفكر فإنه يؤخذ عنه.
فلا يجوز الأخذ عن الجُهّال ولو كانوا متعالمين، ولا الأخذ عن المنحرفين في العقيدة بشرك أو تعطيل، ولا الأخذ عن المبتدعة والمنحرفين وإن سُمّوا علماء.
فالأصناف ثلاثة : أهل العلم النافع والعمل الصالح، وأهل العلم بدون عمل، وأهل العمل بدون علم .
وقد ذكر الله – تعالى – هذه الأصناف في آخر سورة الفاتحة، وأمرنا أن نسأله أن يهدينا إلى طريق الصنف الأول، وأن يجنّبنا طريق الصنفين الآخرين، قال – تعالى - : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ } (1) .
فجعل الصنف الأول مُنْعَمًا عليه، والصنف الثاني مغضوبًا عليه، والصنف الثالث ضالاً .
وهذان الصنفان الأخيران يمثلان الفِرق المنحرفة اليوم، وإن كانت تنتسب إلى الإسلام . - - - - -
__________
(1) …الفاتحة : 6-7 .(1/153)
س 116 : هل من كلمة توجِّهونها لطلبة العلم ؟ .
جـ / نحثّ طلبة العلم على القيام بالنصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم، كما أمرهم بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكما أخذ الله عليهم الميثاق بقوله – تعالى - : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ } (1) .
وأن يتبعوا في النصيحة والبيان منهج الكتاب والسنة، وما عليه سلف الأمة .
وأن يحذروا منهج الخوارج والمعتزلة، الذين يتّبعون في أسلوب النصيحة والبيان الخروج على أئمة المسلمين، والتشهير، والعنف، والتنفير(2)،قال - صلى الله عليه وسلم -: (( يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا )) (3).
هذا ما نوصي به طلبة العلم ولا سيّما الدعاة .هذا وبالله التوفيق .
وصلى الله وسلم على نبينا محمّد وآله وصحبه (4) .
فهارس الأحاديث
م
الحديث
الصفحة
( أ )
1
الأرواح جنود مجندة
211
2
أخرجوا المشركين من جزيرة العرب
61
3
أدوا إليهم حقهم وأسلوا الله حقكم
47
4
__________
(1) …آل عمران : 187 .
(2) …بزعمهم أن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما قتل الخليفة الراشد عثمان - رضي الله عنه - إلا من هذا الباب، عندما قصر فهمهم وقلت معرفتهم، وقد قرر أهل السنة والجماعة أن هذا ليس من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بل هو منهج الخوارج الذين ذمهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد تقدم ذلك في ثنايا هذا الكتاب .
(3) …البخاري : ( 69 )، ومسلم : ( 1733 )، وغيرهما .
(4) …والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
…وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسَلَّم تسليمًا كثيرًا .
وكتب الحاشية وخرَّجها
الفقير إلى عفو ربه
أبو فريحان جمال بن فريحان الهميلي الحارثي
الطائف
تمت هذه الطبعة الثالثة الجديدة المنقحة والمزيدة(1/154)
إذا حكم الحاكم فاجتهد
53-70
5
إذا لم تستحي فاصنع ما شئت .
78
6
أربع في أمتي من أمر الجاهلية
88
7
أعطوهم الذي لهم، وأسألوا الله الذي لكم
109
8
اغتنم خمساً قبل خمس
124
9
افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة
25، 127، 228
10
ألا من ولي عليه والٍ فرآه
66
11
أمرت أن أقاتل الناس حتى
111
12
إنا نصيب في البيات من ذراري المشركين
217
13
إن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة .
26
14
إن الله يرضى لكم ثلاث
48
م
الحديث
الصفحة
15
إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً
178
16
إنك امرؤ فيك جاهلية
88
17
إنك تأتي قوماً أهل كتاب
43
18
إنكم سترون بعدي أثرة وأمور تفكرونها
47
19
إنما بعثتم ميسرين
244
20
إن منكم لمنفرين
244
21
إن أكلوا مالك وضربوا ظهرك
46
22
إني قد تركت فيكم شيئين
95
23
أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله
91
24
أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة
199
25
إياكم ومحدثات الأمور
158
26
أيما رجل قال لأخيه يا كافر
177
( ب )
1/27
بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة
46
2/28
بشروا ولا تنفروا
244
3/29
بل اسمع وأطع
208
م
الحديث
الصفحة
( ت )
1/29
تركت فيكم أمرين
8
2/30
تركتكم على البيضاء
95
( ث )
1/31
ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم
183
( ح )
1/32
حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض
198
( خ )
1/33
خالفوا المجوس
104
2/34
خالفوا المشركين
104
3/35
خالفوا اليهود
104
( د )
1/36
دعاة على أبواب جهنم
250،236
2/37
الدين النصيحة
48، 91، 164
( س )
1/38
ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة
9، 25
م
الحديث
الصفحة
( ع )
1/39
عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين
8، 24، 158، 230، 237
( ك )
1/40
كان الناس يسألون رسول الله
236
1/41
كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته
40
( ل )
1/42
لعنة الله على اليهود والنصارى
62
2/43
لله أشد فرحاً
175
2/44
لو أن خيلاً أغارت من الليل(1/155)
217
( م )
1/45
ما أحب أن حكيت إنساناً وأن لي
104
2/46
ما بال أقوام قالوا
195
3/47
ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله
24
4/48
مروا أولادكم بالصلاة
40
5/49
من أحدث في أمرنا هذا
45، 100، 159
6/50
من أراد أن ينصح لذي سلطان
108، 152
م
الحديث
الصفحة
7/51
من دعا إلى ضلالة
219
8/52
من رأى من أميره شيئاً
46
9/53
من رأى منكم منكراً
40، 49
10/54
من ستر مسلماً ستره الله
195
11/55
من سلك طريقاً يلتمس فيه
178
12/56
من كانت عنده نصيحة لذي سلطان
108، 152
13/57
من كان على مثل ما أنا عليه
9، 25، 213، 229، 241
14/58
من كذب عليّ متعمداً
160
15/59
من مات وليس عليه إمام
204
16/60
من يرد الله به خيراً
22
17/61
من يطع الأمير فقد أطاعني
208
18/62
من يعش منكم فسيرى اختلافاً
8، 24، 199، 228
19/63
المرء على دين خليله
167
20/64
المؤمن للمؤمن
167
( هـ )
1/66
هذا سبيل الله مستقيماً
236،235
م
الحديث
الصفحة
2/67
هم من آبائهم
217
3/68
هم منهم
217
( و )
1/69
ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك
103
( ي)
1/70
يخرج من ضئضئ هذا قوم
50
1/71
يدخل أهل الجنة الجنة وأهل
83
2/72
يسروا ولا تعسروا
255
( لا )
1/73
لا تجتمع أمتي على ضلالة
133
2/74
لا تزال طائفة من أمتي على الحق
9، 10، 119، 128
3/75
لا تزال طائفة من أمتي قائمة
133
4/76
لا تُزال قدما عبد
124
5/77
لا تزول قدما عبد
102
6/77
لا يجتمع دينان في جزيرة العرب
26
7/78
لا يزني الزاني حين يزني
59
فهرس الآثار
م
الأثر
القائل
الصفحة
1
اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم
ابن مسعود
95
2
أجمع المسلمون على من
الإمام الشافعي
163
3
أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية
ابن تيمية
120
4
إذا رأيت الرجل يحب أبا هريرة
البربهاري
128
5
إذا رأيت الرجل يحب أهل الحديث
قتيبة
129
6
إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان
البربهاري
151
7
إذا رأيت الرجل يطعن على أحد(1/156)
البربهاري
129
8
إذا رأيت مبتدعاً في طريق
الفضيل
126
9
إذا سكت أنت وسكت أنا
ابن حنبل
30
10
إذا سمعت الرجل يطعن على الآثار
البربهاري
129
11
إذا صام وصلى واعتكف
ابن حنبل
31
12
أراك تنتقل من دين
مالك
74
13
أراهم سيهلكون
ابن عباس
149
14
أسكت، إذا لم نبين
ابن المبارك
147
15
اقتصاد في سنة خير
ابن مسعود
27
م
الأثر
القائل
الصفحة
16
أكذب الناس القصاص
ابن حنبل
103
17
ألا تدخل على عثمان فتكلمه
أحد الصحابة
108
18
الذي أنا فيه خير من
الأعمش
225
19
إليك عني فإني قد عرفت ديني
الحسن
73
20
إن أقواماً ابتغوا العبادة وأضاعوا العلم
مالك
178
21
إن الكذب لا يصلح في جد
ابن مسعود
103
22
إنكم ستحدثون ويُحدث لكم
ابن مسعود
101
23
إنكم لترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم
أسامة
108
24
إنما هما عالمان
الفضيل
151
25
إني لأكره القصص
مالك
103
26
إن لم يكونوا أهل الحديث
ابن حنبل
119
27
أنهاك عن مسلم وتسألني عن كافر
ابن حنبل
66
28
أهل البدع شر من أهل المعاصي
ابن تيمية
27
29
أهل التفويض .. من شر أقوال أهل البدع
ابن تيمية
115
30
إياك إياك وحسين الكرابيسي
ابن حنبل
30
31
إياكم والتبدع
ابن مسعود
102
م
الأثر
القائل
الصفحة
32
إياك وهذه الكتب
أبو زرعة
126
( ب )
1/33
البدعة أحب إلى إبليس من المعصية
الثوري
26
2/34
البدعة مقرونة بالفرقة
ابن تيمية
67
( ت )
1/35
تعالوا نغتاب في الله ساعة
شعبة
138
( ح )
1/36
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل
ابن حنبل
5
( د )
1/37
دعني أدعُ الله وأقص
تميم
197
( ذ )
1/38
ذاك رجل سوء
ابن حنبل
139
2/39
ذاك فعل الله به وفعل
ابن حنبل
51
( ر )
1/40
الرفق سبيل الأمر بالمعروف
ابن تيمية
48
م
الأثر
القائل
الصفحة
( س )
1/41
السني الذي إذا ذكرت عنده الأهواء
ابن عياش
149
( ط )
1/42
الطاعة لأولي الأمر فيما كان عند الله
المزني
208
( ع )
1/43(1/157)
عجبت لقوم عرفوا الإسناد
ابن حنبل
149
2/44
علامة أهل البدع
أبو حاتم
129
3/43
عليكم بالعلم فإن طلبه عبادة
معاذ
178
( ف )
1/46
فإن فرقة النجاة مأمورين بعداوة أهل البدع
الشاطبي
26
2/47
فتبين أن قول أهل التفويض
ابن تيمية
115
3/48
الفرقة الناجية أهل الحديث
ابن تيمية
120
4/49
فمن يتعصب لواحد معين غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ابن تيمية
69
5/50
فلان حبيبنا ولكن الحق
ابن القيم
164
6/51
فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة
ابن تيمية
120
م
الأثر
القائل
الصفحة
( ق )
1/52
قعد الخوارج هم أخبث الخوارج
الضعيف
202
2/53
القعدية الذين يُزينون الخروج على الأئمة
ابن حجر
201
( ك )
1/54
دِّيناً خيِّراً سلفيَّاً
الذهبي
38
2/55
كان على عقيدة السلف
الذهبي
38
3/56
كذب هتكه الله الخبيث
ابن حنبل
51
4/57
كنت بين يدي مالك .. فوضعت وقمت إلى الصلاة
وهب
178
5/58
كن سلفيِّاً على الجادة
أبو زيد
38
( ل )
1/59
لأن أرى في ناحية المسجد ناراً .. أحب إليّ
الخولاني
224
2/60
لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا .
ابن حنبل
152
3/61
لو كان لي دعوة مستجابة لما صيرتها
الفضيل
151
4/62
ليس من شرط ثبوت الإمامة أن يبايعه
الشوكاني
204
5/63
ليس من كثر بسطه للقول ... كان أعلم ...
ابن رجب
131
6/64
ليكن أمرك بالمعروف، بالمعروف
ابن تيمية
195
7/65
ليهن أهل الحديث هذه البشرى
أبو اليمن
119
م
الأثر
القائل
الصفحة
( م )
1/66
ما أحوج الناس إلى قاص صدوق
ابن حنبل
225
2/67
ما أخرجني إلا صوت قاصكم
ابن عمر
103
3/68
ما الذي قمت إليه بأفضل من
مالك
178
4/69
ما عمل عامل قط على جهل إلا كان ما يُفسد
ضرار
136
5/70
من حق العالم عليك إذا رأيته
ابن أبي طالب
129
6/71
من استبانت له سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يحل
الشافعي
163
7/72
من تبع عالماً لقي الله سالماً
163
8/73
من تغلب على بلد أو بلدان له حكم(1/158)
الإمام ابن عبدالوهاب
207
9/74
من ضل من علمائنا في شبه من اليهود،
ابن المبارك
243
10/75
من عمل في غير علم كان ما يفسد أكثر
عمر بن عبدالعزيز
243
11/76
من قال لكلامهم تأويل...فإنه من رؤوسهم
ابن تيمية
161
12/77
من كان محسناً للظن بهم..عُرف حالهم
ابن تيمية
161
13/78
من كان مستناً، فليستن بمن قد مات
ابن مسعود
157
14/79
من ماشى المبتدعة عندنا فهو مبتدع
الثوري
146
15/80
من يجالس أهل البدع أشد علينا
ابن عون
146
( هـ )
1/81
هذه نصيحة، ليس هذا غيبة
ابن حنبل
138
2/82
هم أهل الحديث
ابن المديني
119
3/83
هم أهل السنة والجماعة، وهم الطائفة
ابن تيمية
120
4/84
هم الطائفة المذكورة في حديث
البخاري
119
( و )
1/85
ولَّو البدع ظهوركم
الثوري
225
( ي )
1/86
يجب عقوبة كل من انتسب إلى أهل البدع
ابن تيمية
136
( لا )
1/87
لا أرى أن يجلس إليهم، وإن القصص لبدعة
مالك
103
2/88
لا تجالسوا أصحاب البدع ولا تكلموهم
النخعي
126
3/89
لا تجالسوا أهل البدع ولا تخالطوهم
أبو قلابة
126
4/90
لا تغتر بتنكيس رأسه
ابن حنبل
126
5/91
لا تكلمه ولا كرامة، ولا نعمى عين
ابن حنبل
126
6/92
لا تمكن أصحاب الأهواء من سمعك .
أبو قلابة
126
7/93
لا يأمر بالمعروف ولا ينهي عن المنكر إلا
الثوري
196
8/94
لا يتكلم على الناس إلا أمير أو مأمور
ابن سيرين
225
9/95
لا يجب على أحد من هذه الأمة أن يكون
علي القاري
163
10/96
لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم
ابن مسعود
131
11/98
لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما صلح
وهب
39
12/99
لا يُصلى خلف أهل البدع
ابن حنبل
65
فهرس المراجع
م
المرجع
المؤلف
- أ -
1
القرآن الكريم
2
أربعة مصطلحات القرآن الأساسية
المودوي
3
إرواء الغليل
الألباني
4
إعلام الموقعين
ابن القيم
5
إقتضاء الصراط المستقيم
ابن تيمية
6
إيقاف النبيل على حكم التمثيل
عبد السلام آل برجس
7
الإبانة الكبرى
ابن بطة
8(1/159)
الإخوان المسلمون في ميزان الحق
فريد عبد الخالق
9
الإخوان المسلمين أحداث صنعت التاريخ
محمود عبد الحليم
10
الآداب الشرعية
ابن مفلح
11
الاستقامة
ابن تيمية
12
الاعتصام
الشاطبي
13
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ابن تيمية
14
الإيمان
ابن تيمية
م
المرجع
المؤلف
- ب -
15
براءة علماء الأمة من تزكية أهل البدع والمذمة
عصام السناني
16
بيان فضل علم السلف على علم الخلف
ابن رجب
17
البدع والنهي عنها
ابن وضاح
- ت -
18
تاريخ بغداد
الخطيب البغدادي
19
تبيين كذب المفتري على أبي الحسن الأشعري
ابن عساكر
20
تجديد الفكر الإسلامي
الترابي
21
تحذير الخواص من أكاذيب القصاص
ابن الجوزي
22
تحفة الأحوذ بشرح الترمذي
المبارك فوري
23
تذكرة الحفاظ
الذهبي
24
تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج
ابن الملقن
25
التمثيل
بكر أبو زيد
26
تهذيب التهذيب
ابن حجر
- ج-
27
جامع بيان العلم وفضله
ابن عبد البر
28
جامع العلوم والحكم
ابن رجب
29
جريدة الرياض
العدد ( 12182 )
م
المرجع
المؤلف
30
جريدة الشرق الأوسط
العدد ( 6270 )
31
جريدة المسلمون
العدد (540 )
32
الجامع في الحث على حفظ العلم
أبو هلال العسكري، الخطيب البغدادي
- ح-
33
حسن البنا بأقلام تلامذته ومعاصريه
جابر رزق
34
حقيقة الدعوة إلى الله وما اختصت بها جزيرة العرب
سعد الحصين
35
حكم الإنتماء
بكر أبو زيد
36
حلية الأولياء
أبو نعيم
37
الحجج القوية على أن وسائل الدعوة توقيفية
عبدالسلام آل برجس
38
الحوادث والبدع
الطرطوشي
- خ-
39
الخطب المنبرية
صالح الفوزان
- د-
40
درء تعارض العقل والنقل
ابن تيمية
41
الدرر السنية في الأجوبة النجدية
عبد الله النجدي
م
المرجع
المؤلف
- ر-
42
رسائل ومسائل
المودودي
43
رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين
الشوكاني
44
الرحلات والمخيمات
عبد الله الوشلي
45
الرد على الجهمية
ابن حنبل
46
الرد على المخالف من أصول الإسلام
بكر أبو زيد
- س-
47(1/160)
سلسلة الأحاديث الصحيحة
الألباني
48
سنن ابن ماجة
49
سنن ابن داود
50
سنن الترمذي
51
سنن الدارمي
52
سنن الديلمي
53
سنن النسائي الصغرى
54
سنن النسائي الكبرى
55
سير أعلام النبلاء
الذهبي
56
السنن الكبرى
البيهقي
57
السراج المنير في تنبيه جماعة التبليغ
تقي الدين الهلالي
57
السّنة
ابن أبي عاصم
58
السّنة
ابن نصر
59
السّنة
عبدالله بن أحمد
70
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار
الشوكاني
- ش-
71
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة
اللالكائي
72
شرح علل الترمذي
ابن رجب
73
شرح السّنة
اسماعيل المزني
74
شرح السّنة
البربهاري
75
شرح السّنة
البغوي
76
شرح مسلم
النووي
77
شرف أهل الحديث
الخطيب البغدادي
78
شعار أصحاب الحديث
الخطيب البغدادي
79
الشرح والإبانة
ابن بطة
80
الشريعة
الآجري
- ص-
81
صحيح ابن حبان
82
صحيح البخاري
83
صحيح الترغيب والترهيب
الألباني
84
صحيح مسلم
85
الصحوة الإسلامية
محمد قطب
86
صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -
الألباني
87
صيد الخاطر
ابن الجوزي
- ط-
88
طبقات الحنابلة
ابن أبي يعلى
89
الطرق الشرعية والطرق البدعية في المسائل الدعوية
يوسف العتيق
- ع-
90
العدالة الاجتماعية
سيد قطب
91
العقيدة الطحاوية مع شرحها
ابن أبي العز،
وأبو جعفر الطحاوي
92
العقيدة الواسطية
ابن تيمية
93
العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم
ربيع المدخلي
94
العواصم من القواصم
القاضي بن العربي
- غ-
95
الغرباء الأولون
العودة
- ف-
96
فتاوي ورسائل
عبدالرزاق عفيفي
97
فتاوي ورسائل
محمد ابراهيم
98
في ظلال القرآن
سيد قطب
99
فتاوي العثيمين
جمع أشرف عبد المقصود
100
فتاوي العلماء الأكابر
جمع عبدالمالك الجزائري
101
فتاوي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء
جمع الدويش
102
الفتاوي الإماراتية
الألباني
103
الفتاوي المهمة في تبصير الأمة
جمع جمال الحارثي
104
فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر
105(1/161)
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ
106
الفقيه والمتفقه
الخطيب البغدادي
- ق-
107
القصاص والمذكرين
ابن الجوزي
108
القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ
حمود التويجري
- ك-
109
كتاب التوحيد
محمد بن عبد الوهاب
110
كشاف القناع
البهوتي
111
كشف الخفاء ومزيل الألباس
الجعلوني
112
الكفاية في علم الرواية
الخطيب البغدادي
- م-
113
مجلة البحوث العلمية
العدد (50)
114
مجلة الدعوة
العدد (1438)
م
المرجع
المؤلف
115
مجلة السنة
العدد (26،23)
116
مجلة المجلة
العدد( 806)
117
مجمع الزوائد
الهيثمي
118
مجموع الفتاوي
ابن تيمية
119
مدارج السالكين
ابن القيم
120
مدارك النظر في السياسة
عبد المالك الجزائري
121
مذكرات الدعوة والداعية
حسن البنا
122
مسائل أحمد
رواية أبي داود
123
مسائل أحمد
ابن هانئ
124
مسائل أحمد
عبد الله بن أحمد
125
مسائل أحمد
أبو الفضل
126
مسند أحمد
بهامشه المنتخب
127
مسند أحمد
أحمد شاكر
128
مسند ابن الجعد
علي بن الجعد
129
مشكاة المصابيح
الخطيب التبريزي
130
مطاعن سيد قطب في الصحابة
ربيع المدخلي
131
معالم في الطريق
سيد قطب
م
المرجع
المؤلف
132
معجم الشيوخ
الذهبي
133
معجم المناهي اللفظية
بكر أبو زيد
134
معرفة السنن والآثار
البيهقي
135
معرفة علوم الحديث
الحاكم
136
مفتاح دار السعادة
ابن القيم
137
منهج أهل السنة والجماعة في نقد الكتب والرجال والطوائف
ربيع المدخلي
138
منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله
محمد سرور
139
المجلة السلفية
العدد السابع
140
المذكر والتذكير والذكر
ابن أبي عاصم
141
المستدرك على الصحيحين
الحاكم
142
المصنف
عبدالرزاق
143
المعلوم من واجب العلاقة بين الحاكم ولمحكوم
ابن باز
144
الموطأ
مالك بن أنس
- ن-
145
نبذة في حقوق ولاة الأمر
العسكر
146
نصب الراية
الزيلعي
- هـ-
147
هجر المبتدع
بكر أبو زيد
148
هدي الساري
ابن حجر
- و-
149
واقعنا المعاصر(1/162)
محمد قطب
فهرس الموضوعات
م
الموضوع
الصفحة
1
مقدمة الكتاب .
5
2
مقدمة الطبعة الثالثة .
8
3
إذن الشيخ للطبعة الثالثة .
12
4
صورة من إذن الشيخ بخط يده .
13
5
نبذة عن حياة شيخنا .
14
6
كتاب " الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة" .
19
7
نصيحة للمراكز الصيفية والقائمين عليها.
19
8
الأناشيد من ابتداع الصوفية.
20
9
المقصود بفقه الواقع.
22
10
اجتناب الفرق المنتسبة للإسلام المخالفة لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم -
24
11
البدعة أشد من المعصية .
26
12
المنتمي إلى الفرق المخالفة للكتاب والسنة، مبتدع.
27
13
حكم الفرق( الجماعات).
28
14
هل تخالط الفرق والأحزاب المعاصرة .
29
15
التحذير من الفرق والأحزاب المعاصرة .
30
م
الموضوع
الصفحة
16
عدم ذكر المحاسن في النقد والتحذير .
31
17
التحذير من " فرقة التبليغ " وفتاوي أهل العلم فيها.
32
18
كل من خالف منهج أهل " السنة والجماعة " يدخل في الاثنتين وسبعين فرقة .
35
19
لا بأس فيمن تسمى بالسلفي، وأقوال أهل العلم في ذلك .
35
20
المغالطات في مراجعات القرني [ حاشية الحاشية ] .
35-37
21
لا يكفي حفظ القرآن... لنشر الدعوة.
39
22
الدعوة من مهام العلماء، والأمر بالمعروف.. كل إنسان بحسب معرفته .
40
23
سبب قلة الاستجابة في الدعوة .
41
24
وسائل الدعوة إلى الله توقيفية.
43
25
الشيخ الداعية؛ جاهل بالطرق الشرعية.
44
26
منهج أهل السنة والجماعة في مناصحة الحكام.
45
27
لا يلزم الموازنة في النقد، ولا يجوز ذكر المحاسن لأهل الضلال.
49
28
الآثار الواردة في نقد أهل البدع دون ذكر المحاسن .
51-52
29
خطورة التغرير بالثناء على أهل البدع.
52
م
الموضوع
الصفحة
30
طريقة الرد على من أخطأ من أهل السنة والجماعة .
53
31
لماذا الكلام على المعتزلة والجهمية، .. والخوارج في هذا العصر؟ .
53-54
32
نماذج من سقطات " سيد قطب" .
55
33(1/163)
نقد العلامة العثيمين، المحدث الألباني لـ" سيد قطب".
55
34
تكفير " محمد قطب " لجماهير الأمة .
56
35
من أقوال صاحب شريط " الشباب أسئلة ومشكلات"
75 ،122
36
من أقوال صاحب شريط " التوحيد أولاً ".
58
37
من أقوال صاحب سلسلة أشرط " شرح الطحاوية " .
59
38
" خصومتنا لليهود ليست دينية" من كلام حسن البنا المنكر .
60
39
المسعري: يبيح إقامة الكنائس في الجزيرة العربية .
61
40
التقريب بين السنة والشيعة عند " المسعري " .
61
41
نصيحة الإمام ابن باز للمسعري، الفقيه، ابن لادن.
62
42
الرد على الداعية الذي يقرأ الصحف والمجلات في المسجد للإنكار عليها.
63
43
عظم جرم إدخال الصور إلى المسجد.
63
م
الموضوع
الصفحة
44
قراءة الجرائد في محاضرة أو خطبة: إشاعة للمنكر و ...
64
45
حكم الصلاة خلف أهل البدع .
65-66
46
الإنكار على المنتسبين للفرق، والأحزاب المعاصرة .
66
47
ذم التعصب لمذهب معين، أو لعالم من العلماء .
164،69
48
احجام بعض الطلبة من حضور الدروس، بسبب بعض الشبه .
70
49
نصيحة للشباب الذين جرت بهم الأهواء والتعصب الحزبي.
71
50
جهل " محمد سرور زين العابدين" بالسنة .
75
51
من أقوال " محمد سرور " المخالفة لمنهج السلف: تكفير بالكبيرة .
75
52
طعن " محمد سرور" في علماء الحرمين.
76
53
الرد الوافي على "محمد سرور" من الشيخ أمان الجامي.
79
54
جريمة اللواط عند " محمد سرور": منزلتها ومكانتها .
82
55
نماذج ممن يهون أمر تعلم التوحيد
84
56
تحريم بيع كتاب" منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله" لـ محمد سرور .
85
57
مطلوب تفسير جديد للقرآن غير تفسير السلف .
86
م
الموضوع
الصفحة
58
إطلاق الجاهلية على المجتمعات الإسلامية من قبل سيد قطب .
86
59
ماذا يعني صاحب شريط " الأمة الغائبة" بهذا العنوان.
89
60
كتاب القطبية.
90
61
وجوب الإهتمام بالعقيدة أولاً.
91
62
مصادر تلقي العقيدة .
94-96
63(1/164)
إشغال الشباب بالمحاضرات السياسية، والصحافة : تضليل .
97
64
حكم التمثيل الموجود في المراكز الصيفية، والمسارح المدرسية .
99
65
الطرق الشرعية في مناصحة ولاة الأمور.
100
66
معنى [ لا إله إلا الله ] عند " محمد قطب" .
110
67
دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب: دعوة سلفية وليست حزبية .
112
68
مقارنة بين دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب وبين دعوة حسن البنا .
112-115
69
صفحات مظلمة من حياة "حسن البنا" .
113
70
اتهام"حسن البنا" لمذهب السلف بالتفويض.
114
م
الموضوع
الصفحة
71
رد شيخ الإسلام على المفوضية.
114
72
رأي الإمام ابن باز في فرقة " الإخوان المسلمين" .
115
73
الرد على من طلب من الإمام ابن باز بالتراجع عن رأيه في "الإخوان" .
116
74
الرد على من فرّق بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية.
119
75
حكم من زيّن الفواحش .
122
76
الفرق بين العقيدة والمنهج .
123
77
وجوب بيان خطر التحزب، والفرق .
123
78
حكم مشاهدة مباريات كرة القدم .
124
79
صحة المنهج من فساده .
125
80
التحذير من قراءة واستماع، كتب وأشرطة المبتدعة .
126-127
81
سمات الفرقة الناجية المنصورة .
127
82
تأدب الطالب مع شيخه .
129
83
نصيحة للطلاب المبتدئين
130
84
من الذي يستحق أن يقال عنه عالم
130
85
التنبيه على كلمة "شباب الصحوة" .
133-135
م
الموضوع
الصفحة
86
الأمة في غفلة حتى جاءت حركة "حسن البنا" بزعمهم.
134
87
وجوب التحذير من المناهج المخالفة للكتاب والسنة .
136
88
طلب العلم مقدم على الدعوة إلى الله .
137
89
التحذير من الكتب الحزبية والفرق المخالفة لأهل السنة: لا تعبر تعرضاً للأشخاص ذاتهم .
138
90
نماذج من أقوال : "المودودي"،"محمد سرور"،"حسن البنا"،"سيد قطب"، "الترابي"،ومن حذا حذوهم في بلادنا، وأثنى عليهم ودافع.
139-145
91
الدين والفن يهدي بالفنان إلى الإيمان؛ عند "الترابي" .
143
92(1/165)
الغناء، والرقص، والموسيقى؛ مسموح به عند "الترابي".
143
93
إلزام الترابي باتخاذ الفن لعبادة الله ...
144
94
الرحلات ولمخيمات من ابتداع"الإخوان المسلمون".
144
95
التدريبات العسكرية تتم في الرحلات والمخيمات الاخوانية .
144
96
ماذا يجري في الرحلات والمخيمات الصيفية .
145
97
ابن تيمية يقول:-
146
98
تحذير السلف من أهل البدع .
146
99
منهج أهل السنة في نقد الرجاء .
146
م
الموضوع
الصفحة
100
التحذير من المناهج المخالفة لمنهج السلف؛ يجمع ولا يفرق .
147
101
اتباع الحق لا اتباع الرجال .
149
102
اجتناب أصحاب البدع والأفكار الهدامة .
150
103
السنة في معاملة السلطان .
153-154
104
نتائج التشهير بالنصيحة للحكام .
155
105
الدعوة إلى التوحيد تفرق؛ عند"الاخوان"، " التبليغ".
154
106
"حسن البنا" لم يكن عدواً للنصارى .
155
107
نائب "حسن البنا" ومشيّع جنازته كانا نصرانيين .
155
108
قاعدة " الاخوان المسلمون" المعتمدة في الدعوة عندهم
155-156
109
السلفية .
157
110
البدعة، وظاهرة عدم تبديع من أظهر البدعة .
158
111
إلحاق مادح أهل الأهواء بهم إذا لم يرجع التنبيه على الأخطاء ، وذكر الأسماء إن لزم .
160
112
الحذر من مشيخة أهل البدع .
165
113
العقيدة لا تؤخذ من المبتدعة .
165
م
الموضوع
الصفحة
115
البلاد السعودية فيها دخلاء يحملون أفكاراً هدامة .
168
116
الدفاع عن علماء السنة في البلاد السعودية .
172
117
على ماذا يتباكون الحزبيون؟ .
175
118
الطعن في العلماء جريمة .
175
119
ضوابط التكفير .
176
120
إصدار الأحكام من شئون العلماء .
177
121
اتخاذ الناس رؤوساً جهالاً.
178
122
معنى الموالاة، وما الفرق بينهما وبين المداراة
179-181
123
التبرع للكفار
182
124
مقاطعة المنتجات الأمريكية
182
125
الوقيعة في العلماء والولاة ليست من النصيحة في شيء
184
126(1/166)
الطعن المغلّف في العلماء عند الحداديين
184
127
شيء يسير مما عند "محمود الحداد".
185
128
احترام العلماء واجب
188
129
من أقوال الهمازين اللمازين في العلماء
189-190
130
لحوم العلماء مسمومة
191
131
التضييق على دعاة الفتنة من محاسن هذه الدولة
192
م
الموضوع
الصفحة
132
معنى قوله تعالى: { وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ }
193
133
إذن ولي الأمر واجب في "القنوت، والخروج للجهاد" وغيرها
196
134
الأسباب الموصلة لاجتماع الصف والكلمة
198
135
من الذي له حق السمع والطاعة
200
136
الإثارة وشحن قلوب الرعية على الراعي؛ من عمل المفسدين
201
137
واجب الدعاة وطلبة العلم والعلماء؛ وكل ناصح
203
138
هل البيعة واجبة أم مستحبة؟
204
139
الطريقة الشرعية في البيعة
204
140
هل يشترط رضي الجميع في صحة البيعة
205
141
مخالفة ولي الأمر .. معصية لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -
208
142
إنشاء لجان دون إذن السلطان: خروجاً عليه
209
143
رفع المظالم إلى ولي الأمر أو من ينبه فقط
209
144
لا يمكن الاجتماع مع اختلاف المنهج والعقيدة
210
145
لا يمكن الاجتماع مع وجود الأحزاب والفرق
212
146
هل تشرع العمليات الانتحارية؟
213
147
هل الاغتيالات والتفجيرات من الجهاد في سبيل الله؟
215
م
الموضوع
الصفحة
148
مفهوم حديث "الصعب بن جثامة"
217
149
المظاهرات من وسائل الدعوة؟
217
150
دعم الأصابع الخفية للمظاهرات
218
151
العلامة العثيمين ينصح
219
152
الاعتصامات من الشرع؟
220
153
"الحداديون" لا يترحمون على [ ابن حجر، والنووي، وابن حزم، والشوكاني، والبيهقي]
220
154
الفرق بين: ابن حجر، والنووي، وبين: البنا وقطب وأضرابهما
222
155
من هم علماء المدينة النبوية؟
223
156
ذم السلف للقصاص
224
157
لا جماعة إلا جماعة المسلمين على منهاج النبوة
228
158
خروج "فرقة التبليغ" في سبيل الله؛ خروج بدعي
231
159(1/167)
"فرقة التبليغ" المبتدعة
232
160
"فرقة التبليغ" يزهدون في عقيدة التوحيد
232
161
الواجب رفض كل الجماعات والفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة
236
162
تحذير "هيئة كبار العلماء" من الجماعات والأحزاب
237
م
الموضوع
الصفحة
163
الجماعة السلفية هي التي على الحق
239
164
السلفية ليست حزب من الأحزاب المعاصرة
241
165
السلفية تحارب الحزبية بكل أشكالها
242
166
السلفية تنتمي إلى المعصوم - صلى الله عليه وسلم -
242
167
الأحزاب والفرق تنتمي إلى أشخاص غير معصومين
242
168
التوجيهات السديدة إلى كل مسلم
243
169
من الذي يقوم بواجب الدعوة
246
170
شريط وكتيب"أما بعد"
247
171
فتوى "اللجنة الدائمة"فيمن نادى الله - عز وجل - بالضمير
247
172
مقاصد دعاة الأهواء و الفتن
248
173
العلماء الذين يقتدا بهم
251
174
نبذة عن سيرة الإمام ابن باز
252
175
الأمر بالقيام بواجب النصيحة؛ لله، ولكتابه، ولرسوله و لأئمة المسلمين وعامتهم
254
176
التحذير من منهج الخوارج
255(1/168)
$لمحة عن الفرق الضالة
[نص محاضرة ألقاها الشيخ: صالح الفوزان بمدينة الطائف، يوم الاثنين، الموافق: 3/3/1415 هـ في مسجد الملك فهد بالطائف.]
$المقدمة
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن الحديث عن الفرق ليس هو من باب السرد التاريخي، الذي يقصد منه الاطلاع على أصول الفرق لمجرد الاطلاع، كما يطلع على الحوادث التاريخية، والوقائع التاريخية السابقة، وإنما الحديث عن الفرق له شأن أعظم من ذلك؛ ألا وهو الحذر من شر هذه الفرق ومن محدثاتها، والحث على لزوم فرقة أهل السنة والجماعة.
وترك ما عليه الفرق المخالفة لا يحصل عفوا للإنسان، لا يحصل إلا بعد الدراسة، ومعرفة ما الفرقة الناجية ؟
من هم أهل السنة والجماعة، الذين يجب على المسلم أن يكون معهم ؟
ومن الفرق المخالفة ؟.
وما مذاهبهم وشبهاتهم ؟. حتى يحذر منها.
لأن (من لا يعرف الشر يوشك أن يقع فيه)، كما قال حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - :(2/1)
(كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر ؟. قال: " نعم ". فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير ؟. قال " نعم، وفيه دخن ". قلت: وما دخنه ؟. قال: " قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر ". فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر ؟. قال: " نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها ". فقلت: يا رسول الله، صفهم لنا. قال: " نعم، قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ". قلت: يا رسول الله، فما ترى إن أدركني ذلك ؟. قال: " تلزم جماعة المسلمين وإمامهم " فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام ؟. قال: " فاعتزل تلك الفرق، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك ") [رواه البخاري في صحيحه : (3606) و(7084)، ومسلم في صحيحه - أيضا -: (1847)، وأحمد مطولا: (5/386، 403) ومختصرا: (5/391، 399) ومختصرا بلفظ مختلف: (5/404)، وأبو داود السجستاني: (4244)، وبلفظ مختلف: (4246)، والنسائي في الكبرى: (5/17، 18)، وابن ماجه: (4027) و(4029)، وأبو داود الطيالسي في مسنده : (442)، وبلفظ مختلف: (443) ص 59، وأبو عوانة في الصحيح المسند: (4/474 و 475)، وعبد الرازق في مصنفه: (20711) (11/341)، وابن أبي شيبة في كتاب الفتن: (2449) و(8960) (18961) و(18980)، والحاكم في مستدركه ؟!!: (4/432) وصحح إسناده، ووافقه الذهبي ؟!.]
فمعرفة الفرق ومذاهبها وشبهاتها، ومعرفة الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة، وما هي عليه؛ فيه خير كثير للمسلم، لأن هذه الفرق الضالة عندها شبهات، وعندها مغريات تضليل، فقد يغتر الجاهل بهذه الدعايات وينخدع بها؛ فينتمي إليها، كما قال صلى الله عليه وسلم لما ذكر في حديث حذيفة :(2/2)
(هل بعد ذلك الخير من شر؟. قال: " نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها ". فقلت: يا رسول الله، صفهم لنا. قال: " نعم، قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ").
فالخطر شديد، وقد وعظ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ذات يوم - كما في حديث العرباض بن سارية - :
أنه وعظهم موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون. قلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا. قال: (أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة). [رواه أحمد في مسنده : (4/126)، (4/127)، والترمذي: (2676)، وأبو داود: (4607)، وابن ماجه: (34) في المقدمة، والدارمي في سننه : (95)، وابن حبان في صحيحه : (5)، والطبراني في الكبير: (18/617، 618، 619، 622، 623، 624، 642)، والآجري في الشريعة ص: (46 - 47)، وابن أبي عاصم في السنة: (27، 32، 57، 54)، وابن بطة العكبري في الإبانة الكبرى: (142) (1/305)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: (81)، ومحمد بن نصر المروزي في السنة ص: 21، والبغوي في شرح السنة : (205) وفي تفسيره : (3/209)، والطحاوي في مشكل الآثار : (2/69)، والبيهقي: (6/541)، والحاكم في المستدرك : (1/96 - 97).]
فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيكون هناك اختلاف وتفرق وأوصى عند ذلك بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، والتمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وترك ما خالفها من الأقوال، والأفكار، والمذاهب المضلة، فإن هذا طريق النجاة، وقد أمر الله - سبحانه وتعالى - بالاجتماع والاعتصام بكتابه، ونهى عن التفرق، قال - سبحانه - :(2/3)
{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [ سورة آل عمران ].
إلى أن قال - سبحانه وتعالى - :
{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [قال البغوي - رحمه الله - في تفسير هذه الآية (2/86): (قال أكثر المفسرين: هم اليهود والنصارى. وقال بعضهم: المبتدعة من هذه الأمة. وقال أبو أمامة - رضي الله عنه -: هم الحرورية بالشام - أي: الخوارج -. قال عبد الله بن شداد: وقف أبو أمامة وأنا معه على رأس الحرورية بالشام فقال: " هم كلاب النار، كانوا مؤمنين فكفروا بعد إيمانهم "، ثم قرأ: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ} إلى قوله - تعالى -: {أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}) اهـ.] * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}. [ سورة آل عمران ].
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: (تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة) [ذكره البغوي في تفسيره : (2/87)، وابن كثير: (2/87) طبعة الأندلس].
وقال - سبحانه وتعالى - :
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [ سورة الأنعام ].(2/4)
فالدين واحد، وهو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يقبل الانقسام إلى ديانات وإلى مذاهب مختلفة، بل دين واحد هو دين الله - سبحانه وتعالى -، وهو ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، وترك أمته عليه، حيث ترك صلى الله عليه وسلم أمته على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
وقال صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله، وسنتي) [رواه مالك في الموطأ: (2/1899)، والحاكم في المستدرك : (1/93) موصولا عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
ورواه مطولا دون لفظة وسنتي مسلم: (1218)، وابن ماجه: (3110)، وأبو داود: (1909) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -، وفيه صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وخطبته بهم].
وما جاء التفرق في الكتاب العزيز إلا مذموما ومتوعدا عليه، وما جاء الاجتماع على الحق والهدى إلا محمودا وموعودا عليه بالأجر العظيم، لما فيه من المصالح العاجلة والآجلة.(2/5)
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في السنة أحاديث كثيرة تأمر بلزوم الجماعة [قال ابن حجر في " الفتح ": (13/391): (... وورد بلزوم الجماعة في عدة أحاديث، منها: ما أخرجه الترمذي مصححا من حديث الحارث بن الحارث الأشعري - رضي الله عنه -، فذكر حديثا طويلا وفيه: (وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن: السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه). (رواه مرفوعا الإمام أحمد في مسنده : (4/130، 4/202، 5/344)، والترمذي (2863 - 2864) وقال: حديث حسن صحيح غريب). وفي خطبة عمر المشهورة، التي خطبها بالجابية: " عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد " (رواه مرفوعا الإمام أحمد في مسنده : (1/18)، والترمذي في سننه : (2165)، والنسائي في " الكبرى ": (9219) (9226)، والبغوي في تفسيره : (2/86)، وابن أبي عاصم في " السنة ": (86 _ 88)، واللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة ": (1/106 - 107)، والحاكم في " مستدركه ": (1/114) وصححه، ووافقه الذهبي). وفيه: " ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ". قال ابن بطال: " مراد الباب الحض على الاعتصام بالجماعة... والمراد بالجماعة أهل الحل والعقد من كل عصر " وقال الكرماني: " مقتضى الأمر بلزوم الجماعة أنه يلزم المكلف المتابعة لما أجمع عليه المجتهدون "...) انتهى من فتح الباري. وقال الترمذي في سننه بعد الحديث رقم (2167): (وتفسير الجماعة عند أهل العلم هم: أهل الفقه، والعلم، والحديث) انتهى. ولأهمية هذا الأمر بوب البخاري - رحمه الله - في صحيحه: (باب.. وكذلك جعلناكم أمة وسطا.. وما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة، وهم أهل العلم). وبوب النووي في صحيح مسلم: (باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة، ومفارقة الجماعة). وبوب الترمذي في سننه باب(2/6)
ما جاء في لزوم الجماعة. وكذلك بوب الدرامي في سننه بابين فيه، أولهما في " كتاب السير ": (باب في لزوم الطاعة والجماعة)، والآخر في " كتاب الرقاق ": (باب في الطاعة ولزوم الجماعة). وبوب الآجري في " الشريعة " بابين - كذلك -، الأول: (باب ذكر الأمر بلزوم الجماعة)، والثاني: (باب ذكر أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بلزوم الجماعة، وتحذيره إياهم الفرقة) وغيرهم من أئمة الحديث ثم ساقوا - رحمهم الله - بعد ذلك الأحاديث التي جاءت في ذلك، ومنها: حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأي من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه ليس من أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية). (رواه أحمد في مسنده : (1/275، 297، 310)، والبخاري: (7053) (7054) (7143)، ومسلم: (1849)، والدرامي: (2519)، والبغوي: (2458)، وابن أبي عاصم في " السنة ": (1101)، والطبراني في " المعجم الكبير ": (12759)، والبيهقي: (8/157)). وعن عوف بن مالك الأشجعي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ("خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم " قلنا: أفلا ننابذهم يا رسول الله عند ذلك ؟. قال: " لا. ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة). (رواه أحمد في مسنده : (6/24)، ومسلم: (1855)، والدرامي: (2797)، وابن أبي عاصم في " السنة ": (1017)، والبيهقي: (8/158)). وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يد الله مع الجماعة). (رواه الترمذي: (2166)). وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار). (رواه الترمذي: (2167))(2/7)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اثنان خير من واحد، وثلاثة خير من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة، فعليكم بالجماعة، فإن الله - عز وجل - لن يجمع أمتي إلا على هدى) (رواه أحمد في " المسند ": (5/145)) وعن رجل قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (أيها الناس عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، أيها الناس عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة) ثلاث مرار. (رواه أحمد في " المسند ": (5/371). ولا تضر جهالة الرجل لأنه صحابي، والصحابة كلهم عدول بالإجماع، رضي الله عنهم أجمعين). وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، يأخذ الشاه القاصية والناحية، فإياكم والشعاب، وعليكم بالجماعة، والعامة، والمسجد). (رواه أحمد في مسنده : (5/233، 243)). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة إلى الصلاة التي قبلها كفارة، والجمعة إلى الجمعة التي قبلها كفارة، والشهر – (المقصود بالشهر هنا " شهر رمضان " كما في الرواية الأخرى) - إلى الشهر الذي قبله كفارة، إلا من ثلاث - قال: فعرفنا أنه أمر حدث -: إلا من الشرك بالله، ونكث الصفقة، وترك السنة. - قال: - أما نكث الصفقة: فأن تعطي رجلا بيعتك ثم تقاتله بسيفك، وأما ترك السنة: فالخروج من الجماعة). (رواه أحمد في مسنده : (2/229)، (2/506)) ولما في مفارقة الجماعة من مفاسد جمة، جعل الشارع الحكيم القتل عقوبة لمن فارق الجماعة : فعن عرفجة الأشجعي قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب الناس، فقال: (إنه سيكون بعدي هنات وهنات، فمن رأيتموه فارق الجماعة، أو يريد يفرق أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم كائنا من كان فاقتلوه، فإن يد الله على الجماعة، فإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض).
(رواه مسلم: (1852)، وأبو داود: (4762) باب في قتل الخوارج.(2/8)
ويؤخذ من تبويب أبي دواد على هذا الحديث: أن من فارق الجماعة فإنه خارجي. ورواه النسائي: (4032) واللفظ له).
وبوب النسائي عليه في كتاب " تحريم دم المسلم " من " سننه ": (باب قتل من فارق الجماعة).
فما بالك بمن فارق الجماعة، ولحق بأعداء الله المشركين في بلادهم، يدعي أنه ينصر دين الله بذلك وبما يبثه من منشورات، ينتقص فيها العلماء، ويهون فيها من قدر الولاة والأمراء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من جامع المشرك وسكن مع فإنه مثله).
(رواه أبو داود في سننه من حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه -: (2787)).
وقال صلى الله عليه وسلم: ("أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" قالوا: يا رسول الله، لم ؟. قال: "لا تراءى ناراهما").
(رواه أبو داود: (2645)، والترمذي: (1604)).
قال الفضل بن زياد: سمعت أحمد - رحمه الله تعالى - يسئل عن معنى: " لا تراءى نارهما " فقال: (لا تنزل من المشركين في موضع إذا أوقدت رأوا فيه نارك، وإذا أوقدوا رأيت فيه نارهم، ولكن تباعد عنهم).
وقال جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم، وعلى فراق المشركين).
(رواه الإمام أحمد في مسنده : (4/365)، والنسائي: (7/148)، والبيهقي: (9/13)).
قال الشيخ العلامة: حمود بن عبد الله التويجري - رحمه الله - في كتابه " تحفة الإخوان " ص 27: (وقد ورد النهي عن مجامعة المشركين، ومساكنتهم في ديارهم، والتغليظ في ذلك، لأن مجامعتهم ومساكنتهم من أعظم الأسباب الجالبة لموالاتهم وموادتهم. والأحاديث في ذلك كثيرة).
ثم ساق الشيخ عدة أحاديث، ثم قال :(2/9)
(فليتأمل المسلمون الساكنون مع أعداء الله - تعالى - هذه الأحاديث، وليعطوها حقها من العمل، فقد قال - تعالى -: {فَبَشِّرْ عِبَادِ {17} الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}) اهـ. (سورة الزمر) ].
قال صلى الله عليه وسلم: ("إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة". قالوا ومن هي يا رسول الله ؟. قال: " ما أنا عليه اليوم وأصحابي ") [أخرجه الترمذي: (2641)، واللالكائي في " شرح اعتقاد أهل السنة ": (147)، والآجري في " الشريعة " ص 15، والمروزي في السنة ص 18، وابن بطة في " الإبانة الكبرى ": (264، 165) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -.
وفيه عبد الرحمن بن زياد الأفريقي: ضعيف. لكن الحديث يصح بشواهده، ومنها :
1 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - :
رواه الإمام أحمد في مسنده : (2/332)، وأبو داود: (4596)، والترمذي: (2640)، وابن ماجه: (3991)، والآجري في " الشريعة " ص 25، وابن بطة في " الإبانة الكبرى ": (252)، وابن أبي عاصم في " السنة ": (66)، والحاكم في " مستدركه ": (1/128) وقال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه " ووافقه الذهبي. وصححه ابن حبان: (2614)، ورواه - أيضا - أبو يعلى الموصلي في مسنده : (541 - 542)، والمروزي في السنة ص 17.
2 - حديث معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - :
رواه أحمد: (4/201)، وأبو داود: (4597)، وأبو داود الطيالسي: (2754)، والدرامي: (2521)، واللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة ": (150)، وابن أبي عاصم: (1) (65)، والآجري في " الشريعة " ص 18، والمروزي في السنة ص 14 - 15، وابن بطة في " الإبانة الكبرى ": (266)، والطبراني في " الكبير ": (19/884 - 885).(2/10)
3 - حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - :
أخرجه أحمد: (3/120، 145)، والآجري في " الشريعة " ص 16، واللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة ": (148)، وابن بطة في " الإبانة الكبرى ": (269 - 270 - 271)، وابن أبي عاصم في " السنة ": (74).
4 - حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه - :
رواه ابن ماجه: (3992)، والبزار: (172)، واللالكائي: (149)، وابن أبي عاصم في " السنة ": (63)، وابن بطة في " الإبانة الكبرى ": (272) " , والحاكم في " مستدركه ": (4/430).
5 - حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - :
أخرجه ابن جرير في تفسيره : (27/239)، والطبراني في " الكبير ": (10375) (10531)، وابن أبي عاصم: (70 - 71)، والمروزي في السنة ص 16.
6 - حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - :
أخرجه اللالكائي في " شرح اعتقاد أهل السنة ": (151 - 152)، والمروزي في السنة ص 16 وص 17، وابن أبي عاصم: (86)، والطبراني في " الكبير ": (8035 - 8051)، والبيهقي: (8/88).
7 - حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - :
رواه المروزي في السنة ص 19، وابن وضاح ص 85، وابن بطة في " الإبانة الكبرى ": (274 - 275).
8 - حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - :
رواه ابن بطة في " الإبانة الكبرى ": (263) (266) (267)، والمروزي في السنة ص 17، والآجري في " الشريعة " ص 17.
وفيه: موسى بن عبيدة الربذي: ضعيف.]
فأخبر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أنه لا بد أن يحصل تفرق في هذه الأمة، وهو لا ينطق عن الهوى، لا بد أن يحصل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإخبار منه صلى الله عليه وسلم معناه النهي عن التفرق، والتحذير من التفرق، ولهذا قال: (كلها في النار إلا واحدة).
ولما سئل عنها صلى الله عليه وسلم: ما هذه الواحدة الناجية ؟. قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).(2/11)
فمن بقي على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهو من الناجين من النار، ومن اختلف عن ذلك فإنه متوعد بالنار، على حسب بعده عن الحق، إن كانت فرقته فرقة كفر وردة فإنه يكون من أهل النار الخالدين فيها، وإن كانت فرقته لم تخرجه عن الإيمان. لكن عليه وعيد شديد، ولا ينجو من هذا الوعيد إلا طائفة واحدة من ثلاث وسبعين، وهي " الفرقة الناجية " " من كان على مثل ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه "، هو: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والمنهج السليم والمحجة البيضاء.
هذا هو ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال - تعالى - :
{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} [ سورة التوبة، الآية: 100 ].
قال: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ}.
فدل هذا على أنه مطلوب من آخر هذه الأمة أن يتبعوا منهج السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، الذي هو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما من خالف منهج السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، فإنه يكون من الضالين، قال - سبحانه - :
{وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً. ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً}.
فمن أطاع الله وأطاع الرسول في أي زمان ومكان، سواء كان في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم، أو آخر مسلم في الدنيا، إذا كان على طاعة الله ورسوله، فإنه يكون مع الفرقة الناجية..
{فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً}.(2/12)
أما من تخلف عن هذا المنهج فإنه لن يحصل على هذا الوعد، ولن يكون مع هؤلاء الرفقة الطيبين، وإنما يكون مع الذين انحاز إليهم من المخالفين.
ولهذا، هذا الدعاء العظيم، الذي نكرره في صلاتنا، في كل ركعة في آخر الفاتحة:
{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [ الفاتحة ].
هذا دعاء عظيم، نسأل الله في كل ركعة من صلاتنا، أن يهدينا لصراط الذين أنعم الله عليهم، وهو الذي جاءت به الرسل - عليهم الصلاة والسلام -، وكان عليه أتباعهم إلى يوم القيامة، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم هو المتبع، والمطاع، والمقتدى به صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نبي آخر الزمان، ومنذ بعثه الله إلى أن تقوم الساعة والناس كلهم مأمورون باتباعه صلى الله عليه وسلم، حتى لو قدر أنه جاء نبي من السابقين فإنه يجب أن يكون متبعا لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (لو كان موسى حيا بين أظهركم، ما حل له إلا أن يتبعني). [رواه أحمد: (3/338 و 387)، والدارمي: (1/115)، والبزار: (124) من حديث جابر بن عبد الله.
ومدار إسناده على مجالد بن سعيد، وهو ضعيف.
قال شعيب في " السير ": (13/324): (لكن الحديث يتقوى بشواهده، منها: حديث عبد الله بن ثابت: عند أحمد: (3/470 - 471). وفي سنده جابر الجعفي، وهو ضعيف.
وحديث عمر: عند أبي يعلى. وفيه: عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي.
وحديث عقبة بن عامر: عند الروياني في مسنده : (9، 50، 2). وفيه: ابن لهيعة.
وحديث أبي الدرداء: عند الطبراني في " الكبير ") اهـ.
انظر: " مجمع الزوائد ": (1/173 - 174).
قال الشيخ حافظ الحكمي في " الجوهرة الفريدة " :
وكان بعثته للخلق قاطبة ** وشرعه شامل لم يعده أحد
ولم يسع أحدا عنها الخروج ولو ** كان النبيون أحياء لها قصدوا ]
وذلك في قوله - تعالى - :(2/13)
{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ} يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم {مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ {81} فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {82} أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ} [ سورة آل عمران ].
فلا دين بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلا دين محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ابتغى غيره من الأديان فإنه لن يقبل منه، ويكون يوم القيامة من الخاسرين :
{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [ سورة آل عمران ]
{غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ}: وهم كل من عنده علم ولم يعمل به، من اليهود وغيرهم من ضلال العلماء، الذين عرفوا الحق وتركوه؛ تبعًا لأهوائهم، وأغراضهم، ومنافعهم الشخصية، يعرفون الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنهم لا يتبعونه، بل يتبعون أهواءهم، ورغباتهم، وما تمليه عليهم عواطفهم، أو انتماءاتهم المذهبية أو غير ذلك، هؤلاء يُعتبرون من {المَغضُوبِ عَلَيهِمْ}، لأنهم عصوا الله على بصيرة، فغَضب الله عليهم.(2/14)
{وَلاَ الضَّالِّينَ}: وهم الذين يعملون بغير علم، ويجتهدون في العبادة، لكنهم على غير طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، كالمبتدعة والمخرّفين، الذين يجتهدون في العبادة، والزهد، والصلاة، والصيام، وإحداث عبادات ما أنزل الله بها من سلطان، ويتبعون أنفسَهم بأشياء لم يأتِ بها الرسولُ صلى الله عليه وسلم. هؤلاء ضالون، عملُهم مرود عليهم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليسَ عليه أمرنا فهو رَدٌّ) [رواه الإمام أحمد في مسنده : (6/180 و 146 و 256)، ورواه البخاري بهذا اللفظ معلقًا: (13/391) في كتاب " الاعتصام ".
ومسلم في صحيحه : (1718)، (18)، والبخاري موصولاً في " خلق أفعال العباد " ص 43، وأبو عوانة: (4/18 - 19)، وأبو داود الطيالسي في مسنده : (1422) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
ورواه بلفظ: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فو رَدٌّ) :
الإمام أحمد: (6/240 و 270)، والبخاري في صحيحه موصولاً: (2697)، ومسلم: (1718) (17)، وأبو داود: (4606)، وابن ماجه: (12)، وأبو عوانة: (4/18)، والبغوي في شرح السنة : (103)، وابن أبي عاصم في " السنة ": (52 - 53)، والبيهقي: (10/119)، والدارقطني: (4/224، 225، 227)، وابن بطة في " الإبانة الكبرى ": (148) بلفظ: (من فعل في أمرنا ما لا يجوز فهو مردود)، وأحمد في مسنده : (6/173) بلفظ: (من صنع أمرًا من غير أمرنا فهو مردود).]
هؤلاء هم (الضالون) ومنهم النصارى، وكل من عبد الله على جهل وضلال، وإن كانت نيته حسنة ومقصده طيبًا، لأنَّ العبرةَ ليستْ بالمقاصد فقط، بل العبرةُ بالاتباع.
ولهذا يُشْتَرَطٌ في كلِّ عملٍ، أن يتوفَّرَ فيه شرطان، ليكونَ مقبولاً عند الله، ومثابًا عليه صاحبُه :
الشرط الأول: الإخلاص لله - عز وجل -
الشرط الثاني: المتابعةُ للرسول صلى الله عليه وسلم قال - تعالى - :(2/15)
{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}. [ سورة البقرة ]
وإسلام الوجهِ يعني: الإخلاصَ للهِ.
والإحسانُ هو المتابعةُ للرسولِ صلى الله عليه وسلم.
فالله - جل وعلا - أمرَ بالاجتماعِ على الكتابِ والسنّةِ، ونهانا عن التفرقِ والاختلاف.
والنبيُّ صلى الله عليه وسلم كذلك أمرنا بالاجتماع على الكتاب والسنّةِ، ونهانا عن التفرق والاختلاف. لما في الاجتماع على الكتاب والسّنة من الخير العاجل والآجل، ولما في التفرقِ من المضارِ العاجلةِ والآجلة في الدنيا والآخرة.
فالأمرُ يحتاجُ إلى اهتمامٍ شديدٍ، لأنه كلما تأخّر الزمانُ كَثُرتِ الفِرَقُ، وكثرتِ الدعايات، كثرتِ النِّحَلُ والمذاهبُ الباطلةُ، كثرتِ الجماعاتُ المتفرقةُ. لكن الواجب على المسلم أن يَنْظُرَ، فما وافق كتابَ الله وسنّةَ رسولهِ صلى الله عليه وسلم أخذَ به، ممن جاءَ به، كائنًا من كان؛ لأن الحقَّ ضالةُ المؤمن.
أما ما خالف ما كان عليه الرسولُ صلى الله عليه وسلم تركَه، ولو كان مع جماعتِهِ، أو مع من ينتمي إليهم، مادام أنهُ مخالفُ للكتاب والسنّة؛ لأن الإنسان يريدُ النجاةَ لا يريدُ الهلاكَ لنفسه.
والمجاملةُ لا تنفعُ في هذا، المسألةُ مسألةُ جنّةٍ أو نار، والإنسانُ لا تأخذُه المجاملةُ، أو يأخذه التعصبُ، أو يأخذُه الهوى في أن ينحازَ مع غير أهل السنّةِ والجماعةِ، لأنه بذلك يضرٌّ نفسّهُ، ويُخرِجُ نفسَه من طريق النجاةِ إلى طريقِ الهلاكِ.
وأهلُ السنّةِ والجماعةِ، لا يضُّرهم من خالفهم سواءً كنتَ معهم، أو خالفتَهم. إن كنتَ معهم، أو خالفتهم. إن كنتَ معهم فالحمدُ لله، وهم يفرحون بهذا، لأَّنهم يريدون الخيرَ للناس، وإن خالفتَهم فأنتَ لا تضرُّهم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتيَ أمرُ الله وهم كذلك).(2/16)
أخرجه بهذا اللفظ: مسلم: (1920)، وأبو داود: (4252)، وفيه: " لا يضرهم من خالفهم "، وزيادةٌ طويلةٌ في أوَّلِه. وأخرجه - أيضًا - الترمذي: (2229) مختصرًا وصحَّحه، وأخرجه ابن ماجة في " المقدمة ": (10) وفي: (3952) مطوَّلاً، وأخرجه أحمد: (5/278) مطولاً، وفي: (5/279) مختصرًا.
وأبو عوانة: (5/109) مختصرًا، وأبو نعيم: (192)، والبيهقي: (9/181)، والحاكم: (4/449) مطولاً.
وأخرجه من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - :
البخاري: (3640) (959)، ومسلم: (1921)، وأحمد: (4/244، 252)، والدارمي: (3437)، وأبو عوانة: (5/109)، واللالكائي: (167)، وأبو نعيم: (437)، والطبراني في " الكبير ": (659) (960) (962).
وأخرجه من حديث معاوية - رضي الله عنه - :
البخاري: (3641)، ومسلم: (3/1524)، وأحمد: (4/101)، وأبو عوانة: (5/106 - 107)، واللالكائي: (166)، وأبو نعيم: (311)، والبغوي في تفسيره : (2/218) مختصرًا.
وأخرجه من حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه - :
الإمام أحمد: (5/103)، ومسلم: (1922)، وأبو عوانة: (5/105)، والطبراني في " الكبير ": (1819)، والحاكم: (4/449).
وأخرجه من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - :
مسلم: (1923)، وأبو عوانة: (5/105)، وأحمد: (3/345، 384) وأبو يعلى في مسنده : (313)، والبيهقي: (8/180).
ومن حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - :
أخرجه مسلم: (1925)، وأبو عوانة: (5/109)، واللالكائي: (170)، وأبو نعيم: (214).
ورُويَ الحديثُ عن عدد من الصحابة غير هؤلاء، منهم: عمر بن الخطاب، وسلمة الكندي، وعمران بن حصين، والنواس بن سمعان، وأبو أمامة، وقرة المزني، وأبو هريرة - رضي الله عنهم -. ]
فالمخالفُ لا يضرُّ إلا نفسَه.(2/17)
وليست العبرةُ بالكثرةِ، بل العبرةُ بالموافقةِ للحق [ هذا هو الحق الذي ندينُ الله به، بخلاف ما اعتمدتهُ بعضُ الجماعات في الدعوةِ إلى الله؛ بأن الهدف هو التجميعُ والتكتيلُ فقط، ولو اختلفتِ العقائدُ، فيجعلون في جماعتِهم الأشعريَّ، والجهميَّ، والمعتزليَّ، والرافضيَّ، وربما النصرانيَّ واليهوديَّ، ويقولون: (نجتمع على ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه !). ]
، ولو لم يكنْ عليه إلا قِلَّةٌ من الناس، حتى ولو لم يكن في بعض الأزمان إلا واحدٌ من الناس؛ فهو على الحق، وهو الجماعة.
فلا يلزمُ من الجماعةِ الكثرةُ، بل الجماعةُ من وافقَ الحقَّ، ووافقَ الكتاب والسنّة، ولو كان الذي عليه قليلٌ.
أما إذا اجتمعَ كثرةٌ وحقٌ، فالحمد لله هذا قوة.
أما إذا خالفته الكثرة، فنحن ننحازُ مع الحقِّ، ولو لم يكنْ معه إلا القليلُ.
وكما أخبرَ به صلى الله عليه وسلم من حصول التفرق والاختلاف قد وقَعَ، ويتطور كلما تأخَّرَ الزمان، يتطوَّرُ التفرقُ والاختلاف إلى أن تقوم الساعةُ، حكمةٌ من الله - سبحانه وتعالى -، ليبتلي عبادَهُ، فيتميزُ من كان يطلبُ الحقَّ، ممن يؤثرُ الهوى والعصبية :
{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [ سورة العنكبوت ].
وقال - سبحانه وتعالى - :
{وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}. [ سورة هود ]
فحصول هذا التفرق، وهذا الاختلاف؛ ابتلاءٌ من الله - سبحانه وتعالى -، وإلا فهو قادر - سبحانه - أن يجمعَهم على الحق :
{وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [ سورة الأنعام، الآية: 35}.(2/18)
هو قادر على هذا، لكنَّ حكمتَهُ اقَتضَتْ أنْ يبتليَهم بوجودِ التفرق والاختلاف، من أجل أنْ يتميزَ طالبُ الحقِّ من طالبِ الهوى والتعصب.
ومازالَ علماءُ الأمة في كلِّ زمانٍ ومكانٍ ينهون عن هذا الاختلاف، ويوصون بالتمسك بكتابِ الله وسنّةِ رسولهِ صلى الله عليه وسلم في كتبهم التي بقيتْ بعدَهم.
تجدون في كتاب " صحيح البخاري " مثلاً: " كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة ".
تجدون في كتب العقائد ذكرَ الفرقِ الهالكة، وذكرَ الفِرقة الناجية.
وأقربُ شيئٍ لكم شرحُ الطحاوية، وهي بين أيديكم الآن.
والغرضُ من هذا بيانُ الحقِّ منن الباطل؛ إذ وقعَ ما أخبرَ به صلى الله عليه وسلم من التفرق والاختلاف.
فالواجبُ أن نعملَ بما أوصانا به الرسولُ صلى الله عليه وسلم في قوله: " فعليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي ". [ سَبَقَ تخريجه ص: 7، وهو جزءٌ من حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه -. ]
لا نجاةَ من هذا الخطر إلا بالتمسكِ بكتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تحسبَنَّ هذا الأمرَ يَحْصُلُ بسهولةٍ، لا بد أن يكونَ فيه مشقةً.
لكن يحتاج إلى صبرٍ وثباتٍ، وإلا فإن المتمسك بالحقِّ - خصوصًا في آخر الزمان - سيعاني من المشاق، ويكونُ القابضُ على دينِه كالقابضِ على الجمرِ، كما صَحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم [ أخرجه الترمذي: (2260)، وابن بطة في " الإبانة الكبرى ": (195) عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يأتي على الناس زمانٌ، الصابرُ فيهم على دينه كالقابِضِ على الجمر " وفيه: عمر بن شاكر: ضعيف، كما في " التقريب ".
والحديث حّسَّنَهُ السيوطي كما في " الجامع الصغير ": (9988)، وأورده الألباني في " الصحيحة " برقم: (957) وصَحَّحَه.
وللحديث شواهد:(2/19)
الأول: أخرجه أحمد في مسنده (2/390 - 391) عن أبي هريرة مرفوعًا، ولفظه: " ويلٌ للعربِ من شرٍّ قد اقترب؛ فِتَنًا كقِطَعِ الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، يبيع قومٌ دينَهم بعَرَضٍ من الدنيا قليل، المتمسك يومئذٍ على دينه كالقابضِ على الجمر - أو قال: على الشوك - " وفيه: ابن لهيعة، قال الألباني بعده - كما في الصحيحة: (2/682) -: (قلتُ: وإسناده لا بأسَ به في الشواهد، رجاله ثقات، غيرَ ابن لهيعة؛ فإنه سيء الحفظ).
الثاني: أخرجه الترمذي: (3058)، وأبو داود: (4341)، وابن ماجه: (4063)، والبغوي في شرح السنة : (14/344)، وفي تفسيره : (3/110) بلفظٍ مطوَّل في آخره: ".. فإن من ورائكم أيامًا، الصبرُ فيهنَّ مثلُ القبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملَكم ".
ومدار إسناده على:
1 - عتبة بن أبي حكيم: صدوق يخطئ.
2 - عمرو بن جارية: مقبول.
3 - أبي أُميَّةَ الشَّعْباني الدمشقي: مقبول.
الثالث: عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعًا بلفظ: " يأتي على الناس زمانٌ، المتمسكُ فيه بسنتي عند اختلافِ أمتي كالقابضِ على الجمر ".
قال الألباني بعده - (2/683) " الصحيحة " -: (أخرجه أبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " ق 118/2، والضياء المقدسي في " المنتقى.. ": 99/1... وقد عزاه السيوطي للحكيم الترمذي عن ابن مسعود، وبيض له المناوي !.
وجملة القول: أنَّ الحديثَ بهذه الشواهد - أي: حديثَ أنس السابق - صحيحٌ ثابتٌ، لأنَّه ليسَ في شيء من طرقها متهم، لا سيما وقد حسَّنَ بعضها الترمذي وغيرُه. والله أعلم) اهـ.
قال المباركفوري في شرحه لحديث أنس السابق، في " تحفة الأحوذي ": (6/445): (قال الطيبي: " المعنى: كما لا يقدر القابض على الجمر أن يصبرَ لإحراق يدِه، كذلك المتدينُ يومئذٍ لا يقدرُ على ثباتِه على دينِه؛ لغلَبةِ العصاَةِ والمعاصي، وانتشار الفسقِ، وضعفِ الإيمان " انتهى.(2/20)
قال القاري: " الظاهرُ أن معنى الحديثِ: كَما لا يمكنُ القَبضُ على الجمرةِ إلا بصبرٍ شديدٍ وتحمل غلبةِ المشقةِ، كذلك في ذلك الزمان، لا يتصوَّرُ حفظُ دينِهِ ونورِ إيمانِه إلا بصبرٍ عظيمٍ " انتهى) اهـ من التحفة. ]، والمتمسكون بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والسائرون على منهج السلف؛ يكونون غرباء في آخر الزمان، كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: " فطوبى للغرباء الذين يُصْلِحُونَ ما أفسدَ الناسُ من بعدي من سنتي ". [ أخرجه الترمذي: (2630) بهذا اللفظ وقال: " حسن صحيح "، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية ": (98)، والبغوي معلقًا في شرح السنة : (1/120 - 121) من حديث عمرو بن عوف - رضي الله عنه -.
وفي سنده كثير بن عبد الله المزني: متروك.
والحديث صحيح من وجوهٍ أخرى؛ فأخرجه مسلم في صحيحه : (145) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: " بدأ الإسلام غريبًا وسيعودُ - كما بدأ - غريبًا، فطوبى للغرباء ".
ورواه أحمد: (2/389)، وابن ماجه: (3986)، واللالكائي: (174)، والآجري في كتاب " الغرباء ": (4)، وابن منده في " الإيمان ": (422 - 423).
ومن حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - :
رواه مسلم: (146)، وابن منده في " الإيمان ": (421).
ومن حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - :
رواه أحمد: (1/398)، والترمذي: (2629)، وابن ماجه: (3988)، والدارمي: (2758)، والآجري في كتاب " الغرباء ": (2)، والبغوي في شرح السنة : (64).
وأخرجه أحمد (1/184) من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -.
وأخرجه ابن ماجه: (3987)، والآجري في كتاب " الغرباء ": (5) من حديث أنس - رضي الله عنه -. ]
وفي رواية: " الذين يَصْلُحُونَ إذا فسدَ الناسُ ". [ أخرج الحديثَ بهذا اللفظ:(2/21)
الطبراني في " الكبير ": (7659)، والآجري في كتاب " الغرباء ": (5) من حديث أبي الدرداء، وأبي أمامة، وواثلة بن الأسقع، وأنس بن مالك - رضي الله عنهم -. وفي إسناده كثير بن مروان الشامي: متروك.
وأخرجه اللالكائي: (173)، والطبراني في " الأوسط " كما في المجمع: (7/278) من حديث جابر - رضي الله عنه -، وفيه: أبو عياش النعمان المعافري: مجهول.
ومن حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - :
أخرجه أبو يعلى في مسنده . ذكره في " المطالب العالية " لابن حجر: (483).
ومن حديث عبد الرحمن بن سنة:
أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في " الزوائد ": (4/73 - 74)، وابن عدي في " الكامل ": (4/1615).
ومن حديث سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - :
أخرجه الطبراني في " الكبير ": (6/202)، وفيه: بكر بن سليم الصواف: ضعيف.]
فهذا يحتاجُ إلى العلم أولاً؛ بكتابِ الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعلمِ بمنهجِ السلف الصالح وما كانوا عليه.
ويحتاجُ التسمكُ بهذا إلى صبرٍ على ما يلحقُ الإنسانَ من الأذى في ذلك، ولذلك يقولُ - سبحانه وتعالى - :
{وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}. [ سورة العصر ]
{وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} هذا يدلُ على أنَّهم سيلاقون مشقةً في إيمانهم وعملهم، وتواصيهم بالحق، سيلاقون عنتًا من الناس، ولومًا من الناس وتوبيخًا، وقد يلاقون تهديدًا، أو قد يلاقون قتلاً وضربًا، ولكن يصبرون، ماداموا على الحق، يصبرون على الحق ويثبتون عليه، وإذا تبين لهم أنَّهم على شيءٍ من الخطأ يرجعون إلى الصواب، لأنه هدفُهم.
لقد حدثَ التفرقُ في وقتٍ مبكرٍ، ونحنُ في هذهِ المحاضرةِ سنتكلمُ عن أربعِ فرقٍ، هي أصول الفرقِ تقريبًا.
$الفرقة الأولى : القدرية
فأولُ ما حدثُ، فرقةُ " القدرية " في آخر عهد الصحابة.(2/22)
" القدريةُ ": الذين ينكرونَ القدرَ، ويقولون: إنَّ ما يجري في هذا الكون ليس بقدر وقضاءٍ من الله - سبحانه وتعالى -، وإنما هو أمرٌ يحدثُ بفعل العبد، وبدون سابقِ تقدير من الله - عز وجل -، فأنكروا الركن السادسَ من أركانِ الإيمان، لأنَّ أركانَ الإيمان ستةٌ: الإيمانُ بالله، وملائكتِهِ، وكتبِه، ورسلِه، واليومِ الآخرِ، والإيمانِ بالقدرِ خيره وشره، كُلِّه من الله - سبحانه وتعالى -.
وسُمُّوا " بالقدرية "، وسُمًّوا " بمجوس " هذه الأمة، لماذا ؟.
لأنهم يزعمون أنَّ كُلَّ واحدٍ يَخْلُقُ فعلَ نفسِه، ولم يكنْ ذلك بتقديرٍ من الله، لذلك أثبتوا خالقين مع الله كالمجوس الذين يقولون: (إنَّ الكونَ له خالقانِ: " النور والظلمة "، النورُ خلقَ الخيرَ، والظلمةُ خلقَتِ الشرَّ).
" القدريةُ " زادوا على المجوسِ، لأنهم أثبتوا خالقَين متعدَّدِين، حيث قالوا: (كُلٌ يخلُقُ فعلَ نفسِه)، فلذلك سُمُّوا " بمجوسِ هذه الأمة ".
وقابَلَتْهم " فرقةُ الجبرية " الذين يقولون: " إنَّ العبدَ مجبورٌ على فعلِه، وليس له فعلٌ ولا اختيارٌ، وإنما هو كالريشةِ التي تحركُها الريحُ بغير اختيارها.
فهؤلاء يُسَمَّونَ " بالجبرية " وهم " غُلاةُ القدرية "، الذين غلوا في إثبات القدر، وسَلَبوا العبدَ الاختيارَ.
والطائفةُ الأولى منهم على العكس، أثبتوا اختيارَ الإنسان وغَلَو فيه، حتى قالوا: إنه يخلُقُ فِعْلَ نفسِهِ مستقلاً عن الله، تعالى الله عما يقولون.
وهؤلاء يُسمَّون " بالقدرية النفاةِ ". ومنهم: " المعتزلةُ ", ومن سارَ في ركابهم.
هذه فرقة القدرية بقسميها:
1 - الغلاةُ في النفي.
2 - والغلاةُ في الإثباتِ.(2/23)
وتفرَّقتِ " القدريةُ " إلى فرقٍِ كثيرةٍ، لا يعلمها إلا الله؛ لأنَّ الإنسانَ إذا تركَ الحق فإنه يهيمُ في الضلال، كُلُّ طائفةٍ تُحدثُ لها مذهبًا وتنشقُ به عن الطائفة التي قبلها، هذا شأنُ أهلِ الضلالِ؛ دائمًا في انشقاقٍ، ودائمًا في تفرقٍ، ودائمًا تحدثُ لهم أفكارٌ وتصوراتٌ مختلفة متضاربة.
أما أهلُ السنّةِ والجماعةِ؛ فلا يَحدُثُ عندَهم اضطرابٌ ولا اختلافٌ، لأنهم متمسكون بالحق الذي جاء عن الله - سبحانه وتعالى -، فهم معتصمون بكتابِ الله وبسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فلا يَحْصُلُ عندَهم افتراقٌ ولا اختلافٌ، لأَّنهم يسيرونَ على منهجٍ واحدٍ.
$الفرقة الثانية : الخوارج
وهم الذين خرجوا على ولي الأمر في آخر عهدِ عثمان - رضي الله عنه -، ونتَجَ عن خروجهم قتلُ عثمان - رضي الله عنه -.
ثم في خلافةِ علي - رضي الله عنه - زادَ شرُهم، وانشقوا عليه، وكفّروه، وكفّروا الصحابة؛ لأنهم لم يوافقوهم على مذهبهم، وهم يحكُمون على من خالفَهم في مذهبهم أنه كافرٌ، فكفّروا خيرةَ الخلقِ وهم صحابةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. لماذا ؟. لأنَّهم لم يوافقوهم على ضلالِهم وعلى كفرهم.
ومذهبُهم: أنَّهم لا يلتزمون بالسنّة والجماعة، ولا يطيعون وليَّ الأمر، ويرون أن الخروجَ عليه من الدين، وأن شَقَّ العصا من الدين [وفي عصرنا ربما سمّوا من يرى السمعَ والطاعةَ لأولياء الأمور في غير ما معصية عميلاً، أو مداهنًا، أو مغفلاً. فتراهم يقدحون في وَليَّ أمرهم، ويشِّهرون بعيوبه من فوق المنابر، وفي تجمعاتهم، والرسولُ صلى الله عليه وسلم يقولُ: (من أرادَ أن ينصحَ لسلطان بأمر؛ فلا يبدِ له علانيةً ولكن ليأخذْ بيدِه، فيخلوا به، فإن قَبِلَ منه فذَّاكَ، وإلا كان قد أدَّى الذي عليه) رواه أحمد: (3/404) من حديث عياض بن غنم - رضي الله عنه -، ورواه - أيضًا - ابن أبي عاصم في " السنة ": (2/522).(2/24)
أو إذا رأى وليُّ الأمرِ إيقافَ أحدِهم عن الكلام في المجامع العامة؛ تجمعوا وساروا في مظاهرات، يظنونَ - جهلاً منهم - أنَّ إيقافَ أحدِهم أو سجنَهُ يسوغُ الخروج، أوَلَمْ يسمعوا قولَ النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله عنه -، عند مسلم (1855): (لا. ما أقاموا فيكم الصلاة).
وفي حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - في " الصحيحين ": (إلا أن تروا كفرًا بواحًا، عندكم فيه من الله برهان) وذلك عند سؤال الصحابة واستئذانهم له بقتال الأئمة الظالمين.
ألا يعلمُ هؤلاء كم لبثَ الإمامُ أحمدُ في السجنِ، وأينَ ماتَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية ؟!.
ألم يسجن الإمام أحمد بضع سنين، ويجلد على القول بخلق القرآن، فلما لم يأمر الناس بالخروج على الخليفة ؟!.
وألم يعلموا أن شيخ الإسلام مكث في السجن ما يربو على سنتين، ومات فيه، لِمَ لَمْ يأمرِ الناسَ بالخروجِ على الوالي - مع أنَّهم في الفضلِ والعلمِ غايةٌُ، فيكف بمن دونهم - ؟؟!.
إنَّ هذه الأفكارَ والأعمالَ لم تأتِ إلينا إلا بعدما أصبحَ الشبابُ يأخذون علمَهم من المفكِّرِ المعاصرِ فلان، ومن الأديب الشاعرِ فلان، ومن الكاتبِ الإسلامي فلان، ويتركونَ أهل العلمِ، وكتبَ أسلافِهم خلفَهم ظهريًا؛ فلا حولَ ولا قوّةَ إلا بالله. ]، وعكس ما أمر الله به في قوله:
{أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}. [ سورة النساء، الآية: 59 ]
الله - جل وعلا - جعل طاعة ولي الأمر من الدين، والنبي صلى الله عليه وسلم جَعَلَ طاعةَ وليِّ الأمرِ من الدين قال صلى الله عليه وسلم: (أوصيكم بتقوى الله والسمعِ والطاعةِ، وإن تأَمَّرَ عليكم عبدٌ، فإنه من يعشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا..). [ سبق تخريجه ص: 7. ]
فطاعةُ وليِّ الأمرِ المسلمِ من الدين. و " الخوارجُ " يقولون: لا، نحنُ أحرارٌ. هذه طريقة الثوراتِ اليوم.(2/25)
فـ " الخوراجُ " الذين يريدونَ تفريقَ جماعةِ المسلمين، وشّقَّ عصا الطاعة، ومعصية الله ورسولهِ في هذا الأمر، ويرون أن مرتكبَ الكبيرةِ كافرٌ.
ومرتكبُ الكبيرة هو: الزاني - مثلاً -، والسارقُ، وشاربُ الخمر؛ يرون أنه كافرٌ، في حين أنَّ أهلَ السنّةِ والجماعةِ يرون أنهُ " مسلمٌ ناقصُ الإيمان " [ حتى لو فعل الكبيرة مستخفًا بها لا يكفر ما لم يستحلها، خلافًا لما يقوله بعضُهم: من أنَّ مرتكبَ الكبيرة إذا كان مستخفًا يكفر كفرًا مخرجًا عن الملَّة.
وهذا القولُ هو عينُ قولِ الخوارجِ، كما قال ذلك شيخنا الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، عندما سئل عنه بالطائف عام 1415 هـ. ]
، ويسمونه بالفاسق الملَّي؛ فهو " مؤمنٌ بإيمانهِ فاسقٌ بكبيرته "، لأنه لا يخُرِجُ من الإسلام إلا الشركُ أو نواقضُ الإسلام المعروفة، أما المعاصي التي دون الشرك؛ فإنها لا تُخرجُ من الإيمانِ، وإن كانتْ كبائرَ، قال الله - تعالى - :
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [ سورة النساء، الآيتان: 48، 116 ].
و " الخوارجُ " يقولون: مرتكبُ الكبيرة كافرٌ، ولا يٌغفرُ له، وهو مخلّدٌ في النار. وهذا خلافُ ما جاءَ في كتاب الله - سبحانه وتعالى -.
والسببُ: أنهم ليسَ عندهم فقهٌ.
لاحظُوا أن السببَ الذي أوقَعَهُم في هذا أنهم ليس عندَهم فقه، لأنَّهم جماعةٌ اشتدوا في العبادةِ، والصلاةِ، والصيامِ، وتلاوةِ القرآنِ، وعندهم غَيرةٌ شديدةٌ، لكنهم لا يفقهون، وهذه هي الآفة.
فالاجتهادُ في الورعِ والعبادةِ؛ لا بدَّ أن يكونَ مع الفقه في الدين والعلم.(2/26)
ولهذا وصفهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه، بأن الصحابةَ يحقرون صلاتهم إلى صلاتهم، وعبادتهم إلى عبادتهم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: " يمرُقُون من الدين كما يمرق السهم من الرَّمَّيةِ " [ جزءٌ من حديثٍ طويل، أخرجه أحمد: (3/73)، والبخاري: (7432)، ومسلم: (1064)، والنسائي: (2577) (4112)، وأبو داود: (7464)، والطيالسي: (2234) من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -.
ومن حديث علي ابن أبي طالب - رضي الله عنه - :
البخاري: (3611) (5057) (6930)، ومسلم: (1066)، وأبو داود: (4767)، والطيالسي: (168)، والنسائي: (4113)، وأحمد: (1/81) (1/113).
ومن حديث جابر - رضي الله عنه -، عند: أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
ومن حديث سهل بن حنيف - رضي الله عنه -، عند: الشيخين، والنسائي.
ومن حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، عند: أحمد، والترمذي، وابن ماجه.
ومن حديث أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه -، عند: أحمد، والطيالسي، والنسائي، والحاكم.
ومن حديث أبي سعيد وأنس - رضي الله عنهما -، عند: أحمد، وأبي داود، والحاكم في " مستدركه ".
ومن حديث أبي بكرة - رضي الله عنه -، عند: أحمد، والطبراني.
ومن حديث عامر بن وائلة - رضي الله عنه -، عند: الطبراني. ]
مع عبادتهم، ومع صلاحهم، ومع تهجدهم وقيامهم بالليل، لكن لما كان اجتهادُهم ليس على أصلٍ صحيحٍ، ولا على علمٍ صحيح، صار ضلالاً ووباءً وشرًا عليهم وعلى الأمةِ.
وما عُرِفَ عن " الخوارجِ " في يومٍ من الأيام أنهم قاتلوا الكفار، أبدًا، إنما يقاتلون المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم: " يقتلون أهلَ الإسلامِ ويَدَعُون أهلَ الأوثانِ ". [ جزءٌ من حديثٍ طويل، أخرجه أحمد: (3/73) (3/68) ومختصرًا: (3/72)، والبخاري: (7432) (4667) مختصرًا، ومسلم: (1064)، والنسائي: (2577) (4112)، وأبو داود: (7464)، والطيالسي: (2234). ](2/27)
فما عرفنا في تاريخ " الخوارجِ "، في يومٍ من الأيام أنَّهم قاتلوا الكفار والمشركينَ، وإنما يقاتلون المسلمين دائمًا: قتلوا عثمان. وقتلوا علي بن أبي طالب. وقتلوا الزبير بن العوام. وقتلوا خيار الصحابة. وما زالوا يقتلون المسلمين.
وذلك بسبب جهلهم في دين الله - عزَّ وجلَّ -، مع ورَعِهم، ومع عبادتهم، ومع اجتهادهم، لكن لما لم يكنْ هذا مؤسَّسًا على علمٍ صحيح؛ صارَ وبالاً عليهم، ولهذا يقول العلامةُ ابنُ القيم في وصفهم :
(وَلَهُمْ نُصُوصٌ قَصَّروا في فَهْمِهَا ** فَأُتُوْا مِنَ التقْصِيرِ في العِرْفَانِ)
[ نونية ابن القيم المسمّاة: " الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية " ص: 97. ]
فهم استدلوا بنصوصٍ وهم لا يفهمونها، استدلوا بنصوصٍ من القرآن ومن السنّة؛ في الوعيدِ على المعاصي، وهم لا يفقهون معناها، لم يُرجعوها إلى النصوص الأخرى، التي فيها الوعدُ بالمغفرة، والتوبة لمن كانت معصيتُه دون الشرك؛ فأخذوا طرفًا وتركوا طرفًا. هذا لجهلهم.
والغيرةُ على الدين والحماسُ لا يكفيان، لا بد أَنْ يكونَ هذا مؤسَّسًا على علمٍ، وعلى فقهٍ في دين الله - عز وجل -، يكونُ ذلك صادرًا عن علمٍ، وموضوعًا في محله.
والغيرةُ على الدين طيبةٌ، والحماسُ للدين طيِّب، لكن لا بد أن يُرشًَّدَ ذلك باتباع الكتابِ والسنة.
ولا أَغْيَرَ على الدين، ولا أنصحَ للمسلمين؛ من الصحابة - رضي الله عنهم -، ومع ذلك قاتلوا " الخوارج "؛ لخطرهم وشرِّهم.(2/28)
قاتَلهم عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -، حتى قتَلهم شرَّ قِتْلَةٍ في وقعةِ " النهروان "، وتحقق في ذلك ما أخبر به صلى الله عليه وسلم: من أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بَشَّرَ من يقتُلُهم بالخير والجنة. فكان علي بن أبي طالب هو الذي قتلَهم، فحصَلَ على البشارةِ من الرسول صلى الله عليه وسلم. [ روى البخاري في صحيحه : (6930)، ومسلم في صحيحه : (1066)، وأحمد في مسنده : (1/113)، وابن أبي عاصم في " السنة ": (914)، وعبد الله ابن الإمام أحمد في " السنة ": (1487) :
عن علي - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يخرجُ في آخرِ الزمانِ قومٌ أحداثُ الأسنانِ، سفهاءُ الأحلامِ، يقولون من خير قول البريةِ، لا يجاوزُ إيمانُهم حناجرَهم، فأينما لقيتموهم فاقُتلوهُم؛ فإنًّ قَتْلَهم أجرٌ لمن قتَلَهم يوم القيامة ".
قال أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - بعدما روى حديثًا في الخوارج وعلاماتِهم، رواه أحمد في " المسند ": (3/33)، وابنه في " السنة ": (1512) - قال: (فحدثني عشرون أو بضعٌ وعشرون من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ عليًّا وَلِيَ قتْلَهم).
وروى أحمد: (1/59)، ومسلم: (1066)، وعبد الله بن الإمام أحمد في " السنة ": (1471) عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يخرجُ قومٌ فيهم رجلٌ مودنٌ اليدِ، أو مثدون اليدِ، أو مخدج اليدِ، ولولا أن تبطروا لأنبأتكم بما وَعَدَ الله الذين يقاتلونهم على لسان نبيه ".
وروى مسلم: (1065)، وأبو داود: (4667)، وعبد الله بن الإمام أحمد في " السنة ": (1511) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تَمرق مارقةٌ في فِرقَةٍ من المسلمين، يقتُلُهما أولى الطائفتين بالحق).
هذا، وقد جاء الأمرُ بقتلِهم وفضلِه في أحاديثَ كثيرةٍ، ليسَ هذا مجالُ ذِكرِها. ]
قَتَلَهُم ليدفعَ شرَّهم عن المسلمين.(2/29)
وواجبٌ على المسلمين في كلِّ عصرٍ إذا تحققوا من وجودِ هذا المذهبِ الخبيثِ؛ أن يعالجوه بالدعوة إلى الله أولاً، وتبصيرِ الناس بذلك؛ فإن لم يمتثلوا قاتَلُوهم دفعًا لشرِّهم.
وعليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - أرسلَ إليهم ابنَ عمه: عبدَ الله بنَ عباس، حَبْرَ الأمة، وترجمانَ القرآن؛ فناظرَهم، ورَجَعَ منهم ستَّةُ آلاف، وبقي منهم بقيةٌ كثيرةٌ لم يرجعوا، عندَ ذلك قاتَلَهم أميرُ المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالب ومعه الصحابة؛ لدفعِ شرِّهم وأذاهم عن المسلمين.
هذه " فرقةُ الخوراج " ومذهبُهم.
$الفرقة الثالثة : الشيعة
" الشيعة ": هم الذين يتشيّعون لأهلِ البيت.
و " التشيّع " في الأصل: الاتباعُ والمناصرةُ :
{وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ}. [ سورة الصافات ]
يعني: أتباعه إبراهيم، ومن أنصار ملتِه؛ لأنَّ الله - سبحانه - لما ذكر قصةَ نوحٍ قال: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ}.
فأصلُ " التشيّع ": الاتباعُ والمناصرةُ، ثم صار يُطلقُ على هذه الفِرقة، التي تزعم أنها متَّبعةٌ لأهل البيت - وهم: عليُّ بنُ أبي طالب - رضي الله عنه - وذريتُه -.
ويزعمون أن عليًّا هو الوصي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم على الخلافِة، وأنَّ أبا بكر، وعمرَ، وعثمانَ، والصحابةَ؛ ظلموا عَليَّا، واغتصبوا الخلافةَ منه. هكذا يقولون.
وقد كذبوا في ذلك، لأن الصحابة أجمعوا على بيعة أبي بكرٍ ومنهم عليٌّ - رضي الله عنه -، حيثُ بايَعَ لأبي بكرٍ، وبايعَ لعمر، وبايعَ لعثمان.
فمعنى هذا: أنهم خونوا عليًّا - رضي الله عنه -.
وقد كَفَّروا الصحابةَ إلا عددًا قليلاً منهم، وصاروا يعلنونَ أبا بكرٍ وعمرَ، ويلقِّبونهما " بصنمي قريش ".
ومن مذهبهم: أنهم يُغلون في الأئمةِ من أهلِ البيت، ويُعطونَهم حقَّ التشريع ونسخَ الأحكام.(2/30)
ويزعمون أن القرآن قد حُرِّفَ ونُقِّصَ، حتى آل بهم الأمرُ إلى أن اتخذوا الأئمةَ أربابًا من دون الله، وبنوا على قبورهم الأضرحةَ، وشَيَّدوا عليها القبابَ، وصاروا يطوفونَ بها، ويذبحون لها وينذرون.
وتفَّرقت " الشيعة " إلى فرقٍ كثيرة، بعضُها أخَفُّ من بعض، وبعضُها أشَدُّ من بعض، منهم: " الزيدية "، ومنهم: " الرافضة الإثنا عشرية "، ومنهم: " الإسماعيلية " و " الفاطمية "، ومنهم: " القرامطة "، ومنهم..، ومنهم..، عددٌ كبيرٌ، وفِرَقٌ كثيرة.
وهكذا.. كلُّ من تركَ الحقَّ فإنهم لا يزالون في اختلافٍ وتفَرُّقٍ، قال - تعالى - :
{فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. [ سورة البقرة ]
فمن تركَ الحقَّ يُبتلى بالباطل، والزيغِ، والتفرُّقِ، ولا ينتهي إلى نتيجة، بل إلى الخسارة - والعياذُ بالله -.
وتفرَّقت " الشيعةُ " إلى فرقٍ كثيرةٍِ، ونِحَلٍ كثيرة.
وتفرَّقت " القدرية ".
وتفرَّقت " الخوارج " إلى فرق كثيرة: " الأزارقة "، و " الحرورية "، و " النجدات "، و " الصفرية "، و " الإباضية "، ومنهم الغلاةُ، ومنهم من هو دون ذلك.
$الفرقة الرابعة : الجهمية
" الجهميةُ "، وما أرداك مالجهمية ؟!!.
" الجهميةُ ": نسبةً إلى " الجهم بن صفوان "، الذي تتلمذَ على " الجعد بن دِرهم "، و " الجعد بن درهم " تتلمذَ على " طالوت "، و " طالوت " تتلمذ على " لبيد بن الأعصم " اليهودي؛ فهم تلاميذ اليهود.
وما هو " مذهبُ الجهمية " ؟.
" مذهبُ الجهمية ": أنهم لا يُثبتون لله اسمًا ولا صفةً، ويزعمون أنه ذاتٌ مجرَّدةٌ عن الأسماءِ والصفاتِ؛ لأن إثباتَ الأسماءِ والصفاتِ - بزعمهم - يقتضي الشركَ، وتعدُّدَ الآلهة - كما يقولون -.
هذه شبهتُهم اللعينة.(2/31)
ولا ندري ماذا يقولون في أنفسهم ؟. فالواحدُ منهم يوصفُ بأنه عالمٌ، وبأنه غنيٌّ، وبأنه صانعٌ، وبأنه تاجرٌ. فالواحدُ منهم له عِدَّةُ صفاتٍ، هل معنى ذلك أن يكونَ عِدَّةَ أشخاصٍ ؟؟!!.
هذه مكابرةٌ للعقولِ؛ فلا يلزمُ من تعددِ الأسماءِ والصفاتِ تعدُّدَ الآلهةِ، ولهذا لمَّا قال المشركون من قبلُ لَمَّا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يا رحمن، يا رحيم) قالوا: هذا يزعم أنه يعبدُ إلهًا واحدًا، وهو يدعو آلهةً متعددةً، فأنزل الله - سبحانه وتعالى - قوله :
{قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} [ تفسير ابن كثير: (4/359). ] [ سورة الإسراء، الآية: 110 ]
فأسماء الله كثيرة، هي تُدلُّ على كمالِه وعظمتِه - سبحانه وتعالى -، لا تدلُّ على تعدُّدِّ الآلهةِ - كما يقولون -، بل تدلُّ على العظمة، وعلى الكمالِ.
أما الذاتُ المجرَّدةُ التي ليس لها صفاتٌ فهذهِ لا وجودَ لها، مستحيلٌ يوجدُ شيٌء وليس له صفاتٌ، أبدًا، ولو على الأقل صفة الوجود.
ومن شبههم: " أن إثباتَ الصفاتِ يقتضي التشبيه، لأنَّ هذه الصفات يوجد مثلها في المخلوقين ".
وهذا قولٌ باطل، لأنَّ صفات الخالق تليق به، وصفات المخلوقين تليقُ بهم؛ فلا تشابه.
و " الجهميةُ " جمعوا إلى ضلالِهم في الأسماء والصفاتِ الجبرَ في القدر، لأن " الجهميةَ " يقولون: (إنَّ العبدَ ليس له مشيئةٌ، وليس له اختيارٌ، وإنما هو مُجْبَرٌ على أفعالِه).
ومعنى هذا: أنَّه إذا عُذِّبَ على المعصيةِ يكونُ مظلومًا، لأنَّها ليستْ فِعْلَهُ، وإنما هو مجبرٌ عليها - كما يقولون -، تعالى الله عن ذلك.
فهم جمعوا بين " الجبرِ في القدر "، وبين " التجهُّم في الأسماءِ والصفاتِ "، وجمعوا إلى ذلك " القولَ بالإرجاءِ "، وأضافوا إلى ذلكَ " القول بخلقِ القرآن " {ظلماتٌ بعضُها فوقَ بعضٍ}.
قال ابن القيم :(2/32)
جِيْمٌ وجِيْمٌ ثُمَّ جِيْمٌ مَعْهُمَا ** مَقْرُونَةً مَعْ أَحْرُفٍ بِوِزَانِ
جَبْرٌ وإِرْجَاءٌ وَجِيْمُ تَجَهُّمٍ ** فَتَأَمَّلِ المجمُوعَ في الْمِيْزَانِ
فَاحْكُمْ بِطالِعِها لِمَنْ حَصُلَتْ ** بخلاصِهِ مِنْ رِبْقَةِ الإيمانِ
[ نونية ابن القيم، ص: 115. ]
يعني: جمعوا بين " جَبْرٍ " و " تَجَهُّمٍ " و "إِرجاءٍ "، ثلاثُ جيمات، والجِيمُ الرابعةُ جِيمُ جهنَّم.
الحاصلُ: أن هذا " مذهبَ الجهميةِ "، والذي اشتهرَ فيه نفيُ الأسماءِ والصفاتِ عن الله - سبحانه وتعالى -، انشَقَّ عنه " مذهبُ المعتزلةَ "، و " مذهبُ الأشاعرة "، و " مذهبُ الماتريدية ".
و " مذهبُ المعتزلة ": أنهم أثبتوا الأسماءَ ونفوا الصفات، لكن أثبتوا أسماءً مجرَّدة، مجرَّدَ ألفاظٍ لا تدلُّ على معانٍ ولا صفاتٍ.
سُمُّوا " بالمعتزلة ": لأن إمامهم " واصل بن عطاء " كان من تلاميذ الحسن البصري - رحمه الله -، الإمامَ التابعي الجليل، فلمَّا سئُلَ الحسن البصري عن مرتكب الكبيرة، ما حكمه ؟. فقال بقولِ أهل السنَّةِ والجماعة: (إنه مؤمنٌ ناقصُ الإيمان، مؤمنٌ بإيمانِه فاسقٌ بكبيرته).
فلم يرضَ " واصلُ بنُ عطاء " بهذا الجواب من شيخه؛ فاعتزلَ وقال: (لا. أنا أرى أنه ليس بمؤمنٍ ولا كافر، وأنه في المنزلةِ بين المنزلتين). وانشَقَّ عن شيخه - الحسن - وصار في ناحيةِ المسجد، واجتمعَ عليه قومٌ من أوباشِ الناس وأخذوا بقوله.
وهكذا دعاةُ الضلالِ في كلِّ وقتٍ، لا بدَّ أن ينحازَ إليهم كثيرٌ من الناس، هذه حِكمةٌ من الله.
تركوا مجلسَ الحسنِ، شيخِ أهلِ السنّةِ، الذي مجلسُه مجلسُ الخيرِ، ومجلسُ العلمِ، وانحازوا إلى مجلسِ " المعتزلي: واصلِ بنِ عطاء " الضالِ المضِل.(2/33)
ولهم أشباهٌ في زماننا، يتركونَ علماءَ أهلِ السنّة والجماعةِ، وينحازونَ إلى أصحابِ الفكرة المنحرف. [ فتجدهم يقتنون أشرطتهم، وكتبهم، ويحرصون عليها، وإذا قلت لهم: إن في هذه الكتب ما يخالف معتقد أهل السنة والجماعة، السلف الصالح، من قول بخلق القرآن، أو من تأويل للصفات، أو من تحريض على أولياء الأمور، أو غيره. قالوا: " هذه أخطاءٌ بسيطةٌ، لا تمنعُ من قراءتها واستماعها "، مع أن في كتب علمائنا - سلفًا وخلفًا - الغنية عنها وهكذا يضللون كل من سمعهم: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ} [ النحل ].
ألم يعلموا أن من سلفنا الصالح من هجر من قال ببدعةٍ واحدة، أو أوَّلَ صفةً واحدةً فقط ؟.
فهذا عبدُ الوهاب بنُ عبدِ الحكم الوراق، وهو من أصحاب أحمد - رحمهم الله - يسئل عن أبي ثور فقال: (ما أدين فيه إلا بقول أحمد بن حنبل: " يُهجرُ أبو ثور، ومَن قال بقوله ").
وذلك لأنه أول حديث الصورة، وخالف قول السلف فيها.
فكيف بمن لا تجمع أخطاءه ولا تحصيها إلا الكتبُ ؟؟!
ومع ذلك تسمعُ بعضَهم يقولُ: أخطاءٌ بسيطة لا تمنعُ من قراءتِها !!.
فلا حول ولا قوة إلا بالله. ]
ومن ذلك الوقت سُمُّوا " بالمعتزلة "، لأنهم اعتزلوا أهلَ السنّة والجماعة؛ فصاروا ينفونَ الصفات عن الله - سبحانه وتعالى -، ويثبتون له أسماءَ مجرَّدة، ويحكُمون على مرتكبِ الكبيرة بما حَكَمَتْ به " الخوارجُ ": (أنه مخلَّدٌ في النار)، لكن اختلفوا عن " الخوارج " في الدنيا، وقالوا: (إنه يكون بالمنزلة بين المنزلتين، ليس بمؤمن ولا كافر).
بينما " الخوارجُ " يقولون: (كافر).
يا سبحانَ الله ! هل يُعقَلُ أنَّ الإنسانَ لا يكونُ مؤمنًا ولا كافرًا ؟!.
والله - تعالى - يقول :
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ}. [ سورة التغابن، الآية: 2 ](2/34)
ما قال: ومنكم من هو بالمنزلة بين المنزلتين. لكن هل هؤلاء يفقهون ؟؟!!.
ثمَّ تَفَرَّعَ عن " مذهبِ المعتزلةِ " " مذهبُ الأشاعرة ".
و " الأشاعرة ": يُنسبونَ إلى " أبي الحسن الأشعري " - رحمه الله -.
وكان أبو الحسن الأشعري معتزليًا، ثم مَنَّ الله عليه، وعرفَ بطلانَ مذهب المعتزلة، فوقف في المسجد يومَ الجمعة وأعلنَ براءَتَهُ من مذهبِ المعتزلة، وخلعَ ثوبًا عليه وقال: (خلعتُ مذهبَ المعتزلةِ، كما خلعتُ ثوبي هذا). لكنَّه صار إلى " مذهبِ الكُلاَّبِيَّة ": أتباعِ " عبدِ الله بن سعيد بن كُلاَّب ".
و" عبدُ الله بنُ سعيد بن كُلاَّب ": كان يُثبِتُ سبعَ صفاتٍ، وينفي ما عداها، يقول: (لأنَّ العقلَ لا يدُلُّ إلا على سبعِ صفاتٍ فقط: " العلمُ "، و " القدرةُ "، و " الإرادةُ "، و " الحياةُ "، و " السمعُ "، و " البصرُ "، و " الكلامُ ") يقول: (هذه دَلَّ عليها العقل، أما ما لم يدلُّ عليه العقل - عنده - فليس بثابتٍ).
ثم إنَّ الله مَنَّ على " أبي الحسن الأشعري "، وتركَ " مذهب الكُلاَّبِيَّةِ "، ورجعَ إلى مذهبِ الإمام أحمد بن حنبل، وقال: (أنا أقولُ بما يقولُ به إمامُ أهلِ السنَّة والجماعة أحمد بن حنبل: إنَّ الله استوى على العرش، وإنَّ له يدًا، وإنَّ له وجهًا). ذَكَرَ هذا في كتابه: " الإبانة عن أصول الديانة "، وذَكَرَ هذا في كتابه الثاني: " مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين " ذَكَرَ (أنَّه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل). وإن بَقِيَتْ عندَهُ بعضُ المخالفات..
ولكنَّ أتباعَهُ بقوا على " مذهب الكُلابية "؛ فغالبُهٍم لا يزالون على مذهبه الأول، ولذلك يُسَممّون " بالأشعرية ": نسبةً إلى الأشعري في مذهبه الأول.(2/35)
أما بعدَ أن رجعَ إلى مذهبِ أهلِ السنّة والجماعة؛ فنسبةُ هذا المذهب إليه ظلمٌ، والصوابُ أن يُقال: " مذهبُ الكُلاَّبِيَّة "، لا مذهب أبي الحسن الأشعري - رحمه الله -؛ لأنه تابَ من هذا، وصَنَّفَ في ذلك كتابه: " الإبانة عن أصول الديانة "، وصَرَّح برجوعه، وتمسِّكِه بما كان عليه أهلُ السنّة والجماعة - خصوصًا الإمام: أحمد بن حنبل رحمه الله -، وإن كانت عندَه بعضُ المخالفات، مثلُ قولِه في الكلام: (إنَّه المعنى النفسي القائم بالذات، والقرآن حكاية - أو عبارة - عن كلام الله، لا أنَّه كلامُ الله).
هذا " مذهبُ الأشاعرة "، منشَقٌّ عن " مذهبِ المعتزلةِ ".
" ومذهبُ المعتزلةِ " منشَقٌّ عن " مذهبِ الجهمية ".
ثُمَّ تفرَّعت مذاهبُ كثيرةٌ، كلُّها أصلُها " مذهبُ الجهمية ".
هذه - تقريبًا - أصول الفِرَقِ [ قال ابن أبي رندقه الطرطوشي في كتابه " كتاب الحوادث والبدع " ص: 14: (اعلم أن علماءنا - رضي الله عنهم - قالوا: أصول البدع أربعة، وسائر الأصناف الاثنتين وسبعين فرقة من هؤلاء تفرقوا وتشعبوا، وهم: " الخوارج " وهي أول فرقة خرجت على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، و " الروافض "، و " القدرية "، و " المرجئة "). ]
على الترتيب.
أولاً: " القدريةُ ".
ثُمَّ: " الشيعةُ ".
ثُمَّ: " الخوراجُ ".
ثُمَّ: " الجهمية ".
هذه أصول الفِرَق.
وتفرَّقت بعدها فِرَقٌ كثيرةٌ لا يحصيها إلا الله، وصُنِّفتْ في هذا كتبٌ، منها :
1 - كتاب: " الفَرْق بين الفِرَق " للبغدادي.
2 - كتاب: " المِلل والنِّحَل " لمحمّد بن عبد الكريم الشهرستاني.
3 - كتاب: " الفِصَل في المِلل والنِّحَل " لابن حزم.
4 - كتاب: " مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين " لأبي الحسن الأشعري.
كُلُّ هذه الكتب في بيان الفِرَقِ، وتنوّعِها، وتعدادِها، واختلافِها، وتطوراتِها.(2/36)
ولا تزالُ إلى عصرنا هذا تتطوّر، وتزيدُ، وينشأُ عنها مذاهبُ أخرى، وتنشَقُّ عنها أفكارٌ جديدةٌ منبثقةٌ عن أصلِ الفكرة، ولم يبقَ على الحقِّ إلا أهلُ السنّة والجماعة، في كُلِّ زمانٍ ومكان هم على الحق إلى أن تقومَ الساعةُ، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرُّهم من خذَلهم حتى يأتي أمرُ الله وهم كذلك). [ سبق تخريجه ص: (21). ]
أهلُ السنّة والجماعة - والحمدُ للهِ - يخالفون " القدرية النفاة ":
فيؤمنون بالقدر، وأنَّه من أركان الإيمان الستة، وأنه لا يحصُلُ في هذا الكونِ شيءٌ إلا بقضائه وقدره - سبحانه وتعالى -، لأنَّه الخلاَّق، الربُّ، المالَكُ، المتصرفُ :
{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ. لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. [ سورة الزمر ]
لا أحدَ يتصرَّفُ في هذا الكونِ إلا بمشيئتِه - سبحانه -، وإرادتِه، وقدرتِه، وتقديرِه.
عَلِمَ الله ما كان، وما سيكون في الأزَلِ، ثم كتبه في اللوحِ المحفوظِ، ثم شاءَه وأوجدَه وخلقَه - سبحانه وتعالى -.
وأنَّ للعبد مشيئةً، وكسبًا، واختيارًا، لا أنَّه مسلوبُ الإرادَةِ، مُجْبَرٌ على أفعالهِ - كما تقول " الجبرية الغُلاة " -؛ فهم يخالفونهم.
ومذهبُهم في صحابة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أنَّهم يوالونَهم كلَّهم، أهلَ البيت وغيرَ أهل البيت، يوالون الصحابة كلهم، المهاجرين، والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، ويمتثلونَ بذلك قولَهُ - تعالى -:
{وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا}. [ سورة الحشر، الآية: 10 ](2/37)
فهم يخالفون " الشيعة "، لأنَّهم يفرِّقون بينَ أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فيوالون بعضهم، ويعادون بعضهم. فأهلُ السنّة يوالونهم جميعًا، ويحبونهم جميعًا، والصحابةُ يتفاضلون، وأفضلُهم: الخلفاءُ الراشدون، ثم بقيّة العشرة، ثم المهاجرون أفضلُ من الأنصارِ، وأصحابُ بدرٍ لهم فضيلةٌ، وأصحابُ بيعةِ الرضوانِ لهم فضيلةٌ، فلهم فضائلُ - رضي الله عنهم -.
ويعتقدون: السمعَ والطاعةَ - خلافًا " للخوارجِ " -؛ فهم يعتقدون السمعَ والطاعةَ لولاةِ أمورِ المسلمين، ولا يرونَ الخروجَ على إمامِ المسلمين، وإنْ حصَلَ منه خطأ، ما دامَ هذا الخطأُ دون الكفر، ودون الشرك، حيث نهى صلى الله عليه وسلم عن الخروجِ عليهم لمجرَّدِ المعاصي، وقال: (إلا أن تروا كفرًا بواحًا، عندَكم فيه من الله برهان). [ جزءٌ من حديثِ عبادة بن الصامت، ولفظه: (دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا، أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأَثَرَةٍ علينا، وأن لا نُنَازع الأمر أهله - قال: - إلا أن تروا كفرًا بواحًا، عندكم من الله فيه برهان).
رواه البخاري: (7056)، ومسلم: (3/1470) (42). ]
وكذلك هم يخالفون " الجهمية " ومشتقاتهم في أسماء الله وصفاته: فيؤمنونَ بما وصفَ الله به نفسَهُ، وما وصَفَهُ به رسولُه صلى الله عليه وسلم، ويتَّبعون في ذلك الكتابَ والسنَّة، من غير تشبيهٍ ولا تمثيل، من غير تحريفٍ ولا تعطيل، على حَدِّ قوله - سبحانه وتعالى -: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}. [ سورة الشورى ]
فمذهبُ أهلِ السنّةِ والجماعةِ - وللهِ الحمدِ - جامعٌ للحقِّ كُلِّه، في جميعِ الأبوابِ، وفي جميعِ المسائل، ومخالفٌ لكُلِّ ما عليه الفِرَقُ الضالةُ والنِّحَلُ الباطلة.
فمن أراد النجاةَ فهذا مذهبُ أهلِ السنّةِ والجماعة.(2/38)
وأهلُ السنّةِ والجماعةِ في بابِ العبادةِ: يعبدونَ الله على مقتضَى ما جاءَتْ به الشريعةُ، خلافًا " للصوفيةِ " و " المبتدعةِ " و " الخرافيين "، الذين لا يتقَّيدونَ في عبادتِهم بالكتابِ والسنّةِ، بل يتبعون في ذلك ما رَسَمَهُ لهم شيوخُ الطُرقِ، وأئمةُ الضلال.
نسألُ الله أنْ يجعلني وإياكم من أهلِ السنّةِ والجماعةِ؛ بمَنَّهِ وكرَمِهِ، وأن يرينا الحقَّ حقًّا ويرزقنا اتباعَهُ، وأنْ يرينا الباطلَ باطلاً ويرزقَنا اجتنابَهُ. إنه سميعٌ مجيب.
هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
$الإجابة على بعض الأسئلة
وسئل الشيخُ - حفظه الله - بعد المحاضرةِ عدَّةَ أسئلة، منها :
$$السؤال الأول:
لقد نهَى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عن الغُلو في الدين؛ فهل سببُ انحرافِ الفِرَقِ عن أهلِ السنّةِ والجماعةِ الغُلو ؟. وما أمثلةُ ذلك من الفِرَق ؟.
الجواب :
" الخوراجُ " ظاهرٌ أن سببَ انحرافِهم الغُلو في الدين؛ لأنَّهم تشدَّدُوا في العبادةِ على غيرِ هُدى وبصيرة، وأطلقوا على الناسِ الكُفْرَ عن غيرِ بصيرة، لأنَّهم يخالفونهم في مذهبهم.
فلا شك أن الغلو في الدين هو أساس البلاء، قال - تعالى - :
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ}. [ سورة المائدة، الآية: 77 ]
قال صلى الله عليه وسلم: " إياكم والغلو؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو ". [ أخرجه أحمد: (1/215، 347)، والنسائي: (5/268 - 269)، وابن ماجة: (3029)، وابن أبي عاصم: (98)، وابن خزيمة: (4/274)، وابن الجارود في " المنتقى ": (473)، وابن حبان: (1011)، والطبراني في " الكبير ": (12747)، والحاكم: (1/466)، والبيهقي: (5/127)، وأبو يعلى الموصلي: (4/316، 357) من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -. ]
والغلو في كل شيء هو: الزيادة عن الحد المطلوب (وكل شيء تجاوز حده انقلب إلى ضده).(2/39)
ونجد أن " المعطلة للصفات " سبب انحرافهم الغلو في التنزيه، وسبب انحراف " الممثلة والمشبهة " غلوهم في الإثبات.
فالغلو بلاء، والوسط والاعتدال هو الخير في كل الأمور.
فلا شك أن للغلو دورًا في ضلال الفرق عن الحق، كل غلوه بحسبه.
$$السؤال الثاني :
فضيلة الشيخ: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) [ سبق تخريجه ص: (14). ]
فهل العدد محصور أو لا ؟.
الجواب :
ليس هذا من باب الحصر؛ لأن الفرق كثيرة جدًا، إذا طالعتم في كتب الفرق وجدتم أنهم فرق كثيرة، لكن - والله أعلم - ان هذه الثلاث والسبعين هي أصول الفرق، ثم تشعبت منها فرق كثيرة.
وما الجماعات المعاصرة الآن، المخالفة لجماعة أهل السنة؛ إلا امتداد لهذه الفرق، وفروع عنها.
$$السؤال الثالث :
هل هناك فرق بين " الفرق الناجية " و " الطائفة المنصورة " ؟.
الجواب :
أبدًا، " الفرقة الناجية " هي " المنصورة ". لا تكونُ " ناجيةً " إلا إذا كانت " منصورةً "، ولا تكون " منصورةً " إلا إذا كانتْ " ناجيةً "، هذه أوصافُهم: " أهلُ السنةِ والجماعة "، " الفرقة الناجية "، " الطائفة المنصورة ".
ومن أراد أن يفرق بين هذه الصفات، ويجعل هذه لبعضهم وهذه لبعضهم الآخر؛ فهو يريد أن يفرق أهل السنة والجماعة، فيجعل بعضهم فرقة ناجية، وبعضهم طائفة منصورة.
وهذا خطأ؛ لأنهم جماعة واحدة، تجتمع فيها كل صفات الكمال والمدح، فهم " أهل السنة والجماعة "، وهم " الفرقة الناجية "، وهم " الطائفة المنصورة "، وهم " الباقون على الحق إلى قيام الساعة "، وهم " الغرباء في آخر الزمان ".(2/40)
حقيقة التصوف
وموقف الصوفية من أصول العبادة والدين
فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، أكمل لنا الدين ، وأتم علينا النعمة ، ورضي لنا الاسلام دينا ، وأمرنا بالتمسك به إلى الممات ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } .. ( ال عمران ) ، الاية : ' 102 ' وتلك وصية إبراهيم ويعقوب لبنيه . { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } .. ( البقرة ) ، الاية : ' 132 ' .
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك ، نبينا محمد وعلى اله وأصحابه أجمعين . وبعد(3/1)
… فإن الله خلق الجن والانس لعبادته ، كما قال ـ تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } .. ( الذاريات ) ، الاية : ' 56 ' وفي ذلك شرفهم ، وعزهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة ، لأنهم بحاجة إلى ربهم ، لا غنى لهم عنه طرفة عين ، وهو غني عنهم وعن عبادتهم ، كما قال ـ تعالى { إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ } .. ( الزمر) ، الاية : ' 7 ' . وقال تعالى { وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} .. ( إبراهيم ) ، الاية : ' 8 ' . والعبادة حق لله على خلقه ، وفائدتها تعود إليهم ، فمن أبى أن يعبد الله فهو مستكبر ، ومن عبد الله وعبد معه غيره فهو مشرك ، ومن عبد الله وحده بغير ما شرع فهو مبتدع ، ومن عبد الله وحده بما شرع فهو المؤمن الموحد . ولما كان العباد في ضرورة إلى العبادة ، ولا يمكنهم أن يعرفوا بأنفسهم حقيقتها التي ترضي الله ـ سبحانه ـ وتوافق دينه ، لم يكلهم إلى أنفسهم ، بل أرسل إليهم الرسل ، وأنزل الكتب لبيان حقيقة تلك العبادة كما قال تعالى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} ( النحل ) ، الأية : ' 36 ' . وقال ـ تعالى ـ : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } .. ( الأنبياء ) ، الأية : ' 25 ' . فمن حاد عما بينته الرسل ونزلت به الكتب من عبادة الله ، وعبد الله بما يملي عليه ذوقه وما تهواه نفسه وما زينته له شياطين الانس والجن فقد ضل عن سبيل الله ولم تكن عبادته في الحقيقة عبادة لله ، بل هي عبادة لهواه : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} .. ( القصص ) ، الأية : ' 50 ' . وهذا الجنس كثير في البشر ، وفي طليعتهم النصارى ، ومن(3/2)
ضل من فرق هذه الأمة ، كالصوفية فإنهم اختطوا لأنفسهم خطة في …
العبادة مخالفة لما شرعه الله في كثير من شعاراتهم . وهذا يتضح ببيان حقيقة العبادة التي شرعها الله على لسان رسول الله ، " صلى الله عليه وسلم " ، وبيان ما عليه الصوفية اليوم من احرافات عن حقيقة تلك العبادة .
ضوابط العبادة الصحيحة
إن العبادة التي شرعها الله ـ سبحانه وتعالى ـ تنبني على أصول وأسس ثابتة تتلخص فيما يلي :
أولا : أنها توقيفية ** بمعنى أنه لا مجال للرأي فيها ** بل لابد أن يكون المشرع لها هو الله ـ سبحانه وتعالى ـ كما قال تعالى ـ لنبيه : { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ} .. ( هود ) ، الأية : ' 112 ' . وقال تعالى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } .. ( الجاثية ) ، الأية : ' 18 ' . وقال عن نبيه : { إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى } .. ( الأحقاف ) ، الأية : ' 9 ' .
ثانيا : لا بد أن تكون العبادة خالصة لله ـ تعالى ـ من شوائب الشرك ، كما قال ـ تعالى ـ : { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} .. ( الكهف ) ، الأية : ' 110 ' فإن خالط العبادة شيء من الشرك أبطلها ، كما قال ـ تعالى ـ : { وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .. ( الأنعام ) ، الأية : ' 88 ' . وقال ـ تعالى ـ : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ }..(الزمر) ، الآيتان:'65ـ 66'(3/3)
ثالثا : لابد أن تكون القدوة في العبادة والمبين لها رسول الله " صلى الله عليه وسلم " كما قال ـ تعالى ـ : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .. ( الأحزاب ) ، الأية : ' 21 ' . وقال ـ تعالى ـ : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} .. ( الحشر ) ، الأية : ' 7 ' . وقال النبي ، " صلى الله عليه وسلم " (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )) الحديث رواه مسلم . .. وفي رواية (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) متفق عليه ..
وقوله ، " صلى الله عليه وسلم " (( صلوا كما رأيتموني أصلي )) متفق عليه .. وقوله ، " صلى الله عليه وسلم " (( خذوا عني مناسككم )) . رواه مسلم .. إلى غير ذلك من النصوص .
رابعا : أن العبادة محددة بمواقيت ومقادير ، لا يجوز تعديها وتجاوزها ، كالصلاة مثلا ؛ قال ـ تعالى ـ : { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً } .. ( النساء ) ، الأية : ' 103 ' . وكالحج قال ـ تعالى ـ : { الحج أشهر معلومت } .. ( البقرة ) ، الأية : ' 197 ' . وكالصيام ، قال ـ تعالى ـ : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} .. ( البقرة) ، الأية :'185' .
خامسا : لابد أن تكون العبادة قائمة على محبة الله
تعالى ـ والذل له ، وخوفه ورجائه ، قال ـ تعالى ـ : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } ..(3/4)
الاسراء ) ، الأية : ' 57 ' . وقال ـ تعالى ـ عن أنبيائه : { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} .. (الأنبياء ): ' 90 ' . قال ـ تعالى ـ : {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} .. ( ال عمران ) ، الآيتان : ' 31 ـ 32 ' . فذكر ـ سبحانه ـ علامات محبة الله وثمراتها
أما علاماتها :: فاتباع الرسول " صلى الله عليه وسلم " ، وطاعة الله ، وطاعة الرسول
أما ثمراتها :: فنيل محبة الله ـ سبحانه ـ ومغفرة الذنوب والرحمة منه سبحانه
سادسا : أن العبادة لا تسقط عن المكلف من بلوغه عاقلا إلى وفاته ، قال تعالى ـ : { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } .. ( ال عمران ) ، الأية : ' 102 ' . وقال ـ تعالى ـ : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} .. ( الحجر ) ، الأية : ' 99 ' .
حقيقة التصوف(3/5)
لفظ التصوف والصوفية لم يكن معروفا في صدر الاسلام وإنما هو محدث بعد ذلك أو دخيل على الاسلام من أمم أخرى . قال شيخ الاسلام ابن تيمية ـ يرحمه الله ـ في مجموع الفتاوى : (*( أما لفظ الصوفية فإنه لم يكن مشهورا في القرون الثلاثة ، وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ ، كالامام أحمد بن حنبل ، وأبي سليمان الداراني وغيرهما ، وقد روي عن سفيان الثوري أنه تكلم به ، وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري ، وتنازعوا في المعنى الذي أضيف إليه الصوفي ، فإنه من أسماء النسب كالقرشي والمدني وأمثال ذلك ، فقيل : إنه نسبة إلى أهل الصفة ، وهو غلط ، لأنه لو كان كذلك ، لقيل : صفي ، وقيل نسبة إلى الصف المقدم بين يدي الله ـ وهو أيضا غلط فإنه لو كان كذلك لقيل : صوفي ، وقيل نسبة إلى صوفة بن بشر بن أد بن بشر بن طابخة ، قبيلة من العرب كانوا يجاورون بمكة من الزمن القديم ينسب إليهم النساك ، وهذا وإن كان موافقا للنسب من جهة اللفظ فإنه ضعيف أيضا ، لأن هؤلاء لكان هذا النسب في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم أولى . ولأن غالب من تكلم باسم الصوفي لا يعرف هذه القبيلة ولا يرضى أن يكون مضافا إلى قبيلة في الجاهلية ، لا وجود لها في الاسلام وقيل ـ وهو العروف ـ أنه نسبة إلى الصوف ، فإنه أول ما ظهرت الصوفية في البصرة . وأول من ابتنى دويرة الصوفية بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد ، وعبد الواحد من أصحاب الحسن ، وكان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة والخوف ونحو ذلك ما لم يكن في سائر أهل الأمصار . )*) وقد روى أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده عن محمد بن سيرين أنه بلغه أن قوما يفضلون لباس الصوف ، فقال : (*( إن قوما يتخيرون لباس الصوف يقولون إنهم يتشبهون بالمسيح بن مريم ، وهدي نبينا أحب إلينا وكان " صلى الله عليه وسلم " يلبس القطن وغيره ، أو كلاما نحوا من هذا ، ثم يقول بعد ذلك : هؤلاء نسبوا إلى(3/6)
اللبسة الظاهرة وهي لباس الصوف فقيل في أحدهم صوفي ، وليس طريقهم مقيدا بلبس الصوف ولا هم أوجبوا ذلك ولا علقوا الأمر به ـ لمن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال )*) . إلى أن قال : (*( فهذا أصل التصوف ، ثم إنه بعد ذلك تشعبوتنوع )*) .إنتهى وكلامه (1) .. ـ يرحمه الله ـ يعطي أن التصوف نشأ في بلاد الاسلام على يد عباد البصرة .. نتيجة لمبالغتهم في الزهد والعبادة ثم تطور بعد ذلك ـ والذي توصل إليه بعض الكتاب العصريين ـ أن التصوف تسرب إلى بلاد المسلمين من الديانات الأخرى كالديانة الهندية والرهبانية النصرانية وقد يستأنس لهذا بما نقله الشيخ عن ابن سيرين أنه قال : (*( إن قوما يتخيرون لباس الصوف يقولون إنهم يتشبهون بالمسيح بن مريم ، وهدي نبينا أحب إلينا . )*) فهذا يعطي أن التصوف له علاقة بالديانة النصرانية ؛؛ ويقولون الدكتور // صابر طعيمة \\ في كتابه : " الصوفية معتقدا ومسلكا " : ويبدوا أنه لتأثير الرهبنة المسيحية التي كان فيها الرهبان يلبسون الصوف وهم في أديرتهم كثرة كثيرة من المنقطعين لهذه الممارسة على امتداد الأرض التي حررها الاسلام بالتوحيد أعطى هو الآخر دورا في التأثير الذي بدا على سلوك الأوائل (2) .. وقال الشيخ " إحسان إلهي ظهير" ـ يرحمه الله ـ في كتابه : " التصوف ، المنشأ والمصادر" (*( عندما نتعمق في تعاليم الصوفية الأوائل والأواخر وأقاويلهم المنقولة منهم والمأثورة في كتب الصوفية القديمة والحديثة نفسها نرى بونا شاسعا بينها وبين تعاليم القران والسنة ، وكذلك لا نرى جذورها وبذورها في سيرة سيد الخلق محمد " صلى الله عليه وسلم " وأصحابه الكرام البررة خيار خلق الله وصفوة الكون ، بل بعكس ذلك نراها مأخوذة مقفبسة من الرهبنة المسيحية والبرهمة الهندوكية وتنسك اليهودية وزهد البوذية . (3) .. ويقول الشيخ : عبد الرحمن الوكيل ـ يرحمه
__________
(1) مجموع الفتاوى ( 11 ، 5 ، 7 ، 16 ، 18 )
(2) ص 17 .
(3) ص 28 .(3/7)
الله ـ في مقدمة كتاب : " مصرع التصوف " : (*( إن التصوف أدنأ وأوألأم كيدا ابتدعه الشيطان ليسخر معه عباد الله في حربه لله ولرسله ، إنه قناع المجوس يتراءى بأنه لرباني ، بل قناع كل عدو صوفي للدين الحق فتش فيه تجد برهمية وبوذية وزرادشتية ومانوية وديصانية ، تجد أفلاطونية وغنوصية ، تجد فيه يهودية ونصرانية ووثنية جاهلية (1) .. )*) ومن خلال عرض اراء هؤلاء الكتاب المعاصرين في أصل الصوفية ، وغيرهم مما لم نذكره كثيرون يرون هذا الرأي . يتبين أن الصوفية دخيلة على الاسلام ، يظهر ذلك في ممارسات المنتسبين إليها ـ تلك الممارسات الغريبة على الاسلام والبعيدة عن هديه ن وإنما نعني بهذا المتأخرين من الصوفية حيث كثرت وعظمت شطحاتهم . أما المتقدمون منهم فكانوا على جانب من الاعتدال ، كالفضيل بن عياض ، والجنيد وإبراهيم بن أدهم وغيرهم .
موقف الصوفية من العبادة والدين
للصوفية ـ خصوصا ـ المتأخرين منهم منهج في الدين والعبادة يخالف منهج السلف ، ويبفعد كثيرا عن الكتاب والسنة . فهم قد بنوا دينهم وعبادتهم على رسوم ورموز واصطلاحات اخترعوها ، وهي تتلخص فيما يلي :
1 ـ قصرهم العبادة على المحبة ، فهم يبنون عبادتهم لله على جانب المحبة ، ويهملون الجوانب الأخرى ، كجانب الخوف والرجاء ، كما قال بعضهم : أنا لا أعبد الله طمعا في جنته ولا خوفا من ناره ـ ولا شك أن محبة الله ـ تعالى ـ هي الأساس الذي تبنى عليه العبادة . ولكن العبادة ليست مقصورة على المحبة كما يزعمون ، بل لها جوانب وأنواع كثيرة غير المحبة كالخوف والرجاء والذل والخضوع والدعاء إلى غير ذلك ، فهي كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية .. (*( اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة )*) ..
ويقول العلامة ابن القيم …
وعبادة الرحمن غاية حبه مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر ما دار حتى قامت القطبان
__________
(1) ص 19 .(3/8)
ولهذا يقول بعض السلف : من عبدالله بالحب وحده هو زنديق ، ومن عبده بالرجاء وحده هو مرجئ ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري ، ومن عبده بالحب والخوف والرداء فهو موحد . وقد وصف الله رسله وأنبياءه ، بأنهم يدعون ربهم خوفا وطمعا ، وأنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه ، وأنهم يدعونه رغبا ورهبا . قال شيخ الاسلام ابن تيمية ـ يرحمه الله ـ : (*( ولهذا قد وجد في نوع من المتأخرين من انبسط في دعوى المحبة حتى أخرجه ذلك إلى نوع من الرعونة والدعوى التي تنافي العبودية )*) .. وقال أيضا : (*( وكثير من السالكين سلكوا في دعوى حب الله أنواعا من الجهل بالدين ، إما من تعدى حدود الله ، وإما من تضييع حقوق الله . وإما من إدعاء الدعاوى الباطلة التي لا حقيقة لها . (1) .. )*) ، وقال أيضا : (*( والذين توسعوا من الشيوخ في سماع القصائد المتضمنة للحب والشوق واللوم والعذل والغرام كان هذا أصل مقصدهم ، ولهذا أنزل الله اية المحبة محنة يمتحن بها المحب ، فقال : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} .. ( ال عمران ) ، الأية : ' 31 ' . فلا يكون محبا لله إلا من يتبع رسوله ، وطاعة الرسول ومتابعته لا تكون إلا بتحقيق العبودية ، وكثير ممن يدعي المحبة يخرج عن شريعته وسنته ، " صلى الله عليه وسلم " ، ويدعي من الخيالات ما لا يتسع هذا الموضوع لذكره ، حتى يظن أحدهم سقوط الأمر ـ وتحليل الحرام له )*) .. ، وقال أيضا : (*( وكثير من الضالين الذين اتبعوا أشياء مبتدعة من الزهد والعبادة على غير علم ولا نور من الكتاب والسنة وقعوا فيما وقع فيه النصارى من دعوى المحبة لله مع مخالفة شريعته وترك المجاهدة في سبيله ونحو ذلك . انتهى .
فتبين بذلك أن الاقتصار على جانب المحبة لا يسمى عبادة بل قد يؤول بصاحبه إلى الضلال بالخروج عن الدين
__________
(1) العبودية لشيخ الاسلام ابن تيمية ص 90 طبعة الرئاسة العامة للافتاء(3/9)
2 ــ الصوفية في الغالب لا يرجعون في دينهمة وعبادتهم إلى الكتاب والسنة والاقتداء بالنبي ، " صلى الله عليه وسلم " ، وإنما يرجعون إلى أذواقهم وما يرسمه لهم شيوخهم من الطرق المبتدعة ، والأ ذ كار والأوراد المبتدعة ، وربما يستدلون بالحكايات والمنامات والأحاديث الموضوعة لتصحيح ما هم عليه ، بدلا من الاستدلال بالكتاب والسنة ، هذا ما ينبغي عليه دين الصوفية . ومن المعلوم أن العبادة لا تكون عبادة صحيحة إلا إذا كانت مبنية على ما جاء في الكتاب والسنة . قال شيخ الاسلام ابن تيمية ويتمسكون ( يعني الصوفية ) في الدين الذي يتقربون به إلى ربهم بنحو ما تمسك به النصارى من الكلام المتشابه والحكايات التي لا يعرف صدق قائلها ، ولو صدق لم يكن معصوما ، فيجعلون متبوعهم وشيوخهم شارعين لهم دينا ، كما جعل النصارى قسيسيهم ورهبانهم شارعين لهم دينا ... انتهى .
ولما كان هذا مصدرهم الذي يرجعون إليه في دينهم وعبادتهم ، وقد تركوا الرجوع إلى الكتاب والسنة صاروا أحزابا متفرقين . كما قال ـ تعالى ـ : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } .. ( الأنعام ) ، الأية : ' 153 ' . فصراط الله واحد ، لا انقسام فيه ولا اختلاف عليه ، وما عداه فهو سبل متفرقة تتفرق بمن سلكها ، وتبعده عن صراط الله المستقيم ، وهذا ينطبق على فرق الصوفية فإن كل فرقة لها طريقة ، خاصة تختلف عن طريقة الفرقة الأخرى . ولكل فرقة شيخ يسمونه شيخ الطريقة يرسم لها منهاجا يختلف عن منهاج الفرق الأخرى ، ويبتعد بهم عن الصراط المستقيم . وهذا الشيخ الذي يسمونه شيخ الطريقة يكون له مطلق التصرف وهم ينفذون ما يقول ولا يعترضون عليه بشيء . حتى قالوا : المريد مع شيخه يكون كالميت مع غاسله وقد يدعي بعض هؤلاء الشيوخ أنه يتلقى من الله مباشرةما يأمربه مريدية وأتباعه .(3/10)
3 ــ من دين الصوفية التزام أذكار وأوراد يضعها لهم شيوخهم فيتقيدون بها ، ويتعبدون بتلاوتها ، وربما فضلوا تلاوتها على تلاوة القران الكريم ، ويسمونها ذكر الخاصة . زأما الذكر الوارد في الكتاب والسنة فيسمونه ذكر العامة . فقول لا إله إلا الله . عندهم هو ذكر العامة ، وأما ذكر الخاصة : فهو الاسم المفرد :: الله :: وذكر خاصة الخاصة :: هو :: قال شيخ الاسلام ابن تيمية : ومن زعم أن هذا الدين ، أي قول لا إله إلا الله ذكر العامة وأن ذكر الخاصة ـ هو الاسم المفرد ـ وذكر خاصة الخاصة :: هو :: أي الاسم المضمر فهو ضال مضل . واحتجاج بعضهم على ذلك بقوله ـ تعالى ـ { قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } .. ( الأنعام ) ، الأية : ' 91 ' من بين أبين غلط هؤلاء ، بل من تحريفهم للكلم عن مواضعه ، فإن الاسم :: الله :: مذكور في الأمر بجواب(3/11)
الاستفهام في الأية قبله ، وهو قوله ـ تعالى ـ : { من أنزل الكتب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس } إلى قوله ـ تعالى ـ { قل الله } أي الله هو الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى . فالاسم :: الله :: مبتدأ خبره دل عليه الاستفهام ، كما فينظائر ذلك . نقول . من جارك ؟ فيقول : زيد . وأما الاسم المفرد مظهرا ومضمرا فليس بكلام تام ، ولا جملة مفيدة ، ولا يتعلق به إيمان ولا كفر ولا أمر ولا نهي ، ولم يذكر ذلك رسول الله ، " صلى الله عليه وسلم " ، ولا يعطي القلب نفسه معرفة مفيدة ، ولا حالا نافعا ، وإنما يعطيه تصورا مطلقا لا يحكم فيه بنفي ولا إثبات . إلى أن قال : وقد وقع بعض من واظب على هذا الذكر بالاسم المفرد وبـ ـ :: هو :: في فنون من الاتحاد ، وما يذكر عن بعض الشيوخ في أنه قال : أخاف أن أموت بين النفي والاثبات ، حال لا يقتدي فيها بصاحبها ، فإن في ذلك من الغلط ما لا خفاء به ، إذ لو مات العبد في هذه الحال لم يمت إلا على ما قصده ونواه ، إذ الأعمال بالنيات ، وقد ثبت أن النبي ، " صلى الله عليه وسلم "، أمر بتلقين الميت لا إله إلا الله . وقال : (( من كان أخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة )) ولو كان ما ذكره محظورا لم يلقن الميت كلمة يخاف أن يموت في أثنائها موتا غير محمود . بل كان ما اختاره من ذكر الاسم المفرد ، والذكر بالاسم المضمر أبعد عن السنة ، وأدخل في البدعة ، وأقرب إلى إضلال الشيطان ، فإن من قال :: ياهوياهو:: ، أو :: هو :: ، ونحو ذلك لم يكن الضمير عائدا إلا إلى ما يصوره قلبه ، والقلب قد يهتدي وقد يضل ـ وقد صنف صاحب الفصوص (1) .. كتابا سماه كتاب : " الهو " وزعم بعضهم أن قوله ـ تعالى ـ : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ } .. ( ال عمران ) ، الأية : ' 7 ' . معناه : وما يعلم تأويل هذا الاسم الذي هو الهو ، وهذا مما اتفق المسلمون بل العقلاء على أنه من أبين الباطل .
__________
(1) يعني ابن عربي .(3/12)
فقد يظن هذا من يظنه من هؤلاء . حتى قلت لبعض من قال شيئا من ذلك لو كان هذا كما قلته لكتبت الأية وما يعلم تأويل هو منفصلة (1) .. ، أي كتبت :: هو :: منفصلة عن : تأويل ...
4 ــ غلو المتصوفة في الأولياء والشيوخ خلاف عقيدة أهل السنة والجماعة . فإن عقيدة أهل السنة والجماعة موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه ـ قال ـ تعالى ـ : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } .. ( المائدة ) ، الأية : ' 55 ' . وقال ـ تعالى ـ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء } .. ( الممتحنة ) ، الأية : ' 1 ' . وأولياءالله هم المؤمنون المتقون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ، ويجب علينا محبتهم والاقتداء بهم واحترامهم ـ وليست الولاية وقفا على أشخاص معينين . فكل مؤمن تقي فهو ولي لله ـ عز وجل ـ ، وليس معصوما من الخطأ ، هذا معنى الولاية والأولياء ، وما يجب في حقهم عند أهل السنة والجماعة ـ أما الأولياء عند الصوفية فلهم اعتبارات ومواصفات أخرى ، فهم يمنحون الولاية لأشخاص معينين من غير دليل من الشارع على ولايتهم ، وربما منحو الولاية لمن لم يعرف بإيمان ولا تقوى ، بل قد يعرف بضد ذلك من الشعوذة والسحر واستحلال المحرمات ، وربما فضلوا من يدعون لهم الولاية
على الأنبياء ، صلوات الله عليهم وسلامه عليهم ، كما يقول أحدهم :
مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي
__________
(1) رسالة العبودية ص ص 117 ، 118 طبعة الاف(3/13)
ويقولون : إن الأولياء يأحذون من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول ، ويدعون لهم العصمة . قال شيخ الاسلام ابن تيمية ـ يرحمه الله ـ وكثير من الناس يغلط في هذا الموضع فيظن في شخص أنه ولي الله ، ويظن أن ولي الله يقبل منه كل ما يقوله ، ويسلم إلبه كل ما يقوله . ويسلم إليه كل ما يفعله ، وإن خالف الكتاب والسنة . فيوافق ذلك الشخص . ويخالف ما بعث الله به الرسول الذي فرض الله على جميع الحلق تصديقه فيما أخبر وطاعفه فيما أمر . إلى أن قال وهؤلاء مشابهون للنصارى الذين قال الله فيهم : ـ { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } .. ( التوبة ) ، الأية : ' 31 ' . وفي المسند وصححه الترمذي عن عدي بن حاتم في تفسير هذه الأية ، لما سأل النبي ، " صلى الله عليه وسلم " ، عنها ، فقال : ما عبدوهم ، فقال النبي ، " صلى الله عليه وسلم " ، أحلوا لهم الحرام ، وحرموا عليهم الحلال ، فأطاعوهم . وكانت هذه ، عبادتهم إيلهم ، إلى أن قال : وتجد كثيرا من هؤلاء : في اعتقاد كونه وليا لله ، أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة ، مثل أن يشير إلى شخص فيموت أو يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها ، أو يمشي على الماء أحيانا أو يملأ إبريقا من الهواء ، أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فراه قد جاءه فقضى حاجته ، أو يخبر الناس بما سرق لهم أو بحال غائب لهم أو مريض أو نحو ذلك . وليس في هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله . بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يغتر به حتى ينظر متابعته للرسول ، " صلى الله عليه وسلم " ، وموافقته لأمره ونهيه . وكرامات أولياء الله أعظم من هذه(3/14)
الأمور . وهذه الأمور الخارقة للعادة ، وإن كان قد يكون صاحبها وليا لله ، فقد يكون عدوا لله ، فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين ، وتكون لأهل البدع ، وتكون من الشياطين ، فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله . بل يعتبرأولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة ، ويعرفون بنور الايمان والقران ، وبحقائق الايمان الباطلة ، وشرائع الاسلام الظاهرة . مثال ذلك أن هذه الأمور المذكورة وأمثالها قد توجد في أشخاص ويكون أحدهم لا يتوضأ ولا يصلي الصلوات المكتوبة ، بل يكون ملابسا للنجاسات معاشرا للكلاب ، يأوي إلى الحمامات والقمامين والمقابر والزابل ، رائحته خبيثة لا يتطهر الطهارة الشرعية ولا يتنظف . إلى أن قال : فإذا كان الشخص مباشرا للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان ، أو يأوي إلى الحمامات والحشوش التي تحضرها الشياطين ، أو يأكل الحيات والعقارب والزنابير واذان الكلاب التي هي خبائث وفواسق أو يشرب البول ونحوه من النجاسات التي يحبها الشيطان ، أو يدعو غير الله فيستغيث بالمخلوقات ويتوجه إليها أو يسجد إلى ناحية شيخه ، ولا يخلص الدين لرب العالمين ، أو يلابس الكلاب أو النيران أو يأوي إلى المزابل والمواضع النجسة أو يأوي إلى المقابر ولا سيما إلى مقابر الكفار من اليهود والنصارى والمشركين ، أو يكره سماع القران وينفر عنه ، ويقدم عليه سماع الأغاني والأشعار ، ويؤثر سماع مزامير الشيطان على سماع كلام الرحمن ، فهذه علامات أولياء الشيطان لا علامات أولياء الرحمن (1) ... انتهى .
ولم يقف الصوفية عند هذا الحد من منح الولاية لأمثال هؤلاء بل غلوا فيهم حتى جعلوا فيهم شيئا من صفات وتقربوا إليهم بأنواع النذور، وهتفوا بأسمائهم في طلباتهم ، هذا منهج الصوفية في الولاية والأولياء .
__________
(1) مجموع الفتاوى ( 11 ، 210 ، 216 ) .(3/15)
5 ــ من دين الصوفية الباطل تقربهم إلى الله بالغناء والرقص ، وضرب الدفوف والتصفيق . ويعتبرون هذا عبادة لله . قال الدكتور // صابر طعيمة \\ في كتابه : " الصوفية معتقدا ومسلكا " : أصبح الرقص الصوفي الحديث عند معظم الطرق الصوفية في مناسبات الاحتفال بموالد بعض كبارهم أن يجتمع الأتباع لسماع النوتة الموسيقية التي يكون صوتها أحيانا أكثر من مائتي عازف من الرجال والنساء ، ومبار الأتباع يجلسون في هذه المناسبات يتناولون ألوانا من شرب الدخان ، وكبار أئمة القوم وأتباعهم يقومون بمدارسة بعض الخرافات التي تنسب لمقبوريهم ، وقد انتهى إلى علمنا من المطالعات أن الأداء الموسيقي لبعض الطرق الصوفية الحديثة مستمد مما يسمى .. (*( كورال صلوات الآحاد المسيحية )*) .. وقال شيخ الاسلام ابن تيمية : مبينا وقت حدوث هذا . موقف الأئمة منه ومن الذي أحدثه ... اعلم أنه لم يكن في عنفوان القرون الثلاثة المفضلة ، لا بالحجاز ولا بالشام ، ولا باليمن ، ولا مصر ، ولا المغرب ولا العراق ولا خراسان من أهل الدين والصلاح والزهد والعبادة من يجتمع على مثل سماع المكاء والتصدية ، وبدف ولا بكف ، ولا بقضيب وإنما أحدث هذا بعد ذلك في أواخر المائة الثانية . فلما راه الأئمة أنكروه فقال : الشافعي رضي الله عنه : خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه " التغبير " يصدون به الناس عن القران ، وقال يزيد بن هارون : ما يغبر إلا فاسق ، ومتى كان التغبير ؟ ... وسئل الامام أحمد فقال : أكرهه هو حمدث ، قيل : أتجلس معهم ، قال ، لا . وكذلك سائر أئمة الدين كرهوه ، وأكابر الشيوخ الصالحين لم يحضروه ، فلم يحضره إبراهيم بن أدهم ولا الفضيل بن عياض ، ولا معروف الكرخي ، ولا أبو سليمان الدارني ، ولا أحمد بن أبي الحواري ، والسري السقطي وأمثالهم والذين حضروه من الشيوخ المحمودين تركوه في اخر أمرهم ، وأعيان المشايخ عابوا أهله ، كما فعل ذلك عبد القادر والشيخ أبو(3/16)
البيان ، وغيرهما من المشايخ ، وما ذكره الشافعي ـ يرحمه الله ـ من أنه من إحداث الزنادقة ، كلام إمام خبير بأصول الاسلام ، فإن هذا السماع لم يرغب فيه ويدع إليه في الأصل إلا من هو متهم بالزندقة ، كابن الراوندي والفارابي وابن سينا وأمثالهم إلى أن قال : وأما الحنفاء أهل ملة إبراهيم الخليل ، الذي جعله الله إماما ، وأهل دين الاسلام الذي لا يقبل الله من أحد دينا غيره ، المتبعون لشريعة خاتم الرسل محمد ، " صلى الله عليه وسلم " ، فليس فيهم من يرغب في ذلك ولا يدعو إليه ، وهؤلاء هم أهل القران والايمان والهدى والسعد والرشاد والنور والفلاح وأهل المعرفة والعلم واليقين والاخلاص لله والمحبة له والتوكل عليه والخشية له والانابة إليه . إلى أن قال : ومن كان له خبرة بحقائق الدين وأحوال القلوب ومعارفها وأذواقها ومواجيدها عرف أن سماع المكاء والتصدية لا يجلب للقلوب منفعة ولا مصلحة : إلا وفي ضمن ذلك من الضرر والمفسدة ما هو أعظم منه فهو للروح كالخمر ، للجسد ولهذا يورث أصحابه سكرا أعظم من سكر الخمر فيجدون لذة بلا تمييز ، كما يجد شارب الخمر بل يحصل لهم أكثر وأكبر مما يحصل لشارب الخمر ، ويصدهم ذلك عن ذكر اله وعن الصلاة أعظم مما يصدهم الخمر ويوقع بينهم العداوة والبغضاء أعظم من الخمر . وقال أيضا : وأما الرقص فلم يأمر الله به ولا رسوله ، ولا أحد من الأئمة ، بل قد قال الله في كتابه : { وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ} .. ( لقمان ) ، الأية : ' 19 ' . وقال في كتابه : { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً } .. ( الفرقان ) ، الأية : ' 63 ' . أي بسكينة ووقار ، وإنما عبادة المسلمين الركوع والسجود . بل الدف والرقص لم يأمر الله به ولا رسوله ، ولا أحد من سلف الأمة ، قال : وأما قول القائل هذه سبكة يصاد بها العوام فقد صدق فإن أكثرهم إنما يتخذون ذلك شبكة لأجل الطعام والتوانس(3/17)
على الطعام ، كما قال الله ـ تعالى ـ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ } .. ( التوبة ) ، الأية : ' 34 ' . ومن فعل هذا فهو من أئمة الضلال الذين قيل في رؤوسهم : { رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا. رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً } .. ( الأحزاب ) ، الأيتان : ' 67 ، 68 ' . وأما الصادقون منهم يتخذونه شبكة ، لكن هي شبكة مخرقة ، يخرج منها الصيد إذا دخل فيها ، كما هو الواقع كثيرا ، فإن الذين دخلوا في السماع المبتدع في الطريق ولم يكن معهم أصل شرعي شرعه الله ورسوله ، أورثهم أحوالا فاسدة .. انتهى .كلامه (1) .. فهؤلاء الصوفية الذين يتقربون إلى الله بالغناء والرقص يصدق عليهم قول الله ـ تعالى ـ : { الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً} .. ( الأعراف ) ، الأية : ' 51 ' .
__________
(1) مجموع الفتاوى (11 ، 569 ، 574 ) .(3/18)
6 ــ ومن دين الصوفية الباطل ما يسمونه بالأحوال التي تنتهي بصاحبها إلى الخروج عن التكاليف الشرعية نتيجة لتطور التصوف ، فقد كان أصل التصوف ، كما ذكره ابن الجوزي : رياضة النفس ، ومجاهدة الطبع ، برده عن الأخلاق الرذيلة ، وحمله على الأخلاق الجميلة ، من الزهد والحلم والصبر ، والاخلاص والصدق . قال وعلى هذا كان أوائل القوم ، فلبس إبليس عليهم في أشياء ، ثم لبس على من بعدهم من تابعيهم ، فكلما مضى قرن زاد طمعه في القرن الثاني ، فزاد تلبسه عليهم إلى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن ، وكان أصل تلبيسه عليهم أن صدهم عن العلم وأراهم أن المقصود العمل ، فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا في الظلمات ، فمنهم من أراه أن المقصود من ذلك ترك الدنيا في الجملة ، فرفضوا ما يصلح أبدانهم ، وشبهوا المال بالعقارب. ونسوا أنه خلق للمصالح وبالغوا في الحمل على النفوس حتى إنه كان فيهم من لا يضطجع ، وهؤلاء كانت مقاصدهم حسنة غير أنهم على غير الجادة ، وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يقع إليه من الأحاديث الموضوعة وهو لا يدري ، ثم جاء أقوام فتكلموا لهم في الجوع والفقر والوساوس والخطرات وصنفوا في ذلك ، مثل الحارث المحاسبي ، وجاء اخرون فهذبوا مذهب الصوفية وأفراده بصفات ميزوة بها من الاختصاص بالمرقعة والسماع والوجد والرقص والتصفيق . ثم مازال الأمر ينمى ، والأشباح يضعون لهم أوضاعا ويتكلمون بمواقعاتهم ـ وبعدوا عن العلماء ورأوا ما هم فيه أو في العلوم حتى سموه العلم الباطن ، وجعلوا علم الشريعة العلم الظاهر ، ومنهم من خرج به الجوع إلى الخيالات الفاسدة فادعى عشق الحق والهيمان فيه . فكأنهم تخايلوا شخصا مستحسن الصورة فهاموا به . وهؤلاء بين الكفر والبدعة ، ثم تشعبت بأقوام منهم الطرق ففسدت عقائدهم . فمن هؤلاء من قال بالحلول ، ومنهم من قال بالاتحاد ، وما زال إبليس يخبطهم بفنون البدع حتى جعلوا لأنفسهم سننا .. انتهى (1)
__________
(1) 10) تلبيس إبليس صفحة ( 157 ، 158 ) .(3/19)
.. وسئل شيخ الاسلام ابن تيمية عن قوم داموا على الرياضة مرة فرأوا أنهم قد تجوهروا ، فقالو لا نبالي الآن ما علمنا ، وإنما الأوامر والنواهي رسوم العوام ، ولو تجوهروا لسقطت عنهم ، وحاصل النبوة يرجع إلى الحكمة والمصلحة ، والمراد منها ضبط العوام ، ولسنا نحن من العوام ، فندخل في حجر التكليف لأنا قد تجوهرنا وعرفنا الحكمة فأجاب : لا ريب عند أهل العلم والايمان أن هذا القول من أعظم الكفر وأغلطه ، وهو شر من قول اليهود والنصارى . فإن اليهودي والنصراني امن ببعض الكتاب وكفر ببعض . وأولئك هم الكافرون حقا ، كما أنهم يقرون أن لله أمرا ونهيا ، ووعدا ووعيدا ، وأن ذلك متناول لهم إلى حين الموت ، هذا إن كانوا متمسكين باليهودية والنصرانية المبدلة المنسوخة ، وأما إن كانوا من منافقي أهل ملتهم كما هو الغالب على متكلميهم ومتفلسفتهم كانوا شرا من منافقي هذه الأمة ، حيث كانوا مظهرين للكفر ومبطنين للنفاق فهم شر ممن يظهر إيمانا ويبطن نفاقا . والمقصود أن المتمسكين بجملة منسوخة فيها تبديل خير من هؤلاء الذين يزعمون سقوط الأمر والنهي عنهم بالكلية ، فإن هؤلاء خارجون في هذه الحال من جميع الكتب والشرائع والملل ، لا يلتزمون لله أمرا ولا نهيا بحال ، بل هؤلاء شر من المشركين المتمسكين ببقايا من الملل كمشركي العرب الذين كانوا متمسكين ببقايا من دين إبراهيم ، عليه السلام ، فإن أولئك معهم نوع من الحق يلتزمونه . وإن كانوا مع ذلك مشركين ، وهؤلاء خارجون عن التزام شيء من الحق بحيث يظنون أنهم قد صاروا سدى لا أمر عليهم ولا نهي ـ إلى أن قال : ومن هؤلاء من يحتج بقوله : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} .. ( الحجر ) ، الأية : ' 99 ' . ويقول معناها : اعبد ربك حتى يحصل لك العلم والمعرفة ، فإذا حصل ذلك سقطت العبادة ، وربما قال بعضهم : اعمل حتى يحصل لك حال ، فإذا حصل لك حال تصوفي سقطت عنك العبادة ، وهؤلاء فيهم من(3/20)
إذا ظن حصول مطلوبة من المعرفة والحال استحل ترك الفرائض وارتكاب المحارم . وهذا كفر كما تقدم إلى أن قال : فأما استدلالهم بقوله ـ تعالى ـ : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } .. ( الحجر ) ، الأية : ' 99 ' فهي عليهم لا لهم قال الحسن البصري : (*( إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت )*) : واقرأ قوله : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } .. ( الحجر ) ، الأية : ' 99 ' وذلك أن اليقين هنا الموت وما بعده باتفاق علماء المسلمين ، وذلك قوله : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ } إلى قوله تعالى { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ } .. ( المدثر ) ، الأيات : ' 42 ، 47 ' . فهذا قالوه في جهنم ، وأخبروا أنهم كانوا على ما هم عليه من ترك الصلاة والزكاة والتكذيب بالآخرة ، والخوض مع الخائضين ، حتى أتاهم اليقين . ومعلوم أنهم مع هذا الحال لم يكونوا مؤمنين بذلك في الدنيا ، ولم يكونوا مع الذين قال الله فيهم : { وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } .. ( البقرة ) ، الأية : ' 4 ' . وإنما أراد بذلك أنه أتاهم ما يوعدون وهو اليقين ... انتهى (1) .. فالآية تدل على وجوب العبادة على العبد منذ بلوغه سن التكليف عاقلا : إلى أن يموت . وأنه ليس هناك حال قبل الموت ينتهي عندها التكليف كما تزعمه الصوفية .
الخاتمة
__________
(1) 11) مجموع الفتاوى ( 11 ، 401 ، 402 ، 417 ، 418 ) .(3/21)
وبعد : فهذا هو دين الصوفية قديما وحديثا ، وهذا موقفهم من العبادة ، ولم ننقل عنهم إلا القليل مما تضمنته كتبهم ، وكتب منتقديهم وما تدل عليه ممارساتهم المعاصرة ، ولم أتناول إلا جانبا واحدا من جوانب البحث حولهم هو جانب العبادة وموقفهم منها ، وبقيت جوانب أخرى تحتاج إلى محاضرات ، ومحاضرات كموقفهم من التوحيد ، وموقفهم من الرسالات ، وموقفهم من الشريعة والقدر ، إلى غير ذلك .
هذا وأسأل الله ـ عز وجل ـ أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا . وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، واله وصحبه .
الفهرس
الموضوع
المقدمة.....................................................................
ضوابط العبادة الصحيحة....................................................
أولا : أنها توفيقية...........................................................
ثانيا : أن تكون العبادة خالصة لله............................................
ثالثا : أن يكون القدوة في العبادة والمبين لها رسول الله صلى الله عليه وسلم.........
رابعا : أن العبادة محددة بمواقيت ومقادير......................................
خامسا : أن تكون العبادة قائمة على محبة الله.................................
سادسا : أن تكون العبادة لا تسقط عن المكلف..............................
حقيقة التصوف.............................................................
موقف الصوفية من العبادة والدين...........................................
الخاتمة.......................................................................(3/22)