شَرْحُ
نَوَاقِضِ الإسْلام
لصَاحِبِ الفَضِيلةِ العَلامَة
عَبْدالعَزِيز بن عَبْدِالله الرَّاجحي
الأُستاذ المشارك بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض
-حفظه الله ورعاه -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فهذا شرح لرسالة نواقض الإسلام لشيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، قد قام بشرح هذه الرسالة المهمة عدد من العلماء الأجلاء، منهم :شيخنا الجليل العلامة عبد العزيز بن عبد الله الراجحي- حفظه الله ورعاه- ضمن الدورة العلمية السادسة في مسجد علي بن المدني بالرياض. وقد قامت تسجيلات الراية الإسلامية بالرياض بتسجيل هذه الدروس ولله الحمد والمنة، وهذه نسخة مميزة من موقع شيخنا عبدالعزيز http://www.sh-rajhi.com ؛رأيت أن أجعلها في ملف واحد مع فهرس ليسهل تنزيلها وطبعها لمن رام ذلك.
فجزى الله شيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله الراجحي خير الجزاء ونفع به وبارك في عمره وختم لنا وله بالحسنى وجعل هذا الجهد المبارك في ميزان حسناته...
أسأل الله جل وعلا أن يبارك لي ولكم في أعمالنا، وأن يثبتنا على دينه، وأن يزيدنا من العلم والهدى، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولأحبابنا إنه سبحانه سميع قريب، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ،،،
و كتب / سلمان بن عبد القادر أبو زيد
ليلة الخميس 20 ذو القعدة 1426 هـ
]مقدمة العلامة الراجحي[
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإنّا إن شاء الله في هذه الليلة المباركة سوف نتكلم على نواقض الإسلام، التي جمعها الإمام الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه وهذه النواقض العشرة هي أهم النواقض، أهم نواقض الإسلام.(1/1)
والنواقض: جمع ناقض، وناقض الشيء هو المبطل للشيء والمفسد للشيء، نواقض الإسلام يعني: مفسدات الإسلام ومبطلاته، بمعنى أن الإنسان إذا فعل واحدًا من هذه النواقض بطلَ إسلامه ودينه، فانتقل من دين الإسلام إلى دين أهل الأوثان والعياذ بالله، انتقل من كونه مسلمًا إلى كونه وثنيًّا، إلا أن يتوب قبل الموت، فإن لم يتب قبل الموت، وهو على ناقض من هذه النواقض؛ فإنه يكون يخرج من دين الإسلام نسأل الله السلامة والعافية ويكون من أهل الأوثان
فنواقض الشيء يعني: هي مبطلاته ومفسداته، مثل: نواقض الوضوء، نواقض الوضوء منها الخارج من السبيلين، فإذا توضأ الإنسان، ثم خرج منه بول أو غائط بطل وضوءُه، فسد وانتقل من كونه متوضئًا إلى كونه مُحْدِثًا.
فكذلك نواقض الإسلام، إذا فعل الإنسان ناقضا من هذه النواقض، انتقل من كونه مسلمًا إلى كونه وثنيًّا من أهل الأوثان نسأل الله السلامة والعافية.
فهذه النواقض هي أهم النواقض، واقتصر الإمام رحمه الله على هذه النواقض العشر؛ لأنها أهم النواقض، ولأن كثيرًا من نواقض الإسلام ترجع إلى هذه النواقض العشر، ترجع إليها، يعني النواقض الأخرى ترجع إلى هذه النواقض، أغلبها يرجع إلى هذه النواقض، فهي أهم النواقض.
نواقض الإسلام عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فهذه رسالة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى المسماة بـ (نواقض الإسلام العشرة).
قال رحمه الله تعالى: اعْلَمْ أن نواقض الإسلام عشرة نواقض
] قال الشارح حفظه الله :[
(اعلم أن نواقض الإسلام عشرة نواقض)
(اعلم) هذا أمر بالعلم، والعلم: هو حكم الذهن الجازم، يعني تيقّن، واعلم يقيناً أن الإسلام ينتقض بواحد من هذه النواقض العشرة، والعلم غير الظن، فالعلم هو اليقين، والظن خلاف ذلك.(1/2)
فالعلم هو حكم الذهن ا لجازم، ومعناه: تيقن واجزم من غير توهم بأن الإنسان إذا فعل ناقضًا من هذه النواقض خرج من الإسلام.
]المتن]
الأول: الشرك في عبادة الله تعالى،
قال الله تعالى: ?إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ? [النساء/48]
وقال تعالى: ?إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ باللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ? [المائدة/72] ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر.
] الشرح]
هذا هو الناقض الأول من نواقض الإسلام، الشرك في عبادة الله تعالى، وقد ذكر لنا المؤلف رحمه الله دليلين: دليل لحُكم المشرك في الدنيا، ودليل لحُكم المشرك في الآخرة:
الدليل الأول: في حكم المشرك في الدنيا:
حكمه قال الله تعالى: ?إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ? [النساء/48] إذًا الشرك غير مغفور، والمراد به هنا الشرك الأكبر؛ لأن الله تعالى خصّ وعلق، فخص الشرك بأنه لا يغفر، وعلق ما دونه بالمشيئة.
والدليل الثاني: حكمه في الآخرة:
حكمه في الآخرة الجنة على صاحبه حرامٌ، وهو مخلّد في النار نعوذ بالله، قال الله تعالى:?إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ باللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ?. [المائدة/72]
وإذا كان حكمه في الدنيا لا يغفر، وفي الآخرة مخلّد في النار، والجنة عليه حرام نسأل الله السلامة والعافية؛ فإنه في الدنيا أيضاً تترتب عليه أحكام منها:(1/3)
أولا: أنه تطلّق زوجته منه إذا كان متزوجًا، فلا بد من التفريق بينه وبينها إلا أن يتوب؛ لأنها مسلمة وهو كافر، والمسلمة لا تبقى في عصمة الكافر، قال الله تعالى: ?لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ? [الممتحنة/10] يعني: الكفار، وقال تعالى: ?وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا? [البقرة/221]
من الأحكام أيضاً: أنه إذا مات لا يُصلَّى عليه، ولا يُغسّل.
ومن الأحكام: أنه لا يُدفن في مقابر المسلمين.
ومن الأحكام: أنه لا يدخل مكة؛ لأن مكة لا يجوز دخول المشرك، فيها، قال الله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا? [التوبة/28]
ومنها: أنه لا يرِث ولا يُورث، فإذا كانت زوجته مسلمة، وأولاده مسلمين فلا يرثونه، ويكون ماله لبيت مال المسلمين إلا إذا كان له ولد كافر، فإنه يرثه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَرِثُ المسلمُ الكافرَ، ولا الكافرُ المسلم)(1)
ومنها: أنه إذا مات على ذلك فهو من الخالدين في النار - نعوذ بالله من ذلك - والجنة عليه حرام، إذًا تترتب عليه الأحكام إذا فعل ناقضاً من هذه النواقض واستمر عليه.
يقول المؤلف: "الشرك في عبادة الله تعالى".
ما هي العبادة حتى نعرف الشرك في العبادة؟
العبادة: هي كل ما جاء في الشرع من الأوامر والنواهي، أي: كل ما أمر به الشارع أو نهى عنه، أمر إيجاب أو أمر استحباب، أو نهى عنه نهي تحريم أو نهي تنزيه.
فالأمر إذا كان واجبا فإنه يجب فعله، وإذا كان مستحبا، فإنه يستحب فعله، والنهي إذا كان نهي تحريم يجب تركه، وإذا كان نهي تنزيه؛ فإنه يكره فعله.(1/4)
أو تقول: العبادة اسم جامع لكل ما يحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، أي: كل ما جاء في الشرع من الأوامر والنواهي، فمثلا: الصلاة عبادة، والزكاة عبادة، والصوم عبادة، والحج عبادة، والنذر عبادة، والذبح عبادة، والدعاء عبادة، والتوكل عبادة، والرغبة عبادة، والرهبة عبادة، والجهاد في سبيل الله عبادة، والأمر بالمعروف عبادة، والنهي عن المنكر عبادة، والإحسان إلى الجيران عبادة، وصِلَة الأرحام عبادة.
وكذلك النواهي، يتركها المسلم تعبُّدًا لله، يترك الشرك، يترك العدوان على الناس في الدماء، العدوان على الناس في الأموال، العدوان على الناس في الأعراض، جحد الحق، يتعبَّد بألا يفعل هذا المنكر، يتعبّد بألا يفعل الزنا، يتعبد لله بأن يترك شرب الخمر، يترك عقوق الوالدين، يترك التعامل بالربا، يترك الغيبة، يترك النميمة، كل هذا عبادة.
فالعبادة: الأوامر والنواهي: الأوامر تفعلها، والنواهي تتركها، تعبُّدًا لله. والأوامر كما قلنا قسمان:
أمر إيجاب، وأمر استحباب: أمر إيجاب كالصلاة، هذه واجبة، وأمر استحباب كالسواك مستحب، والنهي: نهي تحريم، كالنهي عن الزنا، ونهي تنزيه كالنهي عن الحديث بعد صلاة العشاء.
وسواء كان العمل ظاهرًا كالصلاة والصيام، أو باطنًا كالنية والإخلاص والصدق والمحبة فعليه فعله، والنهي سواءٌ كان ظاهرا كالزنا، أو باطنا كالعجب والكِبْر والغل والحقد والحسد فعليه تركه.
فإذًا العبادة تشمل الأوامر والنواهي، تشمل الأقوال والأفعال، الظاهرة والباطنة، التي جاء بها الشرع. فإذا صرف نوعًا من هذه العبادة لغير الله وقع في الشرك.(1/5)
وقد مثّل المؤلف رحمه الله لهذا الناقض قال: كالذبح لغير الله؛ لأن الذبح عبادة، قال الله تعالى: ?قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ? [الأنعام/162] وقال سبحانه: ?فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ? [الكوثر/2] فإذا ذبح لغير الله فقد صرف العبادة لغير الله، فيكون مُشركًا إذا ذبح، ومثّل المؤلف كذلك كأن يذبح للجن، فإذا ذبح للجن أشرك، أو ذبح لصاحب القبر أشرك، أو ذبح للقمر أو للنجم، أو للولي، فإنه يكون قد أشرك.
ومثله الدُّعَاء، إذا دعا غير الله، بأن يطلب المدد من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، كطلب الشفاء من غير الله، أو طلب الاستجارة وتفريج الكربة من غير الله، أشرَكَ.
وكذلك الاستعانة بغير الله، فيما لا يقدر عليه إلا الله، والاستعاذة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، والاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، فقد أشرك.
وكذلك أيضاً من العبادات طاعة المخلوق في التحليل والتحريم، كأن يطيع أميرًا أو وزيراً أو عالماً أو عابداً أو أباً أو زوجاً أو سيداً يطيعه في تحليل الحرام أو تحريم الحلال؛ فيكون شركا؛ لأنه صرَف العبادة لغير الله؛ لأن الله تعالى هو المحلٍّل والمحرِّم ?أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله? [الشورى/21].
ومثله الركوع، إذا ركع لغير الله، أو سجد لغير الله، فقد صرف العبادة لغير الله، أو طاف بغير بيت الله تقرُّبًا لذلك الغير، أو نذرًا لغير الله، أو حلق رأسه لغير الله كالصوفية يحلق أحدهم رأسه لشيخه تعبُّدا له، وكذلك يركع له أو يسجد له، أو يتوب لغير الله، كالصوفية الذين يتوبون لشيوخهم، والشيعة الذين يتوبون أيضاً لرؤسائهم، والنصارى الذين يتوبون لقسيسيهم.(1/6)
لأن التوبة عبادة، قال تعالى: ?وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا الله? [آل عمران/135] وفي مسند الإمام أحمد أنه جيء بأسير، فقال: اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب لمحمد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (عَرَفَ الحق لأهله)(2) فالله تعالى هو أهل التقوى وأهل المغفرة، والله تعالى هو أهل التوبة، فإذا تاب لغير الله وقع في الشرك؛ لأنه صرف العبادة لغير الله.
فإذًا المؤلف رحمه الله يقول: الناقض الأول: الشرك في عبادة الله، وعرفنا أن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.
فإذا صرف أي نوع ثبت في الشرع أنه مأمور به، أو ثبت في الشرع أنه منهي عنه، وقع في الشرك، سواء ثبت في الشرع أنه مأمور به أمر إيجاب، أو أمر استحباب، أو نهى عنه الشرع نهي تحريم أو نهي تنزيه، فإذا فعل الأوامر لغير الله، أو ترك النواهي لغير الله فقد وقع في الشرك.
والمؤلف مثّل بالذبح، ومثله الدعاء، ومثله الاستعاذة، ومثله الاستغاثة، ومثله النذر، ومثله الركوع، ومثله السجود، ومثله الطواف، ومثله التوكل، ومثله الخوف، ومثله الرجاء، ومثله حلق الرأس، وغير ذلك من أنواع العبادة.
فإذا صرف واحدًا منها لغير الله فقد وقع في الشرك، وترتبت عليه الأحكام الآنفة الذكر.
]المتن]
الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكّل عليهم كَفَرَ إجماعًا.
] الشرح ]
الناقض الثاني: (من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم كفر إجماعاً)، أي: من جعل بينه وبين الله واسطة كأن يدعو الميت أو صاحب القبر، يقول: يا فلان، اشفع لي، اشفع لي عند الله، وهذا النوع وإن كان داخلا في النوع الأول إلا أنه أخص منه.
فالشرك في عبادة الله عام كأن يدعو غير الله، أو يذبح لغير الله، أو ينذر لغير الله.(1/7)
أما النوع الثاني: فهو أن يجعل بينه وبين الله واسطة، يزعم أنه ينقل حوائجه إلى الله، كأن يقول لصاحب القبر: يا فلان، اشفع لي عند الله، يا رسول الله، اشفع لي، يسأله الشفاعة، جعل الرسول واسطة بينه وبين الله، هذا شرك؛ لأنه دعا غير الله.
ومن دعا غير الله فقد أشرك، تشمله النصوص التي فيها: ?وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ? [يونس/106].
وقوله سبحانه وتعالى: ?فَلَا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ? [الشعراء/213].
وقوله: ?إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ? [لقمان/3]
وقوله: ?وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ? [المؤمنون/117] فسماه كافراً.
وقوله: ?وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ? [فاطر/14] ?وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ? [فاطر/13- 14] وهنا سمّاه الله شركاً.
فإذا من جعل بينه وبين الله وسائط، وهذه الواسطة يدعوهم من دون الله، أو يسأله الشفاعة، أو يتوكل عليه، والتوكل: معناه أن يعتمد بقلبه عليه، ويفوّض أمره إليه في حصول مطلوبه، فإنه يكفر بإجماع المسلمين؛ لأن هذا نوع من الشرك.
فالناقض الأول أعمّ، وهذا أخص، الناقض الأول (الشرك في عبادة الله) سواء كانت هذه العبادة دعاء، أو ذبحا، أو نذرا أو طاعة في التحليل والتحريم، أو ركوعا أو سجودا، عامٌّ.(1/8)
والناقض الثاني خاص، وهو مَن يجعل بينه وبين الله وسائط، واسطة يدعوه أو يسأله الشفاعة، أو يتوكل عليه، فجعل صاحب الميت واسطة بينه وبين الله، يقول: يا فلان، اشفع لي عند الله! يا فلان، انقل حاجتي إلى الله! وهكذا.
أو يسأله الشفاعة، أو يتوكل عليه، يعتمد عليه في حصول مطلوبه، يتوكل على هذا الميت مثلا، أو على هذا الحي أيضا، يتوكل عليه في أن ينجيه من النار، ويتوكل عليه في أن ينصره على عدوه، يتوكل عليه في أن ييسر له الرزق، يتوكل عليه في حصول الولد، يتوكل عليه في النجاة من النار، أو في دخول الجنة، هذا لا يقدر عليه إلا الله.
فمن جعل بينه وبين الله واسطة، سواء كان حيا أو ميتا؛ فإنه يكون مشركا، إنما الحي يُسأل في الشيء الذي يقدر عليه، تقول: يا فلان، أعني في إصلاح سيارتي، يا فلان، أقرضني مالا، يا فلان، أعِنِّي في إصلاح مزرعتي.
أما أن تسأل الحي في أن يغفر لك ذنبك، هذا ما لا يملكه، أو ينجيك من النار، أو تسأله في أن يرزقك، أو ينصرك على عدوك، أو لا يحرمك دخول الجنة، هذا ما لا يستطيعه، فهذا شرك.
والأدلة على هذا هي الأدلة التي فيها أن الشرك في العبادة كفر مخرج عن الملة، يعني الأدلة التي فيها تحريم الشرك، وتحريم دعاء غير الله، وتحريم سؤال غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، هي أدلة هذا النوع أو هذا الناقض من نواقض الإسلام، كقوله تعالى: ?وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ? [يونس/106] أي: المشركين
وقوله: ?وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا? [الجن/18]
ويقول: ?قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا? [الجن/20].
فمن جعل بينه وبين الله وسائط فقد أشرك؛ لأنه صرف العبادة لغير الله.
]المتن]
الثالث: مَن لم يُكَفّر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم كَفَرَ.
] الشرح](1/9)
الناقض الثالث من نواقض الإسلام: مَن لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر بالإجماع، و(المشرك) شامل لجميع الكفرة اليهود والنصارى والوثنيين والشيوعيين والملاحدة كلهم مشركون، يجمعهم شيء واحد وهو الشرك بالله عز وجل.
فاليهود مشركون؛ لأنهم لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وهذا شرك، والنصارى مشركون؛ لأنهم لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولأنهم يعبدون عيسى والوثنيون مشركون، والمجوس مشركون، والمنافقون مشركون. فمن لم يُكفِّر المشركين فهو كافر.
وكذلك مَن شك في كفر الكافر، مَن شك في أن اليهود كفار، أو شك في أن النصارى كفار، أو في أن الوثنيين كفار فهو كافر بهذا الشك.
(أو صحح مذهبهم) فيقول: إن اليهود على دين صحيح، أو النصارى على دين صحيح، أو لو قال لما سئل عن اليهود والنصارى أنا ما أقول فيهم شيئا، اليهود على دين، والنصارى على دين، والمسلمون على دين، مَن أحبّ أن يتدين بالإسلام أو باليهودية أو بالنصرانية فله ذلك، فهذا كفر بالإجماع؛ لأنه صحح مذهب المشركين ولأنه لم يكفِّر المشركين
وكذلك إذا شك قال: ما أدري هل هم كفار أو ليسوا كفارا؟ اليهود نزل عليهم كتاب التوراة، والنصارى نزل عليهم الإنجيل، والمسلمون نزل عليهم القرآن، ما أدري هل هم كفار أم ليسوا بكفار؟ يُكَفَّر إذا شك، لا بد أن يجزم بكفر اليهود والنصارى والوثنيين
والدليل على هذا قول الله تعالى: ?فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ باللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى? [البقرة/256] فمن لم يكَفِّر المشركين أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم؛ فإنه لم يكْفُر بالطاغوت، وليس هناك إيمان إلا بأمرين لا بد منهما:
الأمر الأول: الكفر بالطاغوت
والأمر الثاني: الإيمان بالله، والطاغوت: كل ما خالف الشرع، كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع سُمي طاغوتا، من الطغيان وهو مجاوزة الحد.(1/10)
ومعنى (الكفر بالطاغوت) هو أن تتبرأ من عبادة غير الله وتنفيها وتنكرها وتبغضها وتعاديها وتعادي أهلها، هذا هو الكفر بالطاغوت، البراءة من كل معبود سوى الله، وإنكار كل عبادة لغير الله، ونفيها وبغضها وبغض أهلها ومعاداتهم.
الأمر الثاني: الإيمان بالله
إذا فعلت الأمرين فأنت موحِّد، تكفر بالطاغوت وتؤمن بالله، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود بحق إلا الله، هذه كلمة التوحيد، وهي الكلمة التي تقي قائلها الشرك، كلمة التقوى، وهي الكلمة التي من أجلها أرسل الله الرسل، من أجلها انقسم الناس إلى شقيٌ وسعيد، من أجلها قام سوق الجهاد، من أجلها قامت القيامة، وحقت الحاقة، ووقعت الواقعة، ومن أجلها خُلقت الجنة والنار.
(لا إله إلا الله) معناها: لا معبود بحق إلا الله، وكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فيها الأمران، فيها كُفْرٌ وإيمانٌ: (لا إله) هذا كُفر بالطاغوت، (إلا الله) هذا إيمان بالله، (لا إله) هذا نفي العبادة عما سوى الله، فهذه الكلمة فيها كُفر بالطاغوت (لا إله) هذا كفر بالطاغوت، (إلا الله) هذا الإيمان بالله، (لا إله) نفي لكل عبادة لغير الله، تنفي العبادة عن غير الله عز وجل، (إلا الله) تثبت العبادة بجميع أنواعها لله.
فمن لم يكفّر المشركين ما كفر بالطاغوت، أقرّ الشرك، من شك في كفر اليهود والنصارى أو صحح مذهبهم ما كفر بالطاغوت، فلا يكون مؤمنا، إذًا الدليل على أن من لم يكفّر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر الدليل قول الله تعالى: ?فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ باللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى? [البقرة/256] .(1/11)
فمن لم يكفِّر المشركين أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، فإنه لم يكفُر بالطاغوت، ومن لم يكفر بالطاغوت لم يؤمن بالله، ولم يحقق كلمة التوحيد، وإنما نَاقَضَهَا، فيكون عمله هذا ناقضا لكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) لأن كلمة التوحيد فيها كفر بالطاغوت وإيمان بالله.
إذًا ليس هناك توحيد ولا إيمان إلا بأمرين: كفر بالطاغوت، وإيمان بالله؛ ولهذا كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فيها نفي وإثبات، لو قال إنسان: الله هو المعبود، أنا أوَحِّد الله، وأعبد الله، يكون مؤمنا؟ لا.
لو قال شخص: الله المعبود، أنا أعبد الله، نقول: هذا ليس بتوحيد، ما يكفي كونك تعبد الله، بل لا بد أن تنكر عبادة كل معبود سوى الله، لا بد أن تأتي بالنفي والإثبات، (لا إله إلا الله) حصر، نفي وإثبات، لا بد من الأمرين.
ولو قال شخص: أنا أعبد الله فقط، هل أنا موحِّد؟ نقول: لا، ما يكفي كونك تعبد الله، لا بد أن تعبد الله ومع ذلك تنفي العبادة عن غير الله، وهذا هو الكفر بالطاغوت، وهذا ما يحصل إلا بالنفي والإثبات (لا إله إلا الله).
فإذن الدليل على الناقض الثالث قول الله تعالى: ?فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ باللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا? [البقرة/256].
وكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فيها تَخْلية وتَحْلية، ما معنى: تخلية وتحلية؟
أولا التخلية: هو أن تنفي العبادة عن غير الله، فإذا نفيت وأنكرت عبادة كل معبود سوى الله، بعد ذلك تأتي التحلية فتثبت العبادة لله عز وجل، (لا إله) هذه التخلية، نفيت العبادة عن غير الله، (إلا الله) تحلية، أثبتّ العبادة لله، (لا إله) هذا هو الكفر بالطاغوت، (إلا الله) هذا هو الإيمان بالله.
]المتن]
الرابع: مَن اعتقد أن غير هدْي النبي صلى الله عليه وسلم أكملُ مِن هديه، أو أن حُكْمَ غيرِه أحسنُ من حكمه، كالذي يفضِّل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافِرٌ.
] الشرح](1/12)
الرابع من نواقض الإسلام: أن من اعتقد أن غير هدْي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هَدْيه، أو أن حُكمه أحسن من حكمه كَفَرَ إجماعا، كالذين يفضلون حُكم الطواغيت على حكم الله ورسوله.
فمن اعتقد أن هناك هدْيًا أكمل من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أو أن هناك حكما أحسن من حكمه؛ فإنه يكون كافرًا، دليل ذلك: أنه لم يشهد أن محمداً رسول الله؛ لأن شهادة (محمداً رسول الله) تقتضي طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
فمن اعتقد أن هناك هديا أكمل من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أو أن حُكما أحسن من حكمه؛ فإنه لم يشهد أن محمدا رسول الله، وشهادته أن محمدا رسول الله باطلة.
حتى لو اعتقد أن هناك هدياً مساوياً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم أو أن هناك حكماً مماثلا لحُكم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكفر.
وكذا لو اعتقد أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أحسن، وأن حكمه أكمل، لكن قال: يجوز أن تهتدي بغير هدي الرسول، ويجوز أن تتحاكم إلى غير حكم الرسول؛ فإنه يكفر؛ لأنه استحل أمرا معلوما من الدين بالضرورة تحريمه.
فمن قال: إن هدي الرسول أحسن الهدي، لكن ما فيه مانع إنك تهتدي بهدي غيره، ولو كان هدي الرسول أحسن، أو قال: حكم الرسول أحسن من حُكم القوانين، لكن يجوز الحكم بالقوانين؛ فإنه يكفر.
فلا يجوز الحكم بالقوانين ولو كنت تعتقد أن حكم الشريعة أحسن؛ لأنه في هذه الحالة استحللت أمراً محرماً معلوماً من الدين بالضرورة، مثله مثل من يقول: الزنا حلال، ولكني لا أزني، أو قال: الربا حلال، لكني لا أتعامل بالربا، هذا يكفر؛ لأن الربا والزنا حرام، وكونك تستحله وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة، هذا كفر.(1/13)
وكذلك إذا قال: الحكم بالقوانين جائز، ولكن الحكم بالشريعة أحسن، نقول: لا، كونك تجيز الحكم بالقوانين، هذا كفر ورِدَّة؛ لأنك استحللت أمرا محرما معلوما من الدين بالضرورة، فالحكم بالقوانين هذا حرام بالإجماع، مثل الزنا حرام بالإجماع، ومثل الربا حرام بالإجماع.
فمَن قال: الزنا حلال كفر، مَن قال: الربا حلال كفر، من قال: يجوز الحكم بالقوانين كفر، ولو كان يعتقد أن الحكم بالشريعة أحسن، فإذا اعتقد أن هناك هديا أحسن من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام أو مماثلاً أو أقل، مع جواز الاهتداء بغير هديه؛ كفر.
وكذلك من اعتقد أنه يجوز الحكم بغير حكم الله ورسوله، سواء اعتقد أن حكم الله أحسن أو أقل أو مماثل، فإنه يكون كافرا؛ لأنه استحل أمرا معلوما من الدين بالضرورة، والدليل: أنه لم يشهد أن محمدا رسول الله، ومن لم يشهد أن محمداً رسول الله، فإنه كافر؛ لأن شهادة أن محمداً رسول الله تقتضي التحاكم إلى شريعته، واعتقاد أنه لا يجوز التحاكم إلى غير شريعته، واعتقاد أنه لا يجوز الاهتداء بغير هديه عليه الصلاة والسلام.
]المتن]
الخامس: مَن أبْغَضَ شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عَمِل به كَفَرَ.
] الشرح]
الخامس: أن مَن أبْغَضَ شيئا مما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام ولو عمل به كفَرَ.
الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بشرعية الصلاة، جاء بشرعية الزكاة، جاء بشرعية تعدُّد الزوجات، فمن أبغضَ هذه الأحكام الشرعية وغيرها مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كَفَر.
ولهذا فإنه ينبغي أن يفهم النساء بأن لا يكرهن (تعدد الزوجات) لأن هذا حكم الله ورسوله، لكن كون عندها كراهة طبيعية لهذا الشيء، وأنها لا تحبه، وهي لا تكره الحكم الشرعي ذاته، لا يضرها ذلك، أو لكون بعض الرجال لا يعْدِل فهي تكره أن يُعدد لهذا السبب، فهذا لا بأس.(1/14)
أما أن تكره الحكم الشرعي، وهو التعدد، فهذا يكون رِدَّة - والعياذ بالله - لأنها كرهت حكما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والدليل على هذا قول الله تعالى: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ? [محمد/9] فمن كره شيئا مما أنزله الله، أو مما شرعه الله ورسوله، فإنه يكون كافراً.
فإذا أبغضَ تشريع الصلاة، أو تشريع الزكاة، أو تشريع الصوم، أو تشريع الحج، أو تشريع تعدد الزوجات، أو كره ذلك، أو أبغضه؛ فإنه يكون كافرا؛ لأن ذلك ينافي الإيمان؛ لأن حب الله ورسوله لا بد منه، مَن لم يحب الله ورسوله فهو كافر، لكن كمال المحبة تقديم محبة الله ومحبة رسوله على كل شيء، لكن أصل المحبة لا بد منه.
فإذًا من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام أو مما جاء عن الله تعالى في كتابه أو كره ذلك، أو أبغض الله أو أبغض رسوله؛ فإنه يكون كافرا مرتدًّا؛ لقول الله عز وجل: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ? [محمد/9] ؛ ولأن هذا البغض ينافي الإيمان؛ ولأن محبة الله ورسوله أصل الإيمان.
ومن أبغض شيئاً مما جاء به الرسول أو كره شيئاً مما جاء به الرسول؛ فإنه يقتضي عدم محبة الله ورسوله، وهذا كفر ورِدَّة، نسأل الله السلامة والعافية.
]المتن]
السادس: مَن استهزأ بشيء مِن دين الرسول صلى الله عليه وسلم، أو ثواب الله، أو عقابه، كَفَرَ.
والدليل قوله تعالى: ? قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ?.
] الشرح]
السادس: من استهزأ بشيء مما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، أو ثوابه أو عقابه فإنه يكفر.(1/15)
فإذا استهزأ بالصلاة كفَر، إذا استهزأ بالزكاة كفَر، إذا استهزأ بالصوم كفر، إذا استهزأ بالمصلين أي: سخرية بهذه الصلاة التي يصليها المسلم كفر، أو استهزأ باللحية كفر؛ لأن كراهة اللحية كراهة لما جاء به الإسلام من الأمر بإعفاء اللحية على لسان رسوله كفر، أما إذا سخر من الشخص لذاته أو لشخصه فلا يكفر.
وكذلك إذا استهزأ بالجنة، قال: كيف الجنة؟! الجنة ثواب المؤمنين! سخر بهذا، أو استهزأ بالنار، قال: النار عقاب للكافرين! استهزأ بها وسخر، يكفُر والعياذ بالله، أو قلت: من قال: لا إله إلا الله غُفرت ذنوبه، (مَن قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة غُفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)(3) فاستهزأ بهذا الثواب سخرية؛ لأنه لم يصح عنده، فإنه يكفر.
فإذا استهزأ بشيء من دين الرسول عليه الصلاة والسلام أو استهزأ بالثواب الذي أعدَّه الله للمطيع، أو أعدَّه الله على العمل الصالح، أو العقوبة التي أعدها الله للعاصي، أو للكافر؛ فإنه يكفر، والدليل قول الله تعالى في "سورة التوبة": ?قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? [التوبة/65] أَثْبَتَ لهم الكفر بعد الإيمان.
وهذه الآية نزلت في جماعة من المجاهدين في غزوة تبوك استهزءوا بالرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه القرّاء كما جاء في الحديث، قال بعضهم لبعض: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء يعنون الرسول -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه القراء أرْغَبَ بطونا، ولا أكذبَ ألسنا، ولا أجْبَنَ عند اللقاء!(1/16)
أي يقولون: ما رأينا منهم في كثرة الأكل، وكذب الحديث، والجُبن عند قتال الأعداء، فسمعها عوف بن مالك سمعهم وهم يتحدثون، فقال للقائل: كذبتَ ولكنك منافق، لأخبرنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره، فلما جاء إليه، وجد الوحي قد سبقه، وأنزل الله هذه الآية: ?قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? [التوبة/65].
وجاء هذا الرجل الذي تكلم بهذا الكلام يعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم ويقول: يا رسول الله، ما لي قصد، إنما تكلمت بكلام نقطع به عنا الطريق. مثلما يقول بعضنا: حكايات نقطع بها عنا الطريق، ما لي قصد يا رسول الله، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد سوى أن يتلو عليه هذه الآية: ?قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? [التوبة/65].
والرجل متعلق بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الحبل الذي في بطن البعير، ورجلاه تخط بالأرض، والحجارة تنكب رجليه، وهو يبالغ في الاعتذار، ويقول: يا رسول الله، ما قصدت، إنما كلام نقطع به عنا الطريق، والرسول عليه الصلاة والسلام لا يزيد سوى أن يقرأ عليه هذه الآية: ?قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? [التوبة/65] فأثبت لهم الكفر بعد الإيمان ?لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ?.
فإذا كان هؤلاء سخروا بالرسول والصحابة، وقالوا: إنهم يأكلون كثيرا، ويكذبون في الحديث، ويجبُنون عند اللقاء، فكيف بمن سخر بدين الرسول عليه الصلاة والسلام! فتناول الآية إياهم من باب أولى.
]المتن]
السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر،(1/17)
والدليل قوله تعالى: ?وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ?. [البقرة/102]
] الشرح]
السابع من نواقض الإسلام: السحر، ومنه الصرف والعطف، فمَن فعله أو رضي به كفر، والدليل قول الله تعالى: ?وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ? [البقرة/102]
والسحر هو في اللغة: عبارة عما خفي ولطف سببه.
وفي الشرع: هو عبارة عن عزائم ورُقى وعُقد، وأدوية وتدخينات تؤثر في القلوب والأبدان فتمرُض وتقتل وتفرق بين المرء وزوجه.
وسمي السحر سحرًا؛ لأن الساحر يؤثر في الخفاء، يعمل عزائم أو رُقَى، أو عقد تؤثر في الخفاء في القلوب والأبدان، قد تؤثر بالمرض، وقد تؤثر بالقتل، وقد تؤثر بالتفريق بين الزوج وزوجه.
فالساحر الذي يتصل بالشياطين لا بد أن يقع في الشرك؛ لأن الساحر الذي يتصل بالشيطان بينهما خدمة متبادلة، وهناك عقد، يعقد الشيطان الجني مع الساحر عقد، بمقتضى هذا العقد يكفر الإنسي الساحر، ولا بد أن يكفر، لأن الشيطان يطلب منه أن يتقرب إليه بالشركيات التي يريدها: كأن يطلب منه أن يلطخ المصحف بالنجاسة، أو يبول على المصحف، أو يذبح له.
فإذا فعل الشركَ الساحرُ خَدَمَه الجني بأن يستجيب لمطالبه، إذا أمره أن يلطم شخصا لطمه، أن يقتل شخصا قتله. أن يأتي له بشيء، يأتي له بالأخبار وغيرها لكن لا يستطيع الجني أن يفعل شيئا إلا بإذن الله الكوني القدري قال تعالى: ?وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ? [البقرة/102].(1/18)
فإذًا السحر شرك، فمن فعل السحر: تعلمه، أو علمه، أو فعله، أو رضي به، كفر؛ لأن الراضي كالفاعل، من رضي بالشرك فهو مشرك، والدليل قول الله تعالى: ?وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ? [البقرة :102] في قصة الملَكين اللذين أُنْزِلَا إلى الأرض وفُتِنَا، فإذا جاءهما أحد يطلب أن يعلِّمَاه السحر نصحاه ونَهَيَاه أشد النهي، وقالا له: ?إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ? [البقرة/102] فإذا أصر علماه.
ولقول الله عز وجل: ?وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ? [البقرة/102] فكفروا بتعليم الناس السحر، فالسحر كفر ورِدّة، من فعل السحر أو رضي به فهو كافر.
(ومنه الصرف والعطف) الصرف: يصرف المرأة عن زوجها، والزوج عن امرأته، يعمل لهم سحرا بحيث إن الرجل إذا جاء إلى امرأته رآها في صورة قبيحة، فينفر منها، ولا يريد أن يقربها. أو الزوجة يكرِّهها في زوجها، إذا رأت زوجها رأته في صورة قبيحة، ما تطيق النظر إليه، فيحصل الفراق بينهما، ليس في أحدهما ما ينفر الآخر، لكن الساحر عمل لهما سحرا، فهذا هو الصرف، صرفها عنه، وصرفه عنها.
والعطف بالعكس، العطف يعني: يحبِّب المرأة، يجعل له سحرا بحيث إنه يميل إلى المرأة، ويحسنها ولو كانت قبيحة، ولو كانت دميمة الخلقة، يجعلها من أحسن الناس وأجمل الناس، وكذلك أيضاً إذا سحر المرأة يجعلها تنظر إلى زوجها أنه أحسن الناس، وأجمل الناس وإن كان كريها، وإن كان دميم الخلقة، هذا هو العطف، عطَفَها عليه، وعطفه عليها، فهذا من السحر.
ومنه التِّوَلَة، وهو شيء يصنعه السحرة، ويعطونه للزوج أو للزوجة يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى امرأته.(1/19)
فمن فعل السحر، أو تعلم السحر، أو علمه، أو رضي به، ومنه الصرف والعطف، فإنه يكون كافراً؛ لأنه أشرك بالله عز وجل، والدليل الآية: ?وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ? [البقرة/102]
وقوله سبحانه: ?فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ? [البقرة/102]
وقوله سبحانه: ?وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ? [البقرة/102].
ولكن السحرة لا يضرون أحدا إلا إذا قدَّر الله شيئا، إذا قدر الله الضرر حصَل، قال تعالى: ?وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ? [البقرة/102] يعني: إلا بإذن الله الكوني القدري.
]المتن]
الثامن: مُظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى: ?وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ? [المائدة/51]
] الشرح]
الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى: ?وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ? [المائدة/51] المظاهرة والمعاونة بمعنى واحد، مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين يعني: يساعد المشركين على المسلمين كأن يكون هناك قتال بين المسلمين والكفار ثم يعين الكفار على المسلمين
يساعدهم بأي شيء: بالمال أو بالسلاح أو بالرأي، فإذا ساعد الكفار على المسلمين فإنه يكفر لأنه فضّل المشركين على المسلمين وهذا التفضيل يستلزم أنه يبغض الإسلام ويبغض الله ورسوله، وهذا كفر وردة.(1/20)
فمن أبغض الله أو أبغض رسوله أو أبغض شيئا مما جاء به الرسول، فإنه يكون كافرًا، قال تعالى: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ? [محمد/9] ومن لم يحب الله ورسوله فإنه كافر، أصل المحبة لا بد منها، لكن الكمال كون الإنسان يقدم محبة الله ومحبة رسوله على الأهل والأولاد والمال، فإذا قدم شيئا من المال أو الأهل أو غيره على محبة الله ورسوله يكون عاصيا ناقص الإيمان.
لكن إذا لم يحب الله ورسوله؛ فإنه يكون كافرا، والذي يظاهر ويعاون المشركين على المسلمين هذا لا يحب الله ورسوله، مبغض لله ولرسوله، كاره لله ولرسوله، كاره لما أنزل الله فيدخل في قوله تعالى: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ? [محمد/9] .
والدليل الخاص بهذا أن المظاهرة كفر هذه الآية الكريمة من "سورة المائدة": ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ? [المائدة/51] هذه من التولي، التولي: محبة المشركين وهو كفر ورِدّة.
أصل محبة المشركين كفر ورِدّة، وينشأ عن هذه المحبة المساعدة، مساعدتهم على المسلمين فإذًا من ظاهر المشركين على المسلمين فإن هذا دليل على أنه تولى المشركين وتولي المشركين رِدَّة.
وهناك فرق بين التولي وبين الموالاة: التولي، تولي الكفرة ردة، أما الموالاة، يعني: محبتهم ومعاشرتهم ومصادقتهم هذا كبيرة، أما التولي فهو ردة، وأصل التولي: المحبة في القلب، ثم ينشأ عنها المساعدة والمعاونة، فكونه يساعد المشركين على المسلمين بالمال أو بالسلاح أو بالرأي، فهذا دليل على أنه تولى المشركين وأحبهم وهذا كفر بنص القرآن.(1/21)
قال الله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ? [المائدة/51] لا تتولوهم ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ? [المائدة/51] الكفار بعضهم أولياء بعض، ?وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ? يعني: الكفرة ?مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ? من يتولى الكفرة منكم أيها المسلمون فإنه منهم، كافر مثلهم، ?وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ? [المائدة/51].
الثامن: معاونة ومساعدة ومظاهرة المشركين على المسلمين هذه ردة؛ لأن هذا من التولي للكفرة وتولي الكفرة ردة عن الإسلام بنص القرآن.
]المتن]
التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وَسِع الخَضِر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر.
] الشرح]
التاسع: من اعتقد أن أحدًا يسعُه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى فهو كافر، والدليل قوله تعالى: ?وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ? [آل عمران/85].
فمن اعتقد أن أحدا يسعه الخروج عن شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام- كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى فهو كافر؛ وذلك أن شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- عامة لجميع الثَّقَلَيْن: الجن والإنس وللعرب والعجم
ولأن شريعة نبينا محمد هي الشريعة الخاتمة، وهي الناسخة لجميع الشرائع، قال الله تعالى: ?تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا? [الفرقان/1]
وقال تعالى: ?وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا? [النساء/79](1/22)
وقال سبحانه وتعالى: ?قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا? [الأعراف/158].
وقال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار)(4)
وقال عليه الصلاة والسلام: (أُعطيتُ خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسيرة شهر، وأُعطيت الشفاعة)(5)
وذكر منها: (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة)(6)
فمن اعتقد أن أحدًا يجوز له أن يخرج على شريعة محمد ويتعبّد لله بشريعة أخرى، فهو كافر، لماذا؟ لأن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم شريعة عامة، للجني والإنس وللعرب والعجم؛ ولأنها ناسخة لجميع الشرائع؛ ولأنه بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم صارت رسالته عامة لجميع من يوجد إلى يوم القيامة، بخلاف شريعة موسى ليست عامة، بل هي خاصة ببني إسرائيل
ولهذا وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى؛ ولأن الخضر على الصحيح نبي يوحى إليه؛ ولهذا جاء موسى عليه السلام ليتعلم من الخضر كما قص الله علينا ذلك في "سورة الكهف".
وكما ثبت في الحديث الصحيح: أن موسى خطب الناس، فسأله رجل، فقال: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ قال لا، فعتب الله عليه إذ لم يَرُدّ العلم إليه، فقال: بلى، عبدُنا الخضر أعلم منك (وهذا في صحيح البخاري) فقال يا رب، أين أجده؟ قال الله: في مجمع البحرين.(7)
فسافر موسى ليتعلم من الخضر ركب البحر هو وفتاه يوشع بن نون وهي رحلة في طلب العلم، وجعل الله له علامة يجده، وهو أنه إذا فقد الحوت فإنه يجده، فأخذا معهما حوتا، فلما فقداه وجداه، فجاءا إليه وهو مسجى بثوب، قال موسى السلام، فرفع كشف الغطاء عن وجهه، وقال وأنّى بأرضك السلام؟
فقال: مَن أنت؟ قال: أنا موسى قال: من؟ موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: ما جاء بك؟ قال: جئت لأتعلم منك. فقال: أما يكفيك التوراة التي أنزلها الله عليك!(1/23)
وهذا فيه دليل على أن الإنسان مهما بلغ يحتاج إلى الزيادة من العلم: ?وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا? [طه/114] فهذا موسى عليه الصلاة والسلام وهو نبي كريم، ومن أولى العزم الخمسة، ومع ذلك راح يستزيد من طلب العلم.
إذًا الخضر ما التزم بشريعته، قال: إني جئت أتعلم منك، قال: لا تستطيع، قال: إن شاء الله ستجدني صابرا، قال: إن أردت ذلك فلا تسألني عن شيء حتى أُحْدث لك منه ذكرا، لكن سترى شيئا لا تصبر عليه، قال: لا، إن شاء الله ستجدني صابراً ?سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا? [الكهف/69] .
فجعلوا يمشون على ساحل البحر، فمرّت بهم سفينة، فأشار لها الخضر فوقفوا؛ لأنهم يعرفون الخضر ويعرفون موسى فأركبوهم بدون أُجرة، فلما أركبوهم، أخذ الخضر الفأس، وجعل يخرق السفينة حتى خرج الماء.
فاستغرب موسى ما صبر، قال: سبحان الله! ناسٌ أحسنوا إلينا، وحملونا بدون أجرة، تخرب سفينتهم، تخرقها?لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا? [الكهف/71] أنكر عليه، فقال له الخضر ?أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا? [الكهف/72] قلت: إنك ما تستطيع، فقال ?لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا? [الكهف/73].
فلما نزلوا جعلوا يمشون في حيّ من الأحياء فوجد غلاما يمشي صغيرا، فأخذه وقلع رقبته ورماها كأنها كرة، قتله، فانزعج موسى انزعاجا عظيما: سبحان الله! ?أقتلت نفساً بغير نفس لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا? [الكهف/74].(1/24)
فشدّد عليه الخضر ?قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا? [الكهف/75] الأول قال: ألم أقل؟ والثانية قال ?أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا? [الكهف/75] قلت لك: لا تستطيع، فقال: هذه آخر مرة، إن سألتك بعد هذه المرة، يكون الفراق بيني وبينك ?قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي? [الكهف/76].
ثم بعد ذلك مروا بقوم في قرية أو بلدة فاستضافوهم، لكنهم لؤماء فلم يضيفوهم، طردوهم، ما أعطوهم حق الضيافة، فوجد جدارا يريد أن ينقض، فجعل الخضر يشتغل ويعمل، ويقول: لا بد من إقامة هذا الجدار، فقال: سبحان الله! ناس لؤماء ما ضيفونا، ومع هذا تعمل لهم؟! ?قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ? [الكهف/78] انتهى الأمر.
ثم بيَّن له بعد ذلك وقال: السفينة هذه خرقتها؛ لأنها لمساكين يعملون في البحر، وكان وراءهم ملك ظالم يأخذ السفينة الصالحة، وأنا أردت أجعل فيها عيبا حتى تبقى للمساكين، والخرق هذا أسده، وتَسلم السفينة للمساكين؛ لأنه لو ما جعلت فيها عيبا أخذها هذا الملك الظالم.
وهذا الغلام لو عاش كان كافرا، وسيرهق والديه طغيانا وكفرا، وسيرزقهم الله خيرا منه.
وأما الجدار، فهذا تحته كنز لغلامين يتيمين في المدينة، وكان أبوهما صالحا، فلو تُرك وسقط، ضاع المال، لكن أنا أبنيه حتى يبقى ويعرف مكان المال.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله موسى لو صبر لقص الله علينا من خبرهما)(8)
الخضر قال: يا موسى أنت على عِلم من علم الله علَّمَكَهُ لا أعلمُه، وأنا على عِلم من علم الله علمني الله لا تعلمه.
ولما مر عصفور، ونقر في البحر وأخذ منه، قال الخضر: ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما ينقص هذا العصفور بمنقاره من البحر.(1/25)
فإذًا الخضر ما التزم بشريعة موسى؛ لأنه ليس من بني إسرائيل فمن زعم أنه يجوز له الخروج عن شريعة محمد كما جاز الخضر الخروج عن شريعة موسى فهو كافر، لماذا؟ لأمرين:
الأمر الأول: أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم عامة، وشريعة موسى خاصة.
وثانيا: الخضر ليس ملزما بشريعة موسى أما نحن فملزمون بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
وثالثا: أن الخضر نبي يوحَى إليه على الصحيح، فهو على شريعة، وموسى على شريعة، فمن اعتقد أو أجاز له أو لغيره ألا يلتزم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم وأن يتعبد لله من طريق غير الشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر بإجماع المسلمين؛ لأن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم عامة للثقلَيْن الجن والإنس؛ ولأنه لم يشهد أن محمدا رسول الله.
فمن قال: إن شريعة محمد خاصة، أو النبوة خاصة بالعرب أو أن بعده نبيا؛ فإنه لم يشهد أن محمدًا رسول الله، وحينئذ يكون كافراً ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار)(9)
]المتن]
العاشر: الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلمه ولا يعمل به،
والدليل قوله تعالى: ?وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ? [السجدة/22]
] الشرح]
العاشر: الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعبد الله، فهذا ناقض من نواقض الإسلام، فمن أعرَض عن دين الله، لا يتعلم دين الله ولا يعبد الله فهو كافر؛ لأنه في هذه الحالة يكون عابدا للشيطان، ليس هناك أحد لا يعبد، ليس هناك أحد ليس له معبود، كل أحد في الدنيا له معبود، من لم يعبد الله عبَدَ الشيطان ولا بد.(1/26)
وهذا هو الذي يقول عنه بعض الناس: متحلل من الأديان، لا يتعلم الدين، ولا يعبد الله, هذا إذًا يعبد الشيطان؛ لأن الشيطان هو الذي أمره بذلك، فإذًا يكون هذا عابدا للشيطان، ليس هناك أحد إلا وله معبود، الوثني له معبود، واليهودي له معبود، والنصراني له معبود، المسلم يعبد الله، وغير المسلم يعبد الشيطان.
فهذا الذي يزعم أنه لا يتعلم الدين ولا يعبد الله أطاع الشيطان وعبد الشيطان، فهو الذي أمره بذلك فصار عابدا للشيطان، فمن أعرض عن دين الله، لا يتعلم دين الله ولا يعبد الله مطلقا، لا يعبد الله بالدعاء، ولا بالصلاة، ولا بالحب، ولا بالقول، ولا بالإيمان، ولا بالاعتقاد أن الله هو الخالق الرازق المدبر، وأنه المعبود بالحق، فهذا كافر بإعراضه.
قال الله تعالى: ?وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ? [السجدة/22] قال تعالى: ?وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ? [الكهف/57]
وقال سبحانه: ?وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ? [الأحقاف/3] هذه أدلة.
فالكفار يعرضون عما أنذروا من الإيمان بالله ورسوله والعمل بهذا الدين، وقال سبحانه: ?وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ? [السجدة/22] فإذًا مَن أعرض عن دين الله لا يتعلم الدين، ولا يعبد الله، هذا كافر، يسميه بعض الناس ملحداً، متحللاً من الأديان، في الحقيقة هو عابد للشيطان، ليس هناك أحد من الخلق إلا وهو يعبد، من لم يعبد الله عبد الشيطان.
]المتن](1/27)
ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المُكْرَه، وكلها من أعظم ما يكون خطراً، ومِن أكثر ما يكون وقوعاً، فينبغي للمسلم أن يحذرها، ويخاف منها على نفسه نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم.
] الشرح]
يقول المؤلف رحمه الله: لا فرق في هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المُكره، وكل هذه النواقض من أعظم ما يكون خطرا، ويكثر وقوعها في الناس، فينبغي للإنسان أن يحذر من هذه النواقض؛ لأنه كثير من الناس يقع فيها، ولأن الخطر عظيم -نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه.
وهذه النواقض يقول المؤلف: لا فرق بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره، فعندنا حالات: أولا: فعل ناقضا من نواقض الإسلام، فعله هازلا، مثل شخص استهزأ بالصلاة، استهزأ بالدين، يمزح يسخر، يكفر أو لا يكفر؟ الجواب: يكفُر.
شخص جاد، يسخر بالدين جازما، يكفُر، سواء كان ساخرا أو جادا، شخص آخر فعل ناقضا من نواقض الإسلام خائفا على نفسه، أو خائفا على ماله، أو على ولده، يكفر، ولو كان خائفا، فقد فعل ناقضا، سبّ الإسلام، وسب دين الإسلام عند شخص حتى يبقى ماله لا يؤخذ؛ لأنه يخشى إذا ما سب الإسلام أُخِذَ ماله، يخشى على ماله، أو يخشى على نفسه أو على ولده، يكفر أو لا يكفُر؟ يكفر.
فإذًا من فعل ناقضا من نواقض الإسلام هازلا يكفُر، جادًّا، يكفُر، خائفا، يكفر، إلا المُكره، إذا فعلها مع الإكراه بشرط أن يكون قلبه مطمئنا بالإيمان.
أما إذا اطمئن قلبه بالكفر فيكفر أيضا، مثل إنسان وضع السيف على رقبته وقيل: تكفر وإلا قتلناك، هذا إذا تكلم بكلمة الكفر بشرط أن يكون قلبه مطمئنا بالإيمان، لا يكفُر.
أما إذا لما وضع السيف على رقبته جازما بالكفر والعياذ بالله، كفر وقلبه مطمئن بالكفر يكفر أيضاً نعوذ بالله.
فتكون الحالات خمساً: أربع حالات يكفر، والخامسة لا يكفر:(1/28)
الحالة الأولى: فعل الكفر، أو ناقضاً من نواقض الإسلام: مازحاً هازلاً يكفر.
الحالة الثانية: فعل الكفر، أو ناقضاً من نواقض الإسلام جادًّا، يكفُر.
الحالة الثالثة: فعل الكفر خائفاً، يكفُر.
الحالة الرابعة: فعل الكفر مكرهاً، واطمئن قلبه بالكفر، لمّا أُكره جاز له الكفر، يكفُر
الحالة الخامسة: فعل الكفر مكرهاً، واطمئن قلبه بالإيمان، لا يكفُر.
تكون خمس حالات، أربع حالات يكفُر، والحالة الخامسة لا يكفُر، ما الدليل؟ قد يقول بعض الناس: إنه خائف على نفسه أو أهله أو ماله، يتكلم بكلمة الكفر حتى يبقى ماله، نقول: هذا كفر، قال تعالى: ?مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ? [النحل/106]
إذًا استثنى الرب سبحانه وتعالى حالة واحدة، المُكره، بشرط أن يكون قلبه: ?إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ? م قال الله سبحانه: ?وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ ولهمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ? [النحل/106- 107].
فالذي يكفر لأجل المال أو خوفا على ماله أو أهله، فقد استحب الدنيا على الآخرة قدم الدنيا على دينه ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ ?. [النحل/107]
فإذًا إذا فعل الكفر خوفا على أهله، أو خوفا على ماله، أو خوفا على نفسه؛ فإنه يكفر، ولا يعذر بالخوف؛ لقول الله تعالى: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ ? [النحل/107]
وكذلك إذا فعل الكفر هازلا، وكذلك إذا فعله جادا، وكذلك إذا فعله مكرها واطمئن قلبه بالكفر، ولا يستثنى إلا المكره إذا اطمئن قلبه بالإيمان.(1/29)
والمراد بالمكره، ما كان تحت التهديد، أي: يكون إكراها ملجما بأن يوضع السيف على رقبته، أو يهدد من شخص قادر، أو يعلم أنه ينفذ في الحال، فهذا يكون مكرها!
فإذا اطمئن قلبه بالإيمان فلا يضر كونه يتكلم بكلمة الكفر، أو يفعل الكفر، أما مسألة الخوف، أي: مجرد الخوف فقط، فهذا لا يبيح له الكفر، الخوف على نفسه أو أهله أو ماله؛ فإنه يكون كافرا.
ونسأل الله السلامة والعافية، ونعوذ بالله من الشرك والكفر، والنفاق والشقاق، وسوء الأخلاق، نسأله سبحانه وتعالى أن يتوفانا على الإسلام، نسأله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على دينه، وأن يعيذنا من مضلات الفتن، غير مغيِّرين ولا مبدلين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين
]الأسئلة[
* هذا يسأل عن حكم الحاكم الذي يحكِّم القوانين الوضعية الفرنسية، مع العلم أنه يدعي الإسلام، ويصلي ويصوم ويحج، ماذا يقال عنه؟
إذا كان يعتقد أنه يجوز الحكم بالقوانين الفرنسية والقواعد الفرنسية فإنه كافر، أما إذا لم يعتقد هذا أو كان له شبهة فلا بد من قيام الحجة عليه.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا غير الدين كله في جميع أمور الدولة؛ فإنه يكون كافرا؛ لأنه بدّل الدين، وذهب إلى هذا الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره، والشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في (رسالة تحكيم القوانين) قال: "إذا بدّل الدين كله رأساً على عقب في جميع شئون الدولة في كل شيء لا في البعض فإنه يكون كافرا؛ لأنه بدل الدين".
وقال آخرون: إنه لا بد أيضاً من قيام الحجة عليه؛ لأنه قد يكون جاهلا، قد يكون عنده شبهة، واختار هذا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه.
* فضيلة الشيخ، هناك من يدعو إلى التقريب بين مذهب أهل السنة والجماعة ومذهب الرافضة والإثنا عشرية وغيرهم، وأنهم جميعاً مسلمون فيدعون إلى التقريب بينهم، ضد العدو الأصلي للإسلام اليهود والنصارى فما حكم ذلك؟(1/30)
كيف يمكن التقريب؟ والرافضة مذهبهم تكذيب الله ورسوله؛ فإن الله تعالى زكّى الصحابة وعدلهم ووعدهم بالجنة، ورضي عنهم، وهم يكفرونهم، وتكفيرهم تكذيبٌ لله!
وكيف يمكن التقريب بينهم، وهم يعبدون آل البيت ويتوسلون بهم من دون الله، لا يمكن وهم على الكفر.
فلا يمكن التقريب بين الإيمان والكفر، نسأل الله السلامة والعافية؛ ولأنهم يزعمون أن القرآن غير محفوظ، وأنه لم يبقَ إلا الثلث، وهذا تكذيب لله لقوله تعالى: ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ? [الحجر/9] فلا يمكن التقريب بين الإسلام والكفر.
* هذا كذلك يسأل عن: حُكم الذي لا يكفِّر اليهود ولا النصارى ويقول: هم إخواننا، وكلنا أولاد إبراهيم عليه الصلاة والسلام؟
هذا سبق، هذا الناقض الثالث من نواقض الإسلام، مر بنا أن من لم يكفِّر المشركين أو شك في كفرهم، ولو مجرد الشك، أو صحح مذهبهم فهو كافر.
من قال: اليهود والنصارى على دين، هم على دين إبراهيم أو قال: هم على الشريعة، اليهود على شريعة التوراة، والنصارى على شريعة الإنجيل، والمسلمون على شريعة القرآن، وكلٌّ على حق، وكلهم حق، مَن أحب أن يتدين بهذا أو بهذا أو بهذا فهو حق، هذا كافر بإجماع المسلمين
بل من شك في كفره فهو كافر، لا بد أن تعتقد أن اليهود كفار، وأنهم على باطل، والنصارى على دين باطل، والمجوس على دين باطل، وهكذا فمن لم يعتقد أنهم على دين باطل، أو شك فهو كافر، ولا بد من هذا.
وهذه هي الحنفية ملة إبراهيم أن تتبرأ من المشركين واليهود والنصارى قال الله تعالى: ?قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ? [الممتحنة/4].(1/31)
لا بد من البراءة من كل دين سوى دين الإسلام، ومن كل معبود سوى الله، تتبرأ وتعادي وتنكر أهله وتبغضهم، وتتبرأ منهم ومن دينهم، من لم يفعل ذلك ليس بمسلم، مَن قال: إن اليهود على دين حق، والنصارى على دين حق، وإن الإنسان مخيَّر بين أن يتدين بدين اليهود أو بالنصارى أو بالإسلام، فهو كافر بإجماع المسلمين بل من شك في كفره، فهو كافر، هذا هو الناقض الثالث من نواقض الإسلام.
* هذا يسأل عن: حكم مَن فسّر كلمة (لا إله إلا الله) بأنه لا رازق ولا معطي؟
هذا تفسير باطل، مَن فسّر (لا إله إلا الله): لا خالق إلا الله، أو لا رازق إلا الله، هذا يفسره بعض أهل الكلام وهذا معناه يوافق دين المشركين دين أبي جهلٍ وأبي لهب أبو لهب يقول: لا خالق إلا الله، وأبو جهل يقول: لا رازق إلا الله.
فمن قال: إن معنى (لا إله إلا الله): لا خالق إلا الله هذا باطل، ولو كان المعنى هذا لحصل مصافاة وموافقة من أبي جهل وأبي لهب والمشركين للنبي صلى الله عليه وسلم وهم يريدون هذا، قالوا: اعبد إلهنا سنة، ونعبد إلهك سنة، نحن نقول: لا خالق إلا الله، وأنت تقول: لا خالق إلا الله، وهذا باطل.
ثم أيضا الإله معناه: هو المعبود، (لا إله): هنا لا خالق، لا إله حق إلا الله: فلا إله إلا الله، لا: نافية للجنس من أخوات (إن) تنصب الاسم وترفع الخبر، (إله): اسم (إن) منصوب، والخبر محذوف تقديره: لا إله حقٌّ، لا معبود حقٌ إلا الله.(1/32)
ولا يتبين عظمة هذه الكلمة وأنها كلمة التوحيد التي تنفي الشرك، وتخرج صاحبها من دين المشركين إلا بأن يفسر (الإله) بأنه المعبود، قال الله تعالى: ?فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ? [هود/101] أول الآية في "سورة هود": ?ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ? [هود/100-101].
فإذًا لا يتبين عظمة هذه الكلمة، وأنها كلمة التوحيد التي تنفي الشرك، إلا بتفسير الإله بأنه المعبود، وأن الله تعالى هو المعبود بالحق، وعبادة غيره عبادةٌ باطلة كما قال سبحانه: ?ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ? [الحج/62]
?وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ?. [هود/101]
إذًا لهم آلهة، لكنها آلهة معبودة بالباطل، ما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك، لو كان معناها لا خالق إلا الله لكان أبو جهل موحدا، وأبو لهب موحدا.
فبعض أهل الكلام يقول: معنى (لا إله إلا الله): لا خالق إلا الله، لا رازق إلا الله، وبعضهم يقول: لا قادر على الاختراع إلا الله، وهذا من أبطل الباطل؛ فالإله هو المعبود.
* يسأل عن: حكم القول فيمن قال: إن السحر تخييل، لا حقيقة له ولا يؤثر في ذات الأشياء؟
هذا باطل، هذا يروى عن أبي حنيفة أن السحر تخييل، والصواب أن السحر نوعان:(1/33)
قسم منه تخييل، وقسم منه له حقيقة، والدليل على أن منه حقيقة قوله تعالى: ?وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ? [الفلق/4] ولولا أن للسحر حقيقة لما أمر الله بالاستعاذة من شر النفاثات وهي السواحر اللاتي يعقدن العقد وينفثن فيهن.
ومنه خيال لقول الله تعالى: ?يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى? [طه/66] وقوله: ?وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ? [الأعراف/116] فالسحر نوعان: نوع منه خيال، ونوع يكون منه حقيقة، هذا هو الصواب الذي تدل عليه النصوص.
* هذا يسأل عن: حكم من فسّر الكلمة الطيبة كذلك (لا إله إلا الله) بأنها إخراج اليقين الفاسد وإدخال اليقين الصالح؟
الكلمة الطيبة كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) هذا بعض جماعة التبليغ يقولون: هذا إخراج اليقين الفاسد وإدخال اليقين الصالح، الكلمة الطيبة كلمة التوحيد (لا إله إلا الله).
* هذا يسأل عن ما حكم من قال: إن الروافض مذهب خامس يضيفه للمذهب الفقهي؟
ليس هناك مذهب خامس، المذاهب أربعة فقط، أي: المذاهب في الفروع أربعة، وبعضهم زاد قال: مذهب الظاهرية أما مذهب الروافض الذين يكفرون الصحابة ويعبدون آل البيت هذا شرك، فالمذهب وثني نعوذ بالله.
* ما حُكم مَن حَكم بغير ما أنزل الله في كل شيء إلا في الزواج والطلاق والمواريث؟
إذا حكم بكل شيء فقد بدل الدين، فإذا بدل الدين كفر، وقال آخرون: لا بد من قيام الحجة عليه؛ لأنه قد يكون له شبهة، وقد يكون جاهلا.
* يسأل عن حكم من أثنى على أهل البدع وهو يعرفهم أنهم أهل بدع وضلال، هل يلحق بأهل البدع؟
نعم، يلحق بهم، من أثنى على أهل البدع فهو منهم، من حسن مذهبهم فهو منهم، ومن أثنى على الكفرة فهو كافر، فهو كافر مثلهم -نعوذ بالله- ومن أثنى على أهل الخير فهو منهم.(1/34)
* ما حكم من يقول: إن تطبيق الشريعة في مجتمعات المسلمين اليوم صعب، وستكون المفاسد أكثر من المصالح، خاصة وأن كثيرا من المسلمين تعودوا على القانون الوضعي، فنقلهم إلى الشريعة أمر صعب فما ردكم على هذه الشبهة؟
هذا يُخشى عليه من الكفر والرِّدة، من قال تطبيق الشريعة مفاسدها أكثر من مصالحها يُخشى أن يكون مرتداً نعوذ بالله إن لم يكن جاهلا، إن لم يكن عنده شبهة، فهذا رِدَّة -نعوذ بالله، نسأل الله السلامة والعافية.
يقول على العمل بالشريعة: مفاسدها أكثر من مصالحها، هذا رِدَّة، إلا إذا كان له شبهة أو جاهلا، نسأل الله السلامة والعافية.
* يسأل عن: حكم الذين يعيشون في المجتمعات البعيدة عن العلم والتي توارث أهلها وعلماؤها الشرك وعبادة الأضرحة، ونشئوا في هذه المجتمعات هل يحكم بكفرهم، أم لا بد من إقامة الحجة عليهم؟
نعم منَ بلغه القرآن، وبلغته الشريعة، فقد قامت عليه الحجة، قال الله تعالى: ?وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا? [الإسراء/15] وقال الله عز وجل: ?وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ? [الأنعام/19] فمن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة.
إنما الذي لم يبلغه الإسلام، ولم يسمع بالرسول -عليه الصلاة والسلام- هذا هو الذي كأهل الفترات وأشباههم هذا هو المعذور أما الإنسان بلغه القرآن وبلغته الشريعة ويفعل الشرك، فهذا ليس بمعذور.
* هل من يشك في كفر الروافض كافر؟
من يشك في كفر الكفار كافر، لكن الذي يشك في كفر الروافض وما يدري عن حالهم، قد يكون معذورا، إذا كان ما يدري، لكن يبيَّن له ما هم عليه من الشرك.
* ما هي الضوابط في مظاهرة الكفار ضد المسلمين؟ أو هل هناك ضوابط في هذه المسألة؟
مظاهرتهم الإمداد بالمال أو بالسلاح أو بالتخطيط أو بالرأي، هذه المظاهرة.(1/35)
* يسأل عن: حكم السفر إلى الدول التي فيها من المنكرات الكثير مثل: شرب الخمور، والدعوة إلى الزنا، والطواف بالقبور.
لا يجوز للإنسان أن يسافر إلا بشروط: لا بد أن يكون عنده حصانة دينية، ولا بد أن يقدر على إظهار دينه، وأن يرد على الشُّبَه التي تَرِد عليه ولا بد أن يكون لحاجة أيضا إما لعلاج أو لغيره من الضرورات، وإلا فلا يسافر، لا بد من الشروط، لا يجوز للإنسان السفر إلى بلاد المشركين وهو يخشى على نفسه الفتنة، أو يخشى من الشُّبَه، وهو لا يستطيع رد الشبه.
* هذه أسئلة وردت عبر شبكة المعلومات، يقول السائل فيها: ما هي علامات الساحر والكاهن؟
علامات الساحر والكاهن: أنه يدعي علم الغيب، ويخبر عن المغيبات في المستقبل، وعلامته أيضاً أنه يكون منحرفا، غير مستقيم، ويكون بعيداً في الغالب عن أهل الخير، ويكون عنده روائح منتنة، ويسكن في أماكن ضيقة ومظلمة، ويتمتم بأشياء، وفي الغالب يسأل عن اسم الأم أو اسم الأب، أو يطلب ثوبا للمريض، أو يطلب منه أن يذبح خروفا أو دجاجا، وما أشبه ذلك.
المهم أنه معروف بأحْواله وأفعاله، ويكون أيضا بعيدا عن الصلوات، وعن قراءة القرآن، وقد يقرأ شيئا من القرآن من باب ذر الرماد في العيون، إذا أتيت للساحر أو الكاهن قد يقرأ "قل هو الله أحد"، ثم تراه يتمتم وينادي الجن، تمتمات لا تعرفها.
* يسأل عن: حكم من يدعو عند القبر، لا يقصد صاحب القبر، لكن يقصد بركة المكان؟
إذا كان يدعو صاحب القبر، ويقول: يا فلان أغثني! أو يقول: فرج كربتي! اشفع لي! هذا شرك!.
أما إذا كان يدعو الله عند القبر، ويظن أن الدعاء عند القبر مستجابا، هذا وسيلة للشرك، وبدعة مثل الصلاة عند القبر، يصلي عند القبر ركعتين لله، إن صلى لصاحب القبر، هذا شرك، وإن صلى لله هذا بدعة، ووسيلة للشرك.
* * * * * * * *
الفهرس
مقدمة العلامة الراجحي…3
المقدمة…3
الناقض الأول…4
الناقض الثاني…7
الناقض الثالث…9
الناقض الرابع…11(1/36)
الناقض الخامس…12
الناقض السادس…13
الناقض السابع…15
الناقض الثامن…17
الناقض التاسع…18
الناقض العاشر…21
تتمة…22
الأسئلة…24
(1) رواه البخاري: الفرائض (6764) ومسلم: الفرائض (1614) والترمذي: الفرائض (2107) وأبو داود: الفرائض (2909) وابن ماجه: الفرائض (2729، 2730) وأحمد (5/200، 5/202، 5/208، 5/209) ومالك: الفرائض (1104) والدارمي: الفرائض (2998، 3000، 3001)
(2) أحمد (3/435)
(3) رواه البخاري: الدعوات (6405) ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2691) والترمذي: الدعوات (3466) وابن ماجه: الأدب (3812) وأحمد (2/375، 2/515) ومالك: النداء للصلاة (487).
(4) رواه مسلم: الإيمان (153) وأحمد (2/317، 2/350)
(5) رواه البخاري: الصلاة (438) ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (521) والنسائي: الغسل والتيمم (432) وأحمد (3/304) والدارمي: الصلاة (1389)
(6) رواه البخاري: التيمم (335) والنسائي: الغسل والتيمم (432) وأحمد (3/304) والدارمي: الصلاة (1389)
(7) رواه البخاري: العلم (74) وأحمد (5/116)
(8) رواه البخاري: تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ (4725) ومسلم: الفضائل (2380) والترمذي: تفسير القرآن (3149) وأحمد (5/117).
(9) رواه مسلم: الإيمان (153) وأحمد (2/317، 2/350)
??
??
??
??
شرح نواقض الإسلام…10…عبد العزيز الراجحي(1/37)