فهناك تعلم أي حزبينا هو المتنقص المنقوص ذو العدون ...
... رامي البريء بدائه ومصابه ... فعل المباهت أوقح الحيوان ...
... كمعير للناس بالزغل الذي ... هو ضربه فاعجب لذا البهتان ...
الزغل بفتح الزاي ... يا فرقة التنقيص بل يا أمة الدعوى بلا علم ولا عرفان ...
... والله ما قدمتم يوما مقا لته على التقليد للانسان ...
... والله ما قال الشيوخ وقال إلا كنتم معهم بلا كتمان ...
... والله أغلاط الشيوخ لديكم ... عين الصواب ومقتضى البرهان ...
... ولذا قضيتم الذي حكمت به ... جهلا على الأخبار والقرآن ...
... والله انهم لديكم ... مثل معصوم وهذا غاية الطغيان ...
... تبا لكم ماذا النقص بعد ذا ... لو تعرفون العدل من نقصان ...
... والله ما يرضيه جعلكم له ... ترسا لشرككم وللعدوان ...
... وكذاك جعلكم المشايخ جنة ... لخلافه والقصد ذو تبيان ...
... والله يشهد ذا بجذر قلوبكم ... وكذاك يشهده أولو الإيمان ...
قوله بجذر قلوبكم الخ الجذر بالذال المعجمة قال في مختار الصحيح جذر كل شيء اصله بفتح الجيم عن الأصمعي وبكسرها عن أبي عمرو وفي الحديث إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال (2/350)
والله ما عظمتموه طاعة ومحبة يا فرقة العصيان ...
... أنى وجهلكم به وبدينه ... وخلافكم للوحي معلومان ...
... أوصاكم أشياخكم بخلافهم ... لوفاته في سالف الأزمان ...
... خالفتم قول الشيوخ وقوله ... فغدا لكم خلفان متفقان ...
أي إنكم معاشر النفاة خالفتم قول الرسول صلى الله عليه و سلم وخالفتم أقوال الأئمة المجتهدين رحمهم الله تعالى فانهم أوصوكم بخلاف أقوالهم اذا خالفت قول الرسول صلى الله عليه و سلم كما تقدم بعض أقوالهم فخالفتم الرسول صلى الله عليه و سلم وخالفتم الأئمة في ترك أقوالهم اذا خالفت أقواله وهذا معنى قول الناظم فغدا لكم خلفان متفقان وهما خلاف قول الرسول صلى الله عليه و سلم وخلاف قول الأئمة رضي الله عنهم ... والله أمركم عجيب معجب ... ضدان فيكم ليس يتفقان ...
... تقديم آراء الرجال عليه مع ... هذا الغلو فكيف يجتمعان ...
... كفرتم من جرد التوحيد جهلا منكم بحقائق الإيمان ...
... لكن تجردتم لنصر الشرك والبدع المضلة في رضى الشيطان ...
... والله لم نقصد سوى التجريد للتوحيد ذاك وصية الرحمن ...
... ورضى رسول الله منا لا غلو الشرك أصل عبادة الأوثان ...
... والله لو يرضى الرسول دعاءنا ... إياه بادرنا الى الاذعان ...
... والله لو يرضى الرسول سجودنا ... كنا نخر له على الأذقان ...
... والله ما يرضيه منا غير اخلاص وتحكيم لذا القرآن (2/351)
ولقد نهى ذا الخلق عن إطرائه ... فعل النصارى عابدي الصلبان ...
... ولقد نهانا أن نصير قبره ... عيدا حذار الشرك بالرحمن ...
... ودعا بأن لا يجعل القبر الذي ... قد ضمه وثنا من الأوثان ...
... فأجاب رب العالمين دعاءه ... وأحاطه بثلاثة الجدران ...
... حتى اغتدت أرجاؤه بدعائه ... في عزة وحماية وصيان ...
قوله ولقد نهى ذا الخلق عن إطرائه الخ يشير الى قوله صلى الله عليه و سلم لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله متفق عليه
قوله ولقد نهانا أن نصير قبره عيدا الخ يشير الى حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فان صلاتكم تبلغني حيث كنتم رواه أبو داود باسناد حسن ورواته ثقات وعن علي بن الحسين رضي الله عنه أنه رأى رجلا يجيء الى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه و سلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه وقال ألا أحدثكم حديثا سمعته من ابي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا فان تسليمكم يبلغني أين كنتم رواه في المختارة ورواه ابو يعلى والقاضي اسماعيل وقال سعيد ابن منصور في سننه حدثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني سهيل ابن أبي صالح قال رآني الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهم عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى فقال هلم الى العشاء فقلت لا أريده فقال ما لي رأيتك عند القبر فقلت سلمت على النبي صلى الله عليه و سلم فقال اذا دخلت المسجد فسلم ثم قال إن رسول صلى الله عليه و سلم (2/352)
قال لا تتخذوا قبري عيدا ولا تتخذوا بيوتكم مقابر وصلوا علي فان صلاتكم تبلغني حيثما كنتم لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ما انتم ومن بالأندلس الا سواء وقال سعيد ايضا حدثنا حبان بن علي ثنا محمد بن عجلان عن أبي سعيد مولى المهري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي فان صلاتكم تبلغني قال شيخ الاسلام فهذان المرسلان من هذين الوجهين المختلفين يدلان على ثبوت الحديث لا سيما وقد احتج به من أرسله وذلك يقتضي ثبوته عنده هذا لو لم يرو من وجوه مسندة غير هذين فكيف وقد تقدم مسندا
وقال أيضا فانظر الى هذه السنة كيف مخرجها من اهل المدينة وأهل البيت الذين لهم من رسول الله صلى الله عليه و سلم قرب النسب وقرب الدار لأنهم الى ذلك أحوج من غيرهم فكانوا له اضبط انتهى
قوله ودعا بأن لا يجعل القبر الذي قد ضمه الخ قال القرطبي ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي صلى الله عليه و سلم فأعلوا حيطان تربته وسدوا المداخل اليها وجعلوها محدقة بقبره صلى الله عليه و سلم ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة إذ كان مستقبل المصلين فتصور الصلاة اليه بصورة العبادة فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من ناحية الشمال حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره انتهى وهذا معنى قول الناظم حتى اغتدت أرجاؤه بدعائه الخ
قال الناظم رحمه الله تعالى ... ولقد غدا عند الوفاة مصرحا ... باللعن يصرخ فيهم بأذان (2/353)
وعنى الألى جعلوا القبور مساجدا ... وهم اليهود وعابدو الصلبان ...
... والله لولا ذاك أبرز قبره ... لكنهم حجبوه بالحيطان ...
... قصدوا الى تسنيم حجرته ليمتنع السجود له على الاذقان ...
... قصدوا موافقة الرسول وقصده التجريد للتوحيد للرحمن ...
قوله ولقد غدا عند الوفاة الخ يشير الى حديث عائشة رضي الله عنها قالت لما نزل برسول الله صلى الله عليه و سلم طفق طفق خميصة له على وجهه فاذا اغتم بها كشفها فقال وهو كذلك لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا أخرجاه
قولها غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا روي بفتح الخاء وضمها فعلى الفتح هو الذي خشي ذلك صلى الله عليه و سلم وأمرهم أن يدفنوه في المكان الذي قبض فيه وعلى رواية الضم يحتمل ان يكون الصحابة هم الذين خافوا أن يقع ذلك من بعض الامة فلم يبرزوا قبره خشية ان يقع ذلك من بعض الأمة غلوا وتعظيما بما أبدى وأعاد من النهي عنه والتحذير منه ولعن فاعله
قوله قصدوا الى تسنيم حجرته الخ تقدم كلام القرطبي رحمه الله تعالى في ذلك ولعل الناظم أخذ هذا المعنى من كلامه قال الناظم رحمه الله تعالى ... يا فرقة جهلت نصوص نبيهم ... وقصوده وحقيقة الإيمان ...
... فسطوا على أتباعه وجنوده ... بالبغي والعدوان والبهتان ...
... لا تعجلوا وتبينوا وتثبتوا ... فمصابكم ما فيه من جبران (2/354)
قلنا الذي قال الأئمة قبلنا ... وبه النصوص أتت على التبيان ...
... القصد حج البيت وهو فريضة الرحمن واجبة على الأعيان ...
... ورحالنا شدت اليه من بقا ... ع الأرض قاصيها كذاك الداني ...
... من لم يزر بيت الإله فماله ... من حجه سهم ولا سهمان ...
... وكذا نشد رحالنا للمسجد النبوي خير مساجد البلدان ...
... من بعد مكة أو على الاطلاق فيه الخلف عند الناس منذ زمان ...
... ونراه عند النذر فرضا لكن النعمان يأبى ذا وللنعمان ...
... أصل هو النافي الوجوب فإنه ... ما جنسه فرض على الإنسان ...
... ولنا براهين تدل بأنه ... بالنذر مفترض على الانسان ...
... أمر الرسول لكل ناذر طاعة ... بوفائه بالنذر بالاحسان ...
... وصلاتنا فيه بألف في سوا ... ه ما خلا ذا الحجر والأركان ...
... وكذا صلاة في قبا فكعمرة ... في أجرها والفضل للمنان ...
... فاذا اتينا المسجد النبوي صلينا التحية أولا ثنتان ...
... بتمام أركان لها وخشوعها ... وحضور قلب فعل ذي الاحسان ...
... ثم أنثنينا للزيارة نقصد القبر الشريف ولو على الأجفان ...
... فنقوم دون القبر وقفة خاضع ... متذلل في السر والاعلان ...
... فكأنه في القبر حي ناطق ... فالواقفون نواكس الاذقان (2/355)
ملكتهم تلك المهابة فاعترت ... تلك القوائم كثرة الرجفان ...
... وتفجرت تلك العيون بمائها ... ولطالما غاضت على الأزمان ...
... وأتى المسلم بالسلام بهيبة ... ووقار ذي علم وذي إيمان ...
... لم يرفع الأصوات حول ضريحه ... كلا ولم يسجد على الأذقان ...
... كلا ولم ير طائفا بالقبر اسبوعا كأن القبر بيت ثان ...
... ثم انثنى بدعائه متوجها ... لله نحو البيت ذي الأركان ...
... هذي زيارة من غدا متمسكا ... بشريعة الاسلام والإيمان ...
... من افضل الأعمال هاتيك الزيا ... رة وهي يوم الحشر في الميزان ...
... لا تلبسوا الحق الذي جاءت به ... سنن الرسول بأعظم البطلان ...
... هذي زيارتنا ولم ننكر سوى البدع المضلة يا أولي العدوان ...
... وحديث شد الرحل نص ثابت ... يجب المصير اليه بالبرهان ...
مراد الناظم رحمه الله انا قلنا بما قالت به الأئمة قبلنا ودلت عليه النصوص فذكر ان حج البيت فريضة وهذا معلوم بالاضطرار من دين الاسلام
قوله ورحالنا شدت اليه الخ يشير الى الحديث المتفق عليه من حديث ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تشد الرحال الا إلى ثلاثة مساجد الحديث
وكذا نشد رحالنا للمسجد النبوي الخ أقول
قوله هذه مسألة الزيارة وهي التي أفتى فيها شيخ الاسلام وحبس بسببها حتى مات في الحبس ولنذكر جوابه في المسألة وذلك أنه سئل عن رجل نوى زيارة قبر نبي من الأنبياء عليهم السلام مثل نبينا صلى الله عليه و سلم وغيره (2/356)
فهل يجوز له في سفره أن يقصر الصلاة وهل هي زيارة شرعية أم لا وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من حج فلم يزرني فقد جفاني ومن زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي وقد روي عنه انه قال لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا
أجاب الشيخ رضي الله عنه الحمد لله رب العالمين أما من سافر لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين فهل يجوز له القصر على قولين أحدهما وهو قول متقدمي العلماء الذين لا يجوزون القصر في سفر المعصية كأبي عبد الله ابن بطة وأبي الوفاء ابن عقيل وطوائف كثيرة من العلماء المتقدمين أنه لا يجوز القصر في هذا السفر لأنه سفر منهي عنه ومذهب مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله أن السفر المنهي عنه في الشريعة لا يقصر فيه والقول الثاني أنه يقصر وهذا يقوله من يجوز القصر في السفر المحرم كأبي حنيفة ويقوله بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي وأحمد ممن يجوز السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين كأبي حامد الغزالي وأبي الحسن ابن عبدوس الحراني وأبي محمد ابن قدامة المقدسي وهؤلاء يقولون إن هذا السفر ليس بمحرم لعموم قوله صلى الله عليه و سلم زوروا القبور وقد يحتج بعض من لا يعرف الحديث بالاحاديث المروية في زيارة قبر النبي صلى الله عليه و سلم كقوله من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي رواه الدارقطني وابن ماجة وأما ما يذكره بعض الناس من قوله من قوله من حج فلم يزرني فقد جفاني فهذا لم يروه احد من العلماء وهو مثل قوله من زارني وزار أبي في عام واحد ضمنت له على الله الجنة فان هذا أيضا باطل باتفاق العلماء لم يروه أحد ولم يحتج به أحد وانما يحتج بعضهم بحديث الدارقطني (2/357)
ونحوه وقد احتج أبو محمد المقدسي على جواز السفر لزيارة القبور بأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يزور مسجد قباء وأجاب عن حديث لا تشد الرحال بأن ذلك محمول على نفي الاستحباب وأما الأولون فانهم يحتجون بما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الاقصى ومسجدي هذا وهذا الحديث اتفق العلماء على صحته والعمل به فلو نذر الرجل أن يصلي في مسجد أو مشهد أو يعتكف فيه أو يسافر اليه غير هذه الثلاثة لم يجب عليه ذلك باتفاق الأئمة ولو نذر أن يأتي المسجد الحرام لحج أو عمرة وجب عليه ذلك باتفاق العلماء ولو نذر أن يأتي مسجد النبي صلى الله عليه و سلم أو المسجد الاقصى لصلاة او اعتكاف وجب عليه الوفاء بهذا النذر عند مالك والشافعي في أحد قوليه وأحمد ولم يجب عليه عند ابي حنيفة لأنه لا يجب عنده بالنذر إلا ما كان جنسه واجبا بالشرع أما الجمهور فانهم يوجبون الوفاء بكل طاعة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من نذر أن يطيع الله فليطعه الحديث رواه البخاري
وأما السفر الى بقعة غير المساجد الثلاثة فمل يوجب أحد من العلماء السفر اليها إذا نذره حتى نص بعض العلماء على أنه لا يسافر الى مسجد قباء لأنه ليس من الثلاثة مع أن مسجد قباء تستحب زيارته لمن كان بالمدينة لأن ذلك ليس بشد رحل كما في الصحيح من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء لا يريد الا الصلاة فيه كان كعمرة قالوا ولان السفر لزيارة قبور الانبياء والصالحين بدعة لم يفعلها احد الصحابة والتابعين ولا أمر بها رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا استحبها احد من ائمة المسلمين فمن اعتقد ذلك عبادة وفعلها فهذا مخالف للسنة واجماع الأمة وهذا مما ذكره أبو عبد الله ابن بطة في الابانة الصغرى (2/358)
من البدع المخالفة للسنة والاجماع وبهذا يظهر ضعف حجة ابي محمد المقدسي فان زيارة النبي صلى الله عليه و سلم لمسجد قباء لم تكن بشد رحل وهو يسلم لهم ان السفر اليه لا يجب بالنذر
وقوله إن قوله لا تشد الرحال محمول على نفي الاستحباب يجاب عنه من وجهين أحدهما أن هذا تسليم منه ان هذا السفر ليس بعمل صالح ولا قربة وطاعة فقد خالف الاجماع واذا سافر لاعتقاد أنها طاعة فذلك محرم باجماع المسلمين فصار التحريم من جهة اتخاذه قربة ومعلوم ان احدا لا يسافر اليها الا لذلك وأما اذا قدر أن شد الرحل اليها لغرض مباح فهذا جائز وليس من هذا الباب
الوجه الثاني أن الحديث يقتضي النهي والنهي يقتضي التحريم وما ذكروه من الأحاديث في زيارة قبر النبي صلى الله عليه و سلم فكلها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث بل هي موضوعة لم يرو أحد من أهل السنن المعتمدة شيئا منها ولم يحتج احد من الائمة منها بشيء بل مالك إمام أهل المدينة النبوية الذين هم أعلم الناس بحكم هذه المسألة كره أن يقول الرجل زرت قبر النبي صلى الله عليه و سلم ولو كان هذا اللفظ معروفا عندهم مشروعا أو مأثورا عن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكرهه عالم المدينة والإمام احمد رضي الله عنه أعلم الناس في زمانه بالسنة لما سئل عن ذلك لم يكن عنده ما يعتمد عليه في ذلك إلا حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام وعلى هذا اعتمد أبو داود في سننه وكذلك مالك في الموطأ روى عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا دخل المسجد قال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك (2/359)
يا أبت ثم ينصرف وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي أينما كنتم فان صلاتكم تبلغني وفي سنن سعيد بن منصور عن حسن بن حسن بن علي ابن أبي طالب أنه رأى رجلا يختلف الى قبر النبي صلى الله عليه و سلم ويدعو عنده فقال يا هذا إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي أينما كنتم فان صلاتكم تبلغني فما أنت ورجل بالأندلس منه الا سواء وكان الصحابة والتابعون لما كانت الحجرة النبوية منفصلة عن المسجد الى زمن الوليد ابن عبد الملك لا يدخل عنده احد لا لصلاة هناك ولا لمسح قبر ولا لدعاء بل هذا انما كانوا يفعلونه في المسجد وكان السلف من الصحابة والتابعين إذا سلموا عليه وأرادوا الدعاء دعوا مستقبلي القبلة ولم يستقبلوا القبر وأما الوقوف للسلام عليه صلوات الله وسلامه عليه فقال أبو حنيفة يستقبل القبلة ايضا ولا يستقبل القبر وقال أكثر الأئمة يستقبل القبر عند السلام خاصة ولا يستقبل القبر عند الدعاء وليس في ذلك إلا حكاية مكذوبة تروى عن مالك ومذهبه بخلافها ولم يقل أحد من الأئمة أنه يستقبل القبر عند الدعاء واتفق الائمة على أنه لا يتمسح بقبر النبي صلى الله عليه و سلم ولا يقبله وهذا كله محافظة على التوحيد فان من أصول الشرك بالله سبحانه اتخاذ القبور مساجد كما قالت طائفة من السلف في قوله تعالى وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا نوح وقالوا هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا على صورهم تماثيل ثم طال عليهم الأمد فعبدوها وقد ذكر هذا المعنى البخاري في صحيحه عن ابن عباس وذكره محمد ابن جرير الطبري وغيره في التفسير عن غير واحد من السلف وذكره (2/360)
وثيمة وغيره في قصص الانبياء من عدة طرق وقد بسطت الكلام على أصول هذه المسائل في غير الموضع وأول من وضع الأحاديث في السفر لزيارة المشاهد أهل البدع الرافضة ونحوهم الذين يعطلون المساجد ويعظمون المشاهد يدعون بيوت الله التي أمر الله أن يذكر فيها اسمه ويعبد فيها وحده لا شريك له ويعظمون المشاهد التي يشرك فيها ويبتدع فيها دين لم ينزل الله به سلطانا فان الكتاب والسنة إنما فيهما ذكر المساجد لا المشاهد كما قال الله تعالى قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد الأعراف وغير ذلك من الآيات والله تعالى أعلم انتهى
واعلم ان من أدلة المجوزين لشد الرحل الى ما ذكره التقي السبكي في كتابه شفاء السقام من الأحاديث المروية في زيارة قبر النبي صلى الله عليه و سلم كقوله عليه السلام من زار قبري وجبت له شفاعتي رواه الدارقطني وفي رواية حلت له شفاعتي وقوله عليه الصلاة و السلام من جاءني زائرا لا يعمله حاجة الا زيارتي كان حقا علي ان أكون له شفيعا يوم القيامة رواه الطبراني وقوله صلى الله عليه و سلم من حج الى مكة ثم قصدني في مسجدي كتب له حجتان مبرورتان رواه ابن عباس وقوله صلى الله عليه و سلم من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي رواه الدارقطني والحديث الذي روي من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني رواه ابن عمر وأطنب السبكي في الأدلة وقد أجاب المانعون عن جميع ذلك كما قال الامام الحافظ أبو عبد الله محمد بن احمد بن عبد الهادي في كتابه الذي سماه الصارم المنكي في الرد على السبكي ما نصه أما بعد فاني وقفت على الكتاب الذي ألفه بعض قضاه الشافعية في الرد على شيخ الاسلام تقي الدين احمد بن تيمية في مسألة شد الرحال واعمال المطي الى القبور وذكر (2/361)
أنه سماه شن الغارة على من أنكر سفر الزيارة ثم زعم أنه اختار ان يسميه شفاء السقام في زيارة خير الأنام فوجدته كتابا مشتملا على تصحيح الاحاديث الضعيفة والموضوعة وتقوية الآثار الواهية والمكذوبة وعلى تضعيف الأحاديث الصحيحة الثابتة والآثار القوية المقبولة أو تحريفها عن مواضعها وصرفها عن ظواهرها بالتأويلات المستنكرة المردودة ورأيت مؤلف هذا الكتاب رجلا مماريا معجبا برأيه متبعا لهواه ذاهبا في كثير مما يعتقده الى الأقوال الشاذة والآراء الساقطة صائرا في أشياء مما يعتمده الى الشبه المخيلة والحجج الداحضة وربما خرق الاجماع في مواضع لم يسبق اليها ولم يوافقه احد من الأئمة عليها وهو في الجملة لون عجيب ونبأ غريب تارة يسلك فيما ينصره ويقويه مسلك المجتهدين فيكون مخطئا في ذلك الاجتهاد ومرة يزعم فيما يقوله ويدعيه أنه من جملة المقلدين فيكون من قلده مخطئا في ذلك الاعتقاد ونسأل الله سبحانه أن يلهمنا رشدنا ويرزقنا الهداية والسداد هذا مع أنه إن ذكر حديثا مرفوعا أو أثرا موقوفا وهو غير ثابت قبله اذا كان موافقا لهواه وان كان ثابتا رده إما بتأويل أو غيره اذا كان مخالفا لهواه وإن نقل عن بعض الأئمة الأعلام كمالك أو غيره ما يوافق رأيه قبله وان كان مطعونا فيه غير صحيح عنه وإن كان مما يخالف رأيه رده ولم يقبله وإن كان صحيحا ثابتا عنه وان حكى شيئا مما يتعلق بالكلام على الحديث وأحوال الرواة عن احد من أئمة الجرح والتعديل كالامام احمد بن حنبل وابي حاتم الرازي وأبي حاتم ابن حبان البستي وأبي جعفر العقيلي وابي احمد ابن عدي وابي عبد الله الحاكم صاحب المستدرك وأبي بكر البيهقي وغيرهم من (2/362)
الحفاظ وكان مخالفا لما ذهب اليه لم يقبل قوله ورده عليه وناقشه فيه وان كان ذلك الامام قد أصاب في ذلك القول ووافقه غيره من الأئمة عليه وإن كان موافقا لما صار اليه تلقاه بالقبول واحتج به واعتمد عليه وان كان ذلك الامام قد خولف في ذلك القول ولم يتابعه غيره من الأئمة عليه وهذا هو عين الجور والظلم وعدم القيام بالقسط نسأل الله تعالى التوفيق ونعوذ به من الخذلان واتباع الهوى هذا مع أنه حمله إعجابه برأيه وغلبة اتباع هواه على أن نسب سوء الفهم والغلط في النقل الى جماعة من العلماء الأعلام المعتمد عليهم في حكاية مذاهب الفقهاء واختلافهم وتحقيق معرفة الأحكام حتى زعم أن ما نقله الشيخ أبو زكريا النووي في شرح مسلم عن الشيخ أبي محمد الجويني من النهي عن شد الرحال وإعمال المطي الى غير المساجد الثلاثة كالذهاب الى قبور الأنبياء والصالحين والى المواضع الفاضلة ونحو ذلك هو مما غلط فيه الشيخ أبي محمد او ان ذلك مما وقع منه على سبيل السهو والغفلة قال ولو قاله هو يعني الشيخ ابا محمد أو غيره ممن يقبل كلامه الغلط لحكمنا بغلطه وأنه لم يفهم مقصود الحديث فانظر الى كلام هذا المعترض المتضمن لرد النقل الصحيح بالرأي الفاسد واجمع بينه وبين ما حكاه عن شيخ الاسلام من الافتراء العظيم والافك المبين والكذب الصراح وهو ما نقله عنه من أنه جعل زيارة قبر النبي صلى الله عليه و سلم وقبور سائر الانبياء عليهم السلام معصية بالاجماع مقطوعا بها هكذا ذكر هذا المعترض عن بعض قضاة الشافعية عن الشيخ أنه قال هذا القول الذي لا يشك عاقل من أصحابه وغير أصحابه أنه كذب مفترى لم يقله قط ولا يوجد في شيء من كتبه ولأول كلامه عليه بل كتبه كلها ومناسكه وفتاويه وأقواله وأفعاله (2/363)
تشهد ببطلان هذا النقل عنه ومن له أدنى علم وبصيرة يقطع بأن هذا مفتعل مختلق على الشيخ وأنه لم يقله قط وقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين الحجرات وهذا المعترض يعلم أن ما نقله عن القاضي المشهور بما لا أحب حكايته عنه في هذا المقام عن شيخ الاسلام من هذا الكلام كذب مفترى لا يرتاب في ذلك ولكن يطفف ويداهن ويقول بلسانه ما ليس في قلبه ولقد أخبرني الثقة أنه ألف هذا الكتاب لما كان بمصر قبل أن يلي القضاء بالشام بمدة كثيرة ليتقرب به الى القاضي الذي حكى عنه هذا الكذب ويحظى لديه فخاب امله ولم يتفق عنده وقد كان هذا القاضي الذي جمع المعترض كتابه لأجله من أعداء الشيخ المشهورين وقد زعم هذا المعترض أيضا مع هذا الأمر الفظيع الذي ارتكبه من التكذيب بالصدق والتصديق بالكذب أن الفتاوي المشهورة التي أجاب بها علماء اهل بغداد موافقة للشيخ مختلقة موضوعة وضعها بعض الشياطين هكذا زعم مع علم العام والخاص بأن هذه الفتاوي مما شاع خبرها وذاع واشتهر امرها وانتشر وهي صحيحة ثابتة متواترة عمن افتى بها من العلماء وقد رأيت أنا وغيري خطوطهم بها الى ان قال وليعلم قبل الشروع في الكلام مع هذا المعترض أن شيخ الاسلام رحمه الله تعالى لم يحرم زيارة القبور على الوجه المشروع في شئ من كتبه ولم ينه عنها ولم يكرهها بل استحبها وحض عليها ومصنفاته ومناسكه طافحة بذكر استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه و سلم وسائر القبور
قال رحمه الله تعالى في بعض مناسكه باب زيارة النبي صلى الله عليه و سلم إذا أشرف على مدينة النبي صلى الله عليه و سلم قبل الحج أو بعده فليقل ما تقدم فاذا (2/364)
دخل استحب له ان يغتسل نص عليه الامام احمد فاذا دخل المسجد بدأ برجله اليمنى وقال بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك ثم يأتي الروضة بين القبر والمنبر فيصلي بها ويدعو بما شاء ثم يأتي قبر النبي صلى الله عليه و سلم فيستقبل جدار القبر ولا يمسه ولا يقبله ويجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه ليكون قائما وجاه النبي صلى الله عليه و سلم ويقف متباعدا كما يقف لو ظهر في حياته بخشوع وسكون منكسر الرأس غاض الطرف مستحضرا بقلبه جلالة موقفه ثم يقول السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته السلام عليك يا نبي الله وخيرته من خلقه السلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين أشهد ان لا أله ألا الله وأشهد انك رسول الله أشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك ودعوت الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وعبدت الله حتى أتاك اليقين فجزاك الله أفضل ما جزى نبيا ورسولا عن أمته اللهم آته الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته يغبطه به الأولون والآخرون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد اللهم احشرنا في زمرته وتوفنا على سنته وأوردنا حوضه واسقنا بكأسه مشربا رويا لانظمأ بعده أبدا ثم يأتي أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فيقول السلام عليك يا أبا بكر الصديق السلام عليك يا عمر الفاروق السلام عليكما يا صاحبي رسول الله صلى الله عليه و سلم وضجيعيه ورحمة الله وبركاته جزاكما الله تعالى عن صحبه نبيكما وعن الاسلام خيرا سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار (2/365)
قال ويزور قبور اهل البقيع وقبور الشهداء إن أمكن هذا كلام الشيخ بحروفه وكذلك سائر كتبه ذكر فيها استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه و سلم وسائر القبور ولم ينكر زيارتها في موضع من المواضع ولا ذكر في ذلك خلافا الا نقلا غريبا ذكره في بعض كتبه عن بعض التابعين وانما تكلم في مسألة شد الرحال وأعمال المطي الى مجرد زيارة القبور وذكر في ذلك قولين للعلماء المتقدمين والمتأخرين أحدهما القول بإباحة ذلك كما يقوله بعض أصحاب الشافعي واحمد والثاني أنه منهي عنه كما نص عليه إمام دار الهجرة مالك بن أنس ولم ينقل عن الأئمة الثلاثة خلافه وإليه ذهب جماعة من أصحاب الشافعي واحمد هكذا ذكر الشيخ الخلاف في شد الرحال واعمال المطي الى القبور ولم يذكره في الزيارة الخالية عن شد رحل واعمال مطي والسفر الى زيارة القبور مسألة وزيارتها من غير سفر مسألة أخرى ومن خلط هذه المسألة بهذه المسألة وجعلهما مسألة واحدة وحكم عليهما بحكم واحد وأخذ في التشنيع على من فرق بينهما وبالغ في التنفير عنه فقد حرم التوفيق وحاد عن سواء الطريق واحتج الشيخ لمن قال بمنع شد الرحل بالحديث المشهور المتفق على صحته من حديث ابي هريرة وابي سعيد الخدري بحديث لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى هذا هو الذي نقله الشيخ رحمه الله تعالى حكى الخلاف في مسألة بين العلماء واحتج لأحد القولين بحديث متفق على صحته فأي عتب عليه في ذلك ولكن نعوذ بالله تعالى من الحسد والبغي واتباع الهوى والله سبحانه المسؤول ان يوفقنا واخواننا المسلمين لما يحبه ويرضاه من العمل الصالح والقول الجميل فانه يقول الحق ويهدي السبيل انتهى (2/366)
وهذا الذي ذكرناه لما تضمنته هذه الأبيات التي تقدمت والله أعلم
قوله من بعد مكة أو على الاطلاق الخ هذه المسألة فيها خلاف مشهور بين العلماء فذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد في احدى الروايتين إلى أن مكة أفضل وذهب مالك الى ان المدينة أفضل وهو الرواية الثانية عن أحمد واحتج من فضل مكة بما رواه عبد الله بن عدي بن الحمراء أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم وهو واقف بالحزورة في سوق مكة والله انك لخير أرض الله وأحب ارض الله الى الله ولولا أن قومي أخرجوني منك ما خرجت رواه أحمد والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال حسن صحيح واحتجوا أيضا بأن مضاعفة الصلاة فيها أكثر وأما الحديث المروي اللهم إنهم أخرجوني من أحب البقاع إلي فأسكني أحب البقاع اليك فهو حديث لا يعرف
قال شيخ الاسلام هو حديث موضوع كذب لم يروه أحد من أهل العلم
واحتج من فضل المدينة بأخبار صحيحه تدل على فضلها لا على فضيلتها على مكة والله أعلم
وقول الناظم رحمه الله ونراه عند النذر فرضا الخ اعلم ان العلماء اختلفوا فيمن نذر طاعة بشرط يرجوه كأن شفى الله مريضي فعلي أن أتصدق بكذا ونحو ذلك فذهب جمهور العلماء إلى أنه يجب الوفاء بكل طاعة وحكي عن ابي حنيفة أنه لا يحب الوفاء الا بما جنسه واجب باصل الشرع كالصوم أما ما ليس كذلك كالاعتكاف فلا يوجب الوفاء به وحجة الجمهور قوله صلى الله عليه و سلم من نذر أن يطيع الله فليطعه رواه البخاري والله أعلم (2/367)
فصل
في تعيين ان اتباع السنة والقرآن طريق للنجاة من النيران
... با من يريد نجاته يوم الحسا ... ب من الجحيم وموقد النيران ... اتبع رسول الله في الأقوال وال أعمال لا تخرج عن القرآن ... وخذا الصحيحين اللذين هما لعقد الدين والإيمان واسطتان ...
... واقرأهما بعد التجرد من هوى ... وتعصب وحمية الشيطان ... واجعلهما حكما ولا تحكم على ... ما فيها أصلا بقول فلان ... واجعل مقالته كبعض مقالة ال أشياخ تنصرها بكل أوان ... وانصر مقالته كنصرك للذي ... قلدته من غير ما برهان ...
... قدر رسول الله عندك وحده ... والقول منه اليك ذو تبيان ... ماذا ترى فرضا عليك معنيا ... ان كنت ذا عقل وذا إيمان ... عرض الذي قالوا على أقواله ... أو عكس ذاك فذلك الامران ... هي مفرق الطرقات بين طريقنا ... وطريق أهل الزيغ والعدوان ... قدر مقالات العباد جميعهم ... عدما وراجع مطلع الإيمان ... واجعل جلوسك بين صحب محمد وتلق معهم عنه بالإحسان (2/368)
وتلق عنهم ما تلقوه هم ... عنه من الإيمان والعرفان ... أفليس في هذا بلاغ مسافر ... يبغي الإله وجنة الحيوان ...
شرع الناظم رحمه الله تعالى في الوصية بما ينجي يوم الحساب من العذاب والنار وبين أن يكون باتباع رسول الله صلى الله عليه و سلم في الأقوال والأعمال كما قال تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله آل عمران ثم حث على لزوم الصحيحين أي صحيح البخاري ومسلم واتخاذهما حكما فيحكم بهما ولا يحكم عليهما وذلك بعد أن تتجرد من الهوى والتعصب والحمية قال واجعل مقالته كبعض مقالات الأشياخ أي اجعل مقالته صلى الله عليه و سلم كبعض مقالات الأشياخ التي ينصرها المقلدون بكل أوان وكنصرك للذي قلدته من غير برهان الذي غاية أقواله أن تكون سائغة الاتباع وأما أقوال الرسول صلى الله عليه و سلم فهي واجبة الاتباع كما قال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية النساء ثم قال قدر رسول الله عندك وأنت تسمع كلامه منه بلا واسطة فهل ترى فرضا عليك عرض أقواله على اقوال من قلدته أو عكس ذلك أي عرض أقوالهم على أقواله وهذان الامران هما مفرق الطرق بين طريقنا وطريق أهل الزيغ والعدوان
قوله قدر مقالات العباد جميعهم عدما الخ أي قدر مقالات العباد ثم راجع مطلع الايمان أي الكتاب والسنة وقدر نفسك جالسا بين صحب محمد صلى الله عليه و سلم وأنت تسمع منه فاذا كان فرض عليك اتباع ما جاء به صلى الله عليه و سلم وعرض كلام الناس على كلامه لو كنت حاضرا بين يديه فما الذي أسقط هذا الفرض عنك وأنت تسمع كتابه الذي جاء به وسنته الصحيحة الصريحة غضة طرية (2/369)
قال الناظم رحمه الله تعالى
... لولا التنافس بين هذا الخلق ما ... كان التفرق قط في الحسبان ... فالرب رب واحد وكتابه ... حق وفهم الحق منه دان ... ورسوله قد أوضح الحق المبين بغاية الايضاح والتبيان ... ما ثم أوضح من عبارته فلا ... يحتاج سامعها الى تبيان ... والنصح منه فوق كل نصيحة ... والعلم مأخوذ عن الرحمن ... فلأي شيء يعدل الباغي الهدى ... عن قوله لولا عمى الخذلان ... فالنقل عنه مصدق والقول من ... ذي عصمة ما عندنا قولان ... والعكس عند سواه في الأمرين يا ... من يهتدي هل يستوي النقلان ... تالله قد لاح الصباح لمن له ... عينان نحو الفجر ناظرتان ... وأخو العماية في عمايته يقو ... ل الليل بعد أيستوي الرجلان ... تالله قد رفعت لك الأعلام ان ... كنت المشمر نلت دار أمان ... وإذا جنيت وكنت كسلانا فما ... حرم الوصول اليه غير جبان ... فاقدم وعد بالوصل نفسك واهجر المقطوع منه قاطع الانسان ...
... عن نيل مقصده فذاك عدوه ... ولو أنه منه القريب الداني ...
ذكر الناظم في هذه الأبيات أنه لولا التنافس بين هذا الخلق لم يوجد التفرق وذلك أن الرب سبحانه واحد وكتابه واحد وفهمه يسير والرسول صلى الله عليه و سلم قد أوضح الحق بغاية الايضاح فلا عبارة اوضح من عبارته (2/370)
ولا نصح فوق نصحه وعلمه مأخوذ عن الله تعالى فعدول الباغي عن ذلك هو عين الخذلان ثم ذكر أن عكس الأمرين عند غيره وقد لاح الصباح لذي عينين وأخو العماية في عماية جهله نعوذ بالله من العمى
فصل
في تيسير السير الى الله على المثبتين الموحدين وامتناعه على المعطلين والمشركين
... يا قاعدا سارت به أنفاسه ... سير البريد وليس بالذملان ...
قال في القاموس الذميل كأمير السير اللين ماكان أو فوق العنق ذمل يذمل ويذمل ذملا وذمولا وذميلا وذملانا وناقة ذمول من ذمل ... حتى متى هذا الرقاد وقد سرى ... وفد المحبة مع أولي الاحسان ... وحدت بهم عزماتهم نحو العلى ... لاحادي الركبان والاظعان ...
قوله وحدت بهم عزماتهم الخ قال في القاموس حدا الإبل حدوا وحداء زجرها وساقها انتهى ... ركبوا العزائم واعتلوا بظهورها ... وسروا فما حنوا الى نعمان ... ساروا رويدا ثم جاؤوا أولا ... سير الدليل يؤم بالركبان ... ساروا باثبات الصفات اليه لا التعطيل والتحريف والنكران (2/371)
عرفوه بالأوصاف فامتلأت قلو ... بهم له بالحب والإيمان ... فتطايرت تلك القلوب اليه بال أشواق إذ ملئت من العرفان ... وأشدهم حبا له أدراهم ... بصفاته وحقائق القرآن ... فالحب يتبع للشعور بحسبه ... يقوى ويضعف ذاك ذو تبيان ... ولذاك كان العارفون صفاته أحبابه هم اهل هذا الشان ... ولذاك كان العالمون بربهم ... أحبابه وبشرعة الإيمان ... ولذاك كان الجاهلون بذا وذا ... بغضاءه حقا وذوي شنآن ... وحياة قلب العبد في شيئين من يرزقهما يحيى مدى الأزمان ...
... في هذه الدنيا وفي الأخرى يكو ... ن الحي ذا الرضوان والإحسان ... ذكر الإله وحبه من غير اشراك به وهما فممتنعان ... من صاحب التعطيل حقا كامتنا ... ع الطائر المقصوص من طيران ... أيحبه من كان ينكر وصفه ... وعلوه وكلامه بقرآن ... لا والذي حقا على العرش استوى متكلما بالوحي والفرقان ... الله أكبر ذاك فضل الله يؤ ... تيه لمن يرضى بلا حسبان ... وترى المخلف في الديار تقول ذا ... إحدى الأثافي خص بالحرمان ... الله أكبر ذاك عدل الله يقضيه على من شاء من إنسان (2/372)
قوله على هذا وهذا الحمد في الأولى وفي الأخرى هما حمدان ... حمد لذات الرب جل جلاله ... وكذاك حمد العدل والإحسان ...
... يا من تعز عليهم أرواحهم ... ويرون غبنا بيعها بهوان ... ويرون خسرانا مبينا بيعها ... في إثر كل قبيحة ومهان ... ويرون ميدان التسابق بارز ... فيتاركون تقحم الميدان ... ويرون انفاس العباد عليهم ... قد أحصيت بالعد والحسبان ... ويرون أن أمامهم يوم اللقا ... لله مسئلتان شاملتان ... ماذا عبدتم ثم ماذا قد أجبتم من أتى بالحق والبرهان ... هاتوا جوابا للسؤال وهيئوا ... أيضا صوابا للجواب يداني ... وتيقنوا ان ليس ينجيكم سوى ... تجريدكم لحقائق الإيمان ...
يشير إلى الحديث وهو قوله صلى الله عليه و سلم كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم المرسلين ... تجريدكم توحيده سبحانه ... عن شركة الشيطان والأوثان ... وكذاك تجريد اتباع رسوله ... عن هذه الآراء والهذيان ... والله ما ينجي الفتى من ربه ... شيء سوى هذا بلا روغان ... يا رب جرد عبدك المسكين را ... جي الفضل منك أضعف العبدان ... لم تنسه وذكرته فاجعله لا ... ينساك أنت بدأت بالإحسان (2/373)
وبه ختمت فكنت أولى بالجميل وبالثناء من الجهول الجاني ... فالعبد ليس يضيع بين فواتح ... وخواتم من فضل ذي الغفران ... أنت العليم به وقد أنشأته من تربة هي أضعف الاركان ... كل عليها قد علا وهوت الى ... تحت الجميع بذلة وهوان ... وعلت عليها النار حتى ظن أن ... يعلو عليها الخلق من نيران ... وأتى الى الأبوين ظنا أنه ... سيصير الأبوين تحت دخان ... فسعت الى الأبوين رحمتك التي ... وسعتها فعلا بك الابوان ... هذا ونحن بنوهما وحلو منا ... في جنب حلمهما لدى الميزان ... جزء يسير والعدو فواحد ... لهما وأعدانا بلا حسبان ... والضعف مستول علينا من جميع جهاتنا سيما من الإيمان ...
قوله من تربة هي أضعف الأركان أي إن الانسان مخلوق من تراب
قوله أضعف الأركان أي الأركان الأربعة وهي الماء والهواء والنار والتراب
قوله وعلت عليها النار الخ يعني قوله تعالى عن ابليس اللعين أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين الأعراف
قوله هذا ونحن بنوهما الخ يعني ان عقولنا في جنب عقلهما جزء يسير وعدوهما واحد وأعداؤنا بلا حسبان ... يا رب معذرة اليك فلم يكن ... قصد العباد ركوب ذا العصيان (2/374)
لكن نفوس سولته وغرها ... هذا العدو لها غرور أمان ...
... فتيقنت يارب أنك واسع الغفران ذو فضل وذو إحسان ...
... ومقالنا ما قاله الأبوان قبل مقالة العبد الظلوم الجاني ...
... نحن الألى ظلموا وإن لم تغفر الذنب العظيم فنحن ذو خسران ...
... يا رب فانصرنا على الشيطان ليس لنا به لولا حماك يدان ...
فصل
في ظهور الفرق بين الطائفتين وعدم التباسه الا على من ليس بذي عينين ... والفرق بينكم وبين خصومكم ... من كل وجه ثابت ببيان ...
... ما أنتم منهم ولا هم منكم ... شتان بين السعد والدبران ...
... فاذا دعونا للقرآن دعوتم ... للرأي أين الرأي من قرآن ...
... وإذا دعونا للحديث دعوتم ... أنتم الى تقليد قول فلان ...
... وكذا تلقينا نصوص نبينا ... بقبولها بالحق والاذعان ...
... من غير تحريف ولا جحد ولا ... تفويض ذي جهل بلا عرفان ...
... لكن باعراض وتجهيل وتأ ... ويل تلقيتم مع النكران ...
... أنكرتموها جهدكم فاذا أتى ... ما لا سبيل له الى نكران (2/375)
أعرضتم عنه ولم تستنبطوا ... منه هدى لحقائق الإيمان ...
... فاذا ابتليتم مكرهين بسمعها ... فوضتموها لاعلى العرفان ...
... لكن بجهل للذي سيقت له ... تفويض اعراض وجهل معان ...
... فاذا ابتليتم باحتجاج خصومكم ... أوليتموها دفع ذي صولان ...
... فالجحد والاعراض والتأويل والتجهيل حظ النص عند الجاني ...
... لكن لدينا حظه التسليم مع ... حسن القبول وفهم ذي الاحسان ...
فصل
في التفاوت بين حظ المثبتين والمعطلين من وحي رب العالمين ... ولنا الحقيقة من كلام إلهنا ... ونصيبكم منه المجاز الثاني ...
... وقواطع الوحيين شاهدة لنا ... وعليكم هل يستوي الأمران ...
... وأدلة المعقول شاهدة لنا ... أيضا فقاضونا الى البرهان ...
... وكذاك فطرة ربنا الرحمن شا ... هدة لنا أيضا شهود بيان ...
وكذاك إجماع الصحابة والألى ... تبعوهم بالعلم والإحسان ... وكذاك إجماع الأئمة بعدهم ... هذا كلامهم بكل مكان ...
... هذي الشهود فهل لديكم أنتم ... من شاهد بالنفي والنكران (2/376)
وجنودنا من قد تقدم ذكرهم ... وجنودكم فعساكر الشيطان ...
وهي قواطع الوحيين وأدلة المعقول والفطرة واجماع الصحابة والتابعين والأئمة ... وخيامنا مضروبة بمشاعر الوحيين من خبر ومن قرآن ...
... وخيامكم مضروبة بالتيه فالسكان كل ملدد حيران ...
... هذي شهادتكم على محصولهم ... عند الممات وقولهم بلسان ...
يعني الناظم رحمه الله ما تقدم عن بعض المتكلمين أنه قال عند موته لقد خضت البحر الخضم وتركت أهل الاسلام وعلومهم وخضت في الذي نهوني عنه والآن إن لم يتداركني ربي برحمته وإلا فالويل لفلان وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي وقال آخر أكثر الناس شكا عند الموت أصحاب الكلام وقال آخر عند موته أموت وما علمت شيئا إلا أن الممكن يفتقر الى واجب ثم قال الافتقار وصف عدمي أموت وما علمت شيئا ... والله يشهد أنهم أيضا كذا ... تكفي شهادة ربنا الرحمن ...
... ولنا المساند والصحاح وهذه السنن التي نابت عن القرآن ...
... ولكم تصانيف الكلام وهذه الآراء وهي كثيرة الهذيان ...
... شبه يكسر بعضها بعضا كبيت من زجاج خر للأركان ...
هو مأخوذ من قول القائل ... شبه تهافت كالزجاج تخالها ... حقا وكل كاسر مكسور (2/377)
قال الناظم رحمه الله تعالى هل ثم شيء غير رأي أو كلام باطل أو منطق اليونان ونقول قال الله قال ورسوله في كل تصنيف وكل مكان لكن تقولوا قال آرسطو وقال ابن الخطيب وقال ذو العرفان ابن الخطيب هو الفخر الرازي شيخ لكم يدعى ابن سينا لم يكن متقيدا بالدين والإيمان وخيار ما تأتون قال الأشعري وتشهدون عليه بالبتهان أي خيار ما تقولون قال الأشعري وقد خالفتموه عين المخالفة فإنه يقول بإثبات العلو والاستواء ويقول بإثبات الصفات الخبرية وليس له في ذلك قولان ومع ذلك خالفتموه في نفي العلو والصفات تعالى الله عما يقول المعطلة علوا كبيرا فالأشعري مقرر لعلو رب العرش فوق جميع ذي الأكوان في غاية التقرير بالمعقول والمنقول ثم بفطرة الرحمن هذا ونحن فتاركوا الآراء للنقل الصحيح ومحكم الفرقان لكنكم بالعكس قد صرحتم ووضعتم القانون ذا البهتان أي نحن نترك الآراء للنقل الصحيح وأنتم صرحتم بالعكس وأعددتم لدفع النصوص ضروبا من العدد وأنواعا من القوانين والنفي عندكم على التفصيل والاثبات إمالا بلا نكران (2/378)
والمثبتون طريقهم نفي على الإجمال والتفصيل بالتبيان فتدبروا القرآن مع من منكما وشهادة المبعوث بالفرقان وعرضتم قول الرسول على الذي قال الشيوخ فالمحكم النص الموافق قولهم لا يقبل التأويل في الأذهان لكنما النص المخالف قولهم متشابه متأول بمعان أي إن أهل التأويل عرضوا كتاب الله وسنة رسوله على ما قاله شيوخهم وجعلوا النص الموافق لقولهم محكما لا يقبل التأويل أما النص المخالف لقولهم فهو عندهم متاشبه محتمل لعدة معان ... وإذ تأدبتم تقولوا مشكل أفواضح يا قوم رأي فلان ... والله لو كان الموافق لم يكن ... متشابها متأولا بلسان ... لكن عرضنا نحن أقوال الشيوخ ... على الذي جاءت به الوحيان ما خلف النصين لم نعبأ به ... شيئا وقلنا وحسبنا النصان ...
قوله واله لو كان النص موافقا لقولكم لم يكن متشبها عندكم متأولا بعدة من التأويلات
قوله لكن عرضنا نحن أقوال الشيوخ الخ أي إن قولنا عكس قولكم وذلك أنا عرضنا أقوال الشيوخ على الكتاب والسنة فما وافقهما قبلنا وما خالفهما لم نعبأ به شيئا وقلنا حسبنا كتاب الله وسنة رسوله والمشكل القول المخالف عندنا في غاية الإشكال لا التبيان (2/379)
والعزل والابقاء مرجعه الى الآراء عندكم بلا كتمان ...
... لكن لدينا ذاك مرجعه الى ... قول الرسول ومحكم القرآن ...
... والكفر والاسلام عين خلافه ... ووفاته لا غير بالبرهان ...
... والكفر عندكم خلاف شيوخكم ... ووفاقهم فحقيقة الايمان ...
... هذي سبيلكم وتلك سبيلنا ... والموعد الرحمن بعد زمان ...
... وهناك يعلم أي حزبينا على الحق الصريح وفطرة الديان ...
... فاصبر قليلا انما هي ساعة ... فإذا اصبت ففي رضى الرحمن ...
... فالقوم مثلك يألمون ويصبرو ... ن وصبرهم في طاعة الشيطان ...
فصل في بيان الاستغناء بالوحي المنزل من السماء عن تقليد الرجال والآراء ... يا طالب الحق المبين ومؤثرا ... علم اليقين وصحة الايمان ...
... اسمع مقالة ناصح خبر الذي ... عند الورى مذ شب حتى الآن ...
... ما زال مذ عقدت يداه إزاره ... قد شد مئزرة الى الرحمن ...
... وتخلل الفترات للعزمات امر لازم لطبيعة الانسان ...
... وتولد النقصان من فتراته ... أوليس سائرنا بني النقصان (2/380)
طاف المداهب يبتغي نورا ليهديه وينجيه من النيران ...
... وكأنه قد طاف يبغي ظلمة الليل البهيم ومذهب الحيران ...
... والليل لا يزداد إلا قوة ... والصبح مقهور بذا السلطان ...
... حتى بدت في سيره نار على ... طود المدينة مطلع الايمان ...
... فأتى ليقبسها فلم يمكنه مع ... تلك القيود منالها بأمان ...
... لولا تداركه الاله بلطفه ... ولى على العقبين ذا نكصان ...
... لكن توقف خاضعا متذللا ... مستشعر الافلاس من أثمان ...
... فأتاه جند حل عند قيوده ... فامتد حينئذ له الباعان ... والله لولا أن تحل قيوده ... وتزول عنه ربقة الشيطان ...
... كان الرقي الى الثريا مصعدا ... من دور تلك النار في الامكان ...
... فرأى بتلك النار آطام المدينة ... كالخيام تشوفها العينان ...
... ورأى على طرقاتها الأعلام قد ... نصبت لاجل السالك الحيران ...
... ورأى هنالك على كل هاد مهتد ... يدعو الى الايمان والإيقان ...
... فهناك هنا نفسه متذكرا ... ما قاله المشتاق منذ زمان ...
... والمستهام على المحبة لم يزل ... حاشا لذكراكم من النسيان ...
... لو قيل ما تهوى لقال مبادرا ... أهوى زيارتكم على الأجفان (2/381)
تالله ان سمح الزمان بقربكم وحللت منكم بالمحل الداني ...
... لأعفرن الخد شكرا في الثرى ... ولأكحلن بتربكم أجفاني ...
يخبر الناظم عما حصل له في سيره الى الله جلا وعلا وأنه طاف المذاهب يبتغي نورا ليهتدي به وينجو به من النيران وأنه لم يحصل له في طوافه ذلك الا الظلمة والحيرة ومع إمعانه في ذلك والظلمة تزيد والحيرة تقوى حتى بدت له انوار الهدى من الكتاب والسنة وكنى عن ذلك بقوله حتى بدت له في سيره نار على طود المدينة فأتى ليقبسها فلم يمكنه ذلك مع تلك القيود التي توهن الانقياد فلولا أن الله سبحانه تداركه بلطفه لرجع ونكص على عقبيه فلما جاءه ذلك اللطف الالهي انحلت قيوده وسار الى الله مقتديا بأنوار الكتاب والسنة قال الناظم رحمه الله تعالى ... ان رمت تبصر ما ذكرت فغض طر ... فا عن سوى الآثار والقرآن ...
... واترك رسوم الخلق لاتعبأ بها ... في السعد ما يغنيك عن دبران ...
... حدق بقلبك في النصوص كمثل ما ... قد حدقوا في الرأي طول زمان ...
... واكحل جفون القلب بالوحيين واحذر كحلهم يا كثرة العميان ...
... فالله بين فيهما طرق الهدى لعباده في أحسن التبيان ...
... لم يحوج الله الخلائق معهما لخيال فلتان ورأي فلان ...
... فالوحي كاف للذي يعني به شاف لداء جهالة الانسان ...
... وتفاوت العلماء في أفهامهم للوحي فوق تفاوت الأبدان (2/382)
والجهل داء قاتل وشفاؤه أمران في التركيب متفقان ...
... نص من القرآن أو من سنة وطبيب ذاك العالم الرباني ...
... والعلم أقسام ثلاث مالها من رابع والحق ذو تبيان ...
... علم بأوصاف الإله وفعله وكذلك الاسماء للرحمن ...
... والأمر والنهي الذي هو دينه وجزاؤه يوم المعاد الثاني ...
... والكل في القرآن والسنن التي جاءت عن المبعوث بالفرقان ...
... والله ما قال امرؤ متحذلق بسواهما الا من الهذيان ...
قال في القاموس حذلق أظهر الحذق أو ادعى أكثر مما عنده كتحذلق انتهى يعني ان العلم ثلاثة أقسام أولها العلم بصفات الرب وأفعاله وأسمائه والثاني علم الأمر والنهي والثالث علم المعاد والكل في القرآن والسنة قوله يسواهما يعني الكتاب والسنة ... إن قلتم تقريره فمقرر بأتم تقرير من الرحمن ...
... أو قلتم إيضاحه فمبين بأتم ايضاح وخير بيان ...
... أو قلتم إيجازه فهو الذي في غاية الايجاز والتبيان ...
... أو قلتم معناه هذا فاقصدوا معنى الخطاب بعينه وعيان ...
... أو قلتم نحن التراجم فاقصدوا المعنى بلا شطط ولا نقصان ...
... أو قلتم بخلافه فكلامكم في غاية الانكار والبطلان (2/383)
أو قلتم قسنا عليه نظيره فقياسكم نوعان مختلفان ...
... نوع يخالف نصه فهو المحا ل وذاك عند الله ذو بطلان ...
... وكلامنا فيه وليس كلامنا في غيره أعني القياس الثاني ...
... ما لا يخالف نصه فالناس قد عملوا به في سائر الأحيان ...
... لكنه عند الضرورة لا يصا ر إليه إلا بعد ذا الفقدان ...
... هذا جواب الشافعي لأحمد لله درك من امام زمان ...
... والله ما اضطر العباد إليه فيما بينهم من حادث بزمان ...
قال الناظم رحمه الله تعالى في أعلام الموقعين بعد أن ذكر أن فتوى الامام أحمد رحمه الله تعالى تدور على خمسة أصول الأصل الرابع من أصول الامام أحمد الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف اذا لم يكن في الباب شئ يدفعه وهو الذي رجحه على القياس وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر ولا ما في رواته منهم بحيث لا يسوغ الذهاب اليه والعمل به بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام الحسن ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف بل الى صحيح وضعيف والضعيف عنده مراتب فاذا لم يجد في الباب أثرا يدفعه ولا قول صاحب ولا إجماعا على خلافه كان العمل به عنده أولي من القياس وليس احد من الأئمة إلا وهو موافق على هذا الأصل من حيث الجملة فانه ما منهم احد الا وقد قدم الحديث الضعيف على القياس فقدم أبو حنيفة حديث القهقهة في الصلاة على محض القياس وأجمع اهل الحديث على ضعفه وقدم حديث الوضوء بنبيذ التمر على القياس وأكثر أهل الحديث يضعفه وقدم حديث أكثر الحيض عشرة أيام وهو ضعيف باتفاقهم على محض (2/384)
القياس فالذي تراه في الثالث عشر مساو في الحد وفي الحقيقة والصفة لدم اليوم العاشر وقدم حديث لا مهر أقل من عشرة دراهم وأجمعوا على ضعفه بل بطلانه على محض القياس فان بذل الصداق معاوضة في مقابلة بذل البضع فما تراضيا عليه جاز قليلا أو كثيرا وقدم الشافعي تحريم صيد وج مع ضعفه على القياس وقدم خبر جواز الصلاة بمكة على ضعفه ومخالفته لقياس غيرها من البلدان وقدم في احد قوليه حديث من قاء او رعف فليتوضأ وليبن على صلاته على القياس مع ضعف الخبر وارساله وأما مالك فانه يقدم الحديث المرسل والمنقطع والبلاغات وقول الصحابي على القياس فاذا لم يكن عند الامام احمد في المسألة نص ولا قول الصحابة أو واحد منهم ولا أثر مرسل او ضعيف عدل الى الاصل الخامس وهو القياس فاستعمله للضرورة وقد قال في كتاب الخلال سالت الشافعي عن القياس فقال انما يصار اليه عند الضرورة انتهى قال الناظم رحمه الله تعالى ... فاذا رأيت النص عنه ساكتا فسكوته عفو من الرحمن ...
... وهو المباح اباحة العفو الذي مافيه من حرج ولا نكران ...
... فأضف إلى هذا عموم اللفظ والمعنى وحسن الفهم في القرآن ...
... فهناك تصبح في غنى وكفاية عن كل ذي رأي وذي حسبان ...
قال الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين على قوله صلى الله عليه و سلم إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها الحديث قال وأما المسكوت عنه فهو مالم يذكر جملة بتحليل ولا تحريم فيكون معفوا (2/385)
عنه لا حرج على فاعله وعلى هذا دلت هذه الأحاديث المذكورة هاهنا كحديث أبي ثعلبة الخشني وغيره الى ان قال ولكن مما ينبغي أن يعلم ان ذكر الشيء بالتحريم والتحليل مما قد يخفى فهمه من نصوص الكتاب والسنة فان دلالة هذه النصوص قد تكون بطريق النص والتصريح وقد تكون بطريق العموم والشمول وقد تكون دلالته بطريق الفحوى والتنبيه كما في قوله تعالى فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما الاسراء فان دخول ما هو اعظم من التأفيف من أنواع الأذى يكون بطريق الاولى ويسمى ذلك مفهوم الموافقة وقد تكون دلالته بطريق مفهوم المخالفة كما في قوله صلى الله عليه و سلم في الغنم السائمة الزكاة فإنه يدل بمفهومه على أنه لا زكاة في غير السائمة وقد أخذ الأكثرون بذلك واعتبروا مفهوم المخالفة وجعلوه حجة وقد تكون دلالته من المعنى موجودا في غيره فانه يتعدى الحكم الى كل ما وجد في ذلك المعنى عند جمهور العلماء وهو من باب العدل والميزان الذي أنزله الله وأمر بالاعتبار به فهذا كله مما تعرف به دلالة النصوص على التحليل والتحريم فأما ما انتفى فيه ذلك كله فهنا يستدل بعدم ذكره بإيجاب أو تحريم على أنه معفو عنه انتهى كلامه قال الناظم رحمه الله تعالى ... ومقدرات الذهن لم يضمن لنا تبيانها بالنص والقرآن ...
... وهي التي فيها اعتراك الرأي من تحت العجاج وجولة الأذهان ...
... لكن هنا أمران لو تما لما احتجنا إليه فحبذا الأمران ...
... جمع النصوص وفهم معناها المرا د بلفظها والفهم مرتبتان (2/386)
احداهما مدلول ذاك اللفظ وضعا أو لزوما ثم هذا الثاني ...
... فيه تفاوتت الفهوم تفاوتا لم ينضبط أبدا له طرفان ...
... فالشيء يلزمه لوازم جمة عند الخبير به وذي العرفان ...
... فبقدر ذاك الخبر يحصى من لوا زمه وهذا واضح التبيان ...
قوله ومقدارت الذهن الخ أي إن الأمور التي تقدرها الأذهان كثيرة ولكن لم يضمن لنا تبيانها بالكتاب والسنة
قوله لكن هنا أمران الخ أي إن هذين الأمرين وهما جمع النصوص وفهم معناها لو تما لنا لم نحتج الى الرأي
قوله والفهم مرتبتان أحداهما مدلول ذاك اللفظ الخ أي فهم مدلول اللفظ مطابقة أو لزوما
قوله ثم هذا الثاني وهو اللزوم فيه تفاوت الفهوم تفاوتا لا ينضبط ... ولذاك من عرف الكتاب حقيقة عرف الوجود جميعه ببيان ...
... وكذاك يعرف جملة الشرع الذي يحتاجه الانسان كل زمان ...
... علما بتفصيل وعلما مجملا تفصيله أيضا بوحي ثان ...
... وكلاهما وحيان قد ضمنا لنا أعلى العلوم بغاية التبيان ...
... ولذاك يعرف من صفات الله والأفعال والأسماء ذي الإحسان ...
... ما ليس يعرف من كتاب غيره أبدا ولا ما قالت الثقلان ...
... وكذاك يعرف من صفات البعث بالتفصيل والاجمال في القرآن (2/387)
ما يجعل اليوم العظيم مشاهدا بالقلب كالمشهود رأي عيان ...
... وكذاك يعرف من حقيقة نفسه وصفاتها بحقيقة العرفان ...
... يعرف لوازمها ويعرف كونها مخلوقة مربوبة ببيان ...
... وكذاك يعرف ما الذي فيها من الحاجات والاعدام والنقصان ...
... وكذاك يعرف ربه وصفاته أيضا بلا مثل ولا نقصان ...
... وهنا ثلاثة أوجه فافطن لها إن كنت ذا علم وذا عرفان ...
... بالضد والأولى كذا بالامتنا ع لعلمنا بالنفس والرحمن ...
... فالضد معرفة الإله بضد ما في النفس من عيب ومن نقصان ...
... وحقيقة الأولى ثبوت كماله إذ كان معطيه على الإحسان ...
قوله بالضد أي إنه سبحانه ينزه عن العيب والنقصان إذ ضدهما السلامة من العيوب والنقائص تعالى الله وتقدس
قوله والأولى الخ بفتح الهمزة أي إنما يستعمل في حق الرب تعالى قياس الأولى وهو أن يقال كل كمال للمخلوق فالرب سبحانه أولى به لأنه معطيه وواهبه وواهب الكمال أولى بالكمال وكل نقص تنزه عنه المخلوق فالخالق أولى بالتنزه عنه قوله بالامتناع الخ أي بأن يقال هذه صفة نقص فتمتنع على الله سبحانه (2/388)
فصل في بيان شروط كفاية النصين والاستغناء بالوحيين ... وكفاية النصين مشروط بتجريد التلقي عنهما لمعان ...
... وكذاك مشروط بخلع قيودهم فقيودهم غل الى الأذقان ...
... وكذاك مشروط بهدم قواعد ما أنزلت ببيانها الوحيان ...
... وكذاك مشروط باقدام على الآراء إن عريت عن البرهان ...
... بالرد والإبطال لا تعبأ بها شيئا إذا ما فاتها النصان ...
ذكر الناظم رحمه الله تعالى شروط كفاية النصين وهي ثلاثة أحدها تجريد التلقي عن الكتاب والسنة وعدم الالتفات الى غيرهما واتباعهما وترك ما سواهما الثاني خلع القيود التي توهن الانقياد كما قال شيخ الاسلام في تعظيم الأمر والنهي هو ان لا يعارضا بترخيص جاف ولا يعارضا بتشديد غال ولا يحملا على علة توهن الانقياد وذلك بأن يسلم لأمر الله وحكمته ممتثلا ما امر به سواء ظهرت له حكمته أو لم تظهر فان ظهرت له حكمة الشرع في امره ونهيه حمله ذلك على مزيد الانقياد والبذل والتسليم ولا يحمله ذلك على الانسلاخ من تركه الى التصوف الثالث هدم قواعد المؤسسة على الفساد والبطلان والأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان العارية عن الدليل والبرهان (2/389)
لولا القواعد والقيود وهذه الآراء لا تسعت عرى الايمان ... لكنها والله ضيقت العرى ... فاحتاجت الايدي لذاك توان ... وتعطلت من أجلها والله أعداد من النصين ذات بيان ... وتضمنت تقييد مطلقها وإطلاق المقيد وهو ذو ميزان ... وتضمنت تخصيص ما عمته والتعميم للمخصوص بالاعيان ... وتضمنت تفريق ما جمعت وجمعا للذي وسمته بالفرقان ... وتضمنت تضييق ما قد وسعته وعكسه فلتنظر الأمران ... وتضمنت تحليل ما قد حرمته وعكسه فلنتظر النوعان ... سكتت وكان سكوتها عفوا فلم ... تعف القواعد باتساع بطان ... وتضمنت إهدار ما اعتبرت كذا ... بالعكس والأمران محذوران ... وتضمنت أيضا شروطا لم تكن ... مشروطة شرعا بلا برهان ... وتضمنت أيضا موانع لم تكن ... ممنوعة شرعا بلا تبيان ... إلا بأقيسة وآراء وتقليد بلا علم ولا استحسان ...
شرع الناظم رحمه الله تعالى في بيان المفاسد التي حصلت من القواعد التي وضعوها والقيود التي قيدوا بها الكتاب والسنة والآراء التي خالفوا بها الكتاب والسنة فذكر أنه تعطلت من أجلها أعداد من النصين وتضمنت تقييد المطلق وإطلاق المقيد وتخصيص العموم وتعميم المخصوص وتفريق ما جمعت النصوص بينه وجمع ما فرقت بينه وتضييق ما وسعته (2/390)
وعكسه وتحليل ما حرمته وتحريم ما حللته وغير ذلك مما ذكره الناظم ... عمن أتت هذه القواعد من جميع الصحب والاتباع بالاحسان ... ما أسسوا إلا اتباع نبيهم ... لا عقل فلتان ورأي فلان ...
قال في القاموس وفلتات المحسن هفواته وزلاته ... بل أنكروا الآراء نصحا منهم ... لله والداعي وللقرآن ... أو ليس في خلف بها وتناقض ... ما دل ذالب وذا عرفان ... والله لو كانت من الرحمن ما اختلفت ولا انتقضت مدى الازمان ... شبه تهافت كالزجاج تخالها ... حقا وقد سقطت على صفوان ... والله لا يرضى بها ذو همة ... علياء طالبة لهذا الشان ...
شرع الناظم رحمه الله تعالى في بيان أن هذه القواعد لم تأت عن احد من الصحابة وتابعيهم بإحسان وأن القوم ما أسسوا الا اتباع نبيهم صلى الله عليه و سلم ولم يؤسسوا اتباع عقل فلان ورأي فلتان
قوله والله لو كانت من الرحمن الخ هذا مأخوذ من قوله تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا النساء فالدليل على أن هذه الآراء والقواعد من عند غير الله كثرة اختلافها وتناقضها فلو كانت من عند الله لم تختلف ولم تنتقض الى آخر الدهر ولكنها كما قال القائل ... شبه تهافت كالزجاج تخالها ... حقا وكل كاسر مكسور ...
قال الناظم ... فمثالها والله في قلب الفتى ... وثباتها في منبت الايمان (2/391)
كالزرع ينبت حوله دغل فيمنعه النما فتراه ذا نقصان ... وكذلك الايمان في قلب الفتى ... غرس من الرحمن في الانسان ... والنفس تنبت حوله الشهوات والشبهات وهي كثيرة الأفنان ... فيعود ذاك الغرس يبسا ذاويا ... أو ناقص الثمرات كل أوان ... فتراه يحرث دائبا ومغله نزر وذا من أعظم الخسران ... والله لو نكش النبات وكان ذا ... بصر لذاك الشوك والسعدان ... لأتى كأمثال الجبال مغله ... ولكان أضعافا بلا حسبان ...
قوله نزر أي قليل قال في القاموس النزر القليل كالنزير والمنزور قوله نكش قال في القاموس نكش الركية ينكشها وينكشها أخرج ما فيها من الحمأة والطين كانتكشها والشئ أفناه ومنه فرغ
فصل ... هذا وليس الطعن بالاطلاق فيها كلها فعل الجهول الجاني ... بل في التي قد خالفت قول الرسو ... ل ومحكم الايمان والفرقان ... أو في التي ما أنزل الرحمن في ... تقريرها يا قوم من سلطان ... فهي التي كم عطلت من سنة ... بل عطلت من محكم القرآن (2/392)
هذا ونرجو أن واضعها فلا ... يعدوه أجر أو له أجران ... اذ قال مبلغ علمه من غير ايجاب القبول له على انسان ... بل قد نهانا عن قبول كلامه ... نصا بتقليد بلا برهان ... وكذاك أوصانا بتقديم النصو ... ص عليه من خبر ومن قرآن ... نصح العباد بذا وخلص نفسه ... عند السؤال لها من الديان ... والخوف كل الخوف فهو على الذي ... ترك النصوص لأجل قول فلان ... وإذا بغى الاحسان أولها بما ... لو قاله خصم له ذو شان ... لرماه بالداء العضال مناديا ... بفساد ما قد قاله بأذان ...
ولما خشي الناظم رحمه الله تعالى من بعض الجهال ان يتوهم ذم الرأي مطلقا دفع ذلك بقوله هذا وليس الطعن بالاطلاق فيها الخ أشار الى أن الرأي نوعان مذموم ومحمود فالمذموم ما خالف الكتاب والسنة والمحمود ما وافق الكتاب والسنة وقد بسط الكلام في ذلك بسطا مستوفى في أول كتاب اعلام الموقعين وهذا معنى قوله هذا وليس الطعن بالاطلاق فيها كلها أي لا يطعن فيها كلها وأنما يطعن فيما خالف الكتاب والسنة فقط
وقوله هذا ونرجو ان واضعها الخ أي نرجو ان المجتهد إذا اجتهد فأخطأ فله أجر وإذا اجتهد فأصاب فله أجران كما صح في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال اذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر (2/393)
قوله إذ قال مبلغ علمه الخ أي إن الأئمة رحمهم الله تعالى قالوا بمبلغ علمهم ونهوا الناس عن قبول كلامهم إذا خالف النصوص وأوصوا بتقديم النصوص عليه كالامام أحمد والشافعي ومالك وابي حنيفة وغيرهم فرحمة الله عليهم فلقد نصحوا العباد وخلصوا أنفسهم عند سؤال الرب تعالى لهم يوم القيامة
قوله والخوف كل الخوف الخ أي ان الخوف العظيم والخطر الشديد على الذين تركوا النصوص لأجل قول فلان وفلان واذا أرادوا الاحسان أولوها بالتأويلات الباطلة وحملوها على الاحتمالات البعيدة ومع ذلك لو قال ذلك خصم لهم في تأويل كلام مشايخهم ومن يرضونه رموه بالداء العضال ونادوا على فساد ما قاله
فصل
في لازم المذهب هل هو مذهب ام لا ... ولوازم المعنى تراد بذكره ... من عارف بلزومها الحقان ... وسواه ليس بلازم في حقه ... قصد اللوازم وهي ذات بيان ... اذ قد يكون لزومها المجهول او ... قد كان يعلمه بلا نكران ... لكن عرته غفلة بلزومها اذ كان ذا سهو وذا نسيان ...
... ولذاك لم يك لازما لمذاهب العلماء مذهبهم بلا برهان (2/394)
ذكر الناظم في هذا الفصل أن لازم المذهب ليس بمذهب
قوله ولوازم المعنى الخ أي إن لوازم المعنى تراد من عارف بلزومها وأما سواه فليس ذلك بلازم في حقه اذ قد يكون جاهلا لزومها أو يكون عالما به ولكن عرته أي حصل له سهو ونسيان فلذاك لازم المذهب ليس بمذهب
قال شيخ الاسلام في جواب له وأما قول السائل هل لازم المذهب مذهبا أم ليس بمذهب فالصواب أن لازم مذهب الانسان ليس بمذهب له إذا لم يلتزمه فإنه إذا كان قد أنكره ونفاه كانت إضافته اليه كذبا عليه بل ذلك يدل على فساد قوله وتناقضه في المقال غير التزامه اللوازم التي يظهر أنها من قبيل الكفر والمحال فالذين قالوا بأقوال يلزمها أقوال يعلم أنه لا يلتزمها لكن لم يعلم أنها تلزمه ولو كان لازم المذهب مذهبا للزم تكفير كل من قال عن الاستواء وغيره من الصفات أنه مجاز ليس بحقيقة فان لازم هذا القول يقتضي أن لا يكون شيء من أسمائه أو صفاته حقيقة انتهى ... فالمقدمون على حكاية ذاك مذ ... هبهم أولو جهل مع العدوان ... لا فرق بين ظهوره وخفائه ... قد يذهلون عن اللزوم الداني ... سيما اذا ما كان ليس بلازم ... لاكن يظن لزومه بجنان ... لا تشهدوا بالزور ويحكم على ... ما تلزمون شهادة البطلان ... بخلاف لازم ما يقول آلهنا ... ونبينا المعصوم بالبرهان ... فلذا دلالات النصوص جلية ... وخفية تخفى على الأذهان (2/395)
والله يرزق من يشاء الفهم في ... آياته رزقا بلا حسبان ...
ولما ذكر الناظم رحمه الله أن المذهب ليس بمذهب شرع في ذكر ما ألزمه أهل التعطيل أهل الاثبات فقال ... واحذر حكايات لأرباب الكلا ... م عن الخصوم كثيرة الهذيان ... فحكوا بما ظنوه يلزمهم فقا ... لوا ذاك مذهبهم بلا برهان ... كذبوا عليهم باهتين لهم بما ... ظنوه يلزمهم من البهتان ... فحكى المعطل عن أولي الاثبات قو ... لهم بأن الله ذو جثمان ... وحكى المعطل أنهم قالوا بأن الله ليس يرى لنا بعيان ... وحكى المعطل أنهم قالوا يجو ... ز كلامه من غير قصد معان ... وحكى المعطل أنهم قالوا بتحييز الإله وحصره بمكان ... وحكى المعطل أنهم قالوا له الأعضاء جل الله عن بهتان ... وحكى المعطل أن مذهبهم هو التشبيه للخلاق بالانسان ... وحكى المعطل عنهم ما لم يقو لوه ولا اشياخهم بلسان ... ظن المعطل أن هذا لازم ... فلذا أتى بالزور والعدوان ... فعليه في هذا محاذير ثلا ... ث كلها متحقق البطلان ... ظن اللزوم وقذفهم بلزومه ... وتمام ذاك شهادة الكفران ...
حاصل هذه الأبيات أن الناظم رحمه الله يحكي أشياء مما ألزم بها أهل التعطيل أهل الاثبات فحكت المعطلة عن المثبتة أنهم يقولون إن الله (2/396)
تعالى وتقدس جسم وحكوا عنهم أن مذهبهم أن الله لا يرى في الآخرة كما قال الفخر الرازي في المعالم أطبق أهل السنة على ان الله تعالى يصح أن يرى وأنكرت الفلاسفة والمعتزلة والكرامية والمجسمة ذلك ثم قال أما إنكار الفلاسفة والمعتزلة فظاهر وأما انكار الكرامية والحنابلة فلأنهم أطبقوا على أن الله تعالى لو لم يكن جسما في مكان امتنعت رؤيته انتهى
قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ابراهيم الفزاري في كتابه غاية السول في علم الأصول بعد أن حكى كلام الرازي هذا وما أدري أي الأمرين أسرع الى فضيحته نقله أو تقريره أما نقله فلأن الحنابلة لا يختلف أولهم وآخرهم في أن المنكر لرؤية الله تعالى جاحد لكتابه وسنة رسوله واجماع اهل النقل وأما تقريره فلأن قوله أطبقوا على أنه لو لم يكن جسما في مكان لامتنعت رؤيته إنما هو استدلال يقتضي اثبات الجسم بدليل صحة الرؤية لأن التقدير يكون لو لم يكن جسما لا متنعت رؤيته فيكون جسما فمثل هذا لا يخفى على الفخر الرازي وانما هو الهوى إذا غلب أعمى وأصم فان كل لبيب يعلم من كلام هذا الرجل أن في قلبه من الحنابلة داء لا دواء له فانه اولا أخرجهم عن اهل السنة فتراه يرى السنة ما ابتدعه في دين الاسلام والشرعة المحمدية من المباحث الكلامية والشبه العقلية والآراء الفيلسوفية فحكم على من لا يقوم مقامهم بأنهم ليسوا من أهل السنة وثانيا أطلق عليهم اسم التجسيم والتجسيم لا يعتقده مسلم وأطال الفزاري الكلام قوله وحكى المعطلة عنهم انهم قالوا يجوز كلامه من غير قصد معان أقول قال ابن السبكي في جمع الجوامع ولا يجوز ورود مالا معنى له في الكتاب والسنة خلافا للحشوية قال (2/397)
المحلي في شرحه أي في تجويزهم ورود ذلك في الكتاب والسنة قالوا لوجوده فيه كالحروف المقطعة في أوائل السور انتهى قال بعض محشيه وقد اضطرب القائلون بهذا في معنى هذا فقال الزركشي والكوراني إن أحدا لم يقل إن في القرآن ما لا معنى له وقال الآمدي لا يتصور اشتمال القرآن الكريم على مالا معنى له أصلا وقد استدلت الحشوية ايضا بآية وما يعلم تأويله الا الله آل عمران بالوقف فقالوا الكون المتشابه غير معلوم لنا فقد خاطبنا الله بما لا نفهمه وهو المهمل نقله الجخندي ومعلوم أن فواتح السور والآيات المتشابهات وان فهم لها معنى صحيح إلا أنه غير مقطوع بانه مراد قائله تعالى ولذلك سلك كثير من المفسرين هذا حيث قالوا في الفواتح والله اعلم بمراده ولما رأى الحشوية ان مثل هذا غير مفهوم منه مراد قائله نفوا المعنى عنه أصلا وقالوا إنه لا معنى له لا بمعنى أنه غير موضوع بل بمعنى ما ذكرنا هذا ما في وسعي من توجيه هذا الكلام الذي اضطربت فيه الأفهام ولم أر لأحد ممن كتب هنا كلاما شافيا انتهى كلامه
وحكت المعطلة عنهم انهم قالوا بجواز ورود مالا معنى له في القرآن وأنهم يقولون بتحيز الله وحصره وحكى المعطلة أنهم قالوا له اعضاء وانهم شبهوا الله تعالى بخلقه وحكت المعطلة عنهم غير هذا مما لم يقولوه ولن تقله اشياخهم والأمر كما قال الناظم إن المعطلة ظنوا أن هذا لازما لقولهم فحكوه عنهم وكذبوا عليهم واعتدوا لأن لازم المذهب ليس بمذهب ولهذا قال الناظم فعليه أي على المعطل في نسبة ذلك الى اهل الاثبات معاذير ثلاث وكلها باطلة الأول ظن اللزوم والثاني قذفهم بلزومه والثالث شهادته عليهم بالكفر (2/398)
قال الناظم رحمه الله تعالى ... يا شاهدا بالزور ويحك لم تخف ... يوم الشهادة سطوة الديان ... يا قائل البهتان غط لوازما ... قد قلت ملزوماتها بلسان ... والله لازمها انتفاء الذات والأوصاف والأفعال للرحمن ... والله لازمها انتفاء الدين وال قرآن والاسلام والايمان ... ولزوم ذلك بين جدا لمن ... كانت له أذنان واعيتان ... والله لولا ضيق هذا النظم بينت اللزوم بأوضح التبيان ... ولقد تقدم منه ما يكفي لمن ... كانت له عينان ناظرتان ... إن الذكي ببعض ذلك يكتفي ... وأخو البلادة ساكن الجبان ...
شرع الناظم في بيان اللوازم التي تلزم المعطلة ويلزم منها انتفاء ذاته تعالى وصفاته وأفعاله بل يلزم منها انتفاء الدين والاسلام والقرآن وقد تقدم ما يعرف من ذلك في غضون هذا النظم
قوله ساكن الجبان الجبان والجبانه مشددتين المقبرة والصحراء قاله في القاموس
قال الناظم ... يا قومنا اعتبروا بجهل شيوخكم ... بحقائق الايمان والقرآن ... أو ما سمعتم قول أفضل وقته ... فيكم مقالة جاهل فتان ... إن السماوات العلى والأرض قبل العرش بالاجماع مخلوقان ... والله ما هذي مقالة عالم ... فضلا عن الاجماع كل زمان (2/399)
من قال قد خالف الاجماع والخبر الصحيح وظاهر القرآن ... فانظر الى ما جره تأويل لفظ الإستواء بظاهر البطلان ... زعم المعطل ان تاويل استوى ... بالخلق والاقبال وضع لسان ... كذب المعطل ليس ذا لغة الألى ... قد خوطبوا بالوحي والقرآن ... فأصاره هذا إلى أن قال خلق العرش بعد جميع ذي الاكوان ... يهنيه تكذيب الرسول له وإجماع الهداة ومحكم الفرقان ...
لم أقف على تعيين قائل هذا القول ومعنى ذلك ان هذا القائل الجاهل زعم ان السماوات والارض مخلوقان قبل العرش بالاجماع واعجب لهذا الجهل العظيم ومخالفة الاجماع والخبر الصحيح وظاهر القرآن وذلك ان للسلف قولين في أول المخلوقات ما هو أحدهما أن العرش اول المخلوقات والثاني ان القلم هو أول المخلوقات فكان في هذا إجماع السلف على ان المخلوقات العرش او القلم وهذا الجاهل زعم ان السماوات والارض مخلوقان قبل العرش فخرق الاجماع والخبر الصحيح الذي أشار اليه هو ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا قال كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والارض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء
وقول الناظم زعم المعطلة أن تأويل استوى بالخلق والاقبال أي إن المعطل زعم أن تفسير الاستواء بالاقبال يتضمن أن الارض والسماوات مخلوقان قبل العرش وهذا غاية الجهل
قوله قول المعطل إن تأويل استوى بالخلق والاقبال وضع لسان أي (2/400)
زعم أن تأويل الاستواء بقولهم اقبل على خلق السماء هو المعروف في لغة العرب وليس كذلك واذا كان العرش مخلوقا قبل خلق السماوات والارض فكيف يكون استواؤه عمده الى خلقه له لو كان هذا يعرف في اللغة ان الاستواء على كذا بمعنى أنه عمد الى فعله وهذا لا يعرف قط في اللغة لا حقيقة ولا مجازا لا في نظم ولا نثر ومن قال استوى بمعنى عمد ذكره في قوله ثم استوى الى السماء وهي دخان فصلت لأنه عدى بحرف الغاية كما يقال عمدت الى كذا ولا قصدت عليه مع ان ما ذكر في تلك الآية لا يعرف في اللغة أيضا ولا هو قول احد من مفسري السلف بل المفسرون من السلف قولهم بخلاف ذلك وانما هذا القول وأمثاله ابتدع في الاسلام لما ظهر إنكار أفعال الرب التي تقوم به ويفعلها بمشيئتة وقدرته واختياره فحينئذ صار يفسر القرآن من يفسره بما ينافي ذلك كما يفسر سائر اهل البدع القرآن على ما يوافق أقاويلهم وأما أن ينقل هذا التفسير عن احد من السلف فلا بل أقوال السلف الثانية عنهم متفقة في هذا الباب لا يعرف لهم فيه قولان كما قد يختلفون أحيانا في بعض الآيات وان اختلفت عباراتهم فمقصودهم واحد وهو اثبات علو الله على العرش ثم قال الناظم على سبيل التهكم يهنيه تكذيب الرسول له واجماع الهداة ومحكم الفرقان (2/401)
فصل
في الرد عليهم تكفيرهم أهل العلم والايمان وذكر انقسامهم الى أهل الجهل والتفريط والبدع والكفران ... ومن العجائب أنكم كفرتم أهل الحديث وشيعة القرآن ... إذ خالفوا رايا له رأي ينا ... قضه لأجل النص والبرهان ... وجعلتم التكفير عين خلافكم ... ووفاقكم فحقيقة الايمان ... فوفاقكم ميزان دين الله لا ... من جاء بالبرهان والفرقان ... ميزانكم ميزان باغ جاهل ... والعول كل العول في الميزان ... أهون به ميزان جور عائل ... بيد المطفف ويل ذا الوزان ... لو كان ثم حيا وأدنى مسكة من دين أو علم ومن ايمان ... لم تجعلوا آراءكم ميزان كفر الناس بالبهتان والعدوان ... هبكم تأولتم وساغ لكم أيكفر من يخالفكم بلا برهان ... هذي الوقاحة والجراءة والجها ... لة ويحكم يا فرقة الطغيان ... الله أكبر ذا عقوبة تارك الوحيين للآراء والهذيان ...
أي ومن العجائب انكم كفرتم أهل الحديث إذ خالفوا آراء الرجال للنصوص فجعلتم فجعلتم الكفر والايمان لاجل خلافكم ووفاقكم فعلى هذا (2/402)
فالميزان وفاقكم فمن وافقكم شهدتم له بالايمان ومن خالفكم شهدتم عليه بالكفران ووفاقكم فحقيقة الايمان مبتدأ وخبر وفاقكم مبتدأ وحقيقته خبره
قال الناظم رحمه الله تعالى ... لكننا نأتي بحكم عادل فيكم لاجل مخافة الرحمن ... فاسمع إذا يا منصفا حكيمها ... وانظر إذا هل يستوي الحكمان ... هم عندنا قسمان أهل جهالة ... وذوو العناء وذانك القسمان ... جمع وفرق بين نوعين هما ... في بدعة لا شك يجتمعان ... وذوو العناد فأهل كفر ظاهر ... والجاهلون فانهم نوعان ... متمكنون من الهدى والعلم بالأسباب ذات اليسر والامكان ... لكن إلى ارض الجهالة أخلدوا ... واستسهلوا التقليد كالعميان ...
... لم ييذلوا المقدور في إدراكهم ... للحق تهوينا بهذا الشان ... فهم الألى لا شك في تفسيقهم ... والكفر فيه عندنا قولان ... والوقف عندي فيهم لست الذي ... بالكفر أنعتهم ولا الايمان ... والله اعلم بالبطانة منهم ... ولنا ظهارة حلة الاعلان ... لكنهم مستوجبون عقابه ... قطعا لأجل البغي والعدوان ... هبكم عذرتم بالجهالة إنكم ... لن تعذروا بالظلم والطغيان ...
... والطعن في قول الرسول ودينه ... وشهادة بالزور والبهتان (2/403)
وكذلك استحلال قتل مخالفيكم قتل ذي الاشراك والكفران ... ان الخوارج ما احلوا قتلهم ... الا لما ارتكبوا من العصيان ... وسمعتم قول الرسول وحكمه ... فيهم وذلك واضح التبيان ... لكنكم أنتم أبحتم قتلهم ... بوفاق سنته مع القرآن ... والله ما زادوا النقير عليهما ... لكن بتقرير مع الايمان ... فبحق من قد خصكم بالعلم والتحقيق والانصاف والعرفان ... أنتم احق ام الخوارج بالذي ... قال الرسول فأوضحوا ببيان ... هم يقتلون لعابد الرحمن بل ... يدعون أهل عبادة الأوثان ...
... هذا وليسوا أهل تعطيل ولا ... عزل النصوص الحق بالبرهان ...
حاصل كلام الناظم رحمه الله تعالى في هذا الفصل والذي بعده تقسيم اهل الجهل والتعطيل الى قسمين اهل عناد وجهال ثم قسم الجهال الى قسمين القسم الاول متمكنون من الهدى والعلم بالاسباب المتيسرة ولكن اخلدوا الى الجهالة واستسهلوا التقليد والقسم الثاني من الجهال أهل عجز عن بلوغ الحق مع حسن قصد وايمان بالله ورسوله ولقائه ثم قال وهم اذا ميزتهم حزبان الأول قوم أحسنوا الظن بما قالته الأشياخ وأهل الديانة عندهم ولم يجدوا سوى اقوالهم فرضوا بها والضرب الثاني من هؤلاء فطالبوا الحق لكن صدهم عن علمه انهم طلبوا الحقائق من سوى أبوابهم وسلكوا طرقا غير موصلة الى اليقين فتشابهت الطرق عليهم وصاروا حيارى فاما القسم الأول وهم اهل العناد والعياذ بالله فحكم بكفرهم وقد أشار الى ذلك بقوله في هذا النظم ... فالكفر ليس سوى العناد وردما قال الرسول لأجل قول فلان (2/404)
وأما القسم الأول من الجهال وهم المتمكنون من الهدى والعلم ولكنهم اخلدوا الى التقليد ولم يبذلوا وسعهم في طلب الحق فهؤلاء حكم الناظم بفسقهم وأما الكفر ففيه قولان واختار الوقف وأما القسم الثاني وهم اهل العجز عن بلوغ الحق مع ايمانهم بالله ورسوله ولكنهم قلدوا المشايخ واهل الديانة وقال فيهم الناظم ... فأولاء معذورون إن لم يظلموا ... ويكفروا بالجهل والعدوان ...
أي إنهم وان عذروا بالجهالة فهم غير معذورين بالظلم والطغيان والطعن في قول الرسول ودينه والشهادة بالزور والبهتان واستحلال قتل مخاليفهم من المثبتة الذين اثبتوا ما اثبته الله ورسوله من الصفات من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ودعوى أنهم اهل شرك وكفر فان الخوارج لم يحل قتالهم الا لما ارتكبوه من العصيان واستحلال قتال اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم والطعن عليهم مع عبادتهم العظيمة كما قال فيهم النبي صلى الله عليه و سلم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم فان في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم وقد صح الحديث في الخوارج من عشرة اوجه كما قاله الامام احمد وغيره فاذا كان النبي صلى الله عليه و سلم قد حكم بقتل الخوارج مع عبادتهم العظيمة فأنتم أيها الجهال المقلدة إذا استحللتم دماء المثبتة أحق من الخوارج بالقتل والقسم الثاني من هذا القسم فهم الذين طلبوا الحق لكن من غير طرقه وغلب عليهم الشك والحيرة والوقف من غير شك في الله أو دينه أو كتابه ولقائه فقال ... فاؤلاء بين الذنب والأجرين أو ... احداهما أو واسع الغفران ...
هذا حاصل ما ذكره في هذا الفصل قسمهم الى اربعة اقسام وقد (2/405)
ذكر الناظم في شرح منازل السائرين في ذكر أجناس ما يتاب منه وهي اثنا عشر جنسا أربعة مذكورة في كتاب الله عز و جل الأول الكفر والثاني الشرك فأنواع الكفر خمسة كفر تكذيب وكفر استكبار وإباء مع التصديق وكفر اعراض وكفر شك وكفر نفاق وبين هذه الأنواع ثم قال وأما الشرك الاكبر فهو نوعان ثم بين ذلك بأحسن بيان
وقال شيخ الاسلام في رده على ابن البكري فلهذا كان اهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم لأن الكفر حكم شرعي فليس للانسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله لأن الزنا والكذب حرام لحق الله تعالى وكذلك التكفير حق لله تعالى فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله وأيضا فان تكفير الشخص المعين وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها وإلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر الى أن قال ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين ينفون أن يكون الله تعالى فوق العرش أنا لو وافقتكم كنت كافرا لأني أعلم أن قولكم كفر وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال
وقال شيخ الاسلام أيضا في كلام له بعد كلام سبق وحقيقة الأمر في ذلك أن القول قد يكون كفرا فيطلق القول بتكفير صاحبه ويقال من قال كذا فهو كافر لكن الشخص المعين الذي قال ذلك لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها وهذا كما هو في نصوص الوعيد فان الله يقول إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا النساء فهذا أو نحوه من نصوص الوعيد حق لكن (2/406)
الشخص المعين لا يشهد علبه بالوعيد فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار لجواز أن لا يلحقه الوعيد لفوات شرط أو ثبوت مانع فقد لا يكون التحريم بلغة وقد يتوب من فعل المحرم ونحو ذلك وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق أو لم تثبت عنده أو لم يتمكن من فهمهما أو لم يفهمها لشبهة عرضت له يعذره الله بها فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ فان الله يغفر له خطأه كائنا ما كان سواء في المسائل النظرية أو العملية هذا الذي عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وجماهير أئمة الاسلام
وقال رحمه الله تعالى في بعض أجوبته فمن عيوب أهل البدع تكفير بعضهم بعضا ومن ممادح أهل العلم يخطؤون ولا يكفرون وسبب ذلك أن أحدهم يظن ما ليس بكفر كفرا وقد يكون كفرا لأنه تبين له أنه تكذيب للرسول وسب للخالق والآخر لم يتبين له ذلك فلا يلزم اذا كان هذا العالم بحاله يكفر اذا قاله أن يكفر من لم يعلم بحاله قال واذا كان يعني الامام احمد رحمه الله يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله تعالى وصفاته لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم ظاهرة بينة ولأن حقيقة قولهم تعطيل الخالق وكان رضي الله عنه قد ابتلي بهم حتىعرف حقيقة قولهم وأمرهم وأنه يدور على التعطيل وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة لكن ما كان يكفر أعيانهم فان الذي يدعو الى القول أعظم من الذي يقوله والذي يعاقب مخالفه أعظم من الذي يدعو فقط والذي يكفر مخالفه أعظم من الذي يعاقبه ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية إن القرآن مخلوق وان الله لا يرى في الآخرة وغير ذلك من تعطيل أسمائه وصفاته ويدعون الناس الى ذلك ويمتحنونهم (2/407)
ويعاقبونهم اذا لم يجيبوا ويكفرون من لم يجبهم حتى إنهم كانوا إذا قيدوا الأسير لا يطلقونه حتى يقر بقول الجهمية إن القرآن مخلوق ولا يولون مستول ولا يرزقون من بيت المال الا من يقول ذلك ومع هذا فالامام أحمد ترحم عليهم واستغفر لهم لعلمه أنهم لم يتبين لهم أنهم يكذبون الرسول صلى الله عليه و سلم ولا جاحدون لما جاء به ولكن تأولوا فأخطؤوا وقلدوا من قال ذلك وكذلك الامام الشافعي رضي الله عنه لما قال لحفص الفرد حين قال القرآن مخلوق كفرت بالله العظيم فبين بذلك أن هذا القول كفر لم يحكم بردة حفص بمجرد ذلك لأنه لم تتبين له الحجة التي يكفر بها ولو اعتقد أنه مرتد لسعى في قتله وقد صرح في كتبه بقبول شهادة اهل الاهواء والصلاة خلفهم وكذلك قال الامام مالك والشافعي وأحمد في القدري إن جحد علم الله كفر ولفظ بعضهم ناظروا القدرية بالعلم فان أقروا به خصموا وإن جحدوه كفروا وسئل الإمام أحمد عن القدري هل يكفر فقال إن جحد العلم كفر حينئذ فجاحده من جنس الجهمية وأما قتل الداعية للبدع فقد يقتل لكف ضرره على الناس كما يقتل المحارب وإن لم يكن في نفس الأمر كافرا فليس كل من أمر الشرع بقتله يكون قتله لردته وعلى هذا يكون قتل غيلان القدري وغيره من اهل البدع قد يكون على هذا الوجه انتهى كلامه
قال رحمه الله تعالى بعد كلام سبق في ذكر ما عليه كثير من الناس من الكفر والخروج عن الاسلام قال وهذا كثير غالب لا سيما في الأعصار والامصار التي تغلب فيها الجاهلية والكفر والنفاق فلهؤلاء من عجائب الجهل والظلم والكذب والكفر والنفاق والضلال ما لا يتسع لذكره المقال واذا كان في المقالات الخفية فقد يقال إنه (2/408)
فيها مخطيء ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أنهما من دين الاسلام بل اليهود والنصارى والمشركون يعلمون ان محمدا صلى الله عليه و سلم بعث بها وكفر من خالفها مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة احد سوى الله من الملائكة والنبيين أو غيرهم فان هذا أظهر شعائر الاسلام ومثل معادات اليهود والنصارى والمشركين ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ونحو ذلك ثم تجد كثيرا من رؤوسهم وقعوا في هذه الأنواع فكانوا مرتدين وإن كانوا قد يتوبون من ذلك أو يعودون الى ان قال وأبلغ من ذلك أن منهم من يصنف في دين المشركين والردة عن الاسلام كما صنف الرازي كتابه في عبادة الكواكب وأقام الأدلة على حسن ذلك ومنفعته ورغب فيه وهذه ردة عن الاسلام باتفاق المسلمين وإن كان قد يكون عاد إلى الإسلام انتهى
فانظر الى تفريقه بين المقالات الخفية والأمور الظاهرة فقال في المقالات الخفية التي هي كفر قد يقال إنه فيها مخطيء ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها ولم يقل ذلك في الأمور الظاهرة حكمها مطلقا وبما يصدر منها من مسلم جهلا كاستحلال محرم أو فعل أو قول شركي بعد التعريف ولا يكفر بالأمور الخفية جهلا كالجهل ببعض الصفات فلا يكفر الجاهل بها مطلقا وان كان داعية كقوله للجهمية أنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال
وقوله عندي يبين ان عدم تكفيرهم ليس أمرا مجمعا عليه لكنه اختياري وقوله في هذه المسألة خلاف المشهور في المذهب فان الصحيح من (2/409)
المذهب تكفير المجتهد الداعي الى القول بخلق القرآن أو نفي الرؤية أو الرفض ونحو ذلك وتفسيق المقلد
قال الشيخ مجد الدين ابن تيمية رحمه الله الصحيح ان كل بدعة كفرنا فيها الداعية فانا نفسق المقلد فيها كمن يقول في خلق القرآن أو ان علم الله مخلوق او ان اسماءه مخلوقة أو أنه لا يرى في الآخرة أو يسب الصحابة تدينا أو يقول إن الإيمان مجرد الاعتقاد وما أشبه ذلك فمن كان في شيء من هذه البدع يدعو اليه ويناظر عليه فهو محكوم بكفره نص احمد على ذلك في مواضع انتهى
فانظر كيف حكموا بكفرهم مع جهلهم والشيخ رحمه الله يختار عدم كفرهم ويفسقون عنده ونحوه قول الناظم فانه قال وفسق الاعتقاد كفسق أهل البدع الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ويحرمون ما حرم الله ويوجبون ما أوجب الله ولكن ينفون كثير مما أثبت الله ورسوله جهلا وتقليدا للشيوخ ويثبتون ما لم يثبته الله ورسوله كذلك وهؤلاء كالخوارج المارقة وكثير من الروافض والقدرية والمعتزلة وكثير من الجهمية الذين ليسوا غلاة التجهم وأما غلاة الجهمية فكغلاة الرافضة ليس للطائفتين في الاسلام نصيب ولذلك أخرجهم جماعة من السلف من الثنتين وسبعين فرقة وقالوا هم مباينون للملة (2/410)
قال الناظم رحمه الله تعالى
فصل ... والآخرون فأهل عجز عن بلو ... غ الحق مع قصد ومع ايمان ... بالله ثم رسوله ولقائه ... وهم اذا ميزتهم ضربان ... قوم دهاهم حسن ظنهم بما ... قالته اشياخ ذوو أسنان ... وديانة في الناس لم يجحدوا سوى ... اقوالهم فرضوا بها بأمان ... لو يقدرون على الهدى لم يرتضوا ... بدلا به من قائل البهتان ... فأولاء معذورون ان لم يظلموا ... ويكفروا بالجهل والعدوان ... والآخرون فطالبون الحق لكن صدهم عن علمه شيئان ... مع بحثهم ومصنفات قصدهم ... منها وصولهم الى العرفان ... أحداهما طلب الحقائق من سوى ... أبوابها متسوري الجدران ... وسلوك طرق غير موصلة الى ... درك اليقين ومطلع الايمان ... فتشابهت تلك الأمور عليهم ... مثل اشتباه الطرق بالحيران ... فترى أفاضلهم حيارى كلها ... في التيه يقرع ناجذ الندمان ... ويقول قد كثرت علي الطرق لا ... أدري الطريق الأعظم السلطاني (2/411)
بل كلها طرق مخوفات بها الآفات حاصلة بلا حسبان ... فالوقف غايته وآخر أمره ... من غير شك منه في الرحمن ... أو دينه وكتابه ورسوله ولقائه وقيامة الأبدان ...
... فأولاء بين الذنب والأجرين أو ... إحداهما أو واسع الغفران ... فانظرالى أحكامنا فيهم وقد ... جحدوا النصوص ومقتضى القرآن ... وانظر الى أحكامهم فينا لأجل خلافهم اذ قاده الوحيان ... هل يستوي الحكمان عند الله أو ... عند الرسول وعندي ذي الايمان ... الكفر حق الله ثم رسوله ... بالشرع يثبت لا بقول فلان ... من كان رب العالمين وعبده ... قد كفراه فذاك ذو الكفران ... فهلم ويحكم نحاكمكم الى النصين من وحي ومن قرآن ... وهناك يعلم أي حزبينا على الكفران حقا أو على الإيمان ... فليهنكم تكفير من حكمت باسلام وإيمان له النصان ... لكن غايته كفاية من سوى المعصوم غاية نوع ذا الإحسان ... فيصير الأجرين أجرا واحدا ... إن فاته من أجله الكفلان ... ان كان ذاك مكفر يا أمة العدوان من هذا على الإيمان ... قد دار بين الأجر والأجرين والتكفير بالدعوى بلا برهان ... كفرتم والله من شهد الرسول بأنه حقا على الإيمان (2/412)
ثنتان من قبل الرسول وخصلة ... من عندكم أفأنتما عدلان ...
فصل في تلاعب المكفرين لأهل السنة والإيمان بالدين كتلاعب الصبيان ... كم ذا التلاعب منكم بالدين وال إيمان مثل تلاعب الصبيان ... خسفت قلوبكم كما كسفت عقولكم فلا تزكوا على القرآن ... كم ذا تقولوا مجمل ومفصل ... وظواهر عزلت عن الإيقان ... حتى اذا رأي الرجال أتاكم ... فاسمع لما يوحي بلا برهان ...
يقول الناظم رحمه الله إنكم معاشر المخالفين للكتاب والسنة تلاعبتم بالدين كتلاعب الصبيان فاذا احتج أهل الاثبات بنصوص الوحيين تحيلتم في ردها بأنواع الحيل فتارة بدعوة الاجمال وتارة بالتأويل وتارة بقولكم ظواهر لفظية لا تفيد اليقين ونحو ذلك فاذا جاءت آراء الرجال نزولها منزلة النصوص ثم ضرب لهم مثلا بقوله ... مثل الخفافيش التي ان جاءها ... ضوء النها ففي كوى الحيطان ... عميت عن الشمس المنيرة لا تطيق هداية فيها الى الطيران ...
... حتى إذا ما الليل جاء ظلامه ... جالت بظلمته بكل مكان ...
... فترى الموحد حين يسمع قولهم ... ويراهم في محنة وهوان (2/413)
وارحمتاه لعينه ولأذنه ... يا محنة العينين والأذنان ...
قوله مثل الخفافيش الخ قال في القاموس خفاش كرمان الوطواط سمي لصغر عينيه وضعف بصره وأما الكوى فقال في القاموس الكوة بفتح الكاف ويضم والكو الخرق في الحائط جمع كوى وكواء وتكوى دخل مكانا ضيقا أي إن هؤلاء المعطلة لضعف بصائرهم مثل الخفافيش متى سمعوا نصوص الوحيين ورأوا نور الكتاب والسنة لم تحتملها بصائرهم لضعفها فاذا جاءت ظلمة آراء الرجال جالوا بها وصالوا ولهذا قال الناظم وارحمتاه لعينه ولأذنه أي مما يرى ويسمع من كثرة الآراء والهذيان والشبه التي ما أنزل الله بها من سلطان ولهذا قال الناظم ... إن قال حقا كفروه وإن يقو ... لوا باطلا نسبوه للايمان ... حتى اذا مارده عادوه مثل عداوة الشيطان للانسان ... قالوا له خالفت أقوال الشيو ... خ ولم يبالوا الخلف للفرقان ... خالفت أقوال الشيوخ فأنتم ... خالفتم من جاء بالقرآن ... خالفتم قول الرسول وانما ... خالفت من جراه قول فلان ...
أي إن قال المثبت بما دلت عليه النصوص الوحيين كفروه وإن قالوا هم باطلا نسبوه للايمان فان رده المثبت عادوه مثل عداوة الشيطان للانسان يحتمل أن مراده بالشيطان والانسان آدم وإبليس ويحتمل أن مراده الجنس أي عادوه مثل عداوة الشيطان لجنس بني آدم (2/414)
قوله قالوا خالفت أقوال الشيوخ أي قالوا له خالفت أقوال الشيوخ وهم قد خالفوا القرآن من غير مبالاة فيقول لهم المثبت إن كنت خالفت أقوال الشيوخ فلم أخالفها الا لأجل من جاء بالقرآن
قوله من جراه بضم الجيم والمد أي من أجل الرسول صلى الله عليه و سلم
قال الناظم رحمه الله تعالى ... يا حبذا ذاك الخلاف فانه ... عين الوفاق لطاعة الرحمن ... أو ما علمت بأن أعداء الرسو ... ل عليه عابوا الخلف بالبهتان ... لشيوخهم ولما عليه قد مضى ... أسلافهم في سالف الأزمان ... ما العيب الا في خلاف النص لا ... رأي الرجال وفكرة الاذهان ...
... أنتم تعيبون بهذا وهو من ... توفيقنا والفضل للمنان ... فليهنكم خلف النصوص ويهننا ... خلف الشيوخ أيستوي الخلفان ... والله ما تسوى عقول جميع أهل الأرض نصا صح ذا تبيان ... حتى نقدمها عليه معرضين مؤولين محرفي القرآن ... والله ان النص فيما بيننا ... لأجل من آراء كل فلان ... والله لم ينقم علينا منكم ... أبدا خلاف النص من انسان ...
أي ينبغي لك أيها الناظر في هذا النظم أن تعلم أن أعداء الرسول عابوا عليه خلاف آبائهم وقالوا إنا وجدنا آبائنا على امة وإنا على آثارهم مقتدون ومن معائبهم للرسول صلى الله عليه و سلم أنهم يقولون له ضللت آباءنا فيقول الناظم ما العيب الا في خلاف النص وأما خلاف آراء الرجال المخالفة للنصوص فهو (2/415)
عين الوفاء لطاعة الرحمن ولهذا قال متهكما بهم فليهنكم خلف النصوص ويهننا ثم قال والله لم ينقم علينا منكم أبدا خلاف النص من إنسان أي والله ما نقمتم علينا مرة واحدة خلاف النص وإنما خلاف الأشعري وأشار الى ذلك بقوله ... إلا خلاف الاشعري بزعمكم ... وكذبتم أنتم على الانسان ... كفرتم من قال من قد قاله ... في كتبه حقا بلا كتمان ... هذا وخالفناه في القرآن مثل خلافكم في الفوق للرحمن ... فالأشعري مصر بالاستوا ... ء وبالعلو بغاية التبيان ... ومصرح أيضا باثبات اليدين ووجه رب العرش ذي السلطان ... ومصرح أيضا بأن لربنا ... سبحانه عينان ناظرتان ... ومصرح أيضا باثبات النزو ... ل لربنا نحو الرفيع الداني ... ومصرح أيضا باثبات الأصا ... بع مثل ما قد قال ذو البرهان ... ومصرح أيضا بأن الله يو ... م الحشر يبصره أولو الايمان ... جهرا يرون الله فوق سمائه ... رؤيا العيان كما يرى القمران ... ومصرح أيضا باثبات المجيء وأنه يأتي بلا نكران ... ومصرح بفساد قول مؤول للاستواء بقهر ذي السلطان ... ومصرح أن الألى قالوا بذا التأويل أهل ضلالة ببيان ...
... ومصرح أن الذي قد قاله ... اهل الحديث وعسكر القرآن (2/416)
هو قوله يلقي عليه ربه ... وبه يدين الله كل أوان ...
قال ابو الحسن علي بن اسماعيل الأشعري في كتابه الذي صنفه في اختلاف المصلين ومقالات الاسلاميين وذكر فيه فرق الروافض والخوارج والمرجئة والمعتزلة وغيرهم ثم قال مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة الاقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاء عن الله ومارواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يردون شيئا من ذلك وأن الله واحد أحد فرد صمد لا إله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وان محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن الله على عرشه كما قال الرحمن على العرش استوى طه وأن له يدين بلا كيف كما قال خلقت بيدي ص وكما قال بل يداه مبسوطتان المائدة وأن له عينين بلا كيف كما قال تجري بأعيننا القمر وأن له وجها كما قال ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام الرحمن وأن أسماء الله لا يقال إنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج وأقروا أن لله علما كما قال أنزله بعلمه وكما قال وما تحمل من أنثى ولا تضع الا بعلمه فاطر واثتبوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة وأثبتوا لله القوة كما قال أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة فصلت وذكر مذهبهم في القدر الى أن قال ويقولون القرآن كلام الله غير مخلوق والكلام في اللفظ والوقف من قال باللفظ وبالوقف فهو مبتدع عندهم لا يقال اللفظ بالقرآن مخلوق ولا يقال غير مخلوق ويقرون أن الله يرى بالابصار يوم القيامة كما يرى (2/417)
القمر ليلة البدر يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون لأنهم عن الله محجوبون وذكر قولهم في الاسلام والإيمان والحوض والشفاعة وأشياء إلى أن قال ويقرون بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ولا يقولون مخلوق ولا غير مخلوق ولا يشهدون على أحد من أهل الكبائر بالنار الى أن قال وينكرون الجدل والمراء في الدين والخصومة والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل ويتنازعون فيه من دينهم ويسلمون للروايات الصحيحة ولما جاءت به الآثار التي جاء بها الثقات عدلا عن عدل حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يقولون كيف ولا لم لان ذلك بدعة الى أن قال ويقرون أن الله يجيء يوم القيامة كما قال وجاء ربك والملك صفا صفا وأن الله يقرب من خلقه كيف يشاء كما قال ونحن أقرب اليه من حبل الوريد الى ان قال ويرون مجانبة كل داع الى بدعة والتشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار والنظر في الفقه مع الاستكانة والتواضع وحسن الخلق مع بذل المعروف وكف الأذى وترك الغيبة والنميمة والسعاية وتفقد المآكل والمشارب قال فهذه جملة ما يؤمرون به ويستسلمون اليه ويرونه وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب وما توفيقنا إلا بالله وهو المستعان وقال الأشعري أيضا في اختلاف أهل القبلة في العرش قال أهل السنة وأصحاب الحديث ليس بجسم ولا يشبه الأشياء وأنه استوى على العرش كما قال الرحمن على العرش استوى طه ولا يتقدم بين يدي الله في القول بل نقول استوى بلا كيف وأنه له وجها كما قال ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام الرحمن وأن له يدين كما قال خلقت بيدي وأن له عينين كما قال تجري بأعيننا البقرة (2/418)
وأنه يجيء يوم القيامة وملائكته كما قال وجاء ربك والملك صفا صفا الفجر وأنه ينزل الى سماء الدنيا كما جاء في الحديث ولم يقولوا شيئا الا ما وجدوه في الكتاب أو جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقالت المعتزلة إن الله استوى على العرش بمعنى استولى وذكر مقالات أخرى وقال أيضا أبو الحسن الأشعري في كتابه الذي سماه الابانه في أصول الديانة وقد ذكر أصحابه آخر كتاب صنفه وعليه يعتمدون في الذب عنه عند من يطعن عليه فقال فصل في إبانة قول اهل الحق والسنة فان قال قائل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون قيل له قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا وسنة نبينا وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان يقول أبو عبدالله أحمد بن حنبل نصر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون ولما خالف قوله مجانبون لأنه الامام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ودفع به الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين فرحمة الله عليه من امام مقدم وجليل معظم وكبير مفهم
وجملة قولنا أنا نقر بالله وكتبه ورسله وبما جاؤوا به من عند الله وبما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا نرد من (2/419)
ذلك شيئا ون الله واحد لا إله إلا هو فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق وان الجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن الله مستو على عرشه كما قال الرحمن على العرش استوى طه وأن له وجها كما قال ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام الرحمن وأن له يدين بلا كيف كما قال خلقت بيدي ص وكما قال بل يداه مبسوطتان المائدة 64 وأن له عينين بلا كيف كما قال تجري بأعيننا القمر ومن زعم أن أسماء الله غيره كان ضالا وذكر نحوا مما ذكر في الفرق إلى أن قال ونقول إن الاسلام أوسع من الإيمان وليس كل إسلام إيمانا وندين بأن الله يقلب القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز و جل يضع السماوات على اصبع والأرضين على اصبع كما جاءت الرواية عن النبي صلى الله عليه و سلم الي أن قال وأن الايمان قول وعمل يزيد وينقص ونسلم للروات الصحيحة عن النبي صلى الله عليه و سلم التي رواها الثقات عدلا عن عدل حتى ينتهي إلى الرسول صلى الله عليه و سلم إلى أن قال ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها أهل النقل من النزول الى السماء الدنيا وأن الرب عز و جل يقول هل من سائل هل من مستغفر وسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافا لما قال أهل الزيغ والتضليل ونعول فيما اختلفنا فيه على كتاب ربنا وسنة نبينا واجماع المسلمين وما كان في معناه ولا نبتدع في دين الله ما لم يأذن لنا به ولا نقول على الله ما لا نعلم ونقول إن الله يجيء يوم القيامة كما قال وجاء ربك والملك صفا صفا الفجر وأن الله يقرب من (2/420)
عباده كيف شاء كما قال ونحن أقرب اليه من حبل الوريد ق وكما قال ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى النجم إلى أن قال وسنحتج لما ذكرناه من قولنا وما بقي مما لم نذكره بابا بابا ثم نتكلم على أن الله يرى واستدل على ذلك ثم تكلم على أن القرآن غير مخلوق واستدل على ذلك ثم تكلم على من وقف في القرآن وقال لا أقول إنه مخلوق ولا غير مخلوق ورد عليه ثم قال باب ذكر الاستواء على العرش فقال إن قال قائل ما تقولون في الاستواء قلنا له نقول إن الله مستو على عرشه كما قال الرحمن على العرش استوى طه وقد قال الله اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه فاطر وقال بل رفعه الله اليه النساء وقال يدبر الأمر من السماء الى الأرض ثم يعرج اليه السجدة وقال حكاية عن فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع الى اله موسى وإني لأظنه كاذبا غافر كذب موسى في قوله إن الله فوق السماوات وقال أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض الملك فالسماوات فوقها العرش فلما كان العرش فوق السماوات قال أأمنتم من في السماء لأنه مستو على عرشه الذي هو فوق السماوات وكل ما علا فهو سماء فالعرش أعلى السماوات وليس إذا قال أأمنتم من في السماء يعني جميع السماء وانما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات ألا ترى أن الله عز و جل ذكر السماوات فقال وجعل القمر فيهن نورا نوح فلم يرد أن القمر يملأهن وأنه فيهن جميعا ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء لأن الله على العرش (2/421)
الذي فوق السماوات فلولا أن الله على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش كما لا يحطونها إذا دعوا إلى الأرض ثم ذكر رحمه الله فصلا رد فيه على من تأول الاستواء بالاستيلاء من الجهمية والمعتزلة أبلغ رد واستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة والاجماع والعقل وقد تقدم ذلك وهذا الذي ذكرناه من كلام أبي الحسن الأشعري هو مضمون ما ذكره الناظم عنه
قلت ومن العجب أن المنتمين إلى الامام أبي الحسن الاشعري مع شدة تعظيمهم له قد خالفوه في أكثر ما ذهب إليه وخالف فيه المعتزلة فانه في بدايته وأول أمره كان معتزلا ودرس الكلام على أبي علي الجبائي أربعين سنة ثم لما بين الله له الحق رجع عن الاعتزال ونابذ المعتزلة ورد عليهم أبلغ الرد وصار متكلما للسنة بل هو كما قيل فيه إنه حجز المعتزلة في قمع السمسمة ثم قد خالفوه في أكثر ما رجع عنه ورجعوا إلى مذهب المعتزلة فتأولوا الاستواء بالاستيلاء واليد بالنعمة أو القدرة والنزول بنزول الأمر والملائكة والمجيء بمجيء الأمر والملائكة والرضى بالاثابة والغضب بالانتقام والرحمة بالانعام أو ارادة الانعام بل لعلهم زادوا على المعتزلة في التأويلات الباطلة والتمحلات العاطلة فنعوذ بالله من موجبات غضبه
وقول الناظم هذا وخالفناه في القرآن الخ أي خالفناه في قوله إن كلام الله تعالى هو المعنى النفسي وإن القرآن عبارة عن ذلك المعنى كما خالفتموه في الاستواء والعلو واثبات الصفات الخبرية فلم كان خلافنا له كفرا وخلافكم له إيمانا وخالفتم النصوص أيضا ونحن خالفنا آراء جهم ذي البهتان (2/422)
ثم أقسم الناظم والله مالكم جواب غير تكفير الخ أي ليس لكم جواب غير تكفيرنا بلا علم ثم قال منهكما استغفر الله العظيم الخ أي لكم جواب آخر وهو الشكوى إلى السلطان بغير علم ولا برهان
قوله والله لا للاشعري تبعتم الخ أي إنهم لم يتبعوا الأشعري ولا النصوص ولكنهم وافقوا المعتزلة في اكثر ما ذهبوا اليه كما تقدم ذلك والله تعالى أعلم
قال الناظم ... لكنه قد قال إن كلامه ... معنى يقوم بربنا الرحمن ... في القول خالفناه نحن وأنتم ... في الفوق والأوصاف للديان ... لو كان نفس خلافنا كفرا وكا ... ن خلافكم هو مقتضى الايمان ... هذا وخالفتم لنص حين خا ... لفنا لرأي الجهم ذي البهتان ... والله ما لكم جواب غير تكفير بلا علم ولا ايقان ... أستغفر الله العظيم لكم جوا ... ب غير ذي الشكوى إلى السلطان ... فهو الجواب لديكم ولنحن منتظرون منكم يا أولى البرهان ... والله لا للأشعري تبعتم ... كلا ولا للنص بالاحسان ... يا قوم فانتبهوا لانفسكم وخلوا الجهل والدعوى بلا برهان ... ما في الرياسة بالجهالة غير ضحكة عاقل منكم مدى الأزمان ... لا ترتضوا برياسة البقر التي ... رؤساؤها من جملة الثيران ...
لما ذكر الناظم رحمه الله أن النفاة لم ينقموا علينا ولله الحمد أنا خالفنا (2/423)
النصوص وانما نقموا علينا مخالفة الاشعري أخذ يبين كذب هذه الدعوى ويوضح أنهم خالفوه أعظم المخالفة فانه رحمه الله قد صرح باثبات الاستواء والعلو واثبات اليدين والوجه والعينين والنزول الى سماء الدنيا والاصابع وصرح باثبات رؤية الله تعالى بالابصار يوم القيامة وصرح باثبات المجيء وصرح بفساد قول اهل التأويل للاستواء بالقهر وصرح باثبات الصفات الخبرية وصرح بأنه يقول بجميع ما قاله أهل الحديث كما تقدم نقل ذلك عنه ولكن نحن قد خالفناه في قوله بالكلام النفسي وأنتم معاشر النفاة خالفتموه في الفوق واثبات الصفات فلأي شيء كان خلافنا له كفرا وخلافكم له ايمانا ومع خلافكم له فقد خالفتم النصوص القطعية ونحن خالفناه في ذلك لأنه خلاف المنقول الصحيح والمعقول الصريح ثم أقسم الناظم أنه لا جواب لهم إلا التكفير بغير علم ولا حجة ثم استثنى أن لهم جوابا آخر وهو شكاية مخالفيهم الى السلطان اذا غلبهم بالحجة والبرهان ومع هذا قد خالفوا النصوص وخالفوا الاشعري فحاصل كلامهم كثرة الدعاوى بلا برهان وتكفير أهل العلم والايمان نعوذ بالله من الخذلان (2/424)
فصل
في أن أهل الحديث هم أنصار رسول الله صلى الله عليه و سلم وخاصته ولا يبغض الانصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر ... يا مبغضا أهل الحديث وشاتما ... أبشر بعقد ولاية الشيطان ... أو ما علمت بأنهم أنصار دين الله والايمان والقرآن ... أو ما علمت بأن أنصار الرسو ... ل هم بلا شك ولا نكران ... هل يبغض الأنصار عبد مؤمن ... أو مدرك لروائح الايمان ... شهد الرسول بذاك وهي شهادة ... من أصدق الثقلين بالبرهان ... أو ما علمت بأن خزرج دينه ... والأوس هم أبدا بكل زمان ... ما ذنبهم إذ خالفوك لقوله ... ما خالفوه لأجل قول فلان ... لو وافقوك وخالفوه كنت تشهد أنهم حقا أولو الايمان ...
... لما تحيزتم الى الاشياخ وانحازوا إلى المبعوث بالقرآن ... نسبوا اليه دون كل مقالة ... أو حالة أو قائل ومكان ... هذا انتساب أولي التفرق نسبة من ... اربع معلومة التبيان (2/425)
قوله نسبة من اربع الخ وهي النسب المعروفة وهي المماثلة والموافقة والمناسبة والمخالفة ... فلذا غضبتم حيثما انتسبوا إلى ... غير الرسول بنسبة الاحسان ... فوضعتم لهم من الألقاب ما ... تستقبحون وذا من العدوان ...
تقدمت الألقاب التي وضعوها لأهل الحديث ومعانيها ... هم يشهدونكم على بطلانها ... أفتشهدونهم على البطلان ...
... ما ضرهم والله بغضكم لهم ... إذ وافقوا حقا رضى الرحمن ... يا من يعاديهم لأجل مآكل ... ومناصب ورياسة الاخوان ... تهنيك هاتيك العداوة كم بها ... من حسرة ومذلة وهوان ... ولسوف تجني غيها والله عن ... قرب وتذكر صدق ذي الايمان ... فاذا تقطعت الوسائل وانتهت ... تلك المآكل في سريع زمان ... فهناك تقرع سن ندمان على التفريط وقت السير والامكان ... وهناك تعلم ما بضاعتك التي ... حصلتها في سالف الأزمان ... إلا الوبال عليك والحسرات والخسران عند الوضع في الميزان ... قيل وقال ماله من حاصل ... الا العناء وكل ذي الأذهان (2/426)
والله ما يجدي عليك هناك إلا ذا الذي جاءت به الوحيان ... والله ما ينجيك من سجن الجحيم سوى الحديث ومحكم القرآن ... والله ليس الناس إلا أهله ... وسواهم من جملة الحيوان ... ولسوف تذكر برذي الايمان عن قرب ... وتقرع ناجذ الندمان ... رفعوا به رأسا ولم يرفع به ... اهل الكلام ومنطق اليونان ... فهم كما قال الرسول ممثلا ... بالماء مهبطه على القيعان ... لا الماء يمسكه ولا كلأبها ... يرعاه ذو كبد من الحيوان ...
يشير الى الحديث الذي في الصحيح من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب ارضا فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها طائفة اجادب أمسكت الماء فسقى الناس وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي ارسلت به ... هذا إذا لم تحرق الزرع الذي ... بجوارها بالنار أو بدخان ... والجاهلون بذا وهذا هم زوا ... ن الزرع أي والله شرزاوني ... وهم لدا غرس الاله كمثل غر ... س الدلب بين مغارس الرمان ...
قوله زوان قال في القاموس الزوان الذي يخالط البر
قوله الدلب قال في القاموس الدلب بالضم الصغار (2/427)
واحدته بهاء وأرض مدلبة كثيرته وفي مختار الصحاح الدلب شجر الواحدة دلبة ... يمتص ماء الزع مع تضييقه ... أبدا عليه وليس ذا قنوان ... ذا حالهم مع حال أهل العلم أنصار الرسول فوارس الايمان ... فعليه من قبل الاله تحية ... والله يبقيه مدى الأزمان ... لولاه ما سقي الغراس فوق ذا ... ك الماء للدلب العظيم الشان ...
... فالغرس دلب كله وهو الذي ... يسقي ويحفظ عند اهل زمان ... فالغرس في تلك الحضارة شارب ... فضل المياه مصاوة البستان ... لكنما البلوى من الحطاب قطاع الغراس وعاقر الحيطان ... بالفوس يضرب في اصول الغرس كي يجتثها ويظن ذا إحسان ... ويظل يحلف كاذبا لم اعتمد في ذا سوى التثبيت للعيدان ... يا خيبة البستان من حطابه ما بعد ذا الحطاب من بستان ... في قلبه غل على البستان فهو موكل بالقطع كل أوان ... فالجاهلون شرار أهل الحق والعلماء سادتهم أولو الاحسان ... والجاهلون خيار احزاب الضلا ... ل وشيعة الكفران والشيطان ... وشرارهم علماؤهم هم شر خلق الله آفة هذه الأكوان ...
يشير الى الحديث الذي ورد علماؤهم شر من تحت أديم السماء منهم خرجت الفتنة وفيهم تعود (2/428)
فصل
في تعيين الهجرة من الآراء والبدع الى سنته كما كانت فرضا من الامصار الى بلدته عليه السلام ... يا قوم فرض الهجرتين بحاله ... والله لم ينسخ إلى ذا الآن ... والهجرة الأولى الى الرحمن بالإخلاص إخلاص في سر وفي إعلان ... حتى يكون القصد وجه الله بال أقوال والاعمال والإيمان ... ويكون كل الدين للرحمن ما لسواه شيء فيه من إنسان ... والحب والبغض اللذان هما لكل ولاية وعداوة أصلان ... لله أيضا هكذا الاعطاء والمنع اللذان عليهما يقفان ... والله هذا شطر دين الله والتحكيم للمختار شطر ثان ... وكلاهما الإحسان لن يتقبل الرحمن من سعي بلا إحسان ...
... والهجرة الأخرى الى المبعوث بالإسلام والايمان والاحسان ...
ذكر الناظم رحمه الله في الأبيات أن فرض الهجرتين باق لم ينسخ فالهجرة الاولى الى الله تعالى وذلك بالاخلاص له في السر والعلن وأن يكون القصد وجهة لله بالاقوال والاعمال والايمان وأن يكون الدين كله لله وأن يكون الحب والبغض لله تعالى وكذلك الإعطاء والمنع وهذا شطر الدين وشطره الثاني تحكيم المختار صلى الله عليه و سلم كما قال الناظم والهجرة (2/429)
الثانية هي الهجرة الى الرسول صلى الله عليه و سلم باتباعه في الدق والجل ورد ما تنازع الناس فيه إلى سنته ورد كل فول لقوله ... أترون هذي هجرة الأبدان لا ... والله بل هي هجرة الايمان ... قطع المسافة بالقلوب اليه في ... درك الأصول مع الفروع فذان ... ابدا إليه حكمها لا غيره ... فالحكم ما حكمت به النصان ...
... يا هجرة طالت مسافتها على ... من خص بالحرمان والخذلان ... يا هجرة طالت مسافتها على ... كسلان منخوب الفؤاد جهان ...
قال في القاموس رجل ونخب ونخب ونخبة ونخب كهجف ومنتخب ومنخوب ونخب ونخيب جبان جمع نخب انتهى ... يا هجرة والعبد فوق فراشه ... سبق السعادة لمنزل الرضوان ... ساروا أحث السير وهو فسيره ... سير الدلال وليس بالذملان ...
قوله الدلال قال في القاموس أدل عليه انبسط كتدلل
قوله الذملان محركة هو السير اللين قال في القاموس العلم محركة الجبل الطويل أو عام جمع أعلام وعلام انتهى وقاع وارض وقيعة لا تكاد تنشف الماء قاله في القاموس ... رفعت له أعلام هاتيك النصو ... ص رؤوسها شابت من النيران ...
... نار هي النور المبين ولم يكن ... ليراه إلا من له عينان (2/430)
مكحولتان بمرود الوحيين لا ... بمراود الآراء والهذيان ... فلذاك شمر نحوها لم يلتفت ... لا عن شمائله ولا أيمان ... يا قوم لو هاجرتم لرأيتم ... أعلام طيبة رؤية بعيان ... ورأيتم ذاك اللواء وتحته الرسل الكرام وعسكر القرآن ... أصحاب بدر والألى قد بايعوا ... أزكى البرية بيعة الرضوان ... وكذا المهاجرة الألى سبقوا كذا الأنصار أهل الدار والايمان ... والتابعون لهم باحسان وسا ... لك هديهم أبدا بكل زمان ...
... لكن رضيتم بالاماني وابتليتم بالحظوظ ونصرة الاخوان ... بل غركم ذاك الغرور وسولت ... لكم النفوس وساوس الشيطان ... ونبذتم عسل النصوص وراءكم ... وقنعتم بقطارة الأذهان ...
قال في القاموس القطارة بالضم ما قطر من الشيء والقليل من الماء ... وتركتم الوحيين زهدا فيهما ... ورغبتم في رأي كل فلان ... وعزلتم النصين عما وليا ... للحكم فيه عزل ذي عدوان ... وزعمتم أن ليس يحكم بيننا ... الا العقول ومنطق اليونان ...
... فهما بحكم الحق أولى منهما ... سبحانك اللهم ذا السبحان ... حتى أذا انكشف الغطاء وحصلت أعمال هذا الخلق في الميزان ... واذا انجلى هذا الغبار وصار ميدان السباق تناله العينان (2/431)
وبدت على تلك الوجوه سماتها ... وسم المليك القادر الديان ... مبيضة مثل الرياض بجنة ... والسود مثل الفحم للنيران ...
معنى هذه الأبيات أنكم معاشر النفاة لما تركتم الوحيين وهما الكتاب والسنة وعزلتم النصين وزعمتم أن ليس يحكم بين الناس فيما تنازعتم فيه إلا العقول والمنطق فاذا انكشف الغطاء وذلك يوم القيامة وحصلت أعمال الناس وانجلى الغبار وصار ميدان السباق وبدت على الوجوه سماتها أي علاماتها وصارت وجوه مبيضة في الجنة ووجوه مسودة في النار عرفتم حاصلكم ومحصولكم ورأيتم ما أوجبته لكم أصولكم ... فهناك يعلم راكب ما تحته ... وهناك يقرع ناجذ الندمان ... وهناك تعلم كل نفس ما الذي ... معها من الارباح والخسران ...
... وهناك يعلم مؤثر الآراء والشطحات والهذيان والبطلان ... أي البضائع قد أضاع وما الذي ... منها تعوض في الزمان الفاني ...
قوله فهناك يعلم راكب الخ أي إذا انجلى الغبار عرف راكب ما تحته أفرس أم حمار وهناك يقرع الندمان ناجذ الندم وهناك تعلم نفس ما الذي معها الربح والخسران وهناك يعلم مؤثر شطحات الصوفية وآراء المتكلمين وهذيانهم وأباطليهم على الكتاب والسنة أنه فاته أعظم بضاعة وأنه تعوض أخسر بضاعة وأخس نصيب وأنه فاته أعظم الربح نعوذ بالله من موجبات غضبه ... سبحان رب الخلق قاسم فضله ... والعدل بين الناس في الميزان ...
... لو شاء كان الناس شيئا واحدا ... ما فيهم من تائه حيران (2/432)
لكنه سبحانه يختص بالفضل العظيم خلاصة الانسان ... وسواهم لا يصلحون لصالح ... كالشوك فهو عمارة النيران ... وعمارة الجنات هم أهل الهدى ... الله أكبر ليس يستويان ... فسل الهداية من أزمة أمرنا ... بيديه مسألة الذليل العاني ...
قوله لو شاء كان الناس شيئا واحدا الخ هذا كما قال تعالى ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين هود الآية ولكنه سبحانه يهدي من يشاء بفضله ويضل من يشاء بعدله كما قال تعالى والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء الى صراط مستقيم يونس فعم بالدعوة وخص بالهداية ... ما للعباد عليه حق واجب ... كلا ولا سعي لديه ضائع ... إن عذبوا فبعد له أو نعموا ... فبفضله وهو الكريم الواسع ...
قال الناظم ... وسل العياذ من اثنتين هما اللتا ... ن بهلك هذا الخلق كافلتان ... شر النفوس وسيىء الأعمال ما ... والله أعظم منهما شران ... ولقد أتى هذا التعوذ منهما ... في خطبة المبعوث بالقرآن ...
يشير الى خطبة الحاجة وهي ما روي ابن مسعود قال علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم خطبة الحاجة الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (2/433)
الحديث رواه اهل السنن الاربعة وقال الترمذي حديث حسن ... لو كان يدري العبد أن مصابه ... في هذه الدنيا هو الشران ... جعل التعوذ منهم ديدانه ... حتى نراه داخل الأكفان ... وسل العياذمن التكبر والهوى ... فهما لكل الشر جامعتان ... وهما يصدان الفتى عن كل طر ... ق الخير إذ في قلبه يلجان ... فتراه يمنعه هواه تارة ... والكبر أخرى ثم يشتركان ... والله ما في النار إلا تابع ... هذين فاسأل ساكني النيران ... والله لو جردت نفسك منهما ... لأتت اليك وفود كل تهان ...
فصل
في ظهور الفرق المبين بين دعوة الرسل ودعوة المعطلين ... والفرق بين الدعوتين فظاهر ... جدا لمن كانت له أذنان ...
... فرق مبين ظاهر لايختفي ... ايضاحه إلا على العميان ... فالرسل جاؤونا باثبات العل و لربنا من فوق كل مكان ... وكذا أتونا بالصفات لربنا الر حمن لربنا الرحمن تفصيلا بكل بيان ... وكذاك قالوا إنه متكلم ... وكلامه المسموع بالآذان (2/434)
وكذاك قالوا انه سبحانه المرئي يوم لقائه بعيان ... وكذلك قالوا إنه الفعال حقا كل يوم ربنا في شان ... وأتيتمونا أنتم بالنفي والتعطيل بل بشهادة الكفران ... للمثبتين صفاته وعلوه ... ونداءه في عرف كل لسان ... شهدوا بايمان المقر بأنه ... فوق السماء مباين الاكوان ... وشهدتم أنتم بتكفير الذي ... قد قال ذلك يا أولي العدوان ... وأتى بأين الله إقرارا ونطقا قلتم هذا من البهتان ... فسؤالنا بالاين مثل سؤالنا ... ما الكون عندكم هما شيئان ... وكذا أتونا بالبيان فقلتم ... باللغز اين اللغز من تبيان ... إذ كان مدلول الكلام ووضعه ... لم يقصدوه بنطقهم بلسان ... والقصد منهم غير مفهوم به ... ما اللغز عند الناس الا ذان ... يا قوم رسل الله أعرف منكم ... وأتم نصحا في كمال بيان ... أترونهم قد ألغزوا التوحيد إذ ... بينتموه يا أولي العرفان ... أترونهم قد أظهروا التشبيه وهو لديكم كعبادة الأوثان ...
مضمون ما ذكره الناظم في هذه الأبيات هو اثبات الفرق بين دعوة المرسلين ودعوة المعطلين وذلك أن الرسل جاؤوا باثبات العلو والفوقية (2/435)
واثبات الصفات تفصيلا وأنه سبحانه متكلم بكلام مسموع وأنه سبحانه يرى يوم القيامة رؤية العيان وأنه الفعال سبحانه وأنه كل يوم في شأن وأما المعطلون فأتوا بالنفي والتعطيل بل شهدوا بالكفر لمثبتي علوه سبحانه فوق عباده بائنا عن المخلوقات أترونهم أيها المعطلة قد ألغزوا التوحيد وبينتموه أنتم أو أنهم أظهروا التشبيه بزعمكم والعياذ بالله ... ولأي شيء لم يقولوا مثل ما ... قد قلتموا في ربنا الرحمن ... ولأي شيء صرحوا بخلافه ... تصريح تفصيل بلا كتمان ...
... ولأي شيء بالغوا بالوصف بالاثبات دون النفي كل زمان ... ولأي شيء أنتم بالغتم ... في النفي والتعطيل بالقفزان ... فجعلتم نفي الصفات مفصلا ... تفصيل نفي العيب والنقصان ... وجعلتم الاثبات أمرا مجملا ... عكس الذي قالوه بالبرهان ...
أي ما بال الرسل أيها المعطلة لم يقولوا مثل ما قلتم في الله تعالى بل صرحوا دائما بخلافه تصريحا على التفصيل بغير كتمان وأما أنتم فبالغتم في النفي والتعطيل بالقفزان القفيز مكيال ثمانية مكاكيك ومن الأرض قدر مائة وأربعة وأربعين ذراعا جمع أقفزة وقفزان قاله في القاموس فجئتم بنفي مفصل واثبات مجمل وأما الرسل عليهم الصلاة والسلام فجاؤوا باثبات مفصل ونفي مجمل ولهذا قال ... أتراهم عجزوا عن التبيان واستوليتم أنتم على التبيان ... أترون أفراخ اليهود وأمة التعطيل والعباد للنيران (2/436)
ووقاح أرباب الكلام الباطل المذموم عند أئمة الايمان ... من كل جهمي ومعتزل ومن ... والاهما من حزب جنكسخان ... بالله أعلم من جميع الرسل والتوراة والانجيل والقرآن ...
أي أترى الرسل عليهم الصلاة والسلام عجزوا عن التبيان واستوليتم أيها المعطلة عليه أم هل ترون أفراخ اليهود والمعطلة وأبناء المجوس عباد النيران وأوقاح أهل الكلام وغيرهم من الجهمية والمعتزلة ومن والاهم من حزب جنكسخان أعلم بالله من جميع الرسل والتوراة والانجيل والقرآن
ثم قال رحمه الله تعالى ... فسلوهم بسؤال كتبهم التي ... جاؤوا بها عن علم هذا الشان ... وسلوهم هل ربكم في أرضه ... أو في السماء وفوق كل مكان ... أم ليس من ذا كله شيء فلا ... هو داخل أو خارج الاكوان ... فالعلم والتبيان والنصح الذي ... فيهم يبين الحق كل بيان ... لكنما الألغاز والتلبيس والكتمان فعل معلم الشيطان ...
فصل
في شكوك أهل السنة والقرآن أهل التعطيل والآراء المخالفة لهما الى الرحمن
لما كان أهل التعطيل يشكون أهل الحديث والسنة الى السلاطين (2/437)
ويرمونهم بالعظائم والبهت قابلهم أهل السنة بالشكاية الى الرحمن سبحانه ... يا رب هم يشكوننا أبدا ببغيهم وظلمهم إلى السلطان ... ويلبسون عليه حتى أنه ... ليظنهم هم ناصروا الايمان ... فيرونه البدع المضلة في قوا ... لب سنة نبوية وقرآن ... ويرونه الاثبات للأوصاف في ... أمر شنيع ظاهر النكران ... فيلبسون عليه تلبيسين لو ... كشفا له باداهم بطعان ... يا فرقة التلبيس لا حييتم ... أبدا وحييتم بكل هوان ... لكننا نشكوهم وصنيعهم ... ابدا اليك فأنت ذو السلطان ... فاسمع شكايتنا وأشك محقنا ... والمبطل اردده عن البطلان ...
أشك بقطع الهمزة ... راجع به سبل الهدى والطف به ... حتى تريه الحق ذا تبيان ... وارحمه وارحم سعيه المسكين قد ... ضل الطريق وتاه في القيعان ... يا رب قد عم المصاب بهذه الآراء والشحطات والبهتان ... هجروا لها الوحيين والفطرات والآثار لم يعبوا بذا الهجران ... قالوا وتلك ظواهر لفظية ... لم تغن شيئا طالب البرهان ... فالعقل أولى أن يصار اليه من ... هذي الظواهر عند ذي العرفان ... ثم ادعى كل بأن العقل ما ... قد قلته دون الفريق الثاني (2/438)
يا رب قد حار العباد بعقل من ... يزنون وحيك فأت بالميزان ... وبعقل من يقضي عليك فكلهم ... قد جاء بالمعقول والبرهان ... يا رب أرشدنا إلى معقول من ... يقع التحاكم أننا خصمان ...
هذا كما قال شيخ الاسلام في الحموية ثم المخالفون للكتاب والسنة في أمر مريج فان من ينكر الرؤية يزعم أن العقل يحيلها وأنه مضطر فيها إلى التأويل ومن يحيل أن لله علما وقدرة وأن يكون كلامه غير مخلوق ونحو ذلك يقول إن العقل أحال ذلك فاضطر إلى التأويل بل من ينكر حقيقة حشر الأجساد والأكل والشرب الحقيقي في الجنة يزعم أن العقل أحال ذلك وأنه مضطر إلى التأويل ومن زعم أن الله ليس فوق العرش يزعم أن العقل أحال ذلك وأنه مضطر الى التأويل ويكفيك دليلا على فساد قول هؤلاء أنه ليس لواحد منهم قاعدة مستمرة فيما يحيله العقل بل منهم من يزعم أن العقل جوز أو أوجب ما يدعي الآخر أن العقل أحاله فيا ليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة فB مالك بن أنس الامام حيث قال أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل الى محمد صلى الله عليه و سلم لجدل هؤلاء انتهى قوله ... جاؤوا بشبهات وقالوا إنها ... معقولة ببداية الأذهان ... كل يناقض بعضه بعضا وما ... في الحق معقولان مختلفان ... وقضوا بها كذبا عليك وجرأة ... منهم وما التفتوا إلى القرآن ... يا رب قد أوهى النفاة حبائل القرآن والآثار والايمان ... يارب قد قلب النفاة الدين وال إيمان ظهرا منه فوق بطان (2/439)
يارب قد بغت النفاة وأجلبوا ... بالخيل والرجل الحقير الشان ... نصبوا الحبائل والغوائل للألى ... أخذوا بوحيك دون قول فلان ... ودعوا عبادك أن يطيعوهم فمن ... يعصيهم ساموه شر هوان ... وقضوا على من لم يقل بضلالهم ... باللعن والتضليل والكفران ... وقضوا على أتباع وحيك بالذي هم أهله لا عسكر الفرقان ... وقضوا بعزلهم وقتلهم وحبسهم ونفيهم عن الأوطان ... وتلاعبوا بالدين مثل تلاعب الحمر التي نفرت بلا ارسان ... حتى كأنهم تواصوا بينهم ... يوصي بذلك أول للثاني ... هجروا كلامك هجر مبتدع لمن ... قد دان بالآثار والقرآن ... فكأنه فيما لديهم مصحف ... في بيت زنديق أخي كفران ... أو مسجد بجوار قوم همهم ... في الفسق لا في طاعة الرحمن ... وخواصهم لم يقرؤوه تدبرا ... بل للتبرك لا لفهم معان ... وعوامهم في السبع أو في ختمه ... أو تربة عوضا لذي الأثمان ... هذا وهم حرفية التجويد أو ... صوتية الأنغام والالحان ...
... يا رب قد قالوا بأن مصاحف الاسلام ما فيها من القرآن ... إلا المداد وهذه الأوراق والجلد الذي قد سل من حيوان ...
هذا كما حكى الحافظ أبو محمد بن حزم في كتاب الملل والنحل قال ولقد أخبرني علي بن حمزة المرادي الصقلي الصوفي أنه رأى بعض الأشعرية (2/440)
ينطح المصحف برجله قال فأكبرت ذلك وقلت له ويحك تفعل هذا الفعل بالمصحف وفيه كلام الله عز و جل فقال لي ويحك والله ما فيه الا السخام والسواد وأما كلام الله تعالى فلا أو كلاما هذا معناه قال ابو محمد وكتب الي بو المرجى علي بن زوار المصري رحمه الله تعالى أن بعض ثقات إخوانه من طلاب السنن اخبره أن رجلا من الاشعرية قال له مشافهة على من يقول ان الله تعالى قال قل هو الله احد الله الصمد ألف لعنة قال ابو محمد بل على من ينكر ان الله تعالى قالها ألف ألف لعنة وعلى من ينكر أنه يسمع كلام الله عز و جل ويقرأ كلام الله عز و جل ألف ألف لعنة تترى عليه من عند الله عز و جل ثم من ملائكته وأنبيائه وجميع الصالحين من الانس والجن فان قول هذه الفرقة في هذه المسألة نهاية الكفر بالله عز و جل ومخالفة القرآن وتكذيب رسول الله صلى الله عليه و سلم ومضادة جميع اهل الاسلام قبل حدوث هذه الطائفة انتهى كلامه
قوله وعوامهم في السبع قال في القاموس السبع بالضم وكأمير جزء من سبعة
قوله او في ختمة ختم الشيء ختما بلغ آخره ... والكل مخلوق ولست بقائل ... أصلا ولا حرفا من القرآن ... إن ذاك الا قول مخلوق وهل هو جبرئيل أو الرسول فذان ... قولان مشهوران قذ قالتهما ... أشياخهم يا محنة القرآن ...
يشير إلى قول الأشاعرة إن كلام الله عز و جل هو المعنى النفسي وإن الفاظ القرآن مخلوقة ولكن هل الذي أنشأها جبريل أو محمد صلى الله عليه و سلم على قولين لهم مشهورين ... لو داسه رجل لقالوا لم يطأ ... إلا المداد وكاغد الانسان (2/441)
يا رب زالت حرمة القرآن من ... تلك القلوب وحرمة الايمان ... وجرى على الافواه منهم قولهم ... ما بيننا لله من قرآن ... ما بيننا إلا الحكاية عنه والتعبير ذاك عبارة بلسان ... هذا وما التالون عمالا به ... إذ هم قد استغنوا بقول فلان ... إن كان قد جاز الحناجر منهم ... فبقدر ما عقلوا من القرآن ... والباحثون فقدموا رأي الرجا ... ل عليه تصريحا بلا كتمان ... عزلوه إذ ولوا سواه وكان ذا ... ك العزل قائدهم إلى الخذلان ... قالوا ولم يحصل لنا منه يقين فهو معزول عن الايقان ...
... إن اليقين قواطع عقلية ... ميزانها هو منطق اليونان ... هذا دليل الرفع منه وهذه ... أعلامه في آخر الأزمان ... يا رب من أهلوه حقا كي يرى ... أقدامهم منا على الاذقان ... أهلوه من لا يرتضي منه بديلا فهو كافيهم بلا نقصان ... وهو الدليل لهم وهاديهم الى الايمان والايقان والعرفان ... هو موصل لهم إلى درك اليقين حقيقة وقواطع البرهان ... يا رب نحن العاجزون بحبهم ... يا قلة الأنصار والأعوان (2/442)
فصل
في أذان أهل السنة الاعلام بصريحها جهرا على رؤوس منابر الاسلام ... يا قوم قد حانت صلاة الفجر فانتبهوا فاني معلن بأذان ... لا بالملحن والمبدل ذاك بل ... تأذين حق واضح التبيان ... وهو الذي حقا أجابته على ... كل امرىء فرض على الأعيان ...
هذا تأذين لغوي لأن الأذان في اللغة الاعلام قال الله تعالى وأذان من الله ورسوله التوبة الآية ... الله أكبر أن يكون كلامه العربي مخلوقا من الأكوان ... والله أكبر أن يكون رسوله الملكي أنشأه عن الرحمن ... والله أكبر أن يكون رسوله البشري أنشأه لنا بلسان ...
خلافا للجهمية والمعتزلة والله اكبر ان يكون رسوله الملكي أنشأه عن الرحمن أي جبريل عليه السلام كما يقوله القائلون بالكلام النفسي والله أكبر أن يكون رسوله البشري أنشأه لنا بلسان أي محمد صلى الله عليه و سلم كما هو احد القولين للقائلين بالكلام النفسي ... هذي مقالات لكم يا أمة التشبيه ما أنتم على ايمان ...
أي إنهم شبهوا الرحمن تعالى بالأصنام التي لا تتكلم ثم بين وجه التشبيه (2/443)
بقوله ... شبهتم الرحمن بالأوثان في ... عدم الكلام وذاك للاوثان ... مما يدل بأنها ليست بآ ... لهة وذا البرهان في القرآن ... في سورة الأعراف مع طه وثا ... لثها فلا تعدل عن القرآن ...
يعني قوله تعالى في سورة الاعراف واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يرو أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا الآية وفي سورة طه فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم واله موسى فنسي أفلا يرون ألا يرجع اليهم قولا الآية ... أيصح كون الجاحدين لكونه ... متكلما بحقيقة وبيان ... هم اهل تعطيل وتشبيه معا ... بالجامدات عظيمة النقصان ... لا تقذفوا بالداء منكم شيعة الرحمن أهل العلم والعرفان ...
أي لا تسموا أهل الحديث والسنة مشبهة فانكم أهل التشبيه لأنكم شبهتم الرحمن بالجامدات في عدم الكلام ... ان الذي نزل الامين به على ... قلب الرسول الواضح البرهان ... هو قول ربي اللفظ والمعنى جميعا اذ هما أخوان مصطحبان ... لا تقطعوا رحما تولى وصلها الرحمن تنسلخوا من الايمان ... ولقد شفانا قول شاعرنا الذي ... قال الصواب وجاء بالاحسان ... إن الذي هو في المصاحف مثبت ... بأنامل الاشياخ والشبان (2/444)
هو قول ربي آية وحروفه ... ومدادنا والرق مخلوقان ...
الرق بفتح الراء الورق ... والله أكبر من على العرش استوى ... لكنه استولى على الأكوان ...
... والله اكبر ذو المعارج من اليه تعرج الاملاك كل أوان ...
... والله أكبر من يخاف جلاله ... أملاكه من فوقهم ببيان ...
... والله أكبر من غدا لسريره ... أط به كالرحل للركبان ... والله أكبر من أتانا قوله ... من عنده من فوق ست ثمان ... نزل الأمين به بأمر الله من ... رب على العرش استوى رحمان ... والله أكبر قاهر فوق العبا ... د فلا تضع فوقية الرحمن ... من كل وجه تلك ثابتة له ... لا تهضموها يا أولى العدوان ... قهرا و قدرا واستواء الذات فو ... ق العرش بالبرهان والقرآن ...
أي إن أنواع العلو ثابتة لله سبحانه وهي علو القهر وعلو القدر وعلو الذات ... فبذاته خلق السماوات العلى ... ثم استوى بالذات فافهم ذان ... فضمير فعل الاستواء يعود للذات التي ذكرت بلا فرقان ...
أي إن الضمير في قوله تعالى إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش الأعراف يعود على الله أي استوى هو (2/445)
هو ربنا هو خالق هو مستو ... بالذات هذي كلها بوزان ... والله أكبر ذو العلو المطلق المعلوم بالفطرات للانسان ... فعلوه من كل وجه ثابت ... فالله أكبر جل ذو السلطان ... والله أكبر من رقى فوق الطبا ... ق رسوله فدنا من الديان ... واليه قد عرج الرسول حقيقة ... لا تنكروا المعراج بالبهتان ... ودنا من الجبار جل جلاله ... ودنا اليه الرب ذو الاحسان ... والله قد أحصى الذي قد قلتم ... في ذلك المعراج بالميزان ... قلتم خيالا أو أكاذيبا أو المعراج لم يحصل إلى الرحمن ... إذ كان ما فوق السماوات العلى ... رب اليه منتهى الانسان ... والله أكبر من اشار رسوله ... حقا اليه بأصبع وبنان ... في مجمع الحج العظيم بموقف ... دون المعرف موقف الغفران ...
قد تقدم الحديث في ذلك ... من قال منكم من أشار بأصبع قطعت فعند الله يجتمعان ...
هذا اشارة الى قول من قال من المعطلة إن من أشار بأصبعه الى السماء وإن الله تعالى فوق خلقه تقطع اصبعه ... والله اكبر ظاهر ما فوقه ... شيء وشأن الله أعظم شان ... والله اكبر عرشه وسع السما ... والارض والكرسي ذا الاركان ... وكذلك الكرسي قد وسع الطبا ... ق السبع والارضين بالبرهان (2/446)
والله فوق العرش والكرسي لا ... يخفى عليه خواطر الانسان ... لا تحصروه في مكان إذ تقو ... لوا ربنا حقا بكل مكان ... نزهتموه بجهلكم عن عرشه ... وحصرتموه في مكان ثان ...
اشارة الى قول النجارية والضرارية إنه تعالى في كل مكان ... لا تعدموه بقولكم لا داخل ... فينا ولا هو خارج الأكوان ...
اشارة الى قول الجهمية وأتباعهم إنه تعالى لا داخل العالم ولا خارجه فان ذلك صفة المعدوم ... الله أكبر هتكت أستاركم ... وبدت لمن كانت له عينان ...
... والله أكبر جل عن شبه وعن ... مثل وعن تعطيل ذي كفران ...
... والله أكبر من له الأسماء وال أوصاف كاملة بلا نقصان ...
... والله أكبر جل عن ولد وصا ... حبه وعن كفء وعن أخدان ...
... والله أكبر جل عن شبه الجما ... د كقول ذي التعطيل والكفران ... هم شبهوه بالجماد وليتهم ... قد شبهوه بكامل ذي شان ... الله اكبر جل عن شبه العبا ... د فذان تشبيهان ممتنعان ... الله أكبر واحد صمد وكل الشأن في صمدية الرحمن ... نفت الولادة والأبوة عنه والكفء الذي هو لازم الانسان ... وكذاك أثبتت الصفات جميعها ... لله سالمة من النقصان (2/447)
واليه يصمد كل مخلوق فلا ... صمد سواه عز ذو السلطان ...
تقدم الكلام في تفسير الصمد بما يغني عن الاعادة ... لا شيء يشبهه تعالى كيف يشبهه خلقه ما ذاك في الامكان ... لكن ثبوت صفاته وكلامه ... وعلوه حقا بلا نكران ... لا تجعلوا الاثبات تشبيها له ... يا فرقة التلبيس والطغيان ... كم ترتقون بسلم التنزيه للتعطيل ترويجا على العميان ...
أي أنكم تسمون التعطيل تنزيها للترويج على العميان والجهال فاستعار لفظة السلم لهذا المعنى ... فالله أكبر أن تكون صفاته ... كصفاتنا جل العظيم الشان ... هذا هو التشبيه لا إثبات أو ... صاف الكمال فما هما سيان ...
فصل
في تلازم التعطيل والشرك ... واعلم بأن الشرك والتعطيل مذ ... كانا هما لا شك مصطحبان ... أبدا فكل معطل هو مشرك ... حتما وهذا واضح التبيان ... فالعبد مضطر إلى من يكشف البلوى ويغني فاقة الانسان (2/448)
واليه يصمد في الحوائج كلها ... واليه يفزع طالب لأمان ... فاذا انتفت اوصافه وفعاله ... وعلوه من فوق كل مكان ... فزع العباد إلى سواه وكان ذا ... من جانب التعطيل والنكران ... فمعطل الأوصاف ذاك معطل التوحيد حقا ذان تعطيلان ... قد عطلا بلسان كل الرسل من ... نوح إلى المبعوث بالقرآن ... والناس في هذا ثلاث طوائف ... ما رابع ابدا بذي امكان ...
... إحدى الطوائف مشرك بالهه ... فاذا دعاه دعا الها ثاني ...
... هذا وثاني هذه الاقسام ذا ... لك جاحد يدعو سوى الرحمن ...
... هو جاحد للرب يدعو غيره ... شركا وتعطيلا له قدمان ... هذا وثالث هذه الأقسام خير الخلق ذاك خلاصة الانسان ... يدعو الاله الحق لا يدعو سوا ... ه قط في الاكوان والأزمان ... يدعوه في الرغبات والرهبات والحالات من سر ومن اعلان ...
لما ذكر في هذا الفصل أن الشرك والتعطيل متلازمان ذكر أن الناس ثلاث طوائف أحدها المشركون وهم الذين جعلوا مع الله إلها آخر والثانية الجاحدون الذين يدعون غير الله ويمجدونه وهؤلاء قد جمعوا الشرك والتعطيل والثالثة الموحدون خلاصة الانسان الذين يدعون الله سبحانه في الرغبات والرهبات وجميع الحالات ثم قال ... توحيده نوعان علمي وقصدي كما قد جرد النوعان (2/449)
في سورة الاخلاص مع تال لنصر الله قل يا أيها ببيان ... ولذاك قد شرعا بسنة فجرنا ... وكذاك سنة مغرب طرفان ... فيكون مفتتح النهار وختمه ... تجريدك التوحيد للديان ... وكذاك قد شرعا بخاتم وترنا ... ختما لسعي الليل بالآذان ... وكذاك قد شرعا بركعتي الطوا ... ف وذاك تحقيق لهذا الشان ...
... فهما إذا أخوان مصطحبان لا ... يتفارقان وليس ينفصلان ... فمعطل الأوصاف ذو شرك كذا ... ذو الشرك فهو معطل الرحمن ... أو بعض أوصاف الكمال له فحقق ذا ولا تسرع إلى النكران ...
قوله توحيده قصدي الخ شرح هذه الأبيات ما ذكره الناظم رحمه تعالى في بدائع الفوائد في الكلام على سورة قل يا ايها الكافرون قال ولهذا كان النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ بها وب قل هو الله احد في سنة الفجر وسنة المغرب فان هاتين السورتين سورتا الاخلاص وقد اشتملا على نوعي التوحيد الذي لا فلاح للعبد ولا نجاة الا بهما وهما توحيد العلم والاعتقاد المتضمن تنزية الله عما لا يليق به من الشرك والولد والوالد وأنه إله أحد صمد لم يلد فيكون له فرع ولم يولد فيكون له أصل ولم يكن له كفوا احد فيكون له نظير ومع هذا الذي قد اجتمعت له صفات الكمال كلها فتضمنت السورة إثبات ما يليق بجلاله من صفات الكمال ونفي ما لا يليق به من الشريك أصلا وفرعا ونظيرا فهذا توحيد القصد والارادة العلم والاعتقاد والثاني توحيد وهو ان لا يعبد الا الله فلا يشرك به في عبادته سواه بل يكون وحده هو المعبود وسورة قل يا أيها الكافرون (2/450)
مشتملة على هذا التوحيد فانتظمت السورتان نوعي التوحيد وأخلصت له فكان النبي صلى الله عليه و سلم يفتتح بهما النهار في سنة الفجر ويختم بهما في سنة المغرب وفي السنن أنه كان يوتر بهما فيكونا خاتمة عمل الليل كما كانا خاتمة عمل النهار انتهى
فصل
في بيان أن المعطل شر من المشرك ... لكن أخو التعطيل شر من أخي الإشراك بالمعقول والبرهان ...
... إن المعطل جاحد للذات او ... لكمالها هذان تعطيلان ... متضمنا للقدح في نفس الالو ... هة كم بذاك القدح من نقصان ... والشرك فهو توسل مقصوده الزلفى من الرب العظيم الشان ... بعبادة المخلوق من حجر ومن ... بشر ومن قبر ومن أوثان ... فالشرك تعظيم بجهل من قيا ... س الرب بالأمراء والسلطان ... ظنوا بأن الباب لا يغشى بدو ... ن توسط الشفعاء والاعوان ...
... ودهاهم ذاك القياس المستبين فساده ببديهة الانسان ... الفرق بين الله والسلطان من ... كل الوجوه لمن له أذنان (2/451)
إن الملوك لعاجزون ومالهم ... علم بأحوال الدعا بأذان ... كلا ولاهم قادرون على الذي ... يحتاجه الانسان كل زمان ... كلا وما تلك الارادة فيهم ... تقضي حوائج كلما انسان ... كلا ولا وسعوا الخليقة رحمة ... من كل وجه هم أولو النقصان ... فلذلك احتاجوا إلى تلك الوسا ... ئط حاجة منهم مدى الأزمان ...
ذكر رحمة الله في هذه الأبيات أن المعطل شر من المشرك ثم بين ذلك بقوله إن المعطل جاحد للذات أو لكمالها الخ وذلك يتضمن القدح في الألوهية وأما الشرك فهو توسل أي تقرب مقصوده الزلفى أي تقريبا من الرب سبحانه وذلك بعبادة المخلوقات سواء كانت حجرا أو قبرا أو بشرا أو وثنا وأصل الشرك تعظيم الله سبحانه لكن بجهل وذلك ان المشركين قاسوا الرب سبحانه بالملوك قالوا إن الملك لا يحصل القرب منه إلا بتوسط الشفعاء وهذا القياس من أبطل الباطل وفساده ظاهر ببديهة العقل وذلك ان الملوك عاجزون لا علم لهم بأحوال الرعايا ولا قدرة لهم على حوائج الخلق ولا وسعوا الخلائق رحمة بل هم عاجزون ناقصون فقراء الى الله سبحانه فقرا ذاتيا والفرق بين الله تعالى وبين الملوك ظاهر من جميع الوجوه ثم بين غناء الرب سبحانه وكمال علمه وقدرته وان الخلق جميعهم في قبضته وهم فقراء اليه وهو الغني عنهم غناء ذاتيا وهم في غاية الحاجة فقال ... أما الذي هو عالم للغيب مقتدر على ما شاء ذو إحسان ... وتخافه الشفعاء ليس يربد منهم حاجة جل العظيم الشان (2/452)
بل كل حاجات لهم فإليه لا ... لسواه من ملك ولا انسان ... وله الشفاعة كلها وهو الذي ... في ذاك يأذن للشفيع الداني ... لمن ارتضى ممن يوحده ولم ... يشرك به شيئا كما قد جاء في القرآن ... سبقت شفاعته اليه فهو مشفوع اليه وشافع ذو شان ... فلذا أقام الشافعين كرامة ... لهم ورحمة صاحب العصيان ... فالكل منه بدا ومرجعه اليه وحده ما من اله ثان ... غلط الألى جعلوا الشفاعة من سوا ... ه اليه دون الإذن من رحمن ... هذي شفاعة كل ذي شرك فلا ... تعقد عليها يا أخا الإيمان ... والله في القرآن ابطلها فلا ... تعدل عن الآثار والقرآن ... وكذا الولاية كلها لله لا ... لسواه من ملك ولا انسان ...
تقدم بسط الكلام في معاني هذه الأبيات بما أغنى عن الاعادة ... والله لم يفهم أولو الاشراك ذا ... ورآه تنقيصا اولو النقصان ... إذ قد تضمن عزل من يدعى سو الرحمن بل أحديه الرحمن ... بل كل مدعو سواه من لدن ... عرش الإله الى الحضيض الداني ... هو باطل في نفسه ودعاء عا ... بده له من أبطل البطلان ... فله الولاية والولاية مالنا ... من دونه وال من الأكوان (2/453)
فإذا تولاه امرؤ دون الروى ... طرأ تولاه عظيم الشان ...
الولاية الأولى بتفح الواو لا غير أي المحبة والنصر والثانة بكسر الواو الامارة قوله طرأ أي جميعا ... وإذا تولى غيره من دونه ... ولاه ما يرضى به لهوان ... في هذه الدنيا وبعد مماته ... وكذاك عند قيامة الأبدان ... حقا يناديهم ندا سبحانه ... يوم المعاد فيسمع الثقلان ... يامن يريد ولاية الرحمن دو ... ن ولاية الشيطان والاوثان ... فارق جميع الناس في إشراكهم ... حتى تنال ولاية الرحمن ... يكفيك من وسع الخلائق رحمة ... وكفاية ذو الفضل والاحسان ... يكفيك من لم تخل من احسانه ... في طرفة تتقلب الاجفان ... يكفيك رب لم تزل الطافه ... تأتي اليك برحمة وحنان ... يكفيك رب لم تزل في ستره ... ويراك حين تجيء بالعصيان ... يكفيك رب لم تزل في حفظه ... ووقاية منه مجى الأ زمان ... يكفيك رب لم تزل في فضله ... متقلبا في السر والاعلان ... يدعوه أهل الأرض مع أهل السما ... ء فكل يوم ربنا في شان ... وهو كفيل بكل ما يدعونه ... لايعتري جدواه من نقصان ... فتوسط الشفعاء والشركاء وال ... ظهراء أمر بين البطلان (2/454)
مافيه الا محض تشبيه لهم ... بالله وهو فأقبح البهتان ... مع قصدهم تعظيمه سبحانه ... ما عطلوا الاوصاف للرحمن ... لكن أخو التعطيل ليس لديه ... إلا النفي اين النفي من ايمان ... والقلب ليس يقر إلا بالتعب ... د فهو يدعوه الى الاكوان ... فترى المعطل دائما في حيرة ... متنقلا في هذه الاعيان ... يدعو إلها ثم يدعو غيره ... ذا شأنه أبدا مدى الازمان ... وترى الموحد دائما متنقلا ... بمنازل الطاعات والاحسان ... ما زال ينزل في الوفاء منازلا ... وهي الطريق له الى الرحمن ... لكنما معبوده هو واحد ... ما عنده ربان معبودان ...
قوله لا يعتري جدواه من نقصان
قوله جدواه الخ الجدا بكسر الجيم والجدى بالقصر والجدوى العطية وجداه واجتداه واستجداه أي طلب جدواه وأجداه أعطاه الجدوي قاله في مختار الصحاح وهذا كما في الحديث القدسي حديث ابي ذر الذي رواه مسلم يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد ثم سألوني فأعطيت كل انسان مسألته مان نقص ذلك مما عندي الا كما ينقص المخيط إذا ادخل البحر
وقوله صلى الله عليه و سلم يمين الله لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فانه لم يغض ما في يمينه وبيده الأخرى القسط يخفض ويرفع الى يوم القيامة ثم ضرب الناظم (2/455)
مثلا للمشرك والمعطل فقال
فصل
في مثل المشرك والمعطل ... أين الذي قد قال في ملك عظيم ... لست فينا قط ذا سلطان ... ما في صفاتك من صفات الملك شيء كلها مسلوبة الوجدان ... فهل استويت على سرير الملك أو ... دبرت أمر الملك والسلطان ... أو قلت مرسوما تنفذه الرعا ... ياأو نطقت بلفظة ببيان ... أو كنت ذا امر وذا نهي وتكليم لمن وافى من البلدان ... أو كنت ذا سمع وذا بصر وذا ... علم وذا سخط وذا رضوان ... أو كنت قط مكلما متكلما ... متصرفا بالفعل كل زمان ... أو كنت تفعل ما تشاء حقيقة الفعل الذي قد قام بالاذهان ... أو كنت حيا فاعلا بمشيئة ... وبقدرة أفعال ذي السلطان ... فعل يقوم بغير فاعله محا ... ل غير معقول لذي الانسان ... بل حاله الفعال قبل ومع وبعد هي التي كانت بلا فرقان ... والله لست بفاعل شيئا إذا ... ما كان شأنك منك هذا الشان (2/456)
لا داخلا فينا ولست بخارج ... عنا خيالا درت في الاذهان ... فباي شيء كنت فينا مالكا ... ملكا عظيما قاهر السلطان ... إسما ورسما لا حقيقة تحته ... شأن الملوك أجل من ذا الشان ... هذا وثان قال أنت مليكنا ... وسواك لا نرضاه من سلطان ... إذ حزت اوصاف الكمال جميعها ... ولأجل ذا دانت لك الثقلان ... وقد استويت على سرير الملك واستولت توليت مع هذا علىالبلدان ... لكن بابك ليس يغشاه امرؤ ... إن لم يجيء بالشافع المعوان ... ويذل للبواب والحجاب والشفعاء أهل القرب والاحسان ... أفيستوي هذا وهذا عندكم ... والله ما استويا لدى نسان ... والمشركون أخف في كفرانهم ... وكلاهما من شيعة الشيطان ... ان المعطل بالعداوة قائم ... في قالب التنزيه للرحمن ...
حاصل كلام الناظم في هذا الفصل أنه ضرب مثلا للمشرك والمعطل فلسان حال المعطل في الهه سبحانه إنك لست فينا ذا سلطان لأنك لم تستو على سرير الملك ولم تدبر أمر الملك والسلطان ولم تكلم ولا تتكلم ولست بفاعل فعلا حقيقة بل فعلك هو المفعول بل حالك قبل الفعل ومعه وبعده سواء ولست داخلا في العالم ولا خارجا منه بل أنت خيال في الاذهان فبأي شيء كنت فينا مالكا تعالى الله عما تقول المعطلةعلوا كبيرا (2/457)
قوله هذا وثان الخ هذا هو المشرك أي إن المشرك قال يا رب أنت مليكنا وخالقنا والمتصرف فينا وقد حزت أوصاف الكمال جميعها وقد استويت على سرير الملك واستوليت على المخلوقات والاكوان ولكن بابك لا يغشى الا بالشفعاء ولا بد مع ذلك من الذل للبواب والحجاب والشفعاء المقربين أفيستوي هذان عندكم حاشا وكلا بل المشركون أخف في كفرانهم والكل من شيعة الشيطان ولكن المعطل يزيد على الشرك بأنه قائم بالعداوة في قاب التنزيه
فصل
فيما أعد الله تعالى من الاحسان للمتمسكين بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم عند فساد الزمان ... هذا وللمتمسكين بسنة المختار عند فساد ذي الأزمان ... أجر عظيم ليس يقدر قدره ... الا الذي أعطاه للإنسان ... فروى أبو داود في سنن له ... ورواه أيضا احمد الشيباني ... أثرا تضمن أجر خمسين امريء ... من صحب احمد خيرة الرحمن ... إسناده حسن ومصداق له ... في مسلم فافهمه فهم بيان ... انا العبادة قت هرج هجره ... حقا الي وذاك ذو برهان ... هذا فكم من هجرة لك أيها السني بالتحقيق لا بأمان (2/458)
هذا وكم من هجرة لهم بما ... قال الرسول وجاء في القرآن ... ولقد أتى مصداقه في الترمذي لمن له أذنان واعيتان ... في أجر محيي سنة ماتت فدا ... ك مع الرسول رفيقه بجنان ... هذا ومصداق له أيضا أتى ... في الترمذي لمن له عينان ... تشبيه أمته بغيث أول ... منه وآخره فمشتبهان ...
قال شيخ الاسلام في بعض اجوبته والحديث الذي يروى مثل أمتي كمثل الغيث لا يدري أوله خير أو أخره قد تكلم في اسناده وبتقدير صحته إنما معناه انه يكون في آخر الأمة من يقارب أولها حتى يشتبه على بعض الناس أيهما خير كما يشتبه على بعض الناس طرفا الثوب مع القطع بأن الأول خير من الآخر فانه قال لا يدري ومعلوم ان هذا السلب ليس عاما فانه بد ان يكون معلوما أيهما افضل ... فلذاك لا يدري الذي هو منهما ... قد خص بالتفصيل والرجحان ... ولقد أتى اثر بأن الفضل في الطرفين أعني أولا والثاني ... والوسط ذو ثبج فأعوج هكذا ... جاء الحديث وليس ذا نكران ... ولقد أتى في الوحي مصداق له ... في الثلثين وذاك في القرأن ... أهل اليمين فثلة مع مثلها ... والسابقون أقل في الحسبان ...
قال في القاموس الثبج محركة وسط الشيء ومعظمه قال الله تعالى إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن ابكارا عربا اترابا لأصحاب (2/459)
اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين الواقعة 35 40 الثلة الجماعة التي لا يحصيها عدد قال الزجاج معنى ثلة فرقة من ثللث الشيء إذا قطعته والمعنى أنهم جماعة أو أمة أو فرقة أو قطعة من الأولين وهم من لدن آم الى نبينا صلى الله عليه و سلم وقال ابو العالية ومجاهد وعطاء بن ابي رباح والضحاك ثلة من الاولين بمعنى من سابقي هذه الأمة وثلة من الأخرين من هذه الأمة
أخرج مسدد وابن المنذر بسند حسن عن ابي بكرة عن النبي صلى الله عليه و سلم في الآية قال جميعها من هذه الأمة وعنه قال هما جميعا من هذه الأمة وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال هما جميعا من أمتي أخرجه عبد بن حميد وابن عدي والفرياني وغيرهم قال السيوطي بسند ضعيف وعنه قال الثلثان جميعا من هذه الامة وبه قال ابو العالية ومجاهد وعطاء بن ابي رباح والضحاك وهو اختيار الزجاج فان قيل كيف قال قبل هذا وقليل من الآخرين ثم قال هنا وثلة من الأخرين الواقعة 40 قيل ذاك في السابقين الأولين وقليل من يلحق بهم من الآخرين وهذا في اصحاب اليمين وأنهم يتكاثرون من الأولين والأخرين جميعا ... ما ذاك الا ان تابعهم هم الغرباء ليست غربة الاوطان ... لكنها والله غربة قائم ... بالدين بين عساكر الشيطان ... فلذاك شبههم به متبوعهم ... في الغربتين وذاك ذو تبيان ... لم يشبهوهم في جميع امورهم ... من كل وجه ليس يستويان ... فانظر الى تفسيره الغرباء بالمحيين سنته بكل زمان (2/460)
طوبى لهم والشوق يحدوهم الى ... أخذ الحديث ومحكم القرآن ... طوبى لهم لم يعبؤوا بنجاته الأفكار أو بزبالة الاذهان ... طوبى لهم ركبوا عل متن العزا ... ئم قاصدين لمطلع الايمان ... طوبى لهم لم يعبؤوا شيئا بذي الآراء اذ أغناهم الوحيان ... طوبى لهم وامامهم دون الورى ... من جاء بالايمان والفرقان ... والله ما ائتموا بشخص دونه ... الا إذا مادلهم ببيان ... في الباب آثار عظيم شأنها ... أعيت على العلماء في الأزمان ... إذا اجمع العلماء أن صحابة المختار خير طوائف الانسان ... ذا بالضرورة ليس فيه الخلف بين اثنين ما حكيت به قولان ... فلذاك ذي الآثار اعضل امرها ... وبغوالها التفسير بالاحسان ... فاسمع اذا تأويلها وافهمه لا ... تعجل برد منك او نكران ... ان البدار برد شيء لم تحط ... علما به سبب الى الحرمان ... الفضل منه مطلق ومقيد ... وهما لأهل الفضل مرتبتان ...
قوله والفضل منه مطلق ومقيد معنى ذلك ان الفضل منه مطلق ومقيد فالفضل المطلق كفضل رسول الله صلى الله عليه و سلم وفضل اصحابه على من بعدهم والفضل المقيد مثل خلق الله سبحانه آدم بيده فهذا الفضل المقيد لا يوجب تفضيله على سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم وكذا خصائص من أتى من بعد آدم (2/461)
من الرسل لايوجب تفضيلهم عليه صلى الله عليه و سلم وكذا الأثر الذي فيه أن المتمسك بدينه في آخر الزمان له اجر خمسين من اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يوجب ذلك افضلية على رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنه في آخر الزمان وغربة الدين قد عدم المعين وصعب عليه القيام في وجوه اعداء الدين واما الصاحبة رضي الله عنهم فهم ذوو أعوان وانصار ... والفضل ذو التقييد ليس بموجب ... فضلا على الاطلاق من انسان ... لا يوجب التقييد أن يقضى له ... بالاستواء فكيف بالرجحان ... إذ كان ذو الاطلاق حاز من الفضا ... ئل فوق ذي التقييد بالاحسان ... فاذا فرضنا واحدا قد حاز نو ... عا لم يحزه فاضل الانسان ... لم يوجب التخصيص من فضل علي ... ولا مساواة ولا نقصان ... ما خلق آدم باليدين بموجب ... فضلا علىالمبعوث بالقرآن ... وهذا خصائص من أتى من بعده ... من كل رسل الله بالبرهان ... فمحمد أعلاهم فوقا وما ... حكمت لهم بمزية الرجحان ... فالحائز الخمسين أجرا لم يجز ... ها في جميع شرائع الايمان ... هل حازها في بدر أو احد أو الفتح المبين وبيعة الرضوان ... بل حازها إذ كان قد عدم المعين وهم فقد كانوا أولي أعوان ... والرب ليس يضيع ما يتحمل المتحملون لأجله من شان ... فتحمل العبد الضعيف رضاه مع ... فيض العدو وقلة الاعوان (2/462)
مما يدل على يقين صادق ... ومحبة وحقيقة العرفان ...
أي تحمل العبد مع ضعفه الشاق لأجل رضى ربه يدل على صدق يقينه وشدة محبته له ومعرفته به ... يكفيه ذلا واغترابا قلة ال ... أنصار بين عساكر الشيطان ... في كل يوم فرقة تغزوه ان ... ترجع يوافيه الفريق الثان ... فسل الغريب المستضام عن الذي ... يلقاه بين عدى بلا حسبان ... هذا وقد بعد المدى وتطاول العهد الذي هو موجب الاحسان ... ولذاك كان كقابض جمرا فسل ... أحشاءه عن حر ذي النيران ...
يشير الى الحديث القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر ... والله اعلم بالذي في قلبه ... يكفيه علم الواحد المنان ... في القلب امر ليس يقدر قدره ... الا الذي آتاه للإنسان ... بو وتوحيد وصبر مع رضى ... والشكر والتحكيم للقرآن ... سبحان قاسم فضله بين العبا ... د فذاك مولي الفضل والاحسان ... فالفضل عند الله ليس بصورة الأعمال بل بحقائق الايمان ... حتى يكون العاملان كلاهما ... في رتبة تبدو لنا بعيان (2/463)
هذا وبينهما كما بين السما ... والأرض في فضل وفي رجحان ... ويكون بين ثواب ذا وثواب ذا ... رتب مضاعفة بلا حسبان ... هذا عطاء الرب جل جلاله ... وبذاك تعرف حكمة الديان
أي إن الفضل عند الله بحسب ما في القلوب من الايمان واليقين لا بحسب صور الاعمال وكثرتها كما قال بكر بن عبد الله المزني ما سبقهم ابو بكر بكثرة صوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في قلبه
فصل
فيما اعد الله تعالى في الجنة لأوليائه المتمسكين بالكتاب والسنة ... يا خاطب الحور الحسان وطالبا ... لوصالهن بجنة الحيوان ... لو كنت تدري من خطبت ومن طلبت بذلت ما تحوي من الاثمان ... أو كنت تدري اين مسكنها جعلت السعي منك لها على الاجفان ... ولقد وصفت طريق مسكنها فان ... رمت الوصال فلا تكن بالواني ... اسرع وحث السير جهدك انما ... مسراك هذا ساعة لزمان ... فاعشق وحدث بالوصال النفس وابذل مهرها ما دمت ذا امكان ... واجعل صيامك قبل لقياها ويو ... م الوصل يوم الفطر من رمضان ... واجعل نعوت جمالها الحادي وسر ... تلقى المخاوف وهي ذات امان (2/464)
لما حث الناظم رحمة الله تعالى على طلب الوصال للحور العين كما قال بعضهم وصم عن لذات الدنيا واجعل فطرك الموت شرع في ذم الدنيا والاشتغال بها عن الآخرة فقال ... لا يلهينك منزل لعبت به ... أيدي البلى مذ سالف الازمان ...
البلى بكسر الياء ... فلقد ترحل عنه كل مسرة ... وتبدلت بالهم والأحزان ... سجن يضيق بصاحب الايمان لكن جنة المأوى لذي الكفران ... سكانها أهل الجهالة والبطالة والسفاهة انجس السكان ... وألذهم عيشا فأجهلهم بحق الله ثم حقائق القرآن ... عمرت بهم هذي الديار وأقفرت ... منهم ربوع العلم والايمان ... قد أثروا الدنيا ولذة عيشهاالفاني على الجنات والرضوان ... صحبوا الأماني وابتلوا بحظوظهم ... ورضوا بكل مذهلة وهوان ... كدحا وكدا لا يفتر عنهم ... ما فيه من غرم ومن احزان ... والله لو شاهدت هاتيك الصدو ... ر رأيتها كمراجل النيران ...
المراجل جمع مرجل وهو القدر ... ووقودها الشهوات والحسرات والالآم لا تخبو مدى الأزمان ... أبدانهم أحداث هايتك النفو ... س اللاء قد قبرت مع الأبدان (2/465)
أرواحهم في وحشة وجسومهم ... في كدحها لافي رضى الرحمن ... هربوا من الرق الذي خلقوا له ... فبلوا برق النفس والشيطان ...
أي إنهم والعياذ بالله هربوا من الرق الذي خلقوا له وهو عبادة الله وحده كما قال تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون الذارايات 56 فبلوا برق النفس والشيطان أي فاستخدمتهم الشياطين واسترقتهم في تحصيل الشهوات الفانية وجمع عرض الدنيا الخسيس وحطامها الفاني فأعقبهم ذلك الحسرة والندامة وصار عاقبة ذلك العذاب الأليم نعوذ بالله من موجبات سخطه ... لا ترض ما اختاروه هم لنفوسهم ... فقد ارتضوا بالذل والحرمان ... لو ساوت الدنيا جناح بعوضة ... لم يسق منها الرب ذا الكفران ... لكنها والله احقر عنده ... من ذا الجناح القاصر الطيران ...
هذا معنى الحديث لو ساوت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء ... ولقد تولت بعد عن أصحابها ... فالسعد منها حل في الدبران ... لا يرتجى منها الوفاء لصبها ... أين الوفا من غادر خوان ... طبعت على كدر فكيف تنالها ... صفوا أهذا قط في الامكان ... يا عاشق الدنيا تأهب للذي ... قد ناله العشاق كل زمان ... أو ما سمعت بل رأيت مصارع العشاق من شيب ومن شبان (2/466)
فصل
في صفة الجنة التي أعدها الله ذو الفضل والمنة لأوليائه المتمسكين بالكتاب والسنة ... فاسمع إذا اوصافها وصفاتها ... تيك المنازل ربة الاحسان ... هي جنة طابت وطاب نعيمها ... فنعيمها باق وليس بفان ... دار السلام وجنة المأوى ومنزل عسكر الايمان والقرآن ... فالدار دار السلامة وخطابهم ... فيها سلام واسم ذي الغفران ...
فصل
في عدد درجات الجنة وما بين كل درجتين ... درجاتها مائة وما بين اثنتين فذاك في التحقيق للحسبان ... مثل الذي بين السماء وبين ها ... ذي الأرض قول الصادق البرهان ... وسط الجنان وعلوها فلذاك كا ... نت قبة من احسن البنيان ... منها تفجر سائر الانهار فالمنبوع منه نازل بجنان (2/467)
في مسند الامام احمد من حديث ابي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن المتحابين لترى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع الشرقي او الغربي فيقال من هؤلاء فيقال هؤلاء المتحابون ي الله عز و جل وفيه ايضا من حديثه صلى الله عليه و سلم إن في الجنة مائة درجة ولو أن العالمين اجتمعوا في احداهن وسعتهم وفيه عنه ايضا صلى الله عليه و سلم قال يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد فيقرا ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه قال الناظم رحمه الله في حادي الارواح وهذا صريح في أن درج الجنة تزيد على مائة درجة وأما حديث ابي هريرة عند البخاري عنه صلى الله عليه و سلم إن في الجنة مائة درجة فاما ان هذه المائة من جملة الدرج واما ان يكون نهايتها هذه المائة وفي ضمن كل درجة درج دونها ويدل على المعنى الاول حديث معاذ بن جبل قال سمعت رسول اله صلى الله عليه و سلم يقول من صلى الصلوات الخمس وصام شهر رمضان كان حقا على الله ان يغفر له هاجرا وقعد حيث ولدته امه قلت يا رسول الله الا اخرج فأوذن الناس قال لا دع الناس يعملون فان في الجنة مائة درجة بين كل درجتين مثل ما بين السماء والارض واعلاها درجة منها الفردوس وعليها يكون العرش وهي اوسط شيء في الجنة ومنها تفجر انهار الجنة فاذا سألتم الله فاسألوه الفردوس وراه الترمذي وروي ايضا عن عبادة بن الصامت نحوه وفيه ايضا من حديث ابي سعيد يرفعه ان في الجنة مائة درجة ورواه احمد بدون لفظة في فان كان المحفوظ ثبوتها فهي من جملة درجها و ان كان المحفوظ سقوطها فهي الدرج الكبار المتضمنة للدرج الصغار ولا تناقض بين تقدير ما بين الدرجتين بالمائة وتقديرها بالخمس لاختلاف السير في (2/468)
السرعة والبطء والنبي صلى الله عليه و سلم ذكر هذا تقريبا للأفهام ويدل عليه حديث ابي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في الجنة مائة درجة ما بين الدرجتين ما بين السماء والارض وابعد مما بين السماء والارض قلت يا رسول الله لمن قال للمجاهدين في سبيل الله عز و جل أنتهى كلامه
فصل
في ابواب الجنة ... أبوابها حقا ثمانية أتت ... في النص وهي لصاحب الاحسان ... باب الجهاد وذاك اعلاها ... وباب الصوم يدعى الباب بالريان ... ولكل سعي صالح باب ورب ... السعي منه داخل بأمان ... ولسوف يدعى المرء من ابوابها ... جمعا اذا وفى حلى الايمان ... منهم ابوبكر هو الصديق ذا ... ك خليفة المبعوث بالقرآن ...
في الصحيحين من حديث بن سعد ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في الجنة ثمانية ابواب باب منها يسمى الريان لا يدخله الا الصائمون وفيهما من حديث ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أنفق زوجين في شيء من الاشياء في سبيل الله دعي من ابواب الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من اهل الجنة الصلاة دعي من باب الصلاة (2/469)
ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من اهل الصيام دعي من باب الريان فقال ابو بكر بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الابواب من ضرورة فهل يدعى احد من تلك الابواب كلها فقال نعم وأرجو ان تكون منهم
وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما منكم من أحد يتوضا فيبلغ او فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا اله الا اله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من ايها شاء زاد ابو داود والامام احمد ثم يرفع نظره الى السماء وعند احمد عن انس يرفعه من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال ثلاث مرات أشهد أن لا اله الا الله الخ وعن عتبة بن عبد الله السلمي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ما من مسلم يتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث الا تلقوه نم أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل رواه ابن ماجه وعبد الله بن احمد (2/470)
فصل
في مقدار ما بين الباب والباب منها ... سبعون عاما بين كل اثنين منها قدرت بالعد والحسبان ... هذا حديث لقيط المعروف بالخبر الطويل وذا عظيم الشان ... وعليه كل جلالة ومهابة ... ولكم حواه بعد من عرفان ...
قال الناظم في حادي الارواح روينا في معجم الطبراني عن عاصم ابن لقيط بن عامر خرج وافدا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال قلت يا رسول الله فما الجنة والنار قال لعمرو الهك أن للنار سبعة ابواب ما منها بابان الا يسير الراكب بينهما سبعين عاما وان للجنةن ثمانية أبواب ما منها بابابن الايسير الراكب بينهما سبعين عاما الحديث بطوله وهذا الظاهر منه أن هذه المسافة بين هذا الباب والباب لأن بين مكة وبصرى لا يحتمل التقدير بسبعين عاما ولا يمكن حمله على باب معين بقوله ما منها بابان انتهى كلامه (2/471)
فصل
في مقدار ما بين مصراعي الباب الواحد منها ... لكن بينهما مسيرة أربعين ... رواه حبر الامة الشيباني ... في مسند بالرفع وهو المسلم ... وقف كمرفوع بوجه ثان ... ولقد روى تقديره بثلاثة الأيام لكن عند ذي العرفان ... أعني البخاري الرضى هو منكر ... وحديث راويه فذو نكران ...
عن ابي هريرة في حديث الشفاعة قال صلى الله عليه و سلم فأنطلق فآتي العرض فأقع ساجدا لربي فيقيمني رب العالمين مقاما لم يقمه أحدا قبلي ولا يقيمه أحدا بعدي فاقول يا رب أمتي أمتي فيقول يا محمد ادخل من أمتك من لاحساب عليهم من الباب الأيمن وهم شركاه الناس فيما سوى ذلك من الابواب والذي نفس محمد بيده إن ما بين مصراعين فيما سوى ذلك من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر أو هجر ومكة وفي لفظ لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى متفق على صحته وفي لفظ خارج الصحيح باسناده ان ما بين عضادتي الباب لكما بين مكة وهجر وفي خطبة عتبة بن غزوان لقد ذكر لنا أن مصراعين من مصاريع الجنة بينهما مسيرة اربعين سنة وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام فهذا موقوف والذي قبله مرفوع فإن كان رسول الله صلى الله عليه و سلم هو الذاكر لهم (2/472)
ذلك كان هذا سعة ما بين باب من أبوابها ولعله الباب الأعظم وان كان الذاكر غير رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يقدم على حديث ابي هريرة المتقدم ولكن قد روى احمد عن حكيم بن معاوية عن ابيه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أنتم موفون سبعين امه أنتم خيرها وأكرمها على الله وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة اربعين عاما وليأتين عليه يوم له كظيظ وقد رواه ابن ابي داوج عنه يرفعه ما بين كل مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة سبع سنين وفي مسند عبد بن حميد ثنا الحسن بن موسى ثنا ابن لهيعة ثنا دراج ابو السمح عن ابي الهيثم عن ابي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ان ما بين مصراعين في الجنة لمسيرة اربعين سنة وحديث ابي هريرة أصح وهذه النسخة ضعيفة والله اعلم
وروى ابو الشيخ عن سالم بن عبد الله عن ابيه ان النبي صلى الله عليه و سلم قال الباب الذي يدخل منه اهل الجنة مسيرة الراكب المجد ثلاثا ثم أنهم ليضغطون عليه حتى تكاد مناكبهم تزول رواه ابو نعيم عنه وهذا مطابق للحديث المتفق عليه ان ما بين المصراعين كما بين مكة وبصرى فان الراكب المجود غاية الاجادة على اسرع هجين لا يقر ليلا ولا نهارا يقطع هذه المسافة في هذا القدر أو قريب منه وأما حديث حكيم بن معاوية فقد اضطرب رواته فحماد بن سلمة ذكر عن الجريري أربعين عاما وخالد ذكر عنه سبع سنين وفي حديث ابي سعيد المرفوع أربعون عاما وفي طريقه دراج قال احمد أحاديثه مناكير وقال ابو حاتم الرازي ضعيف وقال النسائي ليس بالقوي فالصحيح المرفوع السالم عن الاضطراب والشذوذ والعلة حديث ابي هريرة المتفق على صحته على أن حديث حكيم ليس التقدير فيه بظاهر الرفع ويحتمل أنه مدرج في الحديث موقوف فيكون كحديث عتبه بن غزوان والله اعلم انتهى كلام الناظر في حادي الارواح ملخصا فهذا كلامه في حادي الارواح (2/473)
وظاهره ترجيح رواية التقدير بثلاثة ايام ولهذا جمع بينه وبين حديث أبي هريرة المتفق عليه الذي فيه ان ما بين المصراعين لكما بين مكة وبصرى وفي هذا النظم ذكر عن البخار انه منكر والله اعلم
فصل
في مفتاح باب الجنة ... هذا وفتح الباب ليس بممكن ... الا بمفتاح على أسنان ... مفتاحه بشهادة الاخلاص والتوحيد تلك شهادة الايمان ... أسنانه الاعمال وهي شرائع الإسلام والمفتاح بالاسنان ... لا تلغين هذا المثال فكم به ... من حل إشكال لذي العرفان ...
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم مفتاح الجنة شهادة أن لا اله الا الله رواه احمد وذكر البخاري في صحيحه عن وهب بن منبه انه قيل له اليس مفتاح الجنة لا اله الا الله قال بلى ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان فإن اتيت بمفتاح له اسنان فتح والا لم يفتح وعن انس قال قال اعرابي يا رسول الله ما مفتاح الجنة قال لا اله الا الله رواه ابو نعيم وذكر ابو الشيخ عن يزيد بن سخبرة أن السيوف مفاتيح الجنة وفي المسند من حديث معاذ بن جبل (2/474)
قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا أدلكم على باب من ابواب الخير قلت بلى قال لا حول ولا قوة الا بالله
قال الناظم في حادي الارواح وقد جعل الله سبحانه لكل مطلوب مفتاحا يفتح به فجعل مفتاح الصلاة الطهور ومفتاح الحج الاحرام ومفتاح البر الصدق ومفتاح الجنة التوحيد ومفتاح العلم حسن السؤال وحسن الاصغاء ومفتاح النصر والظفر الصبر ومفتاح المزيد الشكر ومفتاح الولاية المحبة ومفتاح الرغبة في الآخرة الزهد في الدنيا ومفتاح الايمان التكفر فيما دعا الله عباده الى التفكر فيه ومفتاح الدخول على الله اسلام القلب وسلامته له والاخلاص له في الحب والبغض له والفعل والترك ومفتاح حياة القلب تدبر القرآن والتضرع بالاسحار وترك الذنوب ومفتاح حصول الرحمة الاحسان في عبادة الخالق والسعي في نفع عبيده ومفتاح الرزق السعي مع الاستغفار والتقوى ومفتاح العز طاعة الله ورسوله ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة ومفتاح كل شرب حب الدنيا وطول الامل وهذا باب عظيم من أنفع ابواب العلم وهو معرفة مفاتيح الخير والشر ولا يوفق لمعرفته ومراعاته الا من عظم حظه وتوفيقه فان الله سبحانه جعل لكل خير وشر ومفتاحا وبابا يدخل منه اليه كما جعل الشرك والكبر والاعراض عما بعث الله به رسوله والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحا للنار كما جعل الخمر مفتاح كل إثم وجعل الغناء مفتاح الزنا وجعل اطلاق النظر في الصور مفتاح العشق والطلب وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان وجعل المعاصي مفتاح الكفر وجعل الكذب مفتاح النفاق وجعل الشح والحرص مفتاح البخل وقطعية الرحم مفتاح البخل وقطيعة الرحم واخذ المال من غير (2/475)
حله وجعل الاعراض عما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم مفتاح كل بدعة وضلال وهذه امور لا يصدق بها الا كل من له بصيرة صحيحة وعقل يعرف به ما في نفسه وما في الوجود من الخير والشر فينبغي للعبد ان يعتني كل الاعتناء بمعرفة المفاتيح وما جعلت مفاتيح له والله من وراء توفيقه وعدله له الملك وله الحمد وله النعمة والفضل ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون
فصل
في منشور الجنة الذي يوقع به لصاحبها
المنشور ما كان غير مختوم من كتب السلطان ... هذا ومن يدخل فليس بداخل ... الا بتوقيع من الرحمن ... وكذاك يكتب للفتى لدخوله ... من قبل توقيعان مشهوران ... إحداهما بعد الممات وعرض أر ... واح العباد به على الديان ... فيقول رب العرش جل جلاله ... للكاتبين وهم أولو الديوان ... ذا الاسم في الديوان يكتب ذاك ديوان الجنان مجاور المنان ... ديوان عليين اصحاب القرا ... ن وسنة المبعوث بالقرآن ... فإذا انتهى للجسر يوم الحشر يعطى الدخول اذا كتابا ثاني ... عنوانه هذا كتاب من عزيز راحم لفلان ابن فلان (2/476)
فدعوه يدخل جنة المأوى التي ار ... تفعت ولكن القطوف دواني ... هذا وقد كتب اسمه مذ كان في الأرحام قبل ولادة الانسان ... بل قبل ذلك وهو وقت القبضتين ... ن كلاهما للعدل والاحسان ... سبحان ذي الجبروت والملكوت وال ... اجلال والاكرام والسبحان ... والله أكبر عالم الاسرار والاعلان واللحظات بالاجفان ... والحمد لله السميع لسائر الأصوت من سر ومن اعلان ... وهو الموحد والمسبح والممجد والحميد ومنزل القرآن ... والأمر من قبل ومن بعد له ... سبحانك اللهم ذا السلطان ...
قال الله تعالى كلا ان كتاب الابرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتب مرقوم يشهده المقربون المطففين 18 21 فأخبر تعالى أن كتابهم كتاب مرقوم تحقيقا لكونه مكتوبا كتابة حقيقة وخص كتاب الابرار بأنه يكتب ويوقع لهم به بمشهد المقربين من الملائكة والنبيين ولم يذكر شهادة هؤلاء كتاب الفجار تنويها بكتاب الابرار وما وقع به لهم واشهارا له واظهارا بين خواص خلقه كما تكتب الملوك تواقيع من تعظمه من بين الامراء وخواص اهل المملكة تنويها باسم المكتوب واشارة بذكره وهذا نوع من صلوات الله سبحانه وملائكته على عبده
وروى أحمد وابن حبان وابو عوانه في صحيحيهما من حديث البراء بن عازب الطويل في شأن القبر مرفوعا فيقول الله عز و جل اكتبوا كتاب عبدي في عليين واعيدوه الى الارض فيقول الله عز و جل (2/477)
اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى وتطرح روحه طرحا ورواه ابو داود بطوله فهذا التوقيع والمنشور الاول واما المنشور الثاني وهو التوقيع الثاني الذي ذكره الناظم فعن سلمان الفارسي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدخل الجنة أحد الا بجواز بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله لفلان بن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية رواه الطبراني في معجمه وعنه ان النبي صلى الله عليه و سلم قال يعطى المؤمن جوازا على الصراط بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لفلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية اخرجها الطبراني في معجمه
قوله هذا وقد كتب اسمه الخ أي إن المؤمن وقع في قبضة اصحاب اليمين يوم القبضتين ثم كتب من اهل الجنة يوم نفخ الروح فيه ثم يكتب في ديوان اهل الجنة يوم موته ثم يعطى هذا المنشور يوم القيامة والله المستعان فهذا ما اشتمل عليه هذا الفصل
فصل
في صفوف أهل الجنة ... هذا وان صفوفهم عشرون مع ... مئة وهذي الامة الثلثان ... يرويه عنه بريده اسناده ... شرط الصحيح بمسند الشيباني ... وله شواهد من حديث أبي هريرة وابن مسعود وحبر زمان ... أعني ابن عباس وفي اسناده ... رجل ضعيف غير ذي اتقان (2/478)
ولقد أتانا في الصحيح بأنهم ... شطر وما اللفظان مختلفان ... إذ قال أرجو أن تكونوا شطرهم ... هذا الرجاء منه للرحمن ... أعطاه رب العرش ما يرجو وزا ... د من العطاء فعال ذي الاحسان ...
في الصحيحين عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما ترضون ان تكونوا ربع اهل الجنة فكبرنا ثم قال اما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة قال فكبرنا ثم قال أني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة وسأخبركم عن ذلك ما المسلمون في الكفار الا كشعرة بيضاء في ثور اسود أو كشعرة سوداء في ثور ابيض هذا لفظ مسلم وعن بريده بن الحصيب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اهل الجنة عشرون ومائة صف هذه الامة منها ثمانون صفا رواه احمد والترمذي واسناده على شرط الصحيح ورواه الطبراني يف معجمه من حديث ابن عباس وفي سنده خالد بن يزيد البجلي وقد تكلم فيه ورواه ايضا من حديث ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف أنتم وثلثها قالوا ذاك اكثر قال كيف أنتم والشطر لكم قالوا ذاك اكثر قال اهل الجنة عشرون ومائة صف لكم منها ثمانون صفا قال الطبراني تفرد به خالد بن زياد وروى عبد لله بن احمد عن ابي هريرة قال لما نزلت ثلة من الاولين وثلة من الآخرين الواقعة 13 14 قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنتم ربع اهل الجنة أنتم ثلث أهل الجنة أنتم نصف اهل الجنة أنتم ثلثا أهل الجنة قال الطبراني تفرد برفعه ابن المبارك عن الثوري وروى خيثمة بن سليمان عن بهز بن حكيم عن ابيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (2/479)
أهل الجنة عشرون ومائة صف أنتم ثمانون صفا
قال الناظم وهذه الاحاديث قد تعددت طرقها واختلفت مخارجها وصح سند بعضها ولا تنافي بينها وبين حديث الشطر لأنه صلى الله عليه و سلم رجا أولا ان يكنوا شطر اهل الجنة فأعطاه الله وزاد عليه سدسا اخر وروى احمد عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أرجو أن يكون من يتبعني من امتي يوم القيامة ربع اهل الجنة فكبرنا فقال ارجو أن يكونوا الشطر واسناده على شرط مسلم
فصل
في صفة أول زمرة تدخل الجنة ... هذا وأول زمرة فوجوههم ... كالبدر ليل السبت بعد ثمان ... السابقون هم وقد كانوا هنا ... أيضا أولي سبق الى الاحسان ...
فصل
في صفة الزمرة الثانية ... والزمرة الاخرى كأضوء كوكب ... في الافق تنظره به العينان ... أمشاطهم ذهب ورشحهم فمسك خالص باذلة الحرمان (2/480)
في الصحيحين عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون ولا يتمخطون فيها آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ومجامرهم الألوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم على قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشيا وفيهما أيضا عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا ينتفلون ولا يتمخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة وأزواجهم الحور العين واخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة ابيهم آدم ستون ذراعا في السماء
فصل
في تفاضل اهل الجنة في الدرجات العلى ... ويرى الذين بذيلها من فوقهم ... مثل الكواكب رؤية بعيان ... ما ذاك مختصا برسل الله بل ... لهم وللصديق ذي الايمان ...
في الصحيحين عن ابي سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن اهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري العابر من الافق من المشرق الى او المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول (2/481)
الله تلك منازل الانبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ولفظ البخاري في الافق وهو ابين الغابر هو الذاهب الماضي الذي قد تدلى للغروب وفي التمثيل به دون الكواكب المسامت للرأس فائدتان إحداهما بعده عن العيون والثانية أن الجنة درجات بعضها اعلى من بعض وان لم تسامت العليا السفلى كالبساتين الممتدة من رأس الجبل الى ذيله والله تعالى أعلم
قال الناظم في حادي الارواح
فصل
في ذكر أعلى أهل الجنة منزلة وأدناهم ... هذا وأعلاهم فناطر ربه ... في كل يوم وقته الطرفان ... لكن أدناهم وما فيهم دني ... إذ ليس في الجنات من نقصان ... فهو الذي تلقى مسافة ملكه ... بسنيننا ألفان كاملتان ... فيرى بها أقصاه حقا مثل رؤ ... يته لأدناه القريب الداني ... أو ما سمعت بأن آخر أهلها ... يعطيه رب العرش ذو الغفران ... أضعاف دنيانا جميعا عشر أمثال لها سبحان ذي الاحسان ...
عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أدنى اهل الجنة منزلة لمن ينظر الى جنانه وازواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة (2/482)
ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر الى وجهه غدوة وعشيا ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة القيامة 2223 رواه الترمذي وقال روي هذا الحديث من غير وجه عن ابن عمر غير مرفوع ورواه ابن الجبر موقوفا
قلت ورواه الطبراني في معجمه مرفوعا إن أدنى اهل الجنة منزلة الرجل في ملكة ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه ينظر الى ازواجه وسرره وخدمه الحديث ورواه ابو نعيم ايضا عنه مرفوعا
قوله أو ما سمعت بأن اخر اهلها الخ روى مسلم من حديث المغيرة ابن شعبة عن النبي صلى الله عليه و سلم ان موسى سأل ربه عن ادنى منزلة فقال رجل يجيء بعد ما دخل اهل الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له اترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت رب قال رب فأعلاهم منزلة قال أولئك الذين أردت غرس كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع اذن ولم يخطر على قلب بشر
وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني لأعلم أخر اهل النار خروجا منها وأخر اهل الجنة دخولا الجنة رجل يخرج من النار حبوا فيقول الله تعالى له اذهب فادخل الجنة قال فيأتيها فيخيل اليه أنها ملأى فيرجع فيقول الله له اذهب فادخل الجنة (2/483)
قال فيأتيها فيخيل اليه انها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى فيقول الله له اذهب فادخل الجنة فان لك مثل الدنيا وعشرة امثالها او ان لك عشرة امثال الدنيا قال فيقول اتسخر بي او تضحك به وانت الملك قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ضحك حتى بدت نواجذه قال فكانه يقال ذلك أدنى اهل الجنة منزلة
فصل
في ذكر سن اهل الجنة ... هذا وسنهم ثلاث مع ثلا ... ثين التي هي قوة الشبان ... وصغيرهم وكبيرهم في ذا على ... حد سواء ما سوى الولدان ... ولقد روى الخدري أيضا أنهم ... أبناء عشر بعدها عشران ... وكلاهما في الترمذي وليس ذا بتناقض بل ها هنا أمران ... حذف الثلاث ونيف بعد العقود وذكر ذلك عندهم سيان ... عند اتساع في الكلام فعندما ... يأتوا بتحرير فبالميزان ...
قال الناظم روى احمد عن ابي هريرة مرفوعا يدخل اهل الجنة الجنة جردا مردا بيضا جعادا مكلحين ابناء ثلاث وثلاثين وهم على خلق آدم ستون ذراعا في عرض سبعة اذرع قيل تفرد به حماد عن علي بن زيد وروى الترمذي واستغربه عن معاذ بن جبل ان النبي صلى الله عليه و سلم قال يدخل (2/484)
أهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين بني ثلاث وثلاثين وروى ابو بكر ابن ابي داود عن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يبعث اهل الجنة على صورة آدم في ميلاد ثلاث وثلاثين سنة جردا مردا مكحلين ثم يذهب بهم الى شجرة في الجنة فيكسون منها لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم
قوله ولقد روى الخدري الخ قال الناظم في حادي الارواح عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من مات من اهل الجنة من صغير او كبير يردون بني ثلاثين سنة في الجنة لا يزيدون عليها ابدا وكذلك اهل النار رواه الترمذي قال الناظم فان كان محفوظا لم يناقض ما قبله فان العرب اذا قدرت بعدد له نيف فان لهم طريقين تارة يذكرون النيف للتحرز وتارة يحذفونه وهذا معروف في كلامهم وخطاب غيرهم من الامم وروى ابن ابي الدنيا عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ستين ذراعا بذراع الملك على حسن يوسف وعلى ميلاد عيسى ثلاثا وثلاثين سنة وعلى لسان محمد جردا مردا مكحلين وروى ابن وهب عن ابي هريرة انه قال صلى الله عليه و سلم إن اهل الجنة يدخلون الجنة على قدر آدم ستون ذراعا وعلى ذلك قطعت سررهم وفي الصحيحين أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة ابيهم آدم ستون ذراعا في السماء والرواية على خلق بفتح الخاء وسكون اللام والاخلاق كما تكون جمعا للخلق بالضم فهي جمع للخلق بالفتح والمراد تساويهم في الطول والعرض والسن وان تفاوتوا في الحسن والجمال ولهذا فسره بقوله على صورة ابيهم آدم ستون ذراعا في السماء واما اخلاقهم وقلوبهم ففي الصحيحين من حديث ابي هريرة ان اول زمرة (2/485)
تلج الجنة الحديث وفيه لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم على قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشيا
فصل
في طول قامات أهل الجنة وعرضهم ... والطول طول ابيهم ستون لكن عرضهم سبع بلا نقصان ... الطول صح بغيرشك في الصحيحين اللذين هما لنا شمسان ... والعرض لم ولا يخفى التناسب بين هذا العرض والطول البديع الشان ... كل على مقدار صاحبه وذا ... تقدير متقن صنعه الانسان ...
قد تقدمت الاحاديث في طول اهل الجنة في الصحيحين وغيرهما واما العرض فهو كما قال الناظم ليس في الصحيحين لكن قد رواه احمد قال الناظم وفي هذا الطول والعرض والسن من الحكمة ما لا يخفى فانه ابلغ واكمل في استيفاء اللذة لأنه اكمل سن القوة مع عظم آلات اللذة وباجتماع الأمرين يكون كمال اللذة وقوتها بحيث يصل في اليوم الواحد الى مائة عذراء ولا يخفى التناسب بين هذا الطول والعرض وانه لو زاد احدهما على الاخر فات الاعتدال وتناسب الخلقة ويصير طولا مع دقة او غلظا مع قصر وكلاهما غير مناسب والله اعلم انتهى (2/486)
فصل
في حلاهم والوانهم ... ألوانهم بيض وليس لهم لحى ... جعد الشعور مكحلو الاجفان ... هذا كمال الحسن في ابشارهم ... وشعورهم وكذلك العينان ...
اللحى بضم اللام جمع لحية بكسرها وقد تقدمت الاحاديث بذلك كالحديث الذي رواه الترمذي عن معاذ بن جبل ان النبي صلى الله عليه و سلم قال يدخل اهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين بني ثلاث وثلاثين وروي عن ابي هريرة مرفوعا يدخل اهل الجنة الجنة جردا مردا بيضا جعادا مكحلين ابناء ثلاث وثلاثين وهم على خلق آدم ستون ذراعا في عرض سبعة اذرع
فصل
في لسان اهل الجنة
... ولقد أتى اثر بأن لسانهم ... بالمنطق العربي خير لسان ... لكن في اسناده نظر ففيه راويان وماهما ثبتان (2/487)
أعني العلاء هو ابن عمرو ثم يحيى الاشعري وذان مغموزان ...
تقدم حديث انس بن مالك عند ابن ابي الدنيا وفيه يدخل اهل الجنة الجنة على لسان محمد صلى الله عليه و سلم وروي عن ابن عباس قال لسان اهل الجنة عربي وكذا قال الزهري
فصل
في ريح الجنة في مسيرة كم يوجد ... والريح يوجد من مسيرة أربعين وان تشأ مائة فمرويان ... وكذاروي سبعين ايضا صح ه ... ذا كله وأتى به اثران ... ما في رحالهما لنا من مطعن ... والجمع بين الكل ذو إمكان ... ولقد أتى تقديره مائة بخمس ضربها من غير ما نقصان ... إن صح هذا فهو ايضا والذي ... من قبله في غاية الامكان ... اما بحسب المدركين لريحها ... قربا وبعدا ما هما سيان ... او بختلاف قرارها وعلوها ... ايضا وذلك واضح التبيان ... أو باختلاف السير أيضا فهو أنواع بقدر اطاقة الانسان ... ما بين ألفاظ الرسول تناقض ... بل ذاك في الافهام والاذهان (2/488)
روى الطبراني عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من قتل قتيلا من اهل الذمة لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة مائة عام ورواه البخاري وقال ليوجد م من مسيرة اربعين عاما وعند الترمذي عن ابي هريرة رضي الله عنه يرفعه وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا وصححه قال محمد بن عبد الواحد المقدسي واسناده عندي على شرط الصحيح وعند الطبراني مرفوعا وان ريح الجنة يوجد من ميسرة عام وعن ابي بكرة عند قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ريح الجنة يوجد من مسيرة عام
قال الناظم وهذه الالفاظ لا تعارض فيها وفي الصحيحين من حديث انس في قصة عمه قال فشهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم احد فاستقبل سعد بن معاذ فقال له الجنة ورب الكعبة إني لأجد ريحها من دون احد فقال فقاتلهم حتى قتل
قال الناظم وريح الجنة نوعان ريح يوجد في الدنيا تشمه الارواح احيانا لا تدركه العبارة وريح تدرك بحاسة الشم للأبدان كما تشم روائح الازهار وغيرها وهذا يشترك اهل الجنة في ادراكه في الآخرة من قرب وبعد واما في الدنيا فقد يدركه من شاء الله من انبيائه ورسله وهذا الذي وجده انس بن النضر يجوز أن يكون من هذا القسم وان يكون من الاول وروى ابو نعيم عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال رائحة الجنة توجد من مسيرة خمسمائة عام وروى الطبراني عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ريح الجنة يوجد من مسيرة الف ولا يجدها عاق ولا قاطع رحم وروى ابو داود الطيالسي في مسنده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من ادعى الى غير ابيه لم يرح رائحة الجنة وان ريحها (2/489)
ليوجد من مسيرة خمسين عاما وقد اشهد الله سبحانه عباده في هذه الدار من آثار الجنة وانموذجا منها من الرائحة الطيبة واللذات المشتهاة والمناظر البهية الحسنة والنعيم والسرور وقرة العين وقد روى ابو نعيم عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقل الله عز و جل للجنة طيبي لأهلك فتزداد طيبا فذلك البرد الذي يجده الناس في السحر والله اعلم
فصل
في أسبق الناس دخولا الى الجنة ... ونظير هذا سبق اهل الفقر للجنات في تقديره اثران ... مائة بخمس ضربه او اربعين كلاهما في ذاك محفوظان ... فأبو هريرة قد روى اولاهما ... وروى لنا الثاني صحابيان ... هذا بحسب تفاوت الفقراء في استحقاق سبقهم الى الاحسان ... او ذا بحسب تقاوت في الاغنيا ... ء كلاهما لا شك موجودان ...
روى احمد عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يدخل فقراء المسلمين الى الجنة قبل اغنيائهم بنصف يوم وهو خمسمائة وصححه الترمذي ورجال اسناده احتج بهم مسلم في صحيحه وروى الترمذي عن جابر أنه قال يدخل فقراء امتي الجنة قبل الاغنياء باربعين خريفا وفي صحيح مسلم عن ابن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول (2/490)
إن الفقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفا وروى الطبراني عن ابي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الفقراء المؤمنين يدخلون الجنة قبل أغنياءهم بنصف يوم وذلك خمسمائة عام الحديث بطوله والذي في الصحيح أن سبقهم لهم بأربعين خريفا فاما ان يكون هو المحفوظ وإما أن يكون كلاهما محفوظا ويختلف مدة السبق بحسب أحوال الفقراء والأغنياء فمنهم من يسبق بخمسمائة كما يتأخر مكث العصاة من الموحدين في النار بحسب جزائهم
قال الناظم رحمه الله تعالى ... هذا وأولهم دخولا خير خلق الله من قد خص بالقرآن ...
... والانبياء على مراتبهم من التفضيل تلك مواهب المنان ...
روى مسلم في صحيحه من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول صلى الله عليه و سلم آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن من انت فأقول محمد فيقول بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وأنا خطيبهم إذا أنصتوا وقائدهم إذا وفدوا وشافعهم إذا حبسوا وأنا مبشرهم إذا يئسوا لواء الحمد بيدي ومفتاح الجنة بيدي وأنا أكرم ولد آدم يومئذ على ربي ولا فخر يطوف علي ألف خادم وكأنهم اللؤلؤ المكنون رواه الترمذي والبيهقي واللفظ له وفي صحيح مسلم من حديث المختار بن فلفل عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا أكثر الناس تبعا يوم القيامة وأنا أول من يقرع باب الجنة (2/491)
وروى الطبراني عن أنس مرفوعا فيقوم الخازن فيقول لا أفتح لأحد قبلك ولا أقوم لأحد بعدك وروى الدارقطني عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الجنة حرمت على الانبياء كلهم حتى أدخلها وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي قال الدارقطني غريب ... هذا وامة احمد سباق با ... قي الخلق عند دخولهم لجنان ... وأحقهم بالسبق أسبقهم الى الإسلام والتصديق بالقرآن ... وكذا أبو بكر هو الصديق أسبقهم دخولا قول ذي برهان ...
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ونحن اول من يدخل الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فاختلفوا فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه وفي الصحيحين عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتينا من بعدهم
قوله وكذا أبو بكر الصديق الخ روى أبو داود في سننه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه امتي فقال أبو بكر يا رسول الله صلى الله عليه و سلم وددت أني كنت معك حتى أنظر اليه فقال أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي ... وروى ابن ماجة أن اولهم يصا ... فحه إله العرش ذو الاحسان ... ويكون أولهم دخولا جنة الفردوس ذلك قامع الكفران (2/492)
فارق دين الله ناصر قوله ... ورسوله وشرائع الايمان ... لكنه أثر ضعيف فيه مجروح يسمى خالدا ببيان ... لو صح كان عمومه المخصوص بالصديق قطعا غير ذي نكران
روى ابن ماجة في سننه عن ابي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أول من يصافحه الحق عمر وأول من يسلم عليه وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة
قال الناظم في حادي الأرواح هو حديث منكر جدا قال أحمد راود بن عطاء ليس بشيء وقال البخاري منكر الحديث ثم لو صح لكان مخصوصا بالحديث الذي تقدم وفيه قوله صلى الله عليه و سلم أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي ... هذا وأولهم دخولا فهو حماد على الحالات للرحمن ... ان كان في السراء أصبح حامدا ... او كان في الضرا فحمد ثاني ... هذا الذي هو عارف بالهه ... وصفاته وكماله الرباني ... وكذا الشهيد فسبقه متيقن ... وهو الجدير بذلك الاحسان ...
... وكذلك المملوك حين يقوم بالحقين سباق بغير توان ...
... وكذا فقير ذو عيال ليس بالملحاح بل ذو عفة وصيان ...
وفي صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه مرفوعا قال أهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق ورجل رحيم رقيق القلب كل ذي قربى ومسلم عفيف متعفف ذو عيال (2/493)
وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة النبي في الجنة والصديق في الجنة والشهيد في الجنة والرجل يزور اخاه في ناحية المصر لا يزوره الا لله في الجنة اخرج النسائي من هذا الحديث فضل النساء خاصة وباقي الحديث على شرطه
فصل
في عدد الجنات وأجناسها ... والجنة اسم الجنس وهي كثيرة ... جدا ولكن أصلها نوعان ... ذهبيتان بكل ما حوتاه من ... حلي وآنية ومن بنيان ... وكذاك أيضا فضة ثنتان من ... حلي وبنيان وكل أوان ... لكن دار الخلد والمأوى وعد ... ن والسلام اضافة لمعان ... أوصافها استدعت اضافتها اليها مدحة مع غاية التبيان ... لكنما الفردوس اعلاها وأو ... سطها مساكن صفوة الرحمن ... أعلاه منزلة لأعلى الخلق منزلة هو المبعوث بالقرآن ... وهي الوسيلة وهي اعلى رتبة ... خلصت له فضلا من الرحمن ...
قوله والجنة اسم الجنس الخ أي إنها أجناس كثيرة ولهذا قال اسم جنس لأن الجنس يصدق على بعض أفراده فالجنة اسم شامل (2/494)
لجميع ما حوته من البساتين والمساكن والقصور وهي جنات كثيرة جدا ولكن أصلها نوعان وفي حديث أنس يرفعه إنها جنان وإن ابنك اصاب الفردوس الأعلى أخرجه البخاري وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيها وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا الى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن
قال الناظم وقال تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان الرحمن فذكرهما ثم قال ومن دونهما جنتان الرحمن فهذه أربع قالت طائفة من دونهما أي أقرب منهما الى العرش فيكونان فوقهما وقالت طائفة تحتهما وهذا في لغة العرب وفي الصحاح دون نقيض فوق ويقال دون هذا أي اقرب منه والسباق يدل على تفضيل الجنتين الأوليين بوجوه أحدها قوله ذواتا أفنان الرحمن جمع فنن وهو الغصن او جمع فن وهو الصنف أي اصناف شتى من الفواكه وغيرها ولم يذكر ذلك في اللتين بعدهما الثاني فيهما عينان تجريان الرحمن وفي الأخريين فيهما عينان نضاختان الرحمن وهي الفوارة والجارية السارحة وهي أحسن من الفوارة لأنها تتضمن الفوارة والجريان الثالث فيهما من كل فاكهة زوجان الرحمن وفي الأخريين فيهما فاكهة ونخل ورمان الرحمن ولا ريب أن الأول أكمل قالت طائفة الزوجان الرطب واليابس وفيه نظر وقالت طائفة صنف معروف وصنف من شكل غريب وقال آخرون نوعان ولم يزيدوا والظاهر أنه الحلو والحامض والأبيض والأحمر لأن اختلاف اصناف الفواكه أعجب وألذ (2/495)
للعين والفم والله أعلم الرابع متكئين على فرش بطائنها من إستبرق الرحمن وهذا تنبيه على فضل الظهائر وخطرها وفي الأخريين متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان الرحمن وفسر الرفرف بالمجالس والبسط والفرش وعلى كل فلم يصفه بما وصف به فرش الأولين الخامس وجنى الجنتين دان الرحمن أي قريب سهل يتناوله كيف شاؤوا ولم يذكر ذلك في الأخريين السادس فيهن قاصرات الطرف الرحمن أي على أزواجهن فلا يردن غيرهم وقال في الأخريين حور مقصورات في الخيام الرحمن ومن قصرت طرفها على زوجها أكمل ممن قصرت بغيرها السابع أنه وصفهن بشبه الياقوت والمرجان في صفاء اللون واشراقه وحسنه ولم يذكر ذلك في التي بعدها الثامن هل جزاء الاحسان الا الاحسان الرحمن وهذا يقتضي أن أصحابها من أهل الاحسان المطلق الكامل فكان جزاؤهم باحسان كامل التاسع أنه جعلهما جزاء لمن خاف مقامه والخائفون نوعان مقربون وأصحاب يمين فذكر جنتي المقربين ثم جنتي أصحاب اليمين العاشر أنه قال ومن دونهما جنتان الرحمن السياق يدل على أنه نقيض فوق فكان للمقربين منهم الجنتان العاليتان ولأصحاب اليمين اللتان دونهما والراجح أن لكل واحد جنتان وقيل لمجموع الخائفين يشتركون فيها ويرجح الأول قوله صلى الله عليه و سلم هما شأنان في رياض الجنة إحداهما جزاء أداء الأوامر والثانية جزاء اجتناب المحارم انتهى كلامه
قوله إضافة لمعان أي إنها سميت دار الخلد وجنة المأوى وجنات عدن ودار السلام ونحو ذلك للمعاني التي تدل عليها هذه (2/496)
الأسماء فسميت دار الخلد لأن أهلها لا يظعنون عنها كما قال تعالى عطاء غير مجذوذ هود وقال تعالى إن هذا لرزقنا ماله من نفاذ ص وقال أكلها دائم وظلها الرعد وقال وما هم منها بمخرجين الحجر وأما اسمها دار المقامة فقد قال تعالى حكاية عن اهلها وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله فاطر قال مقاتل أنزلنا دار الخلود اقاموا فيها أبدا لا يموتون ولا يتحولون منها أبدا وقال الفراء والزجاج المقامة مثل الاقامة يقال أقمت بالمكان إقامة ومقامة ومقاما وأما جنة المأوى فقد قال تعالى عندها جنة المأوى النجم والمأوى مفعل من أوى يأوي إذا انضم إلى المكان وصار اليه واستقر به قال عطاء عن ابن عباس هي الجنة التي يأوي اليها جبريل والملائكة وقال مقاتل والكلبي هي جنة تأوي اليها أرواح الشهداء وقال كعب جنة المأوى جنة فيها طير خضر يرتقي فيها ارواح الشهداء وقال تعالى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى النازعات وأما جنة عدن فقيل اسم لجنة من الجنان قال الناظم والصحيح أنه اسم لجملة الجنات فكلها جنات عدن قال تعالى جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب مريم وقال تعالى جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ ولباسهم فيها حرير فاطر وقال تعالى ومساكن طيبة في جنات عدن الصف يقال عدن بالمكان إذ أقام به وعدنت البلد توطنته وعدنت الابل بمكان كذا لزمته فلم تبرح منه قال الجوهري ومنه جنات عدن أي جنات الاقامة ومنه سمي (2/497)
المعدن بكسر الدال لأن الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء ومركز كل شيء معدنه والعادن الناقة المقيمة في المرعى وأما اسمها دار السلام فقد سماها الله تعالى بهذا الاسم في قوله لهم دار السلام عند ربهم الانعام وقوله والله يدعو إلى دار السلام وهي احق بهذا الاسم فانها دار السلامة من كل بلية وآفة ومكروه وهي دار الله واسمه سبحانه السلام الذي سلمها وسلم أهلها وتحيتهم فيها سلام والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم والرب تعالى يسلم عليهم من فوقهم كما قال تعالى لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم وكلامهم كله فيها سلام أي لا لغو فيها ولا فحش ولا باطل كما قال تعالى لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما مريم وقد ذكر الناظم رحمه الله تعالى للجنة اثني عشر اسما في كتابه حادي الأرواح وتكلم عن معانيها وبسط الكلام في ذلك والله اعلم
قوله لكنما الفردوس أعلاها الخ عن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فانه من صلى الله عليه و سلم علي صلى الله عليه و سلم عشرا ثم سلوا لي وسيلة فانها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة أخرجه مسلم وروى احمد عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا صليتم علي فاسألوا الله لي الوسيلة قيل وما الوسيلة قال اعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد وارجو أن أكون أنا هو هكذا الرواية أن أكون أنا هو ووجهها أن تكون الجملة خبرا عن اسم كان المستتر فيها ولا يكون أنا فصلا ولا توكيدا بل مبتدأ وفي الصحيحين من حديث جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من قال حين (2/498)
يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته الا حلت له الشفاعة يوم القيامة قال الناظم هذا لفظ الحديث مقاما بالتنكير ليوافق لفظ الآية ولأنه لما تعين وانحصر نوعه في شخصه جرى مجرى المعرفة فوصف بما توصف به المعارف وهذا لفظ من جعل الذي وعدته بدلا فتأمله وفي المسند عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الوسيلة درجة عند الله عز و جل ليس فوقها درجة فاسألوا الله لي الوسيلة ورواه ابن ابي الدنيا وقال فيه درجة في الجنة ليس في الجنة درجة أعلى منها فسلوا الله أن يؤيتنها على رؤوس الخلائق وسميت درجة النبي صلى الله عليه و سلم الوسيلة لأنها اقرب الدرجات إلى عرش الرحمن تبارك وتعالى وهي اقرب الدرجات على الله ومعنى الوسيلة والوصلة والقربة والزلفى واحد ولهذا كانت أفضل الجنة وأشرفها وأعظمها نورا قال فضيل بن عياض تدرون لم حسنت الجنة لأن عرش رب العالمين سقفها وقال ابن عباس نور سقف مساكنكم نور عرشه وقال الحسن إنما سميت عدن لأن فوقها العرش ومنها تفجر أنها الجنة وللحور العدنية الفضل على سائر الحور وفي الوسيلة معنى القرب اليه بأنواع الوسائل قال الكلبي اطلبوا اليه القربة بالأعمال الصالحة وقد كشف الله سبحانه هذا المعنى بقوله أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب الاسراء فقوله أيهم أقرب هو تفسير الوسيلة ولما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أعظم الخلق عبودية لربه وأعملهم وأشدهم له خشية وأعظمهم له محبة كانت منزلته أقرب المنازل إلى الله وهي أعلى درجة في الجنة وقوله حلت عليه يروى عليه وله فمن رواه باللام (2/499)
فمعناه حصلت له ومن رواه ب على فمعناه وقعت عليه شفاعتي انتهى كلام الناظم رحمه الله ... ولقد أتى في سورة الرحمن تفضيل الجنان مفصلا ببيان ... هي اربع ثنتان فاضلتان و ... يليهما ثنتان مفضولان ... فالأوليان الفضليان لأوجه ... عشر ويعسر نظمها بوزان ... واذا تأملت السياق وجدتها ... فيه تلوح لمن له عينان ...
تقدم كلام على مضمون هذه الابيات وذكرنا الأوجه العشرة في تفضيل الجنتين الأوليين من كلام الناظم ... سبحان من غرست يداه جنة الفردوس عند تكامل البنيان ... ويداه أيضا أتقنت لبنائها ... فتبارك الرحمن أعظم بان ... هي في الجنان كآدم وكلاهما ... تفضيله من أجل هذا الشان ...
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الله بنى الفردوس بيده وحظرها على كل مشرك وكل مدمن خمر رواه الحسن بن سفيان وعن عبد الله بن الحارث قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خلق الله تبارك وتعالى ثلاثة أشياء بيده ثم قال وعزتي وجلالي لا يدخلها مدمن خمر ولا الديوث رواه الدارمي والنجاد وغيرهما
قال الناظم المحفوظ أنه موقوف وفيه أبو معشر متكلم فيه وقال ابن عمر خلق الله أربعة أشياء بيده العرش والقلم وعدن وآدم (2/500)
ثم قال لسائر الخلق كن فكان رواه الدارمي وعن ميسرة إن الله لم يمس شيئا من خلقه غير ثلاث خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده ونحوه عن كعب زاد ثم قال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون المؤمنون رواهما الدارمي وذكر البيهقي عن ابي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله حائطها لبنة من ذهب ولبنة من فضة وغرس غرسها بيده وقال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون فقال طوبى لك منزل الملوك وروى ابن ابي الدنيا عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خلق الله جنة عدن بيده لبنة من درة بيضاء ولبنة من ياقوتة حمراء ولبنة من زبرجد خضراء ملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ وحشيشها الزعفران ثم قال لها انطقي قالت قد أفلح المؤمنون فقال الله تعالى وعزتي وجلالي لا يجاورون فيك بخيل ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون الحشر والتغاين فتأمل هذه العناية كيف جعل الجنة التي غرسها بيده لمن خلقه بيده ولأفضل ذريته اعتناء وتشريفا واظهارا لفضل ما خلقه بيده وشرفه بذلك عن غيره فهذه الجنة في الجنان كآدم في نوع الحيوان ... لكنما الجهمي ليس لديه من ... ذا الفضل شيء فهو ذو نكران ... ولد عقوق عق والده ولم ... يثبت بذا فضلا على الشيطان ... فكلاهما تأثير قدرته وتأ ... ثير المشيئة ليس ثم يدان ... إلا هما أو نعمتاه وخلقه ... كل بنعمة ربه المنان أي أن الجهمية لما أنكروا يده سبحانه وقالوا هي يد القدرة أويد (2/501)
النعمة فلم يثبتوا فضيلة لأبيهم آدم عليه السلام ولأن اليد إذا كان معناها القدرة استوى آدم وابليس فإن كلاهما مخلوق بقدرة الله تعالى وقد عقوا أباهم آدم عليه السلام بذلك أي فآدم والشيطان كلاهما تأثير قدرته ومشيئته أو نعمتيه فان الكل مخلوق بنعمة ربه والله اعلم ... لما قضى رب العباد قا ... ل تكلمي فتكلمت ببيان ... قد أفلح العبد الذي هو مؤمن ... ماذا ادخرت له من الاحسان ...
يشير إلى حديث أنس الذي رواه ابن ابي الدنيا قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خلق الله جنة عدن بيده لبنة من درة بيضاء ولبنة من ياقوتة حمراء ولبنة من زبرجد خضراء ملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ وحشيشها الزعفران قال لها انطقي قالت قد أفلح المؤمنون فقال الله تعالى وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون الحشر والتغابن ... ولقد روى حقا أبو الدارداء ذا ... ك عويمر أثرا عظيم الشان ... يهتز قلب العبد عند سماعه ... طربا بقدر حلاوة الايمان ... ما مثله أبدا يقال برأيه ... أو كان يا أهلا بذا العرفان ... فيه النزول ثلاث ساعات فاحداهن ينظر في الكتاب الثاني ... يمحو ويثبت ما يشاء بحكمة ... وبعزة وبرحمة وحنان ... فترى الفتى يمسي على حال ويصبح في سواها ماهما مثلان (2/502)
هو نائم وأموره قد دبرت ... ليلا ولا يدري بذاك الشان ... والساعة الأخرى إلى عدن مسا ... كن أهله هم صفوة الرحمن ... الرسل ثم الأنبياء ومعهم الصديق حسب فلا تكن بجبان ... فيها الذي والله لاعين رأت ... كلا ولا سمعت به الأذنان ... كلا ولا قلب به خطر المثا ... ل له تعالى الله ذو السلطان ...
... والساعة الأخرى إلى هذي السما ... ويقول هل من تائب ندمان ... أو داع او مستغفر أو سائل ... أعطيه إني واسع الاحسان ...
... حتى تصلي الفجر يشهدها مع الأملاك تلك شهادة القرآن ...
... هذا الحديث بطوله وسياقه ... وتمامه في سنة الطبراني ...
قوله ولقد روى حقا أبو الدرداء الخ أي أن أبا الدرداء روى هذا الأثر موقوفا عليه ومثله لا يقال بالرأي قوله أو كان أي أو كان قاله برأيه فيا أهلا بذلك ولفظه ينزل الله تعالى في آخر ثلاث ساعات يبقين من الليل فينظر الله تعالى في الساعة الأولى في الكتاب الذي لا ينظر فيه غيره فيمحو ما يشاء ويثبت ثم ينظر في الساعة الثانية في جنة عدن وهي مسكنه الذي يسكن فيه لا يكون معه فيها أحد إلا الأنبياء والشهداء والصديقون وفيها ما لم يره أحد ولا خطر على قلب بشر ثم يهبط آخر ساعة من الليل فيقول ألا مسغفر يستغفرني فأغفر له ألا سائل يسألني فأعطيه ألا داع يدعوني فأستجيب له حتى يطلع الفجر رواه الطبراني في معجمه (2/503)
فصل
في بناء الجنة ... وبناؤها اللبنات من ذهب وأخرى فضة نوعان مختلفان ...
... وقصورها من لؤلؤ وزبرجد أو فضة أو خالص العقيان ... وكذاك من در وياقوت به ... نظم البناء بغاية الاتقان ... والطين مسك خالص أو زعفرا ... ن جابذا أثران مقبولان ...
... ليسا بمختلفين لا تنكرهما ... فهما الملاط لذاك البنيان ...
قال الناظم في حادي الارواح روى ابو بكر بن مردويه عن ابن عمر قال سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الجنة فقال من يدخل الجنة يحيى لا يموت وينعم لا يبأس لا تبلي ثيابه ولا يفنى شبابه قيل يا رسول الله كيف بناؤها قال لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها مسك أذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران هكذا جاء في هذه الأحاديث ان ترابها الزعفران وكذلك روى يزيد بن زريع عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة ترابها الزعفران وطينها المسك وفي الصحيحين عن ابي ذر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ادخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك وهو قطعة من حديث المعراج وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه و سلم سأل ابن صياد عن تربة الجنة فقال درمكة بيضاء (2/504)
مسك خالص فقال صدق وروى سفيان بن عيينة عن جابر بن عبد الله في قصة اليهود فلما أن جاؤوه قالوا يا أبا القاسم كم عدد خزنة أهل النار فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بيديه كلتيهما هكذا وهكذا وقبض واحدة أي تسعة عشر فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ما تربة الجنة فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا خبزة فقال الخبزة من الدرمكة فهذه ثلاث صفات في تربتها لا تعارض بينها فذهبت طائفة من السلف إلى أن تربتها متضمنة للنوعين المسك والزعفران قال مغيث بن سمي الجنة ترابها المسك والزعفران ويحتمل معنيين آخرين أحدهما أن يكون التراب من زعفران فإذا عجن بالماء صار مسكا والطين يسمى ترابا ويدل على هذا قوله ملاطها المسك والملاط الطين ويدل عليه ان في حديث العلاء بن زياد ترابها الزعفران وطينها المسك فلما كانت تربتها طيبة وماؤها طيبا فأنظم أحدهما إلى الآخر حدث لها طيب آخر فصار مسكا الثاني أن يكون زعفرانا باعتبار اللون مسكا باعتبار الرائحة وهذا من احسن شئ يكون في البهجة والاشراق في لون الزعفران والرائحة في رائحة المسك وكذلك شبهها بالدرمك وهو الخبز الصافي الذي يضرب لونه الى صفرة مع لينها ونعومتها وهو معنى ما ذكره سفيان بن عيينه عن مجاهد أن أرض الجنة من فضة وترابها المسك فاللون في البياض لون الفضة والرائحة رائحة المسك وروى ابن ابي شيبة عن ابن عمر قال قيل يا رسول الله كيف بناء الجنة قال لبنة من فضة ولبنة من ذهب وملاطها مسك أذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران وروى أبو الشيخ عن ابي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قلت ليلة اسري بي يا جبريل إنهم يسألوني عن الجنة قال فأخبرهم أنها من درة بيضاء (2/505)
وأن أرضها عقيان والعقيان الذهب فان كان محفوظا فهي أرض الجنتين الذهبيتين فيكون جبريل أخبر بأعلى الجنتين وأفضلها والله اعلم آخر كلامه
قوله وقصورها من لؤلؤ وزبرجد الخ في الصحيحين من حديث أبي موسى الاشعري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤ واحدة مجوفة طولها ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا ومن حديث ابن ابي أوفى وابي هريرة وعائشة أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه و سلم هذه خديجة أقرأها السلام ربها وأمره أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب والقصب ههنا اللؤلؤ المجوف وروى ابن ابي الدنيا عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ان في الجنة لقصرا من لؤلؤ ليس فيه صدع ولا وهن اعده الله عز و جل لخليله ابراهيم
فصل
في أرض الجنة وحصبائها وترابها ... والأرض مرمرة كخالص فضة ... مثل المرأة تنالها العينان ... في مسلم تشبيهها بالدرمك الصافي وبالمسك العظيم الشان ... هذا لحسن اللون لكن ذا لطيب الريح صار هناك تشبيهان ... حصباؤها در وياقوت كذا ... ك لآليء نثرت كنثر جمان (2/506)
وترابها من زعفران أو من المسك الذي ما استل من غزلان ...
تقدم شرح هذا الفصل في الفصل الذي قبله
فصل
في صفة غرفاتها ... غرفاتها في الجو ينظر بطنها ... من ظهرها والظهر من بطنان ... سكانها أهل القيام مع الصيا ... م وطيب الكلمات والاحسان ...
... ثنتان خالص حقه سبحانه ... وعبيده أيضا لهم ثنتان ...
روى الطبراني عن أبي مالك الأشعري ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأدام الصيام وصلى باليل والناس نيام ورواه ابن وهب عن ابن عمرو ولفظه لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وبات قائما والناس نياما قال محمد بن عبد الواحد وهذا عندي إسناد حسن وفي حديث ابي سعيد إن أهل الجنة ليتراؤون أهل الغرف فوقهم كما تراؤون الكوكب الغابر في الافق وروى الترمذي واستغربه عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن في الجنة لغرفا ترى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها فقام اعرابي فقال لمن هي يا رسول الله قال لمن طيب الكلام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام (2/507)
فصل
في خيام اهل الجنة ... للعبد فيها خيمة من لؤلؤ ... قد جوفت هي صنعة الرحمن ... ستون ميلا طولها في الجو في ... كل الزوايا أجمل النسوان ...
... يغشى الجميع فلا يشاهد بعضهم ... بعضا وهذا لاتساع مكان ... فيها مقاصير بها الأبواب من ... ذهب ودر زين بالمرجان ... وخيامها منصوبة برياضها ... وشواطيء الأنهار ذي الجريان ... ما في الخيام سوى التي لو قابلت للنيرين لقلت منكسفان ... لله هاتيك الخيام فكم ... بها للقلب من علق ومن أشجان ... فيهن حور قاصرات الطرف خيرات حسان هن خير حسان ... خيرات أخلاق حسان أوجها ... فالحسن والاحسان متفقان ...
قد تقدم حديث ابي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤ واحدة مجوفة طولها ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا متفق عليه وعن ابن مسعود في قوله مقصورات في الخيام الرحمن قال در مجوف وروى ابن المبارك عن ابي الدرداء قال الخيمة لؤلؤة واحدة لها سبعون بابا من در (2/508)
فصل
في أرائكها وسررها ... فيها الأرائك وهي من سرر عليهن الحجال كثيرة الألوان ... لا تستحق اسم الأرائك دون ها ... تيك الحجال وذاك وضع لسان ... بشخانة يدعونها بلسان فا ... رس وهو ظهر البيت ذي الأركان ...
قال تعالى متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين الطور وقال تعالى ثلة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين الواقعة وقال تعالى فيها سرر مرفوعة الغاشية فأخبر تعالى عن سررهم بأنها مصفوفة بعضها إلى جانب بعض ليس بعضها خلف بعض ولا بعيدا من بعض والوضين في لغتهم النضة والنسج المضاعف بعضه فوق بعض وقال الليث الوضن نسج السرير وأشباهه قالوا موضونة منسوجة بقصبات الذهب مشبكة بالدر والياقوت والزبرجد قال ابن عباس سرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت والسرير مثل ما بين مكة وأيله وقال الكلبي طول السرير في السماء مائة ذراع فاذا أراد الرجل أن يجلس عليه تواضع له حتى يجلس عليه فإذا جلس عليه ارتفع إلى مكانه وأما الأرائك فهي جمع اريكة حتى يكون السرير في الحجلة فان كان سرير بغير حجلة لا يكون أريكة وان كانت حجلة بغير سرير لم يكن أريكة ولا يكون أريكة إلا والسرير (2/509)
في الحجلة فإذا اجتمعا كانت أريكة وقال مجاهد هي الاسرة في الحجال وقال الليث الأريكة سرير حجلة فالحجلة والسرير أريكة وقال ابو أبو اسحق الارائك الفرش في الحجال
قال الناظم في حادي الأرواح قلت هاهنا ثلاثة أشياء أحدها السرر والثاني الحجلة وهي البشخانة التي تعلق فوقه والثالثة الفراش الذي على السرير ولا يسمى السرير أريكة حتى يجتمع ذلك كله وفي الصحاح الأريكة سرير متخذ مزين في قبة أو بيت فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة وفي الحديث أن خاتم النبي صلى الله عليه و سلم كان مثل زر الحجلة وهو الزر الذي يجمع بين طرفيها من جملة أزرارها قوله بشخانة يدعونها الخ أي إن الأريكة تسمى بلسان الفرس بشخانة
فصل
في أشجارها وثمارها وظلالها ... أشجارها نوعان منها ماله ... في هذه الدنيا مثال ثان ... كالسدر أصل النبق مخضور مكا ... ن الشوك من ثمر ذوي ألوان ... هذا وظل السدر من خير الظلا ... ل ونفعه الترويح للأبدان ... وثماره أيضا ذوات منافع ... من بعضها تفريح ذي الأحزان (2/510)
والطلح وهو الموز منضود كما ... نضدت يد بأصابع وبنان ... أو أنه شجر البوادي موقرا ... حملا مكان الشوك في الأغصان ... وكذلك الرمان والأعناب والنخل التي منها القطوف دواني ...
ذكر الناظم في هذا الفصل ان أشجار الجنة نوعان منها ماله نظير في هذه الدنيا والنوع الثاني ما لا نظير له في الدنيا وبدأ بالنوع الأول وهو الذي له مثل في هذه الدنيا وقد قال تعالى وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة الواقعة وقال تعالى ذواتا أفنان الرحمن جمع فنن وهو الغصن وقال فيها فاكهة ونخل ورمان الرحمن
قال الناظم في حادي الأرواح والمخضوض الذي قد خضد شوكه أي نزع وقطع فلا شوك فيه هذا قول ابن عباس ومجاهد ومقاتل وقتادة وأبي الأحوص وقسامة بن زهير واحتجوا بحجتين الأولى أن الخضد في اللغة القطع خضدت الشجر قطعت شوكة فهو خضيد ومخضود والثانية ما روى ابن ابي داود عن عتبة السلمي قال كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء أعرابي فقال أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكثر شوكا منها يعني الطلح فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله قد جعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصوة التيس الملبود فيها سبعون لونا من الطعام لا يشبه لونا آخر الملبود الذي قد اجتمع شعره بعضه إلى بعض وروى ابن المبارك عن سليم بن عامر قال أقبل أعرابي يوما فقال ذكر الله في الجنة شجرة مؤذية وما كنت أرى في الجنة (2/511)
شجرة تؤذي صاحبها قال وما هي قال السدر فإن له شوكا مؤذيا قال أليس يقول عز و جل في سدر مخضود الواقعة خضد الله شوكة فجعل مكان كل شوكة ثمرة وقالت طائفة هو الموقر حملا ولم يصب الذي أنكروا هذا القول وهو صحيح وأربابه ذهبوا إلى أن الله لما خضد شوكه فأذهبه وجعل مكان كل شوكة ثمرة أوقره بالحمل الحديثان المذكوران يجمعان القولين ومن قال المخضود ما لا يعقر لا يرد اليد منه شوك ولا أذى فقد فسره بلازم المعنى وهكذا غالب المفسرين يذكرون لازم المعنى المقصود تارة وفردا من أفراده تارة ومثالا من أمثلته فيحكيها الجماعون للغث والسمين أقوالا مختلفة ولا اختلاف بينها وأما الطلح فأكثر المفسرين أنسه شجر الموز وهذا قول علي وابن عباس وابي هريرة وأبي سعيد الخدري وقالت طائفة بل هو شجر عظام طوال من البوادي الكثير الشوك وله نور ورائحة طيبة وظل ظليل قال ابن قتيبة هو الذي نضد بالحمل أو بالورق فليس له ساق بارز وقال مسروق ورق الجنة نضد من أسفلها إلى أعلاها وأنهارها تجري من غير أخدود وقال الليث الطلح شجر أم غيلان من أعظم العضاة شوكا وأصلبه عودا وأجوده صمعنا قال أبو اسحاق له نور طيب الرائحة وليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسامي والظاهر أن التفسير بالموز تمثيل به لحسن نضده والا فالطلح في اللغة هو الشجر العظام من البوادي والله أعلم ... هذا ونوع ماله في هذه الدنيا نظير كي يرى بعيان ... يكفي من التعداد قول إلهنا ... من كل فاكهة بها زوجان ... وأتو به متشابها في اللون مختلف الطعوم فذاك ذو ألوان (2/512)
أو أنه متشابها في الاسم مختلف الطعوم فذاك قول ثاني ...
قال الله تعالى وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات ان لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها البقرة قال الناظم قال مجاهد ما أشبههه به وقال ابن زيد يعرفونه وقال آخرون قيل هذا لشدة مشابهة بعضه بعضا في اللون والطعم وهو أعظم من المشابهة التي بينها وبين ثمار الدنيا ولشدة المشابهة قالوا هذا هو قال أبو عبيدة كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى قال الحسن وقتادة وابن جريج وجماعة خيار كله لارذل فيه وعلى هذا فالمراد بالمشابهة التوافق والتماثل وقال ابن مسعود وابن عباس وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم متشابها في اللون والمرئي وليس يشبه الطعم الطعم وقال مجاهد متشابها لونه مختلفا طعمه وكذلك قال الربيع ابن أنس وقال يحيى ابن أبي كثير عشب الجنة الزعفران وكثبانها المسك ويطوف عليهم الولدان بالفاكهة فيأكلونها ثم يأتون بمثلها فيقولون هذا الذي جئتمونا به آنفا فيقول لهم الخدم كلو فإن اللون واحد والطعم مختلف وقال عبد الرحمن بن زيد يعرفون اسماءه كما كانوا في الدنيا التفاح بالتفاح والرمان بالرمان وليس هو مثله في الطعم واختاره ابن جرير ... أو أنه وسط خيار كله فالفحل منه ليس ذا ثنيان ... أو أنه لثمارنا ذي مشبه ... في اسم ولون ليس يختلفان ... لكن لبهجتها ولذة طعمها ... أمر سوى هذا الذي تجدان (2/513)
فيلذها في الأكل عند منالها ... وتلذها من قبله العينان ... قال ابن عباس وما بالجنة العليا سوى اسماء ما تريان ... يعني الحقائق لا تماثل هذه ... وكلاهما في الاسم متحدان ... يا طيب هاتيك الثمار وغرسها ... في المسك ذاك الترب للبستان ... وكذلك الماء الذي يسقى به ... يا طيب ذاك الورد للظمآن ...
تقدم شرح ما تضمنته هذه الأبيات ... وإذا تناولت الثمار أتت نظيرتها فحلت دونها بمكان ... لم تنقطع أبدا ولم ترقب نزو ... ل الشمس من حمل إلى ميزان ... وكذاك لم تمنع ولم تحتج إلى ... أن ترتقي للقنو في العيدان ...
قال الله تعالى وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة الواقعة روى الطبراني عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى
قوله لم تنقطع أبدا الخ قال الله تعالى لا مقطوعة ولا ممنوعة أي لا تكون في وقت دون وقت ولا يمنع من ارادها ... بل ذللت تلك القطوف فكيفما ... شئت انتزعت بأسهل الامكان ...
قال الله تعالى قطوفها دانية الحاقة القطوف جمع قطف وهو ما يقطف أي ثمارها دانية قريبة ممن يتناولها فيأخذها كيف شاء قال البراء بن عازب يتناول الثمرة وهو نائم وقال تعالى ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا الدهر قال ابن عباس إذا هم أن يتناولها تدلت اليه حتى يتناول ما يريد وقال غيره قربت اليهم مذللة كيف شاؤوا فهم (2/514)
يتناولونها قياما وقعودا ومضجعين فيكون كقوله قطوفها دانية الحاقة ومعنى تذليل القطف تسهيل تناوله وفي نصب دانية وجهان احدهما أنه على الحال عطفا على قوله متكئين والثاني أنه صفة الجنة ... وكذاك لم تمنع ولم يحتج إلى ... أن يرتقي للقنو في العيدان ...
القنو واحد الأقناء والعيدان جمع عيدانه وهي النخل الطوال ... بل ذللت تلك القطوف فكيفما ... شئت انتزعت بأسهل الامكان ... ولقد أتى خبر بأن الساق من ... ذهب رواه الترمذي ببيان ...
روى الترمذي وحسنه عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب ... قال ابن عباس وهاتيك الجذو ... ع زمرد من احسن الألوان ... ومقطعاتهم من الكرم الذي ... فيها ومن سعة من العقيان ... وثمارها ما فيه عن عجم كأمثال القلال فجل ذو الاحسان ...
روى ابن المبارك عن ابن عباس قال نخل الجنة جذوعها من زمرد اخضر وكربها ذهب أحمر وسعفها كسوة لأهل الجنة فيها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال والدلاء أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس له عجم ... وظلالها ممدودة ليست تقي ... حرا ولا شمسا وأنى ذان ... أو ما سمعت بظل أصل واحد ... فيه يسير الراكب العجلان ... مائة سنين قدرت لا تنقضي ... هذا العظيم الأصل والأفنان (2/515)
ولقد روى الخدري أيضا أن طو ... بى قدرها مائة بلا نقصان ... تنفتح الأكمام فيها عن لبا ... سهم بما شاؤوا من الألوان ...
في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها واقرؤو ان شئتم وظل ممدود الواقعة وروى احمد عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين أو مائة سنة هي شجرة الخلد وروى ابن أبي الدنيا عن ابن عباس قال الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام في كل نواحيها فيخرج اليها اهل الغرف وغيرهم فيتحدثون في ظلها قال فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا فيرسل الله ريحا من الجنة فيحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا وروى ابن وهب عن ابي سعيد الخدري قال قال رجل يا رسول الله ما طوبى قال شجرة في الجنة مسير مائة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها وقد رواه حرملة عنه بزيادة في أوله أن رجلا قال طوبى لمن آمن بي ولم يرني وروى ابو يعلى عن سلمى بنت ابي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم وذكر سدرة المنتهى فقال يسير في ظل الفنن منها الراكب مائة سنة أو قال يستظل في الفنن منها مائة راكب فيها فراش من الذهب كأن ثمارها القلال رواه الترمذي وقال شك يحيى وهو حديث حسن غريب (2/516)
فصل
في سماع أهل الجنة ... قال ابن عباس ويرسل ربنا ... ريحا تهز ذوائب الأغصان ... فتثير أصواتا تلذ لمسمع ال ... انسان كالنغمات بالأوزان ...
... يا لذة الاسماع لأتتعوضي ... بلذاذة الأوتار والعيدان ... أو ما سمعت سماعهم فيها غنا ... ء الحور بالاصوات والألحان ... واها لذياك السماع فانه ... ملئت به الأذنان بالاحسان ... واها لذياك السماع وطيبه ... من مثل أقمار على أغصان ... واها لذياك السماع فكم به ... للقلب من طرب ومن أشجان ... واها لذياك السماع ولم اقل ... ذياك تصغيرا له بلسان ...
... ما ظن سامعه بصوت اطيب الأصوات من حور الجنان حسان ... نحن النواعم والخوالد خيرا ... ت كاملات الحسن والاحسان ... لسنا نموت ولا نخاف ومالنا ... سخط ولا ضغن من الأضغان ... طوبى لمن كنا له وكذاك طو ... بى للذي هو حظنا لفظان ... في ذاك آثار روين وذكرها ... في الترمذي ومعجم الطبراني (2/517)
ورواه يحيى شيخ الاوزاعي تفسيرا للفظة يجبرون أغان ...
قوله واها قد تقدم تفسير ذلك
قال الله تعالى ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون الروم قال يحيى بن ابي كثير الحبرة اللذة والسماع ولا يخالف هذا قول ابن عباس يكرمون وقول مجاهد وقتادة ينعمون فلذة الاذن بالسماع من الحبرة والنعم وروى الترمذي واستغربه عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن في الجنة لمجتمعا للحور العين يرفعن أصواتهم لم تسمع الخلائق بمثلها يقلن نحن الخالدت فلا نبيد ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط طوبى لمن كان لنا وكنا له وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن في الجنة نهرا طول الجنة حافتاه العذارى قيام متقابلات يغنين باصوات حتى يسمعها الخلائق ما يرون في الجنة لذة مثلها قلنا يا ابا هريرة وما ذلك الغناء قال إن شاء الله التسبيح والتقديس والتحميد وثناء على الرب عز و جل هكذا رواه موقوفا جعفر الفرياني وروى ابو نعيم عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن في الجنة شجرة جذوعها من ذهب وفروعها من زبرجد ولؤلؤ فتهب لها الريح فتصفق فما سمع السامعون بصوت شيء قط ألذ منه وروى جعفر الفرياني عن خالد بن معدان عن ابي امامة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما من عبد يدخل إلا ويجلس عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور العين تغنيانه بأحسن صوت سمعه الانس والجن وليس بمزامير الشيطان وروى الطبراني عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن ازواج اهل الجنة ليغنين ازواجهن بأحسن أصوات سمعها احد قط إن مما (2/518)
يغنين به نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام ينظرون بقرة أعيان وإن مما يغنين به نحن الخالدات فلا تمتنه نحن الآمنات فلا تخفنه نحن المقيمات فلا تظعنه تفرد به ابن أبي مريم وروى ابن وهب أنه قال رجل من قريش لابن شهاب هل في الجنة سماع فانه حبب الي السماع فقال إي والذي نفس ابن شهاب بيده ان في الجنة شجرا حمله اللؤلؤ والزبرجد تحه حور ناهدات يغنين بألوان يقلن نحن الناعمات فلا نبأس ونحن الخالدات فلا نموت فإذا سمع ذلك الشجر صفق بعضه بعضا فاجبن الجواري فلا ندري أصوات الجواري احسن ام اصوات الشجر ولهم سماع أعلى من هذا وروى ابن ابي الدنيا عن الاوزاعي قال بلغني أنه ليس من خلق الله أحسن صوتا من اسرافيل فيأمره الله تعالى فيأخذ في السماع فما يبقى ملك إلا وقطع عليه صلاته فيمكث بذلك ما شاء الله ان يمكث فيقول الله عز و جل وعزتي لو يعلم العباد قدر عظمتي ما عبدوا غيري وعن محمد ابن المنكدر قال إذا كان يوم القيامة نادى مناد اين الذين كانوا ينزهون أسماعهم وأنفسهم عن مجالس اللهو ومزامير الشيطان أسكنوهم رياض المسك ثم يقول للملائكة اسمعوهم تمجيدي وتحميدي وروى ابن ابي الدنيا عن مالك بن دينار في قوله تعالى وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ص قال إذا كان يوم القيامة أمر بمنبر رفيع فيوضع في الجنة نودي يا داود مجدني بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني به في دار الدنيا قال فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنة وروى حماد ابن سلمة عن شهر بن حوشب أن الله جل ثناؤه يقول لملائكته إن عبادي كانوا يحبون الصوت الحسن في الدنيا فيدعونه من اجلي فأسمعوا عبادي (2/519)
فيأخذون بأصوات من تسبيح وتكبير لم يسمعوا بمثله قط وعن ابن عباس قال في الجنة شجرة على ساق قدر ما يسير الراكب في ظلها مائة عام فيتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم فيذكر لهو الدنيا فيرسل الله ريحا من الجنة فيحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا ولهم سماع أعلى من هذا يضحمل دونه كل سماع وذلك حين يسمعون كلام الرب جل جلاله وسلامه عليهم وخطابه ومحاضرته لهم ويقرأ عليهم كلامه فإذا سمعوه منه كأنهم لم يسمعوه قبل ذلك روى أبو الشيخ عن عبد الله بن بريدة قال إن أهل الجنة يدخلون كل يوم مرتين على الجبار جل جلاله فيقرأ عليهم القرآن وقد جلس كل امريء منهم مجلسه الذي هو مجلسه على منابر الدر والياقوت والزبرجد والذهب والزمرد فلم تقر أعينهم بشيء ولم يسمعوا شيئا قط أعظم وأحسن منه ثم ينصرفون إلى رحالهم ناعمين قريرة أعينهم إلى مثلها من الغد ... نزه سماعك ان اردت سماع ذياك الغنا عن هذه الألحان ... لا تؤثر الأدنى على الأعلى فتحرم ذا وذا ياذلة الحرمان ... إن اختيارك للسماع النازل الأدنى على الأعلى من النقصان ...
... والله إن سماعهم في القلب والإيمان مثل السم في الأبدان ... والله ما انفك الذي هو دأبه ... أبدا من الإشراك بالرحمن ... فالقلب بيت الرب جل جلاله ... حبا وإخلاصا مع الاحسان ... فاذا تعلق بالسماع أصاره ... عبدا لكل فلانة وفلان (2/520)
حب الكتاب وحب الحان الغنا ... في قلب عبد ليس يجتمعان ... ثقل الكتاب عليهم لما رأوا ... تقييده بشرائع الايمان ... واللهو خف عليهم لما رأوا ... ما فيه من طرب ومن ألحان ... قوت النفوس وأنما القرآن قو ... ت القلب أنى يستوي القوتان ... ولذا تراه حظ ذي النقصان كالجهال والنسوان والصبيان ... وألذهم فيه أقلهم من العقل الصحيح فسل أخا العرفان ... يا لذة الفساق لست كلذة الأبرار في عقل ولا قرآن ...
شرع الناظم رحمه الله تعالى في التحذير من سماع الأغاني والألحان وللعلماء رحمهم الله تعالى في هذه المسألة مصنفات مفردة كالامام أبي بكر الطرطوشي والقاضي أبي الطيب الطبري وللحافظ ابن رجب نزهة الأسماع في مسألة السماع وغيرهم وهو من مكائد الشيطان التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين وصاد بها قلوب المبطلين والجاهلين سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات المحرمة هو الذي يصد القلوب عن القرآن ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان فهو قرآن الشيطان والحجاب الكثيف عن الرحمن وهو رقية اللواط والزنا وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقة غاية المنى كادبة الشيطان النفوس المبطلة وحسنه لها مكرا منه وغرورا وأوحى اليها الشبه الباطلة على حسنه فقبلت النفوس وحيه واتخذت لأجله القرآن مهجورا فلو رأيتهم عند ذاك السماع وقد خشعت منهم الأصوات وهدأت منهم الحركات وعكفت قلوبهم بكليتها عليه وانصبابها انصبابة (2/521)
واحدة اليه فتمايلوا له كتمايل النشوان وتكسروا في حركاتهم ورقصهم ولا تحرك المخانيث والنسوان ويحق لهم ذلك وقد خالط خمارة النفوس ففعل فيها أعظم مما يفعله حميا الكؤوس فلغير الله بل للشيطان قلوب هناك تمزق وأثواب تشقق وأموال في غير طاعة الله تنفق حتى إذا عمل السكر في عمله وبلغ الشيطان منهم أمنيته وأمله واستفزهم بصوته وحيله وأجلب عليهم بخيله ورجله وخز في صدورهم وخزا وأزهم إلى ضرب الأرض بالأقدام أزا فطورا يجعلهم كالحمير حول المدار وتارة كالذباب يترقص وسط الديار فيا رحمتا للسقوف والأرض من دك تلك الأقدام واسوأتا من أشباه الحمير والأنعام وشماته أعداء الاسلام بالذين يزعمون أنهم خواص الاسلام قال الامام ابو بكر الطرطوشي في خطبة كتابه في تحريم السماع الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين ونسأل الله ان يرينا الحق حقا فنتبعه والباطل باطلا فنجتنبه وقد كان الناس فيما مضى يتستر أحدهم بالمعصية اذا واقعها ثم يستغفر الله ويتوب اليه منها ثم كثر الجهل وقل العلم ونناقص الأمر حتى صار أحدهم يأتي بالمعصية جهارا ثم ازداد الأمر إدبارا حتى بلغنا ان طائفة من اخواننا المسلمين وفقنا الله واياهم استزلهم الشيطان واستغوى عقولهم في حب الأغاني واللهو وسماع الطقطقة والتغبير واعتقدته من الدين الذي يقربهم إلى الله وجاهرت به جماعة المسلمين وشاقت سبيل المؤمنين وخالفت الفقهاء والعلماء وحملة الدين ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا النساء فرأيت أن أوضح الحق وأكشف من شبه اهل الباطل بالحجج التي تضمنها كتاب الله وسنة رسوله وأبدأ بذكر اقاويل العلماء الذين تدور (2/522)
الفتيا عليهم في أقاصي الأرض وأدانيها حتى تعلم هذه الطائفة أنها قد خالفت علماء المسلمين في بدعتها والله ولي التوفيق ثم قال أما مالك فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه قال واذا اشترى جارية فوجدها مغنية فله ان يردها بالعيب وسئل مالك عما ترخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال إنما يفعله عندنا الفساق قال وأما أبو حنيفة فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب وكذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحماد وابراهيم والشعبي وغيرهم لا اختلاف بينهم في ذلك ولا نعلم خلافا أيضا بين أهل البصرة في المنع منه قال الناظم رحمه الله تعالى مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب وقوله فيه أغلظ الأقوال وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف حتى والضرب بالقضيب وصرحوا بأنه معصية يوجب الفسق وترد به الشهادة وأبلغ من ذلك قالوا إن السماع فسق والتلذذ به كفر هذا لفظهم ورووا في ذلك حديثا لا يصح رفعه قالوا ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره وأما الشافعي فقال في كتاب أدب القضاء إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل والمحال ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه وأنكروا على من نسب اليه حله كالقاضي أبي الطيب الطبري والشيخ أبي اسحاق وابن الصباغ قال الشيخ ابو اسحاق في التنبيه ولا يصح يعني الاجارة على منفعة محرمة كالغناء والزمر وحمل الخمر ولم يذكر فيه خلافا وقال في المهذب ولا يجوز على المنافع المحرمة لأنه محرم فلا يجوز أخذ العوض عنه كالميته والدم فقد تضمن كلامه أمورا أحدها أن منفعة الغناء بمجرده منفعة محرمة الثاني أن الاستئجار عليها باطل (2/523)
الثالث أن أكل المال به أكل مال باطل بمنزلة أكله عوضا عن الميتة والدم الرابع أنه لا يجوز للرجل بذل ماله للمغني ويحرم عليه ذلك فانه بذل ماله في مقابلة محرم وأن بذله في ذلك كبذله في مقابلة الدم والميتة الخامس أن الزمر حرام فان كل الزمر الذي هو أخف آلات اللهو حراما فكيف بما هو اشد منه كالعود والطنبور واليراع ولا ينبغي لمن شم رائحة العلم أن يتوقف في تحريم ذلك فأقل ما فيه أنه من شعار الفساق وشاربي الخمر وقد تواتر عن الشافعي رحمه الله أنه قال خلفت ببغداد شيئا أحدثه الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن فإذا كان هذا قوله في التغبير وتعليله أنه يصد عن القرآن وهو شعر مزهد في الدنيا يغني به مغن فيضرب بعض الحاضرين بقضيب نطع أو مخدة على توقيع غناه فليت شعري ما يقول في سماع التغبير عنده كتفلة في بحر قد اشتمل على كل مفسدة وكل محرم فالله بين دينه وبين كل متعلم مفتون وعبد جاهل وأما مذهب الامام احمد فقال عبد الله ابنه سألت أبي عن الغناء فقال الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني ثم يذكر قول مالك إنما يفعله عندنا الفساق قال عبد الله وسمعت أبي يقول لو أن رجلا عمل بكل رخصة بقول أهل الكوفة في النبيذ وأهل مكة في المتعة لكان فاسقا قال أحمد وقال سليمان التيمي لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله ونص في أيتام ورثوا جارية مغنية وأرادوا بيعها قال لا تباع إلا على أنها ساذجة قالوا إذا بيعت مغنية ساوت عشرين ألفا أو نحوها واذا بيعت ساذجة لا تساوى ألفين فقال لا تباع إلا على أنها ساذجة ولو كانت (2/524)
منفعة الغناء مباحة لما فوت هذا المال على الايتام وقد احسن الناظم رحمه الله تعالى في قوله ... تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة ... لكنه إطراق ساه لاهي ... وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا ... والله ما رقصوا لأجل الله ... دف ومزمار ونغمة شادن ... فمتى شهدت عبادة بملاهي ... ثقل الكتاب عليهم لما رأوا ... تقييده بأوامر ونواهي ... سمعوا له رعدا وبرقا إذ حوى ... زجرا وتخويفا بفعل مناهي ... ورأوه أعظم قاطع للنفس عن ... شهواتها يا ويحها المتناهي ... وأتى السماع موافقا أغراضها ... فلأجل ذا غدا عظيم الجاه ... أين المساعد للهوى من قاطع ... أسبابه عند الجهول الساهي ... إن لم يكن خمر الجسوم فإنه ... خمر العقول مماثل ومضاهي ... فانظر إلى النشوان عند شرابه ... وانظر إلى النشوان عند ملاهي ... وانظر إلى تمزيق ذا أثوابه ... من بعد تمزيق الفؤاد اللاهي ... واحكم بأي الخمرتين أحق بالتحريم والتأثيم عند الله ...
وقد أكثر العلماء الكلام على هذا السماع الشيطاني المحدث ولكن آثرنا لاختصار والله أعلم (2/525)
فصل
في أنهار الجنة
... أنهارها في غير أخدود جرت ... سبحان ممسكها عن الفيضان ... من تحتهم تجري كما شاؤوا مفجرة وما للنهر من نقصان ... عسل مصفى ثم خمر ثم أنهار من الالبان ... والله ما تلك المواد كهذه ... لكن هما في اللفظ مجتمعان ... هذا وبينهما يسير تشابه ... وهو اشتراك قام بالأذهان ...
روى ابن ابي الدنيا عن انس بن مالك قال إنكم تظنون أن أنهار الجنة أخدود في الأرض لا والله إنها لسائحه على وجه الأرض إحدى حافتيها اللؤلؤ والآخر الياقوت وطينه المسك الاذفر قال معاوية بن قرة ما الأذفر قال معاوية بن قرة ما الأذفر قال الذي لا خلط له رواه ابن مروديه في تفسيره عن أنس مرفوعا هكذا وروى ابو خيثمة عن انس أنه قرأ هذه الآية إنا أعطيناك الكوثر فقال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطيت الكوثر فاذا هو نهر يجري ولم يشق شقا واذا حافتاه قباب اللؤلؤ فضربت بيدي إلى تربته فاذا مسك أذفر واذا حصباؤه اللؤلؤ وروى سفيان الثوري عن مسروق في قوله تعالى وماء مسكوب الواقعة قال أنهار تجري في غير أخدود ونخل طلعها هضيم من اصلها الى فرعها أو كلمة نحوها (2/526)
قوله من تحتهم تجري الخ قد تكرر في القرآن الكريم في عدة مواضع قوله تعالى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار طه وفي موضع تجري تحتها الأنهار التوبة وفي موضع تجري من تحتهم الأنهار الأنعام وهذا يدل على أمور أحدها وجود الأنهار فيها حقيقة والثاني أنها جارية لا واقفة والثالث أنها تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم كما هو المعهود في أنهار الدنيا وقد ظن المفسرين أن معنى ذلك جريانها بأمرهم وتصريفهم لها كيف شاؤوا وهؤلاء أتو من ضعف الفهم فإن أنهارها وإن جرت في غير أخدود فهي تحت القصور والمنازل والغرف وتحت الأشجار وهو سبحانه لم يقل من تحت أرضها وقد أخبر عن جريان الأنهار تحت الناس في الدنيا فقال ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض مالم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم الأنعام فهذا على المعهود المتعارف وكذلك ما حكاه عن قول فرعون وهذه الأنهار تجري من تحتي الزخرف وقال تعالى فيهما عينان نضاختان الرحمن أي بالماء والفواكه قاله سعيد وقال انس بالمسك والعنبر تنضخان على دور أهل الجنة كما ينضخ المطر على دور أهل الدنيا وقال البراء اللتان تجريان أفضل من النضاختين رواها ابن ابي شيبة وقال تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم محمد فذكر سبحانه هذه الأجناس الأربعة ونفى عن كل واحد منهما الآفة التي تعرض له في الدنيا فآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه وآفة اللبن أن يتغير طعمه الى الحموضة وأن يصير قارصا (2/527)
وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي للذة شربها وآفة العسل عدم تصفيته وهذا من أيات الرب تعالى أن يجري أنهارا من أجناس لم تجر العادة في الدنيا باجرائها ويجريها في غير أخدود وينفى عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة بها كما نفى عن خمر الجنة جميع آفات خمر الدنيا من الصداع والغول واللغو ونزف المال وتصدع الرأس وهي كريهة المذاق وهي رجس من عمل الشيطان توقع العداوة والبغضاء بين الناس وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتدعو الى الزنا وربما دعت الى الوقوع على البنت وذوات المحارم وتذهب الغيرة وتورث الخزي والندامة والفضيحة وتلحق شاربها بأنقص نوع الانسان وهم المجانين وتسلبه أحسن الاسماء والصفات وتكسوه أقبح الأسماء والصفات وآفات الخمر أضعاف أضعاف ما ذكرناه وكلها منفية عن خمر الجنة
فصل
في طعام أهل الجنة
... وطعامهم ما تشتهيه نفوسهم ... ولحوم طير ناعم وسمان ... وفواكه شتى بحسب مناهم ... يا شيعة كملت لذي الأيمان ... لحم وخمر والنسا وفواكه ... والطيب مع روح ومع ريحان ... وصحافهم ذهب يطوف عليهم ... بأكف خدام من الولدان (2/528)
وانظر إلى جعل اللذاذة للعيو ... ن وشهوة للنفس في الشيطان ... للعين فيها لذة تدعو إلى ... شهواتها بالنفس والأمران ... سبب التناول وهو يوجب لذة ... أخرى سوى ما نالت العينان ...
قال تعالى إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون المرسلات وقال تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها الواقعة وقال تعالى وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون يتنازعون فيها كأسا لالغو فيها ولا تأثيم الرعد وفي صحيح مسلم من حديث جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يأكل أهل الجنة ويشربون ولا يتمخطون ولا يتغوطون ولا يبولون طعامهم ذلك جشاء كريح المسك يلهمون التسبيح والحمد وفي المسند والنسائي بسند صحيح عن زيد بن ارقم قال جاء رجل من اهل الكتاب الى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا أبا القاسم تزعم أن اهل الجنة يأكلون ويشربون قال نعم والذي نفس محمد بيده إن أحدهم ليعطي قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة قال فإن الذي يأكل ويشرب يكون له الحاجة وليس في الجنة أذى قال يكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كريح المسك فيضمر بطنه ورواه الحاكم في صحيحه بنحوه وروى الحسن بن عرفة عن ابن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخرج من يديك مشويا وروى الحاكم عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن في الجنة طيرا أمثال البخاتي فقال أبو بكر إنها لناعمة يا رسول الله قال أنعم منها من (2/529)
يأكلها وأنت ممن يأكلها وروى الحاكم عن قتادة في قوله تعالى ولحم طير مما يشتهون الواقعة نحوه بلفظة أخرى وعن ابن عمرو في قوله تعالى ويطاف عليهم بصحاف من ذهب الزخرف قال بسبعين صحفة كل صحفة فيها لون ليس في الأخرى وروى الدراوردي عن أنس بن مالك أنه قال في الكوثر ويرفعه فيه طيور أعنافها كأعناق الجزر فقال عمر إنها لناعمة فقال أكلها أنعم منها في رواية أبو بكر بدل عمر وقال تعالى يطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبنهم لؤلؤا منثورا الدهر قال أبو عبيدة والفراء مخلدون لا يهرمون ولا يتغيرون وقال آخر مخلدون مقرطون مسورون في آذانهم القرطة وفي أيديهم الأساور وهذا ابن الأعرابي قال الأولون الخلد هو البقاء قال ابن عباس لا يموتون وهذا قول مجاهد ومقاتل والكلبي وجمعت طائفة بين القولين لا يعرف لهم الكبر والهرم وفي آذانهم القرطة وشبههم باللؤلؤ لما فيه من البياض وحسن الخلقة وفي كونه منثورا فائدتان احداهما أنهم غير معطلين بل مثبوثون في خدمتهم وجوائحهم والثاني أن اللؤلؤ إذا كان منثورا لا سيما على بساط من ذهب أو حرير كان أحسن لمنظره وأبهى من كونه مجموعا في مكان وفي حديث انس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنا أول الناس إذا بعثوا وفيه يطوف على ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون المكنون المستور المصون الذي لم تبتذله الأيدي
وقول الناظم وانظر إلى جعل اللذاذة للعيون الخ أي انظر إلى اللذاذة التي تحصل بالعيون بسبب النظر إلى ألوان الذين هم كاللؤلؤ المنثور وشهوة النفس لما في الصحاف التي يطوفون بها فاجتمع لهم لذة النظر ولذة (2/530)
الشهوة لما في الصحاف وذلك يوجب لذة أخرى فتكمل لهم اللذة والله اعلم
فصل
في شرابهم
... يسقون فيها من رحيق ختمه ... بالمسك أوله كمثل الثاني ... من خمرة لذت لشاربها بلا ... غول ولا داء ولا نقصان ... والخمر في الدنيا فهذا وصفها ... تغتال عقل الشارب السكران ... وبها من الأدواء ما هي أهله ... ويخاف من عدم لذي الوجدان ... فنفى لنا الرحمن أجمعها عن الخمر التي في جنة الحيوان ...
قال تعالى يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون المطففين رحيق مختوم أي الخمر ختم بالمسك وعن ابن مسعود ختامه مسك أي خلطه وليس بخاتم ختم
قال الناظم قلت يريد والله أعلم أن آخره مسك يخالطه فهو من الخاتمة ليس من الخاتم وهو قول علقمة ومسروق قال يجدون عاقبتها طعم المسك وقال مجاهد طيبه مسك كأنه يريد ما يبقى في أسفل الاناء (2/531)
من الدردي وقال أبو الدرداء هو أي ختامه مسك شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم لو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل يده فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد ريح طيبها رواه الحاكم
قوله من خمرة لذت لشاربها الخ نفى الله سبحانه عن خمر الجنة جميع آفات خمر الدنيا من الصداع والغول واللغو والانزاف وعدم اللذة فهذه خمس آفات من آفات خمر الدنيا تغتال العقل وتكثر اللغو على شربها بل ولا يطيب شربها ذلك إلا باللغو وتنزف في نفسها وتنزف المال وتصدع الرأس وهي كريهة المذاق وقد تقدم بعض آفاتها في فصل أنهار الجنة والله أعلم ... وشرابهم من سلسبيل مزجه الكافور ذاك شراب ذي الإحسان ... هذا شراب أولي اليمين ولكن الأبرار شربهم شراب ثاني ... يدعى بتسنيم سنام شرابهم ... شرب المقرب خيرة الرحمن ... صفى المقرب سعيه فصفا له ... ذاك الشراب فتلك تصفيتان ... لكن أصحاب اليمين فأهل مز ... ج بالمباح وليس بالعصيان ... مزج الشراب لهم كما مزجوا هم الأعمال ذاك المزج بالميزان ... هذا وذو التخليط مزجى أمره ... والحكم فيه لربه الديان ...
قال تعالى إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا الدهر قال بعض السلف معهم قضبان الذهب حيثما مالوا مالت معهم قيل الباء بمعنى من أي يشرب منها (2/532)
وقيل يروى بها وهذا أصح وألطف وقيل الباء الظرفية والعين اسم للمكان وقال تعالى ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا الدهر فأخبر سبحانه عن العين التي يشرب بها المقربون صرفا ان شراب الابرار يمزج منها لأن اولئك اخلصوا الاعمال كلها لله تعالى فأخلص شرابهم وهؤلاء فمزج شرابهم ونظير هذا قوله يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون المطففين فأخبر سبحانه عن مزاج شرابهم بشيئين بالكافور وبالزنجبيل فما في الكافور من البرد وطيب الرائحة ما يحدث لهم باجتماع الشرايين ومجيء أحدهما على الآخر حالة أخرى أكمل وأطيب وألذ من كل منهما بانفراده وتعدل كيفية كل منهما بكيفية الآخر وما ألطف ذكر الكافور في أول السورة والزنجبيل في آخرها فان شرابهم مزج أولا بالكافور والزنجبيل بعده فيعدله والظاهر أن الكأس الثانية غير الأولى وأنها نوعان لذيذان من الشراب أحدهما مزج بالكافور والثاني بالزنجبيل وأيضا فانه سبحانه أخبر عن مزج شرابهم بالكافور وبرده في مقابلة ما وصفهم به من حرارة الخوف والايثار والصبر والوفاء بجميع الواجبات التي نبه على وفائهم بأضعافها وهو ما أوجبوه على أنفسهم بالنذر على الوفاء بجميع الواجبات التي نبه على وفائهم بأضعافها وهو ما أوجبوه على أنفسهم بالنذر على الوفاء باعلاها وهو ما أوجبه الله عليهم ولهذا قال وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا الدهر فان في الصبر الخشونة وحبس النفس عن شهواتها ما اقتضى ان يكون في إجزائهم من سعة الجنة ونعومة الحرير ما يقابل ذلك الحبس والخشونة وجمع لهم بين النضرة والسرور وهذا جمال بواطنهم كما جملوا في الدنيا (2/533)
ظواهرهم بشرائع الاسلام وبواطنهم بحقائق الايمان أفاده الناظم رحمه الله تعالى
فصل
في مصرف طعامهم وشرابهم وهضمه ... هذا وتصريف المآكل كل منهم ... عرق يفيص لهم من الابدان ... كروائح المسك الذي ما فيه خل ... ط غيره من سائر الألوان ... فتعود هاتيك البطون ضوامرا ... تبغي الطعام على مدى الازمان ... لا غائط فيها ولا بول ولا ... مخط ولا بصق من الانسان ... ولهم جشاء ريحه مسك يكو ... ن به تمام الهضم بالاحسان ... هذا وهذا صح عنه فواحد ... في مسلم ولأحمد الأثران ...
قوله هذا صح عنه فواحد في مسلم الخ تقدم الحديث الذي رواه مسلم في ذلك من حديث جابر وتقدم الحديث الذي رواه الامام أحمد والنسائي من حديث زيد بن أرقم قال جاء رجل من اهل الكتاب الى النبي صلى الله عليه و سلم الحديث قوله هذا وهذا أصح عنه الخ أي أن تصريف مآكل أهل الجنة قد بينه النبي صلى الله عليه و سلم ففي حديث جابر أن ذلك جشاء ورشح كرشح المسك وفي حديث زيد بن أرقم أن ذلك يكون رشحا يفيض من جلودهم كرشح المسك قوله ولأحمد الأثران أي أن حديث (2/534)
جابر وحديث زيد بن أرقم قد رواهما الامام أحمد وأما مسلم فلم يرو الا حديث جابر ومع ذلك فهما صحيحان والله أعلم
فصل
في لباس أهل الجنة ... وهم الملوك على الأسرة فوق ها ... تيك الرؤوس مرصع التيجان ... ولباسهم من سندس خضور ومن ... إستبرق نوعان معروفان ... ما ذاك من دود بني من فوقه ... تلك البيوت وعاد ذو طيران ... كلا ولا نسجت على المنوال نس ... ج ثيابنا بالقطن والكتان ... لكنها حلل تشق ثمارها ... عنها رأيت شقائق النعمان ... بيض وخضر ثم صفر ثم حم ... ر كالرباط بأحسن الالوان ... لا تقرب الدنس المقرب للبلى ... ما للبلى فيهن من سلطان ... ونصيف إحداهن وهو خمارها ... ليست له الدنيا من الاثمان ... سبعون من حلل عليها لا تعو ... ق الطرف عن مخ ورا الساقان ... لكن يراه من ورا ذا كله ... مثل الشراب لدى زجاج أوان ...
قال الله تعالى إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين الدخان وقال ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات انا (2/535)
لا نضيع أجر من أحسن عملا اولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الانهار يحلون فيها من اساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك الكهف قال جماعة من المفسرين السندس من مارق الديباج والاستبرق ما غلظ منه وقال آخرون المراد به الصفيق وقال الزجاج هما نوعان من الحرير وأحسن الألوان الأخضر والبني لملابس الحرير فجمع لهم بين حسن منظر اللباس والتذاذ العين به وبين نعومته والتذاذ الجسم به وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من يدخل الجنة ينعم فلا يبأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال الناظم في حادي الارواح والظاهر أن الثياب المعينة لا يلحقها البلى ويحتمل أن المراد الجنس بل لا تزال عليه الثياب الجدد كما أنها لا ينقطع أكلها في جنسه بل كل مأكول يخلفه مأكول آخر والله أعلم وروى أحمد عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قيد سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها ولقاب قوس أحدكم خير من الدنيا ومثلها معها ونصيف امرأة من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها قلت وما النصيف قال الخمار وروى ابن وهب عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الرجل في الجنة ليتكىء سبعين سنة قبل أن يتحول ثم نأتيه امرأة فتضرب على منكبيه فيظهر وجهه في خدها أصفى من المرآة وان ادنى لؤلؤة عليها لتضىء ما بين المشرق والمغرب فتسلم عليه فيرد السلام ويسألها من أنت فتقول انا المزيد وانه ليكون عليها سبعون حلة ثوبا ادناها مثل النعمان من طوبى فينقدها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك وان عليها التيجان وان ادنى لؤلؤة عليها لتضىء ما بين المشرق والمغرب (2/536)
وروى أحمد عن ابن عمرو مرفوعا وفيه فقام آخر أي أعرابي فقال أخبرني عن ثياب أهل الجنة أتخلق خلقا أو تنسج نسجا فضحك بعض القوم فقال صلى الله عليه و سلم تضحكون من جاهل يسأل عالما فسكت النبي صلى الله عليه و سلم ساعة ثم قال أين السائل قال ها هو ذا يا رسول الله قال تشقق عنها ثمار الجنة ثلاث مرار وروى البيهقي عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من قرأ القرآن فقام به آناء الليل والنهار ويحل حلاله ويحرم حرامه خلطه الله بلحمه ودمه وجعله رفيق السفرة البررة واذا كان يوم القيامة كان القرآن له حجيجا فقال يا رب كل عامل يعمل في الدنيا يأخذ بعمله من الدنيا الا فلانا كان يقوم بي آناء اليل والنهار ويحل حلالي ويحرم حرامي يقول رب فأعطه فيتوجه الله تاج الملك ثم يكسوه من حلل الكرامة ثم يقول هل رضيت فيقول يا رب أرغب في أفضل من هذا فيعطيه الله الملك بيمينه والخلد بشماله ثم يقول هل رضيت فيقول نعم يا رب وروى ابن وهب عن ابي سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه و سلم تلا قوله تعالى يحلون فيها من اساور من ذهب الكهف فقال ان عليهم التيجان إن أدنى لؤلؤة فيها لتضىء ما بين المشرق والمغرب قوله المنوال قال في القاموس والنول الوادي السائل وحبل السفينة وخشبه الحائك كالمنوال والمنوال جمع أنوال انتهى كلامه (2/537)
فصل في فرشهم وما يتبعها
... والفرش من إستبرق قد بطنت ... ما ظنكم بظهارة لبطان ... مرفوعة فوق الأسرة يتكي ... هو والحبيب بخلوة وأمان ... يتحدثان على الأرائك ما ترى ... حبين في الخلوات ينتحبيان ... هذا وكم زريبة ونمارق ... ووسائد صفت بلا حسبان ...
قال الله تعالى متكئين على فرش بطائنها من إستبرق الرحمن قال تعالى وفرش مرفوعة الواقعة فوصف الفرش بكونها مبطنة بالاستبرق وهذا يدل على أمرين احدهما أن طهارتها أعلى وأحسن من بطانتها لأنها للأرض وظهائرها للجمال والزينة والمباشرة قال سفيان الثوري عن عبد الله في قوله بطائنها من إستبرق قال هذه البطائن قد خبرتم عنها فكيف بالظهائر الثاني أنها فرش عالية لها سمك وحشو بين البطانة والظهارة وقد روي في سمكها وارتفاعها آثار إن كانت محفوظة فالمراد ارتفاع محلها كما روى الترمذي عن ابي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى وفرش مرفوعة الواقعة قال ارتفاعها كما بين السماء والارض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام واستغربه الترمذي وقيل معناه ان الارتفاع المذكور للدرجات والفرش عليها وروى ابن وهب عنه عن النبي (2/538)
صلى الله عليه و سلم قال بين الفراشين كما بين السماء والأرض وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ وروى الطبراني عن كعب قال مسيرة أربعين سنة وعن ابي امامة عند الطبراني قال سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الفرش المرفوعة قال لو طرح فراش في أعلاها لوقع الى قرارها مائة خريف وفي رفع هذا الحديث نظر فقد روى ابن ابي الدنيا عنه قال لو أن أعلاها سقط ما بلغ أسفلها اربعين خريفا وأما البسط والزرابي فقد قال تعالى متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان الرحمن وقال تعالى فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة الغاشية عن سعيد بن جبير قال الرفرف رباض الجنة والعبقري عتاق الزاربي وقال الحسن هي البسط وبه قال أهل المدينة وأما النمارق فقال الواحدي هي الوسائد واحدها نمرقة بضم النون وكسرها قال مقاتل هي الوسائد مصفوفة على الطنافس وزرابي يعني البسط والطنافس واحدها زريبة في قول جميع أهل اللغة والتفسير مبثوثة مبسوطة منشورة قوله فوق الأسرة يتكي الخ الاسرة جمع سرير متكئين قال في القاموس توكأ عليه تحامل واعتمد وانما جعل له متكأ
وقوله صلى الله عليه و سلم أما أنا فلا آكل متكأ أي جالسا المنكمش المتربع ونحوه من الهيئات المستدعية لكثرة الأكل بل كان جلوسه للأكل مستوفزا مقعيا غير تربع ولا متمكن وليس المراد الميل على شق كما يظنه عوام الطلبة وذكر الاتكاء لأنه حال الصحيح الفارغ القلب المتنعم البدن بخلاف المريض المهموم
وقوله تعالى متكئين على فرش الآية الرحمن منصوب على الحال من فاعل قوله ولمن خاف مقام ربه الرحمن وانما جمع حملا على معنى من وقيل منصوب على المدح وقيل عاملها محذوف والتقدير يتنعمون متكئين أي مضطجعين أو متربعين (2/539)
فصل
في حلي اهل الجنة
... والحلي أصفى لؤلؤ وزبرجد ... وكذاك أسورة من العقيان ... ما ذاك يختص الاناث وانما ... هو للاناث كذاك للذكران ... التاركين لباسه في هذه الدنيا لأجل لباسه بجنان ... أو ما سمعت بأن حليتهم الى ... حيث انتهاء وضوئهم بوزان ... وكذا وضوء ابي هريرة كان قد ... فازت به العضدان والساقان ... وسواه أنكر ذا عليه قائلا ... ما الساق موضع حليه الانسان ... ماذاك الا موضع الكعبين وال زنديق لا الساقان والعضدان ...
قال الله تعالى ان الذين امنوا وعملوا الصالحات إن لا نضيع أجر من أحسن عملا اولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب الكهف الأية يحتمل أن يكون أساور من لؤلؤ وان تكون مركبة منهما معا والله أعلم وروى ابن ابي الدنيا عن وهب قال ان الله عز و جل منذ يوم خلق يصوغ علي أهل الجنة وعن الحسن الحلي في الجنة على الرجال أحسن منه على النساء وروى أحمد ابن منيع عن سعد ابن ابي وقاص عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لو أن رجلا من اهل الجنة (2/540)
اطلع فبدا سواره لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم وروى ابن وهب عن ابي امامة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حدثهم وذكر حلي اهل الجنة فقال مسورون بالذهب والفضة مكللون بالدر عليهم أكاليل من در وياقوت متواصلة وعليهم تاج كتاج الملوك شباب جرد مكحلون وفي الصحيحين والسياق لمسلم عن ابي حازم قال كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة وكان يمد يده حتى يبلغ إبطه فقلت يا أبا هريرة هذا الوضوء فقال يا بني فروخ أنتم هاهنا لو علمت أنكم ها هنا ما توضأت هذا الوضوء سمعت خليلي صلى الله عليه و سلم يقول تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ... وكذاك أهل الفقه مختلفون في ... هذا وفيه عندهم قولان ... والراجح الأقوى انتهاء وضوئنا ... للمرفقين كذلك الكعبان ... هذا الذي قد حدد الرحمن في القرآن لا تعدل عن القرآن ...
... واحفظ حدود الرب لا تتعدها ... وكذاك لا تجنح الى النقصان ... وانظر الى فعل الرسول تجده قد ... أبدى المراد وجاء بالتبيان ... ومن استطاع يطيل غرته فمو ... قوف على الراوي هو الفوقاني ... فأبو هريرة قال ذا من كيسه ... فغدا يميزه اولو العرفان ... ونعيم الراوي له قد شك في ... رفع الحديث كذا روى الشيباني ... وإطالة الغرات ليس بممكن ... أبدا وذا في غاية التبيان ...
قال الناظم في حادي الارواح وقد ساق حديث أبي هريرة المتقدم وقد احتج بهذا من يرى استحباب غسل العضد وإطالته والصحيح أنه (2/541)
لا يستحب وهو قول اهل المدينة وعن احمد روايتان والحديث لا يدل على الاطالة فان الحلية انما تكون زينا في الساعد والمعصم لا في العضد والكتف وأما قوله فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي صلى الله عليه و سلم بين ذلك غير واحد من الحفاظ وفي مسند الامام احمد في هذا الحديث قال نعيم فلا أدري قوله فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل من تمام كلام النبي صلى الله عليه و سلم أو شيء قاله أبو هريرة من عنده وكان شيخنا رحمه الله يقول هذه اللفظة لا يمكن أن تكون من كلام النبي صلى الله عليه و سلم فان الغرة لا تكون في اليد لا تكون الا في الوجه وإطالتها غير ممكنة إذ تدخل في الرأس ولا يسمى ذلك غرة
فصل
في صفة عرائس الجنة وحسنهن وجمالهن ولذة وصالهن ومهورهن
... يا من يطوف الكعبة الحصن التي ... حفت بذاك الحجر والاركان ... ويظل يسعى دائما حول الصفا ... ومحسر مسعاه لا العلمان ... ويروم قربان الوصال على منى ... والخيف يحجبه عن القربان ... فلذ تراه محرما أبدا ومو ... ضع حله منه فليس بدان ... يبغي التمتع مفردا عن حبه ... متجردا يبغي شفيع قران (2/542)
فيظل بالجمرات يرمي قلبه ... هذي مناسكه وكل زمان ... والناس قد قضوا مناسكهم وقد ... حثوا ركائبهم الى الأوطان ... وخدت بهم همم لهم وعزائم ... نحو المنازل أول الأزمان ...
يعني الى الجنة التي أسكنها آدم وحواء عليهما السلام كما أشار الى ذلك الناظم في الميمية بقوله ... وحي على جنات عدن فانها ... منازلك الاولى وفيها المخيم ... ولكننا سبي العدو فهل ترى ... نعود إلى أوطاننا ونسلم ...
واشار الناظم بهذه الاستعارات ... رفعت لهم في السير أعلام الوصا ... ل فشمروا يا خيبة الكسلان ... ورأوا على بعد خياما مشرفا ... ت مشرقات النور والبرهان ... فتيمموا تلك الخيام فآنسوا ... فيهن أقمارا بلا نقصان ... من قاصرات الطرف لا تبغي سوى ... محبوبها من سائر الشبان ... وقصرت عليه طرفها من حسنه ... والطرف في ذا الوجه للنسوان ... أو أنها قصرت عليه طرفه ... من حسنها فالطرف للذكران ... والأول المعهود من وضع الخطا ... ب فلا تحد عن ظاهر القرآن ... ولربما دلت اشارته على الثاني فتلك اشارة اللمعان ...
قوله من قاصرات الطرف الخ قال الله تعالى فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان الرحمن كأنهن الياقوت والمرجان (2/543)
الرحمن وصفهن سبحانه بقصر الطرف في ثلاث مواضع أحدها هذا والثاني قوله في الصافات وعندهم قاصرات الطرف عين والثالث قوله في سورة ص وعندهم قاصرات الطرف أتراب والمفسرون كلهم على ان المعنى قصر طرفهن على أزواجهن فلا يطمحن الى غيرهم وهذا معنى قول الناظم قصر عليه طرفها من حسنه الخ وقيل قصر طرف أزواجهن عليهم فلا يدعهم حسنهن وجمالهن ان ينظروا الى غيرهن وهذا صحيح من جهة المعنى دون اللفظ قال مجاهد والله ما هن متبرجات ولا متطلعات وهذا معنى قول الناظم أو أنها قصرت عليه طرفه الخ قوله والأول المعهود من وضع الخطاب أي أن القول الأول وهو ان المعنى قصرت عليه طرفها من حسنه هو ظاهر القرآن ... هذا وليس القاصرات كمن غدت ... مقصورة فهما اذا صنفان ...
قال تعالى حور مقصورات في الخيام الرحمن أي محبوسات في الخيام قاله مقاتل وقال أبو عبيدة خدرن في الخيام وقال الفراء محبوسات على ازواجهن لا يطمحن الى من سواهم قال الناظم قلت هذا معنى قاصرات الطرف وهؤلاء مقصورات أي هن في الخيام قال الناظم ... يا مطلق الطرف المعذب في الألى ... جردن عن حسن وعن احسان ... لا تسبينك صورة من تحتها الداء الدوي تبوء بالخسران ... قحب خلائقها وقبح فعلها ... شيطانة في صورة الانسان ... تنقاد للأنذال والارذال هم ... اكفاؤها من دون ذي الاحسان (2/544)
ما ثم من دين ولا عقل ولا ... خلق ولا خوف من الرحمن ... وجمالها زور ومصنوع فإن ... تركته لم تطمح لها العينان ... طبعت على ترك الحفاظ فمالها ... بوفاء حق البعل قط يدان ... إن قصر الساعي عليها ساعة ... قالت وهل أوليت من احسان ... أورام تقويما لها استعصت ولم ... تقبل سوى التعويج والنقصان ... أفكارها في المكر والكيد الذي ... قد حار فيه فكرة الانسان ... فجمالها قشر رقيق تحته ... ما شئت من عيب ومن نقصان ... نقد ردىء فوقه من فضة ... شيء يظن به من الاثمان ... فالناقدون يرون ماذا تحته ... والناس أكثرهم من العميان ...
شرع الناظم رحمه الله تعالى في ذكر عيوب نساء الدنيا فقال لا تسبينك صورة من تحتها الخ أي إن صورتها وان حسنت فتحتها مالا يحصى من القبائح قوله تنقاد للانذال والارذال الخ قال في القاموس النذل والنذيل الخسيس من الناس المحتقر في جميع أحواله جمع انذال ونذول ونذلاء ونذال وقد نذل ككرم نذالة ونذولة قال والرذل والرذال والرذيل والارذل الدون الخسيس أو الردىء من كل شيء جمع أرذال ورذول ورذلاء ورذال وأرذلون وقد رذل ككرم وعلم رذالة ورذولة بالضم انتهى قوله هم اكفاؤها الخ أي انها لنذالتها ورذالتها تنقاد للانذال والأرذال قوله طبعت على ترك الحفاظ (2/545)
الخ أي أنها طبعت على عدم الوفاء بحق الزوج قوله إن قصر الساعي عليها ساعة الخ يدل على ذلك الحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه و سلم يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن فاني اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء فقامت امرأة جزلة فقالت ولم ذلك يا رسول الله قال انكن تكفرن العشير وتكثرن اللعن قوله أو رام تقويما لها استعصت الخ يشير الى ما في الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم استوصوا بالنساء خيرا فان المرأة خلقت من ضلع وان اعوج ما في الضلع أعلاه فان ذهبت تقيمه كسرته وان تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء متفق عليه وفي رواية في الصحيحين المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها وان استمعت بها استمتعت بها وفيها عوج وان ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها قال الناظم ... أما جميلات الوجوه فخائنا ... ت بعولهن وهن للأخذان ...
الأخدان جمع خدن قال في القاموس الخدن بالكسر وكأمير الصاحب ومن يخادنك في أمر ظاهر وباطن والاخذان الاحباب يزنون بهن في السر قال الحسن المسافحة هي ان كل من دعاها تبعته وذات خدن أي تختص بواحد لا تزني الا معه والعرب تحرم الاولى وتجوز الثانية ... والحافظات الغيب منهن ... التي قد أصبحت فردا من النسوان ... فانظر مصارع من يليك ومن خلا ... من قبل من شيب ومن شبان ... وارغب بعقلك أن تبيع العالي ال ... باقي بذا الادنى الذي هو فاني (2/546)
ان كان قد أعياك خود مثلما ... تبغي ولم تظفر الى ذا الآن ... فاخطب من الرحمن خودا ثم قدم مهرها ما دمت ذا إمكان ... ذاك النكاح عليك أيسر إن يكن ... لك نسبة للعلم والايمان ... والله لم تخرج الى الدنيا للذة عيشها او للحطام الفاني ... لكن خرجت لكي تعد الزاد لل ... أخرى فجئت بأقبح الخسران ... أهملت جمع الزاد حتى فات بل ... فات الذي ألهاك عن ذا الشان ... والله لو ان القلوب سليمة ... لتقطعت اسفا من الحرمان ... لكنها سكرى بحب حياتها الدنيا وسوف تفيق بعد زمان ...
قوله خود الخود الحسنة الخلق الشابة الناعمة قوله والحافظات للغيب أي حافظات للفروج في غيبة الازواج وقيل حافظات لسرهم وقيل حافظات للغيب بحفظ الله وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خير النساء امرأة ان نظرت اليها سرتك وان أمرتها أطاعتك واذا غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها ثم تلا الرجال قوامون على النساء النساء الأية قوله فانظر مصارع من يليك ومن خلا الخ أي انظر مصارع العشاق واقرأ ما صنفه العلماء في ذلك ك مصارع العشاق للشيخ أبي محمد جعفر السراج ترى ما جرى على عشاق الصور قوله والله لو أن القلوب سليمة الخ لو تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره فاذا كان ما بعدها مثبتا كان منفيا نحو لو جاءني أكرمته واذا (2/547)
كان منفيا كان مثبتا نحو لو لم يسيء لم أعاقبه هكذا ذكر النحاة فمعنى البيت على هذا إن القلوب ليست بسليمة لأن ما بعد لو مثبت والله أعلم - فصل ... فاسمع صفات عرائس الجنات ثم اختر لنفسك يا أخا العرفان ... حور حسان قد كملن خلائقا ... ومحاسنا من أجمل النسوان ...
قال الله تعالى وزوجناهم بحور عين الدخان الحور جمع حوراء وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين التي يحار الطرف فيها من رقة الجلد وصفاء اللون قاله مجاهد والصحيح أن الحور مأخوذ من الحور في العين وهو شدة بياضها مع قوة سوادها فهو يتضمن الأمرين وقال تعالى وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون الواقعة روى الطبراني عن أم سلمة قالت قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز و جل وحور عين قال حور بيض عين ضخام العيون شفر الحوراء بمنزلة جناح النسر قلت اخبرني عن قوله كأنهم بيض مكنون الصافات 49 قال صفاؤهن صفاء الدر في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي قلت أخبرني عن قوله فيهن خيرات حسان الرحمن قال خيرات الأخلاق حسان الوجوه قلت أخبرني عن قوله كأنهن بيض مكنون الصافات قال رقتهن كرقة الجلد الذي رأيته في داخل البيضة مما يلي القشر الحديث (2/548)
حتى يحار الطرف في الحسن الذي ... قد ألبست فالطرف كالحيران ... ويقول لما أن يشاهد حسنها ... سبحان معطي الحسن والاحسان ... والطرف يشرب من كؤوس جمالها ... فتراه مثل الشارب النشوان ... كملت خلائقها وأكمل حسنها ... كالبدر ليل الست بعد ثمان ... والشمس تجري في محاسن وجهها ... والليل تحت ذوائب الأغصان ... فتراه يعجب وهو موضع ذلك من ... ليل وشمس كيف يجتمعان ... فيقول سبحان الذي ذا صنعه ... سبحان متقن صنعة الانسان ... لا الليل يدرك شمسها فتغيب عند مجيئة حتى الصباح الثاني ... والشمس لا تأتي بطرد الليل بل ... يتصاحبان كلاهما أخوان ... وكلاهما مرآة صاحبه إذا ... ما شاء يبصر وجهه يريان ... فيرى محاسن وجهه في وجهها وترى محاسنها به بعيان ...
روى ابن وهب عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان الرجل في الجنة ليتكىء سبعين سنة قبل أن يتحول ثم تأتيه امرأة فتضرب على منكبه فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة الحديث وروى ابو يعلى الموصلي عن رجل من الأنصار عن ابي هريرة قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في طائفة من أصحابه فذكر حديث الصور وفيه والذي بعثني بالحق نبيا ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم فيدخل رجل منهم على اثنين وسبعين زوجة مما ينشىء الله وثنتين من ولد أم لهما فضل على من أنشأ الله لعبادتهما الله عز و جل (2/549)
في الدنيا يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ عليها سبعون حلة من سندس وإستبرق وانه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها من وراء ثيابها وجلدها ولحمها وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت كبده لها مرآة إلى آخر الحديث هذا قطعة من حديث الصور الذي تفرد به اسماعيل بن رافع وقد روى له الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي ضعفه بعض اهل العلم وسمعت محمد يعني البخاري يقول هو ثقة مقارب الحديث
قال الناظم قال شيخنا ابو الحجاج الحافظ هذا الحديث مجموع من عدة احاديث ساقه اسماعيل وغيره وشرحه الوليد بن مسلم في كتاب مفرد وما تضمنه معروف في الأحاديث والله أعلم ... حمر الخدود ثغورهن لآلأ ... سود العيون فواتر الأجفان ... والبرق يبدو حين يبسم ثغرها ... فيضيء سقف القصر بالجدران ... ولقد روينا أن برقا ساطعا ... يبدو فيسأل عنه من بجنان ... فيقال هذا ضوء ثغر ضاحك ... في الجنة العليا كما تريان ... لله لاثم ذلك الثغر الذي ... في لثمه إدراك كل أمان ...
روى أبو نعيم عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم سطع نور في الجنة فرفعوا رؤوسهم فاذا هو ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها
وروى ابن أبي الدنيا عن يزيد الرقاشي قال بلغني أن نورا سطع في الجنة لم يبق موضع في الجنة إلا دخل من ذلك النور فيه فقيل ما هذا (2/550)
قيل حوراء ضحكت في وجه زوجها قال صالح فشهق رجل من ناحية المجلس فلم يزل يشهق حتى مات ورواه الخطيب في تاريخه مرفوعا ولم يذكر الشهق ... ريانة الأعطاف من ماء الشبا ... ب فغصنها بالماء ذو جريان ... لما جرى ماء النعيم بغصنها ... حمل الثمار كثيرة الألوان ... فالورد والتفاح والرمان في ... غصن تعالى غارس البستان ... والقدر منها كالقضيب اللدن في ... حسن القوام كأوسط الغضبان ... في مغرس كالعاج تحسب أنه ... عالي النقا او واحد الكثبان ... لا الظهر يلحقها وليس ثديها ... بلواحق للبطن أو بدوان ... لكنهن كواعب ونواهد ... فثديهن كألطف الرمان ...
القضيب الغصن وهو واحد القضبان الكثيب التل من الرمل النقا من الرمل والنقور والنقا عظم العضد وقوله وليس ثديها هو بضم الثا وكسر الدال جمع ثدي ... والجيد ذو طول وحسن في بيا ... ض واعتدل ليس ذا نكران ... يشكو الحلي بعاده فهل مدى الأيام وسواس من الهجران ... والمعصمان فان تشأ شبههما ... بسبيكتين عليهما كفان ...
... كالزبد لينا في نعومة ملمس ... أصداف در دورت بوزان ... والصدر متسع على بطن لها ... حفت به خصران ذات ثمان ... وعليه أحسن سرة هي مجمع الخصرين قد غارت من الأعكان ... حق من العاج استدار وحوله ... حبات مسك جل ذو الاتقان (2/551)
وإذا انحدرت رأيت أمرا هائلا ... ما للصفات عليه من سلطان ... لا الحيض يغشاه ولا بول ولا ... شيء من الآفات في النسوان ... فخذان قد حفا به حرسا له ... فجنابه في غرة وصيان ...
قوله والجيد ذو طول الخ وصف الجيد وهو الرقبة بأنه ذو طول وحسن وأنه ليس بالطويل ولا بالقصير كما قال امرؤ القيس ... وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش اذا هي رضته ولا بمعطل ...
قوله والمعصمان الخ المعصمان تثنية معصم وهو موضع السوار من الزند والزند طرف الذراع الذي انحسر عنه اللحم
قوله ذات ثمان قال العلامة الميداني لما تكلم على المثل المشهور أخنث من هيت وذكر قوله لعبد الله بن أبي امية إن فتح الله عليكم الطائف فسل ان تنفل بادية بنت غيلان بن سلمة فانها متبلة هيفاء شموع نجلاء ثنا صف وجهها في القسامة وتجرأ معتدلا في الوسامة ان قامت تثنت وان قعدت تبنت وان تكلمت تغنت أعلاها قضيب وأسفلها كثيب اذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان الخ
قوله تقبل بأربع يعني بأربع عكن في بطنها وقوله وتدبر بثمان يعني أطراف هذه العكن الأربع في جنبها لكل عكنة طرفان لأن العكن تحيط بالطرفين والجنبين حتى تلحق بالمتنين من مؤخر المرأة وقال بثمان وانما هي عدد للأطراف وواحدها طرف وهو مذكر لأن هذا كقولهم هذا الثوب سبع في ثمان على نية الأشبار انتهى (2/552)
قاما بخدمته هو السلطان بينهما وحق طاعة السلطان ... وهو المطاع أميره لا ينثني ... عنه ولا هو عنده بجبان ... وجماعها فهو الشفاء لصبها ... فالصب منه ليس بالضجران ... وإذا يجامعها تعود كما أتت ... بكرا بغير دم ولا نقصان ... فهو الشهي وعضوه لا ينثني ... جاء الحديث بذا بلا نكران ...
روى الطبراني عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكار تفرد به يعلى وروى أبو نعيم عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه سئل هل يمس أهل الجنة أزواجهم قال نعم بذكر لا يمل وفرج لا يخفى وشهورة لا تنقطع ... ولقد روينا أن شغلهم الذي ... قد جاء في يس دون بيان ... شغل العروس بعرسه من بعد ما ... عبثت به الأشواق طول زمان ... بالله لا تسأله عن أشغاله ... تلك الليالي شأنه ذو شان ...
قال عكرمة في قوله تعالى أن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون يسن أي افتضاض الأبكار وراه سعيد بن منصور وروى عبد الله ابن أحمد عن ابن مسعود في الآية المذكورة قال شغلهم افتضاض العذارى وروى الحاكم عن الأوزاعي في الآية المذكورة قال شغلهم افتضاض الأبكار ومثله قال ابن عباس فيها رواه ابن ابي الدنيا ... واضرب لهم مثلا بصب غاب عن ... محبوبه في شاسع البلدان (2/553)
والشوق يزعجه اليه وماله ... بلقائه سبب من الامكان ... وافى اليه بعد طول مغيبه ... عنه وصار الوصل ذا إمكان ... أتلومه أن صار ذا شغل به ... لا والذي أعطى بلا حسبان ... يا رب غفرا قد طغت أقلامنا ... يا رب معذرة من الطغيان ...
قوله غفرا هو بفتح الغين مصدر منصوب أي اغفر غفرا والغفر التغطية يقال غفر الله ذنبك أي ستره ومعنى قول رب اغفر لي استر علي ذنبي وقني عقوبته في الآخرة
قال الناظم رحمه الله تعالى
فصل
... أقدامها من فضة قد ركبت ... من فوقها ساقان ملتفان ... الساق مثل العاج ملموم يرى ... مخ العظام وراءه بعيان ... والريح مسك والجسوم نواعم ... واللون كالياقوت والمرجان ... وكلامها يسبي العقول بنغمة ... زادت على الأوتار والعيدان ... وهي العروب بشكلها وبدلها ... وتحبب للزوج كل أوان ... وهي التي عند الجماع تزيد في ... حركاتها للعين والأذنان (2/554)
لطفا وحسن تبعل وتغنج ... وتحبب تفسير ذي العرفان ... تلك الحلاوة والملاحة أوجبا ... اطلاق هذا اللفظ وضع لسان ... فملاحة التصوير قبل غناجها ... هي أول وهي المحل الثاني ... فإذا هما اجتمعا لصب وامق ... بلغت به اللذات كل مكان ...
قوله وهي العروب الخ قال الله تعالى إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا الواقعة الآية عربا جمع عروب وهن المتحببات إلى أزواجهن وزاد ابن الأعرابي المطيعات لأزواجهن وقال أبو عبيد الحسنة التبعل يريد حسن مواقعتها وملاطفتها عند الجماع وقال المبرد هي العاشقة لزوجها وذكر المفسرون في تفسير العرب انهن العواتق المتحببات الغنجات الشكلات الغلمات المغنوجات كل ذلك من ألفاظهم قال البخاري في صحيحه عربا متصلة واحدها عروب تسميها أهل مكة العربة وأهل المدينة الغنجة وأهل العراق الشكلة فجمع سبحانه بين حسن صورتها وحسن عشرتها وهذا غاية ما يطلب من النساء وبه تكمل لذة الرجل بهن فان لذته بالمرأة التي لم يطأها سواه لها فضل على لذته بغيرها وكذلك هي قوله تبعل قال في القاموس تبعلت أطاعت بعلها أو تزينت له
قوله تغنج قال في القاموس الغنج بالضم وبضمتين وكغراب الشكل غنجت الجارية كسمع وتغنجت وهي مغناج وغنجة وهذا شرح ما ذكر الناظم في هذه الابيات والله اعلم (2/555)
فصل
... أتراب سن واحد متماثل ... سن الشباب لأجمل الشبان ... بكر فلم يأخذ بكارتها سوى المحبوب من انس ولا من جان ... حصن عليه حارس من اعظم الحراس بأسا شأنه ذو شان ... فإذا احس بداخل للحصن ولى هاربا فتراه ذا إمعان ... ويعود وهنا حين رب الحصن يخرج منه فهو كذا مدى الأزمان ... وكذا رواه أبو هريرة إنها ... تنصاع بكرا للجماع الثاني ...
... لكن دراجا أبا السمح الذي فيه ... يضعفه أولو الاتقان ... هذا وبعضهم يصح عنه في التفسير كالمولود من حبان ... فحديثه دون الصحيح وإنه ... فوق الضعيف وليس ذا إتقان ... يعطى المجامع قوة المائة التي اجتمعت لأقوى واحد الانسان ... لا أن قوته تضاعف هكذا إذ قد يكون أضعف الأركان ... ويكون أقوى منه ذا نقص من الإيمان والأعمال والاحسان ...
قوله أتراب الاتراب جمع ترب وهو لدة الانسان قوله سن الشباب وهو ثلاث وثلاثون سنة كما تقدم (2/556)
قوله بكرا الخ قال الله تعالى لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان الرحمن أي لم يمسهن قاله أبو عبيدة وقال الفراء الطمث الافتضاض وهو النكاح بالتدمية والطمث هو الدم والطامث هي الحائض قال المفسرون لم يطأهن ولم يغشهن ولم يجامعهن هذه ألفاظهم وقال بعضهم هن اللواتي أنشئن في الجنة من حورها قاله مقاتل وبعضهم يقول يعني نساء الدنيا أنشئن خلقا آخر أبكارا قاله الشعبي وزاد لم يمسسن منذ أنشئن خلقا قال ابن عباس هن الآدميات اللاتي متن أبكارا
قال الناظم قلت ظاهر القرآن أن هؤلاء النسوة ليس من نساء الدنيا وإنما هن من الحور العين وأما نساء الدنيا فقد طمثهن الانس ونساء الجن قد طمثهن الجن الآية تدل على ذلك كما قال أبو اسحاق ويدل عليه التي بعدها حور مقصورات في الخيام الرحمن قال الامام احمد والحور العين لا يمتن عند النفخة في الصور لأنهن خلقن للبقاء وفي الآية دليل لما ذهب اليه الجمهور ان مؤمني الجن في الجنة كما أن كافرهم في النار وبوب عليه البخاري في صحيحه فقال باب ثواب الجن وعقابهم ونص عليه غير واحد من السلف
قوله وكذا رواه أبو هريرة الخ هو ما روى ابن وهب عن ابي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال يا رسول الله أنطأ في الجنة قال نعم والذي نفسي بيده دحما دحما فاذا قام رجعت مطهرة بكرا وذكر الناظم أن في اسناده دراجا أبا السمح وهو ضعيف قال أحمد عامة أحاديثه مناكير وقال النسائي منكر الحديث وقال أبو حاتم والدارقطني ضعيف ومتروك وقال النسائي أيضا ليس بالقوي وساق (2/557)
له ابن عدي أحاديث وقال عامتها لا يتابع عليها ووثقه يحيى وأخرج عنه ابن حبان في صحيحه وقال ابن المديني ثقة
قوله وبعضهم يصح عنه في التفسير الخ المراد أبو حاتم ابن حبان وذكرالناظم في النظم أن حديثه دون الصحيح وفوق الضعيف والله أعلم
قوله يعطي المجامع الخ روى ابو نعيم عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للمؤمن في الجنة ثلاث وسبعون زوجة فقلنا يا رسول الله أوله قوة على ذلك قال انه ليعطي قوة مائة رجل في اسناده أحمد بن حفص السعدي له مناكير ... ولقد روينا أنه يغشى بيو ... م واحد مائة من النسوان ... ورجاله شرط الصحيح رووا لهم فيه وذا في معجم الطبراني ... هذا دليل أن قدر نسائهم ... متفاوت بتفاوت الايمان ... وبه يزول توهم الاشكال عن ... تلك النصوص بمنة الرحمن ... وبقوة المائة التي حصلت له ... أفضى إلى مائة بلا خوران ... وأعفهم في هذه الدنيا هو الأقوى هناك لزهده في الفاني ... فاجمع قواك لما هناك وغمض العينين واصبر ساعة لزمان ... ما هاهنا والله ما يسوى قلا ... مة ظفر واحدة ترى بجنان ... ماهاهنا الا النقار وسيء الأخلاق مع عيب ومع نقصان ... هم وغم دائم لا ينتهي ... حتى الطلاق وبالفراق الثاني (2/558)
والله قد جعل النساء عوانيا ... شرعا فأضحى البعل وهو العاني ... لاتؤثر الأدنى على الأعلى فان ... تفعل رجعت بذلة وهوان ...
روى الطبراني عن أبي هريرة قال قيل يا رسول الله هل نصل الى نسائنا في الجنة فقال ان الرجل ليصل في اليوم الواحد الى مائة عذراء تفرد به الجعفي قال محمد بن عبد الواحد المقدسي رجاله عندي على شرط الصحيح وروى ابو الشيخ عن ابن عباس قال قيل يا رسول الله انفضي الى نسائنا في الجنة كما نفضي اليهن في الدنيا قال والذي نفس محمد بيده ان الرجل ليفضي في الغداة الواحدة الى مائة عذراء فيه زيد ابن أبي الحواري وهو العمي قال فيه ابن معين صالح وقال مرة لاشيء وقال مرة ضعيف يكتب حديثه وكذلك قال ابو حاتم زقال الدارقطني وضعفه النسائي وقال السعدي متماسك
قال الناظم قلت وحسبه رواية شعبة عنه الاحاديث الصحيحة إنما فيها لكن منهم زوجتان وليس في الصحيح زيادة على ذلك فان هذه الاحاديث محفوظة فاما أن يراد بها لكل واحد من السراري زيادة على الزوجين ويكونون في ذلك على حسب منازلهم في القلة والكثرة كالخدم والولدان وأما أن يراد به أن يعطى قوة من يجامع هذا العدد ويكون هذا هو المحفوظ فرواه بعض هؤلاء بالمعنى فقال له كذا وكذا زوجة قال وقد روى الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع قيل يا رسول الله أو يطيق ذلك قال يعطى قوة مائة هذا حديث صحيح فلعل من رواه (2/559)
يفضي الى مائة عذراء بالمعنى أو يكون تفاوتهم في عدد النساء بحسب تفاوتهم في الدرجات والله أعلم
قال ولا ريب أن للمؤمن اكثر من اثنيتين لما في الصحيحين من حديث أبي بكر بن عبدالله بن قيس عن ابيه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان للعبد المؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة طولها ستون ميلا للعبد المؤمن فيها أهلون يطوف عليهم لايرى بعضهم بعضا انتهى كلامه
قوله والله قد جعل النساء عوانيا الخ قال في القاموس العواني النساء لأنهم يظلمن فلا ينتصرن
فصل ... وإذا بدت في حلة من لبسها ... وتمايلت كتمايل النشوان ... تهتز كالغصن الرطيب وحمله ... ورد وتفاح على رمان ... وتبخترت في مشيها ويحق ذا ... ك لمثلها في جنة الحيوان ...
قوله ورد الخ الورد في الخدود والتفاح في الوجنات والرمان في الصدر وهما النهدان
قوله وتبخرت الخترة والتبختر مشية حسنة والبختري الحسن المشي والجسم والمختال كالبختير قاله في القاموس ... ووصائف من خلفها وأمامها ... وعلى شمائلها وعن أيمان (2/560)
كالبدر ليلة تمه قد حف في ... غسق الدجى بكواكب الميزان ... فلسانه وفؤاده والطرف في ... دهش وإعجاب وفي سبحان ... فالقلب قبل زفافها في عرسه ... والعرس إثر العرس متصلان ... حتى إذا ما واجهته تقابلا ... أرأيت إذ يتقابل القمران ... فسل المتيم هل يحل الصبر عن ... ضم وتقبيل وعن فلتان ... وسل المتيم أين خلف صبره ... في أي واد أم بأي مكان ... وسل المتيم كيف حالته وقد ... ملئت له الأذنان والعينان ... من منطق رقت حواشيه ووجه كم به للشمس من جريان ... وسل المتيم كيف عيشته إذا ... وهما على فرشيهما خلوان ... يتساقطان لآلئا منثورة ... من بين منظوم كنظم جمان ...
جمان كغراب اللؤلؤ وهنوات اشكال اللؤلؤ من فضة الواحدة جمانة قاله في القاموس
قوله بكواكب الميزان أي كوكب الجوزاء ... وسل المتيم كيف مجلسه مع المحبوب في روح وفي ريحان ... وتدور كاسات الرحيق عليهما ... بأكف أقمار من الولدان ... يتنازعان الكأس هذا مرة ... والخود اخرى ثم يتكئان ... فيضمها وتضمه أرأيت معشوقين بعد البعد يلتقيان (2/561)
غاب الرقيب وغاب كل منكد ... وهما بثوب الوصل مشتملان ... أتراهما ضجرين من ذا العيش لا ... وحياة ربك ما هما ضجران ... ويزيد كل منهما حبا لصا ... حبه جديدا سائر الأزمان ... ووصاله يكسوه حبا بعده ... متسلسلا لا ينتهي بزمان ... فالوصل محفوف بحب سابق ... وبلاحق وكلاهما صنوان ... فرق لطيف بين ذاك وبين ذا ... يدريه ذو شغل بهذا الشان ... ومزبدهم في كل وقت حاصل ... سبحان ذي الملكوت والسلطان ... يا غافلا عما خلقت له انتبه ... جد الرحيل فلست باليقظان ... سار الرفاق وخلفوك مع الألى ... قنعوا بذا الحظ الخسيس الفاني ... ورأيت أكثر من ترى متخلفا ... فتبعتهم ورضيت بالحرمان ... لكن أتيت بخطتي عجز وجهل بعد ذا وصحبت كل أمان ... منتك نفسك باللحاق مع القعو ... د عن المسير وراحة الأبدان ... ولسوف تعلم حين ينكشف الغطا ... ماذا صنعت وكنت ذا إمكان (2/562)
فصل في ذكر الخلاف بين الناس هل تحبل نساء أهل الجنة أم لا ... والناس بينهم خلاف هل بها ... حبل وفي هذا لهم قولان ... فنفاه طاووس وابراهيم ثم مجاهد وهم أولو العرفان ... وروى العقبلي الصدوق أبو رزين صاحب المبعوث بالقرآن ... أن لا توالد في الجنان رواه تعليقا محمد العظيم الشان ... وحكاه عنه الترمذي وقال اسحاق بن ابراهيم ذو الاتقان ... لا يشتهي ولدا بها ولو اشتها ... ه لكان ذاك محقق الامكان ... وروى هشام لابنه عن عامر ... عن ناجي عن سعد بن سنان ... ان المنعم بالجنان إذا اشتهى الولد الذي هو نسخة الانسان ... فالحمل ثم الوضع ثم السن في ... فرده من الساعات في الأزمان ... اسناده عندي صحيح قد روا ... ه الترمذي واحمد الشيباني ... ورجال ذا الاسناد محتج بهم ... في مسلم وهم اولو إتقان ... لكن غريب ماله من شاهد ... فرد بذا الاسناد ليس بثان (2/563)
لولا حديث ابي رزين كان ذا ... كالنص يقرب منه في التبيان ... ولذلك أوله ابن ابراهيم بالشرط الذي هو منتفى الوجدان ... وبذاك رام الجمع بين حديثه ... وأبي رزين وهو ذو إمكان ... هذا وفي تأويله نظر فان اذا لتحقيق وذي إتقان ... ولربما جاءت لغير تحقق ... والعكس في ان ذاك وضع لسان ...
حاصل هذا الفصل قد ذكره الناظم في حادي الأرواح ولنذكر كلامه ملخصا قال فصل في ذكر اختلاف الناس هل في الجنة حمل وولادة روى الترمذي واستغربه عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة كما يشتهي قال اسحق بن ابراهيم ولكن لا يشتهي قال بعضهم في الجنة جماع ولا يكون ولد وقد روي عن ابي رزين العقيلي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد
قال الناظم قلت حديث ابي سعيد على شرط الصحيح ورجاله محتج بهم فيه ولكنه غريب جدا وتأويل اسحاق فيه نظر وروى أبو نعيم عن ابي سعيد المذكور قال قيل يا رسول الله أيولد لأهل الجنة فان الولد من تمام السرور فقال نعم والذي نفسي بيده ما هو كقدر ما يتمنى أحدكم فيكون حمله ورضاعه وشبابه في ساعة واحدة وروى الحاكم مثله أيضا عنه قال البيهقي وهذا إسناد ضعيف بمرة وفي حديث أبي رزين الطويل الذي أشار اليه البخاري غير أن لا توالد رواه احمد والطبراني وأبو الشيخ وابن منده وابن مردويه وأبو نعيم وغيرهم (2/564)
على سبيل القبول والتسليم فهذا حديث صريح في انتفاه الولد
قوله إذا اشتهى معلق بالشرط ولا يلزم من التعليق وقوع المعلق ولا المعلق به واذا وان كانت ظاهرة في المحقق فقد تستعمل لمجرد التعليق الأعم من المحقق وغيره قالوا وفي هذا الموضع يتبين ذلك بوجوه عشرة ثم ذكرها الناظم ثم قال النافون للولادة في الجنة لم ينفوها لزيغ في قلوبهم ولكن لحديث أبي رزين غير أن لا توالد وقد حكى الترمذي في ذلك قولين للسلف والخلف وحديث الترمذي غريب فان كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قاله فهو الحق الذي لا شك فيه ولا تناقض بينه وبين حديث أبي رزين غير أن لا توالد إذ ذلك نفي للتوالد المعهودة في الدنيا لا ينفي ولادة حمل الولد ووضعه وسنه وشبابه في ساعة واحدة انتهى كلامه
قوله وروى هشام لابنه الخ هذا هو حديث أبي سعيد الذي تقدم أول الفصل
قوله عن سعد بن سنان هو ابو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه
قال الناظم ... واحتج من نصر الولادة أن رفي الجنات سائر شهوة الانسان ... والله قد جعل البنين مع النسا ... من أعظم الشهوات في القرآن ... فأجيب عنه بأنه لا يشتهي ... ولدا ولا حبلا من النسوان (2/565)
واحتج من منع الولادة أنها ... ملزومة أمرين ممتنعان ... حيض وإنزال المني وذانك الأمران في الجنات مفقودان ... وروى صدي عن رسول الله أن منيهم إذ ذاك ذو فقدان ... بل لا مني ولا منية هكذا يروي سليمان هو الطبراني ... وأجيب عنه بأنه نوع سوى المعهود في الدنيا من النسوان ...
... فالنفي للمعهود في الدنيا من الايلاد والاثبات نوع ثاني ... والله خالق نوعنا من أربع ... متقابلات كلها بوزان ... ذكر وأنثى والذي هو ضده ... وكذلك من أنثى بلا ذكران ... والعكس أيضا مثل حوا أمنا ... هي أربع معلومة التبيان ... وكذاك مولود الجنان يجوز أن ... يأتي بلا حيض ولا فيضان ... والأمر في ذا ممكن في نفسه ... والقطع ممتنع بلا برهان ...
قوله واحتج من نصر الولادة الخ أي احتج من نصر القول بالولادة في الجنة بأن في الجنة جميع الشهوات كما قال تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين آل عمران الآية
قوله وأجيب عنه الخ أي أجاب من منع الولادة بأنه لا يشتهي ولدا وحبلا
قوله واحتج من منع الولادة أي احتج مانعو الولاد بأنه يلزمها (2/566)
أمران ممتنعان في الجنة وهما الحيض وانزال المني
قوله وروى صدي أي روى ابو امامة صدي بن عجلان عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه سئل هل يتناكح أهل الجنة قال بذكر لا بمل وشهوة لا تنقطع دحما دحما وفي لفظ عنه دحما دحما ولكن لامني ولا منية أي لا إنزال ولا موت فهو صريح في انتفاء المني في الجنة فاحتج من أنكر الولادة بانه نوع سوى المعهود في الدنيا من النسوان فالنفي للمعهود في الدنيا من الايلاد والاثبات نوع آخر
قوله والله خالق نوعنا من اربع الخ أي إن الله خلق نوع الانسان من اربعة اشياء متقابلة من ذكر وأنثى كبني آدم ولا من ذكر ولا أنثى كآدم عليه السلام وذكر بلا أنثى كحواء أمنا ومن أنثى بلا ذكر كعيسى عليه السلام فهذه أربع كما ذكره الناظم
قوله وكذاك مولود الجنان الخ أي ان مولود الجنان يجوز أن يوجد بلا حيض ولا فيضان أي مني وقدرة الله صالحة والله اعلم
فصل
في رؤية أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى ونظرهم إلى وجهه الكريم
... ويرونه سبحانه من فوقهم ... رؤيا العيان كما يرى القمران ... هذا تواتر عن رسول الله لم ... ينكره إلا فاسد الايمان (2/567)
وأتى به القرآن تصريحا وتعريضا هما بسياقه نوعان ... وهي الزيادة قد أتت في يونس ... تفسيره قد جاء بالقرآن ... ورواه عنه مسلم بصحيحه ... يروي صهيب ذا بلا كتمان ... وهو المزيد كذاك فسره أبو ... بكر هو الصديق ذو الايقان ...
... وعليه أصحاب الرسول وتابعو ... هم بعدهم تبعية الاحسان ...
ذكر الناظم رحمه الله تعالى في هذا الفصل رؤية أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم جهرة كما يرى القمر وقد اتفق عليها الأنبياء والمرسلون وجميع الصحابة والتابعين وأئمة الاسلام وأنكرها أهل البدع كالجهمية والمعتزلة والباطنية والرافضة
قوله وأتى بها القرآن تصريحا وتعريضا الخ التصريح كما في قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناضرة القيامة 22 23 وقوله تعالى اتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه البقرة 223 وقوله تحيتهم يوم يلقونه سلام الاحزاب 44 وقوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه الكهف 110 وقوله الذين يظنون أنهم ملاقو الله البقرة 249 وأجمع أهل اللسان على أن اللقاء متى نسب إلى الحي السليم من العمى والمانع اقتضى المعاينة والتعريض كقوله تعالى كلا إنهم عن ربهم يؤمئذ لمحجوبون المطففين 15 وقوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة يونس 26 قوله وهي الزيادة قد أتت في يونس الخ في صحيح مسلم عن صهيب رسول الله صلى الله عليه و سلم للذين أحسنوا الحسنى وزيادة يونس قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل (2/568)
الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار فيكشف الحجاب فينظرون اليه فما أعطاهم شيئا أحب اليهم من النظر اليه وهي الزيادة وروى الحسن بن عرقة عن انس عنه صلى الله عليه و سلم قال للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى وهي الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى
قوله وهو المزيد كذا فسره أبو بكر الخ يعني قوله تعالى لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد ق قال علي وأنس هو النظر إلى وجه الله تعالى وقاله من التابعين زيد بن وهب وغيره
قوله وعليه أصحاب الرسول وتابعوهم الخ أي إن اثبات رؤيته سبحانه هو قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وتابعيهم باحسان ... ولقد أتى ذكر اللقاء لربنا الرحمن في سور من الفرقان ... ولقاؤه إذ ذ 1 ك رؤيته حكى الإجماع فيه جماعة ببيان ... وعليه أصحاب الحديث جميعهم ... لغة وعرفا ليس يختلفان ...
يعني قوله تعالى واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه البقرة وقوله تعالى تحيتهم يوم يلقونه سلام الأحزاب وقد أجمع أهل اللسان على أن اللقاء متى نسب إلى الحي السليم من العمى والمانع اقتضى الرؤية والمعاينة ولا يتنقض هذا بقوله تعالى فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه التوبة فقد دلت الأحاديث الصحيحة الصريحة على أن المنافقين يرونه في عرصات القيامة والكفار ايضا كما في الصحيحين في حديث التجلي يوم القيامة (2/569)
وفي هذه ثلاثة أقوال أحدها أنه لا يراه إلا المؤمنون والثاني يراه جميع أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم ثم يحتجب عن الكفار فلا يرونه بعد ذلك والثالث يراه المنافقون دون الكفار وكذلك الاقوال الثلاثة بعينها في تكليمه لهم ولشيخ الاسلام في ذلك مصنف مفرد ... هذا ويكفي أنه سبحانه ... وصف الوجوه بنظرة بجنان ... وأعاد أيضا وصفها نظرا وذا ... لا شك يفهم رؤية بعيان ... وأتت أداة إلى لرفع الوهم من ... فكر كذاك ترقب الانسان ... وأضافه لمحل رؤيتهم بذكر الوجه إذ قامت به العينان ... تالله ما هذا بفكر وانتظا ... ر مغيب أو رؤية لجنان ... ما في الجنان من انتظار مؤلم ... واللفظ يأباه لذي العرفان ... لا تفسدوا لفظ الكتاب فليس فيه حيلة يا فرقة الروغان ... ما فوق ذا التصريح شيء ما الذي ... يأتي به من بعد ذا التبيان ... لو قال ابين ما يقال لقلتم ... هو مجمل ما فيه من تبيان ...
قال الناظم في حادي الأرواح في الكلام على قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة القيامة وأنت إذا أجرت هذه الآية من تحريفها عن مواضعها والكذب على المتكلم بها فيما أراد منها وجدتها منادية نداء صريحا إن الله سبحانه يرى عيانا بالابصار يوم القيامة وإن أبيت الا تحريفها الذي يسميه المحرفون تأويلا فتاويل نصوص المعاد (2/570)
والنار والميزان والحساب أسهل على أربابه من تأويلها وتأويل كل نص تضمنه القرآن والسنة كذلك وهذا الذي أفسد الدين والدنيا واسمع الآن أيها السني تفسير النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه والتابعين وأئمة الاسلام لهذه الآية روى ابن مردويه عن ابن عمرو وقال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة القيامة قال من البهاء والحسن إلى ربها ناظرة القيامة وقال ابن عباس تنظر الى وجه ربها عز و جل وقال عكرمة ناضرة من النعيم الى ربها ناظرة تنظر نظرا وهذا قول كل مفسر من أهل السنة والحديث وأما الاحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه الدالة على الرؤية فمتواترة منها حديث ابي بكر الصديق عند أحمد في ذكر استشفاع الناس من نبي الى نبي وهو طويل جدا فيه فاذا نظر إلى ربه عز و جل خر ساجدا ومنها حديث ابي هريرة وابي سعيد في الصحيحين أن أناسا قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر قالوا لا قال هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا قال فانكم ترونه كذلك الحديث وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله قال كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه و سلم فنظر الى القمر ليلة اربع عشرة فقال انكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته فان استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا الحديث والأحاديث بذلك كثيرة وهي متواترة كما تقدم قوله وصف الوجوه بنظرة بجنان والمراد الحسن والجمال ثم قال الى ربها ناظرة وهي الرؤية بالعيان قوله وأتت أداة الى لرفع (2/571)
الوهم من فكر الخ أي أن المعنى النظر الى الرب تعالى وأتت أداة الى لدفع توهم الانتظار وذلك كما يقول المؤولة إن معنى ناظرة تنتظر الثواب قوله وإضافة لمحل رؤيتهم بذكر الوجه أي إنه تعالى قال وجوه يومئذ ناضرة القيامة فاضاف النظر الى الوجوه لأن العينان فيه ... ولقد أتى في سورة التطفيف أن القوم قد حجبوا عن الرحمن ... فيدل بالمفهوم ان المؤمنين يرونه في جنة الحيوان ... وبذا استدل الشافعي واحمد ... وسواهما من عالمي الأزمان ... وأتى بذا المفهوم تصريحا بآ ... خرها فلا تخدع عن القرآن ... واتى بذلك مكذبا للكافرين الساخرين بشيعة الرحمن ... ضحكوا من الكفار يومئذ كما ... ضحكوا هم منهم على الايمان ... وأثابهم نظرا اليه ضد ما ... قد قاله فيهم اولو الكفران ... فلذاك فسره الأئمة انه ... نظر الى الرب العظيم الشان ... لله ذاك الفهم يؤتيه الذي ... هو اهله من جاد بالاحسان ...
يشير إلى قوله تعالى في سورة المطففين عن الكفار كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون المطففين فمفهومه أن المؤمنين يرونه سبحانه
قال الناظم في حادي الأرواح كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون أي عن رؤيته وسماع كلامه فلو لم يره المؤمنون ويسمعوا (2/572)
كلامه كانوا أيضا محجوبين عنه وقد احتج بهذا الشافعي وغيره من الأئمة انتهى كلامه
قوله وأتى بذا المفهوم تصريحا بآخرها الخ يعني قوله تعالى فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون المطففين أي ينظرون الى الرب سبحانه كما فسرها الأئمة بذلك وذلك أن الكفار في الدنيا كانوا من المؤمنين يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون فجزاهم الله تعالى بأن جعلهم يضحكون على الكفار وهم على الأرائك كما كانوا يضحكون عليهم في الدنيا والله أعلم
قال الناظم رحمه الله تعالى
... وروى ابن ماجة مسندا عن جابر ... خبرا وشاهده ففي القرآن ... بيناهم في عيشهم وسرورهم ... ونعيمهم في لذة وتهان ... وإذا بنور ساطع قد أشرقت ... منه الجنان قصيها والداني ... رفعوا اليه رؤوسهم فرأوه نو ... ر الرب لا يخفى على انسان ... وإذا بربهم تعالى فوقهم ... قد جاء للتسليم بالاحسان ... قال السلام عليكم فيرونه ... جهرا تعالى الرب ذو السلطان ... مصداق ذا يس قد ضمنته عند القول من رب بهم رحمان ... من رد ذا فعلى رسول الله رد وسوف عند الله يلتقيان ... في ذا الحديث علوه ومجيئه ... وكلامه حتى يرى بعيان (2/573)
هذي أصول الدين في مضمونه ... لا قول جهم صاحب البهتان ...
يعني قوله تعالى سلام قولا من رب رحيم يس روى ابن ماجه عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بينا أهل الجنة في نعيمهم اذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فاذا الرب جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة وهو قول الله عز و جل سلام قولا من رب رحيم يس فلا يلتفتون إلى شيء مما هم فيه من النعيم ما داموا ينظرون اليه حتى يحتجب عنهم ويبقى فيهم بركته ونوره ... وكذا حديث أبي هريرة ذلك الخبر الطويل أتى به الشيخان ... فيه تجلى الرب جل جلاله ... ومجيئه وكلامه ببيان ... وكذاك رؤيته وتكليم لمن ... يختاره من امة الانسان ... فيه أصول الدين أجمعها فلا ... تخدعك عنه شيعة الشيطان ... وحكى رسول الله فيه تجدد الغضب الذي للرب ذي السلطان ... إجماع أهل العزم من رسل الإله ... وذاك إجماع على البرهان ... لا تخدعن عن الحديث بهذه الآراء فهي كثيرة الهذيان ... أصحابها اهل التخرص والتنا ... قض والتهاتر قائلو البهتان ...
حديث ابي هريرة الذي أشار اليه هو مافي الصحيحين واللفظ لمسلم عن ابي هريرة قال أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما بلحم فرفع اليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة فقال أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون بم ذاك يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد (2/574)
فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول بعض الناس لبعض ألا ترون ما أنتم فيه ألا ترون ما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم الى ربكم فيقول بعض الناس لبعض إيتوا آدم فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وامر الملائكة فسجدوا لك لشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما قد بلغنا فيقول آدم إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح فيأتون نوحا فيقولون يا نوح انت اول الرسل إلى أهل الأرض وسماك الله عبدا شكورا اشفع لنا إلى ربك الا ترى إلى ما نحن فيه الا ترى ما قد بلغنا فيقول لهم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي نفسي نفسي اذهبوا الى ابراهيم فيأتون الى ابراهيم فيقولون أنت نبي الله وخليله من اهل الارض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه الا ترى ما قد بلغنا فيقول لهم ان ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله وذكر كذباته نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالاته وبتكليمه على الناس اشفع لنا إلى ربك الا ترى إلى ما نحن فيه الا ترى إلى ما قد بلغنا فيقول لهم موسى ان ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله واني قتلت نفسا لم أومر بقتلها نفسي نفسي اذهبوا إلى عيسى فيأتون (2/575)
عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمت الناس في المهد وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه الا ترى ما قد بلغنا فيقول لهم عيسى إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنبا نفسي نفسي اذهبوا إلى محمد فيأتونني فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم النبييين وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك الا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى الى ما قد بلغنا فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي ثم يقال يا محمد ارفع راسك سل تعطه اشفع تشفع فأرفع راسي فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال يا محمد ادخل الجنة من امتك من لا حساب عليه من الباب الايمن من ابواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى ... يكفيك أنك لو حرصت فلن ترى ... فئتين منهم قط يتفقان ... الا اذا ما قلدا لسواهما ... فتراهما جيلا من العميان ... ويقودهم أعمى يظن كمبصر ... يا محنة العميان خلف فلان ... هل يستوي هذا ومبصر رشده ... الله أكبر كيف يستويان ... أو ما سمعت منادي الايمان يخبر عن منادي جنة الحيوان ... يا أهلها لكم لدى الرحمن وعد وهو منجزه لكم بضمان (2/576)
قالوا أما بيضت أوجهنا كذا ... أعمالنا ثقلت ففي الميزان ... وكذاك قد أدخلتنا الجنات حين أجرتنا من مدخل النيران ... فيقول عندي موعد قد آن أن ... أعطيكموه برحمتي وحناني ... فيرونه من بعد كشف حجابه ... جهرا روى ذا مسلم ببيان ...
روى مسلم في صحيحه عن صهيب أن النبي صلى الله عليه و سلم قال اذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يثقل موازيننا ألم يبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة وينجينا من النار فيكشف الحجاب فينظرون اليه فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب اليهم من النظر اليه ... ولقد أتانا في الصحيحين اللذين هما أصح الكتب بعد قران ... برواية الثقة الصدوق جرير البجلي عمن جاء بالقرآن ... أن العباد يرونه سبحانه ... رؤيا العيان كما يرى القمران ...
قد تقدم حديث جرير في الرؤية
قوله البردين قال في القاموس الأبردان الغداة والعشي كالبردين ... فان استطعتم كل وقت فاحفظوا ... البردين ما عشتم مدى الأزمان ... ولقد روى بضع وعشرون امرءا ... من صحب احمد خيرة الرحمن ... أخبار هذا الباب عمن قد اتى ... بالوحي تفصيلا بلا كتمان ... وألذ شيء للقلوب فهذه ال ... أخبار مع امثالها هي بهجة الايمان (2/577)
نقل الناظم في حادي الارواح قال الطبراني فتحصل في الباب ممن روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حديث الرؤية ثلاثة وعشرون نفسا ثم سرد أسماءهم قال وروى الدارقطني عن يحيى بن معين قال عندي سبعة عشر حديثا في الرؤية كلها صحاح وقال البيهقي روينا في اثبات الرؤية عن ابي بكر ومن تقدم غيرهم ولم يرد عن احد نفيها ولو كانوا فيها مختلفين لنقل اختلافهم الينا فعلمنا أنهم كانوا على القول برؤيته بالأبصار في الآخرة متفقين وقد دل القرآن والسنة المتواترة واجماع الصحابة وائمة الاسلام واهل الحديث عصابة الاسلام ويزك الايمان وخاصة رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن الله سبحانه يرى يوم القيامة بالابصار كما يرى القمر ليلة البدر صحرا وكما ترى الشمس في الظهيرة فان كان لما اخبر الله ورسوله عنه من ذلك حقيقة فلا يمكن أن يروه إلا من فوقهم لاستحاله أن يروه أسفل منهم أو خلفهم وأمامهم أو عن شمائلهم وان لم يكن لما أخبر به حقيقة كما تقوله فروخ الصائبه والفلاسفة والمجوس والفرعونية والمعتزلة والرافضة وغيرهم من أهل البدع بطل الشرع والقرآن فإن الذي جاء بهذه الاحاديث هو الذي جاء بالقرآن والشريعة والذي بلغها هو الذي بلغ الدين فلا يجوز أن يجعل كلام الله ورسوله عضين حيث يؤمن ببعض ويكفر ببعض فلا يجتمع في قلب العبد بعد الاطلاع على هذه الاحاديث وفهم معناها انكارها والشهادة بأن محمدا رسول الله أبدا والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق والمنحرفون في باب رؤية الرب تبارك وتعالى نوعان أحدهما من يزعم أنه يرى في الدنيا ويحاضر ويسامر والثاني من يزعم (2/578)
أنه لا يرى في الآخرة البتة ولا يكلم عباده وما أخبر به الله ورسوله وأجمع عليه الصحابة والائمة يكذب الفريقين وبالله التوفيق ... والله لولا رؤية الرحمن في الجنات ما طابت لذي العرفان ... أعلى النعيم نعيم رؤية وجهه ... وخطابه في جنة الحيوان ... وأشد شيء في العذاب حجابه ... سبحانه عن ساكني النيران ... وإذا رآه المؤمنون نسوا الذي ... هم فيه مما نالت العينان ...
قوله أعلى النعيم نعيم رؤية وجهه الخ أي ان أعلى نعيم اهل الجنة هو نعيم رؤية وجه ربهم تعالى كما في حديث صهيب الذي رواه مسلم قال قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية وقال يكشف الحجاب فينظرون اليه فما أعطاهم شيئا أحب اليهم من النظر اليه وهي الزيادة وفي الحديث الذي رواه ابن ماجة مرفوعا بينا أهل الجنة في نعيمهم اذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فاذا الرب جل جلاله قد اشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة وهو قول الله عز و جل سلام قولا من رب رحيم يس فلا يلتفتون الى شيء مما هم فيه من النعيم ما داموا ينظرون اليه حتى يحتجب عنهم الحديث قوله
وأشد شيء في العذاب حجابه الخ دليله قوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون المطففين ... فاذا توارى عنهم عادوا الى ... لذاتهم من سائر الألوان (2/579)
فلهم نعيم عند رؤيته سوى ... هذا النعيم فحبذا الأمران ... أو ما سمعت سؤال أعرف خلقه ... بجلاله المبعوث بالقرآن ... شوقا اليه ولذة النظر الذي ... بجلال وجه الرب ذي السلطان ... فالشوق لذة روحه في هذه الدنيا ويوم القيامة الابدان ... تلتذ بالنظر الذي فازت به ... دون الجوارح هذه العينان ...
يعني الحديث الذي رواه الامام احمد والحاكم في صحيحه من حديث زيد بن ثابت وفيه وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق الى لقائك ... والله ما في هذه الدنيا ألذ من اشتياق العبد الرحمن ... وكذاك رؤية وجهه سبحانه ... هي أكمل اللذات للانسان ... لكنما الجهمي ينكر ذا وذا ... والوجه أيضا خشية الحدثان ... تبا له المخدوع أنكر وجهه ... ولقاءه ومحبة الديان ... وكلامه وصفاته وعلوه ... والعرش عطله من الرحمن ... فتراه في واد ورسل الله في ... واد وذا من أعظم الكفران (2/580)
فصل
في كلام الرب جل جلاله مع أهل الجنة
... او ما سمعت بأنه سبحانه ... حقا يكلم حزبه بجنان ... فيقول جل جلاله هل أنتم ... راضون قالوا نحن ذو رضوان ... أم كيف لا نرضى وقد أعطيناه ... مالم ينله قط من انسان ... هل تم شيء غير ذا فيكون أفضل منه نسأله من المنان ... فيقول أفضل منه رضواني فلا ... يغشاكم سخط من الرحمن ... ويذكر الرحمن واحدهم بما ... قد كان منه سالف الأزمان ... منه اليه ليس ثم وساطة ... ما ذاك توبيخا من الرحمن ... لكن يعرفه الذي قد ناله ... من فضله والعفو والاحسان ... ويسلم الرحمن جل جلاله ... حقا عليهم وهو في القرآن ...
في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله عز و جل يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول أنا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا ربنا (2/581)
وأي شيء أفضل من ذلك قال احل عليكم رضواني فلا أسخط أبدا ومن تراجم البخاري عليه باب كلام الرب تبارك وتعالى مع أهل الجنة وساق فيه عدة أحاديث وقد أخبر سبحانه أنه يسلم على أهل الجنة وأن ذلك السلام حقيقة وهو قوله سلام قولا من رب رحيم يس وقد فسر النبي صلى الله عليه و سلم الآية في حديث جابر في الرؤية وأنه يشرف عليهم من فوقهم ويقول سلام عليكم يا أهل الجنة فيرونه عيانا وفي هذا اثبات الرؤية والتكليم والعلو والمعطلة تنكر هذه الأمور الثلاثة وتكفر القائل بها وفي حديث أبي هريرة في سوق الجنة قال النبي صلى الله عليه و سلم ولا يبقى احد في ذلك المجلس إلا حاضره الله محاضرة فيقول يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا الحديث وفي حديث عدي بن حاتم مامنكم من احد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة وحديث عدي بن حاتم مامنكم من أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة وحديث أبي هريرة في الرؤية وفيه فيقول تبارك وتعالى للعبد ألم أكرمك وأسودك الحديث وحديث انس في يوم المزيد ومخاطبته فيه لأهل الجنة مرارا وبالجملة فتأمل أحاديث الرؤية تجد في أكثرها التكليم ... وكذاك يسمعهم لذيذ خطابه ... سبحانه بتلاوة الفرقان ... فكأنهم لم يسمعوه قبل ذا ... هذا رواه الحافظ الطبراني ... هذا سماع مطلق وسماعنا القرآن في الدنيا فنوع ثاني ... والله يسمع قوله بوساطة ... وبدونها نوعان معروفان ... فسماع موسى لم يكن بوساطة ... وسماعنا بتوسط الانسان ... من صير النوعين نوعا واحدا ... فمخالف للعقل والقرآن (2/582)
روى ابو الشيخ عن صالح بن حيان عن عبد الله بن بريده قال إن أهل الجنة يدخلون كل يوم مرتين على الجبار جل جلاله فيقرأ عليهم القرآن وقد جلس كل امرىء منهم مجلسه الذي هو مجلسه على منابر الدر والياقوت والزبرجد والزمرد فلم تقرأ أعينهم بشىء ولم يسمعوا شيئا قط أعظم ولا أحسن منه ثم ينصرفون الى رحالهم ناعمين قريرة أعينهم بشىء إلى مثلها من الغد
قوله فسماع موسى لم يكن بوساطة أي ان موسى عليه السلام سمع كلام الله تعالى بغير وساطة وأما سماعنا كلام الله فهو بوساطة
قوله من صير النوعين نوعا واحدا أي كالجهمية وأتباعهم ومخالفتهم للعقل والقرآن ظاهرة
فصل
في يوم المزيد وما أعد الله لهم فيه من الكرامة
... أو ما سمعت بشأنهم يوم المزيد وأنه شأن عظيم الشان ... هو يوم جمعتنا ويوم زيارة الرحمن وقت صلاتنا وأذان ... والسابقون إلى الصلاة هم الألى ... فازوا بذاك السبق بالاحسان ... سبق بسبق والمؤخر هاهنا ... متأخر في ذلك الميدان ... والأقربون إلى الامام فهم أولو الزلفى هناك فها هنا قربان ... قرب بقرب والمباعد مثله ... بعد ببعد حكمة الديان (2/583)
ولهم منابر لؤلؤ وزبرجد ... ومنابر الياقوت والعقيان ... هذا وأدناهم وما فيهم دنا ... من فوق ذاك المسك كالكثبان ... ما عندهم أهل المنابر فوقهم ... مما يرون بهم من الاحسان ... فيرون ربهم تعالى جهرة ... نظر العيان كما يرى القمران ... ويحاضر الرحمن واحدهم محا ... ضرة الحبيب يقول يا بن فلان ... هل تذكر اليوم الذي قد كنت فيه مبارزا بالذنب والعصيان ... فيقول رب أما مننت بغفرة ... قدما فانك واسع الغفران ... فيجيبه الرحمن مغفرتي التي ... قد أوصلتك إلى المحل الداني ...
يشير إلى حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أتاني جبريل عليه السلام وفي يده مرآة بيضاء فيها نكتة سوداء فقلت ما هذا يا جبريل قال هذه الجمعة يعرضها عليك ربك عز و جل لتكون لك عيدا ولقومك من بعدك تكون انت الاول وتكون اليهود والنصارى من بعدك قلت ما لنا فيها قال لكم فيها خير فيها ساعة من دعا الله تعالى فيها بخير قسم له أعطاه اياه او ليس له قسم إلا ذخر له ما هو أعظم منه قلت ما هذه النكتة السوداء فيها قال هي الساعة تقوم يوم الجمعة وهو سيد الايام عندنا ونحن ندعوه يوم المزيد في الآخرة قلت وما تدعونه يوم المزيد قال ان ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك ابيض فاذا كان يوم الجمعة نزل تبارك وتعالى من عليين على كرسيه ثم (2/584)
حف الكرسي بمنابر من نور ثم جاء النبيون حتى يجلسوا عليها ثم حف المنابر بكراسي من ذهب ثم جاء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا عليها ثم جاء أهل الجنة حتى يجلسوا على الكثب فيتجلى لهم ربهم عز و جل حتى ينظروا إلى وجهه ثم يقول أنا صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي وهذا محل كرامتي فيسألونه ويسألونه حتى تنتهي رغبتهم فيفتح لهم عند ذلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر الى أوان منصرف الناس من يوم الجمعة ثم يصعد على كرسيه ويصعد معه الصديقون والشهداء ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم درة بيضاء لا فصم فيها ولا نظم أو ياقوتة حمراء أو زبرجدة خضراء فيها غرفها وأبوابها مطردة فيها أنهارها متدلية فيها ثمارها فيها أزواجها وخدمها فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا من كرامته عز و جل وليزدادوا نظرا الى وجهه فلذلك دعي يوم المزيد أخرجه عبد الله ابن احمد في كتاب السنة
قوله والسابقون الى الصلاة الخ روى أبو نعيم وأبو النضر وجماعة قالوا حدثنا المسعودي عن المنهال بن عمرو وعن أبي عبيدة عن عبد الله قال سارعوا الى الجمعة فان الله ينزل لأهل الجنة في كل جمعة في كثب من كافور ابيض فيكونون منه في القرب على قدر تسارعهم إلى الجمعة (2/585)
فصل
في المطر الذي يصيبهم هناك ... ويظلهم إذ ذاك منه سحابة ... تأتي بمثل الوابل الهتان ... بيناهم في النور إذ اغشيتهم ... سبحان منشيها من الرضوان ... فتظل تمطرهم بطيب ما رأوا ... شبها له في سالف الأزمان ... فيزيدهم هذا جمالا فوق ما ... بهم وتلك مواهب المنان ...
روى ابن ابي عاصم في كتاب السنة عن سعيد بن المسيب أنه لقي ابا هريرة فقال أبو هريرة اسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة قال سعيد أو فيها سوق قال نعم أخبرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوها بفضل أعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من ايام الدنيا فيزورون الله تبارك وتعالى فيبرز لهم عرشه ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة فيوضع لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من زبرجد ومنابر من ياقوت ومنابر من ذهب ومنابر من فضة ويجلس أدناهم وما فيهم دني على كثبان المسك والكافور ما يرون ان أصحاب الكراسي بافضل منهم مجلسا قال يا أبا هريرة وهل نرى ربنا عز و جل قال نعم هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليله البدر قلنا لا قال فكذلك لا تمارون في رؤية ربكم ولا يبقى في ذلك المجلس أحد الا حاضره (2/586)
الله محاضرة حتى يقول يا فلان بن فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا فيذكره ببعض عذراته في الدنيا فيقول بلى أفلم تغفر لي فيقول بلى فبمغفرتي بلغت منزلتك هذه فبيناهم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط قال ثم يقول ربنا تبارك وتعالى قوموا الى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم قال فيأتون سوقا قد حفت بها الملائكة فيه مالم تنظر العيون الى مثله ولم تسمع الآذان ولم يخطر على القلوب قال فيحمل لنا ما اشتهينا ليس يباع ولا يشرى وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا قال فيقبل ذو البزة المرتفعة فيلقى من هو دونه وما فيهم دني فيروعه ما يرى عليه من اللباس والهيئة فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل له أحسن من ذلك وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها قال ثم ننصرف الى منازلنا فيلقانا أزواجنا فيقلن مرحبا وأهلا لقد جئتنا وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه فيقول انا جالسنا اليوم ربنا الجبار عز و جل ويحق لنا ان ننقلب بمثل ما انقلبنا ورواه الترمذي
فصل
وابن ماجة في سوق الجنة الذي ينصرفون اليه من ذلك المجلس
... فيقول جل جلاله له قوموا الى ... ما قد ذخرت لكم من الاحسان (2/587)
يأتون سوقا لا يباع ويشتري ... فيه فخذ منه بلا أثمان ... قد اسلف التجار أثمان المبيع بعقدهم في بيعة الرضوان ... لله سوق قد اقامته الملا ... ئكة الكرام بكل ما احسان ... فيها الذي والله لا عين رأت ... كلا ولا سمعت به أذنان ... كلا ولم يخطر على قلب امرىء فيكون عنه معبرا بلسان ... فيرى امرءا من فوقه في هيئة ... فيروعه ما تنظر العينان ... فاذا عليه مثلها اذ ليس يلحق أهلها شيء من الأحزان ... واها لذا السوق الذي من حله ... نال التهاني كلها بأمان ... يدعى بسوق تعارف ما فيه من ... صخب ولا غش ولا ايمان ... وتجارة من ليس تلهيه تجا ر ... ات ولا بيع عن الرحمن ... أهل المروءة والفتوة والتقى ... والذكر للرحمن كل أوان ... يا من تعوض عنه بالسوق الذي ... ركزت لديه راية الشيطان ... لو كنت تدري قدر ذاك السوق لم تركن ... الى سوق الكساد الفاني (2/588)
فصل
في حالهم عند رجوعهم الى أهليهم ومنازلهم
... فاذا هم رجعوا الى اهليهم ... بمواهب حصلت من الرحمن ... قالوا لهم اهلا ورحبا ما الذي ... أعطيتم من ذا الجمال الثاني ... والله لا ازددتم جمالا فوق ما ... كنتم عليه قبل هذا الآن ... قالوا وأنتم والذي أنشأكم ... قد زدتم حسنا على الاحسان ... لكن يحق لنا وقد كنا اذا ... جلساء رب العرش ذي الرضوان ... فهم الى يوم المزيد أشد شو ... قا من محب للحبيب الداني ...
تقدم حديث ابي هريرة في شرح ما تضمنه هذا الفصلان في الفصل قبلهما والله أعلم
فصل
في خلود أهل الجنة ودوام صحتهم ونعيمهم وشبابهم واستحالة النوم والموت عليهم ... هذا وخاتمة النعيم خلودهم ... ابدا بدار الخلد والرضوان (2/589)
أو ما سمعت منادي الايمان يخبر عن مناديهم بحسن بيان ... لكم حياة ما بها موت وعا ... فية بلا سقم ولا أحزان ... ولكم نعيم ما به بؤس وما ... لشبابكم هرم مدى الأزمان ... كلا ولا نوم هناك يكون ذا ... نوم وموت بيننا أخوان ... هذا علمناه اضطرارا من كتا ... ب الله فافهم مقتضى القرآن ... والجهم أفناها وأفني اهلها ... تبا لذاك الجاهل الفتان ... طرد النفي دوام فعل الرب في الماضي وفي مستقبل الأزمان ... وابو الهذيل يقول يفنى كل ما ... فيها من الحركات للسكان ... وتصير دار الخلد مع سكانها ... وثمارها كحجارة البنيان ... قالوا ولولا ذاك لم يثبت لنا ... رب لأجل تسلسل الأعيان ... فالقوم إما جاحدون لربهم ... أو منكرون حقائق الايمان ...
روى مسلم عن ابي سعيد الخدري وابي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ينادي مناد إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وان لكم ان تحيوا فلا تموتوا أبدا وان لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وان لكم ان تنعموا فلا تبأسوا أبدا وذلك قول الله عز و جل ونودوا أن تلكم الجنة اورثتموها بما كنتم تعلمون الأعراف وروى نحوه عثمان بن ابي شيبة مختصرا
قوله هذا علمناه اضطرارا الخ يعني قوله تعالى ونودوا ان تلكم (2/590)
الجنة اورثتموها بما كنتم تعملون وروى ابن مردويه عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون وروى الطبراني عنه بلفظ قال سئل نبي الله صلى الله عليه و سلم فقيل أينام أهل الجنة فقال النوم اخو الموت وأهل الجنة لا ينامون
قوله والجهم أفناها الخ تقدم الكلام في معنى فناء الجنة والنار عند الجهمية وفناء حركاتهما عند ابي الهذيل بما أغنى عن الاعادة
فصل
في ذبح الموت بين الجنة والنار والرد على من قال ان الذبح لملك الموت وان ذلك مجاز لا حقيقة له
... أو ما سمعت بذبحه للموت بين المنزلين كذبح كبش الضان ... حاشا لذا الملك الكريم وانما ... هو موتنا المحتوم للانسان ... والله ينشىء منه كبشا املحا ... يوم المعاد يرى لنا بعيان ... ينشي من الاعراض أجساما كذا ... بالعكس كل قابل الامكان ...
عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يجاء بالموت كأنه كبش أملح فيتوقف بين الجنة والنار فيقال يا أهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون فيقولون نعم هذا الموت ثم يقال يا أهل النار هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت قال فيؤمر به فيذبح ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل (2/591)
النار خلود فلا موت ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنذرهم يوم الحسرة مريم الآية متفق عليه وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار أتي بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادي مناد يا أهل الجنة لا موت فيزداد أهل الجنة فرحا الى فرحهم ويزداد أهل النار حزنا الى حزنهم وعن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أتي بالموت ملببا فيوقف على السور الذي بين أهل الجنة واهل النار ثم يقال يا اهل الجنة فيطلعون خائفين ثم يقال يا أهل النار فيطلعون مستبشرين يرجون الشفاعة فيقال لأهل الجنة واهل النار هل تعرفون هذا فيقولون هؤلاء وهؤلاء قد عرفناه وهو الموت الذي وكل بنا فيضجع فيذبح ذبحا على السور ثم يقال يا أهل الجنة خلود لا موت ويا أهل النار خلود لا موت رواه النسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح
قال الناظم في حادي الأرواح وهذا الكبش والاضجاع والذبح ومعاينة الفريقين ذلك حقيقة لا خيال ولا تمثيل كما أخطأ فيه بعض الناس خطأ قبيحا قال الموت عرض والعرض لا يتجسم فضلا عن أن يذبح وهذا لا يصح فان الله سبحانه وينشيء من الموت صورة كبش يذبح كما ينشىء من الأعمال صورا معاينة يثاب بها ويعاقب والله تعالى ينشئ من الأعراض أجساما تكون الأعراض مادة لها وينشىء من الأجسام أعراضا ومن الأجسام أجساما فالأقسام الأربعة ممكنة مقدورة للرب تبارك وتعالى ولا يستلزم جمعا بين النقيضين ولا شيئا من المحال ولا حاجة الى تكلف من قال إن الذبح لملك الموت فهذا كله من الاستدراك الفاسد على الله (2/592)
ورسوله والتأويل الباطل الذي لا يوجبه عقل ولا نقل وسببه قلة الفهم لمراد الرسول من كلامه فظن هذا القائل أن لفظ الحديث دل على أن نفس العرض يذبح وظن غالط آخر أن العرض يعدم ويزول ويصير مكانه جسم يذبح ولم يهتد الفريقان الى هذا القول الذي ذكرناه الى آخر ما ذكره ثم احتج الناظم لما ذكره بأن أعمال العباد توزن فتخف تارة وتثقل أخرى فقال ... أفما تصدق أن أعمال العبا ... د تحط يوم العرض في الميزان ... وكذاك تثقل تارة وتخف اخرى ذاك في القرآن ذو تبيان ... وله لسان كفتاه تقيمه ... والكتفان اليه ناظرتان ... ما ذاك أمرا معنويا بل هو المحسوس حقا عند ذي الايمان ...
أقول يدل لما ذكره الناظم أن الأعمال توزن يوم القيامة فتثقل تارة وتخف أخرى كما قال تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها الأنبياء الآية وذلك أمر محسوس فتوزن الأعمال بميزان له كفتان ولسان وليس ذلك أمرا معنويا بل هو محسوس والله أعلم ... أو ما سمعت بأن تسبيح العبا ... د وذكرهم وقراءة القرآن ... ينشيه رب العرش في صور تجا ... دل عنه يوم قيامة الأبدان ... أو ما سمعت بأن ذلك حول عر ... ش الرب ذو صوت وذو دوران ... يشفعن عن الرب جل جلاله ... ويذكرون بصاحب الاحسان (2/593)
أو ما سمعت بأن ذلك مؤنس ... في القبر للملفوف في الأكفان ... في صورة الرجل الجميل الوجه في ... سن الشباب كأجمل الشباب ...
في الحديث أن ما تذكرون من جلال الله وتسبيحه وتحميده وتهليله يتعاطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل يذكرن بصاحبهن ذكره أحمد وكذلك قوله في حديث عذاب القبر ونعيمة للصورة التي يراها فيقول من أنت فيقول أنا عملك الصالح وأنا عملك السيىء وهذا حقيقة لا خيال ولكن الله أنشأ له من عمله صورة حسنة وصورة قبيحة وقال قتادة بلغنا أن 0 نبي الله صلى الله عليه و سلم قال ان المؤمن اذا خرج من قبره صور له عمله في صورة حسنة فيقول له من أنت فوالله إني لأراك امرأ الصدق فيقول له أنا عملك فيكون له نورا وقائدا إلى الجنة وأما الكافر اذا خرج من قبره صور له عمله في صورة سيئة وبشارة سيئة فيقول ما أنت فوالله إني لأراك أمرأ السوء فيقول أنا عملك فينطلق به حتى يدخله النار ... أو ما سمعت بأن ما نتلوه في ... أيام هذا العمر من قرآن ... يأتي يجادل عنك يوم الحشر للرحمن كي ينجيك من نيران ... في صورة الرجل الذي هو شاحب ... يا حبذا ذاك الشفيع الداني ... أو ما سمعت حديث صدق قد أتى ... في سورتين من اول القرآن ... فرقان من طير صواف بينها ... شرق ومنه الضوء ذو تبيان ... شبههما بغمامتين وان تشأ ... بغيايتين هما لذا مثلان (2/594)
هذا مثال الأجر وهو فعالنا كتلاوة القرآن بالاحسان ...
... فالموت ينشيه لنا في صورة خلاقة حتى يرى بعيان ...
... والموت مخلوق بنص الوحي والمخلوق يقبل سائر الألوان ...
... في نفسه وبنشأة أخرى بقد رة خالق الأعراض والألوان ...
... أو ما سمعت بقلبه سبحانه الأعيان من لون إلى ألوان ...
... وكذلك الأعراض يقلب ربها أعيانها والكل ذو إمكان ...
... لم يفهم الجهال هذا كله فأتوا بتأويلات ذي البطلان ...
... فمكذب ومؤول ومحير ما ذاق طعم حلاوة الايمان ...
... لما فسا الجهال في آذانه أعموه دون تدبر القرآن ...
... فثنى لنا العطفين منه تكبرا وتبخترا في حلة الهذيان ...
... إن قلت قال الله قال رسوله فيقول جهلا أين قول فلان ...
في الصحيح عن النواس بن سمعان الكلابي قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما قال النووي في شرح مسلم قال أهل اللغة الغمامة والغياية كل شيء أظل الانسان فوق رأسه من سحابة وغبرة وغيرهما قال العلماء المراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين وقوله صلى الله عليه و سلم أو كأنهما فرقان من طير صواف وفي الرواية الأخرى كأنهما (2/595)
حزقان من طير صاف الفرقان بكسر وإسكان الراء والحزقان بكسر الحاء المهملة واسكان الزاي ومعناهما واحد وهما قطيعان وجماعتان يقال في الواحد فرق وحزق وحزيقة أي جماعة
قوله أو ظلتان سوداوان بينهما شرق الشرق بفتح الراء واسكانها أي ضياء ونور وفي الصحيح عنه صلى الله عليه و سلم تجيء البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان الحديث فهذه القراءة ينشئها الله تعالى غمامتين فان الله سبحانه ينشيء من الأعراض أجساما ويجعلها مادة لها وذكر ابن المبارك في رقائقه أخبرنا رجل عن زيد بن أسلم قال بلغني أن المؤمن يتمثل له عمله يوم القيامة في أحسن صورة أحسن ما خلق الله وجها وثيابا وأطيبه ريحا فيجلس إلى جنبه كلما أفزعه شيء أمنه وكلما تخوف شيئا هون عليه فيقول له جزاك الله من صاحب خيرا من أنت فيقول أما تعرفني وقد صحبتك في قبرك وفي دنياك أنا عملك كان والله حسنا فلذلك تراه حسنا وكان طيبا فلذلك تراني طيبا تعالى فاركبني فطالما ركبتك في الدنيا وهو قوله سبحانه وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم الزمر : 61 حتى يأتي إلى ربه فيقول رب إن كل صاحب عمل في الدنيا قد أصاب عمله وكل صاحب تجارة وصانع قد اصاب في تجارته غير صاحبي قد شغل في نفسه فيقول الرب تبارك وتعالى فما تسأل قال المغفرة والرحمة أو نحو هذا فيقول فإني غفرت له ثم يكسى حلة الكرامة ويجعل عليه تاج الوقار وفيه لؤلؤة تضيء من مسيرة يومين ثم يقول يا رب إن أبويه قد كان شغل عنهما وكل صاحب عمل وتجارة قد كان يدخل على ابويه من عمله فيعطيان مثل ما أعطي ويمثل للكافر عمله (2/596)
في صورة أقبح ما خلق الله وجها وأنتنه ريحا فيجلس إلى جنبه كلما أفزعه شيء زاده وكلما تخوف من شيء زاده خوفا فيقول بئس الصاحب أنت ومن أنت فيقول وما تعرفني فيقول لا فيقول أنا عملك كان قبيحا فلذالك تراني قبيحا كان منتنا فلذلك تراني منتنا فطأطيء رأسك أركبك فطالما ركبتني في الدنيا وهو قوله تعالى ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة النحل
فصل في أن الجنة قيعان وان اغراسها الكلم الطيب والعمل الصالح ... أو ما سمعت بأنها القيعان فاغرس ما تشاء بذا الزمان الفاني ... وغراسها التسبيح والتكبير والتحميد والتوحيد للرحمن ... تبا لتارك غرسه ماذا الذي ... قد فاته من مدة الامكان ... يا من يقر بذا ولا يسعى له ... بالله قل لي كيف يجتمعان ... أرأيت لو عطلت أرضك من غرا ... س ما الذي تجني من البستان ... وكذاك لو عطلتها من بذرها ... ترجو المغل يكون كالكيمان ... ما قال رب العالمين وعبده ... هذا فراجع مقتضى القرآن ...
في جامع الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال يا محمد (2/597)
أقرأ امتك السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر قال الترمذي حديث حسن غريب من حديث ابن مسعود وفي الترمذي من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة قال الترمذي حديث حسن صحيح وروى ابن ماجة عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم مر به وهو يغرس غرسا فقال يا ابا هريرة ما الذي تغرس قال غرسا قال ألا أدلك على غراس خير من هذا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر يغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة ... وتأمل الباء التي قد عينت ... سبب الفلاح لحكمة الفرقان ... وأظن باء النفي قد غرتك في ... ذاك الحديث أتى به الشيخان ... لن يدخل الجنات أصلا كادح ... بالسعي منه ولو على الأجفان ... والله ما بين النصوص تعارض ... والكل مصدرها عن الرحمن ... لكن بالاثبات والتسبيب والباء التي للنفي بالأثمان ... والفرق بينهما ففرق ظاهر ... يدريه ذو حفظ من العرفان ...
قال الناظم في حادي الأرواح روى أبو نعيم من حديث جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا يدخل أحدا منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار ولا أنا إلا بتوحيد الله واسناده على شرط مسلم وأصله في الصحيح وههنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أن الجنة إنما تدخل برحمة الله وليس عمل العبد مستقلا بدخولها وان كان نبيا ولهذا أثبت الله دخولها بالأعمال في (2/598)
قوله بما كنتم تعملون النحل ونفى رسول الله صلى الله عليه و سلم دخولها بالأعمال في قوله لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله ولا تنافي بين الأمرين لوجهين أحدهما ما ذكره سفيان وغيره قال كانوا يقولون النجاة من النار بعفو الله ودخول الجنة برحمته واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال ويدل على هذا حديث أبي هريرة أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم رواه الترمذي الثاني أن الباء التي نفت الدخول هي باء المعارضة التي يكون فيها أحد العوضين مقابلا للآخر والباء التي أثبتت الدخول هي باء السببية التي تقتضي سببيه ما دخلت عليه لغيره وان لم يكن مستقلا بحصوله وقد جمع النبي صلى الله عليه و سلم بين الأمرين في قوله سددوا وقاربوا واعلموا أن أحدا منكم لن ينجو بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا يتغمدني الله برحمته ومن عرف الله سبحانه وشهد مشهد حقه عليه وشهد تقصيره وذنوبه وأبصر هذين المشهدين بقلبه عرف ذلك وجزم به والله المستعان انتهى كلامه
فصل في أقامة المأتم على المتخلفين عن رفقة السابقين المأتم كمقعد كل مجتمع في حزن او فرح او خاص بالنساء قاله في القاموس ... بالله ما عذر أمريء هو مؤمن ... حقا بهذا ليس باليقظان ... بل قلبه في رقدة فاذا استفا ... ق فلبسه هو حلة الكسلان (2/599)
تالله لو شاقتك جنات النعيم طلبتها بنفائس الأثمان ... وسعيت جهدك في وصال نواعم ... وكواعب بيض الوجوه حسان ... جليت عليك عرائس والله لو ... تجلى على صخر من الصوان ... رقت حواشيه وعاد لوقته ... ينهال مثل نقى من الكثبان ... لكن قلبك في القساوة جاز حد الصخر والحصباء في اشجان ... لو هزك الشوق المقيم وكنت ذا ... حسن لما استبدلت بالأدوان ... أو صادفت منك الصفات حياة قلب كنت ذا طلب لهذا الشان ... خود تزف الى ضرير مقعد ... يا محنة الحسناء بالعميان ... شمس تزف اليه ما ... ذا حيلة العنين في الغشيان ...
ومعنى كلام الناظم أنا تلونا عليك صفات الجنة ونعوت عرائسها فلو صادف لك أدنى حياة قلب منك وايمان لسعيت جهدك في طلبها وآثرت النعيم الباقي على الخزف الفاني لكن قلبك أقسى من الصخر ولكن نحن بما وصفنا لك من صفات الجنة وعرائسها بمنزلة من زف خودا وهي المرأة البيضاء الناعمة إلى ضرير مقعد أو زف أجمل النساء التي هي كالشمس الى عنين عاجز عن الجماع ... يا سلعة الرحمن لست رخيصة ... بل أنت غالية على الكسلان ... يا سلعة الرحمن ليس ينالها ... في الألف الا واحد لا اثنان ... يا سلعة الرحمن ماذا كفؤها ... الا اولو التقوى مع الايمان (2/600)
يا سلعة الرحمن سوقك كاسد ... بين الأراذل سلفة الحيوان ... يا سلعة الرحمن أين المشتري ... فلقد عرضت بأيسر الاثمان ... يا سلعة الرحمن هل من خاطب ... فالمهر قبل الموت ذو إمكان ... يا سلعة الرحمن كيف تصبر الخطاب عنك وهم ذوو ايمان ... يا سلعة الرحمن لولا أنها ... حجبت بكل مكاره الانسان ... ما كان عنها قط من متخلف ... وتعطلت دار الجزاء الثاني ... لكنها حجبت بكل كريهة ... ليصد عنها المبطل المتواني ... وتنالها الهمم التي تسمو الى ... رب العلى بمشيئة الرحمن ...
قوله ولكنها حجبت بكل كريهة الخ روى البخاري ومسلم عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات
قوله حفت أصل الحفاف الدائر بالشيء المحيط به الذي لا يتوصل اليه الا بعد أن يتخطى فمثل النبي صلى الله عليه و سلم المكاره والشهوات بذلك فالجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره والصبر عليها والنار لا ينجي منها الا بترك الشهوات وفطام النفس عنها وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه مثل طريق الجنة وطريق النار بتمثيل آخر فقال طريق الجنة حزن بربوة وطريق النار سهل بسهوة والحزن هو الطريق الوعر المسلك والربوة المكان المرتفع وأراد به أعلى ما يكون في الروابي والسهوة بالسين المهملة هو الموضع السهل الذي لا غلظ فيه ولا وعورة والمكاره كل ما يشق على النفس فعله ويصعب عليها عمله كالطهارة في السبرات وغيرها من (2/601)
اعمال الطاعات والصبر على المصائب وجميع المكروهات والشهوات كل ما يوافق النفس ويلائمها وتدعو إليه ويوافقها وذكر الناظم العلة في حجب الجنة بالمكاره وحف النار بالشهوات وذلك ليصد عن الجنة المبطل المتواني المتقاعد وتنالها الهمم التي تسمو الى معالي الأمور وتؤثر الأعلى على الأدنى ولو حصل من ذلك أعظم المشقة والله أعلم ... فاتعب ليوم معادك الأدنى تجد ... راحاته يوم المعاد الثاني ... واذا أبت ذا الشأن نفسك فاتهمها ثم راجع مطلع الايمان ... فاذا رأيت الليل بعد وصبحه ... ما انشق عنه عموده لأذان ... والناس قد صلوا صلاة الصبح وانتظروا طلوع الشمس قرب زمان ... فاعلم بأن العين قد عميت فنا ... شد ربك المعروف بالاحسان ...
أي إذا كان الصبح قد طلع والناس قد صلوا صلاة الصبح وقرب طلوع الشمس وأنت لجهلك وغفلتك لا تعلم بطلوع الفجر وتظن أن الليل لم يزل فاعلم بأن عينك قد عميت أي عين بصيرتك فاسأل ربك سبحانه ايمانا يباشر قلبك المحجوب ... واسأله إيمانا يباشر قلبك المحجوب عنه لتنظر العينان ...
... واسأله نورا هاديا يهديك في ... طرق المسير اليه كل أوان ... والله ما خوفي الذنوب فانها ... لعلى طريق العفو والغفران ... لكنما أخشى انسلاخ القلب عن ... تحكيم هذا الوحي والقرآن ... ورضى بآراء الرجال وحرصها ... لا كان ذاك بمنة الرحمن (2/602)
فبأي وجه ألتقي ربي اذا ... أعرضت عن ذا الوحي طول زمان ... وعزلته عما أريد لأجله ... عزلا حقيقيا بلا كتمان ... صرحت أن يقيننا لا يستفاد به وليس لديه من إتقان ... أوليته هجرا وتأويلا وتحريفا وتفويضا بلا برهان ... وسعيت جهدي في عقوبة ممسك ... بعراه لا تقليد رأي فلان ...
يقول الناظم والله ما أخشى الذنوب لأن أسباب غفرانها متعددة وعفو الرب تعالى واسع وانما اخشى انسلاخ قلبي عن تحكيم الوحي المبين من كلام رب العالمين وقول نبيه الصادق الأمين فبأي وجه ألقى الله تعالى اذا فعلت ذلك وأعرضت عن الوحي المنزل من السماء ورضيت بآراء الرجال وخرصها وقدمتها على كلام الله ورسوله وعزلت القرآن عما أريد لأجله وهو أنه أريد بانزاله الهدى واليقين فما حجتي عند الله اذا صرحت بأنه لا يفيد اليقين وأوليته هجرا وتأويلا وتحريفا وتفويضا ومع ذلك سعيت جهدي في عقوبة من تمسك بالوحي النازل من السماء وقدمه على التقليد والآراء الهراء كما فعل ذلك من فعله من المبتدعين عياذا بالله من ذلك ... يا معرضا عما يراد به وقد ... جد المسير فمنتهاه داني ... جذلان يضحك آمنا متبخترا ... وكأنه قد نال عقد أمان ... خلع السرور عليه أو في حله ... طردت جميع الهم والاحزان ... يختال في حلل المسرة ناسيا ... ما بعدها من حلة الأكفان (2/603)
ما سعيه الا لطيب العيش في الدنيا ولو أفضى الى النيران ... قد باع طيب العيش في دار النعيم بذا الحطام المضمحل الفاني ... اني أظنك لا تصدق كونه ... بالقرب بل ظن بلا إيقان ... بل قد سمعت الناس قالوا جنة ... أيضا ونار بل لهم قولان ... والوقف مذهبك الذي تختاره ... واذا انتهى الايمان للرجحان ... أم تؤثر الأدنى عليه وقالت النفس التي استعلت على الشيطان ... أتبيع نقدا حاضرا بنسيئة ... بعد الممات وطي ذي الأكوان ... لو أنه بنسيئة الدنيا لها ... ن الأمر لكن في معاد ثان ... دع ما سمعت الناس قالوه وخذ ... ما قد رأيت مشاهد بعيان ... والله لو جالست نفسك خاليا ... وبحثتها بحثا بلا روغان ... لرأيت هذا كامنا فيها ولو ... أمنت لألقته الى الآذان ... هذا هو السر الذي من أجله ... اختارت عليه العاجل المتداني ... نقد قد اشتدت اليه حاجة ... منها ولم يحصل لها بهوان ... أتبيعه بنسيئة في غير هذي الدار بعد قيامة الأبدان ... هذا وان جزمت بها قطعا ولكن حظها في حيز الامكان ... ما ذاك قطعي لها والحاصل الموجود مشهود برأي عيان ... فتألفت من بين شهوتها وشبهتها قياسات من البطلان (2/604)
واستنجدت منها رضى بالعاجل الأدنى على الموعود بعد زمان ... وأتى من التأويل كل ملائم ... لمرادها يا رقة الايمان ... وصغت الى شبهات أهل الشرك والتعطيل مع نقص من العرفان ... واستنقصت اهل التقى ورأتهم ... في الناس كالغرباء في البلدان ... ورأت عقول الناس دائرة على ... جمع الحطام وخدمة السلطان ... وعلى المليحة والمليح وعشرة الأحباب والاصحاب والاخوان ... فاستوعرت ترك الجميع ولم تجد ... عوضا تلذ به من الاحسان ... فالقلب ليس يقر إلا في إنا ... ء فهو دون الجسم ذو جولان ... يبغي له سكنا يلذ بقربه ... فتراه شبه الواله الحيران ... فيحب هذا ثم يهوى غيره ... فيظل منتقلا مدى الازمان ... لو نال كل مليحة ورياسة ... لم يطمئن وكان ذا دوران ... بل لو ينال بأسرها الدنيا لما ... قرت بما قد ناله العينان ... نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... واختر لنفسك أحسن الانسان ... فالقلب مضطر الى محبوبه الأعلى فلا يغنيه حب ثاني ... وصلاحه وفلاحه ونعيمه ... تجريد هذا الحب للرحمن ... فاذا تخلى منه أصبح حائرا ... ويعود في ذا الكون ذا هيمان (2/605)
قوله جذلان قال في القاموس جذل جذولا انتصب ونبت وكفرح فرح فهو جذل وجذلان انتهى
فصل في زهد أهل العلم والايمان وايثارهم الذهب الباقي على الخزف الفاني ... لكن ذا الايمان يعلم ان هذا كالظلال وكل هذا فاني ... كخيال طيف ما استتم زيارة ... الا وصبح رحيله باذان ...
... وسحابة طلعت بيوم صائف ... فالظل منسوخ بقرب زمان ... وكزهرة وافى الربيع بحسنها ... او لامعا فكلاهما اخوان ... أو كالسراب يلوح للظمآن في ... وسط الهجير بمستوى القيعان ... أو كالأماني طاب منها ذكرها ... بالقول واستحضارها بجنان ... وهي الغرور رؤوس أموال المفا ... ليس الألى تجروا بلا أثمان ... أو كالطعام يلذ عند مساغه ... لكن عقباه كما تجدان ... هذا هو المثل الذي ضرب الرسو ... ل لها وذا في غاية التبيان ...
كما في المسند أن النبي صلى الله عليه و سلم قال للضحاك بن سفيان ألست تؤتى بطعامك وقد ملح وقزح ثم تشرب عليه اللبن والماء قال بلى قال فالى ما يصير قال الى ما قد علمت قال فان الله عز و جل ضرب مثل (2/606)
الدنيا بما يصير اليه طعام ابن آدم ... واذا أردت ترى حقيقتها فخذ ... منه مثالا واحدا ذا شان ... أدخل بجهدك أصبعا في اليم وانظر ما تعقله إذا بعيان ... هذا هو الدنيا كذا قال الرسول ... ممثلا والحق ذو تبيان ...
قال صلى الله عليه و سلم ما الدنيا في الآخرة الا كما يجعل أحدكم اصبعه في اليم فلينظر بم يرجع ... وكذلك مثلها بظل الدوح في ... وقت الحرور لقائل الركبان ...
في قوله صلى الله عليه و سلم مالي وللدنيا إنما أنا والدنيا كمثل راكب قال تحت ظل شجرة ثم راح وتركها ... هذا ولو عدلت جناح بعوضة ... عند الاله الحق في الميزان ... لم يسق منها كافرا من شربة ... ماء وكان أحق بالحرمان ...
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء رواه الترمذي وقال حديث صحيح ... تالله ما عقل امريء قد باع ما ... يبقى بما هو مضمحل فاني ... هذا ويفتى ثم يقضي حاكما ... بالحجر من سفه لذا الانسان ... اذ باع شيئا قدره فوق الذي ... يعتاضه من هذه الأثمان ... فمن السفيه حقيقة ان كنت ذا ... عقل واين العقل للسكران (2/607)
معنى كلامه أن السفيه يحكم بالحجر عليه إذا باع شيئا بأقل من قيمته فأولى بالسفه من باع الآخرة التي هذا قدرها بالدنيا وهي لا تساوي عند الله جناح بعوضة ... والله لو ان القلوب شهدن منا كان شأن غير هذا الشان ... نفس من الانفاس هذا العيش ان ... قسناه بالعيش الطويل الثاني ... يا خسة الشركاء مع عدم الوفا ... ء وطول جفوتها مع الهجران ...
... هل فيك معتر فيسلو عاشق ... بمصارع العشاق كل زمان ... لكن على تلك العيون غشاوة ... وعلى القلوب أكنة النسيان ... وأخو البصائر حاضر متيقظ ... متفرد عن زمرة العميان ... يسمو الى ذاك الرفيق الأرفع الأعلى وخلى اللعب للصبيان ... والناس كلهم فصبيان وإن ... بلغوا سوى الافراد والوحدان ... واذا رأى ما يشتهيه قال مو ... عدك الجنان وجد في الأثمان ... واذا أبت الا الجماح أعاضها ... بالعلم بعد حقائق الايمان ... ويرى من الخسران بيع الدائم الباقي به يا ذلة الخسران ... ويرى مصارع أهلها من حوله ... وقلوبهم كمراجل النيران ... حسراتها هن الوقود فان خبت ... زادت سعيرا بالوقود الثاني ... جاؤوا فرادى مثل ما خلقوا بلا ... مال ولا أهل ولا اخوان (2/608)
ما معهم شيء سوي الاعمال فهي متاجر للنار او لجنان ... تسعى بهم أعمالهم سوقا إلى الدارين سوق الخيل بالركبان ... صبروا قليلا فاستراحوا دائما ... يا عزة التوفيق للانسان ... حمدوا التقى عند الممات كذا السرى ... عند الصباح فحبذا الحمدان ... وخدت بهم عزماتهم نحو العلى ... وسروا فما نزلوا الى نعمان ... باعوا الذي يفنى من الخزف الخسيس بدائم من خالص العقيان ... رفعت لهم في اليسر أعلام السعا ... دة والهدى يا ذلة الحيران ... فتسابق الاقوام وابتدروا لها ... كتسابق الفرسان يوم رهان ... وأخو الهوينا في الديار مخلف ... مع شكله يا خيبة الكسلان ...
قوله وخدت بهم همم الخ الوخد للبعير الاسراع أو أن يرمي بقوائمه كمشي النعام أو سعة الخطو كالوخدان والوخيد وقد وخد كوعد فهو واخد ووخاد ووخود قاله في القاموس قوله خزف الخزف محركة الجر وكل ما عمل من طين وشوي بالنار حتى يكون فخارا قاله في القاموس (2/609)
فصل في رغبة قائلها إلى من يقف عليها من اهل العلم والايمان ان يتجرد لله ويحكم عليها بما يوجبه الدليل والبرهان فان رأى حقا قبله وحمد الله عليه وإن رأى باطلا عرف به وأرشد اليه ... يا أيها القاري لها اجلس مجلس الحكم الأمين أتى له الخصمان ... واحكم هداك الله حكما يشهد العقل الصريح به مع القرآن ... واحبس لسانك برهة عن كفره ... حتى تعارضها بلا عدوان ... فاذا فعلت فعنده أمثالها ... فنزال آخر دعوة الفرسان ... فالكفر ليس سوى العناد ورد ما ... جاء الرسول به لقول فلان ... فانظر لعلك هكذا دون الذي ... قد قالها فتفوز بالخسران ... فالحق شمس والعيون نواظر ... لا تختفي الا على العميان ... والقلب يعمى عن هداه مثلما تعمى ... وأعظم هذه العينان ...
يقول الناظم يا أيها القاريء لهذه المنظومة المباركة اجلس مجلس الحكم الأمين غير الخائن جلس اليه الخصمان واحكم حكما يشهد له العقل الصريح مع محكم القرآن ولا تبادر بتكفير قائلها بل احبس لسانك برهة أي عن أن تحكم بكفره بمجرد هواك حتى تعارض ما قاله بغير (2/610)
اعتداء فاذا فعلت فعنده أمثالها وآخر الأمر يدعوك إلى المبارزة والمنازلة
قوله فلنزال هذا ونحوه اسم مبني على الكسر كحذام وقطام ونحوهما وهو بفتح أوله ثم بين أن الكفر ليس إلا العناد ورد ما قال الرسول لأجل قول فلان وفلان ثم قال فانظر لعلك هكذا الخ أي لعلك ممن يعاند ويرد قول الرسول صلى الله عليه و سلم لأجل أقوال الناس ثم أخذ الناظم في الشكاية من الأربعة الذين ذكرهم فقال ... هذا وإني بعد ممتحن بأر ... بعة وكلهم ذوو أضغان ... فظ غليظ جاهل متمعلم ... ضخم العمامة واسع الأردان ... متفيهق متضلع بالجهل ذو ... ضلع وذو جلح من العرفان ... مزجي البضاعة في العلوم وإنه ... زاج من الايهام والهذيان ... يشكو إلى الله الحقوق تظلما ... من جهله كشكاية الأبدان ... من جاهل متطبب يفني الورى ... ويحيل ذاك على قضا الرحمن ...
قوله متفيهق قال في القاموس تفيهق في كلامه تنطع وتوسع كأنه ملأ به فمه قوله متضلع تضلع امتلأ شبعا أو ريا حتى بلغ الماء أضلاعه قاله في القاموس قوله ذو ضلع قال في القاموس ضلع كمنع مال وجنف جار وفلانا ضرب ضلعه وضلع السيف كفرح اعوج والضالع الجائر (2/611)
والضلع محركة الاعوجاج خلقه ويسكن ومنه لأقيمن ضلعك بالوجهين قوله زاج قال في القاموس وبضاعة مزجاة قليلة ولم يتم صلاحها والزجاء النفاذ في الأمر وهو أزجى منه أشد نفاذا قوله من جاهل متطبب الخ قال الناس أفسد ما يفسد الدنيا نصف متكلم ونصف متفقه ونصف متطبب ونصف نحوي هذا يفسد الأديان وهذا يفسد الابدان وهذا يفسد اللسان ... عجت فروج الخلق ثم دماؤهم وحقوقهم منه إلى الديان ... ما عنده علم سوى التفكير والتبديع والتضليل والبهتان ... فإذا تيقن أنه المغلوب عند تقابل الفرسان في الميدان ... قال اشتكوه إلى القضاة فان هم ... حكموا وإلا أشكوا إلى السلطان ... قولوا له هذا يحل الملك بل ... هذا يزيل الملك مثل فلان ... فاعقره من قبل اشتداد الأمر منه بقوة الأتباع والأعوان ... وإذا دعاكم للرسول وحكمه ... فادعوه كلكم لرأي فلان ... وإذا اجتمعتم في المجالس فالغطوا ... والغوا إذا ما احتج بالقرآن ...
هذا كما قال الشيخ نصر المنبجي لبيبرس الجاشنكير إن هذا يخشى على الدولة منه كما جرى لابن التومرت صاحب المغرب يعني شيخ الاسلام رحمه الله تعالى ... واستنصروا بمحاضر وشهادة ... قد اصلحت بالرفق والاتقان (2/612)
لا تسألوا الشهداء كيف تحملوا ... وبأي وقت بل بأي مكان ... وارفوا شهادتهم ومشوا حالها ... بل أصلحوها غاية الامكان ... فإذا هم شهدوا فزكوهم ولا ... تصغوا لقول الجارح الطعان ... قولوا العدالة منهم قطعية ... لسنا نعارضها بقول فلان ...
أي إذا قدح قادح في شهودكم فلا تلتفتوا لقوله ولا تصغوا له وقولوا الاصل في الناس العدالة ونحو ذلك ... ثبتت على الحكام بل حكموا بها ... فالطعن فيها ليس ذا إمكان ... من جاء يقدح فيهم فليتخذ ... ظهرا كمثل حجارة الصوان ... وإذا هو استعداهم فجوابهم ... أتردها بعداوة الأديان ...
أي قولوا لا ترد شهادة العدول بعداوة الأديان
فصل في حال العدو الثاني ... أو حاسد قد بات يغلي صدره ... بعداوتي كالمرجل الملآن ... لو قلت هذا البحر قال مكذبا هذا السراب يكون بالقيعان ... أو قلت هذي الشمس قال مباهتا ... الشمس لم تطلع إلى ذا الآن ... أو قلت قال الله قال رسوله ... غضب الخبيث وجاء بالكتمان (2/613)
أو حرف القرآن عن موضوعه تحريف كذاب على القرآن ... صال النصوص عليه فهو بدفعها ... متوكل بالدأب والديدان ... فكلامه في النص عند خلافه ... من باب دفع الصائل الطعان ... فالقصد دفع النص عن مدلوله ... كي لا يصول إذا التقى الزحفان ...
فصل في حال العدو الثالث ... والثالث الأعمى المقلد ذينك الرجلين قائد زمرة العميان ... فاللعن والتكفير والتبديع والتضليل والتفسيق بالعدوان ... وإذا هم سألوه مستندا له ... قال اسمعوا ما قاله الرجلان ...
هذا العدو الثالث وهو الجاهل المقلد للعدوين اللذين تقدما وهما الجاهل المتمعلم والحاسد قوله قال اسمعوا الخ المراد بالرجلين الجاهل والحاسد (2/614)
فصل في حال العدو الرابع ... هذا ورابعهم وليس بكلبهم ... حاشا الكلاب الآكلي الانتان ... خنزير طبع في خليقة ناطق ... متسوف بالكذب والبهتان ...
... كالكلب يتبعهم يمشمش أعظما ... يرمونها والقوم للحمان ... يتفكهون بها رخيصا سعرها ... ميتا بلا عوض ولا أثمان ... هو فضلة في الناس لا علم ولا ... دين ولا تمكين ذي سلطان ... فإذا رأى شرا تحرك يبتغي ... ذكرا كمثل تحرك الثعبان ...
قوله كالكلب يتبعهم الظاهر أن مراده أن هذا العدو الرابع يتبع الأعداء الثلاثة في اكل لحوم العلماء أتباع الكتاب والسنة والتفكه بها قوله فاذا رأى شرا أي إن هذا العدو إذا رأى شرا رفع رأسه وتحرك يبتغي ذكرا كتحرك الثعبان وهو كما في القاموس الحية الضخمة الطويلة او الذكر خاصة او عام ... ليزول عنه أذى الكساد فينفق الكلب العقور على ذكور الضان ... فبقاؤه في الناس أعظم محنة ... من عسكر يعزى إلى غازان ...
غازان من ملوك التتار ثم أخذ الناظم في التشكي من عدم نفاق بضاعته هذه وان العلماء الذين هم أهل لها قد سافروا عن (2/615)
هذه البلدان والاوطان أي ماتوا ولم يجدوا الا الصعافقة وهم كما في القاموس قوم يشهدون السوق للتجارة بلا رأس مال فاذا اشترى التجار شيئا دخلوا معهم الواحد صعفقي ووصعفتي صعفوق بالفتح جمع صعافيق أيضا انتهى ... هذي بضاعة ضارب في الأرض يبغي تاجرا يبتاع بالأثمان ... وجد التجار جميعهم قد سافروا ... عن هذه البلدان والاوطان ... إلا الصعافقة الذين تكلفوا ... أن يتجروا فينا بلا أثمان ... فهم الزبون لها فبالله ارحموا ... من بيعه من مفلس مديان ...
أي بالله يا معشر المسلمين ارحموا تاجرا قد جاء ببضاعة فاذا التجار قد سافروا ولم يجحدوا الا هؤلاء الصعافقة الذين لا مال لهم بل هم مفاليس مديونين ... يارب فارزقها بحقك تاجرا ... قد طاف بالآفاق والبلدان ...
... ما كل منقوش لديه أصفر ... ذهبا يراه خالص العقيان ... وكذا الزجاج ودرة الغواص في ... تمييزه ما إن هما مثلان ...
ثم ختم الكتاب بالتوجه الى الله وسؤاله بأسمائه وصفاته أن ينصر كتابه ورسوله ودينه وأن ينصر حزب الايمان على حزب الضلال وعسكر الشيطان فقال (2/616)
فصل في توجه أهل السنة الى رب العالمين ان ينصر دينه وكتابه ورسوله وعباده المؤمنين ... هذا ونصر الدين فرض لازم ... لا للكفاية بل على الأعيان ... بيد وإما باللسان فإن عجز ... ت فبالتوجه والدعا بجنان ... ما بعد ذا والله للايمان حبة خردل يا ناصر الايمان ... بحياة وجهك خير مسؤول به ... وبنور وجهك يا عظيم الشان ...
قوله بحياة وجهك الخ لا يقال هذا يعارض ما رواه ابو داود عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يسأل بوجه الله الا الجنة لأنه ورد في دعاء النبي صلى الله عليه و سلم منصرفة من الطائف حين كذبه أهل الطائف ومن في الطائف من اهل مكة فدعا النبي صلى الله عليه و سلم بالدعاء المأثور اللهم اليك اشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ربي الى من تكلني وفي آخره أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات الخ والحديث المروي في الأذكار اللهم أنت أحق من ذكر وأحق من عبد وفي آخره أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض وفي حديث آخر أعوذ بوجه الله الكريم وباسم الله القديم وبكلماته التامة من شر السامة واللامة ومن شر ما خلقت أي رب ومن شر هذا اليوم ومن شر ما بعده ومن شر الدنيا والآخرة وأمثال ذلك في الأحاديث المرفوعة فيجاب عن ذلك بأن الدنيا والآخرة وأمثال ذلك في حديث المرفوعة فيجاب عن ذلك بأن ما ورد من ذلك (2/617)
أنه سؤال ما يقرب من الجنة أو يمنعه من الاعمال التي تمنعه من الجنة فيكون قد سأل بوجه الله وبنور وجهه ما يقرب إلى الجنة كما في الحديث الصحيح اللهم أني أسألك الجنة وما يقرب اليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما يقرب اليها من قول وعمل وأما ما يختص بالدنيا كسؤال المال والرزق والسعة في المعيشة رغبة في الدنيا مع قطع النظر عن كونه أراد بذلك ما يعينه على عمل الآخرة فلا ريب أن الحديث يدل على المنع من أن يسأل حوائج دنياه بوجه الله والناظم إنما سأل بوجه الله ما يقرب الى الجنة بل هو طريق الى الجنة وهو نصرة كتاب الله ورسوله ودينه وعلى هذا تعارض بين الاحاديث كما لا يخفى والله اعلم ... وبحق نعمتك التي أوليتها ... من غير ما عوض ولا أثمان ... وبحق رحمتك التي وسعت جميع الخلق محسنهم كذاك الجاني ... وبحق أسماء لك الحسنى معا ... فيها نعوت المدح للرحمن ... وبحق حمدك وهو حمد واسع الأكوان بل أضعاف ذي الأكوان ... وبأنك الله الاله الحق معبود الورى متقدس عن ثان ... بل كل معبود سواك فباطل ... من دون عرشك للثرى التحتاني ... وبك المعاذ ولا ملاذ سواك ... أنت غياث كل ملدد لهفان ... من ذاك للمضطر يسمعه سوا ... ك يجيب دعوته مع العصيان ... إنا توجهنا اليك لحاجة ... ترضيك طالبها احق معان ... فاجعل قضاها بعض أنعمك التي ... سبغت علينا منك كل زمان (2/618)
أنصر كتابك والرسول ودينك العالي الذي أنزلت بالبرهان ... واخترته دينا لنفسك واصطفيت مقيمه من أمة الانسان ... ورضيته دينا لمن ترضاه ... من هذا الورى هو قيم الأديان ... وأقر عين رسولك المبعوث بالدين الحنيف بنصره المتداني ... وانصره بالنصر العزيز كمثل ما ... قد كنت تنصره بكل زمان ... يا رب وانصر خير حزبينا على ... حزب الضلال وعسكر الشيطان ... يا رب واجعل شر حزبينا فدا ... لخيارهم ولعسكر القرآن ... يا رب واجعل حزبك المنصور أهل تراحم وتواصل وتدان ... يا رب واحمهم من البدع التي ... قد أحدثت في الدين كل زمان ... يا رب جنبهم طرائقها التي ... تفيض بسالكها إلى النيران ... يا رب واهدهم بنور الوحي كي ... يصلوا اليك فيظفروا بجنان ... يا رب كن لهم وليا ناصرا ... واحفظهم من فتنة الفتان ... وانصرهم يا رب بالحق الذي ... أنزلته يا منزل القرآن ... يارب إنهم هم الغرباء قد ... لجؤوا اليك وأنت ذو الاحسان ... يا رب قد عادوا لأجلك كل هذا الخلق إلا صادق الايمان ... قد فارقوهم فيك أحوج ما هم ... دينا اليهم في رضى الرحمن ... ورضوا ولاتيك التي من نالها ... نال الأمان ونال كل أمان (2/619)
ورضوا بوحيك من سواه وما ارتضوا بسواه من آراء ذي الهذيان ... يا رب ثبتهم على الايمان واجعلهم هداة التائه الحيران ... وانصر على حزب النفاة عساكر الإثبات أهل الحق والعرفان ... وأقم لأهل السنة النبوية الأنصار وانصرهم بكل زمان ... واجعلهم للمتقين أئمة ... وارزقهم صبرا مع الايقان ... نهدي بأمرك لا بما قد أحدثوا ... ودعوا اليه الناس بالعدوان ... وأعزهم بالحق وانصرهم به ... نصرا عزيزا أنت ذو السلطان ... واغفر ذنوبهم وأصلح شأنهم ... فلأنت أهل العفو والغفران ... ولك المحامد كلها حمدا كما ... يرضيك لا يفنى على الأزمان ... ملء السماوات العلى والأرض وال ... موجود بعد ومنتهى الامكان ... مما تشاء وراء ذلك كله ... حمدا بغير نهاية بزمان ... وعلى رسولك أفضل الصلوات والتسليم منك وأكمل الرضوان ... وعلى صحابته جميعا والألى ... تبعوهم من بعد بالاحسان ...
وصلى الله على محمد عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده وسلم (2/620)