………
كتاب فضل الإسلام
لشيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى -
شرح العلامة مفتي الديار السعودية
الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
قام بإعداد هذه المذكرة كل من : مسعد بن محمد العديلي ، ومحمد بن عايش بن تنَّاي الشمري
قام بطباعتها :
أبو عبد الله اليماني
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب فضل الإسلام للإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى
بشرح سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز - رحمه الله تعالى
[ باب فضل الإسلام ]
وقول الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً )(المائدة: من الآية3) . وقوله تعالى : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ)(يونس: من الآية104) . وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الحديد:28) .(1/1)
…وفي الصحيح عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ فَأَنْتُمْ هُمْ فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالُوا مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً قَالَ هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ قَالُوا لَا قَالَ فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ)) ….
…وفيه أيضاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَضَلَّ اللَّهُ عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .
…وفيه تعليقاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ )).(1/2)
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : " عليكم بالسبيل والسنة فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار ، وليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان مثله مثل شجرة يبس ورقها فبينما هي كذلك إذ أصابتها الريح فتحات عنها ورقها ، إلا تحاتت عنه ذنوبه كما تحات عن هذه الشجرة ورقها ، وإن اقتصاداً في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة " .
…وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : " يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم كيف يغبنون سهر الحمقى وصومهم ، ولمثقال ذرة من بر مع تقوى ويقين ، أعظم وأفضل وأرجح من أمثال الجبال من عبادة المغترين 1 " .…
[ باب وجوب الدخول في الإسلام ]
وقول الله تعالى : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85) ، وقوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ)(آل عمران: من الآية19) ، وقوله تعالى : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)(الأنعام: من الآية153) . قال مجاهد : " السبل : البدع والشبهات " . وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ )) أخرجاه ، وفي لفظ : (( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ )) ، وللبخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله قال : قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(1/3)
((كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى )) ، وفي الصحيح عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ وَمُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ )) رواه البخاري 2.
…قال ابن تيمية : قوله "سنة الجاهلية" : يندرج فيها كل جاهلية مطلقة أو مقيدة ، أي : في شخص دون شخص ، كتابية أو وثنية ، أو غيرهما من كل مخالفة لما جاء به المرسلون .
…وفي الصحيح عن حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ 3 اسْتَقِيمُوا 4فَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا فَإِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالًا لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ) .
…وعن محمد بن وضاح : أنه كان يدخل المسجد فيقف على الحِلَق فيقول: فذكره ، وقال : أنبأنا سفيان بن عيينة عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال : قال عبد الله يعني ابن مسعود - رضي الله عنه - : ( ليس عام إلا والذي بعده شر منه ، لا أقول عام أمطر من عام ، ولا عام أخصب من عام ، ولا أمير خير من أمير ، لكن ذهاب علمائكم وخياركم ثم يحدث أقوام يقيسون الأمور بآرائهم فيهدم الإسلام ويثلم ) .
[ باب تفسير الإسلام ](1/4)
وقول الله تعالى : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ)(آل عمران: من الآية20) ، وفي الصحيح عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ))5 .
…وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : (( الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ )) 6.
[ باب قول الله تعالى : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ 7(آل عمران:85) ]
وعن أَبُي هُرَيْرَةَ رَضِيً اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( تَجِيءُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَجِيءُ الصَّلَاةُ فَتَقُولُ يَا رَبِّ أَنَا الصَّلَاةُ فَيَقُولُ إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ فَتَجِيءُ الصَّدَقَةُ فَتَقُولُ يَا رَبِّ أَنَا الصَّدَقَةُ فَيَقُولُ إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ ثُمَّ يَجِيءُ الصِّيَامُ فَيَقُولُ أَيْ يَا رَبِّ أَنَا الصِّيَامُ فَيَقُولُ إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ ثُمَّ تَجِيءُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَلِكَ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ ثُمَّ يَجِيءُ الْإِسْلَامُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَنْتَ السَّلَامُ وَأَنَا الْإِسْلَامُ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ بِكَ الْيَوْمَ آخُذُ وَبِكَ أُعْطِي 8 فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ )) رواه أحمد .(1/5)
…وفي الصحيح عَن عَائِشَةُ - رضي الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ )) رواه أحمد .
[ باب الاستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه ]
…
وقول الله تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ )(النحل: من الآية89) . وروى النسائي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورقة من التوراة فقال : (( أمتهوكون يا ابن الخطاب ؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، ولو كان موسى حياً واتبعتموه وتركتموني ضللتم )) . وفي رواية : (( ولو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي )) . فقال عمر : " رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً " 9.
[ باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام ]
وقوله تعالى : (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا)(الحج: من الآية78) . وعن الْحَارِثَ الْأَشْعَرِيَّ حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ وَالْجِهَادُ وَالْهِجْرَةُ وَالْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّم ))َ فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ ؟ قَالَ : ((وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ )) رواه أحمد والترمذي ، وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 10.(1/6)
…وفي الصحيح : (( مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ )). وفيه : (( أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ )). قال أبو العباس : " كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية 11، بل لما اختصم مهاجري وأنصاري فقال المهاجري : يا للمهاجرين ، وقال الأنصاري : يا للأنصار ! قال صلى الله عليه وسلم : (( أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟))، وغضب لذلك غضباً شديداً. انتهى كلامه - رحمه الله تعالى 12- .
[ باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه ]
وقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)(البقرة: من الآية208)، وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِك)(النساء: من الآية60) وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ )13(الأنعام: من الآية159) . قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ )(آل عمران: من الآية106) : تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسود وجوه أهل البدع والاختلاف.(1/7)
…وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً )) قَالُوا : وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : (( مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي )) وليتأمل المؤمن الذي يرجو لقاء الله، كلام الصادق المصدوق 14في هذا المقام خصوصاً قوله : (( مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي )) يالها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة! رواه الترمذي، ورواه أيضاً من حديث أبي هريرة وصححه، ولكن ليس فيه ذكر النار، وهو في حديث معاوية عند أحمد وأبي داود وفيه: ((أَنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلَا مَفْصِلٌ إِلَّا دَخَلَهُ )) ،
وتقدم قوله: ((وَمُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ 15))16.
[باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر17 ]
وقوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)(النساء: من الآية48). وقوله: ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ)(الأنعام: من الآية144). وقوله تعالى: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)18 (النحل:25).(1/8)
…وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال في الخوارج: (( أينما لقيتموهم فاقتلوهم، لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد 19)).
وفيه أنه: (( نهى عن قتل أمراء الجور)) 20.
…وعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- أن رجلاً تصدق بصدقة ثم تتابع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ )) 21. رواه مسلم.
…وله مثله من حديث أبي هريرة ولفظه: (( من دعا إلى هدى، ثم قال: ومن دعا إلى ضلالة )).
[ باب ما جاء في أن الله احتجز التوبة على صاحب البدعة 22]
هذا مروي من حديث أنس ومن مراسيل الحسن، وذكر ابن وضاح عن أيوب قال: "كان عندنا رجل يرى رأياً فتركه فأتيت محمد بن سيرين فقلت: أشعرت أن فلاناً ترك رأيه؟ قال: انظر إلى ماذا يتحول؟ إن آخر الحديث أشد عليهم ن أوله. (( يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون إليه)) . وسئل أحمد بن حنبل عن معنى ذلك فقال : "لا يوفقون للتوبة".
[ باب قول الله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ) إلى قوله: (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(البقرة: من الآية135)]
وقوله: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)(البقرة:130) .(1/9)
…وفيه حديث الخوارج وقد تقدم. وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (( إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما أوليائي المتقون ))، وفيه أيضاً عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له أن بعض الصحابة قال: أما أنا فلا آكل اللحم، وقال الآخر: أما أنا فأقوم ولا أنام، وقال الآخر: أما أنا فلا أتزوج النساء، وقال الآخر: أما أنا فأصوم ولا أفطر. فقال صلى الله عليه وسلم: (( أُقُومُ وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَآكُلُ اللًّحْمَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي 23)). فتأمل! إذا كان بعض الصحابة أراد التبتل للعبادة قيل فيه هذا الكلام الغليظ وسمي فعله رغوباً عن السنة فما ظنك بغير هذا من البدع؟ وما ظنك بغير الصحابة؟.
[باب قول الله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)]
وقوله تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (البقرة:132)، وقوله تعالى: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:123).
…وعن ابن مسعود-رضي الله عنه- أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (( إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلَاةً مِنْ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ وَلِيِّي مِنْهُمُ أَبِي إِبْرَاهِيم وَخَلِيلُ رَبِّي)) ثُمَّ قَرَأَ: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) رواه الترمذي.(1/10)
… وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَامِكُم وَلاَ إِلَى أَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ 24)).
ولهما عن ابن مسعود -رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، ولَيُرْفَعَنَّ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْ أُمَّتِي حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لِأُنَاوِلَهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ! أَصْحَابِي! فيُقَالُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ 25)).
ولهما عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا)) قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ)) فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: ((أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟))، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ((فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا 26)).(1/11)
وللبخاري: ((بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ فَقَالَ هَلُمَّ فَقُلْتُ أَيْنَ قَالَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ قُلْتُ وَمَا شَأْنُهُمْ قَالَ إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى ثُمَّ إِذَا زُمْرَةٌ -فذكر مثله- قال: فَلَا أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ)).
…ولهم في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- فأقول كما قال العبد الصالح: ) وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)(المائدة: من الآية117). ولهما عنه مرفوعاً: (( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ حَتَّى تَكُونُوا أَنتُمْ تَجْدَعُونَهَا))
ثم قرأ أبو هريرة -رضي الله عنه- (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)(الروم: من الآية30) متفق عليه.(1/12)
…وعن حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- قال: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: ((نَعَمْ))، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: ((نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ))، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: ((قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ))، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: ((نَعَمْ! فِتْنَةٌ عَمْيَاْء، وَدُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا))، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ، فَقَالَ: ((هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا))، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ ،قَالَ: ((تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ))، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: ((فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ)). أخرجاه. وزاد مسلم: ثُمَّ مَاذَا؟ ، قَالَ: ((ثُمَّ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مَعَهُ نَهْرٌ وَنَارٌ فَمَنْ وَقَعَ فِي نَارِهِ وَجَبَ أَجْرُهُ وَحُطَّ وِزْرُهُ وَمَنْ وَقَعَ فِي نَهْرِهِ وَجَبَ وِزْرُهُ وَحُطَّ أَجْرُهُ))، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟، قَالَ: ((ثُمَّ هِيَ قِيَامُ السَّاعَةِ)). قال أبو العالية: "تعلموا الإسلام فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه وعليكم بالصراط المستقيم فإنه الإسلام، ولا تنحرفوا عن الصراط يميناً ولا شمالاً، وعليكم بسنة نبيكم وإياكم وهذه(1/13)
الأهواء 27". انتهى.
…تأمل كلام أبي العالية -رحمه الله تعالى - هذا ما أجله وأعرف زمانه الذي يحذر فيه من الأهواء التي من اتبعها فقد رغب عن الإسلام، وتفسير الإسلام بالسنة، والإسلام وخوفه على أعلام التابعين وعلمائهم من الخروج عن السنة والكتاب، يتبين لك معنى قوله تعالى : (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ )(البقرة: من الآية131). وقوله: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) وقوله تعالى: )وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ)، وأشباه هذه الأصول الكبار التي هي أصل الأصول والناس عنها في غفلة وبمعرفتها يتبين معنى الأحاديث في هذا الباب وأمثالها، وأما الإنسان الذي يقرأها وأشباهها وهو آمن مطمئن أنها لا تناله ويظن أنها في قوم كانوا فبادوا. (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) (لأعراف:99).
…و عَنْ ابن مَسْعُودٍ قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا خَطًّا ثُمَّ قَالَ:
((هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ))، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ:
((هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ))،
ثُمَّ تَلَا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)(الأنعام: من الآية153) )). رواه أحمد والنسائي28 .
[ باب ما جاء في غربة الإسلام وفضل الغرباء](1/14)
وقول الله تعالى: (فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ )(هود: من الآية116)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (( بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ)). رواه مسلم وأحمد من حديث ابن مسعود وفيه: "من الغرباء؟" قال: ((النُّزَّاعُ مِنَ القَبَائِل)). وفي رواية: ((الْغُرَبَاءُ الَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاس))، وللترمذي من حديث كَثِير بن عبد الله عن أبيه عن جده: ((طُوبَى لِلْغُرَبَاء الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ سُنَّتِي)).(1/15)
وَعَنْ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ فَقُلْتُ لَهُ: "يَا أَبَا ثَعْلَبَة!كَيْفَ تَقُولُ فِي ِهَذِهِ الْآيَةِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)(المائدة:105)؟"، فَقَالَ: "أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ((بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّابِرُ فِيهِنَّ كَالْقَابِْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ)) قلنا: "مِنَّا أَمْ مِنْهُمْ؟"، قَالَ: ((بَلْ مِنْكُمْ 29)). رواه أبو داود والترمذي. وروى ابن وضاح معناه من حديث ابن عمر -رضي الله عنه- ولفظه: ((إن بعدكم أياماً الصابر فيها المتمسك بمثل ما أنتم عليه اليوم؛ له أجر خمسين منكم))، قيل: يا رسول الله منهم؟ قال: ((بل منكم)). ثم قال: أنبأنا محمد بن سعيد أنبأنا أسد قال سفيان بن عيينة عن أسلم البصري عن سعيد أخي الحسن يرفعه، قلت لسفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: ((إنكم اليوم على بينة من ربكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتجاهدون في سبيل الله، ولم تظهر فيكم السكرتان: سكرة الجهل وسكرة حب العيش، وستحولون عن ذلك فلا تأمرون بالمعروف ولا تنهون عن المنكر، ولا تجاهدون في الله، وتظهر فيكم السكرتان، فالمتمسك يومئذٍ بالكتاب والسنة له أجر خمسين)) قيل: منهم؟ قال: (( لا بل منكم)). وله بإسناد عن المعافري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طوبى(1/16)
للغرباء الذين يمسكون بكتاب الله حين يترك ويعملون بالسنة حين تطفأ)).
[باب التحذير من البدع 30]
عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّه كَأَنَّهَا موعظة مودع فأوصنا، قَالَ: ((أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)). قَالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
…وعن حذيفة قال: "كل عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد فلا تتعبدوها، فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً، فاتقوا الله يا معشر القراء وخذوا طريق من كان قبلكم". رواه أبو داود.(1/17)
…وقال الدارمي: أخبرنا الحكم بن المبارك أنبأنا عمر بن يحى قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود-رضي الله- قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري-رضي الله عنه- فقال: "أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا. ، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن! إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيراً، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شئ؟ ثم مضى، ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ فقالوا: يا أبا عبد الرحمن! حصى نعد بها التكبير والتهليل والتسبيح، فقال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة محمد صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تُبل،وآنيته لم تكسر والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم؛ وأيم الله لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج. والله المستعان وعليه التكلان. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
انتهى الكتاب والحمد لله رب العالمين(1/18)
(1) والمقصود من هذا : أن الله تعالى جعل الإسلام هو أفضل الأديان وهو دين الله الذي به السعادة والنجاة ، وأن العبد إذا استقام عليه وتمسك به له الجنة والكرامة ، وأن اجتهادات العبد في صلاة وصوم أو غير ذلك على غير السنة لا تنفعه ، ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً )(المائدة: من الآية3) ، ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)(آل عمران: من الآية85) . فالواجب على جميع المكلفين التمسك بالإسلام والاجتهاد في طاعة الله تعالى ، هذا هو طريق النجاة وهذا هو طريق السعادة ، فالاقتصاد في الإسلام والسير عليه بالقليل خير من الاجتهاد الكثير على غير إسلام وسنة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
(2) والشاهد قوله : " ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية " وأن الواجب على العبد التمسك بالإسلام والحذر من سنن الجاهلية . فالعمل في الإسلام ولو قلَّ هو الذي ينفع ، وأما الاجتهاد في غير إسلام وفي غير سنة يضر ولا ينفع ، فالواجب على جميع المكلفين التمسك بالإسلام والتقيد بدين الله والسير عليه في كل شيء إخلاصاً لله ومتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم .
(3) القراء : يعني العلماء وطلبة العلم .(1/19)
(4) ومعنى قوله : ( استقيموا ) يعني : على الطريق . أي : استقيموا على دين الله فإذا استقام العبد فقد سبق سبقاً بعيداً ، وإن حاد يميناً وشمالاً فقد ضل ضلالاً بعيداً ، فالواجب التمسك بما شرعه الله والجذر مما ذمه الله ، ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ )(الشورى: من الآية21) ، فكونه على الطريق ولو مقتصداً مع الأبرار والمقتصدين ، خير من كونه يسلك الطرق المنحرفة عن الهدى لأنها تضله وتبعده عن الله عز وجل ، بل صاحب الهدى وإن ظلم نفسه ببعض المعاصي ؛ على طريق النجاة ، ولكن من سار على غير الإسلام وابتغى في الإسلام سنة الجاهلية فهو في طريق الهلاك. نسأل الله العافية .
(5) وهذا جواب النبي صلى الله عليه وسلم لجبرائيل عليه السلام لما سأله عن الإسلام ، فأجاب بهذا الجواب كما جاء في حديث عمر رضي الله عنه وهذا تفسير له بأركانه ، والإسلام أعم ، فهو يشمل ما أمر الله به ورسوله ، وترك ما نهى الله عنه ورسوله ، كما قال تعالى : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ)(آل عمران: من الآية19). ولكن هذه أركانه ، فالشيء يفسر بأركانه ويفسر بجميع أجزائه.
(6) (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) هذا يدل على التعميم وأن الإسلام أعم ، يعم الأركان وغير الأركان ، فالمسلم حقاً هو الذي أدى الأركان وأدى ما أوجب الله عليه ، وكف يده عن ظلم الناس وعن التعدي لحدود الله .
(7) ومعنى هذا : أنه يجب على جميع الأمة الإسلامية ، وأنه لا نجاة لها ولا سعادة إلا بالإسلام .(1/20)
(8) (بِكَ الْيَوْمَ آخُذُ وَبِكَ أُعْطِي) : فمن توفي على الإسلام فله الجنة ، إما من أول وهلة إن سلم من المعاصي ، وإما بعد العقوبة التي يقدرها الله عليه بسبب المعاصي التي مات عليها إن لم يعف الله عنه . فليس هناك نجاة إلا بالإسلام قال الله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) فمن مات على غير الإسلام ولو عنده ما عنده من الطاعات أمثال الجبال فإنها حابطة ، (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) (الفرقان:23) . لا بد من التوحيد من شهادة إن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، والدخول في الإسلام بقلبه وقالبه ثم بعد ذلك الأعمال ، فمن استقام على الأعمال دخل الجنة من أول وهلة ، ومن قصر في شيء من الأعمال الواجبة عليه أو أتى بعض المعاصي التي حرم الله، صار تحت المشيئة إن شاء الله عفا عنه ، وإن شاء عذبه على قدر ما عنده من المعاصي ، كما قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)(النساء: من الآية48) . فمن هداه الله للإسلام وسلم من الشرك فهو على طريق نجاة .(1/21)
(9) هذا واضح في قوله جل وعلا : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)(آل عمران:85)، وفي قوله: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(النور: من الآية63) ، وفي قوله: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(الحشر: من الآية7) . فالواجب على الجميع الأمة اتباعه صلى الله عليه وسلم ، ولو كان موسى أو عيسى أو غيرهما أحياء ما وسعهم إلا اتباعه ، لأنه بعث إلى الناس عامة ، (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً)(الأعراف: من الآية158) . فالواجب على جميع الأمة رجالاً ونساء عرباً وعجماً إنساً وجناً أن يتبعوه صلى الله عليه وسلم وأن ينقادوا لشرعه حسب ما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة ، وليس لهم الخروج عن ذلك .
(10) وهذا تحذير من دعوى الجاهلية "يا آل فلان ، يا آل فلان . لا ، يا أهل التوحيد يا أهل الإيمان ، كلهم إخوة إذا جاء الحرب لا ينتسبون : يا آل فلان ، يا قحطان ، يا بني كذا يا بني كذا ، لا . هم شيء واحد فالمسلمون شيء واحد ، ولا يحتجوا بدعوى الجاهلية . ولهذا لما قال : يا للمهاجرين ، وقال الآخر : يا للأنصار ، قال صلى الله عليه وسلم : (( أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ )). فالواجب الدعوى بالإسلام ، أيها الإخوة أيها المسلمون هكذا ، عند الاستغاثة والحث يحثهم على القتال باسم الإسلام، وباسم الإيمان.
(11) والمقصود أن الدعاوى التي بغير الإسلام ، يا أهل مكة يا أهل الطائف يا أهل نجد يا أهل ... هذا من دعوى الجاهلية . بل يقول : أيها المؤمنون ، أيها الإخوة ، يا أنصار الله ، يا عباد الله هكذا .(1/22)
(12) هذا هو الواجب وهذا الذي يحثهم يحرك القلوب، فعند لقاء العدو يحثهم على اللقاء والصبر بدعوى الإيمان وبدعوى الإسلام، أيها المسلمون، يا جند الله، يا عباد الله، أيها المسلمون، يا أنصار الله، هكذا يشجعهم ويحثهم بالاسم العام.
(13) هذا هو الواجب الدخول في الإسلام كله وليس ببعضه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) يعني في الإسلام، ويقول تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ )، ويقول جل وعلا: )إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً)(أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً)(النساء: من الآية151) . فالواجب هو الدخول في الإسلام كله . يعني : الواجب أن يلتزم المسلم في الإسلام كله صلاة وزكاة وصياماً وحجاً وجهاداً ، ما يقول بس أنا أصلي ولا أزكي ، أزكي ولا أصوم ، لا يجب أن يلتزم بالإسلام كله .
(14) يعني : ليلزم الحق ويستقيم علة ما سار عليه الصحابة وأتباعهم بإحسان، وأن يحذر أقوال أهل البدع والفرقة والاختلاف ( ثنتان وسبعون فرقة كلها في النار ) ما بين كافر وما بين مبتدع وفاسق، لكن أهل السنة والجماعة هم الذين ساروا على نهج الصحابة واستقاموا على الدين فهؤلاء لهم الجنة والكرامة. أما بقية الفرق فيهم الكافر والمبتدع، وفيهم المخالف للشرع الذي لم يلتزم بالحق.(1/23)
(15) يعني يجب الحذر على المسلمين من أن يبتدعوا في الدين، ويحذروا سنن الجاهلية، بل عليهم أن يلتزموا بالإسلام الذي جاء به المصظفى صلى الله عليه وسلم وأن يتعاونوا في هذا وأن يتاوصوا بهذا، فيؤدوا ما شرع الله ويبتعدوا عن ما حرَّم الله، ويحذروا البدع والمعاصي، هكذا يجب على أهل الإسلام أن يستقيموا ويتعاونوا على البر والتقوى كما قال تعالى: ) وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى )(المائدة: من الآية2). وقال: (والعصر. إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر:3)، أما أن يتفرقوا فيقول هذا آخذ بهذا ، ويقول هذا آخذ بهذا، هذا لا يجوز. هذا دين الجاهلية نسأل الله العافية.
(16) وأسانيده مجتمعة تصل إلى درجة الحسن.
(17) والمعنى: أن البدعة أكبر من الكبائر لأنها تنقص للإسلام وإحداث في الإسلام واتهام للإسلام بالنقص، فلهذا يبتدع ويزيد. وأما المعاصي فهي اتباع للهوى وطاعة للشيطان فهي أسهل من البدعة وصاحبها قد يتوب ويسارع ويتعض، أما صاحب البدعة فيرى أنه مصيب وأنه مجتهد فيستمر بالبدعة نعوذ بالله، ويرى الدين ناقص فهو بحاجة إلى بدعته. ولهذا صار أمر البدعة أشد وأخطر من المعصية قال تعالى في أهل المعاصي: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ). فأهل المعاصي تحت المشيئة، وأما أهل البدع فذنبهم عظيم وخطرهم شديد لأن بدعتهم معناها التنقص للإسلام وأنه محتاج لهذه البدعة ويرى صاحبها أنه محق ويستمر عليها ويبقى عليها ويجادل عنها نسأل الله العافية.
(18) قوله تعالى: (وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ) يعني: عليه مثل أوزار من تبعه في بدعته، نسأل الله العافية.(1/24)
(19) (لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد) لعظم بدعتهم لأنهم شبهوا على الناس فاجتهدوا في القراءة والصلاة حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وقراءته مع قراءتهم )) ثم حملوا على المسلمين وقتلوهم، هذا من جرأتهم الخبيثة، وقاتلوا علياً، وقتلوا عمر بن خارجة، وقتلوا جمعاً غفيراً، كله بسبب بدعتهم وضلالهم حتى أعان الله علياً عليهم فقتلهم. فالخوارج شرهم عظيم لأنهم يرون أنهم مصيبون في قتلهم للعصاة من الأمراء وغير الأمراء. وهذا من جهلهم وضلالهم، ولهذا قال فيهم صلى الله عليه وسلم: (( أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم )) ، وقال: (( لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد )).
?سئل الشيخ - رحمه الله - : هل البدعة تدخل تحت المشيئة إذا لم تكن مكفرة؟
فأجاب سماحته: ما تدخل في الذنوب، لأنه متوعد عليها في النار والعياذ بالله، إلا أن يتوب نسأل الله العافية، ولكن إن كانت دون الشرك يرجى لصاحبها لأنها تدخل في المعنى من جهة المعاصي، لكنها غير داخلة في قوله تعالى: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) في الجملة. لكن إذا كان المبتدع بدعته دون الشرك فهي لها حكم المعاصي من جهة أنه لا يخلد في النار إن دخل النار.أ.هـ.
(20) يعني: الأمراء وإن جاروا وظلموا ما داموا ملتزمين بالإسلام لا يجوز جهادهم ولكن ينصحون، أما إذا أتوا كفراً بواحاً وجب جهادهم على من قدر إذا كان هناك قوة تقدر. قلت: أي على إزالتهم من دون أن يلحق أذى بالمسلمين.(1/25)
(21) هذا معناه: أحياها وأظهرها، ليس المراد به البدعة وإنما المراد هنا: إحياء السنة وإظهارها لأنه صلى الله عليه وسلم رأى قوماً فقراء فلما رأى فقرهم خطب الناس وحثهم على الصدقة ورغبهم فيها، وقال: (( تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ حَتَّى قَالَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ قَالَ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ )).
? سئل الشيخ - رحمه الله -: الذي يثني على أهل البدع ويمدحهم هل يلحق بهم؟
فأجاب سماحته: نعم ما فيه شك من أثنى عليهم ومدحهم وهو داع إليهم، هو من دعاتهم نسأل الله العافية.
(22) المقصود بهذا الباب بيان خطر البدعة وأن من أخطار البدعة: أن صاحبها لا يوفق للتوبة، يرى أنه مصيب ويستمر على الباطل هذا من أخطارها وبلائها، فالواجب الحذر من البدع لأنها شر عظيم كما ذكر صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وقال: (كل بدعة ضلالة) لاحول ولا قوة إلا بالله.
? سئل الشيخ- رحمه الله -: عن صحة الحديث: (( إن الله احتجز التوبة على كل صاحب بدعة)) ؟(1/26)
فأجاب سماحته: الحديث يحتاج إلى تأمل ونظر في سنده. يراجع (**)
لكن إنما يخشى عليهم، وذلك أن الغالب عليهم أنهم يستحسنون آرائهم ويبقون عليها. نسأل الله العافية. وإلا فإن كثيراً من أهل البدع تابوا وتاب الله عليهم. وإن صح الحديث فهو من باب الوعيد والتحذير نسأل الله العافية. مثل ما قال صلى الله عليه وسلم في المدينة: (( مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا )) هذا من باب الوعيد، وإلا من تاب تاب الله عليه.
(**) ثم أجاب الشيخ في أحد الدروس عن الحديث ومعناه قائلاً: وهذا هو الحق أن الله احتجب التوبة عن صاحب البدعة ومعناها: أنه يستحسنها ويرى أنه مصيب، ولهذا فالغالب أنه يموت عليها والعياذ بالله، لأنه يرى أنه مصيب بخلاف صاحب المعصية الذي يعرف أنه عاص وأنه مجرم وأنه مخطئ، فيتوب وقد يتوب الله عليه، لكن صاحب البدعة على خطر لأنه يستحسنها ويتبع هواه، ولهذا فهو على خطر فيحجب عن التوبة لاستحسانه للبدعة، وظنه أنه على هذى واعتقاد أنه على حق. أما إذا هداه الله وتبصر وتاب تاب الله عليه، وجميع الذنوب إذا تاب منها العبد تاب الله عليه حتى الشرك الذي هو أكبر من البدعة، فالكفر بالله إذا تاب منه العبد تاب الله عليه، والكفار من قريش وغيرهم لما تابوا تاب الله عليهم وهكذا سحرة فرعون لما تابوا تاب الله عليهم، وهكذا صاحب البدعة إذا بصره الله وتاب منها تاب الله عليه، فهو من باب الوعيد مثل الحديث الصحيح: (( مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا )) فهو من باب الوعيد.(1/27)
(23) وهذا فيه التحذير من التكلف والتنطع وأن الواجب على المؤمن أن يحذر ذلك فيصوم ويصلي ويقوم وينام ويفطر ويأكل اللحم، ينام على فراش ولا يتكلف. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (( أما أنا أُقُومُ وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَآكُلُ اللًّحْمَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي )). فالله شرع لعباده ما لا يشق عليهم وما لا يعنتهم، فلا يجوز التنطع والتكلف وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كفاية فهو أفضل الناس وخير الناس عليه الصلاة والسلام.
(24) هذا حديث رواه مسلم، قوله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَامِكُم وَلاَ إِلَى أَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)): فالقلوب هي محل النظر والعمل، وأما الصور والأموال فر قيمة لها إن لم يستعن بها على طاعة الله. ولكن محل النظر القلوب إذا استقامت على محبة الله والإخلاص له وخوفه ورجاءه وصلحت الأعمال وصارت خالصة لله موافقة للسنة هذا هو الذي ينفع صاحبه، صلاح القلب وصلاح الأعمال.
? سئل الشيخ-رحمه الله-: عن قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر ...) الحديث؟
فأجاب بقوله: يعني: لا قيمة لها، المقصود بنفي النظر لها لأنها ليس لها قيمة، مثل قوله: (لا ينظر إليهم ولا يزكيهم) لغضبه عليهم، وهو سبحانه لا يخفى عليه خافية، يرى كل شيء جل وعلا، لكن المقصود نظر الرضى، ونظر المحبة.
(25) وفي اللفظ الآخر: ((إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم منذ فارقتهم))، ولهذا يمنعون من الحوض لأنهم ارتدوا والذين ارتدوا في عهد أبي بكر هؤلاء يمنعون من الحوض، أما من مات على إيمانه فإنه يرد على الحوض.
? سئل الشيخ - رحمه الله- عن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: ((أي رب أصحابي)) ؟(1/28)
فأجاب بقوله: أصحابه الذين معه ارتد الناس بعدما دخلوا في الإسلام في عهده صلى الله عليه وسلم وارتد ناس في عهد الصديق وقاتلهم الصديق والصحابة.
? سئل -رحمه الله - عن الفاسق عل يرد على الحوض؟
فأجاب قائلاً: ظاهر الحديث يعمه لأنه ليس بمرتد، لكن عليه خطر، جاء في بعض الروايات بالوعيد، فينبغي الحذر. الوعيد إنما هو في المرتدين أنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، أما العاصي فليس بمرتد، هو ناقص الإيمان ضعيف الإيمان فيخشى عليه فينبغي له الحذر.
? وسئل -رحمه الله- عن أهل البدع هل هم ممن يذادون عن الحوض؟
فأجاب قائلاً: أهل البدع فيهم تفصيل، فيهم كافر وفيهم مسلم، أما المبتدع الكافر لا يرد نسأل الله العافية.
? وسئل -رحمه الله- عن الرافضة هل هم من الاثنين والسبعين فرقة؟
فأجاب قائلاً: هم داخلون فيهم لكن فيهم الكافر وفيهم المسلم، فالرافضة عُبَّاد غير الله كَفَرَة، والرافضة الذين يفضلون علياً على عثمان أو على الصديق فهؤلاء ليسوا بكفار لكنهم مبتدعون، أما من دعا علياً أو أهل البيت وغلا فيهم، فإنه يكون كافراً، أو قال: إن النبوة لعلي لكن خان جبرائيل هذا كافر مرتد نسأل الله العافية.
والثنتان والسبعون فرقة فيهم الكافر وفيهم العاصي، وفيهم المبتدع الضال والمبتدع الذي ليس بكافر، لكنهم كلهم يجتمعون في إجابة النبي صلى الله عليه وسلم فهم من أمة الإجابة. أما أمة الدعوة كثيرون اليهود والنصارى من أمة الدعوة لا قيمة لهم، فهم من أهل النار. لكن هذه الثلاث والسبعون الذين استجابوا الذين زعموا أنهم من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم زعموا أنهم أجابوا دعوته؛ الناجي منهم السالم: الفرقة الناجية الذين تابعوا النبي صلى الله عليه وسلم وساروا على نهجه، وأما الثنتان والسبعون ففيهم الضال وفيهم الكافر وفيهم العاصي، وفيهم المبتدع الضال، على درجات متوعدون بالنار كلهم نسأل الله العافية.(1/29)
? وسئل -رحمه الله- : هل يفرق بين العالم والجاهل ؟
فأجاب بقوله: تختلف الأمور ، بعض الأمور يعذر فيها الجاهل وبعض الأمور لا يعذر فيها الجاهل.
? وسئل عن الرافضة في العذر بالجهل؟
فأجاب: من دعا غير الله واستغاث بغير الله كافر مطلقاً لأنهم بين المسلمين وقد بلغهم القرآن وبلغتهم السنة، الله جعل القرآن نذارة وبلاغ: (هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ )(ابراهيم: من الآية52)،(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) (الأنعام: من الآية19). فمن كفر مع وجوده بين المسلمين واستغاث بغير الله أو عبد البدوي أو غيره، سواء من الرافضة له حكم الكفر، نسأل الله العافية.
? وسئل - رحمه الله- عن بعض الناس الذين يقولون: "إن أتباع الإباضية وأتباع الزيدية أفضل من كثير ممن ينتسبون للمذاهب الأربعة؟
فأجاب قائلاً: ما هو العبرة بالمذاهب الأربعة العبرة بالعقيدة، بقال الله قال رسوله، المذاهب الأربعة في أتباعها الضال وفي أتباعها المسلم، لكن المهم التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والسير على منهج الصحابة وأتباع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في عبادة الله وحده والاستقامة على دينه وترك البدع، هؤلاء هم أهل السنة والجماعة.أ.هـ.
(26) الله أكبر! الله أكبر!، أي: بعداً بعداً لمن بدَّل بعدي ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهذه علامة أمته غراً محجلين من آثار الوضوء أمة محمد المستجيبين له عليه الصلاة والسلام.
(27) يعني: ابتعد عن الأهواء، والأهواء هي البدع احذروها إلزم الطريق.(1/30)
(28) وهذا يبين أن الواجب على المؤمن الحذر وأن لا يغتر بالكثرة، وأن يعتني بالسنة والدليل، وأن يخاف على نفسه ولا يأمن لأن الله تعالى يقول: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) (لأعراف:99)، يعمل ويجتهد في الطاعة وهو خائف وجل غير مطمئن، بل يَحْذَر البدع ويحذر المعاصي ويتبع أهل الحق ويسير معهم ويبتعد عن أهل الباطل وصحبتهم، هكذا المؤمن دائماً على حذر. قال الله تعالى: [(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (البينة:7)(جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (البينة:8)]، وقال جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (الملك:12)، وقال سبحانه: (فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(آل عمران: من الآية175)، وقال تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) (الرحمن:46)، فيجب الحذر وعدم الطمأنينة لرأي فلان ورأي فلان حتى تعلم الدليل من الكتاب والسنة.
(29) هذا فيه الحث على الاستقامة في الغربة وأنه ينبغي للمؤمن أن يستقيم ويحرص على الاستقامة عند غربة الناس ولا يغتر بكثرة الهالكين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لما تلا الصديق هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)، قال: يقول ا لنبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابِهِ)).(1/31)
…وقوله: (لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ): من الهداية ، الأمر بالمعروف، ولا يضر الناس من ضل إذا استقاموا وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، بعض الناس يظن أنه إذا اهتدى يعني: إذا أدى الطاعات الخاصة، هذا غلط. من الهداية : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا من أسباب الهداية، ولهذا خطب الصديق -رضي الله عنه- الناس لما تولى وقال: " إنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابِهِ))". وكذا في هذه الآية قال: ((بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّابِرُ فِيهِنَّ كَالْقَابِْضِ عَلَى الْجَمْرِ)). الله المستعان. هؤلاء هم الغرباء الذين يصلحون عند فساد الناس ويصلحون ما أفسد الناس، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتمسكون بالقرآن حينما يتركه الناس، (((( بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ))، فالغرباء هم: أهل الصلاح والاستقامة وتنفيذ الأوامر والدعوة إلى الله عند فساد الزمان وتغير أهله.(1/32)
(30) وهذا فيه التحذير من البدع وأن الواجب على أهل الإسلام الحذر منها، ولهذا حذَّر منها النبي صلى الله عليه وسلم لما وعظهم مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّه كَأَنَّهَا موعظة مودع فأوصنا، قَالَ: ((أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ - يعني : لولاة الأمور - وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ). فالواجب على أهل الإسلام أن يتمسكوا بما شرعه الله من العبادة وأن يحذروا ما أحدثه الناس من البدع، ولهذا قال لهم حذيفة: "كل عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد فلا تتعبدوها، فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً"، لأن الصحابة قد بينوا، وسألوا نبيهم عن كل شئ فعليكم بالتأسي بهم والسير على منهاجهم.(1/33)
…ولما رأى عبد الله بن مسعود قوماً في المسجد كل حلقة في المسجد وحدها فيها واحد يقول: سبحوا كذا عدوا كذا وكذا، يعدوا الحصى، قال: " إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة؟، فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء"، هذا من البدع في كونهم يتفرقون أحزاباً، كل واحد يقول افعل كذا وكذا، وإنما الواجب النصيحة والتذكير بالله، قال الله وقال رسوله هذا هو الواجب، أما أن يجعلون حلق ويقولون: عدوا حسناتكم، خذوا الحصى عد يا فلان!! هذا مما أحدثه الناس من البدع، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم في خطبته: ((أما بعد فإن خير الكلام كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة))، فما أحدثه الناس من القربات هو من البدع، والبدع تكون بالقرب، فما تقرب به الناس مما لم يشرع، هذا من البدع، فالواجب الحذر منها، وليس فيها تفصيل بل كل بدعة ضلالة.
…وأما قول بعض الناس: إن البدعة تنقسم إلى خمسة أقسام، فهو قول غلط ممن قاله، والصواب: أن كل بدعة ضلالة، والبدعة هي القربة التي يتقرب بها الناس ولم يشرعها الله تعالى مثل : ما فعل هؤلاء في عهد ابن مسعود، ومثل بدعة الموالد، ومثل بدعة البناء على القبور، وتجصيص القبور والكتابة عليها، كل هذا مما أحدثه الناس من البدع، فالواجب الحذر الحذر من ذلك وأن يتقيد المؤمن بما شرع الله وما درج عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات وأن يحذر أن يزيد شيئاً فيما شرعه الله جل وعلا، قال تعالى:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )(المائدة: من الآية3) فالله أكمل الدين فليس لأحد أن يزيد فيه.أهـ.
……هذا آخر الشرح المبارك والحمد لله رب العالمين
??
??
??
??
10
كتاب فضل الإسلام شرح ابن باز
10(1/34)