(وقال تعالى (ولو انهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله) الرسول يؤتي (إنا الى الله راغبون)) إنا إلى الله وحده لا إلى غيره ولو الرسول راغبون ، الرغبة خاصة بالله ، الرغبة والرهبة خاصة بالله من أنواع العبادة بخلاف الإيتاء ، الإعطاء (فقال فى الإيتاء (ما آتاهم الله ورسوله)) الرسول يؤتي ، يعطي (وقال فى التوكل (وقالوا حسبنا الله) ولم يقل (ورسوله)) لا يجوز (لأن الإيتاء هو الإعطاء الشرعى وذلك يتضمن الإباحة والإحلال) فالنبي عليه الصلاة والسلام يحلل ويحرم بإذن الله لأن الله أعطاه الطاعة المطلقة "أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم" لم يعط أولي الأمر الطاعة المطلقة ولكن أعطى نبيه الطاعة المطلقة بإعادة الفعل "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول" ولو قال (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر) صار لولاة الأمور الطاعة المطلقة ولكن الله لم يقل ذلك إنما قال أطيعوا الله وأطيعوا الرسول لن الرسول معصوم طاعته من طاعة الله لا يأمر إلا بما يرضي الله ولا يحلل إلا بإذن الله إذن له الطاعة المطلقة وأولوا الأمر من العلماءالعاملين والأمراء الصالحين لهم الطاعة ما أطاعوا الله ورسوله .
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى (لأن الإيتاء هو الإعطاء الشرعى وذلك يتضمن الإباحة والإحلال الذى بلغه الرسول صلى الله عليه وسلم لإن الحلال ما حلله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه) سبق أن بينا هذه النقطة تماما بأن التحليل والتحريم قد يأتي في السنة ما لم يأت مثله في القرآن كذلك قد تأتي بعض صفات الرب سبحانه وتعالى في السنة ولم يأت ذكرها في القرآن وعند أهل السنة والجماعة لا فرق بين الحلال الذي حلله الله في كتابه وبين الحلال الذي حلله النبي عليه الصلاة والسلام في سنته وكذلك الحرام وكذلك الصفات ، ما أعتقد أننا بحاجة إلى أن نتوسع أكثر من هذا لأننا كررنا هذا غير مرة .(22/52)
وبعد ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) لأن أمره من أمر الله ونهيه من نهيه سبحانه وطاعته من طاعته .
(وأما الحسب) انتبه هنا (وأما الحسب فهو الكافى والله وحده كاف عبده) "أليس الله بكاف عبده؟" وحده هو الكافي (كما قال تعالى (الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) قال هؤلاء المؤمنون الصادقون (فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)) حسبنا الله وحده ونعم الوكيل من توكل عليه واكتفى به وكيلا وحسبا وكاف قد وفق ورشد (فهو وحده حسبهم كلهم وقال تعالى (يا أيها النبى حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) أى حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين هو الله) وحده (فهو كافيكم كلكم) يقول شيخ الإسلام (وليس المراد ان الله والمؤمنين حسبك كما يظنه بعض الغالطين) لعل شيخ الإسلام يشير إلى أن الذين فسروا التفسير الثاني ليس جهلا منهم بل يغالطون وهذا كثير عند المنحرفين خصوصا الذين تمكنوا من اللغة قد يغالطوا الناس مستغلين تمكنهم من اللغة وفي مقدمتهم الزمخشري متمكن من اللغة العربية فيغالط كثيرا تأييدا لمذهبه المنحرف الاعتزال (اذ هو وحده كاف نبيه وهو حسبه ليس معه من يكون هو واياه حسبا للرسول) المؤمنون لا يكونوا حسبا للرسول المؤمنون محتاجون إلى الله وهم أحوج لا يكونون حسبا للرسول صلى الله عليه وسلم مع الله الله هو الغني وحده لا يحتاج إلى ظهير ولا معين (وهذا فى اللغة كقول الشاعر) من يحفظ أول البيت (% فحسبك والضحاك سيف مهند %) هاه أين طلاب كلية اللغة ، هذا الشطر الثاني من البيت أين الشطر الأول هاه من يأتي به .. موجود هنا في الهامش هامش الكتاب ؟ أحسنت :
إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا ... فحسبك والضحاكَ سيف مهند
محل الشاهد هو هذا الشطر الأخير (فحسبك والضحاكَ) لو قلت والضحاكُ غلط ، والضحاكَ ، الذين صلتهم ضعيفة بسيبويه يحطون فتحة كبيرة وبالخط الأحمر .(22/53)
(وتقول العرب حسبك وزيدا درهم) (حسبك وزيدا) لا تقول حسبك وزيدٌ (حسبك وزيدا درهم) واحد (أى يكفيك وزيدا جميعا درهم) يصرف ما فيش مانع .
نعم .
((وقال فى الخوف والخشية والتقوى ( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ) فأثبت الطاعة لله وللرسول وأثبت الخشية والتقوى لله وحده كما قال نوح عليه السلام ( انى لكم نذير مبين ان اعبدوا الله واتقوه وأطيعون ) فجعل العبادة والتقوى لله وحده وجعل الطاعة للرسول فإنه من يطع الرسول فقد اطاع الله وقال تعالى ( فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) وقال تعالى ( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ) وقال الخليل عليه السلام ( وكيف اخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأى الفريقين أحق بالأمن ان كنتم تعلمون ) قال الله تعالى (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) وفى الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا وأينا لم يظلم نفسه فقال النبى ( إنما هو الشرك ألم تسمعوا الى قول العبد الصالح إن الشرك لظلم عظيم وقال تعالى ( فإياى فارهبون) (وإياى فاتقون ) ومن هذا الباب أن النبى كان يقول فى خطبته ( من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئا ) وقال ( ولا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد ) ففى الطاعة قرن اسم الرسول باسمه بحرف الواو وفى المشيئة أمر أن يجعل ذلك بحرف ثم وذلك لأن طاعة الرسول طاعة لله فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله وطاعة الله طاعة للرسول بخلاف المشيئة فليست مشيئة أحد من العباد مشيئة لله ولا مشيئة الله مستلزمة لمشيئة العباد بل ما شاء الله كان وان لم يشأ الناس وما شاء الناس لم يكن إن لم يشأ الله)) سبحانه .(22/54)
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وهو يسرد أدلة من الكتاب والسنة في تحقيق كلمة لا إله إلا الله وإن شئت في تحقيق توحيد العبادة وإن شئت في تفسير لا إله إلا الله هذه الكلمة العظيمة (وقال فى الخوف والخشية والتقوى) إفراد الله تعالى بالخوف والخشية والتقوى من تحقيق التوحيد ومن تفسير لا إله إلا الله ((ومن يطع الله ورسوله) عطف طاعة الرسول على طاعته سبحانه ((ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون)) قال (ويخش الله ويتقه) خص الخشية والتقوى بالله (فأولئك هم الفائزون)فأثبت الطاعة لله وللرسول وأثبت الخشية والتقوى لله وحده كما قال نوح عليه السلام لقومه(انى لكم نذير مبين ان اعبدوا الله واتقوه وأطيعون)) هذا محل الشاهد أن اعبدوا الله وحده واتقوه وحده وأطيعون (فجعل العبادة والتقوى لله وحده وجعل الطاعة للرسول فإنه من يطع الرسول فقد اطاع الله) جميع الرسل لهم الطاعة ولهم المتابعة ، من حقوق الرسول التصديق تصديق خبره وطاعته واتباعه وأن يعبد الله بما جاء به فقط هذا من حق الرسول علينا ولا يستحق الرسول صلى الله عليه وسلم الخشية والتقوى والتوكل والوساطة ، الذين يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرجونه للشفاعة من الآن ويتوكلون عليه جالسين متكلين ومتوكلين على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه سوف يشفع لهم هؤلاء يحرمون الشفاعة لا ينالون الشفاعة ، الشفاعة لا ينالها إلا الموحد الذي يشرك بالله تعالى يحرم الشفاعة من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه هؤلاء تعجلوا فعوقبوا بالحرمان ، مشكلة الشفاعة مشكلة عويصة يجهلها أو يتجاهلها كثير من المنتسبين إلى العلم اسمع إلى سؤال أبي هريرة رضي الله عنه : قال يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ ، انتبه لهذا لسؤال العظيم ، من عظمة هذا السؤال علق النبي عليه الصلاة والسلام تعليقا قبل أن يجيب عليه قال "يا أبا هريرة كنت أظن أنه لا يسألني هذا السؤال(22/55)
أول منك" أي أعلم ذلك ، الظن يأتي بمعنى العلم لأنه يحب العلم ويحب الحديث ، بعد ذلك أجابه "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه" لذلك الذي يريد الشفاعة يتعرض للشفاعة كيف يتعرض لها ؟
يحاول تحقيق لا إله إلا الله تحقيق التوحيد حتى يكون عبدا لله خالصا صادقا ويحاول تجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهناك أسباب هينة إذا وفق العبد إليها : من سمع الأذان وتابع المؤذن ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب له الوسيلة والفضيلة حلت له شفاعته صلى الله عليه وسلم كما أخبر ما أيسر وما أصعب فالناس تنشغل وهي من أيسر الأسباب لكن قل من ينتبه لهذا السبب ، المهم للشفاعة أسباب ومن أهم الأسباب أن تؤمن بأن الشفاعة كلها لله ، لله وحده فتطلب من مالكها ، وبالله التوفيق .
يقول (فجعل العبادة والتقوى لله وحده وجعل الطاعة للرسول فإنه من يطع الرسول فقد اطاع الله وقال تعالى (فلا تخشوا الناس واخشوني) أصلها واخشوني أنا (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا)) هذا فيه نهي صريح لا نقول يستنبط ويستنتج من الأسلوب من التقديم والتأخير (فلا تخشوا الناس) جنس الناس بما فيهم الأنبياء (واخشوني) واخشوني أنا الذي يستحق الخشية هو الله وحده (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا)وقال تعالى (فلا تخافوهم وخافون) أي وخافوني (إن كنتم مؤمنين)) إن كنتم مؤمنين خافوني من خاف الله وخص الله بالخوف مؤمن ومن لا فلا .
(وقال الخليل عليه السلام (وكيف اخاف ما أشركتم) من الأصنام (ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأى الفريقين أحق بالأمن ان كنتم تعلمون)) إن كنتم أهل علم أي الفريقين أحق بالأمن نحن أم أنتم ؟(22/56)
(وقال الله تعالى (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)) لهم وحدهم الأمن ، الذين آمنوا ولم يخلطوا إيمانهم بشرك أولئك لهم الأمن وحدهم ومن خلط إيمانه بالشرك ليس له الأمن إن خلط إيمانه بالشرك الأكبر فقد الأمن مطلقا وإن خلط إيمانه بالشرك الأصغر نقص الأمن لكن الذين لهم الأمن المطلق الأمان المطلق الذين حققوا التوحيد وأخلصوا العبادة لله سبحانه وتعالى ولم يشركوا به شيئا .
(وفى الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) نظرا إلى ظاهر الآية لأن الظلم يشمل في الظاهر الظلم الأكبر والظلم الأصغر ولكن النبي صلى الله عليه وسلم طمأنهم فقال (قالوا وأينا لم يظلم نفسه) لا أحد يسلم من الظلم غير المعصومين العصمة للأنبياء وحدهم ومن دون الأنبياء لا يسلم إما يظلم نفسه أو يظلم أحد عباده لا يسلم من الظلم ولا يسلم من الذنب ولا يسلم من الوقوع في المخالفة لا يسلم لكن كلهم عباد الله سواء كانوا الذين يظلمون أنفسهم والمقتصدون والسابقون بالخيرات كلهم عباد الله ، أولياء الله يتفاوتون لأن الولاية لا تستلزم العصمة ، الولي يعصي ولكنه يبادر بالتوبة لا يصر (قالوا وأينا لم يظلم نفسه فقال النبى صلى الله عليه وسلم) مبينا لمراد الله لأن الله أنزل عليه كلامه فهو الذي يبين مراد الله فيفسر فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((إنما هو الشرك) بهذا الأسلوب بأسلوب الحصر (إنما هو) هذا الظلم المذكور في الآية الشرك (ألم تسمعوا الى قول العبد الصالح إن الشرك لظلم عظيم) هذا تفسير لا يلتمس غيره بعده في هذه الآية الظلم الشرك ولا يلزم من هذا أن الظلم حيث وقع بمعنى الشرك ، لا ، إنما يعني في هذا السياق وفي هذا المكان وإلا الظلم كما فهم الصحابة بالعموم الظلم أعم ولكن الظلم الذي إذا سلم منه الإنسان يحصل له الأمن المطلق هو الشرك ...(22/57)
كالآيات التي تقدمت في باب الحصر (فإياي) وحدي (فارهبون) لا ترهبوا معي أحدا ، الخشية والخوف والرهبة معان متقاربة أو متحدة ((وإياى فاتقون)) كذلك فيه حصر الرهبة والتقوى والخشية والخوف بالله وحده لا يدخل في هذا الخوف الطبيعي إنما هنا خوف العبادة لكن كون الإنسان يخاف من الظالم فيفر منه ويخاف من الأسد فيفر منه هذا خوف طبيعي ليس من نوع العبادة ، الأنبياء كانوا ... الأنبياء كانوا يخافون فيخرجون من بلد إلى بلد خائفين مترقبين كذلك المصلحون الدعاة الصالحون المصلحون يخافون على أنفسهم فيفرون من الظلمة ويخاف الإنسان من عدو أقوى منه هذا يسمى الخوف الطبيعي ليس من نوع العبادة هنا خوف خطير على أصحابه وهو خوف السر كالذي خاف من شيخه لا يخافه ليضربه أو ليطعنه بالسكين ولكن يخاف منه لئلا يضره سره يضره في نفسه وأهله وماله وربما يسبب له سوء الخاتمة يصل ببعض المؤمنين للأسف الخوف من غير الله إلى هذه الدرجة يخاف من الشيخ ويطيعه طاعة عمياء ويتفانى في طاعته ومحبته وتعظيمه إذا أقبل عليه ركع من بعيد نحو متر فيمشى كأنه يحبو حتى يصل إلى يده فيقبل فيسجد كل هذا التملق خوفا من غضبه وعقابه ولو قيل له احلف بالشيخ يخاف أن يحلف به صادقا لا كاذبا ولو طلب منه أن يحلف بالله كاذبا لحلف فيعلل ذلك تعليلا شيطانيا فيقول الله أرحم الراحمين والشيخ لا يرحم ، يا سبحان الله ، الشيخ لا يرحم ، أنت جالس أمام شخص لا يرحمك وتطيعه هذه الطاعة العمياء وتعبده هذه العبادة ؟ هذا ما يعيش فيه بعض المسلمين إلى وقتنا هذا في كثير من الأقطار وهم مسلمون ، كم عدد المسلمين ؟ كذا مليون ، كم عدد الحجاج ؟ كذا حاج ، الله المستعان ..(22/58)
(وفي هذا الباب أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول فى خطبته (من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئا)) لأن الله الغني القوي لا تضره معصية العباد ولا تنفعه طاعة العباد فهو الغني عنهم المنعم المتفضل .
(وقال (ولا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد) انتبهوا إلى هذا الإرشاد العظيم من رسول الله عليه الصلاة والسلام رسول الرحمة (لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد)) الفرق بين الأسلوبين العطف بالواو لا يجوز سواء تتذوق اللغة أم لم تتذوق تفهم بالجملة لا تعطف بالواو ، الواو لمطلق الجمع (ثم) تدل على التراخي والتأخير أي إن مشيئة محمد صلى الله عليه وسلم ومشيئة غيره تابعة لمشيئة الله تعالى الإنسان له مشيئة له إرادة له اختيار وله قدرة كل ذلك مخلوق لله العبد مخلوق ومشيئته وقدرته وإرادته واختياره كل ذلك مخلوق لله تعالى إذا عطفت في مثل هذا بـ (ثم) جائز لكن لا تعطف بالواو فهمت المعنى أو لم تفهم .
(ففى الطاعة قرن اسم الرسول صلى الله عليه وسلم باسمه بحرف الواو وفى المشيئة أمر أن يجعل ذلك بحرف ثم وذلك لأن طاعة الرسول طاعة لله فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله) إذ انه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، لأنه معصوم ، أطعه ، عليك بالطاعة إن أطعت الرسول أطعت الله ورحمت .
(وطاعة الله طاعة للرسول صلى الله عليه وسلم) هذا في باب الطاعة فقط (بخلاف المشيئة فليست مشيئة أحد من العباد) من الأنبياء والصالحين (مشيئة لله ولا مشيئة الله مستلزمة لمشيئة العباد) ليست مستلزمة ولا علاقة بينهما (بل ما شاء الله كان وان لم يشأ الناس وما شاء الناس لم يكن إلا أن يشأ الله) في هذا المعنى أبيات للإمام الشافعي يقولون كان يترنم بها في جنح الليل :
ما شئت كان وإن لم أشأ ... وما شئت إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت ... ففي العلم يجري الفتى والمسن(22/59)
على ذا مننت وهذا خذلت ... وهذا أعنت وذا لم تعن
وهذا شقي وهذا سعيد ... وهذا قبيح وهذا حسن
تؤثر هذه الأبيات من الإمام الشافعي إذا تأملت فيها معاني عظيمة من معاني الإيمان بالقضاء والقدر .
نعم .
((حق الرسول صلى الله عليه وسلم فعلينا ان نؤمن به ونطيعه ونتبعه ونرضيه ونحبه ونسلم لحكمه وأمثال ذلك قال تعالى ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) وقال تعالى ( والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين) وقال تعالى ( قل ان كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب اليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره ) وقال تعالى ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) وقال تعالى ( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) وأمثال ذلك))
قال الشيخ رحمه الله تعالى في معنى شهادة أن محمدا رسول الله ، ما أحسن عندما يفسر لا إله إلا الله بآيات قرآنية وأن محمدا رسول الله بآيات قرآنية هذا من أعظم التفاسير ، انتبه لهذه الآيات هي تفسر لك أشهد أن محمدا رسول الله (الأصل الثاني حق الرسول صلى الله عليه وسلم) حقه علينا على أمته (فعلينا ان نؤمن به) نؤمن به بأنه رسول الله عليه الصلاة والسلام ونصدقه في كل ما أخبر في جميع أخباره دون تفريق بين إخباره عن الغيب الماضي والغيب المستقبل وما نحن فيه ولا نعرض أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام بعد صحتها على العقول وهذا يتنافى مع إيمانك برسول الله صلى الله عليه وسلم .(22/60)
(ونطيعه) في كل ما أمر وننتهي عما عنه نهى وزجر (ونتبعه) في أوامره ونواهيه فعلا وتركا (ونُرضيه) بالطاعة والاتباع (ونحبه) محبة صادقة لكونه رسول الله صلى الله عليه وسلم (ونسلم لحكمه) إذا حكم حكما يجب التسليم له تسليما كاملا "ويسلموا تسليما" أكد التسليم بالمصدر المؤكد للفعل "ويسلموا تسليما" أي تسليما كاملا لا توقف فيه .
(وأمثال ذلك) هذا معنى أشهد أن محمدا رسول الله .
(قال تعالى (من يطع الرسول فقد أطاع الله)) (أل) في الرسول يحتمل أن تكون للعهد الذهني "من يطع الرسول" محمدا صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن تكون للجنس "من يطع الرسول" جميع الرسل "فقد أطاع الله" هذا أشمل .
(وقال تعالى (والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين)) ترضي الله سبحانه وتعالى بفعل المأمورات واجتناب المنهيات وترضي رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع هديه ، لا يمكنك اتباع هديه إلا بالتعلم ، العلم قبل القول والعمل ، إذن تعلم ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام فرض عين .
(وقال تعالى (قل ان كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم) إلى أن قال (أحب اليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره)) الله سبحانه وتعالى رفع اسم نبيه قرن اسمه مع اسمه هذا معنى رفع اسمه ، لا يذكر اسم الله إلا ويذكر معه اسم رسوله عليه الصلاة والسلام إن شهدت لا بد أن تشهد للرسول بالشهادة ، المؤذن لا يصح أذانه إلا بذكر اسم النبي عليه الصلاة والسلام مع اسم الله ، صلاتك لا تصح حتى تصلي عليه ، هكذا رفع الله ذكره عليه الصلاة والسلام .(22/61)
(وقال تعالى) هذه الآية العظيمة ((فلا وربك) (فلا) أي لا يؤمن أولئك الذين يدعون الإيمان بك (وربك) يقسم الرب سبحانه وتعالى بنفسه بعد أن أضاف نفسه إلى نبيه ليكتب هنا المضاف إليه الشرف من المضاف بخلاف العادة الجارية في الغالب (فلا وربك لا يؤمنون) الذين يدعون الإيمان بك ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل لذلك يقول (حتى يحكموك فيما شجر بينهم) فيما يختلفون فيه ، بعد التحكيم (ثم لا يجدوا فى انفسهم حرجا مما قضيت) لا يجدون حرجا وتوقفا وحزازة ونوعا من عدم الرضا من حكم رسول الله عليه الصلاة والسلام ، أكد ذلك بقوله (ويسلموا تسليما)) هذه الآية تسمى آية الاختبار اختبر إيمانك بهذه الآية ، إذا كنت بهذه المثابة ترضى حكم رسول الله عليه الصلاة والسلام ولو كان الحكم عليك ترضى حكمه ولا تتوقف فيه وتسلم تسليما كاملا عند ذلك تكون مؤمنا .
(وقال(قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)) إلى أمثال ذلك من الآيات التي تفسر معنى أشهد أن محمدا رسول الله .
فلنكتفي بهذا المقدار لنجيب على ما يتيسر من بعض الأسئلة .
وبالله التوفيق .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .(22/62)
((واذا ثبت هذا فمن المعلوم أنه يجب الايمان بخلق الله وأمره بقضائه وشرعه وأهل الضلال الخائضون فى القدر انقسموا الى ثلاث فرق مجوسية ومشركية وابليسية فالمجوسية الذين كذبوا بقدر الله وان آمنوا بأمره ونهيه فغلاتهم أنكروا العلم والكتاب ومقتصدوهم أنكروا عموم مشيئته وخلقه وقدرته وهؤلاء هم المعتزلة ومن وافقهم والفرقة الثانية المشركية الذين أقروا بالقضاء والقدر وأنكروا الامر والنهى قال الله تعالى ( وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شىء ) فمن احتج على تعطيل الامر والنهى بالقدر فهو من هؤلاء وهذا قد كثر فيمن يدعى الحقيقة من المتصوفة والفرقة الثالثة وهم الابليسية الذين أقروا بالامرين لكن جعلوا هذا متناقضا من الرب سبحانه وتعالى وطعنوا فى حكمته وعدله كما يذكر ذلك عن ابليس مقدمهم كما نقله أهل المقالات ونقل عن أهل الكتاب والمقصود أن هذا مما تقوله أهل الضلال واما أهل الهدى والفلاح فيؤمنون بهذا وهذا ويؤمنون بأن الله خالق كل شىء وربه ومليكه وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهو على كل شىء قدير وأحاط بكل شىء علما وكل شىء أحصاه فى امام مبين ويتضمن هذا الأصل من اثبات علم الله وقدرته ومشيئته ووحدانتيه وربوبيته وأنه خالق كل شىء وربه ومليكه ما هو من أصول الايمان))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد :(22/63)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في رسالته التدمرية (فصل :اذا ثبت هذا) المشار إليه ما تقدم من تحقيق معنى لا إله إلا الله وتحقيق معنى محمد رسول الله أي ما تقدم من الأصلين العظيمين اللذين هما كأصل واحد معرفة معنى لا إله إلا الله وأنه لا معبود بحق إلا الله ومعرفة أن محمدا رسول الله الذي يجب تصديقه في خبره وطاعته واتباعه هذا هو الأصل إذا ثبت هذا لأن هذا هو أصل الإسلام (فمن المعلوم أنه يجب الايمان بخلق الله وأمره بقضائه وشرعه) يتبع تحقيق الأصل السابق الإيمان بخلق الله وأمره وأن الله سبحانه وتعالى وحده هو الذي له الخلق والأمر خالق كل شيء وله الأمر كله نؤمن بأمر الله الكوني وأمره الشرعي وأمره الكوني قريب من الإرادة الكونية ، والإيمان بقضائه وشرعه الإيمان بقضائه وقدره وشرعه وأن لا يعارض القضاء والقدر بالشرع ولا تنصب الخصومة بين الشرع وبين القضاء والقدر ، هذا الذي عليه أهل السنة والجماعة سابقا ولاحقا .
ثم قال الشيخ رحمه الله تعالى في بيان مذهب الفرق الضالة في باب القدر (وأهل الضلال الخائضون فى القدر انقسموا الى ثلاث فرق) هذه الفرق (مجوسية) في إنكارهم للقدر (ومشركية وابليسية) هذه الألقاب استنتجها شيخ الإسلام من نصوص الكتاب والسنة وليست ألقابا معروفة متداولة إلا أن القدرية ورد أنهم مجوس هذه الأمة لكن تقسيمهم إلى مشركية وإبليسية استنتاج دقيق من شيخ الإسلام كما سيأتي عند ذكرهم بالتفصيل .(22/64)
(فالمجوسية) أي الذين يشبهون بالمجوس وهم القدرية (الذين كذبوا بقدر الله تعالى) كذبوا العلم السابق والكتاب السابق ومشيئة الله العامة كذبوا مراتب القدر كلها ، المجوسية ، العلم والكتابة والمشيئة والخلق (وان آمنوا بأمره ونهيه) لم ينكروا الأمر والنهي أي ظاهر الشريعة (فغلاتهم) إذن المجوسية هذه تنقسم إلى أقسام : غلاة ومقتصدة (فغلاتهم أنكروا العلم والكتاب) وهذا الأساس في باب القضاء والقدر أي في مراتب القدر الأساس الإيمان بعلم الله السابق المحيط بكل شيء وكتابه السابق وأنه كتب عنده في كتابه كل شيء أنكروا هذا العلم وهذا الكتاب ، هؤلاء الغلاة .
(ومقتصدتهم أنكروا عموم مشيئتة الله تعالى وخلقه وقدرته) أي لم ينكروا العلم والكتاب لكنهم أنكروا عموم مشيئة الله تعالى وأن الله شاء كل شيء منهم من يقول إنما يشاء الخير فقط والشر لا يشاؤه ولا يخلقه ، وأنكروا الخلق لأنهم جعلوا العباد خالقين لأفعالهم الاختيارية ، وأنكروا قدرته حيث زعموا بأن الله سبحانه وتعالى لا يقدر على ما فعله العبد وما يخلقه العبد أي كل عبد من الملائكة والجن والإنس كل عبد خالق أفعال نفسه الاختيارية وهذه الأفعال لا تتدخل في ذلك قدرة الله تعالى بل ينفرد العبد بخلق ذلك ، وإنما يختلفون هل الله قادر على خلق أمثال تلك الأفعال التي خلقها العباد بعد أن أخرجوا أفعال العباد الاختيارية من قدرة الله تعالى اختلفوا هل الله سبحانه وتعالى قادر على خلق ما يشبه تلك الأفعال ، هكذا أنكروا قدرة الله ، وهؤلاء إنكارهم للخلق والقدرة واضح لأن إثباتهم لخالقين بلا حساب هم أسوأ حالا من المجوس الذين أثبتوا خالقين اثنين ، وإنكارهم للقدرة كما سمعتم .(22/65)
(وهؤلاء هم المعتزلة ومن وافقهم) المعتزلة في أول الأمر لم يتدخلوا في باب القضاء والقدر كانت مشكلتهم إنكار الصفات بهذا عرفوا وسموا معتزلة لأن رئيسهم اعتزل مجلس الحسن البصري وفتح له مجلسا في المسجد نفسه واعتزل شيخه الذي كان يجلس إليه ثم اعتزل المسلمين في عقيدتهم في باب الأسماء والصفات وفي القول بخلق القرآن أي سبب تسمية المعتزلة ليس مجرد اعتزال واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري بل ما ترتب على ذلك بعد ذلك من أنهم اعتزلوا المسلمين في عقيدتهم في هذا الباب ، كانوا معروفين بهذه العقيدة ثم أضافوا إلى هذه العقيدة عقيدة أخرى ضالة إنكار القدرة والخلق أي صاروا قدرية على حسب تسمية شيخ الإسلام قدرية مقتصدة أي لم ينكروا العلم والكتاب ولكن أنكروا عموم المشيئة والخلق والقدرة ، هكذا فصل الشيخ ، الذي يطلقه كثير من أهل العلم أنهم يجعلونهم فرقة واحدة وأنهم ينكرون كغيرهم العلم والكتاب ولكن كما قيل الحافظ حجة على من لم يحفظ فشيخ الإسلام في هذا الباب حجة لأنه خالط القوم جميعا وداخلهم وناظرهم فعرفهم بالتفصيل لعل غيره مثلنا عندما نطلق القدرية على المعتزلة ونعتقد أنهم ينكرون مراتب القدر كلها لعل ذلك فيه نوع من الإجمال وعدم التفصيل ، هكذا فصل شيخ الإسلام وجعل القدرية تخالف غلاة القدرية ، غلاة القدرية – افهموا جيدا هذه المسألة فيها غموض ومهمة جدا – غلاة القدرية الفرقة التي ظهرت في عهد على بن أبي طالب رضي الله عنه هم المعروفون بالقدرية ومعروفون أنهم ينكرون العلم والكتاب والمشيئة العامة والقدرة والخلق ثم انضمت إليهم فيما بعد المعتزلة اعتنقت هذه العقيدة ، الذي يفهم من كتب الفرق أنهم أخذوا عقيدة القدرية برمتها ولكن شيخ الإسلام يثبت هنا أن المعتزلة ومن وافقهم إنما هم مقتصدة القدرية ينكرون عموم المشيئة والخلق والقدرة ، هذه المسألة يبحثها صاحب الدرس بحثا دقيقا يراجع المراجع في كتب الفرق ويراجع كتاب شفاء العليل(22/66)
لابن القيم والمجلد المختص في باب القضاء والقدر في مجموع الفتاوي يراجع ما وسعت له المراجعة ويأتينا في الأسبوع القادم إن شاء الله بمعلومات مدونة بعد عزوها إلى هذه المراجع ليستفيد الجميع ، نستفيد جميعا .
(والفرقة الثانية) من فرق القدرية ، القدرية المشركة وسماها الشيخ (المشركية الذين أقروا بالقضاء والقدر) من الفرق الضالة (الذين أقروا بالقضاء والقدر) أهل الضلال الخائضون في باب القدر انقسموا إلى هذه الأقسام ، الفرقة الثانية (أقروا بالقضاء والقدر وأنكروا الامر والنهى قال الله تعالى) في وصفهم ((سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا) إنما إشراكنا بمشيئة الله تعالى ، الله هو الذي شاء (ولا آباؤنا ولا حرمنا من شىء)) احتجاج بالقدر ، وجه الإنكار عليهم احتجاجهم بالقدر ، هم يثبتون القضاء والقدر ، إثبات القضاء والقدر ليس معنى ذلك أن يحتج الإنسان بالقدر فيما يفعل من المعاصي من الإشراك والتحريم وارتكاب المعاصي ، يرتكب ما يرتكب ويقترف ما يقترف ويقول ذلك بمشيئة الله تعالى ليصر على ما فعل ، هذا وجه الذم ، كثيرا ما نسمع من المسلمين الذين يؤمنون بالقضاء والقدر يريدوا أن يعارضوا الشرع بالقضاء والقدر هذا هو وجه الذم إذا ترك الإنسان واجبا أو ارتكب محرما وقيل له في ذلك قال هذا ما شاء الله ، الله هو الذي شاء الله هو الذي قدر ، الاحتجاج بالقدر ضلال إذا كان الغرض الاستمرار والاصرار على المعصية وعلى المخالفة ولكنهم يختلفون في الاحتجاج بالقدر بعد التوبة ، لو ارتكب الإنسان معصية ما كأن كان مشركا ثم آمن كما هو شأن كثير من الصحابة كانوا في الشرك وكأن ارتكب الإنسان كبيرة ما ثم تاب فعاتبه إنسان :أنت في الأصل كنت كذا كنت مشركا كنت مرتكبا للخطيئة الفلانية ، في هذه الحالة يرى بعض أهل العلم للإنسان أن يحتج بالقدر يستدلون على ذلك بحديث "وحج آدم موسى" أي كأن يقول كيف تلومني وتعاتبني على شيء قدره الله علي قبل أن(22/67)
يخلقني ثم تبت ، هنا الفرق بينهما هذا الاحتجاج ليس للإصرار على المعصية ولكن إقرارا بالقدر لأن ذلك وقع بقضاء الله تعالى وقدره ولكن الله وفقه فتاب كما تاب آدم ، بعضهم يقول المحاججة بين آدم وموسى ليس فيما وقع من الخروج لأنه قال له (أنت الذي أخرجتنا من الجنة) أي بفعلك ما فعلت وحاججه ، قالوا الاحتجاج ليس على المعصية ولكن على مجرد الخروج ، ناقش شيخ الإسلام هذه المسألة في كتيب صغير ولكن الذي يفهم من كلام تلميذه ابن القيم لا فرق بين الأمرين بل الظاهر من القصة أن الاحتجاج بالقضاء والقدر بعد التوبة جائز إذ ليس هناك معارضة للشرع بالقدر لأن وجه الذم المحتج بالقدر يعارض الشرع بالقدر وبعد التوبة هذه المعارضة غير واردة .
(فمن احتج على تعطيل الامر والنهى بالقدر فهو من هؤلاء) كل من يحتج على تعطيل الأمر والنهي يخالف الأمر ويحتج بالقدر يقع في المنهي عنه ويحتج بالقدر فهو من هؤلاء المشركية .(22/68)
(وهذا قد كثر فيمن يدعى الحقيقة من المتصوفة) المتصوفة يتساهلون كثيرا بالأمر والنهي وخصوصا كبارهم ، كبارهم الذين هم جهالهم ، المتصوفة عند التحقيق والإنصاف ينقسمون إلى قسمين فيهم علماء وإن كان فيهم شطحات الصوفية لكن عندهم علم وعندهم التقيد بالشريعة وتعظيم للسنة كالفضيل بن عياض كما تقدم وجنيد وغيرهما من كبار الصوفية المعتدلة الذين لديهم علم ولديهم معرفة ولكن لا يزالون يوصفون بأنهم كبار المتصوفة شيخ الإسلام نفسه عندما ينقل كلامهم يصفهم بأنهم من كبار المتصوفة إذن هؤلاء لا ينبغي أن نلحقهم بجهال الصوفية الذين لا يقدرون الأمر والنهي بل يعارضون القضاء والقدر بالأمر والنهي أي يتساهلون في الأمر والنهي أي يستخفون بالشريعة بحيث يجعلون الشريعة مرحلة انتقالية يعيش فيها الإنسان قبل أن يصل إلى الحقيقة فإذا وصل إلى الحقيقة سقطت عنه الأوامر والنواهي هذا وجه استخفافهم بالشريعة وبالأمر والنهي ، هذا الذي عليه كثير من مشايخ الطرق إلى يومنا هذا بخلاف الصوفية المعتدلة المقلدة التابعة لمشايخهم هؤلاء ليسوا من قبيل الأولين كبار علمائهم ولا من هؤلاء المنحرفين ولكنهم مقلدون بمثابة صغار الطلبة الأشعريين الذين يقلدون مشايخهم ليس لهم إلا التقليد وليس لهم تحقيق كثير من المتصوفة الآن حتى مشايخهم الذين وصلوا إلى درجة خليفة من هذا القبيل أي مقلدة يتبعون هؤلاء الضلال ، لتحقيق ما يتعلق بالمتصوفة لشيخ الإسلام مجلد خاص في مجموع الفتاوي ينبغي قراءته وقبل ذلك قراءة كتاب (هذه هي الصوفية) للشيخ عبدالرحمن الوكيل وبعد ذلك قراءة كتاب (مصرع التصوف) للبقاعي البقاعي من المعاصرين لشيخ الإسلام له كتاب صغير الحجم لكنه مهم جدا ، الذي يريد تحقيق ما يتعلق بالصوفية خصوصا في هذا الوقت وقد انتشرت يبدأ الدراسة من كتاب هذه هي الصوفية ثم مصرع التصوف للبقاعي ، ثم للتوسع في كتب أو كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله جميعا .(22/69)
قال الشيخ رحمه الله (والفرقة الثالثة الابليسية وهم الذين أقروا بالامرين) بالقضاء والقدر والأمر والنهي (لكن جعلوا هذا تناقضا) بعد أن أقروا اعتبروا الشرع الأمر والنهي والقضاء والقدر في تناقض ، تناقض (من الرب سبحانه وتعالى) جرأة متناهية في الجرأة (وطعنوا فى حكمته وعدله) لم يؤمنوا بحكمة الله تعالى بأن الله لا يخلق خلقا إلا لحكمة ولا يشرِّع تشريعا إلا لحكمة لا يأمر بأمر ولا ينهى عن أمر إلا لحكمة لم يؤمنوا بحكمة الله تعالى وعدله وأن الله سبحانه وتعالى لا يظلم أحدا بل العباد يدورون بين فضله وعدله إن أنعم عليهم في الدنيا وفي الآخرة ذلك فضل منه سبحانه وتعالى إذ لا أحد يوجب على الله تعالى أن يفعل للعباد الأصلح فالأصلح كما تقول المعتزلة وهي من المسائل التي فارق فيها أبو الحسن الأشعري شيخه الجبائي ، الله لا يجب عليه شيء أمر الله سبحانه وتعالى يدور بين الفضل وبين العدل إن أحسن وأعطى ووفق وأكرم كل ذلك فضل من الله وإن خذل من خذل ولم يوفق فذلك عدل منه سبحانه وتعالى ، ولا يتصور أن يكون هناك ظلم لأن الظلم أن يمنعك المانع ما تستحقه أنت حقك الخاص لو أخذ الإنسان قلمك ومنعك قلمك لأنه حقك لكن هل للعباد على الله حق حتى منعهم ذلك الحق فيوصف بالظلم ؟
لا ، ليس على الله حق واجب ، وإنما هو فضل وإحسان إن أمسك فضله وإحسانه عن بعض عباده حكمة منه إن ذلك عدل وإن أنعم فإن ذلك فضل لا يتصور عقلا الظلم في حق الله تعالى ، وهؤلاء لا يؤمنون (طعنوا فى حكمته وعدله كما يذكر مثل ذلك عن ابليس مقدمهم كما نقله أهل المقالات) كالشهرستاني (ونقل عن أهل الكتاب) قصة كذبها شيخ الإسلام لذلك لم يطل في سردها ومن أراد من باب الاطلاع فليرجع إلى كتب المقلات كالشهرستاني ليطلع على قصة مصنوعة لإبليس .(22/70)
ثم قال شيخ الإسلام (مذهب أهل السنة في القدر) هذا العنوان من المحقق (والمقصود أن هذا مما يقوله أهل الضلال) ما تقدم من حكاية المجوسية والمشركية والابليسية ما يقوله أهل الضلال بالاختصار .
(واما أهل الهدى والفلاح فيؤمنون بهذا وهذا) يؤمنون بخلق الله تعالى وأمره وشرعه وقضائه وقدره ولا يعارضون قدر الله تعالى بشرعه لا يخوضون في تفاصيل القدر يكتفون في باب الإيمان بالقدر بقولهم كما في السنة (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) ويكتفون بقولهم بأن ما أصاب العبد في علم الله لا يخطئه أبدا وما أخطأه في علم الله لا يصيبه أبدا هذا القدر كاف في باب الإيمان بالقضاء والقدر لأن باب الإيمان بالقضاء والقدر ليس بابا خاصا لطلاب العلم ، الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان يجب على كل مسلم ومسلمة على العامي والمتعلم على العربي والعجمي لذلك سهل ميسور جدا الإيمان بالقضاء والقدر ، مَن آمن أن ما شاء الله كان ، (كان) هنا تامة ، ما شاء الله وقع وحصل ولا بد أن يوجد وما لم يشأ لا يوجد كفى ، وآمن العبد أن ما أصابه في علم الله لا يخطئه وما أخطأه في علم الله لا يصيبه لا يصعب معرفة هذا المقدار على أي أحد ، هذا هو معنى الإيمان بالقضاء والقدر ، أما الخوض في تفاصيل القضاء والقدر ومحاولة إدراك سر القدر هذه مزلة القدم ينبغي أن يبتعد الإنسان كما قال علي رضي الله عنه وغيره (القدر سر الله فلا نكشفه) أي لا ..
الشريط الثلاثون :(22/71)
كما قال علي رضي الله عنه وغيره (القدر سر الله فلا نكشفه) أي لا نحاول كشفه ، المراد سر القدر :لماذا أعطى هذا ومنع هذا لماذا وفق هذا وخذل هذا لماذا، لماذا ؟ السؤال في باب القضاء والقدر بلِم أو لماذا أمر خطير جدا لا يجوز ، كما لا يجوز في باب الأسماء والصفات أن تسأل بكيف : كيف علمه كيف سمعه كيف نزوله كيف استواؤه ، في هذا الباب لم ولماذا لا يجوز ، إذن الذي يريد السلامة يسلم لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام .
(واما أهل الهدى والفلاح فيؤمنون بهذا وهذا فيقولون بأن الله خالق كل شىء) ولا خالق غيره والعبد مخلوق لا يخلق أفعال نفسه الاختيارية الله خالق للعباد وخالق لأعمالهم ولكن العباد يعملون أعمالهم عملا لا يسمى ذلك خلقا ، الخالق هو الله ، الله خلق العبد وخلق أفعاله ، خلق أفعاله حيث خلق سبب تلك الأفعال ما هو السبب ؟
العبد نفسه ، لذلك في هذا الباب يقال باب أفعال الله ويقال باب أفعال العباد ، الأفعال تضاف إلى الله إضافة المخلوق إلى الخالق وتضاف إلى العبد إضافة المسبَّب إلى السبب لأن العبد هو السبب في وجود هذه الأفعال ، العبد هو الذي سافر فطلب العلم وحصّل العلم وتحصل على درجة علمية هذه أفعاله ، هذه الأفعال مخلوقة لله تعالى لأن الله خلق ذلك السبب الذي فعل هذا المسبَّب ، إذن الله وحده هو الخالق ولا خالق سواه.
(وربه ومليكه) الرب بمعنى الخالق وبمعنى المربي ، ومليكه (ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهو على كل شىء قدير وأحاط بكل شىء علما وكل شىء أحصاه فى كتاب مبين) هذه عقيدة أهل السنة والجماعة سابقا ولاحقا لا يختلفون في هذا الأصل أبدا ، لعل إذا لم ندقق معهم الأشاعرة بالجملة يوافقون أهل السنة والجماعة في هذا الباب أي ليسوا كالمعتزلة وإن كان كما سيأتي في باب الأسباب يخطئون كثيرا لكن بالجملة يثبتون بأن الله وحده هو خالق كل شيء .(22/72)
(ويتضمن هذا الأصل من اثبات علم الله وقدرته ومشيئته ووحدانتيه) وحدانيته في باب العبادة وحدانيته في باب الربوبية وحدانيته في باب الأسماء والصفات وحدانيته في باب الخلق داخل في توحيد الربوبية (ووحدانتيه وربوبيته) ألفاظ مترادفة (وأنه خالق كل شىء وربه ومليكه ما هو من أصول الايمان) هذه المسائل من أصول الإيمان لكنها تتفاوت ، توحيد الربوبية وإن كان داخلا في أصول الإيمان لا يجدي وحده ولا يجعل العبد مسلما ما لم ينضم إليه توحيد العبادة أي لو آمن الإنسان بأن الله خالق كل شيء ورب كل شيء ومليكه وهو المعطي المانع وهو النافع الضار آمن إيمانا لا شك فيه ولا تردد بهذا التوحيد توحيد الربوبية ولكن لم يؤمن بأن الله وحده هو المستحق للعبادة بل لم يعلم معنى العبادة ولم يعلم معنى لا إله إلا الله ، يفسر بتوحيد الربوبية ، هذا لا يجعل الإنسان مسلما فضلا من أن يكون من أوليائه الصالحين ، هذا يجب أن يفهم للأسف هذا لا يفهم لدى كثير من المنتسبين إلى العلم اليوم يفسرون لا إله إلا الله بأنه لا خالق إلا الله وتؤلف الكتب في هذا التوحيد فقط ، وربما سموا ما خالف ذلك من الأفكار الهدامة كما يقع في هذه الأيام العقيدة السلفية التي تثبت الأسماء والصفات وتدعو إلى توحيد العبادة وإلى هذا المنهج السلفي أطلق على هذا بعض الناس في بعض الأقطار في هذه الأيام أنها من الأفكار الهدامة التي تهدم الإسلام ، غريب ، أي إسلام الذي يهدم بس ؟ أين الإسلام الذي يهدم ؟ وكون الإنسان كلما خالفه يسمى إما علمانية أو أفكار هدامة هذه من الأساليب الجديدة ينبغي لطالب العلم أن يقتصد في كلامه لا تسمي كل من خالفك وغضبت عليه أنه علماني كما نسمع من بعض الناس الذين يتطرفون أو تقول إنه يحمل أفكار هدامة وإنه وإنه ، هذا لا يجوز أنت تسيء إلى نفسك من حيث لا تشعر ، والناس مهما أخطأوا ما لم يصلوا إلى درجة الشرك الأكبر وإلى درجة رفض ما جاء به النبي عليه الصلاة(22/73)
والسلام يسمون من عصاة الموحدين لا ينبغي أن يلقبوا بمثل هذه الألقاب كلهم عباد الله الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات هؤلاء كلهم الله سماهم عباده ، ينبغي التنبه لمثل هذا التطرف الذي نسمع كثيرا .
نعم ...
والله أعلم .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه
نكتفي بهذا المقدار ، لنجيب على بعض الأسئلة التي وردت .
((ومع هذا فلا ينكرون ما خلقه الله من الأسباب التى يخلق بها المسببات كما قال تعالى ( حتى اذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات ) وقال تعالى ( يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ) وقال تعالى ( يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا ) فأخبر أنه يفعل بالاسباب ومن قال إنه يفعل عندها لا بها فقد خالف ما جاء به القرآن وأنكر ما خلقه الله من القوى والطبائع وهو شبيه بإنكار ما خلقه الله من القوى التى فى الحيوان التى يفعل الحيوان بها مثل قدرة العبد كما أن من جعلها هى المبدعة لذلك فقد أشرك بالله وأضاف فعله الى غيره وذلك أنه ما من سبب من الأسباب إلا وهو مفتقر الى سبب آخر فى حصول مسببه ولابد من مانع يمنع مقتضاه اذا لم يدفعه الله عنه فليس فى الوجود شىء واحد يستقل بفعل شىء الا الله وحده قال تعالى ( ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) أى فتعلمون أن خالق الازواج واحد ولهذا من قال ان الله لا يصدر عنه الا واحد لأن الواحد لا يصدر عنه الا واحد كان جاهلا فإنه ليس فى الوجود واحد صدر عنه وحده شىء لا واحد ولا اثنان الا الله الذى خلق الازواج كلها مما تنبت الارض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون فالنار التى خلق الله فيها حرارة لا يحصل الاحراق الا بها وبمحل يقبل الاحتراق فاذا وقعت على السمندل والياقوت ونحوهما لم تحرقهما وقد يطلى الجسم بما يمنع احراقه والشمس التى يكون عنها الشعاع لابد من جسم يقبل انعكاس الشعاع عليه فاذا حصل حاجز من سحاب أو سقف لم يحصل الشعاع تحته(22/74)
وقد بسط هذا فى غير هذا الموضع))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد :
يوضح شيخ الإسلام مذهب أهل السنة في باب القدر : مع إيمانهم بالقدر مع ذلك (لا ينكرون ما خلقه الله من الأسباب) الأسباب لا تتنافى مع القدر بل الأسباب من القدر .
(ومع هذا) مع ما تقدم من إيمانهم بالقدر وإيمانهم بالشرع وعدم معارضة الشرع بالقدر أو القدر بالشرع مع هذا (لا ينكرون ما خلقه الله من الأسباب التى يخلق الله بها المسببات) الغالب الكثير من أفعال الرب سبحانه وتعالى أنه يفعل بالأسباب التي يخلق بها المسببات .. ..
الشريط الحادي الثلاثون :
الغالب الكثير من أفعال الرب سبحانه وتعالى أنه يفعل بالأسباب التي يخلق بها المسببات يجعل للمسببات أسبابا ، وقد يخلق الله أحيانا مخلوقا ما بغير سبب ، بغير سبب واضح ، خلق الله آدم بلا أب ولا أم وخلق عيسى بلا أب إلا أن خلق أب بدون أب أثار تساؤلات واتهامات لأن الأمر جاء على خلاف العادة المتبعة والقانون المرسوم من عند الله سبحانه وتعالى أي وإن كان الله قادرا على أن يخلق المخلوقات بلا سبب ولكن الله يخلق الأسباب والمسببات معا .
(كما قال تعالى (هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى اذا أقلت سحابا) الرياح (سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت) البلد الميت الذي أصيب بالقحط والجفاف (فأنزلنا به الماء) فأنزلنا بالسحاب ماء (فأخرجنا به من كل الثمرات)) أخرجنا بالماء من كل الثمرات ، اجتمعت الأسباب هنا ، عدة أسباب :
- السبب الأول الرياح .
- السبب الثاني السحاب .
- السبب الثالث الماء .(22/75)
بهذه الأسباب خلق الله الثمار فالله قادر أن يخلق الثمار والحبوب بلا سبب ولكن هكذا اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يخلق وأن يخرج للعباد هذه الثمرات أو هذا الثمار بهذه الأسباب ، إذا أراد الله أن ينزل ماء خلق السحاب ولو لم يكن قبل ذلك موجودا ، ولما طلب الصحابة من رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يستسقي لهم فيدعو الله ليسقيهم لم يكن في السماء سحاب ولا قزعة ولما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتضرع هذا هو السبب الأول لنزول ذلك المطر خلق الله سحابة صغيرة خرجت من وراء جبل سلع فتوسطت السماء فانتشرت فأمطرت ، أسباب ، هكذا يفعل الله سبحانه وتعالى .
ويقول الله تعالى في المثال الثاني لهذا ((قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به) الباء هنا وفي الآية السابقة (فأنزلنا به) (فأخرجنا به) باء السبب (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام)) يجعل الله نزول هذا الكتاب المبين وهو نور وكتاب مبين يجعله سببا لهداية من اتبع رضوان الله يهدي بهم سبل السلام وفي هذه الآية جمع السبل نظرا لتعدد الأشياء والأمور التي يعمل بها المهتدي : سلامة العقيدة سلامة العبادة سلامة الأحكام طاعة الله في عبادته طاعة رسوله عليه الصلاة والسلام أمور كثيرة يعمل بها الإنسان المؤمن ، نظرا لتعدد هذه الأمور سمى سبلا ومجموعا تكون سبيلا واحدا سبيل الله ، هكذا يفعل الله بالأسباب .
(وقال تعالى (إن لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعضوة فما فوقها) إلى أن قال (يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا)) ولما ضرب هذا المثل افترق الناس منهم من علم أن هذا من الله وآمنوا بهذا المثل ومنه من كفر فقالوا "ماذا أراد الله بهذا مثلا" اختلف الناس فصار ذلك السبب سببا لأمرين للهداية والضلال يفعل الله ما يشاء يهدي من يشاء فضلا منه ويضل من يشاء عدلا منه وقد يكون السبب الواحد سببا لهداية قوم وضلال الآخرين لله في ذلك حكمة .(22/76)
بعد ساق هذه الأمثلة قال شيخ الإسلام (فأخبر الرب سبحانه وتعالى أنه يفعل بالاسباب) هذا هو الكثير الكثير الغالب يفعل الله بالأسباب فإنكار الأسباب نقص في العقل وطعن في الشرع الذي ينكر الأسباب .
(ومن قال يفعل عندها لا بها) كلام لا معنى له وهو الذي عليه الأشاعرة اليوم،يفعل الرب سبحانه وتعالى عند الأسباب ولا يفعل بالأسباب ، في زعمهم يعني ورع مزيف في التوحيد لئلا ينسبوا الفعل إلى غير الله تعالى قالوا لا ، الله لا يفعل بالأسباب غني عن الأسباب ولكن يخلق الأسباب ويفعل عند وقوع الأسباب يفعل بلا سبب ولكن عند السبب ، من أين لكم هذا التصنيف ؟ قالوا : لا يجوز أن تعتقد بأن النار تحرق بحرارتها وأن الطعام يشبع بذلك السر الذي فيه وأن الماء يروي بذلك السر الذي فيه بنفسه بل يخلق الله هذه الأفعال من الشبع والري عند تناول الطعام وشرب الماء ، هكذا خالفوا الحس وخالفوا العقل وخالفوا الشرع ، الله جعل في الطعام في الخبز مثلا ومشتقات الخبز سرا خاصا يخلق الله ما نسمي شبعا بتناول هذه الأشياء ولو أكل الإنسان ترابا أو طينا هل يحصل ذلك الشبع ؟ لا ، بل يحصل الضرر هذا سر جعله الله في الخبز ومشتقات الخبز وجعل سرا آخر في الماء دون السوائل الأخرى إذا شرب الإنسان قطع الظمأ وحصل الري ولو شرب البنزين أو شر أي سائل آخر لا يحصل لأن الله لم يجعل في ذلك هذا السر بل لو شرب العسل وهو عسل لا يحصل المقصود الذي يحصل بشرب الماء يحصل مقصود آخر إما الشبع أو الشفاء ، بدلا من أن تستدلوا بما خلق الله من هذه الطباع وهذه الأسرار في هذه الأشياء وخلق بها هذه الأفعال وأوجد بالحديد القطع والنار تحرق بذلك السر والحديد يقطع بذلك السر وبتلك القوة كل ذلك من الله ، بدلا من أن تستدلوا بهذه الأشياء على قدرة الله تعالى وحكمته تعارضونه فتقولون لا ، لا يفعل بالأسباب ولا يخلق بالأسباب ويرون ذلك توحيدا وتحقيقا للتوحيد بل هذا يتنافى مع التوحيد(22/77)
لأنكم كذبتم كتاب الله وخرجتم على العقل والحس ، هذا معنى قوله رحمه الله (ومن قال يفعل عندها لا بها) عندها ، عند الأسباب لا بها (فقد خالف ما جاء به القرآن) إذن الناس هنا انقسموا إلى ثلاثة ، أقسام ثلاثة للناس عند الأسباب :
- منهم من آمن بخبر الله وأن الله يفعل بالأسباب .
- ومنهم من غلا في الأسباب وجعل الأسباب هي المبدعة والخالقة والمؤثرة .
- ومنهم من أنكر الأسباب .
لذلك قال (ومن قال يفعل عندها لا بها فقد خالف ما جاء به القرآن) هذه المسألة الصغيرة قد تبحث في المطولات ولا تجدها وجدتها هنا حافظ عليها مسألة مهمة جدا .(22/78)
(وأنكر ما خلقه الله سبحانه وتعالى من القوى والطبائع) كما أشرنا ، أنكر وجود تلك القوى والطبائع في الماء والطعام والحديد والنار (وهو شبيه بإنكار ما خلقه الله من القوى التى فى الحيوان التى يفعل الحيوان بها مثل قدرة العبد) الجبرية أنكروا قوة العبد ، العبد ليست له قوة ولا إرادة ولا اختيار أفعاله كلها اضطرارية لا فرق بين أن تقول قتل زيد وبين أن تقول جرى الماء وتحركت الشجرة ، حركة اضطرارية كلها ليس للعبد إرادة ولا قدرة ولا اختيار فأرادت الأشعرية أن تتوسط بين الجبرية وبين أهل السنة فقالوا لا ، العبد له قدرة لكن قدرته غير مؤثرة ، بفلسفة صوروها هكذا قالوا الأثر الواحد لا يكون لمؤثرين إذا قلنا الله هو الفاعل صار العبد لا يفعل وإن قلنا العبد هو الذي يفعل لحقنا بالقدرية جعلنا العبد فاعلا خالقا ، أخطأوا في التصور ، العبد ليس بخالق ولكنه فاعل ، سبب لوجود فعله ، سبب ، العبد هو السبب في وجود هذه الأفعال المنسوبة إلى العباد ، الله هو الخالق وخالق أفعاله ، هذا الأمر الدقيق خفي على الأشاعرة فجعلوا العبد له قدرة غير مؤثرة وله إرادة غير مؤثرة عبارة عن الجهاز المعطل حتى صار الفرق بينهم وبين الجبرية أو الخلف بينهم وبين الجبرية خلف لفظي غير جوهري ، الجبرية سلبته القدرة والإرادة ، لا قدرة ولا إرادة ولا اختيار ، والأشعرية أثبتوا له الإرادة والقدرة والإختيار لكنها غير فعالة ، لا تفعل ، إذا عزم العبد على فعل شيء يخلق الله ذلك الفعل عند توجه إرادة العبد إلى ذلك الفعل ، ماذا سموا هذا ؟(22/79)
سموه كسب الأشعري ، الحضور والغائبون جميعا لا يستطيعون أن يتصوروا كسب الأشعري ، لا يمكن ، لذلك قالوا من مستحيلات الكلام ثلاثة منها كسب الأشعري ، مستحيل ، لو جمعت كبار الأشاعرة ليفسروا كسب الأشعري لاختلفوا ، لا يمكن تفسيره تفسيرا معقولا مقبولا لدى العقلاء ، ما معنى بأن العبد له قدرة ولكن قدرته لا تؤثر ولكن أثبت له كسبا وهل الكسب غير الفعل؟ الكسب عندهم شيء آخر غير الفعل ، العبد يفعل وله كسب غير الفعل ، ما هو ذلك الكسب ؟
توجه إرادته إلى فعل شيء ليفعل الله ذلك الفعل عند توجه إرادته إليه ، هذا كل ما استعطنا أن نفهمه والكلام غير مقنع ، إذن كسب الأشعري من مستحيلات الكلام ، ومن مستحيلات الكلام من باب معرفة الشيء ولا الجهل به أحوال أبي هاشم ، أبو هاشم من كبار المعتزلة ينكر الصفات لكنه انفرد فأثبت الأحوال والأحوال عند الأشاعرة الصفات المعنوية بعد أن يعددوا صفات المعاني السبع يأخذون من الصفات السبع سبع صفات أخرى يسمونها صفات معنوية يأخذون من القدرة كونه قادرا كونه مريدا كونه عالما إلى آخره ، هذه تسمى أحوال ، أبو هاشم يثبت الأحوال ولا يثبت الصفات ، غير معقول إما أن تثبت الصفات صفات المعاني كما أثبتت الأشاعرة ثم تأخذ منها الأحوال ، كلام الأشاعرة هنا معقول إثبات للصفات السبع صفات المعاني ثم الأخذ منها الصفات المعنوية ، معقول بالنسبة لقاعدتهم لأنهم أثبتوا الصفات ، وأبو هاشم خالف المعتزلة وأراد أن يبرز بمذهب جديد غير معقول أثبت الأحوال وهو لا يثبت الصفات .
الثالث من مستحيلات الكلام طفرة النظام ، والنظام أيضا أحد كبار المعتزلة من طفرته قال الله خلق هذا الكون كله دفعة واحدة آدم وأولاده كلهم خلقوا في لحظة واحدة خلقهم جميعا ، ولكن في الظهور يتأخرون آدم ظهر قبلنا ونحن ظهرنا بعده وإلا خلقنا جميعا معا ، هكذا الكون كله ، هذه تسمى طفرة النظام .(22/80)
لنرجع إلى محل الشاهد كسب الأشعري ، كسب الأشعري غير معقول ، وذلك ما يشير إليه هنا (ومن قال يفعل عندها لا بها فقد خالف ما جاء به القرآن وأنكر ما خلقه الله من القوى والطبائع وهو شبيه بإنكار ما خلقه الله من القوى التى فى الحيوان التى يفعل الحيوان بها مثل قدرة العبد) قدرة العبد عند الجبرية كما قلنا العبد لا قدرة ولكن عند الأشاعرة له قدرة غير فعالة معطلة .
(كما أن من جعلها هى المبدعة لذلك فقد أشرك بالله تعالى) من جعل قدرة العبد والأسباب هي المبدعة ، العبد هو السبب ، لك يجعل العبدَ سببا لوجود هذه الأفعال بل جعل العبد خالقا مبدعا مع الله تعالى وهذه القدرية (فقد أشرك بالله تعالى وأضاف فعله الى غيره وذلك أنه ما من سبب من الأسباب إلا وهو مفتقر الى سبب آخر فى حصول مسببه) قاعدة عظيمة لو فهمت (ما من سبب من الأسباب إلا وهو مفتقر الى سبب آخر فى حصول مسببه) تريد الثمار والحبوب تحتاج إلى عدة أسباب : أرض تصلحها ، الأرض وإصلاح الأرض وسقي الأرض وإلقاء البذر بعد ذلك ينبت الزرع فيخدم حتى تحصل الثمرات والحبوب الثمار والحبوب ، أسباب ، هكذا أراد الله حكمة منه وهو قادر أن يخلق الحبوب والثمار بدون أسباب وبدون شجر وبدون أصل لا يعجزه شيء ولكنه ربط المسببات بالأسباب حكمة منه سبحانه ، ولذلك قال (ما من سبب من الأسباب إلا وهو مفتقر الى سبب آخر فى حصول مسببه) يريد الولد ، كيف يأتيه الولد ؟ يجمع الأموال ويتزوج ويتكلف المنزل ثم يحصل اللقاء من اللقاء بين الرجل والمرأة يخلق الله ولدا ، لو أن إنسانا عمل جميع الأسباب إلا اللقاء استأجر شقة وتزوج وأثث وأتى بالمرأة وجعلها في البيت وسكن قال بلاش من الأسباب الأخرى الله قادر أن يخلق الولد هكذا ، ما يقال له ؟ غبي ، إذن لا بد من وجود هذه الأسباب حتى يحصل الولد ، من فكر في هذه الأشياء يزداد إيمانا بالله سبحانه وتعالى إلهام للعباد ليفعلوا ويأتوا بهذه الأسباب ألهمهم ووفقهم(22/81)
وأقدرهم على هذه الأسباب .
(ولابد من مانع يمنع مقتضاه) بعد وجود الأسباب لا بد من مانع (ولابد من مانع يمنع مقتضاه اذا لم يدفعه الله عنه) قد توجد هذه الأسباب كلها ولا يحصل المسبب ، تحصل آفة في الزرع لا يحصل المطلوب يحصل عقم في الرجل أو في المرأة لا يحصل المطلوب ، إذن (ولابد من مانع يمنع مقتضاه اذا لم يدفعه الله عنه) الله هو الذي يدفع ذلك المانع أي يجعل الله في هذه الأسباب بركة من إصلاح الأرض وإلقاء البذر من الزواج واللقاء يجعل الله في هذه الأسباب بركة حتى يحصل المطلوب وبدون هذا ، لذلك لا يجوز الاعتماد على الأسباب تتخذ الأسباب وتتوكل على الله سبحانه وتعالى في نجاح الأسباب تعتمد على الله في نجاح الأسباب حتى يحصل المطلوب ، ولو اعتمدت على ذكائك وبذلك لجميع الأسباب لحصول المطلوب من الثمرات والحبوب والولد وغير ذلك هذا الاعتماد نوع من الشرك لا يجوز الاعتماد إلا على الله لأن هذا الاعتماد القلبي توكل والتوكل لا يتنافى مع الأسباب ، الأسباب مشروعة ومطلوبة تحصل بتوفيق الله تعالى تبذلها ثم تعتمد على الله سبحانه وتعالى في أن يبارك في هذه الأسباب وتنجح هذه الأسباب .
قال شيخ الإسلام رحمه الله (ولابد من مانع يمنع مقتضاه اذا لم يدفعه الله عنه فليس فى الوجود شىء واحد يستقل بفعل شىء الا الله وحده) لا يمكن شيء واحد كائنا ما كان وكائنا من كان يستقل بفعل شيء إلا الله وحده ، الله وحده هو الذي يستقل بفعل الأفعال ، الغالب بالأسباب وإن شاء بلا أسباب .
(قال تعالى (ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) فتعلمون أن خالق الازواج واحد) خالق الأزواج خالق الليل والنهار والصيف والشتاء والرجل والمرأة خالق الأوزاج واحد يخلق أشياء متضادة يجعل للناس ألسنة مختلفة وألوان مختلفة وطبائع مختلفة ذكاء وبلادة كل ذلك من الله لا أحد يفعل ذلك إلا رب العالمين .(22/82)
(ولهذا من قال ان الله لا يصدر عنه الا واحد) وجعل لذلك قاعدة فقال (لأن الواحد لا يصدر منه الا واحد) قاعدة فاسدة عندهم القاعدة الواحد لا يصدر منه إلا واحد ، من قعد لكم هذه القاعدة ، ما أفسدها ، ليس هناك واحد يصدر منه واحد ولا اثنين ولا ثلاث إلا رب العالمين .
(كان جاهلا) لأن القاعدة قاعدة جاهلة ليست معتمدة على العلم ، العلم الذي مصدره الوحي ، هذا باب لا يتحدث عنه إلا بالوحي .
(فإنه ليس فى الوجود واحد صدر منه وحده شىء لا واحد ولا اثنان الا الله الذى خلق الازواج كلها مما تنبت الارض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون) إذن القاعدة فاسدة والقائل جاهل ، الذي تصدر منه الأشياء كلها الواحد والأكثر من واحد هو الله وحده ليس هناك خالق سواه .
قال الشيخ رحمه الله تعالى (فالنار التى جعل الله فيها حرارة) لا تستقل هذه النار بحرارتها أن يحصل منها المطلوب قد يوجد مانع لذلك قال (فالنار التى جعل الله فيها حرارة لا يحصل الاحراق الا بها) وهذا عند الأشاعرة غير جائز ، هذه العبارة لا يستسيغونها ، لا يحصل الإحراق إلا بالنار ، النار تحرق وهذه صعبة عندهم أن تقول النار تحرق ولكن يتسامحون مع العوام وأما المتعلمون يقولون لا ، الله يخلق الإحراق عند وجود النار وتتصل بالنار بالشيء المحروق أما النار تحرق لا ، مخالفة للحس والعقل والشرع ، الله جعل فيها سرا لتحرق خلق الله ذلك بسببها بسبب النار ، النار هي السبب كما أنت السبب في وجود فعلك في قيامك وقعودك وذهابك ومجيئك هذه الحركات وتعلمك وصلاتك أنت السبب الله يخلق هذه الأفعال بك أنت ، أنت السبب كذلك النار .(22/83)
(لا يحصل الاحراق الا بها وبمحل يقبل الاحتراق) قد يكون المحل غير قابل للاحتراق ليظهر الله سبحانه وتعالى قدرته وأن هذا السبب لا يستقل بنفسه إلا إذا جعل الله فيه ذلك الصلاحية (فاذا وقعت) النار (على السمندل) السمندل يقول العلماء الذين يتحدثون على الحيوانات حيوان صغير يوجد في القارة الهندية هذا الحيوان يتلذذ بالنار ، إذا دخل النار يجد لذة في النار لا ينحرق ، لا تستغرب ، كم الحيوانات التي تعيش في الماء ولا تغرق كم ؟ حيوان يخرج من الماء ويتشمس ، تمساح ، يتشمس ثم يرجع إلى الماء يعيش في الماء الله جعل له صلاحية يعيش في الماء وفي البر ، حيوان لا يعيش إلا في الماء ، مرتاح كما أنت مرتاح في البر هو مرتاح في الماء إذن لا تستغرب إذا سمعت حيوانا يدخل النار ويتلذذ بالنار ، ليه ؟ لأن النار سبب ، وهذا السبب كما تقدم لا يوجد سبب يستقل بنفسه ، إذن لا بد من أن يدفع الله المانع إذا وجد المانع ما أثرت النار بحرارتها ، خلق الله هذا الحيوان بهذه الطبيعة فطبيعته هذه مانعة من الإحراق لا يحصل الإحراق .
(والياقوت) كذلك ، حجر خاص لا تذيبه النار أبدا ، أي إذا خلق الله مانعا يمنع من تأثير هذه السبب لا يحصل التأثير .(22/84)
(وقد يطلى الجسم بما يمنع احراقه) جسم الإنسان قد يطلى كما فعل ذلك كثير من السحرة تطلى يد الإنسان ولكن لا يظهر يدخلها في النار بدلا من أن يصار الناس بأنه أوجد هناك مانعا يمنع من الإحراق يجعل هذا بركة منه أو من قوة سحره أو من كرامته يأتي الضلال من هنا وإلا قد ترى إنسانا يدخل النار فيخرج من هناك هذا يفسر بعدة تفاسير قد يكون من هذا الباب وقد يكون من باب الاستدراج ، استدراج ، ليس هناك مانع ، الله منع من أن تأثر فيه النار فيظن أن ذلك كرامة ولكنها إهانة واستدراج ليزداد إثما على إثم ، يطير ، يقوم من بين الناس يطير في الجو ، ينزل فيعود إنسان بشر عادي ما له جناح ، استدراج ، وهل يحصل الطيران للصالحين ؟ نعم قد يحصل ، قد يجعل الله هذا الطيران عونا له على طاعته والانتصار على أعدائه إن كان صاحب الطيران رجلا صالحا عد ذلك كرامة لأنه أمر خارق للعادة وإن كان طالحا عد ذلك استدراجا ، أشار الإمام الشافعي إلى هذا المعنى فقال (لو رأيت رجلا يمشي على الماء) كأنه يمشي على الأرض (أو يطير في الهواء لا تصدقه) أنه ولي من أولياء الله تعالى (حتى تعرض أعماله على الكتاب والسنة) الميزان ، إذا أوزنت أعماله فوزنت بالكتاب والسنة لا يستبعد أن يكون ذلك كرامة ...(22/85)
(وقد يطلى الجسم بما يمنع احراقه والشمس التى يكون عنها الشعاع لابد من جسم يقبل انعكاس الشعاع عليه فاذا حصل حاجز) بين الجسم وبين الشمس (من سحاب أو سقف لم يحصل الشعاع تحته وقد بسط هذا فى غير هذا الموضع) من يعرف هذا البنك الذي يحيل عليه الشيخ دائما ؟ المطولات من كتبه ، ارجع إلى المنهاج وغير المنهاج من الكتب المطولة تصفح هذه المجموعة العظيمة كل صيد في جوف الفراء حتى تجد هناك علوما ولا تحاول أن تأخذ المسائل كلها جاهزة ، قد يكون أستاذك غير مطلع على هذا البنك ولم يصل إليه هذه موهبة من الله لهذا الإمام وقف نفسه على العلم والعبادة والجهاد وترك الزواج وملذات الحياة وانقطع للعلم والعمل والدعوة والتأليف والجهاد ففتح الله عليه ورزقه هذا العلم سبحانه .
نكتفي بهذا المقدار لنجيب على بعض الأسئلة التي لا بد من الإجابة عليها .
وبالله التوفيق .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
((وأما فى ( القدر ( فعليه أن يستعين بالله فى فعل ما أمر به ويتوكل عليه ويدعوه ويرغب اليه ويستعيذ به ويكون مفتقرا اليه فى طلب الخير وترك الشر وعليه أن يصبر على المقدور ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه واذا آذاه الناس علم أن ذلك مقدر عليه ومن هذا الباب احتجاج آدم وموسى لما قال يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة فقال له آدم أنت موسى الذى أصطفاك الله بكلامه فبكم وجدت مكتوبا على من قبل أن أخلق (وعصى آدم ربه فغوى) قال بكذا وكذا سنة ، قال فحج آدم موسى وذلك أن موسى لم يكن عتبه لآدم لآجل الذنب فان آدم كان قد تاب منه والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ولكن لأجل المصيبة التى لحقتهم من ذلك وهم مأمورون أن ينظروا الى القدر فى المصائب وأن يستغفروا من المعائب كما قال تعالى ( فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك )(22/86)
فمن راعى الأمر والقدر كما ذكر كان عابدا لله مطيعا له مستعينا به متوكلا عليه من الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين وقد جمع الله سبحانه بين هذين الأصلين فى مواضع كقوله ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وقوله ( فاعبده وتوكل عليه ) وقوله ( عليه توكلت واليه أنيب ) وقوله ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شىء قدرا ) فالعبادة له والاستعانة به وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقول عند الأضحية ( اللهم منك ولك ) فما لم يكن بالله لا يكون فانه لا حول ولا قوة إلا بالله وما لم يكن لله فلا ينفع ولا يدوم))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد :(22/87)
موضوع الدرس اقتران التوحيد بالاستغفار ، هذا هو الموضوع ولأهميته لا بد من ربط الدرس القديم بهذا الدرس ، في هذا الأمر يقول شيخ الإسلام رحمه الله (وجماع ذلك انه لابد له فى الأمر من أصلين) لا بد له في الأمر أي أمر اقتران التوحيد والاستغفار معا لا بد له من أصلين (لابد له فى القدر من أصلين ففى الأمر) بالنسبة للأمر الذي هو الشرع ، الأمر والنهي (عليه الإجتهاد فى الإمتثال علما وعملا) يجتهد في تحصيل العلم ويجتهد في العمل (فلا يزال يجتهد فى العلم بما أمر الله به والعمل بذلك) هذا ما يتعلق بالشرع (ثم عليه أن يستغفر ويتوب من تفريطه فى المأمور وتعديه للحدود) مهما تعلم ومهما علم لا بد من التفريط التقصير في المأمور به ولا بد من تعدي الحدود أيا كان ذلك الحد عليه أن يستغفر ، يتعلم ولا يعمل بدون علم ، ثم يعمل بما علم ثم إذا حصل منه التقصير أو مجاوزة الحد أكثر من الاستغفار والتوبة إلى الله ، هذا هو الطريق للسير إلى الله (ولهذا كان من المشروع أن تختم جميع الاعمال بالإستغفار فكان النبى صلى الله عليه وسلم اذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا) إلى آخر هذه الأدلة لننتقل بعد الشرع إلى القدر (وأما فى القدر) إذا عرفنا في الأمر والنهي الذي هو الشرع ، وفي القدر (فعليه أن يستعين بالله فى فعل ما أمر به ويتوكل عليه ويدعوه ويرغب اليه تعالى ويستعيذ به) من شره ، أي من شر نفسه وشر عدوه وشر وساوس الشيطان ، لأن في هذا الباب تكثر الوساوس في باب القدر ، بمعنى يعمل بالشرع وهو الطريق – الشرع – هو الطريق للسير إلى الله ، وبالنسبة للقدر يسلم الأمر لله تعالى ويستعين (فى فعل ما أمر به ويتوكل عليه ويدعوه) لا يحاول أن يدرك سر القدر فهو بين طريق مسلوك وواضح وبين أمر غامض ، الشريعة طريق مسلوك واضح بين الله فيه الحق من الباطل والهدى من الضلال وهدى الله الناس إلى هذا الطريق بكتابه وبنبيه عليه الصلاة والسلام وأتباعه وهناك قدر قد(22/88)
علم الله أزلا وكتب في كتاب سابق كل ما يصدر من الإنسان من خير أو شر ، في هذا الباب لا يبحث عن سر القدر ولكن يستعين بالله على (فعل ما أمر به ويتوكل عليه) يفوض أمره إليه (ويدعوه) لا يقول الأمر مقدر لا داعي للدعاء ، لا ، بل يدعو ويكثر من الدعاء ، إذا وفق إلى الدعاء فليعلم بأن الله قد علم أزلا أنه سيوفق في الدعاء ويكثر من الدعاء فإذا وفق إلى الدعاء فالإجابة معه كما قال عمر رضي الله عنه ، يرغب إلى الله سبحانه وتعالى ويكون خائفا لأنه لا يدري ما الذي سبق في علمه (ويستعيذ به ويكون مفتقرا اليه تعالى فى طلب الخير وترك الشر) لا يعتمد على حوله وقوته وعلمه ولكن يكون مفتقرا إلى الله في طلب الخير وترك الشر (وعليه أن يصبر على المقدور) مع كل هذا ، المقدور لا بد منه ، إذا حصل عليه مقدور سواء كان يرضاه أو لا يرضاه أي من الخير أو من الشر عليه أن يصبر ولا يجزع ولا يشكو ربه إلى عباده يسلم الأمر لله ويصبر ، يحبس نفسه على تلقي هذا المقدور (ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه) ما أصابه في علم الله لم يكن ليخطئه أبدا (وما أخطأه) في علم الله (لم يكن ليصيبه) هذا هو الإيمان بالقدر لو أن العبد علم أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، من علم هذا المقدار في باب القضاء والقدر قد علم عليه أن يعمل ولا يبحث أكثر من هذا بل يوطد نفسه على هذا فيصبر ويرضى بالقضاء ، أما المقضي إن كان خيرا يرضاه فيحبه وإن كان شرا لا يرضاه ولا يحبه ولكن يرضى بالقضاء ، القضاء فعل الرب سبحانه والمقضي الذي فعله هو قد تكون معصية وشركا وبدعة هذا المقضي لا يحبه لأن الله لا يحبه ولكن يحب بالقضاء الذي هو فعل الرب سبحانه وتعالى ويعلم أن الذي وقع فيه وتورط فيه بقضاء الله وقدره وذلك عدل من الله فيجب أن يحب ذلك ويرضى لتوافق إرادته إرادة الله ولكن المقضي إن كان طاعة وخيرا وهدى يحبه لأن الله يحب(22/89)
ذلك وإن كان غير ذلك من المعاصي والشرك والابتداع لا يرضى ذلك ولا يحبه ، بهذا يحقق التوحيد ، تحقيق التوحيد أن يتحد مرادك ومراد محبوبك وهو الله أي بالإرادة الشرعية .
(واذا آذاه الناس علم أن ذلك مقدر عليه) لا يغضب ، وإن غلبه الغضب لأنه بشر لا ينفذ ولا يعمل بمقتضى الغضب ، يكظم الغيظ ويتذكر وأن ذلك مقدر ، الإيذاء الذي وصل إليه من أحد مقدر معلوم عند الله ومكتوب أن فلانا سوف يسيء إلى فلان في المكان الفلاني في اللحظة الفلانية ، إذا علم ذلك استسلم واستراح ولا يعتب ولا يغضب .
(ومن هذا الباب احتجاج آدم وموسى لما قال) موسى لآدم (يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده) فيه إثبات صفة اليد ، إثبات صفة اليد والكلام والوجه وغير ذلك من صفات الرب من الأصول المتفق عليها بين الأنبياء كما يظهر لكم من هذا الحديث (خلقك الله بيده) ولم يخلق غيره بيده أما نحن فخلقنا بقدرته فآدم خلقه بقدرته وباشر خلقه بيده سبحانه كما يليق به وكما شاء بهذا امتاز آدم وأدرك إبليس ذلك ولم يحتج "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي" مع عناده وكثرة احتجاجه لم يقل (أنا أيضا خلقتني بيدك) بل هذا مما ميز الله به آدم .(22/90)
(ونفخ فيك من روحه) شرف روحه وهي روح مخلوقة بهذه الإضافة لأن الله خلقه من غير أب ولا أم لذلك شرف هذه الروح بالإضافة إليه وهي وإن كانت إضافة مخلوق إلى الخالق لكنها إضافة تشريف (وأسجد لك ملائكته) سجود تحية لا سجود عبادة والشرائع تختلف ، في بعض الشرائع التحية والإكرام بالسجود ليس كشرعنا ، بعد هذه المقدمة كلها يقول (لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة) هذا محل الاحتجاج (فقال له آدم أنت موسى الذى أصطفاك الله بكلامه) إثبات الكلام لله تعالى الكلام الحقيقي من الأصول المتفق عليها بين الأنبياء جميعا ، الكلام الحقيقي الذي يسمعه المخاطب ، إذا كلم الله أحدا سمع ذلك المخاطب كلام الله بصوته سبحانه وليس كلاما كلاما نفسيا ليس بحرف ولا صوت هذا الكلام المزعوم من اصطلاح الأشاعرة وإلا لا أصل له .
بعد هذا قال (فبكم وجدت مكتوبا على من قبل أن أخلق (وعصى آدم ربه فغوى)؟) بكم سنة قبل أن أخلق وجدت مكتوبا علي هذا الكلام ، ومعلوما عند الله (قال بكذا وكذا سنة) أي بأربعين سنة قبل أن تخلق لحكمة يعلمها ربنا سبحانه وتعالى ، كما أنه مكتوب عليه "وعصى آدم ربه فغوى" كذلك مكتوب عنده أنه سوف يتوب الله عليه فيتوب ، أي العصيان والتوبة كل منهما معلوم ومكتوب عند الله .(22/91)
قال النبي عليه الصلاة والسلام (فحج آدم موسى) "فحج آدم" أي غلب آدم موسى بالحجة لأنه ذكر له بالواقع هذا هو الواقع ذكره بالواقع (وذلك أن موسى لم يكن عتبه لآدم لآجل الذنب) انتبه هنا (فان آدم كان قد تاب منه والتائب من الذنب كمن لا ذنب له) لكن العتاب علام؟ ( ولكن لأجل المصيبة التى لحقتهم) آدم وذريته (من ذلك) أي من ذلك الذنب (وهم مأمورون أن ينظروا الى القدر فى المصائب) ويرضوا بالمقدور ويؤمنوا بالقدر ويحبوا بالمقدور إن كان خيرا ويحبوا بالقضاء والقدر إن كان المقدور شرا أو معصية ، ومأمورون (ينظروا الى القدر فى المصائب وأن يستغفروا من المعائب) يعني بالنسبة للمعايب والذنوب لا ينظرون إلى أنها بالقدر ، لا ، لا ينبغي أن يفهم هكذا ، الكل مقدر المصائب مقدرة والمعاصي مقدرة هذه المعصيبة ما سببها ؟
الخطيئة ، ومن الصعب التفريق بين السبب وبين المسبب ، المصيبة التي من أجلها أخرج وأخرجت ذريته من الجنة ما سببها ؟
الخطيئة ، الكل مقدر ، هذا وجه اختاره شيخ الإسلام ووافقه تلميذه ثم ذكر وجها آخر وذلك الوجه أوضح من هذا لأن هذا الوجه فيه نوع من الغموض لأن التفريق بين السبب والمسبب فيه غموض الكل مقدر الذنب مقدر والمصيبة مقدرة بل الذنب هو سبب المصيبة .
الوجه الثاني : ينفع الاستدلال بالقدر في موضع ويضر في موضع ، هذا كلام العلامة ابن القيم في كتابه شفاء العليل ، متى ينفع ؟(22/92)
إذا أذنب الإنسان ذنبا ثم أقلع وتاب وندم ولم يعاود فعوتب فذكر القدر إيمانا منه بالقدر وبراءة منه من الحول والقوة لا ليدفع الشريعة بالقدر بل للإخبار بالواقع والإيمان بالقدر والبراءة من الحول والقوة كما حصل لآدم في هذا الموضع ينفع الاحتجاج بالقدر ويضر في موضع آخر بأن يذنب الإنسان ذنبا فيعاتب على ذلك فيقول هذا شيء قدر الله علي قبل أن يخلقني ليصر على المعصية ويدفع بذلك الأمر والشرع وليعارض الشرع بالقدر ويجعل الخصومة بين الشرع وبين القدر ، هذا الذي لا يجوز ، في هذا الموضع يصر الاحتجاج بالقدر فليفهم جيدا ، ومن أراد أن يتسع على البحث مستوفى يقرأ هذا البحث في شفاء العليل ولكن بتأنٍ لأن ابن القيم طويل النفس كما تعلمون المستعجل قد لا يستفيد منه الذي يصبر معه فيتابع من أول المبحث إلى آخره يخرج بهذه النتيجة ولكن المستعجل قد يرجع وهو لم يأخذ النتيجة من مبحثه ، بهذه المناسبة رسالة ابن القيم رسالة الصلاة كثيرا ما يبدأ طلاب العلم في قراءته ويقطعون القراءة قبل أن يتموا الرسالة ويخرجون بدون نتيجة لم يفهموا هل هو مع القائلين بأن تارك الصلاة كافر أو مع الآخرين ، لأنه يسوق حجج الطرفين لذلك اعرفوا لهذا الإمام أسلوبه ، فإذا عرفت أسلوبه وتأنيت في قراءة ما كتب وجدت هناك علما شافيا وعلما نافعا رحمه الله .
وبعد : يقول شيخ الإسلام رحمه الله (وذلك أن موسى لم يكن عتبه لآدم لآجل الذنب فان آدم كان قد تاب منه والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ولكن لأجل المصيبة التى لحقتهم من ذلك وهم مأمورون أن ينظروا الى القدر فى المصائب وأن يستغفروا في المعائب) وأما في المعائب مأمورون أن ينظروا إلى القدر وأن يستغفروا من المعائب معا ليس معنى ذلك لا ينظروا إلى القدر في المعائب ، لا ، يجب الإيمان بأنه لا يقع في ملكه إلا ما شاء إلا ما علم وكتب وقدر وشاء ، يجب التسليم في الأمرين في الخير والشر .(22/93)
(كما قال تعالى (فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك)) الاستغفار لذنبك لا ينافي النظر إلى هذا الذنب بعين القدر أيضا ، تنظر إليه بعين القدر وفي الوقت نفسه تستغفر الله وتصبر على المقدور .
(فمن راعى الأمر والقدر) المراد بالأمر هنا الشرع (كما ذكر كان عابدا لله مطيعا) أي مراعاة الشرع والقدر معا توجب العبادة والاستعانة ، لا بد من مراعاة الأمرين معا ، الأمر للعمل به بالامتثال والانتهاء والقدر للتسليم والرضى ، بهذا يكون الإنسان عابدا لله عباده صحيحة ، ولا يتم ذلك إلا بعد العلم ، العلم قبل القول والعمل .
(كان عابدا لله مطيعا له مستعينا به متوكلا عليه) لا يفعل كل ذلك إلا صاحب العلم أما الذي لا يتعلم لا يرفع رأسه ليتعلم ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام يتعلم أشياء أخرى ويكتفي بالنسبة لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام بالإسلام الرسمي بالهوية لا يتعلم ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام لا في العقيدة ولا في الشريعة هذا لا يستطيع أن يقف هذا الموقف ، هذا موقف عظيم .
(متوكلا عليه من الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين) يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله (وقد جمع الله سبحانه بين هذين الأصلين فى غير موضع كقوله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين)) كيف تدرك بأن الله جمع في هذه الآية بين الأمر وبين القدر ؟ بين الشرع وبين القدر ؟هذا من فقه الكتاب ، إذا رزق الإنسان فقه الكتاب أدرك ذلك وإلا فلا ، "إياك نعبد" هذا الشرع "وإياك نستعين" هذا القدر ، تسلم وتستعين بالله .
((فاعبده وتوكل عليه)) فاعبده بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات بعد العلم "وتوكل عليه" في نجاح الأسباب ، وتوكل عليه في الصبر على القضاء والقدر .(22/94)
((عليه توكلت واليه أنيب) وقوله (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) محل الشاهد (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره) أو بالغٌ أمرَه (قد جعل الله لكل شىء قدرا)) من آمن بأن الله قد جعل لكل شيء قدرا لا يقلق مما يحصل له من المصائب والمتاعب والإيذاء وتسلط الأعداء يسلم أمره لله ويعلم أنه معلوم ومقدر يعيش مرتاح البال وإن أوذي كما أوذي الأنبياء والصالحون من بعده ولكن الله من لطفه يخفف على العباد ، لذلك أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل وعلى أمثالنا يخفف الله كثيرا ، لو أوذي المصلحون الدعاة دعاة الحق في هذا الوقت كما أوذي الأنبياء ومن بعدهم يكون الأمر صعبا جدا ولكن الله لطف ..
(والاستعانة به وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقول في الأضحية) عندما يذبح أضحيته بيده عليه الصلاة والسلام ((اللهم هذا منك ولك)) أنت الذي أعطيتنا ثم وقفتنا لنتقرب به إليك ، هذا المال منك وإليك .
(فما لم يكن بالله لا يكون) لا يتحقق ، لا يوجد (فانه لا حول ولا قوة إلا بالله وما لم يكن لله) لوجه الله تعالى (لا ينفع) لأن الله لا يقبل الشركة (ولا يدوم) ولا بد في عبادته من أصلين .
فلنكتفي بهذا المقدار ، لنجيب على بعض الأسئلة التي لا بد منها .
الشريط الثاني والثلاثون :(22/95)
((ولابد فى عبادته من أصلين ( أحدهما ) اخلاص الدين له ( والثانى ) موافقة أمره الذى بعث به رسله ولهذا كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول فى دعائه اللهم اجعل عملى كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى فى قوله تعالى ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) قال أخلصه وأصوبه قيل يا أبا على ما أخلصه وأصوبه قال إذا كان العمل خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة ولهذا ذم الله المشركين فى القرآن على اتباع ما شرع لهم شركاؤهم من الدين الذي لم يأذن به الله من عبادة غيره وفعل ما لم يشرعه من الدين قال تعالى ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) كما ذمهم على أنهم حرموا ما لم يحرمه الله والدين الحق أنه لا حرام إلا ما حرمه الله ولا دين إلا ما شرعه الله))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في آخر عقيدة له الرسالة التدمرية في بيان أصلين اثنين لا بد منهما لكل عابد يقول شيخ الإسلام رحمه الله (ولابد فى عبادته) أي في عبادة المؤمن (من أصلين أحدهما اخلاص الدين له) أن يكون الدين خالصا لله تعالى لا شركة فيه لا يريد بعمله إلا وجه الله لا يصرف شيئا من العبادة لغير الله ولا يدخل في عمله الرياء والعجب وحب الظهور وحب الثناء .
(والثانى موافقة أمره الذى بعث به رسله) أمره الذي بعث به رسله هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعبر عن هذا أحيانا بالمتابعة الإخلاص والمتابعة لنعرف بذلك مكانة نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أن عملك ولو كان خالصا لله لا يقبل إلا إذا جاء موافقا لما جاء به هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام .(22/96)
(ولهذا كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول فى دعائه اللهم اجعل عملى كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا) يكون خالصا لوجه الله سبحانه وتعالى دعاء عظيم ينبغي أن يحفظ .
(وقال الفضيل بن عياض) من كبار الصوفية المعتدلين ومن الثقات المعروفين لا يضره كونه تصوف في أول أمره والتصوف قل من سلم من آثاره في أول الأمر وكان العلامة ابن القيم صوفيا في أول حياته أنقذه الله من ورطة التصوف بشيخه الإمام ابن تيمية كما حكى العلامة ابن القيم عن نفسه بذلك في نونيته ، لذلك هذا الإمام الفاضل الفضيل بن عياض فهو صوفي كبير وعالم جليل وإمام ثقة أكثر شيخ الإسلام رحمه الله من النقل من هذا الإمام قال في تفسير قوله تعالى ((ليبلوكم أيكم أحسن عملا)) الشاهد أحسنكم عملا ما معنى أحسنكم عملا ؟ (قال أخلصه وأصوبه قيل يا أبا على ما أخلصه وما أصوبه) ما أخلص العمل وما أصوب العمل (قال) إن العمل إذا كان خالصا لوجه الله تعالى لا يريد به العامل إلا وجه الله والتقرب إليه (ولم يكن صوابا لا يقبل) متى يكون صوابا ؟ إذا كان موافقا لهدي محمد عليه الصلاة والسلام (وإذا كان صوابا) موافقا للسنة مئة في المئة لم يبتدع ولكنه (لم يكن خالصا) لوجه الله تعالى أراد به الظهور ليظهر ليمدح ليثنى عليه لتوسع له المجالس وتقرب له المخاد ويذكر في المجالس ويثنى عليه أراد هذا لا قبول له طالما لم يخلص فيه لوجه الله تعالى ولو كان صوابا ، ولو أخلص لم يدخل عمله شيء من الرياء ولكن عمله كله مبتدع يصوم الصوم المبتدع وعبادته مبتدعة أو فيها شيء من البدع كل ذلك مردود "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" أيما عمل العبرة ليس بالكم ولكن بالكيفية العمل القليل الصواب الخالص والعمل المقبول ولو لم يكن كثيرا لكن لو عمل كثيرا إما انه فيه بدع أو ليس فيه إخلاص لا يجديه أبدا ، هذا معنى كلامه رحمه الله .(22/97)
قال (حتى يكون خالصا صوابا) معا (والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة ولهذا ذم الله المشركين) انتهى كلامه وهذا كلام شيخ الإسلام (ولهذا ذم الله المشركين فى القرآن على اتباع ما شرع لهم شركاؤهم) شركاؤهم الذين حللوا لهم وحرموا ، شرعوا لهم (من الدين ما لم يأذن به الله من عبادة غيره) دعاء غيره والاستغاثة بغيره والذبح لغيره والتوكل على غيره والخشية من غيره (وفعل ما لم يشرعه من الدين) من الابتداع ، شركاؤهم ومتبوعوهم زينوا لهم الابتداع في الدين ابتدعوا لهم أعمالا مبتدعة أورادا مبتدعة وصيغا في الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام مبتدعة كصلاة الفاتح والأوراد المقيدة التي ابتدعوها وألزموا بها أتباعهم صباح مساء هذه كلها أعمال مبتدعة والذين شرعوا هذا التشريع يسمون آلهة وإن كانت الناس لا تفهم هذا المعنى يسمون إما شيخا أو وليا أو صالحا ولكن كل من شرع تشريعا في العبادة في الأحكام يسمى إله ، معبود ، رب ، ولكن عبادته باطلة .(22/98)
(قال تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)) يسمى دينا ذلك الذي عليه المشركون الذين يتبعونه يسمى دينا إلا أنه دين باطل ، كما أن الإله هناك إله يعبد بالحق وهو خالق السماوات والأرض وهناك آلهة باطلة كذلك هناك دين حق ودين باطل الدين الحق هو الذي جاء به محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام (كما ذمهم على أنهم حرموا ما لم يحرمه الله والدين الحق) ما هو ؟ (والدين الحق أنه لا حرام إلا ما حرمه الله ولا دين إلا ما شرعه الله) ولو شرع رجال التشريع تشريعا أحكاما وعقوبات مخالفة لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ودعوا الناس إلى ذلك يعتبرون أربابا من دون الله ، وقد استساغوا أن يطلق عليهم رجال التشريع وهي عبارة صعبة عند المؤمنين إطلاق رجال التشريع على الناس صعبة جدا لأن المشرع هو الله ، المشرع الحقيق هو الله وقد يأذن الله لرسوله أن يشرع ويحرم ويحلل بإذنه لأن الله جعل طاعته من طاعته "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول" طاعة رسول الله من طاعة الله لذلك للنبي عليه الصلاة والسلام أن يحرم ما لم يأت تحريمه في الكتاب كما حرم لحوم الحمر الأهلية في خيبر وكما حرم الجمع بين المرأة وخالتها والمرأة وعمتها القرآن إنما حرم الجمع بين الأختين لذلك إطلاق المشرع على النبي عليه الصلاة والسلام جائز لأن الله أعطاه الطاعة المطلقة حيث أعاد الفعل في قوله تعالى "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول" ولما وصل الأمر إلى ولاة الأمر لم يعطهم الطاعة المطلقة قال "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر" أولوا الأمر إنما يطاعون إذا أطاعوا الله ورسوله في حدود طاعة الله وطاعة رسوله ليس لهم أن يشرعوا فيطاعوا لو شرعوا تشريعا وحللوا وحرموا ووضعوا قوانين في الأحكام في العقوبات لا طاعة لهم وهم أرباب من دون الله فعبادتهم باطلة اتباعهم في التحليل والتحريم والتشريع والتبديل ووضع العقوبات الجديدة المخالفة لشرع الله تعالى اتباعهم في(22/99)
ذلك يعتبر عبادة لهم ويعتبر شركا أكبر ، ليس الشرك أن تسجد لغير الله وتركع وتذبح وتستغيث فقط ، إن اتبعت غير الله في التشريع في التحليل والتجريم قد أشركت وجعلت ذلك المشرع المحلل المحرم شريكا لله تعالى لذلك يقول الشيخ رحمه الله (والدين الحق أنه لا حرام إلا ما حرمه الله ولا دين إلا ما شرعه الله) .
نعم .
((ثم إن الناس فى عبادته واستعانته على أربعة أقسام فالمؤمنون المتقون هم له وبه يعبدونه ويستعينونه وطائفة تعبده من غير استعانة ولا صبر فتجد عند أحدهم تحريا للطاعة والورع ولزوم السنة لكن ليس لهم توكل واستعانة وصبر بل فيهم عجز وجزع
وطائفة فيهم استعانة وتوكل وصبر من غير استقامة على الأمر ولا متابعة للسنة فقد يمكن أحدهم ويكون له نوع من الحال باطنا وظاهرا ويعطى من المكاشفات والتأثيرات ما لم يعطه الصنف الأول ولكن لا عاقبة له فإنه ليس من المتقين والعاقبة للتقوى فالأولون لهم دين ضعيف ولكنه مستمر باق إن لم يفسده صاحبه بالجزع والعجز وهؤلاء لأحدهم حال وقوة ولكن لا يبقى له إلا ما وافق فيه الأمر واتبع فيه السنة وشر الأقسام من لا يعبده ولا يستعينه فهو لا يشهد أن عمله لله ولا أنه بالله))(22/100)
قال الشيخ رحمه الله تعالى (ثم إن الناس فى عبادة الله تعالى والاستعانة على أربعة أقسام) هذا كلام إمام مجرب وخالط جميع الفرق والطوائف في وقته لأنه عندما ظهر هذا الإمام رحمه الله في دمشق كانت هذه الطوائف كلها موجودة فنازلهم جميعا وناظرهم فنصره الله وصدع بالحق وانتصر لمنهج السلف الذي كاد أن يجهل أو جهل بعد محنة الإمام أحمد وتفرق أصحابه في أنحاء الدنيا كما يقول المقريزي ، يقول الإمام ابن تيمية (ثم إن الناس فى عبادة الله تعالى والاستعانة على أربعة أقسام فالمؤمنون المتقون هم له وبه) عملهم لله واستعانتهم بالله لذلك هم مؤمنون ومتقون (يعبدونه) على بصيرة (ويستعينونه) يعبدونه يتبعون الأوامر والنواهي يشير بالعبادة دائما إلى الشرع إلى اتباع الأمر والنهي (ويستعينونه) يشير بهذا إلى الإيمان بالقضاء والقدر هذه صفة المؤمنين المتقين ، هذه طائفة .
الطائفة الثانية (تعبده سبحانه وتعالى من غير استعانة ولا صبر) لذلك يشرح فيقول (فتجد عند أحدهم تحريا للطاعة) لا يكاد يعصي ملتزما للطاعة (والورع) عنده ورع عفة اللسان عفة النفس عفة اليد والتزام الورع حتى اجتناب المكروهات وما فيه الشبه عندهم التزام شديد في هذا الباب وفي (ولزوم السنة) لا يكادون يخالفون السنة (لكن ليس لهم توكل واستعانة وصبر بل فيهم عجز وجزع) في باب القضاء والقدر فيهم ضعف لا يتوكلون على الله ويستعينون به إذا أصابتهم مصيبة أصيبوا بالجزع والعجز والكسل والشكوى والفتور يسبب هذا ضعف العلم وضعف البصيرة لذلك العابد الذي يكثر من العبادة وفيه ورع والتزام إذا كان ناقص الفقه عاقبته سيئة لأنه لا يصبر ولا يتوكل على الله يلتفت إلى غير الله ربما ينحرف إلى الإشراك بالله تعالى .(22/101)
الطائفة الثالثة (فيهم استعانة وتوكل وصبر) من حيث تفويض الأمر إلى الله تعالى والتوكل عليه والصبر على البلاء عندهم لكن (من غير استقامة على الأمر) ليس لديهم استقامة بل يخبطون ويخلطون كذلك هذا لضعف الفقه في الدين (ولا متابعة للسنة) فتكون النتيجة أن المؤمنين الأولين المتقين الذين تقدم ذكرهم الطائفة الأولى وصلوا إلى ما وصلوا بالعلم والعمل أولا العلم ، العلم هو كل شيء في السير إلى الله وبدون علم إما يصاب في باب التوكل والصبر أو يصاب في باب الاستقامة والتزام السنة لا يكون كاملا الكمال المطلوب الكمال البشري المطلوب لا يكون كاملا ومستقيما ومستمرا على الطريق إلا بالعلم ، أي علم ؟ العلم الموروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم العلم النافع وإلا العلم كثير وخصوصا في باب العقيدة كثرت علوم العقيدة في الآونة الأخيرة وفي وقتنا هذا أكثر فأكثر لكن العقيدة النافعة هي العقيدة التي جاء بها محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام وورثها لأصحابه وأصحابه نقلوها إلى التابعين ثم إلى تابعي التابعين فبقي على هذا العقيدة الفرقة الناجية التي لازمن ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وإن خالفهم من خالفهم وخذلهم من خذلهم وقد بشرهم النبي عليه الصلاة والسلام "لاتزال طائفة من أمتي منصورة على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم" فيه إشارة إلى من يخالف الطائفة الناجية والفرقة الناجية كثيرون والفرقة الناجية كما قلنا غير مرة كما أثبتت التجارب في هذا الوقت تكثر في مكان وتقل في مكان ليست مجتمعة في مكان معين بل موزعون في أقطار الدنيا ومن يتتبع أخبارهم وأحوالهم ويتعرف عليهم يجدهم متفرقون في الدنيا ولكن متحدون في المنهج على العقيدة الواحدة والمنهج الواحد وهم يؤذون في كل مكان ويخالَفون وكثير من يخالفهم ويؤذيهم ويحاول خذلانهم إلا أنهم يبقون كما وعد الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام "حتى يأتي أمر الله" المراد بأمر الله(22/102)
عندما يرسل الله تلك الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين حتى لا تقوم الساعة إلا على لكع بن لكع لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول الله الله ، يقبضون جميعا إلى تلك اللحظة الطائفة المنصورة تبقى متفرقة في أنحاء الدنيا تكثر هنا وتقل هناك ولكنها تتجاوب ، هكذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام .
قال الإمام رحمه الله تعالى الطائفة الثالثة (فيهم استعانة وتوكل وصبر من غير استقامة على الأمر ولا متابعة للسنة) ويكثر في هذه الطائفة كثير من المتصوفة لذلك يقول الشيخ (فقد يمكن أحدهم) تمكينا في الأرض يحصل له تمكين وقد يحصل له قبول عند كثير من الناس (وله نوع من الحال) هذا اصطلاح جديد من اصطلاح الصوفية ، لهم أحوال ، الأحوال من أحوال النفس قد تكون هذه الأحوال مستمدة من الاتباع وفي الغالب الكثير أحوال شيطانية اضطراب ، يُصرع ويصرخ له أحوال لا يعرفها إلا من خالطهم .
(ويكون له نوع من الحال باطنا وظاهرا ويعطى من المكاشفات والتأثيرات) انتهبوا لهذه العبارة هذه من المطبات التي ينبغي أن ينتبه لها طالب العلم وإلا يخطئ في الفهم ، المكاشفات عند الصوفية غير المعنى الذي أراد الشيخ ، تعتقد الصوفية أن كبارهم الذين يسمونهم العارفين بالله الواصلين إلى الله تحصل لهم مكاشفة يكشف لهم من اللوح المحفوظ ويرون ما في اللوح المحفوظ ويأخذون التعليمات مباشرة من اللوح المحفوظ ويستغنون عن الشريعة والشريعة للعلماء الجامدين ، هذه عبارتهم ، العلماء الجامدون الفقهاء الذين يتبعون ظاهر الكتاب والسنة ، أما لهم ، لهم الباطن ولهم الحقيقة بالمكاشفة يأخذون ما يشاءون من اللوح المحفوظ .
والتأثيرات ، لهم تأثيرات في هذا الكون يرون إن العارفين بالله كانوا مشغولين بالخدمة في حياتهم ويكثر التأثير ولكن بعد وفاتهم ليتفرغون للتأثير والتصرف في الكون لأتباعهم ، شرك في الربوبية .(22/103)
ولكن الشيخ كما عرفنا من أسلوبه في غير كتاب لا يعني هذا ، المراد بالمكاشفات الإلهام والإلهام حاصل وخصوصا لبعض الصحابة وفي مقدمتهم عمر "إن فيمن كان قبلكم ملهمون ومحدثون وليسوا بأنبياء وإن كان في أمتي فعمر" فعمر ملهم تعلمون كثيرا ما يقترح عمر اقتراحا ويوافق اقتراحه نزول آية ، عمر هو الذي قال للنبي عليه الصلاة والسلام (لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى) فنزلت الآية بذلك ، عمر من شدة غيرته رأى أن الناس تدخل بيت النبي عليه الصلاة والسلام ونساءه عنده قبل نزول الحجاب قال يا رسول الله الناس تدخل عليك ونساؤك عندك لو حجبت نساءك ، فنزلت آية الحجاب ، اقترح الحجاب وله مواقف ، المهم الإلهام موجود في الشريعة المراد بالمكاشفة إذا قال الشيخ أو تلميذه أو غيره إذا عبروا بالمكاشفات يعنون الإلهام ، والتأثيرات هو أن يؤثر الإنسان بإذن الله تعالى بدعائه في غيره يدعو على أعدائه وأعداء دينه فيؤثر فيهم بدعائه بإذن الله تعالى لأنه يكون مستجاب الدعوة وهذا كثير في الصحابة ، المستجابون في السلف مجابون الدعوة معروفون ، هذا هو المراد بالتأثير ولا ينبغي أن يفسر هذا بما كانت عليه الصوفية بل ينبغي التفريق بينهما .
يقول يعط من هذا (ما لم يعطه الصنف الأول) الذي قبله (ولكن لا عاقبة له) لهذا الصنف الذين فيهم نزعة الصوفية (فإنه ليس من المتقين والعاقبة للمتقين) لما فيهم من الضعف .
(فالأولون) الذين قبلهم (لهم دين ضعيف) لضعف الاستعانة والصبر عندهم (ولكنه مستمر) ذلك الدين (باق ما لم يفسده صاحبه بالجزع والعجز) لأنه ضعيف في باب القضاء والقدر (وهؤلاء لأحدهم حال) الذين وصفناهم الآن (وقوة ولكن لا يبقى له إلا ما وافق فيه الأمر) الشرع (واتبع فيه السنة) لذلك كلتا الطائفتين فيهم خلط وخبط لقلة الفقه كما تقدم.(22/104)
(وشر الأقسام) القسم الرابع (وشر الأقسام من لا يعبد الله ولا يستعينه فهو لا يشهد أن عمله لله وأنه بالله) أولا يرى بأنه مجبور لا عمل له ، هذا من الجبرية ، مجبور لا عمل له فالله ليست له حكمة في تصرفه وإنما تقع الأعمال بمصادفة الإرادة تعلقت الإرادة بوقوع العمل الفلاني فوقع لا يفعل الله سبحانه وتعالى لحكمة أو لمراعاة مصالح عباده إنما يحرك هذا الشخص أو تحركه الإراة المحضة ، الإرادة المحضة الخالية من الحكمة ومراعاة مصالح العباد لذلك ليس بشيء ، عطل الشريعة عطل الأحكام وعطل الحكمة وجعل نفسه مجبورا تحركه الإرادة المحضة .
هكذا تنتهي الأقسام الأربعة فلنقف عندها لنواصل في درسنا الآتي إن شاء الله بقية الحديث ونختم بذلك الكتاب بتوفيق الله تعالى .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .(22/105)
((والمقصود هنا أن من الطرق التى يسلكها الأئمة ومن اتبعهم من نظار السنة فى هذا الباب أنه لو لم يكن موصوفا بإحدى الصفتين المتقابلتين للزم إتصافه بالأخرى فلو لم يوصف بالحياة لوصف بالموت ولو لم يوصف بالقدرة لوصف بالعجز ولو لم يوصف بالسمع والبصر والكلام لوصف بالصمم والخرس والبكم وطرد ذلك أنه لو لم يوصف بأنه مباين للعالم لكان داخلا فيه فسلب إحدى الصفتين المتقابلتين عنه يستلزم ثبوت الأخرى وتلك صفة نقص ينزه عنها الكامل من المخلوقات فتنزيه الخالق عنها أولى وهذه الطريق غير قولنا أن هذه صفات كمال يتصف بها المخلوق فالخالق أولى فإن طريق إثبات صفات الكمال بأنفسها مغاير لطريق إثباتها بنفي ما يناقضها وقد اعترض طائفة من النفاة على هذه الطريقة باعتراض مشهور لبسوا به على الناس حتى صار كثير من أهل الإثبات يظن صحته ويضعف الإثبات به مثل ما فعل من فعل ذلك من النظار حتى الآمدى وأمثاله مع أنه أصل قول القرامطة الباطنية وأمثالهم من الجهمية فقالوا القول بأنه لو لم يكن متصفا بهذه الصفات كالسمع والبصر والكلام مع كونه حيا لكان متصفا بما يقابلها فالتحقيق فيه متوقف على بيان حقيقة المتقابلين وبيان أقسامهما فنقول أما المتقابلان فلا يجتمعان فى شىء واحد من جهة واحدة وهو إما ألا يصح اجتماعهما فى الصدق ولا فى الكذب أو يصح ذلك فى احد الطرفين فالأولان هما متقابلان بالسلب والإيجاب وهو تقابل التناقض والتناقض هو اختلاف القضيتين بالسلب والإيجاب على وجه لا يجتمعان فى الصدق ولا فى الكذب لذاتيهما كقولنا زيد حيوان زيد ليس بحيوان ومن خاصة استحالة إجتماع طرفيه فى الصدق والكذب وأنه لا واسطة بين الطرفين ولا استحالة لأحد الطرفين إلى الآخر))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد :
فلنفهم معنى البيتين أولا قبل أن ندخل في المتقابلات ، عندكم :
الممكنات المتقابلاتُ وجودنا والعدم الصفاتُ(22/106)
الوجود والعدم متقابلان ، الوجود والعدم متقابلان تقابل الملكة والعدم وهما النقيضان لا يجتمعان لا في الصدق ولا في الكذب بمعنى هما لا يجتمعان ولا يرتفعان الوجود والعدم من الأمور المتناقضة ، المتناقضان لا يجتمعان ولا يرتفعان هذا معنى قولهم (لا يجتمعان لا في الصدق) أي في الإثبات (ولا في الكذب) أي في النفي ، المراد بالكذب هنا النفي ، إذن في البيت :
الممكنات المتقابلاتُ وجودنا والعدم الصفاتُ
قبل الصفات الوجود والعدم تقابلهما تقابل الملكة والعدم واللذان يتقابلان تقابل الملكة والعدم هما النقيضان اللذان لا يجتمعان لا في الصدق ولا في الكذب ، لا يجتمعان ولايرتفعان إما يوجد أحدهما دون الآخر .
وأما الصفات فتقابل الصفتين المعينتين تقابل الضدين ، الصفات كالألوان والعلم والجهل تقابل الصفتين المعينتين تقابلهما تقابل الضدين أي إنهما لا يجتمعان في الصدق ويجتمعان في الكذب ، المراد بالكذب النفي ، الضدان لا يجتمعان وقد يرتفعان مثلا البياض والسود لا يجتمعان وقد يرتفعان لوجود الواسطة كالحمرة والصفة مثلا .
أما الأزمنة زمنان معينان كالليل والنهار تقابلهما تقابل النقيضين إذ لا يجتمعان ولا يرتفعان .
والأمكنة كالأرض والسماء كذلك .
وأما الجهات مثل فوق وتحت من المتضايفات ، المتضايفان هما اللذان يتوقف تصور أحدهما على تصور الآخر أي لا تتصور التحتية إلا بتصور الفوقية مثل الأبوة والبنوة .
وأما المقادير كالطول والقصر فهما لا يجتمعان وقد يرتفعان لوجود الواسطة .(22/107)
فلنشرع الآن في الشرح بعد معرفو هذه الاصطلاحات يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى (والمقصود هنا) في هذه القاعدة (أن من الطرق التى يسلكها الأئمة) إذا قال الأئمة وهم الأئمة المشهود لهم أئمة أهل السنة والجماعة (ومن اتبعهم من نظار السنة فى هذا الباب) من نظار أهل السنة والجماعة في هذا الباب كالأئمة الأربعة وغيرهم (أنه لو لم يكن الرب سبحانه وتعالى موصوفا بإحدى الصفتين المتقابلتين للزم إتصافه بالأخرى) هذه طريقة من طرق إثبات الصفات بالأدلة العقلية ، سبق أن قلنا إن الكتاب والسنة لا ينفران كما يزعم الزاعمون من استعمال الأدلة العقلية بل هما يحثان ويدلان على كيفية الاستدلال بالدليل العقلي من ذلكم هذا الذي نحن بصدده الآن أنه تعالى لو لم يكن موصوفا بإحدى الصفتين المتقابلتين كالوجود والعدم للزم اتصافه بالأخرى فمثل فقال (فلو لم يوصف الرب سبحانه وتعالى بالحياة) الحياة الكاملة التي لا نقص فيها ولا بداية لها ولا نهاية (لوصف بالموت) والوصف بالموت نقص إذن يجب شرعا وعقلا أن يتصف بالحياة ، بالحياة الكاملة التي لا يشارك الله فيها أحد نكرر هنا إلا في الاسم وإلا في المعنى العام حياة الله تعالى الخاصة به سبحانه لا يشارك الله أحد فيها والمشاركة بين الخالق وبين المخلوق في الحياة إنما هو في الاسم حياة وحياة ثم في المعنى العام المطلق قبل أن تضاف حياة الله إلى الله وحياة المخلوق إلى المخلوق ، وبعد إضافة حياة الله إلى الله فحياته مختصة به سبحانه وتعالى لا يشارك الله أحد فيها وقس على ذلك سائر الصفات .(22/108)
(ولو لم يوصف بالقدرة) بالقدرة الباهرة الخاصة به سبحانه (لوصف بالعجز ولو لم يوصف بالسمع والبصر والكلام لوصف بالصمم والخرس والبكم) والعمى ، زد بعدها العمى لأنه حذف ، النسخة فيها سقط كثير .. (وطرد ذلك أنه لو لم يوصف بأنه مباين للعالم) معنى الطرد يقال طرد الباب معنى ذلك سوق الباب سياقا واحدا وأن يكون اللاحق كالسابق أشبه ما يكون بالقياس (وطرد ذلك أنه لو لم يوصف بأنه مباين) مباين لخلقه ، بأنه ليس مباين للعالم (لكان داخلا فيه) إذ لا واسطة بينهما إما أن يكون مباينا للعالم أي فوق جميع العالم مباين للعالم وليس في شيء من المخلوقات وليس في ذاته شيء من المخلوقات أيضا لو لم يكن كذلك كان داخلا فيه ، في العالم (فسلب إحدى الصفتين المتقابلتين عنه يستلزم ثبوت الأخرى) إما أن يكون مباينا وإما أن يكون داخلا في العالم ، من اعتقد بأنه داخل في العالم سلب عنه صفة العلو وصفة العلو صفة ذاتية دائمة ملازمة للذات كملازمة القدرة والإرادة والسمع والبصر تماما كما أن من نفى عن الله السمع والبصر وصفه بأضداد ذلك كذلك من وصف الله بأنه داخل العالم وأنه مع المخلوقات في أرضه أو في سماواته سلب عنه صفة العلو وصفة مباينة الخلق .(22/109)
(وتلك صفة نقص) وصف الله تعالى بأنه داخل العالم معناه وصفه بالسفول والسفول صفة نقص ، ووصفه بالمخالطة لخلقه ووجوده في كل مكان حتى في بعض الأماكن التي يستحي الإنسان من ذكرها الذين يقولون بأن الله في كل مكان لو فكروا قليلا لاستحيا الإنسان من أن يتلفظ هذه اللفظة لأنه ينزه حتى المخلوق الذي له مكانته عنده ينزهه أن يكون في كل مكان بل يكون في مكان ممتاز يليق به فكيف يرضى لربه سبحانه وتعالى أن يكون في كل مكان منافيا بذلك بل مكذبا لخبره "الرحمن على العرش استوى" "أأمنتم من في السماء" "إليه يصعد الكلم الطيب" ومكذبا لخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام "إن الله لما خلق الخلق كتب كتابا وهو عنده فوق العرش" كل هذا يعرض عنه فيقال لا يليق بالله سبحانه وتعالى أن يقال إنه فوق ويشار إليه الإشارة الحسية بل هو في كل مكان ، هذا جهل بالله سبحانه وتعالى ومن هذه عقيدته لم يعرف الله معرفة الله تعالى بأن تعتقد بأنه ليس مختلطا بخلقه بل مباين من خلقه سبحانه وتعالى لأن المداخلة والممازجة تقتضي المماثلة وتقتضي أو تستلزم نفي العلو وإثبات السفول كل ذلك نقص لا يليق بالله تعالى هذا معنى قوله رحمه الله مرة أخرى (وطرد ذلك أنه لو لم يوصف بأنه مباين للعالم لكان داخلا فيه) في العالم (فسلب إحدى الصفتين المتقابلتين عنه يستلزم ثبوت الأخرى وتلك صفة نقص ينزه عنها الكامل من المخلوقات) الكامل الكمال النسبي الكامل بالكمال المطلق هو الله وحده لكن المخلوق له كمال ، كمال بشري نسبي محدود حتى هذا الذي له هذا الكمال ينزه بأن يقال إنه مختلط بكل شيء ، فالخالق أولى بالتنزيه .
(وتلك صفة نقص ينزه عنها الكامل من المخلوقات فتنزيه الخالق عنها أولى) هذه طريقة طريقة إثبات صفة من صفات الله تعالى أو بعض صفاته بالدليل العقلي .(22/110)
طريقة أخرى (وهذه الطريق غير قولنا إن هذه صفات كمال) كالحياة والسمع والبصر مثلا (يتصف بها المخلوق فالخالق أولى) بها ، الحياة صفة كمال السمع صفة كمال والبصر صفة كمال والعلم صفة كمال فالمخلوق موصوف بهذه الصفات فالخالق أولى بها لأن معطي الكمال أولى بالكمال علما بأن كمال حياة المخلوق وكمال علمه وكمال سمعه وبصره كمال محدود إذا كان المخلوق يوصف بهذه الصفات وهذه الصفات في المخلوق كمال فالخالق أولى بها هذه طريقة أخرى لإثبات الصفات بالدليل العقلي.
ثم قال (فإن طريق إثبات صفات الكمال بأنفسها مغاير لطريق إثباتها بنفي ما يناقضها) هل تفرقون بين الطريقتين ؟ (طريق إثبات صفات الكمال بأنفسها) هي الطريقة الأولى أو الأخرى ؟ (مغاير لطريق إثباتها بنفي ما يناقضها) إثبات طريق صفات الكمال بنفسها هي الطريقة الثانية ، إثبات طريق الكمال بطريق إثباتها بنفي ما يناقضها هي الطريقة الأولى وكلتا الطريقتين من الطرق العقلية في إثبات صفات الله تعالى لأننا قلنا في السابق (فسلب إحدى الصفتين المتقابلتين عنه يستلزم ثبوت الأخرى) وفي الثانية قلنا (إن هذه صفات كمال يتصف بها المخلوق فالخالق أولى بها) طريقتان (فإن طريق إثبات صفات الكمال بنفسها) هي الطريقة الثانية (مغاير لطريق إثباتها بنفي ما يناقضها) هي الطريقة الأولى ، أرجو أن يكون مفهوما .(22/111)
وبعد : (وقد اعترض طائفة من النفاة على هذه الطريقة) على طريق إثبات الصفات بالدليل العقلي وهي الطريقة الأولى سلب إحدى الصفتين المتقابلتين يستلزم ثبوت الأخرى هذه هي محل الاعتراض (وقد اعترض طائفة من النفاة على هذه الطريقة باعتراض مشهور لبسوا به على الناس حتى صار كثير من أهل الإثبات يظن صحته) صحة هذا الاعتراض (ويضعف الإثبات به) أي بهذه الطريقة التي تقدم ذكرها (مثل ما فعل من فعل ذلك من النظار حتى الآمدى وأمثاله) المراد هنا بالمعترضين هم الأشاعرة وخصوصا كبار مشايخهم كالآمدي (مع أنه) أن هذا - طريقة الاعتراض - (أصل قول القرامطة الباطنية وأمثالهم من الجهمية فقالوا) في الاعتراض (القول بأنه لو لم يكن متصفا بهذه الصفات) كالحياة والسمع والبصر كما تقدم ، عفوا وقد مثل (كالسمع والبصر والكلام مع كونه حيا لكان متصفا بما يقابلها) (القول بأنه لو لم يكن متصفا بهذه الصفات) وهي الطريقة الأولى من الطريقتين المتقدمتين (كالسمع والبصر والكلام مع كونه حيا لكان متصفا بما يقابلها فالتحقيق فيه متوقف على بيان حقيقة المتقابلين وبيان أقسامهما) متوقف على هذا فنشرع الآن في المتقابلات هي سفسطة لا نتيجة وراءها مجرد مناظرة وحوار لا يخرج طالب علم بنتيجة علمية إلا من باب معرفة الاصطلاحات فقط (فنقول أما المتقابلان فلا يجتمعان فى شىء واحد من جهة واحدة وهو إما ألا يصح اجتماعهما فى الصدق ولا فى الكذب) المراد بالصدق الإثبات والمراد بالكذب النفي (أو يصح ذلك فى احد الطرفين) أي هما إما ضدان وإما نقيضان ، المتقابلان إما ضدان وإما نقيضان ولكن جاء بأسلوب آخر إما أن يجتمعا (فى شىء واحد من جهة واحدة وهو إما ألا يصح اجتماعهما فى الصدق ولا فى الكذب) على أساس ما تقدم من الشحر ما هما هذا ؟ هما النقيضان اللذان لا يجتمعان ولا يرتفعان لا يجتمعان في الصدق أي في الإثبات ولا في الكذب أي في النفي (أو يصح ذلك فى احد الطرفين) إما أن يجتمعا(22/112)
في الكذب أو يجتمعا في الصدق ويكونون من قبيل الضدين (فالأولان هما المتقابلان بالسلب والإيجاب وهو تقابل التناقض والتناقض هو اختلاف القضيتين بالسلب والإيجاب) السلب هو النفي والإيجاب هو الإثبات وهو الذي عبر عنه في المرة الأولى بالصدق والكذب (على وجه لا يجتمعان فى الصدق ولا فى الكذب) أي لا يجتمعان أصلا (لذاتيهما كقولنا زيد حيوان وزيد ليس بحيوان) هل يتصور هذا ؟ إما أن يكون حيوانا أو ليس بحيوان أما كونه حيوان وفي الوقت نفسه ليس بحيوان لا يجتمعان إذن هذا نقيضان (ومن خاصة استحالة إجتماع طرفيه فى الصدق والكذب) يستحيل أن يجتمع طرفاه لا في الصدق ولا في الكذب أي في حيوانيته أو في عد حيوانيته (وأنه لا واسطة بين الطرفين ولا استحالة لأحد الطرفين إلى الآخر) هذه الجملة الأخيرة يظهر فيها سقط هذا من قبيل المتناقضين اللذين تقدم شرحهما فلنكتفي بهذا المقدار لنواصل في الجلسة القادمة إن شاء الله أرجو أن يراجع هذا ويفهم فهما جيدا لست أدري لو كنتم تستطيعون الرجوع إلى الرد على المنطقيين هناك بحثه لكنه بالنسبة لهم أشبه ما يكون بالرطانة قد لا يفهم ذلك إلا بالرجوع إلى ذلك الكتاب .
وبالله التوفيق .
والله أعلم ...
يشترط بعض أهل العلم في إثبات الصفات بطريقة كل صفة كمال للخلق فالخالق أولى به اشترط بعض أهل العلم أن يكون هذا الكمال لا يلحقه نقص ولا عدم ، العبارة التي بعدها غير واضحة ، كمّل .. أين صاحب السؤال ، مضمون السؤال واضح .(22/113)
شرحت أنا في هذا المجلس عدة مرات قلت لكم القاعدة التي تقول (كل كمال يتصف به المخلوق فالخالق أولى به) قلت هذه القاعدة لا تطلق هكذا بل لها قيود وذكرت ما فيه قلت لكم كل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه يتصف به المخلوق فالخالق أولى به ، هذا القيد الذي يسأل عنه السائل لست أدري بعض أهل العلم الذي يذكرهم من هم أهل العلم الذي اطلعت على كلامه ؟ هو هذا الذي ذكرناه نحن هنا عدة مرات ، مثلا العلم صفة كمال والحياة صفة كمال والسمع والبصر وغير ذلك الاتصاف بهذه الصفات كمال في المخلوق إذن فالخالق أولى بهذا الكمال لأن معطي الكمال أولى بالكمال لكن قلنا لا بد من قيد ، كل كمال في المخلوق ليس فيه نقص بوجه من الوجوه ، بهذا القيد ، فالخالق أولى به ذلك قد يوجد في المخلوق كمال ولكن في حق الخالق ليس بكمال ، نقص ، وجود الصاحبة كمال في المخلوق ووجود الولد كمال في المخلوق ووجود الوزير والمعين كمال في المخلوق لأن المخلوق ناقص بحاجة إلى ما يكمله ومن يكمله فالخالق لا يتصف بهذا الكمال البشري الذي هو كمال في البشر فالخالق منزه عنه لما فيه من النقص بالنسبة لرب العالمين وإن كان كمالا في المخلوق ، قلنا هذا الكلام غير مرة ، وإن كان السائل يشير إلى هذا فهذا قد شرح ، إن كان مراده غير هذا فليبين .(22/114)
فهرس المكتبة
شرح الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية
شرح الشيخ محمد أمان بن علي الجامي
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ محمد أمان رحمه الله تعالى في الشريط الأول الوجه الثاني منه :
يقول السائل : هل يجب على المسلم أن يلتزم جماعة معينة من الجماعات الدينية الموجودة حاليا ؟
الله المستعان ، قبل الإجابة على هذا السؤال ، والإجابة تدخل في المقدمة ، الواجب أن يكون المسلمون جماعة واحدة كما كانوا في الجماعة الأولى التي كنا نتحدث عنها ، وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام أنهم الفرقة الناجية ، لما وصف تلك الفرقة أنها ناجية وسئل عنها قال هي الجماعة ، جماعة بالتاء المربوطة التي تجمع ، أما جماعات ، لا ، لا يجوز أن توجد بين المسلمين جماعات ، ولما حدثت الجماعات بدءا من أيام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بدءا من ذلك الوقت إلى يومنا هذا إلى ما شاء الله المسلمون في قلق وويلات متتالية ومتتابعة ، لم تظهر الجماعات إلا بظهور الخوارج في عهد علي رضي الله عنه وبظهور الروافض ( الشيعة ) وبظهور القدرية ثم تتابعت ، لما كثرت الجماعات وكثرت المذاهب والاتجاهات أصيبت الأمة الإسلامية العظيمة بهذا التفرق وهانت على أعدائها وتمكنوا بها وجاءت الاستعمارات بعد ذلك ، استعمر المستعمرون بلاد المسلمين لأنهم ابتعدوا عن الإسلام ، الذي أبعدهم عن الإسلام هذا التفرق إلى هذه الجماعات ، على المسلم الغيور الناصح لنفسه اليوم أن يسأل عما كان عليه لا أقول الصحابة ، عما كان عليه الأئمة الأربعة الذين يقلدهم جميع المسلمين ، كيف كانوا ؟ وهل في وقتهم في جماعات ؟
لا .(23/1)
الجماعة واحدة هي التي أثنى عليها القرآن في الآية التي تلوناها قبل قليل " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار " وشيء مشاهد : هذه الجماعات كما ذكر السائل جماعة الإخوان المسلمين ، الجماعة الإسلامية ، جماعة التبليغ ، شباب محمد ، شباب فلان ، الجماعة الفلانية ، الجماعة الفلانية ، لو تساءلنا ما الذي جعلنا هذه الجماعات ؟
الدين واحد ، الإسلام جاء به القرآن والقرآن واحد ، قبلتنا واحدة ، نبينا واحد ، الله المعبود واحد ، ما هذه الجماعات من أين جاءت ؟
جماعات أنشئت لأغراض سياسية أو أغراض شخصية أو إلحاد في دين الله ، الذي تمخض في هذه الآونة الأخيرة هذه جماعات سياسية اتخذت الإسلام سلما ليصلوا به إلى قبة البرلمان ، فإذا دخلوا قبة البرلمان رموه رميا ، ليس للدين لديهم مكانة ولا منزلة ولكن سلم يريدوا أن يصلوا به إلى الهدف ، وجماهير المسلمين عبارة عن قطيع يسير خلف القادة ، والقادة يعرفون هدفهم ، وقد صرح بعضهم معاتبا لدعاة الحق : هؤلاء يهتمون بالدعوة العقيدية فنحن إذا رأينا من يطوفون بالأضرحة مررنا عليهم ونحن سائرون إلى قبة البرلمان . هذا كلام لقائد كبير من قوادهم يعيش الآن وربما الآن هو في بغداد ، هذا كلام قوادهم بمعنى ، إن الهدف من الإسلام وترداد لفظ الإسلام ...
لأن نواب البرلمان أرباب من دون الله ، نواب البرلمان هم المشرعون نيابة عن الشعب كما تعلمون ، لا يجتمع نواب البرلمان والشرع الإسلامي أبدا ، لذلك هذا هدفهم وليسوا من الإسلام في شيء إلا بمجرد الانتساب .
الجماعة التي يجب أن نكون معها الجماعة التي تسلك مسلك الصحابة والتابعين وتابع التابعين وليس لهم لقب معين .(23/2)
أما نصيحتي التي يطلبها السائل أن تبتعد عن هذه الجماعات و أن تدرس على طلاب العلم غير المنتسبين إلى الجماعات وتسير مع المسلمين سيرهم ، تدرس القرآن وتدرس السنة وتحضر دروس العقيدة ودروس الفقه ودروس التفسير ودروس الحديث ، تعمل بما علمت ، الصحابة طلبهم للعلم كانوا في العوالي ينزلون فيحضرون مجلس رسول الله عليه الصلاة والسلام فيسمعون فيحفظون فيحملون إلى من خلفهم ، هكذا تعلموا ليست هناك معاهد وجامعات منظمة كوقتنا هذا ، من هذا المسجد تعلموا بالتناوب ، هكذا أنصح الذي يستنصحني أن يحضر هذه الدروس ويستفيد منها ويعمل بها ويبتعد عن الجماعات والكلام في الجماعات يطول ونكتفي بهذا المقدار لكن نصيحتي أن لا تنتمي إلى أي جماعة من الجماعات لئلا يفسدوا قلبك ، لأنك إن انتميت إلى جماعة التبليغ تبغض الآخرين ، إن انتميت للإخوان تبغض الآخرين ، وهكذا ، وهذا لا يجوز في الإسلام ، الإسلام يدعو إلى التحابب والتعاون ، لا تكون سليم القلب محبا لجميع المسلمين إلا إذا ابتعدت من هذه الانتماءات وهذه الحزبيات وبقيت مع المسلمين مع عوام المسلمين الذين هم على الجادة ، في هذا الوقت مجالس عوام المسلمين خير من مجالس المثقفين ، مجالس المثقفين ليس فيها إلا المفاضلة بين الجماعات ، الجماعة الفلانية فيها كذا ، الجماعة الفلانية كذا ، لكن مجالس عوام المسلمين يسألوك عن الدين فيستفيدون ، إن نصحت يقبلون نصيحتك ، لذلك عليك أن تلتزم الدروس في هذا المسجد طالما أنت هنا في المدينة وتبتعد عن هذه الجماعات والانتماءات والتحزبات .
وبالله التوفيق .
***
سئل الشيخ محمد أمان رحمه الله تعالى في الشريط السادس من شرحه للرسالة التدمرية الوجه الأول في بدايته السؤال التالي :
س : هل الاحتفال بالمولد بدعة أو سنة ؟ ومتى عرف هذا الاحتفال ، متى بدأ ؟
فأجاب الشيخ رحمه الله :(23/3)
ج : سبق أن تكلمنا عن نشأت علم الكلام والفرق ، إذن ينبغي أن نعلم أيضا متى نشأ الاحتفال باسم المولد النبوي ؟
وكلنا نعلم متى ولد النبي عليه الصلاة والسلام وكم عاش ومتى توفي عليه الصلاة والسلام لكن الاحتفال بمولده متى حصل ؟ أول احتفال حصل بمولد النبي عليه الصلاة والسلام متى ؟ هذا السؤال .
إذا راجعنا التاريخ حسب علمي أول احتفال حصل باسم :
- المولد النبوي .
- ثم تبع ذلك باسم المولد لعلي بن أبي طالب .
- ثم لفاطمة رضي الله عنهما .
- ثم للحسن والحسين رضي الله عنهما .
- ثم للخليفة الموجود في ذلك الوقت .
ست احتفالات . متى حصل هذا ؟(23/4)
في عهد الفاطميين ، على الأصح : العبيديين ، أناس – العبيديون – أرادوا أن يرفعوا من شأنهم وزعموا أنهم فاطميون ، نسبة إلى فاطمة الزهراء ، وأرادوا أن يثبتوا هذا النسب المزيف بالتملق لآل البيت ، ومن التملق إيجاد هذه الاحتفالات ، في كل سنة يحتفلون هذه الاحتفالات الست ، تعظيما منهم لآل البيت ، لأنهم في الواقع ليسوا منهم ، وانتسبوا وأرادوا إثبات هذا النسب كما قلنا ، فعلوا ذلك ، لو راجعنا التاريخ مع البحث عن معنى هذا الاحتفال والغرض من الاحتفال ، إن كان الغرض من الاحتفال بمولد النبي عليه الصلاة والسلام إظهار محبته عليه الصلاة والسلام وتقديره ، كلنا نؤمن وجميع المؤمنين لا يوجد رجل يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أبي بكر الصديق صاحبه في الغار ، أبو بكر الذين تعلمون موقفه وسيرته الذي ثبت الله به المؤمنين يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عندما اضطرب المؤمنون من وفاته حتى قال عمر ( إنه ذهب ليجيء ، ذهب ليناجي ربه ويرجع ) ومن قال إنه مات سوف يقطع رأسه بسيفه ، حصلت بهم الدهشة إلى هذه الدرجة ، ولكن الله ثبت صاحب الغار ، ذلك الرجل الشيخ الوقور ثبته الله وثبت الله به المؤمنين ، لم يحتفل أبو بكر ، هذا بعض صفاته ، ولم يحتفل عمر ولا عثمان ولا علي ولا الصحابة أجمعين ، ولا التابعون ولا تابع التابعين ، الأئمة الأربعة المشهود لهم بالإمامة لا يعرفون الاحتفال بالمولد ، الخلفاء الراشدون وخلفاء بني أمية والعباسيون جميعا إلى عهد العبيديين لا يعرفون ما يسمى بالاحتفال ، إذن بدعة عبيدية أو فاطمية على حسب تعبيرهم هم الذين سموا أنفسهم بهذا .
لسائل أن يسأل وكثير ما يسألون هذا السؤال ، قالوا : نحن ما نريد شيئا آخر ، كل ما نريد الذكرى ، الصحابة لم يحتفلوا لأنهم كانوا على قرب من حيث الزمن من رسول الله عليه الصلاة والسلام أما نحن بعد هذا التاريخ الطويل نريد الذكرى ، ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم .(23/5)
وهل هذا مُسَلَّم ؟
نتساءل : متى نسي المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نذكرهم بالاحتفال بالاجتماع على الطعام والشراب والبخور في ليلة اثني عشر من ربيع الأول من كل عام ، وهل نسي المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وهل يجوز لهم أن ينسوه ؟
لا .
لا يؤذن مؤذنهم فيقول ( أشهد أن لا إله إلا الله ) إلا وهو يقول ( وأشهد أن محمدا رسول الله ) لا يدخل مسلم مسجدا إلا وقال ( باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ) وكل من يكثر من الصلوات غير الفرائض في كل صلاة يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يخرج مسلم من مسجد إلا وصلى وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، لا يقرأ طالب علم درسه ولا يدرِّس مدرس إلا وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، في الدرس الواحد عدة مرات ، إذن نحن تحدثا بنعمة الله لم ننس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع المسلمين ، إذن لسنا بحاجة إلى ما يسمى بذكرى المولد .
استفسار آخر يقولون : بالنسبة للخارج صحيح أنه منكر إذ يحصل فيه الاختلاط بين الجنسين وربما تحصل أشياء لا يستحسن ذكرها في تلك الاحتفالات التي تقام رسميا في الميادين يلتقي فيه الجنسان ويحصل ما يحصل، لكن إذا أقمنا الاحتفال في بيوتنا وراء الأبواب المغلقة لا يحصل فيه اختلاط ولكن نقرأ السيرة ، نأكل الطعام ونشرب الشراب بذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقرأ سيرته .
الجواب : هل تعتقدون أن هذا العمل عمل صالح تتقربون به إلى الله أو عبث ؟
وقطعا لا يقولون إنه عبث إنما هو عمل صالح .
الجواب : وهل تظنون أنكم تستطيعون أن تأتوا بعمل صالح يرضي الله لم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلمه خير هذه الأمة ، ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) أولئك لم يعلموا وهل علمتم خيرا وعملا صالحا مقبولا عند الله لم يأت به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدون ؟(23/6)
هذا هو معنى الابتداع بعينه ، لأن البدعة أن تأتي بعمل ظاهره عمل صالح ولكنه غير مشروع ، هذا الفرق بين البدعة وبين المعصية ، المعصية المخالفة ، أن ترتكب منهيا عنه ، أو تترك مأمورا به ، هذه معصية ، أما البدعة أن تأتي بعمل ظاهره أنه عمل صالح كالصوم المبتدع والصلوات المبتدعة والاحتفالات المبتدعة ، هذه هي البدعة بعينها.
وبعد :
في مثل هذه الأيام وبعد هذه الأيام يأتي بعض الناس إلى المدينة ليكون الاحتفال في المدينة وهؤلاء يفوتهم وعيد شديد ورد خاصا بالمدينة ، ما هو هذا الوعيد ؟
عندما بين النبي صلى الله عليه وسلم حدود المدينة وبين أنه حرم هذه المدينة كما حرم إبراهيم مكة وبين حدودها قال في حق المدينة ( من أحدث فيها حدثا أو آوى فيها محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) لم يرد وعيد كهذا حتى في مكة ، المدينة ليست بلدا عاديا ، بلد اختاره الله ليكون مهاجر رسوله عليه الصلاة والسلام ولتكون هذه المدينة العاصمة الأولى للمسلمين والمحل الذي يدفن فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام فيبعث منه ، لذلك من جاء إلى المدينة فأصابته حاجة وفقر وتعب وصَبَر على ذلك هو على وعد مع رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه يكون له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة ، وحث النبي عليه الصلاة والسلام المسلمين على إقامة المدينة والموت بها ما لم يحث على مكة مع ما لها من الفضيلة ومضاعفة الصلاة ، ( من استطاع منكم أن يموت في المدينة فليفعل ) هذه المدينة التي هذه مكانتها كوننا نأتي من خارج المدينة لنبتدع في المدينة بدعة لا يرضاها الله ولا يرضاها رسول الله عليه الصلاة والسلام ولم يأمر بها ولم يفعلها ولم يفعلها الخلفاء الراشدون ونجادل : ما فعلنا شيئا ، ما فعلنا منكرا ، اجتماع بين الرجال ، قراءة للسيرة ، إلى آخر الاعتذارات ، كل هذا لا يجدي ، أنت انظر إلى هذا العمل ، هل تعتقده عملا صالحا مشروعا تتقرب به إلى الله أم لا ؟(23/7)
إن كنت تعتقد أنه عمل صالح يقرب إلى الله فقد ابتدعت ، يقول الإمام مالك إمام دار الهجرة ( من أحدث في الإسلام بدعة فرآها حسنة فقد اتهم محمدا صلى الله عليه وسلم بالكتمان وعدم التبليغ ) إذا أتيت بعمل ظاهره عمل صالح ولم يكن هذا العمل من طريق رسول الله عليه الصلاة والسلام كأنك تستدرك على الرسول عليه الصلاة والسلام وتقول بلسان حالك لم يبلغ كل شيء بل هناك ثغرات تحتاج إلى أن تملأ بهذه البدع ، وكان مالك رحمه الله من أشد الناس في إنكار هذه البدع وغيرها من البدع .
فإذا راجعنا تاريخ الصحابة والأئمة لا نجد ما نستأنس به بل نجد ما ينفرنا من هذه البدعة وإذا كان لا بد من عمل صالح يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم فلنعمل ما شرعه لنا الرسول عليه الصلاة والسلام .. صيام يوم الاثنين سواء كان في شهر ربيع الأول أو في غيره ، طول السنة ، وتكتفي بما اكتفى به الأولون ، الخير كل الخير فيما فعل سلفنا والشر كل الشر فيما ابتدع هذا الخلف .
وبالله التوفيق .
وصلى الله وسلم وبارك على بينا محمد وآله وصحبه .
***
قال الشيخ محمد أمان رحمه الله تعالى في الشريط السادس أيضا الوجه الثاني منه :
سؤال سابق من أسئلة البارحة عندما تكلمنا في مسألة المولد سأل سائل فيقول :
قوله عليه الصلاة والسلام في يوم الاثنين ( إنه يوم ولدت فيه ) أليس هذا دليلا على الاحتفال بالمولد ؟
الذي يبدو السائل قبل غيره يدرك التكلف في هذا السؤال ، إذا أردنا أن نعمل بالسنة ونعمل ما يدل على محبة الرسول عليه الصلاة والسلام المحبة الصادقة نلتزم صوم يوم الاثنين لأنه يوم ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نترك ما عمله النبي عليه الصلاة والسلام وأخبر السبب نزيد عليه زيادة ، ودائما البدعة هي الأمور الزائدة ، كونك تعدل عن الصيام إلى الاحتفال عدلت عن السنة إلى البدعة ، ليس في هذا دلالة بل في هذا ابتداع صريح .
***(23/8)
يقول السائل : بعض الناس قد يقول يا بركة دعاء الوالدين .
الجواب: هذه عامية ، عامية تصحح ، وهذا كثير عند العامة : لا حولله ، مثل هذا كثير ، تصحح ، إنما دعاء الوالدين دعاء مستجاب مبارك ، لك أن تطلب من الله : اللهم بارك لي في دعاء الوالدين ، تطلب كل شيء من الله ، أما نداء : يا بركة دعاء الوالدين هذه من العامية التي تحتاج إلى تصحيح .
***
سائل يسأل أيضا : هل يجوز أن يقول هكذا : كلام الله غير مخلوق ولفظ بالقرآن مخلوق؟
وهو أخطأ في الصياغة ، يريد أن يقول : كلام الله غير مخلوق والتلفظ بالقرآن مخلوق ، هكذا يعني ، وهذه من العبارات التي كرهها السلف لأن فيها إجمالا ، التلفظ بالقرآن لا ينبغي أن تستعمل : التلفظ بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق ، ينبغي الإعراض عن ذلك ، لأنها ممكن أن تفسر : التلفظ بالقرآن بالملفوظ ، إذا فسرت بالملفوظ الملفوظ هو القرآن ، وإن فسر التلفظ بالصوت ، الصوت مخلوق ، لذلك العبارة المأثورة عن السلف : المتلو كلام الباري ، الصوت صوت القاري ، الصوت ، أما كلمة اللفظ وينقل عن الإمام أحمد أنه كان يتشدد في هذا ، لأنه رحمه الله كما تعلمون قد وقف موقفا حازما في مسألة خلق القرآن لذلك كان يتحفظ حتى من هذه العبارة ، لا ينبغي استعمالها
***
سائل يسأل يقول : إن الطاعة والمعصية بمشيئة الله ، فلماذا يحاسبنا على المعصية ؟
هكذا يقول السائل عفا الله عنا وعنه ، هنا أمران أيها السائل :
- مشيئة .
- وشريعة .
ما جرى بمشيئة الله تعالى من خلق الطاعة والمعصية والكفر أسرار ذلك وحكمة ذلك يعتبر سرا من أسرار القدر ، هذا الذي أشار إليه علي بن أبي طالب وغيره ( القدر سر الله فلا نكشفه ) كونك تسأل لماذا خلق المعصية ؟ لماذا أغنى وأفقر ؟ لماذا أحيا وأمات ؟ لماذا أسعد وأشقى ؟(23/9)
هذه أسرار القدر لا يجوز أن يوجه إلى الله سؤال لماذا ؟ كما لا يجوز أن يوجه سؤال في باب الأسماء والصفات بكيف ؟ كيف علمه ، كيف استواؤه كيف نزوله ؟ كذلك في هذا الباب لا يجوز أن يوجه سؤال إلى الله والاعتراض عليه : لماذا خلقت المعاصي ؟ لماذا كتبت على فلان الشقاوة ولفلان السعادة ؟ هذا أمر غير جائز ، ولكن الذي يسعك أن تعلم بأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن هذا الذي نص عليه الكتاب والسنة ، وقد أشرت إلى الحكمة فيما تقدم ، في حكمة خلق الكفر والكافرين وفي حكمة خلق إبليس ، إن أدركت شيئا من الحكم في هذا تزداد إيمانا ...
***
قال الشيخ محمد أمان رحمه الله تعالى في الوجه الثاني من الشريط السابع :
المجالس السابقة سألني سائل بالأسلوب الآتي وهو :
إن المشركين أو الكفار لا يؤمنون بتوحيد الربوبية .
وبيَّنَّا أن الحق والصواب الذي نطق به الكتاب أن جميع الكفار يؤمنون بتوحيد الربوبية " ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله " .
ثم فكرت في هذا السؤال لعل السائل فهم معنى إيمانهم بتوحيد الربوبية أن هذا الإيمان إيمان ينفعهم ، لعله فهم هكذا واستغرب وقال كيف يقال إنهم يؤمنون بربوبية الله تعالى وهم يكفرون بالرسل ؟(23/10)
لإزالة هذه الشبهة أعود إلى الجواب فأقول : الإيمان بربوبية الله تعالى لا يجدي ولا ينفع ولو آمنت بالنبوات وبالأمور الغيبية وآمنت بربوبية الله تعالى واعتقدت جازما بأن الله وحد هو الخالق الرازق المعطي المانع النافع الضار ، لكن لم تؤمن بتوحيد العبادة أي : لم تفرد الله تعالى بالعبادة ، نغير الأسلوب : لم يفرد الله تعالى بالعبادة بل أشرك ، يدعو مع الله غير الله واستغاثته بغير الله ونذره لغير الله ويجأر باسم غير الله ويلتجئ إلى غير الله ولا يذكر الله تعالى عند الشدة ، هذا لا ينفعه إيمانه بأن الله وحده هو الخالق الرازق إلى آخره ، هذا معنى : آمن بتوحيد الربوبية وكفر بتوحيد العبادة ، التوحيد الذي ينفع أن تجمع بين الإيمان بربوبية الله تعالى وبين الإيمان بالألوهية مع الإيمان بالنبوات وبكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما يقع فيه عوام وجهال المسلمين اليوم من الإشراك بالله تعالى عند الشدة على خلاف ما كان عليه المشركون الأولون الذين يوحدون الله تعالى إذا ركبوا الفلك وعند الشدة ، وعلى خلاف من ذلك يقع عند كثير من المنتسبين إلى الإسلام الآن ، عند الشدة يلجأون إلى غير الله وهذا شرك أكبر .(23/11)
إنما البحث : هل يعذرون بالجهل أو لا يعذرون هذا بحث آخر ، ولكن الحكم بالنسبة لمن لا يؤمنون بتوحيد العبادة أي يناقضون قول ( لا إله إلا الله ) لأن ( لا إله إلا الله ) لها معنى ولها مقتضى ، ( لا إله إلا الله ) معناها لا معبود بحق إلا الله ، وأن لا تناقض ( لا إله إلا الله ) بأعمالك بالسجود لغير الله بالنذر لغير الله بالاستغاثة بغير الله ، هذا يناقض ( لا إله إلا الله ) والإعراض عما جاء به محمد رسول الله بالكلية يناقض ( لا إله إلا الله ) والسخرية بما جاء به محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام يناقض ( لا إله إلا الله ) ، إذن الإيمان ليس مجرد التلفظ بشهادة أن لا إله إلا الله دون معرفة معناها والعمل بمقتضاها ، وليس الإيمان مجرد الإيمان بربوبية الله تعالى بل الإيمان أكمل من ذلك فينبغي الاهتمام بهذا الباب .
وبالله التوفيق .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
***
قال الشيخ رحمه الله في الشريط الثامن الوجه الأول :
أجيب على سؤال وردني هذه الأيام شفهيا فيقول السائل :
إذا قلنا الله ينزل سبحانه وتعالى كما يليق به بذاته ما الدليل على ذلك ؟
هذا السؤال فاسد يجب تصحيحه ، سؤال مقلوب ، هذا من باب قلب الحجج ، الخصم إذا طمع فيك يقلب عليك الحجة فتعجز ، كيف تجيب على من يقول : إذا قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " ينزل ربنا " إذا قال لك ما الدليل ؟ كيف تجيب ؟(23/12)
يجب أن تقلب عليه السؤال لأنك مع الدليل ، الدليل هو هذا نفسه قوله عليه الصلاة والسلام " ينزل ربنا في كل ليلة إذا بقي الثلث الآخر " هذا هو الدليل ، لكن أنت القائل : ليس هو الله هو الذي ينزل بل ينزل أمره أو الملك أو الرحمة . أنت المطالب بالدليل ، الذي خالف هذا الدليل وادعى أن الذي ينزل هو أمره سبحانه أو ملك من ملائكته أو رحمة هو الذي يطالب بالدليل ولا دليل . ولما علم الخصم بأنه لن يأتي بالدليل قلب عليك الحجة فطالبك بالدليل وأنت صاحب الدليل لأن الدليل قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام ومن قال بأن الله ينزل إنما قال ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام ولا يطالب بالدليل .
وبالله التوفيق .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
***
قال الشيخ رحمه الله في الشريط التاسع الوجه الأول منه :
يسأل سائل فيقول :
كيف يعلم المسلم أن الأمر المحدث المبتدع من الدين أو من غير الدين ؟
الجواب : المعرفة سهلة وهينة لكن المهم العمل ، اقرأ قوله عليه الصلاة والسلام " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " إن أردت أن تعمل عملا انظر هل هذا العمل جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يأت به ؟ عبادة تريد أن تعملها لتثاب عليها عمل تريد أن تعمل به لتثاب على هذا العمل ، فانظر قبل أن تعمل ( العلم قبل القول والعمل ) الذي أوقع كثيرا من الناس في البدع الجهل ثم التقليد ، لا يجوز أن تقلد غيرك في عبادة الله ، يجب أن تعلم بأن العبادة التي تعملها قولية أو فعلية أو اعتقادية يجب أن تعلم أنها مشروعة وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بها وإذا أردت أن تعبد الله بالاستحسان من عندك أو من شيوخك أو من كبرائك وأنت تعلم أن هذه العبادة لم يعمل بها رسول الله عليه الصلاة والسلام ولم يأمر بها ولم يقرها الدين لا يثبت إلا بهذه الأمور الثلاثة :
- فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
- وقوله .
- وإقراره .(23/13)
ما خرج عن هذا ليس بدين ، سبق أن تكلمنا في الليلة الماضية بهذه المناسبة على ما يفعله كثير من الناس في هذا الشهر ولا بد من المرور على ذلك لأن كثيرا من الناس يبتدعون في هذا الشهر في الليلة الثانية عشرة احتفالا يسمونه ( احتفال بالمولد النبوي ) أي تعبيرا عن محبة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، بأي شيء يعبرون عن محبته عليه الصلاة والسلام ؟
بطعام يصنع ويجتمع عليه ويؤكل وبعطور ومشروبات وقصائد تقرأ وأدعية ، تعبير عن محبة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، أيُّ عاقل يدرك أن التعبير عن محبته عليه الصلاة والسلام بهذه الأعمال تعبير غير سليم ، التعبير عن محبة النبي عليه الصلاة والسلام بمعرفة دينه والاهتمام بسنته والعمل بها والدعوة إليه ، هذه هي المحبة الصحيحة ، أما كونك تبتدع عملا لا أصل له وهل تحب رسول الله عليه الصلاة والسلام من أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة ؟ ولد رسول الله عليه الصلاة والسلام بمكة وعاش إلى أن التحق بالرفيق الأعلى بعد الستين ، وهل احتفل لنفسه لمولد يوما ما ؟ لم يقع ، وهل احتفل أبو بكر الصديق الذي لا يستطيع أحد أن يدعي أنه يحب رسول الله عليه الصلاة والسلام أكثر منه صحبه في الغار ثم عمر وانقضى عهد الخلافة الراشدة وجاء عهد الأمويين وانتهى وجاء عهد العباسيين وانتهى إلى أن جاء أخيرا عهد الفاطميين ، العبيديون الذين نسبوا أنفسهم فاطمة رضي الله عنها وسموا أنفسهم بالفاطميين وهم عبيديون ، رجال التاريخ يعرفونهم أرادوا أن يؤكدوا ويثبتوا هذا النسب المزيف هذا شأن المقلد دائما المقلد يحاول أن يؤكد تقليده بأشياء يفعلها ، لذلك ابتدعوا الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ثم بمولد علي ثم فاطمة الحسن ثم الحسين رضي الله عنهم جميعا ثم بالاحتفال بمولد الخليفة القائم في تلك السنة ، هكذا ابتدع الفاطميون هذه البدعة ثم انتشرت بين المسلمين تقليدا وجهلا حتى اعتبرها بعض المتأخرين عبادة(23/14)
عظيمة وألفوا فيها المؤلفات واعتبروا طعام المولد شفاء ، قالوا يجوز أن يأكل الإنسان أكثر من الشبع يتضلع لأنه شفاء ، ابتداع في الدين وافتيات على الشارع لا أصل له .
وربما قالوا للذكرى ، لنتذكر ، وفي كيفية معينة وهو ناس قبل ذلك ؟ هذه مغالطة ، صلاتك لا تصح حتى تصلي على النبي عليه الصلاة والسلام كلكم تعلمون ذلك ، المسلم يدخل المسجد فيسلم على النبي عليه الصلاة والسلام ، وفي صلاته يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام ركن من أركان صلاتك الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في التشهد الأخير ، تخرج من المسجد وتصلي وتسلم على النبي عليه الصلاة والسلام ، تذهب وتسلم عليه لا أحد يمنعك ، في دروسك ، في أعمالك كلها ، متى نسي المسلمون رسول الله عليه الصلاة والسلام وهل يصح لهم أن ينسوه ؟ وهل يمكن ذلك ؟ حتى لا نتذكر إلا في الليلة الثانية عشرة من ربيع الأول على هيئة معينة ؟ مغالطة واضحة ، لذلك نعتبر هذه بدعة وبدعة سيئة ، ولا توجد في الإسلام بدعة حسنة .
وبالله التوفيق .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
***
قال الشيخ رحمه الله تعالى في الوجه الأول من الشريط العاشر :
لأجيب على سؤال مهم والأسئلة كثيرة لكن أجيب على سؤال واحد لأهميته :
سألني سائل فيقول : هل تعلُّم العقيدة واجب على كل أحد أو على بعض الناس القادرين على التعلم ؟(23/15)
الجواب : تعلّم العقيدة واجب على كل أحد حتى على العامي هذا بعد أن نتصور معنى العقيدة ، العقيدة عنصر هام من عناصر الإيمان وهل الإيمان واجب على المتعلمين على طلاب العلم فقط دون العوام ؟ لا أحد يقول بهذا ، الإيمان بالله والإيمان بالرسل والإيمان باليوم الآخر واجب على كل مسلم ومسلمة ، والعقيدة عنصر هام من عناصر الإيمان لأن الإيمان اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح هذا الإيمان عند أهل السنة يعرّف بهذا التعريف واجب على كل فرد من أفراد المسلمين مع التفاوت في التفاصيل ، أي يجب على العامي أن يعرف الله معرفة إجمالية ويعتقد وجوده سبحانه وقدرته وعلمه وسمعه وأن الله سبحانه وتعالى يُدعى من فوق وليس مختلطا بخلقه ، من يقول بأن الله في كل مكان أو في كل شيء لم يعرف ربه ، ليس بمؤمن ، لم يعرف الله ، يجب أن يعرف ربه كل مسلم ليس هذه عقيدة خاصة بطلاب العلم ، إذن معرفة الله تعالى بطريقة إجمالية واعتقاد بأن الله يدعى من فوق وأنه السميع العليم السميع البصير العليم الخبير المحيط بعلمه بكل شيء هذا المقدار وما في معناه واجب على كل أحد هذه من العقيدة ، ويجب أن يؤمن برسول الله عليه الصلاة والسلام ويؤمن بصدقه وأمانته وفطنته وفصاحته وأنه بلغ الرسالة ونصح أمته وأدى رسالة ربه ولم يكتم منها شيئا ، هذا المقدار واجب على كل مسلم .
ويجب أن يؤمن بما بعد الموت من البعث بعد الموت وما يجري من أهوال وأحوال يوم القيامة ، هذا بالجملة يؤمن به كل مسلم يؤمن بالبعث وبالحساب وبالميزان وبالصراط وبالحوض وبأن الإنسان يعطى كتابه إما بشماله أو بيمينه وأن المنتهى إلى الجنة أو إلى النار وأن أهل الجنة إذا دخلوا لا نهاية لحياتهم حياة أبدية سرمدية وأن عصاة الموحدين إذا دخلوا النار وطُهِّروا مصيرهم إلى الجنة وأن الكفار يدخلون النار خالدين مخلدين ، هكذا بالجملة هذه العقيدة واجبة على كل مسلم ومسلمة .(23/16)
لكن الخوض في التفاصيل ومعرفة الأدلة بالتفاصيل ومعرفة الشبه والقدرة على رد الشبه هذا فرض كفاية ، هذا المقدار فرض كفاية إذا وجد في المسلمين من علماء المسلمين وطلاب العلم من يتوسعون في دراسة أبواب العقيدة وخصوصا في هذا الوقت ومعرفة الشبه والقدرة على رد الشبه وجد في المسلمين عدد كاف يقومون بهذا الواجب يعتبر بقية المسلمين معذورين لأنه فرض كفاية إذا قام به البعض الذي في الإمكان أن يقوم به سقط الإثم عن الآخرين ، وإن تساوى الجميع وأهمل الجميع العقيدة حتى لا يوجد بين المسلمين من يتوسعون في دراسة أبواب العقيدة ومعرفة الأدلة بالتفصيل الأدلة العقلية والنقلية والقدرة على رد الشبه يأثم الجميع ، إذن العقيدة أمر لازم لا يحسبن أحد بأن العقيدة فضلة يتعلم من شاء ويترك من شاء ، لا ، يجب على كل أحد أن يتعلم العقيدة ، ثم إن التعلم لا يتوقف على الدراسة كثير من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام فيهم من لا يقرأ ولا يكتب ولكن يحضرون هذا المسجد فسبحان الله نتحدث في هذا اليوم نحن في مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام حيث يفد أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام على النبي في هذا المسجد يحضرون عنده ويستمعون إلى أحاديثه فيحفظون ، منهم كما قلت من يحفظون ولا يكتبون ولا يقرأون ويحملون هذه الأحاديث وهذا العلم إلى من خلفهم .. حضور مثل هذه المجالس والجلوس إلى طلاب العلم ومعرفة ما يجب عليه تعلمه هذا أمر ميسور وخصوصا في هذا الوقت ، في هذا الوقت في إمكان الإنسان أن يسجل هذه الدروس لنفسه بواسطة تلك الأشرطة حتى إذا كان هو غير حاضر ممكن أن يستمع إلى هذه الدروس في منزله التعلم واجب والأمور ميسرة .
وبالله التوفيق .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
***
وقال رحمه الله بعد هذا :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف النبيين والمرسلين وخاتم النبيين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :(23/17)
نواصل درسنا كعادتنا بتوفيق الله تعالى بالإجابة على بعض الأسئلة الواردة :
سائل يسأل : هل نقرأ البسملة في الفاتحة عند الصلاة ؟
الجواب : الخلاف مشهور بين أهل العلم هل البسملة من الفاتحة أم لا بعد أن اتفقوا أنها من القرآن وخروجا من الخلاف وإن كان الأرجح أنها ليست من الفاتحة ولكن خروجا من الخلاف كما قلت ينبغي أن يقرأ الإنسان البسملة مع الفاتحة وهذا هو الأحوط .
***
سائل آخر أو هو نفسه يسأل :
إذا دخل اثنان المسجد بعد الصلاة أي : بعد أن قضيت الصلاة وكانا مسبوقين هل يصليان جماعة أم منفردين ؟
الجواب : القول الصحيح أنهما يصليان جماعة سواء كان اثنان أو جماعة أي أن الجماعة الثانية تصلي كالجماعة الأولى ، القول بعدم مشروعية الجماعة الثانية قول ليس عليه دليل صريح وإنما هو استنباطات من الأدلة العامة ونحن لدينا الدليل العام الذي أمر الناس بصلاة الجماعة ، الجماعة الثانية مأمورة بصلاة الجماعة كالجماعة الأولى وما الذي أوجب الجماعة على الجماعة الأولى فقط وأسقط وجوب الجماعة عن الجماعة الثانية ؟ طالما وصلت الجماعة الثانية إلى المسجد وقضيت الجماعة الأولى فهي مخاطبة بأن يصلوا جماعة كالجماعة الأولى هذا الذي يترجح عندنا والله أعلم .
***
السائل له عدة أسئلة نقدم ونؤخر في الإجابة لما نرى من المصلحة :
يقول السائل أو يطلب أن نرشده إلى أفضل الطرق لتعلم العلم الشرعي وما هي الوسائل وما هي الكتب التي تنصح باقتنائها ؟(23/18)
هذا أرجو أن نوفق في الإجابة على سؤاله كما أرجو أن يكون موجودا ليستفيد من الإجابة وإن كان غائبا عليه أن يطلب الشريط من المكتبة ليستفيد لأنه يبدو من لهجته الحرص الشديد على تحصيل العلم الشرعي ، بصرف النظر عن ظروفه لأني لا أعلم ظروفه إذا كان شابا صغيرا بإمكانه أن ينقطع لطلب العلم عليه أن ينقطع لطلب العلم يقولون العلم إن أعطيته كله أعطاك بعضه أي ينبغي التفرغ ، الذي يريد أن يتحصل على العلم يتفرغ حتى يتحصل على البعض ولا يستطيع الإحاطة وليس ذلك في الإمكان ولكن يتحصل على القدر المطلوب الذي لا بد منه وخصوصا العلم الضروري عليه أن يتفرغ لطلب العلم ، فإذا تفرغ يبحث عن المدارس والمعاهد التي تهتم بالدروس الدينية واللغة العربية فليحرص على تعلم اللغة العربية حرصه على تعلم العلوم الشرعية لأن تعلم اللغة العربية يعينك على فهم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام والعلم الذي تريد أن تتحصل عليه ، إن كان مبتدئا فمدارسنا بحمد الله تعالى فيها مبادئ طيبة في العقيدة والفقه والإنشاء وغير ذلك ، إذا تجاوز المرحلة الابتدائية له أن يختار كما قلت المدارس التي تهتم بالدروس الدينية وتحفيظ ما تيسر من القرآن ، ثم يواصل على المنهج المعروف في هذا البلد في المدارس والمعاهد والجامعات إلى التعليم العالي ، وفي الوقت نفسه ينبغي أن لا ينقطع عن دروس المساجد أي عليه أن يتخذ شيخا يدرس عليه سواء كان في المسجد النبوي أو المسجد الحرام أو في أي مسجد من المساجد لو أمكن لكل طالب أن يجمع بين التعليم النظامي والتعلم على يد المشايخ في المساجد ذلك هو الأولى ، علوم المدارس ينبغي تغذيتها بعلوم المساجد لأن علوم المدارس متنوعة وقد لا يأخذ القدر الكافي كما نعلم قد لا يكمل كتابا واحدا ، يدرس في كل سنة جزءا من كتاب معين حتى يتخرج وربما آخر الكتاب لا يُدرس ، لذلك كثير من الشباب يجهلون كتاب البيوع وما بعده في كتب الفقه وفي كتب السنة(23/19)
أيضا ، فقط ينتهون إلى دراسة أبواب العبادة لذلك الحرص على الدراسة في المساجد وعلى المشايخ في بيوتهم هذا الذي يغذي معلوماتك التي تدرسها نظاميا ، التعليم النظامي مهم ينبغي أن تهتم ولا ينبغي أن تنقطع عن التعليم النظامي بدعوى أنك تدرس تعليما غير نظامي على النظام القديم في المساجد بل الجمع بينهما هو الأولى خصوصا في هذا الوقت ينبغي على الشباب أن يواصلوا دراستهم حتى ينالوا أعلى درجة علمية حسب الاصطلاح المتبع لأننا نعيش في وقت لا يُقَدَّر العلم إلا بما يسمى بالشهادة وبالدكتوراه ، قد تكون عالما متضلعا ليس لديك هذه الدرجة التي يسمونها درجة دكتوراه ولدى غيرك ممن ليس بفقيه هذه الدرجة يقدم ذلك الدكتور وأنت العالم لا يلتفت إليك ولا يستفاد من علمك كما يستفاد من علم ذلك الدكتور في المجالات المهمة في الاقتصاد في الاجتماعيات في السياسة وفي غير ذلك ، على شبابنا أن تكون لديهم همة عالية وأن يهتموا بدراسة السياسة الشرعية مع دراستهم للعقيدة واللغة والأحكام ، السياسة الشرعية باب من أبواب الفقه الإسلامي ، على الشباب أن يواصلوا دراساتهم حتى يؤهلوا أنفسهم لينشروا العلم ويدافعوا عن عقيدتهم ويتضلعوا ويعرفوا الشبه ليردوا الشبه عن الدين شريعة وعقيدة ، وجود علماء متضلعين متوسعين في جميع العلوم حتى يدافعوا عن الدين شريعة وعقيدة فرض كفاية وما دون ذلك فرض عين ، العلم فرض عين واجب على كل مسلم ومسلمة العلم الذي يتوقف عليه عبادة الله ومعاملة الناس في البيع والشراء وغير ذلك هذا علم ضروري لا يستغني عنه مسلم أو مسلمة ، هذا إذا كان هذا السائل شابا في إمكانه أن ينقطع في تحصيل العلم .(23/20)
أما إذا كان رجلا كبيرا قد فاته التفرغ للعلم يريد أن يتدارك عليه أن يأخذ بعض الكتب المختصرة كالأصول الثلاثة وكتاب التوحيد والأربعين النووية وعمدة الأحكام وبلوغ المرام وغير ذلك يدرس كتابا كتاباً يبدأ بالأصول الثلاثة ثم كتاب التوحيد ويدرس في الوقت نفسه الأربعين النووية والبيقونية في المصطلح حتى ينوع معلوماته لا يدرس فنا واحدا أو علما واحدا أو مادة واحدة ، عدة مواد ويجعل لدراسته وقتا معينا على شيخ معين أو على شيوخ معينين .(23/21)
وإذا لم يكن لا هذا ولا ذاك ليس في إمكانه أن يدرس ، في إمكانه أن يتعلم بالسماع أما إذا كان – كما سأل عن الكتب – في إمكانه أن يدرس هذه هي الطريقة وهذه هي الكتب التي ينبغي أن يبدأ بها ، يبدأ بصغار العلم حتى يتوسع ويتدرج ، ومن لم يكن كذلك ليس في إمكانه أن يدرس ولكن الآن يريد أن يستفيد في إمكان المرء في هذا الوقت أن يتعلم وهو لا يقرأ ولا يكتب في إمكانه وهذا كان حاصلا في عهد الصحابة كانوا يحضرون مجلس رسول الله عليه الصلاة والسلام بل أهل العوالي بالتناوب ، ينزل في هذا اليوم مثلا جماعة من العوالي فيحضرون مجلس رسول الله عليه الصلاة والسلام فيحفظون ما تيسر من حديث أو حديثين ويحملون ما حفظوا إلى من وراءهم وفي الليلة المقبلة ينزل عدد آخر أو شخص آخر ، فرد ، ويحمل العلم على من بعده ، بهذه الطريقة تعلموا ، الصحابة ليسوا كلهم قراء يقرأون ويكتبون ، لا ، فيهم من لا يقرأ ولا يكتب ولكن تعلموا بحضور مجلس رسول الله عليه الصلاة والسلام ذلك المجلس المبارك وحفظ أحاديثه والعمل بها ونشرها بين الناس ، وفي وقتنا هذا التعلم أيسر وأيسر بكثير لأن الوسائل تنوعت حتى إذا كان الإنسان وقت عمله في مثل هذا الوقت الأوقات التي تلقى فيها الدروس في المساجد بين المغرب والعشاء لا يتمكن في إمكانه أن يدرس بواسطة الأشرطة كأن يسجل له الدروس والمحاضرات النافعة فيستفيد منها ، إذا أقبل العبد على العلم واستعان بالله الله سبحانه وتعالى يفتح عليه ويتعلم إنما المصيبة الإعراض ، الذين يعرضون عن العلم إما انشغالا بالدنيا أو بدعوى أنهم ينقطعون للعبادة هؤلاء قد تمكن منهم الشيطان ، عباد ينقطعون للعبادة ولا يحضرون مجالس العلم يحرصون على الصفوف الأول والجلوس هناك كل الأوقات ولم يتعلموا شيئا ، يعبدون الله على جهل هؤلاء الشيطان حريص عليهم أكثر من غيرهم يزين لهم العبادات المبتدعة والإعجاب بالنفس فيضيعوا لذلك ندعوا الجميع لحضور مجالس العلم(23/22)
والاستفادة وإن لم يكن متعلما يقرأ ويكتب في إمكانه أن يتعلم .
والله الموفق ...
***
نجيب على السؤال الذي بعده .
وإن كان هذا السؤال فيه نوع تكرار لأني سئلت عدة مرات عن السرورية .
مشكلتنا شُغِلْنا في هذه الآونة الأخيرة بالجماعات وتتكرر الأسئلة عن هذه الجماعات ، ما هي السرورية ما هي الجماعة الإخوانية وما هي التبليغية وما هي وما هي ؟ الشباب بدلا من أن يسألوا عن المسائل العلمية فيستفيدوا شغلتهم هذه الجماعات وهذا التحزب والانتماء شغل الشباب للأسف الشديد ، السرورية نسبة إلى محمد سرور زين العابدين رجل سوري كان يعيش في الكويت وعاش هنا في المملكة فترة من الزمن وهو الآن يعيش في بريطانيا هذا الرجل له كتب مؤلفة موجودة في الأسواق الذي جعلنا نستبيح أن نتكلم في شأنه ونبين ما فيه من الشر النصح لا شيء آخر موقفنا هنا موقف رجال الجرح والتعديل في علم المصطلح في علم الرجال رجال جعلوا مجهودهم الدفاع عن السنة يتتبعون الكذابين والمدلسين والوضاعين ومن فيهم الضعف وأصحاب الغفلة يبينون للناس أن فلانا كذاب فلان دجال فلان وضاع فلان مدلس فلان رافضي لا خير فيه ، هؤلاء ليس عملهم هذا غيبة ، نصيحة دفاع عن السنة النبوية ونحن الآن إذا قرأنا لمحمد سرور وأمثاله ، حملات على العقيدة على كتب التوحيد ، عندما يقول كتب التوحيد فيها جفاف لأنها نصوص وأحكام لذلك زهِد فيها معظم الشباب هكذا ينفر عن كتب التوحيد وكتب العقيدة التي ندرسها في جامعاتنا وقد انتشرت في العالم الإسلامي بحمد الله تعالى رغم هذا الزعم وأن شباب المسلمين مقبلون كل الإقبال على كتب العقيدة الموجودة في جامعاتنا ومعاهدنا وكلياتنا ، بل تأتي وفود لتطلب هذه الكتب فتقررها في بلادهم في أفريقيا وفي آسيا وفي البلاد العربية الأخرى كتب العقيدة التي وصفها محمد سرور بالجفاف وزعم أن معظم شباب المسلمين أعرضوا عنها على عكس ذلك ، منتشرة جدا والشباب مقبلون عليها ، ومن أراد(23/23)
ذلك عليه أن يزور الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ليرى مئات أبناء المسلمين من نحو مئة دولة فأكثر يدرسون هذه الكتب فيتضلعون فيرجعون إلى بلادهم فينشرون هذه العقيدة في العالم الإسلامي وغير الإسلامي ، فانتشرت هذه العقيدة حتى في أوروبا وأمريكا ودول الشرق ، وسرور يحارب هذه العقيدة وهذا التوحيد ، السروريون ينتسبون إلى هذا الرجل والرجل حي يرزق يؤلف لذلك ننصح بهذه الصراحة شباب المسلمين أن لا ينخدعوا ببعض كتبه التي تحمل عناوين خداعة كمنهج الأنبياء ، كتاب اسمه منهج الأنبياء فيه هذا الكلام الذي شرحت الآن في الجزء الأول وقد عرض هذا الكتاب أو ذكر لشيخنا الشيخ عبد العزيز ابن باز وأمر بتمزيقه وأفتى بعدم جواز بيعه وأنه كتاب خبيث وقال غيره من العلماء من هيئة كبار العلماء مثل هذا الكلام ، هذه هي السرورية وهذا محمد سرور .
***
هنا أسئلة فيها بعض الخوض في الشؤون السياسية ونحن لا نستحسن الخوض في السياسات إلا السياسة الإسلامية العامة أما الخوض في السياسات الخاصة لدول معينة ليس من المصلحة أن نخوض في ذلك ومن أراد أن يعرف رأينا في مثل هذه الأشياء يسألنا سؤالا خاصا أما الخوض في السياسات الداخلية للدول لا نرى ذلك ولكننا نحن نعلق على الأشخاص ، الأشخاص الذين يسيؤون إلى الدين الإسلامي إلى الشريعة والعقيدة هؤلاء نافع ونذكرهم بأسمائهم ونبين أخطاءهم نصحا للعباد .
سائل يسأل : كيف أتعلم العقيدة الإسلامية ؟(23/24)
لعل الجواب السابق يغني عن الجواب عن هذا السؤال على كل العقيدة تشمل ما يتعلق بالمطالب الإلهية أي معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وإثبات كمالات الله له كما أثبت لنفسه وكما أثبت له رسوله عليه الصلاة والسلام وإفراد الله تعالى بالعبادة وإفراد الله تعالى في ربوبيته وتعظيم شرعه والنصح لكتابه والنصح لنبيه عليه الصلاة والسلام والنصح لولاة المسلمين والنصح لكل مسلم وهذه كلها داخلة في العقيدة ، والإيمان بالنبوة والإيمان باليوم الآخر وما يجري في ذلك اليوم كل هذا من باب العقيدة ، التعلم ميسور جدا إن كنت قارئا فالكتب مؤلفة هي التي ذكرناها قبل وإن كنت غير متعلم عليك أن تجالس العلماء حتى تتعلم وتدرس وعليك أن تبتعد عن التهييج السياسي الذي انتشر بين الشباب هذه الأيام ويحاول أن يزهد الشباب في العلماء وفي الحكام حتى يشتت شمل الأمة نسأل الله السلامة.
***
سائل يسأل أولا يخبر بأنه يحبني في الله تعالى وأنا أقول أحبك الله الذي أحببتني من أجله وهكذا السنة إذا أحببت شخصا تظن فيه الخير تخبره بأنك تحبه وهو يقول لك أحبك الله الذي أحببتني من أجله الحب في الله عمل صالح عظيم لأن الاثنين اللذين تحابا في الله واجتمعا على ذلك وتفرقا على ذلك من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، والسائل يحسن الظن ولذلك قال ، فأسأل الله تعالى أن لا يؤاخذني بما لا يعلم ويجعلني خيرا مما يعلم ويغفر لي ما لا يعلم هو .
ثم يسأل ويقول : ما الهدف من القول بخلق القرآن ؟(23/25)
الذي يبدو أن هذا الشخص على الفطرة ليس له دراسة في علم الكلام لذلك نوجز في جوابه فنقول : القول بخلق القرآن كفر إياك وإياك ، ابتعد عن القائلين بخلق القرآن ، القرآن كلام الله الذين قالوا بخلق القرآن فرق من فرق علم الكلام كالمعتزلة والأشاعرة وإن كنا نلتمس لهم الأعذار لكن الحكم العلم في القول بخلق القرآن كفر ما لم يعذر القائل بالجهل أو بالشبهة ، طالما أنت على فطرتك الإسلامية ابتعد واعتقد بأن هذا القرآن كلام الله كلام الله لا نهاية له ، القرآن كلام الله والتوراة والإنجيل والزبور كلام الله لا نهاية له لأنه من الكمالات " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا " كلمات الله لا نهاية لها ، القرآن من كلام الله ليس هو كل الكلام فالله سبحانه وتعالى يتكلم إذا شاء وكيف شاء ويخاطب من شاء من أنبيائه وسوف يكلم أهل الجنة وهم في الجنة هكذا تعتقد وتبتعد عن القائلين بخلق القرآن .
***(23/26)
سائل يسأل يقول : (يقول إنه يوجد في مدارسنا) الله المستعان (نشاطات طلابية ومن هذه النشاطات توجد جماعة تسمى جماعة التوعية الإسلامية) وإنما أوتي شبابنا في الآونة الأخيرة من هؤلاء الذين سموا أنفسهم الإسلاميين الجماعة الإسلامية ، نسبة إلى الإسلام نسبة غير صحيحة نسبة كاذبة ، اسمعوا ماذا يفعلون (من طرقهم في التوعية التي يسمونها توعية الطلاب أسلوب التمثيل) التمثيل سموه إسلاما التمثيل في الشرع محرم ، أقل ما فيه كذب (والأناشيد) استبدلوا بدلا من أن يعلموا الشباب قراءة القرآن وأحكام القرآن وحفظ ما تيسر من القرآن والسنة يعلمونهم الأناشيد ويشغلونهم بالأناشيد هذه الأناشيد يسمونها أناشيد إسلامية ، ما معنى الأناشيد الإسلامية ؟ إنما هي مدح لأشخاص من رؤسائهم رؤساء الحزبيين والتفاخر ، كلام إن سلِم يصلح أن تقرأ تلك الأناشيد للمسافر ليقطع بها الطريق كبعض الشعر ، الأشعار التي تقرأ في الأسفار فيها الشجاعة فيها الكرم لا بأس أما اتخاذ أناشيد كعبادة تقرأ بدل قراءة القرآن وبدل ذكر الله هذه من الأمور المبتدعة (والفكاهات المضحكة) يشغلون أوقات الشباب بالفكاهات المضحكة (وقراءة الكتب السياسية والثقافية) شباب صغار يشغلوهم بقراءة الكتب السياسية ليصلوا من هذه القراءة إلى التهييج السياسي (والكرة وألعاب مختلفة حتى إنه يوجد من القائمين عليها المسؤولين بتعليم الطلاب بعض التعبدات – الصوفية – مثل قول بعضهم الله الله أكبر أكبر مع ضرب الرأس والفخذ يكرر الله الله أكبر أكبر) سخرية واستخفاف باسم الله ما معنى الله الله أكبر أكبر ؟ هؤلاء هم المعلمون وهم المربون لشبابنا يربونهم على قلة الحياء مع الله وسوء الأدب وعدم تقدير لرب العالمين والتلاعب باسمه بلفظ الجلالة من أعظم الأسماء حتى عده بعضهم أنه الاسم الأعظم ، ما معنى قوله الله الله أكبر أكبر أيش معنى هذا ؟ لا معنى لهذا ، إنما الله أكبر إذا أردت أن تذكر الله ، وأما(23/27)
التقطيع والتلحين تلحين هذا الاسم مع ضرب الرأس والفخذ ولو كان لديه دف لضرب كأنه حوله إلى ألفاظ للطرب بدلا من أن يكون ذكر الله (ثم فيهم من يتمايل) لعب وعبث باسم العبادة وباسم التوعية الإسلامية ، هكذا وصلنا إلى هذه الدرجة سلمنا شبابنا لسفهاء سموا أنفسهم مربين ومعلمين ويفسدون أخلاق شبابنا ويفسدون دينهم ويعلمونهم كيف يسيئون إلى الإسلام بل كيف يسيئون إلى اسم من أسماء الله تعالى ، وكيف يشغلونهم عن تلاوة كتاب الله وتعلم سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام وتعلم الدين الإسلامي بالأناشيد والتمثيل وكل ذلك يسمى التوعية الإسلامية ، يا سبحان الله إنها لفتنة فتنة دخلت على شبابنا باسم التربية وسفهاء تسلموا شبابنا باسم المربين ولكنهم مفسدون وليسوا بمربين ، ننصح شبابنا أن لا ينخدعوا بهذه العناوين ( الجماعة الإسلامية ) ( التوعية الإسلامية ) و ( الأناشيد الإسلامية ) الإسلام المظلوم الذي يضاف إليه كل شيء ، ما ليس من الإسلام يضيفونه إلى الإسلام ويسمون ( الأناشيد الإسلامية ) و ( الجماعة الإسلامية ) و ( التوعية الإسلامية ) وعرفتم ما هي التوعية ، أين في هذه الأشياء التي ذكرناها الآن شيء من الإسلام ؟ هل الأناشيد والتمثيل وهل العبث باسم الله تعالى من الإسلام ؟ نصيحتي لهذا السائل الذي استنصح ومن يسمع الابتعاد عن أمثال هؤلاء لئلا يفسدوا عليهم دينهم .
***
سائل يسأل عن حكم الإسلام في رفع اليدين عند الدعاء ، ويقول إنه سمع من يقول إن رفع اليدين عند الدعاء مخصوص بموضعين عند طلب المطر وعند الدعاء لطلب النصر على الأعداء .(23/28)
الجواب : هذا التخصيص لا دليل عليه ، رفع اليدين في الدعاء مشروع مطلقا ، ورد في حديث حسن " إن الله حيي يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا " أي خاليتين ، وحديث الذي كان يرفع يديه يقول " يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام ومشربه حرام فأنى يستجاب له " هذا وذاك وغيرهما من الأحاديث العامة التي تدل على مشروعية رفع اليدين في الدعاء إلا إذا كنت في حالة لا يمكن فيها رفع اليدين كأن كنت ساجدا أو راكعا ، أما فيما عدا ذلك سواء كنت في الصلاة أو في خارج الصلاة رفع اليدين في الدعاء مشروع ولكن يمتاز رفع اليدين في الاستسقاء بالمبالغة في الرفع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما استسقى وطلب نزول المطر من الله لما طلب منه الأعرابي فجاء وهو يخطب خطبة الجمعة فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل ادع الله يغيثنا ، رفع رسول الله عليه الصلاة والسلام يديه وبالغ في الرفع حتى ظهر بياض إبطيه ، لأنهم كانوا يلبسون البردة ما كانوا يلبسون الجلاليب والثياب مثلنا ، الشاهد في بعض الحالات كطلب النصر على الأعداء وطلب نزول المطر قد يبالغ الإمام أو من يدعو في رفع اليدين ، إذن المبالغة هذه هي الخاصة أي المبالغة في رفع اليدين خاصة بهذه الحالة أما رفع اليدين رفعا عاديا مشروع في كل دعاء ، الشيء الذي يختلفون فيه ويترجح عندنا عدم المشروعية مسح الوجه باليدين بعد الدعاء .
***
صاحب هذه الورقة كلامه ليس كله سؤالا ، سؤال وشكوى ، ما كان سؤالا أجبنا عليه وما كان شكوى دعونا الله له .(23/29)
هذا السائل له مشكلة مع كفيله فيما يسمى بـ ( فيزا ) وأنا لا أجيد هذا الباب ما يتعلق بالفيزا والكفيل وكيف يستقدمون وعلام يتفقون هل يعمل بأجرة شهرية أو بشيء من الدخل هذه أمور لا أعلمها ، بحمد الله ما ابتليت بها لذلك لا أعلم ولكن نصيحتي لمن يكفل هؤلاء المساكين من العمال فيستقدمهم ليعمل لديه ، وربما استقدم عددا من الناس ثم وزع على الناس ، كأنه يأخذ عليهم الخراج كأنهم عبيد له يشغّلهم عند الناس فيأخذ من دخلهم شهريا كذا ، مبلغ متفق عليه ، هذه عملية غير جائزة ، أولا إنما سمح لك لتستقدم العمال في مقدار حاجتك وغير مسموح لك في النظام أن تستقدم أكثر من حاجتك لتوزع على الناس وتستغل دخلهم ، هذا شيء غير جائز ، ثم إن هؤلاء الذين استقدمتموهم وشغلتموهم في مؤسساتكم الواجب عليكم النصح لهم وأنتم مسؤولون عنهم أمام الله ، الله جعلهم محتاجين إليكم ، وجعلكم قادرين على استقدامهم وتشغيلهم ،عليكم أن تتقوا الله وتشكروا نعمة الله وأن لا تظلموا عباد الله ، إخوانكم المسلمين وتمكنوهم من العبادة ، علمت أن بعضهم يقول للعامل اليوم يأتي نفر كثير يشتروا اليوم أنت يصلي هنا في البيت في محل العمل اليوم أنت لا يروح الجمعة ، هكذا يشتكي بهذه اللهجة المكسرة يعني يتكلم معه بلهجته ، يمنعه من حضور صلاة الجماعة ويمنعه من حضور الجمعة بدعوى يأتي عدد من الناس عدد كبير يشتري اليوم ، هذا حرام لا يجوز ، ظلم لعباد الله ، الواجب طالما جاءك أخوك المسلم يعمل تحت يدك وبعد سنة أو سنتين سوف يغادر كان الواجب أن تدعوه إلى الدين وتعلمه الدين وتمكنه من العبادة لينتهز فرصة وجوده هنا سنة أو سنتين ثم يغادر يجب أن تحب له كما تحب لنفسك وهل لو جعلك الله محتاجا ترضى من يمنعك من صلاة الجمعة والجماعة ويستغل نشاطك وخبرتك وهو لا ينصح لك ؟ لا يعلمك ما تجهله ولكن يستغلك فقط هل ترضى هذا ؟ هذا حرام ليس من النصح ، لذلك ننصح هؤلاء الإخوة بأن ينصحوا(23/30)
لإخوانهم المستضعفين المستقدمين للعمل وأن لا يظلموهم فيما يعطونهم بل عليهم أن يتصدقوا ، عندما يغادرك هذا المسكين عليك أن تزيد له وعندما تعطيه أجرته آخر الشهر إذا كانت أجرته خمسمائه ينبغي أن تتصدق سرا فيما بينك وبينه تزيد له مئة أو مئتين حتى لا يعلم أحد يكون لك هذا صدقة سرية تنفعك عند الله ، من يتصدق صدقة سرية ينفق بيمينه حتى لا تعلم شماله من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، هذه فرصة أعطاك الله مالا ومكنك من أن تشغل هؤلاء الضعاف يجب أن تتصدق عليهم وتكسب الأجر بدلا من أن تظلمهم ، أنا ما قرأت ما كتبه هذا العامل ، يشكوا ظلما أنه مظلوم من كفيله ويذكر أن كفيله إمام وخطيب أخشى لو قرأت بالتفاصيل ما كتب ربما يعرف ذلك الرجل ونحن لا نريد كشف جميع الأسرار ولكننا ننصح كما قلنا إخوتنا الذين جعل الله في أيديهم مالا ومكنهم أن يستقدموا هؤلاء الضعاف أن لا يظلموهم أولا ، الظلم ظلمات يوم القيامة ، يجب أن تعلم بأن الديوان الذي تسجل فيه حقوق بني آدم لا يترك أبدا حتى يتركه صاحب الحق ، هذا ديوان من أصعب الدواوين الثلاثة يلي ديوان الكفر والشرك ، لذلك ينبغي أن تحرص أن لا تظلم هؤلاء ولو في ريال واحد بل إنما من الدين إذا كان لديك رغبة فيما عند الله أن تتصدق عليهم صدقة سرية وخصوصا عندما يغادرك ليرجع إلى بلده .
والله أعلم .
والله الموفق .
***
سائل يسأل تعليقا على الجواب السابق بالنسبة للجماعة الثانية :
إذا صلت الجماعة الثانية عليها أن تؤذن أم تكتفي بأذان الجماعة الأولى ؟
الذي تدل عليه النصوص في باب الأذان أن كل مصل يؤذن ولو كان منفردا على رأس جبل عند غنمه يريد أن يصلي يؤذن ويقيم ، ليس بلازم أن يكون الأذان بصوت عال وإنما هذه الجماعة يؤذنون أذانا في حدودهم ويقيمون ويصلون ، أي النصوص العامة تدل على أن كل مصل يؤذن ويقيم ولو كان منفردا بدون رفع صوت يشوش به على الآخرين.(23/31)
.. نعم الحكم عام حتى يأتي مخصص .
والله أعلم .
***
الذي يكتب السؤال عليه أن يوضح ، السؤال إذا كان غير واضح لا يجاب عليه .
سائل يسأل : هل الجهر في الصلاة الجهرية كصلاة الفجر مثلا يكون مطلوبا بعد انتهاء وقتها ؟
يختلف الفقهاء فيمن يقضي صلاة الفجر بعد خروج الوقت أي بعد طلوع الشمس ، الذي يترجح عندي أنه يجهر كما يجهر في الوقت .
والله أعلم .
***
سؤال ملخصه أما السؤال في الورقة الكبيرة هذا يحتاج إعادة النظر من الكاتب ، إن كان الكاتب موجودا فليعد النظر ، فليوضح ، إنما نجيب على سؤال للمعتمرين أي للزوار الذين يريدون العمرة .
كل من يريد أن يسافر من المدينة للعمرة سواء كان من أهل المدينة أو من الشمال أو من الجنوب أو من جدة من أي مكان ميقاته ميقات أهل المدينة ، لا يجوز تجاوز ميقات أهل المدينة إذا كان نية صاحب جدة العمرة ... يريد الرجوع فقط إلى البلد ليس عليه عمرة ، لكن إذا كان نيته أن يعتمر لكن يقول يمر أولا على جدة ثم يعتمر يقال له تحرم من ميقات أهل المدينة سواء مررت جدة قبل العمرة أو بعد العمرة عليك الإحرام ، لا يمنع أن تحرم وتمر بلدك وتنزل أمتعتك ثم تواصل سفرك سفر العمرة إلى مكة ، إذا كان نيتك العمرة لا يجوز أن تجاوز ميقات أهل المدينة إلا وأنت محرم .(23/32)
تعليقا على هذا السؤال أمامي الآن شخص سألني هذه الأيام فهمت من سؤاله أنه يفهم من معنى الإحرام لبس ملابس الإحرام ، يقول أنا أحرم من المدينة ثم ألبي من المطار لأني مسافر بالطائرة ، لا تسمي لبسك لملابس الإحرام أنه إحرام وليس ذلك بإحرام ، الإحرام التلبية النية التي تعبر عنها بالتلبية ، لو أن إنسانا لبس ملابس الإحرام فذهب إلى المطار ففاتته الطائرة فرجع ، ليس عليه شيء ، يخلع ملابس الإحرام فيلبس ملابسه العادية ، لكن لو قال من المدينة بعد أن لبس ملابس الإحرام : لبيك عمرة ، أحرم من المدينة انعقد الإحرام وإن كان خلاف السنة ، الإحرام قبل الميقات خلاف السنة وربما يأثم خصوصا إذا كان مع العلم لكن الإحرام ينعقد ، بعد هذا ذهب إلى المطار ففاتته الطائرة ليس له أن يتحلل أبدا ، إلى الرحلة الثانية غدا أو بعد غد يبقى في ملابس إحرامه لأن من أحرم بالحج أو بالعمرة لا يجوز له أن يتحلل حتى يعمل ، أخذ أهل العلم ذلك من قوله تعالى " وأتموا الحج والعمرة لله " " أتموا " طالما نويت الحج والعمرة عليك الإتمام لا يجوز لك أن تتحلل ، لكن لو لم تلبي لبست ملابس الإحرام فقط استعدادا على أنك تحرم من داخل الطائرة لأن المسافر من هنا إحرامه من محاذاة الميقات أي محاذاة آبار علي إذا أقلعت الطائرة نحو عشر أو خمس دقائق قد يعلنوا من الطائرة أننا الآن بمحاذاة الطائرة وإن لم يعلنوا بعد إقلاعها والخروج من المطار نحو خمس دقائق تلبي لأنك مقابل الميقات في هذه الحالة لو فاتتك الطائرة كما قلت لك لا يجوز لك أن تتحلل أبدا أي أن تخلع ملابس الإحرام لتلبس ملابسك العادية هذا الذي يقع فيه كثير من الحجاج يحرمون من ميقات بلدهم فيَصِلون إلى جدة فيقال لهم سفركم على المدينة ثم على مكة يحولوهم على المدينة ، يعني الذين ينظمون سفر الحجاج يأمرونهم أن يتوجهوا إلى المدينة ، يتحللون في جدة ويأتون هنا بدون إحرام ، هذا خطأ كان الواجب يأتي إلى المدينة(23/33)
في ملابس الإحرام طالما لبى من ميقات بلده يأتي إلى المدينة بملابس الإحرام فيبقى مدة بقائه هنا يوما أو يومين وهو لابس ملابس الإحرام ثم يسافر إلى مكة لأداء العمرة والحج ، مع العلم أنه ليس بلازم على الزائر أن يقيم هنا أسبوعا ليصلي أربعين صلاة هذا ما ألزمه الزوار بأنفسهم ولم يلزمهم الشرع ، ليس في السنة تحديد مدة الإقامة للزائرين في المدينة ، الزيارة ممكن أن تتم في ساعة ، لو دخل الآن فصلى تحية المسجد وسلم على النبي عليه الصلاة والسلام وعلى صاحبيه وذهب وسلم على أهل البقيع وسلم على شهداء أحد تأسيا برسول الله عليه الصلاة والسلام لا وجوبا وصلى في مسجد قباء استحبابا أيضا ثم سافر من وقته تمت الزيارة ، ولو لم يفعل كل ذلك صلى في هذا المسجد وسلم على النبي عليه الصلاة والسلام وعلى صاحبيه ثم سافر تمت الزيارة ، أمور ميسرة ولكن الجهل يجعل بعض الناس يعقدون أمورهم ويلزمون أنفسهم بما لم يلزمهم الشرع ، الشاهد الإحرام يجب أن يكون من الميقات . وبالله التوفيق .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
***
قال الشيخ رحمه الله في الشريط الحادي عشر الوجه الثاني منه :
ونجيب على سؤال واحد ، بعض الأسئلة كما لاحظتم أجبنا عليها في أثناء الدرس . هنا سؤال ورد هل الواجب من أسماء الله تعالى ؟
أجبنا عليه .
وورد سؤال في إطلاق لفظ مفتي على الله .
وأجبنا عليه .
أن هذه الأسماء كالمفتي والواجب والمريد والمتكلم والصانع تطلق على الله تعالى من باب الإخبار وصرح بذلك المحققون من أتباع السلف .
السؤال الذي بقي نجيب عليه وهو آخر سؤال :(23/34)
لماذا يعيب السلف وأتباع السلف علم الكلام وهو اصطلاح وهناك اصطلاحات أخرى كثيرة لم يعيبوها ؟ علم أصول الفقه اصطلاح وعلم المصطلح اصطلاح والنحو اصطلاح والصرف والبلاغة وعلم التجويد ، كل هذه اصطلاحات لأن العرب فيما تقدم ليست لديهم مؤلفات وهذه الاصطلاحات ما يعرفونها أي بهذه الأسماء ولكن كانوا يطبقونها علميا ، بمعنى : إن قرأوا القرآن قرءوه مرتلا ومجودا دون الاشتغال بهذه القواعد ، وإن نطقوا ينطقون نطقا صحيحا معربا بليغا ، ولكن وضع هذه الاصطلاحات جديد ، لماذا السلف وأتباع السلف لم يعيبوا هذه المصطلحات كلها ؟ لماذا يعيبوا علم الكلام ؟ .
أجاب على هذا السؤال شيخ الإسلام يقول : لم يعب السلف علم الكلام لكونه مصطلحا جديدا ولكن عابوه لكونه مخالفا لما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام كما علمتم إما بنفي جميع الصفات ، ينفي الأسماء والصفات جميعا طريقة الجهمية ، أو بنفي الصفات دون الأسماء طريقة المعتزلة ، أو التفريق بين الصفات طريقة الأشاعرة ، لما كان علم الكلام مشتملا على هذه المخالفات عابه السلف وذموه ، ولم يذموا ولم يعيبوا لكونه مصطلحا جديدا ، هكذا أجاب شيخ الإسلام على هذا السؤال .
والله أعلم .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
***
قال الشيخ رحمه الله تعالى في آخر الوجه الأول من الشريط الخامس عشر :
سألني سائل عن بعض العلماء شيوخ الأشاعرة الذين تبين لهم الهدى في أثناء الحوار والردود التي كتبت ضدهم هل يعذرون في إنكار بعض صفات الله تعالى وتحريف النصوص والدعوة إلى الأشعرية الكلابية أم لا ؟(23/35)
الجواب بالاختصار قبل الشرح : لا ، هؤلاء لا يعذرون ، شيوخ وأساتذة ودكاترة من الأشاعرة الذين أتوا إلى هذا البلد وعاشوا هنا عشرات السنين فناقشوا ونوقشوا ، وجرى بينهم وبين طلاب العلم الحوار وفي أثناء الحوار والردود تبين لهم الهدى تبين لهم أن المنهج الصحيح هو منهج السلف وما عليه الأشعرية منهج خاطيء أو خطأ أو أكثر ما فيه خطأ وإن كان لا يخلو من الصواب ، الصواب الذي فيه موجود في منهج السلف الصواب الذي فيه فيهِ نوع من الخطأ ، بيان ذلك : الصواب الذي عند الأشاعرة في الغالب إثبات بعض الصفات ، الصفات التي يطلقون عليها صفات المعاني كالقدرة والإرادة والسمع والبصر والعلم والحياة والكلام ، هذه الصفات تسمى عند الأشعرية صفات المعاني وهي تسمى الصفات العقلية يثبتونها على ظاهرها كما يليق بالله دون تأويل لكنهم يخطئون في طريق إثباتها ، طريق إثباتها النقل أي أدلة من الكتاب والسنة والأشاعرة لا يعتمدون على الأدلة النقلية بل يثبتون بالأدلة ، الأشاعرة يعتمدون على الأدلة العقلية في إثبات هذه الصفات ، وإنما يذكرون الأدلة النقلية من باب الاعتضاد بها والاستئناس بها لا من باب الاعتماد عليها هذا منصوص عليه في كتبهم ، إذن أخطأوا حتى فيما أثبتوا ، أي أخطأوا في طريقة الإثبات بهذا خالفوا السلف والعجب كل العجب في بعض منظوماتهم ، يقول ناظم منهم :
وكن كما كان خيار الخلق ... حليف علم تابعا للحق
وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف(23/36)
مع علمهم هذا خالفوا السلف ، زعموا بأن السلف لم يفهموا مراد الله من هذه النصوص ولكنهم سلموا لأنهم أمروا النصوص بدون فهم حكموا لهم بالسلامة بلا علم وحكموا لأنفسهم العلم والحكمة هكذا أخطأوا في حق السلف وتخبطوا في باب الأسماء والصفات والذي عاشوا بين علماء السنة واطلعوا على الكتب المقررة في الجامعات في هذا البلد ، فناقشوا الرسائل وأشرفوا عليها وخالطوا طلاب العلم وتبين لهم الحق ، إن أصروا بعد ذلك على أشعريتهم وإنكار صفات الله والقول بخلق القرآن والقول بأن الله ليس فوق العرش لا عذر لهم بل يكفرون بذلك لأنه بإجماع السلف من قال بخلق القرآن فهو كافر ومن نفى صفة ثابتة في الكتاب والسنة فهو كافر ما لم يعذر بجهل وما لم تكن هناك شبهة حالت بينه وبين تبين الحق ، لذلك نحن نعلم عددا كبيرا من أساتذة وشيوخ الأشاعرة الذين يعيشون بين طلاب العلم وبين الجامعات هنا منهم من رجع بحمد الله تعالى كأستاذنا الشيخ محمد خليل هراس ومنهم من أصر على ما هو عليه فإذا كان زميلهم الاستاذ محمد خليل هراس رحمه الله تبين له الهدى فتاب ورجع وأعلن أنه قبل ذلك لم يفهم الإسلام الصحيح الذي جاء به محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام فإن زملاءه الذين أصروا على ذلك وبقوا على ما هم عليه لا عذر لهم . ولا داعي للتنصيص على أسماءهم فهم معروفون لدى طلاب العلم .
***
سائل يسأل ما حكم إسناد الظهور إلى المصاحف وجعل المصاحف خلف الظهر ؟(23/37)
الجواب : هذه للأسف ظاهرة لا ينبغي لمن له صلاحية السكوت عليها ، لأن جعل المصاحف خلف الظهر وإسناد الظهر إليها هكذا وهي خلف ظهرك لا تليق بكلام الله ، المصحف يحمل كلام الله ما بين دفتي المصحف كلام الله وليس من الأدب أبدا أن تجعل المصحف خلف ظهرك وتسند إليه ظهرك وإن كنت لا تقصد بذلك الاستخفاف والاستهانة بالمصحف ، لو قصد ذلك يكفر ، لأن الاستخفاف بكلام الله تعالى ردة وهو لا يقصد ذلك ، الفاعلون لا يقصدون ذلك لكن نفس الصورة الظاهرة هذه صورة لا تليق أبدا بكتاب الله تعالى فينبغي أن يُنصَحوا أولئك الذين يجلسون في الصف الأول مسندين ظهورهم إلى المصاحف ومتوجهين إلى غير القبلة ، الأولى والأفضل لمن هو في الصف الأول أن يجلس متجها إلى القبلة وكونهم يدبرون إلى القبلة فيسندون ظهورهم إلى المصاحف ملاحظتان اثنتان :
أولا الجلوس على خلاف ما هو المعهود بالنسبة للعباد الذين يحرصون على الصفوف الأول المفروض أنهم يجلسون متجهين إلى القبلة وهي أشرف الجهات .
ثانيا لا ينبغي إسناد الظهور إلى المصاحف .
فينبغي معالجة ذلك بأن ترفع المصاحف إلى درجة رؤوس الناس حتى تسلم من هذا ، وعلى كل لا نخوض في العلاج ، المشرفون على هذه الشؤون ليسوا بعاجزين عن العلاج حتى نقترح عليهم العلاج ولكن ينبغي أن يعالجوا ولا يتركوا الأمر على ما هو عليه .
والله أعلم .
***
سائل يسأل أو يطلب الحث على تعاون السلفيين وتحذيرهم من الجماعات والتحزب لتبقى كلمة المسلمين كلمة واحدة .(23/38)
هذا طلب عزيز ويشكر صاحب هذا السؤال على هذا السؤال ، في واقعنا اليوم نحن متساهلون كثيرا ، كلنا نعلم طلاب العلم فيم عذب الإمام أحمد وفيم عذب الإمام ابن تيمية وتلاميذه ، للمحافظة على هذا المنهج منهج السلف ، لأن المنهج حورب في أواخر عهد العباسيين من عهد المأمون العباسي الخليفة السابع وفي عهد المعتصم بالله والواثق بالله ، هؤلاء الخلفاء الثلاثة من خلفاء بني العباس حاربوا منهج السلف السبب جلس إليهم المعتزلة فأثروا فيهم وأقنعوهم بالقول بخلق القرآن وبنفي صفات الله تعالى لذلك عذبوا العلماء والقضاة والفقهاء ليقولوا بخلق القرآن ولينفوا صفات الله تعالى منهم من أنقده الله بأجله فمات ومنهم من أظهر الموافقة وقلبه مطمئن بالإيمان إن شاء الله ومنهم من صمد وفي مقدمتهم الإمام أحمد ، صبر ضرب وحبس في عهد المعتصم والواثق بالله ، ولكن المأمون هلك قبل أن يصل إليه الإمام لأن المأمون كان خارج بغداد فطلب الإمام والإمام في الطريق إليه مات المأمون ، فرد الإمام إلى بغداد ، تولى تعذيبه الخليفة المعتصم بالله وبعده الواثق ، كل ذلك في سبيل إيش ؟(23/39)
في سبيل المحافظة على إبقاء صفات الله تعالى كما جاءت وعلى إبقاء المنهج على ما كان عليه الصحابة والتابعون ولئلا يقول بخلق القرآن لأن القول بخلق القرآن كفر لأنه تكذيب لكلام الله تعالى الذي يقول الله فيه " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله " هذا الكلام الذي نقرؤه الذي بين دفتي المصحف الله سماه كلامه " حتى يسمع كلام الله " هذا القرآن هو الذي تلاه النبي عليه الصلاة والسلام على المشركين وغير المشركين وسمعوا منه ، الله سماه كلامه ، القول بأنه مخلوق كفر وردة لذلك صبر الإمام أحمد حتى قيل له أنه يعمل التورية كأن يقول الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن هذه الأربعة مخلوقة ، في إمكانه أن يتخلص بهذه التورية ، التورية أن تنطق بكلمة يفهم المخاطب المعنى القريب وأنت تقصد المعنى البعيد أو العكس ، لو قال الإمام هذا الكلام ويعتقد فيما بينه وبين الله أن هذه الأصابع الأربعة هي المخلوقة وليست الكتب الأربعة لسلم من التعذيب ، ولكن الإمام يقدر المسؤولية وهو إمام أهل السنة والمسلمون ينتظرون ماذا يقول الإمام حتى يعتقدوا عقيدته لذلك صبر على ما عذب ، فشتت أتباعه في أنحاء الدنيا حتى جهل هذا المنهج كما يقول المقريزي من ذلك العهد إلى القرن السابع والثامن عندما ظهر ابن تيمية في دمشق وصدع بالحق ودافع عن منهج السلف وأظهر الحق ، هؤلاء كلهم لماذا عذبوا ، وابن تيمية عاداه جميع العلماء المعاصرين ، والسلاطين يقدرونه لبطولته ولأنه يشارك في الجهاد مع التتار ، يشارك في الجهاد في القتال ليس عالما يجلس تحت سارية المسجد فقط ، عالم ينشر العلم ويجاهد في سبيل الله ، لذلك كان السلاطين يقدرونه ولكن علماء السوء لكثرتهم غلبوا على السلاطين وعذب الرجل ، أحيانا ينفى إلى القاهرة وأحيانا إلى الاسكندرية ، وإذا بدأ ينشر العلم هناك يطالب أهل تلك البلدة أن ينفى فينفى إلى دمشق أو إلى السجن إلى أن مات في السجن في دمشق ،(23/40)
كل أولئك علام عذبوا ؟
لأجل هذه العقيدة لأجل هذا المنهج للإبقاء على المنهج ، واليوم هان أمر العقيدة لدى كثير من الذين سموا أنفسهم بالدعاة فصاروا يمدحون دعاة الباطل الذين يعادون هذه الدعوة وهذه العقيدة فصرنا من جديد نسمع من يقول : العقيدة وما العقيدة ؟ تكثرون من ذكر العقيدة حتى عقدتمونا ، وهل تتصورون في شبابنا اليوم من وصل به الحال إلى هذه الدرجة ، عقدتمونا بالعقيدة ، سمع من يقول : إلى متى ندرس (اعلم رحمك الله) سمعنا من يقول إن كتاب التوحيد لا يصلح في هذا الوقت ، وإن العقيدة التي جددها الإمام المجدد لا تصلح اليوم وهي عاجزة عن معالجة الشرك السياسي أي الشرك في الحاكمية ، كذبوا والدعوة أول ما عالجت الشرك في السياسة لأن الإمام أول من نفذ الحكم على من اعترفت بجريمة الزنا في العيينة ، بسبب هذه الحادثة أخرج إلى الدرعية أي أن الدعوة كانت شاملة الدعوة إلى إخلاص العبادة لله والدعوة في الحاكمية وتجريد المتابعة لرسول الله عليه الصلاة والسلام دعوة عامة شاملة ، أعداء هذه الدعوة حاربوا كثيرا ، عالميا فعجزوا وأخيرا وجدوا في شبابنا من ينفذون إرادتهم بواسطتهم ، هيجوا شبابنا الذين أصبحوا دكاترة هيجوهم ضد هذه العقيدة فصاروا يحاربوا العقيدة بشبابنا ، هذا هو واقعنا اليوم ، بشبابنا أي ببعض شبابنا وبدكاترتنا من تلاميذنا الذين وصلوا إلى درجة الدكتوراه ولكن النزعة السياسية ربطتهم بأولئك الذين من الخارج يعادون هذه الدعوة ولم يستطيعوا أن ينالوا منها صاروا ينفذون ما يريدون بواسطة هؤلاء فلينتبه لهم ، الدفاع عن منهج السلف وتحذير السلفيين من أن لا ينخدعوا بهذا التهييج السياسي العام هذا أمر واجب على كل داعية وعلى كل مصلح ، شبابنا على خطر لأنه كما قلت في الدرس السابق نشؤوا في الخير ولم يعلموا من الشر شيئا ، الشاب الذي نشأ في الخير ولا يعرف الشر يخدع وهذا هو الواقع الآن للأسف .(23/41)
وأما الجماعات والتحزب هذا أمر مبتدع تبين أن هذه الجماعات كلها جماعات سياسية وفي شريعة الإسلام إذا بويع لإمام من أئمة المسلمين لا يجوز إيجاد حزب سياسي آخر لأن هذا الحزب السياسي سوف يرشح مرشحه وهذا المرشح ينافس الإمام القائد والحكم في هذا ما يقوله النبي عليه الصلاة والسلام " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخِر منهما " الذي وصل إلى الحكم بأي طريقة ولو كان بالقوة كما وصل معاوية بالقوة إلى السلطة من وصل إلى السلطة بين المسلمين وجمع الله على يده كلمة المسلمين وراعى مصالح المسلمين ونفذ شرع الله ودعا إلى دين الله وأثبت الأمن والأمان بين المجتمع تجب مبايعته وطاعته فإذا وجد من ينافسه وجب قتله ، هذا الحكم الشرعي ، لذلك إيجاد جماعات سياسية هذا أمر محرم ، جماعة واحدة سياسية لا يجوز إيجادها ووجودها حيث يوجد الحكم الإسلامي ، نعم ، إذا وجدت جماعة إسلامية في بلد ما لا يحكم بشرع الله ليدع الناس إلى دين الله لا لمنافسة الحكام هناك ، لا لسبهم ولعنهم ولكن وجدت جماعة لديها علم ومعرفة وسلامة عقيدة ليدعوا أولئك الحكام إلى دين الله ، إلى إقامة شرع الله ، ويعرضوا أنفسهم على العقلاء وأصحاب الرأي كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على العرب وعلى القبائل ويغشى أسواقهم ويقول لهم " من يحميني حتى أبلغ دين الله " وكما عرض المجدد الثالث الذي نعيش أثر تجديده عرض نفسه على الأمراء بدءا من الحريملة إلى أن انتهى إلى الدرعية ، فقيد الله من يؤازره ويحميه إلى أن وحد الجزيرة فخرجت الدعوة الآن إلى العالم في ناحية معينة ناحية توحيد العبادة وتوحيد الأسماء والصفات ولم يبق إلا الناحية الحاكمية والناحية الحاكمية بحادة إلى سلطة لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ، الشاهد يجوز إيجاد جماعة في أي بلد لا يوجد فيه حكم إسلامي لتدعوا إلى الإسلام ، ولا يجوز تعددها ومنافستها ، تكون جماعة واحدة ، لو كانت جماعة في الشرق(23/42)
وأخرى في الغرب يجب أن يكون منهجهم واحدا ودعوتهم واحدة لتكون جماعة واحدة جماعة الدعوة ، أما جماعات متنافسة سياسية ومتضاربة فيما بينها ومنافسة للحكام ليس لها شأن إلا أن يقولوا طواغيت وطواغيت هذه ليست جماعة الدعوة ولا الأسلوب أسلوب الدعوة ينبغي أن نتصور كيف ندعو إلى الله وكي نقيم شرع الله في تلك الأقطار التي تنتسب الشعوب إلى الإسلام ولم تستطع أن تلتزم بالإسلام ولم تجد حكاما يطبقون شريعة الله بين عباد الله هناك ، إذا كان طلاب العلم والدعاة قاموا بهذا الواجب في أقطار الدنيا يجب التعاون معهم وهم جماعة الدعوة ، أما وجود جماعات وأحزاب في مثل هذا البلد مع وجود الحكم الإسلامي هذا أمر غير جائز ، على شبابنا أن يتراجعوا ويدركوا ويعرفوا موقفهم وموقعهم ليسوا كغيرهم ، المفروض أن تكون الجماعة هنا جماعة واحدة تتعاون فيما بينها على الإبقاء على هذا المنهج السلفي الغالي الذي من الله به عليه .
***
قال في الوجه الثاني من الشريط الخامس عشر :
سائل آخر يسأل ما حكم من يستقرض قرضا ثم يماطل عند الأداء مع القدرة ؟
الجواب في السؤال ، يقول (مع القدرة) بمعنى ورد في الحديث المتفق عليه " مطل الغني ظلم " من استقرض مالا أخذ مال الناس ليؤدي الله يؤدي عنه ويوفقه حتى يؤدي ، ومن أخذ أموال الناس ليضيع ضيعه الله ، هذا حرام ، كل من استقرض مالا ولو قليلا عند الحاجة ثم ماطل وهو قادر على الأداء ارتكب كبيرة ، عليه أن يتوب إلى الله ويؤدي أموال الناس أو إن كان عاجزا له عذره " فنظرة إلى ميسرة " .
***
سائل يسأل عن حكم التعامل مع الشركات المساهمية .(23/43)
الجواب : إيجاد الشركات من حيث هي أمر جائز شرعا ، والمساهمة في الشركات لتكون عضوا في الشركة أمر جائز ، لكن إذا تبين لك أن هذه الشركة تتعامل بالربا بأن تجمع أموال الناس باسم الاشتراك ثم تضع - الرؤساء والمسؤولون عن الشركة - يجعلون هذه الأموال في البنوك الربوية وفي آخر السنة أو بعد فترة من الزمن يوزعون الفوائد باسم الأرباح على المساهمين ، هذا غش لا يجوز ، تضييع للناس ، غش للناس وتسهيل للناس لأكل الربا وهذا يجوز ، أما إذا كانت الشركة تتعامل معاملات كالمضاربة مثلا والبيع والشراء المشاركة فيها جائزة .
***
سائل يسأل عن حكم التردد إلى قبر رسول الله عليه الصلاة والسلام بعد كل صلاة .(23/44)
هذه بدعة جديدة تجددت في الآونة الأخيرة لا يعرفها المسلمون الأولون في هذا المسجد ، عاش قبلنا في هذا المسجد أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام والتابعون وتابعو التابعين وأئمة المسلمين ما كان يعرف أبدا في تاريخهم أن الإنسان كلما يصلي يذهب إلى القبر ليسلم ، إنما من عادتهم يسلم المصلي عند دخوله المسجد يقول " بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله " على خلاف بين أهل العلم في ثبوت الصلاة إن شاء الله أنها زيادة ثابتة ، وفي صلاته يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام وعند خروجه من المسجد يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام وفي الدروس يصلون على النبي عليه الصلاة والسلام أما كونك تتخذ عادة بعد كل صلاة لا بد أن تذهب إلى الواجهة لتسلم عادة جديدة وبدعة منكرة وخصوصا عندما يسبب هذا الوضع تجمع الناس أمام القبر ورفع الصوت والزحام وسوء الأدب لأن الذين يتجمعون في الواجهة ويرفعون أصواتهم وربما استأجروا من يدعو لهم بأعلى صوته هذا يدعو لطائفة وذاك يدعو لطائفة ، يكون الموقف كأنهم نسوا رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فكيف لو تصور المسلِّم أنه يسلِّم على نبي كريم عليه الصلاة والسلام إذا سلم عليه المسلِّم رد الله عليه روحه ليرد السلام على من سلم عليه ، والمسلِّم لا يسمع ، ينبغي أن يشعر هذا الشعور من يذهب ليسلم على النبي عليه الصلاة والسلام ليبتعد عن الزحام وعن أخذ من يدعو له أو يأخذ نسخة يقرؤها هناك ، ما الداعي لقراءة النسخة ، هل يجهل مسلم ما ولو كان أعجميا يجهل أن يقول الصلاة والسلام عليك يا رسول الله ؟ لا أحد يجهل ، هذا هو السلام الشرعي أن تقف أمام القبر متجها إلى القبر وتقف وقفة عادية لا وقفة المصلي تقف وقفة عادية لكن بأدب واحترام تسلم على النبي عليه الصلاة والسلام لك أن تكرر ما شئت أن تكرر بدون أن ترفع الصوت ودون أن تؤذي أحد ثم تسلم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما(23/45)
وانتهى السلام ، الوقوف هناك للدعاء بدعة ، واعتقاد أن هناك مكانا معينا تجاب فيه الدعوة .. ممنوع ، بل الذي يحترم رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا سلم عليه وعلى صاحبيه ينصرف حالا إلى أي مكان شاء ، وإذا كان لا بد من التعبد في هذا المسجد أدخل الروضة واختر المسجد القديم ، إن ضاق بك المسجد القديم اختر أي مكان في هذا المسجد الوسيع لأنه على الصحيح إن شاء الله كلما زيد في مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام فهو من مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام ، هذا هو الذي ننصح به .
***
سائل يسأل يقول بعض الإخوان إذا ذكروا أحد العلماء السلفيين دعوا له بقولهم رضي الله عنه أو عليه السلام ، فما قولكم ؟
الجواب إذا ذكرت الإمام مالك أو الشافعي وأحمد المصطلح العام الذي عليه أكثر أهل العلم لفظة رضي الله عنه للصحابة أي اصطلاحا ، هكذا اصطلحوا ، الترضي للصحابة ، ومن دون الصحابة يقول رحمه الله ، لكن لو قال الإنسان (قال الإمام مالك رضي الله عنه) و (قال الإمام أحمد عليه السلام) وإن كان فيه لفت نظر وغرابة لكن شرعا ليس هناك ما يمنع ، لا يوجد ما يمنع شرعا ، ولكن ينبغي أن لا يأتي الإنسان بجديد كأنه يطلب الشهرة ، يستعمل الأسلوب الذي كان يستعمله أهل العلم على الصحابة الترضي ، ومن دونهم (رحمه الله) وإن قال أحيانا (رضي الله عنه) لا بأس .
***
سائل ما رأيك فيمن يدافع عن كتاب منهج الأنبياء لسرور ويقول نأخذ بالحق الذي فيه ونترك الباطل الذي فيه ، ويقول بأن أسلوبه في عرض القصص جميل .(23/46)
هذا التعليل ، أولا إن بعض الحضور قد لا يعلمون هذا الكتاب ولا يعلون محمد سرور لذلك كنت أستحسن مثل هذا السؤال إنما يقدم ويطرح بين طلبة العلم في المحاضرات في الفصول لا في مثل هذا المكان الذي يحضره العامة والخاصة وعلى كل كما قيل (لكل سؤال جواب) طالما عرض السؤال ، نشرح السؤال ثم نجيب عليه : هذا الكتاب الذي سئلتُ عنه منهاج الأنبياء كتاب ألفه شخص يقال له محمد سرور زين العابدين سوري الأصل عاش في هذا البلد في منطقة القصيم فترة من الزمن ويشتغل بالسياسة فطرد من هناك وعاش في الكويت ثم انتهى به الأمر إلى السكن في بريطانيا وله ما يسمى بالمنتدى وله مجلات ومن أسوأ مجلاته مجلة سماها مجلة السنة ، هي سنته وليست سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، تلك المجلة التي يسب فيها طلاب العلم ويهاجم أهل الحق ، كتابه منهاج الأنبياء أذكر منه مأخذان اثنان ، المأخذ الأول يقول في الجزء الأول محمد سرور وهو يتحدث عن كتب العقيدة التي بين أيدينا يقول إن كتب العقيدة هذه ألفت في غير وقتنا أي في وقت سابق وفيها كثير من الجفاف ، لماذا ؟ لأنها نصوص وأحكام ، لو لاحظ طالب العلم : العلة أسوأ من الحكم ، الحكم ما هو ؟ ( فيها الجفاف) ، الجفاف نسبة الجفاف إلى كتب العقيدة حكم سيء والأسوأ منه تعليله بأنها (نصوص وأحكام) ما هي النصوص ؟ آيات من كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، هل يجوز لمسلم أن يصف كتاب الله وآيات من كتاب الله أنها فيها الجفاف ، كتاب الله الذي هو تبيان لكل شيء ، هدى ورحمة وشفاء ، توصف آيات هذا الكتاب بأن فيها جفافا ، هذا ما يقوله محمد سرور زين العابدين رئيس السرورية ، سئل شيخنا الشيخ عبدالعزيز هذا السؤال وكان جوابه إن هذا الكتاب لا يجوز بيعه ويجب تمزيقه وأن ما جاء في هذا الكتاب ردة ، هذا كلام يقوله مفتي هذه البلاد ، عالم رباني معروف لدى الصغير والكبير في الداخل والخارج ، حكم على قول محمد سرور بأن(23/47)
هذه النصوص فيها جفاف وقال في النهاية (ولذلك زهد فيه معظم شباب المسلمين) هذه عبارته ، وهذا الكلام لو كنت في خارج المسجد لعبرت تعبيرا مناسبا ولكني أحفظ لساني في هذا المسجد أقول هذا الكلام باطل ، بس لا أزيد على هذا وإلا له وصف آخر ، هذا الكلام باطل لا أصل له ، معظم شباب المسلمين اليوم مقبلون على كتب العقيدة التي بين أيدينا على كتاب التوحيد وشروح كتاب التوحيد وعلى الواسطية والحموية والتدمرية وشرح العقيدة الطحاوية وغيرها ، لا أقول هذا الكلام مجازفة لكننا كما تعلمون نعيش مع طلاب الجامعة الإسلامية التي ينتسب إليها نحو من مئة دولة ، مئة جنسية وأكثر في هذه الجامعة ، عشنا في هذه الجامعة نحوا من ثلاثين عاما ندرس العقيدة لأبناء المسلمين الذين يفدون من أقطار الدنيا من الدول الإسلامية وغير الإسلامية ، ثم كتب الله لي زيارة عشرين دولة يعمل فيها طلاب الجامعة الإسلامية ينشرون العقيدة السلفية ويقررون هذه الكتب التي درسوها هنا ، فنحن اليوم عاجزون من تأمين هذه الكتب للمسلمين في أقطار الدنيا كلها كلهم يطلبون هذه الكتب ، شباب المسلمين ولله الحمد مقبلون إقبالا لا نظير له فيما مضى على كتب العقيدة حتى لو كانوا يعيشون تحت دول أو سلطة تضطهد الدعاة والدعوة وهو يصبرون على الاضطهاد ومتمسكون بالعقيدة ويدرسون هذه العقيدة وربما يهاجرون إلى حيث يجدون الأمن والأمان في الجامعة الإسلامية ومثيلاتها .
قول محمد سرور إن معظم شباب المسلمين زهدوا في العقيدة قول باطل ، لذلك إن لم أقل كما قال شيخنا بأن ما في هذا الكتاب وما رمى إليه سرور ردة ولكني أستطيع أن أقول بكل اطمئنان بأنه إلحاد ، هذا كلام إلحاد وهذا كلام دعاية ضد الإسلام وضد عقيدة المسلمين ، لا يقول مسلم هذا الكلام ولكن نترك أمره إلى الله . هذا المأخذ الأول .(23/48)
المأخذ الثاني كان يتحدث عن قوم لوط فيقول : لو استجاب قوم لوط في دعوة التوحيد لنبيهم واتبعوه ما نفعهم ذلك طالما هم أقاموا على جريمتهم ، أي أن مرتكب الكبيرة لا ينفعه الإيمان ، بل مرتكب الكبيرة كافر عنده ، هذه عقيدة الخوارج ، إذا كان صاحب الكبيرة لا ينفعه الإيمان والتوحيد معناه يبقى كافرا هذه عقيدة الخوارج ، هذا ما يقوله محمد سرور في كتابه منهاج الأنبياء الذي سئلتُ عنه ، وله كلام سيء وإن لم يكن أسوأ في بعض أعداد جريدة أو مجلة سماها السنة أي سنته – على الطلاب أن يراجعوا هذه المجلة لأنها تأتي بالفاكس تنتشر بين الشباب وربما دخلت برمتها عن طريق بعض الدول المجاورة – وعلى كل الرجل يقيم في بريطانيا ويحارب العقيدة هنا وأصحاب العقيدة ، هذا محمد سرور .
***
سائل يسأل عن الصلاة في النعال على السجادة .(23/49)
الجواب سئلت غير مرة عن دخول المساجد بالنعال والصلاة في النعال ، الذي يثير هذا السؤال في كل مناسبة إعراض الناس عن السنة وجهلهم سنة الصلاة في النعال وجهلهم ما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه حيث يدخلون المساجد ويصلون في نعالهم ، وتوجيه رسول الله عليه الصلاة والسلام حيث يقول " إذا أتى أحدكم المسجد فليقلب نعليه فإن رأى فيهما قذرا فليمسحهما بالأرض وليدخل بهما فليصل فيهما " الصلاة في النعال ثبتت بالفعل والقول ، صلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ذات مرة بالصحابة وهو لابس نعليه والصحابة لابسون نعالهم وفي أثناء الصلاة خلع نعليه فخلعوا نعالهم ، ولما انتهى من الصلاة قال لهم " لماذا خلعتم نعالكم ؟ " قالوا : رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا ، ماذا تفهمون من هذه الصورة ؟ أي أن الصلاة في النعال أمر مشهور معهود عندهم ليس بغريب كما صار غريبا اليوم ، ولكن قبل أن ينتهي الوقت ، خشية انتهاء الوقت أعلق هنا تعليقا إحياء سنة الصلاة في النعال ينبغي أن نحيي في مساجد تقليدية عادية التي تفرش بالرمال والتراب أو في البادية أو في بيوتنا ولا أشجع طلاب العلم وغيرهم على دخول هذا المسجد وأمثاله من المساجد المبلطة والمفروشة دخولها بالنعال لا أدعو إلى ذلك ، لماذا ؟ لأن في ذلك إضاعة للمال ، البلاط مال وهذه الفرش مال ، لو قلنا للناس ادخلوا بنعالكم في ظرف أسبوع يتوسخ هذا السجد ويضيع هذا المال ، إضاعة المال حرام ، الصلاة في النعال سنة ، أنا لا أدعو إلى إضاعة المال لإحياء سنة وفي الإمكان إحياء هذه السنة في مساجد أخرى لم تبلط ولم تفرش أو عندما تخرجون في رحلتكم ومعسكراتكم أو في بيوتكم إحياء سنة الصلاة في النعال مطلوب ، والإعلام بأنها سنة مرغوب فيه ولكني لا أدعو جمعا بين النصوص إلى دخول مثل هذه المساجد ، إذا كان إضاعة المال حرام نقف من دخول المسجد بالنعال حيث يضيع المال ونصلي في غير ذلك .(23/50)
وبالله التوفيق .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
***
الوجه الأول من الشريط الحادي والعشرين :
سائل يسأل بعد صياغة سؤاله صياغة غير صياغته :
هل بغض أبي بكر وعمر يخرج من الملة ؟
الجواب : تقدم ما قرره الإمام الطحاوي أن حب الصحابة من الإيمان وبغضهم كفر ونفاق ، بغض الصحابة كفر ونفاق ، لو حللنا هذه المسألة ، أبو بكر ، ما موقف رسول الله عليه الصلاة والسلام هل يحبه أو يكرهه ؟ من أحب الناس إليه ، أحب الرجال إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام أبوبكر الصديق وهل يسوغ لمسلم ما أن يعلن بغضه ، بغض من يحبه رسول الله عليه الصلاة والسلام وفي الوقت نفسه يعلن أنه يحب رسول الله عليه الصلاة والسلام ؟ أمران لا يجتمعان ، إذا كنت تبغض أبابكر يجب أن تعلن بغضك لرسول الله عليه الصلاة والسلام بذلك يكون كفرك كفرا بواحا لا تردد فيه ، بغض أبي بكر وعمر يؤدي إلى بغض رسول الله عليه الصلاة والسلام بل القول بأنهما من أهل النار تكذيب لرسول الله عليه الصلاة والسلام في قوله "هما من أهل الجنة" وذلك كفر بواح .
فنسأل الله لنا ولكم الثبات على الدين ...
ولنكتفي بهذا المقدار وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.
***
في الشريط الحادي والعشرين الوجه الثاني :
سائل يسأل فيقول – السؤال يحتاج إلى تأن – إن من أحد الإخوة كان يجتمع مع بعض إخوانه ويجمعهم أو يجتمع بهم في سرية تامة وقال له بعض مشايخ أهل المنطقة – يبدو أنهم من غير هذه المنطقة – هل عندكم نوع من أنواع السرية في هذا الاجتماع الخاص السري ؟ قال لا يوجد أي سرية ، وبعد مدة قال لإخوانه نحن نريد السرية ، فما رأيك في السرية وما اسم تلك الفرقة التي تريد السرية ؟(23/51)
أما الفرقة فلا تسألني عنها الجواب : العمل الإسلامي والدعوة الإسلامية نتساءل فيما بيننا الآن اجتمعنا من مناطق عدة هل نحن بحاجة للسرية لنعمل للإسلام ؟ هل نحن بحاجة إذا أردنا أن ندعوا إلى الله لتكون دعوتنا تلك سرية ؟ ونحن مسلمون وبين المسلمين وخصوصا في هذا البلد بل في أي بلد إسلامي ، لا حاجة إلى العمل السري إن كان العمل عملا إسلاميا ، إن كان الدعوة دعوة إلى الإسلام لا حاجة إلى السرية إلا إذا كان ذلك الإسلام الذي يريده أهل السرية إسلاما غير هذا الإسلام ، إسلام له مفهوم غير هذا الذي نحن عليه ، ونحن نحمد الله جميعا بأننا مسلمون وإسلامنا علني ودعوتنا علنية ليس في داخل البلد فقط ، في كل بلد دعوتنا الذين في الخارج يدعون إلى الله علنا يدرسون هذا المنهج وينشرون هذه العقيدة علنا أقول تحدثا بنعمة الله وقد زرت الدعاة من تلاميذنا الذين انتشروا في الخارج في نحو عشرين دولة يدعون إلى الله علنا هكذا إذن ما معنى جماعة تعمل عملا سريا وتدعوا دعوة سرية في مثل هذا البلد ؟ هذا محل ريبة ، إذن ينبغي أن نفهم ما مراد هذه السرية وإلام يهدفون أخشى أن تكون هذه الدعوة مسيسة دخلتها السياسة الأحقاد السياسية والحسد السياسي والمنافسة السياسية هذا الذي نخشى على أصحاب السرية وإلا لو كانت الدعوة دعوة إسلامية صريحة واضحة كالتي نحن عليها بحمد الله لا حاجة إلى السرية كلنا أمة واحدة أمة إسلامية ديننا واحد منهجنا واحد علام السرية ؟ علام تدعو الجماعة الفلانية بالسر ؟ والجماعة الأخرى سرية والأخرى سرية وهكذا نتفرق الله سبحانه وتعالى ينهانا عن هذا التفرق "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" والدعوات السرية إنما تدعو إلى التفرق والتحزب والتعادي تتنافي مع روح الإسلام ، الإسلام يدعو إلى التحابب إلى التقارب إلى التعاون وأما هذه الدعوات التي يقال عنها لها سرية لها شروط تملى على من سموهم بالملتزمين وأنا أسميهم المخدوعين شروط(23/52)
تملى عليهم من ضمن تلك الشروط السرية التامة ، فليعلم المخدوع الملتزم أن الطريق طويل ، الطريق إلام إلى أي شيء ؟ إلى الإسلام ؟
هذا الإسلام .
إلى أي شيء هذا الطريق الإسلامي يوصل إلى أي شيء ؟ لا طريق يوصل إلى الله إلا طريق محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام الطرق كلها مسدودة لا يمكن أن يحد أن يصل إلى الله وإلى مرضاته ودار كرامته إلا إذا سلك ونهج منهج سلف هذه الأمة الذين ورثوا هذا الدين وأخذوه غضا طريا من في محمد عليه الصلاة والسلام أما نوهم شبابنا أن الطريق طويل ولا بد من السرية ونوهمهم مع ذلك أننا نعمل للإسلام ؟ أنا أعتبر هذا تلبيس وتضليل لا يجوز لطلاب العلم ولمن ينتسب إلى الدعوة أن يضلل الناس وأن يلبس على الناس الدعوة واضحة وعلنية لذلك هذا المعنى في نظري خطير جدا لأنه ليس من الإسلام في شيء وليس من الدعوة إلى الإسلام في شيء ولكنه عمل كما وصفوا عمل سري لا ندرك مداه فلينتبه أصحاب السرية للمسؤولية التي تلحقهم أمام الله لقاء هذا التلبيس والتشويش على الشباب وتهييج الشباب تهييجا سياسيا يشغلهم عن الاشتغال بالعلم الواجب أن ننصح لشبابنا ونحثهم على التحصيل على الدراسة ليل نهار وعلى حفظ المتون وعلى عبادة الله تعالى وعلى أن يلتفوا حول علمائنا الكبار الذين يستفيدون منهم هذا هو واجب النصح لشبابنا فأسأل الله لي ولكم التوفيق .
أكتفي بهذا المقدار بالاختصار .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
***
في الشريط الثاني والعشرون الوجه الأول :(23/53)
لدي سؤال مهم جدا وهو عبارة عن شبهة أرى الإجابة عليها بتوفيق الله تعالى وهو سألني سائل قبل أيام أراد الله أن تأخر الجواب إلى هذه الجلسة يقول بعض من يلقي الشبه على الشباب : ماذا تقول في قوله تعالى "كل شيء هالك إلا وجهه" وشرح صاحب الشبهة مراده أن في هذه الآية إثبات بأن الذي يبقى الوجه فقط "كل شيء هالك" بما في ذلك الذات المقدسة وجميع صفات الرب سبحانه وتعالى إلا الوجه ، الوجه وحده هو الذي يبقى .
الذي يظهر أن صاحب الشبهة إما إنسان يسخر من رب العالمين وليس في قلبه أدنى تقدير لعظمة الرب سبحانه وتعالى ووجوده الحق لذلك يحكم عليه بأنه هالك وجميع صفاته إلا الوجه ومن الناحية العقلية النظرية لو قال قائل يبقى وجه الله سمع هذا الجواب أو هذا الكلام من على الفطرة لم تلوث فطرته بمثل هذه الشبه وسمع الباقي وجه الله ماذا يفهم ؟(23/54)
يفهم أن الباقي هو الله بوجهه وبجميع صفاته لا يمكن أن يتبادر إلى ذهن عاقل مؤمن وسليم العقل بأن الوجه وحده هو الذي يبقى ، الله غير باق وجميع صفاته ، فإذا كان ابتليت بمثل هذه الشبه اعتبر هذه الشبهة من المتشابهات وتحل هذه المشكلة بالكلام المفسِّر المبيِّن الذي لا لبس فيه من ذلك : الله سبحانه وتعالى هو الأول الذي ليس قبله شيء وهو الآخر الذي ليس بعده شيء وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء وهو الباطن الذي ليس دونه شيء ، من أسمائه الأول والآخر ومن أسمائه سبحانه وتعالى الوارث الباقي ، البقاء وصف ذاتي لله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته ليس هناك باق غير الله إلا ما يبقيه الله سبحانه وتعالى إبقاء غير ذاتي فبقاء الله تعالى ذاتي ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والفطرة فبقاء غيره كالجنة وأهلها والنار وأهلها بقاء عارض جائز غير واجب أي يبقى ذلك بإبقاء الله تعالى على هذا اجتمعت الأمة وفطرت الناس على اعتقاد بأن الله سبحانه وتعالى وحده هو الباقي بأسمائه وصفاته وأما من يفرق بين وجه الله الكريم وأن الوجه يبقى وحده كلام لا يعقل لا يقوله عاقل فضلا من أن يكون مؤمنا ، هذا القائل إما ملحد يريد أن يلبس على الناس دينهم وأمر دينهم كما كان يفعل ذلك بعض اليهود الذين اعتنقوا الإسلام ليلبسوا على الناس أمر دينهم لا يستبعد أن يوجد في هذا الوقت أن ينتسب إلى الإسلام بل ينتسب إلى العلم من يريد أن يلبس على الناس أمر دينهم وإلا مثل هذا السؤال لو سمع - لا يمكن أن يسمعوا - سلفنا مثل هذا السؤال ماذا يكون موقفهم ؟
لا يكون موقفهم موقفا عاديا كموقفي هذا كموقفنا هذا ، هذا أمر آخر ، عندما سمع الإمام مالك " الرحمن على العرش استوى" كيف استوى ؟ كيف كان موقفه ؟(23/55)
اندهش فأطرق وأخذته الرحضاء رشح حياء من الله وتعظيما ثم رفع رأسه فقال (الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة) سأل السائل عن كيفية الاستواء فما بالكم لو سمع الإمام مالك هذا الملحد الذي يقول لا يبقى إلا وجه الرب سبحانه وتعالى لا يبقى من الله إلا وجهه ماذا يكون جوابه وكيف يكون موقفه ؟ ولكننا تعودنا مثل هذه الأسئلة الملحدة تكررت لدينا حتى أصبحنا نسمع سماعا عاديا مثل هذا السؤال الملحد الكافر لذلك على شبابنا أن يدرسوا باهتمام باب العقيدة ويطلعوا على أقوال الفرق فرق الكلام ليعرفوا طريق المؤمنين وطريق المجرمين على حد سواء ، يقول العلامة ابن القيم : أكمل الناس من عرف الطريقتين سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين وضرب لذلك مثلا بالصحابة ، الصحابة عرفوا طريق المجرمين من قبل ومارسوه ثم أنقذهم الله بمحمد عليه الصلاة والسلام فعرفوا طريق المؤمنين وقارنوا بينهما بين السبيلين فصار الإسلام أحب إليهم من كل شيء وفرحوا بسبيل المؤمنين لذلك لا يلبس عليهم هذا التلبيس مثل هذا التلبيس ، ولكن من عرف سبيل المؤمنين فقط وهو خلو لا يعرف شيء من سبيل المجرمين يلبس عليه ، هذا معنى قول عمر رضي الله عنه (إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية) هذا ما يعانيه شبابنا نشأوا في الإسلام وفي الخير وفي التوحيد ورضعوا العقيدة مع لبن الثدي لا يعرفون غيرها لا يعرفون إلا الخير ولكن جاءهم الشر من كل جهة من أهل الكلام من المتصوفة ومن أصحاب الانتماءات دخل عليهم فجأة ودفعة واحدة فشبابنا في حيرة فنسأل الله لنا ولهم الثبات .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
***
الشريط الرابع والعشرون الوجه الأول منه قال الشيخ رحمه الله :
في آخر هذا الدرس نجيب على بعض الأسئلة ، يسأل السائل فيقول : هل إذا مر الإنسان من عند القبر الشريف يسلم كل مرة ؟(23/56)
الجواب : إذا كان ظروف عمل الإنسان تجعله يمر أمام القبر في الواجهة كل وقت لعمله ويتردد في المنطقة والسلام لا يكلفه يسلم ، عليه أن يسلم ويصلي ويسلم على النبي عليه الصلاة والسلام في كل وقت حيث ما أمكن له ذلك ولكن الوجوب ليس بواجب وليس بواجب أن يقف وقفة المسلم متجها إلى القبر ليسلم كل وقت يمر وفي كل لحظة يمر كأن يكون موظفا في المنطقة يمر يذهب ويأتي في كل وقت ليس بلازم أن يقف وقفة المسلم متجها إلى القبر كما قلنا لكن في إمكانه طالما هو في المنطقة أن يصلي ويسلم على النبي عليه الصلاة والسلام وهو يعمل وهو عمل صالح يزداد خيرا ..
***
في الوجه الثاني من الشريط الرابع والعشرين قال رحمه الله :
في آخر هذا الدرس قبل أن ننتقل إلى أسئلة المصلين يسأل السائل عن أهل الفترة .
الكلام في أهل الفترة طويل الذيل ونوجز فنقول أهل الفترة الذين يعيشون أو عاشوا قبل مبعث النبي عليه الصلاة والسلام هم أحوالهم تختلف منهم من لم يبدل ولم يغير كورقة بن نوفل ، منهم من غير وبدل ومنهم من لم نعرف حالهم ومن أخبر النبي عليه الصلاة والسلام وشهد له بالإسلام والإيمان شهدنا له ومن شهد عليهم بأنهم في النار شهدنا عليهم ولو كان أقرب قريب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، طلاب العلم يفهمون ذلك ، ومن سكت عنهم النبي عليه الصلاة والسلام ولم نعرف حقيقتهم يذكر العلامة ابن القيم في ذلك آثارا أنهم يمتحنون يوم القيامة امتحانا فيختبرون من رسب منهم دخل النار ومن نجح دخل الجنة .
نكتفي بهذا الإيجاز والله أعلم .
***
سائل سألني سؤالا شفهيا وهي من الأسئلة التي نسميها أسئلة المصلين يسأل عن الفرق بين الاستنجاء وبين الاستجمار .(23/57)
انتبهوا للإجابة ، الفقهاء أحيانا كالأطباء يتكلمون في أشياء والناس لا تستحسن ذكر تلك الأشياء ولكن من باب بيان الواجب الحق ، الاستنجاء إزالة العين والأثر من المخرجين بالماء ، والمخرجان معروفان ، إزالة ذلك العين والأثر معا ، إذا استعملت الماء وجب عليك أن تزيل العين والأثر معا ، هذا يسمى الاستنجاء .
والاستجمار استعمال الأحجار لإزالة العين لا لإزالة الأثر ، في حالة الاستجمار لا يجب إزالة الأثر ومع ذلك عبادتك صحيحة ولو كان الماء موجودا ، انتبهوا ، الاستجمار ليس من الطهارات الضرورية التي يضطر إليها الإنسان لعدم الماء كالتيمم ، لا، الاستجمار لك أن تستجمر بثلاثة أحجار وما فرق مع وجود الماء وتقتصر على ذلك وتصلي ، هذا هو الذي كان معهودا عند الصحابة لا يتكلفون الاستنجاء قد يكتفون بالاستجمار ، المستجمر ، الاستجمار نوع من الطهارة ، طهارة كاملة مستقلة ومن استجمر مع وجود الماء فصلى فصلاته صحيحة ، لك أن تقول كيف تصح الصلاة والأثر موجود ؟
الجواب هكذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نحن علينا أن نتبع الشرع .
وهل لذلك نظائر ؟(23/58)
نعم ، لذلك نظائر من النظائر أسفل الخفين وأسفل النعلين وذيل المرأة ، ثبت بالشرع أن أسفل النعال طهارتها بالتراب وأسفل الخفاف طهارتها بالتراب لا بالماء ، من مشى على قذر فوصل إلى باب المسجد الواجب عليه أن ينظر تحت نعليه كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام فإن وجدهما طاهرتين نظيفتين دخل بهما وصلى فيهما فإن رأى فيهما قذرا دلكهما بالأرض مسحهما بالأرض حتى ييبس ويزيل عين القذر لا أثرها دخل بها وصلى فيها ، قد تستبعد أكثر فأكثر ، ربما الأول أقرب واستبعدت هنا ولكن يجب أن نقنعك بالسنة العملية ، شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات مرة في الصلاة وهو لابس نعليه والصحابة من خلفه لابسون نعالهم ، من هذه القصة تفهمون بأن الصلاة في النعال كانت أمرا معهودا جدا ولا استنكار في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كما أن الاستجمار كذلك ، أمر عادية ، بينما هو في صلاته عليه الصلاة والسلام خلع نعليه فخلع الصحابة نعالهم فلما قضيت الصلاة أقبل عليهم فقال لماذا خلعتم نعالكم ؟ الجواب أمر طبيعي قالوا خلعت نعليك فخلعنا نعالنا ، يعني تأسيا بك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فقال أما أنا فقد أتاني جبرائيل فأخبرني بأن تحت نعلي قذرا ، نجاسة ليس نخامة أو بلل ، لا ، فخلع وبنى على صلاته فلم يقطع الصلاة ، هذه مسألة أخرى فقهية مهمة كونه خلع نعليه معقول وهل استأنف الصلاة ؟ لا ، بنى على صلاته واستمر في صلاته ، لماذا ؟ أي أن من علم أن في بعض ملابسه نجاسة وهو في الصلاة عليه أن يبعد القطعة التي فيها النجاسة ويستمر في صلاته إن أمكن ذلك إلا إذا كان غير ممكن كالثوب والسروال مثلا أما في طاقيته وفي عمامته .. يرمي فيستمر في صلاته فصلاته صحيحة ، كذلك لو علم بعد السلام أن في ملابسه بعض النجاسة فصلاته صحيحة ، فرق بين هذا وبين الحدث ، لو علم وهو في الصلاة أنه محدث أو عليه جنابة يقطع الصلاة يتطهر فيصلي لكن بالنسبة للنجاسة لا إلا إذا(23/59)
علمها فنسيها فدخل في الصلاة هنا يقطع لأنه سبق العلم وهنا لم يعلم إذا علم وهو في الصلاة أو علم بعد الصلاة هذا له حكم ، وإذا علم قبل الصلاة فنسي فدخل في الصلاة ثم تذكر له حكم ، الشاهد : الصلاة في النعال سنة مهجورة اليوم بل محاربة في كثير من الأقطار الإسلامية ، في بعض الأقطار لو دخلت المسجد قبل أن تصلي في نعليك بمجرد الدخول تهاجم كأنك فعلت جريمة ، ممكن سكان القهوة الذين لا يصلون لو رأوك أنك تدخل المسجد بالنعال لهاجموك وهم لا يصلون لأن المساجد عندهم تعظيم في المساجد تعظيم عاطفي ليس تعظيم شرعي ، عاطفي ، ولكن الشرع أباح لك أن تدخل المساجد في النعال بعد أن تنظر فيها عند باب المسجد وتصلي فيها ، ولكني أبادر بالاستدراك فأقول لكن مساجدنا هذه المبلطة والمفروشة بهذه الفرش الغالية لو فتحنا الباب على مصراعيه قلنا لطلاب العلم ادخلوا بنعالكم فصول في أسبوع واحد تتلوث فتضيع هذه الأموال ونضطر إلى أن نرمي هذه الأموال فوقعنا في إضاعة المال إذن لا بد من التوفيق بين السنن ، نهينا من إضاعة المال وأمرنا بالصلاة في النعال إذن فلنصلي في نعالنا حيث لا يؤدي ذلك إلى إضاعة المال ، في بيوتنا في خروجنا في المعسكرات في المساجد الفطرية التي لا تزال مفروشة بالرمال أما في مثل هذه المساجد نتحفظ لا كراهة أو استنكارا للصلاة في النعال ولكن محافظة على الأموال ، هذه اجتهاد ، أقوله باجتهادي ولغيري أن يخالفني في هذا الاجتهاد ولكني أرى لا بد من التوفيق بين النصوص .
أرجع إلى ما نحن بصدده إذن يجوز أن تصلي بالاستجمار والماء موجود وذلك طهارة ويجوز أن تطهر أسفل نعليك بالتراب وأسفل خفيك كذلك المرأة التي سمح الشرع لها أن تسحب نحو ذراع من ذيلها ليس مثل الرجال والرجل ممنوع أن ينزل ثوبه أو سرواله أو مشلحه من الكعبين ، ما تحت الكعبين في النار لكن سمح للمرأة بأن تسحب على الأرض إذا سحبت ذيلها على الأرض كيف تطهر ؟(23/60)
إذا مرت على قذر ثم مرت على التراب فيبّس التراب ذلك القذر تلك هي طهارة ذيلها ولا تضطر إلى أن تغسل ، هكذا نظمت لنا الشريعة هذا التنظيم ، أليس أيها الإخوة هذا التنظيم الدقيق دليل على أن هذا الدين من عند الله ؟ دليل واضح ، هذا الدين من عند الله بينه رسول الله عليه الصلاة والسلام هذه هي التفاصيل التي أشار إليها شيخ الإسلام بعض التفاصيل لا تعرف إلا بهداية الأنبياء وبيان الأنبياء ..
نعم ..
***
يسأل السائل بالنسبة للاستجمار هل يجب استعمال الأحجار ؟
الجواب : لا ، كل ما ينقي ولو كان ما نسميه بالمناديل ، كل ينقي فينظف فيزيل العين ، يجوز الاستجمار به ...
***
سائل يسأل لو أن الإمام في أثناء صلاته رأى نجاسة على ثوبه وليس في إمكانه أن يخلع الثوب ماذا يفعل ؟
يسحب من خلفه من أولى النهى الذين يصلون خلف الإمام ليكمل الصلاة بالمصلين فيخرج هو فيخلع ثوبه فيطهر ، إما يصلي مأموما إن أدرك أو يصلي كما يتيسر له ، أما لو أحس بالنجاسة أو علم بالنجاسة في غترته رمى فصلى لا يستنكر المصلون الإمام الذي يصلي بهم بدون غترة لا استنكار في ذلك .
نعم ..
***
يسأل السائل فيقول ما الفرق بين إنسان علم أن في غترته في عمامته نجاسة فلم يغسلها فنسي فدخل في الصلاة ثم تذكر وبين من لم يعلم إلا وهو في الصلاة ؟
بينهما فرق كبير هذا يؤاخذ بعلمه السابق ، ولكن لا عذر له في أن يستمر في صلاته بل عليه أن يقطع .
نعم .
***
يسأل السائل عن الفرق بين المذي وبين الودي .(23/61)
يقال لها مذي ومذيّ يقال لها ودي ووديّ ، المذي ماء رقيق لزج يخرج من الذكر عند تحرك الشهوة ،هذا الماء نجس فينقض الوضوء على من خرج منه المذي سواء كان بمداعبة أو بغير مداعبة عليه أن يستنجي بل عليه أن يغسل ذكره كله وأنثييه لأن ذلك يؤدي إلى توقف هذا الخارج بعد ذلك يتوضأ ، فهو نجس ، فيطهر ما أصابه من ملابسه وبدنه كالبول تماما وكذلك الودي ، الودي ماء أبيض ثخين يخرج لا لشهوة لكن في الغالب الكثير عند تغير طبيعة الإنسان كأن حمل شيئا ثقيلا فوق طاقته أو تناول بعض الأشياء الحادة فسبب له ذلك خرج الودي أو الوديّ حكمه حكم المذي في أنه ينقض الوضوء وأنه نجس ويتطهر منه لكن لا أعلم ورود أنه يغسل ذكره وأنثييه بالنسبة للودي اللهم إلا إذا ألحق بالقياس أو هناك نص لم أطلع عليه والله أعلم . إذن المياه التي تخرج من الذكر : بول وودي ومذي الحكم واحد والمني له حكم آخر .
وإلى لقاء آخر إن شاء الله لمواصلة الدرس والإجابة على الأسئلة بتوفيق الله تعالى .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه
***
الشريط السادس والعشرون الوجه الأول منه يقول الشيخ رحمه الله :
السؤال الثاني والأخير سؤال يتعلق بصلاة النساء في المساجد ، حكم صلاة النساء في المساجد .(23/62)
الجواب على هذا السؤال : المرأة المسلمة لا تمنع من المساجد ولكن لا تحث على ذلك ولا تحرض ، يقول النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام "لا تمنعوا إماء الله بيوت الله وبيوتهن خير لهن" أي لا تحرم على المرأة أن تخرج إلى المساجد تحريما ولكن وجهها توجيها وبين لها أن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن صلاتها في المسجد الحرام ، وإذا كان صلاتها في بيتها أفضل من الصلاة في المسجدين فالمساجد الأخرى من باب أولى ، أي لا تخرج المرأة إلى المساجد لأجل الصلاة بزعم أن صلاتها في المساجد أفضل بل صلاتها في بيتها أفضل إلا في بعض الظروف الطارئة إن كانت هناك دروس ومحاضرات نافعة في بعض المساجد لها أن تخرج إلى هذه المساجد لتستفيد ولطلب العلم بعد إذن زوجها وبشرط أن يكون خروجها خروجا شرعيا : أولا تبتعد عن الطيب لا تخرج المرأة من بيتها وفيها رائحة طيبة من طيب أي بخور أو عطور أي رائحة طيبة لا يشم منها شيء ولو خرجت المرأة من بيتها إلى مسجد من المساجد أو إلى جيرانها أو إلى أي جهة لزيارة أهلها أو غير ذلك وهي متعطرة في ذلك وعيد شديد جدا يقول النبي عليه الصلاة والسلام "أيما امرأة مرت على مجالس الرجال وهي متعطرة فهي كذا وكذا" قال الراوي أي هي زانية ، كلام خطير ووعيد عظيم يدل على أن ذلك من الكبائر ، المرأة إذا أرادت أن تخرج من بيتها لزيارة أهلها وأقاربها أو إلى المساجد عليها أن تبتعد عن الطيب وعليها أن تستر بستر شرعي ، وأما حجاب المرأة وستر المرأة والبحث في وجوب سترها لوجهها يطول فلنؤجل إلى مجلس آخر إلا أني أعلق على مسألة مهمة جدا يتساهل فيها كثير من الناس لا يبينون للنساء وهي : أن المرأة في صلاتها كلها عورة إلا كفها ووجهها ، ما عدا الوجه والكف كلها عورة لو ظهر من المرأة شيء من شعرها وهي في صلاتها أو ظهر شيء من قدمها وهي في صلاتها فصلاتها باطلة ولو كانت مصلية وحدها في بيتها في(23/63)
غرفتها وحدها ، يجب عليها أن تستر قدميها والقدم عورة في الصلاة لو ظهر شيء من قدميها وهي في صلاتها فصلاتها باطلة ولو كانت واقفة وحدها في غرفتها ، هذه العورة ليست عورة بالنسبة للرجال ، لوجود الرجال أو عدم وجود الرجال لا يلتفت إلى هذا بل لكونها في الصلاة لذلك بعض النساء اللاتي يترددن إلى المساجد وهن لابسات فساتين إلى الكعبين أو إلى القدمين وفي صلاتها ينكشف قدمها فصلاتها باطلة فلتعلم ذلك جيدا لذلك سمح لها الشرع أن تسحب فستانها - على لغتنا – أو عباءتها أو ثوبها نحو ذراع على الأرض ، حرم الإسلام على الرجل أن يسحب ثوبه وأن ينزل ثوبه من الكعبين وسمح للمرأة أن تجر ذيلها نحو ذراع ذلك ليستر ذلك قدمها عند سجودها ، وذيل المرأة وأسفل النعلين وأسفل الخفين طهارة هذه الأشياء بالتراب لا بالماء أي من مشى بنعليه على قذر أو نجاسة أو مرت المرأة بذيلها على قذر ثم يبس ذلك بواسطة التراب تلك هي الطهارة قد يستغرب بعض الناس ولكن نضرب لهم مثلا ليقتنعوا وكلكم تعلمون جواز الاستجمار ، الاستجمار جائز ولو كان الماء عندك لا يجب عليك أن تستنجي في كل وقت ، لو اقتصرت على الاستجمار والماء موجود طهارتك صحيحة وصلاتك صحيحة ، إذا اقتنعت بهذا يجب أن تقتنع بأن أسفل النعلين يطهر بالتراب وأن ذيل ثوب المرأة وعباءتها يطهر بالتراب هذا كذاك ، إذا كان الله سبحانه وتعالى جعل التراب أحد الطهورين وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في بعض الأمور وما لم يأت فيه ذكر يقاس على ذلك وقد ورد في هذا حديث لا أذكر درجته الآن لكن بالنسبة للنعلين والخفين الأمر واضح من أتى إلى المسجد لا يجب عليه إذا رأى تحت نعليه قذرا أن يذهب إلى الميضأة ليغسل بل فليضربهما في الأرض وليدلكهما بالأرض وليدخل بهما وليصل فيهما .(23/64)
الاستجمار مع وجود الماء والصلاة في النعال كان أمرا معهودا وعادة متبعة غير مستنكرة في عهد الصحابة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وعهد الصحابة ليس عندهم هذا التشدد الذي نحن فيه وقد صلى النبي عليه الصلاة والسلام في نعليه وخلعهما وهو في صلاته وخلع الصحابة نعالهم انتبه لقوله وخلع الصحابة نعالهم معنى ذلك كلهم كانوا يصلون في نعالهم سألهم لماذا خلعوا نعالهم فقالوا رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام السبب بأنه أتاه جبرائيل فأخبره بأن تحت نعليه قذرا لذلك خلع ثم بنى على صلاته ولم يستأنف هذه مسألة فقهية أخرى أي من علم وهو في صلاته أن في نعليه أو في غترته أو في مشلحه نجاسة فليرم وليبني على صلاته ولا يستأنف فصلاته صحيحة هكذا نكتفي بهذه الإشارة لعلنا نجد فرصة أخرى وهي فرصة بعض المغرب للتوسع في مثل هذه المسائل الفقهية .
والله أعلم .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
***
الشريط السادس والعشرون آخر الوجه الأول منه يقول الشيخ رحمه الله :
وبعد : في آخر هذا الدرس نجيب على بعض ما تيسر من الأسئلة نبدأ بسؤال عن سفر المرأة وحدها وذهاب المرأة وحدها إلى المسجد هل بينهما فرق ؟ كون المرأة تخرج من بيتها وتذهب إلى هذا ... أو تسافر وحدها أو تركب مع سائق أجنبي وحدها وهي ذاهبة إلى المسجد أو تسافر مع سائق أجنبي أو يسافرن جماعة من النساء مع سائق أجنبي وحدهن ، وهل الأحكام تختلف في هذه الأسئلة ؟
الجواب : أما ذهابها من بيتها إلى المسجد إذا خرجت بإذن زوجها لها أن تذهب وحدها ما لم تخف الفتنة على نفسها إذا كان الجو جوا إسلاميا أمينا لا تخاف على نفسها لها أن تخرج من بيتها بإذن زوجها لتذهب إلى المسجد إما للصلاة أو حضور محاضرات ..(23/65)
الجواب لا ، لا يجوز لأن هذا يعتبر خلوة الخلوة محرمة إذا خلت بسائق ثالثهما شيطان كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام إما أن تذهب وحدها على قدميها أو يوصلها إلى المسجد زوجها أو أحد محارمها وكونها تركب مع سائق بدعوى أنها ذاهبة للمسجد للصلاة للعبادة لا يجوز .
ولو ركبن جماعة من النساء مع سائق من حي من الأحياء إلى هذا المسجد مثلا وهن جماعة في هذه الحالة يجوز بشرط لا تركب المرأة بجوار السائق في هذه الحالة لا تتحقق الخلوة وهن جماعة ، لم يخلُ بها ، فرق أن تركب المرأة وحدها وبين أن تركب جماعة من النساء مع سائق شريطة عدم الركوب بجوار السائق .(23/66)
وأما في السفر فلا يجوز لا مع جماعة ولا معها إلا مع زوجها أو أحد محارمها سواء كان السفر بالطائرة أو بالسيارة أو بالباخرة أو بالبعير بأي شيء ، لا يجوز للمرأة المسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسافة قصر إلا ومعها زوجها أو أحد محارمها وما يذكره بعض المؤلفين المعاصرين في هذا الوقت بأن هذا النهي منصب على تلك المرأة العربية التي كانت تركب بعيرها وحدها وتسافر في البادية وحدها أما وقد تطونا ولو سافرت المرأة في طائرة وحدها أو في الباخرة فجائز ، هذه فتوى مضللة ولعل صاحب هذه الفتوى غير جاهل بل فقيه نعرفه ولكن الهوى والانتصار للجهة التي ينتمي إليها وتأييد العقلانية الجديدة هذه المعاني هي التي ورطته في هذه الفتوى وإلا فكلكم تعلمون عندما تسافر المرأة في الباخرة ، في الباخرة غرف تستأجر المرأة وحدها غرفة ويشترك معها في هذه الغرفة من شاء وهل الفتنة تؤمن هنا ، أيهما أخطر كون المرأة العربية سابقا تسافر وحدها على بعيرها هذه قد لا يقصدها بعض الناس يمكن يهابونها لها هيبة لكن هذه التي تركب مع جمهور الحجاج وتستأجر غرفة في الباخرة يشترك معها رجال ونساء في الغرفة كيف تؤمن الفتنة في هذه الحالة ؟ بل وقوع الفتنة هنا أقرب ، وفي الطائرة تركب وحدها ولو كان إلى مسافة قصيرة إلى جدة إذا ركبت وركب بجوارها رجل ما الذي يحصل ؟ إذا كانت المرأة كاملة الأنوثة والرجل كامل الرجولة لا بد من وقع فتنة ، أما كوننا نقول لها أن تركب إذا أُمنت الفتنة هل نحن الذين نتحكم في أمن الفتنة ؟ هذه مغالطة ، حدثني من أثق به أن امرأة ركبت من مطار جدة بجوار رجل وهي من بلد آخر والرجل من هنا بمجرد أن بدأ توزيع المرطبات كما يقولون بدأ الحديث : خذ أنت ، لا أنت أول أنت أول ، ثم بدأ الحديث : من أين إلى أين ، أين تنزل في أي فندق ؟ إذن فلنسجل لك الزيارة ، تمت الاتفاقية في لحظة ، قبل أن تتحرك الطائرة من المطار ، كيف يقال تؤمن الفتنة ؟(23/67)
لذلك لا ينبغي للرجال أن تكون فيهم البرودة إلى درجة أنهم يستسلمون للنساء تسافر كما تشاء وتأتي كما تريد ونسلم لها الأمر وهذه مسؤولية تقع على كثير من الرجال وهذا التساهل أمر خطير جدا على أخلاق النساء فعلى الرجال أن يتقوا الله ربهم في نسائهم .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
***
الشريط السابع والعشرون الوجه الأول منه يقول الشيخ رحمه الله :
في آخر هذا الدرس نجيب على سؤالين اثنين :
السؤال الأول سؤال تقليدي يتكرر منذ عدة سنوات ما حكم الشرع في منهج جماعة التبليغ وهل يعتبرون ليسوا من أهل السنة والجماعة أم لا ؟ ويعاملون معاملة المبتدعة – بعض العبارات ممسوحة –(23/68)
وعلى كل إن هذا السؤال منذ أن عرفت جماعة التبليغ في هذا البلد يتكرر ، جماعة التبليغ جماعة في الأصل من الهند وهي جماعة متصوفة عندهم تصوف وعندهم بدع بل في شيوخهم نوع من الإشراك بالله تعالى لأنهم يتعلقون بالقبور ويقدسون الأضرحة هذا أصل جماعة التبليغ أما التبليغيون الموجودون في البلاد العربية بما في ذلك هذا البلد ما أعتقد أن بدعتهم تصل إلى بدعة جماعة التبليغ الهندية هؤلاء مقلدون ومتبعون أولئك ولكن يؤاخذون لإيمانهم بتلك الجماعة المبتدعة التي قد تصل بدعتهم إلى حد الشرك ، قبل أن ينتهي وقتنا ننصح إخواننا الطيبين الذين يحبون العبادة ويحبون النصح ويحبون تبليغ الخير للناس ننصحهم أن لا ينتموا هذا الانتماء ويمحوا من أنفسهم هذا اللقب جماعة التبليغ وأقل ما في ذلك حب الشهرة والظهور المسلم في عمله في الدعوة إلى الله والتبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا ينبغي أن يقف موقف الشهرة يلقب نفسه بلقب جماعة تلقب نفسها بلقب لتشتهر بهذا اللقب ولتعرف بهذا اللقب لماذا ؟ بلغ ما تستطيع تبليغه إن كنت طالب علم بدون أن تنتمي إلى هذه الجماعة ، ثم أثبتت التجربة أن كثيرا من شبابنا الذين ضاعوا تحت مظلة هذه الجماعة خرجوا تركوا طلب العلم وتركوا كسب الحلال فذهبوا يتجولون في العالم باسم التبليغ فإذا سألت ماذا فعلت يقول حضرت مع الأحباب واستمعت إلى كلام الأحباب ، الأحباب بلغوا ما عندهم وأنت ماذا فعلت ؟ هل مرافقتك للأحباب في التجول هو العبادة ؟ مجرد هذا الخروج هو العبادة ؟ هذا خطأ وتسمي ذلك في سبيل الله ؟ لم تخرج لطلب العلم لم تخرج للجهاد لم تخرج للتعليم وإنما خرجت لتساير الأحباب هذا خطأ ، نصيحتي لشبابنا أن يبتعدوا من هذه الجماعة وأن يمحوا من أنفسهم هذا اللقب .
***
سائل آخر يسأل عن الفرق بين الأشاعرة والماتوريدية وما سبب ارتباط الأشاعرة بالمذهب الحنفي .(23/69)
الذي يبدو أن معلومات السائل بالنسبة للفقرة الأخيرة معلومات ناقصة تحتاج مراجعة ، الفرق فرق يسير جدا في بعض الصفات بالنسبة فيما بين الأشاعرة والماتوريدية كأنهما مذهب واحد ، لكن المهم الفقرة الأخيرة الارتباط إنما الماتريدية هي المرتبطة بالحنفية ليست الأشاعرة ، الطريقة الأشعرية هي التي عليها أتباع الإمام مالك وأتباع الإمام الشافعي وبعض أتباع الإمام أحمد أما الماتريدية جميع الحنفيين على الطريقة الماتريدية يعني كأنهما متلازمان الحنفية والماتوريدية في الغالب الكثير لأن أكثر انتشارها في القارة الهندية والقارة كلها حنفية إذن اجتمعت الحنفية والماتوريدية في تلك القارة أما هناك سبب آخر لا أعلم .
***
سؤال آخر ما حكم السلام على المبتدع ؟
قبل أن أجيب على السؤال هل المبتدعة عندك كلهم على درجة واحدة أيها السائل ؟ البدع أنواع بدعة مكفرة من علمت بأنه مبتدع بدعة مكفرة لا تسلم عليه ومن دون ذلك فهو من عصاة الموحدين تسلم عليه ومسألة الهجران هذه مسألة تأتي في النهاية بعد العلاج كالكي للعلاج آخر العلاج الكي كذلك آخر العلاج وآخر الأحوال هنا مع المبتدعة والعصاة الهجران آخر شيء تبدأ بأن تقرب العاصي والمبتدع وتجاريه وتجامله وتنصحه وتحاول إصلاحه إذا كان قصدك الإصلاح ، سوف نكمل الإجابة على هذا السؤال إن شاء الله ليلة غد بتوفيق الله تعالى وبعد الدرس .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
***
في الشريط الثامن والعشرين يقول الشيخ رحمه الله تعالى :
فلنجب في آخر هذا الدرس على بعض الأسئلة التي وردت .
نبدأ بالأسئلة القديمة التي وردت قبل هذه الليلة حتى نصل إلى هذه الأسئلة ، مما جاء في أسئلة الليالي الماضية سؤال بعض السائلين ما حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول القائل اللهم إني أسألك بجاه نبيك ؟(23/70)
الجواب : مسألة التوسل من المسائل التي يخطئ فيها كثير من المسلمين للأسف بل إن كثيرا من الناس لا يفرقون بين التوسل وبين الاستغاثة وبين اتخاذ الوسائط بينهم وبين الله ، يستغيث بعضهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وبغيره من الصالحين ويسمي ذلك توسلا ، والتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أمر مبتدع بهذه الصراحة ، الصراحة التي قد تصدم بعض الناس ولا ترضيهم ثم أعلق بدون أن أكتفي بهذا المختصر فرق بين أن تؤمن بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وبين أن تتوسل بجاهه ، الإيمان بجاه النبي عليه الصلاة والسلام واجب من الإيمان به عليه الصلاة والسلام وإنكار جاهه كفر وردة افهم جيدا لأن إنكار جاه النبي عليه الصلاة والسلام تنقص إذن فلنفهم معنى الجاه ما معنى جاه النبي عليه الصلاة والسلام وجاه الأنبياء وجاه الصالحين ؟
الجاه المكانة والمنزلة ولا يوجد أحد أعظم جاها ومكانا ومنزلة عند الله أكثر من رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن قال لا جاه له انتقصه كأنه يقول لا منزلة له عند الله ولا مكانة له هذا يؤدي إلى الكفر والردة إذن لا يجوز أن نربط بين الإيمان بجاهه عليه الصلاة والسلام وبين التوسل بجاهه .. إذا عرفنا معنى الجاه المنزلة والمكانة عند الله ما معنى قول القائل أسألك يا رب بجاه نبيك أي لكون نبيك له مكانة ومنزلة عند الله ؟(23/71)
لا معنى لهذا الكلام ، التوسل معناه طلب الدعاء ، توسل أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام برسول الله في عدة حوادث توسلوا به في القحط فطلبوا منه الدعاء فقال الأعرابي - نوجز في القصة فلا نطيل – يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل ادعوا الله يغيثنا ، أعرابي ليس بطالب علم وليس بعالم ليس بدكتور أعرابي جاء من البادية في هذا المسجد دخل المسجد ومشى بين الصفوف ولم يتخط الرقاب كما يفعل كثير من طلبة العلم للأسف اليوم مشى بين الصفوف فوصل تحت المنبر فرقع بصره إلى النبي صلى الله عليه وسلم والنبي يخطب خطبة الجمعة وقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل ادعوا الله يغيثنا ، عندما قال الأعرابي يا رسول الله ماذا يتوقع الذين تعودوا الاستغاثة ؟ يتوقعون أن يقول يا رسول الله أغثنا ، لكن الأعرابي عرف لكل ذي حق حقه عرف حق الله وعرف حق رسوله عليه الصلاة والسلام وقال ادعوا الله يغيثنا ، عرف الأعرابي : الذي يغيث العباد وينزل المطر هو الله لا رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فرسول الله يدعو ويتضرع لما سمع النبي عليه الصلاة والسلام هذا الطلب الصريح من الأعرابي قطع الخطبة فرفع يديه وبالغ في الرفع حتى ظهر بياض إبطيه فجعل يقول اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا ، يقول بعض الرواة لم يزد على ثلاث مرات حتى طلعت طلعت سحابة صغيرة من وراء جبل سلع فارتفعت وانتشرت في السماء فأمطرت حالا والرسول عليه الصلاة والسلام على المنبر ، نوجز في القصة هذا نوع من التوسل هكذا يتوسلون ولما انتقل النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى وحصل قحط مثله في عهد عمر بن الخطاب ، انتبهوا لنربط القصة بالقصة ماذا فعل عمر ؟ لنكمل القصة الأولى : لما حصل ما حصل فنزل المطر فانتهت الخطبة وقضيت الصلاة فرجعت الناس إلى بيوتها استمر المطر أسبوعا كاملا - لنعود إلى القصة الأولى - وفي الأسبوع المقبل دخل أعرابي من الباب ذاته قيل لراوي(23/72)
الحديث أنس بن مالك هل هو الأعرابي الأول أو غيره قال لا أدري ولكنه فعل كما فعل الأعرابي الأول مشى بين الصفوف فوقف تحت المنبر فرفع بصره إلى النبي صلى الله عليه وسلم قائلا يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل ادع الله يرفعها عنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه يقول اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر ، يقول الراوي يشير النبي هكذا كلما يشير النبي إلى جهة فيقف المطر من تلك الجهة هكذا إلى أن وقفت جميعا إلى أن وقف وقوفا تاما ، هذا توسل فيه علم من أعلام النبوة معجزة من معجزات النبي عليه الصلاة والسلام ولما حصل القحط في عهد الرمادة في عهد عمر ماذا فعل عمر ؟ هذا هو بيت القصيد ، هل توسل عمر بجاه النبي عليه الصلاة والسلام وهل يظن بعمر بأنه لا يؤمن بجاه النبي ؟ حاشا ، وهل توسل بذاته عليه الصلاة والسلام والجسد الشريف لا يزال محفوظا في القبر في كفنه كما دفن من حين أن إلى يومنا هذا بل إلى أن يبعثه الله وهو أول من يبعث لأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ، وهل توسل بذاته بجسده ؟ لا ، وهل توسل بجاهه ؟ لا ، ماذا فعل ؟ "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" انتظروا واعلموا ماذا فعل عمر ، جمع الناس في ميدان فخطب خطبة فقال في أول الخطبة : اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك برسولك فتسقينا فالآن نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا فقال للعباس قم يا عباس فادع الله ، آثر العباس لقربه من رسول الله عليه الصلاة والسلام وكان المفروض هو الذي يدعو لأنه الخليفة لكن آثر العباس ، أراد الله أن يجيب دعوته ، أجاب الله دعوة العباس فسقى الله العباد والبلاد ، محل الشاهد من هذه القصة قول عمر (إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك برسولك) ماذا فعلوا بتوسلهم بالنبي ؟(23/73)
طلبوا منه الدعاء ، إذن غير وارد قطعا التوسل بالجاه لم يرد ولا التوسل بالذوات إنما التوسل بأدعية الصالحين ، بدعاء الرجل الحي حياة دنيوية لا حياة برزخية فالنبي عليه الصلاة والسلام حي حياة برزخية خير من حياة الشهداء الذين هم أحياء عند ربهم لأنهم لم ينالوا ما نالوا إلا باتباعه عليه الصلاة والسلام مع ذلك الحياة البرزخية غامضة لا تتعلق بها الأحكام فترك النبي صلى الله عليه وسلم جميع الأحكام لأبي بكر الخليفة لا يطلب منه الدعاء ولا يسأل ولا يستفتى لأنه في حياة أخرى حياة برزخية غامضة لا ندرك كنهها ولكنها حي حياة أفضل من الشهداء ، هكذا نفهم معنى التوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام وغير وارد التوسل بالجاه ولا التوسل بالذوات هذا معنى التوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام ، فلنأخذ من مجموع القصتين .
وبالله التوفيق .
إن كان لأحد مناقشة في هذه المسألة بالذات فليتفضل شفهيا على خلاف عادتنا .
نعم .. نعم ..
سائل يسأل عن حديث الأعمى ، هل حديث الأعمى يخالف هذه القصة ؟(23/74)
لا ، مثل هذه القصة تماما ، الأعمى تاقت نفسه إلى أن يرد الله بصره وقويت عزيمته في الله سبحانه ثم في شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام ، انتبه التوسل والشفاعة بمعنى واحد ، هذا الأعمى لم يجلس في بيته ليقول يا رسول الله أغثني فرد علي بصري بل بحث من يقوده ويأتي به إلى مجلس النبي عليه الصلاة والسلام فجاء فقال يا رسول الله ادع الله لي ليرد الله علي بصري ، وهل ترون الفرق بين هذا الطلب وبين طلب الأعرابي ؟ لا فرق بينهما ، ذلك طلب الدعاء والأعمى طلب الدعاء ، ادع الله لي ليرد الله علي بصري ، لم يقل للنبي عليه الصلاة والسلام رد علي بصري ، طلب منه الدعاء ، فالنبي عليه الصلاة والسلام خيره بين أن يصبر وهو خير له وبين أن يدعو له قال له "إن شئت صبرت فهو خير لك" لما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن من أخذ الله حبيبتيه – عينيه – فصبر واحتسب جزاؤه الجنة أو كما قال عليه الصلاة والسلام لذلك قال له " إن شئت صبرت فهو خير لك وإن شئت دعوت الله لك" ومن المعلوم لدينا أن الإنسان يحب دائما المصلحة القريبة النفع العاجل ، قال ادع الله لي ، فأمره أن يذهب إلى الميضأة فيتوضأ فيصلي ركعتين فيدعو بالدعاء الذي لقنه النبي عليه الصلاة والسلام قبل أن نورد الدعاء يستفاد من هذا الفعل من الصلاة قبل الدعاء أن كل من يريد أن يطلب طلبا من رب العالمين عليه أن يقدم عملا صالحا من صلاة وصيام وصدقة بعد ذلك يدعو أرجا للقبول ، بعد ذلك لقنه (اللهم إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي لتقضى حاجتي اللهم شفعه فيّ وشفعني فيه) هكذا يدعو الأعمى فالنبي عليه الصلاة والسلام يدعو له فرد الله له بصره ، وهل أحد منا أن يستطيع أن يفعل ما فعل الأعمى ؟ لا ، ليس في إمكان أحد أن يذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام فيطلب منه الدعاء ولو قلت إني توجهت بك إلى ربي لم تصدق لأنك لم تتوجه له ، معنى التوجه به طلب الدعاء منه ، إذن(23/75)
قصة الأعرابي وقصة الأعمى من باب واحد ، التوسل بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام لا بذاته ولا بجاهه عليه الصلاة والسلام ولا ينطبق ذلك علينا اليوم .
تفضل ..
(اللهم شفعه في) أي استجب دعوته لي (وشفعني فيه) عندما أدعوك استجب دعوتي لأني أدعوك لتقبل وتستجيب دعوته ، يشفع الأعمى في النبي عليه الصلاة والسلام ويشفع النبي في الأعمى لأن كل واحد يدعو .
نعم .. نعم ... جواز أيش ؟ .. توسل بالمفضول مع وجود الفاضل .. ما يدل على المنع ، وهل يمكن التوسل بالنبي طلب الدعاء من النبي في هذه الحالة ؟ يعني معنى ذلك يرى أنه في الإمكان طلب الدعاء من النبي والنبي فر قبره وروحه عند الله ، وهل يقول هذا طالب علم ؟ أما بعض الناس أنا أعرف بعض الناس وأكثر من بعض الناس لهم كلام في هذا وفي حديث الأعمى أكثر وأكثر لكن طالب العلم يدرس فيفهم بعقله النير متجردا عن العواطف هذا باب تغلب على كثير من الناس العاطفة عاطفة حب النبي عليه الصلاة والسلام وعاطفة إن صح تسميتها عاطفة ضد الذين ينهون عن التوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام بعد وفاته يسيئون الظن وهذا كله يمنعك من فهم الحق فهما صحيحا ، إذا أردت أن تفهم النصوص تجرد تجردا كاملا واقرأ النصوص وارجع إلى كلام أهل العلم الذين نحن ننقل كلامهم ليس فيما نقول الآن إلا مجرد النقل ننقل كلام أهل العلم وما فهمنا من كلامهم والنصوص واضحة بحمد الله تعالى ولذلك أكدت في مسألة الجاه لما أعلم لأن كثيرا من الناس إذا أنكرت عليه التوسل بالجاه يتهمك بأنك تنفي جاه النبي عليه الصلاة والسلام وهذا أمر خطير .
وبالله التوفيق.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.
***
في الشريط الثلاثون يقول الشيخ رحمه الله تعالى :
من ضمن الأسئلة التي وردت يسأل السائل ما الفرق بين التفويض المذموم وبين التفويض غير المذموم على حد تعبيره التفويض المحمود ؟(23/76)
الجواب : التفويض معناه أن تفوض الأمر إلى الله سبحانه وتعالى لأنك لا تعلم ، التفويض المحمود أو الجائز أو الواجب أن تفوض إلى الله تعالى حقائق الصفات والأسماء وحقيقة ذاته ، تعلم أن لله ذاتا مقدسة وليس وجود الله وجودا خياليا ، وجود حقيقي وله صفات حقيقية ، وصف الله نفسه بصفات كالسمع والبصر والحياة والعلم والمجيء والاستواء ، تؤمن بمعاني هذه النصوص ولا تدعي بأنك لا تفهم معاني هذه النصوص ومن يدعي أنه لا يفهم معاني نصوص الصفات فيفوض ذلك إلى الله هذا هو التفويض المذموم لأنه تجاهل شيء معلوم ، الفعل جاء مثلا لفظ عربي ، هل يجهل أحد معنى جاء ؟ وهل يجهل أحد معنى نزل ؟ ومعنى استوى ومعنى رفع ومعنى ارتفع ؟ لا أحد يجهل ، لو زعم بأنه لا يفهم معنى "الرحمن على العرش استوى" ومعنى قوله تعالى "وجاء ربك والملك صفا صفا" ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام "ينزل ربنا" زعم بأن هذه النصوص توهم التشبيه فيجب تفويض معانيها إلى الله هذا تجاهل وتكلف وهذا ما قاله صاحب جوهرة التوحيد في تناقضاته :
وكل نص أوهم التشبيها ... أوله أو فوض ورم تنزيها
هذه النصوص عند الأشاعرة يقف المرء منها أحد موقفين إما يؤول أي يحرف فيقول استوى بمعنى استولى وبمعنى الملك والسلطان والهيمنة ونزول الله معناه نزول الأمر أو نزول ملك كذلك المجيء ، هذا التأويل الذي يعنيه (أوله) .
(أو فوض) أو ادعي بأنك لا تفهم معاني هذه النصوص .(23/77)
(ورم تنزيها) في كلتا الحالتين ، فليكن قصدك عند التأويل وعند التفويض التنزيه ، أردت خيرا فلم توفق إلى ذلك الخير ، ليس كل من أراد خيرا يوفق إلى فعل ذلك الخير أردت التنزيه ولم توفق إلى معنى التنزيه ، التنزيه يؤخذ من قوله تعالى "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" إثبات الصفات ونفي المماثلة إذن التفويض الذي تعنيه الأشاعرة أي تمثلهم صاحب جوهرة التوحيد في هذا البيت تفويض مذموم وتجاهل وليس بواقعي أبدا لأنك لو قلت جاء زيد ونزل عمرو من دابته لا تدعي بأنك لا تفهم معنى جاء ومعنى نزل ، استوى زيد على دابته أنت تفهم معنى استوى هنا كيف جهلت هناك ؟ أمر فيه تناقض وغير واقعي هذا مذموم ، لكن الذي نجهل : كيفية استوائه على عرشه وكيف يجيء وكيف سمعه وكيف بصره وكيف وجهه إلى آخر الصفات سواء كانت فعلية أو ذاتية أو خبرية أو عقلية كلها تساق سوقا واحدا نفهم معاني النصوص من اللفظ ولا ندرك حقيقة تلك الصفات .
والله أعلم ...
***
هنا سؤال تُغير ولكنه غريب : هل صحيح أن الأسلوب التجريبي يستخدم في القرآن أم لا ؟
الأسلوب التجريبي ، هذا كما يقولون لا يبين مراد المتكلم إلا المتكلم نفسه وهذا المتكلم يبين لنا معنى التجريبي حتى نبحث معه بعد ذلك ، أنا لا أعلم ما يسمى بالأسلوب التجريبي في القرآن ، تروني أنا نفيت علمي ومن لديه علم فليتفضل .
***
سائل آخر يسأل هل صحيح أن الإسراء والمعراج وقع في هذا الشهر في شهر رجب ؟(23/78)
الجواب : بحثت كثيرا ولم أجد من أثبت بأن الإسراء والمعراج في هذا الشهر لا مع المؤرخين الأولين ولا مع المحدثين وذكر أهل العلم أنه لا يعلم بالتحديد تاريخ الإسراء والمعراج أي الشهر ، ثم إن سلفنا الذين هم خير الناس قبلنا لم يحرصوا هذا الحرص الذي يحرصه الناس اليوم ، صاحب الإسراء والمعراج محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام لما دارت السنة هل احتفل بالإسراء والمعراج ؟ لم يفعل ، وهل فعل أبوبكر وعمر وعثمان وعلي ؟ لا ، هذا الاهتمام أنا أسميه الاهتمام بالقشور وترك الأصول أعني بالأصول هنا ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، الواجب الاهتمام بالعمل بماء جاء به النبي عليه الصلاة والسلام سواء كان ذلك واجبا أو مستحبا أما ما لم يأت من النبي عليه الصلاة والسلام لا بالفعل ولا بالقول ولم يثبت بالإقرار ولم يثبت من الخلفاء الراشدين ولا من أحد من الصحابة من الأمور التي أحدثها بعض المبتدعة في الآونة الأخيرة كالاحتفال بالمولد النبوي والاهتمام بنصف شعبان والاهتمام بالرجبية كل هذه في الغالب الكثير من أفعال الفاطميين ، الفاطميون بالقاهرة أكثر البدع هم الذين أحدثوها ، السبب : القوم كان نسبهم الصحيح العبيديون غيروا هذا النسب سموا أنفسهم بالفاطميين نسبة إلى فاطمة بنت النبي عليه الصلاة والسلام وأرادوا أن يثبتوا هذا النسب المزيف بالمبالغة والغلو في آل البيت واحتفلوا بمولد النبي عليه الصلاة والسلام ثم بمولد علي ثم بمولد فاطمة ثم الحسن والحسين ثم الخليفة في تلك السنة ستة احتفالات سنة متبعة عند الفاطميين أو بدعة مبتدعة عند الفاطميين وتبعت ذلك الاحتفالات الأخرى فوجد من المؤلفين من المداحين من يسمي هذه الاحتفالات الاسلامية المناسبات الاسلامية ، ليس في الإسلام مناسبات ولكن يوجد في الاسلام مواسم ، مواسم العبادة التي يكثر فيه العباد عبادة الله موسم الحج وما كان في رمضان ليلة القدر يوم عرفة وإكثار العبادة فيه هذا هو(23/79)
المشروع ، لكن مجرد مناسبة إذا احتفلوا ماذا يفعلون ؟ ما هو الشيء الجديد الذين يرضون به رب العالمين ويرضون به رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الاحتفالات ما هو ؟ تجتمع الناس على طعام معين ثم يرشوا أنفسهم بالعطور قالوا احتفال ، احتفال بالنبي ، لا ، هذا عبث ليس عمل إنما الذي ينبغي أن نتذكر دائما مولده عليه الصلاة والسلام وهذه الرحلة العظيمة رحلة الإسراء والمعراج لنستفيد منها العبر ، فيها العبر وفيها العلم وفيها ما يدل على علو الله سبحانه وتعالى وعلى قدرته على كل شيء حيث أسري برسول الله عليه الصلاة والسلام وعرج به في ليلة في أقل من ليلة ثم عاد إلى مكة بعد أن رأى العجائب وجمع له الأنبياء بعد أن أحياهم في بيت المقدس وصلى بهم إماما واكتسب بذلك لقب إمام المرسلين ثم وزعهم في السماوات فلما عرج به فإذا يرحب به أبوه أبو البشر آدم في السماء الأولى وهكذا إلى السماء السابعة يرحب به أبو الأنبياء إبراهيم في كل سماء يرحبون به وأهل السماء يسألون من معك يا جبرائيل ؟
محمد .
أبعث ؟
نعم .(23/80)
هذا محمد عليه الصلاة والسلام ، ينبغي أن ندرس هذه القصص نستفيد منها العبر والعلم أما نهمل كل ذلك نجتمع باسم الإسراء والمعراج وربما أسأنا الظن بمن لم يشاركنا في ذلك بأنه لا يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا تظن أمرا هينا إذا اتهمت مسلما بأنه لا يحب رسول الله عليه الصلاة والسلام بل اتهمته بالكفر والردة ، عدم محبة النبي كفر لأن محبة النبي عليه الصلاة والسلام شعبة من شعب الإيمان لو اتهمت مسلما بأنه يكره النبي عليه الصلاة والسلام اتهمته بالردة ، هون على نفسك لا تبالغ هذه المبالغة ، تعمل عملا مبتدعا من لم يشاركك في هذه البدعة تتهمه بعدم محبة النبي عليه الصلاة والسلام وتحتفل ببعض الصالحين ولو بالزعم ومن لم يحتفل إنه لا يحب الصالحين هذه دندنة سيئة جدا ينبغي أن يتقيد الإنسان في أعماله بما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ، عاش قبلنا في هذا البلد وفي هذا المسجد خير الناس ماذا فعلوا ؟ نقتدي بهم ، من هنا تعلمون كلام الإمام مالك (أفعال أهل المدينة حجة) هذا الكلام عند التحليل له معنى ، المراد بأهل المدينة الصحابة والتابعون لأنه من تابعي التابعين عندما قال في عهد تابعي التابعين أفعال أهل المدينة حجة يعني أفعال الصحابة والتابعين الذين ورثوه وأخذوا من في رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن تقريره ، ينبغي أن نتأسى بهم ، نسأل ماذا فعل من قبلنا ؟ من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام في هذه المدينة نتأسى بهم ، لا يوجد شيء من هذا القبيل عند أولئك السادة لذلك لا ينبغي اعتقاد أن ذلك أمر مشروع بل ينبغي اعتقاد أن ذلك أمر مبتدع مهما علل من علل أننا نريد بذلك الذكرى فنحن نقول لم ننس ولم ينس مسلم ما رسول الله عليه الصلاة والسلام في لحظة من اللحظات حتى نتذكر في رجب أو في ربيع الأول ، في كل لحظة فهو على لساننا عليه الصلاة والسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله ندخل(23/81)
المسجد بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله نخرج من المسجد بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله نصلي عليه في صلاتنا ، صلاتنا باطلة إن لم نصلي عليه متى نسينا ؟ أيش معنى الذكرى إذن ؟ لا معنى للذكرى أبدا وهذا كلام باطل فليفهم جيدا .
وبالله التوفيق ....
نكتفي بهذا المقدار إلى غد إن شاء الله .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
***
في الشريط الحادي والثلاثون آخر الوجه الأول يقول الشيخ رحمه الله تعالى :
سائل يسأل فيقول هل كثرة الحركات في الصلاة تبطلها ؟
ثم يضرب الأمثال لذلك فيقول : إخراج المنديل من الجيب ، بعدما يدخل في الصلاة يشيل العقال ، يعدل ، ويعدل الغترة ، يشتغل ناسيا كأنه ليس في الصلاة ، هذا في الواقع يعتبر إعراض عن الله تعالى ، من الفقه في الدين أن تتفرغ من جميع الشواغل قبل الدخول في الصلاة لتتفرغ لمناجاة الله تعالى ، عدل غترتك وعقالك وانظر الساعة ضعها على الوضع الذي أنت تريد كل شيء ادخل في الصلاة ، إذا دخلت في الصلاة لا تشغل نفسك عن الله ولا تلتفت عن الله بقلبك ولا ببصرك ، والالتفات عن الله اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد لا يلتفت العبد بعينيه إلا بعد أن التفت بقلبه وانشغل عن الله وغفل ، هذه الأمور وإن كان كثير من الناس يرون أمرا سهلا ، لا ، لا ينبغي ، يخرج المنديل فينظف ثم يرد ، أنت في الصلاة هذا عبث ، هذه الحركات الكثيرة التي مثل بها السائل إن كثرت عرفا تبطل الصلاة ، دائما القلة والكثرة إن لم يأت تحديدها شرعا المرجع العرف ، إلا الحركات الخفيفة عرفا لا تبطل الصلاة ، لكن لاحظ فرق بين هذه الحركات الأجنبية وبين أن تتحرك في مصلحة الصلاة كيف تتحرك لمصلحة الصلاة ؟(23/82)
بينك وبين جارك فراغ تسد هذا الفراغ ولو سحبت جارك المتمذهبون ببعض المذاهب لا يتحركون ، إذا دخل في الصلاة ولو دفعته دفعا بالقوة أبدا كأن قدميه غاصتان في الأرض لا يتحرك لا يمين ولا شمال لا قدام ولا وراء ، اتركه لأنه جاهل تحرك أنت هنا لمصلحة الصلاة سد الفراغ ، أماك فرجة تتقدم فتسدها لكن تمشي غير المشي العادي تخطو خطوة ثم خطوة حتى تصل إلى الصف أما تمشي هكذا كأنك لست في الصلاة لا ، فلتكن هيأتك هيأة المصلي الخشوع وحضور القلب لا يفارقك شيء من هذا ، أما كونك كما نلاحظ بعض الناس يرى هناك فراغا ويمشي كأنه ليس في الصلاة وخصوصا إذا كان مسدل تحسب أنه ليس في الصلاة ، لا، هذا خطأ تمشي خطوات تسد الفراغ ، المهم الحركات التي من مصلحة الصلاة لا تبطل الصلاة ولو كثرت إلا أنك تلاحظ أن لا تغير هيئتك ولا تخالف هيئة المصلي .
هذا ما يتعلق بحركات المصلي .
***
في الشريط الحادي والثلاثون آخر الوجه الأول يقول الشيخ رحمه الله تعالى :
سائل آخر يسأل هل الآيات الواردة في إثبات الرؤية له سبحانه وتعالى كقوله "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم" "الذي يراك حين تقوم" هل تكون وحدها أدلة على إثبات العينين له سبحانه وتعالى حيث إنها من لوازمها ؟ أم لا بد من إثبات العينين من الأدلة الواردة في إثبات العينين بذاتها له ؟ وهل من أهل السنة من قال هذا ؟(23/83)
أرى أن هذا السؤال فيه نوع من التكلف ، أولا لا معارضة بين الآيات التي ذكرها التي تثبت الرؤية ويلزم من إثبات الرؤية إثبات العين .. . ثم لك أن تقول بل يلزم إثبات العينين لأن العور عيب ونقص ثم تأتي آيات أخرى ، هذه آيات غير نص في المقام تدل دلالة بالالتزام ولكنها غير نص في المقام تأتي آيات أخرى "ولتصنع على عيني" "تجري بأعيننا" إثبات العين صراحة ، وهل نأخذ منها إثبات العينين أيضا ؟ نأخذ منها إثبات العينين لأن الجمع والإفراد هنا لمعنى وهو لما أضيفت العينان إلى ضمير العظمة جمعت "تجري بأعيننا" الجمع هنا أفصح من التثنية ، ولما أضيفت إلى المفرد أفردت ، الذي يوضح كل هذا ويفسر ويفصل حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام لأن السنة تفسير للقرآن خير تفسير للقرآن القرآن مثله ثم السنة جاء في السنة ما يوضح بأن الله سبحانه وتعالى موصوف بعينين يبصر بهما ذلك لما تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال وذكر ما يحصل له من الأمور الخارقة للعادة الكثيرة ثم قال إنه مع ذلك أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية أي فيه عيب فيه نقص فالرب سبحانه وتعالى لا يكون فيه عيب ونقص إذن على كثرة ما يحصل له من الأمور الخارقة للعادة ليس هو الرب وليس المعبود لا يستحق العبادة بل فيه نقص "وإن ربكم ليس بأعور" هذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام تحقيقا لإثبات العينين لا تشبيها للعينين بالعينين فليفهم هذا جيدا ، إذا جمعنا بين هذه النصوص لا نجد فيها معارضة أما كوننا نثير جدلا لفظيا بين هذه الآيات لا داعي لذلك وخصوصا في المطالب الإلهية لا ينبغي إكثار الجدل تسلم للنصوص تفهمها تفسر القرآن بعضه ببعض ثم تفسر القرآن بالسنة وتفهم كما فهم من كان قبلك وتستأنس بفهم السلف الصالح ولا تحاول أن تنفصل عنهم لتفهم من جديد فهما طريا غير ما كان عليه سلف هذه الأمة فتضل كأن تقول لا يسعنا اليوم وقد درسنا البلاغة وفروع اللغة العربية لا يسعنا(23/84)
أن نقول كما قال الإمام مالك ، ضلال مبين إعلان بأنه لا يتبع سبيل المؤمنين بل يخالف سبيل المؤمنين ، المؤمنون الذين ينبغي التأسي بهم هم الصحابة وتلاميذ الصحابة من التابعين .
***
يقول السائل نفسه : هل يلزم بعد أن ينزل الله سبحانه وتعالى في الليل في الثلث الأخير أن يرتفع ، وهل ورد الارتفاع بعد أن يطلع الصبح ؟
الجواب : من حيث الورود الحديث ورد ولكنه متوقف أنا شخصيا في ثبوته ، إن ثبت قلنا لأنه فعل من الأفعال ، نحن عندنا العمدة الثبوت في خبر الله تعالى وخبر رسوله عليه الصلاة والسلام ما ثبت فنقول به وما لم يثبت عندنا نتوقف فيه لأن الباب توقيفي لا يثبت إلا بالخبر والله أعلم .
***
سؤال آخر للسائل نفسه : هل الحوض بعد الصراط أم قبل الصراط ؟
والله أعلم هذه المسألة لم أجد فيها نصا لكن كثيرا من أهل العلم يرون أن الحوض أول ما يرد عليه الناس عندما يبعثون من قبورهم لأن الله جعل ذلك إسعافا لعباده عندما يبعثون وهم عطاش هكذا يستنتج أهل العلم لترتيب تلك الأشياء التي في عرصات القيامة أما الدليل النص لم أقف عليه . والله أعلم . الذي لديه دليل ، نص فليفدنا من الحاضرين ، كأني سمعت صوتا .
وبعد :
***
يقول بعض المدرسين ، السائل يقول : إن (نا) في القرآن ليست للتعظيم ؟(23/85)
هذا السؤال جاء تعليقا على ما كنا نكرره في الدروس السابقة بأن قوله تعالى مثلا "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" كنا نقول ونكرر ولا نزال نقول ونكرر بأن (نا) هنا أن هذه الضمائر ضمير العظمة لا تدل على التعدد ولا يجوز أن يفهم منها التعدد ، أولا صيغة الجمع لم تكن نصا في العدد في اللغة العربية هكذا قال أهل اللغة : صيغة الجمع ليست نصا في العدد بخلاف صيغة التثنية فهي نص في العدد ، ولكن صيغة الجمع تفسر حسب السياق والقرائن فهل يجوز اعتقاد إذا قال الله تعالى "وإنا له لحافظون" الله اشترك معه في حفظ كتابه ؟ "إنا أرسلنا نوحا إلى قومه" "إنا أرسلنا" ضميران ، من الذي أرسل نوحا مع الله إلى قومه ؟ أو الله وحده هو الذي أرسل ؟ لا يجوز اعتقاد التعدد في هذه الضمائر وهذا يتنافى مع التوحيد ولكن الضمائر يقال لها أهل اللغة ضمائر العظمة ، اجتمعت هنا عدة ضمائر (إنا) (نحن) "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" واو الجماعة ، هذه الضمائر كلها ضمائر العظمة ، الفرد منا قد يقول أعطيناك ، وهو أعطاك وحده ، أعطيناك ، وأنتم عند دراستكم للنحو تقولون هذا الضمير للجمع أو للمعظم نفسه ، يعظم نفسه لمعنى ما ، يعظم نفسه فيقول السلطان بنينا المدينة الفلانية والمسجد الفلاني ، (بنينا) وهل السلطان نزل من على قصره ؟ دائما في قصره وفي سيارته وفي منزله ، لكن بنى بماله بأمره بعماله ، جاز له أن ينسب هذا الفعل إلى نفسه حقيقة لا مجازا ، ولو قال بنا عمالنا ووزراؤنا المسجد الفلاني والمدينة الفلانية صح ، ولو قال بنينا صح ، عربية الكل صحيح وحقيقة ليس بمجاز ، ولكن لست أدري لماذا هذا التعليق وماذا يستفيد المعلق من هذا التعليق ، هذا الاستفهام يجاب عليه في وقت آخر إن شاء الله .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
***
في الشريط الحادي والثلاثون آخر الوجه الثاني يقول الشيخ رحمه الله تعالى :(23/86)
طلب مني سائل لعله غاب أن أشح بإيجاز الأنساك الثلاثة في الحج لأننا في الشهر الثاني من أشهر الحج ، ما هو الشهر الأول من أشهر الحج ؟ .. ونحن الآن في الشهر الثاني .
الأنساك بالاختصار والتوسع إن شاء الله بعد وصول الحجاج الأنساك ثلاثة : إفراد وقران وتمتع ، هذه الأنساك الثلاثة .
فلنبدأ بالإفراد ، الإفراد أن يحرم بالحج فإذا وصل طاف طواف القدوم فطواف الفرد يسمى طواف القدوم ثم هو بالخيار لأنه سوف يبقى على إحرامه إن شاء سعى بعد طواف القدوم وهو أخف له وأريح من الزحام ، إن طاف طواف القدوم وسعى بعده إذا عرف أي ذهب إلى عرفه وانتهى من أعمال الحج فنزل يوم العيد أو ثاني العيد أو ثالث العيد كما يختار عليه أن يطوف طواف الإفاضة فقط ليس عليه سعي لأنه سعى بعد طواف القدوم ، ولو طاف طواف القدوم واكتفى بذلك ولم يسعَ .. عليه أن يسعى بعد طواف الإفاضة ، هذا هو الإفراد بالاختصار .
والقران مثله تماما ، القارن عمله كعمل المفرد تماما ، طواف قدوم وسعي وإن أخر السعي سعى بعد كواف الإفاضة .(23/87)
الثالث التمتع وهو الأفضل عندنا على الإطلاق ، التمتع أن يحرم بالعمرة فإذا وصل طاف وسعى وتحلل بأن يقص شعره كله أو يحلق ولعله يفضل الحلق إن أراد الأجر الكثير وإن أراد أن يوفر له الشعر واقتصر على التقصير جاز بشرط أن يعمم الرأس كله فيلبس ملابسه ويتطيب ويعيش حلالا إلى يوم التروية ولو كان معه أهله جاز له أن يتمتع بأهله في هذه الفترة وهو بمكة لا كما يتحفظ بعض الحجاج أن يتمتع الإنسان بامرأته عند الكعبة هناك ، هذا تحفظ باطل ، له أن يتمتع بأهله في هذه الفترة هذه من معاني المتعة ، أي يتمتع فيما بين الإحرامين بما حرم عليه بالإحرام ، فيبقى إلى يوم التروية اليوم الثامن من شهر ذي الحجة فيتجرد فيغتسل فيلبس ملابس الإحرام فيحرم بالحج من حيث هو أي بدون حاجة إلى الذهاب إلى الحرم ليحرم من عند الحجر الأسود ومن تحت الميزاب وأمام باب الكعبة كما شرع لنفسه كثير من الحجاج في الآونة الأخيرة يتعبون أنفسهم بالزحام لست أدري من أفتى لهم بهذا ، يفضلون أن يكون الإحرام من تحت ... ..(23/88)
يفضلون أن يكون الإحرام من تحت الميزاب ، عمل مبتدع فرسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه كانوا نازلين بالأبطح في أعلى مكة ولعلها الجهة المعروفة الآن بالمعابلة في تلك الجهة بدون تحديد ، ولما جاء يوم التروية كان أكثرهم قد تحللوا لأنه لم يبق على إحرامه إلا من ساق الهدي وهم عدد قليل جدا في مقدمتهم رسول الله عليه الصلاة والسلام لما جاء يوم التروية أحرموا من مخيمهم ومعسكرهم في الأبطح وتوجهوا قبل الزوال إلى منى دون الرجوع إلى الحرم إلى المسجد الحرام لذلك السنة أن يحرم الحاج من منزله سواء كان في أعلى مكة أو في أسفل مكة أو من الوسط ثم يتوجه إلى منى إذا أراد أن يحيي تلك السنة المهجورة في الآونة الأخيرة صلاة الظهر بمنى ثم البقاء ليصلي العصر والمغرب والعشاء والفجر بمعنى فيبقى حتى تطلع الشمس هذا المبيت هذه الليلة بمنى سنة وليس بواجب بمعنى لو لم يتمكن الإنسان فترك ليس عليه شيء لكن الأفضل أن يعمل بهذه السنة مع الاستطاعة .
هذا بالاختصار الأنساك الثلاثة وسيأتي وقت آخر إن شاء الله نتوسع فيه بتوفيق الله تعالى .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
***
في الشريط الثاني والثلاثون الوجه الثاني يقول الشيخ رحمه الله تعالى :
سائل يسأل هل يجوز الدعاء للكفار بالهداية بدون تخصيص كقول القائل اللهم اهد الكفار ؟ ثم يقول : وإن كان الجواب بالجواز فهل ينافي قول الله تعالى "إن الله لا يهدي القوم الكافرين" "لا يهدي القوم الظالمين" "لا يهدي الفاسقين" ؟ وهل كل هذا ينافي مع دعاء الداعي اللهم اهد الكفار اللهم المنافقين اللهم اهد الظالمين؟(23/89)
لا معارضة بينهما ، لك أن تدعو بالهداية للعصاة والكفار والمنافقين والظالمين ، الذين لا يهديهم الله أنت لا تعلم هذا سر من أسرار القدر "لا يهدي القوم الظالمين" ألا ترى كثيرا ما يهتدي الكفار فيؤمنون ويهتدي الظالمون فيتوبون والفساق فيتوبون ؟ كيف تجمع بين واقعهم بالتوبة والإيمان والهداية وبين الإخبار بأن الله لا يهديهم ؟ هذا هو الذي ينبغي أن يسأل ليس الدعاء والدعاء لا إشكال فيه ، إنما الذي ينبغي أن يُستشكَل كيف يجمع بين واقع الكفار والظالمين والفاسقين والعصاة الذين نشاهدهم بأنهم يهتدون فيؤمنون وبين الإخبار بأن الله لا يهدي القوم الكافرين والظالمين ؟
معنى الآية "لا يهدي القوم الكافرين" الذين سبق في علم الله تعالى بأنهم لن يهتدوا وبأنهم من أهل النار لأن الله قد علم في سابق علمه أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وعلم أهل الجنة كذلك ومن علم الله بأنه من أهل النار مهما دعوت ومهما أرشدت ومهما حاولت لن يهتدي ، تفسَّر الآية بهذا التفسير ، أما الذين وهم كفار ولم يسبق في علم الله تعالى في سابق علمه عدم إيمانهم ولم يسبق في سابق علمه بأنهم من أهل النار قد يهتدون لذلك لا يجوز أن تلعن الكافر المعين أو الظالم المعين إنما تلعن الظالمين بصفة عامة والكافرين بصفة عامة لأنك لا تدري بم يختم لهذا الكافر المعين وللظالم المعين ، والمسألة فيها سر القدر الذي لا يدركه الإنسان ، إنما السؤال بدلا من الدعاء لهم أن يرد هكذا ، والدعاء لهم وارد ولا مانع من ذلك والله أعلم .
***
وهل من المخالف للإرادة الكونية القدرية وجود عصر من العصور يكون فيه الناس كلهم موحدون فرضا ؟(23/90)
هذا السؤال سؤال فضولي لا ينبغي أن يرد قلنا غير مرة لا ينبغي للعبد أن يخوض في أسرار القدر ، هذا سر القدر وأنت ليس لك أن تسأل هذا السؤال يعني كونك تفرض فرضا أن يكون الناس في عصر من العصور كلهم موحدون وفي عصر من العصور كلهم كافرون ، ما بقي لك من الوقت والفراغ حتى تسأل هذا السؤال ، هذا السؤال لا يرد ، لا تتدخل في أفعال الرب سبحانه وتعالى وفي أسرار قدره ، اسأل عن الشريعة ، لا تعارض القدر بالشرع ، معارضة الشرع بالقدر أو القدر بالشرع هذا من أسباب الخيبة والخذلان كما سيأتي في دروسنا المستقبلة ، عليك أن تسأل عن الشرع ولا تسأل عن القدر ، يكفي في باب الإيمان بالقدر بأن يعلم العبد بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وما أصابه لا يخطئه وما أخطأه لا يصيبه ، يكفي هذا المقدار في باب القضاء والقدر أما السؤال عن سر القدر والفرض لو فرضنا كذا لو فرضنا كذا أو لماذا أهدى فلانا ولم يهدي فلانا ووفق فلانا ولم يوفق فلانا هذا السؤال غير وارد أرجو أن يتحفظ الطلاب عند السؤال في المطالب الإلهية ويسألوا أسئلة فيها تقدير للرب سبحانه وتعالى حق قدره .
وبالله التوفيق .(23/91)