بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرح صدر من أراد هدايته للإسلام ، والصلاة والسلام على محمد خير الأنام ، وعلى آله وأصحابه العرانين الكرام أما بعد ،،،
فقد صار من عادة القائمين بنشر العلوم أن يهتموا بتتبع مهمات مسائلها بالنظم ، لسهولة حفظه فيرسخ في الحافظة من غير مزيد مشقة بخلاف النثر فإنه أصعب(1) ، وبين أيدينا منظومة للشيخ عائض القرني حفظه الله كتبها لأبناء الحيل بعد أن ضجت الساحة المعاصرة بالمناهج المختلفة ، والتيارات المتباينة ، والأفكار المتغايرة التي لم تقتصر في محلها على الوسائل التي قد يقبل فيها الأخذ والرد بل تجاوزت إلى المقاصد حتى صار لكل منهج منظرون وأتباع يؤلفون الكتب والمصنفات ، ويكتبون الردود والتعقبات ، كلُ ينصر مذهبه ، ويقيم الحجج ليقوي مشربه ، سالكين في ذلك طرائق قدداً ، الأمر الذي أدى إلى وقوع كثير من أبناء الجيل في الحيرة يبحثون عن الهداية إلى صراط مستقيم ، فجاءت هذه المنظومة المباركة تبصرة للناس بإتباع أفضل الطرق وأصح المناهج وهو ما كان عليه السلف خير القرون كما سيظهر ذلك جلياً في الشرح إن شاء الله .
________________________________
(1) ... حاشية ابن قاسم على الدرة ص16 في شرح قول السفاريني :
وصار من عادة أهل العلم **** أن يعتنوا في سبر ذا بالنظم
لأنه يسهل للحفظ كما **** يروق للسمع ويشفي من ظمأ
وقبل أن أشرع في شرح أبيات القصيدة سوف أذكر مقدمة تحتوي على ثلاثة مطالب هي :
الأول : التعريف بالمؤِّلف .
الثاني : التعريف بالمؤَّلف .
الثالث : منهجي في الشرح .
ونسأل الله أن يرزقنا التوفيق والهداية في القول والعمل .
المطلب الأول : التعريف بالمُؤلف :
أولاً : اسمه ونسبه :
هو عائض بن عبدالله بن عائض القرني من مواليد عام 1379هـ ،
والقرني نسبة إلى القرن في جنوب المملكة العربية السعودية التي ولد فيها(1)(1/1)
وأما نسبه فإنه يرجع إلى بطن من مذحج (2) وقد بشر النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل مذحج بأنهم أكثر القبائل في الجنة (3) حيث قال عليه الصلاة والسلام : شر القبيلتين في العرب نجران وبنو تغلب ، وأكثر القبائل في الجنة مذحج ومأكول (4).
ثانياً : طلبه العلم :
بدأ طلب العلم في أبها فحفظ القرآن الكريم ثم اشتغل بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فحفظ بلوغ المرام وما يقارب من أربعة آلاف حديث ، واتجه نحو الأدب فحفظ أكثر من عشرة آلاف بيت من الشعر وألان الله له الشعر كما ألان لداود الحديد ، ورزقه قوة الأسلوب ، وجمال العبارة ، وعذوبة الألفاظ ، وذلك من فضل الله ___________________________________________
(1) معجم البلدان للحموي (4/377) .
(2) الأنساب للسمعاني (10/115) ، ولب اللباب للسيوطي (2/177) ، ونهاية الأرب للقلقشندي ص355
(3) نهاية الأرب للنويري (2/313) .
(4) ... رواه أحمد في مسنده (4/287) ، وصحح إسناده حمزة الزين في تحقيقه للمسند(14/479) ، ورواه الحاكم (4/91) وقال : صحيح الاسناد غريب المتن ووافقه الذهبي ، وقال الهيثمي في المجمع (10/46) : رجال الجميع ثقات ، وعزا حمزة الزين للهيثمي تصحيحه للحديث .
عليه ، وهذا ما اشتهر به وإلا فقد درس الفقه الحنبلي من كتاب زاد المستقنع إلا أنه لم يتعصب لمذهبه الذي نشأ عليه بل يسير في ركب الدليل حيث لاحت له دلالتها .
وقد سهل الله له القراءة والمطالعة فهي شغله الشاغل بعد الفرائض والنوافل .
واتجه المؤلف كبقية أقرانه إلى الدراسة النظامية فأنهى الدراسة الجامعية في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود ثم حصل على الماجستير في علم الحديث النبوي وكان عنوان الرسالة " البدعة وأثرها في الدراية والرواية " و شرع في الدكتوراه في علم الحديث أيضاً وتأخرت رسالته كما تأخر غيره في أتون المحن التي ابتلى بها دعاة الإسلام في كل مصر وعصر .
ثالثاً : مؤلفاته :(1/2)
وفق الله المؤلف فكتب كتباً كثيرة قرابة ثلاثين مؤلفاً رزقت بالقبول منها :
1- تحقيق المفهم للقرطبي في شرحه على مسلم .
2- لا تحزن .
3- العظمة .
4- حدائق ذات بهجة .
5- هكذا حدثنا الزمان .
6- ترجمان السنة .
7- جاءت سكرة الموت .
8- ثلاثون درساً للصائمين .
9- المسك والعنبر في خطب المنبر .
وله ستون رسالة منها :
1- احفظ الله يحفظك .
2- قل هذه سبيلي .
3- جسر المحبة .
4- آداب النصيحة .
وله أربعة دواوين شعرية هي :
1- تاج المدائح .
2- أبو ذر في القرن الخامس عشر .
3- نسمات من الجنوب .
4- هدايا وتحايا.
وله اثنا عشر كتاباً تحت الطبع بدار ابن حزم ودار الفكر .
وله مقامات العصر على طريقة الهمذاني والحريري (1)
_____________________________________________
(1) المقامة في اللغة المجلس أو جماعة من الناس ثم أطلق على الحكاية التي تسرد في مجلس معين أو أمام جماعة من الناس وهي تحتوي على فوائد لغوية ونوادر الكلام وشوارد اللغة وأشهرها : مقامات الهمذاني بشرح محمد محي الدين، والحريري بشرح القيسي في خمسة مجلدات، ومقامات السيوطي ، وحافظ إبراهيم في ليالي سطيح ،ومحمد المويلحي .
وعادة المقامة أن يكون لها راو وبطل ،وهل يشترط فيها الاطراد ؟ للأدباء فيها كلام
رابعاً : جهوده ونشاطه :
1- الشيخ القرني داعية طائر لا يقدر على السكون فتراه ينتقل في أرض الجزيرة، ويحلق حتى يصل إلى أمريكا وأوربا، فهو يريد أن يسمع كلمة التوحيد في كل بقاع الأرض، ويريد أن تكون البقاع شاهدة له عند الله أنه بلغ دعوة سيد المرسلين .
2- للشيخ أكثر من تسعمائة شريط إسلامي في الوعظ ، والعقيدة ، والتفسير ، والفقه ، والحديث ، والسيرة ، والأدب ، وغيرها ، فهو يرى أن الشريط الإسلامي وسيلة من وسائل الدعوة وأن ذلك من نعمة الله على أهل العصر .(1/3)
3- له مجلس يومي علمي بعد صلاة المغرب في بيته في الرياض في الحديث والتفسير والفقه والأدب يرتاده المحبون وطلبة العلم والعامة .
خامساً : عقيدته :
المؤلف عقيدته سلفية ، وكتبه ودروسه شاهدة على ذلك ، و هذه النونية تؤكد ذلك وتثبته ، هذا وقد أخذ بعض الناس على المؤلف استخدامه لعبارات توهم عدم اتباعه منهج السلف ، والمنصف عليه أن يرجع إلى كتب المؤلف ورسائله لا اتهامه بمجرد عبارة جرت على لسانه من غير ان يقصد لوازمها ، وسيأتي في هذه القصيدة تصريح المؤلف باتباعه نهج السلف واعتذاره عما أخطأ فيه فإذا بقي الناقد مصراً على رأيه فلا يملك الناظم القرني إلا أن يقول : والله المستعان على ما تصفون.
المطلب الثاني:
اسم القصيدة نونية القرني ، وقد أشتهر في تاريخ الأدب قصائد كثيرة بقوافيها منها: لامية الشنفرى والتى تسمى بلامية العرب(1)، وهناك أيضاً لامية العجم(2)، ولامية ابن الوردي (3)، وهناك همزية البوصيرى(4)، وسينية البحتري (5) ، وبائية ذي الرمة (6) و نونية عمرو بن كلثوم التغلبي (7) ، ونونية القحطاني (8)
ونونية ابن القيم (9) ونونية القرضاوي حتى قال :
نونية والنون تحلو في فمي **** أبداً فكدت يقال لي ذو النون (10)
____________________________________________________
(1) وقد شرحها كل من الزمخشري ، والمبرد ، وابن زاكور المغربي ، وابن عطاء المصري وقد طبعت في دار الحديث .
(2) للطغرائي وقد شرحها الصفدي في مجلدين طبعت في دار الكتب العلمية .
(3) شرحها القناري وسماه فتح الرحمن طبع في الحلبي .
(4) شرحها ابن حجر الهيتمي في ثلاثة مجلدات طبعت في دار الحاوي في بيروت ، وشرحها محمد شلبي باقتباس من شرح ابن حجر وشرح الجمل وهو مطبوع .
(5) في ديوانه (2/1152) ، وانظر البحتري بين نقاد عصره ص362 .
(6) شرحها أبو بكر الصنوبري ت سنة 334هـ ، وطبعت في مؤسسة الرسالة .
(7) انظر شرح المعلقات للقاضي الزوزني ص185
((1/4)
8) طبعت في مكتبة الوادي .
(9) في 5821 بيتاً،وقد شرحها ابن عيسى، وابن سعدى وهراس وكلها مطبوعة.
(10) نفحات ونفحات ص64 .
ونحن في هذا المطلب سنتكلم عن دراسة القصيدة من الناحية النقدية وذلك أن دراسة النص وتحليله هي الغاية التي سعى إليها النقد الأدبي في تاريخه الطويل منذ أن كانت ملاحظات مختصرة تصدر عن الذوق إلى ان اتجه النقد نحو الموضوعية فافترقت القراءة الثانية الناقدة عن القراءة الأولى الذوقية وسوف نلقي الضوء على قصيدة المؤلف من الناحية النقدية التي لا تعني بالضرورة الإساءة فأقول :
أولاً : التجربة الشعرية :
ويقصد بها الصورة الكاملة التي يصورها الشاعر حين يفكر في أمر من الأمور تفكيراً ينم على عميق شعوره وإحساسه وفيها يرجع الشاعر إلى الاقتناع الذاتي لا إلى مجرد مهارته في صياغة القول ليعبث بالحقائق أو يجاري شعور الآخرين لينال رضاهم . (1)
والشاعر الحق هو الذي يقف على أجزاء التجربة بفكره ويرتبها ترتيباً
قبل أن يفكر في الكتابة ، والقرني قد توفرت في قصيدته ذلك بدليل قوله :
حبكت برأي بالسداد متوج **** والرأي قبل شجاعة الشجعان
إلى آخر تلك المواضع التي يعرفها القارئ .
ثانياً الوحدة العضوية :
يقصد بالوحدة العضوية "وحدة الموضوع" ووحدة المشاعر التي يثيرها الموضوع وما يستلزم ذلك من ترتيب الصور والأفكار ترتيباً تتقدم به القصيدة شيئاً فشيئاً حتى تنتهي إلى خاتمة يستلزمها ترتيب الأفكار والصور ، على أن تكون القصيدة
________________________________________________
(1) ... النقد الأدبي الحديث د 0 محمد هلال ص264(1/5)
كالبنية الحية ، لكل جزء فيها وظيفته ، ويؤدي بعضه إلى بعض عن طريق التسلسل في التفكير والمشاعر ، وبجانب ذلك فإن هذه الوحدة تستلزم أن يفكر الشاعر تكفيراً طويلاً في منهج قصيدته ، وفي الأثر الذي يريد أن يحدثه في سامعيه ، وفي الأجزاء التي تندرج في إحداث هذا الأثر ، بحيث تتمشى مع بنية القصيدة بوصفها وحدة حية ، ثم في الأفكار والصور التي يشتمل عليها كل جزء ، بحيث تتحرك به القصيدة إلى الأمام لإحداث الأثر المقصود منها ، عن طريق التتابع المنطقي ، وتسلسل الأفكار والأحداث " (1)
وهذه الوحدة العضوية تختلف من قصيدة لأخرى تبعاً لموضوع القصيدة ، وقصيدة القرني اشتملت على قسمين الأول : العقيدة ، والثاني : الثقافة ، وتفصيل موضوعات القصيدة على النحو الأتي :
1- مقدمة وتمهيد في الثناء على الله
2- وصف النونية بعدة أوصاف .
3- إثبات ان أئمة السلف هم شيوخ المؤلف .
4- بيان ان أهل الضلالة هم خصومه .
5- البراءة من كل خطأ وقع فيه .
6- بيان معتقده في الإيمان وصاحب الكبيرة .
7- موقفه من ولاة الأمر .
8- نقد المؤلف للفرق المخالفة لطريقة السلف .
_____________________________________________
(1) ... النقد الأدبي الحديث د 0 محمد هلال ص373 .
9- نهي المؤلف عن علم الكلام .
10- رفع الملام عن الأئمة الأعلام .
11- نصيحة القارئ بكتب المتقدمين وانتقاءه للكتب المعاصرة التي على نهج الأقدمين .
12- ذم المعتزلة .
13- نصيحة القارئ .
14- نهي القارئ عن قراءة بعض الكتب . .
ثالثاً : الصورة التعبيرية :
وتتكون هذه الصورة من عنصرين هامين هما : الألفاظ والعبارات ثم الصور والأخيلة ، ويضاف إليها موسيقى الشعر .
1- الألفاظ والعبارات : -(1/6)
في الحياة كثير من المعاني والأفكار والمشاعر المختلفة ، والانفعالات المتباينة ، والعواطف الجياشة ، والفنانون يختلفون في طريقة التعبير عنها ، ولكل فنان أداته التي يعبر بها عن انعكاس الحياة على نفسه ، فأداة الرسام في التعبير عن الحياة الألوان والظلال ، وأداة الشاعر اللفظ المعبر والكلمة الموحية (1)
_________________________________________________
(1) النقد الأدبي للسيد غزلان ، ومحمد حمزة ص76
وكلامنا في الألفاظ والعبارات سيكون على النحو التالي :
أ الدلالة اللغوية والدلالة الشعورية :
الكلمة لا تقف دلالتها عند المفهوم اللغوي المحدد في المعاجم بل قد يستخرج الشاعر من الكلمة عدداً من المعاني والدلالات الشعورية ، والشاعر هو الذي يعرف سر الكلمة بفطرته وموهبته وتذوقه
ولنأخذ مثالاً على ذلك ،فقد قال القرني :
نونية القرني أشرق نورها ****0000000000000
فلماذا لم يقل ألمع نورها ؟
الجواب : لأن الإشراق أدوم من اللمعان إذ ان اللمع شيء يأتي بعد الشيء ، ولهذا لما سمع النابغة حسان بن ثابت يقول :
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى **** وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
قال النابغة في نقده : إنه لو قال يشرقن لكان أكثر افتخاراً (1) ولأن الإشراق يكون بذاته بخلاف اللمعان فإنه بسبب من غيره.
فالكلمة من حيث هي كلمة لها معنى ، لكن كمالها يكون بالنظر إلى سياقها حيث به تستكمل قدرتها التعبيرية
_________________________________________________
(1) القصة مشهورة إلا أن ابن جني نقل في المحتسب (1/187) ان أبا علي الفارسي كان ينكر هذه القصة ويقول : هذا خبر مجهول لا أصل له وانظر النحو الوافي (1/138) و (4/632) .
ب - الكلمة ومطابقة قوانين اللغة :(1/7)
ونجاح الشاعر يأتي أيضاً من اختيار الألفاظ التي تؤدي وظيفتها كاملة بمراعاة قوانين اللغة من حيث فصاحتها وخلوها من التنافر والغرابة، و مطابقتها لمقتضى الحال، ومثال مطابقة الألفاظ لمقتضى الحال هو أن القصيدة لنصرة معتقد السلف والرد على أهل البدع فحال الشاعر كأنه في معركة والمحارب لابد أن يستخدم الألفاظ الموحية بذلك ولهذا تجده يقول :
وعكاظ لم نسمع بمثل دويها **** 00000000000000000
ويقول : أرمي بها أهل الضلال *** الخ القصيدة التي يظهر هذا العنصر فيها بوضوح .
ومن النقد الذي يوجه إلى القصيدة في عدم مراعتها لقوانين اللغة استخدام الشاعر كلمة ( سمحاء ) بدلاً من سمحة وهي غير جارية على قوانين اللغة وقد بينا ذلك عند تعليقنا على البيت .
(2) الصور والأخيلة :
التصور والخيال عنصران أساسيان في الشعر إلا أن الشعر الإسلامي له سمات خاصة قد لا تحتاج إلى هذين العنصرين كثيراً كما هو معروف ومع هذا فإن الشعراء الإسلاميين لم يخل شعرهم من هذين العنصرين سواء من الذين تكلموا في العلوم أو من الذين تكلموا عن الإسلام بصفة عامة (1).
فابن القيم مثلاً في نونيته لم تخل عن التصوير والخيال بل بدأ قصيدته كعادة ______________________________________________
(1) انظر ما كتبه د بكري أمين في كتابه الحركة الأدبية في السعودية ص71 وص76
الشعراء في النسيب ولنأخذ مثالاً من النونية في قوله :
أجهلت أوصاف المبيع وقدره **** أم كنت ذا جهل بذى الأثمان
فابن القيم هنا لم يرد البيع الذي هو مبادلة مال بمال بل شبه عقد الإيمان بالله بالبيع فكما أنه لا يحسن الجهل بأوصاف المبيع فكذلك لا يحسن الجهل بأوصاف الرب لان بدون ذلك لا يقدر الإنسان ربه ، وإذا جهل أوصاف المبيع فسيكون مغبوناً فكذلك من يجهل صفات الباري .
فانظر كيف استطاع ابن القيم تصوير المسألة ، وإن كنت لم أر من الشراح من نص على ذلك .(1/8)
ومن الأمثلة على هذين العنصرين في نونية القرني قوله عنها أنها نسجت من برد الهدى وقد علقنا على ذلك في شرحنا للبيت .
فدور الخيال في الشعر هو أنه وسيلة تقوية للمعنى ، وإيضاح الحقائق في صورة جلية ، وتصوير لموقف الشاعر في صورة صادقة فنياً وليست تزييفاً للواقع إلى غير ذلك من الأمثلة التي وضحناها في مكانها .
3- ... موسيقى الشعر :
وتنقسم إلى قسمين إلا أن الذي يهمنا هنا الموسيقى الخارجية .
والموسيقى الخارجية ترجع إلى الوزن والقافية وقد عني بها الأقدمون فقالوا : الشعر : كلام موزون مقفى .
أ فالوزن هو مجموعة التفعيلات التي تسمى بحراً ، ونونية القرني من بحر الكامل وهو كما قال الشاعر :
كمل الجمال من البحور الكامل **** متفاعلن متفاعلن متفاعلن
و قد نرى في أبيات من النونية تغييرات و ذلك كتسكين المتحرك أو حذفه أو حذف الساكن فإن تناول التغيير ثواني الأسباب (1) سمى زحافاً ، وإذا وجد الزحاف في بيت لا يلزم تكراره في بقية الأبيات إلا في عروض البحر البسيط وضربه ، وإن تناول التغيير العروض أي آخر الشطر الأول ، و الضرب أي أخر الشطر الثاني سمى علة ولا يكون في غيرهما من تفاعيل البيت
وإذا حلت العلة في ضرب وجب التزامها في كل القصيدة أي في جميع الأبيات ولنأخذ مثالاً من النونية في قول المؤلف :
نسجت بعون الله من برد الهدى **** قد جاء هذا الفيض من حسان
نجتبعو ... نللاهمن ... برد الهدى ... قد جاءها ... ذلفيضمن ... حساني
مُتَفَاعلن ... مُتْفاعِلُنْ ... مُتْفاعِلُنْ ... مُتْفاعِلُن ... مُتْفاعلن ... متفاعلْ
والضرب في أبيات النونية مصاب بعلة القطع وهو حذف ساكن الوتد المجموع في آخر التفعيلة وتسكين ما قبله فمثلاً : حساني ، متفاعلْ وأصلها متفاعلن .
ب- ... أما القافية فهي اشتراك بيتين أو أكثر في الجزء الأخير مع مراعاة وحدة الحرف المسمى بحرف الروي .(1/9)
وقد كانت القصيدة العربية على قافية واحدة من أولها إلى آخرها بجانب وحدة الوزن حتى اشتهرت قصائد بقوافيها كما سبق أن ذكرنا :
________________________________________________
(1) السبب هو مقطع صوتي من حرفين وهما نوعان :
أ خفيف وهو متحرك فساكن مثل : من .
ب ثقيل وهو متحركان مثل : لَكَ
والزحاف لا يتناول الأوتاد الذي هو اجتماع حرفين متحركين بعدهما حرف ساكن.
السرقات الشعرية :
والمراد منها ان يأخذ الشخص كلام غيره وينسبه لنفسه (1).
وقضية السرقة شغلت جانباً كبيراً من تلك المعارك النقدية التي دارت حول شعر الشعراء وقد تعددت وتشعبت التسميات والمصطلحات التي وضعوها تحت هذه القضية وغالى البعض في تتبع موضوع السرقة حتى أصبح أي تقارب بين شاعر وشاعر في الفكرة والمعنى يعد المتأخر منهما سارقاً لهذا المعنى الأول (2).
ومن هؤلاء ابن وكيع في المنصف (3) حتى قال عنه ابن رشيق : سمى
كتاب المنصف مثل ما سمى اللديغ سليما وما أبعد الإنصاف عنه (4).
ومن المعتدلين في موقف السرقات أذكر ثلاثة هم :
1-ابن رشيق حيث قال : وهذا باب متسع جداً لا يقدر أحد من الشعراء ان يدعي السلامة منه وفيه أشياء فاضحة لا تخفى على الجاهل المغفل (5)
2-أبو هلال العسكري حيث قال : ليس لأحد غنى عن تناول المعاني ممن تقدمهم والصب على قوالب من سبقهم ... ... الخ ثم نقل قول علي بن __________________________________________________
(1) جواهر البلاغة للهاشمي ص412.
(2) النقد الأدبي د 0 محمد كافود ص300 .
(3) في اظهار سرقات المتنبي طبع في مجلدين في دار صادر .
(4) العمده (2/281)
(5) العمده في محاسن الشعر وآدابه ونقده (2/281) .
... أبي طالب : لولا أن الكلام يعاد لنفد (1).
3- ... الجرجاني حيث قال : ومتى جاءت السرقة هذا المجيء لم تعد مع المعايب ، ولم تُحص في جملة المثالب ، وكان صاحبها بالتفضيل أحق ، وبالمدح والتزكية أولى (2).(1/10)
وإذا أردنا أن نحلل نونية القرني فإننا نرى أن الشاعر قد أخذ من الشعراء كما أخذ غيره (3) ويمكن أن نقسم هذا الأخذ إلى :
أ المواردة وهي أن يتفق المتكلمان في اللفظ والمعنى ، أو في المعنى وحده ولا يعلم أخذ أحدهما من الآخر وهذا يحدث من اتفاق القرائح ، وتوارد الأفكار من غير أن يسرق أحد من الآخر ، ولو كان أحدهما متأخراً زمناً
فلو قلنا مثلاً إن قول القرني : ( ومدادنا والرق مخلوقان ) لا يعلم أخذه من قول القحطاني وابن القيم لكان يصدق عليه هذا النوع .
ومنه قول القرني :
ونمر أخبار الصفات كما أتت **** من غير تأويل ولا جحدان
مع قول القحطاني (4) :
أمر أحاديث الصفات كما أتت **** من غير تأويل ولا هذيان
______________________________________________
(1) كتاب الصناعتين الكتابة والشعر ص196 .
(2) الوساطة بين المتنبي وخصومه ص188 .
(3) انظر ما كتبه د 0 محمد الدرية في تاريخ النقد في الأندلس ص481 .
(4) نونية القحطاني ص48.
وإذا علم أخذه من السابق فإنه سيكون من القسم الثالث الذي سيأتي ومن المعاصرين عبد الرحمن حبنكة الميداني كتب قصيدة مبنية على حوار ثم فوجئ بقصيدة مثلها وزناً وقافية وحرف روي، وكذلك في أسلوبها وموضوعها موجودة في كتاب الأغاني فقال : لو اطلع على القصيدتين لقال : سارق انتحل القصيدة وهي ليست له (1) فمثل هذا قد يحدث على سبيل توارد القرائح الشعرية .
ب- الاشتراك العام وهى التوافق في الأغراض وفي الأفكار والمعاني المتداولة التي يشترك معظم الناس بإدراكها وقد ضرب الجرجاني أمثلة على هذا النوع (2).
ومن هذا النوع أخذ الأمثال كقول القرني :
الرأي قبل شجاعة الشجعان فهو وان كان شطر بيت للمتنبي إلا أنه جرى مجرى المثل ولهذا وضعها الثعالبي في يتيمة الدهر (3).
3-أخذ السابق من اللاحق نفس الفكرة لكن صاغها بأسلوب آخر أو عبارة أخرى أو نحو ذلك .
ومن ذلك قول القرني :
أ كعصا كليم الله تلقف كلما(1/11)
مع نونية القحطاني في قوله :
_____________________________________________
(1) البلاغة لعربية (2/547).
(2) انظر الوساطة ص183.
(3) (1/260) ، وانظر موسوعة الأمثال د 0 اميل (6/216) .
الله صيرني عصا موسى لكم .
ب ولكل مبتدع أقول مجلجلاً **** أنا صارم يفرى الرقاب يماني
مع قول القحطاني :
سل بني قحطان كيف فعالهم *** يوم الهياج إذا انتفى الزحفان
المطلب الثالث : منهجي في الشرح :
سلكت في شرح النونية المنهج الأتي :
1- أشرح كل بيت مبينة غريب اللغة ، ووجوه البلاغة غالباً .
2- أبين مسائل لاعتقاد مع ذكر الخلاف وعزوها لقائليها .
3- أذكر أدلة قول السلف من الكتاب والسنة وآثار السلف غالباً .
4- طعمت البحث بنقول من شيخ الإسلام وتلميذه وأئمة الدعوة في نجد إلى عصرنا .
5- ترجمت للأعلام الذين ذكرهم المؤلف وذكر مصادر ترجمتهم .
6- ذكرت نبذة عن الكتب التي ذكرها المؤلف بحيث توقف القارئ على مهماتها
وهذا أوان الشروع في المقصود بعون الملك المعبود .
1-بسم الرحيمِ الواحدِ الرحمانِ **** المالكِ الفردِ الوليْ الديانِ
ابتدأ المؤلف قصيدته بالبسملة جرياً على عادة المصنفين ، وإنما بدأ المصنفون كتبهم بالبسملة تأسياً بالكتاب المنزل على النبي المرسل - صلى الله عليه وسلم - واقتداء به في مكاتباته للملوك وغيرهم وامتثالاً لقوله - صلى الله عليه وسلم - " كل أمر ذى بالا لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع " رواه عبدالقادر الرهاوى في الأربعين البلدانية وكذا الخطيب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (1) .
وأما الرحمن والرحيم فهما مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة و (رحمن) أشد مبالغة من (الرحيم) ، لأن بناء فعلان أشد مبالغة من فعيل ونظيرهما نديم وندمان ، وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا (2)واتفق أكثر العلماء على ان اسم (الرحمن) عربي لفظه .(1/12)
وقال ابن الحصار بعد سرده للحديث القدسي :" أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمى " فقد دل هذا الحديث الصحيح على الاشتقاق ، فلا معنى للمخالفة والشقاق (3) .
_________________________________________________
(1) لوامع الأنوار للسفاريني (1/32) ، وانظر الكلام على الحديث في كتاب تفصيل المقال على حديث كل امر ذي بال د 0 عبدالغفور البلوشي ، والحديث حسنه السيوطي في حاشيته على البيضاوي المسماه بنواهد الأبكار ، والعجلوني في كشف الخفا (2/119) ، وابن حجر الهيتمي في شرح الهمزية (1/110) وقال : للحديث الحسن والصحيح ا 0 هـ .
(2) جامع البيان (1/43) .
(3) نقله محمد الحمود في النهج الأسمى (1/75) .
وقال ثعلب : إنه عبراني الأصل وكان رخمانا بالخاء المعجمة (1) .
ومصدر رحم رحمة وهو سماعي (2) .
أما إنكار كفار قريش يوم الحديبية لما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي رضي الله عنه :" اكتب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال سهيل : أما ( الرحمن ) فوالله ما أدري ما هي ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب (3). .
وفي قوله تعالى : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن انسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً } [ الفرقان : 60] .
فالظاهر أنه إنكار جحود وعناد وتعنت ، ومما يدل على انهم كانوا يعرفون هذا الاسم قوله تعالى حكاية عنهم : { وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم } [الزخرف :20] .
وأما الواحد فهو من أسماء الله الحسنى بدليل قوله تعالى { وبرزوا لله الواحد القهار } [الآية 48 من سورة إبراهيم] .
قال الشوكاني :
وقد اختلف العلماء أيهما أبلغ ملك أو مالك ؟ فقيل : إن ملك أعمّ وأبلغ من مالك ، إذ كل ملك مالك ، وليس كل مالك ملكاً ، ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك ، قاله أبو عبيد والمبرّد
__________________________________________________
((1/13)
1) نقله الرازي في شرح الأسماء الحسنى ص164.
(2) شرح الفصيح للزمخشري (1/255) .
(3) رواه البخاري (2731،2732)، والتصريح بأن الكاتب هو علي رضي الله عنه جاء في رواية أخرى للبخاري برقم (2698) .
ورجحه الزمخشري .
وقيل : مالك أبلغ لأنه يكون مالكاً للناس وغيرهم ، فالمالك أبلغ تصرفاً وأعظم
وقال أبو حاتم : إن مالكاً أبلغ في مدح الخالق من ملك . وملك أبلغ في مدح
المخلوقين من مالك ، لأن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك ، وإذا كان الله تعالى مالكاً كان ملكاً واختار هذا القاضي أبو بكر بن العربي .
والحق أن لكل واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر ؛ فالمالك يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالك له بالبيع والهبة والعتق ونحوها ، والملك يقدر على ما لا يقدر عليه المالك من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك وحياطته ورعاية مصالح الرعية ؛ فالمالك أقوى من الملك في بعض الأمور ، والملك أقوى من المالك في بعض الأمور (1).
و أما الفرد فدليل كونه من الأسماء عند من يقول بذلك حديث " أشهد أنك فرد أحد صمد " (2) .
وأما الولى فهو ضد العدو ، والموالاة ضد المعاداة (3) .
____________________________________________________
(1) فتح القدير (1/24).
(2) رواه البيهقي في الأسماء والصفات (2/288) وقال : ليس هذا بالقوي ، ورواه الحاكم في علوم الحديث ص216 ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي (3/178) ، وعزاه المتقي الهندي في كنز العمال (2/215) إلى ابن مردوية والأصبهاني في الترغيب ، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر رقم 152.
والحديث ضعيف جداً لأن في إسناده محمد بن السائب الكلبي وهو متهم بالوضع .
(3) ... الصحاح للجوهري (6/2529) .
وأما معنى هذا الاسم فهو : مالك التدبير ، ولهذا يقال للقيم على اليتيم : ولي اليتيم ، وللأمير : الوالي (1).
وقال الغزالي الولي هو : المحب الناصر (2).(1/14)
ودليل كون الديان من الأسماء عند من يقول بذلك كون الديان من الأسماء عند من يقول بذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - " يحشر الناس يوم القيامة عراة ثم يناد لهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك الديان " (3).
والديان القهار ، وهو فعال من : دان الناس أي قهرهم على الطاعة (4).
ومعناه في حق الله قيل إنه القهار ، وقيل : الحاكم والقاضي (5).
___________________________________________________
(1) الحليمي في المنهاج (1/204) نقله الحمود في النهج الأسمى (2/46).
(2) المقصد الأسنى ص115 .
(3) رواه أحمد في مسنده (3/495) ، والحاكم في المستدرك (4/574) وصححه ووافقه الذهبي ، وابن أبي عاصم في السنة (1/225) وصححه الألباني رحمه الله ، وأخرجه البخاري تعليقاً كما في الفتح (13/452) .
(4) لسان العرب (4/458) .
(5) النهاية لابن الأثير (2/148) .
2-الماجد البر السلام لخلقه ... **** ... حاز الكمال بغير ما نقصان
والدليل على أن الماجد من الأسماء عند من يقول بذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - " يقول الله تعالى : ... ذلك بأني جواد ماجد صمد " (1).
ومعناه الشرف التام الكامل ، وقيل السعة والكثرة (2).
أما البر فهو اللطيف بعباده على ما حكاه ابن جرير (3) وقيل هو العطوف على عباده ، المحسن إليهم على ما حكاه الخطابي (4).
وأما السلام فله معان ذكرها الناظم هنا وهي :
1- أن يكون الرب مسالماً من مماثلة أحد من خلقه (5) وهذا المعنى مأخوذ من قول الناظم " السلام لخلقه " بجعل اللام بمعنى " من " وهو وارد في اللغة (6).
2- السلام بمعنى ان الخلق قد سلموا من الظلم منه (7)
____________________________________________________
(1) رواه أحمد في مسنده (5/154)،والترمذي وحسنه في سننه حديث رقم 2495،وابن ماجه (2/439)
(2) النهج الأسمى للحمود (1/432) .
(3) جامع البيان (27/18).
(4) شأن الدعاء ص90 .
(5) توضيح الكافية للسعدي ص127.
((1/15)
6) كما في الجنى الداني في حروف المعاني لابن أم قاسم المرادي ص102 .
(7) تفسير القرطبي (18/46) .
وهذا يؤخذ من قول الناظم " السلام لخلقه " بجعل اللام بمعنى " على " أي أنه سلام عليهم فلا يظلمهم ، واستخدام اللام بمعنى " على " وارد في اللغة (1)
3- السالم من كل نقص وآفة وعيب (2).
وهذا يؤخذ من قول الناظم " حاز الكمال من غير ما نقصان " .
وقد ظهرت براعة الناظم في هذا البيت حيث جمع معاني السلام الثلاثة في نسق واحد .
و (ما) في قول الناظم زائدة للتوكيد (3)، ولا يصح جعل (ما) للنفي ، لأن نفي النفي إثبات ولا يستقيم بذلك المعنى .
___________________________________________________
(1) الجني الداني ص100 ، وحروف المعاني للزجاجي ص75 ، ورصف المباني للمالقي ص297.
(2) تفسير الألوسي (28/63) .
(3) انظر معاني (ما) في الجني الداني ص332 ، ورصف المباني ص382.
3-والحمد لله العظيم لذاته ... **** ... حمداً على الإسلام والإيمان
بعد ان بدأ الناظم بالبسملة أعقبها بالحمدلة ابتداء إضافيا أي بالنسبة لما بعدها وهو ما يقدم على الشروع في المقصود بالذات جمعاً بين حديثي البسملة والحمدلة ، ولم يعكس لموافقة الكتاب العزيز .
والحمد قيل هو والشكر مترادفان وهو قول الطبرى (1) والمبرد وابن عطاء من الصوفية (2)وقد رجح هذا القول محمود شاكر (3)ورد هذا القول كثيرون منهم ابن عطية (4)والقرطبي (5)، وابن كثير (6)، وأبو هلال العسكري (7).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
الحمد هو ذكر صفات المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله ، فإن تجرد عن ذلك فهو مدح ، فالفرق بينهما أن الإخبار عن محاسن الغير إما أن يكون إخباراً مجرداً من حب وإرادة أو مقروناً بحبه وإرادته . فإن كان الأول فهو مدح وإن كان الثاني فهو الحمد (8).
____________________________________________________
(1) في تفسيره (1/59) .
(2) تفسير القرطبي (1/133) .
((1/16)
3) تفسير الطبري (1/138).نقله عنه د0 الشايع في فروق اللغة ص215 .
(4) في تفسيره (1/99) .
(5) في تفسيره (1/133) .
(6) في تفسيره (1/22) .
(7) في الفروق ص39، وانظر الفروق اللغوية للشايع ص215 .
(8) التنبيهات السنية للرشيد ص4 .
( والعظيم ) صفة لله ، وهو من أسمائه ، أما معناه فقد اختلفوا فيه :
فقال بعضهم : معنى العظيم المعظم ، صرف المفعل إلى فعيل ، كما يقال : العتيق بمعنى المعتق .
فقوله العظيم معناه : الذي يُعظِّمه خلقه ويهابونه ويتقونه .
وقال آخرون : بل تأويل قوله (العظيم) : هو أن له عظمة هي له صفة ؛ قالوا : لا نصف عظمته بكيفية ، ولكنَّا نضيف ذلك إليه من جهة الإثبات ، وننفي عنه أن يكون ذلك على معنى مشابهة العظيم المعروف من العباد ، لأن ذلك تشبيةٌ له بخلقه وليس كذلك وأنكر هؤلاء ما قاله أهل المقالة التي قدمنا ذكرها .
وقالوا : لو كان معنى ذلك أنه مُعظمٌ ، لوجب أن يكون قد كان غير عظيم قبل أن يخلق الخلق ، وأن يبطل ذلك عند فناء الخلق ، لأنه لا معظم له في هذه الأحوال .
وقال آخرون : بل قوله إنه ( العظيم ) وصف منه نفسه بالعظم .
وقالوا : كل ما دونه من خلقه فبمعنى الصغر ، لصغرهم عن عظمته " اهـ (1).
وقول الناظم ( لذاته ) أي أن الله يستحق الحمد للذات ولو لم يكن منه إيصال نفع إلى العباد .
وقوله ( حمداً ) مفعول مطلق ، وعامله المصدر .
وقوله ( على الإسلام والإيمان ) فيه دليل على ان المؤلف قد ذهب إلى المغايرة بينهما (2)وسيأتي تفصيل المسألة .
____________________________________________________
(1) تفسير الطبري (3/13) ، شرح الأسماء للحمود (1/282) .
(2) وقد صرح المؤلف بذلك في كتابه ترجمان السنة ص17 .
4-وصلاة ربي والسلام محبراً ... **** ... لإمامنا المعصوم من عدنان
والصلاة في قول الناظم اختلفوا فيها على قولين :(1/17)
الأول : أنها من الله الرحمة ، ومن الملائكة الاستغفار ، ومن غيرهم التضرع والدعاء وهذا القول هو الجاري على ألسنة الجمهور (1).
الثاني : ان الصلاة من الله هي الثناء وهو الذي ذكره البخاري عن أبي العالية ، ونصر هذا القول ابن القيم من وجوه في جلاء الأفهام (2)وبدافع الفوائد (3).
وأما ( السلام ) فهو بمعنى التحية والسلامة من النقائص والرذائل .
وأما قوله ( محبراً ) فمأخوذ من الحبر وهو الجمال والبهاء .
قال الأصمعي: كان يقال للطفيل الغنوي:مُحَبِّر لأنه كان يُحَسِّن الشعر قال و هو مأخوذ من التحبير وحسن الخط والمنطق (4)ويقال:حبرت الشعر والكلام(5)
وقوله (لإمامنا) هو كل من ائتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين .
والنبي - صلى الله عليه وسلم - إمام أمته ، وعليهم جميعاً الائتمام بسنته التي مضى عليها (1)
____________________________________________________
(1) لوامع النوار (1/46) .
(2) ص158.
(3) (1/26).
(4) تهذيب اللغة (5/33).
(5) المحيط لابن عباد (3/90) .
(6) تهذيب اللغة للأزهري (15/638) ، والمحيط لابن عباد (10/460)
ووصف الناظم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه معصوم وفي مسألة العصمة تفصيل :
1- ان الأنبياء معصومون فيما يخبرون به عن الله ، وفي تبليغ رسالاته باتفاق الأمة . (1) أجمعوا على عصمة الأنبياء من الكبائر (2)
2- اختلفوا في وقوع الصغائر فالذي عليه جمهور الأشاعرة أنهم معصومون(3)، والذي نقله شيخ الإسلام عن السلف انهم غير معصومين عنها لكن سرعان ما يتداركونه بصدق الإنابة (4).
أما إن أراد الناظم بالعصمة مطلق الحفظ كما في قوله تعالى { والله يعصمك من الناس } فلا إشكال في ذلك (5).
وقوله من ( عدنان ) وهم : شعب عظيم يتصل نسبهم بإسماعيل عليه السلام باتفاق من النسابين ، وأن الأباء بينه وبين إسماعيل غير معروفة وتنقلب في غالب الأمر مخلطة مختلفة والكثرة في العدد .(1/18)
كانت مواطنهم مختصة بنجد ، وكلهم بادية رحاله ، إلا قريشاً كانوا يقيمون بمكة ، ثم انتشروا في تهامة والحجاز ، ثم في العراق والجزيرة ، ثم افترقوا في كثير
________________________________________________
(1) الفتاوى (10/289) .
(2) إعلام المسلمين بعصمة النبيين لاسحاق المكي ص23، وعصمة الأنبياء للدكتور محمود ماضي ص21 ، وعصمة الأنبياء للرازي ص27 وقد نقل عن الحشوية جواز وقوع الكبائر من الأنبياء ولا أدي من الذي يقصدهم ! .
(3) انظر أصول الدين للبغدادي ص167 ، والعقيدة د 0 نصار ص198 .
(4) الفتاوى (4/319) ، (15/148).
(5) تفسير الخازن (2/63) ، حاشية الباجوري على السلم ص23
من بقاع الأرض (1)
أما عمود نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلى ما ذكره ابن اسحاق (2) و تبعه عليه ابن هشام (3) هو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النظر ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
وإلى هذا القدر قد أجمع النسابون وما فوق عدنان إلى إسماعيل فيه خلاف كبير(4) .
قال عبدالقادر البغدادي : والعرب جميعاً فرقتان :
إحداهما : قحطان وهو ابو عرب اليمن .
وثانيهما : عدنان وهو ابو عرب الحجاز وما والاها وهم غير عرب اليمن (5).
قال الشاعر :
قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت **** بكنه ذلك عدنانَُ وقحطانُ
_________________________________________________
(1) معجم قبائل العرب لكحالة (2/761) .
(2) سيرة ابن اسحاق ص1.
(3) في السيرة النبوية (1/7) .
(4) نهاية الأرب للقلقشندي ص33 ، تاريخ ابن خلدون (2/343) ، تاريخ الطبري (1/515) ، عيون الأثر لابن سيد الناس (1/33) .
(5) شرح أبيات مغني اللبيب (1/291)
5-ذي الحوض بل هو ذو الشفاعة في الورى *** ذو الملة السمحاء والقرآن(1/19)
وقوله (ذي الحوض ) أي صاحب الحوض وهو لغة : مجمع الماء ، وهو ثابت بإجماع أهل الحق خلافاً للمعتزلة والرافضة والخوارج (1).
والأحاديث الواردة فيها متواترة (2) ، والحوض موجود الآن (3) ، وماؤه من الكوثر وهو النهر الذي أعطيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة حيث فيه ميزابان ينزلان إلى الحوض ، وأما مكانه فهو في عرصات القيامة قبل العبور على الصراط وإليه مال القرطبي (4) .
والقول الثاني انه بعد الصراط وقد قال الحافظ في الفتح : وإيراد البخاري لأحاديث الحوض بعد أحاديث الشفاعة إشارة منه إلى ان الورود على الحوض يكون بعد الصراط والمرور عليه (5) .
والقول الثالث هو الجمع بين الأحاديث الواردة واختلفوا في طريقة الجمع على قولين :
الأول : واختاره الحافظ الحكمى حيث قال : " وليس بين أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعارض ولا تناقض ولا اختلاف ، وحديثه كله يصدق بعضه بعضاً ،
___________________________________________________
(1) التذكرة للقرطبي (1/373) .
(2) فتح الباري (11/468).
(3) كما في البخاري برقم 6590.
(4) قي التذكرة ص347 .
(5) الفتح (11/474) .
وأصحاب هذا القول إن أرادوا أن الحوض لا يرى ولا يوصل إليه إلا بعد قطع
الصراط ؛ فحديث أبي هريرة هذا وغيره يرد قولهم ، وإن أرادوا أن المؤمنين إذا جاوزوه وقطعوه بدا لهم الحوض فشربوا منه ، فهذا يدل عليه حديث لقيط هذا ، وهو لا يناقض كونه قبل الصراط ، فإن قوله :" طوله شهر وعرضه شهر " فإذا كان بهذا الطول والسعة ؛ فما الذي يحيل امتداده إلى وراء الجسر فيرده المؤمنون قبل الصراط ويعده ؟ فهذا في حيز الإمكان ووقوعه موقوف على خبر الصادق " (1)(1/20)
والقول الثاني للسيوطي حيث جمع بين الروايات التي تفيد أن الحوض بعد الصراط ، والروايات التي تفيد أنه قبله بقوله : " ويحتمل الجمع بأن يقع الشرب من الحوض قبل الصراط لقوم وتأخيره بعده لآخرين بحسب ما عليهم من الذنوب والأوزار ، حتى يهذبوا منها على الصراط " ، ثم قال :" ولعل هذا أقوى " .
وقد امتدح الشيخ مرعي – كما نقل عنه السفاريني – هذا الجمع بقوله " وهذا في غاية التحقيق جامع القولين وهو دقيق " (2).
، ويرد هذا الحوض المؤمنون بالرسول - صلى الله عليه وسلم - المتبعون لشريعته (3).
وأما صفاته فماؤه أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، وآنيته عدد نجوم
_________________________________________________
(1) عزاه للحكم في المعارج د 0 غالب عواجي في كتابه الحياة الآخرة (3/1466) .
(2) لوامع الأنوار (2/196) .
(3) ... التذكرة ص307 .
السماء ، طوله شهر وعرضه شهر ، من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها ابداً .
وقوله (ذي الحوض) هل يعني أنه ينفي ان يكون لكل نبي حوض ام لا ؟ (1).
ليس في كلام الناظم تصريح والمسالة فيها خلاف بين العلماء (2).
أما قوله (ذو الشفاعة ) فقد قال الراغب الأصفهاني :" الشفاعة : الانضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه ، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من أدنى (3).
وأمر الشفاعة في الآخرة قد ثبت بنصوص كثيرة جداً – قرآنية وحديثية - ، و دلت هذه النصوص وخاصة منها الحديثية على أن الشفاعة أنواع عدة ، منها ما يخص نبينا محمداً – - صلى الله عليه وسلم - لا يشاركه فيه غيره ، ومنها ما يكون لإخوانه الأنبياء والرسل – صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً - ، ومنها ما يكون للملائكة وغيرهم من المؤمنين .(1/21)
وأعظم تلك الشفاعات كلها وأكبرها وأجلها الشفاعة العامة العظمى للرسول – - صلى الله عليه وسلم - في أهل المواقف التي يتأخر عنها أولو العزم من الرسل فمن دونهم ، لإراحة الخلائق من هول وشدة ذلك اليوم العصيب بتعجيل حسابهم وفصل القضاء بينهم بين يدي الله تبارك وتعالى أحكم الحاكمين بقسطه وعدله (4).
_________________________________________________
(1) الروضة الندية شرح الوسطية لزيد بن فياض ص334 .
(2) الحياة الآخرة للعواجي (3/1483).
(3) المفردات (1/346).
(4) الإمام الخطابي ومنهجه في العقيدة للعلوي ص457.
وقوله ( في الورى ) أي في الخلق كما قال الفراء (1) ، ومنه قول الشاعر :
إني بليت بأربع يرمينني **** بالنبل عن قوس له توتير
إبليس والدنيا ونفسي والورى **** يا رب أنت على الخلاص قدير
وقوله ( ذو الملة ) أي ذو السنة والطريقة (2).
وقوله ( السمحاء ) : أي السهلة ، والمسامحة المساهلة (3).
ولفظ السمحاء وهو وإن كان شائعاً عند الكتاب إلا أنه خطأ لأن "فَعْلاَء" هي لمؤنث " أفْعَل " كأحمر تقول : حمراء وأغبر : غَبْراء ، وأصفر : صفراء .
(1) أما مؤنث "سًمْح " على وزن "فَعْل " فهو "سَمْحَة" على وزن فَعْلَة من
سَمُحَ يَسْمُحُ سَمَاحَةً وسمُوْحا ، وسُمُوْحة بمعنى جاد ، وأعطى عن كرم ، وسخاء فهو سَمْحٌ وسَمْيحٌ ، وسَمِح ، وامرأة سَمْحَة ، وسَمِحَة ، وهم وهن سِمَاح ، وهم سُمَحَاء " (4).
ومن ذلك وصف الحنفية السمحة .
وما وقع فيه الناظم من اللحن قد وقع فيه الشعراء من قبل منهم أبو فراس الحمداني عندما قال :
______________________________________________
(1) تهذيب اللغة (15/303).
(2) تهذيب الأزهري (15/351) .
(3) لسان العرب (6/355) .
(4) أخطاء لغوية معاصرة د 0 عبدالله العبادي ص58 ، وانظر الوسيط (1/451) ،ومعجم لاروس ص640 .
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا **** تعالى أقاسمك الهموم تعالي(1/22)
فالبيت بكسر اللام وصوابه بالفتح ولهذا قال ابن هشام ومن ثم لحنوا قائله ا0 هـ
مع ان الكسر لغة ضعيفة عند أهل الحجاز (1).
_________________________________________________
(1) شرح قطر الندى ص46 .
6-ومقامه المحمود أشرف رتبة **** وله الوسيلة عن بني الإنسان
قوله ( ومقامه المحمود ) أي الشفاعة العظمى للفصل بين الخلائق كما سبق هذا هو المشهور .
وقال مجاهد إن المقام المحمود هو أن يُجلس الله نبيه معه على عرشه (1).
وقوله ( وله الوسيلة ) وهي المنزلة التي في الجنة ولا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ونسأل الله أن تكون للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأن من سألها له حلت له الشفاعة (1).
____________________________________________________
(1) تفسير القاسمي (10/269) ، وقد شنع الواحدي على القائل به ولي بحث في هذه المسألة ذكرت فيه أقوال الأئمة في المقام المحمود ومن الذي مشى على قول مجاهد .
(2) للحديث الذي رواه مسلم 284 ، و أبو داود (523) والترمذي (3619) ، والنسائي ( 2/25) .
وانظر ما قاله القرطبي في المفهم (2/13) ، وعياض في شرحه على مسلم (2/252) .
7- وسألتك اللهم بالاسم الذي ... **** ... حسنت محاسنه بلا نكران
قوله ( اللهم ) منادى مبني على الضم على الهاء في محل نصب حذف منه حرف النداء، وعوض عنه الميم, ويجوز مع ياء النداء في ضرورة الشعر عند البصر بين .
قال ابن مالك :
والأكثر اللهم بالتعويض **** وشذ يا اللهم في قريض
وأما الكوفيون فقد جوزوا الجمع بينهما ولو في غير ضرورة لأن الميم ليس عوضاً من الياء على رأيهم (2).
وأما قوله ( بالاسم الذي حسنت محاسنه ) فهو الاسم الأعظم لما يدل عليه البيت الذي يليه .
واختلفوا في تعيينه على أقوال كثيرة وأشهر الأقوال :(1/23)
ا- ... ان الاسم الأعظم هو الحي القيوم لحديث أبي أمامة مرفوعاً " اسم الله الأعظم في سور من القرآن ثلاث : في البقرة وآل عمران ، وطه " وهذا رأي شيخ الإسلام (3) وتلميذه ابن القيم (4) وإليه مال الناظم القرني كما يظهر .
_________________________________________________
(1) حاشية الصبان على الأشموني (3/146) ، حاشية الخضري على ابن عقيل (2/75)
وانظر الخلاف بين سيبويه والنحاة في وصف اللهم في حاشية الحمصى على شرح التصريح (2/173) ، والمقتضب للمبرد (4/239)
(2) همع الهوامع للسيوطي (2/48).
(3) الفتاوى (18/311).
(4) مختصر الصواعق (1/119) .
8- فإذا دعيت به أجبت وإن تسل **** أعطيت سئل الملحف الولهان
وفي هذا البيت ما يدل على ميل المؤلف إلى ان الاسم الأعظم هو الحي القيوم لحديث أنس – رضي الله عنه – قال : كنت جالساً مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ورجل يصلي فقال : " اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت ، المنان ، بديع السموات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم .
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى (1).
وقول الناظم ( الملحف ) اسم فاعل من ألحف إذا ألح في المسألة (2) وقال تعالى : { لا يسألون الناس إلحافاً } (3) ، ومعنى ألحف أي دعا حتى غطى نفسه بذلك أشبه باللحاف الذي يغطى به الإنسان نفسه (4).
والولهان مأخوذ من الوله وهو ذهاب العقل والمراد هنا من هو شديد التعلق بربه حتى أسلمه تعلقه إلى الوله وهو ذهاب العقل (5).
____________________________________________________
(1) رواه النسائي (3/52) ، وأبو داود (2/79)، وأحمد (3/120،158) ، وابن حبان رقم (2382) ، والحاكم في المستدرك (1/503) وصححه ووافقه الذهبي .
(2) المحيط (3/104) .
(3) البقرة 273.
(4) تهذيب اللغة (5/70) .
(5) المحيط (4/65) .(1/24)
9- يا حي يا قيوم يا ذا الطول يا **** ذا العرش يا فرد فمالك ثاني
ومعنى الحي الموصوف بالحياة الكاملة الأبدية التي لا يلحقها موت ولا فناء ، لأنها ذاتية له سبحانه ، وكما أن قيوميته مستلزمة لسائر صفات الكمال الفعلية فكذلك حياته مستلزمة لسائر صفات الكمال الذاتية من العلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والعزة والكبرياء والعظمة ونحوها ، فالحي والقيوم متضمنان لصفات الكمال وهما القطبان لأفق سمائها فلا تتخلف عنها صفة منها أصلاً .
ومن أسمائه الحسنى سبحانه (القيوم) وهو مبالغة من قام وله معنيان :
أحدهما : أنه القائم بنفسه المستغني عن جميع خلقه فلا يفتقر إلى شيء أصلاً لا في وجوده ، ولا في بقائه ، ولا فيما اتصف به من كمال ، ولا فيما يصدر عنه من أفعال ، فإن غناه كما قدمنا ذاتي له فلا يطرأ عليه فقر أو حاجة .
والثاني : أنه الكثير القيام بتدبير خلقه ، فكل شيء في هذا الوجود مفتقر إليه فقراً ذاتياً أصيلاً لا يمكن أن يستغني عنه في لحظة من اللحظات ، فهو مفتقر إليه في وجوده أولاً وفي بقائه بعد الوجود ، فهو الذي يمده بأسباب البقاء ، فلا يقوم شيء في الوجود كله إلا به ، فهو دائم التدبير والرعاية لشؤون خلقه ، لا يمكن أن يغفل عنهم لحظة وإلا اختل نظام الكون وتحطمت أركانه ، قال تعالى : { قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن } (1) وقال { إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده } (2).
___________________________________________________
(1) الأنبياء 42 .
(2) فاطر 41 .
قال ابن القيم : (1)
هذا و من أوصافه القيومُ **** والقيوم في أوصافه أمرانِ
إحداهما القيوم قام بنفسه **** والكون قام به هما الأمران
فالأول استغناؤه عن غيره **** والفقر من كلٍ إليه الثاني
والوصف بالقيوم ذو شأنٍ كذا **** موصوفه أيضاً عظيم الشان
والحى يتلوه فأوصاف الكما **** لـ هما لأفق سمائها قطبان(1/25)
فالحى والقيوم لن تتخلف الـ **** الأوصاف أصلا عنهما ببيانِ
وأما ( ذو الطول ) فقد يقال إنه من باب الخبر والثناء ، وقد يقال إنه اسم وقد تبع فيه الخطابي والبيهقي وابن العربي وابن الوزير (2).
وأما معناه فقد قال قتادة (ذى الطول) أي : ذي النعم (3)، وفيه أقوال أخرى(4)
قال ابن كثير :
قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني السعة والغنى ، وهكذا قال مجاهد وقتادة ، وقال يزيد الأصم ذي الطول يعني الخير الكثير ، وقال عكرمة { ذي الطول }
____________________________________________________
(1) مع شرح هراس (2/110) ، والدر المصون للسمين (1/612) ، والوسيط للواحدي (1/367) ، والسعدي ص127 ، وابن عطية (2/379) ، وابن الجوزي (1/302) .
(2) معتقد أهل السنة للتميمى ص234 .
(3) تفسير الطبري (24/28) .
(4) ذكرها ابن عطية في تفسيره (63/7) ، وابن الجوزي (7/207) ، والماوردي (5/142) ، والسمرقندي (3/191) ، والنسفى (3/197) .
ذي المن ، وقال قتادة ذي النعم والفواضل ، والمعنى أنه المتفضل على عباده المتطول عليهم بما هم فيه من المنن والأنعام التي لا يطيقون القيام بشكر واحدة منها { وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها } الآية (1) .
وأما ( ذو العرش ) فيقال فيه ما قيل في ذي الطول فقد ذهب إلى أنه من الأسماء الحليمي ، والبيهقي ، وابن الوزير (2).
والعرش في اللغة : سرير الملك .
قال الله تعالى عن يوسف : { ورفع أبويه على العرش } [ يوسف : 100] .
وقال عن ملكة سبأ : { ولها عرش عظيم } [ النمل : 23] .
ولأما عرش الرحمن الذي استوى عليه فهو عرش عظيم محيط بالمخلوقات وهو أعلاها وأكبرها كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة ، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة " (3).
___________________________________________________
((1/26)
1) تفسير ابن كثير (5/182) .
(2) معتقد أهل السنة للتميمي ص234 .
(3) الحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 109 .
10- هيئ لنا من أمرنا رشدا إذا **** دجت الخطوب بليلها الفتان
وقوله ( هيئ لنا من أمرنا رشداً ) أي يسر لنا كل موصل إلى الرشد ، وأصلح لنا أمر ديننا ودنيانا ، وهيئ مأخوذ من قولك هيأت الأمر فتهيأ .
والرشد والرشاد نقيض الضلال وفي تفسير اللفظ وجهان : الأول : التقدير وهيئ لنا أمراً ذا رشد حتى نكون بسببه راشدين مهتدين .
الثاني : اجعل أمرنا رشداً كله كقولك رأيت منك رشداً (1).
وقوله ( إذا دجت الخطوب بليلها الفتان ) أي أن المصائب قد شملت وسبغت وعمت ، ثم وصف الناظم الليل بالفتان لأن الليل عماية و النهار هداية ، والعماية سبب الفتنة والضلال .
وقد وصف ابن القيم في نونيته جهم بن صفوان بالكاذب الفتان وهو الشديد الفتنة وهي خداع الناس وتضليلهم فقال :
إن كنت كاذبة الذي حدثتني **** فعليك إثم الكاذب الفتان (2).
وقوله ( دجت ) مأخوذ من دجى عليه ثوبه : أي سبغ (3). ، و دجا الرجل المرأة إذا جامعها ، فقال للدلالة على إشتباك الخطوب (إذا دجت الخطوب ) وحذف المشبه به على سبيل الاستعارة المكنية .
_______________________________________________
(1) تفسير الرازي (21/70) .
(2) شرح هراس (1/25) .
(3) المحيط لابن عباد (7/159) .
ثم في كلام المؤلف مناسبة جميلة وهي أنه لوجود الخطوب والمحن دعا الله أن يهيئ له من أمره رشداً كما فعل أصحاب الكهف لما أرادوا التخلص من الفتنة(1).
________________________________________________
(1) ... انظر نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي (12/18) .
11- نونية القرني أشرق نورها ... **** ... عينان فيها للهدى نونان
( نونية ) سبق الكلام عليها في المقدمة .
( والقرني ) سبق الكلام عليه .
وقوله أشرق نورها يحتمل أمرين :(1/27)
الأول : ان هذه القصيدة كانت موجودة عنده منذ زمن ثم أظهرها كما يقال للشمس الغائبة حينما تظهر أشرقت .
الثاني: أنها أشرقت لقوة معانيها تشبيهاً لها بضوء الشمس القوي الذي إذا ظهر أمات كل ضوء ، وأعدم كل نور ، وكذلك هذه القصيدة ، فإن قيل هل يصح ان يمدح الناظم نفسه بهذه الطريقة ؟
فالجواب أن هذا المدح ليس منهياً عنه فقد جرى عليه العلماء كابن مالك عندما قال:
وتقتضي رضا بغير سخط **** فائقة ألفية ابن معط .
وقال السيوطي :
فائقة ألفية ابن مالك **** لكونها واضحة المسالك
وقال أيضاً :
فائقة ألفية العراقي **** في النظم والإيجاز واتساق
وللأجهوري المالكي ألفية وقال في أولها فائقة ألفية ابن مالك (1)..
فإن قيل ألا يدخل ذلك في قوله تعالى : ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى }
____________________________________________________
(1) ذكره الخضري في حاشيته على ابن عقيل (1/12)
1- أن هذه تزكية للعمل وليس للنفس .
2- أن مدح النفس يكون مذموماً إذا قصد الرجل به التطاول والتفاخر والتوصل إلى غير ما يحل فقوله تعالى { فلا تزكو أنفسكم } المراد منه تزكية النفس حال كونها غير متزكية والدليل عليه قوله تعالى بعده { هو أعلم بمن اتقى } أما لو كان الإنسان عالماً بأنه حق وصدق فهذا غير ممنوع (1) ولقوله تعالى عن يوسف عليه السلام { إني حفيظ عليم }
وقوله ( عينان فيها للهدى نونان ) فالمراد بالنونين نون النونية ، ونون القرني ، وأما قول ( عينان ) فقد شبه الناظم كمال الهدى بالنونية بكمال الإبصار بالعينين وذلك لما احتوت عليه القصيدة من المعاني .
___________________________________________________
(1) تفسير الرازي (18/129) .
12- نسجت بعون الله من برد الهدى **** قد جاء هذا الفيض من حسان
قوله ( نسجت ) النسج معروف ، وعامله النساج ، والشاعر ينسج الشعر (1).
وقوله ( بعون) أي مستعيناً بالله فالبار للاستعانة (2)(1/28)
وقوله ( من برد الهدى ) شبه الهدى بما يحله من دفء الإيمان بالبرد الذي يكسى الإنسان (3).فيحميه وإضافة المشبه به إلى المشبه من باب لجين الماء وهو فرع من فروع التشبيه البليغ .
(والفيض) هو الكثير ، والغيض : القليل (4)، وفاض أي الماء إذا سال (5) ، فشبه الناظم شعره بسيلان الماء بجامع أن كلا منهما غزير وصاف ليس فيه ما يشوبه لأنه تكلم عن عقيدة صافية ، وفي تتابع الخواطر وعدم انقطاعها كسيلان الماء المتصل ، وفي عذوبة الألفاظ وحلو المعاني ما يشبه الماء أيضاً ، وفي قوة الحجة واندفاعها على الخصم كسيلان الماء فهو مشبه بالماء من وجوه عديدة .
( وحسان ) هو : حسان بن ثابت بن المنذر (6) : بن حرام بن ____________________________________________________
(1) المحيط (7/14) ، وتهذيب اللغة (10/591) .
(2) الرسالة الكبرى في البسملة للصبان ص45
(3) هذا إذا كان بضم الباء كما في المحيط (9/296) ، وتهذيب اللغة (14/014) .
(4) المحيط (1/51).
(5) التهذيب (12/77) .
(6) أسد الغاية ت (1123) ، التاريخ لابن معين (2/107) ، تاريخ خليفة (202) ، التاريخ الكبير (3/29) ، الجرح والتعديل (3/233) ، الأغاني (4/134-169) ، =
عمرو بن زيد بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي ثم النجاري ، شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وأمه الفريعة - بالفاء والعين المهملة مصغراً – بنت خالد بن حبيش بن لوذان ، خزرجية أيضاً .
أدركت الإسلام فأسلمت وبايعت . وقيل : هي أخت خالد لا ابنته .
يكنى : أبا الوليد ، وهي الأشهر ، وأبا المضرب ، وأبا الحسام ، وأبا عبدالرحمن روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث ، وروى عنه سعيد بن المسيب ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعروة بن الزبير ، وآخرون .(1/29)
قال أبو عبيدة : فضل حسان بن ثابت على الشعراء ثلاث : كان شاعر الأنصار في الجاهلية ، وشاعر النبي - صلى الله عليه وسلم - في أيام النبوة ، وشاعر اليمن كلها في الإسلام ، وكان مع ذلك جباناً .
وفي الصحيحين وغيرهما ( عن طريق سعيد بن المسيب قال : مرّ عمر بحسان في المسجد وهو ينشد فلحظ إليه فقال : كنت أنشد وفيه من هو خير منك ، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال : أنشدك الله ، أسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول :" أجب عني ، اللهم أيده بروح القدس قال : اللهم نعم " (6)
____________________________________________________
= ... تهذيب الكمال (6/16) ، تهذيب التهذيب (2/247-248) ، خلاصة تهذيب الكمال 75 ، شذرات الذهب (1/41،60) ، الاستيعاب على حاشية الإصابة (1/335) .
(1) كالحاكم في المستدرك (3/335) عن عبدالله بن عمر بلفظه وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، والنسائي (2/48) كتاب المساجد باب 24 الرخصة في إنشاد الشعر الحسن في المسجد حديث رقم 716، وأحمد في المسند (2/269)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/448) ،(10/126،237)، وعبد الرزاق في المصنف حديث رقم 20509.
والجمهور على أنه عاش مائة وعشرين سنة .
فإن قيل لماذا ذكر الناظم أن فيضه قد حار من حسان ؟
فالجواب :
1- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لحسان فقال : اللهم أيده بروح القدس فأراد متابعته للدخول معه في النصرة التي سألها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
2- أو لأن حساناً كان شاعر اليمن والناظم من قحطان فاشتركا نسباً (1).
3- أو أن حساناً شاعر إسلامي فكذلك الناظم .
__________________________________________________
(1) فحسان خزرجي والخزرج في بطن من الأنصار وهم من قحطان كما في الأنساب (5/109).
13- شرفت عن الإطراء صدق قولها **** وحديثها قبس من القرآن(1/30)
ومعنى البيت أن هذه القصيدة شرفت عن الإطراء والمدح لأنها مأخوذة من الكتاب العزيز لقول الناظم ( وحديثها قبس من القرآن ) .
ويقتبسها أي يأخذها (1)، وهذا هو موضع الإطراء فيها إذ أنها مأخوذة مما تعالى عن الإطراء وهو القرآن ومن ثم فقد كان للتابع حكم المتبوع في التعالي عن الإطراء .
________________________________________________
(1) تهذيب اللغة ( 8/419) .
14- ما لامرء القيس المضلل لوثه **** فيها ولا الأعشى ولا القباني
لما ذكر الناظم أن قصيدته مأخوذة من قبس القرآن معنى ومن فيض حسان نظماً؟
أراد أن ينفي أي لوثة لشعراء الضلال فيها .
فإن قيل ألا يكفي البيت السابق في إثباته أنها من القرآن ؟
فالجواب :
ان الإثبات لا يمنع غيره بخلاف الجمع بين النفي والإثبات (1). ، ولأنها نظم فشابهت ما وقع في النظوم فأبان اختلافها في غرضها وما اشتملت عليه عن أغراض الشعراء الممقوتة الذي جاء فيها قوله تعالى { والشعراء يتبعهم الغاوون } فكأنها ثبت لها وصف الحكمة الثابت في قوله - صلى الله عليه وسلم - " إن من الشعر لحكمة " وانتفى عنها وصف الضلالة الثابت في الآية السابقة وأتى تأكيدا للنفي بمخالفة هدى كبرائهم .
ثم ذكر ثلاثة من الشعراء اشتهروا بالمجون والضلالة وهم :
أ امرؤ القيس (2)من 497م إلى 545م وهو :
___________________________________________________
(1) انظر تقريب التدمرية للعلامة لعثيمين ص20 .
(2) الشعر والشعراء لابن قتبة (1/107) ، الأعلام للزركلي (2/11) ، وأدباء العرب لبطرس البستاني (1/97) ، الأغاني ( 9/84) .
كبيراً ، لا صحو اليوم ولا سكر غداً! اليوم خمراً وغداً أمر ! ، ونهض من غده فلم يزل حتى ثأر لأبيه من بني أسد ، وقال في ذلك شعراً كثيراً .(1/31)
امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي ، أشهر شعراء العرب على الإطلاق ، يمانيّ الأصل ، مولده بنجد ، أو بمخلاف السكاسك باليمن ، اشتهر بلقبه ، واختلف المؤرخون في اسمه ، فقيل حُنْدُج وقيل مليكة وقيل عديّ ، وكان أبوه ملك أسد وغطفان ، وأمه أخت المهلهل الشاعر ، ثم جعل ينتقل في أحياء العرب ،يشرب ويطرب ويغزو ويلهو ، إلى ان ثار بنو أسد على أبيه وقتلوه ، فبلغ ذلك امرأ القيس
وهو جالس للشراب فقال : رحم الله أبي ! ضيعني صغيراً وحملني دمه
وكانت حكومة فارس ساخطة على آباء امرئ القيس فأوعزت إلى المنذر (ملك العراق ) بطلب امرئ القيس ، فطلبه ، فابتعد وتفرق عنه أنصاره ؛ فطاف قبائل العرب حتى انتهى إلى السموأل ، فأجاره ، فمكث عنده مدة ثم رأى أن يستعين بالروم على الفرس فقصد الحارث بن ابي شمر الغساني ( والي بادية الشام ) فسيره هذا إلى قيصر الروم في القسطنطينية فوعده ومطله ثم ولاه إمرة فلسطين ولقبه بالوالي (1).
ووصف الناظم امرىء القيس بالمضلل لأنه لقبه ، ولقب بذلك لأنه ترك ملكه وتوجه إلى قيصر يطلب منه جيشاً يأخذ به ثأر أبيه من بني أسد وقد قال الشاعر:
ولم ترد على الضليل صحته **** ولا ثنت أَسَداً على ربها حُجُرِ
__________________________________________________
(1) وإذا أطلق فإنه ينصرف إلى الكندي ، وهناك امرؤ القيس الأول والثاني والثالث ، فانظر ترجمتهم في الأعلام (2/12) .
قال النويرى: الضليل الذي أشار إليه هو امرؤ القيس ، ثم ذكر سبب لقبه(1).
أما الأعشى ت سنة 629م فهو :(1/32)
ميمون بن قيس بن جندل ، من بني قيس بن ثعلبة الوائلي ، أبو بصير ، المعروف بأعشى قيس ، ويقال له أعشى بكر بن وائل ، والأعشى الكبير : من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية ، وأحد أصحاب المعلقات . كان كثير الوفود على الملوك من العرب والفرس ، غزير الشعر ، يسلك فيه كل مسلك ، وليس لأحد ممن عرف قبله أكثر شعراً منه ، وكان يُغَنِّى بشعره فسمي " صَنَّاجة العرب " .
قال البغدادي : كان يفد على الملوك ولا سيما ملوك فارس ولذلك كثرت الألفاظ الفارسية في شعره .
عاش عمراً طويلاً ، وأدرك الإسلام ولم يسلم ولقب بالأعشى لضعف بصره(2). وعمي في أواخر عمره .
مولده ووفاته في قرية " منفوحة " باليمامة قرب مدينة " الرياض " وفيها داره ، وبها قبره ، أخباره كثيرة ، ومطلع معلقته :
ما بكاء الكبير بالأطلال **** وسؤالي وما ترد سؤالي (3).
وأما القباني : فهو الشاعر المعاصر نزار قباني ولد سنة 1914م ، وتوفى في شهر
___________________________________________________
(1) نهاية الأرب للنويرى (5/190) ، معجم ألقاب الشعراء للعاني ص226
(2) الأعلام (7/341) ، ومعاهد التصنصيص (1/196)، الشعر والشعراء (1/257)، والأغاني (9/121) ، وخزانة الأدب (1/84) .
(3) معجم ألقاب الشعراء للعاني ص24 .
مايو من سنة 1998م وقد ثار جدل كبير حول حكم صلاة الجنازة عليه (1).
لما اشتهر عنه انه تجرأ على الخوض في الثوابت الدينية وأصبح ملوثاً بالحداثة المعاصرة وقد تحدثت الصحف عنه ومن أهم ما قالوا عنه :
نزار قباني ، في خريفه ، نطق كلاما لا ينسجم أبدا مع الفطرة السليمة ، ولا يتسق مع الرؤية الدينية العامة .
إلا أن الجميع – على ما يبدو – قد تعودوا من نزار على كل شيء ولكن تعالوا لنعيد قراءة ما لفظه قلم نزار قباني .(1/33)
قال : وكان يعلق على خبر استنساخ الخلايا ، الذي أعلن عنه العلماء منذ فترة : " هذا خبر سيئ جداً للبشرية ، ومعناه أن العلماء بدأوا بتحدي السماء ... .وزحزحة الله من مكانه – كذا !! –
معنى هذا أيضاً – والكلام لا يزال لنزار – أن الإنسان لم يعد له رب يؤمن به ويركع في محرابه ، ويصلي له ، ويطلب رضاه وغفرانه ، لأن المختبرات العلمية ، أخذت مكان الرب ، ( الحياة ، العدد 12434 تاريخ 13/3/1997م )(2).
وفي مقال لسعيد الغامدي قال : وسوف أوضح مواقف نزار قباني من خلال أقواله التي مات ولم يتراجع عنها ، بدليل الطبعات الجديدة من دواوينه والصادرة من الدار والمسماة باسمه :
في قضية ( الإيمان بالله تعالى ) التي هي أهم قضية وأعظم ركن ، نجد في شعره السب الصريح لله تعالى والتهكم والاستخفاف ، بل النفي لوجوده تعالى ، و
___________________________________________________
(1) جريدة المسلمون بتاريخ 13/1/1419هـ .
(2) المرجع السابق .
التفوه بما تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً ، فمن ذلك قوله ( من بعد موت الله مشنوقاً على باب المدينة لم تبق للصلوات قيمة لم يبقى للإيمان أو الكفر قيمة ) الأعمال الشعرية الكاملة 3/342.
وقضية ( قتل الألوهية ) أو ( قتل الله ) تعالى عما يقولون ، أصل حداثي كبير استعاره المحاكون العرب من أساتذتهم الملاحدة في الغرب .
ومن اعتقادات نزار قباني الشنيعة قوله ( من أين يأتي الشعر يا قرطاجة والله مات وعادت الأنصاب ) المصدر نفسه 3/637 .
ويعلن نزار قباني نفيه للإيمان ، متوشحاً رداء العدمية والوجودية ، ومعترفاً بالكفر والإلحاد ن وكأنه يعترف بالفضيلة والصلاح ، فيقول في سياق مخاطباته الغرامية : ( ماذا تشعرين الآن ؟ هل ضيعت إيمانك مثلي ، بجميع الآلهة ) المصدر نفسه 2/338 ، 33/60.(1/34)
ومن ألوان تهكمه وسخريته بالعبادة لله ، وامتداحه للكفر والإلحاد قوله : ( يا طعم الثلج وطعم النار ونكهة كفري ويقيني ) المصدر نفسه 2/39 .
وقوله : ( ماذا أعطيك ؟ أجيبي ، قلقي إلحادي ؟ غثياني ، ماذا أعطيك سوى قدر يرقص في كف الشيطان ) المصدر نفسه 1/406 .
وقوله ( فأعذروني أيها السادة إن كنت كفرت ) المصدر نفسه 3/277 (1)
________________________________________________
(1) إلى آخر ما نقله الغامدي في مجلة المجتمع العدد 1300- 23 محرم 1419 هـ .
15- وعكاظ لم تسمع بمثل دويها **** نسخت قريض النابغ الذبياني
وامتدح الناظم هنا قصيدته بأن عكاظ لم تسمع مثلها .
وعكاظ هي المعرض العربي العام أيام الجاهلية ، معرض بكل ما لهذه الكلمة من مفهوم لدينا نحن أبناء هذا العصر : فهي مجمع أدبي لغوي رسمي ، له محكمون تضرب عليهم القباب ، فيعرض شعراء كل قبيلة عليهم شعرهم وأدبهم ، فما استجادوه فهو الجيد ، وما بهرجوه فهو الزائف .
وحول هذه القباب الرواة والشعراء من عامة الأقطار العربية ، فما ينطق الحكم بحكمه حتى يتناقل أولئك الرواة القصية الفائزة فتسير في أغوار الجزيرة وأنجادها ، وتلهج بها الألسن في البوادي والحواضر . يحمل إلى هذه السوق التهامي والحجازي والنجدي والعراقي واليمني والعماني (1)، وقوله ( نسخت قريض النابغ الذبياني ) فيه احتمالان :
الأول : أنه نسخة من حيث الصنعة ومن حيث المضمون ، لكن هذا الاحتمال بعيد ، والقرينة المانعة منه هو كون النابغة من الطبقة الأولى المقدمين على سائر الشعراء ، وعده بعض العلماء من شعراء المعلقات(2) .
الثاني : نسخته في المضمون حيث ان النابغة قد اشتهر بالشعر الوصفي وإن كان
________________________________________________
(1) أسواق العرب لأفغاني ص277 ، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (7/377) .
((1/35)
2) ديوان المتنبي بشرح العكبري ص43 ، والعرف الطيب ص566 ، والمحيط (5/249)، والتهذيب (8/340) .
(3) المفصل في تاريخ الأدب لعلي الجارم وإخوانه ص90 .
قليلاً إلا ان هناك أبياتاً فاضحة حتى قال الهالك جرجي زيدان : وفي قصيدته
أبيات لا يليق نشرها (1)
والاحتمال الثاني هو الأقرب ، ويقال في الشطر الأول مثله .
والقريض هو الشعر ومنه قول المتنبي :
وشعر مدحتُ به الكركرنّ **** بين القريض وبين الرقى (2)
والنابغة الذبياني ( ت سنة 604م ) هو :
زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري ، أبو أمامة : شاعر جاهلي ، من الطبقة الأولى من أهل الحجاز كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ فتقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها .
وكان الأعشى وحسان والخنساء ممن يعرض شعره على النابعة وكان أبو عمرو ابن العلاء يفضله على سائر الشعراء وهو أحد الأشراف في الجاهلية .
وكان حظياً عند النعمان بن المنذر ، حتى شبب في قصيدة له بالمتجردة ( زوجة النعمان ) فغضب النعمان ، ففر النابغة ووفد على الغسانيين بالشام ، وغاب زمناً ثم رضى عنه النعمان ، فعاد إليه (3).
واختلف في السبب الذي من اجله لقب بالنابغة على قولين :
_______________________________________
(1) تاريخ آداب اللغة العربية (1/105) .
(2) ديوان المتنبي بشرح العكبري ص43 ، والعرف الطيب ص566 ، والمحيط (5/249) ، والتهذيب (8/340) .
(3) الأعلام للزركلي (3/55) .
1- أنه لقوله : فقد نبغت لنا منهم شؤون (1).
2- انه بسبب نبوغه في الشعر بعدما كبر في السن (2).
_______________________________________________
(1) الأغاني (11/3) ، أدباء العرب للبستاني (1/185)، ألقاب الشعراء ص
(2) ألقاب الشعراء لامي العاني ص233 .(1/36)
بسم الله الرحمن الرحيم
1-بسم الرحيمِ الواحدِ الرحمانِ **** المالكِ الفردِ الوليْ الديانِ
2- الماجدِ البر ِ السلام ِلخلقه **** حازَ الكمالَ بغيرِ ما نُقصْانِ
3- والحمدُ لله العظيمِ لذاتِه **** حمداً على الإسلام والإيمانِ
4- وصلاةُ ربي والسلامُ مُحَبَّراً **** لإمامنا المعصومِ من عدنانِ
5- ذي الحوضِ بل هو ذو الشفاعةِ في الورى ** ذو الملةِ السمحاءِ والقرآنِ
6- ومقامُه المحمودُ أشرفُ رُتبةً **** وله الوسيلةُ عن بني الإنسانِ
7- وسألتُكَ اللهم بالإسمِ الذيِ **** حَسُنَتْ محاسِنُه بل ا نُكرانِ
8- فإذا دُعيتَ به أَجبتَ وإن تُسلْ **** أَعطيتَ سُئل الملحفِ الولهانِ
9- يا حيُّ يا قيَّومُ يا ذا الطولِ يا **** ذا العرش يا فردُ فما لك ثاني
10- هيئ لنا من أمرنا رَشَداْ إذا **** دجت الخطوبُ بليلها الفتان
11- نونيةُ القرني أشرق نورُها **** عينان فيها للهدى نُونانِ
12- نُسجتْ بعون الله من بُرِد الهدى **** قد جاء هذا الفيضُ من حسان
13- شَرُفت عن الإطراء صَدَّق قولَها **** وحديثَها قبسُ من القرآن
14- ما لامرء القيسِ المضللِ لوثةٌ **** فيها ولا الأعشى ولا القباني
15- وعكاظُ لم تسمعْ بمثل دويها **** نسَخَتْ قريض النابغ الذُبياني
16- كالسيف جُرِّد مُصْلتاً يهوي على **** هام الأراذل ثلةِ الخسران
17 – في كَفِ صنديدٍ له من بأسه **** يوم الوغى وثباتِه درعان
18- كعصا كليم الله تلقفُ كُلَّما **** صنعوا من التدجيلِ والبهُتْانِ
19- سلفيةُ تهوي على قِرن الوغى **** بالطعنِ قَبْل تطاعنِ الأقرانِ
20- حُبِكَتْ برأيِ بالسدادِ مُتوَّجُ **** والرأيُ قبل شجاعةِ الشجعانِ
21- أرمي بها أهلَ الضلالِ من الألى **** ضجوا ببدعتهم مَعَ الشنئانِ
22- فإلاهُنا الرحمنُ جَلّ َ جلالُه **** وإمامُنا المبعوثُ ذو الفرقان
23 – وصحابة المختار أفضلنا وهم **** نور الدجى ونجوم كل زمان(2/1)
24-والراشدون معالم مرضية **** وهم الهداة وشامة البلدان
25- والتابعون لهم بإحسان على **** مر العصور منائر الرضوان
26- وأئمة السلف الكرام شيوخنا **** كأبي حنيفة الأبي النعمان
27- وكمالك وابن المسيب قبله **** مع أحمد قل طاب سفيانان
28- والشافعي مع الهمام الأوزعي **** من نسل أوزاعٍ وحمادان
29- أما ابن تيمية الإمام فحجة **** سمح الطريقة ساطع البرهان
30 – فاعرف أبا العباس حقاً إنه **** زين الشيوخ وقدوة الشبان
31- لله درك من إمام عارف **** نشر الهدى ولصرح أحمد باني
32- تلميذه يقظ إمام بارع **** صافي القريحة واضح التبيان
33- ومجدد الإسلام في هذا الورى **** أعني التميمي ناصر الإيمان
34- رحم الإله محمداً في لحده **** خضم الضلال مهدم الأوثان
35- في نجد أشرق نوره متوهجاً **** بل شع من هند إل ى تطوان
36- فعلى عقيدتهم بنيت عقيدتي **** وعلى رسائلهم فتقت لساني
37- اقفوا طريقتهم ونهجي نهجهم **** دوماً وأبرأ من أخي كفران
38- أهل الضلالة هم خصومي دائماً **** لا يلتقي بمحبة خصمان
39- ولكل مبتدع أقول مجلجلاً **** أنا صارم يفري الرقاب يماني
40- أسلمت نفسي للذي برأ الورى **** وبرئت من شركٍ ومن طغيان
41- ورضيت بالقرآن والسنن التي **** جاءت بفهم صحابة العدنان
42 – استغفر الله العظيم لكل ما **** أخطأت فيه وزل فيه لساني
43 – أو قلته متعمداً أو جاهلاً **** أو ناسياً في السر والإعلان
44-فالقصد معروفٌ ولكن ربما **** خفي الصواب على بني الإنسان
45 - والعذر يقبله الكرام وربنا **** هو أكرم المعطين في الإحسان
46 – أشهدت ربي والملائكة الألى **** حملوا العلوم بقوة وأمان
47- أني مع السلف الكرام وهديهم **** هل عاقل يرضى بنهج ثان
48- إيماننا عملٌ وقولٌ قبله **** عقد بقلبٍ عامر الإيقان
49- ويزيد بالطاعات من أعمالنا **** ومع المعاصي ظاهرُ النقصانِ
50 – أهلُ الكبائر لا نُكَفرُهُم **** فإن استحلوها فللكفران(2/2)
51- ونطيع آل الأمر فيما لم يكنُ **** أمرٌ بمعصيةِ ولا نُكرانِ
52-نأبى الخروج عليه لو ظلم جرى **** فالصبر مطلوب من الإنسان
53-ما لم نر كفرا ً بواحاً ظاهراً **** لا يختلف في أمره إثنان
54- ونُمر أخبار الصفات كما أتتُ **** من غير تأويلٍ ولا جُحدانِ
55- والقولُ في تلك الصفات كقولنا **** في الذات قولُ العالم الربانيِ
56- نروي أحاديث الوعيد كما أتتْ **** والوعد نقبله من الديانِ
57- والمولدُ المزعوم لا نرضى به **** أفتى ببدعته أولوا العرفان
58- أنهاك عن شد الرحال لقبره **** واقرأ مُصَنَّفَ عالمٍ حرانيِ
59- أهلُ التصوفِ لا تُلِمَّ بدارهمْ **** فالزيغُ منسوجٌ مع القُمصانِ
60- وكذا الخوارجُ هم كلابُ النار قد **** ورد الحديث فلا تكن متواني
61- فأبو سعيدٍ قد روى في مسلمٍ **** وروى عليُّ بمسندِ الشيباني
62- قدرية جبرية قد بُدِّعوا **** إذ أعرضوا عن منهجِ القرآن
63- وطوائفُ الإرجاءِ شَرُّ طوائفٍ **** جاءوا بقولٍ ظاهرِ البطلان
64- والأشعريّ له نُقول غَثةٌ **** تأويلُه من أرخصِ الهذيان
65 - لكن أتباع الرسول وحزبه **** هم درة في هذه الأكوان
66 - هم فرقة منصورة قد أيدت **** وكذاك ناجية من الخسران
67- فالزم طريقتهم وعض بناجذ **** منها ولا يغررك قول ثاني
68- فإمامها المعصوم من بين الورى **** دع عنك رأي فلان أو علان
69 – أنهاك عن علم الكلام وأهله **** واهجر فديتك منطق اليونان
70 – وكفاك عن علم الكلام شريعة **** كملت بلا حرج ولا نقصان
71 – ترجو دواء القلب من ذي علةٍ *** وتريد وصف الشمس من عُميانِ
72- انظر إلى الرازيْ يقول محذراً *** في ساعةِ التوديعِ يا إخواني
73- جربتُ كل طريقة مذكورةٍ *** وركبت بحرَ الهول كالرُّباني
74- وقرأتُ فلسفةً ظننت بريقها *** نوراً وهذا النورُ قد أعماني
75 –فالآن أعلنُ أنه لا شرعةٌ *** أهدى ولا أشفى من القرآن(2/3)
76 –و كذاك سنةُ أحمدِ فهْي التي *** فيها نجاة العبدِ من نيرانِ
77 –وكذا الجويني صاح في طلابه *** يا قومُ حيَّر فكرتي الهمذاني
78- حتى ابنُ سينا وهْو من أقطابهم *** متحيراً وكبيرُ شهرستاني
79- بل قال بعض رؤوسهم متوجعاً *** من شدةِ الإحباطِ والهذيان
80- يا ليتني تابعتُ دين عجائزي *** ولزمتُ حفظ عقيدة الصبيانِ
81 – قد جاء شاهدُ قومها من أهلها **** الحق أبلجُ شامخُ البينان
82 – خير الطوائف سنةٌ وجماعةٌ **** حتى و لو قلوا مع الحسبانِ
83 – إركبْ سفينةَ نوحَ تنجُ من الردى **** قد قال مالك ذاك عن عرفان
84 – والسنة الغراء بحر لم يُحِطْ **** بجميعها إلا النبيْ العدناني
85 – هذا كلامُ الشافعيِّ محمدٌ **** في ما حكاه مؤلفُ التبيان
86- ولذاك قد تَخفيِ لكثرتها وما **** إلمامنا بالشرعِ في إمكان
87 – والقيِّمُ الجوزِيُّ في إعلامه **** ذكر الكثيرَ لأهل هذا الشان
88- ولشيخهِ الحبرِ الإمامِ مؤلفٌ **** رفع الملام كفاك بالحسبان
89- فالكل ذو رد ومردود له **** إلا محمداً طيب الأردان
90 – نظروا بعين النقد لابن خزيمة **** لكلامه في صورة الرحمن
91- وهو المسمى كعبة العلماء في **** جمع العلوم وقوة الإتقان
92- ولصاحب التقسيم والأنواع **** في حد الإله توهم الغلطان
93- وله كلام في النبوة لامع **** أهل الحديث وهمت يا حباني
94 – مع أنه جمع الصحيح بهمة **** تسمو على الجوزاء والدبران
95 – هذا تقي الدين أنكر جملة **** من قول عبدالقادر الجيلاني
96 – متلمساً عذراً له ومنافحاً **** حتى يقول له كلام ثاني
97 – والعالم الهروي صاغ منازلاً **** فيها من الأخطاء عد بناني
98 – قال ابن قيمنا لعل مراده **** هذا فإن الوهم سبق لسان
99 –ذكر ابن سعدي عن تقي الدين **** في مأموله في الخمس بعد ثمان
100–في الناس من هو كالذباب فلا **** يقع إلا على جرح من العدوان
101- ولصاحب السير الذكي عبارة **** مزجت بماء العين في الأجفان(2/4)
102 – لو أننا كنا تركنا كل من **** قد زل لم يسلم لنا اثنان
103 –ماء الفضائل إن يزد في وزنه **** عن قلتين فذاك ذو رجحان
104 –في سورة الأحقاف يقبل محسن **** ويقابل التواب بالغفران
105- وأجلها الذكر الحكيم فإنه **** أصل الهدى وأساس بيان
106 – كتب الصحاح وبعدها **** سنت أتت من عال م رباني
107 – ثم المسانيد العظام كأحمد **** ومعاجم الإسلام كالطبراني
108 – ثم الشروح وخيرها من نهجه **** في منهج الأسلاف أهل الشان
109 – وعليك بالكتب التي ما مثلها **** كتب ابن تيمية له شكران
110- وأخص تلميذا له متوقداً **** وابن الكثير مفسر القرآن
111- والشكر للذهبي في تأليفه **** ومصنف للفتح والميزان
112-وكذا النواوي وهو صاحب حجةٍ **** في سنة المختار والقران
113- حاز ابن عبد البر فينا منزلاٌ **** يعلو على المريخ أو كيوان
114- ولابن حزم عبقرية عالم **** لولا الخدوش اتى بطلع داني
115- علماء عصرك إن أردت قراءة **** في كتبهم فانصت لذي التبيان
116- كتب المجددِ كالرياضِ أنيقةٌ **** ورجالُ دعوتهِ أولو العرفان
117-اقرأ لابن الباز بورك سعيه **** ومحمد بن الصالح الرباني
118- ثم الأمين محمد أنعم به **** حاز الذكاء من أرض موريتاني
119- وحمود من نسل التواجر عالم **** وكذا ابن جبرين مع السلماني
120- ومؤلفوا كتب الحديث بعصرنا **** كمحمد ابن الناصر الألباني
121- وابن الوزير له علوم جمة **** ومحمد المعروف بالصنعاني
122- كتب يدبجها بجودة ذهنه **** صديق خان وشيخه الشوكاني
123- أنصت إلى السعدي فإن كلامه **** فيض من التحقيق والبرهان
124- والاعتزال طريقةٌ ممقوتة **** فيها من الأغلاط والهذيان
125 – عقل على النقل الصحيح مقدم **** والحسن والتقبيح للإنسان
126- بل وافقوا نهج الخوارج في الذي **** يأتي الكبيرة فهو في النيران
127- لا مؤمن يدعى وليس بكافر **** هذا كلام الواهم الغلطان(2/5)
128- وكلامه القرآن وهو منزل **** ومدادنا والرق مخلوقان
129- من قال إن الذكر مخلوق فقل **** كذب الدعي الجاحد الخوان
130 – طالع كتاب الحيدة الفذ الذي **** عبدالعزيز رواه وهو كناني
131- والذكر مخلوق لديهم مثلما **** قد جاء في الكشاف والمرجان
132- قالوا وربي لا يراه عبده **** في يوم حشرٍ خاب قول الجاني
133- نادى بموسى لن تراني عندهم **** دامت على التأييد في الأزمان
134-كذبوا لعل جزائهم من ربهم **** أن يرجعوا بالخزي والحرمان
135-ردوا حديث جرير البجلي في **** ما قد روى للسنة الشيخان
136- والشافعي من القرآن أتى بها **** لله در المدرك الرباني
137-ذا قال كلا إنهم عن ربهم **** حجبوا فينظره أولوا الإيمان
138- نبرأ إلى الرحمن جل جلاله **** من نهج رافضة أولي بهتان
139- سبوا صحابته وآذوا شرعه **** فالرفض والتزوير مقترنان
140 – اقرأ لشيخ الدين في منهاجه **** يشفي غليل الواله اللهفان
141- يكفيك ما قد قاله الشعبي في **** أهل الضلال عصابة الشيطان
142- إذ شابهوا أهل الصليب ووافقوا **** حتى اليهود مراتع الأوثان
143- زادوا على الفئتين في تشنيعهم **** لصحابة جلو عن البهتان
144- حمر مع سرب البهائم أصبحوا **** رخماً مع ذي الريش والطيران
145- كتب الروافض قد عرفت ضلالها ** حذراً من الشر القريب الداني
146- فعقولهم قد أخلت سردابهم **** هم ينبشون الأرض كالفئران
147- لما أتى التتار كانوا حزبه **** دكوا معاقلنا مع الصلبان
148-النار لابن العلقمي من نسلهم **** حفر القليب لدولة الإيمان
149- وابن الباسيري خان خليفة **** وسعى لذبح الدين في بغدان
150-وكذا نصير الدين منهم إنه **** حقاً عدو الدين والديان
151- أفتى لهولاكو يجرد سيفه **** حتى أباد به أولي العرفان
150-وكذا نصير الدين منهم إنه **** حقاً عدو الدين والديان
151- أفتى لهولاكو يجرد سيفه **** حتى أباد به أولي العرفان(2/6)
152- والفاطميون اللئام فإنهم **** ليسوا لأهل البيت بالحسبان
153- أفتى تقي الدين أن جدودهم **** نسل اليهود محاربي الرحمان
154- أما ابن خلدون فلم ينصف وقد **** نسب اليهود لأسرة العدناني
155- فتكوا بدين الله فتكة فاجر **** يا دولة الأرذال والأوثان
156- نصر على مصر أتى تأليفه **** من ابن جوزي واعظ البلدان
157- هذا صلاح الدين شتت شملهم **** وأحلهم في ذلة وهوان
158- لا تقرأن كتب الضلال فإنها **** سم الفؤاد وعلة الغثيان
159- إلا لمن أمن الخداع وكان من **** أهل البصيرة حافظاً لجنان
160- واهجر من الكتب التي قد أفعمت **** بالزور والتضليل والبهتان
161- مثل الأغاني فيه قول ساقط **** فالأصفهاني في الأغاني جاني
162- واترك أبا نواس إن قريضه **** سفه ويدعو الناس للعصياني
163- وابن المعري قادح في شرعنا **** يلقيك بالأشعار في الوديان
164- ورأيت في العقد الفريد مزالقاٌ **** والجاحظ الخلاب غير مصان
165- إذ قد حوى بدعا وأغلاطاً له **** في سفري التبيين و الحيوان
166- وكتاب إخوان الصفا متهالك **** بئس الصفا بل بئس من إخوان
167- انس ابن سينا فهو صاحب زلة **** سفر الإشارة والشفاء سقمان
168- بل قال بعض الناس في تأليفه **** مرض الفؤاد به وما أشفاني
169- إحيا علوم الدين صار قضية **** فيه الدواء والداء مجتمعان
170- لا تأخذن عقيدة من نهجه **** وكذا التصوف فهو في غليان
171- واسمع رقائقه وحر أنينه **** أما الحديث فليس باليقظان
172- أعرض عن التلبيس في كتب أتت **** للكوثري والمفلس النبهاني
173- فبضاعة الأقوام مزجاة فهل **** ميزت بين الترب والمرجان
74- ودع الفصوص مع الفتوحات التي **** قذفت برجس ظاهر الأنتان
175- وابن الروندي مزقن تأليفه **** ورسائل الحلاج والتيجاني
176- طه حسين هو العميل صراحة **** ليس العميد وهكذا اللأفغاني
177- إني عرفت القوم معرفة الذي **** عرف الحقائق أيما عرفاني(2/7)
178- عُمي عن القرآن والآثار يا **** لله ما قد عمهم نوران
179-شمس العلوم ومثل تلك مصائب **** سحر وشعوذة من الكهان
180-جعلوا قضاء الله فعل كواكب **** كالثور والميزان والسرطان
181- شاهت وجوههم وخيب سعيهم **** علم النجوم نهاية الخذلان
182-والباطنية هم أضل طريقة **** غرقى مع ا لإلحاد والكفران
183-أتباع قرمط والجنابي كلهم **** يدعو الكواكب زج بالنيران
184- فكأنه أخذ الضلال مركباً **** من مزدك وأخي الجهالة ماني
185- وغلام مرزا كاذب متهتك **** وكذا البهائي ظاهر البهتان(2/8)
وحي الذاكرة
شرح نونية القرني
1-بسم الرحيم الواحد الرحمان ... ... **** ... المالك الفرد الولي الديان
ابتدأ المؤلف قصيدته بالبسملة جرياً على عادة المصنفين ، وإنما بدأ المصنفون كتبهم بالبسملة تأسياً بالكتاب المنزل على النبي المرسل - صلى الله عليه وسلم - واقتداء به في مكاتباته للملوك وغيرهم وامتثالاً لقوله - صلى الله عليه وسلم - " كل أمر ذى بالا لا يبدأ فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع " رواه عبدالقادر الرهاوى في الأربعين البلدانية وكذا الخطيب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (1) .
وأما الرحمن والرحيم فهما مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة و ( رحمن ) أشد مبالغة من ( الرحيم ) ، لأن بناء فعلان أشد مبالغة من فعيل ونظيرهما نديم وندمان ، وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا (2) ، واتفق أكثر العلماء على ان اسم ( الرحمن ) عربي لفظه .
وقال ابن الحصار بعد سرده للحديث القدسي :" أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمى " فقد دل هذا الحديث الصحيح على الاشتقاق ، فلا معنى للمخالفة والشقاق (3) .
وقال ثعلب : إنه عبراني الأصل وكان رخمانا بالخاء المعجمة (4) .
____________________________________________________
(1) لوامع الأنوار للسفاريني (1/32) ، وانظر الكلام على الحديث في كتاب تفصيل المقال على حديث كل امر ذي بال د 0 عبدالغفور البلوشي ، والحديث حسنه السيوطي في حاشيته على البيضاوي المسماه بنواهد الأبكار ، والعجلوني في كشف الخفار (2/119) ، وابن حجر الهيتمي في شرح الهمزية (1/110) وقال : للحديث الحسن والصحيح ا 0 هـ .
(2) جامع البيان (1/43) .
(3) نقله محمد الحمود في النهج الأسمى (2/75) .
(4) نقله الرازي في شرح الأسماء الحسنى ص164.
ومصدر رحم هو رحمة وهو سماعي (1) .(3/1)
أما إنكار كفار قريش يوم الحديبية لما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي رضي الله عنه :" اكتب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال سهيل : أما ( الرحمن ) فوالله ما أدري ما هي ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب (2). .
وفي قوله تعالى : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن انسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً } [ الفرقان : 60] .
فالظاهر أنه إنكار جحود وعناد وتعنت ، ومما يدل على انهم كانوا يعرفون هذا الاسم قوله تعالى حكاية عنهم : { وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم } [ الزخرف : 20]
وأما الواحد فهو من أسماء الله الحسنى (3) بدليل قوله تعالى { وبرزوا لله الواحد القهار } الآية 48 من سورة إبراهيم .
ومعنى الواحد الفرد الذي لا ثاني له من العدد (4) وسيأتي أنواع الوحدانية عند الكلام على التوحيد في قول الناظم .
وأما المالك فهو من الأسماء الحسنى عند جمع من العلماء منهم : ابن عيينة ، وابن منده ، وابن العربي، وابن القيم ، وابن الوزير ، وابن حجر ، والسعدي ، ولم يعدها من الأسماء ابن عثيمين (5). .
قال الشوكاني :
وقد اختلف العلماء أيهما أبلغ ملك أو مالك ؟ فقيل : إن ملك أعمّ وأبلغ من مالك ،
___________________________________________________
(1) شرح الفصيح للزمخشري (1/255) .
(2) رواه البخاري (2731،2732)، والتصريح بأن الكاتب هو علي رضي الله عنه جاء في رواية أخرى للبخاري برقم (2698) .
(3) قد أقتصر على ذكر معنى الاسم من الأسماء الحسنى بدون دليله إذا كان مشهوراً .
(4) اشتقاق اسماء الله للزجاجي ص90 .
(5) معتقد أهل السنة في أسماء الله د0محمد التميمى ص217.
إذ كل ملك مالك ، وليس كل مالك ملكاً ، ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه
حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك ، قاله أبو عبيد والمبرّد ورجحه الزمخشري .
وقيل : مالك أبلغ لأنه يكون مالكاً للناس وغيرهم ، فالمالك أبلغ تصرفاً وأعظم .(3/2)
وقال أبو حاتم : إن مالكاً أبلغ في مدح الخالق من ملك . وملك أبلغ في مدح
المخلوقين من مالك ، لأن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك ، وإذا كان الله تعالى مالكاً كان ملكاً .
واختار هذا القاضي أبو بكر بن العربي .
والحق أن لكل واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر ؛ فالمالك يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالك له بالبيع والهبة والعتق ونحوها ، والملك يقدر على ما لا يقدر عليه المالك من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك وحياطته ورعاية مصالح الرعية ؛ فالمالك أقوى من الملك في بعض الأمور ، والملك أقوى من المالك في بعض الأمور .
والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الربّ سبحانه أن الملك صفة لذاته ، والمالك صفة لفعله (1) .
و أما الفرد فقد ذكره من الأسماء الحسنى كل من الحليمي ، والبيهقي (2) .
ودليله حديث " أشهد أنك فرد أحد صمد " (3) .
_____________________________________________________
(1) فتح القدير (1/24).
(2) معتقد أهل السنة للتميمي ص297.
(3) رواه البيهقي في الأسماء والصفات (2/288) وقال : ليس هذا بالقوي ، ورواه الحاكم في علوم الحديث ص216 ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي (3/178) ، وعزاه المتقي الهندي في كنز العمال (2/215) إلى ابن مردوية والأصبهاني في الترغيب ، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر رقم 152.
والحديث ضعيف جداً لأن في إسناده محمد بن السائب الكلبي وهو متهم بالوضع .
وأما الولى فهو ضد العدو ، والموالاة ضد المعاداة (1) .
وأما معنى هذا الاسم فهو : مالك التدبير ، ولهذا يقال للقيم على اليتيم : ولي اليتيم ، وللأمير : الوالي (2) .
وقال الغزالي الولي هو : المحب الناصر (3) .
وأما الديان فقد عده من الأسماء : الخطابي وابن مندة ، والحليمي ، والبيهقي ، والقرطبي ، وابن القيم ولم يعده كثيرون كابن العربي وابن الوزير وابن حميد والسعدي والعثيمين (4) .(3/3)
ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - " يحشر الناس يوم القيامة عراة ثم يناد لهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك الديان " (5) .
والديان القهار ، وهو فعال من : دان الناس أي قهرهم على الطاعة (6) .
ومعناه في حق الله قيل أنه القهار ، وقيل : الحاكم والقاضي (7) .
_____________________________________________________
(1) الصحاح للجوهري (6/2529) .
(2) الحليمي في المنهاج (1/204) نقله الحمود في النهج الأسمى (2/46).
(3) المقصد الأسنى ص115 .
(4) معتقد أهل السنة للتميمى ص171 .
(5) رواه أحمد في مسنده (3/495) ، والحاكم في المستدرك (4/574) وصححه ووافقه الذهبي ، وابن أبي عاصم في السنة (1/225) وصححه الألباني رحمه الله ، وأخرجه البخاري تعليقاً كما في الفتح (13/452) .
(6) لسان العرب (4/458) .
(7) النهاية لابن الأثير (2/148) .
2-الماجد البر السلام لخلقه ... ... **** ... حاز الكمال بغير ما نقصان
عد الماجد من الأسماء كل من الخطابي ، وابن ، والأصبهاني في حين ذهب الأكثرون إلى أنها ليست اسماً بخلاف المجيد فق ذهب الأكثرون إلى انه اسم (1) .
والدليل على أن الماجد من الأسماء قوله - صلى الله عليه وسلم - " يقول الله تعالى : ... ذلك بأني جواد ماجد صمد " (2) .
ومعناه هو أنه الشرف التام الكامل ، وأنه السعة والكثرة (3) .
أما البر فهو اللطيف بعباده على ما حكاه ابن جرير (4) وقيل هو العطوف على عباده ، المحسن إليهم على ما حكاه الخطابي (5) .
وأما السلام فله معان ذكرها الناظم هنا وهي :
1- أن يكون الرب مسالماً من مماثلة أحد من خلقه وهذا المعنى مأخوذ من قول الناظم " السلام خلقه " بجعل اللام بمعنى " من " وهو وارد في اللغة (7) .
2- السلام بمعنى ان الخلق قد سلموا من الظلم منه (8)
وهذا يؤخذ من قول الناظم " السلام لخلقه " بجعل اللام بمعنى " على " أي أنه سلام عليهم فلا يظلمهم ، واستخدام اللام بمعنى " على " وارد(3/4)
____________________________________________________
(1) معتقد أهل السنة للتميمي ص191، وص302 .
(2) رواه أحمد في مسنده (5/154)، والترمذي وحسنه في سننه حديث رقم 2495 ، وابن ماجه (2/439)
(3) النهج الأسمى للحمود (1/432) .
(4) جامع البيان (27/18).
(5) شأن الدعاء ص90 .
(6) روح المعاني (28/63) .
(7) كما في الجنى الداني في حروف المعاني لابن أم قاسم المرادي ص102 .
(8) تفسير القرطبي (18/46) .
في اللغة (1)
3- السالم من كل نقص وآفة وعيب (2) .
وهذا يؤخذ من قول الناظم " حاز الكمال من غيرما نقصان " .
وقد ظهرت براعة الناظم في هذا البيت :
أ انه جمع معاني السلام الثلاثة في نسق واحد .
ب انه جمع فيه الصفة الذاتية والفعلية ، فالذاتية وهو إن الله برئ من كل عيب ، والفعلية في ان خلقه قد سلموا من ظلمه .
جـ- ... تقديمه المتعدية على اللازمة إذ أنه قدم السلام بمعنى من أمن من جوره وظلمه وذلك متعد على اللازم الذي هو السلامة من الآفة والنقص وهو تقديم في محله لتفضيل التعدي على اللزوم ، وكذا لما في معنى المتعدي من التطميع فقدمه ترغيباً على ما في اللازم من التعظيم ترهيباً لما جبل عليه الناقص من رهبة الكامل .
و (ما) في قول الناظم زائدة للتوكيد (3) ، ولا يصح جعل (ما) للنفي ، لأن نفي النفي إثبات ولا يستقيم بذلك المعنى .
_____________________________________________________
(1) الجني الداني ص100 ، وحروف المعاني للزجاجي ص75 ، ورصف المباني للمالقي ص297.
(2) تفسير الألوسي (28/63) .
(3) انظر معاني (ما) في الجني الداني ص332 ، ورصف المباني ص382.
3-والحمد لله العظيم لذاته ... ... **** ... حمداً على الإسلام والإيمان
بعد ان بدأ الناظم بالبسملة أعقبها بالحمدلة ابتداء إضافيا أي بالنسبة لما بعدها وهو ما يقدم على الشروع في المقصود بالذات جمعاً بين حديثي البسملة والحمدلة ، ولم يعكس لموافقة الكتاب العزيز .(3/5)
والحمد قيل هو الشكر مترادفان وهو قول الطبرى (1) والمبرد وابن عطاء من الصوفية (2) وقد رجح هذا القول محمود شاكر (3) ورد هذا القول كثيرون منهم ابن عطية (4) والقرطبي (5) ، وابن كثير (6) ، وأبو هلال العسكري (7) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
الحمد هو ذكر صفات المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله ، فإن تجرد عن ذلك فهو مدح ، فالفرق بينهما أن الإخبار عن محاسن الغير إما أن يكون إخباراً مجرداً من حب وإرادة أو مقروناً بحبه وإرادته . فإن كان الأول فهو مدح وإن كان الثاني فهو الحمد (8) .
( والعظيم ) صفة لله ، وهو من أسمائه ، أما معناه فقد اختلفوا فيه :
فقال بعضهم : معنى العظيم في هذا الموضع المعظم ، صف المفعل إلى فعيل ، كما يقال : العتيق بمعنى المعتق .
_____________________________________________________
(1) في تفسيره (1/59) .
(2) تفسير القرطبي (1/133) .
(3) تفسير الطبري (1/138).
(4) في تفسيره (1/99) .
(5) في تفسيره (1/133) .
(6) في تفسيره (1/22) .
(7) في الفروق ص39، وانظر الفروق اللغوية للشايع ص215 .
(8) التنبيهات السنية للرشيد ص4 .
فقوله العظيم معناه : الذي يُعظِّمه خلقه ويهابونه ويتقونه .
وقال آخرون : بل تأويل قوله (العظيم) : هو أن له عظمة هي له صفة ؛ قالوا : لا نصف عظمته بكيفية ، ولكنَّا نضيف ذلك إليه من جهة الإثبات ، وننفي عنه أن يكون ذلك على معنى مشابهة العظيم المعروف من العباد ، لأن ذلك تشبيةٌ له بخلقه وليس كذلك .
وأنكر هؤلاء ما قاله أهل المقالة التي قدمنا ذكرها .
وقالوا : لو كان معنى ذلك أنه مُعظمٌ ، لوجب أن يكون قد كان غير عظيم قبل أن يخلق الخلق ، وأن يبطل ذلك عند فناء الخلق ، لأنه لا معظم له في هذه الأحوال .
وقال آخرون : بل قوله إنه ( العظيم ) وصف منه نفسه بالعظم .
وقالوا : كل ما دونه من خلقه فبمعنى الصغر ، لصغرهم عن عظمته " اهـ (1) .(3/6)
وقول الناظم ( لذاته ) أي أن الله يستحق الحمد للذات ولو لم يكن منه إيصال نفع إلى العباد .
وقوله ( حمداً ) مفعول مطلق ، وعامله المصدر .
وقوله ( على الإسلام والإيمان ) فيه دليل على ان المؤلف قد ذهب إلى المغايرة بينهما (2) وسيأتي تفصيل المسألة .
_____________________________________________________
(1) تفسير الطبري (3/13) ، شرح الأسماء للحمود (1/282) .
(2) وقد صرح المؤلف بذلك في كتابه ترجمان السنة ص17 .
4-وصلاة ربي والسلام محبراً ... **** ... لإمامنا المعصوم من عدنان
والصلاة في قول الناظم اختلفوا فيها على قولين :
الأول : أنها من الله الرحمة ، ومن الملائكة الاستغفار ، ومن غيرهم التضرع والدعاء وهذا القول هو الجاري على ألسنة الجمهور (1) .
الثاني : ان الصلاة من الله هي الثناء وهو الذي ذكره البخاري عن أبي العالية ، ونصر هذا القول ابن القيم من وجوه في جلاء الأفهام (2) وبدافع الفوائد (3) .
وأما ( السلام ) فهو بمعنى التحية والسلامة من النقائص والرذائل .
وأما قوله ( محبراً ) فمأخوذ من الحبر وهو الجمال والبهاء .
قال الأصمعي : كان يقال للطفيل الغنوي : مُحَبِّر لأنه كان يُحَسِّن الشعر قال وهو مأخوذ من التخيير وحسن الخط والمنطق (4) ، ويقال : حبرت الشعر والكلام (5) .
وقوله ( لإمامنا) فهو كل من أتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين .
والنبي - صلى الله عليه وسلم - إمام أمته ، وعليهم جميعاً الأئتمام بسنته التي مضى عليها (6) وسيأتي الكلام على ذلك .
ووصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه معصوم وفي مسألة العصمة تفصيل :
_____________________________________________________
(1) لوامع النوار (1/ ) ,
(2) ص158.
(3) (1/26).
(4) تهذيب اللغة (5/32).
(5) المحيط لابن عباد (3/90) .
(6) تهذيب اللغة للأزهري (15/638) ، والمحيط لابن عباد (10/460)(3/7)
1- ان الأنبياء معصومون فيما يخبرون به عن الله ، وفي تبليغ رسالاته باتفاق الأمة . (1) .
2- أجمعوا على عصمة الأنبياء من الكبائر (2)
3- اختلفوا في وقوع الصغائر فالذي عليه جمهور الأشاعرة انهم معصومون (3) ، والذي نقله شيخ الإسلام عن السلف انهم غير معصومون عنها لكن سرعان ما يتداركونه بصدق الإنابة (4).
أما إن أراد بالعصمة مطلق الحفظ كما في قوله تعالى { والله يعصمك من الناس } فلا إشكال في ذلك (5) .
وقوله من ( عدنان ) وهم : شعب عظيم يتصل نسبهم بإسماعيل عليه السلام باتفاق من النسابين ، وأن الأباء بينه وبين إسماعيل غير معروفة وتنقلب في غالب الأمر مخلطة مختلفة والكثرة في العدد .
كانت مواطنهم مختصة بنجد ، وكلهم بادية رحاله ، إلا قريشاً كانوا يقيمون بمكة ، ثم انتشروا في تهامة والحجاز ، ثم في العراق والجزيرة ، ثم افترقوا في كثير من بقاع الأرض (6).
أما عمود نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلى ما ذكره ابن اسحاق (7) و تبعه عليه
_____________________________________________________
(1) الفتاوي (10/289) .
(2) إعلام المسلمين بعصمة النبيين لاسحاق المكي ص23، وعصمة الأنبياء للدكتور محمود ماضي ص21 ، وعصمة الأنبياء للرازي ص27 وقد نقل عن الحشوية جواز وقوع الكبائر من الأنبياء ولا أدي من الذي يقصدهم ! .
(3) انظر أصول الدين للبغدادي ص167 ، والعقيدة د 0 نصار ص198 .
(4) الفتاوى (4/319) ، (15/148).
(5) تفسير الخازن (2/63) ، حاشية الباجوري على السلم ص23
(6) معجم قبائل العرب لكحالة (2/761) .
(7) سيرة ابن اسحاق ص1.
ابن هشام (8): هو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النظر ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
وإلى هذا القدر قد أجمع النسابون وما فوق عنان إلى إسماعيل فيه خلاف كبير (2)(3/8)
قال عبدالقادر البغدادي : والعرب جميعاً فرقتان :
إحداهما : قحطان وهو ابو عرب اليمن .
وثانيهما : عدنان وهو ابو عرب الحجاز وما والاها وهم غير عرب اليمن (3) .
قال الشاعر :
قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت **** بكنه ذلك عدنانَُ وقحطانُ
_____________________________________________________
(1) في السيرة النبوية (1/7) .
(2) نهاية الأرب للقلقشندي ص33 ، تاريخ ابن خلدون (2/343) ، تاريخ الطبرني (1/515) ، عيون الأثر لابن سيد الناس (1/33) .
(3) شرح ابيات مغني اللبيب (1/291)
5-ذي الحوض بل هو ذو الشفاعة في الورى **** ذو الملة السمحاء والقرآن
وقوله (ذي الحوض ) أي صاحب الحوض وهو لغة : مجمع الماء ، وهو ثابت بإجماع أهل الحق خلافاً للمعتزلة (1) .
والأحاديث الواردة فيها متواترة (2) ، والحوض موجود الآن (3) ، وماؤه من الكوثر وهو النهر الذي أعطيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة حيث فيه ميزابان ينزلان إلى الحوض ، وأما وفيه فهو في عرصات القيامة قبل العبور على الصراط وغليه مال القرطبي (4) ، ويرد هذا الحوض المؤمنون بالرسول - صلى الله عليه وسلم - المتبعون لشريعته (5) .
وأما صفاته فماؤه أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، وآنيته عدد نجوم السماء ، طوله شهر وعرضه شهر ، من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها ابداً .
وقوله ( ذي الحوض ) هل يعني أنه ينفي ان يكون لكل نبي حوض ام لا ؟
ليس في كلام الناظم تصريح والمسالة فيها خلاف بين العلماء (7) .
أما قوله (ذو الشفاعة ) فقد قال الراغب الأصفهاني :" الشفاعة : الانضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه ، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من أدنى (8) .
____________________________________________________
(1) شرح الواسطية للفوزان ص152 .
(2) فتح الباري (11/468).
(3) كما بينه في البخاري برقم 6590.
(4) قي التذكرة ص347 .
(5) التذكرة ص307 .
((3/9)
6) الروضة الندية شرح الوسطية لزيد بن فياض ص334 .
(7) الحياة الآخرة للعواجي (3/1483).
(8) المفردات (1/346).
وأمر الشفاعة في الآخرة قد ثبت بنصوص كثيرة جداً – قرآنية وحديثية - ، و دلت هذه النصوص وخاصة منها الحديثية على أن الشفاعة أنواع عدة ، منها ما يخص نبينا محمداً – - صلى الله عليه وسلم - لا يشاركه فيه غيره ، ومنها ما يكون لإخوانه الأنبياء والرسل – صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً - ، منها ما يكون للملائكة وغيرهم من المؤمنين .
وأعظم تلك الشفاعات كلها وأكبرها وأجلها الشفاعة العامة العظمى للرسول – - صلى الله عليه وسلم - في أهل المواقف التي يتأخر عنها أولو العزم من الرسل فمن دونهم ، لإراحة لخلائق من هول وشدة ذلك اليوم العصيب بتعجيل حسابهم وفصل القضاء بينهم بين يدي الله تبارك وتعالى أحكم الحاكمين بقسطه وعدله (1) .
وقوله ( في الورى ) أي في الخلق كما قال الفراء (2) ، ومنه قول الشاعر :
إني بليت بأربع يرمينني **** بالنبل عن قوس له توتير
إبليس والدنيا ونفسي والورى **** يا رب أنت على الخلاص قدير
وقوله ( ذو الملة ) أي ذو السنة والطريقة (3) .
وقوله ( السمحاء ) : أي السهلة ، والمسامحة المساهلة (4) .
ولفظ السمحاء وهو وان كان شائعاً عند الكتاب إلا أنه خطأ لأن "فَعْلاَء" هي لمؤنث " أفْعَل " كأحمر وأغبر : غَبْراء ، وأصفر : صفراء .
أما مؤنث "سًمْح " على وزن "فَعْل " فهو "سَمْحَة" على وزن فَعْلَة من سَمُحَ يَسْمُحُ _____________________________________________________
(1) الإمام الخطابي ومنهجه في العقيدة للعلوي ص457.
(2) تهذيب اللغة (15/303).
(3) تهذيب الأزهري (15/351) .
(4) لسان العرب (6/355) .
سَمَاحَةً وسًمُوْحا ، وسُمُوْحة بمعنى جاد ، وأعطى عن كرم ، وسخاء فهو سَمْحٌ وسَمْيحٌ ، وسَمِح ، وامرأة سَمْحَة ، وسَمِحَة ، وهم وهن سِمَاح ، وهم سُمَحَاء " (1)
ومن ذلك وصف الحنفية السمحة .(3/10)
وما وقع فيه الناظم قد وقع فيه الشعراء من قبل منهم أبو فراس الحمداني عندما قال :
أيا جارنا ما أنصف الدهر بيننا **** تعالى أقاسمك الهموم تعالي
وهو بكسر اللام وصوابه بالفتح ولهذا قال ابن هشام ومن ثم لحنوا قائله ا 0 هـ
مع الكسر ان الكسر لغة ضعيفة عد أهل الحجاز (2) .
_____________________________________________________
(1) أخطاء لغوية معاصرة د 0 عبدالله العبادي ص58 ، وانظر الوسيط (1/451) ،ومعجم لاروس ص640 .
(2) شرح قطر الندى ص46 .
6-ومقامه المحمود أشرف رتبة ... **** ... وله الوسيلة عن بني الإنسان
قوله ( ومقامه المحمود ) أي الشافعة العظمى للفصل بين الخلائق كما سبق هذا هو المشهور .
وقال مجاهد أن المقام المحمود هو أن يُجلس الله نبيه معه على عرشه (1) .
وقوله ( وله الوسيلة ) وهي المنزلة التي في الجنة ولا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ونسأل الله أن تكون للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأن من سألها له حلت له الشفاعة (2) .
_____________________________________________________
(1) تفسير القاسمي (10/269) ، وقد شفع الواحد على القائل به أولي بحث في هذه المسألة ذكرت أقوال الأئمة في المقام المحمود ومن الذي مشى على قول مجاهد .
(2) للحديث الذي رواه مسلم 284 ، أبو داود (523) والترمذي (3619) ، والنسائي ( 2/25) .
وانظر ما قاله القرطبي في المفهم (2/13) ، وعياض في شرحه على مسلم (2/252) .
7- وسألتك اللهم بالاسم الذي ... ... **** ... حسنت محاسنه بلا نكران
قوله ( اللهم ) منادى مبني على ضم الظاهر على الهاء في محل نصب حذف منه حرف النداء ، وعوض عنه الميم , ويجوز مع ياء النداء في ضرورة الشهر عند البصر بين .
قال ابن مالك :
والأكثر اللهم بالتعويض **** وشذ يا اللهم في قريض
وأما الكوفيون فقد جوزوا الجمع بينهما ولو في غير ضرورة لأن الميم ليس عوضاً من الياء على رأيهم (2) .(3/11)
وأما قوله ( بالاسم الذي حسنت محاسنه ) فهو الاسم الأعظم لما يدل عليه البيت الذي عليه .
واختلفوا في تعيينه على أقوال كثيرة وأشهر القوال :
ا- ... ان الاسم الأعظم هو الحي القيوم لحديث أبي أمامة مرفوعاً " اسم الله العظم في سور من القرآن ثلاث : في البقرة وآل عمران ، وطه " وهذا رأي شيخ الإسلام (3) وتلميذه ابن القيم (4) وإليه مال الناظم القرني كما يظهر .
_____________________________________________________
(1) حاشية الصاوى على الأشموني (3/146) ، حاشية الخضري على ابن عقيل (2/75)
وانظر الخلاف بين سيبويه والنحاة في وصف اللهم في حاشية الحمصى على شرح التصريح (2/173) ، والمقتضب للمبرد (4/239)
(2) همع الهوامع للسيوطي (2/48).
(3) الفتاوى (18/311).
(4) مختصر الصواعق (1/119) .
8- فإذا دعيت به أجبت وإن تسل ... **** ... أعطيت سئل الملحف الولهان
وفي هذا البيت ما يدل على ميل المؤلف إلى ان الاسم الأعظم هي الحي القيوم لحديث أنس – رضي الله عنه – قال : كنت جالساً مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ورجل يصلي فقال : " اللهم أني أسألك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت ، المنان ، بديع السموات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم .
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى (1) .
وقول الناظم ( الملحف ) اسم فاعل من ألحف إذا ألح في المسألة (2) وقال تعالى : { لا يسألون الناس إلحافاً } (3) ، ومعنى ألحف أي دعا حتى غطى نفسه بذلك أشبه باللحاف الذي يغطى به الإنسان نفسه (4) .
والولهان مأخوذ من الوله وهو ذهاب العقل والمراد هنا من هو شديد التعلق بربه حتى أسلمه تعلقه إلى الوله وهو ذهاب العقل (5) .
_____________________________________________________
((3/12)
1) رواه النسائي (3/52) ، وأبو داود (2/79)، وأحمد (3/120،158) ، وابن حبان رقم (2382) ، والحاكم في المستدرك (1/503) وصححه ووافقه الذهبي .
(2) المحيط (3/104) .
(3) البقرة 273.
(4) تهذيب اللغة (5/70) .
(5) المحيط (4/65) .
9- يا حي يا قيوم يا ذا الطول يا ... **** ... ذا العرش يا فرد فمالك ثاني
ومعنى الحي الموصوف بالحياة الكاملة الأبدية التي لا يلحقها موت ولا فناء ، لأنها ذاتية له سبحانه ، وكما أن قيوميته مستلزمة لسائر صفات الكمال الفعلية فكذلك حياته مستلزمة لسائر صفات الكمال الذاتية من العلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والعزة والكبرياء والعظمة ونحوها ، فالحي والقيوم متضمنان لصفات الكمال وهما القطبان لأفق سمائها فلا تتخلف عنها صفة منها أصلاً .
ومن أسمائه الحسنى سبحانه ( القيوم ) وهو مبالغة من قام وله معنيان :
أحدهما : أنه القائم بنفسه المستغني عن جميع خلقه فلا يفتقر إلى شيء أصلاً لا في وجوده ، ولا في بقائه ، ولا فيما اتصف به من كمال ، ولا فيما يصدر عنه من أفعال ، فإن غناه كما قدمنا ذاتي له فلا يطرأ عليه فقر أو حاجة .
والثاني : أنه الكثير القيام بتدبير خلقه ، فكل شيء في هذا الوجود مفتقر إليه فقراً ذاتياً أصيلاً لا يمكن أن يستغني عنه في لحظة من اللحظات ، فهو مفتقر إليه في وجوده أولاً وفي بقائه بعد الوجود ، فهو الذي يمده بأسباب البقاء ، فلا يقوم شيء في الوجود كله إلا به ، فهو دائم التدبير والرعاية لشؤون خلقه ، لا يمكن أن يغفل عنهم لحظة وإلا اختل نظام الكون وتحطمت أركانه ، قال تعالى : { قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن } (1) وقال { إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده } (2) .
_____________________________________________________
(1) الأنبياء 42 .
(2) فاطر 41 .
قال ابن القيم :
هذا و من أوصافه القيومُ **** والقيوم في أوصافه أمرانِ(3/13)
إحداهما القيوم قام بنفسه **** والكون قام به هما الأمران
فالأول استغناؤه عن غيره **** والفقر من كل إليه الثاني
والوصف بالقيوم ذو شأن كذا **** موصوفة أيضاً عظيم الشان
والحى يتلوه فأوصاف الكمال **** هما لأفق سمائها قطباَ
فالحى والقيوم لن تتخلف **** الأوصاف أصلا عنهما ببيانِ
وأما ( ذو الطول ) فقد يقال أنه من باب الخبر والثناء وقد يقال انه اسم وقد تبع فيه الخطابي والبيهقي وابن العربي وابن الوزير (2)
وأما معناه فقد قال قتادة ( ذى الطول ) أي : ذي النعم (3) ، وفيه أقوال أخرى (4)
قال ابن كثير :
قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني السعة والغني ، وهكذا قال مجاهد وقتادة ، وقال يزيد الأصم ذي الطول يعني الخير الكثير ، وقال عكرمة { ذي الطول } ذي المن ، وقال قتادة ذي النعم والفواضل ، والمعنى أنه المتفضل على عباده المتطول عليهم بما هم فيه من المنن والأنعام التي لا يطيقون القيام بشكر واحدة منها { وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها } الآية (5) .
_____________________________________________________
(1) مع شرح هراس (2/110) ، والدر المصون للسمين (1/612) ، والوسيط للواحدي (1/367) ، والسعدي ص127 ، وابن عطية (2/379) ، وابن الجوزي (1/302) .
(2) معتقد أهل السنة للتميمى ص234 .
(3) تفسير الطبري (24/28) .
(4) ذكرها ابن عطية في تفسيره (63/7) ، وابن الجوزي (7/207) ، والماوردي (5/142) ، والسمرقندي (3/191) ، والنسفى (3/197) .
(5) تفسير ابن كثير (5/182) .
وأما ( ذو العرش ) فيقال فيه ما قيل في ذي الطول فقد ذهب إلى أنه من الأسماء الحليمي ، والبيهقي ، وابن الوزير (1) .
والعرش هو الجسم المخلوق الذي السماوات السبع والأرضون فيه كالدنانير في الفلاة من الأرض (2) .
وللمفسرين تأويلان في الآية (3) .
وأما الفرد فقد سبق الكلام عليه .
_____________________________________________________
(1) معتقد أهل السنة للتميمي ص234 .
((3/14)
2) تفسير ابن عطية (13/17) .
(3) زاد المسير (7/210) ، وانظر تفسير الماوردي (5/147) ، والسمرقندي (3/163) ، النسفي (3/203) .
10- هيئ لنا من أمرنا رشدا إذا ... **** ... دجت الخطوب بليلها الفتان
وقوله ( هيئ لنا من أمرنا رشداً ) أي يسر لنا كل موصل إلى الرشد ، وأصلح لنا أمر ديننا ودنيانا ، وهيئ مأخوذ من قولك هيأت الأمر فتهيأ .
والرشد والرشاد نقيض الضلال وفي تفسير اللفظ وجهان : الأول : التقدير وهيئ لنا أمراً ذا رشد حتى نكون بسببه راشدين مهتدين .
الثاني : اجعل أمرنا رشداً كله كقولك رأيت منك رشداً (1)
وقوله ( إذا دجت الخطوب بليلها الفتان ) أي أن المصائب قد شملت وسبغت وعمت ، ثم وصف الناظم الليل بالفتان لأن الليل عماية و النهار هداية ، والعماية سبب الفتنة والضلال .
وقد وصف ابن القيم في نونيته جهم بن صفوان بالكاذب الفتان وهو الشديد الفتنة وهي خداع الناس وتضليلهم فقال :
إن كنت كاذبة الذي حدثتني **** فعليك آثم الكاذب الفتان (2)
وقوله ( دجت ) مأخوذ من دجى عليه ثوبه : أي سبع (3) و دجا الرجل المرأة إذا جامعها ، فيه الخطوب حال اشتباكها فقال للدلالة على ذلك إذا دجت وحذف المشبه به على سبيل الاستعارة المكنية .
ثم في كلام المؤلف مناسبة جميلة وهي أنه لوجود الخطوب والمحن دعا الله أن يهيئ له من أمره رشداً كما فعل أصحاب الكهف لما أرادوا التخلص من الفتنة (4)
_____________________________________________________
(1) تفسير الرازي (21/70) .
(2) شرح هراس (1/25) .
(3) المحيط لابن عباد (7/159) .
(4) انظر نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي (12/18) .
11- نونية القرني أشرق نورها ... **** ... عينان فيها للهدى نونان
( نونية ) سبق الكلام عليها في المقدمة .
( والقرني ) سبق الكلام عليه .
وقوله أشرق نورها يحتمل ثلاثة أمور :(3/15)
الأول : ان هذه القصيدة كانت موجودة عنده منذ زمن ثم أظهرها كما يقال للشمس الغائبة حينما تظهر أشرقت .
الثاني : أشرق نورها أي خروجها إلى الوجود كخروج اليوم إلى الدنيا وعليه فلا حاجة إلى سوق المبررات الآنية وإن أفادت في غيره من المواطن .
الثالث: أنها أشرقت لقوة معانيها تشبيهاً لها بضوء الشمس القوي الذي إذا ظهر أمات كل ضوء ، وأعدم كل نور ، وكذلك هذه القصيدة ، فإن قيل هل يصح ان يمدح الناظم نفسه بهذه الطريقة ؟
فالجواب أن هذا المدح ليس منهياً عنه فقد جرى عليه العلماء كابن مالك عندما قال:
وتقتضي رضا بغير سخط **** فائقة ألفية ابن معط .
وقال السيوطي :
فائقة ألفية ابن مالك **** لكونها واضحة المسالك
وقال أيضاً :
فائقة ألفية الوافي **** في العظم والأيجاز واتساق
وللأجهوري المالكي ألفية وقال في أولها فائقة ألفية ابن مالك (1) .
فإن قيل ألا يدخل ذلك في قوله تعالى : { ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى }
فالجواب :
_____________________________________________________
(1) ذكره الخضري في حاشيته على ابن عقيل (1/12)
1- أن هذه تزكية للعمل وليس للنفس .
2- أن مدح النفس يكون مذموماً إذا قصد الرجل به التطاول والتفاخر والتوصل إلى غير ما يحل فقوله تعالى { فلا تزكو أنفسكم } المراد منه تزكية النفس حال كونها غير متزكية والدليل عليه قوله تعالى بعده { هو أعلم بمن اتقى } أما لو كان الإنسان عالماً بأنه حق وصدق فهذا غير ممنوع (1) ولقوله تعالى عن يوسف عليه السلام { إني حفيظ عليم }
وقوله ( عينان فيها للهدى نونان ) فالمراد بالنونين نون النونية ، ونون القرني ، وأما قول ( عينان ) فقد سنه الناظم كمال الهدى بالنونية بكمال الإبصار بالعينين وذلك لما احتوت عليه القصيدة من المعاني .
_____________________________________________________
(1) النجم 32 .
(2) تفسير الرازي (18/129) .(3/16)
12- نسجت بعون الله من برد الهدى **** قد جاء هذا الفيض من حسان
قوله ( نسجت ) النسج معروف ، وعامله النساج ، والشاعر ينسج الشعر (1)
وقوله ( بعون) أي مستعيناً بالله فالبار للاستعانة (2) .
وقوله ( من برد الهدى ) شبه الهدى بما يحله من دفء الإيمان بالبرد الذي يكسى الإنسان (3) فيحميه وإضافة المشبه له إلى المشبه من باب لجين الماء وهو فرع من فروع التشبيه البليغ .
( والفيض ) هو الكثير ، والغيض : القليل (4) ، وفاض أي المال إذا سال (5) ، فشبه الناظم شعره بسيلان الماء بجامع أن كلا منهما غزير وصاف ليس فيه ما يشوبه لأنه تكلم عن عقيدة صافية وفي تتابع الخواطر وعدم انقطاعها كسيلان الماء المتصل ، وفي عذوبة الألفاظ وحلو المعاني ما يشبه الماء أيضاً ، وفي قوة الحجة واندفاعها على الخصم كسيلان الماء فهو مشبه بالماء من وجوه عديدة .
( وحسان ) هو : حسان بن ثابت بن المنذر (6) : بن حرام بن عمرو بن زيد بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي ثم النجاري ، _____________________________________________________
(1) المحيط (7/14) ، وتهذيب اللغة (10/591) .
(2) الرسالة الكبرى في البسملة ص3 للصبان ص45
(3) هذا إذا كان بضم الباء كما في المحيط (9/296) ، وتهذيب اللغة (14/014) .
(4) المحيط (1/51).
(5) التهذيب (12/77) .
(6) أسد الغاية ت (1123) ، التاريخ لابن معين (2/107) ، تاريخ خليفة (202) ، التاريخ الكبير (3/29) ، الجرح والتعديل (3/233) ، الأغاني (4/134-169) ، تهذيب الكمال (6/16) ، تهذيب التهذيب (2/247-248) ، خلاصة تهذيب الكمال 75، شذرات الذهب (1/41،60) ، الاستيعاب على حاشية الإصابة (1/335) .
شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وأمه الفريعة - بالفاء والعين المهملة مصغراً – بنت خالد بن حبيش بن لوذان ، خزرجية أيضاً .
أدركت الإسلام فأسلمت وبايعت . وقيل : هي أخت خالد لا ابنته .(3/17)
يكنى : أبا الوليد ، وهي الأشهر ، وأبا المضرب ، وأبا الحسام ، وأبا عبدالرحمن .
روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث ، روى عنه سعي بن المسيب ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعروة بن الزبير ، وآخرون .
قال أبو عبيدة : فضل حسان بن ثابت على الشعراء ثلاث : كان شاعر الأنصار في الجاهلية ، وشاعر النبي - صلى الله عليه وسلم - في أيام النبوة ، وشاعر اليمن كلها في الإسلام ، وكان مع ذلك جباناً .
وفي الصحيحين من طريق سعيد بن المسيب قال : مرّ عمر بحسان في المسجد وهو ينشد فلحظ إليه فقال : كنت أنشد وفيه من هو خير منك ، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال : أنشدك الله ، أسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول :" أجب عني " ، اللهم أيده بروح القدس " (1)
والجمهور على أنه عاش مائة وعشرين سنة .
فإن قيل لماذا ذكر الناظم أن فيضه قد حار من حسان ؟
___________________________________________________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك (3/335) عن عبدالله بن عمر بلفظه وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي والنسائي (2/48) كتاب المساجد باب 24 الرخصة في إنشاد الشعر الحسن في المسجد حديث رقم 716 ، وأحمد في المسند (2/269)، البيهقي في السنن الكبرى (2/448) ، (10/126،237) وعبد الرزاق في المصنف حديث رقم 20509 .
فالجواب :
1- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لحسان فقال : اللهم أيده بروح القدس فأراد متابعته للدخول معه في النصرة التي سألها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
2- إما لأن حسان كان شاعر اليمن والناظم من قحطان فاشتركا نسباً (1) .
3- أو أن حساناً شاعر إسلامي فكذلك الناظم .
_____________________________________________________
(1) فحسان خزرجي والخزرج في بطن من الأنصار وهم من قحطان كما في الأنساب (5/109).
13- شرفت عن الإطراء صدق قولها ... **** ... وحديثها قبس من القرآن(3/18)
ومعنى البيت أن هذه القصيدة شرفت عن الإطراء والمدح لأنها مأخوذة من الكتاب العزيز لقول الناظم ( وحديثها قبس من القرآن ) .
ويقتبسها أي يأخذها (1) ، وهذا هو موضع الإطراء فيها إذ أنها مأخوذة مما تعالى عن الإطراء وهو القرآن ومن ثم فقد كان للتابع حكم المتبوع في التعالي عن الإطراء .
_____________________________________________________
(1) تهذيب اللغة ( 8/419) .
14- ما لامرء القيس المضلل لوثه ... **** ... فيها ولا الأعشى ولا القباني
لما ذكر الناظم أن قصيدته ماخوذة من قبس القرآن معنى ومن قبض حسان نظماً ؟
أراد أن ينفي أي لوثة لشعراء الضلال فيها .
فإن قيل ألا يكفي البيت السابق في إثباته أنها من القرآن ؟
فالجواب :
ان الإثبات لا يمنع غيره بخلاف الجمع بين النفي والإثبات (1) . ، ولأنها نظم فشابهت ما وقع في النظوم فأبان إختلفها في غرضها وما اشتملت عليه عن أغراض الشعراء الممقوتة الذي جاء فيها قوله تعالى { والشعراء يتبعهم العادون } فكأنها نظم لها وصف الحكمة الثابت في قوله - صلى الله عليه وسلم - " إن من الشعر لحكمة " وانتفى عنها وصف الضلالة الثابت في الآية السابقة وأتى تأكيدا للنفي بمخالفة هدى كبرائهم .
ثم ذكر ثلاثة من الشعراء اشتهروا بالمجون والضلالة وهم :
أ امرؤ القيس (2) من 497م إلى 545م وهو :
امرؤ القيس ابن حجر بن الحارث الكندي (3) ، أشهر شعراء العرب على الإطلاق ، يمانيّ الأصل ، مولده بنجد ، أو بمخلاف السكاسك باليمن ، اشتهر بلقبه ، واختلف المؤرخون في اسمه ، فقيل حُنْدُج وقيل مليكة وقيل عديّ ، وكان أبوه ملك أسد وغطفان وأمه أخت المهلهل الشاعر ، ثم جعل ينتقل في أحياء العرب ،يشرب ويطرب ويغزو ويلهو ، إلى ان ثار بنو أسد على أبيه وقتلوه ، فبلغ ذلك امرأ القيس وهو جالس للشراب فقال : رحم الله أبي ! ضيعني صغيراً وحملني دمه
_____________________________________________________
((3/19)
1) انظر تقريب التدمرية للعلامة لعثيمين ص20 .
(2) الشعر والشعراء لابن قتبة (1/107) ، الأعلام للزركلي (2/11) ، وأدباء العرب لبطرس البستاني (1/97) ، الأغاني ( 9/84) .
كبيراً ، لا صحو اليوم ولا سكر غداً! اليوم خمراً وغداً أمر ! ، ونهض من غده فلم يزل حتى ثأر لأبيه من بني أسد ، وقال في ذلك شعراً كثيراً .
وكانت حكومة فارس ساخطة على آباء امرئ القيس فأوعزت إلى المنذر ( ملك العراق ) بطلب امرئ القيس ، فطلبه ، فابتعد ، وتفرق عنه أنصاره ؛ فطاف قبائل العرب حتى انتهى إلى السموأل ، فأجاره . فمكث عنده مدة ثم رأى أن يستعين بالروم على الفرس فقصد الحارث ابن ابي شمر الغساني ( والي بادية الشام ) فسيره هذا إلى قيصر الروم في القسطنطينية فوعده ومطله ثم ولاه آمرة فلسطين ولقبه بالوالي (1) .
ووصف الناظم امرىء القيس بالمضلل لأنه لقبه ولقب بذلك لأنه ترك ملكه وتوجه إلى قيصر يطلب منه جيشاً يأخذ به ثأر أبيه من بني أسد وقد قال الشاعر :
ولم ترد على الضليل صحته **** ولا ثنت أسداً على ربها حُجُر
قال النويرى : الضليل الذي أشار إليه هو امرؤ القيس ثم ذكر سبب لقبه (2) .
أما الأعشى ت سنة 629هـ فهو :
ميمون بن قيس بن جندل ، من بني قيس بن ثعلبة الوائلي ، أبو بصير ، المعروف بأعشى قيس ، ويقال له أعشى بكر بن وائل ، والأعشى الكبير : من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية ، وأحد أصحاب المعلقات . كان كثير الوفود على الملوك من العرب والفرس ، غزير الشعر ، يسلك فيه كل مسلك ، وليس لأحد ممن عرف قبله أكثر شعراً منه . وكان يعني بشعره فسمي " صَنَّاجة العرب " .
_____________________________________________________
(1) وإذا أطلق فإنه ينصرف أبى الكندي ، وهناك امرؤ القيس الأول والثاني والثالث ، فانظر ترجمتهم في الاعلام (2/12) .
(2) نهاية الأرب للنويرى (5/190) ، معجم ألقاب الشعراء للعاني ص226(3/20)
قال البغدادي : كان يفد على الملوك ولا سيما ملوك فارس ولذلك كثرت الألفاظ الفارسية في شعره .
عاش عمراً طويلاً ، وأدرك الإسلام ولم يسلم ولقب بالعشى لضعف بصره وعمي في أواخر عمره .
مولده ووفاته في قرية " منفوحة " باليمامة قرب مدينة " الرياض " وفيها داره ، وبها قبره . أخباره كثيرة ، ومطلع معلقته :
ما بكاء الكبير بالأطلال **** وسؤالي وما ترد سؤالي (1)
ولقب بذلك لضعف بصره (2) .
وأما القباني :
_____________________________________________________
(1) الأعلام (7/341) ، ومعاهد التصنصيص (1/196)، الشعر والشعراء (1/257)، والأغاني (9/121) ، وخزانة الأدب (1/84) .
(2) معجم ألقاب الشعراء للعاني ص24 .
15- وعكاظ لم تسمع بمثل دوبها ... **** ... نسخت قريض النابغ الذبياني
وامتدح الناظم هنا قصيدته بأن عكاظ لم تسمع مثلها ولا قوتها .
وعكاظ هي المعرض العربي العام أيام الجاهلية ، معرض بكل ما لهذه الكلمة من مفهوم لدينا نحن أبناء هذا العصر : فهي مجمع أدبي لغوي رسمي ، له محكمون تضرب عليهم القباب ، فيعرض شعراء كل قبيلة عليهم شعرهم وأدبهم ، فما استجادوه فهو الجيد ، وما بهرجوه فهو الزائف .
وحول هذه القباب الرواة والشعراء من عامة الأقطار العربية ، فما ينطق الحكم بحكمه حتى يتناقل أولئك الرواة القصية الفائزة فتسير في أغوار الجزيرة وأنجادها ، وتلهج بها الألسن في البوادي والحواضر . يحمل إلى هذه السوق التهامي والحجازي والنجدي والعراقي واليمامي واليمني والعماني ، كل ألفاظ حية ولغة قطره ، فما تزال عكاظ بهذه اللهجات نخلاً واصفاء حتى يتبقى الأنسب الرشق ويرح المجفو الثقيل (1) .
وقوله ( نسخت قريض النابغ الذبياني ) أي نسجت على منواله في الحسن وسلامة العبارة وصحة الغرض غير أنها لاحقة وهو سابق فكانت كالناسخة لما جاء به لاشتراط التأخر في الناسخ .
والقريض هو الشعر ومنه قول المتنبي :(3/21)
وشعر مدحتُ به الكركرنّ **** بين القريض وبين الرقى (2)
_____________________________________________________
(1) أسواق العرب لأفغاني ص277 ، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (7/377) .
(2) ديوان المتنبي بشرح العكبري ص43 ، والعرف الطيب ص566 ، والمحيط (5/249)، والتهذيب (8/340) .
والنابغة الذبياني ( ت سنة 604م ) هو :
زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري ، أبو أمامة : شاعر جاهلي ، من الطبقة الأولى من أهل الحجاز كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ فتقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها .
وكان الأعشى وحسان والخنساء ممن يعرض شعره على النابعة وكان أبو عمرو ابن العلاء يفضله على سائر الشعراء وهو أحد الأشراف في الجاهلية .
وكان حظياً عند النعمان بن المنذر ، حتى شبب في قصيدة له بالمتجردة ( زوجة النعمان ) فغضب النعمان ، ففر النابغة ووفد على الغسانيين بالشام ، وغاب زمناً ثم رضى عنه النعمان ، فعاد إليه (1) .
واختلف في السبب الذي من اجله لقب بالنابغة على قولين :
1- أنه لقوله : فقد نبغت لنا منهم شؤون (2) .
2- انه بسبب نبوغه في الشعر بعدما كبر في السن (3) .
_____________________________________________________
(1)
(2) الأغاني (11/3) ، أدباء العرب للبستاني (1/185)، ألقاب الشعراء ص
(3)(3/22)
16- كالسيف جُرِّد مُصْلتاً يهوي على **** هام الأراذل ثلةِ الخسران
لا زال كلام الناظم في وصف قصيدته حيث شبهها هنا بالسيف الذي جُرَّد من غمده إشارة منه إلى بدء معركته مع الخصوم، وكمال استعداده لها، ثم بين ان هذا السيف مصلت أي أملس لكي يكون أمضى في الضرب(1) ،وتتمة البيت فيه بيان لمحل استخدام السيف حيث جعله على هام الأراذل ،والهام هم جماعة من الناس بعد جماعة(2) أي أنهم كثيرون كما بين ذلك بقوله ثلة لأن معناها جماعة من الناس كثيرة(3) ويؤيد ذلك قوله تعالى: { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين } (4) حيث قوبل لفظ (ثلة) بلفظ (قليل) للإشارة إلى ان الثلة أكثر منه وهذا التفسير للثلة على أحد القولين عند أهل اللغة وعليه جرى ابن عباد كما نقلناه عنه ،والقول الثاني ان الثلة اسم للجماعة من الناس مطلقاً قليلاً كانوا أو كثيراً، وهذا هو قول الفراء وأهل اللغة والراغب وصاحب لسان العرب وصاحب القاموس والزمخشري في الأساس ،وقال الزمخشري في الكشاف إن الثلة :الأمة الكثيرة من الناس ومحمله على أنه أراد به تفسير معناها في هذه الآية لا تفسير الكلمة في اللغة(5) ثم أضافها الناظم إلى الخسران وسيأتي أنهم أهل البدع
____________________________________________________________
(1) المحيط (8/120) ، وتهذيب اللغة (12/135) .
(2) المحيط (4/85) .
(3) المحيط (10/127) .
(4) سورة الواقعة ، 13 – 14
(5) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/290) ، وتفسير الرازي (29/130) ، وتفسير الألوسي (27/134) .
17 - في كَفِ صنديدٍ له من بأسه **** يوم الوغى وثباتِه درعان
بعد أن ذكر الناظم في البيت السابق ان القصيدة كالسيف ، والسيف لابد له من حامل قد يُتوهم أن حامله لا يكون ذا صنعة في حمله ، ولا ذا معرفة في المبارزة به كما قال المتنبي :
وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا **** إذا لم يكن فوق الكرام كرام
وقال المتنبي أيضاً :(4/1)
إن السلاح جميع الناس تحمله **** وليس كل ذوات المخلب السبع
دفع الناظم هذا الوهم بقوله ( في كف صنديد ) وجمعه صناديد وهم السادات ، والأجواد ، وحماة العسكر(1).
وتتمة البيت بيان من الناظم أن له درعين ، درعاً لثباته حيث يستعين به على الإقدام ، ورد كيد الخصوم ، ودرعاً آخر لما يجده من البأس والمشقة والمحن فيدفعها بهذا الدرع .
والوغى : الحرب (2) ، وقد ذكرنا ان حرب الناظم مع أهل البدع والضلالة فسيفه قلمه ، والدرعان هما درع العلم ، ودرع الإيمان والتقوى فبالدرع الأول يستعين على رد كيد الخصوم ، وبالدرع الثاني يستعين على نوائب الأيام وما أكثرها .
_______________________________________________
(1) التهذيب (12/144) .
(2) المرجع السابق (8/223) .
18- كعصا كليم الله تلقفُ كُلَّما **** صنعوا من التدجيلِ والبهُتْانِ
في هذا البيت شبه الناظم سيفه بعصا موسى عليه السلام بجامع محو الدجل أي الكذب(1) والبهتان والباطل دوماً لدلالة كلما عليه حيث انه لفظ مؤلف من (كل) ومن ( ما ) المصدرية الظرفية وهي أداة تفيد التكرار في جملة واحدة ولا يليها إلا الفعل الماضي في أغلب الأحيان(2) فكلما صنعوا باطلاً فإن سيف الناظم أي قلمه سوف يكون لهم بالمرصاد .
_______________________________________________
(1) المحيط (7/44) .
(2) المعجم المفصل في الإعراب د 0 إميل ص354 .
19- سلفيةُ تهوي على قِرن الوغى **** بالطعنِ قَبْل تطاعنِ الأقرانِ
في هذا البيت وصف الناظم القصيدة بكونها سلفية ( فسلفية ) خبر لمبتدأ محذوف تقديره القصيدة ، ومراده مضمونها حيث حوت معتقد السلف وطريقتهم .
وقوله ( قرن ) بكسر القاف من يقاوم في بطش أو قتال(1) أو هو الكفء في الحرب(2).(4/2)
وقوله ( بالطعن قبل تطاعن الأقران ) أي ان القصيدة سوف تهوي وتسقط على أهل الباطل قبل تطاعن الأقران ،كناية عن سرعة ضربه الخصوم لكون ذلك من المسارعة في الخيرات ،وفي البيت تفضيل الناظم نفسه على الخصوم بحسن التدبير ، ودقة الرأي قبل أن يصرح القتال .
____________________________________________________
(1) المحيط (5/388) .
(2) شرح البرقوفي على المتنبي (4/308 ) .
20- حُبِكَتْ برأيِ بالسدادِ مُتوَّجُ **** والرأيُ قبل شجاعةِ الشجعانِ
لما ذكر الناظم في البيت السابق سرعة انتصاره على أهل الباطل قد يظن الظان ان هذه الشجاعة الصادرة منه لم تصدر عن عقل راجح ، ومعرفة تامة فدفع هذا الظن بقوله ان طعنه في الخصوم بسرعة مبني على الرأي المسدد لا على التهور والعجلة ، وضعف البصيرة ، وقلة البضاعة .
وقوله ( حبكت) مأخوذ الحبْك وهو إجادة النسج ، وإتقان الصنع (1) وهو المعنى الذي ذكرناه .
والشطر الثاني من البيت مأخوذ من قول المتنبي ومراده ان العقل مقدم على الشجاعة فان الشجاعة إذا لم تصدر عن عقل أتت على صاحبها فأهلكته (2).
والشطر الثاني من البيت السابق مأخوذ من قول المتنبي لكن استبدل الناظم (بالطعن) بدلاً من قول المتنبي ( بالرأي ) .
____________________________________________________
(1) التحرير والتنوير (26/341) .
(2) شرح المتنبي للواحدي (2/847) ، والبرقوقي (4/307) .
21- أرمي بها أهلَ الضلالِ من الألى **** ضجوا ببدعتهم مَعَ الشنئانِ
بعد أن انتهى الناظم من وصف النونية بعدة أوصاف في عشرة أبيات سابقة فإن السؤال الذي سيرد إلى الأذهان : إلى من ستوجه هذه القصيدة ؟ ومن الذي سيحاربهم الناظم ؟ وما هو سبب المعركة ؟ فأجاب في هذا البيت ان المقصودين هم أهل الضلال الذين ضجوا أي صاحوا(1) ببدعتهم مع الشنئان أي مع بغضهم(2) ويحتمل أمرين :
الأول : بغض المؤلف لهم أي يرميهم وهو يبغضهم .(4/3)
الثاني : بغض أهل البدع للمؤلف والمعنى انه سيرمهم ومع الرمي سيزول بغضهم ضرورة كونهم قد زالوا وانقضوا .
وأما البدعة فضابطها التعبد لله بما لم يشرعه الله ، وإن شئت فقل : التعبد لله بما ليس عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا خلفاؤه الراشدون(3).
________________________________________
(1) المحيط (6/385) .
(2) التهذيب (11/421) .
(3) المجموع الثمين للعلامة العثيمين ص29 .
22- فإلاهُنا الرحمنُ جَلَّ جلالُه **** وإمامُنا المبعوثُ ذو الفرقان
في هذا البيت يبين المؤلف ان ثقته السابقة من النصر ، ورميه أهل الضلال سببه أمران :
الأول : ان معبوده الحق هو الرحمن الذي بيده ملكوت كل شيء فالمستعين به منصور بلا شك .
قال تعالى : { إنهم لهم المنصورون ، وإن جندنا لهم الغالبون } [ الصافات : 172] وأما المبطلون فإنهم مهزومون لكون اعتمادهم على أهوائهم وعقولهم .
ومن استعان بغير الله في طلبٍ **** فإن ناصره عجز وخذلان
الثاني : إن قدوته في ذلك هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي فرق بين الحق والباطل فاتِّباعه له سبب في النصرة وهذان عُرفا من قول المؤلف ( فإلاهنا ) فإن الفاء للعلة كما في الحديث ( اعتقها فإنها مؤمنة ) فترتيب الحكم على الوصف بالفاء يدل على الِعلَّية كما يقول الأصوليون .
23 – وصحابة المختار أفضلنا وهم **** نور الدجى ونجوم كل زمان
في هذا البيت إشارة من المؤلف إلى أن منهجه تبع لما عليه الصحابة ، والتابعون كما في البيت القادم ، وما عليه أئمة السلف كما في الأبيات القادمة .
وقوله ( وصحابة المختار ) أي صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو المختار من رب العالمين والذي ختم به الرسالات .
والصحابي هو من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمناً به ، ومات على الإسلام ، ولو تخللت ردة في الأصح(1) .
قال شيخ الإسلام في الواسطية :(4/4)
ومن نظر في سيرة القوم بعلمٍ وبصيرةٍ ، وما منَّ الله عليهم به من الفضائل ؛ علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء ، لا كان ولا يكون مثلهم ، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله(2)
( ونور الدجى ) وصف للصحابة ، والدجى : الظلمة(3).
وقوله ( نجوم كل زمان ) أي لديمومة اتباعهم ، وعدم الخروج عن مسلكهم وطريقتهم ، وتشبيه الصحابة بالنجوم مأخوذ من الحديث الصحيح الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - : " النجوم أمنةٌ للسماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماءَ ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي ، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنةٌ لأمتي
____________________________________________________
(1) نزهة النظر للحافظ ابن حجر ص149 .
(2) الواسطية مع التنبيهات السنية لعبدالعزيز الرشيد ص321 .
(3) التهذيب (11/162) .
فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يُوعدون .
و ( قوله : " النجوم أمنة للسماء " أي : ما دامت النجومُ فيها لم تتغير بالانشقاق ، ولا بالانفطار ، فإذا انتثرتْ نجومها ، وكورت شمسها ، جاءها ذلك ، وهو الذي وعدت به .
و ( قوله : " وأصحابي أمنة لأمتي " ) يعني : أن أصحابه ما داموا موجودين كان الدينُ قائماً ، والحق ظاهراً والنصرُ على الأعداء حاصلاً ، ولما ذهب أصحابه غلبتِ الأهواء ، وأديلت الأعداء ، ولا يزال أمرُ لدين متناقصاً ، وجده ناكصاً إلى أن لا يبقى على ظهر الأرض أحد يقول : الله ، الله وهو الذي وعدت به أمته والله تعالى أعلم(1)
وأما ( أصحابي كالنجوم ) فهو حديث لا يصح(2).
_________________________________________________
(1) شرح القرطبي على مسلم (6/485) والابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج للغماري ص207 .
(2) انظر الكلام عليه في :
موافقة الخُبر الخَبر للحافظ ابن حجر (1/145) والتلخيص الحبير (4/209) ، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة رقم 58 : إنه موضوع .(4/5)
24-والراشدون معالم مرضية **** وهم الهداة وشامة البلدان
قوله ( والراشدون ) من باب عطف الخاص على العام .
وقوله ( هم الهداة ) أي هداية الدلالة والبيان والإرشاد لا هداية التوفيق والإلهام الذي لا يقدر عليه غير الله عز وجل .
والقسم الأول يقدر عليه الرسل وأتباع الرسل ممن يجعله الله سبباً لهداية شخص أو أشخاص . قال الله تعالى : ( ولكل قوم هاد ) وقال : ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) وقال - صلى الله عليه وسلم - لعلي رضي الله عنه " لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم " .
ومن هذا القسم قوله تعالى: { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } أي بينا لهم ودللناهم وأرشدناهم فلم يهتدوا وهذه التي بعثت بها الرسل لتدل الأمم إليها وتدعوهم إلى قبولها فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة .
وأما القسم الثاني : فلا يقدر عليه إلا الله مختص بمن يشاء الله هدايته ودليله قوله تعالى : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } وقوله { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } وهذه خاصة يتفضل بها على من يشاء من عباده وهو أعلم بالمهتدين(1)
وقوله ( شامة البلدان ) مأخوذ من الوشم وهو ما توشم به اليد ونحوها(2).
________________________________________________
(1) الكواشف الجلية للسلمان ص21 .
(2) المحيط (7/397) .
وهي تلصق في اليد ويصعب إزالتها ، والجامع بينهما ان الخلفاء الراشدين شامة البلدان فيصعب أن ينكر خلافتهم أحد ولهذا قال شيخ الإسلام : ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله(1)
_________________________________________________
(1) ... الواسطية مع التنبيهات السنية ص309 .
25- والتابعون لهم بإحسان على **** مر العصور منائر الرضوان
والتابعي هو من لقي الصحابي كما قال الحافظ في النخبة.(4/6)
والاحسان : هو العمل الصالح . والباء للملابسة . وإنما قيد الناظم التابعين بإحسان ولم يقيده في الصحابه لأن السابقين الأولين ما بعثهم على الإيمان إلا الإخلاص ، فهم محسنون ، وأما الذين اتبعوهم فمن بينهم من آمن اعتزازاً بالمسلمين حين صاروا أكثر أهل المدينة ، فمنهم من آمن وفي إيمانه ضعف وتردد ، مثل المؤلفة قلوبهم ، فربما نزل بهم إلى النفاق وربما ارتقى بهم إلى الإيمان الكامل ، وهم المذكورون مع المنافقين في قوله تعالى : { لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض } فإذا بلغوا رتبة الإحسان دخلوا في وعد الرضى من الله وإعداد الجنات (1)
وقوله ( منائر ) جمع منارة والألف فيها أصلية فالقياس أن يقول : مناور ، كمفازة ومفاوز وفي هذا يقول ابن مالك :
والمد زيد ثالثاً في الواحد **** همزاً يُرى في مثل كالقلائد
إلا أنه سمع شذوداً منائر (2) وعليه فالسماع يصححه والشذود لا يعني عدم الصحة كما هو معلوم ومقرر لكون الشاذ هو ما خالف القياس أي القواعد العامة(3) .
________________________________________________
(1) التحرير والتنوير (11/18) .
(2) حاشية الصبان على ألشموني (4/289) ، والنحو الوافي لعباس حسن (4/763) .
(3) ظاهرة الشذود في النحو العربي د 0 فتحي الرحيني ص33 ، المزهر في اللغة للسيوطي (1/230) .
26- وأئمة السلف الكرام شيوخنا **** كأبي حنيفة الأبي النعمان
يقصد بالسلف على ما قاله السفاريني :
ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وأعيان التابعين لهم بإحسان واتباعهم وأئمة الدين ممن شهد له بالإمامة وعرف عظم شأنه في الدين وتلقى الناس كلامهم خلف عن سلف دون من رمى ببدعة ، أو شهر بلقب غير مرضي مثل الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والجبرية والجهمية والمعتزلة والكرامية ونحو هؤلاء(1) .
وقيل هم من كانوا قبل الخمسمائة ، وقيل القرون الثلاثة الصحابة ، والتابعون ، وأتباع التابعين(2) .(4/7)
وفي هذا البيت بيان من المؤلف وإقرار ان شيوخه هم أئمة السلف ثم بدأ بهم وسنذكر تراجمهم باختصار من غير إشارة إلى المصادر لكثرتها فنكتفي بأعلام الزركلي ، ووفيات ابن خلكان .
فأبو حنيفة ولد سنة 80هـ وتوفى سنة 150هـ .
وهو النعمان بن ثابت ، التيمى بالولاء ، الكوفي ، أبو حنيفة : إمام الحنفية ، الفقيه المجتهد المحقق ، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة قيل : أصله من من أبناء فارس ولد ونشأ بالكوفة . وكان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه ، ثم انقطع للتدريس والإفتاء . وأراده عمر بن هبيرة ( أمير العراقين ) على القضاء ،
________________________________________________
(1) لوامع الأنوار (1/20) .
(2) شرح جوهرة التوحيد للبيجوري ص91 .
فامتنع ورعاً . وأراده المنصور العباسي بعد ذلك على القضاء ببغداد ، فأبى ، فحلف عليه ليفعلن ، فحلف أبو حنيفة أنه لا يفعل ، فحبسه إلى أن مات ( قال ابن خلكان : هذا هو الصحيح ) وكان قوي الحجة ، من أحسن الناس منطقاً ، قال الإمام مالك ، يصفه : رأيت رجلاً لو كلمته في هذه السارية أن يجعلها ذهباً لقام بحجته ! وكان كريماً في أخلاقه ، جواداً ، حسن المنطق والصورة ، جهوري الصوت ، إذا حدث انطلق في القول وكان لكلامه دويّ وعن الإمام الشافعي : الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة .
27- وكمالك وابن المسيب قبله **** مع أحمد قل طاب سفيانان
مالك بن أنس ولد سنة 93هـ وتوفى سنة 179هـ .(4/8)
وهو مالك بن أنس مالك الأصبحي الحميري ، أبو عبدالله : إمام دار الهجرة ، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة ، وإليه تنسب المالكية . مولده ووفاته في المدينة . كان صلباً في دينه ، بعيداً عن الأمراء والملوك ، وشى به إلى جعفر عم المنصور العباسي ، فضربه سياطاً انخلعت لها كتفه . ووجه إليه الرشيد العباسي ليأتيه فيحدثه ، فقال : العلم يؤتى ، فقصد الرشيد منزله واستند إلى الجدار ، فقال مالك : يا أمير المؤمنين من إجلال رسول الله إجلال العلم ، فجلس بين يديه ، فحدثه وسأله المنصور أن يضع كتاباً للناس يحملهم على العمل به ،
وأما سعيد بن المسيب فولد سنة 13 وتوفى سنة 94هـ ولهذا قال الناظم ( وقبله ) أي قبل مالك بن أنس .
وهو سعيد بن المسيب بن حَزْن بن أبي وهب المخزومي القرشي ، أبو محمد : سيد التابعين ، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة ، جمع بين الحديث والفقه والزهد والورع ، وكان يعيش من التجارة بالزيت ، ى يأخذ عطاءاً وكان أحفظ الناس لأحكام عمر ابن الخطاب وأقضيته ، حتى سُمي راوية عمر .
أما الإمام أحمد فقد ولد سنة 164هـ وتوفى سنة 241هـ
وهو أحمد بن محمد بن حنبل ، أبو عبدالله ، الشيباني الوائلي : إمام المذهب الحنبلي ، وأحد الأئمة الأربعة ، أصله من مرو ، وكان أبوه والى سرخس وولد ببغداد . فنشأ منكباً على طلب العلم ، وسافر في سبيله أسفاراً كبيرة إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والثغور والمغرب والجزائر والعراقين وفارس وخراسان والجبال والأطراف .
وفي أيامه دعا المأمون إلى القول بخلق القرآن ومات قبل أن يناظر ابن حنبل ، وتولى المعتصم فسجن ابن حنبل ثمانية وعشرين شهراً لامتناعه عن القول بخلق القرآن ، وأطلق سنة 220هـ – ولم يصبه شر في زمن الواثق وولي أخوه المتوكل ابن المعتصم أكرم الإمام ابن حنبل وقدمه ، ومكث مدة لا يولي أحداً إلا بمشورته ، وتوفى الإمام وهو على تقدمه عند المتوكل .
وأما السفيانان فهما :(4/9)
سفيان الثوري ولد سنة 97هـ ، وتوفى سنة 161هـ .
وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، من بني ثور بن عبد مناة ، من مضر ، أبو عبدالله : أمير المؤمنين في الحديث كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى . ولد ونشأ في الكوفة وراوده المنصور العباسي أن يلي الحكم فأبى ، وخرج من الكوفة ، (سنة 144هـ ) فسكن مكة والمدينة . ثم طلبه المهدي فتوارى وانتقل إلى البصرة فمات فيها مستخفياً .
وسفيان بن عيينة ولد سنة 107هـ ، وتوفى سنة 198هـ .
وهو سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي الكوفي ، أبو محمد : محدّث الحرم المكي . من الموالي . ولد بالكوفة ، وسكن مكة وتوفى بها . كان حافظاً ثقة ، واسع العلم كبير القدر ، قال الشافعي : لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز .
28- والشافعي مع الهمام الأوزعي **** من نسل أوزاعٍ وحمادان
الشافعي ولد سنة 150هـ ، وتوفى سنة 204هـ .
وهو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع الهاشمي القرشي المطلبي ، أبو عبدالله : أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة . وإليه نسبة الشافعية كافة . ولد في غزة ( بفلسطين ) وحمل منها إلى مكة وهو ابن سنتين وزار بغداد مرتين وقصد مصر سنة 199 فتوفي بها ، وقبره في القاهرة . قال المبرد : كان الشافعي أشعر الناس وآدبهم وأعرفهم بالفقه والقراآت . وقال الإمام ابن حنبل : ما أحد ممن بيده محبرة أو ورق إلا وللشافعي في رقبته منة . وكان من أحذق قريش بالرمي ، يصيب من العشرة عشرة ، برع في ذلك أولا كما برع في الشعر واللغة وأيام العرب ، ثم أقبل على الفقه والحديث ، وأفتى وهو ابن عشرين سنة وكان ذكياً مفرطاً .
والأوزاعي ولد سنة 88هـ ، توفى سنة 157هـ .
وهو عبدالرحمن بن عمرو بن يُحْمِد الأوزاعي ، من قبيلة الأوزاع ، أبو عمرو : إمام الديار الشامية في الفقه والزهد ، ولد في بعلبك ، ونشأ في البقاع ، وسكن بيروت وتوفي بها . وعرض عليه القضاء فامتنع .(4/10)
وذكر الحافظ ابن عساكر في " تاريخ دمشق " أن الأوزاعي دخل الحمام ببيروت وكان لصاحب الحمام شغل ، فأغلق الحمام عليه وذهب ، ثم جاء ففتح الباب فوجده ميتاً ، قد وضع يده اليمنى على خده وهو مستقبل القبلة ؛ وقيل إن امرأته فعلت ذلك ، ولم تكن عامدة لذلك ، فأمرها سعيد بن عبدالعزيز بعتق رقبة .
وقوله ( من نسل أوزاع ) الأوزاع : قبيلة من اليمن ، اختلف النسابون فيهم ، فقالوا : بطن من همدان ، من القحطانية وقالوا بطون من حمير ، وقالوا : بطن من ذي الكلاع من حمير وقالوا نسبتهم إلى حمير ، ولكن عدادهم في همدان سموا بذلك لأنهم تفرقوا وقد نزلوا ناحية من الشام فسميت الناحية بهم وهي قرية على باب دمشق من جهة باب الفراديس(1).
وأما الحمادان فهما حماد بن سلمه ، وحماد بن زيد
فحماد بن سلمه توفى سنة 167هـ .
وهو حماد بن سلمة بن دينار البصري الربعي بالولاء ، أبو سلمة : مفتي البصرة ، وأحد رجال الحديث ، ومن النحاة . كان حافظاً ثقة مأموناً إلا أنه لما كبر ساء حفظه فتركه البخاري ، وأما مسلم فاجتهد وأخذ من حديثه بعض ما سمع منه قبل تغيره . ونقل الذهبي : كان حماد إماماً في العربية ، فقيهاً ، فصيحاً مفوهاً ، شديداً على المبتدعة .
وأما حماد بن زيد فولد سنة 98هـ وتوفى سنة 179هـ .
وهو حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي ، مولاهم البصري ، أبو إسماعيل : شيخ العراق في عصره من حفاظ الحديث المجودين يُعرف بالأزرق أصله من سبي سجستان ، ومولده ووفاته في البصرة وكان ضريراً طرأ عليه العمى ، يحفظ أربعة آلاف حديث خرج حديثه الأئمة الستة .
____________________________________________________
(1) ... معجم قبائل العرب لكحالة (1/149) ولب اللباب للسيوطي (2/81) .
29- أما ابن تيمية الإمام فحجة **** سمح الطريقة ساطع البرهان(4/11)
قوله ( أما ) إشارة إلى ان الذين سيأتون وإن كانوا على طريقة السلف من حيث الاعتقاد ، إلا أنهم ليسوا منهم من حيث الزمان كما ذكرنا سابقاً في تعريف السلف اصطلاحاً .
وقوله عن شيخ الإسلام ( سمح الطريقة ) أي سهل(1) الطريقة اتباعاً للشرع القويم فما جعل الله في الدين من حرج ، ولكن بناء شيخ الإسلام كان على أصول وقواعد حتى قيل إنه مجتهد مطلق ، ومن أشهر فتاواه اعتبار الطلاق الثلاث طلقة واحدة فما أحوج الناس اليوم إلى هذا التسهيل والتيسير الموجود في بحر علوم شيخ الإسلام في الوقت الذي كثرت فيه شرور الطلاق ومفاتنه . وقل وازع الناس الديني ، فتحطم بنيان الأسر ، وتشتت شمل الأولاد ، وحصل من الشر ما الله به عليم(2).
وقوله ( ساطع البرهان ) تأكيد لما ذكرناه من انه مع كونه سمح الطريقة إلا انه صاحب برهان ودليل ساطع .
30 – فاعرف أبا العباس حقاً إنه **** زين الشيوخ وقدوة الشبان
وصف الناظم شيخ الإسلام بأنه زين الشيوخ وقدوة الشبان لكي يسلكوا طريقته ويتبعوا نهجه في العلم والتقوى .
____________________________________________________
(1) ترتيب القاموس المحيط (2/608) .
(2) أصول الفقه وابن تيمية للدكتور صالح المنصور (2/803) .
31- لله درك من إمام عارف **** نشر الهدى ولصرح أحمد باني
( لله درك ) من الأساليب السماعية في التعجب .
قال الأزهري في التصريح (1) : والدر بفتح الدال المهملة وتشديد الراء في الأصل مصدر در اللبن يدر ويدر بكسر الدال وضمها درا ودرورا كثر ويسمى اللبن نفسه درا وهو هنا كناية عن فعل الممدوح الصادر عنه وإنما أضاف فعله إلى الله تعالى قصداً لإظهار التعجب منه لأنه تعالى منشىء العجائب فمعنى قولهم لله دره فارسا ما أعجب فعله ويحتمل أن يكون التعجب من لبنه الذي ارتضعه من ثدي أمه أي ما أعجب هذا اللبن الذي نزل به مثل هذا الولد الكامل في هذه الصفة .
وفي المحيط قال : ولله درك : أي عملك(2) .(4/12)
وقوله ( ولصرح أحمد باني ) يتحمل أمرين :
الأول : أنه بنى مذهبه في الفقه لكن هذا معارض بأن شيخ الإسلام درجته متأخرة في مذهب أحمد كما نقله المردواي في الإنصاف حتى أنهم قدموا عليه العلامة ابن رجب الحنبلي(3) ، ولعل السبب هو خروجه عن مشهور المذهب حتى قيل إنه مجتهد كما ذكرنا .
الثاني : أنه بنى مذهبه في الاعتقاد وهذا الاحتمال هو الأظهر لكون الناظم يتكلم عن الاعتقاد ، ولظهور هذا الأمر ، فشيخ الإسلام قد انتصر لما كان عليه الإمام أحمد في مسائل الاعتقاد كما هو بين لكل من يقرأ كتبه بعلم وعدل .
____________________________________________________
(1) التصريح (1/397) .
(2) المحيط (9/255) .
(3) الانصاف (1/17) .
وشيخ الإسلام ولد سنة 661هـ وتوفى سنة 728 هـ .
وهو أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن عبدالله بن أبي القاسم الخضر النميري الحراني الدمشقي الحنبلي ، أبو العباس ، تقي الدين ابن تيمية : الإمام ، شيخ الإسلام ولد في حران وتحول به أبوه إلى دمشق فنبغ واشتهر وطلب إلى مصر من أجل فتوى أفتى بها ، فقصدها فتعصب عليه جماعة من أهلها فسجن مدة ، ونقل إلى الإسكندرية ثم أطلق فسافر إلى دمشق سنة 712هـ ، واعتقل بها سنة 720 وأطلق ، ثم أعيد ، ومات معتقلاً بقلعة دمشق ، فخرجت دمشق كلها في جنازته كان كثير البحث في فنون الحكمة داعية إصلاح في الدين . آية في التفسير والأصول ، فصيح اللسان ، قلمه ولسانه متقاربان ، وفي الدرر الكامنة أنه ناظر العلماء واستدل وبرع في العلم والتفسير وأفتى ودرس وهو دون العشرين .
32- تلميذه يقظ إمام بارع **** صافي القريحة واضح التبيان
تلميذ شيخ الإسلام ، هو الإمام ابن القيم ،ووصفه الناظم بعدة أوصاف وهي :
ا- انه يقظ وهو نقيض النوم فابن القيم لا يكاد يعرف النوم ومؤلفاته التي تتصف بالتحقيق شاهدة على ذلك .
2- انه بارع وهذا الوصف يقال للأصيل الجيد الرأي(1).(4/13)
3- صافي القريحة ، والقريحة : أول ماء يستبط من البئر ، وأول كل شيء ، ومنك : طبعك(2).
4- كونه واضح التبيان في أسلوبه وعبارته وقد رزقه الله الفصاحة حتى كتب نونية تقارب ستة آلاف بيت بعبارات واضحة .
وابن القيم ولد سنة 691هـ ، وتوفى سنة 751هـ .
وهو محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي ، أبو عبدالله ، شمس الدين : من أركان الإصلاح الإسلامي ، وأحد كبار العلماء مولده ووفاته في دمشق تتلمذ على شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الذي هذب كتبه ونشر علمه ، وسجن معه في قلعة دمشق ، وأطلق بعد موت ابن تيمية وكان حسن الخلق محبوباً عند الناس ، أغري بحب الكتب ، فجمع منها عدداً عظيماً ، وكتب بخطه الحسن شيئاً كثيراً وألف تصانيف كثيرة .
___________________________________________________
(1) المحيط (2/34) .
(2) ترتيب القاموس المحيط (3/584) .
33- ومجدد الإسلام في هذا الورى **** أعني التميمي ناصر الإيمان
34- رحم الإله محمداً في لحده **** خضم الضلال مهدم الأوثان
35- في نجد أشرق نوره متوهجاً **** بل شع من هند إلى تطوان
تكلم الناظم عن الإمام محمد بن عبدالوهاب بأمور :
1- مجدد الإسلام في الناس .
2- ناصر الإيمان .
3- خضم الضلال ، والخضم هو الأكل بأقصى الأضراس(1).
4- مهدم الأوثان .
5- انتشار دعوته التي بدأت من نجد ووصلت إلى الهند(2) أي المشرق ، وإلى تطوان أي المغرب .
ومحمد بن عبد الوهاب ولد سنة 115هـ وتوفى سنة 1206هـ .(4/14)
وهو محمد بن عبدالوهاب بن سليمان التميمي النجدي : زعيم النهضة الدينية الإصلاحية الحديثة في جزيرة العرب . ولد ونشأ في العيينة ( بنجد ) ورحل مرتين إلى الحجاز ، فمكث في المدينة مدة قرأ بها على بعض أعلامها وزار الشام ودخل البصرة فأوذي فيها . وعاد إلى نجد ، فسكن " حريملاء " وكان أبوه قاضيها بعد العيينة ثم انتقل إلى العيينة ناهجاً منهج السلف الصالح ، داعياً إلى التوحيد الخالص ونبذ البدع وتحطيم ما علق بالإسلام من أوهام وارتاح أمير
____________________________________________________
(1) التهذيب (7/117) ، و المحيط (4/240) .
(2) ولأهل الهند اثنتان وأربعون ملة كما في الروض المعطار للحميري ص597 .(4/15)
العيينة عثمان بن حمد بن معمر إلى دعوته فناصره ، ثم خذله فقصد الدرعية (بنجد ) سنة 1157هـ ، فتلقاه أميرها محمد بن سعود بالإكرام ، وقبل دعوته وآزره كما آزره من بعده ابنه عبدالعزيز ثم سعود بن عبدالعزيز ، وقاتلوا من خالفه ، واتسع نطاق ملكهم فاستولوا على شرق الجزيرة كله ، ثم كان لهم جانب عظيم من اليمن وملكوا مكة والمدينة وقبائل الحجاز وقاربوا الشام ببلوغهم " المزيريب " وكانت دعوته وقد جهر بها سنة 1143هـ (1730م ) الشعلة الأولى لليقظة الحديثة في العالم الإسلامي كله : تأثر بها رجال الإصلاح في الهند ومصر والعراق والشام وغيرها ، فظهر الآلوسي الكبير في بغداد ، ومحمد عبده بمصر ، وجمال الدين القاسمي بالشام ، وخير الدين التونسي بتونس ، وصديق حسن خان في بهوبال ، وأمير علي في كلكتة ، ولمعت أسماء آخرين وعُرف من والاه وشد أزره في قلب الجزيرة بأهل التوحيد " إخوان من أطاع الله " وسماهم خصومهم بالوهابيين (نسبة إليه ) وشاعت التسمية الأخيرة عند الأوربيين فدخلت معجماتهم الحديثة ، وأخطأ بعضهم فجعلها " مذهباً " جديداً في الإسلام ، تبعاً لما افتراه خصومه ، ولا سيما دعاة من كانوا يتلقبون بالخلفاء من الترك ، " العثمانيين "
وللناظم القرني مقامات على طريقة الأدباء خص بعض مقاماته للإمام محمد بن عبدالوهاب ولولا الإطالة لنقلناها فأحيل القارئ إليها فإن فيها فوائد كثيرة .
36- فعلى عقيدتهم بنيت عقيدتي **** وعلى رسائلهم فتقت لساني
37- اقفوا طريقتهم ونهجي نهجهم **** دوماً وأبرأ من أخي كفران
في هذا البيت بين الناظم ان عقيدته مبنية على رسائل وعقائد السلف الذين مضى ذكرهم .
ورجل فتيف اللسان : أي ماض(1).
والفتيق اللسان : الحذاقي الفصيح اللسان(2).
__________________________________________________
(1) المحيط (5/368) .
(2) التهذيب (9/63) .
38- أهل الضلالة هم خصومي دائماً **** لا يلتقي بمحبة خصمان(4/16)
وهذا واضح مما سبق فخصوم الناظم كما ذكرنا هم أهل الضلالة .
وقوله : ( لا يلتقي بمحبة خصمان ) يحتمل أمرين :
الأول : نفي أصل المحبة وهذا محمول على ان أهل الضلالة في كلام الناظم هم الذين وصلوا بيدعتهم إلى الخروج عن الإيمان والدخول في الكفر والعياذ بالله
الاحتمال الثاني : نفي كمال المحبة ، وهذا محمول على أن أهل الضلالة في كلام الناظم هم المخالفون في العقائد لنهج السلف ، وهذا يؤدي إلى نقصان الطاعة لله بلا شك فنقصت المحبة لنقصان طاعتهم ، وللخصومة التي بين الناظم وبينهم في الله .
39- ولكل مبتدع أقول مجلجلاً **** أنا صارم يفري الرقاب يماني
وفي هذا البيت يتحدى الناظم كل مبتدع بأنه سوف يقطع بدعتهم ، ويبين شبهاتهم ، ويشق رقابهم .
فالصرم : القطع(1). ، والفري : الشق(2).
وقوله ( يماني ) لأجل أن الناظم من اليمن لكونه من قحطان كما سبق ، واليماني واليمني كلاهما نسبة لليمن(3)، أو لأن الصارم أحد أجود أنواع السيوف اليمنية .
__________________________________________________
(1) المحيط (9/139) .
(2) المحيط (10/257) .
(3) اللباب في تحرير الأنساب لابن الأثير (3/ 417) .
40- أسلمت نفسي للذي برأ الورى **** وبرئت من شركٍ ومن طغيان
41- ورضيت بالقرآن والسنن التي **** جاءت بفهم صحابة العدنان
هذان البيتان إعلان من الناظم بتسليم أموره كلها لله الذي خلق الناس ، وفي الشطر الثاني يبرأ الناظم من جميع أنواع الشرك ليصدق عليه دعوة الخليل عندما قال { واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } .
وفي البيت الثاني يبين أنه يتبع الكتاب والسنة لكن ليس بفهمه هو بل بفهم الصحابة الذين هم خير القرون .
42 – استغفر الله العظيم لكل ما **** أخطأت فيه وزل فيه لساني
43 – أو قلته متعمداً أو جاهلاً **** أو ناسياً في السر والإعلان
44-فالقصد معروفٌ ولكن ربما **** خفي الصواب على بني الإنسان(4/17)
هنا بدأ المؤلف يعتذر عما ظهر منه من أخطاء صدرت منه بالبنان ، أو تكلم بها باللسان ، وسواء قالها جاهلاً ثم علم ، أو قالها ناسياً ثم تذكر ، وسواء كان ذلك في السر أو في العلن ، فإن قيل ان الجهل والنسيان عذران لا يحاسب الإنسان بهما فلماذا اعتذر المؤلف معهما ؟
الجواب : ان الاعتذار ليس لذاتهما بل لأجل تقصيره عن الوصول للحق فالناظم اعتذر لكونه رأى نفسه مقصراً فأشبه الاتلاف الذي يستوي عمده وخطأه حتى في الحج عند الأئمة الأربعة خلافاً لشيخ الإسلام ، واعتذر أيضاً عن الأخطاء التي صدرت منه حال كونه متعمداً لها لكن لا يعلم ان الحق على خلافه ولهذا قال (فالقصد معروف ) يعني قالها قاصداً ألفاظها ومعانيها لكن خفي عليه الصواب ثم تبين له ، أو أنه ترتب على القول بهذه الأقوال لوازم لم ينتبه لها ثم انتبه فأعلن تراجعه واستغفاره .
وبالمناسبة فإن المؤلف ليس الأوحد في هذا الباب فهناك أئمة كثيرون قالوا بأقوال في أيام الصبا ، وزمان الشباب ، وفي الأوقات الأولى لطلب العلم ثم تبين لهم خلاف ذلك ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية فقد تراجع عن مسائل كان يقول بها سواء كانت في الفقه أو في الاعتقاد .
فمثال المسألة الفقهية انه كان يقول بالزيادة الواردة في قوله - صلى الله عليه وسلم - " إن كان جامداً فألقوها وما حولها وكلوا سمنكم ، وإن كان مائعاً فلا تقربوه " ثم تبين له عدم صحة الزيادة فقال في الفتاوى (21/516) :
وهذا هو الذي تبين لنا ولغيرنا ، ونحن جازمون بأن هذه الزيادة ليست من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلذلك رجعنا عن الافتاء بها بعد أن كنا نفتى بها أولا . فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل والبخاري والترمذي رحمة الله عليهما وغيرهما من أئمة الحديث قد بينوا لنا أنها باطلة ا0هـ.(4/18)
وأما مثال المسألة العقائدية فهو الصفات الاختيارية لله ، والزيارة الشرعية فشيخ الإسلام لم يكن يقول بقول أهل الحديث في أول الطلب بل كان يوافق المتكلمين ثم رجع عن ذلك ، ولهذا يقول في الفتاوى (6/258) :
وأنا وغيري كنا على " مذهب الآباء " في ذلك !! نقول في " الأصلين " بقول أهل البدع ؛ فلما تبين لنا ما جاء به الرسول دار الأمر بين أن نتبع ما أنزل الله أو نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ، فكان الواجب هو اتباع الرسول ؛ وان لا نكون ممن قيل فيه : { وإذا قيل لهم اتبعوا ما ،زل الله قالوا : بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا } وقد قال تعالى { قل : أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه اباءكم } وقال تعالى : { ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ، وصاحبهما في الدنيا معروفاً ، واتبع سبيل من أناب إلى } .
فالواجب اتباع الكتاب المنزل والنبي المرسل ، وسبيل من أناب إلى الله فاتبعنا الكتاب والسنة كالمهاجرين والأنصار ؛ دون ما خالف ذلك من دين الآباء وغير الآباء ، والله يهدينا وسائر اخواننا إلى الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا } ا0هـ .
وهكذا الناظم القرني ما الذي يضره إذا قال قولاً في أيام الطلب ثم تراجع كما فعل شيخ الإسلام !! هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الناظم لا يتبع هواه بل يتبع الحق حيث وجده .
45 - والعذر يقبله الكرام وربنا **** هو أكرم المعطين في الإحسان
هذا البيت تتمة لما سبق .
وهنا يرد سؤال : لماذا يطلب القرني الاعتذار من الناس مع ان الذي يغفر الخطأ هو رب العالمين ؟(4/19)
فالجواب : ان الاعتذار من الناس ليس لغفران الخطأ بل للسكوت عن الخوض في عرضه ، والطعن فيه بلا حق ، ولما قد يُتوهم هذا الوهم دفعه الناظم بقوله ( وربنا هو أكرم المعطين ) فهو المحسن الحقيقي فإحسان الله عند الناظم وجودي ، وأما إحسان الخلق فهو إحسان عدمي وهو سكوتهم وحفظ لسانهم .
46 – أشهدت ربي والملائكة الألى **** حملوا العلوم بقوة وأمان
47- أني مع السلف الكرام وهديهم **** هل عاقل يرضى بنهج ثان
في هذين البيتين يقرر الناظم أنه على عقيدة السلف كما سبق ان كرره ويشهد الله وكفى بالله شهيداً ، ويشهد الملائكة على ذلك أيضاً فلا يبقى على العبد إلا أن يسلم بما يقوله الناظم من تقريره معتقد السلف .
ووصف الناظم الملائكة في شطر البيت الأول بالقوة لقوله تعالى { ذو مرة } أي ذو قوة (1). ، وبالأمانة لقوله تعالى : { نزل به الروح الأمين } (2).
وفي شطر البيت الثاني يسأل الناظم سؤالاً إنكاريا : هل عاقل يرضى بمنهج غير منهج السلف ؟ وبعد هذا التقرير يشرع في ذكر معتقده وبدأ بالإيمان .
____________________________________________________
(1) تفسير القرطبي (17/85) .
(2) تفسير القرطبي (13/138) .
48- إيماننا عملٌ وقولٌ قبله **** عقد بقلبٍ عامر الإيقان
هذا البيت يتعلق ببيان معتقد الناظم ومعتقد السلف في مسألة الإيمان ، وإنما بدأ بها لكونها من كبريات مسائل الاعتقاد ، وكثر اختلاف الناس فيه قديماً وحديثاً ، وهو أول خلاف وقع في هذه الأمة ، لكل هذه الأسباب بدأ بها الناظم .
تعريف الإيمان لغة واصطلاحاً :
أولاً : تعريف الإيمان لغة فقد عرفه الأزهري بالتصديق وحكى الاتفاق عليه فقال : واتفق أهل العلم من اللغويين وغيرهم أن الإيمان معناه : التصديق .
وقال الله تعالى حكاية عن إخوة يوسف لأبيهم : { وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين } . لم يختلف أهل التفسير أن معناه : وما أنت بمصدق لنا (1) .
وقال ابن فارس :(4/20)
الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان : أحدهما الأمانة التي هي ضد الخيانة ومعناها سكون القلب ؛ والآخر التصديق(2) .
وقال أبو عبيد الأزهري :
وقوله ( ما أنت بمؤمن لنا ) أي بمصدق ، يقال : آمن به ، وآمن له (3) .
_________________________________________________
(1) تهذيب الأزهري (15/514) .
(2) معجم مقاييس اللغة (1/133) .
(3) الغريبين في القرآن والحديث (1/110) .
وقال ابن منظور :
والإيمان بمعنى التصديق ، ضده التكذيب ، يقال : آمن به قوم ، وكذب به قوم ، فأما آمنته المتعدي فهو ضد أخفته .
وقال ابن عباد :
والإيمان التصديق في قوله تعالى { وما أنت بمؤمن لنا } أي بمصدق (1) .
وقال الجوهري :
والإيمان التصديق (2) .
وقال صاحب القاموس : وآمن به إيماناً صدقه (3) .
قال الزبيدي في شرحه : وهو الذي جزم به الزمخشري وغيرهم(4) .
وقال الزمخشري : ( وما أنت بمؤمن لنا ) أي بمصدق(5) .
وهذا القول وهو كون الإيمان لغة التصديق اختاره العلامة العثيمين في أحد قوليه حيث قال في تلخيص الحموية : والإيمان لغة : التصديق قال الله تعالى ( وما أنت بمؤمن لنا ) أي بمصدق لنا (6) .
وقد اختار شيخ الإسلام في تعريف الإيمان اللغوي أنه بمعنى الإقرار ، لأنه رأي لفظة أقر أصدق في الدلالة على معنى الإيمان من غيرها من الألفاظ التي فسر بها
__________________________________________________
(1) المحيط (10/414)
(2) الصحاح (2/217)
(3) ترتيب القاموس (1/182) .
(4) تاج العروس (9/135) .
(5) أساس البلاغة ص10 .
(6) تلخيص الحموية ص111 .
الإيمان ، لأمور وأسباب ذكرها رحمه الله ثم إنه ناقش باستفاضة وافية وبتحقيق متين قول من ادعى أن الإيمان مرادف للتصديق ، وذكر فروقاً بين التصديق والإيمان تمنع دعوى الترادف بينهما ، ثم خلص من ذلك إلى أن أولى تفسير لغوي للإيمان هو الإقرار(1) .(4/21)
أما الإيمان شرعاً : فهو عند أهل السنة والجماعة قول وعمل ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض بيانه لعقيدة أهل السنة والجماعة وأصولهم التي اتفقوا عليها
" ومن أصول أهل السنة والجماعة أن الدين والإيمان قول وعمل ، قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح "
فهذه خمسة أمور اشتمل عليها مسمى الإيمان عند أهل السنة والجماعة .
فقول القلب هو تصديقه ويقينه ، وقول اللسان هو النطق بالشهادتين ، وعمل القلب هو النية والإخلاص والمحبة ، والانقياد والإقبال على الله ، والتوكل عليه ولوازم ذلك وتوابعه .
عمل اللسان ، وهو العمل الذي لا يؤدى إلا به كتلاوة القرآن وسائر الأذكار من التسبيح والتحميد والتكبير والدعاء والاستغفار وغير ذلك من الأعمال التي تؤدى باللسان .
وعمل الجوارح ، وهو العمل الذي لا يؤدى إلا بها مثل القيام والركوع والسجود والمشي في مرضاة الله كنقل الخطا إلى المساجد وإلى الحج والجهاد في سبيل الله ، وغير ذلك من الأعمال التي تؤدى بالجوارح(2) .
_________________________________________________
(1) زيادة الإيمان ونقصانه للعباد ص17 .
(2) المرجع السابق ص24.
49- ويزيد بالطاعات من أعمالنا **** ومع المعاصي ظاهرُ النقصانِ
قرر الناظم أن الإيمان يزيد وينقص كما هو مذهب أهل السنة وقد دل على ذلك الآيات المتكاثرة ، والأحاديث المتواترة .
قال تعالى : { فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً } ، قال تعالى : { ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم } ، وقال تعالى : { ويزداد الذين آمنوا إيماناً } .
وقد روى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان "
وفي هذا دليل على أن الإيمان فيه أعلى وأدنى ، ,إذا كان كذلك كان قابلاً للزيادة والنقصان .(4/22)
وبين أن القول بزيادة الإيمان ونقصانه هو المأثور عن الصحابة والتابعين وجمهور السلف وهو مذهب المحدثين .
يقول : " والمأثور عن الصحابة والتابعين وجمهور السلف ، وهو مذهب أهل الحديث ، وهو المنسوب إلى أهل السنة ، أن الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية " .
وقال محيي السنة وقامع البدعة الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – " الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، الصلاة والزكاة والحج والبر كله من الإيمان ، والمعاصي تنقص من الإيمان(1) .
_____________________________________________
(1) ... صديق خان وأراؤه الاعتقادية د 0 أختر لقمان ص375 .
وبعد تقرير معتقد أهل السنة في زيادة الإيمان يبقى أن نذكر أوجه الزيادة في الإيمان وهي على النحو الآتي :
أولاً : الزيادة في أصل الإيمان أي التصديق نفسه يكون بعضه أقوى من بعض فالعلم والتصديق يتفاضل ويتفاوت كما يتفاضل سائر صفات الحي من القدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام ، بل سائر الأعراض من الحركة والسواد والبياض ونحو ذلك ، فإذا كانت القدرة على الشيء تتفاوت فكذلك الإخبار عنه يتفاوت ، وإذا قال القائل العلم بالشيء الواحد لا يتفاضل كان بمنزلة قوله القدرة على المقدور الواحد لا تتفاضل .
قال النووي بعد أن ذكر قول من قال إن التصديق لا يزيد ولا ينقص وإنه متى قبل الزيادة كان شكاً وكفراً ، قال : " والأظهر والله اعلم أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تعتريهم الشبه ، ولا يتزلزل إيمانهم بعارض ، بل لا تزال قلوبهم منشرحة نيرة وإن اختلفت عليهم الأحوال ، وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم ونحوهم فليسوا كذلك ، فهذا مما لا يمكن إنكاره "(4/23)
ثانياً : إن أعمال القلوب كالمحبة والخشية والخشوع والذل والإنابة والتوكل والحياة والرغبة والرهبة والخوف والرجاء وغيرها يتفاضل الناس فيها تفاضلاً عظيماً . وهي جميعها من أعمال الإيمان كما دل على ذلك الكتاب والسنة واتفاق سلف هذه الأمة .
فالمحبة مثلاً الناس متفاوتون فيها ، ما بين أفضل الخلق محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام وهما خليلا الله وأشد الناس محبة له ، إلى أدنى الناس درجة في الإيمان كمن في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، وبين هذين الحدين من الدرجات ما لا يحصيه إلا رب الأرض النفاق أو سلب الإيمان كله " .
ثالثاً :
إن الأعمال الظاهرة يتفاضل الناس فيها وتزيد وتنقص وهذا شامل لأعمال اللسان ، كالتسبيح والتكبير والاستغفار والذكر وقراءة القرآن وغيرها ، وشامل لأعمال الجوارح ، كالصلاة والحج والجهاد والصدقة وغيرها فهذه الأعمال الظاهرة هي من الإيمان وداخلة في مسماه ، والتفاضل يقع فيها كما يقع في الأعمال الباطنة .
قال شيخ الإسلام : " وهذا مما اتفق الناس على دخول الزيادة فيه والنقصان ، لكن نزاعهم في دخول ذلك في مسمى الإيمان ... ... .."
وقال : " وأما زيادة العمل الصالح الذي على الجوارح ونقصانه فمتفق عليه وإن كان في دخوله في مطلق الإيمان نزاع ، والذي عليه أهل السنة والحديث أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص(1) .
ولزيادة الإيمان أسباب منها :
1- معرفة أسماء الله وصفاته : فإن العبد كلما ازداد معرفة بها وبمقتضياتها وآثارها ازداد إيماناً بربه وحبا له وتعظيماً .
2- النظر في آيات الله الكونية والشرعية : فإن العبد كلما نظر فيها وتأمل ما اشتملت عليه من القدرة الباهرة والحكمة البالغة ازداد إيماناً ويقينه بلا ريب .
___________________________________________________
(1) ... زيادة الإيمان ونقصانه للعباد ص154 .(4/24)
3- فعل الطاعة : فإن الإيمان يزداد به بحسب حسن العمل وجنسه وكثرته ، فكلما كان العمل أحسن كانت زيادة الإيمان به أعظم وحسن العمل يكون بحسب الإخلاص والمتابعة .
وأما جنس العمل فإن الواجب أفضل من المسنون ، وبعض الطاعات أوكد وأفضل من البعض الآخر .
وكلما كانت الطاعة أفضل كانت زيادة الإيمان بها أعظم .
وأما كثرة العمل فإن الإيمان يزداد بها لأن العمل من الإيمان فلا جرم أن يزيد بزيادته .
4- ترك المعصية خوفاً من الله عز وجل : وكلما قوي الداعي إلى فعل المعصية كان زيادة الإيمان بتركها أعظم ؛ لأن تركها مع قوة الداعي إليها دليل على قوة إيمان العبد وتقديمه ما يحبه الله ورسوله على ما تهواه نفسه .
وأما نقص الإيمان فله أسباب :
1- الجهل بالله تعالى وأسمائه وصفاته .
2- الغفلة والإعراض عن النظر في آيات الله وأحكامه الكونية والشرعية فإن ذلك يوجب مرض القلب أو موته باستيلاء الشهوات والشبهات عليه .
3- فعل المعصية : فينقص الإيمان بحسب جنسها ، وقدرها ، والتهاون بها ، وقوة الداعي إليها أو ضعفه .
? فأما جنسها وقدرها : فإن نقص الإيمان بالكبائر أعظم من نقصة بالصغائر ، ونقص الإيمان بقتل النفس المحرمة أعظم من نقصه بأخذ مال محترم ، ونقصه بمعصيتين أكثر من نقصه بمعصية واحدة وهكذا .
? وأما التهاون بها : فإن المعصية إذا صدرت من قلب متهاون بمن عصاه ضعيف الخوف منه كان نقص الإيمان بها أعظم من نقصه إذا صدرت من قلب معظم لله تعالى شديد الخوف منه لكن فرطت منه المعصية .(4/25)
? وأما قوة الداعي إليها : فإن المعصية إذا صدرت ممن ضعفت منه دواعيها كان نقص الإيمان بها أعظم من نقصه إذا صدرت ممن قويت منه دواعيها ، ولذلك كان استكبار الفقير ، وزنى الشيخ أعظم إثماً من استكبار الغني وزنى الشاب كما في الحديث : " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم " وذكر منهم : " الأشيمط الزاني ، والعائل المستكبر " ، لقلة داعي تلك المعصية فيهما .
4- ترك الطاعة : فإن الإيمان ينقص به والنقص به على حسب تأكد الطاعة فكلما كانت الطاعة أوكد كان نقص الإيمان بتركها أعظم ، وربما فقد الإيمان كله كترك الصلاة .
ثم إن نقص الإيمان بترك الطاعة على نوعين .
1- نوع يعاقب عليه ، وهو ترك الواجب بلا عذر .
2- ونوع لا يعاقب ، وهو ترك الواجب لعذر شرعي أو حسي وترك المستحب .
فالأول : كترك المرأة لصلاة أيام الحيض .
والثاني : كترك صلاة الضحى والله أعلم . (1)
________________________________________________
(1) ... تلخيص الحموية للعلامة العثيمين ص194 .
50 – أهلُ الكبائر لا نُكَفرُهُم **** فإن استحلوها فللكفران
اختلف العلماء – رحمهم الله – في تعريف الكبيرة على أقوال كثيرة ، تزيد عن عشرين قولاً ، وأكثرها متقاربة وبعضها أقوال ضعيفة .
قال ابن القيم – رحمه الله - : " وأما الكبائر فاختلف السلف فيها اختلافاً لا يرجع إلى تباين وتضاد ، وأقوالهم متقاربة "
وأولى الأقوال بالصواب ما رواه ابن جرير بسنده عن ابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } الآية . قال : "الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار ، أو غضب ، أو لعنة ، أو عذاب وهذا اختيار شيخ الإسلام .(4/26)
ويعتقد أهل السنة والجماعة أن من ارتكب كبيرة – خلا الشرك – ولم يستحلها ، فإنه لا يكفر ، بل يسمى مؤمناً ناقص الإيمان ، وبعضهم يعبر عن ذلك بقوله : " مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته " ، وأما من مات مصراً عليها ، فإنه تحت مشيئة الله تعالى ، إن شاء غفر له ذنبه ابتداء ، وأدخله الجنة تفضلاً منه سبحانه ، وإن شاء عذبه بقدر ذنبه ثم يخرجه من النار ، ويدخله الجنة لأن النار لا يخلد فيها موحد .
قال الإمام أحمد – رحمه الله - : " والكف عن أهل القبلة ولا تكفر أحداً منهم بذنب ولا تخرجه من الإسلام "
وقد بوب البخاري – رحمه الله – في صحيحه بقوله : " باب المعاصي من أمر الجاهلية ، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك "
وقال ابن جرير الطبري – رحمه الله - :
" إن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله ، إن شاء عفا عنه ، وإن شاء عاقبه ما لم تكن كبيرته شركاً بالله " .
وقال شيخ الإسلام في سياق مذهب أهل السنة :
" وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج ، بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي ولا يسلبون الفاسق الملي اسم الإيمان بالكلية ، ولا يخلدونه في النار ، كما تقوله المعتزلة ، بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق ويقولون هو مؤمن ناقص الإيمان ، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فلا يعطى الاسم المطلق ، ولا يسلب مطلق الاسم . (1)
وقال ابن رجب رحمه الله تعالى : " وقد اختلف العلماء في مرتكب الكبائر : هل يسمى مؤمناً ناقص الإيمان أم لا يسمى مؤمناً ، وإنما يقال هو مسلم ، فليس بمؤمن ؟ على قولين : وهما روايتان عن أحمد رحمه الله ، فأما من ارتكب الصغائر فلا يزول عنه اسم الإيمان بالكلية بل هو مؤمن ناقص الإيمان ، ينقص إيمانه بحسب ما ارتكب من ذلك ، والقول بأن مرتكب الكبائر يقال له : مؤمن ناقص الإيمان مروي عن جابر بن عبدالله ، وهو قول ابن المبارك وإسحاق وأبي عبيد وغيرهم .(4/27)
والقول بأنه مسلم ليس بمؤمن مروي عن أبي جعفر محمد بن علي ، وذكر بعضهم أنه المختار عند أهل السنة "
___________________________________________________
(1) ... عقيدة ابن عبد البر في التوحيد للإيمان للغصن ص508 .
وقال رحمه الله تعالى أيضاً : " وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه فهو إلى الله ، إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له " صريح في أن الكبائر من لقي الله بها كانت تحت مشيئته ، وهذا يدل على أن إقامة الفرائض لا تكفرها ولا تمحوها ، فإن عموم المسلمين يحافظون على الفرائض ، لا سيما من بايعهم لنبي - صلى الله عليه وسلم - وخرج من ذلك من لقي الله وقد تاب منها بالنصوص الدالة من الكتاب والسنة على أن من تاب إلى الله تاب الله عليه وغفر له ، فبقي من لم يتب داخلاً تحت المشيئة . (1)
__________________________________________________
(1) ... ابن رجب وأثره في توضيح عقيدة السلف د 0 عبدالله العقيلي (2/543) .
51- ونطيع آل الأمر فيما لم يكنُ **** أمرٌ بمعصيةِ ولا نُكرانِ
52-نأبى الخروج عليه لو ظلم جرى **** فالصبر مطلوب من الإنسان
53-ما لم نر كفراً بواحاً ظاهراً **** لا يختلف في أمره إثنان
يقول الناظم في رسالته ( هذه عقيدتي ) :
والذي اعتقده من الصغر وأدين الله به اعتقاد البيعة لولاة الأمر في هذا البلاد ، مقتدياً في ذلك بعلمائنا ، مقتفياً في ذلك سلفنا الصالح ، وهذا الذي تعلمته ودعوت إليه ، وهو معتقد أهل السنة والجماعة ، وكما بسط ذلك صاحب الطحاوية ، وشيخ الإسلام في منهاج السنة ، وفي فتاويه ورسائله ، والشيخ المجدد الإمام محمد بن عبدالوهاب وأئمة الدعوة وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : " اسمع واطع وإن ولي عليك عبد حبشي " الحديث .
ولما سأله بعض أصحابه عن الخروج على الولاة الظلمة قال : " لا ، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان "(4/28)
وطاعة الوالي المسلم في طاعة الله ، والصبر على ما قد يحصل من ظلم وجور ، وعدم الخروج عليه هي عقيدة أهل السنة والجماعة ، بل يصلي وراءهم ، ويجاهد معهم ، ويدعى لهم ، ولا تشق العصا عليهم ، ولا تجعل ذنوبهم سبباً للخروج عليهم ، ما لم تصل إلى الكفر الظاهر الصريح ، وهذا الذي تعلمناه واعتقدناه ورضينا به ا0هـ .
وفي هذا الكلام غنية فإن طاعة ولاة الأمور واجبة بالدلالات الكثيرة ، ويحرم الخروج عليهم إلا ان أتوا بكفر بواح وبشرط وجود القدرة حتى لا تكون فتنة يراق فيها الدماء ، وتزهق فيها الأنفس .
والبيعة لهم ثابتة إما حقيقة وإما حكماً بعدم الخروج عليهم والسمع والطاعة لهم لكن هل يجب شرعاً طاعتهم في كل أمر بمعنى ان مخالفتهم توقع في الإثم .
فيه تفصيل فإن الإمام قد يأمر بشيء واجب أو محرم أو مكروه أو مباح او مندوب فإن أمر بمحرم فلا يطاع وإن أمر بواجب فهو واجب بأصل الشرع وإن أمر بمندوب أو مباح أو مكروه فاختلف العلماء في ذلك وأنقل كلاماً مفيداً لبعض العلماء في ذلك :
1- قال ابن مفلح في الفروع ص158 ( وظاهر كلامهم : لا يلزم الصوم بأمره ، مع أن في المستوعب وغيره تجب طاعته في غير المعصية ، وذكر بعضهم (ع) ولعل المراد : في السياسة والتدبير والأمور المجتهد فيها لا مطلقاً ، ولهذا جزم بعضهم : تجب في الطاعة وتسن في المسنون ، وتكره في المكروه وذكر أبو الوفاء وأبو المعالي : لو نذر الإمام الاستسقاء زمن الجدب وحده أو هو والناس لزمه في نفسه وليس له إن يلزم غيره بالخروج معه .(4/29)
2- قال با علوي في كتابه بغية المسترشدين ( يجب امتثال أمر الإمام في كل ما له فيه ولاية كدفع زكاة المال الظاهر فإن لم تكن له فيه ولاية وهو من الحقوق الواجبة أو المندوبة جاز الدفع إليه والاستقلال بصرفه في مصارفه وإن كان المأمور به مباحاً أو مكروهاً أو حراماً لم يجب امتثال أمره فيه وتردد فيه في التحفة ثم مال إلى الوجوب في كل ما أمر به الإمام ولو محرماً ولكن ظاهرا فقط وما عداه إن كان فيه مصلحة عامة وجب ظاهراً وباطناً وإلا فظاهرا فقط أيضاً ومعنى قولهم ظاهراً أنه لا يأثم بعدم الامتثال ومعنى باطناً أنه يأثم والحاصل أنه تجب طاعة الإمام فيما أمر به ظاهراً وباطناً مما ليس بحرام أو مكروه فالواجب يتأكد والمندوب يجب وكذا المباح إن كان فيه مصلحة كترك شرب التنباك إذا قلنا بكراهته لأنه فيه خسة بذوي الهيئات وقد وقع أن السلطان أمر نائبه بأن ينادي بعدم شرب الناس له في الأسواق والقهاوي فخالفوه وشربوا فهم العصاة ويحرم شربه الآن امتثالاً لأمره ولو أمر الإمام بشيء ثم رجع ولو قبل التلبس به لم يسقط الوجوب ) .
3- قال الألوسي في تفسيره (5/6) : ( وهل يشمل المباح أم لا ؟ فيه خلاف ، فقيل أنه لا يجب طاعتهم فيه لأنه لا يجوز لأحد أن يحرم ما حلله الله تعالى ولا يحلل ما حرمه تعالى ، وقيل : تجب أيضاً كما نص عليه الحصكفي وغيره ، وقال بعض محققي الشافعية : يجب طاعة الإمام في أمره ونهيه ما لم يأمر بمحرم ، وقال بعضهم : الذي يظهر أن ما أمر به مّما ليس فيه مصلحة عامة لا يجب امتثاله إلا ظاهراً فقط بخلاف ما فيه ذلك فإنه يجب باطناً أيضاً ، وكذا يقال في المباح الذي فيه ضرر للمأمور به .
54- ونُمر أخبار الصفات كما أتتُ **** من غير تأويلٍ ولا جُحدانِ
55- والقولُ في تلك الصفات كقولنا **** في الذات قولُ العالم الربانيِ(4/30)
هذه عقيدة الناظم في صفات الله وهي الإيمان بما ثبت من غير تأويل لها ولا جحود ، ومراده بالتأويل هنا صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى المعنى المرجوح(1) .
ثم ذكر الناظم قاعدة عظيمة في هذا الباب أخذها من شيخ الإسلام في التدمرية وهي أن " القول في الصفات كالقول في الذات "
يعني أن من أثبت لله تعالى ذاتاً لا تماثل ذوات المخلوقين لزمه أن يثبت له صفات لا تماثل صفات المخلوقين ، لأن القول في الصفات كالقول في الذات ، وهذا الأصل يخاطب به أهل التمثيل ، وأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم .
فيقال لأهل التمثيل ألستم تثبتون لله ذاتاً بلا تمثيل فأثبتوا له صفات بلا تمثيل .
ويقال لأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم : ألستم تقولون بوجود ذات لا تشبه الذوات فكذلك قولوا بصفات لا تشبه الصفات .
مثال ذلك : إذا قال : إن الله استوى على العرش فكيف استواؤه ؟
فيقال له : القول في الصفات كالقول في الذات فأخبرنا كيف ذاته؟
فإن قال : لا أعلم كيفية ذاته .
قيل له : ونحن لا نعلم كيفية استوائه .
وحينئذ يلزمه أن يقر باستواء حقيقي غير مماثل لاستواء المخلوقين ولا معلوم
____________________________________________________
(1) تقريب التدمرية للعلامة العثيمين ص86 .
الكيفية ، كما أقر بذات حقيقية غير مماثلة لذوات المخلوقين ولا معلومة الكيفية ، كما قال مالك وشيخه ربيعة وغيرهما في الاستواء : " الاستواء معلوم والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة "(1)
___________________________________________________
(1) ... تقريب التدمرية ص41 .
56- نروي أحاديث الوعيد كما أتتْ **** والوعد نقبله من الديانِ
الوعد في اللغة : يكون بالخير والشر .
وأما الوعيد : فلا يكون إلا بالشر .
والمراد بالوعد : النصوص المتضمنة وعد الله لأهل طاعته بالثواب والجزاء الحسن والنعيم المقيم .(4/31)
ويعرف أهل الكلام الوعد بأنه : كل خبر يتضمن إيصال نفع إلى الغير أو دفع ضرر عنه في المستقبل .
وأما الوعيد : فالمراد به : النصوص التي فيها توعد للعصاة بالعذاب والنكال .
ويعرفه المتكلمون بأنه : كل خبر يتضمن إيصال ضرر إلى الغير أو تفويت نفع عنه في المستقبل "
وإذا تقرر لدينا معنى الوعد والوعيد والمراد بهما فاعلم أنه جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كثير من الآيات والأحاديث التي تدل على وعد الله عز وجل للمؤمنين والمطيعين بالثواب الجزيل ، وأنه أعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، ووعدهم بألوان من الأجر والجزاء ومغفرة الذنوب فيما دون الشرك ، وتكفير السيئات وإبدالها حسنات ونحو ذلك .
فمن النصوص الواردة في ذلك قوله عز وجل : { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار }
ومن نصوص الوعد بغفران الذنوب وتكفير السيئات : قوله عز وجل : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ، وقوله عز وجل : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم } وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار ) رواه مسلم .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - :" ما من عبد قال : لا إله إلا الله ؛ ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة - قال الراوي– وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق " رواه مسلم .(4/32)
كما ورد فيهما أيضاً آيات وأحاديث كثيرة ، تتضمن الوعيد الشديد بالعذاب الأليم والخلود في النار لأهل الفسق والمعاصي وأصحاب الكبائر ووصفهم بالكفر والفسق والضلال ونحو ذلك ، كما في قوله عز وجل : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } ، وقوله سبحانه : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا } ، وقوله : { ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً } ، ونحو قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ... ... ... ." ، وقوله : " سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر " .
الحاصل أن النصوص الواردة في الوعد والوعيد كثيرة ، سواء في كتاب الله عز وجل ، أو من سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
تجاه هذه النصوص وما شابهها افترق الناس في باب الوعد والوعيد إلى طرفين وواسطة :
طرف غلب نصوص الوعد ، وأغفل نصوص الوعيد ، وهم المرجئة الخالصة ، فقالوا : كل ذنب سوى الشرك فهو مغفور واحتجوا بقوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ، وقالوا : لا يضر مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة .(4/33)
والطرف المقابل لهم وهم الخوارج والمعتزلة قالوا : لابد أن ينجز الله وعده ووعيده ، ولا يصح أن يخلف أيا منهما . وهؤلاء قد ضلوا في الوعد والوعيد جميعاً . فأما ضلالهم في الوعيد فواضح ، حيث جرهم قولهم به إلى إكفار أصحاب الكبائر أو إخراجهم من الإيمان عند المعتزلة إلى الفسق ووجوب إدخالهم النار وتخليدهم فيها ، وقالوا : إنه لا يجوز أن يغفر الله لهم إذا لم يتوبوا ، ويكفي أن قولهم هذا يناقض قول الله عز وجل : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فمن أين لهم أنه سبحانه لا يشاء المغفرة لهم ، مع كونهم ليسوا كفاراً على مذهب المعتزلة ، وليسوا مشركين على مذهب الإباضية وطوائف من الخوارج ، والنص إنما دل على عدم المغفرة للمشرك به سبحانه ، والذين لا يغفر لهم هم الكافرون والمشركون .
وأما ضلالهم في الوعد : فلإيجابهم ذلك على الله سبحانه بطريق الاستحقاق والعوض يقول القاضي عبد الجبار : ( اعلم أنه تعالى إذا كلفنا الأفعال الشاقّة ، فلابد أن يكون في مقابلها من الثواب ما يقابله ... ..) .
أما أهل السنة الذين يمثلون نقطة التوازن بين الطرفين ، فإنهم يأخذون بنصوص الوعد والوعيد ، فيجمعون بين الخوف والرجاء ، لم يفرطوا في نصوص الوعيد كالمرجئة الخالصة الذين قالوا لا يضر مع الإيمان ذنب ولم يغلوا غلو الخوارج والمعتزلة في نصوص الوعيد فكان قولهم في الوعيد أنه : ( يجوز أن يعفو الله عن المذنب ، وأنه يخرج أهل الكبائر من النار فلا يخلد فيها أحد من أهل التوحيد )
وقالوا في الوعد : إن الله لا يخلف وعده ، وإنه لابد أن يثيب أهل الإيمان به وأهل طاعته بحكم وعده لهم بذلك ، لا بحكم استحقاقهم عليه فإن العبد لا يستحق بنفسه على الله شيئاً .(4/34)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :" وأما الاستحقاق ؛ فهم يقولون : إن العبد لا يستحق بنفسه على الله شيئاً ، وليس له أن يوجب على ربه شيئاً لا لنفسه ولا لغيره ، ويقولون : إنه لابد أن يثيب المطيعين كما وعد ؛ فإنه صادق في وعده ولا يخلف الميعاد "
وقال في موضع آخر : ( واتفقوا على أن الله تعالى إذا وعد عباده بشيء كان وقوعه واجباً بحكم وعده ؛ فإنه الصادق في خبره الذي لا يخلف الميعاد ). (1)
___________________________________________________
(1) ... وسطية أهل السنة د 0 محمد باكريم ص358
57- والمولدُ المزعوم لا نرضى به **** أفتى ببدعته أولوا العرفان
ومن الذين أفتوا ببدعيته سماحة العلامة ابن باز رحمه الله حيث قال :
أما هذه الاحتفالات الشائعة فهي غير جائزة ، بل هي من البدع المحدثة في الدين ؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يفعلها ولا خلفاؤه الراشدون ، ولا غيرهم من الصحابة – رضوان الله على الجميع – ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة ، وهم أعلم الناس بالسنة ، وأكمل حباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومتابعة لشرعه ممن بعدهم ، وأول من ابتدعها فيما بلغنا هم الفاطميون في القرن الرابع الهجري ، وهم معروفون بالعقيدة الفاسدة وإظهار التشيع لأهل البيت والغلو فيهم ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أي : مردود عليه ، وقال في حديث آخر : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواخذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " .(4/35)
ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها وقد قال الله سبحانه في كتابه { وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } ، وقال عز وجل : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } ، وقال سبحانه : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً } وقال تعالى : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } ، وقال تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه : أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة ، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به زاعمين أن ذلك مما يقرب إلى الله . وهذا بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على الله سبحانه ، وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين وأتم عليهم النعمة ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ البلاغ المبين ، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة ، كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبدالله بن عمرو رضي الله نهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم " رواه مسلم في صحيحه(1) .
____________________________________________________
(1) ... رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي لمجموعة من العلماء (2/394) .
58- أنهاك عند شد الرحال لقبره **** واقرأ مُصَنَّفَ عالمٍ حرانيِ
أي شيخ الإسلام حيث قال :(4/36)
وشد الرحل إلى مسجده مشروع باتفاق المسلمين كما في الصحيحين عنه انه قال : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا " وفي الصحيحين عنه أنه قال : " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام " فإذا أتى مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه يسلم عليه وعلى صاحبيه ، كما كان الصحابة يفعلون .
وأما إذا كان قصده بالسفر زيارة قبر النبي دون الصلاة في مسجده فهذه المسألة فيها خلاف فالذي عليه الأئمة وأكثر العلماء أن هذا غير مشروع ، ولا مأمور به ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - :" لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " ولهذا لم يذكر العلماء أن مثل هذا السفر إذا نذره يجب الوفاء به ؛ بخلاف السفر إلى المساجد الثلاثة لا للصلاة فيها والاعتكاف ، فقد ذكر العلماء وجوب ذلك في بعضها – في المسجد الحرام – وتنازعوا في المسجدين الآخرين .
فالجمهور يوجبون الوفاء به في المسجدين الآخرين : كمالك والشافعي وأحمد ؛ لكون السفر إلى الفاضل لا يغني عن السفر إلى المفضول وأبو حنيفة إنما يوجب السفر إلى المسجد الحرام ؛ بناء على أنه إنما يوجب بالنذر ما كان جنسه واجب بالشرع ، والجمهور يوجبون الوفاء بكل ما هو طاعة ؛ لما في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه " بل قد صرح طائفة من العلماء كابن عقيل وغيره بأن المسافر لزيارة قبور الأنبياء عليهم السلام وغيرها لا يقصر الصلاة في هذا السفر ؛ لأنه معصية ، لكونه معتقداً أنه طاعة وليس بطاعة ، والتقرب إلى الله عز وجل بما ليس بطاعة هو معصية ؛ ولأنه نهى عن ذلك والنهي يقتضي التحريم .(4/37)
ورخص بعض المتأخرين في السفر لزيارة القبور كما ذكر أبو حامد في " الأحياء " وأبو الحسن بن عبدوس ، وأبو محمد المقدسي وقد روى حديثاً رواه الطبراني من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من جاءني زائراً لا تنزعه إلا زيارتي كان حقاً على أن أكون له شفيعاً يوم القيامة " لكنه من حديث عبدالله بن عبدالله بن عمر العمري ، وهو مضعف ولهذا لم يحتج بهذا الحديث أحد من السلف والأئمة وبمثله لا يجوز إثبات حكم شرعي باتفاق علماء المسلمين والله أعلم(1) .
____________________________________________________
(1) ... الفتاوى (27/28) .
59- أهلُ التصوفِ لا تُلِمَّ بدارهمْ **** فالزيغُ منسوجٌ مع القُمصانِ
هناك آراء كثيرة في تعريف التصوف واشتقاق الاسم وأرجحها ما ينسبها إلى لبس الصوف لأنه دأب الأنبياء والمرسلين عليهم السلام فأضافتهم إلى ظاهر اللبسة كان ذلك اسماً مجملا عاماً ولأن لبس الصوف كان دأب الأنبياء عليهم السلام والصديقين وشعار المساكين المتنسكين .
وهذا ما يرجحه ابن تيمية مستبعداً باقي التعليلات والتفسيرات السابقة مفنداً إياها موضحاً الأسباب في كل حالة . لأنه لو كان نسبة إلى الصف المقدم بين يدي الله لقيل صفى ، وإذا قيل نسبة إلى الصفوة من خلق الله لكان الاسم الصحيح ( صفوى ) وإذا كانت النسبة إلى صوفه ابن بشير من القبلة المجاورة لمكة منذ الزمن القديم الذين ينسب إليهم النساك فإنه قول ضعيف لأنه لو نسب النساك إلى هؤلاء لعرف هذا النسب في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم كما لا يرضى صوفى أن يكون مضافاً إلى قبيلة في الجاهلية لا وجود لها في الإسلام .
فالأصح إذن عنده هو أن الصوفية نسبوا إلى اللبسة الظاهرة وهي لباس الصوف فقيل في أحدهم ( صوفى ) .
وليس طريقهم مقيداً بلباس الصوف ولا هم أوجبوا ذلك ولا علقوا الأمر به ، لكن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال(1) .(4/38)
أما تاريخ ظهور الصوفية ، فإن لفظ " الصوفية " لم يكن معروفاً على عهد الصحابة بل لم يكن مشهوراً في القرون الثلاثة المفضلة وإنما اشتهر بعد القرون
___________________________________________________
(1) ... التصوف والاتجاه السلفي في العصر الحديث د 0 مصطفى حلمي ص10 .
الثلاثة الأول .
ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن أول ظهور الصوفية من البصرة بالعراق ، وكان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة ما لم يكن في سائر أهل الأمصار .
مذاهب الصوفية :
يمكن تقسيم مذاهب الغلاة من الصوفية إلى ثلاثة أقسام :
1- القسم الأول : أهل المذهب الإشراقي وهو الذي غلبت فيه الناحية الفلسفية على ما عداها مع الزهد ، والمقصو بالمذاهب الإشراقي ، الإشراق النفسي الذي يفيض في القلب بالنور ، والذي يكون نتيجة للتربية النفسية والرياضة الروحية وتعذيب الجسم لتنقية الروح وتصفيتها ويمكن أن تكون هذه الصفة يشترك فيها جميع الصوفية وأهل هذا القسم توقفوا عند هذا الحد ولم يقعوا فيما وقع فيه غيرهم من القائلين بالحلول ووحدة الوجود ولكن هذا الأسلوب مخالف لتعاليم الإسلام وهو مأخوذ من الديانات المنحرفة كالبوذية وغيرها .
2- المذهب الثاني : مذهب الحلول وهم القائلون بأن الله يحل في الإنسان – تعالى الله عن ذلك – وقد نادى بذلك بعض الغلاة من الصوفية كالحسين بن منصور الحلاج الذي أفتى العلماء بكفره وقتله وقد قتل وصلب سنة 309هـ وقد نُسب إليه قوله
سبحان من أظهر ناسوته *** سر سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا في خلقه ظاهراً **** في صورة الآكل والشارب
حتى لقد عاينه خلقه **** كلحظة الحاجب بالحاجب
3- المذهب الثالث : القول بوحدة الوجود وهو يقرر أن الموجود واحد في الحقيقة وكل ما نراه ليس إلا تعينات لذات الإلهية وزعيم هذه الطائفة ابن عربي الحاتمي الطائي المدفون بدمشق والمتوفى سنة 638هـ ويقول في ذلك في كتابه الفتوحات المكية :(4/39)
العبد رب والرب عبد **** ياليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك حق **** أو قلت رب أني يكلف
... ويقول أيضا في الفتوحات :
" إن الذين عبدوا العجل ما عبدوا غير الله " .
وابن عربي هذا يلقبه الصوفية بالعارف بالله ، والقطب الأكبر ، والمسك الأذفر ، والكبريت الأحمر ، مع قوله بوحدة الوجود وغيرها من الطامات ، فإن يمدح فرعون ويحكم بأنه مات على الإيمان ويذم هارون على إنكاره على قومه عبادة العجل مخالفاً بذلك نص القرآن(1) . ويرى ان النصارى إنما كفروا لأنهم خصصوا عيسى بالألوهية ولو عمموا لما كفروا.
على أن الحق والإنصاف يقتضي ان من الصوفية من التزم بالكتاب والسنة ، واجتهد في الطاعة وقد بين شيخ الإسلام أنه إذا وقف عليهم فلابد من شروط لاستحقاق هذا الوقف وكلامه رحمه الله أعدل ما قيل
___________________________________________________
(1) ... حقيقة الصوفية د 0 محمد المدخلي ص18 .
في الصوفية فقال :
ولأجل ما وقع في كثير منهم من الاجتهاد والتنازع فيه تنازع الناس في طريقهم ؛ فطائفة ذمت " الصوفية والتصوف " وقالوا : أنهم مبتدعون ، خارجون عن
السنة ، ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف ، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام .
وطائفة غلت فيهم ، وادعوا أنهم أفضل الخلق ، وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم .
و " الصواب " أنهم مجتهدون في طاعة الله ، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده ، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطىء ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب .
ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه ، عاص لربه .(4/40)
وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة ؛ ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم : كالحلاج مثلاً ؛ فإن أكثر مشائخ الطريق أنكروه ، وأخرجوه عن الطريق . مثل : الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره . كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي ؛ في " طبقات الصوفية " وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد .
فهذا أصل التصوف ثم انه بعد ذلك تشعب وتنوع وصارت الصوفية " ثلاثة أصناف " صوفية الحقائق وصوفية الأرزاق وصوفية الرسم .
فأما " صوفية الحقائق " : فهو الذين وصفناهم .
وأما " صوفية الأرزاق " فهم الذين وقفت عليهم الوقوف .
كالخوانك فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق . فإن هذا عزيز وأكثر أهل الحقائق لا يتصفون بلزوم الخوانك ؛ ولكن يشترط فيهم ثلاثة شروط :
( أحدها ) العدالة الشرعية بحيث يؤدون الفرائض ويجتنبون المحارم .
و ( الثاني ) التأدب بآداب أهل الطريق وهي الآداب الشرعية في غالب الأوقات وأما الآداب البدعية الوضعية فلا يلتفت إليها .
و ( الثالث ) أن لا يكون أحدهم متمسكاً بفضول الدنيا فأما من كان جماعاً للمال أو كان غير متخلق بالأخلاق المحمودة ولا يتأدب بالآداب الشرعية أو كان فاسقاً فإنه لا يستحق ذلك .
وأما " صوفية الرسم " فهم المقتصرون على النسبة فهمهم في اللباس والآداب الوضعية ، ونحو ذلك فهؤلاء في الصوفية بمنزلة الذي يقتصر على زي أهل العلم وأهل الجهاد ونوع ما من أقوالهم وأعمالهم بحيث يظن الجاهل حقيقة أمره أنه منهم وليس منهم .
____________________________________________________
(1) ... الفتاوى (11/19) .
60- وكذا الخوارجُ هم كلابُ النار قد **** ورد الحديث فلا تكن متواني
61- فأبو سعيدٍ قد روى في مسلمٍ **** وروى عليُّ بمسندِ الشيباني
تعريف الخوارج لغة واصطلاحاً :(4/41)
1-في اللغة : الخوارج في اللغة جمع خارج وخارجي اسم مشتق من الخروج وقد أطلق علماء اللغة كلمة الخوارج في آخر تعريفاتهم اللغوية في مادة " خرج " على هذه الطائفة من الناس معللين ذلك بخروجهم عن الدين أو على الإمام علي أو لخروجهم على الناس "
2-في الاصطلاح : اختلف العلماء في التعريف الاصطلاحي للخوارج وحاصل ذلك :
1- منهم من عرفهم تعريفاً سياسياً عاماً ، اعتبر الخروج على الإمام المتفق على إمامته الشرعية خروجاً في أي زمن كان .
قال الشهرستاني : " كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجياً سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان والأئمة في كل زمان "
2- ومنهم من خصهم بالطائفة الذين خرجوا على الإمام علي رضي الله عنه قال الأشعري " والسبب الذي سعوا له خوارج خروجهم على علي بن أبي طالب "
زاد ابن حزم بأن اسم الخارجي يلحق كل من أشعة الخارجين على الإمام علي أو شاركهم في آرائهم في أي زمن وهو يتفق مع تعريف الشهرستاني "(1) .
وقد ورد في ذمهم أحاديث منها ما ذكره الناظم :(4/42)
عن أبي سعيد الخدري قال : " بعث علي ، وهو باليمن ، بذهبة في تربتها ، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أربعة نفر : الأقرع ابن حابس الحنظلي ، وعيينة ابن بدر الفزاري ، وعلقمة ابن علاثة العامري ، ثم احد بني كلاب ، وزيد الخير الطائي ، ثم احد بني نبهان ، قال : فغضبت قريش ، فقالوا : أتعطي صناديد نجد وتدعنا ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم " ، فجاء رجل كث اللحية ، مشرف الوجنتين ، غائر العينين ، ناتىء الجبين محلوق الرأس ، فقال : اتق الله ، يا محمد ! قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فمن يطع الله إن عصيته ، أيامنني على أهل الأرض ولا تأمنوني " قال : ثم أدبر الرجل ، فاستأذن رجل من القوم في قتله ، ( يرون أنه خالد بن الوليد ) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن من ضئضىء هذا قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد "(2) .
والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده أيضاً كما قال الناظم(3) .
____________________________________________________
(1) فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام د0غالب العواجي (1/66) .
(2) رواه مسلم ، كتاب الزكاة ، باب ذكر الخوارج وصفاتهم .
(3) مسند أحمد ، تحقيق حمزة الزين (10/14،215) .
62- قدرية جبرية قد بُدِّعوا **** إذ أعرضوا عن منهجِ القرآن
تكلم الناظم عن فرقتين هما :
1- القدرية ، 2- الجبرية
أولاً : القدرية :
للقدرية إطلاقان ، خاص وعام .
فالقدرية بالمعنى الخاص : هم المنكرون للقدر ( أي المكذبون بتقدير الله تعالى لأفعال العباد أو بعضها ) أي : الذين قالوا : لا قدر ( من الله ) والأمر أنف أي مستأنف ليس لله فيه تقدير سابق كما سيأتي بيانه .(4/43)
والقدرية بالمعنى العام : هم الخائضون في علم الله تعالى وكتابته ومشيئته وتقديره وخلقه بغير علم ، وبخلاف مقتضى النصوص وفهم السلف ويشمل ذلك الأصناف التالية :
1- القدرية النفاة الذين أنكروا القدر أو بعضه ( المعبدية والغيلانية والمعتزلة)
2- الجبرية الذين زعموا أن الإنسان لا اختيار له ألبته ( الجهمية ) .
3- المعترضة والمشككة في القدر ( طوائف كثيرة ) .
4- الذين خاضوا في مسألة الكسب والاستطاعة بخلاف ما عليه السلف (الأشاعرة ومن سلك سبيلهم ) .
والقدرية كغيرها من سائر الفرق بدأت مقولاتها قليلة وحذرة ، ثم تطورت واتسعت ، وتجذرت حتى صارت لها أصول وقواعد وشعب ومقولات وفرق ودعاة .
ويمكننا تلخيص المراحل التي مرت بها القدرية بما يلي :
1-المرحلة الأولى : ( ظهور القدرية الأولى ) :
وتتمثل في مقولات معبد الجهني ت (80) وأتباعه ، ثم غيلان الدمشقي وأتباعه ت (105)وتتخلص بأن الله تعالى ( بزعمهم ) لم يقدر أفعال العباد ولم يكتبها ، ولأن الأمر أنف ( أي مستأنف ) لم يكن في علم الله ولا تقديره السابق ) .
وكانت بدايات كلامهم في هذا بعد سنة 63 هـ وهو تاريخ نشأة القدرية الأولى ، إذن فالقدرية الأولى هم ( الذين أنكروا علم الله السابق ، وزعموا أن الله تعالى لم يقدر أفعال العباد سلفاً ، ولم يعلمها ولم يكتبها في اللوح المحفوظ ، وأن الأمر أنف ( أي مستأنف ) ليس بتقدير سابق من الله تعالى مما استقل العباد بفعلها ) وهذه مقولة غالية في القدر حيث تنكر العلم والكتابة وتقدير عموم أفعال المكلفين خيرها وشرها فيما يظهر ) .
هذا أول أمرهم ، فلما أنكر الأئمة هذا القول صار جمهور القدرية .
غيلان الدمشقي المقتول سنة 105 تقريباً :(4/44)
غيلان الدمشقي هو الرجل الثاني بعد معبد الجهني من رؤوس بدعة القدرية وقد ظهرت مقولته بالشام وافتتن بها خلق وتأثر بها عدد من أهل العلم والفضل ومنهم ثور بن يزيد ت 105 ومكحول الشامي ت بضعة عشر ومائة ولكنه رجع .
2- المرحلة الثانية : القدرية الثانية ( المعتزلة والجهمية ومن تابعهم ) :
ظهرت القدرية الثانية بظهور المعتزلة في أول القرن الثاني الهجري وتتمثل بمقولات المعتزلة والجهمية وأهل الكلام في القدر ، فالقدرية في هذه المرحلة توسعت مقالاتها وتشعبت بين الفرق على النحو التالي :
أ شعبة صارت ضمن المعتزلة القائلين بأن الإنسان مقدر أفعاله وهو خالقها ومنشؤها ، ولم تقدر عليه قبل ، وهذه هي وريثة ( القدرية الأولى ) النفاة .
ب وشعبة منها صارت في الجهمية الجبرية القائلين بأن الإنسان مجبور على أفعاله كالريشة في مهب الريح ، فلا اختيار له ، وهذه هي ( القدرية الجبرية الخالصة ) وقد ظهرت فيما بعد في عقائد كثير من المتصوفة والفلاسفة .
ج- ... وشعبة ثالثة صارت أقرب إلى الجبرية ، وهم القائلون بالكسب من الأشاعرة ومن سلك سبيلهم(1) .
وأما الجبرية فأساس مذهبهم يرتكز على رجلين .
الأول كما يليق بجلاله وعظمته ( جعد بن درهم ) صاحب المذهب والثاني (جهم بن صفوان ) ناشر المذهب .
اولاً : ( جهم بن صفوان ) الناشر كان يقول : أن الإنسان مجبور في أفعاله وأنه لا اختيار له ولا قدرة وأنه كالريشة المعلقة في الهواء إذ تحرك تحركت وإذا سكن سكنت وإن الله سبحانه قدر عليه أعمالاً لابد أن تصدر منه وجادل جهم في مذهبه ( مقاتل) المفسر(2) .
_________________________________________________
(1) القدرية والمرجئة د 0 ناصر العقل .
(2) التآليف بين الفرق لمحمد حمزة ص167.
قال الشهرستاني :(4/45)
الجبر هو نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى الرب تعالى والجبرية أصناف فالجبرية الخالصة : هي التي لا تثبت للعبد فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلاً والجبرية المتوسطة : هي التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة أصلاً فأما من أثبت للقدرة الحادثة أثرا ما في الفعل ، وسمى ذلك كسباً فليس بجبري . (1) .
وكلام الشهرستاني في ان القول بالكسب ليس جبراً فرار من وصف المخالفين له بذلك حتى إن بعض الأشعرية قالوا بأن الكسب هو الجبر ، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام أيضاً(2) .
____________________________________________________
(1) الملل والنحل (1/85) .
(2) انظر منهج الشهرستاني في الملل لمحمد السحيباني ص357.
63- وطوائفُ الإرجاءِ شَرُّ طوائفٍ **** جاءوا بقولٍ ظاهرِ البطلان
كلام الناظم هنا عن المرجئة الخالصة والإرجاء على معنيين :
أحدهما : بمعنى التأخير كما في قوله تعالى : ( قالوا أرجه وأخاه ) أي أمهله وأخره .
والثاني : إعطاء الرجاء .
أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد .
وأما بالمعنى الثاني فظاهر ، فإنهم كانوا يقولون : لا تضر مع الإيمان المعصية ، كما لا تنفع مع الكفر طاعة .
وقيل الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة فلا يقضي عليه بحكم ما في الدنيا ، من كونه من أهل الجنة ، أو من أهل النار فعلى هذا المرجئة والوعيدية فرقتان متقابلتان .
وقيل الإرجاء : تأخير علي رضي الله عنه عن الدرجة الأولى إلى الرابعة فعلى هذا المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان .
والمرجئة أربعة أصناف : مرجئة الخوارج ، ومرجئة القدرية ، ومرجئة الجبرية والمرجئة الخالصة ، ومحمد بن شبيب ، والصالحي ، والخالدي من مرجئة القدرية وكذلك الغيلانية أصحاب غيلان الدمشقي ، أول من أحدث القول بالقدر والإرجاء ونحن إنما نعد مقالات المرجئة الخالصة منهم(1) .(4/46)
______________________________________________
(1) ... الملل والنحل للشهرستاني (1/139) .
وقد نقل شيخ الإسلام أقوال الأئمة في ذم المرجئة فقال :
قال إبراهيم النخعي : " لفتنتهم عندي أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارق يعني المرجئة " .
وقال الزهري : " ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على أهله من هذه ، يعني الإرجاء " .
وقال الأوزاعي : " كان يحيى وقتادة يقولان : ليس من الأهواء شيء أخوف على الأمة من الإرجاء " .
وقال شريك في المرجئة : " هم أخبث قوم وحسبك بالرافضة خبثاً ، ولكن المرجئة يكذبون على الله تعالى " .
وقال سفيان الثوري : " تركت المرجئة الإسلام أرق من ثوب سامري " .
وسئل ميمون بن مهران عن كلام المرجئة فقال : " أنا أكبر من ذلك " .
وقال سعيد بن جبير لذر الهمذاني : " أما تستحي من رأي أنت أكبر منه "(1) .
_______________________________________________
(1) ... الفتاوى (7/395) .
64- والأشعريّ له نُقول غَثةٌ **** تأويلُه من أرخصِ الهذيان
الألف واللام في ( الأشعري ) إما ان يكون للعهد فيقصد به أبو الحسن قبل رجوعه لمذهب السلف على القول بمرحلة البرزخ(1) .، وإما ان يكون للجنس أو الاستغراق ويقصد به الأشاعرة ، ولكون الذين اعتنقوا هذا المذهب كثيرين فأود ان أقف مع معتقداتهم وسوف يكون الكلام عليها على النحو الآتي :
أولاً : توحيد الربوبية :
1-أول واجب على المكلف :
ذهبوا إلى انه النظر أي ترتيب أمرين معلومين ليتوصل بترتيبهما إلى علم مجهول كالعالم متغير ، وكل متغير حادث ، فالعالم حادث(2) .
وهذا القول مخالف لقول أهل السنة القائلين بأن الشهادتين هما أول واجب على المكلف ، وأن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك بعد البلوغ ، وقد بين ذلك شيخ الإسلام في درء التعارض وغيره(3) .
2-طرق الأشعرية في إثبات توحيد الربوبية :(4/47)
أشهر دليل عند الأشاعرة هو دليل حدوث الأجسام ، وإن كان يوجد فيهم من سلك مسالك أخرى لإثبات وجود الله ، ولكن لما كان دليلهم الذي سار عليه متقدموهم ومتأخروهم هو دليل الحدوث فإنه الذي سأركز عليه – إن شاء الله تعالى .
_________________________________________________
(1) ذكرت ذلك في حاشيتي على القواعد المثلى .
(2) شرح الجوهرى للبيجوري ص38 .
(3) وانظر أول واجب على المكلف للغنيمان ص14 .
وخلاصة الدليل أن هؤلاء قالوا : لا يعرف صدق الرسول حتى يعرف إثبات الصانع ، ولا يعرف إثبات الصانع حتى يعرف حدوث العالم ، ولا يعلم حدوث العالم إلا بما به بعلم حدوث الأجسام .
وهذا الدليل يبني على مقدمتين ، وكل واحدة من المقدمتين يشترط إقامة أدلة على صحتها حتى تنتج المقدمتان نتيجة صحيحة .
أما المقدمتان فهما :
الأولى : العالم حادث .
الثانية : كل حادث لابد له من محدث .
والنتيجة بعد إثبات صحة المقدمتين : العالم لابد له من محدث أحدثه ، وهو الله سبحانه وتعالى .
فأما إثبات حدوث العالم فيستند إلى إثبات خمسة أمور وهي :
الأول : إثبات الأعراض وقيامها بالجواهر .
الثاني : إثبات حدوث الأعراض .
الثالث : إثبات استحالة تخلي الجواهر عن الأعراض .
الرابع : إثبات امتناع حوادث لا أول لها .
الخامس : إثبات ان ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث .
وهذا القول باطل لأنه يلزم عليه لوازم فاسدة ، من نفي صفات الله ، ونفي قدرته على الفعل ، والقول بأنه فعل بعد أن كان الفعل ممتنعاً عليه ، وأنه يرجع أحد المقدورين على الآخر بلا مرجح، وكل هذا خلاف المعقول الصحيح ، وخلاف الكتاب والسنة .
وأن هذا أوجب تسلط الفلاسفة على المتكلمين في مسألة حدوث العالم إلى غير ذلك من الوجوه.
قال شيخ الإسلام :(4/48)
فجاء هؤلاء المتفلسفة لما رأوا هذه عمدة هؤلاء المتكلمين في اثبات حدوث العالم واثبات الصانع وتفطنوا لموضع المنع فيها ، وهو قولهم : يمتنع دوام الحوادث قالوا : هذه الطريقة تستلزم كون الصانع كان معطلاً عن الكلام والفعل دائماً إلى أن أحدث كلاماً وفعلا بلا سبب أصلاً . قالوا : وهذا مما يعلم بطلانه بصريح العقل ، قالوا : وليس معكم من نصوص الأنبياء ما يوافق هذا ، وأما أخبار الله أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ، فهذا يدل على أنه خلقها من مادة قبل ذلك كما أخبر أنه : { استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين } [سورة فصلت: 11]
وكذلك في أول التوراة ما يوافق هذا . قالوا : وهذا النص وان كان يناقض قولنا بقدم العالم فليس فيه ما يدل على قولكم بتعطيل الصانع عن الصنع ، وحينئذ فنحن نقول في هذا النص وأمثاله من نصوص المبدأ والمعاد ما نقوله نحن وأنتم في نصوص الصفات (1) .
وقال شيخ الإسلام في شرح الأصفهانية :
وليس العلم بإثبات الصانع سبحانه مفتقراً إلى شيء من الطرق المبتدعة و إن كانت صحيحة ، فكيف إذا كانت باطلة ؟ لكن الرجل إذا استدل على الحق بدليل صحيح لم يكن هذا مذموماً مطلقاً ، كما تجد كثيراً من أهل الحديث ،
_______________________________________________
(1) ... الصفدية (1/275) .(4/49)
والصوفية ، والمتفقهة يعيبون من أقام دليلاً عقليا صحيحاً على بعض المطالب الدينية ويجعلون هذا من الكلام المذموم ،وليس الأمر كما يقوله هؤلاء بل الدليل الصحيح مقبول وإن لم يعلم استدلال غيره به ،لكن قد يذم لأسباب؛ مثل أن يكون فيه خطر ،وغيره مغن عنه، كمن سلك إلى مكة الطريق البعيد المخوفة مع إمكان القريبة الأمينة وكذلك إذا رد الباطل بممانعة صحيحة ،أو معارضة صحيحة لكن المذموم أن يدعي صحة الباطل أو يتوقف الإيمان على بدعة ما شرعها الله تعالى ورسوله ،فكيف إذا اجتمعا جميعاً كما زعم هؤلاء حيث قالوا: لا يمكن تصديق الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا بما ذكروه من الطرق النظرية التي ابتدعوها .
ثانياً : توحيد الصفات :
موقف الأشعرية من الصفات معروف حيث أثبتوا سبعاً مما يدل العقل عليها بزعمهم وأولوا بقية الصفات الخبرية منها والفعلية ، ولابد من بيان أن الصفات السبع التي أثبتها الأشعرية خالفوا في طريقتها أهل السنة أيضاً وإيضاح ذلك بما يلي :
1- أثبتوا صفة الكلام ثم فسروه بالمعنى القديم القائم بالله ليست بحرف ولا صوت ، وكلامه تعالى عندهم صفة واحدة لا تعدد فيها ، لكن لها أقسام اعتبارية ، فمن حيث تعلقه بطلب فعل الصلاة مثلاً : أمر ، ومن حيث تعلقه بطلب ترك الزنا مثلاً : نهي ، ومن حيث تعلقه بأن فرعون فعل كذا مثلاً : خبرٌ ، ومن حيث تعلقه بأن الطائع له الجنة : وعد ، ومن حيث تعلقه بأن العاصى يدخل النار : وعيدٌ إلى غير ذلك (1) .
____________________________________________________
(1) ... شرح الجوهرة للصاوي ص102 .
وهذا مخالف لعقيدة أهل السنة في الكلام كما هو معلوم فالكلام عند أهل السنة يكون بحرف وصوت والله تكلم به حقيقة على النحو اللائق به سبحانه ، وهو قديم النوع حادث الأفراد .(4/50)
2- أثبتوا صفة السمع والبصر وجعلوها أزلية فيقولون إن الله يسمع العبد الذي يتكلم في أي وقت بسمعه الأزلي ، أما أهل السنة فيقولون إن السمع صفة ذاتية فعلية فيسمع من يتكلم حين يتكلم ، وكذلك يقال في البصر ، فإن الله يرى حين فعل العبد ، فدل على أن هذه الصفة ذاتية فعلية(1)
3- أثبتوا صفة الإرادة وجعلوها أزلية ، وأهل السنة يثبتون الإرادة الذاتية والفعلية(2) .
يقول شيخ الإسلام :
" كون الشيء واجب الوقوع لكونه قد سبق به القضاء وعلم أنه لابد من كونه لا يمتنع أن يكون واقعاً بمشيئته وقدرته وإرادته – وإن كانت من لوازم ذاته كحياته وعلمه – فإن إرادته للمستقبلات هي مسبوقة بإرادته للماضي ، { إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } ، وإنما أراد هذا الثاني بعد أن أراد قبله ما يقتضي إرادته ، فكان حصول الإرادة السابقة بالإرادة اللاحقة .
4- أثبتوا صفة العلم لله لكن قالوا إنه لا يتجدد له عند وجود المعلومات نعت ولا صفة بناء على نفيهم لحلول الحوادث لأنه يلزم من ذلك التغير في ذات __________________________________________________
(1) منهج أهل السنة و الأشاعرة لخالد نور (2/522) .
(2) ابن تيمية السلفي لهراس ص126 .
الله ، وبهذا احتج الفلاسفة على نفي علم الله .
يقول شيخ الإسلام موضحاً الخلاف في علم الله وتعلقه بالمستقبل : " الناس المنتسبون إلى الإسلام في علم الله باعتبار تعلقه بالمستقبل على ثلاثة أقوال :(4/51)
أحدها : أنه يعلم المستقبلات بعلم قديم لازم لذاته ، ولا يتجدد له عند وجود المعلومات نعت ولا صفة ، وإنما يتجدد مجرد التعلق بين العلم والمعلوم ، وهذا قول طائفة من الصفاتية من الكلابية والأشاعرة ، ومن وافقهم من الفقهاء والصوفية وأهل الحديث من أصحاب أحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة ، وهو قول طوائف من المعتزلة وغيرهم من نفاة الصفات ، لكن هؤلاء يقولون : يعلم المستقبلات ويتجدد التعلق بين العالم والمعلوم ، لا بين العلم والمعلوم .
وقد تنازع الأولون : هل له علم واحد أو علوم متعددة ؟ على قولين : والأول قول الأشعري وأكثر أصحابه ، والقاضي أبي يعلى وأتباعه ، ونحو هؤلاء والثاني قول أبي سهل الصعلوكي .
والقول الثاني : أنه لا يعلم المحدثات إلا بعد حدوثها ، وهذا أصل قول القدرية الذين يقولون : لم يعلم أفعال لعباد إلا بعد وجودها وأن الأمر أنف ، لم يسبق القدر لشقاوة ولا سعادة ، وهم غلاة القدرية .
والقول الثالث : أنه يعلمها قبل حدوثها ، ويعلمها بعلم آخر حين وجودها " وهذا قول السلف ، وهو قول أبي البركات صاحب المعتبر من الفلاسفة ، وقول الرازي في المطالب العالية ، وهو مخالف لما ينسب إلى الجهم الذي يقول بتجدد علم قبل الحدوث ، والذي في القرآن أن التجدد يكون بعد الوجود .
يقول شيخ الإسلام : " لا ريب أنه يعلم ما يكون قبل أن يكون ، ثم إذا كان :
فهل يتجدد له علم آخر ؟ أم علمه به معدوماً هو علمه به موجوداً ؟ هذا فيه نزاع بين النظار " ثم قال عن القول الأول – وهو أنه يتجدد له علم آخر – " وإذا كان هو الذي يدل عليه صريح المعقول ، فهو الذي يدل عليه صحيح المنقول ، وعليه دل القرآن في أكثر من عشر مواضع ، وهو الذي جاءت به الآثار عن السلف "(1) .
ثالثاً : الإيمان :(4/52)
أي تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والمراد بتصديق النبي في ذلك : الإذعان لما جاء به والقبول له ، وليس المراد وقوع نسبة الصدق إليه في القلب من غير إذعان وقبول له حتى يلزم الحكم بإيمان كثير من الكفار الذين كانوا يعرفون حقيقة نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم .
فمن صدق بقلبه ولم يقر بلسانه لا لعذر منعه ولا لإباء بل اتفق له ذلك . فهو مؤمن عند الله غير مؤمن في الحكام الدنيوية ؛ أما المعذور إذا قامت قرينة على إسلامه بغير النطق كالإشارة ، فهو مؤمن فيهما ؛ وأما الآبى بأن طلب منه النطق بالشهادتين ، فأبى فهو كافر فيهما ، ولو أذعن في قلبه فلا ينفعه ذلك ولو في الآخرة ؛ ومن أقر بلسانه ولم يصدق بقلبه كالمنافق فهو مؤمن في الأحكام الدنيوية غير مؤمن عند الله تعالى ، ومحل كونه مؤمناً في الأحكام الدنيوية ما لم يطلع على كفره بعلامة كسجود لصنم ، وإلا جرت عليه أحكام الكفر(2) .
ولا شك ان الاكتفاء بالتصديق من غير النطق باللسان مخالف لعقيدة السلف .
___________________________________________________
(1) موقف ابن تيمية من الأشاعرة د 0 المحمود (3/1055) .
(2) شرح الجوهرة للباجوري ص43 ، و حاشية الأمير ص49 .
رابعاً: القضاء والقدر :
وسنتكلم فيه عن مسائل :
1-مسألة الحكمة والتعليل :
حيث ذهبوا إلى أن أفعال الله غير معللة خلق المخلوقات ، وأمر المأمورات ، لا لعلة ولا لداع ولا باعث ، بل فعل ذلك لمحض المشيئة ، وصرف الإرادة(1) .
وهذا القول مخالف لمعتقد السلف كما هو معلوم(2) .
2-التحسين والتقبيح :
وسيأتي مذهب الأشاعرة عند قول الناظم ( والحسن والتقبيح للإنسان ) .
3-الكسب :(4/53)
ذهب الأشاعرة إلى ان الله خالق أفعال العباد ثم أتوا بنظرية الكسب التي ضرب بها المثل في الخفاء ومعناها اقتران القدرة الحادثة بالمقدور من غير تأثير القدرة فيها الأمر الذي جعل أبا المعالي الجويني يرد هذا القول في النظامية ، لكونه يؤدي إلى الجبر حتى قال الرازي إن الإنسان مجبور في صورة مختار ، ثم ذهبوا إلى ان الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل لا يجوز أن تتقدمه مخالفين بذلك أهل السنة في إثبات الاستطاعة المصححة للفعل والتي تكون قبله ، واستطالة مقارنة للفعل يجب معها وجود الفعل(3).
__________________________________________________
(1) نهاية الأقدام للشهرستاني ص397 .
(2) انظر الحكمة والتعليل للمدخلي .
(3) موقف ابن تيمية من الأشاعرة المحمود (3/1332) .
ومذهب أهل السنة اثبات أن للعبد قدرة وإرادة حقيقية لكنها مخلوقة لله فأفعاله مخلوقة لأن خالق السبب التام خالق للمسبب ، فإن قيل إن هذا جبر ، قلنا ما قاله شيخ الإسلام : ربما سمي جبراً إذا أمن اللبس حيث قال رحمه الله :
فإن قيل : هب أن فعلي الذي أردته واخترته هو واقع بمشيئتي وإرادتي أليست تلك الإرادة وتلك المشيئة من خلق الله تعالى ؟ وإذا خلق الأمر الموجب للفعل فهل يتأتى ترك الفعل معه ؟ أقصى ما في الباب ان الأول جبر بغير توسط الإرادة من العبد ، وهذا جبر بتوسط الإرادة .
فنقول : الجبر المنفي هو الأول كما فسرناه ، وأما إثبات القسم الثاني فلا ريب فيه عند أهل الاستنان والآثار وأولى الألباب والأبصار لكن لا يطلق عليه اسم الجبر خشية الالتباس بالقسم الأول وفراراً من تبادر الأفهام إليه وربما سمي [جبراً] إذا أمن من اللبس وعلم القصد . قال علي رضي الله عنه في الدعاء المشهور عنه في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - : اللهم داحي المدحوات وباري المسموكات جبار القلوب على فطراتها شقاها أو سعدها .(4/54)
فبين أنه سبحانه جبر القلوب على ما فطرها عليه : من شقاوة أو سعادة وهذه الفطرة الثانية ليست الفطرة الأولى ، وبكلا الفطرتين فسر قوله - صلى الله عليه وسلم - :" كل مولود يولد على الفطرة " وتفسيره بالأولى واضح قاله محمد بن كعب القرظي – وهو من أفاضل تابعي أهل المدينة وأعيانهم ، وربما فضل على أكثرهم – في قوله ( الجبار ) ، قال جبر العباد على ما أراد ، وروى ذلك عن غيره وشهادة القرآن والأحاديث ورؤية أهل البصائر والاستدلال التام لتقليب الله سبحانه وتعالى قلوب العباد ، وتصريفه إياها وإلهامه فجورها وتقواها ، وتنزيل القضاء النافذ من عند العزيز الحكيم ، في أدنى من لمح البصر على قلوب العالمين ، حتى تتحرك الجوارح بما قضى لها وعليها بين غاية البيان إلا لمن اعمى الله بصره وقلبه
فإن قلت : أنا أسألك على هذا التقدير بعد خروجي عن تقدير الجبر الذي نفوه وأبطلوه وثباتي على ما قالوه وبينوه كيف إنبنى الصواب والعقاب ؟
فهذه الآثار هي التي تورثها الأعمال هي الثواب والعقاب وأفضاء العمل إليها واقتضاؤه إياها كافضاء جميع الأسباب التي جعلها الله سبحانه وتعالى أسباباً إلى مسبباتها والإنسان إذا أكل أو شرب حصل له الري والشبع وقد ربط الله سبحانه وتعالى الري والشبع بالشرب والأكل ربطاً محكماً ، ولو شاء أن لا يشبعه ويرويه مع وجود الأكل والشرب فعل ، أما أن لا يجعل في الطعام قوة أو يجعل في المحل قوة مانعة أو بما يشاء سبحانه وتعالى ، ولو شاء أن يشبعه ويرويه بلا أكل ولا شرب أو بأكل شيء غير معتاد فعل .(4/55)
كذلك في الأعمال : المثوبات والعقوبات حذو القذة بالقذة فإنه إنما سمي الثواب ثواباً ؛ لأنه يثوب إلى العامل من عمله : أي يرجع والعقاب عقاباً لأنه يعقب العمل ؛ أي يكون بعده ، ولو شاء الله أن لا يثيبه على ذلك العمل أما بأن لا يجعل في العمل خاصة تفضي إلى الثواب ، أو لوجود أسباب تنفي ذلك الثواب أو غير ذلك لفعل سبحانه وتعالى وكذلك في العقوبات .
وبيان ذلك ان نفس الأكل والشرب باختيار العبد ومشيئته التي هي من فعل الله سبحانه وتعالى أيضاً ، وحصول الشبع عقب الأكل ليس للعبد فيه صنع ألبتة ، حتى لو أراد دفع الشبع بعد تعاطي الأسباب الموجبة له لم يطق وكذلك نفس العمل هو بإرادته واختياره ، فلو شاء أن يدفع أثر ذلك العمل وثوابه بعد وجود موجبه لم يقدر(1) .
4-السببية :
قال شيخ الإسلام عن الأشعرية أنهم : يقولون إن قدرة العبد وغيرها من الأسباب التي خلق الله تعالى بها المخلوقات ليست أسباباً وأن وجودها كعدمها وليس هناك إلا مجرد اقتران عادي كاقتران الدليل بالمدلول وكلامهم لما جحد في خلق الله وشرعه من الأسباب والحكم والعلل ، ولم يجعل في العين قوة تمتاز بها عن الخد تبصر بها ولا في القلب قوة يمتاز بها عن الرجل يعقل بها ، ولا في النار قوة تمتاز بها عن التراب تحرق بها ، وهؤلاء ينكرون ما في الأجسام المطبوعة من الطبائع والغرائز .
قال بعض الفضلاء تكلم قوم من الناس في إبطال الأسباب والقوى والطبائع فأضحكوا العقلاء على عقولهم .
ثم إن هؤلاء يقولون لا ينبغي للإنسان أن يقول أنه شبع بالخبز وروى بالماء بل يقول شبعت عنده ورويت عنده ؛ فإن الله يخلق الشبع والري ونحو ذلك من الحوادث عند هذه المقترنات بها عادة ؛ لا بها وهذا خلاف الكتاب والسنة(4/56)
ونظير هؤلاء الذين أبطلوا الأسباب المقدرة في خلق الله من أبطل الأسباب المشروعة في أمر الله ؛ كالذين يظنون أن ما يحصل بالدعاء والأعمال الصالحة وغير ذلك من الخيرات إن كان مقدراً حصل بدون ذلك ؛ وإن لم يكن مقدراً لم يحصل بذلك ، وهؤلاء كالذين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أفلا ندع العمل ونتكل على
____________________________________________________
(1) ... الفتاوى (8/397) .
الكتاب ؟ فقال " لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له "
وفي السنن انه قيل :يا رسول الله ؛ أرأيت أدوية نتداوى بها ؛ ورقى نسترقى بها وتقاة نتقيها ؛ هل ترد من قدر الله شيئاً ؟ فقال: هي من قدر الله ولهذا قال من قال من العلماء :الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو السباب أن تكون أسباباً تغيير في وجه العقل ؛ والأعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع .
والله سبحانه خلق الأسباب والمسببات ؛ وجعل هذا سبباً لهذا ، فإذا قال القائل إن كان هذا مقدراً حصل بدون السبب وإلا لم يحصل ؛ جوابه أنه مقدر بالسبب وليس مقدراً بدون السبب ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " أن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ؛ وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم " وقال - صلى الله عليه وسلم - : " اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة "(1) .
وقال شيخ الإسلام :(4/57)
وهذا القول الوسط ، وهو إثبات كون الرب خالقاً لكل شيء ، ومع كون أفعال العباد مخلوقة له ، ومع كونها أفعالاً للعباد أيضاً ، وأن قدرة العباد لها تأثير فيه ، كتأثير الأسباب في مسبباتها ، وأن الله خالق كل شيء بما خلقه من الأسباب ، وليس شيء من الأسباب مستقلاً بالفعل ، بل هو محتاج إلى أسباب أخر تعاونه ، وإلى دفع موانع تعارضه ، ولا تستقل إلا مشيئة الله تعالى ، فإنه ما __________________________________________________
(1) ... الفتاوى (8/138) .
شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، فما شاء الله كان وإن لم يشأ العباد ، وما لم يشأ لم يكن ولو شاء العباد(1) .
وقال أيضاً :
فلعلك أن تقول بعد هذا البيان : انا لا أفهم الأسباب ، ولا أخرج عن دائرة التقسيم والمطالبة بأحد القسمين وما أنت أن قلت هذا : إلا مسبوق بخلق من الضلال : { كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم ) وموقفك هذا مفرق طرق إما إلى الجنة وإما إلى النار ، فيعاد عليك البيان بأن لها تأثيراً من حيث هي السبب كتأثير القلم وليس لها تأثير من حيث الابتداع والاختراع ، ونضرب لك الأمثال لعلك تفهم صورة الحال ، ويبين لك أن إثبات الأسباب مبتدعات هو الإشراك وإثباتها أسباباً موصولات هو عين تحقيق التوحيد ، عسى الله أن يقذف بقلبك نوراً ترى هذا البيان
( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور )
فإن قلت : اثبات القدرة سبب نفي للتأثير في الحقيقة فما بال الفعل يضاف إلى العبد ، وما باله يؤمر وينهي ؟ ويثاب ويعاقب وهل هذا إلا محض الجبر ؟ وإذا كنت مشبهاً لقدرة الإنسان بقلم الكاتب وعصا الضارب فهل رأيت القلم يثاب أو العصا تعاقب ؟ وأقول لك الآن ان شاء اله وجب هداك بمعونة مولاك ، وان لم تطلع من أسرار القدر إلا على مثل ضرب الأثر والق السمع وأنت شهيد ، عسى الله ان يمدك بالتأييد .
اعلم أن العبد فاعل على الحقيقة وله مشيئة ثابتة . وله إرادة جازمة وقوة صالحة(4/58)
__________________________________________________
(1) ... درء التعارض (5/265) ط0 دار الكتب .
، وقد نطق القرآن باثبات مشيئة العباد في غير ما آية كقوله : { لمن شاء منكم ان يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين } { فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا } { فمن شاء ذكره وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة }
ونطق بإثبات فعله في عامة آيات القرآن : ( يعملون ) ( يفعلون ) (يؤمنون) (يكفرون) (يتفكرون( (يحافظون) ( يتقون).
وكما أنا فارقنا مجوس الأمة بإثبات أنه تعالى خالق ، فارقنا الجبرية بإثبات أن العبد كاسب فاعل صانع عامل ، والجبر المعقول الذي أنكره سلف الأمة وعلماء السنة هو أن يكون الفعل صادراً على الشيء من غير إرادة ولا مشيئة ولا اختيار مثل حركة الأشجار بهبوب الرياح ، وحركة باطباق الأيدي ومثله في الأناسي حركة المحموم والمفلوج والمرتعش فإن كل عاقل يجد تفرقة بديهية بين قيام الإنسان وقعوده وصلاته وجهاده ، وزناه وسرقته وبين انتعاش المفلوج وانتفاض المحموم ، ونعلم أن الأول قادر على الفعل مريد له مختار ، وأن الثاني غير قادر عليه ولا مريد له ولا مختار .
والمحكي عن جهم وشيعته " الجبرية " انهم زعموا :أن جميع أفاعيل العباد قسم واحد ، وهو قول ظاهر الفساد ، وبما بين القسمين من الفرقان انقسمت الأفعال: إلى اختياري ، واضطراري واختص المختار منها بإثبات الأمر والنهي عليه ، ولم يجيء في الشرائع ولا في كلام حكيم أمر الأعمى بنقط المصحف ، والمقعد بالاشتداد أو المحمود بالسكون، وشبه ذلك ، وان اختلفوا في تجويزه
عقلاً أو سمعاً فإنما منع وقوعه بإجماع العقلاء أولى العقل من جميع الأصناف(1)
خامساً : النبوات :(4/59)
يختلف مذهب الأشاعرة عن مذهب أهل السنة والجماعة في النبوات اختلافاً بعيداً ، فهم يقررون أن إرسال الرسل راجع للمشيئة المحضة ، ثم يقررون أنه لا دليل على صدق النبي إلا المعجزة ، ثم يقررون أن أفعال السحرة والكهان من جنس المعجزة لكنها لا تكون مقرونة بإدعاء النبوة والتحدي ، قالوا ولو ادعى الساحر أو الكاهن النبوة لسلبه الله معرفة السحر رأساً وإلا كان هذا إضلالاً من الله وهو يمتنع عليه الإضلال إلى آخر ما يقررونه مما يخالف المنقول والمعقول ، ولضعف مذهبهم في النبوات مع كونها من أخطر أبواب العقيدة إذ كل أمورها متوقفة على ثبوت النبوة أغروا أعداء الإسلام بالنيل منه واستطال عليهم الفلاسفة والملاحدة(2).
____________________________________________________
(1) الفتاوى (8/394) .
(2) منهج الأشاعرة د 0 سفر الحوالي ص27 .
65 - لكن أتباع الرسول وحزبه **** هم درة في هذه الأكوان
66 - هم فرقة منصورة قد أيدت **** وكذاك ناجية من الخسران
بعد أن تكلم الناظم عن العقائد المخالفة شرع في وصف الفرقة الناجية وهي أتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما قال الناظم تبعاً لشيخ الإسلام حيث قال :
ومذهب أهل السنة والجماعة مذهب قديم معروف قبل أن يخلق الله أبا حنيفة ومالكاً والشافعي وأحمد ، فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم ، ومن خالف ذلك كان مبتدعاً عند أهل السنة والجماعة ، فإنهم متفقون على أن إجماع الصحابة حجة ، ومتنازعون في إجماع من بعدهم(1) .
ووصف الناظم هذه الفرقة بعدة أوصاف وهي :
1- أنهم درة الكون والدرة هي اللؤلوة العظيمة(2) والجامع بينهما الصفاء(3) فإن عقيدة أهل السنة صافية لا يشوبها شيء بخلاف العقائد الأخرى .
2- أنهم فرقة منصورة كما قال شيخ الإسلام في الواسطية(4) .(4/60)
وقد اختلف في الطائفة المنصورة ما هي ؟ قال البخاري في صحيحه هم أهل العلم ، وقال يزيد بن هارون وأحمد بن حنبل إن لم يكونوا أهل الحديث : فلا أدري من هم ؟ وقال ابن المبارك وعلى بن المدينى وغيرهم أنهم أهل
______________________________________________
(1) منهاج السنة (2/610) .
(2) ترتيب القاموس المحيط (2/168) .
(3) التحرير والتنوير (18/238) .
(4) الفتاوى (3/159) .
الحديث(1) . قال القاضي عياض تعليقاً على قول الإمام أحمد السابق : وإنما أراد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث(2) .
3-أنهم الفرقة الناجية أي التي سلمت من الهلاك والشرور في الدنيا والآخرة ، وحصلت على السعادة بسبب استقامتها على الحق وتمسكها بما كان عليه أصحابه .
وشيخ الإسلام عندما كتب الواسطية وصف معتقدها بأنه من الفرقة الناجية .
وقال لمن اعترض نعته لأهل السنة بأنهم الفرقة الناجية وزعم أنه إذا كان هذا قول الفرقة الناجية خرج عن ذلك من لم يقل ذلك من المتكلمين : قال الشيخ فقلت لهم : ليس كل من خالفني في شيء من هذا يكون هالكاً فان المنازع قد يكون مجتهداً يغفر الله خطاياه .
وقد لا يكون بلغة في ذلك من العلم ما تقوم عليه الحجة وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته ، وإذا كانت ألفاظ الوعيد المتناولة لا يجب أن يدخل فيها المتأول والتائب وذو الحسنات الماحية والمغفور له وغير ذلك فهذا أولى بل موجب ذلك ان من اعتقد ذلك نجا في هذا الاعتقاد ومن اعتقد ضده فقد يكون ناجياً ، وقد لا يكون ناجياً كما يقال من صمت نجا ا0هـ .
وقد ورد حديث افتراق الأمة إلى ثلاثة وسبعين فرقة ، وقد صححه جمع من الأئمة منهم الترمذي ، والحاكم ، والذهبي ، وشيخ الإسلام ، والشاطبي ، _________________________________________________
(1) الروضة الندية ص507 .
(2) إكمال المعلم (6/350) .
وحسنه الحافظ ابن حجر ، وقواه ابن كثير(1).(4/61)
وبعض أهل العلم قد طعن في زيادة ( كلها في النار إلا واحدة ) ومن هؤلاء ابن الوزير حيث فهم ان معناه كفر أصحاب هذه الفرق ، وخلود أربابها .
والجواب أن فهم المعنى ليس سبباً في رد الحديث إن كان ثابتاً ، أما معناه فليس على ما فهمه ابن الوزير بل يقال بنجاة أهل الحديث ، وأما الآخرون فإنهم داخلون في الوعيد(2) لكن هل الأشعرية والماتريدية يلحقهم الوعيد أيضاً ؟ .
الذي قال إنهم من أهل السنة فعلى قوله لا يدخلون في الوعيد ومن هؤلاء السفاريني لكن أهل الحديث من حيث القطع وأولئك من حيث الظن(3) .
والذي قال إنهم ليسوا من أهل السنة فيلزمه أن يدخل الأشعرية والماتريدية في الوعيد ابتداءً من أبي الحسن الأشعري على القول بأنه لم يرجع إلى مذهب أهل الحديث ، ومروراً بالباقلاني ت سنة 403هـ ، وابن فورك ت سنة 406 هـ ، وأبي اسحاق الاسفرائيني ت سنة 418هـ، والبغدادي ت سنة 429هـ وأبي القاسم القشيري ت سنة 465هـ ، وأبي المعالي الجويني ت سنة 478هـ ،وأبي اسحاق الشيرازي ت سنة 476هـ ،والكيا ت سنة 504هـ ، والغزالي ت سنة 505هـ ، والشهرستاني ت سنة 548هـ ، وابن العربي
ت سنة 543هـ ، والرازي ت سنة 606 هـ ، والعز بن عبد السلام ت سنة 660هـ ، والنووي ت سنة 676هـ ، وانتهاءً بجميع المتأخرين والمعاصرين ،
__________________________________________________
(1) نصح الأمة في فهم أحاديث افتراق الأمة للهلالي ص32 .
(2) افتراق الأمة للصنعاني ص68 .
(3) لوامع الأنوار (2/267) .
لكونهم من أفراد القاعدة إلا أن هناك موانع قد تمنع من صدق وصف الهلاك عليهم ودخولهم في الوعيد كما سبق عن شيخ الإسلام لكن انطباقه على فرد دون آخر هل يكون بالنسبة لنا أم في واقع الأمر ؟(4/62)
فإن كان في واقع الأمر عند الله فلا حاجة لنا للكلام ، وإن كان بالنسبة لنا فإن هذا مما تختلف فيه الأنظار فتعيين شخص بالنجاة دون آخر تحكم ، فتصير أحكامنا على كلا الأمرين لا أثر لها في أمر يختص به علام الغيوب.
67- فالزم طريقتهم وعض بناجذ **** منها ولا يغررك قول ثاني
68- فإمامها المعصوم من بين الورى **** دع عنك رأي فلان أو علان
بعد أن بين الناظم نجاة أهل الحديث أوصاهم في هذا البيت بالتمسك بهم ، وسلوك منهجهم ، وقفو طريقتهم حتى يكون للتابع فضل ما للمتبوع .
وقوله ( ولا يغررك قول ثاني ) يحتمل أمرين :
الأول : نهي عن الاغترار بالأقوال لكون القول في كلام الناظم نكرة في سياق نهي فيفيد العموم أي جميع الأقوال لا تغتر بها مهما زخرفت ووصفت بالصحة لا فرق في ذلك بين قول الأشعرية وغيرهم .
الثاني : ان قوله ( قول ثاني ) يراد به ما اشتهر على ألسنة الناس من ان المسألة فيها قولان فلا داعي للإنكار في مسائل الخلاف فبين الناظم ان هذا مما لا يقال فيه قول ثاني .
ثم أكد الناظم على اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - بفهم صحابته دون قول شخص آخر .
69 – أنهاك عن علم الكلام وأهله **** واهجر فديتك منطق اليونان
علم الكلام به تعريفان :
الأول : يرادف علم أصول الدين أو علم العقائد أو التوحيد وعلى هذا جرى السفاريني وعرفه بأنه العلم بالقواعد الشرعية الاعتقادية المكتسبة من أدلتها اليقينية(1) .
وهذا ليس مراد الناظم وإن كان هناك تحفظ على تعريف السفاريني في قوله اليقينية لكون الاعتقاد من موارده الظن أيضاً خلافاً لأهل الكلام لكن من حيث الجملة فتعريف السفاريني مقبول .
الثاني : علم الكلام الذي يعتمد على المعقول المحض وهذا هو مراد الناظم .(4/63)
وهذان القسمان لعلم الكلام ذكرهما الحنابلة حيث قال في كشاف القناع : فالمحرمة كعلم العلام ،إذا تكلم فيه بالمعقول المحض ، أو المخالف للمنقول الصريح الصحيح فان تكلم فيه بالنقل فقط ، أو بالنقل والعقل الموافق له ، فهو أصل الدين وطريقة أهل السنة وهذا معنى كلام الشيخ تقي الدين(2).
ولهذا جنح كثير من الأشعرية إلى النهي عن القراءة في كتب الرازي(3) .
وقوله ( واهجر فديتك منطق اليونان ) يريد به المنطق المشوب بالفسلفة كما بين ذلك شراح السلم وتبعهم العلامة محمد الأمين في كتابه آداب البحث والمناظرة وقد كتب مقدمة نافعة قال فيها :
_________________________________________________
(1) لوامع الأنوار (1/70) .
(2) كشاف القناع (3/34) .
(3) شرح السنوسية الكبرى لعبد الفتاح بركة ص41 .
ولما كان من المتوقع أن يواجه الدعاة إلى الحق دعاة إلى الباطل مضللون يجادلون لشبه فلسفية ، ومقدمات سوفسطائية ، وكانوا لشدة تمرنهم على تلك الحجج الباطلة كثيراً ما يظهرون الحق في صورة الباطل ، والباطل في صورة الحق ، من أجل ذلك قررت مادة ( آداب البحث والمناظرة ) لأنه هو العلم الذي يقدر به من تعلمه على بيان مواضع الغلط في حجة خصمه ، وعلى تصحيح مذهبه بإقامة الدليل المقنع على صحته أو صحة ملزومه أو بطلان نقيضه ونحو ذلك فوضعنا هذه المذكرة ، وجئنا بتلك الأصول المنطقية خالصة من شوائب الشبه الفلسفية فيها النفع الذي لا يخالطه ضرر ألبته لأنها من الذي خلصه علماء الإسلام من شوائب الفلسفة كما قال العلامة شيخ مشايخنا وابن عمنا المختار بن بونة شارح الألفية والجامع معها ألفية أخرى من نظمه تكميلاً للفائدة في نظمه في فن المنطق .
فإن تقل حرمه النواوي **** وابن الصلاح ، والسيوطي الراوي
قلت نرى الأقوال ذي المخالفة **** محلها ما صنف الفلاسفة
أما الذي خلصه من أسلما **** لابد أن يعلم عند العلما
وأما قول الأخضري في سلمه :(4/64)
فابن الصلاح والنواوي حرما **** وقال قوم ينبغي أن يعلما
والقولة المشهورة الصحيحة **** جوازه لكامل القريحة
ممارس السنة والكتاب **** ليهتدي به إلى الصواب .
فمحله المنطق المشوب بكلام الفلاسفة الباطل .
ومن المعلوم أن فن المنطق منذ ترجم من اللغة اليونانية إلى اللغة العربية في أيام المأمون كانت جميع المؤلفات توجد فيها عبارات واصطلاحات منطقية لا يفهمها إلا من له إلمام به ، ولا يفهم الرد على المنطقيين في ما جاؤا به من الباطل إلا من له إلمام بفن المنطق .
وقد يعين على رد الشبه التي جاء بها المتكلمون في أقيسة منطقية فزعموا أن العقل يمنع بسببها كثيراً من صفات الله الثابتة في الكتاب والسنة ، لأن أكبر سبب لإفحام المبطل أن تكون الحجة عليه من جنس ما يحتج به وأن تكون مركبة من مقدمات على الهيأة التي يعترف الخصم المبطل بصحة إنتاجها .
ولا شك أن المنطق لو لم يترجم إلى العربية ولم يتعلمه المسلمون لكان دينهم وعقيدتهم في غنى عنه كما استغنى عنه سلفهم الصالح ، ولكنه لما ترجم وتعلم وصارت أقيسته هي الطريق الوحيدة لنفي بعض صفات الله الثابتة في الوحيين ، كان ينبغي لعلماء المسلمين أن يتعلموه وينظروا فيه ليردوا حجج المبطلين بجنس ما استدلوا به على نفيهم لبعض الصفات ، لأن إفحامهم بنفس أدلتهم أدعى لانقطاعهم وإلزامهم الحق ا0هـ .
وذكرت ذلك في حاشيتي على شرح الدمنهوري على السلم .
وقد فرق الحنابلة بين حكم الفلسفة والمنطق فقالوا بحرمة الأول ، وكراهة الثاني(1) وقد كتب كثيرون يحذرون من علم الكلام منهم الهروي صاحب منازل السائرين في كتاب سماه ذم الكلام.(2)
(1) كشاف القناع (3/34)
(2) طبع في خمسة مجلدات بتحقيق عبدالله الأنصاري ، وطبع في جزء بتحقيق د 0 سميح دغيم(4/65)
ويقال والعهدة على الناقل ان اليونان : موضع كان بأرض الروم به مدن وقرى كثيرة وإنها منشأ الحكماء اليونانيين والآن استوى عليها الماء . من عجائبها أن من حفظ شيئاً في تلك الأرض لا ينساه أو يبقى معه زمناً طويلاً وحكى التجار أنهم إذا ركبوا البحر ووصلوا إلى ذلك الموضع يذكرون ما غاب عنهم(1).
_______________________________________________
(1) ... حاشية معجم البلدان للحموي (5/517) .
70 – وكفاك عن علم الكلام شريعة **** كملت بلا حرج ولا نقصان
هذا البيت من الناظم قد سبقه به القحطاني وابن عبد القوي .
فابن عبد القوي يقول :
وإياك عن آراء كل مزخرفٍ **** مقالته كالسم في ضمنها الردي
فقد مات خير الناس والدين كامل **** غني عن التبيين من كل ملحد
فطالبُ دين الحق بالرأي ضائع **** ومن خاض في علم الكلام فما هُدي
كفى بهم نقصاً تناقض قولهم **** وكل يقول : الحق عندي ، فقلِّدِ
فما الدين إلا الاتباع لما أتى **** عن الله والهادي البشير محمد (1).
وقول القحطاني في نونيته المشهورة ، والذي منها قوله :
لا تلتمس علم الكلام فإنه **** يدعو إلى التعطيل والهيمان
علم الكلام وعلم شرع محمد ****يتغايران وليس يشتبهان
أخذوا الكلام عن الفلاسفة الأولى **** جحدوا الشرائع غرة وأمان
حملوا الأمور على قياس عقولهم **** فتبلدوا كتبلد الحيران
كل يقيس بعقله سبل الهدى **** ويتيه تيه الواله الهيمان
من قاس شرع محمد في عقله **** قذفت به الأهواء في غدران
يا معشر المتكلمين عدوتم **** عدوان أهل السبت في الحيتان
إن حل مذهبكم بأرض أجدبت **** أو أصبحت قفراً بلا عمران
_________________________________________________
(1) الألفية في الأداب الشرعية ص101 .
71 – ترجو دواء القلب من ذي علةٍ *** وتريد وصف الشمس من عُميانِ
72- انظر إلى الرازيْ يقول محذراً *** في ساعةِ التوديعِ يا إخواني
73- جربتُ كل طريقة مذكورةٍ *** وركبت بحرَ الهول كالرُّباني(4/66)
74- وقرأتُ فلسفةً ظننت بريقها *** نوراً وهذا النورُ قد أعماني
75 –فالآن أعلنُ أنه لا شرعةٌ *** أهدى ولا أشفى من القرآن
76 –و كذاك سنةُ أحمدِ فهْي التي *** فيها نجاة العبدِ من نيرانِ
77 –وكذا الجويني صاح في طلابه *** يا قومُ حيَّر فكرتي الهمذاني
78- حتى ابنُ سينا وهْو من أقطابهم *** متحيراً وكبيرُ شهرستاني
79- بل قال بعض رؤوسهم متوجعاً *** من شدةِ الإحباطِ والهذيان
80- يا ليتني تابعتُ دين عجائزي *** ولزمتُ حفظ عقيدة الصبيانِ
لما بين الناظم فساد علم الكلام ذكر في هذه الأبيات أسماء علماء الكلام الذين تراجعوا عن مذهبهم ومن هؤلاء :
الرازي والجويني وابن سينا والشهرستاني ،وهذه التوبة من هؤلاء انقسم الناس فيها إلى فريقين :
الأول ، نَقَلها مصدقاً بها .
الثاني : نقَلَها وهو غير مصدق بها إما من ناحية الثبوت وإما من ناحية الدلالة .
أما الفريق الأول فكثيرون منهم ابن الجوزي(1) ، وشيخ الإسلام ،(2) ___________________________________________________
(1) المنتظم في تاريخ الأمم والملوك (16/245) .
(2) درء التعارض (8/48) ، ومنهاج السنة (5/1269) ، والاستقامة (1/79) ، وغير ذلك من كتبه .
والذهبي(1) وغيرهم .
أما الفريق الثاني فقسمان :
الأول : يتأول بأنواع من التأويلات(2) .
الثاني : مكذب لهذه القصص أو بعضها ومن هؤلاء السبكي وتبعه السقاف في شرح الطحاوية(3) .
قال السبكي عن توبة إمام الحرمين :
" يشبه أن تكون هذه الحكاية مكذوبة ، وابن طاهر عنده تحامل على إمام الحرمين ، والقيرواني رجل مجهول ، ثم هذا الإمام العظيم الذي ملأت تلامذته الأرض لا ينقل هذه الحكاية عنه إلا رجل مجهول ، ولا تعرف من غير طريق ابن طاهر !! إن هذا لعجيب !! وأغلب ظني أنها كذبة ؛ افتعلها من لا يستحي ؛ وما الذي بلغ به رضي الله تعالى عنه علم الكلام ؟ أليس قد أعزّ الله به الحق وأظهر به السنة ، وأمات البدعة ؟ ! "(4) انتهى .(4/67)
وقال عن قوله ( حيرنى الهمزاني ) :
" قلت : لقد تكلف لهذه الحكاية وأسندها بإجازة على إجازة ، مع ما في إسنادها ممن لا يخفى محاطه على الأشعري ، وعدم معرفته بعلم الكلام .
__________________________________________________
(1) . سير أعلام النبلاء (18/468 )
(2) شرح السنوسية ص40 ، وحاشية الأمير على شرح عبد السلام على جوهرة اللقاني ص27 .
(3) ص60 .
(4) الطبقات الكبرى (5/186) .
ثم أقول : يالله ويا للمسلمين !! أيقال عن الإمام إنه يتخبط عند سؤال سأله إياه هذا المحدّث ، وهو أستاذ المناظرين وعلم المتكلمين ؟ ! أو كان الإمام عاجزاً عن أن يقول له كذبتَ يا ملعون ، فإن العارف لا يحدث نفسه بفوقية الجسمية ، ولا يحدد ذلك إلا جاهل يعتقد الجهة !! .
بل نقول : لا يقول عارف : يا رباه ، إلا وقد غابت عنه الجهات ، ولو كانت جهة فوق مطلوبة لما مُنع المصلي من النظر إليها ، وشدد عليه في الوعيد عليها .
وأما قوله ( صاح بالحيرة ) وكان يقول : ( حيرني الهمذاني ) فكذب ممن لا يستحي ، وليت شعري ! أي شبهة أوردها ، وأي دليل اعترضه حتى يقول : حيرني الهمذاني .
ثم أقول : إن كان الإمام متحيراً لا يدري ما يعتقد ، فواهاً على أئمة المسلمين من سنة ثمان وسبعين وأربعمائة إلى اليوم فإن الأرض لم تخرج من لدن عهده أعرف منه بالله ، ولا أعرف منه : فيالله ماذا يكون حال الذهبي وأمثاله إذا كان مثل الإمام متحيراً ؟ ! إن هذا لخزي عظيم ثم ليت شعري ! من أبو جعفر الهمذاني في أئمة النظر والكلام ؟ ومن هو من ذوي التحقيق من علماء المسلمين! .
ثم أعاد الذهبي الحكاية عن محمد بن طاهر ، عن أبي جعفر !! وكلاهما لا يقبل نقله ، وزاد فيها أن الإمام صار يقول ( يا حبيبي ما ثَمَّ إلا الحيرة ) فإنا لله وإنا إليه راجعون ، لقد ابتلى المسلمون من هؤلاء الجهلة بمصيبة لا عزاء بها(1).
________________________________________
(1) الطبقات الكبرى (5/190) .(4/68)
وقال الأمير :
حتى أنشد ابن تيمية وأساء الأدب في حق الفخر الرازي وكتابه المحصل :
محصل في أصول الدين حاصله **** من بعد تحصيله علم بلا دين
رأس الضلالة في الأفك المبين فما **** فيه فأكثره وحي الشياطين
فإن الفخر رحمه الله تعالى من الأئمة الذين هدموا كل شبهة تحار فيها جملة وصانوا بها أمة حتى إنها تفوق نسك المتعبدين(1)
والجواب على شبهاتهم أمور :
أولا : ان هناك حكايات ثابتة لا شك فيها مثل التي وردت على ألسنة المتكلمين أنفسهم ومن كتبهم ومن هؤلاء :
1- الشهرستاني حيث قال في مقدمة كتابه نهاية الأقدام في علم الكلام : الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة على رسوله المصطفى وآله الطيبين الطاهرين أجمعين أما بعد فقد أشار إلي من إشارته غنم وطاعته حتم أن اجمع له مشكلات الأصول واحل له ما انعقد من غوامضها على أرباب العقول لحسن ظنه بي اني وقفت على نهايات النظر وفزت بغايات مطارح الفكر ولعله استسمن ذا ورم ونفخ في غير ضرم لعمري .
لقد طفت في تلك المعاهد كلها **** وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائر **** على ذقن أو قارعاً سن نادم(2)
وقد رد عليه الصنعاني ببيتين بين فيهما ان الحيرة والندم إنما تقع لمن لم يتبع
______________________________________
(1) حاشية الأمير على شرح الجوهرة ص37 .
(2) نهاية الإقدام ص3 .
المنهج الصحيح من التمسك بما جاء به نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب والسنة ، والاعتماد عليها والاقتداء بالسلف الصالح حيث قال :
لعلك أهملت الطواف بمعهد **** الرسول ومن لاقاه من كل عالم
فما حار من يهدي بهدى محمد**** ولست تراه قارعاً سن نادم(1)
وأخيراً قال الشهرستاني : " فعليكم بدين العجائز فهو من أسنى الجوائز "(2).(4/69)
2- الرازي حيث نقل شيخ الإسلام عن الرازي من كتابه أقسام اللذات ما جاء به الناظم القرني لكن حاول السقاف ان يشكك في نسبة الكلام إلى الرازي بحجة أوهى من بيت العنكبوت حيث نقل كلام د 0 محمد رشاد سالم في تعليقه على منهاج السنة (5/271) وعلى درء التعارض (1/160) حيث قال د 0 رشاد : لم أجد هذا النص فيما بين يدى من كتب الرازي سواء المطبوع منها والمخطوط ويذكر ابن تيمية أن الرازي كان يتمثل بهذا النص في كتابه " أقسام اللذات " وهذا الكتاب مخطوط بالهند ولم يذكره بروكلمان ضمن مؤلفات الرازي .
وكثير ما يذكر ابن تيمية هذا النص في كتبه انظر – مثلاً – مجموع فتاوى ابن تيمية ( د 0 الرياض ) 4/71 ؛ الفرقان بين الحق والباطل ؛ ص97 من مجموعة الرسائل الكبرى ط 0 صبيح ؛ معارج الوصول ، ص185 من المجموعة السابقة
ثم قال السقاف معقباً على ذلك :
________________________________________
(1) منهج الشهرستاني في الملل والنحل لمحمد السحيباني ص116 .
(2) نهاية الأقدام ص4 .
وهذا مما يؤكد لنا أن هذا كله مكذوب على الإمام الرازي ولا شك في ذلك عندنا ؛ وقد أخذه مجسمة العصر من كتب ابن تيمية وأذاعوه في المشرق والمغرب ، فلتعلموا أنه كذب بحت على الإمام الرازي !!
والله المستعان !! .
وأقول : إن هذه الأبيات هي من نظم ابن تيمية وكأنه يصف بها نفسه ا0هـ(1).
ولا أخال كلام السقاف يصدر من باحث رائده الحق فإن عدم وقوف د 0 رشاد على كلام الرازي لا يعني أنه غير موجود فجهل من جهل ليس حجة على علم من علم ، ثم ان الدكتور رشاد لم ينف وجود كلام الرازي بل اكتفى بعدم رؤيته هو ، ثم ذكر أن كتاب الرازي موجود في الهند ، فكان على السقاف بدلاً من أن يصدر حكمه المتسرع أن يبحث عن الكتاب ويقرأ فيه ثم يصدر حكمه إن شاء ، وشيخ الإسلام أجل من أن يكذب على إنسان مع ما وجده من صنوف الكذب وأنواع البهتان .(4/70)
وأما كتاب أقسام اللذات فالمتتبعون لكتب الرازي يثبتونه وذكروا منه نسخة خطية في برلين _5427) ، ونسخة في مكتبة رياسة المطبوعات في كابل (2) ،فليت السقاف يطلبه .
ثانياً : بعض الحكايات التي كذبها السبكي والتي لم ترد على ألسنة المتكلمين أنفسهم فجوابنا أن النقل إذا اختلف احتاج إلى ترجيح ، ونقل شيخ الإسلام
__________________________________________________
(1) شرح الطحاوية ص71 .
(2) مقدمة المباحث المشرقية للرازي للمحقق محمد البغدادي (1/44) .
والذهبي عندنا مقدم على نقل السبكي إلا أن يكون هناك برهان ساطع يكذب
المقالة .
بقى أن نذكر تراجم من ورد ذكرهم في الأبيات السابقة وهم :
3- الرازي وهو : أبو عبدالله ، محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي ، القرشي ، التيمي – نسبة إلى تيم عشيرة أبي بكر الصديق – البكري – نسبة إلى بكر الصديق رضي الله عنه – الطبرستاني أصلاً ، الرازي مولداً – نسبة إلى مدينة الرَّيّ ، بفتح الراء وتشديد الياء ، وهي تقع جنوبي غربي طهران – الشافعي مذهباً الأشعري عقيدة – على سبيل التغليب – المعروف بفخر الدين الرازي ، أو بابن خطيب الرّي – نسبة إلى والده خطيب مسجد الرّي – ولد في الري سنة 543هـ وأجمعوا على أنه في رمضان قيل 15 منه وقيل 25 وقيل في العشر الأواخر .
أما وفاته فقد مرض في خوارزم فنقل إلى داره في هراة حيث اشتد عليه المرض فأملى على تلميذه إبراهيم بن أبي بكر الأصفهاني وصيته في الحادي والعشرين من المحرم سنة 606 هـ . وقيل في سبب وفاته ان الكرامية – أتباع محمد بن كرام – سموه وكانت وفاته سنة 606 هـ في 15 رمضان يوم الجمعة أو على قول آخر في غرة شوال يوم الاثنين من السنة نفسها ، وقيل في ذي الحجة(1)
4- الجويني المولود سنة 419هـ ، والمتوفى سنة 478هـ :(4/71)
وهو عبدالملك بن عبدالله بن يوسف بن محمد الجويني ، أبو المعالي ، ركن الدين ، الملقب بإمام الحرمين : أعلم المتأخرين ، من أصحاب الشافعي ولد في جوين
________________________________________________
(1) مقدمة المباحث المشرقية (1/11) .
( من نواحي نيسابور ) ورحل إلى بغداد ، فمكة حيث جاوز أربع سنين وذهب إلى المدينة فأفتى ودرس ، جامعاً طرق المذاهب . ثم عاد إلى نيسابور ، فبني له الوزير نظام الملك " المدرسة النظامية " فيها . وكان يحضر دروسه أكابر العلماء(1) .
له مصنفات كثيرة ، منها " غياث الأمم والتياث الظلم – ط " و "العقيدة النظامية في الأركان الإسلامية- ط " و " البرهان ط في أصول الفقه –ط ، ونهاية المطلب في دراية المذهب – خ " في فقه الشافعية ، آثنا عشر مجلداً يقوم بتحقيقه د 0 عبد العظيم الديب في جامعة قطر " ، و " الشامل " في أصول الدين ، على مذهب الأشاعرة ط جزء منه و " الإرشاد – ط" في أصول الدين ، و " الورقات – ط " في أصول الفقه ، و " مغيث الخلق – ط " وقد رد عليه الكوثري في كتابه إحقاق الحق بإبطال الباطل من مغيث الخلق .
5- الهمذاني المولود بعد سنة 440 هـ والمتوفى سنة 531هـ
قال الذهبي في ترجمة الهمذاني : الشيخ الإمام الحافظ الرحال الزاهد ، بقية السلف والأثبات ، أبو جعفر محمد بن أبي علي بن محمد بن عبدالله ، الهمذاني .
ولد بعد الأربعين وأربع مئة وكان من أئمة أهل الأثر ، ومن كبراء الصوفية .
قال السمعاني : كان خطه رديئاً ، وما كان له كبير معرفة بالحديث على ما سمعت .قلت : حدث عنه: ابن طاهر المقدسي ، وأبو العلاء العطار ، وعبد الرحمن بن عبدالوهاب بن المعزم ، وآخرون . وهو الذي قام في مجلس وعظ إمام الحرمين ، وأورد عليه في مسألة العلو ، فقال : ما قال عارف قط : يا ألله ، ____________________________________________________
(1) ... أعلام الزركلى (4/160) .(4/72)
إلا وقام من باطنه قصد تطلب العلو ، لا يلتفت يمنة ولا يسرة ، فهل لدفع هذه الضرورة من حيلة ؟ ! فقال : يا حبيبي ما ثم إلا الحيرة وذلك في ترجمة أبي المعالي(1) .
وقد أنكر السقاف(2) كونه محدثاً محتجاً بما نقله الذهبي عن السمعاني انه لم يكن له كبير معرفة بالحديث وترك تعقيب الذهبي الذي نقلناه من كون بعض المحدثين قد أخذ عنه !! .
6-ابن سينا المولود سنة 370 هـ والمتوفى سنة 428هـ .
هو الحسين بن عبدالله بن سينا ، أبو علي ، شرف الملك : الفيلسوف الرئيس ، صاحب التصانيف في الطب والمنطق والطبيعيات والإلهيات أصله من بلخ ، ومولده في إحدى قرى بخارى . نشأ وتعلم في بخارى ، وطاف البلاد ، وناظر العلماء ، واتسعت شهرته ، وتقلد الوزارة في همذان ، وثار عليه عسكرها ونهبوا بيته ، فتوارى ثم صار إلى أصفهان ، وصنف بها أكثر كتبه . وعاد في أواخر أيامه إلى همذان ، فمرض في الطريق ، ومات بها ، قال ابن قيم الجوزية : " كان ابن سينا – كما أخبر عن نفسه – هو وأبوه ، من أهل دعوة الحاكم ، من القرامطة الباطنيين " وقال ابن تيمية : " تكلم ابن سينا في أشياء من الإلهيات والنبويات ، والمعاد والشرائع ، لم يتكلم بها سلفه ، ولا وصلت إليها عقولهم ، ولا بلغتها علومهم ؛ فإنه استفادها من المسلمين ، وإن كان إنما يأخذ عن الملاحدة المنتسبين إلى المسلمين كالاسماعيلية ؛ وكان أهل بيته من أهل دعوتهم ،
___________________________________________________
(1) سير أعلام النبلاء (20/102) .
(2) شرح الطحاوية ص64 .
من أتباع الحاكم العبيدي الذي كان هو وأهل بيته معروفين عند المسلمين بالالحاد " صنف نحو مئة كتاب ، بين مطول ومختصر(1).
ولشيوع شهرة ابن سينا بين الناس حتى ظنوا انه من علماء المسلمين مع ان أهل العلم قد كفروه لاعتقاده قدم العالم ، ومن هؤلاء ابن القيم ننقل ما قاله في النونية:
وأتى ابن سينا بعد ذاك مصانعاً **** للمسلمين فقال بالإمكان(4/73)
لكنه الأزلى ليس بمحدث **** ما كان معدوماً ولا هو فان
وأتى بصلحٍ بين طائفتينِ بينهما **** الحروب وما هما سلمانِ
أنى يكون المسلونَ وشيعةُ اليونان **** صلحاً قط في الإيمانِ
والسيف بين الأنبياء وبينهم **** والحرب بينهم فحرب عوانِ .
وقال هراس في شرحه :
جاء ابن سينا بعد أرسطو ، وكان تلميذاً وفيا لفلسفة أستاذه ، ولكنه من جهة أخرى كان يريد مصانعة المسلمين ومداهنتهم حتى لا يفطنوا لمروقه وإلحاده ، فتكايس بمحاولة التوفيق بين الفلسفة التي تقول بقدم العالم ومقارنته لله في الزمان ، وبين الدين الذي يجعله مخلوقاً حادثاً ، بعد أن لم يكن ، فزعم أن الله علة تامة لوجود العالم ، والعلة التامة يجب أن يقارنها معلولها ولا يتخلف عنها ، وعلى هذا فيمكن القول بأن العالم أزلى مقارن له في الزمان ، كما تقول الفلسفة ، ولكنه من جهة أخرى متأخر وممكن حادث بالذات أما كونه متأخراً فلأن المعلول قد استفاد الوجود من علته ، ولا نعني بالحدوث الذاتي إلا استفادة
____________________________________________________
(1) ... الأعلام (2/242) .
الوجود من الغير . ومن العجيب أن ابن سينا مع قوله بقدم العالم يسمى الله
خالقاً وفاعلاً ويسمى العالم مخلوقاً ومفعولاً ، فمتى خلق الله العالم على رأيه أو فعله إذا كان وجوده مقارناً لوجوده ، وكيف يمكن أن يكون الله خالقاً للعالم مع القول بأنه علة والخلق إنما يعتمد على القصد والاختيار وأما العلة فيصدر عنها معلولها بالإيجاب المنافي للاختيار والعالم عنده كما هو أزلى مساوق لعلته في جانب الأزل ، هو كذلك أبدى غير قابل للفناء ، لأن المعلول لعلة تامة يجب أن يبقي ببقاء علته .
وهكذا يظن ابن سينا أنه أفلح بهذا التمويه والمغالطة في لبس الأمر على المسلمين ، ولكن الأذكياء من علماء هذه الأمة من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية استطاعوا كشف تلبيساته وفضح سرائره ونياته .(4/74)
ومن العجيب أيضاً أن يزعم هذا الرجل أنه يحاول الصلح والتوفيق بين طائفتين يعقل أن تهدأ بينهما الحرب أو أن يتم سلام ، فهذه طائفة تؤمن بالوحي والقرآن وتعتصم بعرى الإسلام والإيمان وهذه طائفة كافرة تدين بما ضرطت به عقول فلاسفة اليونان مما كله أو أغلبه كفر وإلحاد وهذيان فلا يمكن أن يوضع السيف بينهم وبين أتباع الأنبياء أبد الدهر ، وستبقي بينهم الحرب العوان حتى لا تكون فتنة وحتى يظهر دين الله على الدين كله ولو كره الكافرون(1).
7-الشهرستاني والمولود سنة 479هـ ، والمتوفى سنة 548هـ :
وهو محمد بن عبدالكريم بن أحمد ، أبو الفتح الشهرستاني : من فلاسفة الإسلام . كان إماماً في علم الكلام وأديان الأمم ومذاهب الفلاسفة . يلقب بالأفضل
________________________________________
(1) شرح النونية (1/176) .
ولد في شهرستان ( بين نيسابور وخوارزم ) وانتقل إلى بغداد سنة 510 هـ ، فأقام ثلاث سنين ، وعاد إلى بلده وتوفى بها . قال ياقوت في وصفه : "الفيلسوف المتكلم " ، صاحب التصانيف ، كان وافر الفضل ، كامل العقل ، ولولا تخبطه في الاعتقاد ومبالغته في نصرة مذاهب الفلاسفة والذب عنهم لكان هو الإمام " من كتبه الملل والنحل – ط " ثلاثة أجزاء ، و " نهاية الإقدام في علم الكلام – ط " و " الإرشاد إلى عقائد العباد " و " تلخيص الأقسام لمذاهب الأنام " و " مصارعات الفلاسفة – خ " و " تاريخ الحكماء – خ " و " المبدأ والمعاد " و " تفسير سورة يوسف " بأسلوب فلسفي و " مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار – خ " في التفسير ، منه نسخة كتبت سنة 667هـ ، في خزانة مجلس الشورى الوطني بطهران(1).
ولم نرد أن ننقل نصوص كلام المتكلمين الذين مضى ذكرهم لكون الناظم قد جاء بها نظماً وعبارته فيها واضحة .
____________________________________________________
(1) ... أعلام الزركلي (6/215) .
81 – قد جاء شاهدُ قومها من أهلها **** الحق أبلجُ شامخُ البينان(4/75)
هذا البيت مأخوذ من المثل المعروف : الحق أبلجُ والباطل لجلج
أبلج : واضح . لجلج : ملتبس ، من قولهم : تلجلج في القول ، إذا تتعتع فيه ، ولم يستوف العبارة عن معناه قال الشاعر :
ألم تر أن الحق تلقاه أبلجا **** وأنك تلقى باطل القول لجلجا .
ويقال : لجلج اللقمة في فيه ، إذا أدارها ولم يُسِغْها ، قال الشاعر :
يلجلج مضغة فيها أنيض *** أضلت فمى تحت الكَشْح داء .
وقال بعضهم : الحق أبلج ، وطريق الصدق منهج ، ومسلك الباطل أعوج ، وقال الشاعر :
فإن الحق ليس به خفاء **** ولا تخفى الخيانة والخلاب(1).
____________________________________________________
(1) جمهرة الأمثال للعسكري (1/364) ، ومجمع الأمثال للميداني (1/207) ، والمستقصى للزمخشري (1/303) ، وموسوعة الأمثال د 0 إميل (3/570) .
82 – خير الطوائف سنةٌ وجماعةٌ **** حتى و لو قلوا مع الحسبانِ
83 – إركبْ سفينةَ نوحَ تنجُ من الردى **** قد قال مالك ذاك عن عرفان
مضمون هذين البيتين قد قالهما الإمام مالك بن أنس فيما رواه أبو إسماعيل الهروي في كتابه ذم الكلام وأهله حيث روى عن ابن وهب انه قال :
" كنا عند مالك بن أنس ، فذكرت السنة ، فقال مالك : السنة سفينة نوح ، من ركبها ؛ نجى ، ومن تخلف عنها ؛ غرق(1).
____________________________________________________
(1) ... ذم الكلام (4/124) .
84 – والسنة الغراء بحر لم يُحِطْ **** بجميعها إلا النبيْ العدناني
ووجه إحاطة النبي - صلى الله عليه وسلم - بها أنه هو الذي قالها وقد قال تعالى : { سنقرئك فلا تنسى } ، أي : سنحفظ ما أوحيناه إليك من الكتاب ، ونوعيه قلبك ، فلا تنسى منه شيئاً .
وهذه بشارة من الله كبيرة لعبده ، ورسوله ، محمد - صلى الله عليه وسلم - ، أن الله سيعلمه علماً لا ينساه(1).
____________________________________________________
(1) ... تفسير ابن سعدي ص 1284 .(4/76)
85 – هذا كلامُ الشافعيِّ محمدٌ **** في ما حكاه مؤلفُ التبيان
أي أن النووي حكاه عن الشافعي ويشهد لهذا الكلام ما في الرسالة حيث قال الشافعي : ولسان العرب أوسعُ الألسنةِ مذهباً ، وأكثرها ألفاظاً ، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسانٌ غير نبي ، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها ، حتى لا يكون موجوداً فيها من يعرفه .
والعلم به عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه : لا نعلم رجلاً جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء(1).
____________________________________________________
(1) ... الرسالة ص42 .
86- ولذاك قد تَخفيِ لكثرتها وما **** إلمامنا بالشرعِ في إمكان
87 – والقيِّمُ الجوزِيُّ في إعلامه **** ذكر الكثيرَ لأهل هذا الشان
88- ولشيخهِ الحبرِ الإمامِ مؤلفٌ **** رفع الملام كفاك بالحسبان
أي لكثرة أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - التي لم يحط بها أحد قد تخفى على كل شخص حتى خيار الأمة ولهذا قال شيخ الإسلام.
وأما إحاطة واحد بجميع حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا لا يمكن ادعاؤه قط ، واعتبر ذلك بالخلفاء الراشدين الذين هم أعلم الأمة بأمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته وأحواله ، خصوصاً الصديق رضي الله عنه ؛ الذي لم يكن يفارقه حضراً ولا سفراً ، بل كان يكون معه في غالب الأوقات ، حتى إنه يسمر عنده بالليل في أمور المسلمين وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه - صلى الله عليه وسلم - كثيراً ما يقول : دخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ، ثم مع ذلك لما سئل أبو بكر – رضي الله عنه – عن ميراث الجدة قال : مالك في كتاب الله من شيء ، وما علمت لك في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شيء ، ولكن أسأل الناس ا0هـ(1).
ثم ضرب شيخ الإسلام أمثلة على ذلك.
ومثله في هذا النقل تلميذه ابن القيم في كتابه إعلامه الموقعين كما حكى الناظم.(4/77)
وقول شيخ الإسلام والناظم ان الإحاطة بالسنة غير ممكنة أي من حيث الإمكان العادي لا العقلي لأن العقل يجوز ذلك لكنه ممتنع عادة .
____________________________________________________
(1) ... الفتاوى (20/234) .
89- فالكل ذو رد ومردود له **** إلا محمداً طيب الأردان
وهذا ما قاله جميع الأئمة فكل يرد عليه إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
وقول ( الأردان ) جمع رُدن وهو الكم القميص الواسع .
وطيب الأردان أي : شريف طاهر(1).
____________________________________________________
(1) ... معجم الأروس ص517 .
90 – نظروا بعين النقد لابن خزيمة **** لكلامه في صورة الرحمن
91- وهو المسمى كعبة العلماء في **** جمع العلوم وقوة الإتقان
92- ولصاحب التقسيم والأنواع **** في حد الإله توهم الغلطان
ابن خزيمة هو إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحق بن خزيمة السلمى النيسابوري الحافظ صاحب التصانيف شيخ الإسلام ولد سنة اثنتين وعشرين ومائتين وروى عن ابن راهوية وخلق وعنه البخاري ومسلم خارج صحيحيهما ومحمد بن عبدالله بن عبد الحكم وأبو على النيسابوري ، وهو حافظ ثبت إمام رحل إلى الشام والحجاز والعراق ومصر وتفقه على المزنى وغيره قال الحافظ أبو على النيسابورى لم أر مثل محمد بن إسحق وقال أبو زكريا العنبرى سمعت ابن خزيمة يقول ليس لأحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قول إذا صح الخبر عنه ، وقال أبو على الحافظ كان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارئ السورة وقال ابن حبان لم ير مثل ابن خزيمة في حفظ الإسناد والمتن وقال الدارقطني كان إماماً معدوم النظير وقال الاسنوى في طبقاته صار ابن خزيمة إمام زمانه بخراسان رحلت إليه الطلبة من الآفاق قال شيخه الربيع استفدنا من ابن خزيمة أكثر مما استفاد منا وكان متقللا له قميص واحد دائماً فإذا جدد آخر وهب ما كان عليه(1).(4/78)
وصفة الصورة التي ردها ابن خزيمة ثابتة لله ولهذا قال ابن قتيبة(2):"والذي عندي ____________________________________________________
(1) شذرات الذهب لابن العماد (2/263) .
(2) تأويل مختلف الحديث ص261 .
– والله تعالى أعلم – أن الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين ، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن ، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن ، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد ا0هـ.
وأما ابن خزيمة فقال :
توهم بعض من لم يتحر العلم أن قوله ( على صورته ) يريد صورة الرحمن – عز ربنا وجل – عن أن يكون هذا معنى الخبر ، بل معنى قوله : ( خلق آدم على صورته ) : الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب ، والمشتوم ، أراد – - صلى الله عليه وسلم - أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب ، الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب ، والذي قبح وجهه ، فزجر – - صلى الله عليه وسلم - أن يقول : ( ووجه من أشبه وجهك ، لأن وجه آدم شبيه وجوه بنيه " ، فإذا قال الشاتم لبعض بني آدم : قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك ، كان مقبحاً وجه آدم – صلوات الله عليه ا 0 هـ .
والظاهر ان سبب رد ابن خزيمة لحديث الصورة هو عود الضمير ونفي أن يكون عائداً على الله لكن ذلك لا يستدعي نفي الصفة رأساً لأنها قد ثبتت في أحاديث أخرى منها قوله - صلى الله عليه وسلم - : يأتيهم الجبار في صورته "(2).
أما حديث عود الضمير فقد رده ابن خزيمة لثلاث علل وزاد الألباني علة رابعة(3).
____________________________________________________
(1) التوحيد (1/84) .
(2) رواه البخاري 7439 ، ومسلم 183 .
(3) التوحيد ( 1/87) مع حاشية المحقق .
وعود الضمير له توجيهات كثيرة ويجاب عنه بجواب مجمل ومفصل كما قال العلامة ابن عثيمين :(4/79)
أما المجمل فهو أنه لا يمكن ان يقع تعارض بين كلام الله وكلام رسوله الذي صح وقد قال الله تعالى { كيس كمثله شيء }
نأتى إلى الجواب المفصل : نقول : (1). إن الذي قال : " إن الله خلق آدم على صورته " رسول الذي قال : { ليس كمثله شيء } [ الشورى : 11 ] والرسول لا يمكن أن ينطق بما يكذب المرسل والذي قال : " خلق آدم على صورته " هو الذي قال : " إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر " فهل أنت تعتقد أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة على صورة القمر أو تعتقد أنهم على صورة البشر لكن في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة الوجه وما أشبه ذلك على صورة القمر ؟ فالجواب : الثاني ، فإن قلت بالأول فمقتضاه دخلوا وليس لهم أعين وليس لهم آناف وليس لهم أفواه وإن شئنا قلنا دخلوا وهم أحجار ، إذاً لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له .
فإن أبي فهمك وتقاصر عن هذا وقال أنا لا افهم إلا أنه مماثل قلنا هناك : جواب آخر : وهو أن الإضافة هنا من باب إضافة المخلوق إلى خالقه صورة الله مثل قوله عز وجل في آدم : { ونفخت فيه من روحي } [ ص : 72] ولا يمكن ان الله عز وجل أعطى آدم جزء من روحه لكن روح الله يعني الروح التي خلقها الله عز وجل لكن إضافتها إلى الله بخصوصها من باب التشريف كما نقول "عباد الله " يشمل الكافر والمسلم والمؤمن والشهيد والصديق والنبي ، لكننا لو قلنا محمد عبد الله هذه إضافة خاصة ليست كالعبودية السابقة فإذا : صورة الله يعني صورة من الصور التي خلقها الله وصورها .
والخلاصة ان العلماء شددوا النكير على ابن خزيمة لتأويله الحديث .
93- وله كلام في النبوة لامع **** أهل الحديث وهمت يا حباني
94 – مع أنه جمع الصحيح بهمة **** تسمو على الجوزاء والدبران
ابن حبان هو : محمد بن حبان بن أحمد بن حبان أبو حاتم التميمي البستي السجستاني .(4/80)
يعتبر ابن حبان – رحمه الله تعالى – عربي النسب ، فهو من قبيلة بني تميم من صلبهم ، ينسب إلى مدينة بست حينما يقال له البستي ، لأنه ولد فيها وتوفي فيها أيضاً ، ويقال له : السجستاني ؛ لأن هذه المدينة – بست – من أعمال السجستان .
فالسجستان إقليم واسع يضم عدة مدن وقرى ، تعتبر بست إحدى هذه المدن ، ويقع هذا الإقليم – وبالذات مدينة بست – في هذا العصر في البلد المعروفة بأفغانستان .
ولد ابن حبان – رحمه الله تعالى – على التخمين – في عشر الثمانين ومائتين لأنه – رحمه الله – توفى في سنة أربع وخمسين وثلثمائة ، وله من العمر نحو ثمانين عاماً فاستنبطوا أن مولده في عشر الثمانين ومائتين .
واسم كتابه هو " المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع ... ." فما هي هذه الأقسام ؟ وما هي هذه الأنواع ؟ .
رأى – رحمه الله – أن السنن تنقسم إلى خمسة أقسام :
القسم الأول : الأوامر التي أمر الله عباده بها .
والقسم الثاني : النواهي التي نهى الله عباده عنها .
والقسم الثالث : الأخبار أي : إخباره جل وعلا – عما احتيج إلى معرفته .
والقسم الرابع : الإباحات التي أبيح ارتكابها .
والقسم الخامس : أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - التي انفرد بفعلها ، يعني عن سائر الأمة .
وجد أن السنن لا تخرج عن هذه الأقسام الخمسة ، فجعلها اصلاً لكتابه ، أي قسم كتابه إلى خمسة أقسام ، ثم جعل تحت كل قسم عدة أنواع ، فبالنسبة للأوامر التي أمر الله عباده بها جعل تحتها مائة وعشرة أنواع يعني " مثل الأبواب " ، تحت كل نوع يورد عدداً من الأحاديث .
وكذلك النواهي التي نهى الله عباده عنها جعل تحته مائة وعشرة أنواع .
أما الأخبار أي " إخباره جل وعلا عما احتيج إلى معرفته " فجعل تحته ثمانين نوعاً .
وأما الإباحات وأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فجعل تحت كل قسم منهما خمسين نوعاً .(4/81)
يبلغ مجموع هذه الأنواع برمتها أربعمائة نوع ، فهل يا ترى قصد ابن حبان الحصر ؟ يقول : لا ، لو أردنا المزيد لأتينا بالمزيد ، ولكنه وجد أن هذه الأربعمائة تكفي وأن ما عداها يعتبر من التكلف ، وإلا لو تكلف لاستطاع أن يأتي بالمزيد من هذه الأنواع التي ذكرها(1).
وقد أخذوا على ابن حبان مسألتين :
الأولى : نفي الحد عن الله عز وجل قال الذهبي في تذكرة الحفاظ : 21) .
وقال ابو اسماعيل الهروى سألت يحيى بن عمار عنه فقال : نحن أخرجناه من
_____________________________________________________________
(1) مناهج المحدثين لسعد الحميد ص162 .
(2) (3/921) .
سجستان ، كان له علم ولم يكن له كبير دين ، قدم علينا فأنكر الحد لله فأخرجناه ، قال الذهبي : كلاهما مخطئ إذ لم يأت نص بإثبات الحد ولا بنفيه ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه .
وقال في ميزان الاعتدال(1) :
قلت : إنكاره الحد وإثباتكم للحد نوع من فضول الكلام ، والسكوت عن الطرفين أولى ؛ إذ لم يأت نص بنفي ذلك ولا إثباته ، والله تعالى ليس كمثله شيء فمن أثبته قال له خصمه : جعلت لله حداً برأيك ، ولا نص معك بالحد ؛ والمحدود مخلوق ؛ تعالى الله عن ذلك .
وقال هو للنافي : ساويت ربك بالشيء المعدوم ، إذ المعدوم لا حد له ، فمن نزه الله وسكت سلم وتابع السلف .
وقال ابن حجر في لسان الميزان :
وقوله : قال له النافي : ساويت ربك بالشيء المعدوم ، إذ المعدوم لا حد له نازل ، فإنا لا نسلم أن القول بعدم الحد يفضي إلى مساواته بالمعدوم بعد تحقق وجوده وقوله ( بدت ) من ابن حبان هفوة طعنوا فيه لها ، إن أراد القصة الأولى (2) التي صدر بها كلامه ، فليست هذه بهفوة ، والحق أن الحق مع ابن حبان فيها وأن أراد الثانية(3) ، فقد اعتذر هو عنها أولا فكيف يحكم عليه بأنه هفا ماذا إلا تعصب زائد على المتأولين وابن حبان قد كان صاحب فنون وذكاء(4/82)
___________________________________________________________
(1) (3/507) .
(2) يعني مسألة الحد
(3) يعني النبوة
مفرط وحفظ واسع إلى الغاية رحمه الله ا0هـ .
وقول ابن حجر في الحد هو الذي عليه الأشاعرة(1). والصواب التفصيل كما
قال ابن ابي العز :
السلف متفقون على أن البشر لا يعلمون أن لله حداً ، وأنهم لا يحدون شيئاً من صفاته فالمعنى أن الله يتعالى عن أن يحيط أحد بحده ، فالمعنى أنه متميز عن خلقه ، منفصل عنهم ، مباين لهم .
سئل عبدالله بن المبارك : بم نعرف ربنا ؟ قال : بأنه على العرش ، بائن من خلقه ، قيل : بحد ؟ قال : بحد انتهى .
ومن المعلوم أن الحد يقال على ما ينفصل به الشيء ويتميز به عن غيره ، والله تعالى غير حال في خلقه ، ولا قائم بهم ، بل هو القيوم القائم بنفسه ، المقيم لما سواه فالحد بهذا المعنى لا يجوز أن يكون فيه منازعة في نفس الأمر أصلاً ، فإنه ليس وراء نفيه إلا نفي وجود الرب ، ونفي حقيقته .
وأما الحد بمعنى العلم والقول ، وهو أن يحده العباد ، فهذا منتف بلا منازعة بين أهل السنة(2).
المسألة الثانية التي أُخذت على ابن حبان هي : قوله عن النبوة أنها العلم والعمل ، قال الذهبي في ميزان الاعتدال(3).
___________________________________________________
(1) وللسقاف كتاب سماه : الرد على معتقد قدم العالم والحد ، وقد رددت عليه في كتابي القدم النوعي للعالم .
(2) شرح الطحاوية ص208 .
(3) (3/508) .
قال أبو اسماعيل الأنصاري : سمعت عبدالصمد بن محمد بن محمد يقول : سمعت
أبي يقول : أنكروا على ابن حبان قوله النبوة العلم والعمل ، وحكموا عليه بالزندقة ، وهجروه ، وكتب فيه إلى الخليفة فأمر بقتله ، وسمعت غيره يقول : لذلك أخرج إلى سمرقند ، قلت : ولقوله هذا محمل سائغ إن كان عناه ، أي(4/83)
عماد النبوة العلم والعمل ، لأن الله لم يؤت النبوة والوحي إلا من اتصف بهذين النعتين ، وذلك لأن النبي يصير بالوحي عالماً ، ويلزم من وجود العلم الإلهي العمل الصالح ، فصدق بهذا الاعتبار قوله النبوة العلم اللدني والعمل المقرب إلى الله .
فالنبوة إذاً تفسر بوجود هذين الوصفين الكامليين ، ولا سبيل إلى تحصيل هذين الوصفين بكمالهما إلا بالوحي الإلهي إذ الوحي الإلهي علم يقيني ما فيه ظن ، وعلم غير الأنبياء منه يقيني ، وأكثره ظني .
ثم النبوة ملازمة للعصمة ، ولا عصمة لغيرهم ولو بلغ في العلم والعمل ما بلغ ، والخبر عن الشيء يصدق ببعض أركانه وأهم مقاصده ، غير أنا لا تسوغ لأحد إطلاق هذا إلا بقرينة كقوله عليه الصلاة والسلام : " الحج عرفة " وإن كان عنى الحصر أي ليس هي إلا العلم والعمل فهذه زندقة وفلسفة ا0هـ .
وقال في سير أعلام النبلاء(1):
سمعت عبدالصمد بن محمد بن محمد ، سمعت أبي يقول : أنكروا على أبي حاتم بن حبان قوله : النبوة : " العلم والعمل " فحكموا عليه بالزندقة ، هجر ، وكتب فيه إلى الخليفة فكتب بقتله .
____________________________________________________
(1) ... (16/96) .
قلت : هذه حكاية غريبة ، وابن حبان من كبار الأئمة ، ولسنا ندعي فيه العصمة من الخطأ ، لكن هذه الكلمة التي أطلقها ، قد يطلقها المسلم ، ويطلقها الزنديق الفيلسوف ، فإطلاق المسلم لها لا ينبغي ، لكن يعتذر عنه ، فنقول : لم يرد حصر المبتدأ في الخبر ، ونظير ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : "الحج عرفة" ومعلوم أن الحاج لا يصير بمجرد الوقوف بعرفه حاجاً ، بل بقي عليه فروض وواجبات ، وإنما ذكر مهم الحج وكذا هذا ذكر مهم النبوة ، إذ من أكمل صفات النبي كمال العلم والعمل ، فلا يكون أحد نبياً إلا بوجودهما ، وليس كل من برز فيهما نبياً ، لأن النبوة موهبة من الحق تعالى ، لا حيلة للعبد في اكتسابها ، بل بها يتولد العلم اللدني والعمل الصالح .(4/84)
وأما الفيلسوف فيقول : النبوة مكتسبة ينتجها العلم والعمل ، فهذا كفر ، ولا يريده أبو حاتم أصلاً ، وحاشاه ، وإن كان في تقاسيمه من الأقوال ، والتأويلات البعيدة ، والأحاديث المنكرة ، عجائب ا0هـ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهؤلاء عندهم النبوة مكتسبة ، وكان جماعة من زندقة الإسلام يطلبون أن يصيروا أنبياء .
قال السفاريني : والحاصل أن النبوة فضل من الله وموهبة ونعمة من الله تعالى يمن بها سبحانه ويعطيها " لمن يشاء " ان يكرمه بالنبوة فلا يبلغها أحد بعلمه ولا يستحقها بكسبه ولا ينالها عن استعداد ولايته بل يخص بها من يشاء " من خلقه " ومن زعم أنها مكتسبة فهو زنديق يجب قتله لأنه يقتضي كلامه واعتقاده ان لا تنقطع وهو مخالف للنص القرآني والأحاديث المتواترة بأن نبينا - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين
عليهم السلام(1).
وقول الناظم ( تسمو ) أي تعلو وترتفع (2). والجوزاء برج في السماء(3).
والدبران يلي الثريا نجم أحمر أطلق العرب عليه اسم ( الدبران ) وقد تطلق عليه اسم ( التابع ) لأنه يتبع الثريا ، و ( الحادى ) كأنه يطلق لها الحداء ، و (المجدح) ، والعرب تتشاءم بنوئه كثيراً لأنه غير محمود في زعمهم ، يطلع الدبران في السادس والعشرين من أيار ( مايو ) حين اشتداد الحر ، وهبوب رياح السموم ، قال الساجع " إذا طلع الدبران يبست الغدران ، وتوقد الخزان وكرهت النيران ، واستعرت الذبّان ، ورمت بأنفسها حيث تشاء الصبيان "(4)..
________________________________________________
(1) لوامع الأنوار (2/268) .
(2) شرح الهمزية لابن حجر الهيثمي (1/162) .
(3) ترتيب القاموس (1/555) .
(4) علم الفلك د 0 يحيى الشامي ص82 .
95 – هذا تقي الدين أنكر جملة **** من قول عبدالقادر الجيلاني
96 – متلمساً عذراً له ومنافحاً **** حتى يقول له كلام ثاني(4/85)
أي أن شيخ الإسلام أنكر بعض كلام عبد القادر الجيلاني لكن مع ذلك يلتمس له العذر بأن له كلاماً ثانياً(1).
والجيلاني ولد سنة 471هـ ، وتوفى سنة 561هـ .
وهو عبدالقادر بن موسى بن عبدالله بن جنكي دوست الحسني ، أبو محمد ، محيي الدين الجيلاني ، أو الكيلاني ، او الجبلي : تنتسب إليه الطريقة القادرية من كبار الزهاد والمتصوفين . ولد في جيلان ( وراء طبرستان ) وانتقل إلى بغداد شاباً ، سنة 488هـ ، فاتصل بشيوخ العلم والتصوف ، وبرع في أساليب الوعظ ، وتفقه ، وسمع الحديث ، وقرأ الأدب ، واشتهر وكان يأكل من عمل يده وتصدر للتدريس والإفتاء في بغداد سنة 528هـ ، وتوفي بها له كتب ، منها " الغنية لطالب طريق الحق – ط " و " الفتح الرباني – ط " و " فتوح الغيب – ط "(2).
_________________________________________________
(1) انظر الفتاوى (10/516) ، وانظر كتاب شيخ الجيلاني وآراؤه الاعتقادية د 0 سعيد بن مسفر .
(2) أعلام الزركلي (4/47) .
97 – والعالم الهروي صاغ منازلاً **** فيها من الأخطاء عد بناني
98 – قال ابن قيمنا لعل مراده **** هذا فإن الوهم سبق لسان
الهروى له كتاب اسمه منازل السائرين طبع بمفرده وشرحه ابن القيم في مدارج السالكين فطبع معه أيضاً والهروي ولد سنة 396هـ وتوفى سنة 481هـ وهو:
عبدالله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي ، أبو اسماعيل : شيخ خراسان في عصره من كبار الحنابلة . من ذرية أبي أيوب الأنصاري . كان بارعاً في اللغة ، حافظاً للحديث ، عارفاً بالتاريخ والأنساب . مظهراً للسنة داعياً إليها . امتحن وأوذي وسمع يقول : " عرضت على السيف خمس مرات ، لا يقال لي ارجع عن مذهبك " لكن يقال لي اسكت عمن خالفك ، فأقول : لا أسكت ! " من كتبه " ذم الكلام وأهله وق سبق الكلام عليه(1).(4/86)
والمنازل فيها أخطاء من حيث ظاهر اللفظ لكن اعتذر عنه ابن القيم بحمل الكلام على أحسن محمل ولهذا قال تعليقاً على بعض عباراته : فهذا أحسن ما يقال في شرح كلامه وتقريره ، وحمله على أحسن الوجوه وأجملها ا0هـ(2).
وله مثل ذلك عبارات كثيرة في المدارج .
____________________________________________________
(1) أعلام الزركلي (4/122) .
(2) مدارج السالكين (3/397) .
99 – ذكر ابن سعدي عن تقي الدين في **** مأموله في الخمس بعد ثمان
100 – في الناس من هو كالذباب فلا يقع **** إلا على جرح من العدوان
ابن سعدي ستأتي ترجمته ، والبيت واضح .
101- ولصاحب السير الذكي عبارة **** مزجت بماء العين في الأجفان
102 – لو أننا كنا تركنا كل من **** قد زل لم يسلم لنا اثنان
صاحب السير هو الذهبي وستأتي ترجمته ، وكتابه سير أعلام النبلاء (1) ، وعبارته هي : ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده – مع صحة إيمانه - ، وتوخيه لاتباع الحق – أهدرناه ، وبدعناه ، لقل من يسلم من الأئمة معنا . رحم الله الجميع بمنه وكرمه ا 0 هـ .
وهذه العبارة من أحسن ما يقال في الاعتذار عن المخالف الذي يجمعه بك صحة الاعتقاد ، وسلامة المنهج .
___________________________________________________
(1) ... أعلام الزركلي (4/122).
103 – ماء الفضائل إن يزد في وزنه **** عن قلتين فذاك ذو رجحان
هذا البيت مأخوذ من الحديث المروي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث " وفي لفظ " لم ينجس " أخرجه الأربعة ، وصححه ابن خزيمة والحاكم وابن حبان(1).
أما حديث القلتين فاسمعه **** جاء صحيحاً ورواه الأربعة .
والمقصود ان الماء الطهور إذا بلغ قلتين و خالطته نجاسة لم تغيره فإن الماء يبقى طهوراً ، وهكذا فضائل الإنسان إن كثرت فإن أخطاء المرء تعد متروكة .(4/87)
وقال ابن رجب في القواعد:والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه(2) __________________________________________________
(1) سبل السلام (1/44) .
(2) القواعد لابن رجب (1/4) .
104 – في سورة الأحقاف يقبل محسن **** ويقابل التواب بالغفران
هذا البيت مأخوذ من قوله تعالى في سورة الأحقاف : { أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون } .(4/88)
كتب المتقدمين
105- وأجلها الذكر الحكيم فإنه **** أصل الهدى وأساس بيان
بدأ الناظم بالكتاب العزيز لفضله وذكر أنه :
أولاً : أصل الهدى والهداية أربعة أنواع :
أحدها الهداية العامة المشتركة بين الخلق المذكورة في قوله تعالى { الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } أي أعطى كل شيء صورته التي لا يشتبه فيها بغيره ، وأعطى كل عضو شكله وهيأته ، وأعطى كل موجود خلقه المختص به ، ثم هداه إلى ما خلقه له من الأعمال ، وهذه الهداية تعم هداية الحيوان المتحرك بإرادته إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضره ، وهداية الجماد المسخر لما خلق له ، فله هداية تليق به كما ان لكل نوع من الحيوان هداية تليق به وان اختلفت أنواعها وضروبها ، وكذلك لكل عضو هداية تليق به فالرجلان للمشى ، واليدان للبطش والعمل ، واللسان للكلام ،والأذن للاستماع ، والعين لكشف المرئيات ،وكل عضو لما خلق له وهدى الزوجين من كل حيوان للازدواج والتناسل وتربية الولد ، وهدى الولد إلى التقام الثدى عند وضعه وطلبه ، ومراتب هدايته سبحانه لا يحصيها إلا هو فتبارك الله رب العالمين ، وقد هدى النحل ان تتخذ من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومن الابنية ثم تسلك سبل ربها مذللة لها لا تستعصى عليها ثم تأوى إلى بيوتها ثم هداها إلى بناء البيوت العجيبة الصفة المحكمة البناء ومن تأمل بعض هدايته المبثوثة في العالم شهد له بأنه الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم .
( النوع الثاني ) هداية البيان والدلالة والتعريف لنجدى الخير والشر ، وطريقى الهلاك والنجاة ، وهذه لا تستلزم الهدى التام فإنها سبب وشرط لا موجب ولهذا ينتفى الهدى معها كقوله تعالى { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } أي بينا لهم وأرشدناهم ودللناهم فلم يهتدوا ومنها قوله { وانك لتهدي إلى صراط مستقيم }
( الثالث ) هداية التوفيق والالهام المستلزمة للاهتداء التي ذكرناها آنفا.
((5/1)
الرابع ) غاية هذه الهداية وهي الهداية إلى الجنة والنار إذا سيق أهلهما إليهما قال تعالى : { ان الذين أمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم } وقال أهل الجنة فيها { الحمد لله الذي هدانا لهذا } وقال تعالى عن أهل النار { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم } وتفاصيل أنواع الهداية وأسبابها ومتعلقاتها كثيرة جدا ذكها الإمام المحقق ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد وقد لخصت لك منه ما لعله يحصل به أصل المقصود والله أعلم (1).
ثانياً : ذكر الناظم عن القرآن انه أساس كل بيان : وعندما رأى العرب أسلوب القرآن رأوا ألفاظهم بأعيانها متساوقة فيما ألفوه من طرق الخطاب وألوان المنطق ليس في ذلك إعنات ولا معاياة ، غير أنهم ورد عليهم من طرق نظمه ، ووجوه
تركيبه ، ونسق حروفه في كلماتها ، وكلماته في جملها ، ونسق هذه الجمل في
جملته - ما أذهلهم عن أنفسهم ، من هيبة رائعة وروعة مخوفة ، وخوف تقشعر منه الجلود ؛ حتى أحسوا بضعف الفطرة القوية ، وتخلف الملكة المستحكمة ؛
_________________________________________________
(1) ... لوامع الأنوار للسفاريني ( ) .
ورأي بلغاؤهم أنه جنس من الكلام غير ما هم فيه ، وأن هذا التركيب هو روح(5/2)
الفطرة اللغوية فيهم ، وأنه لا سبيل إلى صرفه عن نفس أحد العرب أو اعتراض مساغه إلى هذه النفس ، إذ هو وجه الكمال اللغوي الذي عرف أرواحهم واطلع على قلوبهم وقد استيقن بلغاء العرب كل ذلك فاستيأسوا من حق المعارضة ، إذ وجدوا من القرآن ما يغمر القوة ويحيل الطبع ويخاذل النفس مصادمة لا حيلة ولا خدعة ، وإنما سبيل المعارضة الممكنة التي يطمع فيها أن يكون لصاحبها جهة من جهات الكلام لم يؤخذ عليه ، وفن من فنون المعنى لم يستوف قبله ، وباب من أبواب الصنعة لم يصفق من دونه ، وأن تكون وجوه البيان له معرضة يأخذ في هذا ويعدل عن ذلك ؛ حتى يستطيع أن يعارض الحسنة بالحسنة ، ويضع الكلمة بإزاء الكلمة ، ويقابل الجملة بالجملة ، ثم يصير الأمر بعد ذلك إلى مقدار التأثير الذي يكون لكلامه ، وإلى مبلغه في نفوس القوم ؛ من تأثير الكلام الذي يعارضه(1).
___________________________________________________
(1) ... إعجاز القرآن للرافعي ص189 .
106 – كتب الصحاح وبعدها **** سنت أتت من عالم رباني
استخدم أهل العلم كلمة الصحاح في إطلاقين :
الإطلاق الأول : إطلاقها على البخاري ومسلم وكتب السنن وهذا على سبيل التساهل كما قال العراقي :
ومن عليها أطلق الصحيحا **** فقد أتى تساهلاً صريحاً
قال زكريا في شرحه :
( ومن عليها ) أي : كتب السنن كلها أو بعضها ( اطلق الصحيحا ) كالحاكم حيث أطلقه على " سنن " أبي داود ، والترمذي ، وكابن مندة حيث أطلقه على سنن أبي داود والنسائي ، وكأبي طاهر السلفي حيث قال : اتفق علماء المشرق والمغرب على صحة الكتب الخمسة ( فقد أتى تساهلاً صريحاً ) إذ فيها ما صرحوا بأنه ضعيف أو منكر أو نحوه(1).(5/3)
الإطلاق الثاني : وهذا هو مراد الناظم أي الكتب التي التزمت الصحة التي هي رواية العدل الضابط من أول السند إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة ، على اختلاف في تحقيق هذه الشروط بين شدتها وخفتها فأعلاها صحة البخاري ومسلم ، ثم شرطهما ثم شرط كل منهما ، ثم ما كان صحيحاً ولم يكن على شرط أحدهما ، ومنها الكتب التي التزمت الصحة كابن حبان والحاكم وغيرهما إلا أنهما أخف شروطاً من البخاري ومسلم ولهذا قال السيوطي في ألفيته :
ما ساهل البستى في كتابه **** بل شرطه خف وقد وفى به .
________________________________________
(1) فتح الباقي ص108 .
وسنتكلم باختصار عن الكتب التي التزمت الصحة وهي :
1- صحيح البخاري :
واسمه ( الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته وأيامه ) للإمام الحافظ أمير المؤمنين في الحديث أبي عبدالله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم الجعفي البخاري ( المولود سنة 194هـ ، والمتوفى سنة 256هـ ) رحمه الله ، وصحح البخاري أول ما صنف في الحديث الصحيح صنفه على أبواب الفقه .
2- صحيح مسلم :
وهو الجامع لحجة الإسلام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (المولود سنة 204 والمتوفى سنة 261هـ في نيسابور ) صنف الإمام مسلم صحيحه على أبواب الفقه ).
3- الموطأ :
على رأي بعض أهل العلم ، للإمام مالك بن أنس الأصبحي الحميري ولد سنة 93هـ ، وتوفى سنة 179هـ ، ومن الذين رأوا صحة موطأ مالك العلامة محمد حبيب الله بن ما يأبي الجكني في أبيات نظمها وقال فيها :
أول من ألف في الصحيح **** مالك الإمام في الصحيح
كما له ابن حجر قد رجعا **** في نكت كان لها قد جمعا
وغيره مما به سأعلن **** في ردما الرد عليه بين (1)
4- صحيح ابن خزيمة :
لإمام الأئمة أبي عبدالله وأبي بكر محمد بن اسحاق بن خزيمة السلمي
________________________________________
(1) ... إضاءة الحالك ص7 .
النيسابوري (311هـ – 924م ) .(5/4)
وهو كتاب مختص بجمع الأحاديث الشريفة ، وكان ابن خزيمة فقيهاً شافعياً مجتهداً عالماً بالحديث وهو شيخ ابن حبان ، ويعرف عند المحدثين بإمام الأئمة .
5- صحيح ابن حبان وقد سبق .
6- مستدرك الحاكم المولود سنة 321 والمتوفى سنة 405هـ
أبو عبدالله ، واسمه محمد بن عبدالله بن حمدوية بن نعيم المعروف بابن البيع الضبي الشافعي النيسابوري ، واشتهر بأبي عبدالله الحاكم .
ولقب بالحاكم إما لتوليه القضاء فترة من الزمن ، و إما أنها رتبة له في العلم بالحديث ، وهذه الرتبة هي الثانية التي تلي أمر أمير المؤمنين في الحديث .
ولقب أيضاً بالحافظ لقوة حفظه - رحمه الله - ولذلك إذا قال البيهقي : "حدثنا أبو عبدالله الحافظ " فإنه يعني شيخه الحاكم .
7- كتاب الأحاديث الجياد المختارة مما ليس في الصحيحين أو احدهما ، لضياء الدين أبي عبدالله محمد بن عبدالواحد بن أحمد بن عبدالرجمن السعدي (المقدسي) ثم الدمشقي ، الصالحي الحنبلي ، المتوفى سنة ثلاث وأربعين وستمائة ، وهو مرتب على المسانيد على حروف المعجم ، لا على الأبواب ، ولم يكمل
، التزم فيه الصحة ، وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها ، وقد سلم له فيه إلا أحاديث يسيرة جداً تعقبت عليه ، وذكر ابن تيمية والزركشي وغيرهما : ان تصحيحه أعلا مزية من تصحيح الحاكم (1)
8- صحيح الحافظ أبي علي سعيد بن عثمان بن سعيد ( بن السكن ) البغدادي
________________________________________________
(1) ... الرسالة المستطرفة ص24.
المصري نزيل مصر ، المتوفى بها سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة ويسمى بالصحيح المنتقى وبالسنن الصحاح المأثورة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكنه كتاب محذوف الأسانيد جعله أبواباً في جميع ما يحتاج إليه من الأحكام ضمنه ما صح عنده من السنن المأثورة قال : وما ذكرته في كتابي هذا جملاً فهو مما أجمعوا على صحته(1)(5/5)
وقول الناظم ( وبعدها سنن أتت ) أي كتب السنن وأشهرها سنن أبي داود ، والنسائي ، والترمذي ، وابن ماجه .
1- سنن أبي داود : للإمام الثبت سيد الحفاظ سليمان بن الشعت السجستاني (المولود سنة 202هـ والمتوفى سنة 275هـ ) صنف أبو داود كتابه على أبواب الفقه واقتصر فيه على السنن والأحكام فلم يذكر فيه القصص والمواعظ والأخبار والرقائق وفضائل الأعمال ، فكتابه خاص بأحاديث الأحكام ، ولم يقصد فيه تخريج الحديث الصحيح فقط بل أخرج فيه الصحيح والحسن وما دون ذلك ، وكثيراً ما يشير إلى ما فيه نكارة أو ضعف شديد .
2- سنن النسائي : للامام الحافظ أبي عبد الرحمن أحمد ابن شعيب النسائي - بفتح النون والسين نسبة إلى بلده نساء بخراسان ( المولود سنة 215 - والمتوفى
سنة 303هـ ) صنف النسائي سننه ولم يخرج فيها عن راو أجمع النقاد على
تركه ، وقد رتب كتابه على أبواب الفقه ، وسنن النسائي اقل السنن حديثاً ضعيفاً ، وهو في مرتبة سنن أبي داود قريبة منه .
3- سنن الترمذي أو الجامع الصحيح : للإمام الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ، ، (المولود نحو سنة 209هـ المتوفى سنة 279هـ)
________________________________________
(1) الرسالة المستطرفة ص25 .
صنف الترمذي سننه على أبواب الفقه ، وهذا المصنف من أجمع كتب الحديث وأغزرها علماً وصناعة حديثية ، فقد أخرج الترمذي في كتابه الصحيح والحسن والضعيف والغريب والملل وكشف عن علته ، كما ذكر المنكر وبين وجه النكارة فيه ، وتكلم في فقد الأحاديث ومذاهب السلف وفي الرواة وغير ذلك مما له صلة بالحديث وبعلومه .(5/6)
4- سنن ابن ماجه : للإمام الحافظ أبي عبدالله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجه ( المولود سنة 209 - والمتوفى سنة 273هـ ) صنفه ابن ماجه على أبواب الفقه ، ولم يلتزم فيه إخراج الصحيح ، ففيه الصحيح والحسن والضعيف ، وفي هذا الكتاب أحاديث لم تخرج في الصحيحين والسنن ولهذه الميزة ضمه العلماء إلى الكتب الست(1) .
والسنن في اصطلاحهم الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية من الإيمان والطهارة والصلاة والزكاة ، إلى آخرها ، وليس فيها شيء من الموقوف لأن الموقوف لا يسمى في اصطلاحهم سنة ويسمى حديثاً(1) .
________________________________________
(1) لمحات في المكتبة د 0 عجاج ص174 .
(2) الرسالة المستطرفة ص25.
107 – ثم المسانيد العظام كأحمد **** ومعاجم الإسلام كالطبراني
وكتب المسانيد هي التي موضوعها جعل أحاديث كل صحابي على حدة .
ولقد جرى على ذلك جمع من العلماء ، يذكرون الصحابي وتحته ما رواه من أحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما قاله من رأيه أو تفسيره . وإنما كتبوا الأحاديث مرتبة على الصحابة أو التابعين لأنهم كانوا يكتبون للناس ليحفظوا ، فكانوا يجعلون وحدة الحفظ مرويات الصحابي ، فكانت مرويات الصحابي بمثابة السورة من القرآن ، وحدة مستقلة ينشط طالب العلم إذا انتهى من واحدة وبدأ في الأخرى .(5/7)
والمسانيد كثيرة جداً فلقد كانت منهج العلماء على رأس المائتين . فألف كثيرون عليها ومن أشهرها مسند الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - وهو الذي يراد عند إطلاق كلمة مسند، أما في غيره فتقال مقيدة ، ومنها أيضاً مسند الحميدي - شيخ البخاري - وهو مطبوع شائع ، ومنها مسند أبي داود الطيالسي وهو أيضاً مطبوع ، والمسند الكبير على الرجال لمسلم بن الحجاج ، ومسند نعيم بن حماد المروزى ، ومسند أبي اسحاق ابراهيم بن نصر المطوعى ، ومسند أسد بن موسى ، ومسند أبي محمد عبيد الله بن موسى بن أبي المختار باذام العبسي ، ومسند يحيى بن عبدالحميد الحماني ، ومسند مسدد بن مسرهد ، ومسند ابي خيثمة زهير بن حرب ، وغير ذلك كثير.
وقد كتب كل من البوصيري المتوفى سنة 840هـ ، والحافظ ابن حجر المتوفى سنة 852هـ زوائد بعض المسانيد على الكتب الستة ومسند أحمد ، والمسانيد التي اختاروها هي مسند الطيالسي ومسدد بن مسرهد والحميدي ، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر ، واسحاق بن راهوية وابن أبي شيبة ، وأحمد بن منيع ، وعبد بن حميد ، والحارث ابن أبي أسامة ، وأبي يعلى الموصلي .
وقوله ( ومعاجم الإسلام كالطبراني )
المعاجم ، جمع معجم ، وهو في اصطلاحهم ما تذكر فيه الأحاديث على ترتيب الصحابة أو الشيوخ أو البلدان أو غير ذلك ، والغالب أن يكونوا مرتبين على حروف الهجاء .
كمعجم الطبراني الكبير المؤلف في أسماء الصحابة على حروف المعجم ، عدا مسند أبي هريرة فانه افرده في مصنف ، يقال انه أورد فيه ستين ألف حديث في اثنى عشر مجلداً ، وفيه قال ابن دحية : هو أكبر معاجم الدنيا ، وإذا أطلق في كلامهم المعجم فهو المراد وإذا أريد غيره قيد ، والأوسط ألفه في أسماء شيوخه ، وهم قريب من ألفى رجل ، حتى انه روى عمن عاش بعده لسعة روايته وكثرة شيوخه ، وأكثر من غرائب حديثهم .
والطبراني ولد سنة 260هـ ، وتوفى سنة 360هـ .(5/8)
وهو سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي ، أبو القاسم : من كبار المحدثين . أصله من طبرية الشام ، وإليها نسبته ولد بعكا ، ورحل إلى الحجاز واليمن ومصر والعراق وفارس والجزيرة ، وتوفى بأصبهان.
________________________________________
(1) الأعلام (3/121) .
108 – ثم الشروح وخيرها من نهجه **** في منهج الأسلاف أهل الشان
أي شروح الصحاح والسنن وما أكثرها فمن شروح البخاري المطبوعة شرح الخطابي ، وابن بطال ، والكرماني ، وابن رجب ، وابن حجر ، والعيني ، والسيوطي ، والقسطلاني ، ومحمد يحيى المالكي ،
ومن شروح مسلم المطبوعة شرح كل من : المازري ، وعياض ، والقرطبي ، شيخ القرطبي المفسر ، والنووي ، والأبي ، والسنوسي ، والسيوطي ، وشبير العثماني .
ومن شروح الموطأ شرح كل من :
ابن عبدالبر في الاستذكار والتمهيد ، والباجي ، وابن العربي ، والسيوطي ، والدهلوي ، والزرقاني ، والكانهلوي ، والندوي .
ومن شروح أبي داود شرح كل من :
الخطابي ، والعيني ، والسهارنفوري ، وشمس الحق الأبادي ، وأمين خطاب ، ومن شروح الترمذي شرح كل من ابن العربي ، وابن سيد الناس ، والمباركفوري والبنوري .
ومن شروح ابن ماجه شرح كل من .
مغلطاي ، والسندي ، وغير ذلك من الشروح.
ثم قال المؤلف إن خير الشروح ما كان منها على منهج السلف .
109 – وعليك بالكتب التي ما مثلها **** كتب ابن تيمية له شكران
نصح الناظم بكتب شيخ الإسلام وقد سبق أن ذكرنا بعضها .
قال في لسان العرب :
الشكر : عرفان الإحسان ونشره ، وهو الشكور أيضاً قال ثعلب : الشكر لا يكون إلا عن يد ، والحمد يكون عن يد وعن غير يد ، فهذا الفرق بينهما والشكر من الله : المجازاة والثناء الجميل ، شكره وشكر له يشكر شكراً وشكوراً وشكراناً ؛ قال أبو نخيلة :
شكرتك ، إن الشكر حبل من التقى **** وما كل من أوليته نعمة يقضي(5/9)
قال ابن سيده : وهذا يدل على أن الشكر لا يكون إلا عن يد ، ألا ترى أنه قال : وما كل من أوليته نعمة يقضي ؟ أي ليس كل من أوليته نعمة يشكرك عليها .
110- وأخص تلميذا له متوقداً **** وابن الكثير مفسر القرآن
وتلميذه هو الإمام ابن القيم وقد سبق ذكر بعض مؤلفاته .
وأما ابن كثير فقد ولد سنة 701هـ ، وتوفى سنة 774هـ
وهو اسماعيل بن عمر بن كثير بن ضو بن درع القرشي البصروي ثم الدمشقي ، أبو الفداء ، عماد الدين : حافظ مؤرخ فقيه . ولد في قرية من أعمال بصرى الشام ، وانتقل مع أخ له إلى دمشق سنة 706هـ ، ورحل في طلب العلم وتوفي بدمشق ، تناقل الناس تصانيفه في حياته من كتبه " البداية والنهاية - ط " 14 مجلداً في التاريخ على نسق الكامل لابن الأثير انتهى فيه إلى حوادث سنة 767 و " شرح صحيح البخاري " لم يكمله .
ويعد تفسيره من التفسير بالمأثور حيث يفسر القرآن بالقرآن ثم بالحديث ثم بالآثار المسندة إلى أصحابها .
111- والشكر للذهبي في تأليفه **** ومصنف للفتح والميزان
الذهبي ولد سنة 673 وتوفى سنة 748هـ وهو محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي شمس الدين أبو عبدالله : حافظ ، مؤرخ ، علامة محقق ، تركماني الأصل ، من أهل ميافارقين . مولده ووفاته في دمشق رحل إلى القاهرة وطاف كثيراً من البلدان ، وكف بصره سنة 741هـ تصانيفه كبيرة كثيرة تقارب المئة ، منها " دول الإسلام - ط " جزآن ، و " المشتبه في الأسماء والأنساب ، والكنى والألقاب - ط " ، و " تاريخ الإسلام الكبير - خ " 36 مجلداً ، طبع منها خمسة ، و " سير النبلاء - ط" ، و"تذكرة الحفاظ - ط " " و الكاشف " في تراجم رجال الحديث - ط " ، و " العبر في خبر من غبر - ط " ، و " طبقات القراء - ط " .
ومصنف الفتح أي فتح الباري للحافظ ابن حجر المولود سنة 773هـ والمتوفى سنة 852هـ وهو :(5/10)
أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني ، أبو الفضل ، شهاب الدين ، ابن حجر : من أئمة العلم والتاريخ . أصله من عسقلان ( بفلسطين ) ومولده ووفاته بالقاهرة ولع بالأدب والشعر ثم أقبل على الحديث ، ورحل إلى اليمن والحجاز وغيرهما لسماع الشيوخ ، وعلت له شهرة فقصده الناس للأخذ عنه وأصبح حافظ الإسلام في عصره ، قال السخاوي : " انتشرت مصنفاته في حياته وتهادتها الملوك وكتبها الأكابر" وترجم له السخاوي في كتاب اسمه الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر في كتاب طبع في ثلاثة مجلدات بتحقيق ابراهيم عبدالمجيد .
وقوله ( والميزان ) أي ميزان الاعتدال .
وهو كتاب في تراجم الرجال الذين رووا الحديث الشريف وكانوا من الضعفاء أو من الذين تكلم العلماء فيهم للذب عنهم ، أو لأن الكلام غير مؤثر فيهم ضعفاً .(5/11)
ورتبه على حروف المعجم في الأسماء والآباء ، ليقرب تناوله ، وأتبعه بباب في الكنى والأنساب والمجاهيل ، ووضع عقب الاسم رمزاً بالحروف للدلالة على الكتاب أو الكتب التي خرجت أحاديثه من الأئمة الستة البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه . واستوعب أسماء جميع الرجال والنساء ممن له ذكر في الكتب الستة وذكر أقوال العلماء في الرواة جرحاً وتعديلاً ، ولكنه لم يذكر أسماء الصحابة لجلالتهم ، ولاتفاق العلماء على عدالتهم مهما نقل عنهم من افتراء أو طعن ولم يذكر أيضاً أسماء الأئمة المتبوعين في الفروع لمكانتهم واحتوى الكتاب على ذكر الوضاعين والكذابين والمتهمين بالوضع أو بالتزوير ، وعلى الكذابين في لهجتهم لا في الحديث ، والمتروكين الذين لا يعتمد على روايتهم ، وعلى الحفاظ الذين في دينهم رقة ووهن ، أو على الضعفاء من قبل حفظهم الذين لهم غلط وأوهام ممن يقبل حديثهم في الشواهد والاعتبار ، وعلى الصادقين والمستورين الذين فيهم لين ، وعلى خلق كثير من المجهولين ، ثم على الثقات الذين فيهم بدعة ، أو تكلم فيهم من لا يلتفت إلى كلامه وضم الكتاب ( 11053 ) ترجمة(1)
________________________________________
(1) مرجع العلوم الإسلامية ص307.
112- وكذا النواوي وهو صاحب حجةٍ **** في سنة المختار والقران
النووي ولد سنة 631 وتوفى سنة 676هـ
وهو يحيى بن شرف بن مري بن حسن الحزامي الحوراني ، النووي ، الشافعي ، أبو زكريا ، محيي الدين : علامة بالفقه والحديث . مولده ووفاته في نوا ( من قرى حوران ، بسورية ) وإليها نسبته .تعلم في دمشق ، وأقام بها زمناً طويلاً . من كتبه " تهذيب السماء واللغات – ط " و " منهاج الطالبين – ط " و " الدقائق – ط " و " تصحيح التنبيه – ط " في فقه الشافعية .
113- حاز ابن عبد البر فينا منزلاٌ **** يعلو على المريخ أو كيوان
ابن عبدالبر ولد سنة 368هـ ، وتوفى سنة 463هـ(5/12)
وهو يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبدالبر النمري القرطبي المالكي ، أبو عمر : من كبار حفاظ الحديث ، مؤرخ ، أديب ، بحاثة . يقال له حافظ المغرب ولد بقرطبة ورحل رحلات طويلة في غربي الأندلس وشرقيها وولي قضاء لشبونة وشنترين . وتوفي بشاطبة من كتبه " الدرر في اختصار المغاري والسير - ط " و " العقل والعقلاء " و " الاستيعاب - ط " ، في تراجم الصحابة ، و " جامع بيان العلم وفضله - ط " و " بهجة المجالس وأنس المجالس - ط " في المحاضرات ، و " الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء - ط " ترجم به مالكاً وأبا حنيفة والشافعي ، و " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد " كبير جداً ط و " الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار - ط "
والمريخ رابع الكواكب بعداً عن الشمس وكيوان أو خيوان الكوكب السادس بعداً من الشمس واسمه زحل (1).
________________________________________
(1) لسان العرب (12/197) .
114- ولابن حزم عبقرية عالم **** لولا الخدوش اتى بطلع داني
ابن حزم ولد سنة 384هـ وتوفي سنة 456هـ(5/13)
وهو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري ، أبو محمد : عالم الأندلس في عصره ، وأحد أئمة الإسلام كان في الأندلس خلق كثير ينتسبون إلى مذهبه ، يقال لهم " الحزمية " ولد بقرطبة وكانت له ولأبيه من قبله رياسة الوزارة وتدبير المملكة ، فزهد بها وانصرف إلى العلم والتأليف ، فكان من صدور الباحثين فقيهاً حافظاً يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة ، بعيداً عن المصانعة وانتقد كثيراً من العلماء والفقهاء ، فتمالأوا على بغضه ، وأجمعوا على تضليله وحذروا سلاطينهم من فتنته ، ونهوا عوامهم عن الدنو منه ، فأقصته الملوك وطاردته ، فرحل إلى بادية لبلة ( من بلاد الأندلس ) فتوفي فيها رووا عن ابنه الفضل أنه اجتمع عنده بخط أبيه من تآليفه نحو 400 مجلد ، تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة وكان يقال : لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان أشهر مصنفاته " الفصل في الملل والأهواء والنحل - ط " وله " المحلى - ط " في 11 جزءاً ، فقه ، و " جمهرة الأنساب - ط " و ط الناسخ والمنسوخ - ط و " حجة الوداع - ط "
قال الذهبي :
قال الشيخ عز الدين بن عبدالسلام - وكان أحد المجتهدين - : ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل " المحلى " لابن حزم ، وكتاب " المغني " للشيخ موفق الدين .
قلت : لقد صدق الشيخ عز الدين وثالثهما : " السنن الكبير " للبيهقي ،
ورابعها : " التمهيد " لابن عبدالبر فمن حصل هذه الدواوين ، وكان من أذكياء المفتين ، وأدمن المطالعة فيها ، فهو العالم حقاً(1).
لكن هذا الكلام محمول على من ترقي في العلم وبلغ به منزلاً لا أن يبدأ طالب العلم المبتدىء بهذه الدواوين فإنه لن يحصل بها الملكة الفقهية ، ولابد من أن يحذر في بداية طلبه من قراءة المحلى حتى لا يتجرأ على أهل العلم .
________________________________________
(1) السير (18/193) .
كتب معاصرة تقرأ
115- علماء عصرك إن أردت قراءة **** في كتبهم فانصت لذي التبيان(5/14)
قول الناظم ( إن أردت قراءة ) فيه دلالة على ان الأصل عدم قراءة كتب المعاصرين ، والاكتفاء بكتب السابقين لكثرة فائدتها بخلاف المعاصرين لقلتها لكن قد تكون في بعضها فوائد لا يستغني ولهذا انتقى الناظم أهم من يُقرأ لهم .
116- كتب المجددِ كالرياضِ أنيقةٌ **** ورجالُ دعوتهِ أولو العرفان
بدأ بكتب المجدد الإمام محمد بن عبدالوهاب وقد ذكرنا كتبه فيما سبق .
والأنقُ : الاعجاب بالشيء ، أنقتُ به آنق أنقاً ، وهو أنق وأنيقٌ : أي معجب وآنقنى يؤنقني وروضةٌ أنيقٌ . ونحن في أناقةٍ من عيشنا ودهرنا .
وما آنق فلانٌ في كذا : أي ما أشد طلبه له .
وماله في الشيء آنقهٌ : أي ليس له عجبٌ(1) .
وقوله ( ورجاله دعوته ) أي الذين سلكوا منهج الإمام محمد في الدعوة إلى التوحيد وما أكثرهم في نجد والحجاز وسائر الأقطار .
____________________________________________________
(1) ... المحيط (6/37) .
117-اقرأ لابن الباز بورك سعيه **** ومحمد بن الصالح الرباني
ثنى الناظم بالإمام ابن باز رحمه الله وترجم له في رسالة سماها الممتاز في مناقب الشيخ ابن باز وهي مع صغر حجمها حوت فوائد كثيرة .
نسبه : هو أبو عبدالله عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالرحمن بن محمد ابن عبدالله آل باز .
مولده : ولد بمدينة الرياض في الثاني عشر من ذي الحجة عام 1330هـ – 12/12/1330هـ .
نشأته : نشأ سماحة الشيخ رحمه الله في مدينة الرياض وأصابه مرض في عينيه عام 1246هـ وفقد بصره في مستهل محرم 1350هـ .
والحديث عنه يحتاج إلى دراسة كبيرة وقد خرجت بعض الدراسات إلى النور بعد وفاته .
وأما العلامة العثيمين فهو أبو عبدالله محمد بن صالح بن محمد بن عثيمين الوهيبي التميمى .
مولده : ولد في مدينة عنيزه في 27 من رمضان المبارك عام 1347هـ .
نشأته : قرأ القرآن على جده من جهة أمه عبدالرحمن بن سليمان آل دامغ رحمه الله . فحفظه ثم اتجه إلى طلب العلم فتعلم الخط والحساب وبعض فنون الآداب.(5/15)
ويقول فضيلة الشيخ حفظه الله إنني تأثرت بالشيخ ابن سعدى كثيراً في طريقة التدريس وعرض العلم وتقريبه للطلبة بالأمثلة والمعاني ، وكذلك أيضاً تأثرت به من ناحية الأخلاق لأن الشيخ عبدالرحمن رحمه الله كان على جانب كبير من الأخلاق الفاضلة وكان رحمه الله على قدرة في العلم والعبادة ، وكان يمازح الصغير ويضحك إلى الكبير وهو ما شاء الله من أحسن من رأيت أخلاقاً .
والجدير بالذكر أن سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله قد عرض بل ألح على فضيلة الشيخ العثيمين في تولي القضاء ، بل أصدر قراره بتعيينه حفظه الله تعالى رئيساً للمحكمة الشرعية بالإحساء فطلب منه الإعفاء ، وبعد مراجعات واتصال شخصي من فضيلة الشيخ سمح رحمه الله تعالى بإعفائه من منصب القضاء .
118- ثم الأمين محمد أنعم به **** حاز الذكاء من أرض موريتاني
الشنقيطي ولد سنة 1325هـ ، وتوفى سنة 1393هـ .
وهو محمد الأمين بن محمد المختار بن عبالقادر الجكني الشنقيطي : مفسر مدرس من علماء شنقيط ( موريتانيا ) . ولد وتعلم بها وحج (1367) واستقر مدرساً في المدينة المنورة ثم الرياض (71) وأخيراً في الجامعة الإسلامية بالمدينة (1381) وتوفى بمكة . له كتب ، منها " أضواء البيان في تفسير القرآن – ط " ، و " منع جواز المجاز – ط " و " منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات – ط " صغير و " دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب – ط " و " آداب البحث والمناظرة –ط " جزآن .
وللدكتور عبدالعزيز الطويان مجلدان في جهود الشنقيطي في تقريره عقيدة السلف.
119- وحمود من نسل التواجر عالم **** وكذا ابن جبرين مع السلماني
التويجرى هو حمود بن عبدالله التويجري ولد سنة 1334هـ ، وتوفى سنة 1413هـ .
ولد بمدينة المجمعة ( في السعودية ) وابتدأ القراءة على يد الشيخ أحمد الصانع عام 1342هـ وذلك قبل وفاة والده بأيام قلائل .(5/16)
تعلم على يديه مبادىء القراءة والكتابة ، ثم حفظ القرآن ولم يتجاوز الحادية عشر من عمره .
ثم ابتدأ القراءة على الفقيه الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري قاضي المجمعة وتوابعها وفقيهها ، ولازمه ما يزيد على ربع قرن من الزمن ؛ قرأ عليه في شتى العلوم والفنون .
ألزم الشيخ بالقضاء في رحيمة ورأس تنورة بالمنطقة الشرقية وذلك عام 1368هـ ، وبقي بها نحواً من ستة أشهر ، ثم ألزم بالقضاء مرة أخرى في مدينة الزلفي عام 1369هـ ، وبقي بها إلى آخر سنة 1373هـ ، ثم اعتذر عن القضاء .
وقد بلغت مؤلفاته أكثر من خمسين مؤلفاً .
وأما ابن جبرين فهو : الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله بن إبراهيم بن فهد بن حمد بن جبرين بن محمد بن عبدالله بن رشيد ، من قبيلة بني زيد المعروفين في نجد ، وكان أصلهم من بلد شقراء ، ثم نزح الكثير منهم إلى كثير من القرى ، ومنها بلد القويعية وهي بلد المترجم له .
ولد سنة تسع وأربعين بعد الثلاث مائة والألف من الهجرة النبوية ، في بلد محيرقة ، وهي إحدى قرى القويعية .
نشأ في قرية الرين التابعة للقويعية ، وفي بلد محيرقة ، وقرأ القرآن على أبيه ، وعلى إمام جامع محيرقة ، وهو أحد أعمامه ، واسمه سعد بن عبدالله بن جبرين بن فهد .
ثم تعلم على والده ، وعلى قاضي الرين فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن محمد الشثري .
وله جهد كبير إلى الآن في التعليم والتدريس في مختلف العلوم .
( والسلماني ) هو العلامة عبدالعزيز المحمد السلمان المدرس في معهد إمام الدعوة بالرياض اشتهر بالفقه والزهد في تأليفاته ، له كتاب كبير في الفقه اسمه الأسئلة والأجوبة الفقهية المقرونة بأدلتها الشرعية ، وله كتب كثيرة في الزهد والسلوك والمواعظ .
120- ومؤلفوا كتب الحديث بعصرنا **** كمحمد ابن الناصر الألباني
الألباني هو أبو عبدالرحمن محمد ناصر الدين بن نوح الألباني .(5/17)
مولده : ولد الشيخ حفظه الله سنة 1333هـ في مدينة " اشقودرة " عاصمة " البانيا " قديماً .
نشأته : نشأ في أسرة فقيرة يغلب عليها حب العلم وأهله فقد تخرج والده الحاج نوح من المعاهد الشرعية في عاصمة الدولة العثمانية ورجع إلى بلاده وصار مرجع الناس ، وقد توجه الألباني لعلم الحديث في العشرين من عمره متأثراً بأبحاث مجلة المنار التي يصدرها الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله ، وكان أول عمل حديثي قام به هو نسخ كتاب المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار وقد أنكر عليه والده عمله في الحديث قائلاً له " إن علم الحديث صنعة المفاليس " ورغم ذلك فلم يزدد الشيخ إلا حباً في الحديث ، ولما كانت أسرته أسرة فقيرة لم يكن يجد لديها من النقود ما يشتري به ما يشاء من الكتب لذلك توجه شطر المكتبة الظاهرية ، وكان يستعير من بعض المكتبات الخاصة ، وقد رزقه الله عمراً طويلاً وكتب مؤلفات كثيرة حتى لا يكاد يخلو بيت من كتبه .
121- وابن الوزير له علوم جمة **** ومحمد المعروف بالصنعاني
ابن الوزير ولد سنة 775هـ ، وتوفى سنة 840هـ .
وهو محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني القاسمي ، أبو عبدالله ، عز الدين ، من آل الوزير : عالم باحث ، من أعيان اليمن . ولد في هجرة الظهران ( من شطب : أحد جبال اليمن ) وتعلم بصنعاء وصعدة ومكة وأقبل في أواخر أيامه على العبادة . قال الشوكاني : " تمشيخ وتوحش في الفلوات وانقطع عن الناس " ومات بصنعاء . له كتب نفائس ، منها " إيثار الحق على الخلق – ط " و " تنقيح الأنظار في علوم الآثار – ط " في مصطلح الحديث ، و " قبول البشرى بالتيسير لليسرى – ط " و " العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم – ط " ومختصره " الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم –ط "
وأما الصنعاني فقد ولد سنة 1099هـ وتوفى سنة 1182هـ وهو :(5/18)
محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني ، الكحلاني ثم الصنعاني ، أبو إبراهيم ، عز الدين ، المعروف كأسلافه بالأمير من بيت الإمامة في اليمن . يلقب " المؤيد بالله " ابن المتوكل على الله أصيب بمحن كثيرة من الجهلاء والعوام . له نحو مائة مؤلف ، ذكر صديق حسن خان أن أكثرها عنده ( في الهند ) ولد بمدينة كحلان ، ونشأ وتوفى بصنعاء .
لكن ينبغي الحذر من بعض أقواله العقائدية وبخاصة في مسألتين :
الأولى : انه ذهب إلى قول المعتزلة في مسألة خلق أفعال العبد كما ذكر ذلك في كتابه إيقاظ الفكرة في مراجعة الفطرة وزعم أنه هو مذهب أهل السنة .
المسألة الثانية : إن ما يفعله القبوريون هو من الكفر العملي لا الكفر الجحودي وقد رد عليه الشوكاني في الدر النضيد .
122- كتب يدبجها بجودة ذهنه **** صديق خان وشيخه الشوكاني
صديق خان ولد سنة 1248هـ ، وتوفى سنة 1307هـ .
وهو محمد صديق خان بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القنوجي ، أبو الطيب : من رجال النهضة الإسلامية المجددين ولد ونشأ في قنوج ( بالهند ) وتعلم في دهلي وسافر إلى بهوبال طلباً للمعيشة ، ففاز بثروة وافرة ، قال في ترجمة نفسه : " ألقى عصا الترحال في محروسة بهوبال ، فأقام بها وتوطن وتمول ، واستوزر وناب ، وألف وصنف ، وتزوج بملكة بهوبال ، ولقب بنواب عالي الجاه أمير الملك بهادر . له نيف وستون مصنفاً بالعربية والفارسية والهندية منها بالعربية " حسن الأسوة في ما ثبت عن الله ورسوله في النسوة – ط " و " أبجد العلوم – ط " و " فتح البيان في مقاصد القرآن –ط " في التفسير ، و "حصول المأمول من علم الأصول –ط " و " عون الباري – ط " في الحديث ، و " العلم الخفاق من علم الاشتقاق – ط " و" نيل المرام من تفسير آيات الأحكام – ط " و " البلغة إلى أصول اللغة – ط " و " الروضة الندية – ط " في شرح الدرر للشوكاني .
و الشوكاني ولد سنة 1173 ، وتوفى سنة 1250هـ(5/19)
وهو محمد بن علي بن محمد بن عبدالله الشوكاني : من كبار علماء اليمن ، من أهل صنعاء ولد بهجرة شوكان ( من بلاد خولان ، باليمن ) ونشأ بصنعاء وولى قضاءها سنة 1229 ومات حاكماً بها وكان يرى تحريم التقليد ، له 114 مؤلفاً ، منها " نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار – ط " ، و " البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع – ط " مجلدان و " اتحاف الأكابر – ط " وهو ثبت مروياته عن شيوخه ، مرتب على حروف الهجاء ، و " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة – ط " و " فتح القدير – ط " في التفسير ، خمسة مجلدات ، و " إرشاد الفحول – ط " في أصول الفقه ، و " السيل الجرار – ط" .
123- أنصت إلى السعدي فإن كلامه **** فيض من التحقيق والبرهان
ابن سعدي ولد سنة 1307هـ ، وتوفى سنة 1376هـ
وهو عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله السعدي التميمي : من علماء الحنابلة ، من اهل نجد مولده ووفاته في عنيزة ( بالقصيم ) وهو أول من أنشأ مكتبة فيها ( سنة 1358) له نحو 30 كتاباً ، منها الكتب المطبوعة الأتية : " تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن ، و " القواعد الحسان في تفسير القرآن " و " طريق الوصول إلى العلم المأمول من الأصول " و " الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين " رسالة ، و " القواعد والأصول الجامعة "، و " التوضيح والبيان لشجرة الإيمان " رسالة ، و " الدرة البهية " شرح للقصيدة التائية لابن تيمية " و " توضيح الكافية الشافية لابن القيم " شرح لها .
وقوله ( فيض من التحقيق والبرهان ) ظاهر لكل من يطلع على مؤلفات ابن سعدي حيث اعتنى بحسن التقسيمات وتحرير محل النزاع ، وضرب الصور ، وتحقيق المسألة مما يجعل لطالب العلم ملكة في العلم .
124- والاعتزال طريقةٌ ممقوتة **** فيها من الأغلاط والهذيان
المعتزلة ، أو الاعتزال ، لفظ يدل في اللغة على التنحية ، والانفراد والضعف ، والانقطاع .(5/20)
جاء في كتب اللغة ( عزله ، يعزله ، وعزّله ، فاعتزل ، وانعزل ، وتعزّل ) : نحاه جانباً فتنحى .
و ( المعزال ) الراعي المنفرد ، والضعيف الأحمق .
والمعتزلة في الاصطلاح : يمكن تعريفهم بأنهم فرقة من القدرية ، خالفوا قول الأمة في مسألة مرتكب الكبيرة ، بزعامة واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد ، زمن التابعي الجليل الحسن البصري رحمه الله تعالى .
وإذا نظرنا إلى المعنى اللغوي والاصطلاحي لتعريف المعتزلة ، وجدنا أن الصلة وثيقة بينهما تماماً ، فإن هذه الفرقة التي سلكت غير مسلك الأمة وبخاصة أهل السنة والجماعة ، انفردت بمنهجها الكلامي المميز ، حتى آل أمرها إلى الضعف والضمور والانقطاع(1).
والسبب فيه أنه دخل واحد على الحسن البصري فقال : يا إمام الدين ، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملة ، وهم وعيدية الخوارج وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر ، ولا يضر مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، وهم مرجئة الأمة فكيف _________________________________________________
(1) ... آراء المعتزلة الأصولية د 0 علي الضويحي .
تحكم لنا في ذلك اعتقاداً؟
فتفكر الحسن في ذلك ، وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء : أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ، ولا كافر مطلقا ، بل هو في منزلة بين المنزلتين : لا مؤمن ولا كافر ثم قام واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن فقال الحسن : اعتزل عنا واصل فسمى هو وأصحابه معتزلة(1).
____________________________________________________
(1) ... الملل والنحل للشهرستاني (1/28) .
125 – عقل على النقل الصحيح مقدم **** والحسن والتقبيح للإنسان(5/21)
قوله ( عقل على النقل الصحيح مقدم ) يحتاج إلى قيد حتى يستقيم الكلام لكن النظم قد يمنع من القيود ، فالعقل عند أهل السنة إذا كان قطعياً فإنه يقدم على النقل إذا كان ظنياً ولهذا قال شيخ الإسلام :
بيان ذلك بتقديم أصل ، وهو أن يقال : إذا قيل : تعارض دليلان سواء كانا سمعيين أو عقليين ، أو أحدهما سمعياً والآخر عقلياً ، فالواجب أن يُقال لا يخلو إما أن يكونا قطعيين ، أو يكونا ظنيين ، وإما ن يكون أحدهما قطعياً والآخر ظنياً .
فأما القطعيان فلا يجوز تعارضهما : سواء كانا عقليين أو سمعيين ، أو أحدهما عقلياً والآخر سمعياً ، وهذا متفق عليه بين العقلاء ، لأن الدليل القطعي هو الذي يجب ثبوت مدلوله ولا يمكن أن تكون دلالته باطلة .
وحينئذ فلو تعارض دليلان قطعيان ، وأحدهما يناقض مدلول الآخر ، للزم الجمع بين النقيضين ، وهو محال ، بل كل ما يعتقد تعارضه من الدلائل التي يعتقد أنها قطعية فلابد من أن يكون الدليلان أو أحدهما غير قطعي ، أو أن لا يكون مدلولاهما متناقضين ، فأما مع تناقض المدلولين المعلوميين فيمتنع تعارض الدليلين.
وإن كان أحد الدليلان المتعارضين قطعياً دون الآخر فإنه يجب تقديمه باتفاق العقلاء ، سواء كان هو السمعي أو العقلي ، فإن الظن لا يرفع اليقين .
وأما إن كانا جميعاً ظنيين : فإنه يصار إلى طلب ترجيح أحدهما ، فأيهما رجح
كان هو المقدم ، سواء كان سمعياً أو عقلياً(1) .
وقال أيضاً : لا نسلم انحصار القسمة فيما ذكرته من الأقسام الأربعة ؛ إذ من الممكن أن يقال : يقدم العقلي تارة والسمعي أخرى ، أيهما كان قطعياً قدم ، وإن كان جميعاً قطعيين ، فيمتنع التعارض ، وإن كانا ظنيين فالراجح هو المقدم فدعوى المدعي أنه لابد من تقديم العقلي مطلقاً و السمعي مطلقاً أو الجمع بين النقيضين أو رفع النقضين – دعوى باطلة ، بل هنا قسم ليس من هذه الأقسام ، كما ذكرناه بل هو الحق الذي لا ريب فيه (2).(5/22)
وبهذا أن العقل يقدم على النقل في حالين :
1- إذا كان العقل قطعياً والسمع ظنياً .
2- إذا كان العقل ظنياً راجحاً والسمع مرجوحاً .
ولا شك ان الناظم لا يريد ان النقل يقدم في الحالين السابقين وأما إذا تساوى العقل الظني مع النقل الظني فهنا يقدم النقل وهذا هو محل كلام الناظم .
وأما قوله ( والحسن والتقبيح للإنسان ) فهو بحاجة لقيد أيضاً إذ أن أهل السنة عندهم الحُسن والتقبيح قد يكون بالعقل كما ذكر شيخ الإسلام في التدمرية وغيرها ولتحقيق النزاع في مسألة التحسين والتقبيح نقول : يتبادر عند الحديث عن هذه المسألة سؤال مفاده : هل بإمكان المكلف أن يدرك حسن الأشياء وقبحها بعقله أم ليس في مكنته ذلك ؟
_____________________________________________
(1) درء التعارض (1/78) .
(2) درء التعارض (1/87) .
والجواب على هذا أن الناس يتفاوتون في إدراك الحسن والقبح تفاوتاً كبيراً ، تبعاً للقدرات التي أودعها الله تعالى فيهم ، مع القول بأن العقل محدود كباقي طاقات الإنسان المخلوقة المحدودة ، ولكن ما حقيقة الحسن والقبح ؟
لقد تصور الكلاميون من المسلمين ثلاثة معان للحُسن والقبح ، لا يخالف المعتزلة إلا في واحدة منها ، وهذه المعاني هي :
1- صفة الكمال والنقص : فالحسن هو كون الصفة صفة كمال ، والقبح هو كون الصفة صفة نقصان ، كما نقول في الجهل والعلم ، ولا نزاع بين المسلمين في أن هذا المعنى أمر ثابت للصفات في نفسها ، وأن العقل يدرك ذلك دون تعلقه بالشرع .(5/23)
2- موافقة الغرض ومنافاته ، فما وافق الغرض ولاءم الطبع ، كالصحة والولد والمال ، ... ... .الخ ، كان حسناً ، وما خالفه كترك انقاذ الغريق واتهام البرىء كان قبيحاً ، وما ليس كذلك لم يكن حسنا ولا قبيحا ، وقد يعبر عنهما بالمصلحة والمفسدة ، وهذا المعنى عقلي أيضاً إلا أنه يختلف في الاعتبار ، فقتل زيد مثلاً مصلحة لأعدائه ، ومفسدة لأوليائه ، وهذا يدل على أن هذا النوع ليس الحسن والقبح صفة ذاتية فيه وإنما هو أمر إضافي .
3- تعلق المدح والذم والثواب والعقاب بالفعل ، وهذا المعنى هو مجال اختلاف ، ونزاع بين الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم .
- مذاهب المسلمين في التحسين والتقبيح :
تنازع المسلمون في أن المكلفين هل يعلمون بعقولهم حسن الأفعال وقبحها شرعاً ، بمعنى كون الفعل سبباً للذم والعقاب ، أو المدح والذم ؟ ، وهل يعلم ذلك العقل ؟ أم لا يعلم إلا بالشرع ؟ أم يعلم بهما معاً ؟ .
وحاصل أقوال الناس في خذه المسألة على سبيل الإجمال ثلاثة أقوال :
القول الأول : وهو قول كثير من أئمة أهل الحديث ، وجمهور الحنفية ، وكثير من أصحاب مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وهو مذهب المعتزلة والكرامية أيضاً .
وهؤلاء يقولون : إن الحسن والقبح عقليان لا يتوقف في معرفتهما وأخذهما عن الدليل السمعي ، ويجعلون الحسن والقبح صفات ذاتية للفعل لازمة لها ، ولا يجعلون الشرع إلا كاشفاً عن تلك الصفات لا سبباً لشيء من الصفات .
ورتب المعتزلة على هذا الأصل أموراً عديدة منها : أن القبيح في العقل يترتب عليه الذم والعقاب في الشرع ، والحسن يترتب عليه المدح والثواب في الشرع ، وان الله سبحانه وتعالى يجب عليه أن يفعل ما استحسنه العقل ويحرم عليه أن يفعل ما استقبحه العقل .(5/24)
ويعقب اين تيمية على هذا القول بقوله : وهذا ضعيف ولاسيما إذا ضم إليه قياس الرب على خلقه ، فقيل ما حسن من المخلوق حسن من الخالق ، وما قبح من المخلوق قبح من الخالق ، وهم مشبهة الأفعال وهذا قول باطل .
القول الثاني : وهو قول جهم ، والأشعري ، ومن تابعه من المنتسبين إلى السنة من أصحاب مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وحاصل هذا القول أن الأفعال لا تتصف بصفات تكون بها حسنة ولا سيئة البته ، وكون الفعل حسناً وسيئاً إنما معناه أنه منهي عنه أو غير منهي عنه ، وهذه الصفة إضافية لا تثبت إلا بالشرع
وهذا القول عكس الأول تماماً ، إذ يعتبر أن الحسن والقبح لا يثبتان بالعقل وإنما يثبتان بالشرع فقط ؛ وهذا واضح في كتب الأشاعرة الكلامية والأصولية (1).
_______________________________________________
(1) ... التكليف في ضوء القضاء والقدر د 0 أحمد بن علي عبدالعال ص232.
القول الثالث : مذهب السلف :
السلف يرون أن الأفعال فيها حسن وقبح يمكن إدراكه بالعقل ، فالأفعال ليست سواء في نفس الأمر بقطع النظر عن ورود الشرع ، فللفعل عندهم حسن في نفسه ، وحسن بإيجاب الشارع له – كما أن بعض الأفعال قبيح من نفسه وقبيح بالنهي عنه .
يقول ابن القيم : ( وهل يسوي عاقل بين الرجيع والبول والدم والقىء وبين الخبز واللحم والماء والفاكهة ) .(5/25)
وقد يكون الفعل حسناً في نفسه ، وقبيحاً في مكان آخر فتخلف المسبب عن سببه لوجود معارض لا يخرجه عن كونه مقتضياً للمسبب عند عدم المعارض ، فتخلف الانتفاع بالدواء في شدة الحر والبرد وفي وقت تزايد العلة لا يخرجه عن كونه نافعاً في ذاته ، فالشرائع جاءت مراعية لمصالح الناس فمثلاً نكاح الأخت كان حسناً في وقت مست الحاجة إليه ، وذلك لتكثير النسل ، وحفظ النوع الانساني ثم أصبح قبيحاً عندما انتفت تلك الضرورة فحرمه الشارع ، وبهذا يعلم ان معنى كون الفعل يقتضي الحسن والقبح لذاته ، أو لوصفه اللازم له ، وأن الحسن ينشأ من ذاته أو من وصفه بشرط معين ، والقبح ينشا من ذاته أو من وصفه بشرط آخر ، فإذا عدم شرط الاقتضاء أو وجد مانع يمنع الاقتضاء زال الأمر المترتب بحسب الذات أو الوصف لزوال شرطه أو لوجود مانعه .(5/26)
ويرى السلف أن معنى كون الفعل حسناً أنه منشأ لمصلحة ، ومعنى كونه قبيحاً أنه منشأ للمفسدة ، وسبب لها وأنه لا يلزم من وجود السبب وجود مسببه ، إذ قد يكون ترتب المسبب على سببه مشروطاً بشرط ، وقد يوجد السبب ولا يوجد المسبب لوجود مانع ، ومن هنا قد يكون الفعل الواحد حسنا في نفسه في وقت لكونه منشأ للمصلحة في ذلك الوقت دون وقت آخر ، وقد يكون حسناً بالنسبة لقوم دون آخرين وفي ذلك يقول ابن القيم : ( والتحقيق في هذا أن سبب العقاب قائم قبل البعثة ، ولكن لا يلزم من وجود سبب العذاب حصوله لأن هذا السبب قد نصب الله له شرطاً ، وهو بعثة الرسل وانتفاء التعذيب قبل البعثة هو الانتفاء شرطه لا لعدم سببه ومقتضيه وهذا فصل الخطاب ) وبهذا يتبين أن السلف وإن قالوا بالحسن والقبح الذاتيين فإنهم لا يرون ترتب العقاب على فعل القبيح أمراً لازماً ، وذلك لأن العقاب عندهم وإن كان سببه قائماً إلا أنه مشروط بورود الشرع دفعاً للمعذرة ، فلا يعاقب إنسان بناء على مقتضى ما أدرك من قبيح قبل ورود الشرع من بالقبيح ، فلولا ورود الشرع بالعقاب لم يعاقب فاعل القبيح وإن كان مستحقاً للعقاب قال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } اخبار عن عدله تعالى وأنه لا يعذب أحداً ألا بعد قيام الحجة عليه بارسال الرسول إليه كما قال تعالى : { كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتيكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير } إلى أن قال : إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله تعالى لا يدخل أحداً النار إلا بعد إرسال الرسول إليه " فسبب العقاب قبل البعثة قائم وانتفاء المسبب لعدم وجود شرط العذاب وهو إرسال الرسول إقامة للحجة ، وقطعاً للعذر فلا يقبح العفو لأنه لا
يستلزم كذباً في الخبر بل غايته ترك حق الله تعالى قد وجب قبل البعثة وهذا حسن(1) .(5/27)
________________________________________________
(1) قضية الثواب والعقاب د 0 جابر السميري ص46 .
قال الإمام ابن القيم : ( الشرائع كلها في أصولها – وإن تباينت – متفقة ، مركوز حسنها في العقول ، ولو وقعت على غير ما هي عليه لخرجت عن الحكمة والمصلحة والرحمة ، بل من المحال أن تأتي بخلاف ما أتت به ؛ { ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن } [ المؤمنون : 71] (1)
وقال أيضاً : وتحقيق القول في هذا الأصل العظيم أن القبح ثابت للفعل في نفسه وأنه لا يعذب الله عليه إلا بعد إقامة الحجة بالرسالة وهذه النكتة هي التي فاتت المعتزلة والكلابية كليهما ، فاستطالت كل طائفة منهما على الأخرى . لعدم جمعها بين هذين الأمرين ، فاستطالت الكلابية على المعتزلة بإثباتهم العذاب قبل إرسال الرسل ، وترتيبهم العقاب على مجرد القبح العقلي ، وأحسنوا في رد ذلك عليهم ، واستطالت المعتزلة عليهم في إنكارهم الحسن والقبح العقليين جملة ، وجعلهم انتفاء العذاب قبل البعثة دليلاً على انتفاء القبح واستواء الأفعال في أنفسها ، وأحسنوا في رد هذا عليهم ، فكل طائفة استطالت على الأخرى بسبب إنكارها الصواب ! .
وأما من سلك هذا المسلك الذي سلكناه فلا سبيل لواحدة من الطائفتين إلى رد قوله ، ولا الظفر عليه أصلاً ، فإنه موافق لكل طائفة على ما معها من الحق ، مقررٌ له ، مخالفٌ لها في باطلها ، منكر له ، وليس مع النفاة – قط – دليل
واحدٌ صحيحٌ على نفي الحسن والقبح العقليين ، وأن الأفعال المتضادة كلها في نفس الأمر سواء لا فرق بينها إلا بالأمر والنهي ! وكل أدلتهم على هذا باطلة .
___________________________________________________
(1) ... مفتاح دار السعادة (2/320) .
وليس مع المعتزلة دليلٌ واحدٌ قط يدل على إثبات العذاب على مجرد القبح العقلي قبل بعثة الرسل ، وأدلتهم على ذلك كلها باطلة كما سنذكرها ونذكر بطلانها – إن شاء الله تعالى(1)(5/28)
_______________________________________________
(1) ... مفتاح دار السعادة (2/330) .
126- بل وافقوا نهج الخوارج في الذي **** يأتي الكبيرة فهو في النيران
127- لا مؤمن يدعى وليس بكافر **** هذا كلام الواهم الغلطان
معنى هذين البيتين ذكرهما شيخ الإسلام حيث قال :
وكانت " الخوارج " قد تكلموا في تكفير أهل الذنوب من أهل القبلة ، وقالوا : أنهم كفار مخلدون في النار ، فخاض الناس في ذلك ، وخاض في ذلك القدرية بعد موت الحسن البصري ، فقال عمرو بن عبيد وأصحابه : لا هم مسلمون ولا كفار ؛ بل لهم منزلة بين المنزلتين ، وهم مخلدون في النار ، فوافقوا الخوارج على أنهم مخلدون ، وعلى أنه ليس معهم من الإسلام والإيمان شيء ولكن لم يسموهم كفاراً ، واعتزلوا حلقة أصحاب الحسن البصري مثل قتادة وأيوب السختياني وأمثالهما فسموا معتزلة من ذلك الوقت بعد موت الحسن وقيل : إن قتادة كان يقول أولئك المعتزلة .
وتنازع الناس في " الأسماء والأحكام " أي في أسماء الدين ، مثل مسلم ومؤمن ، وكافر وفاسق ، وفي أحكام هؤلاء في الدنيا والآخرة ، فالمعتزلة وافقوا الخوارج على حكمهم في الآخرة دون الدنيا ، فلم يستحلوا من دمائهم وأموالهم ما استحلته الخوارج وفي الأسماء أحدثوا المنزلة بين المنزلتين وهذه خاصة المعتزلة التي انفردوا بها وسائر أقوالهم قد شاركهم فيها غيرهم(1).
وقال أيضاً : فهذا أصل مختصر في " مسألة الأسماء " و أما " مسألة الأحكام " وحكمه في الدار الآخرة فالذي عليه الصحابة ومن اتبعهم بإحسان وسائر أهل
_________________________________________________
(1) ... الفتاوى (3/37) .
السنة والجماعة أنه لا يخلد في النار من معه شيء من الإيمان ؛ بل يخرج منها من معه مثقال حبة ، أو مثقال ذرة من إيمان .(5/29)
وأما الخوارج " ومن وافقهم من المعتزلة فيوجبون خلود من دخل النار ، وعندهم من دخلها خلد فيها ، ولا يجتمع في حق الشخص الواحد العذاب والثواب وأهل السنة والجماعة وسائر من اتبعهم متفقون على اجتماع الأمرين ، في حق خلق كثير كما جاءت به السنن المتواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأيضاً : فأهل السنة والجماعة لا يوجبون العذاب في حق كل من أتى كبيرة ولا يشهدون لمسلم بعينه بالنار لأجل كبيرة واحدة عملها ؛ بل يجوز عندهم أن صاحب الكبيرة يدخله الله الجنة بلا عذاب أما الحسنات تمحوا كبيرته منه أو من غيره ؛ واما لمصائب كفرتها عنه ، وإما لدعاء مستجاب منه أو من غيره فيه ، وإما لغير ذلك .
و " الوعيدية " من الخوارج والمعتزلة : يوجبون العذاب في حق أهل الكبائر لشمول نصوص الوعيد لهم : مثل قوله : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا } ، وتجعل المعتزلة إنفاذ الوعيد أحد " الأصول الخمسة " التي يكفرون من خالفها ، ويخالفون أهل السنة والجماعة في وجوب نفوذ الوعيد فيهم ، وفي تخليدهم؛ ولهذا منعت الخوارج والمعتزلة أن يكون لنبينا - صلى الله عليه وسلم - شفاعة في أهل الكبائر في اخراج أهل الكبائر من النار(1).
__________________________________________________
(1) ... الفتاوى (12/479) .
128- وكلامه القرآن وهو منزل **** ومدادنا والرق مخلوقان
الشطر الثاني مأخوذ من نونية القحطاني وابن القيم حيث قال في النونية :
ولقد أتى في نظمه من قال قو **** ل الحق والإنصاف غير جبان
إن الذي هو في المصاحف **** مثبت بأنامل الأشياخ والشبان
هو قول ربى آيه وحروفه **** ومدادنا والرق مخلوقان
فشفى وفرق بين متلو و**** مصنوع وذاك حقيقة العرفان(5/30)
يقصد المؤلف بهذه الأبيان أن يرد على شبهة قد تتعلق ببعض الأذهان ، وهي أنه كيف يكون هذا المتلو بالألسنة أو المكتوب في المصاحف كلام الله غير مخلوق ، مع أن القارىء يحدثه بصوته وينطق به حروفاً وألفاظاً ، وكذلك الكاتب يرقمه بالمداد في الرق فهو يحدثه ببنانه وقلمه .
والجواب عن هذه الشبهة هو أنه يجب أن نفرق بين التلاوة والمتلو ، وبين الكتابة والمكتوب ، فكل من التلاوة والكتابة فعل العبد وهو مخلوق وأما المتلو والمكتوب والمحفوظ فهو كلام الله وقوله جل شأنه ، ولهذا تختلف القراءة تجويداً ولحناً وتختلف أصوات القارئين قباحة وحسنا ، ولكن المقروء لا يختلف وكذلك تختلف الكتابة بين خط جيد وآخر ردىء والمكتوب واحد ، فأصوات القارئين ومداد الكاتبين وأقلامهم والأوراق التي يكتبون عليها وفعلهم الكتابة ، كل ذلك أفعال للعباد مخلوقة ، وأما المثبت في المصاحف بأنامل الأشياخ والشبان فهو كلام الله وقوله بآياته وحروفه ، فالمعرفة الحقة تقتضي التفرقة بين المتلو الذي هو كلام الله وبين المصنوع الذي هو من فعل العبد (1).
__________________________________________________
(1) شرح نونية ابن القيم لهراس (1/148) .
129- من قال إن الذكر مخلوق فقل **** كذب الدعي الجاحد الخوان
قال شيخ الإسلام :
وأما " المعتزلة " ونحوهم فيوافقونهم في أن الله لا يتكلم في الحقيقة التي يعلم الناس أن صاحبها [ بل كلامه ] منفصل عنه ويزعمون ان ذلك حقيقة ، وليس كلامه عندهم إلا أنه خلق في الهواء أو غيره أصواتاً يسمعها من يشاء من ملائكته وأنبيائه من غير أن يقوم بنفسه كلام لا معنى ولا حروف ، وهم يتنازعون في ذلك المخلوق هل هو جسم او عرض أو لا يوصف بواحد منها .(5/31)
ولما ظهر هؤلاء تكلم السلف من التابعين وتابعيهم في تكفيرهم والرد عليهم بما هو مشهور عند السلف ، واطلع الأئمة الحذاق من العلماء على أن حقيقة قول هؤلاء هو التعطيل والزندقة وإن كان عوامهم لا يفهمون ذلك كما اطلعوا على أن حقيقة قول القرامطة والاسماعلية هو التعطيل والزندقة وإن كان عوامهم إنما يدينون بالرفض ، وجرت فتنة الجهمية ، كما امتحنت الأئمة وأقام " الإمام أحمد " إمام السنة ، وصديق الأمة في وقته ، وخليفة المرسلين ، ووارث النبيين فثبت الله به الإسلام والقرآن ، وحفظ به على الأمة العلم والإيمان ودفع أهل الكفر والنفاق والطغيان الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض .
فاستقر أهل السنة وجماهير الأمة وأهل الجماعة وأعلام الملة في شرقها وغربها على الإيمان الذي جاءت به الرسل عن الله وجاء به خاتم النبيين مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ، وهو ان القرآن والتوارة والانجيل كلام الله ، وإن كلام الله لا يكون مخلوقاً منفصلاً عنه كما لا يكون كلام المتكلم منفصلاً عنه ؛ فإن هذا جحود لكلامه الذي هو رسالته ، ودفع لحقيقة ما أنبأت به الرسل وعلمته أممهم وإلحاد في أسماء الله وآياته(1).
________________________________________
(1) الفتاوى (12/355) .
130 – طالع كتاب الحيدة الفذ الذي **** عبدالعزيز رواه وهو كناني(5/32)
لقد شك بعض المؤرخين في اسناد كتاب الحيدة إلى عبدالعزيز الكناني ، فقال الذهبي في ميزان الاعتدال : " عبدالعزيز بن يحيى بن عبدالعزيز الكناني ، المكي ينسب إليه كتاب الحيدة في مناظرته لبشر المريسي " ، وقال أيضاً : " لم يصح اسناد كتاب الحيدة إليه ، فإنه موضوع عليه " ، وذهب السبكي في طبقات الشافعية إلى ما ذهب إليه الذهبي ، فقال : " كان عبدالعزيز الكناني ناصراً للسنة في نفي خلق القرآن ، كما دلت عليه مناظراته مع بشر ، وكتاب الحيدة المنسوب إليه فيه أمور مستشنعة ، لكنه كما قال شيخنا الذهبي ، لم يصح اسناده إليه ، ولا ثبت انه من كلامه ، فلعله وضع عليه "
فما هي قيمة هذا الرأي ، وهل هناك مجال للشك في اسناد كتاب الحيدة إلى عبدالعزيز الكناني ؟(5/33)
للإجابة عن هذا السؤال نقول أولاً ان الذهبي والسبكي لا يشكان في قيام المناظرة بين الرجلين من جهة ما هي حادث تاريخي جرى بحضرة الخليفة المأمون ، بل يشكان في إسناد كتاب الحيدة إلى عبدالعزيز الكناني وحجة السبكي في ذلك ان في كتاب الحيدة أموراً مستشنعة لا يصح صدورها عن رجل كان ناصراً للسنة في نفي خلق القرآن ، كما دلت عليه مناظرته لبشر المريسي فما هي هذه الأمور المستشنعة ؟ ان السبكي لا يبين لنا ذلك وإذا صح اشتمال كتاب الحيدة على أمور مخالفة لآراء المحدثين والفقهاء في رواية بعض الأحاديث ، او تفسير بعض الآيات ، أو استعمال النظر والقياس في مسألة خلق القرآن ، فإن الاستدلال بها على نفى اسناد كتاب الحيدة إلى عبدالعزيز الكناني ، انما هو استدلال عقلي لا تحقيق تاريخي وليس في أيدينا من تآليف عبالعزيز الكناني كتاب نستطيع الرجوع إليه لمقابلة آرائه بعضها ببعض وما هو مستشنع في نظر السبكي وطبقته ، فما لم يكن هناك كتاب للكناني يمكن الرجوع إليه لمقابلة آرائه ، أو دليل تاريخي يثبت أن كتاب الحيدة ليس من كلامه ، فإن شك الذهبي والسبكي في صحة اسناد كتاب الحيدة إلى عبدالعزيز الكناني يظل شكا نظرياً لا حقيقة تاريخية مبنية على أدلة واضحة .(5/34)
وإذا علمنا ان ابن النديم والخطيب البغدادي ، وهما متقدمان على الذهبي والسبكي ، لم يشكا في اسناد كتاب الحيدة إلى عبدالعزيز الكناني ازاداد ميلنا إلى تفضيل موقف الإثبات في هذه المسألة على موقف النفي فقد قال ابن النديم : " عبدالعزيز بن يحيى المكي في طبقة الحارث ، وهو عبدالعزيز بن يحيى ابن عبدالملك ( كذا ) بن مسلم بن ميمون الكناني ، وكان متكلماً مقدماً ، وزاهداً وعابداً وله في الزهد والكلام كتب ، وتوفي وله من الكتب كتاب الحيدة فيا جرى بينه وبين بشر المريسي " وقال الخطيب البغدادي : قدم عبدالعزيز بغداد " في أيام المأمون " وجرى بينه وبين بشر المريسي مناظرة في القرآن وهو صاحب كتاب الحيدة ، وكان من أهل الفضل والعلم ، وله مصنفات عدة ، وكان ممن تفقه بالشافعي ، واشتهر بصحبته " وهذا القول الذي ذكره ابن النديم والخطيب البغدادي فأسندا فيه كتاب الحيدة إلى عبدالعزيز أخذ به بعدهما ابن حجر ، العسقلاني في تهذيب التهذيب ، وعبدالحي بن عماد الحنبلي في شذرات الذهب ، فقال العسقلاني : " وجرى بينه وبين بشر المريسي مناظرة في القرآن وهو صاحب كتاب الحيدة " ، وقال ابن عماد الحنبلي : " وناظر بشراً المريسي في مجلس المأمون بمناظرة عجيبة غريبة ، فانقطع بشر وظهر عبدالعزيز ومناظرته هذه مشهورة مسطورة ، وعبدالعزيز هو صاحب كتاب الحيدة ، وهو معدود في أصحاب الشافعي(1) .
وممن يرى صحة نسبة الكتاب إلى الكناني شيخ الإسلام حيث قال : فصار هنا لابطال هذا القول ثلاثة مسالك ، مسلك الكلابية ، ومسلك الكرامية ، ومسلك السلف ، فهذا كان هذا القسم مما ذكره عبدالعزيز بن يحيى الكناني في " الحيدة " وأبطله من غير ان يلتزم خلاف السلف وقد كتبت ألفاظه وشرحتها في غير هذا الموضع(2) ا 0 هـ .(5/35)
والكناني توفى سنة 240هـ وهو عبدالعزيز بن يحيى بن عبدالعزيز الكناني المكي : فقيه مناظر كان من تلاميذ الإمام الشافعي يلقب بالغول لدمامته وقدم بغداد في أيام المأمون .
_________________________________________________
(1) مقدمة محقق كتاب الحيدة د 0 جميل صليبا ص17 .
(2) الفتاوى (6/325) .
131- والذكر مخلوق لديهم مثلما **** قد جاء في الكشاف والمرجان
هذا مكرر مع ما قبله لكن مع زيادة إثبات قول المعتزلة في كتابين هما :
1- الكشاف للزمخشري(1) ت سنة 528هـ .
2- المرجان ولم أقف على هذا الكتاب لكن أخبرني الناظم أنه من كتب المعتزلة وقد جاء فيها ان القرآن مخلوق .
___________________________________________________
(1) (1/592) .
132- قالوا وربي لا يراه عبده **** في يوم حشرٍ خاب قول الجاني
133- نادى بموسى لن تراني عندهم **** دامت على التأييد في الأزمان
134-كذبوا لعل جزائهم من ربهم **** أن يرجعوا بالخزي والحرمان
ذهب المعتزلة والجهمية ومن تبعهم من الخوارج والإمامية وبعض الزيدية وبعض المرجئة إلى نفي رؤية الله تعالى عياناً في الدنيا والآخرة ، وقالوا : باستحالة ذلك عقلاً ؛ لأنهم يقولون إن البصر لا يدرك إلا الألوان والأشكال أي ما هو مادي والله تعالى ذات غير مادية ، فمن المستحيل إذا أن يقع عليه البصر ، فالقول برؤية الله تعالى هدم للتنزيه وتشويه لذات الله وتشبيه له حيث ان الرؤية لا تحصل إلا بانطباع صورة المرئي في الحدقة ، ومن شرط ذلك انحصار المرئي في جهة معينة من المكان حتى يمكن اتجاه الحدقة إليه ، ومن المعلوم علم اليقين أن الله تعالى ليس بجسم ولا تحده جهة من الجهات ولو جاز أن يرى في الآخرة لجازت رؤيته الآن فشروط الرؤية لا تتغير في الدنيا والآخرة (1).
ودليلهم على ذلك من جهة السمع قوله تعالى ( لن تراني ) [ الأعراف : 143] ، والآية دليل عليهم من وجوه :(5/36)
أحدها : أنه لا يظن بكليم الله ورسوله الكريم وأعلم الناس بربه في وقته أن يسأل ما لا يجوز عليه بل هو عندهم من أعظم المحال .
الثاني : لان الله لم ينكر عليه سؤاله ولما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر سؤاله ، وقال { إني أعظك أن تكون من الجاهلين } [ هود : 46] .
____________________________________________________
(1) ... رؤية الله د 0 أحمد بن ناصر ص26 .
الثالث : أنه تعالى قال : { لن تراني } ولم يقل : إني لا أرى أو لا تجوز رؤيتي أو لست بمرئي والفرق بين الجوابين ظاهر ألا ترى أن من كان في كمه حجر فظنه رجل طعاماً فقال : أطعمنيه ، فالجواب الصحيح : أنه لا يؤكل أما إذا كان طعاماً صح أن يقال : إنك لن تأكله وهذا يدل على أنه سبحانه مرئي ـ، ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار لضعف قوى البشر فيها عن رؤيته تعالى يوضحه الوجه الرابع وهو .
الرابع : قوله { ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوى تراني } [ الأعراف : 143] فأعلمه أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت للتجلي في هذه الدار ، فكيف بالبشر الذي خلق من ضعف ؟
الخامس : أن الله سبحانه قادر على أن يجعل الجبل مستقراً ، وذلك ممكن ، وقد علق به الرؤية ، ولو كانت محالاً لكان نظير أن يقول : إن استقر الجبل فسوف آكل وأشرب وأنام والكل عندهم سواء .
السادس : قوله تعالى : { فما تجلى ربه للجبل جعله دكا } [ الأعراف : 143] فإذا جاز أن يتجلى للجبل ، الذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب ، فكيف يمتنع أن يتجلى لرسله ، وأوليائه في دار كرامته ؟ ولكن الله أعلم موسى أن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدار ، فالبشر أضعف .
السابع : أن الله كلم موسى وناداه وناجاه ، ومن جاز عليه التكلم والتكليم وأنه يسمع مخاطبة كلامه بغير واسطة فرؤيته أولى بالجواز ولهذا لا يتم إنكار رؤيته إلا بانكار كلامه ، وقد جمعوا بينهما .(5/37)
وأما دعواهم تأبيد النفي بـ" لن " وأن ذلك يدل على نفي الرؤية في الآخرة ففاسد ، فإنها لو قيدت بالتأبيد لا يدل على دوام النفي في الآخرة فكيف إذا
أطلقت قال تعالى : { ولن يتمنوه أبداً } [ البقرة : 95] ، مع قوله { ونادوا يا ملك ليقض علينا ربك } [ الزخرف : 77 ] ولأنها لو كانت للتأبيد المطلق لما جاز تحديد الفعل بعدها ، وقد جاء ذلك ، قال تعالى : { فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي } [ يوسف : 80] فثبت أن " لن " لا تقتضي النفي المؤبد .
قال الشيخ جمال الدين ابن مالك رحمه الله : (1).
ومن رأى النفي بلن مؤبدا *** فقوله أردد وخلافه فاعضدا
وقال في شرح الكافية (2).
ثم أشرت إلى ضعف قول من رأى تأبيد النفي بـ " لن " وهو الزمخشري في "أنموذجه " .
وحامله على ذلك اعتقاده أن الله – تعالى- لا يرى وهو اعتقاد باطل بصحة ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعني ثبوت الرؤية .
جعلنا الله من أهلها ، وأعاذنا من عدم الإيمان بها ا0هـ .
_______________________________________
(1) شرح الطحاوية بتقريب خالد بن فوزي (1/591) .
(2) (3/1531) .
135- ردوا حديث جرير البجلي في **** ما قد روى للسنة الشيخان
جرير هو جرير بن عبدالله بن جابر البجلي صحابي اختلف في وقت إسلامه (1). وحديث جرير في الصحيحين قال البخاري حدثنا عمرو بن عوف حدثنا خالد وهشيم عن اسماعيل بن قيس عن جرير قال : كنا جلوساً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ نظر إلى القمر ليلة البدر ، قال : { إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا }
وقال البخاري : { حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عاصم بن يوسف البربوعي حدثنا أبو شهاب عن اسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبدالله قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنكم سترون ربكم عياناً "(2).(5/38)
____________________________________________________
(1) الإصابة لابن حجر (1/232) .
(2) فتح الباري (13/436).
136- والشافعي من القرآن أتى بها **** لله در المدرك الرباني
137-ذا قال كلا إنهم عن ربهم **** حجبوا فينظره أولوا الإيمان
قال ابن القيم : ( وقد احتج بهذه الحجة الشافعي نفسه وغيره من الأئمة فذكر الطبراني وغيره عن المزني قال سمعت الشافعي يقول في قوله عز وجل : { كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } فيها دليل على أن أولياء الله يرون ربهم يوم القيامة وقال الحاكم : حدثنا الصم أنبأنا الربيع بن سليمان قال حضرت محمد ابن إدريس الشافعي وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها ما تقول في قول الله عز وجل : { كلا إنهم عن ربهم يؤمئذ لمحجوبون } فقال الشافعي : لما أن حجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا ، قال الربيع فقلت يا أبا عبدالله وبه تقول ؟ قال نعم وبه أدين الله ، ولو لم يوقن محمد ابن ادريس أنه يرى الله لما عبدالله عز وجل ، ورواه الطبراني في شرح السنة من طريق الأصم أيضاً ، وقال أبو زرعة الرازي سمعت أحمد بن محمد بن الحسين يقول : سئل محمد بن عبدالله بن الحكم هل يرى الخلق كلهم ربهم يوم القيامة المؤمنون والكفار ؟ فقال محمد بن عبدالله : ليس يراه إلا المؤمنون ، قال محمد وسئل الشافعي عن الرؤية فقال : يقول الله تعالى : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } ففي هذا دليل على أن المؤمنين لا يحجبون عن الله عن وجل .
وقال مالك بن أنس: لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه وقال الحسن : لو علم الزاهدون والعابدون أنهم لا يرون ربهم في المعاد لزهقت أنفسهم في الدنيا .
قال الحسين بن الفضل لما حجبهم في الدنيا عن نور توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته وعلى هذا التفسير الجمهور وبه تظهر فائدة التخصيص(1).
________________________________________
(1) ... رؤية الله د 0 أحمد بن ناصر ص219 .(5/39)
الرافضة
138- نبرأ إلى الرحمن جل جلاله **** من نهج رافضة أولي بهتان
يبرأ الناظم من فرقة الرافضة والرفض في اللغة يأتي بمعنى الترك يقال رفض يرفض رفضاً أي ترك.
وعرفهم أهل اللغة بقولهم : " والروافض كل جند تركوا قائدهم " : هذا هو معنى الرفض في اللغة .
وأما في الاصطلاح : فإنه يطلق على تلك الطائفة ذات الأفكار والآراء الاعتقادية الذين رفضوا خلافة الشيخين وأكثر الصحابة ، وزعموا أن الخلافة في علي وذريته من بعده بنص من النبي - صلى الله عليه وسلم - .
2-سبب تسميتهم بالرافضة :
أطلقت هذه التسمية على الرافضة لأسباب كثيرة .
1- قيل إنهم سموا رافضة لرفضهم إمامة زيد بن علي ، وتفرقهم عنه كما تقدم
2-وقيل سموا رافضة لرفضهم أكثر الصحابة ، ورفضهم لإمامة الشيخين .
3- وقيل لرفضهم الدين .
والراجح هو الثاني ، ولا منافاة بينه وبين الأول ، لأنهم كانوا رفضة يرفضون الشيخين وقد رفضوا زيداً كذلك إذ لم يرض مذهبهم(1).
____________________________________________________
(1) ... فرق معاصرة لغالب العواجي (1/163).
139- سبوا صحابته وآذوا شرعه **** فالرفض والتزوير مقترنان
140 – اقرأ لشيخ الدين في منهاجه **** يشفي غليل الواله اللهفان
ما قاله الناظم هو المشهور عن الرافضة أخذاً مما حكاه الكليني في الكافي حيث قال : عن حنّان عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : " كان الناس أهل ردة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثة . فقلت : ومن الثلاثة ؟ فقال : المقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسى رحمة الله وبركاته عليهم ، ثم عرف أناس بعد يسير ، وقال : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا حتى جاءوا بأمير المؤمنين مكرها فبايع ... "(5/40)
ولما رأى الرافضة بقيادة مضلهم الأكبر عبدالله بن سبأ أن دعوى النص على علي رضي الله عنه ، ودعوى تكفيرهم الصحابة رضوان الله عليهم لا يمكن أن تقبل منهم إلا بما يؤيدها من الأدلة ، قاموا بوضع آلاف الروايات على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضائل علي رضي الله عنه ، ودعوى النص عليه ، ثم وضع ما لا يقل عنها من الروايات في الطعن في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عموماً ، وفي الخلفاء الثلاثة خصوصاً ، ليظهر بذلك رجحان كفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه على الخلفاء الثلاثة في أحقيته بالخلافة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم إنهم جعلوا تلك المناقب المبالغ فيها التي نسبوها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه شرطا من شروط الإمامة عندهم ، فكان أن أثبتوها لكل إمام من أئمتهم وزوروا فيها تلك الروايات التي تمتلىء بها كتبهم ، على السنة الأئمة .
وبعد أن اتخذ الرافضة هذا المنهج ، وهو الغلو في الأئمة والطعن في الصحابة لاثبات إمامة أئمتهم ، جعلوه أصلاً من أصول مذهبهم الفاسد وميزاناً يزنون به الناس ليعرف به الرافضي من غيره ، وهو ما يعبرون عنه في كتبهم ( بالولاء والبراء ) (1).
وقول الناظم ( فالرفض والتزوير مقترنان ) محكي عن أئمة الإسلام .
وقوله ( أقرأ لشيخ الدين ومنهاجه ( أي في منهاج السنة لشيخ الإسلام الذي رد فيه على معاصره ابن المطهر الحلي في كتابه منهاج الكرامة وهو خليق بأن يسمى منهاج الندامة (2) ، وكتاب منهاج السنة لشيخ الإسلام اختصره الذهبي في المنتقى واختصره الشيخ عبدالله الغنيمان في مجلدين .(5/41)
وفيما يلي بعض أقوال الأئمة في كذب الرافضة يقول الذهبي : فإن الرافضة في الأصل ليسوا أهل خبرة بطريق المناظرة ، ومعرفة الأدلة ، وما يدخل فيها من المنع والمعارضة ، كما أنهم جهلة بالمنقولات ، وإنما عمدتهم على تواريخ منقطعة الإسناد ، وكثير منها من وضع المعروفين بالكذب ، فيعتمدون على نقل أبي مخنف لوط بن يحيى وهشام بن الكلبي .
قال يونس بن عبد الأعلى قال أشهب سئل مالك رضي الله عنه عن الرافضة فقال : " لا تكلمهم ، ولا ترو عنهم ، فإنهم يكذبون "
وقال حرملة : سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول : " لم أر أحداً أشهد بالزور من الرافضة " .
_________________________________________________
(1) بذل المجهود في اثبات مشابهة الرافضة لليهود لعبدالله الجميلي (/454) .
(2) قاله شيخ الإسلام في منهاج السنة ( 1/21) .
وقال مؤمل بن إهاب سمعت يزيد بن هارون يقول " يكتب عن كل مبتدع – إذا لم يكن داعية – إلا الرافضة ؛ فإنهم يكذبون ".
وقال محمد بن سعيد الأصفهاني سمعت شريكاً يقول : " احمل العلم عن كل من لقيته إلا الرافضة ، فإنهم يضعون الحديث ويتخذونه ديناً "(1).
____________________________________________________
(1) ... المنتقى للذهبي ص22 .
141- يكفيك ما قد قاله الشعبي في **** أهل الضلال عصابة الشيطان
142- إذ شابهوا أهل الصليب ووافقوا **** حتى اليهود مراتع الأوثان
143- زادوا على الفئتين في تشنيعهم **** لصحابة جلو عن البهتان
144- حمر مع سرب البهائم أصبحوا **** رخماً مع ذي الريش والطيران
الشعبي ولد سنة 19هـ ، وتوفى سنة 103هـ .(5/42)
وهو عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار الشعبي الحميري ، أبو عمرو : رواية من التابعين ، يضرب المثل بحفظه ، ولد ونشأ ومات فجأة بالكوفى اتصل بعبد الملك بن مروان ، فكان نديمه وسميره ورسوله إلى ملك الروم وكان ضيئلاً نحيفاً ، ولد لسبعة أشهر وسئل عما بلغ إليه حفظه ، فقال : ما كتبت سوداء في بيضاء ، ولا حدثني رجل بحديث إلا حفظته وهو من رجال الحديث الثقات ، استقضاه عمر بن عبدالعزيز وكان فقيهاً ، شاعراً واختلفوا في اسم أبيه فقيل : شراحيل وقيل : عبدالله نسبته إلى شعب وهو بطن من همدان .
وقوله ( إذ شابهوا ) الخ الأبيات مأخوذ من كلام شيخ الإسلام في منهاج السنة حيث قال : ولهذا كان بينهم وبين اليهود من [ المشابهة في الخبث ] واتباع الهوى وغير ذلك من أخلاق اليهود ، وبينهم وبين النصارى من المشابهة في الغلو والجهل وغير ذلك من أخلاق النصارى ، ما أشبهوا به هؤلاء من وجه وهؤلاء من وجه ، وما زال الناس يصفونهم بذلك .
ومن أخبر [ الناس بهم ] الشعبي وأمثاله من علماء الكوفة ، وقد ثبت عن
الشعبي أنه قال : " ما رأيت أحمق من الخشبية لو كانوا من الطير لكانوا رخماً (1)
، ولو كانوا من البهائم لكانوا حمراً ، والله لو طلبت منهم أن يملئوا لي هذا البيت ذهباً على أن أكذب على على [ لأعطوني ، ووالله ما ] أكذب عليه أبداً " وقد روى هذا الكلام مبسوطاً عنه أكثر من هذا ، لكن الأظهر أن المبسوط من كلام غيره .(5/43)
وآية ذلك أن محنة الرافضة محنة اليهود ، قالت [ اليهود ] : لا يصلح الملك إلا في آل داود ، وقالت الرافضة : لا تصلح الإمامة إلا في ولد على ، وقالت اليهود : لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال وينزل السيف من السماء ، وقالت الرافضة : لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينادى منادٍ من السماء ، واليهود يؤخرون [ الصلاة إلى اشتباك النجوم ] ، وكذلك الرافضة يؤخرون المغرب إلى اشتباك النجوم ، والحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "لا تزال أمتى على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم " ، واليهود تزول عن القبلة شيئاً وكذلك الرافضة ، واليهود تنود في الصلاة ، وكذلك الرافضة ، واليهود تسدل أثوابها في الصلاة وكذلك الرافضة ، واليهود لا يرون على النساء عدة ، وكذلك الرافضة واليهود حرفوا التوارة وكذلك الرافضة حرفوا القرآن واليهود قالوا : افترض الله علينا خمسين صلاة وكذلك الرافضة ، واليهود يستحلون أموال الناس كلهم ، وكذلك الرافضة ، وقد أخبرنا الله عنهم بذلك في القرآن أنهم : { قالوا ليس علينا في الأميين سبيل } [سورة آل عمران : 75]
____________________________________________________
(1) الرخم نوع من الطير ، واحدته رخمة يوصف بالغدر والقذر وهو من لئام الطير قاله في لسان العرب .
وكذلك الرافضة ، واليهود تسجد على قرونها في الصلاة ، وكذلك الرافضة ،
واليهود لا تسجد حتى تخفق برؤوسها مراراً شبه الركوع ، وكذلك الرافضة ، واليهود تبغض جبريل ويقولون : هو عدونا من الملائكة ، وكذلك الرافضة يقولون غلط [ جبريل ] بالوحي على محمد ، وكذلك الرافضة وافقوا النصارى في خصلة النصارى : ليس لنسائهم صداق إنما يتمتعون بهن تمتعاً ، وكذلك الرافضة يتزوجون بالمتعة ويستحلون المتعة .(5/44)
وفضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلتين : سُئلت اليهود : من خير أهل ملتكم ؟ قالوا : أصحاب موسى وسئلت النصارى : من خير أهل ملتكم ؟ قالوا : حوارىّ عيسى وسئلت الرافضة : من شر أهل ملتكم ؟ قالوا : أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم ، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة ، لا تقوم لهم راية ولا يثبت لهم قدم ، ولا تجتمع لهم كلمة ، ولا تجاب لهم دعوة دعوتهم مدحوضة ، وكلمتهم مختلفة وجمعهم متفرق ، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله .
قلت : هذا الكلام بعضه ثابت عن الشعبي كقوله : لو كانت الشيعة من البهائم لكانوا حمرا ، ولو كانت من الطير لكانوا رخماً فإن هذا ثابت عنه(1).
________________________________________
(1) ... منهاج السنة (1/22) .
145- كتب الروافض قد عرفت ضلالها ** حذراً من الشر القريب الداني
يبين الناظم أن أحكامه على الروافض صادرة من قراءة كتبهم وقراءة هذه الكتب ليس لخير فيها بل لمعرفة ما بها من الشر حتى يكون على حذر منها .
146- فعقولهم قد أخلت سردابهم **** هم ينبشون الأرض كالفئران
السرداب بالكسر الحفر تحت الأرض(1). ، والنبش الاستخراج(2).
ويشير الناظم في هذا البيت إلى عقيدة الرافضة في المهدي المنتظر حيث يعتقدون أن إمامهم الثاني عشر قد دخل السرداب في العراق وأنه سوف يخرج آخر الزمان ، ولا زالوا يتتبعونه عند السرداب ينتظرون خروجه ، وفي هذا يقول محمد الحسين آل كاشف الغطاء : في قضية المهدي قد تعلو نبرات الاستهتار والاستنكار من سائر فرق المسلمين بل ومن غيرهم على الإمامية في الاعتقاد بوجود إمام غائب عن الأبصار ليس له أثر من الآثار ، زاعمين أنه رأى قائل وعقيدة سخيفة والمعقول من إنكارهم يرجع إلى أمرين :
((5/45)
الأول ) : استبعاد بقائه طول هذه المدة التي تتجاوز الألف سنة وكأنهم ينسون أو يتناسون حديث عمر نوح الذي لبث في قومه بنص الكتاب ألف سنة إلا خمسين عاماً وأقل ما قيل في عمره ألف وستمائة سنة وقيل أكثر إلى ثلاثة آلاف ، وقد روى علماء الحديث من السنة بغير نوح ما هو أكثر من ذلك ( تهذيب الأسماء ) ما نصه : اختلفوا في حياة الخضر ونبوته فقال الأكثرون من العلماء هو حي موجود بين أظهرنا وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تذكر ، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في فتاويه هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم وإنما شذ بانكاره بعض المحدثين .
ويخطر لي أنه قال هو في موضع آخر والزمخشري في ( ربيع الأبرار ) : إن المسلمين متفقون على حياة أربعة من الأنبياء اثنان منهم في السماء وهما إدريس وعيسى واثنان في الأرض الياس والخضر وأن ولادة الخضر في زمن إبراهيم أبي الأنبياء والمعمرون الذين تجاوزا العمر الطبيعي إلى مئات السنين كثيرون وقد ذكر السيد المرتضى في أماليه جملة منهم وذكر غيره كالصدوق في ( إكمال الدين ) كثر مما ذكره الشريف ، وكم رأينا في هذه الأعصار من تناهت بهم الأعمار إلى المائة والعشرين وما قاربها أو زاد عليها ، على أن الحق في نظر الاعتبار أن من يقدر على حفظ الحياة يوماً واحداً يقدر على حفظها آلافا من السنين ، ولم يبق إلا أنه خارق العادة وهل خارق العادة والشذوذ عن نواميس الطبيعة في شؤون الأنبياء والأولياء بشيء عجيب أو أمر نادر ؟(1).
والجواب على ذلك بما يلي :
1- نحن لا ننكر أن كثيراً من أهل السنة يرى حياة الخضر بل عزا النووي وابن الصلاح وغيرهما ذلك إلى الأكثرين إلا انه لا يوجد في ذلك دليل بل ظواهر الأدلة على خلافه .(5/46)
2- إن القائلين بحياة الخضر لا يحصرونه في مكان كما فعلت الرافضة .
3- والأهم من ذلك ان أهل السنة لا يعلقون الأحكام عليه بخلاف الرافضة الأمر الذي دعا معاصريهم إلى إعادة النظر في بعض البناء ، وفي هذا يقول الخميني :
وقد مر على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام ، وقد تمر ألوف
________________________________________________
(1) أصل الشيعة وأصولها ص68 .
السنين قبل أن تقضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر ، وفي طول هذه المدة المديدة ، هل تبقى أحكام الإسلام معطلة ، يعمل الناس خلالها ما يشاؤون ؟ ألا يلزم ذلك الهرج والمرج ؟ هل ينبغي أن يخسر الإسلام من بعد الغيبة الصغرى كل شيء ؟ الذهاب إلى هذا الرأي عندي أسوأ في نظري من الاعتقاد بأن الإسلام منسوخ "(1).
ومن هنا طرحت نظرية ولاية الفقيه باعتبارها لازمة منطقياً ، وتترتب على أساس النبوة والإمامة ويمكن صياغة البناء المنطقي لهذه النظرية على الوجه التالي:
1- أن الله هو الحاكم المطلق للكون ، وما فيه .
2- وأن القيادة البشرية التي تتجسد بها حاكمية الله في الأرض هي النبوة .
3- وأن خط الإمامة ، هو استمرار لخط النبوة في قيادة الأمة .
4- وبناء عليه ، فإن المرجعية الفقهية ، امتداد واستمرار لخط الإمامة .
5- فالنظرة الشيعية ، تجعل كل ما لله في سياسة المجتمع ، وعقيدة أهله ، للرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وبعد الرسول أصبح كل ما كان للإمام ، وبعد غيبة الإمام ، فإن كل ما كان للإمام الذي هو كل ما لله والرسول – فهو للفقيه المجتهد باستثناء أمرين اثنين هما :
أ أن للإمام مقاماً عند الله ، لا يبلغه الفقهاء .
ب أن ولاية الإمام ولاية تكوينية ، أما ولاية الفقيه فولاية إعتبارية
وعلى ضوء ذلك يعتقد الشيعة الإمامية بأن كل المؤسسات الأساسية في المجتمع
___________________________________________________
(1) ... الحكومة الاسلامية ص26 .(5/47)
تكون تحت قيادة شرعية ، تخضع لها مؤسسات المجتمع الأخرى .
إن البحث في نظرية ولاية الفقيه ، عند الشيعة الإمامية اليوم ، هو بحث في فلسفة نظام الحكم في الإسلام ، وفيما إذا كان الإسلام قادراً على خلق حياة سياسية ، منبثقة ضمن إطار نظام حكم إسلامي ، يكون قادراً على استيعاب أبعاد الحياة الإنسانية ، وقيمها ، وما تشتمل عليه من قضايا سياسية ، واقتصادية ، واجتماعية .
ولما كانت الرؤية الشيعية الإمامية ، لا تشير إلى أساس لإقامة الدولة الإسلامية في عصر ما بعد الغيبة ، فقد جاءت ولاية الفقيه في نظر مفكري الشيعة المعاصرين لـ " تعكس أفقاً مسؤولاً وحقاً مشروعاً للفكر الإسلامي أو الذي لابد أن يتولى الإشراف على تطبيقه أفضل الناس فهماً للدين ، واقربهم إلى هذا الفكر ، وهم الفقهاء " كما جاءت نظريه ولايه الفقيه نتيجة للاعتقاد السائد بين المسلمين بضرورة إقامة الدولة الإسلامية لإصلاح واقع المسلمين ، ولعل هذا الواقع ، هو الذي منح هذه النظرية بعض مصداقيتها ، وأعطاها بعدها الحقيقي ، باعتبارها الضمانة الحقيقية لتطبيق الإسلام في العصر الحديث(1).
ويقول الدكتور موسى الموسوي : ولكن مع الأسف الشديد ان فقهاء المذهب الجعفري الصقوا إلى المهدي جناحين شوهوا بهما صورة المهدي الرفيعة الوضاءة وهذان الجناحان بدعتان كبيرتان الصقتا بالمذهب الشيعي في عهد ظهور الصراع بين الشيعة والتشييع وهما تتناقضان مناقضة صريحة واضحة مع نصوص القرآن الكريم وسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعمل الإمام علي والأئمة من بعده .
________________________________________
(1) النظرية السياسية المعاصرة للشيعة ص100 .
البدعة الأولى هي تفسير الخمس في أرباح المكاسب والبدعة الثانية هي ولاية الفقيه في المجتهدين(1).ا0هـ .(5/48)
وإن الذي تشهده الساحة الإيرانية في الآونة الأخيرة من شدة الصراع بين المحافظين والإصلاحيين ينبىء بمراجعة لدي الجيل المعاصر من بعض المرتكزات العالقة بأذهان جيل الثورة وبخاصة في ظل التحركات التي يسعون لها مقابل سياسة الاحتواء المزدوج ضد حكمهم .
____________________________________________________
(1) ... الشيعة والتصحيح ص63 .
147- لما أتى التتار كانوا حزبه **** دكوا معاقلنا مع الصلبان
148-النار لابن العلقمي من نسلهم **** حفر القليب لدولة الإيمان
ابن العلقمي ولد سنة 593 ، وتوفى سنة 656هـ وهو محمد بن أحمد ( أو محمد بن محمد ابن أحمد ) بن علي ، أبو طالب ، مؤيد الدين الأسدي البغدادي المعروف بابن العلقمي : وزير المستعصم العباسي وصاحب الجريمة النكراء ، في ممالأة " هولاكو " على غزو بغداد ، في رواية أكثر المؤرخين ، اشتغل في صباه بالأدب وارتقى إلى رتبة الوزارة ( سنة 642) فوليها أربعة عشر عاماً ووثق به (المستعصم ) فألقى إليه زمام أموره وكان حازماً خبيراً بسياسة الملك ، كاتباً فصيح الإنشاء اشتملت خزانته على عشرة آلاف مجلد .
وأحداث التتار وابن العلقمي مشهورة في كتب التاريخ وفي هذا يقول : ابن كثير عن سنة 656هـ
استهلت هذه السنة وجنود التتار قد نازلت بغداد صحبة الأميرين اللذين على مقدمة عساكر سلطان التتار ، هولاكو خان ، وجاءت إليهم أمداد صاحب الموصل يساعدونهم على البغاددة وميرته وهداياه وتحفه ، وكل ذلك خوفاً على نفسه من التتار ، ومصانعة لهم قبحهم الله تعالى ، وقد سترت بغداد ونصبت فيها المجانيق وغيرها من آلات الممانعة التي لا ترد من قدر الله سبحانه وتعالى شيئاً ، كما ورد في الأثر "لن يغن حذر عن قدر" وكما قال تعالى : { إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر } (1). وقال تعالى: { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما ________________________________________________
(1) سورة نوح : 40 .(5/49)
بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال } (2). وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب وكان قدوم هولاكو خان بجنوده كلها وكانوا نحو مائتى ألف ، مقاتل – إلى بغداد في ثاني عشر المحرم من هذه السنة ، وهو شديد الحنق على الخليفة بسبب ما كان تقدم من الأمر الذي قدره الله وقضاه وأنفذه وأمضاه ، وهو أن هلاكو لما كان أول بروزه من همدان متوجهاً إلى العراق أشار الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي على الخليفة بأن يبعث إليه بهدايا سنية ليكون ذلك مداراة له عما يريده من قصد بلادهم فخذل الخليفة عن ذلك دويداره الصغير أيبك وغيره ، وقالوا : إن الوزير إنما يريد بهذا مصانعة ملك التتار بما يبعثه إليه من الأموال ، وأشاروا بأن يبعث بشيء يسير ، فأرسل شيئاً من الهدايا فاحتقرها هولاكو خان وأرسل إلى الخليفة يطلب منه دويداره المذكور ، وسليمان شاه ، فلم يبعثهما إليه ولا بالا به حتى أزف قدومه ، ووصل بغداد بجنوده الكثيرة الكافرة الفاجرة الظالمة الغاشمة ممن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ، فأحاطوا ببغداد من ناحيتها الغربية والشرقية ، وجيوش بغداد في غاية القلة ونهاية الذلة لا يبلغون عشرة آلاف فارس ، وهم وبقية الجيش كلهم قد صرفوا عن إقطاعاتهم حتى استعطى كثير منهم في الأسواق وابواب المساجد ، وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم ويحزنون على الإسلام وأهله ، وذلك كله عن آراء الوزير بن العلقمي الرافضي ، وذلك أنه لما كان في السنة الماضية كان بين أهل السنة والرافضة حرب عظيمة نهبت فيها الكرخ ومحلة الرافضة حتى نهبت دور قرابات الوزير فاشتد حنقه على ذلك ؛ فكان هذا مما أهاجه على أن دبر على الإسلام وأهله ما وقع من الأمر الفظيع الذي لم يؤرخ أبشع منه منذ بنيت بغداد وإلى هذه الأوقات ، ولهذا كان أول من برز إلى التتار هو فخرج بأهله وأصحابه وخدمه وحشمه فاجتمع بالسلطان هولاكو خان لعنه الله ،(5/50)
ثم عاد فأشار على الخليفة بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق لهم ونصفه للخليفة ، فاحتاج الخليفة إلى أن خرج في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء والصوفية ورءوس الأمراء والدولة والأعيان ، فلما اقتربوا من منزل السلطان هولاكو خان حجبوا عن الخليفة إلا سبعة عشر نفساً فخلص الخليفة بهؤلاء المذكورين ، وأنزل الباقون عن مراكبهم ونهبت وقتلوا عن آخرهم ، وأحضر الخليفة بين يدى هولاكو فسأله عن أشياء كثيرة فيقال إنه اضطرب كلام الخليفة من هول ما رأى من الإهانة والجبروت ، ثم عاد إلى بغداد وفي صحبته خوجه نصير الدين الطوسي ، والوزير ابن العلقمي وغيرهما ، والخليفة تحت الحوطة والمصادرة فأحضر من دار الخلافة شيئاً كثيراً من الذهب والحلى والمصاغ والجواهر والأشياء النفيسة ، وقد أشار أولئك الملأ من الرافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو أن لا يصالح الخليفة ، وقال الوزير متى وقع الصلح على المناصفة لا يستمر هذا إلا عاماً أو عامين ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك ، وحسنوا له قتل الخليفة ، فلما عاد الخليفة إلى السلطان هولاكو أمر بقتله ، ويقال : أن الذي أشار بقتله الوزير ابن العلقمي والمولى نصير الدين الطوسي وكان النصير عند هولاكو قد استصحبه في خدمته لما فتح قلاع الألموت ، وانتزعها من أيدي الإسماعلية وكان النصير وزيراً لشمس الشموس ولأبيه من قبله علاء الدين بن جلال الدين ، وكانوا ينسبون إلى نزار بن المستنصر العبيدي وانتخب هولاكو النصير ليكون في خدمته كالوزير المشير ، فلما قدم هولاكو وتهيب من قتل الخليفة هون عليه الوزير ذلك فقتلوه رفساً وهو في جوالق لئلا يقع على الأرض شيء من دمه خافوا أن يؤخذ بثأره فيما قيل لهم ، وقيل : بل خنق ، ويقال : بل أغرق فالله أعلم فباءوا بإثمه وإثم من كان من سادات العلماء والقضاة والأكابر والرؤساء والأمراء وأولى الحل والعقد ببلاده – وستأتي(5/51)
ترجمة الخليفة في الوفيات – ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش ، وقتى الوسخ ، وكمنوا كذلك أياماً لا يظهرون ، وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار ، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة ، حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وكذلك في المساجد والجوامع والربط ، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي وطائفة من التجار أخذوا لهم أماناً ، بذلوا عليه أموالاً جزيلة حتى سلموا وسلمت أموالهم وعادت بغداد بعد ما كانت آنس المدن كلها كأنها خراب ليس فيها إلا القليل من الناس ، وهم في خوف وجوع وذلة وقلة ، وكان الوزير ابن العلقمي قبل هذه الحادثة يجتهد في صرف الجيوش وإسقاط اسمهم من الديوان ، فكانت العساكر في آخر ايام المستنصر قريباً من مائة ألف مقاتل ، منهم من الأمراء من هو كالملوك الأكابر الأكاسر ، فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق سوى عشرة آلاف ، ثم كاتب التتار وأطمعهم في أخذ البلاد ، وسهل عليهم ذلك ، وحكى لهم حقيقة الحال ، وكشف لهم ضعف الرجال ، وذلك كله طمعاً منه أن يزيل السنة بالكلية ، وأن يظهر البدعة الرافضة وأن يقيم خليفة من الفاطميين وأن يبيد العلماء والمفتيين ، والله غالب
على أمره ، وقد رد كيده في نحره ، وأذله بعد العزة القعساء(1). ، وجعله حوشكاشا(2) للتتار بعد ما كان وزيراً للخلفاء واكتسب إثم من قتل ببغداد من الرجال والنساء والأطفال ، فالحكم لله العلى الكبير رب الأرض والسماء .(5/52)
وقد جرى على بنى إسرائيل ببيت المقدس قريب مما جرى على أهل بغداد كما قص الله تعالى علينا ذلك في كتابه العزيز ، حيث يقول : { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولاً } (3) الآيات وقد قتل من بني اسرائيل خلق من الصلحاء وأسر جماعة من أولاد الأنبياء وخرب بيت المقدس بعد ما كان معموراً بالعباد والزهاد والأحبار والأنبياء فصار خاوياً على عروشه واهى البناء .
وقد اختلف الناس في كمية من قتل ببغداد من المسلمين في هذه الوقعة فقيل : ثمانمائة ألف ، وقيل : ألف ألف وثمانمائة ألف ، وقيل : بلغت القتلى ألفي ألف نفس ، فإنا له وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وكان دخولهم إلى بغداد في أواخر المحرم ، وما زال السيف يقتل أهلها أربعين يوماً ، وكان قتل الخليفة المستعصم بالله أمير المؤمنين يوم الأربعاء رابع عشر صفر وعفى قبره وكان عمره يومئذٍ ستا وأربعين سنة وأربعة أشهر ، ومدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأيام ، وقتل معه ولده الأكبر أبو العباس أحمد ،
________________________________________
(1) قعساء : ممتنعة ثابتة المعجم الوسيط 2/778) .
(2) حوشكاش : مطاوعاً ومحرضاً التتار على المسلمين ( المعجم الوسيط 1/214]
(3) الإسراء 4،5 .
وله خمس وعشرون سنة ، ثم قتل ولده الأوسط أبو الفضل عبدالرحمن وله ثلاث
وعشرون سنة وأسر ولده الأصغر مبارك وأسرت أخواته الثلاث فاطمة وخديجة ومريم وأسر من دار الخلافة من الأبكار ما يقارب ألف بكر فيما قيل والله أعلم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .(5/53)
وقتل أستاذ دار الخلافة الشيخ محيى الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي ، وكان عدو الوزير ، وقتل أولاده الثلاثة : عبدالله ، عبدالرحمن ، وعبدالكريم ، وأكابر الدولة واحداً بعد واحد ، منهم الديودار الصغير مجاهد الدين أيبك ، وشهاب الدين سليمان شاه ، وجماعة من أمراء السنة وأكابر البلد ، وكان الرجل يستدعي به من دار الخلافة من بني العباس فيخرج بأولاده ونسائه فيذهب به إلى مقبرة الخلال ، وتجاه المنظرة فيذبح كما تذبح الشاة ، ويؤسر من يختارون
149- وابن الباسيري خان خليفة **** وسعى لذبح الدين في بغدان
البسا سيري توفى سنة 451هـ وهو أرسلان بن عبدالله أبو الحارث البساسيري : قائد ، ثائر ، تركي الأصل كان من مماليك بني بويه ، وخدم القائم العباسي فقدمه على جميع الأتراك في بغداد وقلده الأمور بأسرها ، وخطب له على منابر العراق وخوزستان ، فعظم أمره وهابته الملوك ، وتلقب بالمظفر ثم خرج على القائم وأخرجه من بغداد ، وخطب للمستنصر الفاطمي صاحب مصر ( سنة 450هـ ) وأخذ له بيعة القضاة والأشراف ببغداد قسراً ولم يثق به المستنصر فأهمل أمره ، فتغلب عليه أعوان القائم ، من عسكر السلطان طغرلبك فقتلوه وكانت ببغداد محلة كبيرة تنسب إليه .
وبعد سيطرة التشيع والنفوذ الباطني ، خلال قرنين من الزمان ، قيض الله السلاجقة الأتراك ، ليوقفوا هذا الزحف الحاقد ، ولينصروا خليفة بغداد ، ومذهب أهل السنة .
تنسب هذه الدولة إلى ( سلجوق ) الذي كان من قادة الترك في تركستان ، وكان قد أعلن إسلامه وحارب كفار الترك ، واتجه مع أبنائه نحو بلاد المشرق ، وأصبحت دولة السلاجقة بعد ذلك ، هي القوة الأولى في المشرق الإسلامي .
كان السلاجقة أمة مقاتلة بطبيعتها ، إضافة إلى ما تميزوا به من الحماس الديني والمغامرة والإقدام .
كما أنهم كانوا على المذهب السني ، مما دفعهم إلى مقاومة الرافضة وطردهم من بلاد الشام .
وفي عهد طغرل بك :(5/54)
استولوا علىخراسان ، ووصلوا العراق ، ثم دخلوا بغداد استجابة لدعوة الخليفة العباسي " القائم بأمر الله " لدرء الخطر البويهي الشيعي .
" كان طغرل بك من القادة الكبار ، اتصل بالخليفة القائم ، وكان من أقوى رجال عصره وأوسعهم سلطاناً ، واشرأبت نفسه للاصلاح والجهاد بعد أن كلفه الخليفة بنشر العدل وكف الظلم ، وإصلاح الرعية ، وخاطبه الخليفة : "بملك المشرق والمغرب " .
كان طغرل قد أمضى من عمره ستين سنة في ميادين الحرب والقتال ، دون أن يشعر أن له هدفاً آخر بعد النصر والهزيمة ، فلم يكد يتصل بالخلافة وبواقع الروم ، حتى أحس هو ومن معه كأنهم خلقوا من جديد .
وهكذا لا يزال الناس هملاً حتى يشعروا أن لهم رسالة في الحياة ، فيظهروا وكأنما بعثوا خلقاً جديداً .
فتنة البساسيري :
ومن أفضل أعمال طغرل بك أن قضى على فتنة القائد البويهي ( أرسلان البساسيري ) الذي كان يدين بالتشيع ، ويراسل العبيدين ، لينقل إليهم شادات خليفة بغداد " القائم " .
دخل طغرل بك بغداد ، واستقبله الخليفة ، وتم القبض على الأمير البويهي ، وانسحب البساسيري قبل دخول طغرل بغداد توجه إلى إمارة ( كمال بن مرداس ) في الرحبة ، والذي قدم له العون .
وكان الوزير الفاطمي في مصر " اليازوري " قد أخرج معظم أموال الخزائن الفاطمية ، والأسلحة الوفيرة وزود بها " داعي الدعاة " الذي سار بها نحو الرحبة لدعم حركة البساسيري .(5/55)
انتهز البساسيري فرصة انسحاب طغرل بك من العراق لمواجهة تمرد أخيه ، واندفع إلى بغداد حاملاً الرايات المستنصرية العبيدية ، يصحبه حليفه " قريش بن بدران العقيلي " وتم الاستيلاء على عاصمة الخلافة عام 450هـ ، ومن ثم قبض قريش بن بدران على الخليفة القائم ، وأرسله إلى حصنه بحديثة عانة ، مع أهله وحاشيته ونفي فيها عاماً كاملاً . ثم أقيمت الخطبة للخليفة المستنصر في جامع المنصور ببغداد وقطعت الخطبة العباسية ، وزيد في الأذان عبارة : " حي على خير العمل " ، وأكره الخليفة القائم على أن يمضي وثيقة يتنازل فيها عن حقوقه وحقوق العباسيين لمصلحة الخليفة المستنصر ، الذي أرسلت إليه إذ ذاك شارات الخلافة بما فيها بردة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما أرسلت عمامة الخليفة القائم إلى المستنصر العبيدي كان في عام 450هـ .
عاد طغرل بك مسرعاً إلى العراق ، لإعادة الخليفة القائم إلى عاصمته ، فهرب البساسيري من بغداد ، وعاد الخليفة العباسي ، وعادت إليه الخطبة ، وسار طغرل بك ، يطارد البساسيري ودارت معركة فاصلة انتهت بمقتل المتمرد الرافضي البساسيري .
وبذلك انتهى النفوذ البويهي في بغداد ، وكانت مدة ولايتهم مائة وعشر سنوات .
ثم أزيل ما كان على أبواب المساجد من سب الصحابة ، وقتل شيخ الروافض "أبو عبدالله الجلاب " لغلوه في الرفض ، وأمر المؤذن بترك عبارة " حي على خير العمل " ووضع عبارة : الصلاة خير من النوم(1) .
________________________________________
(1) الجهاد والتجديد في القرن السادس الهجري لمحمد الناصر ص51 .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :(5/56)
وفي دولة المستنصر كانت فتنة البساسري في المائة الخامسة سنة خمسين وأربعمائة لما جاهد البساسري خارجاً عن طاعة الخليفة القائم بأمر الله العباسي ، واتفق مع المستنصر العبيدي وذهب يحشر إلى العراق وأظهروا في بلاد الشام والعراق شعار الرافضة كما كانوا قد أظهروها بأرض مصر ، وقتلوا طوائف من علماء المسلمين وشيوخهم كما كان سلفهم قتلوا قبل ذلك بالمغرب طوائف ، وأذنوا على المنابر : " حي على خير العمل " حتى جاء الترك " السلاجقة " الذين كانوا ملوك المسلمين فهزموهم وطردوهم إلى مصر وكان من أواخرهم " الشهيد نور الدين محمود " الذي فتح أكثر الشام واستنقذه من أيدي النصارى ؛ ثم بعث عسكره إلى مصر لما استنجدوه على الافرنج ، وتكرر دخول العسكر إليها مع صلاح الدين الذي فتح مصر ؛ فأزال عنها دعوة العبيديين من القرامطة الباطنية ، وأظهر فيها شرائع الإسلام ، حتى سكنها من حينئذ من أظهر بها دين الإسلام .
150-وكذا نصير الدين منهم إنه **** حقاً عدو الدين والديان
151- أفتى لهولاكو يجرد سيفه **** حتى أباد به أولي العرفان
والطوسي ولد سنة 597هـ ، وتوفى سنة 672هـ وهو محمد بن محمد بن الحسن ، أبو جعفر ، نصير الدين الطوسي : فيلسوف كان رأساً في العلوم العقلية ، علت منزلته عند " هولاكو " فكان يطيعه فيما يشير به عليه ولد بطوس ( قرب نيسابور ) وابتنى بمراغة قبة ورصداً عظيماً ، واتخذ خزانة ملأها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة ، اجتمع فيها نحو أربعمئة ألف مجلد ، وقرر منجمين لرصد الكواكب وجعل لهم أوقافاً تقوم بمعاشهم وكان " هولاكو" يمده بالأموال وصنف كتباً جليلة من أشهرها تلخيص المحصل .
وقال ابن القيم في النونية :
وكذا أتى الطوسى بالحرب الصريح **** بصارم منه وسل لسان
وأتى إلى الإسلام يهدم أصله **** من أسه وقواعد البنيان
عمر المدارس للفلاسفة الألى **** كفروا بدين الله والقرآن(5/57)
وأتى إلى أوقاف أهل الدين **** ينقلها إليهم فعل ذى أضغان
وأراد تحويل الإشارات التي **** هي لابن سينا موضع الفرقان
وأراد تحويل الشريعة بالنواميس **** التي كانت لذى اليونان
لكنه علم اللعين بأن هذا **** ليس في المقدور والإمكان
إلا إذا قتل الخليفة والقضاة **** وسائر الفقهاء في البلدان
فسعى لذاك وساعد المقدور بالأمر **** الذي هو حكمة الرحمن
الشرح
بعد أن فرغ المؤلف من الكلام على ابن سينا القرمطي ، وما كان يكيد به للإسلام وأهله في الخفاء بسبب اتباعه للفلسفة مع إيهامه انه حريص على اتباع الشريعة ، وأنه يحاول جاهداً التوفيق بينها وبين الفلسفة ، أخذ في الحديث على ذيل من ذيوله الذين تعلقوا بفلسفته وهو الخواجة نصير الدين الطوسي ، فذكر أن هذا الرجل لم يكن يصانع المسلمين كسلفه ، ولكنه أعلنها على الإسلام وأهله حرباً صريحة سافرة بسيفه ولسانه ، فكان يسعى جهده لكى يهدم الإسلام من أساسه ، فأنشأ المدارس ، لا لدراسة الكتاب والسنة وعلوم الشريعة ، ولكن لدراسة الكفر والإلحاد باسم الفلسفة ، وحول الأحباس التي كانت لأهل الدين إلى طلبه هذه المدارس حسداً منه وبغياً .
وقد أراد هذا الخبيث أن يجعل من كتاب الإشارات الذي ألفه سيده ابن سينا كتاباً مقدساً بدلاً من القرآن ، يعني بحفظه ودراسته وتعليمه ، كما أراد أن ينسخ الشريعة ويستعيض عنها بالنظم والقوانين التي كانت عند اليونان والرومان ، ولكنه علم أن ذلك لا يتم له ولا يقدر عليه إلا إذا أزال دولة الإسلام بقتل رجالاتها من الخليفة والقضاة والفقهاء في سائر البلدان ، فسعى لذلك سعيه باستعداء التتار أتباع جانكيز خان على المسلمين ، وكان يعمل كالمشير لهم ، وساعد على تحقيق غرضه موافقة الأقدار له لحكمة أرادها الله سبحانه وهو أحكم الحاكمين
فأشار أن يضع التتار سيوفهم **** في عسكر الإيمان والقرآن
لكنهم يبقون أهل مصانع الدنيا **** لأجل مصالح الأبدان(5/58)
فغدا على سيف التتار الألف في **** مثل لها مضروبة بوزان
وكذا ثمان مئينها في ألفها **** مضروبة بالعد والحسان
حتى بكى الإسلام أعداه اليهود **** كذا المجوس وعابد الصلبان
فشفى اللعين النفس من حزب **** الرسول وعسكر الإيمان والقرآن
وبوده لو كان في أحد وقد **** شهد الوقيعة مع أبي سفيان
لأقر أعينهم وأوفى نذره **** أو أن يرى متمزق اللحمان
الشرح
أراد هذا الخبيث شفاء غيظه المتقد على الإسلام وأهله بمحاولة الإتيان على أصوله وقواعده والقضاء على حملته ، فأشار على أعوانه من التتار ، وهم أهل جهل وغلظة أن يضعوا سيوفهم في معسكر الإيمان والقرآن من رجال الفقه والدين مع الإبقاء على ذوى الحرف وأرباب الصنائع من أجل عمارة البلدان ومصالح الأبدان .
وقد أخذ هؤلاء السفكة من التتار بمشورة هذا الخبيث الملحد ، فأعملوا سيوفهم في أهل الإسلام في كل بلد دخلوه حتى قدر عدد القتلى بسيوف هؤلاء المجرمين بما يقرب من مليون وثمانمائة ألف شخص ونكب الإسلام بهم نكبة جعلت أعداءه من اليهود والنصارى والمجوس يبكونه ويرثون لحاله ، وبذلك تمكن هذا اللعين من شفاء نفسه من حزب الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذين هم جند الإيمان وعسكر القرآن . وكان يود لو أنه شهد وقعة أحد مع أبي سفيان وحزبه ، وكان جنديا في جيش الباطل إذاً لصال وجال وأقر أعين إخوانه من أهل الشرك والضلال وأوفى نذره في الكيد للإسلام وجهاد أهله ، او يرى مقتولاً متمزق اللحمان (1)
___________________________________________________
(1) ... شرح النونية لهراس (1/179) .
152- والفاطميون اللئام فإنهم **** ليسوا لأهل البيت بالحسبان
153- أفتى تقي الدين أن جدودهم **** نسل اليهود محاربي الرحمان
154- أما ابن خلدون فلم ينصف وقد **** نسب اليهود لأسرة العدناني(5/59)
الفاطميون أو العبيديون شيعة رافضة ظهروا في شمال أفريقية ( تونس ) في القرن الثالث الهجري سنة 297هـ ، وزحفوا على مصر سنة 358هـ (1).
ومؤسس هذه الدولة عبيد الله بن محمد المهدي وإليه تنسب الدولة وكان أبوه قد استطاع نشر الدعوة الفاطمية في بلاد اليمن ، ثم اليمامة والبحرين والسند ومصر والمغرب ثم واصل عبيدالله طريق والده ووسع نفوذه وتصدى للهجمات والثورات حتى قبض عليه اليسع بن مدرار أمير سجلماسة وسجنه واصل قائدة أبو عبدالله الشيعي فتوحه ومد نفوذه إلى أكثر أجزاء المغرب ودخل أخيراً (رقادة) عاصمة الأغالبة وأزال دولتهم عام 296هـ /875م ثم سار إلى سلجماسة فهرب حاكمها فأطلق زعيمه عبيدالله عام 296هـ /875م فبايعوه وتلقب بخليفة المسلمين وأمير المؤمنين وواصل انتصاراته وهكذا استطاع القضاء على ملك الأغالبة وآل رستم والأدارسة ودان له الشمال الافريقي كاملاً ، واتخذ القيروان عاصمة ملكه وفي عام 304هـ /916م بنى ( المهدية ) وجعلها عاصمته مات سنة 322هـ /933م وخلفه ابنه القائم ، ثم تتالى عليها ذريته(2).
واختلف الناس في نسبهم على قولين:
___________________________________________________
(1) ... جهاد المسلمين في الحروب الصليبية د 0 فايد عاشور ص68 .
(2) ... موجز التاريخ الإسلامي لأحمد العسيري ص210 .
الأول : انهم من أهل البيت ومن الذين يرون هذا القول :
1- ابن خلدون حيث قال :
دولة العبيديين وأولهم عبيد الله المهدي بن محمد الحبيب بن جعفر الصادق بن محمد المكتوم بن جعفر الصادق ولا عبرة بمن أنكر هذا النسب من أهل القيروان وغيرهم وبالمحضر الذي ثبت ببغداد أيام القادر بالطعن في نسبهم ، وشهد فيه أعلام الأئمة .
وأما من يجعل نسبهم في اليهودية والنصرانية ليعمون القدح وغيره فكفاه ذلك إثما وسفسفة وكان شيعة هؤلاء العبيدين بالمشرق واليمن وأفريقية(1)..(5/60)
يقول د0 عبدالحليم عويس : بل إن بعض المؤرخين الثقات كابن الأثير في الكامل (630هـ ) والمقريزي في الخطط المقريزية (845هـ ) يدافعون عن نسب : الفاطميين وكأنهم قد وضعوا أيديهم على ما يؤكد ذلك .
ولو اطلع هؤلاء المؤرخون على ما أورده المؤرخ ( أبو عبدالله محمد بن علي بن حماد ) في مخطوطه الموسوم باسم ( أخبار ملوك بني عبيد وسيرتهم ) لضموه إلى جملة الآراء التي يستشهدون بها دليلاً على صحة رأيهم إن هذا المؤرخ القريب العهد بالفاطميين يقول ( في الصفحة السادسة من مخطوطه ) وهو بصدد الحديث عن عبيد الله المهدي يقول : " لقد اختلف الناس في نسبه إلى الحسين بن علي عليهما السلام فمن مسلمين ما ادعاه ومقرين بما حكاه ومن دافعين ومانعين ما انتحله ولا يزالون مختلفين إلا من رحم الله ، فالذي ادعاه هو أنه ___________________________________________________
(1) تاريخ ابن خلدون (4/37) .
عبيد الله بن محمد بن الحسين بن محمد بن اسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم والذي ادعاه الناس لا برهان عليه فلا حاجة لي إليه " هذا ما قاله أبو عبيد الله بن حماد فضلاً عن تأييد جمهرة مؤرخي الشيعة لصحة هذا النسب !!! .
أما المحدثون ممن ذهبوا إلى صحة نسبهم فهم كثيرون نذكر منهم " كارل بروكلمان " والدكتور أحمد شلبي ( انظر الجزء الرابع من موسوعة التاريخ الإسلامي ) والدكتور إبراهيم شعوط في كتابه ( أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ) كما ذهب إلى هذا الرأي الدكتور حسن إبراهيم حسن والدكتور محمد جمال الدين سرور ومال إليه – بشيء من التردد – المستشرق – كترمير -!!! ومن الجدير بالذكر أن الدكتور " حسن إبراهيم " يبني تأييده لصحة نسب الفاطميين على ( شيوع هذا الأمر ) وعلى ( اعتقاد الناس فيه ) وعلى (رأي الشعراء ) ونشاط دعاة الفاطميين(1). .(5/61)
القول الثاني : انهم ليسوا من أهل البيت وعلى هذا جرى الناظم وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال : وكذلك " النسب " قد علم أن جمهور الأمة تطعن في نسبهم ، ويذكرون أنهم من أولاد المجوس ، أو اليهود هذا مشهور من شهادة علماء الطوائف : الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، وأهل الحديث ، و أهل الكلام ، وعلماء النسب ، والعامة ، وغيرهم . وهذا أمر قد ذكره عامة المصنفين لأخبار الناس وأيامهم ، حتى بعض من قد يتوقف في أمرهم كابن الأثير الموصلي في تاريخه ونحوه ؛ فإنه ذكر ما كتبه علماء المسلمين _________________________________________________
(1) قضية نسب الفاطميين أمام منهج النقد التاريخي ص3 ، والمنجد ص403 .
بخطوطهم في القدح في نسبهم .
وأما جمهور المصنفين من المتقدمين والمتأخرين حتى القاضي ابن خلكان في تاريخه ، فإنهم ذكروا بطلان نسبهم ، وكذلك ابن الجوزي ، وأبو شامة وغيرهما من أهل العلم بذلك ، حتى صنف العلماء في كشف أسرارهم وهتك أستارهم ، كما صنف القاضي أبو بكر الباقلاني كتابه المشهور في كشف أسرارهم وهتك أستارهم ، وذكر أنهم من ذرية المجوس ، وذكر من مذاهبهم ما بين فيه أن مذاهبهم شر من مذاهب اليهود والنصارى ؛ بل ومن مذاهب الغالية الذين يدعون الاهية علي أو نبوته ، فهم أكفر من هؤلاء ؛ وكذلك ذكر القاضي أبو يعلى في كتابه " المعتمد " فصلا طويلاً في شرح زندقتهم وكفرهم ، وكذلك ذكر أبو حامد الغزالي في كتابه الذي سماه " فضائل المستظهرية ، وفضائح الباطنية " قال : ظاهر مذهبهم الرفض ، وباطنه الكفر المحض(1).
وكلمة اليهود في قول الناظم ( أما ابن خلدون فلم ينصف وقد نسب اليهود ) صفة لموصوف محذوف تقديره : وقد نسب الفاطميين اليهود ، فالألف للعهد الذكري وليس للعهد الذهني ، وحذف المنعوت جائز في اللغة كما قال ابن مالك :
وما من المنعوت والنعت عقل **** يجوز حذفه وفي النعت يقل(5/62)
وأما ترجمة ابن خلدون الذي ولد سنة 732هـ وتوفى سنة 808هـ فهو عبدالرحمن بن محمد بن محمد ، ابن خلدون أبو زيد ، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي ، من ولد وائل بن حجر : الفيلسوف المؤرخ ، العالم الإجتماعي _________________________________________________
(1) ... الفتاوى (35/128) .
البحاثة أصله من إشبيلية ، ومولده ومنشأه بتونس رحل إلى فاس وغرناطة وتلمسان والأندلس ، وتولى أعمالاً ، واعترضته دسائس ووشايات ، وعاد إلى تونس ثم توجه إلى مصر فأكرمه سلطانها الظاهر برقوق وولي فيها قضاء المالكية ، ولم ينزيّ بزيّ القضاة محتفظاً بزيّ بلاده وعزل ، وأعيد وتوفى فجأة في القاهرة كان فصيحاً ، جميل الصورة ، عاقلاً ، صادق اللهجة ، عزوفاً عن الضيم ، طامحاً للمراتب العالية ولما رحل إلى الأندلس اهتز له سلطانها ، وأركب خاصته لتلقيه ، وأجلسه في مجلسه اشتهر بكتابه " العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر – ط " في سبعة مجلدات ، أولها " المقدمة " وهي تعد من أصول علم الاجتماع ، ترجمت هي وأجزاء منه إلى الفرنسية وغيرها .
155- فتكوا بدين الله فتكة فاجر **** يا دولة الأرذال والأوثان
كان لملوك العبيديين تاريخ حافل بالجرائم الشنيعة ، خلال تعقبهم لعلماء أهل السنة ، وهذه نماذج مما حفظه لنا التاريخ ، قال أبو الحسن القابسي : " إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه من العلماء والعباد أربعة آلاف رجل ، ليردوهم عن الترضي عن الصحابة فاختاروا الموت " وقال أبو شامة متحدثاً عن عبيد الله رأس ملوكهم " كان زنديقاً خبيثاً " عدواً للإسلام يتظاهر بالتشيع ، حريصاً على إزالة الملة الإسلامية ، قتل من الفقهاء والمحدثين والصالحين جماعة كثيرة ونشأت ذريته على ذلك ، يجهرون إذا أمكنتهم الفرصة ، وإلا أسروه "(5/63)
" ولما هلك المهدي قام ابنه المسمى " بالقائم " مقامه ، وزاد شره على شر أبيه أضعافاً مضاعفة ، وجاهر بشتم الأنبياء والصحابة ، فكان ينادي في أسواق المهدية – في المغرب وغيرها – " العنوا عائشة وبعلها ، العنوا الغار ومن حوى"
" وبعث القائم هذا إلى أبي طاهر القرمطي في البحرين ، وحثه على قتل المسلمين وإحراق المساجد والمصاحف " .
" اللهم صل على نبيك وارض عن أصحابه وأزواجه ، والعن هؤلاء الكفرة الفجرة الملحدين ، وارحم من أزالهم ، ومن جرى على يديه تفريق جمعهم "
أما المنصور ابن القائم ، حفيد عبيد الله ، فكان من جرائمه قتله قاضي برقة ، محمد بن الحبلي قاضي مدينة برقة ، أتاه أمير المدينة ، وقال غداً العيد . قال القاضي : حتى نرى الهلال ، ولا أفطر الناس وأتقلد إثمهم وكان العبيديون يعتمدون الحساب الفلكي في ذلك وقال القاضي : لا أخرج ولا أصلي بالناس ، فطلبه المنصور العبيدي ، وقال له : تنصل وأعفو عنك فامتنع ، فأمر به فعلق في الشمس إلى أن مات .
كان رحمه الله يستغيث من العطش فلم يُسق ، ثم صلبوه على خشبة فلعنة الله على الظالمين .
قال الذهبي : " وقد أجمع علماء المغرب على محاربة آل عبيد ، لما شهدوه من الكفر الصُّراح الذي لا حيلة فيه .
وفي عهد المعز ، فاتح مصر ، وأول خلفائهم فيها وهو الذي تنسب إليه القاهرة المعزية ، " أي بنيت في عهده على يد قائده جوهر " بعث دعاته وكانوا يقولون : هو المهدي الذي يملك الأرض وكان قائده جوهر قد عاهد أهل مصر على ترك الحرية لهم في بقائهم على السنة ، إلا أنه بعد تمكن المعز ، نقض العهد وجد أصحابه في تشييع المصريين .(5/64)
وهذا الطاغية هو الذي بطش بفقيه الشام ، أبي بكر النابلسي محمد بن أحمد بن سهل الرملي – فقد حُمل إليه من دمشق بقفص من خشب ، وأمر بسلخه فسلخه حياً ، سلخه يهودي بين يديه ، ثم حشي جلده تبناً وصلب رحمه الله كان يقول وهو يسلخ ، { كان ذلك في الكتاب مسطوراً } [ الإسراء : 58] (1).
_________________________________________________
(1) ... الجهاد والتجديد لمحمد الناصر ص25 .
156- نصر على مصر أتى تأليفه **** من ابن جوزي واعظ البلدان
ابن الجوزي ولد سنة 508هـ ، وتوفى سنة 597هـ وهو عبدالرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي ، أبو الفرج : علامة عصره في التاريخ والحديث ، كثير التصانيف مولده ووفاته ببغداد ، ونسبته إلى " مشرعة الجوز " من محالها له نحو ثلاث مئة مصنف ، منها " تلقيح فهوم أهل الآثار ، في مختصر السير والأخبار – ط " قطعة منه ، و " الأذكياء وأخبارهم – ط " و " مناقب عمر بن عبدالعزيز –ط " و " روح الأرواح –ط " و " شذور العقود في تاريخ العهود – خ " و " المدهش – ط " في المواعظ وغرائب الأخبار ،
وأما قول الناظم "نصر على مصر "فهو كتاب لابن الجوزي وذكره اسماعيل البغدادي في هدية العارفين وذكره سبط ابن الجوزي في مرآه الزمان بعنوان مشوه : ( لغته الكبير والنصر على مصر ) ويقتضي السجع أن يكون مطلع هذا الكتاب : ( كبر الذكر ) وقد ذكر هذه العبارة سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان أيضاً عنواناً لكتاب آخر فليراجع وذكره ابن رجب بعنوان : ( النصر على مصر ) وقال إنه صنفه لما خطب للمستضيء بمصر وانقطع أثر العبيديين عنها وبهذا العنوان أيضاً ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام(1).
_________________________________________________
(1) ... مؤلفات ابن الجوزي لعبد الحميد العلوجي ص187 .
157- هذا صلاح الدين شتت شملهم **** وأحلهم في ذلة وهوان(5/65)
كان صلاح الدين يعتبر – مثله كمثل كل المسلمين السنيين في المشرق – أن الفاطميين كفرة وإذا كان لديه من السياسة ما يكفي لاستيعابهم ؛ فلم يكن لديه من الثقافة الدينية ما يفهم به كفرهم ومعانيهم الباطنية ، وفلسفة المذهب اللاهوتية . ولما كان قد أضحى وزير تفويض مطلق اليد ، والخليفة العاضد أكثر عزلة فأكثر ، وليس في يده أمر سوى الشكل والاسم ؛ فإن صلاح الدين أخذ في تعديل وتسوية ما كان يعتبره انحرافاً عن الدين السوي – بتقوية السنة ، ويعتبره واجباً أمام الله ، فقام بخطوات عديدة بهذا الاتجاه ( التقويمي ) التصحيحي حسب معتقده يرضى به نفسه وسيده نور الدين والخلافة العباسية وأهل السنة جميعاً ؛ ومن ذلك :
- أنه عزل قضاة مصر الشيعة بوصفه كافل القضاة وقطع أرزاقهم ، وجعل القضاء للشافعية فقط .
- سرَّح الدعاة وألغى مجالس الدعوة .
- أزال مظاهر المذهب في العبادة – الأذان بحيَّ على خير العمل صلاة الضحى صيام رمضان ثلاثين يوماً .
- ألغى عن السكة – النقد – صيغة ( علي ولي الله )
- منع صلاة الجمع في الجامع الأزهر وجامع الحاكم .
إلغاء الخلافة الفاطمية :
ولم يجد نور الدين من عذر لصلاح الدين بعد أن صار قوىَّ المركز ، في تأجيل المطلب الأساسي ، فبعث ( في شهر حزيران 1171م ) بأمر رسمي له باتخاذ الخطوة الحاسمة وإعلان الخلافة العباسية في مصر ، وأبلغ الخليفة العباسي في بغداد ذلك .
ونفذ صلاح الدين الأمر ( في أول جمعة من محرم سنة 567هـ / سبتمبر 1171م ) ، وقصة هذا الإلغاء يجعلها بعض المؤرخين ذوي العواطف الفاطمية قصة مأسوية ، ولكنها تمت بكل هدوء وبساطة بين صمت هؤلاء وترحيب أهل السنة في مصر ، وضجيج الشام ، وأفراح بغداد وزيناتها ، وضرب الطبول ونشر الرايات ونثر الدنانير .(5/66)
وكان العاضد قد مرض مرضاً شديداً واشتد مرضه فلم يُعلمه أحد من أهله وأصحابه ( بما تم من قطع الخطبة له ، وقالوا : إن عوفي فهو يعلم ، وإن توفي فلا ينبغي أن نفجعه بمثل هذه الحادثة قبل موته فتوفي في يوم عاشوراء ( يوم استشهاد الحسين ) ولم يعلم بقطع الخطبة " وكان الخطيب في الجمعة الأولى رجلاً أعجمياً ادعى انه نسي اسم الخليفة العباسي فلم يدعُ له ؛ لكن الخطبة في الجمعة التالية كانت للمستضيء ويظهر فرح نور الدين بإلغاء الخلافة الفاطمية واضحاً في المنشور الذي أمر بأن يقرأ على المنابر في جميع المدن والقرى بمملكته وفيه :
" اصدرنا هذه المكاتبة إلى جميع البلاد الإسلامية عامة بما فتح الله على أيدينا من إقامة الدعوة العباسية بجميع المدن والأقطار والأمصار المصرية " والإسكندرية ومصر والقاهرة وسائر الأطراف وهذا شرف لزماننا هذا وأهله ، يفتخر به على الأزمنة التي مضت وما زالت هممنا إلى مصر مصروفة حتى ظفرنا بها بعد يأس الملوك منها ، وقدرنا عليها وقد عجزوا عنها وبقيت مئتين وثمانين سنة ممنوَّة بدعوة المبطلين مموَّلة بحزب الشياطين حتى أذن الله لغمَّتها بالانفراج بعد أن اجتمع عليها داءان الكفر والبدعة – يقصد الفرنج والمذهب الفاطمي – فملّكنا الله تلك البلاد ، ومكّّن لنا في الأرض ، وأقدرنا على ما كنا نؤمله في إزالة الإلحاد والرفض ومن إقامة الفرض وتقدمنا إلى من استنبناه أن يستفتح باب السعادة ويقيم الدعوة العباسية هنالك ( ويُورد ) دعاة الإلحاد بها المهالك(1)..
_______________________________________________
(1) ... صلاح الدين الفارس المجاهد والملك الزاهد بقلم شاكر مصطفى ص107
158- لا تقرأن كتب الضلال فإنها **** سم الفؤاد وعلة الغثيان
159- إلا لمن أمن الخداع وكان من **** أهل البصيرة حافظاً لجنان
160- واهجر من الكتب التي قد أفعمت **** بالزور والتضليل والبهتان(5/67)
ينهى الناظم في هذه الأبيات عن قراءة كتب الضلال إلا لمن أمن شرها ، ثم شرع في ضرب الأمثلة على ذلك .
161- مثل الأغاني فيه قول ساقط **** فالأصفهاني في الأغاني جاني
الأصفهاني ولد سنة 284، وتوفى سنة 356هـ وهو علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم المرواني الأموي القرشي ، أبو الفرج الأصبهاني : من أئمة الأدب ، الأعلام في معرفة التاريخ والأنساب والسير والآثار واللغة والمغاري . ولد في أصبهان ، ونشأ وتوفي ببغداد . قال الذهبي :" والعجب أنه أموي شيعي " . وكان يبعث بتصانيفه سراً إلى صاحب الأندلس الأموي فيأتيه انعامه من كتبه " الأغاني – ط" خمسة وعشرون مجلداً ، لم يعمل في بابه مثله ، جمعه في خمسين سنة ، و " مقاتل الطالبيين – ط "
وقد طعن العلما في الأصفهاني وكتابه قال مشهور أل سلمان .
اختلف مترجمو أبي الفرج بين مادحٍ له وقادح فيه ، وممن ذمه : هلال ابن المحسن الصابي ، نقل عنه ياقوت في " معجمه " (13/100) ؛ أنه قال في أبي الفرج : " كان وسخاً قذراً ، ولم يغسل له ثوب منذ فصله إلى أن قطعه ، وكان الناس على ذلك يحذرون لسانه ويتقون هجاءه ، ويصبرون على مجالسته ومعاشرته ومؤاكلته ومشاربته ، وعلى كل صعب من أمره ؛ لأنه كان وسخاً في نفسه ، ثم في ثوبه وفعله ... ... ".
وأسند الخطيب في " تاريخ بغداد " (11/399) عن أبي محمد الحسن بن الحسين النوبختي قوله فيه : " كان أكذب الناس ، كان يدخل سوق الوراقين وهي عامرة ، والدكاكين مملوءة بالكتب ؛ فيشتري شيئاً كثيراً من الصحف ، ويحملها إلى بيته ثم تكون رواياته كلها منها" .(5/68)
وكذا ذمه المتأخرون ممن ترجم له من العلماء ؛ فقال فيه ابن الجوزي في " المنتظم " (7/40-41) ، ونقله عنه ابن كثير في " البداية والنهاية " (11/280) وارتضاه : " ومثله لا يوثق بروايته ، يصرح في كتبه بما يوجب عليه الفسق ، ويهون شرب الخمر ، وربما حكى ذلك عن نفسه " وقال في كتابه الشهير " الأغاني " : "ومن تأمل كتاب " الأغاني " رأى كل قبيحٍ ومنكر"
وذمه أيضاً الإسلام ابن تيمية ؛ ففي تصدير " الأغاني " (1/19) ذكر ابن شاكر الكتبي أن الذهبي قال : " رأيت شيخنا تقي الدين بن تيمية يضعفه ويتهمه في نقله ، ويستهول ما يأتي به ، وما علمت فيه جرحاً ؛ إلا قول ابن أبي الفوارس : خلط قبل موته " .
قلت : قوله : " وما علمت فيه جرحاً ... ... .." من كلام الذهبي في " السير " (16/202) أيضاً ،وقال بعده : " قلت : لا بأس به ... ." ، و " كان وسخاً زرياً " وقبله : " كان بحراً في نقل الآداب " ، و" كان بصيراً بالأنساب وأيام العرب ، جيد الشعر " ، وقال في " الميزان " (3/123) : " كان إليه المنتهى في معرفة الأخبار وأيام الناس والشعر والغناء والمحاضرات ، وكأن يأتي بأعاجيب بحدثنا وأخبرنا " ، وقال : " والظاهر أنه صدوق " ، وقال في " المغني في الضعفاء " (2/446) : " شيعى يأتي بعجائب ، يحتمل لسعة اطلاعه ؛ فالله أعلم " ، وقال في " ديوان الضعفاء والمتروكين " (2/170 ، رقم 2918) : " شيعى فيه كلام " ، وقال في " السير " (16/202) : " والعجب أنه أموي شيعي "(1) .
________________________________________________
(1) ... كتب حذر منها العلماء لمشهور أل سلمان (2/24) .
وقد ألف وليد الأعظمي كتاباً تتبع فيه الأغاني وسقطاته وسماه : السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني ، وهو مطبوع .
162- واترك أبا نواس إن قريضه **** سفه ويدعو الناس للعصياني(5/69)
أبو نواس ولد سنة 146 ، وتوفى سنة 198هـ وهو : الحسن بن هانىء بن عبد الأول بن صباح الحكمي بالولاء ، أبو نواس : شاعر العراق في عصره . ولد في الأهواز ( من بلاد خوزستان ) ونشأ بالبصرة ، ورحل إلى بغداد فاتصل فيها بالخلفاء من بني العباس ، ومدح بعضهم ، وخرج إلى دمشق ، ومنها إلى مصر ، فمدح أميرها الخصيب ، وعاد إلى بغداد فأقام إلى أن توفي فيها .
وقد اشتهر أبو نواس في تاريخ الأدب بأنه شاعر الخمرة ويبلغ أبو نواس غاية أمله ، حين آلت الخلافة إلى صديقه وأليفه ( محمد الأمين ) وكان يحبه ويوثره على ما عداه ، وكأنما كان في تلك الألفة والمودة ، دعوة لأبي نواس أن يطلق لنفسه العنان ويعب من كؤوس الخمر واللذائذ دون تحرج أو خوف ، ومن يجرؤ على معارضته ، وموضع رعايته ووده ، ولكن سعادته لم تدم أكثر من سنتين ، وللخليفة حرمة وحدود ، وقد تجاوز أبو نواس كل حد ، وكان أن بلغ الأمين كلمة قالها في خراسان الحسن بن سهل وكان قد انضم إلى أخيه المأمون ، حين نشب الخلاف بينهما فقال : " كيف لا يحل قتال الأمين وشاعره ونديمه يقول :
" ألا فاسقني خمراً وقل لي هي الخمر **** ولا تسقني سراً إذا أمكن الجهر "
وكان لابد للأمين ، وقد استشعر الخطر ، من أن يخطو خطوة تبعد عنه أقاويل الناس ، فأمر بحبس شاعره وصديقه ، ثم أطلق سراحه بعد ثلاثة أشهر ، وكان قد كتب إليه من سجنه يستشفعه ويرجوه فك قيوده :
قل للخليفة أنني **** -حتى أراك – بكل باسي
من ذا يكون أبا نوا ****سك ، إذ حبست أبا نواس
ولم يأبه الأمين لهذا الرجاء ، وتغافل عنه ، فيكتب أبو نواس ثانية له :
تذكر أمين الله ، والعهد يذكر **** مقامي و انشاديك والناس حضر
ونثري عليك الدر يا در هاشم **** فيامن رأى دراً على الدر ينثر
مضت لي شهور مذ حبست ثلاثة **** كأني أذنبت ما ليس يغفر
فإن كنت لم أذنب ففيم حبستني **** وان كنت ذا ذنب فعفوك أكبر(1)
________________________________________________
((5/70)
1) ... مقدمة تحقيق ديوان أبي نواس .(5/71)
163- وابن المعري قادح في شرعنا **** يلقيك بالأشعار في الوديان
المعري ولد سنة 363هـ ، وتوفى سنة 449هـ وهو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري : شاعر فيلسوف ولد ومات في معرة النعمان . كان نحيف الجسم ، أصيب بالجدري صغيراً فعمي في السنة الرابعة من عمره وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة . ورحل إلى بغداد سنة 398هـ فأقام بها سنة وسبعة أشهر . وهو من بيت علم كبير في بلده . ولما مات وقف على قبره 84 شاعراً يرثونه . وكان يلعب بالشطرنج والنرد .
وإذا أراد التأليف أملى على كاتبه علي بن عبدالله بن ابي هاشم ، وكان يحرم إيلام الحيوان ، وكان يلبس خشن الثياب . أما شعره وهو ديوان حكمته وفلسفته ، فثلاثة أقسام : " لزوم ما لا يلزم – ط " ويعرف باللزميات ، و "سقط الزند –ط " و" ضوء السقط – خ " وقد ترجم كثير من شعره إلى غير العربية وأما كتبه فكثيرة وفهرسها في معجم الأدباء .
وقول الناظم ( قادح في شرعنا ) إشارة إلى الأبيات التي اشتهرت عنه كما نقل عنه ابن كثير فقال :
ودخل بغداد ، سنة تسع وتسعين وثلاثمائة ، فأقام بها سنة وسبعة أشهر ، ثم خرج منها طريداً منهزماً لأنه سأل سؤالاً بشعر ، يدل على قلة دينه ، وعلمه وعقله فقال :
تناقض فما لنا إلا السكوت له **** وأن نعوذ بمولانا من النار
يد بخمس مئين عسجد وديت **** ما بالها قطعت في ربع دينار(6/1)
وهذا من إفكه ، يقول : اليد ديتها خمسمائة دينار ، فما لكم تقطعونها إذا سرقت ربع دينار ، وهذا من قلة عقله ، وعلمه ، وعمى بصيرته . وذلك أنه إذا جنى عليها ، يناسب أن يكون ديتها كثيرة ، لينزجر الناس عن العدوان ، وأما إذا جنت هي بالسرقة ، فيناسب أن تقل قيمتها ، وديتها ، لينزجر الناس عن أموال الناس ، وتصان أموالهم ، ولهذا قال بعضهم : كانت ثمينة لما كانت أمينة ، فلما خانت هانت 00ولما عزم الفقهاء على أخذه بهذا وأمثاله ، هرب ، ورجع إلى بلده ، ولزم منزله ، فكان لا يخرج منه وكان يوماً عند الخليفة ، وكان الخليفة يكره المتنبى ويضع منه وكان أبو العلاء يحب المتنبى ويرفع من قدره ويمدحه فجرى ذكر المتنبى، في ذلك المجلس ، فذمه الخليفة ، فقال أبو العلاء : لو لم يكن للمتنبي إلا قصيدته التي أولها لك يا منازل في القلوب منازل لكفاه ذلك فغضب الخليفة ، وأمر به فسحب برجله على وجهه ، وقال : أخرجوا عني هذا الكلب وقال الخليفة : أتدرون ما أراد هذا الكلب من هذه القصيدة وذكره لها ؟
أراد قول المتنبي فيها :
وإذا أتتك مذمتى من ناقص **** فهى الدليل على أنى كاملُ
وإلا فالمتنبي له قصائد أحسن من هذه ، وإنما أراد هذا وهذا من فرط ذكاء الخليفة ، حيث تنبه لهذا . وقد كان المعرى أيضاً من الأذكياء ، ومكث المعرى خمساً وأربعين سنة من عمره لا يأكل اللحم ، ولا اللبن ، ولا البيض ، ولا شيئاً من حيوان ، على طريقة البراهمة الفلاسفة ، ويقال إنه اجتمع براهب في بعض الصوامع ، في مجيئه من بعض السواحل ، آواه الليل عنده ، فشككه في دين الإسلام ، وكان يتقوت بالنبات وغيره ، وأكثر ما كان يأكل العدس ، ويتحلى بالدبس ، وبالتين ، وكان لا يأكل بحضرة أحد، ويقول : أكل الأعمى عورة ؛ وكان في غاية الذكاء المفرط ، على ما ذكروه . ا0هـ .
وقد رد بعض العلماء على المعري في أبياته السابقة فقال :
قل للمعرى عار أيما عارى **** جهل الفتى وهو من ثوب التقى عارى(6/2)
يد بخمس مئين عسجداً وديت **** لكنها قطعت فى ربع دينار
حماية النفس أغلاها وارخصها **** حماية المال فافهم حكمة البارى اهـ
164- ورأيت في العقد الفريد مزالقاٌ **** والجاحظ الخلاب غير مصان
165- إذ قد حوى بدعا وأغلاطاً له **** في سفري التبيين و الحيوان
العقد الفريد كتاب مشهور في الأدب استفاد من السابقين كابن قتيبة والجاحظ والمبرد وابن المقفع وغيرهم ، وقد ذكر أنه تخير كتابه من متخير جواهر الآداب ومحصول جوامع البيان ، فكان جوهر الجوهر ، ولباب اللباب قال ( فتطلبت نظائر الكلام وأشكال المعاني ، وجواهر الحكم ، وضروب الأدب ، ونوادر الأمثال ، ثم قرنت كل جنس منها إلى جنسه ، فجعلته باباً على حدته ، ليستدل الطالب للخبر على موضعه من الكتاب ونظيره في كل باب ، وقصدت من جملة الأخبار وفنون الآثار أشرفها جوهراً ، وأظهرها رونقاً ، وألطفها معنى ، وأجزلها لفظاً ، وأحسنها ديباجة ، وأكثرها طلاوة وحلاوة ، وقد طبع الكتاب في ثمانية أجزاء .
قال مشهور آل سلمان :
" فالكتاب مخلوط صحيحه بواهيه ، محذوف منه الأسانيد والرواة ، واعتمد على مصادر لا يجوز النقل منها إلا بعد التثبت ولم يعتمد مؤلفه في النقل منها إلا الطرفة والملحة ؛ إذ في كتابه ميل إلى الفكاهة والدعابة ، ونزوع إلى القصص والنوادر والنكات ؛ فنواه في كتابه يذكر الكثير من ذلك أو لا يستنكف عن ذكر بذيء اللفظ وسافل المعنى ، ورغم كل ذلك ؛ فإن المسحة الأدبية تبدو قوية في كتابه ، بحيث يشعر بها كل من يقرأ" العقد " أو يتصفحه " وكذا ؛ فلا ينبغي للباحث الاعتماد على ما فيه حتى يفليه ويبحث عن ناقليه وقد ذكر الأستاذ رشيد رضا في " تفسيره المنار " (5/85) أن هنالك شبهة للقائلين بحل الخمر في الأديان السابقة وهي : أن الأنبياء قد شربوها ، ثم قال : " كما نقل ذلك صاحب " العقد الفريد " وأمثاله من الأدباء الذين يعنون بتدوين أخبار الفساق والمجان وغيرهم " .(6/3)
قلت : إذا عرفت السبب ؛ بطل العجب كما يقولون ، فإن من مصادر ابن عبد ربه في كتابه هذا " التوراة " و " الإنجيل " و " كليلة ودمنة " وما شابهها وقد حذر الأستاذ منير محمد الغضبان من هذا الكتاب ، وقال بأنه لم يكن قصد لكاتبه عند كتابته ؛ إلا استهواء الجماهير عند جنوح الخيال ، وتعقد القصة وحلها بالشكل المثير للعاطفة والمحرك للنفسية ، شأنهم في ذلك شأن القصاصين الذين كانوا يجلسون في المساجد فيصنعون ما يشاؤون من الأحاديث ؛ سواء كانت توافق الدين أو تخالفه ، وكان أكبر همهم أن يصغي أكبر عدد ممكن من الناس لأحاديثهم . وقد بين الأستاذ عبدالحليم عويس أن هذا الكتاب وغيره قد أوجد حاجزاً سميكاً حال دون الوصول إلى كثير من الحقائق المتصلة بتاريخ بني أمية في المشرق ويقول الدكتور الطاهر أحمد مكي في دراسة عن هذا الكتاب : " وهو لا يمحص الأخبار ، ولا يقف منها موقف الفاحص المدقق ، وإنما يعرضها كيفما تأتت له " ويقول أيضاً " ثم يعرض لأشياء هي إلى الخرافات والأساطير أقرب "(1) .
____________________________________________________
(1) كتب حذر منها العلماء (2/44) .
وابن عبد ربه ولد سنة 246هـ وتوفى سنة 328هـ وهو : أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم ، أبو عمر : الأديب من أهل قرطبة كان جده الأعلى سالم مولى لهشام بن عبدالرحمن بن معاوية . وكان ابن عبد ربه شاعراً مذكوراً فغلب عليه الاشتغال في أخبار الأدب وجمعها . له شعر كثير ، منه ما سماه " الممحَّصات " وهي قصائد ومقاطيع في المواعظ والزهد ، نقض بها كل ما قاله في صباه من الغزل والنسيب وكانت له في عصره شهرة ذائعة .
ملحوظة : الكتاب اشتهر باسم العقد الفريد إلا ان الزركلي وبعض المتأخرين ذكر ان اسم الكتاب هو العقد وأما الفريد فهو من إضافة النساخ المتأخرين .(6/4)
وأما الجاحظ فقد ولد سنة 163، وتوفى سنة 255هـ وهو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء ، الليثي ، أبو عثمان ، الشهير بالجاحظ : كبير أئمة الأدب ، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة ، مولده ووفاته في البصرة . فلج في آخر عمره وكان مشوه الخلقة . ومات والكتاب على صدره . قتلته مجلدات من الكتب وقعت عليه . له تصانيف كثيرة ، منها " الحيوان – ط " أربعة مجلدات ، و " البيان والتبيين – ط "
وقد حذر الناظم من هذين الكتابين مع ما فيهما من الأدب والفوائد لكونهما حوت بعض البدع والأغلاط .
قال مشهور أل سلمان :
كتب الجاحظ مليئة بالأخبار وطافحة بالآثار ، وهو أشبه ما يكون بـ " الصحفي " فيها ، ينوع مادته ويعرضها بأسلوب أخاذ شيق ، ولكن ؛ ينبغي الحذر من الآثار والأخبار التي يوردها ، وقد حذر من كتبه بعامة تلميذه ابن قتيبة واعتذر عن تلمذته له ؛ فقال عنه :
" ثم نصير إلى الجاحظ ، وهو آخر المتكلمين والمعاير على المتقدمين ، وأحسنهم للحجة استثارة ، وأشدهم تلطفاً لتعظيم الصغير حتى يعظم ، وتصغير العظيم حتى يصغر ، ويبلغ به الاقتدار إلى أن يعمل الشيء وتقيضه ، ويحتج لفضل السودان على البيضان " وقال يصف تلاعبه ونفاقه : " فتجده يحتج مرة للعثمانية على الرافضة ، ومرة للزيدية على العثمانية وأهل السنة ، ومرة يفضل علياً رضي الله عنه ومرة يؤخره ، ويقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ويتبعه : قال الجماز ، وقال إسماعيل بن غزوان كذا وكذا من الفواحش ويجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله وسلم عن أن يذكر في كتاب ذكر فيه هؤلاء ؛ فكيف في ورقة أو بعد سطر وسطرين .
ويعمل كتاباً يذكر فيه حجج النصارى على المسلمين ، فإذا صار إلى الرد عليهم ؛ تجوز في الحجة كأنه إنما أراد تنبيههم على ما لا يعرفون وتشكيك الضعفة من المسلمين .
وتجده يقصد في كتبه المضاحيك والعبث يريد بذلك استمالة الأحداث وشراب النبيذ .(6/5)
ويستهزىء من الحديث استهزاء لا يخفى على أهل العلم ، يذكر كبد الحوت وقرن الشيطان ، ويذكر الحجر الأسود وأنه كان أبيض ؛ فسوده المشركون ، وقد كان يجب أن يبيضه المسلمون حين أسلموا .
ويذكر الصحيفة التي كان فيها المنزل في الرضاع ، تحت سرير عائشة ؛ فأكلتها الشاة ، وأشياء من أحاديث أهل الكتاب في تنادم الديك والغراب ، ودفن الهدهد أمه في رأسه ، وتسبيح الضفدع ، وطوق الحمامة وأشباه هذا ... ... "
وقال أيضاً : " وهو مع هذا من اكذب الأمة ، وأوضعهم لحديث ، وأنصرهم لباطل ، ومن علم – رحمك الله – أن كلامه من عمله قل إلا فيما ينفعه ، ومن أيقن أنه مسؤول عما ألف وعما كتب ؛ لم يعمل الشيء وضده ، ولذا ؛ قال عنه الذهبي : " كان ماجناً قليل الدين ، له نوادر ، وقال " يظهر من شمائل الجاحظ أنه يختلق " ، وقال أيضاً : " وكان من أئمة البدع " وقال الخطابي : " هو مغموص في دينه " ، وذكر أبو الفرج الأصبهاني أنه كان يرمى بالزندقة ، وقال ابن حزم : " كان أحد المجان ومن غلب عليه الهزل ، وأحد الضلال المضلين ؛ فإننا ما رأينا في كتبه تعمد كذبة يوردها مثبتاً لها ، وإن كان كثيراً الإيراد كذب غيره " .
وقد وصف المأمون كتبه لما اطلع عليها بقوله : " جمع استقصاء المعاني واستيفاء جميع الحقوق مع اللفظ الجزل والمخرج السهل ؛ فهو سوقي ملوكي وعامي خاصي " ، وعلق عليه ابن حجر بقوله : " وهذه والله صفة كتب الجاحظ ؛ فسبحان من أضله على علم " (1) .
__________________________________________________
(1) كتب حذر منها العلماء (2/46) .
166- وكتاب إخوان الصفا متهالك **** بئس الصفا بل بئس من إخوان(6/6)
أقدم مصدر ذكر اخوان الصفاء هو أبو حيان التوحيدي في كتابه ( الامتاع والمؤانسة ) ، يجيب فيه على سؤال للوزير أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن سعدان المتوفى سنة 375هـ ، عن زيد بن رفاعة وحقيقة معتقده ، حيث يفيدنا أبو حيان التوحيدي عن هذا الرجل فيقول :" أنه أقام بالبصرة زمانا طويلا ، وصادق بها جماعة جامعة لأصناف العلم وأنواع الصناعة ، منهم ( أبو سليمان محمد بن معشر البيستي ، ويعرف بالمقدسي ) ، ( وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني ) ، ( وأبو أحمد المهرجاني ) ( والعوفي ) وغيرهم ، فصحبهم وخدمهم ، وكانت هذه العصابة قد تآلفت بالعشرة ، وتصافت بالصداقة ، واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة ، فوضعوا بينهم مذهبا زعموا أنهم قربوا به الطريق إلى الفوز برضوان الله والمصير إلى جنته ، وذلك أنهم قالوا : الشريعة قد دنست بالجهالات ، واختلطت بالضلالات ، ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة ، وذلك لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية ، والمصلحة الاجتهادية ، وزعموا أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية ، فقد حصل الكمال ، وصنفوا خمسين رسالة في جميع أجزاء الفلسفة ، علميها وعمليها ، وأفردوا لها فهرسة وسموها ( رسائل اخوان الصفاء وخلان الوفاء ) ، وكتموا أسماءهم ، وبثوها في الوراقين ، ولقنوها للناس "(1)
وتعد " رسائل إخوان الصفا " إحدى ثمار الحركة الباطنية للجماعة السرية التي مزجت الفلسفة اليونانية والعقيدة الباطنية ؛ لتخرج للناس مذهباً جديداً ، يمزج ____________________________________________________
(1) الحركات الباطنية في العالم الإسلامي د 0 محمد أحمد الخطيب ص169 .
إلهيات اليونان ، ونظريات أفلاطون وأرسطو وأفلوطين وفيثاغورس وغيرهم بالعقيدة الإسلامية في خليط مضطرب فاسد .(6/7)
وقد أنتج هؤلاء العشرة " رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفا التي أذاعوها بعد أن كتموا أسماءهم واستتروا وراء تلك الرموز الخفية التي وضعوها هنا وهناك من فصول كتاباتهم ، واستهدفوا منها وضع برنامج للعمل السرى الذي يستهدف القضاء على الإسلام ودولته ، وتأسيس دولة أخرى على أنقاض الدولة الإسلامية ، تضم العقائد الوثنية والمجوسية والإباحية التي نسقوها في جماع ركام الفكر البشري الزائف ، الممتد من فارس إلى الهند إلى اليونان والذي اختلطت فيه " الهلينية الإغريقية " بـ " الغنوصية الشرقية " !
وحاولوا أن يلصقوا هذه الترهات والأباطيل بجعفر الصادق رضي الله عنه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" كتاب " رسائل إخوان الصفاء " الذي صنفه جماعة في دولة بني بويه ببغداد ، وكانوا من الصابئة المتفلسفة المتحنفة ، جمعوا بزعمهم بين دين الصابئة المبدلين ، وبين الحنفية ، وأتوا بكلام المتفلسفة وبأشياء من الشريعة ، وفيه من الكفر والجهل الشيء الكثير ، ومع هذا ؛ فإن طائفة من الناس – من بعض أكابر قضاة النواحي – يزعم أنه من كلام جعفر الصادق ، وهذا قول زنديق ، وتشنيع جاهل "
وقال في موطن آخر : " وكذلك أضيف إلى جعفر الصادق " رسائل إخوان الصفاء " ، وهذا في غاية الجهل ؛ فإن هذه الرسائل إنما وضعت بعد موته بأكثر من مئتي سنة ، فإنه توفي سنة ثمان وأربعين ومئة ، وهذه الرسائل وضعت في دولة بني بويبه في أثناء المئة الرابعة في أوائل دولة بني عبيد الذين بنوا القاهرة ، وضعها جماعة ، وزعموا أنهم جمعوا بها بين الشريعة والفلسفة ؛ فضلوا وأضلوا "
وقد ذكر واضعها فيها ما حدث في الإسلام من استيلاء النصارى على سواحل الشام ، ونحو ذلك من الأحداث التي حدثت بعد المئة الثالثة ، وهذا يؤكد كذب نسبة هذه الرسائل لجعفر الصادق رضي الله عنه .(6/8)
وقد حذر منها وكشف عوارها وسمومها جماعة من أهل العلم ، على رأسهم شيخ الإسلام ؛ إذ قال في أصحابها :" وهم على طريقة هؤلاء العبيدين ذرية عبيد الله بن ميمون القداح " ، ثم قال : " فهل ينكر أحد ممن يعرف دين المسلمين، أو اليهود ، او النصارى أن ما يقوله أصحاب " رسائل إخوان الصفا " مخالف للملل الثلاث ، وإن كان في ذلك من العلوم الرياضية و الطبيعية ، وبعض المنطقية والإلهية ، وعلوم الأخلاق ، والسياسة ، والمنزل ما لا ينكر ، فإن في ذلك مخالفة الرسل فيما أخبرت به ، وأمرت به ، والتكذيب بكثير مما جاءت به ، وتبديل شرائع الرسل كلهم بما لا يخفى على عارف بملة من الملل ؛ فهؤلاء خارجون عن الملل الثلاث(1) .
والمطبوع من رسائل اخوان الصفاء أربعة مجلدات :
الأول : القسم الرياضي وفيه أربع عشرة رسالة .
الثاني : الجسمانيات الطبيعيات وفيه اثنا عشر رسالة .
الثالث : الجسمانيات الطبيعيات والنفسانيات العقليات وفيه إحدى عشرة رسالة
الرابع : العلوم الناموسية الإلهية والشرعية وفيه إحدى عشرة رسالة .
____________________________________________________
(1) ... كتب حذر منها العلماء (1/68) .
167- انس ابن سينا فهو صاحب زلة **** سفر الإشارة والشفاء سقمان
168- بل قال بعض الناس في تأليفه **** مرض الفؤاد به وما أشفاني
الشفاء لابن سينا أقسام :
القسم الأول : الإلهيات وطبع في جزءين .
القسم الثاني : المنطق وينقسم إلى : المدخل ، والمقولات ، والقياس ، والبرهان ، والسفسطة ، والظاهر أن هناك نقصاً في الأجزاء إما من المطبوع عندي أو من المخطوط .
القسم الثالث : الطبيعيات .
القسم الرابع : الرياضيات .
قال شيخ الإسلام :
وقد أنكر أئمة الدين على " أبي حامد " هذا في كتبه . وقالوا : مرضه " الشفاء " يعني شفاء ابن سينا في الفلسفة .
وأما الإشارات فهي مطبوعة أيضاً .
_________________________________________________
(1) (10/552) .(6/9)
169- إحيا علوم الدين صار قضية **** فيه الدواء والداء مجتمعان
170- لا تأخذن عقيدة من نهجه **** وكذا التصوف فهو في غليان
171- واسمع رقائقه وحر أنينه **** أما الحديث فليس باليقظان
إحياء علوم الدين من أشهر كتب السلوك شرحه الزبيدي في اتحاف السادة المتقين في أربعة عشر مجلداً ، وخرج أحاديثه الحافظ العراقي ، وقسم الغزالي كتابه إلى أربعة أقسام هي :
ربع العبادات ، وربع العادات ، وربع المنجيات ، وربع المهلكات .
واختلاف الناس في الإحياء مشهور كما ذكر الناظم ولهذا يقول المازري : وقد تكررت مكاتبتكم في استعلام مذهبنا في الكتاب المترجم بإحياء علوم الدين .
وذكرتم أن آراء الناس منه قد اختلفت . فطائفة انتصرت وتعصبت لإشهاره ، وطائفة حذرت منه ونفرت وطائفة لكتبه أحرقت(1).
قال شيخ الإسلام :
والغزالي في كلامه مادة فلسفية كبيرة ، بسبب كلام ابن سينا في " الشفا " وغيره ؛ " ورسائل اخوان الصفا" وكلام أبي حيان التوحيدي .
وأما المادة المعتزلة في كلامه فقليلة أو معدومة كما أن المادة الفلسفية في كلام ابن عقيل قليلة أو معدومة .
وكلامه في " الاحياء " غالبه جيد ، لكن فيه مواد فاسدة : مادة فلسفية ومادة
____________________________________________________
(1) أبو حامد والتصوف لعبد الرحمن دمشقية ص315.
كلامية ـ ومادة من ترهات الصوفية ؛ ومادة من الأحاديث الموضوعة(1) .
وسئل شيخ الإسلام عن " احياء علوم الدين " و " قوت القلوب " الخ .
فأجاب : أما ( كتاب قوت القلوب ) و ( كتاب الأحياء ) تبع له فيما يذكره من أعمال القلوب : مثل الصبر والشكر ، والحب والتوكل ، والتوحيد ونحو ذلك وأبو طالب أعلم بالحديث والأثر وكلام أهل علوم القلوب من الصوفية وغيرهم من أبي حامد الغزالي ، وكلامه أسد وأجود تحقيقاً ، وأبعد عن البدعة مع ان في " قوت القلوب " أحاديث ضعيفة وموضوعة وأشياء كثيرة مردودة .(6/10)
واما ما في ( الأحياء ) من الكلام في " المهلكات " مثل الكلام على الكبر ، والعجب والرياء ، والحسد ونحو ذلك فغالبه منقول من كلام الحارث المحاسبى في الرعاية ، ومنه ما هو مقبول ومنه ما هو مردود . ومنه ما هو متنازع فيه .
و" الاحياء " فيه فوائد كثيرة ؛ لكن فيه مواد مذمومة فإنه فيه مواد فاسدة من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد فإذا ذكر معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدواً للمسلمين ألبسه ثياب المسلمين .
وقد أنكر أئمة الدين على " أبى حامد " هذا في كتبه . وقالوا : مرضه " الشفاء " يعني شفاء ابن سينا في الفلسفة .
وفيه أحاديث وآثار ضعيفة ؛ بل موضوعة كثيرة .
وفيه أشياء من اغاليط الصوفية وترهاتهم .
وفيه مع ذلك من كلام المشايخ الصوفية العارفين المستقيمين في أعمال القلوب الموافق للكتاب والسنة ، ومن غير ذلك من العبادات والدب ما هو موافق
____________________________________________________
(1) ... الفتاوى (6/53) .
للكتاب والسنة ، ما هو أكثر مما يرد منه ، فلهذا اختلف فيه اجتهاد الناس وتنازعوا فيه (1) .
وقد تكلم العلماء على كتاب الإحياء كثيراً ومن هؤلاء ابن الجوزي ، والذهبي ، والمازري الصقلي ، والطوسي ، وابن الصلاح ، ولولا خشية الإطالة لنقلتها(2) .
_________________________________________________
(1) الفتاوى (10/551) .
(2) انظر كتاب دمشقية / أبو حامد الغزالي والتصوف ص314 ، و د 0 القرضاوي الغزالي بين مادحيه وقادحيه
172- أعرض عن التلبيس في كتب أتت **** للكوثري والمفلس النبهاني
173- فبضاعة الأقوام مزجاة فهل **** ميزت بين الترب والمرجان
الكوثري ولد سنة 1296هـ ، وتوفى سنة 1371هـ(6/11)
وهو محمد زاهد بن الحسن بن علي الكوثري : فقيه حنفي ، جركسي الأصل ، له اشتغال بالأدب والسير . ولد ونشأ في قرية من أعمال " دوزجة " بشرقي الآستانة ، وتفقه في جامع " الفاتح " بالآستانة ، ودرس فيه وتولى رياسة مجلس التدريس ، واضطهده " الاتحاديون " في خلال الحرب العالمية الأولى ، لمعارضته خطتهم في إحلال العلوم الحديثة محل العلوم الدينية ، في أكثر حصص الدراسة ، ولما ولي " الكماليون " وجاهروا بالإلحاد ، أريد اعتقاله ، فركب إحدى البواخر إلى الإسكندرية ( سنة 1341هـ –1922م )
وتنقل زمناً بين مصر والشام ، ثم استقر في القاهرة ، موظفاً في
" دار المحفوظات " لترجمة ما فيها من الوثائق التركية إلى العربية وتوفى بالقاهرة وكان يجيد العربية والتركية والفارسية والجركسية ، وفي نطقه بالعربية لكنة خفيفة له تعليقات كثيرة على بعض المطبوعات في أيامه ، في الفقه والحديث والرجال وله تآليف ، منها " تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب – ط " ويعني بالخطيب صاحب تاريخ بغداد ، و " النكت الطريفة في التحدث عن ردود ابن أبي شيبة على أبي حنيفة – ط " و " الاستبصار في التحدث عن الجبر والاختيار – ط " و رسائل في تراجم " الإمام زفر " و " أبي يوسف القاضي " و " محمد بن الحسن الشيباني " و " البدر العيني " و " الإمامين الحسن بن زياد ومحمد بن شجاع " و " الطحاوي " كلها مطبوعة وله نحو مئة مقالة جمعها السيد أحمد خيري في كتاب " مقالات الكوثري – ط " وتناوله علامة الشام محمد بهجت البيطار بالنقد ، في كتاب " الكوثري وتعليقاته – ط " بتعليق محمد الحمود .
ورد عليه أيضاً العلامة المعلمي في كتابه التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل وطبع في مجلدين .
وقد رددت عليه أيضاً في كتابي القدم النوعي للعالم رداً على ما كتبه في حاشية السيف الصقيل في الرد على نونية ابن القيم .(6/12)
وممن رد عليه أيضاً بكر أبو زيد في كتابه براءة أهل السنة ووصف العلامة ابن باز رحمه الله الكوثري بالأفاك الأثيم(1) .
وأما النبهاني فقد ولد سنة 1265هـ ، وتوفى سنة 1350هـ
وهو يوسف بن إسماعيل بن يوسف النبهاني : شاعر ، أديب ، من رجال القضاء . نسبته إلى " بني نبهان " من عرب البادية بفلسطين ، استوطنوا قرية " إجزم " – بصيغة الأمر – التابعة لحيفا في شمالي فلسطين وبها ولد ونشأ . وتعلم بالأزهر بمصر ( سنة 1283-1289هـ ) وذهب إلى الآستانة فعمل في تحرير جريدة " الجوائب " وتصحيح ما يطبع في مطبعتها ورجع إلى بلاد الشام (1296) فتنقل في أعمال القضاء إلى أن كان رئيساً لمحكمة الحقوق ببيروت (1305) وأقام زيادة على عشرين سنة . وسافر إلى " المدينة " مجاوراً ، ونشبت الحرب العالمية (الأولى ) فعاد إلى قريته وتوفى بها له كتب كثيرة ، قال صاحب " معجم الشيوخ " : " خلط فيها الصالح بالطالح ، وحمل على أعلام الإسلام ، كابن
__________________________________________________
(1) ... الردود لبكر أبو زيد ص178 .
تيمية وابن قيم الجوزية ، حملات شعواء وتناول بمثلها الإمام الآلوسي المفسر ، والشيخ محمد عبده والسيد جمال الدين الأفغاني وآخرين " من كتبه " جامع كرامات الأولياء – ط " مجلدان ، و " رياض الجنة في أذكار الكتاب والسنة – ط " و " المجموعة النبهانية في المدائح النبوية – ط " أربعة أجزاء ، و " حجة الله على العالمين – ط " في المعجزات النبوية ، و " الفتح الكبير – ط " ثلاثة مجلدات في الحديث
وصدر مؤخراً كتاب للنيهاني اسمه شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق يرد فيه على شيخ الإسلام .
74- ودع الفصوص مع الفتوحات التي **** قذفت برجس ظاهر الأنتان
الفصوص والفتوحات لابن عربي وهما مطبوعان فالفصوص في مجلد ، والفتوحات المكية في ثلاثة عشر مجلداً ، وقد شرح الفصوص الشيخ عبد الرزاق القاشاني ت سنة 730هـ وطبع في الحلبي .(6/13)
وقد اشتهر ابن عربي بوحدة الوجود وتتلخص عقيدة وحدة الوجود عند الصوفية في أن ذات الله – تعالى – إنما هي كائنة في كل ذات وفي كل موجود إذ لا ثم سواه ، فالخلق والخالق ، يشكل عندهم شيئاً واحداً اسمه الإله فلا بين بين الخلق والخالق ، ولكن نظراً لأن الإنسان قد ينسى هذه الحقيقة فعليه إذن بالسلوك والمجاهدة حتى يتحقق بالمعاينة ، فيغيب عن رؤية نفسه ويحتجب عن ذاته ولا يرى من ثم سوى الله .
وترتب على هذا التصور وجود عقيدة لا تفرق بين عبادة الله وعبادة الحجر ، أو الشجر أو البشر ، فالكل ذاته ، وهو نفسه العابد المعبود كما أنه هو المكلف للعباد وهو نفسه المكلف .
يصرح ابن عربي ( ت 638هـ ) بعقيدته هذه بلا مواربة في مقدمة كتابه"فصوص الحكم " ، فيقول :
العبد رب والرب عبد **** ليت شعري من المكلف ؟
عن قلت عبد فذاك حق **** وإن قلت رب فأنى يكلف
ويقول أيضاً : " سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها " ويقول : " إن العارف من يرى الحق ( أي الله تعالى ) في كل شيء بل يراه عين كل شيء " ويؤكد ابن عربي ضرورة كتمان عقيدتهم ، وعدم الحديث فيها إلا لمن يؤتمن جانبه ، فيقول : " وهذا الفن من الكشف والعلم يجب ستره عن أكثر الخلق ، لما فيه من الغلو ، فغوره بعيد والتلف فيه قريب "
ويرى ابن عربي كفر من قالوا بالتثليث في النصرانية ، ولكن علة ذلك عنده هي أنهم حصروا ذات الله في ثلاثة صور فحسب ، وكان عليهم أن يعبدوا الله في كل شيء ، أي في جميع صور تجلياته ، ولذا فإن ابن عربي وأتباعه يرون أن المسلمين أشد كفراً من اليهود والنصارى ، بسبب عبادتهم في ذات واحدة ، مباينة لذوات غيره ، منزهة عن مشبهتها أو الحلول فيها (1) .
وللعلامة علي بن سلطان القاري كتاب مطبوع في الرد على القائلين بوحدة الوجود .
وابن عربي ولد سنة 560هـ ، وتوفى سنة 638هـ وهو :(6/14)
محمد بن علي بن محمد ابن عربي ، أبو بكر الحاتمي الطائي الأندلسي ، المعروف بمحيي الدين بن عربي ، الملقب بالشيخ الأكبر : فيلسوف ولد في مرسية (بالأندلس ) وانتقل إلى إشبيلية وقام برحلة ، فزار الشام وبلاد الروم والعراق والحجاز وأنكر عليه أهل الديار المصرية " شطحات " صدرت عنه ، فعمل بعضهم على إراقة دمه ، كما أريق دم الحلاج وأشباهه . وحبس ، فسعى في خلاصه على بن فتح البجائي ( من أهل بجاية ) فنجا واستقر في دمشق ، فتوفى فيها وهو ، كما يقول الذهبي : قدوة القائلين بوحدة الوجود له نحو أربعمائة كتاب ورسالة ، وقد كفره كثير من العلماء منهم البقاعي في كتابه تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي .
________________________________________________
(1) شيخ الإسلام وموقفه من التصوف لمصطفى عبد الباسط أحمد ص32.
175- وابن الروندي مزقن تأليفه **** ورسائل الحلاج والتيجاني
ابن الراوندي توفى سنة 298هـ وهو أحمد بن يحيى بن إسحاق أبو الحسين الراوندي ، أو ابن الراوندي : فيلسوف مجاهر بالإلحاد من سكان بغداد ، نسبته إلى " راوند " من قرى أصبهان قال ابن خلكان : له مجالس ومناظرات مع جماعة من علماء الكلام ، وقد انفرد بمذاهب نقلوها عنه في كتبهم وقال ابن كثير : أحد مشاهير الزنادقة ، طلبه السلطان فهرب ، ولجأ إلى ابن لاوي اليهودي ( بالأهواز ) وصنف له في مدة مقامه عنده كتابه الذي سماه " الدامغ للقرآن " وقال ابن حجر العسقلاني : ابن الراوندي ، الزنديق الشهير ، كان أولاً من متكلمي المعتزلة تم تزندق واشتهر بالإلحاد ، ويقال كان غاية في الذكاء(6/15)
وقال ابن الجوزي : أبو الحسين الريوندي ، الملحد الزنديق ، وإنما ذكرته ليعرف قدر كفره فإنه معتمد الملاحدة والزنادقة ثم قال : وكنت أسمع عنه بالعظائم ، حتى رأيت ما لم يخطر على قلب أن يقوله عاقل وذكر أنه وقعت له كتبه ونقل عن الجبائي أن ابن الريوندي ( كما يسميه ) وضع كتاباً في قدم العالم ونفى الصانع وتصحيح مذهب الدهر والرد على مذهب أهل التوحيد ، وكتاباً في الطعن على محمد - صلى الله عليه وسلم - وقال أبو العلاء المعري ( في رسالة الغفران ) : " سمعت من يخبر أن لابن الراوندي معاشر يخترصون له فضائل يشهد الخالق وأهل المعقول أن كذبها غير مصقول ، وهو في هذا أحد الكفرة ، لا يحسب من الكرام البررة " وعرفه ابن تغري بردي بالماجن المنسوب إلى الهزل والزندقة وتناقل مترجموه أن له نحو 114 كتاباً ، منها " فضيحة المعتزلة " و " التاج " و " الزمرد " و " نعت الحكمة " و " قضيب الذهب " و " الدامغ " المتقدم ذكره ، وأن كتبه التي ألفها في الطعن على الشريعة اثنا عشر كتاباً .
وقال ابن عقيل : عجبي كيف لم يقتل وقد صنف " الدامغ " يدمغ به القرآن و " الزمرذة " يزري فيه على النبوات .
قال ابن الجوزي : فيه هذيان بارد لا يتعلق بشبه! يقول فيه : إن كلام أكثم بن صيفي فيه ما هو أحسن من سورة الكوثر وإن الأنبياء وقعوا بطلاسم وألف لليهود والنصارى يحتج لهم في إبطال نبوة سيد البشر .
قال أبو العباس بن القاضي الفقيه : كان ابن الراوندي لا يستقر على مذهب ولا نحلة ، حتى صنف لليهود كتاب " النصرة على المسلمين " لدراهم أعطيها من يهود فلما أخذ المال رام نقضها فأعطوه مائتي درهم حتى سكت(1) .
وللدكتور عبدالأمير الأعسم كتاب قرابة ألف صفحة في تاريخ ابن الراوندي الملحد في المراجع العربية الحديثة .(6/16)
وأما الحلاج فقد توفى سنة 309هـ وهو الحسين بن منصور الحلاج ، أبو مغيث : فيلسوف ، يعد تارة في كبار المتعبدين والزهاد ، وتارة في زمرة الملحدين أصله من بيضاء فارس ، ونشأ بواسط العراق ( أو بتستر ) وانتقل إلى البصرة ، وحج ، ودخل بغداد وعاد إلى تستر وظهر أمره 0سنة 299هـ فاتبع بعض الناس طريقته في التوحيد والإيمان . ثم كان يتنقل في البلدان وينشر طريقته سراً ، وقالوا : إنه كان يأكل يسيراً ويصلي كثيراً ويصوم الدهر ، وإنه كان يظهر مذهب الشيعة للملوك ( العباسيين ) ومذهب الصوفية للعامة ، وهو في
________________________________________________
(1) ... مقدمة محقق كتاب الانتصار والرد على ابن الراوندي الملحد للخياط ص22 .
تضاعيف ذلك يدعي حلول الإلهية فيه وكثرت الوشايات به إلى المقتدر العباسي فأمر بالقبض عليه ، فسجن وعذب وضرب وهو صابر لا يتأوه ولا يستغيث . قال ابن خلكان : وقطعت أطرافه الأربعة ثم حز رأسه وأحرقت جثته ولما صارت رماداً ألقيت في دجلة ونصب الرأس على جسر بغداد وادعى أصحابه أنه لم يقتل وإنما ألقي شبهه على عدو له وقال ابن النديم في وصفه : كان محتالا يتعاطى مذاهب الصوفية ويدعى كل علم ، جسوراً على السلاطين ، مرتكباً للعظائم ، يروم إقلاب الدول ويقول بالحلول وأورد أسماء ستة وأربعين كتاباً له .
وسئل شيخ الإسلام قدس الله روحه :
ما تقول أئمة الإسلام في الحلاج ؟ وفيمن قال : أنا أعتقد ما يعتقده الحلاج ماذا يجب عليه ؟ ويقول : إنه قتل ظلماً كما قتل بعض الأنبياء ؟ ويقول : الحلاج من أولياء الله فماذا يجب عليه بهذا الكلام ، وهل قتل بسيف الشريعة ؟
فأجاب :
الحمد لله من اعتقد ما يعتقده الحلاج من المقالات التي قتل الحلاج عليها فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين ؛ فإن المسلمين إنما قتلوه على الحلول والإلحاد ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحاد ، كقوله : أنا الله . وقوله : إله في السماء وإله في الأرض .(6/17)
وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا إله إلا الله ، وأن الله خالق كل شيء ، وكل ما سواه مخلوق و ( إن كل من في السموات والأرض إلا آت الرحمن عبداً ) وقال تعالى : { يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق } الآيات وقال تعالى : { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم } الآيتين .
فالنصارى الذين كفرهم الله ورسوله ، واتفق المسلمون على كفرهم بالله فمن قال بالحلول والإتحاد في غير المسيح – كما تقوله الغالية في علي ، وكما تقول الحلاجية في الحلاج ، والحاكمية في الحاكم ، وأمثال هؤلاء – فقولهم شر من قول النصارى لأن المسيح بن مريم أفضل من هؤلاء كلهم .
والحلاج : كانت له مخاريق وأنواع من السحر ، وله كتب منسوبة إليه في السحر .
وبالجملة فلا خلاف بين الأمة أن من قال بحلول الله في البشر ، واتحاده به ، وإن البشر يكون إلهاً وهذا من الآلهة : فهو كافر مباح الدم ، وعلى هذا قتل الحلاج
ومن قال : إن الله نطق على لسان الحلاج ، وإن الكلام المسموع من الحلاج كان كلام الله ، وكان الله هو القائل على لسانه : أنا الله فهو كافر باتفاق المسلمين ؛ فإن الله لا يحل في البشر ، ولا تكلم على لسان بشر ، ولكن يرسل الرسل بكلامه ، فيقولون عليه ما أمرهم ببلاغه ، فيقول على ألسنة الرسل ما أمرهم (1) .
وأما التيجاني فهو الشيعي المعاصر صاحب الرسائل الأربعة المشهورة وهي : ثم اهتديت ، واسألوا أهل اذكر ، ومع الصادقين ، والشيعة هم أهل السنة ، وقد رد عليها عثمان الناصري في كتابه كشف الجاني محمد التيجاني .
____________________________________________________
(1) الفتاوى (2/480) .
176- طه حسين هو العميل صراحة **** ليس العميد وهكذا اللأفغاني
177- إني عرفت القوم معرفة الذي **** عرف الحقائق أيما عرفاني
178- عُمي عن القرآن والآثار يا **** لله ما قد عمهم نوران(6/18)
طه حسين سمى بعميد الأدب العربي وهو في الواقع عميل الفكر الغربي ، ولد سنة 1307هـ ، وتوفى سنة 1393هـ وهو طه بن حسين ابن علي بن سلامة ، الدكتور في الأدب ، جدد مناهج ، وأحدث ضجة في عالم الأدب العربي ولد في قرية " الكيلو " بمغاغة من محافظة المنيا ( بالصعيد المصري ) وأصيب بالجدري في الثالثة من عمره ، فكف بصره ، وبدأ حياته في الأزهر (1902 –08) ثم بالجامعة المصرية القديمة وهو أول من نال شهادة " الدكتوراه " منها (1914) بكتاب " ذكرى أبي العلاء – ط " وسافر في بعثة إلى باريس فتخرج بالسوربون (1918) وعاد إلى مصر ، فاتصل بالصحافة وعين محاضراً في كلية الآداب بجامعة القاهرة ثم كان عميداً لتلك الكلية فوزيراً للمعارف وفي هذه البرهة تمكن من جعل التعليم الثانوي والفني مجاناً وكان من أعضاء المجمع العلمي العربي المراسلين بدمشق ثم رئيساً لمجمع اللغة بمصر وأقبل الناس على كتبه ومن المطبوع منها " في الأدب الجاهلي " و " في الشعر الجاهلي " و " حديث الأربعاء " ثلاثة مجلدات ، و " قادة الفكر " و " على هامش السيرة " ثلاثة أجزاء ، و " مع أبي العلاء في سجنه " و " مع المتنبي " جزآن و " أحاديث " و " الأيام " وكان قد شغف بالأدب اليوناني في صباه وترجم بعض آثاره ككتاب " نظام الاثينيين لأرسطو – ط " و " آلهة اليونان – ط " و " صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان – ط " وله " فلسفة ابن خلدون – ط " وهو رسالة الدكتوراه بالفرنسية ، إلى السوربون ، ترجمها إلى العربية محمد عنان .(6/19)
وقف طه حسين من الأدب العربي موقفاً خاصاً ، وقال إن الإسلام مدين لهذا الأدب ، وخالف بقوله هذا ما كان يراه أي باحث مسلمٍ سواه ؛ وراح في يقينه الأدبي الجديد يهاجم الفئات المحافظة في كثير من الجرأة ، وقد تصدى له الكثيرون وعلى رأسهم مصطفى صادق الرافعي الذي نقل الحوار الأدبي إلى البرلمان والوزارة وطالب الحكومة بالاقتصاص من هذا الجريء الذي لا يضع حداً لتهجماته ونشر طه حسين كتابه " في الشعر الجاهلي " سنة 1926 ، وهو مجموعة محاضرات ألقاها في الجامعة وعبر فيها تعبيراً واضحاً عن طريقته الحديثة في النقد ، وذهب فيها إلى أن معظم الشعر الجاهلي غير جاهلي وأنه من نظم الشعراء الإسلاميين الذين رغبوا من وراء نسبته إلى الجاهليين أن يدعموا مزاعمهم السياسية ، ويرضوا نزعة التنافس أو التفاخر فيما بينهم ، ويزودوا رواة الأحاديث النبوية وعلماء الدين او مفسري القرآن بالمستندات والشواهد وقادت هذه الطريقة طه حسين إلى الشك بأمور كثيرة تتعلق بالتاريخ العربي أو تتصل بالدين من ذلك أنه رفض قصة الحجر الأسود ، ورفض وجود إبراهيم واسماعيل ، وقال :" أريد أن اصطنع في الأدب هذا المنهج الفلسفي الذي استحدثه ديكارت للبحث عن حقائق الأشياء في أول هذا العصر الحديث يجب حين نستقبل البحث عن الأدب العربي وتاريخه أن ننسى عواطفنا القومية وكل مشخصاتها ، وأن ننسى عواطفنا الدينية وكل ما يتصل بها يجب ألا نتقيد بشيء ، ولا نذعن لشيء إلا مناهج البحث العلمي الصحيح ذلك أنا إذا لم ننس هذه العواطف وما يتصل بها فسنضطر إلى المحاباة وإرضاء العواطف ، وسنغل عقولنا بما يلائمها وهل فعل القدماء غير هذا ؟ وهل أفسد علم القدماء شيء غير هذا ؟ وفي سياق هذا النهج عرض طه حسين لشواهد الكتب المقدسة ورفض أن يعتبرها حقائق تاريخية صحيحة .(6/20)
واتخذ الرافعي منه موقفاً واتهم طه حسين بالإلحاد ، ورأى فيه أخطر ملحد في الإسلام ، وطالب الحكومة بإتخاذ إجراءات ضده وأمام هذا الصخب المتعالي ، لم يجد طه حسين بداً من اللجوء إلى أساليب أكثر ليونة ، وإلى إعلان إيمانه ، وذلك من غير أن يعدل عن وجهه نظره بالنسبة إلى الفكر العلماني ، وقد عمد إلى كتابه " في الشعر الجاهلي " فأجرى فيه قلمه بعض الشيء ، وغير عنوانه ، فصار " في الأدب الجاهلي " ، وحذف منه فصلاً وأضاف إليه بعض الفصول ، وقال في مقدمة الطبعة الثانية : " وأنا أرجو أن أكون قد وفقت في هذه الطبعة الثانية إلى حاجة الذين يريدون أن يدرسوا الأدب العربي عامة والجاهلي خاصة من مناهج البحث وسبل التحقيق في الأدب وتاريخه (1) .
وقد جمع محمود مهدي الاستانبولي ما كُتب حول طه حسين والنقد الذي وُجه له في كتاب سماه طه حسين في ميزان العلماء والأدباء ، وكتب أنور الجندي أيضاً كتاباً سماه طه حسين حياته وفكره في ميزان الإسلام ونقل الاتهامات التي وجهت ضده وهي :
الأول : أن المؤلف أهان الدين الإسلامي بتكذيب القرآن في أخباره عن إبراهيم واسماعيل حيث ذكر في 26 من كتابه ما يلي :
" للتوراة أن تحدثنا عن ابراهيم واسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضاً ولكن
____________________________________________________
(1) الجامع في تاريخ الأدب العربي للفاخوري (2/344) .
ورود هذين الاسمين في التوارة والقرآن لا يكفى لإثبات وجودهما التاريخي فضلا
عن إثبات هذه القضية التي تحدثنا بهجرة اسماعيل بن ابراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعاً من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة وبين الإسلام واليهود والقرآن والتوارة من جهة أخرى " إلى أخر ما جاء في هذا الصدد .(6/21)
الثاني : ما تعرض له المؤلف في شأن القراءات السبع المجمع عليها والثابتة لدى المسلمين جميعاً ، وأنه في كلامه عنها يزعم عدم إنزالها من عند الله وأن هذه القراءات إنما قرأتها العرب حسب ما استطاعت لا كما أوحى الله بها إلى نبيه مع أننا معاشر المسلمين نعلم أن كل هذه القراءات مروية عن الله تعالى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - .
الثالث : أن المؤلف طعن في كتابه على النبي - صلى الله عليه وسلم - طعنا فاحشاً من حيث نسبه فقال في ص72 من كتابه :
" ونوع آخر من تأثير الدين في انتحال الشعر وإضافته إلى الجاهليين وهو ما يتصل بتعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه إلى قريش فلأمر ما أقتنع الناس بأن النبي يجب أن يكون صفوة بني هاشم ، و أن يكون بنو هاشم صفوة بني عبد مناف وأن يكون بنو عبد مناف صفوة بنى قصى وأن تكون قصى صفوة قريش وقريش صفوة مضر ومضر صفوة عدنان وعدنان صفوة العرب والعرب صفوة الإنسانية كلها " .
وقالوا أن تعدى المؤلف بالتعرض بنسب النبي والتحقير من قدره هو تعد على الدين وجرم عظيم يسىء إلى المسلمين والإسلام فهو قد اجترأ في أمر لم يسبقه كافر ولا مشرك .
الرابع : أن المؤلف أنكر أن للإسلام أولية في بلاد العرب وأنه دين إبراهيم إذ يقول في ص80 :
" أما المسلمون فقد أرادوا أن يثبتوا أن للإسلام أولية في بلاد العرب كانت قبل أن يبعث النبي وأن خلاصة الدين الإسلامي وصفوته هي خلاصة الدين الحق الذي اوحاه الله إلى الأنبياء من قبل " إلى أن قال في ص81" وشاعت في العرب أثناء ظهور الإسلام وبعده فكرة أن الإسلام يجدد دين إبراهيم ومن هنا أخذوا يعتقدون أن دين إبراهيم هذا قد كان دين العرب في عصر من العصور ثم أعرضت عنه لما أضلها به المضلون وانصرفت إلى عبادة الأوثان " (1) .(6/22)
وأما الأفغاني فقد ولد سنة 1254هـ وتوفى سنة 1315هـ وهو محمد بن صفدر الحسيني ، جمال الدين : ولد في أسعد آباد ونشأ بكابل وتلقى العلوم وبرع في الرياضيات وسافر إلى الهند وحج ( سنة 1273هـ ) وعاد إلى وطنه ، فأقام بكابل وانتظم في سلك رجال الحكومة في عهد " دوست محمد خان " ثم رحل ماراً بالهند ومصر ، إلى ألاستانة ( سنة 1285) فجعل فيها من أعضاء مجلس المعارف ونفي منها ( سنة 1288) فقصد مصر ، وتتلمذ له الشيخ محمد عبده ، وكثيرون وأصدر أديب إسحاق ، وهو من مريديه ، جريدة " مصر " فكان جمال الدين يكتب فيها بتوقيع " مظهر بن وضاح " أما منشوراته بعد ذلك فكان توقيعه على بعضها " السيد الحسيني " أو " السيد " ونفته الحكومة المصرية ( سنة 1296) فرحل إلى حيدر آباد ، ثم إلى باريس وأنشأ فيها مع الشيخ محمد عبده جريدة " العروة الوثقى " ورحل رحلات طويلة ، فأقام في
_______________________________________________
(1) ... طه حسين لأنور الجندي ص178 .(6/23)
العاصمة الروسية " بطرسبرج " كما كانت تسمى ، أربع سنوات ، ومكث قليلاً في ميونيخ ( بألمانيا ) حيث التقى بشاه إيران " ناصر الدين " ودعاه هذا إلى بلاده ، فسافر إلى إيران ثم ضيق عليه ، فاعتكف في أحد المساجد سبعة أشهر ، كان في خلالها يكتب إلى الصحف مبيناً مساوئ الشاه ، محرضاً على خلعه وخرج إلى أوربا ونزل بلندن فدعاه " السلطان عبدالحميد إلى الآستانة ، فذهب وقابله ، وطلب منه السلطان أن يكف عن التعرض للشاه ، فأطاع وعلم السلطان بعد ذلك أنه قابل " عباس حلمي " الخديوي ، فعاتبه قائلاً : " أتريد أن تجعلها عباسية ؟ ومرض بعد هذا بالسرطان ، في فكه ، ويقال : دس له السم وتوفى بالآستانة ونقل رفاته إلى بلاد الأفغان سنة 1363 وكان عارفاً باللغات العربية والأفغانية والفارسية والسنكريتية والتركية ، وتعلم الفرنسية والانجليزية والروسية ، وإذا تكلم بالعربية فلغته الفصحى له " تاريخ الأفغان – ط " و " رسالة الرد على الدهريين – ط " ترجمها إلى العربية تلميذه الشيخ محمد عبده وجمع محمد باشا المخزومي كثيراً من آرائه في كتاب " خاطرات جمال الدين الأفغاني – ط " ولمحمد سلام مذكور كتاب " جمال الدين الأفغاني باعث النهضة الفكرية في الشرق – ط " في سيرته .
وقد اختلف الناس في حقيقة الأفغاني ، بين مدافع عنه ، وبين فاضح له ومن الذين كتبوا في ذلك :
1- دعوة جمال الدين الأفغاني في ميزان الإسلام لمصطفى غزال وهي رسالة علمية بإشراف د 0 محمود الطحان .
2- جمال الدين الأفغاني المفترى عليه د 0 محمد عمارة .
3- حقيقة جمال الدين الأفغاني د 0 عبد النعيم حسنين .
وقد بين مصطفى غزال في رسالته ان دعوة الأفغاني هي :
1- دعوة سياسية .
2- دعوة إلى التفرنج باسم التجديد .
3- دعوة ظاهرها الإسلام وباطنها الزندقة .
4- دعوة إلى التحرر والإنحلال من القيود الشرعية .
5- دعوة إلى إتحاد فيدرالي باسم الجامعة الاسمية .
6- دعوة إلى توحيد الأديان الثلاثة .(6/24)
7- دعوة إلى وحدة الشرق بما فيه من ملل .
8- دعوة إلى القومية .
9- دعوة إلى الاشتراكية .
10- دعوة إلى الوطنية .
11- دعوة إلى السفور .
179-شمس العلوم ومثل تلك مصائب **** سحر وشعوذة من الكهان
شمس العلوم أي شمس المعارف لأحمد بن علي البوني ت سنة 622هـ وكتابه مطبوع .
قال الشيخ عبدالله بن جبرين حفظه الله ورعاه : " هذا الكتاب من كتب الخرافيين ، وقد شحنه مؤلفه بالأكاذيب والخرافات الباطلة ، وفيه عقائد باطلة يكفر من اعتقدها ، وهو أيضاً مليء بأمور السحر والكهانة ، وأكثر من يقتنيه هم السحرة وأهل الشعوذة ؛ فقد حصل بسببه مفاسد وأضرار أوقعت جماعات كثيرة في أنواع من الكفريات والضلالة والضرر بالأمة ، فننصح كل مسلم بالبعد عنه ، ومن حصل عليه ؛ فيلحرقه ، كما ننصح المسلم بقراءة كتاب الله تعالى ، وكتب السنة المطهرة ، كالـ " الصحيحين " ، والسنن ، وكتب التوحيد الصحيحة ؛ ففيها ما يحفظ على المسلم دينه وأمانته ، والله أعلم "
فهذا الكتاب مليء بالكذب والزور والتمويه والإخبار – باطلاً – عن مستقبلات الحوادث وغائبات الأمور .
وقد حذر الشيخ علوي المالكي منه ، وذكره تحت فائدة " ذكر العلماء كتباً لا ينبغي للإنسان أن ينقل منها حديثاً إلا بعد المراجعة والتنقيب، بل بعضها يغلب فيه ذكر الأحاديث الموضوعة ... ... ." ، وذكر هذا الكتاب .
ويا ليت الشر الذي في هذا الكتاب مقتصراً على هذا الباب على خطورته ، ولكنه تعداه إلى صحيح التوحيد ؛ فهو كتاب " طلاسم " وسحر (1) .
__________________________________________________
(1) كتب حذر منها العلماء ( 1/124) .
180-جعلوا قضاء الله فعل كواكب **** كالثور والميزان والسرطان
181- شاهت وجوههم وخيب سعيهم **** علم النجوم نهاية الخذلان
علم أحكام النجوم ينقسم إلى أقسام :
منها : اعتقاد أن هذه الكواكب تدبر هذا الكون ، ومنها يصدر الخير والشر والسعادة والنحوسة .(6/25)
وهذا القسم وهو نسبة الاختراع والتدابير إلى الكواكب دون الله أو مع الله فهذا كفر ، يقتل صاحبه مرتداً بالإجماع فمن اعتقد هذا الاعتقاد فقد نحا نحو الصابئة : عبدة الكواكب الذين بعث فيهم إبراهيم عليه السلام ، وصار على عقيدتهم وارتد عن الإسلام – والعياذ بالله - (1) .
____________________________________________________
(1) ... التنجيم والمنجمون للمشعبي ص255 والقول المقيد للعلامة العثيمين (2/102)
182-والباطنية هم أضل طريقة **** غرقى مع الإلحاد والكفران
الباطنية : لقبوا بها لدعواهم أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري في الظواهر مجرى اللب من القشر ، وهي عند العقلاء والأذكياء رموز وإشارات إلى حقائق معينة تخفى على الأغبياء والجهلاء .
أما عن نشأة الباطنية :
فيحدثنا أبو حامد الغزالي رحمه الله عن جذورها بقوله : " مما تطابق عليه نقله المقالات قاطبة أن هذه الدعوة لم يفتتحها منتسب إلى ملة ، لأن مساقها ينقاد إلى الانسلال من الدين ، كانسلال الشعرة من العجين ولكن تشاور جماعة من المجوس والمزدكية ، وشرذمة من الثنوية الملحدين ، وطائفة كبيرة من الفلاسفة المتقدمين ، وضربوا سهام الرأي ، في استنباط تدبير يخفف عنهم ما أصابهم من استيلاء أهل الدين ، وينفس عنهم كربة ما دهاهم من أمر المسلمين .
وقالوا : " إن سبيلنا أن ننتحل عقيدة طائفة من فرقهم ، هم أركهم عقولاً، وأسخفهم رأياً ، وأطوعهم للتعريف بالأكاذيب المزخرفة ، وهم الروافض ، ونتباكى لهم على ما حل بآل البيت " آل محمد " ونتوصل إلى تطويل اللسان في أئمة سلفهم الذين هم قدوتهم ... ... .."
وحقيقة مذهبهم ومعتقداتهم :
أنه مذهب ظاهره الرفض ، وباطنه الكفر المحض ، ومفتتحه حصر مدارك العلوم في قول الإمام المعصوم وعزل العقول عن أن تكون مدركة للحق لما يعتريها من الشبهات .(6/26)
وقد ضمت هذه الحركة بين صفوفها جماعات مختلفة ، يجمعها هدف مشترك ، هو إفساد عقيدة المسلمين ، وجذبت إليها مفكرين وفلاسفة ، كإخوان الصفا وابن سينا ، وشعراء وأدباء كالمعري وأبي حيان التوحيدي .
انتشر دعاة الباطنيين في أنحاء العالم الإسلامي ، وصاروا يدعون إلى إسقاط الخلافة العباسية السنية ومضوا يغتالون الشخصيات التي تعارضهم ... ."
أما معتقدهم في الإمامة : فقد اتفقوا على أنه لابد في كل عصر من إمام معصوم قائم بالحق ، يرجع إليه في تأويل الظاهر وحل الإشكالات في القرآن ، والأخبار والمعقولات ، وأنه هو المتصدي لهذه الأمور واتفقوا على أن الإمام يساوى النبي في العصمة ، والاطلاع على حقائق الحق في كل الأمور ، إلا أنه لا ينزل عليه الوحي ، وإنما يتلقى ذلك من النبي فإنه خليفته ... ... ... وبإزاء منزلته ، ولا يتصور في زمان واحد إمامان ، كما أنه لا يتصور نبيان تختلف شريعتهما .
ولذلك أعلن الخلفاء الفاطميون الحرب على الخلفاء العباسيين بكل وسيلة .
ويتلخص معتقدهم في التكاليف الشرعية : في أن المنقول عنهم هو الإباحة المطلقة ، ورفع الحجاب واستباحة المحظورات واستحلالها ، وإنكار الشرائع .
إلا أنهم ينكرون ذلك إذا نُسب إليهم
وآخر دعواهم أن العارف بحقائق الأشياء هو المتصدي للإمامة بمصر ، ويجب على كافة الخلائق إطاعته ، والتعلم منه ، لينالوا بذلك سعادة الدنيا والآخرة !!.
نماذج من تأويلاتهم :
يعتبر الباطنيون أن كل ما ورد من ظواهر التكاليف الشرعية ، وقضايا الآخرة ، ما هو إلا رموز إلى بواطن الأمور .
ففي الشرعيات : الجنابة عندهم تعني مبادرة المستجيب لدعوتهم بإفشاء سر إليه قبل أن ينال رتبة استحقاقه لتلك الدعوة .
ومعنى الغسل : هو تجديد العهد على من فعل ذلك .(6/27)
ومجامعة البهيمة : معناها – عندهم – معالجة من لا عهد له ، ومن لم يؤد شيئاً من صدقة النجوي ، ولذلك أوجب الشارع القتل على الفاعل والمفعول به ، وإلا فالبهيمة متى وجب القتل عليها ؟ !
والزنا – عندهم – هو إلقاء نطفة العلم الباطن في نفس من لم يسبق معه عقد العهد والطهور ، هو التبري والتنظف من اعتقاد كل مذهب سوى مبايعة الإمام
والصيام : هو الإمساك عن كشف السر .
والكعبة : هي النبي والباب علي ، والتلبية : إجابة الداعي الخ . من هذه التفاهات العجيبة .
أما المعاد : فزعم بعضهم أن النار والأغلال ، ما هي إلا مجموعة الأوامر التي تعني التكاليف ، أولوها وقالوا : هي طوفان العلم ، أغرق به المتمسكون بالسنة ، ونار إبراهيم عبارة عن غضب النمرود ، وليست ناراً حقيقية(1)
___________________________________________________
(1) ... الجهاد والتجديد لمحمد الناصر ص15 ، والعقائد الباطنية د 0 صابر طعمية ص14 ، والحركات الباطنية في العالم الإسلامي د 0 محمد الخطيب .
183-أتباع قرمط والجنابي كلهم **** يدعو الكواكب زج بالنيران
القرامطة : " 278-466هـ " :
كانت هذه الطائفة من أوائل الحركات الباطنية الهدامة في تاريخ المسلمين ، وكان قادتها من أشد الناس شراسة وتعطشاً لإراقة الدماء .
وكان من دعاتهم حسين الأهوازي : الذي حل السواد الكوفة ، واستطاع إغواء الهمج والرعاع ، ونقلهم إلى مذهب الإباحية والكفر ، واستباحة قتل المسلمين .
كان من أشياعه " حمدان قرمط " ولذلك سمى أتباعه بالقرامطة .
انتشرت هذه الدعوة الخبيثة في البحرين " القطيف وما حولها " واستجاب لها رجل يسمى : أبو سعيد الجنابي الفارسي الأصل ، والذي قاد الجيوش لحرب خليفة بغداد ، وتمكن من الانتصار على جيش الخليفة ، وقتل كل الأسرى .(6/28)
وفي سنة (290هـ) امتد نشاط القرامطة على يد هذا الخبيث " أبو سعيد الجنابي " إلى بلاد الشام ، فحاصروا دمشق وقتلوا كثيراً من سكانها ، ثم قتل قائد القرامطة على أبواب دمشق ، ثم توجه القرامطة نحو بقية مدن الشام : حمص وحماة ومعرة النعمان وسليمة ، فنشروا فيها الرعب والدمار ، وأكثروا من القتل والفساد .
ومن زعماء قرامطة البحرين : أبو طاهر الجنابي ، وجرائمه كثيرة ، هاجم الكوفة ، واعترض قافلة الحجاج عائدة إلى العراق فنهبهم وتركهم في الصحراء ، فمات أكثرهم جوعاً وعطشاً .
ومن أقبح جرائمه ، هجومه على مكة ، وتعرضه للحجاج ، وقتله كل من وجده في المسجد الحرام ، وألقى بجثثهم في بئر زمزم ، وذلك في عام 317هـ
قال ابن كثير رحمه الله في هذه الطائفة المارقة : " وكل مؤمن يعلم أن هؤلاء قد ألحدوا في الحرم إلحاداً عظيماً وأنهم من أعظم الملحدين الكافرين .
ومعلوم أنهم شر من اليهود والنصارى والمجوس ، بل ومن عبدة الأصنام " (1) .
وقرمط توفى سنة 293، قال الزركلي :(6/29)
قرمط : رأس " القرامطة " من الباطنية وإليه نسبتهم اختلف في اسمه وأصله . قيل " حمدان " أو " الفرج بن عثمان " أو " الفرج بن يحيى " وقرمط لقبه و النسابون يضبطونه بكسر القاف والميم ، بينهما راء ساكنة واللغويون يفتحون القاف والميم ؛ وعن هؤلاء أخذ الفرنج فسموه " Karmath" أصله من خوزستان وعرف في سواد الكوفة ( سنة 258هـ ) فكان يظهر الزهد والتقشف واستمال إليه بعض الناس ، فأراهم كتابا قيل : أوله " بسم الله الرحمن الرحيم يقول الفرج بن عثمان ، وهو عيسى ، وهو الكلمة ، وهو المهدي ، وهو أحمد بن محمد ابن الحنفية ، وهو جبريل" وفي الكتاب كثير من كلمات الكفر والتحليل والتحريم وكثر أتباعه والسالكون سبيله ، فكان منهم " زكرويه بن مهرويه " " وأبو سعيد " الحسن بن بهرام " الجنابي ، كلاهما في جهات القطيف والبحرين ، وقام بنو القليص بم ضمضم (من بني كلب ابن وبرة) بدعوته بين العراق والشام ؛ و " علي بن الفضل " في اليمن ولا تزال بقاياهم إلى اليوم في جبل " الكلبية " باللاذقية ، وفي " نجران " باليمن ، وفي " القطيف " غربي الخليج الفارسي .
واندمج أكثرهم في الإسماعيلية والنصيرية وغيرهما من طوائف الباطنية وتداخلت
_________________________________________________
(1) ... الجهاد والتجديد لمحمد الناصر ص20 .
أخبار صاحب الترجمة " قرمط " في كتب التاريخ ، بأخبار دعاته ، والأرجح أنه هو الذي قبض عليه عامل " الرحبة " سنة 293 وقتله المكتفي بالله العباسي وفي " المنتظم " لابن الجوزي شرح لبعض أحوال القرامطة يرجع إليه .
184- فكأنه أخذ الضلال مركباً **** من مزدك وأخي الجهالة ماني
ماني نسب إليه المانوية وهو ماني بن فاتك الحكيم الذي ظهر في عصر الملك سابور بن أردشير ، وهو بعد عصر المسيح عيسى ابن مريم .
ومبادئها النور والظلمة ، وأنهما أزليان لم يزالا ولن يزالا ومن مبادئ المانوية :
(أ ) دفع عُشر الأموال .
((6/30)
ب ) وأربع صلوات في اليوم والليلة .
(ج ) الدعاء إلى الحق .
(د ) ترك الكذب والقتل والسرقة والزنا والبخل والسمر .
(هـ) ... ترك عبادة الأوثان(1) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
ظهر رجل فارسي يقال له ( ماني ) فأظهر دين المانية ، وزعم أنه نبي ، فأخذه بهرام بن بهرام ملك الفرس فشقه نصفين ، وأخذ من أصحابه وممن يقول بقوله مائتي رجل ، فغرس رؤوسهم في الطين منكسين حتى ماتوا منكسين (2) .
والمزدكية : دين يتفرع عن الديانة الفارسية ( المجوسية ) ، ظهر به الفيلسوف الفارسي " مزدك " في ( القرن 2 ق0م) ، زمن الملك الفارسي ( قباد ) الذي أجابه إلى مذهبه الجديد ، ولكن خلفه الملك الفارسي ( أنوشروان) لم يتبعه ، بل أنه قتله كان ( مزدك ) ينهي عن الاختلاف بين الناس ، ولما كان أكثر ذلك ____________________________________________________
(1) الملل والنحل للشهرستاني (2/244) .
(2) الجواب الصحيح (4/202) .
يقع بسبب النساء والأموال ، فقد جعلها مشاعة بين الناس ، حيث أباح النساء وأحل الأموال ! (1) .
_________________________________________________
(1) ... العنصرية اليهودية د 0 أحمد الزغيبي (3/340) ، والملل والنحل (2/249) .
185- وغلام مرزا كاذب متهتك **** وكذا البهائي ظاهر البهتان
وغلام مرزا هو مؤسس فرقة القاديانية .
والقاديانية حركة نشأت سنة 1900م بتخطيط من الاستعمار الإنجليزي في القارة الهندية ، بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وعن فريضة الجهاد بشكل خاص ، حتى لا يواجهوا المستعمر باسم الإسلام ، وكان لسان حال هذه الحركة هو مجلة الأديان التي تصدر باللغة الإنجليزية .(6/31)
وكان مرزا غلام أحمد القادياني 1839-1908م أداة التنفيذ الأساسية لايجاد القاديانية وقد ولد في قرية قاديان من بنجاب في الهند عام 1839م ، وكان ينتمي إلى أسرت اشتهرت بخيانة الدين والوطن ، وهكذا نشأ غلام أحمد وفيا للاستعمار مطيعاً له في كل حال ، فاختير لدور المتنبيء حتى يلتف حوله المسلمون وينشغلوا به عن جهادهم للاستعمار الانجليزي وكان للحكومة البريطانية إحسانات كثيرة عليهم ، فأظهروا الولاء لها ، وكان غلام احمد معروفاً عند اتباعه باختلال المزاج وكثرة الأمراض وإدمان المخدرات .
وممن تصدى له ولدعوته الخبيثة ، الشيخ ابو الوفا ثناء الله الأمر تسري أمير جمعية أهل الحديث في عموم الهند ، حيث ناظره وأفحم حجته ، وكشف خبث طويته ، وكفر وانحراف نحلته ولما لم يرجع غلام أحمد إلى رشده باهله الشيخ أبو الوفا على أن يموت الكاذب منهما في حياة الصادق ، ولم تمر سوى أيام قلائل حتى هلك المرزا غلام أحمد القادياني في عام 1908م مخلفاً أكثر من خمسين كتاباً ونشرة ومقالاً ، ومن أهم كتبه : إزالة الأوهام ، إعجاز أحمدي ، براهين أحمدية ، أنوار الإسلام ، إعجاز المسيح ، التبليغ ، تجليات إلهية .
الأفكار والمعتقدات :
بدأ غلام أحمد نشاطه كداعية إسلامي حتى يلتف حوله الأنصار ثم ادعى أنه مجدد وملهم من الله ثم تدرج خطوة أخرى فادعى أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود ثم ادعى النبوة وزعم أن نبوته أعلى وأرقى من نبوة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -
يعتقد القاديانيون أن الله يصوم ويصلي وينام ويصحو ويكتب ويخطيء ويجامع – تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
يعتقد القادياني بأن إلهه إنجليزي لأنه يخاطبه بالإنجليزية.
تعتقد القاديانية بأن النبوة لم تختم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - بل هي جارية ، والله يرسل الرسول حسب الضرورة ، وان غلام أحمد هو أفضل الأنبياء جميعاً .(6/32)
يعتقدون أن جبريل عليه السلام كان ينزل على غلام أحمد وأنه كان يوحى إليه ، وأن إلهاماته كالقرآن .
يقولون لا قرآن إلا الذي قدمه المسيح الموعود ( الغلام ) ، ولا حديث إلا ما يكون في ضوء تعليماته ، ولا نبي إلا تحت سيادة غلام أحمد .
يعتقدون أن كتابهم منزل واسمه الكتاب المبين وهو غير القرآن الكريم (1) .
والبهائي ولد سنة 1233هـ ، وتوفى سنة 1309هـ
وهو حسين علي نوري بن عباس بن بزرك، الميرزا ، المعروف بالبهاء ، أو بهاء الله " رأس "البهائية " و مؤسسها إيراني مستعرب أصله من بلدة نور (بمازندران) وإليها نسبته من أسرة ظهر فيها وزراء وعلماء ولد بها – وقيل : بطهران – ____________________________________________________
(1) الموسوعة الميسرة في الأديان إشراف د 0 مانع الجهني (1/419) ، وذيل الملل والنحل لمحمد سيد كيلاني (2/57) .
واعتنق " دعوة " كان علي بن محمد الشيرازي ، الملقب بالباب ، قد قام بها ،
ظاهرها الإصلاح الديني والاجتماعي وباطنها تلفيق عقيدة جديدة من أديان ومبادىء مختلفة . وقتل الباب رمياً بالرصاص في تبريز ( سنة 1266هـ – 1850م ) فخلفه البهاء في دعوته ، فاتهم بالاشتراك في مؤامرة ، لاغتيال ناصر الدين شاه ( ملك إيران ) انتقاماً للباب فاعتقل ، وأبعد ، فنزل ببغداد ، وأقام 12سنة قضى بعضها في أطراف السليمانية يبشر ببدعته وضج منه علماء العراق ، فأخرجته حكومة بغداد ، فقصد الآستانة ن وقاومه شيوخها ، فنفي إلى " أدرنة " حيث أقام نحو خمس سنين " أرسل بعدها إلى سجن عكة ( بفلسطين ) عام 1868م ، ثم افرج عنه ، فانتقل إلى البهجة ( من قرى عكة ) والتف حوله مريدوه ، وتوفى بها ودفن في حيفا من آثاره ما سماه " الكتاب الأقدس – ط " كتبه بالعربية ، و " الإيقان – ط " بالفارسية وقد ترجم إلى العربية واللغات الأجنبية و " الهيكل – ط " أكثره بالعربية و " الألواح – ط " مجموعة رسائل بالعربية والفارسية .(6/33)
الأفكار والمعتقدات :
يعتقد البهائيون ان الباب هو الذي خلق كل شيء بكلمته وهو المبدأ الذي ظهرت عنه جمع الأشياء .
يقولون بالحلول والاتحاد والتناسخ وخلود الكائنات وأن الثواب والعقاب إنما يكونان للأرواح فقط على وجه يشبه الخيال .
يقدسون العدد 19 ويجعلون عدد الشهور 19 شهراً وعدد أيام الشهر 19 يوماً وقد تابعهم في هذا الهراء المدعو محمد رشاد خليفة حين ادعى قدسية خاصة للرقم 19 ، وحاول إثبات أن القرآن الكريم قائم في نظمه من حيث عدد الكلمات والحروف على 19 ولكن كلامه ساقط بكل المقاييس .
يقولون بنبوة بوذا وكنفوشيوس وبراهما وزاردشت وأمثالهم من حكماء الهند والصين والفرس الأول .
يوافقون اليهود والنصارى في القول بصلب المسيح .
يؤولون القرآن تأويلات باطنية ليتوافق مع مذهبهم .
ينكرون معجزات الأنبياء وحقيقة الملائكة والجن كما ينكرون الجنة والنار(1) .
وقد ألف العلماء المسلمون كتباً كثيرة في الرد على الطوائف المنحرفة وهناك كتب مستقلة في الرد على الباطنية والقرامطة ، والقاديانية ، والبهائية وما ذكرناه هو شيء يسير عن هؤلاء .
إلى هنا نصل إلى نهاية هذا الشرح على نونية القرني التي حوت الفوائد الكثيرة ، وفي الختام أود أن أنقل ما كتبه الشيخ عائض القرني عن عقيدته في رسالة بعنوان ( هذه عقيدتي ) فقال حفظه الله .
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً وتوحيداً .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وسلم تسليما مزيدا ... ... ..وبعد ،،،
فهذه عقيدتي التي أعتقدها واسأل الله الثبات عليها حتى ألقاه .(6/34)
آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله . وآمنت بما جاء عن الله على مراد الله ، وبما جاء عن رسوله على مراد رسول الله وآمنت بما وصف الله به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف لا يدل عليه لفظ الكتاب والسنة ومن غير تكييف يبحث عن كنه الصفة ومن غير تمثيل يمثلها لصفات المخلوقين { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } .
فلا ننفي عن ما وصف به نفسه ، ولا نحرف الكلم عن موضعه ولا نلحد في أسماءه بأن ننكر شيئاً منها أو مما دلت عليه أو نجعلها دالة على صفات تشابه صفات المخلوقين أو نسميه سبحانه بما لم يسم به نفسه أو نشتق من أسمائه أسماء للأصنام .
ولا نلحد في آياته بصرفها عما دلت عليه وتحميلها ما لا تحتمله ولا نمثل بصفات خلقه لأنه سبحانه لا سمي له ولا كفوا له ولا ند له ولا شبيه له ولا يقاس بخالقه تعالى.
فنشهد أنه حي قيوم عليم حكيم ، لطيف خبير ، سميع بصير قوي عزيز ، أول وآخر ظاهر وباطن وبكل شيء عليم ، وأنه الرزاق ذو القوة المتين وأنه فعال لما يريد وأنه على كل شيء محيط وبكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه يحب ويبغض ويرضى ويسخط ويكره ويأتي يوم القيامة وينزل في الثلث الأخير إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله ويتكلم بما شاء متى شاء والقرآن كلامه منه بدأ وإليه يعود . وأنه يرى ويسمع ويعفو وينتقم إلى غير ذلك من صفاته التي هي صفات كمال لا نقص فيها ولا عيب .(6/35)
ونؤمن بملائكة الله عز وجل أنهم خلق من خلقه لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وإنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون وقد وكلهم الله بأعمال كالنزول بالوحي من الله على رسله وحفظ العباد بأمر الله وكتابة الحسنات والسيئات وغير ذلك ونؤمن بكتب الله المنزلة التي عرفناها والتي لم نعرفها كصحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى والقرآن الذي نزل على رسولنا - صلى الله عليه وسلم - .
ونؤمن برسل الله عليهم الصلاة والسلام وإنهم بشر معصومون يبلغون رسالات الله وليسوا بإلاه هم عباد مصطفون وقد فضل الله بعضهم على بعض ومن أنبياء ورسل وأولوا العزم خمسة وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام وأفضلهم وخاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - .
ونؤمن باليوم الآخر وما جاء فيه من نعيم القبر وعذابه والحساب والميزان والحوض والصراط والجنة والنار والشفاعة ونشر الدواوين وإعطاء الصحف .
ونؤمن بالقدر وأنه من عند الله وأن الله علم المقادير وكتبها وقدرها كما شاء جل في علاه ولا نقول بقول الجبرية الذين يزعمون أن العبد مجبور على أفعاله لا قدرة له عليها وأن أفعاله بمنزلة حركات الأشجار . ولا نقول بقول القدرية الذين نفوا تعلق قدرة الله بأفعال العباد فأفعال العباد عندهم لا تدخل تحت مشيئة الله وقدرته .(6/36)
ونعتقد أن الإيمان قول : اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان ، ولا نقول بقول المرجئة الذين جعلوا الإيمان فقط تصديق القلب وأخرجوا عنه جميع الأعمال الباطنة والظاهرة وجوزوا على الله أن يعذب المطيعين وأن ينعم العاصين ، ولا نقول بقول : الوعيدية من القدرية الذين خلدوا في النار كل من مات مصرا على الكبائر دون الشرك ، بل نقول بقول : أهل السنة والجماعة من أن الإيمان اسم جامع لجميع العقائد الدينية والأعمال القلبية والبدنية وأنه قد يبقى ناقصاً إذا تجرأ المؤمن على المعاصي بدون توبة وأن الله لا يظلم من عباده أحداً ، ولا يعذب الطائعين بغير جرم ولا ذنب وأنه لا يخلد في النار من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ولو فعل الكبائر كما تواترت بذلك نصوص الكتاب والسنة .
ولا نقول بقول : الحرورية من الخوارج الذين يكفرون عصاه المؤمنين ويخلدونهم في النار ولا بقول : المعتزلة الذين يقولون في العصاة : ليسوا بمسلمين ولا بكافرين ويخلدونهم في النار ، ونرضى عن أهل بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأطهار وعن الصحابة الأخيار من المهاجرين والأنصار ونحبهم ونذب عن اعراضهم لأن الله زكاهم ورضى عنهم ومدحهم وعدلهم .
ولا نقول بقول الرافضة : ونبرأ إلى الله من مذهبهم في سب الصحابة ولعنهم وربما كفروهم ونبرأ من مذهبهم فإنهم قاتلوا الصحابة وكفروهم واستحلوا دماء المسلمين .
ولا نقل بقول النواصب : الذين سبوا أهل بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وناصبوا العداء والبغضاء بل نذهب مذهب أهل السنة والجماعة فنعترف بفضل أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأنهم أفضل الأمة ولا نغلوا فيهم ولا نقول : بعظمة أحد غير الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام .(6/37)
ولا نقول بقول الخوارج : مع الولاة فإنهم يكفرون بالكبيرة ويخرجون على ولاة الجور ويجردون عليهم السيف وهذا خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة بل نسمع ونطع لمن ولاه الله أمرنا ولا نخرج عليه ما لم نرى كفراً بواحاً ظاهراً عندنا فيه من الله برهان ونصلي وراءهم ونجاهد معهم وننصحهم وندعوا لهم ونرى أن الله عز وجل لا يرى في الدنيا لقوله لموسى { لن تراني } وأنه يُرى سبحانه في الآخرة لقوله تعالى { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } وقوله - صلى الله عليه وسلم - " أنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته .
ولا نرى رأي الجهمية المعطليه الذي عطلوا أسماء الله وصفاته ونفوها وجردوها من معانيها بل نثبت أسماء الله وصفاته لما جاء بها الكتاب والسنة على وجه يليق بجلال الله سبحانه من غير تكييف ولا تمثيل ، ولا تشبيه ولا تعطيل .
ولا نرى رأي المعتزلة الذين أثبتوا الأسماء ونفوا الصفات ومذهبهم في ذلك باطل ، ولا مذهب الأشاعرة الذين أثبتوا الأسماء وسبع صفات فحسب بل نثبت كل الصفات لأن القول فيما أثبتوه كالقول فيما نفوه .(6/38)
ولا نتبرك بالقبور ولا نحلف بغير الله ولا نغلو في الصالحين ولا نبتدع في الدين ولا نوالي الكافرين ونحم تعليق التمائم والودع والذهاب إلى السحرة والعرافين والكهنة ولا ندعي علم الغيب ونثبت الهجرة للرسول والكرامة للولي الصالح بشرطها ، ونرى أنه لا يسع أحد الخروج على الكتاب والسنة كائناً من كان ولا نقنط أحداً من رحمة الله ولا نؤمنه من مكر الله ونرى تحريم الاستهزاء بالدين وأنه كفر صريح ، ونرى تحريم التشبه بالكفار ، ونبرأ إلى الله من فعل اليهود مع الأنبياء لأنهم كذبوهم وقتلوهم ، ونبرأ من فعل النصارى لأنهم ألهوهم بل نؤمن بالرسل عليهم السلام ونصدقهم ونرى عصمتهم وأنهم أفضل البشر ونبرأ إلى الله من قول السبئية في تأليه علي بن أبي طالب ومن قول الرافضة في أبي بكر وعمر وعائشة الطاهرة المطهرة ومن قول الجعد بن درهم من أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولا كلم موسى تكليماً ومن قول ابن الجهم وبشر المريسي وابن أبي داود من أن القرآن مخلوق ومن قول ابن سينا أن الله يعلم بالكليات لا الجزئيات وقوله بقدم العالم قبل خالقه بل الله هو الأول خالق كل شيء وبقوله أن المعاد للأرواح فحسب ، ونرى أن أعظم ما يدعى إليه التوحيد وأن أفضل الأئمة بعد نبيها أبو بكر فعمر فعثمان فعلي على منزلة في الخلافة ونكف عن ما شجر بين الصحابة ولا ننشر أخطاءهم بل نترضى عليهم ونحبهم ونتولاهم ونلتمس لمخطئهم العذر ، ونرى أن من أفضل الأعمال طلب العلم النافع وهو علم الكتاب والسنة ، ونرى وجوب توقير علماء الملة ومحبتهم واحترامهم ، ونحب أهل الحديث بخاصة ، ولا ننخدع بحال أحد مهما فعل حتى يوافق الكتاب والسنة وندعو لسلامة القلب من الشرك والرياء والعجب والكبر والخيلاء والحسد والحقد والغل والغش وسلامة اللسان من الكذب واللعن والسب والشتم والاستهزاء والغيبة والنميمة وسلامة المطعم من الحرام وندعو إلى تقوى الله وحبه وطاعته والخوف منه ورجاؤه والرهبة منه(6/39)
والرغبة إليه والتوكل عليه وتفويض الأمر إليه مع التوبة من الذنوب والإقلاع عن المعاصي ، وندعوا للصدق والصبر والوفاء بالعهد والأمانة والعدل في الأقوال والأمانة وحسن الخلق والتواضع والكرم والشجاعة والزهد وقصر الأمل وكثرة ذكر الله وتلاوة القرآن والتزود بالنوافل والصدقة والبر ورحمة اليتيم والمسكين والأرملة والصغير ، واحترام الولاة العادلين والعلماء العاملين وحملة القرآن المتقين والكبار المستبين ، وإمامنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومرجعنا الكتاب والسنة ، وخيرنا أتقانا ، ونفعل السبب مع التوكل ، ونعمل بالمأمور ونجتنب المحذور ، ونصبر على المقدور ، ونشهد بالجنة لمن شهد له بها رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ، وندعو للأخوة الإيمانية ونحث على الأخلاق الإسلامية ، وننهى عن الحزبية التي تورث الخلاف والشقاق والبغضاء ونكفر تارك الصلاة ونرى وجوب صلاة الجماعة ونحل ما أحل الله ورسوله ونحرم ما حرم الله ورسوله ولا نخلع يداً من بيعة ولا نشق عصا الجماعة ولا نفرح بمصائب المؤمنين وندعو إلى الله بالحكمة ولا نقول بقول بعض المخالفين أن من أهم مطالب الدين إقامة الإمامة أو الخلافة بل أهم المطالب وأجل المقاصد توحيد رب العالمين ولا نقول بقول الصوفية : من أن العلم علم الخرق لا علم الورق بل نقول : العلم قال الله قال رسوله - صلى الله عليه وسلم - .(6/40)
ولا نذهب مذهب المتعصبة من الفقهاء الذين جعلوا أقوال أئمتهم حجة عند التنازع فقلدوهم بلا دليل وقدموا كلامهم هوى وتشهياً بل نقدم كلام الله وكلام رسوله على كلام أي أحد كائناً من كان ونعتصم بالدليل ونقبل الحق ممن قاله ولو خالف ما كنا عليه ، ونأخذ القرآن والسنة على فهم الصحابة وسلف الأئمة وائمة الدين كابن المسيب والحسن البصري والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ومن وافقهم ، ونرد ولا نقبل قول واصل بن عطاء وعمر وبن عبيد والجهم بن صفوان والجعد بن درهم وابن الجهم والمريسي والزمخشري ، وننهي عن علم الكلام لأنه طريق الجدل والخصام ، ونحذر من الفلسفة ومنطق اليونان وقد كفانا ما في القرآن وما جاء به سيد ولد عدنان ، وليس لنا إلا عيدان عيد الفطر وعيد الأضحى ولا نرى عيد المولد ونرى المسح على الخفين وتحريم زواج المتعة.
ورضى الله مقصدنا والجنة مطلبنا والشريعة مرجعنا والحديث الصحيح مذهبنا ، وجهاد الكفار ماضٍ إلى يوم القيامة وباب الاجتهاد في الشريعة مفتوح ولكل مائة عام مجدد من أهل السنة والجماعة سواء كان في باب الحديث أو الفقه أو الأمر والنهي أو الولاية العامة أو الجهاد .
وكتب الحديث المعتبرة هي الصحيحان والسنن الأربع ومسند أحمد والدارمي وموطأ مالك وصحيح ابن حبان والحاكم وسنن البيهقي والدارقطني ومعاجم الطبراني الثلاثة ونحوها وكتب التفاسير المعتمدة كتفسير الطبري والبغوي وابن كثير وابن سعدي والشنقيطي ونرشد طالب العلم إلى كتب ورسائل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وكتب الإمام محمد بن عبدالوهاب وأئمة الدعوة .
واعلم أن الغزالي أمات الدين بإحياءه وان ابن سينا أمرض القلوب بشفائه وأن الزمخشري أظلم الجو بكشافه وأن أبا الفرج الأصفهاني كدر النفوس بأغانيه وغناءه ، وأحذر من مزالق الجاحظ في تأليفه ومن سقطات كل مبتدع في تصانيفه .(6/41)
وعليك بتصانيف المتأخرين كالصنعاني والشوكاني وأئمة الدعوة واقرأ لابن باز وابن عثيمين وبكر أبو زيد ، فإنها الشهد المذاب والروح واللباب .
وننكر أفعال الحجاج وطريقة الحلاج وأبيات المعري وتوجهات العلمانيين .
وليس أحد من الأمة قوله حجة على غيره إلا محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو الذي يدور معه الحق حيث دار ، فعلى قوله توزن الأقوال وعلى فعله تقاس الأفعال ، وعلى حاله تضرب الأحوال فهو المعصوم من الزلل ، السليم من العلل ، البريء من الخلل .
هذا وإني استغفر الله وأتوب إليه من كل قول قلته أو كتبته أو فعل فعلته يخالف كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد كتبت رسالة بعنوان المراجعات اعتذرت فيها عن العبارات التي سلفت مني شعراً أو نثراً زمن الشباب في مثل ديواني لحن الخلود والله المسئول وحده أن يتجاوز عنا وأن يرحمنا وأن يلطف بنا أنه سميع مجيب عليه توكلت وإليه أنيب .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المتقين .(6/42)
المصادر والمراجع
1- حاشية ابن قاسم على الدرة .
2- معجم البلدان للحموي .
3- الأنساب للسمعاني .
4- لب اللباب للسيوطي .
5- نهاية الأرب للقلقشندى .
6- مسند الإمام أحمد .
7- مسند الإمام أحمد المحقق د0حمزة الزين
8- المستدرك للحاكم
9- مجمع الزوائد للهيثمي .
10- مقامات الهمزاني بشرح محي الدين .
11- مقامات الحريري بشرح القيسي .
12- مقاما السيوطي .
13- ليالي سطيح للحافظ إبراهيم .
14- د0 محمد المليجي .
15- لامية العرب بشرح الزمخشري ، والمبرد وابن ذاكور المغربي وابن عطاء المهدي
16- لامية العجم للطغرائي بشح الصفدي .
17- لامية ابن الورى – بشرح القنارى وسماه فتح الرحمن .
18- همزة البوصيري – بشرح ابن حجر الهيثمى وشرحها محمد شلبي باقتباس من ابن حجر وشرح الجمل .
19- سينية البحتري في ديوانه .
20- البحتري بين نفاة عصره .
21- بائية ذى الرمة شرحها ابو بكر الصنوبري .
22- نونية عمرو بن مكتوم التغلبي في شرح المعلقات للقاضي الرزوني .
23- نونية القحطاني .
24- نونية ابن القيم بشرح ابن عيسى وابن سعدي – وهراس
25- نفحات ولفحات للقرضاوي .
26- النقد الدبي الحديث د 0 محمد الهلال .
27- النقد الأدبي للسيد عزلان – ومحمد حمزة .
28- المحتسب لابن جنى
29- النحو الوافى .
30- الحركة الأدبية في السعودية – د 0 بكري أمين .
31- جواهر البلاغة للهاشمي .
32- النقد الأدبي – د 0 محمد كافود .
33- المنصف لابن وكيع في اظهار سرقات المتنبى .
34- العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده .
35- كتاب الصناعتين الكتابة والشعر .
36- الوساطة بين المتنبي وخصومه .
37- تاريخ النقد في الأندلس للدكتور محمد الدرية .
38- نونية القحطاني .
39- البلاغة العربية .
40- موسوعة الأمثال د 0 أميل .
41- يتيمة الدهر للثعالبي .
42- لوامع النوار للسفاريني .
43- تفصيل المقال على حديث كل أمر ذي بال – د 0 عبدالغفور البلوشي(7/1)
44- حاشية السيوطي على البيضاوي المسمى بنواهر الأفكار .
45- كشف الخفا للعجلوني .
46- شرح الهمزية للهيثمي .
47- جامع البيان للطبرى .
48- النهج الأسمى لمحمد المحمود .
49- شرح الاسماء الحسنى للرازي .
50- شرح الفصيح للزمخشري .
51- البخاري .
52- فتح القدير للشوكاني .
53- الأسماء والصفات للبيهقي .
54- علوم الحديث للحاكم .
55- أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي الشيخ .
56- كنز العمال للمتقي الهندي .
57- الترغيب لابن القيم
58- كتاب الشكر لابن أبي الدنيا .
59- الصحاح للجوهري .
60- المنهاج للحليمي .
61- المقصد السني .
62- السنة لإبن أبي عاصم .
63- فتح الباري لابن حجر .
64- لسان العرب لابن منظور .
65- النهاية لابن الأثير .
66- سنن الترمذي .
67- ابن ماجة .
68- شأن الدعاء .
69- توضيح الكافية للسعدي .
70- الجنى الداني في حروف المعاني لابن أم قاسم المرادى .
71- تفسير القرطبي .
72- حروف المعاني للزجاجي .
73- رصف المباني للمالقي .
74- تفسير الألوسي .
75- فروق اللغة للدكتور الشايع .
76- تفسير ابن عطية .
77- تفسير ابن كثير .
78- الفروق لابي هلال العسكري .
79- التنبيهات السنية للرشيد .
80- ترجمان السنة للمؤلف .
81- جلاء الأفهام لابن القيم .
82- بدائع الفوائد لابن القيم .
83- تهذيب اللغة للزهري .
84- المحيط لابن عباد .
85- مجموع الفتاوى لابن تيمية .
86- إعلام المسلمين بعصمة النبيين لاسحاق المكي .
87- وعصمة الأنبياء للدكتور محمود ماضي .
88- عصمة الأنبياء للرازي .
89- أصول الدين للبغدادي .
90- العقيدة د 0 نصار .
91- تفسير خازن .
92- حاشية الباجوري على السلم .
93- معجم قبائل العرب لكحالة .
94- سيرة ابن اسحاق .
95- السيرة النبوية لابن هشام .
96- تاريخ ابن خلدون .
97- تاريخ طبرى .
98- عيون الأثر لابن سيد الناس .
99- شرح أبيات مغني اللبيب .
100- التذكرة للقرطبي .
101- معارج سلم الوصول للحكمي .(7/2)
102- الحياة الآخرة د 0 غالب عواجي .
103- الروضة الندية شرح الواسطية لزيد بن فياض .
104- المفردات للراغب .
105- الإمام الخطابي ومنهجه في العقيدة للعلوى .
106- أخطاء لغوية معاصرة د0 عبدالله العبادي .
107- الوسيط .
108- معجم لاروس .
109- شرح قطرى الندى .
110- تفسير القاسمي .
111- صحيح مسلم .
112- أبو داود .
113- البنائس .
114- المفهم للقرطبي .
115- شرح مسلم للقاضي عياض .
116- حاشية الصبان على الأشموني .
117- حاشية الخضري على ابن عقيل .
118- حاشية الحمصي على شرح التصريح .
119- المقتضب للمبرد .
120- همع الهوامع للسيوطي .
121- مختصر الصواعق .
122- الكنز العظم في تعيين الاسم الأعظم لمحمد موسى الروحاني .
123- صحيح ابن حبان .
124- تفسير الدر المصون للسمين .
125- تفسير الوسيط للواحدي .
126- تفسير السعدي .
127- زاد المسير لابن الجوزي .
128- معتقد أهل السنة للتميمي .
129- تفسير السمرقندي .
130- تفسير الماوردي .
131- تفسير النفسي
132- السلسة الصحيحة لألباني
133- تفسير الرازي .
134- نونية ابن القيم بشرح هراس .
135- النظم الدرر في تناسب الآيبات والسور للبقاعي .
136- الرسالة الكبرى في البسملة للصبان .
137- أسد الغابة .
138- التاريخ لابن معين .
139- تاريخ خليفة بن خياط .
140- التاريخ الكبير للبخاري .
141- الجرح والتعديل .
142- الغاني لأبي الفرج .
143- تهذيب الكمال .
144- تهذيب التهذيب
145- خلاصة تهذيب الكمال .
146- شذرات الذهب .
147- الاسقيعات على حاشية الاصابة .
148- سنن الكبرى للبيهقي .
149- مصنف عبدالرزاق .
150- تقريب التدمرية لابن عثيمين .
151- الشعر والشعراء لابن قتيبة .
152- الأعلام للزركلي .
153- أدباء العرب لبطرس البستاني .
154- كفاية الأرب للنويري .
155- معجم ألقاب الشعراء للعاني .
156- معاهد التنصيص .
157- خزانة الأدباء .
158- جريدة المسلمون بتاريخ 30/1/1419.(7/3)
159- مجلة المجتمع العدد 1300-23 محرم 1419 ما نقله الغامدي .
160- أسواق العرب لأفعاني .
161- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام .
162- ديوان المتنبي بشرح العكبري .
163- العرف الطيب .
164- المفصل في تاريخ الدب لعلي الجارم .
165- تاريخ آداب اللغة العربية .
166- التحرير والتنوير لابن عاشور .
167- المعجم المفصل في الاعراب د 0 اميل .
168- شرح البرقوقي على المتنبي .
169- شرح المتنبى للواحدي.
170- المجموع الثمين لابن عثيمين .
171- نزهة النظر لابن حجر .
172- الواسطية مع التنبيهات السنية لعبد العزيز الرشيد .
173- الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج للغماري .
174- موافقة الخبر الخبر للحافظ ابن حجر .
175- التلخيص الحبير لابن حجر .
176- سلسلة الضعيفة للألباني .
177- الكواشف الجلية للسلمان.
178- ظاهرة الشذوذ في النحو العربي د 0 فتحي الرحيني .
179- الزهر في اللغة للسيوطي .
180- شرح جوهرة التوحيد للبيجوري .
181- ترتيب القاموس المحيط .
182- اصول الفقه وابن تيمية – للدكتور صالح المنصور .
183- الروض المعطار للحميرى .
184- التصريح .
185- الانصاف .
186- اللباب في تحرير الأنساب لابن الثير .
187- منهاج السنة لابن تيمية .
188- الروضة الندية .
189- نصح الأمة في فهم أحاديث افتراق الأمة – للهلالي .
190- افتراق الأمة للصنعاني .
191- كشاف القناع .
192- شرح السنوسية الكبري لعبد الفتاح بركة .
193- منازل السائرين – تحقيق عبدالله الأنصاري وبتحقيق د 0 سميح دغيم
194- حاشية معجم البلدان للحموي .
195- الألفية في الآداب الشرعية .
196- المنتظم في تاريخ الاسم والملوك .
197- درء التعارض .
198- الاستقامة لابن تيمية .
199- سير أعلام النبلاء .
200- حاشية المير على شرح عبدالسلام على جوهرة اللقاني .
201- الطبقات الكبرى .
202- كفاية الاقدام .
203- منهج الشهرستاني في الملل والنحل لمحمد السحيباني .
204- شرح الطحاوية .(7/4)
205- المباحث المشرقية للرازي محقق محمد البغدادي .
206- شرح النونية .
207- جمهرة الأمثال للعسكري .
208- مجمع الأمثال للميداني .
209- المستقصي للزمخشري .
210- ذم الكلام .
211- الرسالة .
212- تاويل مختلف الحديث .
213- التوحيد لابن خزيمة مع حاشية المحقق .
214- مناهج المحدثين لسعد الحميد .
215- الرد على معتقد قدم العالم والحد .
216- القدم النوعي للعالم .
217- علم الفلك د 0 يحيى الشامي .
218- شيخ الجيلاني وأراءه الاعتقادية د 0 سعيد بن سفر .
219- مدارج السالكين .
220- سبل السلام .
221- القواعد لابن رجب .
222- الحكومة الإسلامية .
223- النظرية السياسية المعاصرة للشيعة .
224- الشيعة والتصحيح .
225- الجهاد والتجديد في القرن السادس الهجري لمحمد الناصر .
226- جهاد المسلمين في الحروب الصليبية د 0 فايد عاشور .
227- موجز التاريخ افسلامي لأحمد العسيرى .
228- قضية نسب الفاطميين أمام منهج النقد التاريخي .
229- المنجد في العلام .
230- مؤلفات ابن الجوزي لعبد الحميد العلوجي .
231- صلاح الدين الفارسي المجاهد والملك الزاهد بقلم شاكر مصطفى .
232- معجم مقاييس اللغة .
233- الغربيين في القرآن والحديث.
234- تاج العروس .
235- أساس البلاغة .
236- تلخيص الحموية .
237- زيادة الإيمان ونقصانه للعباد .
238- صديق خاص وآراءه الاعتقادية د0 أختر لقمان .
239- عقيدة ابن عبد البر في التوحيد للايمان – للغصن .
240- ابن رجب وأثره في توضيح عقيدة السلف د 0 عبدالله العقيلي .
241- تقريب التدمرية لابن عثيمين .
242- وسطية اهل السنة د0 محمد باكريم .
243- كتب حذر منها العلماء لمشهور آل سلمان .
244- مقدمة تحقيق – ديوان ابي نواس .
245- الحركات الباطنية في العالم الإسلامي د0 محمد أحمد الخطيب .
246- أبو حامد والتصوف لعبد الرحمن الدمشقية .
247- الغزالي بين مادحيه وقاديه للقرضاوي .
248- الردود لبكر ابو زيد .(7/5)
249- شيخ الإسلام وموقفه من التصوف لمصطفى عبد الباسط أحمد .
250- مقدمة محقق كتاب الانتصار والرد على ابن الراوندي الملحد للخياط
251- الجامع في تاريخ الأدب العربي للفاخوري .
252- طه حسين لنوار الجندي .
253- التنجيم والمنجمون للشعبي .
254- القول المفيد لابن عثيمين .
255- العقائد الباطنية د 0 صابر طعيمة .
256- الملل والنحل للشهرستاني .
257- الجواب الصحيح .
258- العنصرية اليهودية د 0 أحمد الزعيبى .
259- الموسوعة الميسرة في الأديان إشراف د مانع الجهني .
260- ذيل الملل والنحل لمحمد سيد كيلاني .
261- اعجاز القرآن للرافعي .
262- فتح الباقي بشرح ألفية العراقي .
263- اضاءة الحالك .
264- الرسالة المستطرفة .
265- لمحات في المكتبة د 0 عجاج .
266- مرجع العلوم الإسلامية .
267- آراء المعتزلة الأصولية د 0 على الضويحى .
268- التكليف في ضوء القضاء والقدر د 0 أحمد بن علي عبدالعال .
269- قضية الثواب والعقاب د 0 جابر السميرى .
270- مفتاح دار السعادة
271- مقدمة محقق كتاب الحيدة د 0 جميل صليبا .
272- رؤية الله د0 احمد بن ناصر .
273- شرح الطحاوية بتقريب خالد فوزي .
274- الإصابة لابن حجر .
275- فرق معاصرة لغالب العواجي .
276- بذل المجهود في اثبات متابعة الرافضة لليهود لعبدالله الجميلي .
277- المنتقى للذهبي .
278- أصل الشيعة وأصولها .
279- رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي لمجموعة من العلماء .
280- التصوف والاتجاه السلفي في العصر الحديث د 0 مصطفى حلمي .
281- حقيقة الصوفية د 0 محمد المدخلي .
282- التأليف بين الفرق لمحمد حمزة .
283- القدرية والمرجئة د 0 ناصر العقل .
284- حاشية الشارح على القواعد المثلي لابن عثيمين .
285- شرح الجوهري للبيجوري .
286- أول واجب على المكلب للغنيمان .
287- الصفدية لابن تيمية .
288- منهج أهل السنة والأشاعرة لخالد نور .
289- ابن تيمية السلفي لهراس .(7/6)
290- موقف ابن تيمية من الشاعرة د 0 المحمود .
291- الحكمة والتعليل للمدخلي .
292- منهج الأشاعرة د 0 سفر الحوالي .(7/7)