ليُحِقَّ الحَقَّ وَيُبْطِلَ البَاطِلَ (1)
قالوا:
آلام المسيح
( فيلم [آلام المسيح] وأهدافه، وعقيدة المسلمين في المسيح- عليه السلام -)
جمع وترتيب:
أبو الفرج المصري
abou_elfarag@yahoo.com
موقع منتدى البراحة
www.albraha.com
براحة الدورات الشرعية والبحوث العلمية
{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا، بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}
[(157، 158) سورة النساء].
مقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه- رضي الله عنهم - أجمعين، وبعد..
فقد أفرز لنا التنصير إفرازاً جديداً ثار الجدل حوله حتى صار موضوع الساعة، فقد أخرج المخرج الكاثوليكي المتشدد (ميل جيبسون) فيلماً بعنوان (آلام المسيح The Passion Of The Christ)، وانتشر الفيلم انتشاراً واسعاً من خلال تحميله من شبكة الإنترنت ونسخه على أسطوانات مدمجة (Cds)(1).
والعجيب أن هذا الفيلم لم يحظ بدعاية سينمائية في أمريكا –كما هو المتعارف عليه في السينما الأمريكية- ولكن الصليبية العالمية عملت على الترويج لهذا الفيلم بطرق أخرى حتى وصلت إيراداته في الولايات المتحدة الأمريكية فقط 250 مليون دولار أمريكي، وهذا في ثلاثة أسابيع فقط(2) ويتوقع الخبراء أن تبلغ إيراداته 400 مليون دولار أمريكي(3).
__________
(1) لمزيد من التفاصيل راجع ما سيأتي: (فيلم [آلام المسيح] وجهود النصارى لنشره) ص 5
(2) كان هذا وقت كتابة الرسالة.
(3) موقع الإذاعة البريطانية (BBC)- الأربعاء 17 مارس 2004م.(1/1)
ولكن الهدف من الفيلم ليس مجرد الأرباح، فالفيلم خطوة في خطة تنصيرية كبيرة تشمل العالم كله، فالفيلم يعمل على تأصيل عقيدة النصارى الخربة في المسيح- عليه السلام -، وعقيدة الفداء، واعتقادهم بصلب المسيح.
ونظراً لتفشي الجهل –ولا حول ولا قوة إلا بالله- وقلة من يصدع بالحق وجدنا من يلتفت إلى ما أثاره الفيلم من ضجة أحدثها اتهام اليهود للفيلم بمعاداة السامية، وأخذ بعض المسلمين –وللأسف- يدافع عن الفيلم حتى أن البعض عرض مقالات تتناول جرائم اليهود في قتل الصالحين من المسيح- عليه السلام - وحتى أحمد ياسين (!)، وغفل أكثرهم –وتغافل الآخرون- عن عقيدة المسلمين في المسيح- عليه السلام - وأنه عبد الله ورسوله وأنه لم يصلب بل رفعه الله إليه، فانساقوا خلف المدافعين عن الفيلم والمتأثرين به، وأعرضوا عن الحذر والتحذير مما يبثه هذا الفيلم من الكفر والاعتقاد المخالف لعقيدة المسلمين.
فإبراء للذمة.. بين يديك أخي الكريم رسالة موجزة تبين عقيدة المسلمين في المسيح- عليه السلام -:
1. وأنه عبد الله ورسوله.
2. وأنه لم يصلب بل رفعه الله إليه.
3. وأنه سينزل في آخر الزمان فيحكم بشريعة الإسلام.
وأفردت لكل نقطة من هذه النقاط فصلاً مستشهداً بالأدلة من الكتاب والسنة، واكتفيت في إيضاح غريب الآيات بالنقل عن مختصر تفسير ابن كثير (عمدة التفسير) للشيخ أحمد شاكر –رحمه الله- طلباً للإيجاز ومنعاً للإطالة.
كما نقلت بعض ما ورد في الأناجيل المحرفة مما يدل على تخبطهم وتناقضهم في المسألتين الأوَّلتين، وأنهم {مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [(28) سورة النجم].
وقبل البدء عرضت فصلاً موجزاً للتعريف بالفيلم وردود الفعل تجاهه وجهود النصارى في نشره لعل المنساقين خلف أعدائهم يفيقون من غفوتهم.(1/2)
أسأل الله أن يتقبل مني هذا العمل وينفع به وأن يجعله حجة لي يوم القيامة لا حجة عليَّ، وأن يهدي المسلمين لما يحب ويرضى، وأن يرد كيد الكافرين في نحورهم، فهو ولي ذلك والقادر عليه.
والله المستعان وعليه التكلان.
صفر 1425هـ/ إبريل 2004م
-
نبذة مختصرة عن فيلم (آلام المسيح)
فيلم آلام المسيح هو فيلم من إخراج ممثل هوليود (ميل جبسون) وقام بدور المسيح في الفيلم الممثل (جيمس كافيتزل).
وقد اهتم مخرجه بالالتزام بما ورد في الإنجيل المحرف وأحاط نفسه برجال الدين النصراني وكان أبرزهم (جان شارل) الذي رافقه طوال فترة تصوير الفيلم وكان يقيم له القداديس ويقدم له الإرشادات(1).
قصة الفيلم:
اشتهر عن الفيلم أنه تجسيد واقعي لآخر 12 ساعة من حياة المسيح –كما يزعمون-، وجاء في أحد مواقع الإنترنت المخصصة لهذا الفيلم مختصر لقصته، قالوا:
__________
(1) من مقال لماجد حبته بجريدة الأسبوع 5 إبريل 2004م.(1/3)
"في وقت ما بحدود العام 30م في فلسطين, أحد المقاطعات الرومانية آنذاك, بدأ نجار يهودي مغمور يدعى يسوع الناصري بالتعليم والتبشير علناً بمجيء ملكوت الله. أما الشعب اليهودي فقد كان ينتظر لقرون عديدة مجيء المخلص المنتظر المعروف بالمسيَا الذي كان يتوقع أن يعيد لإسرائيل أمجادها القديمة ويخلص أرض اليهود المقدسة من الشر والهزائم. وبالنسبة للكثيرين, كان يسوع هو هذا المسيَا المنتظر. فقد تبع يسوع الذي رافقه تلاميذه الإثني عشر كثير من عامة الناس في الجليل واليهودية, مؤمنين بكونه المسيَا والملك المرتقب، وعلى النقيض من ذلك كان ليسوع كثير من الأعداء, فقد بدأ السنهدرين, وهو المجلس اليهودي الحاكم, المؤلف من كهنة اليهود والفريسيين, بالتآمر على يسوع للتخلص منه. تم هذا بمساعدة يهوذا الإسخريوطي, أحد تلاميذ يسوع, الذي ساعد السنهدرين في القبض على يسوع وتسليمه للسلطات الرومانية الحاكمة, متَهمينه بخيانة الدولة الرومانية. ومع أن يسوع أصرَ على أن مملكته هي روحية سماوية وليست أرضية, إلاَ أن الحاكم الروماني بيلاطس البنطي ولخوفه من شغب اليهود, أمر بأن يؤخذ يسوع خارج القدس ويصلب كما يصلب القتلة والمجرمون"(1).
والفيلم يحاول التأكيد على مشاهد التعذيب ففي البداية يتعرض الممثل القائم بدور المسيح بتلقي اللكمات واللطم والركل، ثم مشهد الجلد الذي دام 20 دقيقة، وكذلك مشهد دق المسامير في يديه ورجليه مع صوت تكسير العظام.
والهدف من كل ذلك إحداث حالة من التعاطف لدى المشاهدين يمكن من خلالها بث العقيدة الخربة إليهم بسهولة، لاسيما إن لاقت هذه العقيدة الفاسدة أنفساً خالية لا تعرف دينها نسأل الله العافية.
فيلم (آلام المسيح) وجهود النصارى لنشره:
عمل النصارى على نشر الفيلم بشتى الصور، وهذا غيضٌ من فيضٍ:
__________
(1) بنصه من أحد المواقع المختصة بالفيلم.(1/4)
1. بمجرد صدور الفيلم أنشئت عدة مواقع على الإنترنت لتشجيع الفيلم والإجابة على أسئلة مشاهدي الفيلم ومنها موقع يحتوي على 18 لغة –منها العربية- وفيه ركن خاص بالأسئلة ويتلقى الأسئلة بجميع لغات العالم، فلماذا هذا الفيلم خاصة؟ وما الهدف من ذلك؟
2. عرض الفيلم في ألفين وثمانمئة دار عرض في أمريكا الشمالية وحدها(1).
3. في إحدى دور العرض بدالاس تبرع مواطن محلي يدعى (ريك بيرس) بستة آلاف تذكرة، بعد أن قال إن الفيلم جعله يبكي(2).
4. حجز المخطط المالي (أرتش بونيما)، دار عرض كاملة من أمواله الخاصة في بلانو(3).
5. في مناطق أخرى بالولايات المتحدة، ذهب القساوسة إلى دور العرض لتقديم المساعدة للمشاهدين الذي كانوا يرغبون في الدعم عقب مشاهدة الفيلم(4)، مما يؤكد مدى ارتباط الفيلم بالعمل التنصيري.
6. حجزت الكنائس في أنحاء الولايات المتحدة قاعات سينمائية بأكملها للمنتميين لكنائسهم لمشاهدة الفيلم بمجرد بدء عرضه(5).
7. عملت الكنائس في مصر على عرض الفيلم لروادها على شاشات كبيرة وكان الحضور كبيراً جداً إلى درجة أن إحدى الكنائس لم تتسع لروادها حتى أن البعض كانوا يتزاحمون لرؤية الفيلم من نوافذ الكنيسة(6)، والهدف واضح.
8. قال القس (منيس عبد النور) راعي الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة بمصر أنه من الممكن القول أن أكثر من نصف المسيحيين في مصر قد شاهدوا الفيلم(7).
فيلم (آلام المسيح) ومبيعات كتب النصارى(8):
__________
(1) موقع الإذاعة البريطانية (BBC)- الجمعة 20 فبراير 2004م.
(2) موقع الإذاعة البريطانية (BBC)- الأربعاء 25 فبراير 2004م.
(3) المرجع السابق.
(4) المرجع السابق.
(5) موقع الإذاعة البريطانية (BBC)- الخميس 4 مارس 2004م.
(6) من مقال لإسحق فريد جريدة الأسبوع 29 مارس 2004م، وحُكي لي أن بعض الرواد من المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(7) المرجع السابق.
(8) موقع الإذاعة البريطانية (BBC)- الخميس 4 مارس 2004م.(1/5)
1. بيع الكتاب المرفق بالفيلم 150 ألف نسخة بشكل فوري.
2. كما قفزت مبيعات الكتاب الذي اعتمد عليه (جيبسون) في الفيلم [آلام ربنا يسوع المسيح] من ثلاثة آلاف نسخة في 2002م، إلى 17 ألف نسخة خلال شهر فبراير فقط.
3. طبعت من كتاب القس المعمداني (جون بيبر) [آلام يسوع المسيح] 1.6 مليون نسخة بعد أن نفذت الطبعة الأولى البالغة 175 ألف نسخة في يناير الماضي، بالرغم من انه ليس متصلاً بالفيلم.
فيلم (آلام المسيح) والكنيسة:
1. أكد الفاتيكان أن البابا (يوحنا بولس الثاني) التقى مع الممثل (جيم كافيتزل) الذي قام بدور عيسى- عليه السلام - في فيلم "آلام المسيح"(1) بالرغم من أنه كان قد انتقد الفيلم من قبل على استحياء(2) لا لشيء إلا هروباً من المواجهة مع اليهود.
2. قيادات الكنيسة الكاثوليكية في البرازيل أثنت على فيلم آلام المسيح بوصفه تمثيلاً دقيقا لما ورد في الإنجيل من أحداث(3).
3. أبدت الكنيسة الأرثوذكسية في مصر إعجابها بالفيلم، وكذلك أعلن معاون بطريرك الكاثوليك في مصر(4).
فيلم (آلام المسيح) واليهود:
1. اتهم اليهود الفيلم بمعاداة السامية حيث أنه يلقي باللائمة على اليهود في صلب المسيح.
2. هاجمت مؤسسة (ADL)(5) اليهودية الفيلم قبل أن يبدأ تصويره، وحاولت بشتى الطرق أن تمنع عرضه(6).
2. تظاهر نحو ثلاثين يهودياً يحملون لافتات أمام دار عرض في نيويورك للاحتجاج على عرض الفيلم(7).
__________
(1) موقع الإذاعة البريطانية (BBC)- الأربعاء 17 مارس 2004م.
(2) موقع الإذاعة البريطانية (BBC)- السبت 13 مارس 2004م
(3) المرجع السابق.
(4) من مقال لإسحق فريد جريدة الأسبوع 29 مارس 2004م.
(5) هي اختصار (Anti Defamation League) وتعني (رابطة تشويه السمعة).
(6) من مقال لماجد حبته بجريدة الأسبوع 5 إبريل 2004م.
(7) موقع الإذاعة البريطانية (BBC)- الأربعاء 25 فبراير 2004م(1/6)
3. لجأ ثلاثة أشقاء يهود إلى القضاء من أجل منع عرض فيلم "آلام المسيح" لميل جيبسون في فرنسا(1).
-
العقيدة في المسيح- عليه السلام -
الفصل الأول: المسيح- عليه السلام - عبد الله ورسوله
1. أول ما تكلم به وهو في المهد:{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} [(30) سورة مريم]، فنزَّه جنابَ الله- عز وجل - وبرأه عن الولد وأثبت لنفسه صفة العبودية لله- عز وجل -.
2. قال الله- عز وجل -: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً} [(171) سورة النساء].
{وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} أي: بالكلمة صار عيسى- عليه السلام -، والكلمة هي (كن)، قال- عز وجل -: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [(59) سورة آل عمران].
{وَرُوحٌ مِّنْهُ} كقوله- عز وجل -: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ} [(13) سورة الجاثية]، أي من خلقه ومن عنده، وليست (من) هنا للتبعيض كما يقول النصارى بل هي لابتداء الغاية، وأضيفت الروح إلى الله- عز وجل - على وجه التشريف كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله في قوله- عز وجل -: {هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ} [(64) سورة هود]، وقوله- عز وجل -: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} [(26) سورة الحج].
__________
(1) تفاصيل القضية موقع الإذاعة البريطانية (BBC)- الأحد 28 مارس 2004م(1/7)
3. قال الله- عز وجل -: {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [(172) سورة النساء].
{لَّن يَسْتَنكِفَ} أي: لن يستكبر.
4. قال الله- عز وجل -: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ} [(75) سورة المائدة].
{كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ} أي يحتاجان إلى التغذية به، وإلى خروجه منهما، فهما عبدان كسائر الناس وليسا إلهين.
5. قال الله- عز وجل -: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [(59) سورة آل عمران].
6. قال الله- عز وجل -: {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [(116، 117) سورة المائدة].
7. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبده ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل"(1).
- - -
من اعتقد خلاف ذلك الاعتقاد كَفَر
فمن أنكر أن المسيح- عليه السلام - عبد لله فقد كفر:
1. من قال أن الله- عز وجل - هو المسيح ابن مريم:
قال الله- عز وجل -: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [(17) سورة المائدة].
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.(1/8)
ومنه قولهم في الإنجيل المحرف: "من يسوع وفي يسوع وليسوع كل شيء، كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء به كان"(1).
ومنه قولهم في الإنجيل المحرف: "وقد زار الحكماء يسوع وأدركوا أسار لاهوته ولم يمض يوم على ولادته حتى دعوه إله الآلهة"(2).
2. من قال أن المسيح ابن الله- عز وجل -:
قال الله- عز وجل -: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [(30) سورة التوبة].
{يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ} أي: يشابهون من قبلهم من الأمم.
وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "قال الله تعالى: شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني أما شتمه إياي فقوله إن لي ولداً وأنا الله الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد وأما تكذيبه إياي فقوله ليس يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته"(3)، والشاهد قوله- عز وجل -: "أما شتمه إياي فقوله إن لي ولداً وأنا الله الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد".
ومنه قولهم في الإنجيل المحرف: "وقال يسوع المسيح لأمه وهو طفل: يا مريم أنا يسوع ابن الله"(4).
3. من قال أن الله- عز وجل - ثالث ثلاثة (الأب والابن والروح القدس):
قال الله- عز وجل -: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} [(73) سورة المائدة].
ومنه قولهم في الإنجيل المحرف: "وهو لم يكن الإله العظيم فقط بل والروح القدس الذي فيه تم تجسيده عندما حل بالعذراء مريم، فهو الآب والابن والروح القدس"(5).
__________
(1) إنجيل يوحنا 1: 31.
(2) إنجيل متى 2: 1-11.
(3) صحيح) انظر حديث رقم: 4323 في صحيح الجامع
(4) إنجيل الطفولية 1: 2، 3.
(5) إنجيل متى 4: 1، 2.(1/9)
ومن أنكر أن المسيح- عليه السلام - رسول الله كفر:
1. قال الله- عز وجل -: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ} [(171) سورة النساء].
2. قال الله- عز وجل -: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [(75) سورة المائدة].
3. قال الله- عز وجل -: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً، أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} [(150، 151) سورة النساء].
- - -
{فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}
هناك مواضع من الأناجيل المحرفة –التي بين أيدي النصارى اليوم- لم يمسها التحريف تثبت أن عيسى بن مريم- عليه السلام - عبد الله ورسوله، وتبطل دعوى ربوبيته وألوهيته، ولكنهم {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [(179) سورة الأعراف]، ومن هذه المواضع ما نقلوه من أقوال المسيح التي يعترف فيها بعبوديته لله- عز وجل -، ومنها:
1. "إن الله مسخني وأرسلني وأنا عبد الله وإنما أعبد الله الواحد ليوم الخلاص"(1)، فهذا إقرار بأنه عبد الله- عز وجل -.
2. "لست أدين العباد بأعمالهم ولا أحاسبهم بأعمالهم ولكن الذي أرسلني هو الذي يلي ذلك منهم"(2)، فهو- عليه السلام - عبد رسول وليس إلهاً كما يعتقد النصارى.
3. "يا رب، قد علموا أنك أرسلتني وقد ذكرت لهم اسمك"(3).
__________
(1) إنجيل لوقا 18
(2) إنجيل يوحنا 5: 30
(3) إنجيل يوحنا 17: 1-6(1/10)
4. "إنني لم أجيء لأعمل بمشيئة نفسي ولكن بمشيئة من أرسلني"(1).
5. "إن الله ربي وربكم وإلهي وإلهكم"(2)، وهي كلمة صريحة في إثبات عبوديته لله- عز وجل -.
6. " ما أبعدني وأتعبني إن أحدثت شيئاً من قبل نفسي ولكن أتكلم وأجيب بما علمني ربي"(3).
-
الفصل الثاني: لم يصلب المسيح بل رفعه الله إليه
1. قال الله- عز وجل -: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا، بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } [(157، 158) سورة النساء].
2. قال الله- عز وجل -: {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [(55) سورة آل عمران].
{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} المراد بالوفاة هنا: النوم، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ} [(60) سورة الأنعام]، وقال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [(42) سورة الزمر]، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول إذا قام من نومه: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور"(4).
{وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} دليل على رفع المسيح- عليه السلام -.
{وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} أي: برفعي إياك إلى السماء.
- - -
من اعتقد خلاف ذلك الاعتقاد كَفَر
__________
(1) إنجيل يوحنا 7: 16
(2) إنجيل يوحنا 20: 17
(3) إنجيل يوحنا 7: 16
(4) رواه البخاري.(1/11)
فمن اعتقد أن المسيح قد صُلب يكفر لأنه تكذيب بصريح القرآن، قال الله- عز وجل -: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ} [(157) سورة النساء].
- - -
{مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}
أخبر الله- عز وجل - أنهم ما قتلوه يقيناً أي أنهم لم يكونوا متيقنين أنه عيسى- عليه السلام - بل فعلوه شاكين فيه، والأخبار الواردة في كتبهم في هذا الأمر متضاربة مما يثبت عدم الوثوق هذه القصة التي رووها كما قال تعالى: {مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ}.
1. ويعتقد النصارى أن المسيح أتى ليُصلب ويخلص البشر من الخطيئة، وهو ما يسمونه (عقيدة الفداء)، ويقولون: لقد صلب المسيح ليكفر عنا خطايانا(!).
ومع ذلك فكتبهم تؤكد أن خطيئة الإنسان لا تمتد إلى غيره كما قال تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [(164) سورة الأنعام]، فيقولون: "كل إنسان بخطيئته يُقتل"(1)، ويقولون: "الابن لا يحمل من إثم الأب والأب لا يحمل من إثم الابن. بر البار عليه يكون وشر الشرير عليه يكون"(2).. فسبحان الله الذي فضح تحريفهم وعبثهم بعقيدتهم من كتبهم.
2. كما أن نصوصهم تنقض عقيدتهم فالنصوص الواردة في الأناجيل المحرفة تدل على أن مهمة المسيح- عليه السلام - هي الرسالة وإكمال ما أرسل الله به موسى- عليه السلام - لا الصلب -كما يعتقدون- فقد ورد في كتبهم أن المسيح- عليه السلام - قال لربه- عز وجل -: "العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته"(3)، فدل على أنه لم يأتي ليُصلَب، وورد أن المسيح- عليه السلام - قال: "ما جئت لأنقض بل لأكمل"(4)، فأخبر أنه جاء ليثبت ما قبله لا ليُصلَب.
__________
(1) سفر التثنية 24: 16
(2) سفر حزقيال 18: 20- 22
(3) إنجيل يوحنا 17: 4
(4) إنجيل متى 5: 17(1/12)
3. والأعجب أنه مع اعتقادهم أن الله يحفظ المسيح إلا أنهم قالوا أن اليهود أمسكوه وضربوه واستهزئوا به وبصقوا عليه وصلبوه –وهو ما اجتهدوا في عرضه من خلال فيلم (آلام المسيح).
فقد ورد في كتبهم أن الملائكة تحفظ المسيح- عليه السلام - بأمر الله: "لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك"(1)، وورد في كتب النصارى أن الله ينجِّي الصديقين من جميع البلايا: "كثيرة هي بلايا الصديق ومن جميعها ينجيه الرب"(2)، فكيف يتعدى عليه اليهود بهذه الصورة التي يتناقلونها..
عجباً للمسيح بين النصارى وإلى أي والد نسبوه
أسلموه إلى اليهود وقالوا إنهم بعد ضربه صلبوه
فإذا كان ما يقولون حقاً وصحيحاً، فأين كان أبوه؟
حين خلى ابنه رهين الأعادي أتراهم أرضوه أم أغضبوه؟
فلئن كان راضياً بأذاهم فاحمدوهم لأنهم عذبوه
ولئن كان ساخطاً فاتركوه واعبدوهم لأنهم غلبوه(3)
4. وورد أيضاً في كتبهم محاولة هروب المسيح- عليه السلام - من أيدي اليهود ودعاءه ربه أن ينجيه فقالوا أن المسيح- عليه السلام - قال: "يا أبتاه إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس"(4)، وورد في كتبهم أيضاً أن المسيح: "ذهب يصلي ويدعو الله مرة أخرى أن ينجيه"(5)، ومعلوم عند النصارى أن المسيح مستجاب الدعوة(6)، وأن الله قد استجاب دعاءه لإعادة الروح إلى (لازروس)، فهل يخذله عندما يدعوه لإنقاذ نفسه؟، بالإضافة إلى أنه لو كانت مهمته هي أن يُصلَب فداءً، فلماذا يهرب من مهمته؟.
وورد في كتبهم أن المسيح: "لم يرد أن يتردد في اليهودية لأن اليهود كانوا يطلبون أن يقتلوه" (واليهودية هي القدس)، فإن كان قد أتى ليُصلب لما كان هذا تصرفه.
__________
(1) إنجيل متى 4 : 6، وإنجيل لوقا 4 : 10
(2) المزمور 34 : 19
(3) تفسير القاسمي (3/408).
(4) إنجيل لوقا 22: 42، وإنجيل متى 26: 39.
(5) إنجيل متى 26: 42.
(6) كما في إنجيل متى 7: 9 – 10، وإنجيل يوحنا 11: 41 – 43.(1/13)
5. أما قصة الصلب نفسها فهي متناقضة في الأناجيل المحرفة، فبعض الأناجيل تذكر أن المسيح- عليه السلام - كان حياً يوم الفصح (وهو يوم عيد)، وطلب من بطرس ويوحنا إعداد طعام العيد وفي المساء أكل المسيح- عليه السلام - مع تلاميذه(1) وبعد تناول الطعام كان المسيح- عليه السلام - يصلي بالليل وقبض عليه في تلك الليلة وأُخذ لـ(بيلاطس)(2)
أي أنه صلب ثاني يوم العيد -كما يزعمون-، وفي إنجيل آخر يقولون أن المسيح- عليه السلام - أُخذ للصلب صباح العيد وصلب يوم العيد(3)، فهذا التناقض دليل على أنهم{مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}.
6. ولم يتقنوا تحريفهم فقد قالوا أن المسيح- عليه السلام - قال: "إني بعد ثلاثة أيام أقوم"(4)، ولم يتحقق هذا فيما رووه فقد قالوا أنه قد صلب ظهر الجمعة(5) ووجد القبر فارغاً فجر الأحد(6) أي يوم وليلتان فقط.
وكل هذا إن دل فإنه يدل على فساد اعتقادهم وتناقضهم، نسأل الله أن يثبتنا على دين الإسلام(7).
- - -
طرفتان
أولاهما:
عام 1965م عقد البابا (يوحنا الخامس والعشرون) المجمع المسكوني (أي العالمي) الثاني وأصدر بيانه الشهير (Nostra Aetate) الذي يقر فيه المجمع بتبرئة اليهود من دم المسيح (!!).
__________
(1) وإنجيل متى 26: 20 – 30، وإنجيل مرقس 14: 17 – 25، وإنجيل لوقا 22: 14 – 23.
(2) إنجيل متى 26: 36 – 40، وإنجيل مرقس 14: 33 – 36، وإنجيل لوقا 22: 40- 47.
(3) إنجيل يوحنا 18: 28، وكذلك 19: 14- 18.
(4) إنجيل متى 27: 63.
(5) إنجيل متى 27: 45 – 46.
(6) إنجيل متى 28: 6، وإنجيل مرقس 16: 4 – 5.
(7) للاستزادة راجع تفسير القاسمي (3/393 – 409)، ورسالة تصدر قريباً بإذن الله بعنوان (تعالوا إلى كلمة سواء) يسر الله إتمامها.(1/14)
فإن كان ما قاله البابا صحيحاً –وهو قد استبدل الباطل بباطل- فهل جهل النصارى قبل ذلك من المسئول عن صلب المسيح حتى وضحت الأدلة لدى البابا (يوحنا الخامس والعشرون) عام 1965م أن اليهود ليس لهم علاقة بما حدث للمسيح –في اعتقادهم-؟
ثانيهما:
الداعية النصراني (روبرت فاهي) اقترح في أحد محاضراته أن تُعَدل الفقرة التي تنص على أن المسيح صُلب يوم الجمعة فتغير كلمة (الجمعة) إلى (الأربعاء) ليتحقق قول المسيح –الموضوع عليه-:"إني بعد ثلاثة أيام أقوم" (!!).
- - -
تنبيه
هناك روايات نقلها الإمام ابن كثير وغيره في قصة رفع المسيح- عليه السلام -، لكن ليس لواحدة منهما سند صحيح من القرآن أو السنة الثابتة وقد قام بنقدها الإمام أبو جعفر الطبري(1).
(فالذي نؤمن به موقنين: هو ما أخبرنا الله به في كتابه نصاً أنهم {مَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ} دون أن ندخل في تفصيل كيف شبه لهم وعلى مَن مِن الناس ألقي شبهه؟ فهذا التفصيل لم نكلف الإيمان به إذ لم يعلمنا الله ولا رسوله بشيء من ذلك التفصيل)(2).
-
الفصل الثالث: نزول المسيح- عليه السلام - في آخر الزمان وحكمه بشريعة الإسلام
__________
(1) تفسير الطبري (9/374 – 376).
(2) من كلام الشيخ أحمد شاكر في هامش عمدة التفسير (1/ 598، 599).(1/15)
أشار الله- عز وجل - في كتابه إلى أنَّ عيسى- عليه السلام - سينزل في آخر الزمان وأن نزوله سيكون علامة دالة على قرب الساعة فقال- عز وجل -: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} [(61) سورة الزخرف]، والضمير في {وَإِنَّهُ} عائد على المسيح- عليه السلام - فإن سياق الآيات في ذكره، والآيات هي قوله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ، وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ، إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ، وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [(57-61) سورة الزخرف]، ويؤيد هذا المعنى القراءة الأخرى لهذه الآية وهي: {وإنه لعَلَم للساعة} –بفتح اللام- أي: أمارة ودليل على وقوع الساعة.
وقال تعالى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [(159) سورة النساء]، أي أن أهل الكتاب في ذلك الزمان سوف يؤمنون به.
وقد جاء تفصيل هذه النصوص في السنة النبوية(1):
1. مكان نزوله: أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم - أن المسيح- عليه السلام - سينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق)(2).
__________
(1) اختصرته من ( القيامة الصغرى) للدكتور عمر الأشقر ص(259-270).
(2) صحيح) صححه الألباني في صحيح الجامع (4166، 8169).(1/16)
2. حاله عند نزوله: وصف النبي- صلى الله عليه وسلم - حال المسيح عند نزوله، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (ليس بيني وبين عيسى نبي، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ينزل بين ممصرتين كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل)(1).
3. وقت نزوله: ويكون نزوله في وقت اصطف فيه المقاتلون المسلمون لصلاة الفجر وتقدم إمامهم للصلاة فيرجع ذلك الإمام طالباً من عيسى- عليه السلام - أن يتقدم فيؤمهم فيأبى، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (وإمامهم رجل صالح فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له: "تقدم فصل فإنها لك أقيمت" فيصلي بهم إمامهم)(2).
ويكون هذا في حال إعداد المسلمين لحرب الدجال، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى ابن مريم)(3).
4. بم يحكم بعد نزوله؟: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم فأمَّكم منكم) وقد قال أحد رواة الحديث وهو ابن أبي ذئب للوليد بن مسلم: "تدري ما أمكم منكم؟"، قال: تخبرني، قال: "فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم- صلى الله عليه وسلم -"(4).
__________
(1) صحيح) صححه الألباني في صحيح الجامع (5389).
(2) صحيح) صححه الألباني في صحيح الجامع (7875).
(3) رواه مسلم.
(4) رواه مسلم.(1/17)
5. قضاؤه على الدجال: أول عمل يقوم به عيسى هو مواجهة الدجال، فبعد نزوله- عليه السلام - يتوجه إلى بيت المقدس حيث يكون الدجال محاصراً عصابة المسلمين فيأمرهم عيسى- عليه السلام - بفتح الباب، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (فإذا انصرف قال عيسى افتحوا الباب فيفتحون ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساج فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء ; وينطلق هارباً فيدركه عند باب لد الشرقي فيقتله فيهزم الله اليهود)(1).
وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته)(2).
__________
(1) صحيح) صححه الألباني في صحيح الجامع (7875).
(2) رواه مسلم.(1/18)
6. دعاء عيسى- عليه السلام - ربه لإهلاك يأجوج ومأجوج: في زمان عيسى- عليه السلام - يخرج يأجوج ومأجوج فيفسدون في الأرض إفساداً عظيماً فيدعو عيسى- عليه السلام - ربه- عز وجل - فيستجيب له ويصبحون موتى لا يبقى منهم أحد، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر وهو جبل بيت المقدس فيقولون لقد قتلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دماً، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ; ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم(1) ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ثم يرسل الله قطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة(2)(3).
7. مهمة عيسى- عليه السلام - بعد ذلك: هي تحكيم شريعة الإسلام والقضاء على المبادئ الضالة والاديان المنحرفة، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها)(4).
__________
(1) أي دسمهم.
(2) أي كالمرآة فتكون الأرض في صفائها ونقائها كالمرآة.
(3) صحيح) صححه الألباني في صحيح الجامع (4166).
(4) رواه البخاري ومسلم.(1/19)
8. طيب العيش بعد المسيح- عليه السلام -: حيث يعيش الناس في خير وأمن وسلام وفي بحبوحة من العيش، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (طوبى لعيش بعد المسيح يؤذن للسماء في القطر ويؤذن للأرض في النبات حتى لو بذرت حبك على الصفا لنبت وحتى يمر الرجل على الأسد فلا يضره ويطأ على الحية فلا تضره ولا تشاح ولا تحاسد ولا تباغض)(1).
9. مدة بقائه- عليه السلام - في الأرض: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون)(2).
10. فضل الذين يصحبونه- عليه السلام -: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار عصابة تغزو الهند وعصابة تكون مع عيسى بن مريم)(3).
-
خاتمة
قد رأيت –أخي المسلم- ما يحاك من مكائد هدفها إفساد عقيدتك وكيف ينفق أهل الباطل لتحقيق هدفهم، فماذا فعلت أنت؟
هل تعلمت دينك؟
هل تعلمت عقيدتك؟
إن العلم هو حصنك الحصين من هذه المكائد حتى تلقى الله سالمَ العقيدة..
وبعد ذلك.. ماذا قدمت لدينك؟
هل أنفقت من أجل تبصير الناس بدينهم وعقيدتهم؟
هل علمت أحداً ولو مسألة واحدة من مسائل العقيدة –ولتكن هذه المسألة التي قرأتها في هذه الرسالة (العقيدة في المسيح- عليه السلام -)؟
ابدأ الآن فالأعداء يستغلون غفوتك وغفوة عوام المسلمين..
تعلم العلم.. اعرف عقيدتك.. اعمل بما علمت.. وانشر هذا العلم بين الناس.. بين أهلك وأبنائك وجيرانك وأخوانك وأصدقائك..
لعلك تكون بذلك قد أبرأت ذمتك أمام الله- عز وجل -.
وختاماً.. لا تبخل –أخي- على كاتب هذه الرسالة بدعوة بظهر الغيب، حتى يقول الملك لك: ولك بالمثل.
سبحانك اللهم وبحمدك
أشهد ألا إله إلا أنت
أستغفرك وأتوب إليك
__________
(1) صحيح) صححه الألباني في صحيح الجامع (3919).
(2) صحيح) صححه الألباني في صحيح الجامع (5389).
(3) صحيح) صححه الألباني في صحيح الجامع (4012).(1/20)