موقف المؤمن من الفتنة
تأليف
عبدالله بن صالح العبيلان
راجعه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يُضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
أما بعد ،
فقد كنت ألقيت محاضرة في مدينة الرياض بعنوان " موقف المؤمن من الفتنة " وذكرت في بدايتها أسباب إلقائي لها ، وقام الأخ الشيخ أحمد بن جزاع الرضيمان مدير مكتب الدعوة التعاوني في فيد بحائل بنسخها وتهيئتها للنشر ، فجزاه الله خيراً ، وجعلنا جميعاً من أهل العلم النافع والعمل الصالح .
والله أسأل أن يصلح أحوال المسلمين ، وأن يرزقهم الفقه في الدين والعمل بسنة سيد المرسلين .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
…كتبه
أبو عبدالرحمن
عبدالله بن صالح العبيلان
في حائل 17 / 7 / 1413 هـ
مدخل
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يُضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد ،
فإن الله سبحانه يقول في كتابه :
{ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } ( العنكبوت 1- 3 )
وقال تعالى : { أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} ( التوبة 126)(1/1)
وقال تعالى : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ( النور 63 )
وقال نبينا - صلى الله عليه وسلم :" إن السعيد لمن جُنّب الفتن ، ولمن صبر فواهاً " 1
إخواني طلاب العلم والدعاة :
لست في صدد بيان معنى الفتنة ، وتقسيمها ، وذكر متعلقاتها ، فهذا موضوع قد ُتكلم وُكتب فيه مراراً وتكراراً ، إلا إنني أريد أن أطرق القول في واقع مرير لا يرضاه أي مؤمن يغار على دينه ، أي مؤمن حريص على جمع كلمة المسلمين بالحق وإلى الحق ، فإن التفرق قاصم للدين ، قاصم للعقيدة ، قاصم لكل خير في المسلمين .
وإننا اليوم مع الأسف الشديد - أقولها وبصراحة - لفي ُفرقة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وقد نبتت بوادرها ، وظهرت أماراتها ، ووالله إن لم نعمل على إزالتها من الآن ودفع شرها لنحصدن الندامة ، وليتربين أبناؤنا على التفرق ، وعلى الحزبية ، وهذا مما يضاد أمراً مهماً من أعظم أمور العقيدة ، ألا وهو الولاء والبراء ، فيصبح ولاؤنا لغير الله وبراؤنا لغير الله .
وما دفعني إلى هذا البيان إلا النصيحة لإخواني ، سائلاً الله عز وجل أن تجتمع كلمة أهل العلم ، وأن تأتلف القلوب ، وتلتئم النفوس .
وفي الحقيقة ، لا تكفي محاضرة أو رسالة من أجل بيان ذلك وتوضيحه ، بل نحتاج إلى رسائل ومحاضرات ، إذ إننا نحتاج إلى أن نعيد ترتيب أوراقنا من جديد ، نحتاج إلى أن نحاسب أنفسنا من جديد ، نحتاج إلى أن نربي أنفسنا من جديد . فالمسألة ليست هينة ، المسأله خطيرة ، خطيرة جداً . وإن لم تبد ثمراتها المرة الآن ، فإن لم ُتعالج ويقضي عليها في أولها ، وإلا سوف تستفحل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أرجو أن يتحمل معي إخوتي - جميعاً - هذه الكلمة ، وأن يصبروا معي خشية الإطالة عليهم ، لأني راغب أن أبين كثيراً من قضايا العلم ، وقواعد المنهج ، مع الاختصار والقصد .(1/2)
ومجمل ما تتضمنه هذه الرسالة المباحث التالية :
أ - أسباب الفتن - أعاذنا الله منها - واكتفيت بذكر أربعة أسباب خشية الإطالة .
ب - هل من المشروع - أو من الجائز - أن يستدعي الإنسان البلاء ؟ وذكرت في بيان ذلك نحواً من عشرة نقاط .
ج - موانع الفتن ويتضمن سبعة موانع ، وهي :
أولاً : لزوم الكتاب والسنة ، والسير على نهج سلفنا الصالح رحمهم الله .
ثانياً : النظر في العواقب .
ثالثاً : استفادة أهل العصر الحاضر من التاريخ الغابر ، كما قص الله علينا في القرآن قصص من قبلنا .
رابعاً : ضبط العواطف والتأني ، وعدم الانطلاق من الانفعالات .
خامساً : الرجوع إلى الحجق .
سادساً : لزوم طاعة الله تعالى .
سابعاً : القرب من نصحاء الأمة والإلتفاف حولهم .
... وقد أودعت في هذه المباحث من الدرر والجواهر - عن سلف الأمة وعلمائها - ما هو جدير بالعناية والاهتمام ، وهوغيض من فيض ، وإذ الأمر كما قال ربنا تبارك وتعالى : { وما أوتيتم } الإسراء 85
فأقول وبالله التوفيق :
أسباب الفتن
السبب الأول : اتباع الهوى ، وفساد القصد
قال تعالى:{ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ } ( ص / 26 ) .
وقال تعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ } ( الجاثية / 23 ) .
فالهوى يُعمي ويصمّ ، ويجعل صاحبه يرى المنكر معروفاً والمعروف منكراً ، ويكفينا لبيان هذا الأصل وتوضيحه كلام ذلك الحبر الذي - والله - لكأنه يعيش بين أظهرنا - أعني شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية - حيث قال - رحمه الله 2 .(1/3)
" ومن أمر بالمعروف ونهي عن المنكر فينبغي أن يكون عليماً بما يأمر به ، عليما بما ينهى عنه ، رفيقا فيما يأمر به ، رفيقا فيما ينهى عنه ، حليما فيما يأمر به ، حليما فيما ينهى عنه . فالعلم قبل الأمر ، والرفق مع الأمر ، والحلم بعد الأمر ، فإن لم يكن عالما لم يكن له أن يقفوَ ما ليس له به علم ، وإن كان عالما ولم يكن رفيقا كان كالطبيب الذي لا رفق فيه ، فيغلظ على المريض فلا يقبل منه ، وكالمؤدب الغليظ الذي لا يقبل منه الولد ، وقد قال تعالى لموسى وهارون : { فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } ( طه /22 )
ثم إذا أمر أو نهى فلا بد - عادة - أن يُؤذي ، فعليه أن يصبر ويحلم كما قال تعالى : { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاة وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمور } ( لقمان / 17) .(1/4)
وقد أمر الله نبيه بالصبر على أذى المشركين في غير موضع ، وهو إمام الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر ، فإن الإنسان عليه أولا أن يكون أمره لله ، وقصده طاعة الله فيما أمره به ، وهو يحب صلاح المأمور أو أقامة الحجة عليه، فإن فعل ذلك لطلب الرياسة لنفسه ولطائفته ، وتنقيص غيره كان ذلك حمية لا يقبله الله ، وكذلك إذا فعل ذلك لطلب السمعة والرياء كان عمله حابطا ، ثم إذا رد عليه ذلك أو أوذي أو ُنسب إلى أنه مخطيء و غرضه فاسد طلبت نفسه الانتصار لنفسه ، وأتاه الشيطان فكان مبدأ عمله لله ، ثم صار له هوى يطلب به أن ينتصر على ما آذاه ، وربما اعتدى على ذلك المؤذي ، وهكذا يُصيب أصحاب المقالات المختلفة إذا كان كل منهم يعتقد أن الحق معه ، وأنه على السنة ، فإن أكثرهم قد صار لهم في ذلك هوى أن ينتصر جاههم أو رياستهم وما نسب إليهم ، لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا وأن يكون الدين كله لله ، بل يغضبون على من خالفهم وإن مجتهدا معذورا لا يغضب الله عليه ، ويرضون على من كان يوافقهم وإن كان جاهلا سيء القصد ليس له علم ولا حسن قصد ، فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله ، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله ، وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله ، وهذا حال الكفار الذين لا يطلبون إلا أهواءهم ، ويقولون : هذا صديقنا و هذا عدونا ، ولا ينظرون إلى موالاة الله ورسوله ومعاداة الله ورسوله ، ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس .
قال تعالى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلهِ } ( الأنفال / 39 ) .(1/5)
فإذا لم يكن الدين كله لله كانت فتنة ، وأصل الدين أن يكون الحب لله والبغض لله والموالاة لله والمعاداة لله والعبادة لله والاستعانة بالله والخوف من الله والرجاء لله والإعطاء لله والمنع لله ، وهذا إنما يكون بمتابعة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي أمرُه أمرٌ لله ، ونهيه نهي لله ، ومعاداته معاداة لله ، وطاعته طاعة لله .
وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك ولا يطلبه ، ولا يرضى الله ورسوله ، ولا يغضب لغضب الله ورسوله ، بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه ، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه ، ويكون مع ذلك معه شبهة دين ، أن الذي يرضى له ويغضب له هو السنة وهو الحق وهو الدين !!! فإذا قدِّر أن الذي معه هو الحق المحض - دين الإسلام - ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، بل قصد الحميه لنفسه وطائفته أو الرياء ليُعظّم هو ويُثني عليه، أو فعل ذلك شجاعة وطبعا ، أو لغرض من الدنيا لم يكن لله ، ولم يكن مجاهدا في سبيل الله ، فكيف إذا كان الذي يدعي
الحق والسنة هو كنظيره معه حق وباطل ، وسنة وبدعة ، ومع خصمه حق وباطل ، وسنة وبدعة .
وهذا حال المختلفين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا وكفر بعضهم بعضا ، وفسق بعضهم بعضا ، ولهذا قال الله تعالى فيهم : { وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} ( البينة / 3 - 4 ) .
السبب الثاني : الإفراط والتفريط :
وليعلم أن الغلو في الدين أعظم من وقوع الإنسان في المعصية ، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية 3
" الأهواء في الديانات - أي : في الدين - أعظم منها في الشهوات " .(1/6)
والله عز وجل قد حذرا من الغلو في الدين ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم :
" إياكم والغلو في الدين ، فإنه أهلك من كان من قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم " 4 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله :
" إذا كان الكفر والفسوق والعصيان سبباً للشر والعدوان فقد يذنب الرجل والطائفة ، ويسكت آخرون عن الأمر والنهي ، فيكون ذلك من ذنوبهم ، وينكر عليهم آخرون إنكاراً منهياً عنه ، فيكون ذلك من ذنوبهم فيحصل التفرق والاختلاف والشر ، وهذا من أعظم الفتن والشرور قديماً وحديثاً ، إذ الإنسان ظلوم جهول ، والظلم والجهل أنواع ، فيكون ظلم الأول - وهو التارك للأمر والنهي - وجهله من نوع ، وظلم كل من الثاني والثالث وجهلهما من نوع آخر " 5 .
فنستفيد مما سبق أن هناك ثمة ثلاث طوائف ، طائفة تقع بالمنكر ، وطائفة تسكت عن وقوع هؤلاء في المنكر ، وطائفة تنكر لكنها تنكر إنكاراً منهياً عنه فتتجاوز الحد فتحصل الفتنة .
... ولا شك أن هناك قسماً رابعاً ، وهم الذين وافقوا كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم في إنكارالمنكر .
ثم قال - رحمه الله :
" ومن تدبر الفتن الواقعة رأى سببها ذلك ، ورأى أن ما وقع بين أمراء الأمة وعلمائها ومن تبعهم من العامة في الفتن هذا أصلها " 6 .
وقال أيضاً :
" فهذا القسم قد كثر في دول الملوك إذ هو واقع فيهم وفي كثير من أمرائهم وعلمائهم وعبّادهم - أعني أهل زمانهم - وبسببه نشأت الفتن بين الأمة ، فأقوام نظروا إلى ما ارتكبوه من الأمور المنهي عنها فذموهم وأبغضوهم ، وأقوام نظروا إلى ما فعلوه من الأمور المأموربها فأحبوهم ، ثم الأولون ربما عدوا حسناتهم سيئات والآخرون ربما جعلوا سيئاتهم حسنات " 7 .
ومن كلامه - رحمه الله - وكأنه بيان وايضاح لما عليه كبار علمائنا حفظهم الله من بعض الاجتهادات التي قد يستنكرها بعض الناس لأول وهلة - قوله رحمه الله :(1/7)
" ففرق بين ترك العالم لنهي بعض الناس عن الشيئ إذا كان في النهي مفسدة راجحة، وبين إذنه في فعله" 8 .
... فرق بين ترك العالم النهي عن المنكر إذا كان فيه مفسدة راجحة ، فيترتب عليه منكر أعظم منه ، وبين إذنه في فعله .
ثم قال - رحمه الله :
" وهذا يختلف باختلاف الأحوال ، ففي حال أخرى يجب إظهار النهي ، إما لبيان التحريم واعتقاده والخوف
من فعله ، أو لرجاء الترك ، أو لإقامة الحجة بحسب الأحوال ، ولهذا تنوع حال النبي- صلى الله عيه وسلم -
في أمره ونهيه وجهاده وعفه ، وإقامته الحدود ورحمته " 9 .
السبب الثالث : غياب المنهج الصحيح واتباع المتشابه :
قال تعالى : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ } (آل عمران /7 ) .
روى ابن جرير في " تفسيره " :
عن قتادة أنه كان إذا قرأ هذه الآية : { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } قال : إن لم يكونوا الحرورية والسبائية فلا أدري من هم !!(1/8)
ولعمري لقد كان في أهل بدر والحديبية الذين شهدوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار خبرٌ لمن استخبر ، وعبرة لمن استعبر ، لمن كان يعقل أو يبصر .. إن الخوارج خرجوا وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ كثيرٌ في المدينة والشام وأزواجه يومئذ أحياء ، والله إن10 خرج منهم ذكر ولا أنثى حرورياً قط ، ولا رضوا الذي هم عليه ، ولا مالأوهم فيه ، بل كانوا يحدثون بعيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ونعته الذي نعتهم به ، وكانوا يبغضونهم بقلوبهم ، ويعادونهم بألسنتهم ، وتشتد - والله - عليهم أيديهم إذا لقوهم .
ولعمري لو كان أمر الخوارج هدىً لاجتمع ، ولكنه كان ضلالاً فتفرق ، وكذلك الأمر إذا كان من عند غير الله وجدت فيه اختلافاً كثيراً فقد ألاصوا 11 هذا الأمر منذ زمان طويل ، فهل أفلحوا فيه يوماً أو أنجحوا ؟
يا سبحان الله ! ، كيف لا يعتبر آخر هؤلاء القوم بأولهم ؟ لو كانوا على هدى ، فقد أظهره الله وأفلجه ، ونصره ، ولكنهم كانوا على باطل أكذبه الله وأدحضه ، فهم كما رأيتهم ، كلما خرج لهم قرن أدحض الله حجتهم ، وأكذب أحدوثتهم ، وأهرق دماءهم ... إن كتموا كان قرحاً في قلوبهم ، وغماً عليهم ، وإن أظهروه أهرق الله دماءهم ... ذاكم - والله - دين سوء فاجتنبوه ، والله إن اليهودية لبدعة ، وإن النصرانية لبدعة ، وإن الحرورية لبدعة ، وإن السبئية لبدعة ما نزل بهن كتاب ولا سنّهن نبي " أ . هـ 12 .
وفي الآية الكريمة المشار إليها سابقاً :(1/9)
{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ... } الآية .. يبين الله عز وجل أنه عند حلول الفتن والمتشابهات ، أعظم من يبينها بياناً صحيحاً على وجهها هم الراسخون في العلم ، ولذلك ينبغي أن يُعلم أن أهل العلم ليسوا على درجة واحدة في العلم ، فمنهم من يُنسب إلى العلم وأهله ، ومنهم الراسخون في العلم ، ومنهم دون ذلك .
وهاهنا أثر مهم جداً أورده حتى يتبين لطالب الحق معنى اتباع المتشابه ، ومعنى الرسوخ في العلم :
" روى مسلم عن يزيد الفقير ، قال : كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج ، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج ثم نخرج على الناس ، قال : فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبدالله يحدث القوم جالس على سارية في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو قد ذكر الجهنميين الذين يخرجون من الناربعد دخولها ، قال : فقلت : يا صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما هذا الذي تحدثون ؟! والله يقول :
{ إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } ، ويقول : { كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا } فما هذا الذي تقولون ؟ قال : فقال جابر - رضي الله عنه : أتقرأ القرآن ؟ قلت : نعم ، قال : فإنه مقام محمد - صلى الله عليه وسلم - المحمود الذي يُخرج الله به من يخرج ، ثم نعت وصف الصراط ومر الناس عليه ، قال : وأخاف ألا أكون أحفظ ذلك ، قال : غير أنه زعم أن قواماً يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها !
قال : فيعني فيخرجون كأنهم عيدان السماسم ، قال فيدخلون نهراً من أنهار الجنة ، فيُغسلون فيه ، فيخرجون كأنهم القراطيس . فرجعنا ، وقلنا : ويحكم أترون الشيخ يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فرجعنا فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد " 13 .
... فهذا الأثر يدل على فوائد ، منها :(1/10)
أولاً : ضرورة لزوم منهج السلف في الفهم والاستدلال ، فهؤلاء فهموا أن الإنسان إذا ُأدخل النار فإنه لا يخرج منها ، وهذه شبهة ، وهذه الشبهة تورث الفتنة ، إذ لما حصلت في قلوبهم هذه الشبهة ورأوا الناس على غير ما هم عليه أرادوا أن يقاتلوا الناس وأن يخرجوا عليهم .
ثانياً : أنه لا يكفي حسن النية بغير منهج صحيح ، فهؤلاء لما تبين لهم الحق رجعوا عن ذلك المنكر الذي أرادوا فعله .
إذن : كانت نيتهم - في أنفسهم - حسنة إلا أن ذلك لا يكفي ، فالعبادة لها شرطان لا بد منهما معاً ، وهما : الإخلاص لله ، والمتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم .
ثالثاُ : أن الرجوع إلى الحق من موانع الفتنة ، فهؤلاء لما رجعوا إلى الحق صار هذا مانعاً لهم من الوقوع في الفتنة .
رابعاً : بيان فضل العلماء في توجيه الناس إلى المنهج الصحيح والرأي السديد المبنيّ على الكتاب والسنة .
واعلموا أيها الأحبة أن الأمة الإسلامية الآن متفرقة ، وكل فرقة لها أصولها ، وكل فرقة لها منهجها .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله :
" ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة لزوم الجماعة ، وترك قتال الأئمة ، وترك القتال في الفتنة ... وأما أهل الأهواء كالمعتزلة فيرون القتال للأئمة من أصول دينهم ، وتجعل المعتزلة أصول دينهم خمسة :
التوحيد ( الذي هو سلب الصفات ) ، والعدل ( الذي هو المنزلة بين المنزلتين ) ، والتكذيب بالقدر ، وإنفاذ الوعيد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( الذي هو قتال الأئمة ) " 14.
وقال في موضع آخر :
" ولا يعدل أحد عن الطرق الشرعية إلى الطرق البدعية إلا لجهلٍ أو عجز أو غرض فاسد " 15 .
وتكلم - رحمه الله - أيضاً عن الخوارج والمعتزلة وما شابههم من الفرق موضحاً السبب الذي دفعهم إلى ما ذهبوا إليه ، فقال 16 :(1/11)
" أن يكون ما رأوه ديناً ليس بدين ، كرأي الخوارج وغيرهم من أهل الأهواء ، فإنهم يعتقدون رأياً هو خطأ وبدعة ، ويقاتلون الناس عليه، بل يكفرون من خالفهم ، فيصيرون مخطئين في رأيهم ، وفي قتال من خالفهم ، أو تكفيرهم ولعنهم .
وهذه حال عامة أهل الأهواء كالجهمية الذين يدعون الناس إلى إنكار حقيقة أسماء الله الحسنى وصفاته العليا ، ويقولون : إنه ليس له كلام إلا ما خلقه في غيره ، وأنه لا يرى ، ونحو ذلك . وامتحنوا الناس لما مال إليهم من بعض ولاة الأمور فصاروا يعاقبون من خالفهم في رأيهم ، إما بالقتل ، وإما بالحبس ، وإما بالعزل ومنع الرزق . وكذلك فعلت الجهمية ذلك غير مرة ، والله ينصر عباده المؤمنين عليهم " أ . هـ .17 .
السبب الرابع : التعجل وعدم الصبر
قال تعالى : { وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا موسى * قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى } ( طه /
83 - 84 )
غاية وقصد صريح : عجلت إليك رب ِ لترضى ، قال : { فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ }
( طه / 85 ) .
... فهذا موسى عليه السلام - وهو من أولى العزم من الرسل - تعجل ، فلما تعجل حصل في قومه فتنة ، وهو أنهم عبدوا غير الله عز وجل ، قال تعالى : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} ( الروم / 60 ) .
قال الإمام البغوي :
" لا يستجهلنك ، معناه : لا يحملنك الذين لا يوقنون على الجهل واتباعهم في الغي " 18 .
وقال ابن القيم - رحمه الله - :
" ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن ، صغارها وكبارها رآها من إضاعة هذا الأصل ، وعدم الصبر على المنكر ، فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه " أ.هـ . 19 .
... هذه الكلمة لإمام ٍ سبر الكتاب والسنة ، وسبر أحوال المسلمين ، فقال ما قاله رحمه الله تعالى .(1/12)
يقول الأستاذ محمد قطب - وفقه الله - في كتابه " واقعنا المعاصر " ( ص 418 ) - وهو يتحدث عن الحركة الإسلامية التي كانت في مصر - يقول :
" فأما في الداخل فقد كان هناك تعجل في إظهار قوة الجماعة سواء كان في استعراضات الجوالة أو في المظاهرات والمسيرات ، أو في الدخول في القضايا السياسية المثارة في ذلك الوقت ، كمحاربة الشيوعية ، أو تأييد قضية مصر في مجلس الأمن أو غيرها من القضايا ، كأنما تريد الجماعة في كل مرة أن تقول : نحن هنا ، ونحن نستطيع أن ... " .
إلى أن قال : " وبصرف النظر عن هذه القضايا المثارة يومئذ ، هل كانت مما يجوز للجماعة المسلمة أن تخوض فيه ؟ أم أن واجبها كان المناداة بتصحيح منهج الحياة الأساسي ، وإقامة الأعمدة الراسية ، واستكمال التربية المطلوبة تعجلاً بالحركة قبل الآوان ، ترتب عليه ما ترتب من آثار في خط السير " أ . هـ .
هل من الجائز أن يستدعي الإنسان المسلم البلاء ؟
أقول :
هذه مسألة تحتاج إلى تفسير وتوضيح ، لأنها مما يقع فيه الاشتباه والخلط بسبب قصور الفهم ، وإن كانت النية حسنة ، فنقول مستعينين بالله ، مستلهمين منه الصواب :
أولا : المطلوب من المسلم أن يدعو إلى الله على بصيرة بالوسائل والكيفيات المشروعة التي بينها القرآن الكريم وطبقها الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإذا أدت هذه الوسائل إلى أذى يصيب المسلم فعليه أن يتقبله بالصبر لا بالجزع والثبات لا بالفرار .(1/13)
ثانياً : إذا كان للمسلم مندوحة من الأذى - أي : يستطيع أن يتوقاه ، ولا يجب عليه أن يقابله - فله أو عليه أن يتوقاه حسب الظروف والأحوال ... فقد يباح له الابتعاد عنه وعدم مباشرة ما يستدعيه ، لأن الابتلاء صعب على النفس ، فلا يجوز الحرص عليه ولا الرغبة فيه ، لأن فيه فتنة مجهولة العاقبة ، وقد يحس المسلم من نفسه القدرة على الثبات ، ومن ثم لا يبالي بالابتلاء ، بل ربما رغب فيه إما طمعاً بثواب الله ، وإما لتدخل وسوسة الشيطان ليُقال عنه : ما أثبته وما أصبره على البلاء ! ، فإذا نزل البلاء ضعف عن الاحتمال ووقع في الافتتان ...
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله 20 :
" وقد قال تعالى لمن هو أفضل من هؤلاء المشايخ - يقصد مشايخ الصوفية - : { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } ( آل عمران /143 ) ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تفعلون * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ * إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } ( الصف /2- 4 ) .
وفي " الترمذي 21 - وما زال الكلام لشيخ الإسلام - أن بعض الصحابة قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : لو علمنا أحب العمل إلى الله لعملناه ، فأنزل الله هذه الآية .
وقد قال الله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ } ( النساء / 77 ) .(1/14)
... فهؤلاء الذين كانوا قد عزموا على الجهاد واحبوه لما ابتلوا كرهوه وفروا منه ، وأين ألم الجهاد من ألم النار ؟ وعذاب الله الذي لا طاقة لأحد به ؟!
ومثل هذا ما يذكرونه عن سمنون المحب أنه يقول :
وليس لي في سواك حظ ،،، فكيفما شئت فاختبرني
فأخذه العُسُر من ساعته - أي : حُصر بوله - فكان يدور على المكاتب ويفرق الجوز على الصبيان ويقول : ادعو لعمكم الكذاب " أ .هـ .
ثالثاً : روى مسلم 22 من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد رجلاً من المسلمين قد خفت ، فصار مثل الفرخ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هل كنت تدعو بشيئ أو تسأله إياه ؟ " .
قال : نعم ، كنت أقول : اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة ، فعجله لي في الحياة الدنيا .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " سبحان الله ! ولا تطيقه، أو : لا تستطيعه ، أفلا قلت : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " .
قال : فدعا الله فشفاه .
قال شيخ الإسلام معقباً على هذا الحديث 23 :
" فهذا أيضاً حمله خوفه من عذاب النار ، ومحبته لسلامة عاقبته على أن يطلب تعجيل ذلك في الدنيا وكان مخطئاً في ذلك غالطاً " .
وثبت 24 من حديث حذيفة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه " .
قالوا : وكيف يذل نفسه يا رسول الله ؟
قال : " يتحمل من البلاء مالا يطيق " .
رابعاً : من الأدعية المأثورة الثابتة أن يسأل المسلم ربه العفو والعافية ، و يدخل في العافية المعافاة من الابتلاء والمؤذيات ، وهذا يدل على أن التخلص والخلاص من أذى أهل الباطل ممدوح ومحمود .
وقد ثبت في " الصحيحين " من حديث عبدالله بن أبي أوفى - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض مغازيه التي لقى فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس ، ثم قام في الناس خطيباً وقال :(1/15)
" يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو ، واسألوا الله العافية ، فإذا لقيتموه فاصبروا " 25 .
وقال ابن حجر :
" قال ابن بطال : حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر ، وهو نظير سؤال العافية من الفتن ، وقد
قال الصديق رضي الله عنه : لأن أعافى فأشكر أحب إليّ من أن أبتلى فأصبر ، وقال غيره : إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب ، والإتكال على النفس ، والوثوق بالقوة ، وقلة الاهتمام بالعدو، وكل ذلك يباين الاحتياط والأخذ بالحزم " 26 .
خامساً : قال تعالى : : { وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } ( الأحزاب / 25 ) وهذا يدل على عدم احتياج المؤمنين للقتال لكفاية الله لهم ، وهذه الكفاية من الله تعتبر من نعمة الله على المؤمنين لما في القتال من الأذى والنصب والألم ، فلو كان تعريض المسلم نفسه للابتلاء والأذى مطلوباً لذاته لما كان عدم الاحتياج إليه مما يمن الله به على المؤمنين .
سادساً : إيذاء أهل الباطل للمؤمنين غير مطلوب قطعاً ، بل هو من سيئات أهل الباطل لأنه إيذاء لأهل الحق ، فكيف يسوغ تسليم المسلم نفسه للمبطل يؤذيه ويهينه ويذله ؟!
ألا يكون في هذا التسليم إعانة على وقوع ما يسخط الله تعالى ، وإلقاء النفس للتهلكة والمهانة والذلة ؟ وكل هذا لا يجوز .
سابعاً :أذن الله للمكره أن يقول كلمة الكفر تخليصاً لنفسه من الأذى والتلف ، وهذا يدل على إباحة دفع البلاء ، وأن للمسلم أن لا يساعد على وقوعه عليه .
ثامناً : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم ير بأساً من عون عمه أبي طالب - وكان على دين قومه - في دفع ما يستطيعه من أذى قريش ، لأنه لم يكن في عشيرته وأعمامه حام ولا ذاب عنه غيره .(1/16)
ووجه الدلالة من هذا الصنيع أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رضي بحماية عمه أبي طالب له ودفعه الأذى عنه ، فدل ذلك على جواز دفع البلاء والأذى عن الداعي إلى الله ولو عن طريق حماية المشرك - ضمن شروط شرعية معلومة - وعدم استحباب تسليم المسلم نفسه لأهل الباطل .
وكذلك فعل أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذين هاجروا إلى الحبشة ، فعندما رجعوا إلى مكة لم يدخل أحد منهم إلا في جوار أو مختفياً .
ويجب أن يعلم أن الداعي المسلم في رغبته وسعيه لدفع البلاء والأذى عن نفسه إنما يقصد التمكين وإيجاد الجو المناسب لدعوته إلى الله تعالى ، يوضح ذلك ما جاء في السيرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إلى القبائل أيام المواسم ويدعوهم إلى الإسلام ويقول : " مَن رجل يحملني إلى قومه فيمنعني حتى أبلغ رسالة ربي ؟ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي " 27 .
تاسعاً : قال الأستاذ محمد قطب في كتابه " واقعنا المعاصر " بعد أن ذكر الضربة القاصمة للإخوان بمصر ، قال :
" فرّت كثير من الجموع التي كانت تتحلق حول الإمام الشهيد 28 في درسه الأسبوعي ، فتملاً المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين ، وتملأ الشوارع المتفرعة حوله حين رأوا أن الأمر ليس عرضاً قريباً ولا سفراً قاصداً ، إنما هو جهاد وعذاب . كما فرت الجموع التي كانت تستقبل الإمام الشهيد كلما تنقل من مدن القطر أو
في أريافه ، في رحلاته الدائمة التي لم يكن يفتر عنها ... " أ . هـ .
وخلاصة القول في استدعاء البلاء ودفعه من هذا العرض الذي قدمته من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وسيرته يتضمن أموراً ثلاثة وهي :(1/17)
الأول : أن الأذى أو الضرر الذي يلحق بالمسلم بمنزلة الأمراض والمصائب التي تنزل على الإنسان ، فكما أنه لا يرغب فيها ، ولا يريد إيقاعها على نفسه ، ولا يقدح ذلك في إيمانه ، فكذلك لا يقدح في إيمانه عدم محبته - ولا رغبته - في وقوع أذى أهل الباطل عليه ، وعدم استدعاء الضرر على نفسه .
الثاني : أن احتمال وقوع الأذى والضرر به لا يقعد به عن دعوته إلى الله ، ولكن الداعي لا يستدعي الأذى لنفسه بل يعمل على عدم وقوعه ، وإذا وقع عمل على دفعه بكل وسيلة مشروعة في ضوء ما جاء في الكتاب والسنة .
الثالث : إذا وقع الأذى والضرر عل المسلم بالرغم من التزامه بالسير المشروع في الدعوة إلى الله تعالى فعليه أن يستعين بالله ، ويصبر ويحتسب ، ويصبر الصبر الجميل ، وليعلم أن الأمور بيد الله تعالى ، وأن ماشاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله .
موانع الفتن
المانع الأول :
لزوم كتاب الله سبحانه ، وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - والسير على نهج السلف الصالح - رحمهم الله .
يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - الصحيح المشهور : " فإنه من يعش منكم فيسرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" 29 .
ومن ذلك أن يميز أهل السنة من أهل البدعة ، فيأخذ المسلم من أهل السنة ويدع أهل البدعة ، لذلك قال محمد بن سرين - رحمه الله :
" كانوا لا يسألون عن الإسناد ، فلما حدثت الفتنة سألوا عنه ، فأخذوا عن أهل السنة وتركوا أهل البدعة " 30
المانع الثاني :
النظر في العواقب :
فمن لم ينظر في العواقب فليس بفقيه ، ولهذا فإن من قواعد أهل العلم قولهم : " درء المفاسد مقدم على جلب المصالح " .(1/18)
ولذلك - كما تقدم - تجد الإنسان العالم الذي ألم بقواعد الشرع وعرف مصادرها ومواردها هو أبصر الناس وأعلم بالحق - لا سيما في الفتن - ، وما ذاك إلا لمعرفته بالقواعد العامة للشرع ، ولهذا فقد ذكر العلامة المحقق ابن القيم - رحمه الله - في كتابه القيم " إعلام الموقعين " تسعة وتسعين مثالاً لبيان قاعدة سد الذريعة .
... ولعل من المفيد أن ننقل من كلامه في كتابه المشار إليه مثالين فقط ، ومن شاء المزيد فليرجع إليه ، فقد أجاد وأفاد رحمه الله ، يقول رحمه الله :
" المثال الأول : أنه تعالى نهى المسلمين في مكة عن الانتصار باليد ، وأمرهم بالعفو والصفح لئلا يكون انتصارهم ذريعة إلى وقوع ما هو أعظم مفسدة من مفسدة الاغضاء واحتمال الضيم ، ومصلحة حفظ نفوسهم ودينهم وذريتهم راجحة على مصلحة الانتصار والمقابلة .
المثال الثاني : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكف عن قتل المنافقين مع كونه مصلحة لئلا يكون
ذريعة إلى تنفير الناس عنه وقولهم : أن محمداً يقتل أصحابه ، فإن هذا القول يوجب النفور عن الإسلام ممن
دخل فيه وممن لم يدخل فيه ، ومفسدة التنفير أكبر من مفسدة ترك قتالهم . ومصلحة التأليف أعظم من مصلحة القتل . ولكن ليعلم أنه لا يجوز ترك مصلحة راجحة لمفسدة ظنية متوهمة ، فإن هذا هو الوقوع في الفتنة .
المانع الثالث :
استفادة أهل العصر الحاضر من التاريخ الغابر .
كما قص الله علينا في القرآن قصص من كانوا قبلنا للاعتبار .
وسأورد ها هنا كللاماً عظيماً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ولئلا يَفهم من كلامي خاطئ ، أو مخطئ ما لم أقصده ، أذكر الاحترازات الآتية :
1- لا أقصد تنزيل هذا الكلام - أي كلام شيخ الإسلام - الوارد بعد ذكر هذه الاحترازات - على بلاد معينة بذاتها .
2- أورد تنبيهاً وتحذيراً ونصحاً لهذا الأمة في بلاد الإسلام كلها ، ودفعاً لكل شر قد يرد لا نستطيع أن نتحمل تبعاته وآثاره .(1/19)
3- أورده لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدث بالفتن وأخبار الساعة قبل وقوعها ، وما فعل ذلك إلا تذكيراً وتحذيراً للأمة .
4- أورده لقول الصحابي عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - : " السعيد من ُوعظ بغيره " 31 .
... والآن إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول 32 :
" ففي الجملة أهل السنة يجتهدون في طاعة الله ورسوله بحسب الإمكان ، كما قال تعالى : { فَاتَّقُوا الله َ مَا اسْتَطَعْتُمْ }( التغابن / 16 )، وقال النبي- صلى الله عليه وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فأتو منه ما استطعتم " 33 ، ويعلمون أن الله بعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - بصلاح العباد في المعاش والمعاد ، وأنه أمر بالصلاح ونهى عن الفساد ، فإذا كان الفعل فيه صلاح وفساد رجحوا الراجح منهما ، فإذا كان صلاحه أكثر من فساده رجحوا فعله ، وإن كان فساده أكثر من صلاحه رجحوا تركه ، فإن الله تعالى بعث رسوله - صلى الله عليه وسلم - بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، فإذا تولى خليفة من الخلفاء كيزيد ، وعبدالملك ، والمنصور وغيرهم فإما أن ُيقال : يجب منعه من الولاية وقتاله حتى يولى غيره - كما يفعله من يرى السيف - فهذا رأي فاسد ، فإن مفسدة هذا أعظم من مصلحته ، وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير :
* كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة .
* وكابن الأشعث 34 الذي خرج على عبدالملك بالعراق .
* وكابن المهلب 35 الذي خرج على أبيه بخراسان .
* وكأبي مسلم 36 صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضاً .
* وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة .
وأمثال هؤلاء ...
وغاية هؤلاء إما أن يغلبوا وإما أن يُغلبوا ، ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة ، فإن عبدالله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقاً كثيراً ، وكلاهما قتلة أبو جعفر المنصور .(1/20)
وأما أهل الحرة وابن الأشعث ، وابن المهلب - وغيرهم- فهُزموا وهُزم أصحابهم فلا أبقوا ديناً ولا أبقوا دنيا . والله لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا .
وإن كان فاعل ذلك من عباد الله المتقين ومن أهل الجنة فليسوا أفضل من علي وطلحة والزبير وعائشة وغيرهم ، ومع ذلك لم يُحمدوا ما فعلوه من القتال ، وهم أعظم قدراً عند الله وأحسن نية من غيرهم .
وكذلك أهل الحرة كان فيهم خلق من أهل العلم والدين ، وكذلك أصحاب ابن الأشعث كان فيهم خلق من أهل العم ، والله يغفر لهم كلهم ، وقد قيل للشعبي في فتنة ابن الأشعث : أين كنت يا عامر ؟ ، قال : كنت حيث يقول الشاعر :
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى ،،، وصوّ ت إنسانٌ فكدت أطير
... أصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء .
وكان الحسن البصري يقول : " إن الحَجّاج عذاب الله ، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ، ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع ، فإن الله تعالى يقول : { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } ( المؤمنون / 76 ) .
وكان طلق بن حبيب يقول : " اتقوا الفتنة بالتقوى ، فقيل له : أجمل لنا التقوى . فقال : أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو رحمة الله ، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله " رواه أحمد وابن أبي الدنيا37 .
وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة ، كما كان عبدالله بن عمر وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وغيرهم ينهون عام الحرة 38 عن الخروج على يزيد ، وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهما ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث .(1/21)
ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم ، وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين .
وباب قتال أهل البغي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشتبه بالقتال في الفتنة ، وليس هذا موضع بسطه .
ومن تأمل الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب - واعتبر اعتبار أولي الأبصار - علم أن الذي جاءت به النصوص النبوية خير الأمور .
ولهذا لما أراد الحسين رضي الله عنه أن يخرج إلى أهل العراق لما كاتبوه كتباً كثيرة أشار عليه أفاضل أهل العم والدين كابن عمر ، وابن عباس ، وأبي بكر بن عبدالرحمن بن حارث بن هشام أن لا يخرج ، وغلب على ظنهم أنه يُقتل ، حتى أن بعضهم قال : أستودعك الله من قتيل . وقال بعضهم : لولا الشناعة لأمسكتك ومنعتك من الخروج . وهم بذلك قاصدون نصيحته ، طالبون لمصلحته ومصلحة المسلمين ، والله ورسوله إنما يأمرون بالصلاح لا بالفساد ، لكن الرأي يصيب تارة ويخطئ تارة .
فتبيّن أن الأمر على ما قاله أولئك ، ولم يكن في الخروج مصلحة لا في دين ولا في دنيا ، بل تمكن أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قتلوه مظلوماً شهيداً ، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده ، فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيئ ، بل زاد الشر بخروجه وقتله ، ونقص الخير بذلك ، وصار ذلك سبباً لشر عظيم ، وكان قتل الحسين مما أوجب الفتن ، كما كان قتل عثمان مما أوجب الفتن .(1/22)
وهذا كله مما يبين أن ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد ، وأن من خالف ذلك متعمداً أو مخطئاً لم يحصل بفعله صلاح بل فساد ، ولهذا أثنى الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الحسن بقوله : " إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " . ولم يُثن على أحد ٍ لا بقتال ولا في فتنة ولا بخروج على الأئمة ، ولا نزع يد من طاعة ولا بمفارقة الجماعة .
وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابتة في " الصحيح " كلها تدل على هذا ، كما في " صحيح البخاري " 39 من حديث الحسن البصري : سمعت أبا بكرة رضي الله عنه قال : " سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة و يقول :
" إن ابني هذا سيّد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " ، فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه سيد ، وحقق ما أشار إليه من أن الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين .
وهذا يبين أن الإصلاح بين الطائفتين كان محبوباً ممدوحاً يحبه الله ورسوله ، وأن ما فعله الحسن من ذلك كان من أعظم فضائله ومناقبه التي أثنى بها عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو كان القتال واجباً أو مستحباً لم يُثن النبي - صلى الله عليه وسلم - على أحد بترك واجب أو مستحب ، ولهذا لم يُثن النبي - صلى الله عليه وسلم - على أحد بما جرى من القتال يوم الجمل وصفين ، فضلاً عما جرى في المدينة يوم الحَرّة وما جرى بمكة في حصار ابن الزبير ، وما جرى في فتنة ابن الأشعث وابن المهلب وغير ذلك من الفتن ، ولكن تواتر عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بقتال الخوارج 40 المارقين الذين قاتلهم أمير المؤمنين على - رضي الله عنه - بالنهروان بعد خروجهم عليه بحروراء 41 .(1/23)
فهؤلاء استفاضت السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأمر بقتالهم ولما قاتلهم علي - رضي الله عنه - فرح بقتالهم وروى الحديث فيهم ، واتفق الصحابة على قتال هؤلاء وكذلك أئمة أهل العلم بعدهم ، ولم يكن هذا القتال عندهم كقتال أهل الجمل وصفين وغيرهما مما لم يأت فيه نص ولا إجماع ، ولا حمده أفاضل الداخلين فيه ، بل ندموا عليه ورجعوا عنه .
إلى أن قال :
وكذلك الحسن كان دائماً يشير على أبيه وأخيه بترك القتال ، ولما صار الأمر إليه ترك القتال وأصلح الله به بين الطائفتين المقتتلتين ، وعليّ - رضي الله عنه - في آخر الأمر تبيّن له أن المصلحة في ترك القتال أعظم منها في فعله ، وكذلك الحسين - رضي الله عنه - لم يُقتل إلا مظلوماً شهيداً تاركاً لطلب الإمارة ، طالباً الرجوع إما إلى بلده ، أو إلى الثغر أو إلى المتولي على الناس يزيد .
وإذا قال القائل : إن علياً والحسين إنما تركا القتال في آخر الأمر للعجز عنه لأنه لم يكن لهما أنصار فكان في المقاتلة قتل النفوس بلا حصول المصلحة المطلوبة .
قيل له : وهذا بعينه هو الحكمة التي راعها الشارع - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن الخروج على الأمراء ، وندب إلى ترك القتال في الفتنة ، وإن كان الفاعلون لذلك يرون أن مقصودهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالذين خرجوا بالحرّة وبدير الجماجم على يزيد والحجاج وغيرهما .
لكن إذا لم يُزل المنكر إلا بما هو أنكر منه صار إزالته على هذا الوجه منكراً ، وإذا لم يحصل المعروف إلا بمنكر مفسدته أعظم من مصلحة ذلك المعروف كان تحصيل ذلك المعروف على هذا الوجه منكراً .
وبهذا الوجه صارت الخوارج يستحلون السيف على أهل القبلة حتى قاتلت علياً وغيره من المسلمين ، وكذلك من وافقهم في الخروج على الأئمة بالسيف في الجملة من المعتزلة والزيدية والفقهاء وغيرهم .
إلى أن قال :(1/24)
ومما ينبغي أن يُعلم أن أسباب هذه الفتن تكون مشتركة ، فيَردُ على القلوب من الواردات ما يمنع القلوب من معرفة الحق وقصده ، ولهذا تكون بمنزلة الجاهلية ، والجاهلية ليس فيها معرفة الحق وقصده ، والإسلام جاء بالعلم النافع والعمل الصالح بمعرفة الحق وقصده فيتفق أن بعض الولاة يظلم باستئثار ، فلا تصبر النفوس على ظلمه ، ولا يمكنها دفع ظلمه إلا بما هو أعظم فساداً منه ، ولكن لأجل محبة الإنسان لأخذ حقه ودفع
الظلم عنه لا ينظر في الفساد العام الذي يتولد عن فعله . ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض " 42 .
وكذلك ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في " الصحيحين " أنه قال :
" على المرء السمع والطاعة في يسره وعسره ، ومنشطه ومكرهه ، وأثرة عليه " 43 .
وفي " الصحيحين " أنه قال :
" بايعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ، ومنشطنا ومكرهنا ، وآثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقول ونقوم بالحق حيثما كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم " 44 .
فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين أن يصبروا على الاستئثار عليهم ، وأن يطيعوا ولا ة أمورهم وإن استئثروا عليهم ، وأن لا ينازعوهم الأمر .
وكثير ممن خرج على ولاة الأمور - أو أكثرهم - إنما خرج لينازعهم مع استئثارهم عليه ولم يصبروا على الاستئثار ، ثم أنه يكون لولي الأمر ذنوب أخرى فيبقى بغضه لاستئثاره يُعظّم تلك السيئات ، ويبقى المقاتل له ظاناً أنه يقاتله لئلا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ، ومن أعظم ما حركه عليه طلب غرضه ، إما ولاية وإما مال ، كما قال تعالى :
{ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } ( التوبة / 58 ) .
وفي " الصحيح " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :(1/25)
" ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم : رجل على فضل ماء يمنعه من ابن السبيل ، يقول الله له يوم القيامة : اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك ، ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنيا إن أعطاه منها رضي ، وإن منعه سخط ، ورجل حلف على سلعة بعد العصر كاذباً لقد ُأعطي بها أكثر ما أعطى " 45 .
فإذا اتفق من هذه الجهة شبهة وشهوة ، ومن هذه الجهة شهوة وشبهة قامت الفتنة ، والشارع أمر كل إنسان بما هو مصلحة له وللمسلمين . فأمر الولاة بالعدل والنصح لرعيتهم ، حتى قال عليه الصلاة والسلام :
" ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه رائحة الجنة " 46 .
وأمر الرعية بالطاعة والنصح ، كما ثبت في " الصحيحين " :
" الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة ، قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم " 47 .
وأمر بالصبر على استئثارهم ونهى عن مقاتلتهم ومنازعتهم الأمر مع ظلمهم ، لأن الفساد الناشئ من القتال أعظم من فساد ظلم ولاة الأمور ، فلا يزال أخف الفساد بأعظمهما .
ومن تدبر الكتاب والسنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- واعتبر ذلك بما يجده في نفسه وفي الآفاق ، علم تحقيق قول الله تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ } ( فصلت/ 53 ) ، فإن الله تعالى يُري عباده آياته في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أن القرآن حق ، فخيره صدق ، وأمره عدل .
{ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ( الأنعام / 115 ) أ . هـ .
قاعدة في الجرح والتعديل في الرجال
ثم ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - قاعدة مفيدة في الحكم على الرجال فقال :(1/26)
" ومما يتعلق بهذا الباب أن يُعلم أن الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم
القيامة - أهل البيت وغيرهم - قد يحصل منهم نوع من الاجتهاد مقروناً بالظن ونوع من الهوى الخفي ،
فيحصل بسبب ذلك ما لا ينبغي اتباعه فيه وإن كان من أولياء الله المتقين .
ومثل هذا إذا وقع صار فتنة لطائفتين :
طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه .
وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحاً في ولايته وتقواه ، بل في بره وكونه من أهل الجنة ، بل وفي إيمانه ، حتى تخرجه من الإيمان ...
وكلا هذين الطرفين فاسد .
والخوارج والرافضة وغيرهم من ذوي الأهواء ودخل عليهم الداخل من هذا الباب .
ومن سلك طريق الاعتدال عظّم من يستحق التعظيم ، وأحبه ووالاه وأعطى الحق حقه ، فيعظّم الحق ، ويرحم الخلق ، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات فيُحمد ويُذم ويُثاب ويُعاقب ، فيُحَب من وجه ، ويُبغض من وجه .
هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافاً للخوراج والمعتزلة ومن وافقهم " .
ثم ذكر لنا - رحمه الله - منهجاً في كيفية التعامل مع الحكام والسلاطين ، فقال :
" وإذا تبين ذلك فالقول في يزيد كالقول في أشباهه من الخلفاء والملوك :
من وافقهم في طاعة الله كالصلاة والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود ، كان مأجوراً على فعله من طاعة الله ورسوله ، وكذلك كان صالح المؤمنين كعبدالله ابن عمر وأمثاله .(1/27)
ومن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم كان من المعينين على الاُثم والعداون المستحقين للذم والعقاب ، ولهذا كان الصحابة - رضي الله عنهم - يغزون مع يزيد وغيره ، فإنه غزا القسطنطينية في حياة أبيه معاوية - رضي الله عنه - ، وكان معه في الجيش أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - وذلك الجيش أول جيش غزا القسطنطينية ، وفي " صحيح البخاري " عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : " أول جيش يغزو القسطنطينية مغفورٌ له " 48 .
المانع الرابع :
من موانع الفتنة : ضبط العواطف والتأني ، وعدم الانطلاق من الانفعلات
... روى البخاري من حديث خبّاب بن الأرت قال :
" شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد برده له في ظل الكعبة ، قلنا له : " ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو الله لنا ؟ ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : كان الرجل فيمن كان قبلكم يُحفر له في الأرض ، فيجعل فيه فيُجاء بالمنشار ، فيوضع على رأسه فيشق في اثنتين ، وما يصده عن دينه ، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمّن الله الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله ، والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون " 49 .
... فينبغي على طالب العلم أو الداعية إلى الله إذا جاءه الشاب المندفع أن لا يزيده اندفاعاً ، بل عليه أن يضبط عواطفه ، لأن الإنسان لا يكلف إلا بما يستطيع { فَاتَقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتمْ } ( التغابن / 16 ) ، وعدم ضبط العواطف والانطلاق من الانفعالات يجعل الأمور تفسد في طريقنا ومنهجنا .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" ستكون فتن ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، من يتشرّف لها تستشرفه ، فمن وجد ملجأ أو معاذاً فليُعذ به " 50 .
قال ابن حجر في " فتح الباري " :(1/28)
" يعني أن بعضهم في ذلك أشد من بعض ، فأعلاهم في ذلك الساعي فيها بحيث يكون سبباً لإثارتها ، ثم من يكون قائماً بأسبابها وهو الماشي ، ثم من يكون مباشراً لها وهوالقائم ، ثم من يكون مع النظّارة ولا يقاتل وهو القاعد ، ثم من يكون متجنباً لها ولا يباشر ولا ينظر وهو المضطجع اليقضان ، ثم من لا يقع منه شيئ في ذلك ولكنه راض وهوالنائم " 51 .
المانع الخامس :
من موانع الفتن : الرجوع إلى الحق :
أورد ابن كثير في " البداية والنهاية " 52 من رواية أبي يعلي في " مسنده " 53 عن أبي جرو المازني قال :
" شهدت علياً وابن الزبير حين توافقا في معركة الجمل ، فقال لي عليّ : يا زبير أنشدك بالله أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إنك تقاتلني وأنت ظالم ؟ ، قال : نعم ، لم أذكره إلا في موقفي هذا ، ثم انصرف " .
وروى البيهقي بسنده عن أبي حرب بن أبي أسود الدؤلي قال : " لما دنا عليّ وأصحابه من طلحة والزبير ، ودنت الصفوف بعضها من بعض ، خرج عليّ وهو على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فنادى : ادعوا لي الزبير بن العوام فإني عليّ ، فدعى له الزبير ، فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما ، فقال : يا زبير ألا تحب علياً ؟ ، فقلت : ألا أحب ابن خالي وابن عمي وعلى ديني ، فقال : يا زبير ألا تذكر قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم له " ؟ ، فقال الزبير : بلى والله ، لقد نسيته منذ سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ذكرته الآن ، ووالله لا أقاتلك ، فرجع الزبير على دابته يشقق الصفوف " 54 .
... والله إن هذا الموقف لموقف الذي لا يخاف في الله لومة لائم ، فإن الزبير - رضي الله عنه - كان شجاعاً ، وكان له قدر ووجاهة عند الصحابة ، ومع ذلك لم يأبه بقول الناس أن يقولوا : فلان جبان ،أو يقولوا : خوّار ، إلى غير ذلك من الألفاظ النابية التي يستطيعها كل واحد ! .(1/29)
بل لمّا تبيّن له الحق ترك الباطل وانصرف ، وانقاد إلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم .
المانع السادس :
من موانع الفتن : لزوم طاعة الله تعالى :
قال تعالى : { أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } ( الزمر / 36 ) .
... قال ابن القيم رحمه الله : " الكفاية على حسب العبودية " .
فكلما ازدادت طاعتك لله ازدادت كفاية الله لك ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" العبادة في الهرج كهجرة إليّ " 55 .
وقام - صلى الله عليه وسلم - ليلة فزعاً ، ثم قال :
" سبحان الله ، ماذا أنزل الليلة من الفتن؟ أيقضوا صواحب الحجرات ، فربّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة "56 .
فالمستفاد من هذا الحديث أن قيام الليل من أعظم الأمور المعينة على اجتناب الفتنة ، ومع الأسف نجد أكثر الناس إذا أقبلت الفتن انصرفوا عن طاعة الله ، وانشغلوا بما لا يعنيهم من القال والقيل ، والصياح والعويل .
والله المستعان .
المانع السابع :
من موانع الفتن : القرب من نصحاء الأمة ، والالتفاف حولهم ، وعدم البعد عنهم - لا سيما في مواضع الفتن :
... فقد ورد من حديث ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
" البركة مع أكابركم " 57 .
قال المناوي في " فيض القدير " 58 شارحاً :
" البركة مع أكابركم ، المجربين للأمور ، المحافظين على تكثير الأجور ، فجالسوهم لتقتدوا برأيهم ، وتهتدوا بهديهم " .
وإن كنا نعتقد أنه لا معصوم إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وأن كل أحد يُخذ من قوله ويُرد ، إلا أن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقدم عندنا على الرأي ، وعلى الذوق ، وعلى الاستحسان ، وعلى المصالح المتوهمة المزعومة .
واستمع إلى قوله تعالى :(1/30)
{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلاً } ( النساء / 83 ) .
... قال الشيخ ابن سعدي - رحمه الله - في تفسير الآية :
" هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق ، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمرٌ من الأمور المهمة والمصالح العامة مما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر ، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ، أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة ، الذين يعرفون الأمور ، ويعرفون المصالح وضدها .
وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولّى من هو أهل لذلك ، ويُجعل إلى أهله ولا يتقدم بين أيديهم ، فإنه أقرب إلى الصواب ، وأحرى إلى السلامة من الخطأ ...
وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها ، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه :
هل هو مصلحة فيقدم عليه الإنسان أم لا فيحجم عنه ؟ " أ . هـ .59
وبهذا أختم رسالتي ، وأسأل الله أن يعيذني وإياكم وجميع المسلمين من الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، وأن يصلح أعمالنا وقلوبنا إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
عبدالله بن صالح العبيلان
أبو عبدالرحمن
فهرس الموضوعات :
المقدمة .
مدخل إلى الكتاب .
أسباب الفتن .
السبب الأول : اتباع الهوى وفساد القصد .
السبب الثاني : الإفراط والتفريط .
السبب الثالث : غياب المنهج الصحيح واتباع المتشابه .
السبب الرابع : التعجل وعدم الصبر .
هل من الجائز أن يستدعي الإنسان المسلم البلاء .
خلاصة القول في استدعاء البلاء .
موانع الفتن .(1/31)
المانع الأول : لزوم كتاب الله سبحانه .
المانع الثاني : النظر في العواقب .
المانع الثالث : استفادة أهل العصر الحاضر من التاريخ الغابر .
قاعدة في الجرح والتعديل في الرجال .
المانع الرابع : ضبط العواطف والتأني وعدم الانطلاق .
المانع الخامس : الرجوع إلى الحق .
المانع السادس : القرب من نصحاء الأمة .
فهرس الموضوعات .
…~~~~~~
1 - رواه أبو داود ( 4234) ، والطبراني في " الكبير " ( 20 / رقم 598 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " ( 1 / 175 ) عن المقداد بن الأسود ، بسند صحيح .
قوله : " فواها " : واها : كلمة يقولها المتأسف على الشيئ ، والمتعجب منه .
2 - " منهاج السنة " ( 3 / 64 ) .
3 - " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " ( ص 27 ) .
4 - رواه أحمد ( 1851 ) و( 3248 ) ، والنسائي ( 5/ 268و269 ) ، وابن ماجة ( 3029 ) ، وصححه ابن حبان ( 1011 ) ، والحاكم ( 1/466 ) ، وهو كما قالا .
5 - " الحسبة في الإسلام " ( 88 ) .
6 - " الحسبة في الإسلام " ( 88 ) .
7 - " مجموع الفتاوى " (35/30 ) .
8 - " مجموع الفتاوى " ( 35/32 ) .
9 - المصدر السابق .
10 - ( إن ) بمعنى ( ما ) النافية .
11 - أي : أداروه .
12 - " جامع البيان " ( 3/187 ) .
13 - ( 1 / 180 ) .
14 - " الحسبة في الإسلام " ( 76 ) .
15 - " مجموع الفتاوى " ( 11/625) .
16 - " منهاج السنة " ( 4/537 ) .
17 - " مجموع الفتاوى " ( 11/625 ) .
18 - " معالم التنزيل " ( 6/279 ) .
19 - " إعلام الموقعين " ( 3/4 ) .
20 - " مجموع الفتاوى " ( 10 / 689- 690 ) .
21 - ( برقم : 3306 ) . ورواه الدارمي ( 2 / 200 ) ، وأحمد ( 5 / 452 ) ، والحاكم ( 2 / 486 ) ، وأبو يعلي ( 7497 ) ، والبيهقي ( 9 / 159 ) عن عبدالله بن سلام بسند صحيح .
22 - ( برقم : 2688 ) .
23 - " مجموع الفتاوى " ( 10/693 ) .(1/32)
24 - رواه الترمذي ( 2355 ) ، وابن ماجه ( 4016) ، وأحمد ( 5/405 ) ، وأبو الشيخ في " الأمثال " ( 151 ) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 866 ) بسند فيه ضعف .
وله شاهد عن ابن عمر : رواه الطبراني في " الأوسط " ( 4403 - مجمع البحرين ) ، و " الكبير " ( 13507 ) ، والبزار ( 4 / 112 ) ، وأبو الشيخ في " الأمثال " ( 153 ) ، وفي إسناده زكريا بن يحيى الضرير ذكره الخطيب في " تاريخه " ( 8 / 457 ) دون جرح أو تعديل .
فالحديث - إن شاء الله - حسن ، وانظر " مجمع الزوائد " ( 7 / 274 ) ، و " السلسلة الصحيحة " ( 2 / 173 ) .
25 - رواه البخاري ( 4/9) ، ومسلم ( 3/1363 ) .
26 - " فتح الباري " ( 6/181) .
27 - رواه الترمذي ( 2925 ) ، وأبو داود ( 3734 ) ، وابن ماجه ( 201 ) ، وأحمد ( 3/390 ) ، عن جابر ، بسند صحيح .
28 - ولنا على هذه الألفاظ تحفظ شرعي .
29 - رواه الترمذي (7/318 ) ن وأبو داود ( 4/201 ) ن وابن ماجه ( 1/15) ، وأحمد ( 4/126) ،
30 - رواه مسلم في مقدمة " صحيحه " ( 1/15 ) .
31 - رواه مسلم ( 2645 ) .
32 - " منهاج السنة " ( 4 / 527 )
33 - رواه البخاري (9 / 49 ) ، ومسلم ( 2 / 675 ) .
34 - أنظر " البداية والنهاية " ( 9 / 36 - 41 ) لابن كثير .
35 - انظر " البداية والنهاية " ( 9 / 219 ) .
36 - انظر " البداية والنهاية " ( 10 / 31 - 37 و 67 - 74 ) .
37 - ورواه ابن أبي شيبة ( 11/23) ، وابن المبارك في " الزهد " ( 473 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " ( 3/64 ) .
38 - انظر " البداية والنهاية " ( 8 / 217 ) .
39 - ( 3 / 186 ) .
40 - انظر " نظم المتناثر من حديث المتواتر " ( رقم : 19 ) للكتاني .
41 - موضع قرب الكوفة .
42 - رواه البخاري ( 5 / 33 ) ، ومسلم ( 3 / 1474 ) .
43 - رواه البخاري ( 13 / 109 ) ، ومسلم ( 1839 ) .
44 - رواه البخاري ( 9 / 47 ) ، ومسلم ( 3 / 1470 ) .(1/33)
45 - أخرجه البخاري ( 3 / 178 ) ، ومسلم ( 1 / 103 ) .
46 - أخرجه البخاري ( 9 / 64 ) ، ومسلم ( 1 / 125 ) .
47 - ( 1 / 74 ) .
48 - ( 4 / 42 ) .
49 - ( 4 / 179 ) .
50 - أخرجه البخاري ( 8 /91 ) ، ومسلم ( 4 / 2212 ) .
51 - فتح الباري ( 13 / 34 ) .
52 - " البداية والنهاية " - ابن كثير ( 7 / 241 )
53 - ( برقم : 666 ) وانظر " مجمع الزائد " ( 7 / 235 ) .
54 - وهو في " مستدرك الحاكم " ( 3 / 366 ) . وانظر " المطالب العالية " ( 4 / 302 - 303 ) .
55 - رواه مسلم ( 4 / 2268 ) .
56 - رواه البخاري ( 3 / 8 ) .
57 - رواه ابن حبان ( 559 ) ، والخطيب في" تاريخ بغداد " (11 / 165 ) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 36 ) ، والحاكم ( 1 / 62 ) ، وأبو نعيم ( 8 / 171 ) بسند صحيح .
58 - " فيض القدير " ( 3 / 220 ) .
59 - " تيسير الكريم الرحمن " ( 2 / 113 ) .
??
??
??
??
11(1/34)