شَرحُ
(الرَّدِ عَلَى الجَهْمِيَّةَ وَالزَّنادِقَةَ : لِلإِمامِ أَحمَدَ بنِ حَنبَلٍ)
للشَّيخِ عَبدِ العَزِيزِ بنِ عَبدِ اللهِ الرَّاجحِي
حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
فالرسالة التي سنقرؤها -إن شاء الله - كما هو معروف للجميع: رسالة الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكوا فيه من متشابه القرآن وتأوله على غير تأويله.
الرسالة لإمام السنة أحمد بن حنبل، وإمام أهل السنة -كما هو معروف - امتحن بهؤلاء الزنادقة والجهمية، وقف لهم المواقف المشهودة، وصمد أمامهم، ثبت أمام الحق حتى نصر الله به الحق وأهله، وقمع به أهل البدع.
فهو إمام أهل السنة، يقتدي بهم -رحمه الله - صبر يوم المحنة، كما ابتلي بمسألة القول بخلق القرآن، ووقف وصبر على الحق ثابتًا صامدًا صمود الجبل لا يلين إلى أهل البدع، حتى قال العلماء: إن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه - صبر يوم الردة، وإن الإمام أحمد بن حنبل صبر يوم المحنة.
وهذه الرسالة -وهي رسالة الرد على الزنادقة والجهمية- رسالة عظيمة، افتتحها المؤلف بخطبة عظيمة ما زال العلماء يقتبسون منها وينقلونها في كتبهم، كالإمام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - وهذه الرسالة ثابتة للإمام، وأنه كتبها -رحمه الله ورضي عنه.
لكن بعض أهل البدع في القديم والحديث يشككون في نسبة هذه الرسالة إلى الإمام أحمد، وما ذاك إلا لزيغ في قلوبهم ؛ لأنهم يريدون ألا تثبت هذه الرسالة حتى يثبت باطلهم ؛ لأن هذه الرسالة شهب مرمية عليهم، على أهل البدع، فلا يريدون أن تثبت هذه الرسالة حتى يبقى باطلهم وضلالهم وزيغهم ؛ فلهذا يشككون في نسبة هذه الرسالة إلى الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله.(1/1)
والرسالة ثابتة، أثبتها العلماء والأئمة ونسبوها إلى الإمام، نسبها القاضي أبو يعلى، وهو من علماء الحنابلة، وقال: إن الخلال أثبتها، وكذلك الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وحسبك به.
أثبت هذه الرسالة الإمام في مواضع من كتبه المتعددة، في رسالة "بيان تلبيس الجهمية" وفي تفسير قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وفي غيرها من كتبه المتعددة، حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - نقل أكثرها في كتبه، ولا سيما في "بيان تلبيس الجهمية". نقل هذه الرسالة كلها، ونثرها في كتبه وعلق عليها، نقل أغلبها أكثر نصوصها، ونقل الخطبة أيضًا، وكذلك العلامة ابن القيم أثبتها في كتابه "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية". وغيرهم من أهل العلم.
والرسالة طُبعت طبعات، لكن في ظني أن أحسن الطبعات التي طبعت الطبعة التي حققها فضيلة الشيخ إسماعيل الأنصاري -رحمة الله عليه-، فإنه قابلها ... وجد مخطوطة لهذه الرسالة مع مطبوعتين، وقابلها، وقدم بمقدمة أثبت فيها أن هذه الرسالة للإمام أحمد، وبين فيها بيانًا واضحًا.
نقل فيها نقول عن الأئمة: القاضي أبي يعلى، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم أن هذه الرسالة للإمام أحمد، فيستحسن أن نقرأ هذه المقدمة التي ثبتت هذه الرسالة للإمام أحمد، حتى لا يكون هناك مجال للشك ؛ لأن هناك الجهمية والمعتزلة موجودون في كل مكان، هناك جهمية في هذا الزمان ومعتزلة وأشاعرة يشككون في نسبة هذه الرسالة للإمام أحمد.
ولا نزال نسمع أن كثيرًا من الرسائل ... كثيرًا من كتب أهل السنة لا يزال بعض الناس يشكك فيها، نسمع أن رسالة فلان من الأئمة لم تثبت إليه، وكذا وفلان وفلان ؛ وهذا لأنهم لا يريدون أن تثبت هذه الكتب التي فيها رد لباطلهم.
نقرأ.
بيان ما أنكرت الجهمية أن الله تعالى كلم موسى
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(1/2)
قال فضيلة الشيخ إسماعيل الأنصاري -رحمه الله تعالى-: قال القاضي أبو الحسين محمد بن أبي يعلى في ترجمة خضر بن مثنى الكندي من طبقات الحنابلة قال: نقل عن عبد الله ابن إمامنا أحمد -رضي الله عنه- أشياء منها: الرد على الجهمية فيما قرأتُه على المبارك بن عبد الجبار عن إبراهيم عن عبد العزيز بن أبي بكر الخلال، قال: أخبرني خضر بن مثنى الكندي، قال: حدثتا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قال أبي: بيان ما أنكرت الجهمية أن الله تعالى كلم موسى، فقلنا لهم لِمَ أنكرتم ذلك ؟ قالوا: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم، إنما كَوَّنَ شيئًا فعبر عن الله -عز وجل-، وخلق صوتًا فأسمع.
وزعموا أن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم وشفتين ولسان.
---
هذا من شبههم كما سيأتي في بيان الرسالة، قالوا: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم، وإنما كوّن شيئًا فتكلم، يعني: خلق شيئًا، يقولون: إن كلام الله مخلوق -والعياذ بالله - جعلوا كلام الله الذي هو صفة من صفاته مخلوقا، أو إنما كون شيئًا فتكلم، وخلق صوتًا فأسمع، أما هو لم يتكلم، وهذا باطل، من أبطل الباطل.
الله تعالى تكلم بصوت، بحرف وصوت، وكلامه صفة من صفاته -سبحانه وتعالى - من قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر، كما أقر ذلك أهل السنة، نعم.
الرد على الجهمية فيما أنكروا من كلام الله تعالى لموسى
فقلنا هل يجوز لمكوّن أو غير الله أن يقول لموسى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي أو: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فمن زعم كما زعمت الجهمية أن الله كون شيئًا، كان يقول ذلك المكون: يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لا يجوز أن يقول: إنني أنا الله رب العالمين، وقال الله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا
---(1/3)
يعني: أن الله تعالى قال لموسى: يا موسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ وقال الله لموسى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي فعلى قول هؤلاء الملاحدة إذا كان الكلام مخلوقا يكون المخلوق يقول لموسى: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ هذا مخلوق يقول لموسى ... هل يستطيع أحد أن يقول لموسى: إنني أنا الله إنني أنا ربك. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00003.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00001.htm
الرد على الجهمية فيما أنكروه أن الله تعالى لا يتكلم
لا يجوز أن يقول: إنني أنا الله إنني رب العالمين، وقال الله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا وقال: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ وقال: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي وقال: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي .
فهذا منصوصُ القرآن، وأما ما قالوا: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم، فكيف بحديث الأعمش، عن خيثمة، عن عدي بن حاتم الطائي ؟ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان وأما قولهم: إن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم وشفتين ولسان.
---
والترجمان: هو الشخص الذي ينقل الكلام من لغة إلى لغة ، يقال له: ترجمان ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان المعنى: أن الله تعالى سيكلم كل أحد، ليس بينه وبينه واسطة، ما في واسطة يترجم، ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان .
ترجمان هذه فيها لغات: تُرْجُمَان وتَرْجَمَانْ وتَرْجُمَان، قال بعضهم: فيها لغة رابعة: ترْجمان ؛ بضم التاء والجيم، وفتح التاء والجيم، هذه اللغة الثانية، اللغة الثالثة: تَرْجُمَان بفتح التاء وضم الجيم، ثلاث لغات. قال بعضهم: فيه لغة رابعة: وهي ضم التاء وفتح الجيم، وعلى هذا ما يغلط أحد في قراءتها. نعم.(1/4)
الرد على شبهة الجهمية أن الكلام لا يكون إلا من جوف أو لسان
وأما قولهم: إن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم وشفتين ولسان. أليس قال الله تعالى للسماوات والأرض: اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ؟ أتراها أنها نطقت بجوف وشفتين ولسان ؟! والجوارح إذا شهدت على الكفار فقالوا: لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ أتراها أنها نطقت بجوف وفم وشفتين ؟! ولكن الله أنطقها كيف شاء.
وكذلك تكلم الله كيف شاء من غير أن يكون جوف ولا فم ولا شفتان ولا لسان، وذكر الرسالة بطولها .
---
يعني: أن هذا الرد على هذه الشبهة: قولهم: إن الله لو تكلم للزم أن يكون له جوف ولسان وشفتان، الإمام رد عليهم: بأن هناك بعض المخلوقات تتكلم وليس لها لسان ولا شفتان، وإذا أمكن هذا في بعض المخلوقات فإمكان ذلك في الخلق، من باب أولى ... .
فالجلود تشهد يوم القيامة يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ والألسن والأيدي... يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وكذلك أيضًا السماوات والأرض نطقتا قال الله لهما: اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ .
وثبت أيضًا تسبيح الحصى بيد الرسول -عليه الصلاة والسلام -، والطعام سبح في يده -عليه السلام -، والجذع حن وهو ليس له لسان ولا شفتان، هذه الشبهة باطلة. نعم.
ما ورد في ترجمة خضر بن مثنى صريح في نسبة الكتاب للإمام أحمد
هذا ما ورد في ترجمة خضر بن مثنى الكندي من الطبقات، وهو صريح في أن هذا الكتاب: الرد على الجهمية للإمام أحمد بن حنبل
---(1/5)
لأنه يقول: أيش يقول القاضي أبو الحسين محمد في ترجمة خضر بن مثنى ؟ قال: نَقل عن عبد الله ابن إمامنا -رضي الله عنه- أشياء، منها الرد على الجهمية، فيما قرأته عن المبارك بن عبد الجبار، عن إبراهيم، عن ابن العزيز بن أبي بكر الخلال، قال: أخبرنا خضر بن المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل. فالسند متصل. نعم.
الرد على الجهمية في تشكيكهم في نسبة الكتاب للإمام أحمد
زعمهم جهالة الخضر بن مثنى
ما هو صريح في أن هذا الكتاب: الرد على الجهمية للإمام أحمد بن حنبل، هو الذي صرح به غير واحد من أهل العلم، فإن قيل: إن خضر بن مثنى مجهول فلا تليق نسبة الكتاب إلى الإمام أحمد ما دام الأمر كذلك، فالجواب كما يستفاد من اجتماع الجيوش الإسلامية .
---
هذا شبهة لبعضهم، بعضهم طعن في السند، قال: السند فيه مجهول، خضر بن المثنى غير معروف، مجهول.
الجواب كما سيأتي. نعم.
نفي جهالة الخضر بن مثنى
الجواب -كما يستفاد من اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية- من وجوه أولًا: أن الخضر هذا ليس بمجهول قد عَرَفَه الخلال ، وروى عنه، كما روى كلام عبد الله أحمد بن حنبل عن أصحابه وأصحاب أصحابه، فلا يضره جهالة غيره له.
---
إذًا الخضْر هذا أو الخِضْر ليس بمجهول ؛ لأن الخلال يعرفه نعم.
وجود نسخة من الكتاب بخط عبد الله بن أحمد
ثانيًا: أن الخلال قال في هذا الكتاب: كتبته من خط عبد الله بن أحمد، وكتبه عبد الله من خط أبيه، فالظاهر أن الخلال إنما رواه عن الخضر ؛ لأنه أحب أن يكون متصل السند على طريق أهل النقل وضم ذلك إلى الوجادة، والخضر كان صغيرًا حين سمعه من عبد الله، لم يكن من المعمرين المشغولين بالعلم.
---(1/6)
إذًا هذا جواب آخر، وهو أن الخلال وجده بخط عبد الله بن أحمد، فالخلال وجد الرسالة ... كتبه من خط عبد الله بن أحمد، وعبد الله ابن الإمام كتبه من خط أبيه، فالخلال يكون رواه عن الخضر بالسند وعنده الوجادة، ووجده في خط عبد الله، فاجتمع له الأمران: السند والوجادة. نعم.
إثبات علماء الأمة الرسالة ونسبتها للإمام أحمد
ولا هو من الشيوخ، وقد رواه الخلال عنه في غير هذا في جامعه، فقال في كتاب الأدب من الجامع: دفع إليَّ الخضر بن المثنى بخط عبد الله بن أحمد، أجاز لي أن أرويه عنه، وذكر بعض ما روي عنه.
وقال أبو بكر الخلال: كتاب الرد عل الجهمية كله في كتاب السنة الذي جمع فيه نصوص أحمد وكلامه، وعلى منواله جمع البيهقي في كتابه الذي سماه: "جامع النصوص من كلام الشافعي" وهما كتابان جليلان لا يستغني عنهما عالم.
---
إذًا الجواب على شبهة: أن الخضر، هذا المثنى مجهول، الجواب: أجاب الجواب بثلاثة أجوبة: الجواب الأول: أنه ليس بمجهول، قد عرفه الخلال. الجواب الثاني: أن الخلال نفسه وجد الرسالة من خط عبد الله بن أحمد، ورواها بالسند عن الخضر، فاجتمع له الأمران. الأمر الثالث: أن العلماء والأئمة أثبتوا هذه الرسالة ونسبوها للإمام أحمد، كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وحسبك بهؤلاء الأئمة عدالةً وثقة. نعم.
احتجاج أهل العلم بالرسالة على أنها للإمام أحمد
ثالثًا: احتجاج أهل العلم به على أساس أنه للإمام أحمد بن حنبل، فقد احتج به القاضي أبو يعلى في كتابه "إبطال التأويل" بما نقله منه عن أحمد.
وذكر ابن عقيل في كتابه بعض ما فيه عن أحمد، ونقل عن أصحابه قديمًا وحديثًا، ونقل منه البيهقي، وعزاه إلى أحمد، وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية عن أحمد، ولم يُسمع عن أحد من متقدمي أصحابه ولا متأخريهم طعنٌ فيهم.(1/7)
هذا خلاصة ما جاء تعريف الإمام ابن القيم عن نسبة كتاب "الرد على الزنادقة والجهمية" إلى إمام السنة أحمد بن حنبل -رضي الله عنه -، وقد راجعنا مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية، فوجدنا فيه من التصريح بأنه للإمام أحمد من ناحية، ومن الاعتماد عليه من ناحية أخرى ما نوضح منه للقراء ما يلي:
أ ولا: قال في تفسير سورة الإخلاص في الطبعة الأميرية: بعد ذكر كثير من السلف -لأنهم يعلمون منع المتشابه - قال: وقول أحمد فيما كتبه: في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن، وتأولته على غير تأويله. وقوله عن الجهمية: إنها تأولت ثلاث أماكن من المتشابه، ثم تكلم على معناها، دليل على أن المتشابه عنده تعرف العلماء معناه، وأن المذموم تأويله على غير تأويله، فأما تفسيره مطابق لمعناه فهذا محمود، وليس بمذموم، وهذا يقتضي أن الراسخين في العلم يعلمون التأويل الصحيح للمتشابه عنده، وهو التفسير في لغة السلف.
ولهذا لم يقل أحمد ولا غيره من السلف: إن في القرآن آيات لا يعرف الرسول ولا غيره معناها، بل يتلون لفظًا لا يعرفون معناه.
---
أشار بهذا الرد على طائفة المجهلة الذين يجهلون الرسول -عليه الصلاة والسلام -، ويقولون: إن الرسول لا يعرف معاني القرآن، وكذلك جبريل، هذا يسموا: مجهلة.
وهناك طائفة يسمون: مؤولة، هذا ملاحدة -نسأل الله السلامة العافية- هذا من أبطل الباطل، فالرسول -صلى الله عليه وسلم - يعرف معناه، كذلك جبريل، وإنما المجهول كيفية الصفات لا يعلمها إلا الله، كما قال الإمام: الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب.
أما معاني القرآن معروفة، ما فيها إشكال، لكن الكيفية... كيفية الأمور الغيبية، كيفيات الصفات، لا يعلم كيفية صفات الله إلا هو، كيفية ذاته -سبحانه وتعالى - حقائق. . يعني الجنة.. . حقائق النار وما يكون فيها من الحقائق على ما هي عليه، لا يعرف حقيقتها إلا الله -سبحانه وتعالى. نعم.(1/8)
تصنيف الإمام أحمد للكتاب وهو في الحبس
وذكر أن في تفسير المعتزلة مملوءة بتأويل من نصوص، مثبتة للصفات والقدر على غير ما أراد الله ورسوله، ثم قال: فإنكار السلف والأئمة لهذه التأويلات الفاسدة، كما قال الإمام أحمد، فيما كتبه في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكَّت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله.
وهذا الذي أنكره السلف والأئمة من التأويل كما ذكر شيخ الإسلام في أن الراسخين في العلم يعلمون علم تأويل المتشابه، وقال: وهذا أحمد بن حنبل إمام أهل السنة الصابر في المحنة الذي قد صار للمسلمين معيارًا يفرقون به بين أهل السنة وأهل البدعة، لما صنف كتابه في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكّت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله، تكلم في معاني المتشابه الذي اتبعه الزائغون ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ آية آية، وبينوا معناها، وفسرها ليبين فساد تأويل الزائغين، وأن الله يرى أن القرآن غير مخلوق، وأن الله فوق العرش بالحجة العقلية والسمعية، ورد ما احتج به النفاة من الحجج العقلية والسمعية، وبيّن معاني الآيات التي سماها متشابه، وفسرها آية آية.
وذكر: أن التشابه يراد به: ما هو واسطة لازمة للآية، ويراد به ما هو الأمور النسبية، فقد يكون متشابهًا عند هذا لم يكون متشابهًا عند هذا.
وقال: وكلام الإمام أحمد وغيره من السلف يحتمل أن يراد به هذا، فإن أحمد ذكر في رده على الجهمية: أنها احتجت بثلاث آيات من المتشابه، قوله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ وقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وقوله: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وقد فسر أحمد قوله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ .(1/9)
فإذا كانت هذه الآيات مما علمنا معناها لم تكن متشابهة عندنا، وهي متشابهة عند من احتج بها، وكان عليه أن يردها إلى ما يعرفه من المحكم، وكذلك قال أحمد في ترجمة كتابه الذي صنفه في الحبس وهو "الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله"...
---
إذًا هنا على هذا يكون الإمام أحمد -رحمه الله- وهو في الحبس صنف هذه الرسالة. نعم.
نقل ابن تيمية مقدمة الرسالة في كتبه مؤكدا نسبتها للإمام أحمد
ثم فسر الإمام أحمد تلك الآيات، فبين أن هذه ليست متشابهة عنده، بل قد عرف معناها، وعلى هذا فالراسخون في العلم يعلمون تأويل هذا المتشابه الذي هو تفسيره، وأما تأويله الذي هو حقيقته الموجودة في الخارج فلا يعلمها إلا الله.
واستدل شيخ الإسلام على تجنب ما ابتدعه المتكلمون في العقيدة، بما ورد في خطبة هذا الكتاب.
ونص عبارة شيخ الإسلام: قال الإمام أحمد في خطبته في كتابه "الرد على الجهمية والزنادقة": الحمد لله الذي جعل في كل زمانِ فترةٍ من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنوره أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم ضالٍ تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب مجمعون على مخالفة الكتاب.
---
"فهم مختلفون في الكتاب" هنا في سقط "فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب، مجتمعون على مفارقة الكتاب " سيأتي هذا، كانت الطبعة هذه فيها سقط، ستأتي في المقدمة.(1/10)
هذه مقدمة الإمام أحمد، مقدمة الرسالة نقلها شيخ الإسلام في مؤلفاته -رحمه الله- في مواضع، مما يدل على أن الإمام شيخ الإسلام -رحمه الله - ابن تيمية يجزم بأن هذه الرسالة للإمام أحمد ؛ ولهذا نقلها في كتبه، ونثرها في كتبه، حتى نقل الخطبة نفسها. نعم هنا فيه سقط سيأتيكم في خطبة الرسالة، "فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجتمعون على مفارقة الكتاب". هكذا سيأتي. نعم.
التشكيك في نسبة الرسالة للإمام أحمد لا وجه له
... يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس فيما يشبهون عليهم -فنعوذ بالله من فتن المضلين.
ذكر شيخ الإسلام هذا كله في تفسير سورة الإخلاص، قال في منهاج السنة في المطبعة الكبرى الأميرية بصدد اختلاف أهل الكلام في الكتاب: وقد قال الإمام أحمد في خطبة مصنفه الذي صنفه في محبسه في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله، قال:" الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى".
فساق خطبة الكتاب ثم قال: وهو كما وصفهم الإمام أحمد -رحمه الله - فإن المختلفين أهل المقالات المذكورة في كتب الكلام إما نقلًا مجردًا وإما نقلًا وبتا وذكرًا للجدال مختلفون في الكتاب، كل منهم يوافق بعضه ويرد بعضه، ويجعل ما يوافق رأيه هو المحكم الذي يجب اتباعه، وما يخالفه هو المتشابه الذي يجب تأويله.(1/11)
ثالثًا: قال في الرسالة التدمرية: كان الأئمة كالإمام أحمد وغيرهم ينكرون على الجهمية وأمثالهم من الذين يحرفون الكلام عن مواضعه تأويل ما تشابه عليهم من القرآن على غير تأويله، كما قال أحمد في كتابه الذي صنفه في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله: وإنما ذمهم بكونهم تأولوه على غير تأويله، وذكر في ذلك ما يشبه عليهم معناه، وإن كان لا يشبه على غيرهم.
وذمهم على أنهم تأولوه على غير تأويله، ولم ينف مطلق التأويل -كما تقدم- من أن لفظ التأويل يراد به التفسير المبين لمراد الله به، وذلك لا يعاب، بل يُحمد، ويراد بالتأويل: الحقيقة التي استأثر الله بعلمها، فذلك لا يعلمه إلا هو، هذا بعض ما ورد في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية من الاعتماد على كتاب الرد على الزنادقة والجهمية، والتصريح بأنه للإمام أحمد بن حنبل، يضاف إلى ذلك اختيار شيخ الإسلام في "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية" أو نقض تأسيس الجهمية في كثير من نصوص هذا الكتاب: "الرد على الزنادقة والجهمية"، مع تعليقات قيمة على كل نص من تلك النصوص لشيخ الإسلام نفسه.
وقد اختار ابن القيم من لفظ نصوصه أي: الرد على الزنادقة والجهمية في كتابه "اجتماع الجيوش الإسلامية على قصد المعطلة والجهمية" فثبت في هذا كله ثبوتًا لا يدع مجالًا للشك أن هذا الكتاب للإمام أحمد بن حنبل -رضي الله عنه- وجزاه عن تأليفه خيرًا. والله تعالى ولي التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل.
---
وبهذا يتبين أن هذه الرسالة -لا شك- أنها للإمام أحمد، وأن التشكيك في إثباتها وفي نسبتها للإمام أحمد لا وجه له، وإنما يشكك في ذلك أهل البدع من الجهمية والمعتزلة، حتى لا تثبت؛ لأنها رد عليهم، وإبطال لمعتقده ضلالهم.(1/12)
والجهمية والمعتزلة والأشاعرة موجودون في كل زمان، وهم موجودون في هذا الزمان، وفي هذا الزمن أيضًا يشككون في نسبة هذه الرسالة، ويقولون: إنها ليست للإمام أحمد، كما شكك من سبقهم من إخوانهم من الجهمية والمعتزلة. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00014.htm
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني -رضي الله عنه، وأثابه الجنة وغفر لنا وله بمنه وكرمه آمين-: الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل. أخبرنا أبو الطاهر المبارك بن مبارك بن معطوش في كتابه: أن أبا الغنم أن محمد بن محمد بن أحمد ابن المهدي بالله أجاز له أن أبا القاسم عبد العزيز علي الأسدي، أجاز لهم عن أبي بكر عبد العزيز المعروف بغلام الخلال، قال: أنبأ أبو بكر الخلال، قال: أخبرنا الخضر بن مثنى الكندي، قال: أنبأنا عبد الله بن أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى - قال: هذا ما أخرجه أبي -رحمه الله - في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله، قال أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى ورضي عنه:. ..(1/13)
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتل لإبليس فقد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس ! وأقبح أثر الناس عليهم! ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبّهون عليهم -فنعوذ بالله من فتن الضالين.
---
هذه هي خطبة الإمام أحمد -رحمه الله - في هذه الرسالة، وهي خطبة عظيمة، ما زال العلماء ينقلونها في كتبهم ويستشهدون بها، كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم من أهل العلم. كثير من أهل العلم يستشهدون بهذه الرسالة، قال الإمام أحمد في رسالة الرد على الزنادقة: "الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم ... " ويسردونها. فهي خطبة عظيمة، واستشهاد العلماء من أهل السنة والجماعة ونقل هذه الرسالة في كتبهم أيضًا من الأدلة التي تثبت نسبة هذه الرسالة للإمام -رحمه الله-. قوله: "الحمد لله الحمد ": هو الثناء على المحمود في صفاته وأعماله مع حبه وإجلاله وتعظيمه، هذا هو الحمد: ثناء على الصفات وعلى الأعمال والأفعال مع حبه وإجلاله وتعظيمه، بخلاف المدح: فإنه ثناء بدون حب وإجلال، فأنت تمدح الأسد فتقول: قوي العضلات، ولا تحب الأسد، تمدح الأسد ولا تحبه، فهذا هو الفرق بين المدح وبين.. إيش ؟ وبين الحمد. المدح: ثناء وإخبار بالصفات، لكن لا يلزم أن يكون معه حب وإجلال وتعظيم.(1/14)
أما الحمد فهو ثناء في الصفات الاختيارية الجميلة والأفعال مع الحب والإجلال ؛ ولهذا جاء الحمد. .الله تعالى وصف نفسه بالحمد ولم يصف نفسه بالمدح، الحَْمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمَيِنَ ، ولم يقل: أمدح الله رب العالمين. الحمد: ثناء على الله -عز وجل - مع حبه وإجلاله وتعظيمه -سبحانه وتعالى. والحمد أعم من الشكر من وجه وأخص من وجه، فالحمد والشكر بينهما عمومٌ وخصوصٌ وجهي، يجتمعان في شيء، ويختلفان. فالشكر يكون بالقلب وباللسان وبالجوارح، هذا أعم، من هذه الجهة يكون الشكر أعم ؛ ولهذا قال سبحانه: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ . فالشكر يكون بالقول ويكون بالعمل، ويكون باللسان وبالقلب وبالجوارح، أما الحمد فإنه يكون باللسان مع اعتقاد القلب، مع القلب ؛ ولهذا قال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا
والحمد أيضًا يكون في مقابل الجميل وبدون مقابل، فالله تعالى يُحمد -سبحانه وتعالى- ؛ لِمَا اتصف به من الصفات العظيمة ؛ ولما أنعم به على عباده من النعم العظيمة، خلقهم ووجدهم من عدم، ورباهم بنعمه، وهداهم وعلمهم وأعطاهم السمع والأبصار والأفئدة، فهو -سبحانه وتعالى - يستحق الحمد ؛ لما اتصف به من الصفات العظيمة، والأفعال الجميلة، ويستحق الحمد ؛ لإنعامه وإفضاله -سبحانه وتعالى. أما الشكر فإنه يكون في مقابل النعمة، تشكر الشخص في مقابل الإحسان، أما إذا لم يكن هناك إحسان فلا يكون هناك شكر، وبهذا يكون الحمد أعم من جهة، وأخص من جهة، الشكر يكون بالقلب وباللسان وبالجوارح، والحمد يكون باللسان. الحمد يكون في مقابل النعمة، وفي غير مقابل النعمة. والشكر لا يكون إلا في مقابل النعمة.(1/15)
"الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم" ، هذه الرسالة -كما سبق- سماها المؤلف -رحمه الله-: "الرد على الجهمية والزنادقة فيما شكوا فيه من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله". الجهمية: نسبة إلى جهم بن صفوان السمرقندي، نسبت إليه الجهمية، وهي نفي الصفات عن الله -عز وجل- ؛ لأنه أظهر هذه البدعة، وإن لم يكن أول مَن تكلم في هذه البدعة، فإنه سبقه شخص آخر يقال له: الجعد بن درهم، سبق الجهم وتكلم، أول من تكلم ... أول من حُفظ عنه في الإسلام مقالة التعطيل هو الجعد بن درهم. والتعطيل: إنما هو في كلمتين: قال: إن الله لم يكلم موسى تكليمًا، ولم يتخذ إبراهيم خليلًا. لكن هاتين الصفتين ترجع إليهم جميع الصفات، قال: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، أنكر الخلة والمحبة، وقال: ليس هناك خلة، ليس هناك محبة ؛ لأنه لا نسبة ؛ لأن المحبة لابد أن تكون هناك نسبة بين المحب والمحبوب، ولا نسبة بين الخالق والمخلوق.(1/16)
معناه: قطع الصلة بين العباد وبين ربهم، وأنكر أن يكون الله كلم موسى تكليمًا، أنكر التكليم، وإنكاره التكليم معناه إنكار للرسالات والشرائع. الرسالات والشرائع بالكلام، الله تعالى تكلم، أرسل الرسل وأنزل الكتب بالكلام، فإنكار الكلام إنكار للرسائل، إنكار للرسالات والشرائع. فلهذا أفتى العلماء -وهم من التابعين- بقتل هذا الرجل، وأنه يستحق القتل والإعدام، فقتله خالد بن عبد الله القصري أمير العراق والمشرق بواسط، لما أفتاه علماء أهل زمانه -وهم من التابعين- أفتوا باستحقاقه القتل، قتله، وذلك في يوم عيد الأضحى، بعدما صلى العيد صعد المنبر وخطب الناس، وقال في آخر الخطبة -وكان الجعد بن درهم عنده في أصل المنبر مقيدا -: ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍ بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا، ثم نزل فذبحه ذبح الشاة، شكره العلماء وأثنوا عليه. من ذلك العلامة ابن القيم في "الكافية الشافية "، قال:
ولذا ضحى بجعد بن ... خالد القصري يوم ذبائح القربان
إذ قال إبراهيم ليس خليله ... وليس موسى بالكليم الداني
ثم قال:
شكر الضحية كل صاحب سنةٍ ... لله درك من أخي قربان
ولا شك أن أهل السنة شكروه بهذا، ولا شك أن هذه الأضحية يعدل أجرها كثيرا من الضحايا ؛ لأن في هذا قطع لدابر الفتنة والشر والفساد، فهي أفضل من الأضحية. الأضحية سُنَّة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولكن هذا قطع لدابر الفتنة والبدعة والضلالة. لكن الجهم بن صفوان كان قد اتصل به قبل أن يُقتل، اتصل به هذا الرجل -الجهم بن صفوان- فتقلد عنه هذه المقالة، وتبنى عقيدة نفي الصفات، ونشرها ودافع عنها حتى نسبت المقالة إلى الجهمية، فقيل: الجهمية: نسبة إلى جهم بن صفوان، وإلا الأصل أن أول من تكلم: الجعد بن درهم، الأصل أن يقال: الجعدية، لكن الجعد قتل في أول إظهارٍ لهذه البدعة، قبل أن تنتشر، ثم نشرها الجهم بن صفوان.(1/17)
وجهم بن صفوان أيضًا قيد الله به من يقتله، قتله سلم بن أحوذ أمير خراسان بها ؛ ولهذا سمى المؤلف الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- هذه الرسالة الرد على الجهمية والزنادقة. الزنادقة: جمع زنديق، وتطلق الزنادقة على. ..تطلق الزنديق: على الملحد الجاحد للخالق، المتحلل من الأديان، ويطلق على المنافق، يسمى زنديقا، كما ذكر شيخ الإسلام وغيره: كان السابقون يسمونه منافقا، الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان يسمى منافقا، ثم اصطلح المتأخرون على تسميته بالزنديق، وهي كلمة فارسية معربة، زنديق: تطلق على الجاحد المعطل المتحلل من الأديان، وتطلق على المنافق.
ولهذا ذكر أهل اللغة -كما في المصباح المنير- قالوا: إن الزنادقة: جمع زنديق، وهو والذي لا يتمسك بشريعة، ويقول بدوام الدهر، وفي التهذيب: أنه هو الذي لا يؤمن بالآخرة، ولا بوحدانية الخالق، هذا الزنديق. إذًا الزنديق: يطلق على الملحد الجاحد المعطل، ويطلق على المنافق الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان والإسلام. المؤلف قال: "الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل" الزمان: معروف، جمع أزمنة، وهو الوقت، يطلق على الوقت القليل والكثير، والسنة: أربعة أزمنة، وهي الفصول الأربعة: الربيع والخريف والشتاء والصيف. الزمان: هو الوقت، والفترة: هي الانقطاع، والمعنى "على فترة من الرسل" يعني: على انقطاع بعثهم، ودروس أعلام دينهم. وتطلق الفترة على ما بين الرسولين، ما بين عيسى ومحمد -عليهما الصلاة والسلام- يسمى فترة "الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم" يعني: في الوقت الذي يكون فيه انقطاع ودروس واندراس أعلام الدين يقيض الله من أهل العلم بقايا يدعون الناس إلى الخير.(1/18)
جاء في هذا المعنى، في معنى ما ذكره الإمام أحمد حديث: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ، هو حديث لا بأس بسنده، رواه أبو داود وغيره، فهذا يؤيد ما ذكره الإمام -رحمه الله- في هذه الخطبة، "الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم". يعني: كلما اندرس الدين وضعف وحصل انقطاع ودروس من أعلام الدين فإن الله -سبحانه وتعالى - يهيئ من أهل العلم بقايا يدعون الناس إلى الحق، ويردونهم إلى الصواب.
فالفترة: هي الانقطاع، وتطلق الفترة ... . يقال: فتر عن العمل: انكسرت حدته، وفتر عن الحر: إذا انكسر. والفترة من الرسل يعني: انقطاع ودروس أعلام الدين، ففي هذا الوقت يقيض الله من يجدد للناس دينهم ويدعوهم إلى الهدى، ولهذا قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "الحمد لله الذي جعل في كل زمان من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى " يدعون الضال، يدعونه إلى الهدى، يردونه إلى الصواب. الضلال: هو الانحراف، الانحراف عن شرع الله ودينه يقال له: ضلال. والهدى: هو العلم النافع. والعلم النافع: هو المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله.(1/19)
فالذين انحرفوا عن الحق وعن جادة الصواب يدعونهم هؤلاء البقايا من أهل العلم في زمان الفترة، يدعونهم إلى الهدى، إلى العلم المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم. "ويصبرون منهم على الأذى"، هكذا شأن الدعاة والمصلحين، يتأسون بالرسل -عليهم الصلاة والسلام- يصبرون على الأذى. لأن الداعية إذا دعا الناس إنما يقف في وجوههم ويصدهم عن رغباتهم وأهوائهم وشهواتهم، وهم لا يرضون بذلك، فلابد أن يؤذوهم، إما بقول أو بفعل، فلابد من الصبر، فإذا لم يتسلح العالم أو الداعية بسلاح الصبر فإنه لا يستطيع أن يقوم بالدعوة، لابد من الصبر ؛ ولهذا قال الله تعالى في كتابه العظيم بسم الله الرحمن الرحيم: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ، لابد من الصبر، فالصبر لابد منه في أداء الفرائض والواجبات، ولابد منه ترك المحرمات، ولابد منه في الدعوة إلى الله، من لم يصبر لا يستطيع أن يقوم بالدعوة.(1/20)
ولهذا قال الإمام أحمد -رحمه الله-: إن هؤلاء العلماء هؤلاء البقايا من أهل العلم في الزمان الذي تندرس فيه أعلام الدين، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، إذا سبوهم أو شتموهم أو ضربوهم صبروا، لابد من الصبر تأسيًا بالرسل. الرسل -عليهم الصلاة والسلام- أوذوا وصبروا، في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحكي نبيًّا ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون . ونوح -عليه الصلاة والسلام- أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، مكث يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، يدعوهم ويصبر هذه المدة الطويلة، وهم يردون عليه ردًّا سيئًا، ويقابلونه مقابلة سيئة، ويقولون: إنه مجنون، حتى أخبر الله عنه أنه قال: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا .(1/21)
هكذا نبي الله -عليه الصلاة والسلام- يصبر، وأولوا العزم لهم من القوة والتحمل والصبر والجلد ما ليس لغيرهم، حتى قال الله لنبينا -صلى الله عليه وسلم-: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ، نبينا -عليه السلام- صبر صبرًا عظيمًا، دعا قومه في مكة، وضعوا على ظهره السلا وهو ساجد - سلا الجاذور -، وأتاه أبو جهل مرة وخنقه -عليه الصلاة والسلام- حتى جاء أبو بكر وأطلقه وقال: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ كسرت رباعيته يوم أحد، وجُرحت وجنتاه، وسال الدم على وجهه -عليه الصلاة والسلام. فالصبر لابد منه، الصبر هو الذي يتحلى به الرسل والدعاة والمصلحون أسوة برسل الله، ومنزلة الصبر من الدين كمنزلة الرأس من الجسد، من لا صبر له لا دين له.
ولهذا قال: " ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى" هكذا، هؤلاء الدعاة وهؤلاء العلماء اتباع الرسل يحيون بكتاب الله الموتى ؛ لأن الكافر ميت القلب، فإذا أسلم وآمن وقرأ كتاب الله وآمن به أحياه الله، قال تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا فالكافر ميت القلب، وإن كان يمشي حيًّا بين الناس ؛ لأن الحياة الحقيقية هي حياة القلب ؛ ولهذا سمى الله القرآن: روحًا؛ لتوقف الحياة الحقيقية عليه، سماه: نورًا ؛ لتوقف الهداية عليه، قال سبحانه: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .(1/22)
ولهذا قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله " أهل العمى، هكذا الجاهل والضال والكافر أعمى القلب، وإن كان يبصر ؛ لأنه لا يرى الحق ولا يعمل به، والعمى في الحقيقة عمى القلب ليس عمى البصر ؛ لأن الإنسان إذا عمي بصره وقلبه حيّ ودينه صحيح فلا يضره، قال الله تعالى: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ، وقال سبحانه: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ . يقول الإمام أحمد -رحمه الله-: " فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه" كم: للتكثير يعني: كثير، كم من قتيل، كم من شخصٍ قتله إبليس فأحياه أهل العلم، كيف قتله إبليس ؟ قتله: يعني: قطع رأسه بالسيف ؟ لا. قتله بالإضلال، قتل روحه وقتل قلبه وقتل اعتقاده، قتله، بأن سوّل له الكفر، سوّل له الضلال، سول له الانحراف، فكان بذلك قتيلًا لإبليس، هذا هو القتيل الحقيقي. القتيل: هو الذي قتل قلبه، وهو الذي أزيل اعتقاده، ولم يعتقد اعتقادًا صحيحًا في الله وأسمائه وصفاته، هذا هو القتيل، أما قتيل الجسد: فهذا إذا قُتل وعقيدته سليمة وأعماله مستقيمة ما يضره إذا كان مظلوما يكون شهيدا، لكن المصيبة قتيل الروح والاعتقاد والدين.(1/23)
"فكم من قتيل" يعني: قتيل ... قتل دينه واعتقاده وتفكيره السليم، "فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه " يعني: ما أكثر الذين قتلهم إبليس وأحياه العلماء ! ؛ لأن "كم" هنا للتكثير، كما قال سبحانه: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ، يعني: كثير. " فكم من قتيل لإبليس قد أحياه أهل العلم، وكم من ضالٍّ تائهٍ قد هدوه " يعني: كثير من الضلّال الذين ضلوا عن الصواب وتاهوا عن طريق الحق قد هداه أهل العلم، ما أكثرهم! إذ يقول الإمام أحمد: ما أكثر الذين قتلهم إبليس فأحياه أهل العلم، وما أكثر الذين ضلوا عن الصواب وتاهوا عن الحق والهدى قد هداهم أهل العلم، هدوهم يعني: دَعَوْهُمْ إلى الحق، وبينوا لهم، وأوضحوا لهم، فهداهم الله بسببهم، "فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم !" ما أحسن أثر العلماء على الناس! وما أقبح أثر الناس على العلماء !. قوله: "فما أحسن أثرهم " يعني: العلماء على الناس، "وأقبح أثر الناس عليهم " يعني: على العلماء، يعني: "ما أحسن" للتعجب. "ما أحسن أثر الناس على العلماء" ما هو أثرهم ؟ ما أحسن أثر العلماء على الناس ؟ ما هو أثر العلماء على الناس؟ دعوتهم وإرشادهم ونصيحتهم وتنبيههم والنصيحة لهم، ينقذونهم من ظلمات الشرك والجهل والبدعة إلى نور العلم واليقين والسنة، هذا أحسن أثر. فهم ينقذونهم من الضلالة، ينقذونهم من الكفر، ينقذونهم من البدعة، هذا أثر عظيم يفوق إطعامهم وكسوتهم والنفقة عليهم ؛ لأن الإطعام والنفقة والكسوة وإن كان النفقة معروفا فضلها، لكن هذه نفقة وإطعام وكسوة للجسد، والجسد في هذه الدنيا يهيئ الله له من يقيم أوده، ولكن التعليم والإنقاذ من الجهل والكفر والضلال والبدعة هذا أمر عظيم، يفوق الإحسان إلى الناس بالمال.(1/24)
ولهذا قال الإمام أحمد: "فما أحسن أثرهم " يعني: العلماء على الناس! أثرهم طيب، وفي المقابل قال: "وأقبح أثر الناس عليهم" ما أقبح أثر الناس على العلماء؟ ما هو أثر الناس على العلماء ؟ يؤذون العلماء، ولاسيما الجهال، يسبونهم، يشتمونهم، يرمونهم بالبدعة، وقد يقتلونهم، حتى الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ماذا فعل بهم أقوامهم وهم مقدمة العلماء؟ الأنبياء أعلم الناس بالله -عز وجل- إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ، وفي مقدمة العلماء الأنبياء والرسل -عليهم السلام- هم العلماء، علم الناس بالله، ثم أتباعهم من بعدهم، ما هو أثر الناس على الأنبياء ؟ ضربوا الأنبياء وجرحوهم وشتموهم وقتلوا بعضهم. قال الله تعالى: فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ زكريا -عليه السلام- قُتِلْ، ويحيى -عليه الصلاة والسلام- قُتِلْ، قتلوهم، هذا أثرهم، أثر الناس عليهم ما هو ؟ بعض العلماء وبعض الأنبياء يعدمهم الناس ويقتلونهم لماذا ؟ لأنهم دعوهم إلى الله، هم يدعونهم إلى الله، ينقذونهم من الجهل والكفر وهم يقتلونهم، وبعضهم ضربوهم، ضربه قومه حتى أدموه. بعض العلماء سُجِن، بعض العلماء ضُرب بالسياط كالإمام أحمد، ضرب وسُحِب وسُجِن هذا أثر الناس على ... إيش ؟ على الإمام، على العلماء. إذًا أثر العلماء على الناس هذا حسن ؛ ولهذا قال الإمام أحمد: " ما أحسن أثر العلماء على الناس !"، وأما أثر الناس على العلماء ؟ سيئ، بالعكس، "وأقبح أثر الناس على العلماء !".(1/25)
الناس أثرهم على العلماء سيئ، يعني: من لم يوفق ... القتل والضرب والسجن والإيذاء والشتم والرمي بالبدعة والتكفير ... إلى غير ذلك، هذا أثر ... إيش ؟ هذا أثر الناس على العلماء. وأما أثر العلماء على الناس فهو إيش ؟ الدعوة والإرشاد والإيضاح والإنقاذ من الجهل ؛ ولهذا قال الإمام أحمد: "ما أحسن أثر العلماء على الناس ! وما أقبح أثر الناس على العلماء ! ". هذا مرجع الضمائر "ما أحسن أثرهم" أي: العلماء "على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم" أي: العلماء. ثم قال -رحمه الله- يبين وصف العلماء وأعمالهم الجليلة قال: "ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين" هذه من أعمالهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، النفي: الإزالة، يعني: يزيلون ويبعدون عن كتاب الله تحريف الغالين. ما هو التحريف؟ التحريف: التغيير والتبديل، تحريف الكلام أن يعدل به عن جهته، وقول الله تعالى: إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أي: إلا مائلًا لأجل القتال، لا مائلًا هزيمة، فالتحريف معناه: التغيير كيف يغير الكتاب ؟ "ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين ". كيف يحرف الكتاب؟ قد يحرف اللفظ، وقد يحرف المعنى، من تحريف اللفظ تحريف بعض الجهمية في قراءتهم، قرءوا قول الله: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا قرءوها: "وكلم اللهَ موسى تكليمًا". تحريف ... ليش لماذا ؟ يريدون أن يكون الله هو المُكلَّم، وموسى هو المُكَلِّم، حتى ينفون الكلام عن الله، يقولون: إن الله ما يتكلم. فإذا قلت: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا قالوا: لا، معناها: "وكلم اللهَ" قراءتهم، "وكلم اللهَ موسى" إذًا موسى هو المتكلم والله هو المُكَلَّم ولا يتكلم. " وكلمَ اللهَ موسى" هذا التحريف في المعنى.(1/26)
ولما قال لهم بعض الجهمية لما استدل عليهم أهل السنة على إثبات الكلام في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا قال الجهمي: "وكلم اللهَ موسى" فالله هو المُكَلَّم لا يتكلم. فقال له: كيف تفعل بقول الله -عز وجل-: وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ، فقال المعنى: جرحه بأظافر الحكمة، أوله، هذا تغيير المعنى، جرحه بأظافر الحكمة، قال: كلم معناها: الجرح، ومنه قول العرب: فلانٌ كلْمه يدمى، جرحه. قالوا: وَكَلَّمَ اللَّهُ أي جرحه بأظافر الحكمة، هذا تغيير للمعنى، هذا التحريف تحريف الغالين، تحريف في المعنى، وتحريف في اللفظ. ومن ذلك أيضًا تحريف الجهمية والمعتزلة معنى قوله: اسْتَوَى قالوا: معناه: استولى حرفوا. وكذلك تحريفهم ... قالوا معنى الرحمة: الإنعام، إرادة الإنعام. والغضب: إرادة الانتقام. والرضا: إرادة الثواب، هذا تحريف المعنى. إذًا العلماء ينفون التحريف عن كتاب الله، هذا تحريف لكتاب الله، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، الغالي: هو الشيء الذي ... هو الذي يزيد عن الحد، يقال له: غال، يقال: غلا في الدين غلوًّا أي: تصلب وشدد حتى جاوز الحد، ويقال: غلا في الدين، ومنه قول الناس: غلا السعر، أي: ارتفع، وغلت القدر، وغلا في الأمر غلوًا أي: جاوز الحد، ومنه قول الله تعالى: لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ .(1/27)
فالغلاة في هذا: الذين يغلون ... كثيرون منهم من غلا في الصفات، منهم من غلا في القَدَر، ومنهم من غلا في الصحابة، فمثلًا: الجهمية والمعتزلة ينفون الصفات عن الله -عز وجل- والأسماء، هذا تعطيل هذا وتقصير ، بزعمهم أنهم ينزهون الله، هذا غلوًا في التنزيه، هذا يصلح مثال غلو في التنزيه، غلوا في التنزيه قالوا -بزعمهم-: نحن الآن نريد أن ننزه الله، كيف تنزهون الله ؟ قالوا: لو أثبتنا لله أسماء وصفات لشابه المخلوقين، فنحن ننزه الله عن مشابهة المخلوقين، فننفي الأسماء والصفات. نقول: هذا غلو في التنزيه، زدتم عن الحد، التنزيه هو أن يقال: إن الله -سبحانه وتعالى- لا يشبه المخلوقين في شيء من صفاتهم، لكن لا تنفوا عنه الصفات، له صفات وأسماء -سبحانه وتعالى - تليق بجلاله وعظمته، لا تشبه صفات المخلوقين، لا يشابه الله أحدًا من خلقه في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في ذاته.(1/28)
أما هؤلاء غلوا فزادوا حتى نفوا الأسماء والصفات عن الله، هذا غلوًا، العلماء ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، كذلك أيضًا المشبّهة الذين غلوا في الإثبات، قالوا: نحن نثبت لله الأسماء والصفات، لكن نقول: لله أسماء وصفات مثل صفات المخلوقين، ومثل أسماء المخلوقين، قالوا: إن الله يعلم كعلمنا ويقدر كقدرتنا، ويرى كرؤيتنا، حتى قالوا: إن الله مثل الإنسان، وعلى صورة الإنسان، حتى قال غلاتهم -وهم من الشيعة الغلاة الكفرة-: إن الله يندم ويحزن ويبكي، وأنه ينزل عشية على عرفة ويُسامر ويُحاضر ويُصافح، وينزل عشية عرفة على جبل -قبحهم- وأغلبهم من غلاة الشيعة، كفرة. هذا غلوّ، زادوا غلوا في الأسماء والصفات حتى قالوا: إن الله مثل المخلوقين، فهذا الغلو ينفيه أهل العلم، هذا معنى قول الإمام: "وقد ينفون ... " إيش ؟ " ... ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين". كذلك القَدَرية، القَدَرية: طائفتان: طائفة تنفي أفعال العباد، وتقول: إن ... طائفة النفاة والغلاة، فالنفاة يقولون: إن الله تعالى لم يقدر أفعال العباد وأن العباد خالقون لأفعالهم، هذا غلو في إثبات أفعال العباد، ويستدلون بالمتشابه.(1/29)
كما قال الإمام أحمد: المتشابه. .. حتى قالوا: إن العباد خالقون لأفعالهم ويستدلون بمثل قوله تعالى: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ . ويقولون: إن العبد يستحق الثواب على الله، كما يستحق الأجير أجره ؛ لأنه هو الذي خلق فعله لقول الله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ، كما أن العاصي الذي يموت على الكبيرة يجب على الله أن يعذبه به وأن يخلده في النار، هكذا أوجبوا على الله، هذا غلوّ. وهناك القدرية الجبرية: الذين يقولون: إن العبد مجبور على أفعاله، وأنه ليس له أفعال، وأفعاله كلها اضطرارية، كحركات المرتعش والنائم، ونبض العروق، فهؤلاء الغلاة ... هؤلاء غلو في إثبات أفعال العباد، حتى قالوا: إن العباد خالقون لأفعالهم. أولئك غلوا في سلب العبد من أفعاله، حتى قالوا: إنه لا أفعال له، وأن أفعاله كلها اضطرارية، فهذا غلو. فالعلماء ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين. إذًا هذا كله من التحريف، وهذا كله من الغلو الذي ينفيه العلماء عن كتاب الله -عز وجل. وهؤلاء وهؤلاء. . كلهم يستدلون بالقرآن، لكن كما قال الإمام أحمد: يستدلون بالمتشابه، ويشككون الناس، ويتأولون القرآن على غير تأويله ؛ ولهذا قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين".(1/30)
الانتحال: نسبة الشيء، وهو أن ينسب إليه شيءٌ ليس فيه؛ ولهذا في اللغة: نحلته القول: إذا أضفت إليه قولًا قاله غيره، وادعيته عليه، ونحله القول -في القاموس- كمنعه: نسبه إليك، وهم ... فالمبطلون ينسبون إلى القرآن ما ليس منه، كما سيأتي في الأمثلة الكثيرة التي يذكرها الإمام أحمد -رحمه الله- أنهم يقولون مثلًا: إن في القرآن أن الناس يُعَذَّبُون في غير جرم، وأن هناك جلودًا تعذب لم تذنب، ويستدلون بمثل قوله تعالى: بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا . هذا من المتشابه، هذا من نسبة المبطلين إلى القرآن ما ليس منه يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ قالوا: إن القرآن فيه أن هناك أرضا ثانية غير هذه الأرض، ويستدلون بالآية، مثلًا، وسيأتي الجواب على هذا. هذا من الباطل الذي نسبه المبطلون إلى القرآن، فالعلماء ينفون عن القرآن انتحال المبطلين، العلماء ينفون عن القرآن انتحال المبطلين.
لعلنا نقف الآن -إن شاء الله- وإن شاء الله المقدمة هذه إذا انتهينا من شرحها نمشي ؛ لأن بعدما تنتهي المقدمة تكون هناك ... كلها نصوصا متشابهة، ويبين الإمام أحمد -رحمه الله- الجمع بينها، لكن الخطبة هذه نتكلم على بعض فقراتها -إن شاء الله- ونترك إن كان هناك أسئلة. وفق الجميع لطاعته ورزق الله الجميع بالعلم النافع والأمر الصالح، وصلى الله وسلم على محمد وآله وسلم.
س: فضيلة الشيخ هذا يقول: نرجو بيان توجيه أهل السنة لهذين الحديثين: قوله -صلى الله عليه وسلم-: أما إنك لو زرته لوجدتني عنده ما مفهوم العندية هنا ؟(1/31)
ج: الحديث سيأتي، الحديث هذا أوله، يقول الله تعالى- حديث قدسي-: مرضت فلم تعدني قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلو عدته لوجدت ذلك عندي، عبدي، جعت فلم تطعمني، قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟ قال: أما علمت أن عبدي جاع فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي، عبدي، استسقيتك فلم تسقني، قال: وكيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ قال: أما علمت أن عبدي استسقاك ؟ فلو أسقيته لوجدت ذلك عندي . فالحديث صريح بأن الله لم يمرض، ولم يأكل ولم يشرب، وإنما العبد هو الذي مرض وطعم وسقي، والمعنى: لوجدت ذلك أي: ثواب ذلك عندي، يعني وجدت ذلك، يعني ثوابه، ثواب العمل، لوجدت ذلك عندي، وإلا فالله -سبحانه وتعالى- فوق العرش، مستوٍ على العرش، بائنٌ من خلقه، وهذا. . إن النصوص محكمة، النصوص التي فيها إثبات العلو وأن الله فوق العرش... يقول العلماء: أكثر من ثلاثة آلاف نص، تزيد على ثلاثة آلاف نص، كلها تدل على أن الله في العلو، وأن الله فوق السماوات، ولا يتعلق بمثل هذا الحديث من المتشابه إلا أهل الزيغ، كما قال الله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فالحديث صريح بأن الله ما مرض، ولا طعم ولا شرب، وإنما هذا العبد ؛ ولذلك قال: أما علمت أن عبدي مرض ؟ أما علمت أن عبدي جاع ؟ أما علمت أن عبدي استسقى ؟ فالعبد هو الذي مرض وهو الذي جاع، وهو الذي استسقى، لوجدت ذلك عنده يعني ثوابه. نعم.
س: وهذا يقول: أحسن الله إليكم، هل الجهمية الكفار ؟
ج: ذكر ابن القيم -رحمه الله- أنه كفرهم خمس مائة عالم، خمس مائة عالم كفروا الجهمية، قال:
ولقد تقلد كفرهم خمسو ... ن في عشرٍ من العلماء في البلدان
واللالكائي الإمام وقد حكاه عنه ... بل قد حكاه قبله الطبراني(1/32)
خمسون في عشرة ، كم ؟ خمس مائة عالم. ومن العلماء من كفر الغلاة، منهم من كفرهم بإطلاق، ومنهم من بدعهم، ومنهم من كفر الغلاة دون العامة، وهذا القول وسط له وجاهته، لابد من قيام الحجة وإلا فالعلماء لهم نصوص كثيرة في تكفير الجهمية. نعم.
س: وهذا يقول -أحسن الله إليكم-: هل الإباضية من الزنادقة؛ لأنهم يؤولون الصفات وما حكم الصلاة خلفهم ؟
ج: الإباضية طائفة من الخوارج، والمعروف عند جمهور العلماء أن الخوارج مبتدعة وليسوا كفارًا، كما فعل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وقال: إن الصحابة أجمعوا على.. أو إن الصحابة عاملوا الخوارج معاملة المبتدعة ولم يعاملوهم معاملة الكفار. سُئِلَ الإمام علي -رضي الله عنه- الخليفةُ الراشد عن الخوارج أهم كفار ؟ قال: من الكفر فروا. فالمشهور عند جمهور العلماء أنهم مبتدعة، وبعض العلماء كفرهم، واستدل بالأحاديث التي فيها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بقتلهم قال: لئن لقيتهم لأقتلنهم قتلا، قال: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وفي بعضها: يمرقون من الدين ثم لا يعودون إليه وفي بعضها: لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد شبههم بقتل عاد، وهم قوم كفار، والأحاديث في الصحيحين وفي غيرهما فيها: أن النبي قال: يمرقون من الدين قال: يمرقون ثم لا يعودون إليه شبههم بعاد. فاستدل بعض أهل العلم بكفرهم بهذه الأحاديث وهي أحاديث قوية، لكن الجمهور على أنهم مبتدعة، وهو عليه عمل الصحابة، كما بين ذلك شيخ الإسلام وغيره من أهل العلم. نعم.
س: وهذا يقول: فضيلة الشيخ - أحسن الله إليكم- بعض المتعالمين في بلدنا يقول: الأمة الآن محتاجة للتكاتف والتجمع، وبعض الشباب -هداهم الله- يسهرون الليل وهم يدرسون ويقولون: إن الله فوق العرش، وإن الله له يدا، ويقول ذلك مستهزئًا منهم، فما ردكم على مثل ذلك ؟(1/33)
ج: الأمة محتاجة إلى الاجتماع على الحق لا الاجتماع على الباطل، وهذا. .. والحق لا يكون إلا بعقيدة صحيحة، باعتقاد صحيح، ولابد للمسلم أن يعتقد أن الله فوق العرش، وأن له يدا، من لم يعتقد أن الله فوق العرش فإنه كافر، كيف تجتمع الأمة بدون عقيدة ؟! لابد من الاجتماع على الحق، الاجتماع على الباطل لا يفيد، الكفار والكفرة والمبتدعون ما أكثرهم !. لابد من الاجتماع على الحق، ومن يقول هذا يخشى عليه من الردة إذا كان يستهزئ بالصفات، يخشى عليه من الردة، نسأل الله السلامة والعافية، فالاجتماع لابد أن يكون على الحق. نعم.
س: وهذا يقول: فضيلة الشيخ، هل بيان الأخطاء والتحذير منها من منهج السلف الصالح ؟
ج: نعم، يُبين الأخطاء ويرد على المبطل، ما زال العلماء يرَدون قال الإمام مالك: ما منا إلا راد ومردود عليه إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم. لابد من بيان الحق، ولكن مع التأدب مع العلماء، فالعالم تكلم بكلام.. . إذا أمكن مناصحته فيما بينك وبينه، هذا طيب أما إذا نشر شيئا فلابد أن يرد المنشور، إذا لم يرجع هو ويرد النشر، وينشر نقضًا للباطل الذي نشره، فلابد أن يرد عليه حتى يرد الباطل بالحق، المقصود أن الرد ... . أما كون الإنسان متتبعا سقطات العلماء أو زلات العلماء هذا شيء آخر، في الكتب وفي غيرها، لكن التنبيه هذا لابد منه. نعم.
س: أحسن الله إليكم - يقول: فضيلة الشيخ، الصفات الذاتية والفعلية التي لم تثبت لله -تعالى- لا في كتاب ولا في سنة، فهل لنا أن نثبتها أم ننفيها أم نتوقف ؟ مثل الفم والشفتين والحيز والجهة وغيرها، وأحسن الله إليكم ؟(1/34)
ج: الذي لم يرد في الكتاب والسنة لا يسمى من الصفات، ليس من الصفات، لا يقال: ذاتية ولا فعلية. الصفات -قاعدة- ... الصفات: توقيفية، ومعنى توقيفية: أنه يوقف فيها على الكتاب والسنة، ما جاء في الكتاب والسنة أثبتناه، وما جاء في الكتاب والسنة إثباته وجب إثباته، وما جاء في الكتاب والسنة نفيه وجب نفيه، وما لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة نتوقف فيه، ما نثبته ما نقول: إثبات فم، لسان، شفتين، لابد من دليل، الصفات: توقيفية. وأما ما يطلقه أهل البدع من الجسم والحيز والعرض وغيرها، هذه يُتوقف فيها، لا يطلقونها لا نفيًا ولا إثباتًا، ومن أطلقها يُسأل عن مرادها، إن أراد حقا قبل، قبل الحق ولكن يقال: عبر بالتعبيرات التي جاءت في النصوص، وإن أراد باطلًا رُد، رُد اللفظ والمعنى جميعًا.نعم.
س: يقول: فضيلة الشيخ، يقولون: إن الإمام النووي -رحمه الله- كان أشعريًّا فهل هذا صحيح ؟
ج: نعم مشى على طريقة الأشاعرة، وكذلك الحافظ بن حجر -رحمه الله- في تأويل الصفات، وقد لا يكون أشعريًا ... يتمذهب بالأشعرية، ولكن في مسألة الصفات في شرح صحيح مسلم مشى على نفي الصفات، وكذلك الحافظ بن حجر، ولكن هؤلاء العلماء الكبار ... السبب في هذا أنهم ما وفقوا منذ الصغر في وقت الطلب لمن ينشئهم على معتقد أهل السنة والجماعة، فظنوا أن هذا هو الحق وأن هذا هو التنزيه، ونسأل الله أن يغفر لنا ولهم، وأن يكون هذا الخطأ مغفورا في بحور حسناتهم الكثيرة؛ لأنهم علماء وأئمة فطاحل من أهل العلم، لكن حصلت لهم هذه الغلطات وهذه الهفوات لا عن عمد، ظنوا أن هذا هو الحق بسبب أنهم نشئوا على هذا المعتقد، معتقد الأشاعرة وظنوا أن هذا هو الصواب نعم.
س: أحسن الله إليكم- حديث: إن قلوب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن هل في ذلك دليلٌ على الحلول، وأحسن الله إليكم ؟(1/35)
ج: ليس فيها دليل على الحلول، كما يليق بجلال الله وعظمته، والبينية أمرها واسع، أمَا تقرأ قول الله تعالى: وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، هل هناك ملامسة؟ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ السحاب بين السماء والأرض ما فيه بينية، لا يلزم من البينية الملامسة، ولا يلزم من ذلك الحلول، أين السحاب من السماء ؟ وأين من الأرض ؟ هل السحاب حال في الأرض ؟ أوحال في السماء ؟ لا. نعم.
أحسن الله إليكم وأثابكم، جعل ما قلتم في ميزان حسناتكم ونفعنا بعلمكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وفق الله الجميع لطاعته وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد ...
فقبل أن نبدأ الدرس الجديد نريد أن نسأل عما تكلمنا عنه في الدرس الماضي، تكلمنا عن كتاب الرد على الجهمية والزنادقة. ما المراد بالجهمية ؟ من هم الجهمية ؟ تفضل... هم الذين ينتسبون إلى جهم بن صفوان. جهم هذا من هو؟ جهم بن صفوان الترمذي السمرقندي، ما معتقده؟ نعم ما معتقده ؟ نعم، نفي الأسماء والصفات، الجهم هذا اشتهر بعقيدة نفي الأسماء والصفات، واشتهر أيضًا بعقائد أخرى، تزّعم أربع عقائد، كلها عقائد فاسدة.
العقيدة الأولى: عقيدة نفي الصفات، اشتهر بها.(1/36)
العقيدة الثانية: عقيدة الإرجاء، يعني: القول بأن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، بل وليست مراده، فالإيمان هو معرفة الإنسان ربه بقلبه، والكفر هو جهل الإنسان ربه بقلبه عند الجهم. وعلى هذا إذا عرف الإنسان ربه بقلبه، لو فعل جميع المنكرات ما يضره عند الجهم، فألزمه العلماء بأن إبليس مؤمن؛ لأنه عرف ربه بقلبه، وإن فرعون مؤمن ؛ لأنه عرف ربه بقلبه. قال: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ، وهذا من أبطل الباطل، وأبو طالب مؤمن، واليهودي مؤمنون، كل هذا إلزام له.
العقيدة الثالثة: عقيدة الجبر، القول بأن الإنسان مجبور، وأنه ليس له عمل، وليس له اختيار ولا إرادة، بل هو كالريشة في الهواء، حركاته كحركات المرتعش، ونبض العروق، وحركات الأشجار، والهبوب والرياح.(1/37)
ويقول الجهمية: إن الإنسان وعاء للأفعال، كالماء ... كالكوز الذي يصب فيه الماء، فالإنسان وعاء، والله صب الماء فيه، يقول: الأفعل أفعال الله نسبة إلى العبد مجازا. العقيدة الرابعة التي اشتهر بها الجهم: القول بفناء الجنة والنار، يقولون بأن الجنة والنار يفنيان، هذه عقائد خبيثة، الإرجاء والجبر توصله إلى النار نعوذ بالله، تهجيم كلها: إرجاء جبر ... الرد على الجهمية والزنادقة، الزنادقة ... ما المراد بالزنادقة؟ الزنادقة –نعم-: جمع زنديق، وهو –نعم- يطلق على المنافق، ويطلق على المتحلل من الأديان، الذي لا يؤمن بالخالق، ولا بالبعث، ويطلق على المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، كما كان شيخ الإسلام يطلق هذا عليهم، ويقول: تكثر الزندقة في هذا الكلام وفي الرافضة. ثم ... طيب نريد الآن أيضا أن نعرف شبهة من قال: إن هذه الرسالة "رسالة الرد على الجهمية والزنادقة" ليست للإمام أحمد، والرد عليه، شبهته ... ؟ ما هي شبهته ؟ نعم، الطعن في ... يقولون: هذا من رواية الخلال، الرسالة من رواية الخلال عن الخضر بن المثنى عن عبد الله ابن الإمام أحمد عن الإمام أحمد، قالوا: والخضر هذا مجهول، بم نرد على هذا ؟ الرد. نعم. قبل هذا ... أولا: الخلال عرف الخضر، فهو معروف لدى الخلال، ثم أيضًا الخلال وجد هذا بخط عبد الله بن أحمد، وجد الرسالة بخط الإمام احمد، فهي موجودة، حصلت له وجادة وسند، وأحب أن تكون الرواية عن طريق النقل والسند بالإضافة إلى الوجادة. ثالثا: أن العلماء أثبتوا أن هذه الرسالة للإمام أحمد، كالقاضي أبي يعلى في إبطال تأويلات شيخ الإسلام ابن تيمية في عدد من كتبه، في "بيان تلبيس الجهمية"، تفسير قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، "منهاج السنة" كذلك العلامة ابن القيم -رحمه الله -، ابن عقيل أيضًا من الحنابلة والجماعة.(1/38)
والعلامة ابن القيم ولا سيما في كتابه: "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية". فهي لا شك أنها للإمام أحمد، ولكن الجهمية والمعتزلة لا يريدون أن تثبت، لا يريدون، فالغالب أن الذين يشككون هم من أهل البدع، من أهل الكلام. الجهمية والمعتزلة وغيرهم، لا يريدون أن تثبت ؛ لأنها رد عليهم. ثم قال الإمام "الحمد لله" الحمد. . ما معنى الحمد؟ ما المرد بالحمد؟ الحمد:. .بس الثناء، قاصرهذا. الثناء على المحمود مع محبته وإجلاله وتعظيمه، فيكون الفرق بين الحمد والمدح: الحمد لايلزم أن يكون معه محبة، الحمد يكون معه محبة، الحمد معه محبة، والمدح لا يلزم أن يكون معه محبة. فأنت تمدح الشيء بالصفات التي فيه، وقد لا تحبه، فأنت تمدح الأسد بأنه قوي وشجاع، ولا يلزم من ذلك المحبة، أما الحمد: فهي الثناء على المحمود بصفاته الجميلة مع محبته وإجلاله وتعظيمه. طيب الفرق بين الحمد والشكر؟ الحمد والشكر هل هناك فرق بينهما؟(1/39)
تفضل..الحمد: أعم من الشكر من وجه، والشكر أعم من الحمد من وجه، يقول العلماء: بينهما عموم وخصوص وجهي، الحمد أعم من جهة إيش؟. بأن الحمد ثناء على المحمود بصفاته الجميلة، وبالنعمة التي أسداها، فأنت تثني عليه بالنعم التي أسداها، وتثني عليه بالصفات الحميدة، بخلاف الشكر فإنه خاص ... فإنك لا تشكر إلا من أسدى إليك معروفا، يعني: الشكر يكون لمن أسدى إليك معروفًا، والحمد يكون لمن أسدى إليك معروفا، ولمن لم يسد إليك معروفًا، أعم من هذه الجهة. فالله تعالى محمود ؛ لما اتصف به من الصفات العظيمة، والأسماء الحسنى، والأفعال العظيمة ؛ ولما أسداه وأولاه إلى عباده من النعم العظيمة، بالأمرين، أما الشكر إذا قال: شكر فلان وفلانا، يعني: شكره على معروف، على صنيع، لكن إذا لم يسد إليه معروفًا ما يقال: شكره، لكن يقال: حمده. فيكون الحمد من هذه الجهة أعم ؛ لأنه يكون ثناء على المحمود مقابل النعمة، وبدون مقابل، ومن غير مقابل، أما الشكر فلا يكون إلا في مقابل النعمة. والشكر أعم من جهة أخرى، الشكر يكون باللسان وبالقلب وبالجوارح، كما قال الشاعر:
أفعبدتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا(1/40)
أما الحمد فلا يكون إلا. .إيش ؟ إلا باللسان، الحمد يكون باللسان، فيكون الشكر أعم من جهة، وأخص من جهة، أعم من جهة أنه يكون باليد، بالقلب واللسان واليد، وأخص من جهة أنه لا يكون إلا على فعل المعروف. والحمد أخص من جهة أنه لا يكون إلا باللسان، وأعم من جهة أنه يكون ثناء على المحمود في مقابل النعمة، وفي غير مقابل النعمة. "الحمد لله" الله: هذا أعرف المعارف، وهو لفظ الجلالة، وأصل الله: الإله، سُهّلت الهمزة، ثم التقت اللام واللام فشددت، الله. الله: هو أعرف المعارف، علم على الذات المقدسة، علم على الرب -سبحانه وتعالى- ، لا يسمى به غيره، وهو مشتق من الألوهية، أَلهَ يأْلَه: إذا عبد، أله يأله إلهةً: عبد يعبد عبادة. فالله هو الاسم، اسم على الذات العلية، أعرف المعارف، كل أسماء الرب -سبحانه وتعالى- مشتقة ... مشتملة على الصفات، مشتمل على ... يدل على صفة الألوهية، "الله": اسم لله، وهو يدل على صفة الألوهية، فالرحمن: اسم مشتمل على صفة الرحمة، العليم: اسم مشتق من صفة العلم، القدير: اسم ... صفة القدرة، وهكذا. وأسماء الله قسمان: قسم خاص به، لا يسمى به غيره، وقسم مشترك، فالله خاص به لا يسمى به غيره -سبحانه وتعالى-، علم على الرب -سبحانه وتعالى-، الرحمن: كذلك علم، لا يسمى به غيره ؛ ولهذا لما تسمى مسيلمة الكذاب بالرحمن لزمه ولصق به وصف الكذب، فلا يطلق مسيلمة إلا ويوصم بالكذب، فيقال: مسيلمة الكذاب ؛ لأنه تسمى بالرحمن -قبحه الله- وهو كذاب. والأسود العنسي ادعى النبوة بالإيمان. كذاب، لكن ما يقال ... ما لصقه. .. ما لزمه اسم الكذب، ما يقال: الأسود العنسي الكذاب، هو كذاب، لكن لزم مسيلمة ؛ لأنه تسمى باسم الرحمن، فلا يقال إلا: مسيلمة الكذاب. مالك الملك، خالق الخلق، النافع الضار المحيي المميت، هذه كلها أسماء خاصة بالله.(1/41)
وهناك أسماء مشتركة كالعزيز والعليم الحي القدير السميع البصير، كل هذه مشتركة تطلق على الله وعلى غيره قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ ، إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ، يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ، وهكذا. "الحمد لله الذي جعل" يقول الإمام أحمد -رحمه الله- في خطبته " الحمد الله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم ". الزمان قلنا يطلق على أيش ؟ على الوقت القليل والكثير، والزمان والوقت قليلًا كان أو كثيرًا يطلق عليه زمان، "فترة" الفترة. ما المراد بالفترة ؟ تطلق على ما بين الرسولين، والمراد على فترة من الرسل: انقطاع ... انقطاع واندراس...(1/42)
انقطاع بعثهم، واندراس أعلام دينهم، وهذا فيه إشارة إلى الحديث: إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها "الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى" هذه خصلة ... هذه وظيفة الرسل وأتباعهم، "يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى" ؛ لأن الداعية والعالم والمصلح –وقبله الرسل –عليهم الصلاة والسلام- لا بد أن ينالهم أذى، إما بالقول أو بالفعل، فلا بد من الصبر، فإذا لم يصبر العالم أو الداعية، فإنه لا يستطيع أن يقوم بواجبه ؛ ولهذا قال: "ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى" هذا وصف العلماء، يحيون بكتاب الله الموتى، هل الناس موتى؟ نعم، نعم الجهل موت، قال الله تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ؛ لأن الحياة الحقيقية هي حياة الروح والقلب ؛ ولهذا سمى الله القرآن روحًا لتوقف الحياة الحقيقية عليه: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ؛ ولهذا قال: "يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى". هل الناس عُمي ؟ نعم.(1/43)
الجاهل أعمى ولو كان يبصر بعينيه ؛ لأن البصيرة هي البصر حقيقة، بصيرة الإنسان وعلمه هذا هو النور الحقيقي ؛ ولهذا سمى الله تعالى كتابه نورا، قال: وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . "فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه" يقول الإمام أحمد في خطبته: "فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه " هل إبليس يقتل الناس؟ نعم. نعم يقتل، بأي شيء يقتلهم ؟ بإضلالهم وتسويل الشرك والمعاصي، فمن زين له الشيطان الشرك وأطاعه فقد قتله، والمعاصي قتل نسبي ليس قتلًا كاملًا، القتل الكامل هو قتله بالشرك، والمعاصي وسيلة إلى القتل الكامل ؛ ولهذا قال: "فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه". يعني العلماء أحيوا كثيرا ممن قتلهم إبليس من المشركين وعباد الأوثان، دعوا عباد القبور والأوثان، وهم قد قتلهم إبليس، فدعوهم إلى الله فآمنوا ووحدوا وأخلصوا العبادة فأحيوهم، أنقذوهم أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ أنقذوهم بتوفيق الله وهدايته، وكذلك العصاة والمبتدعة، أنقذوهم منه ؛ ولهذا قال: "كم"، كم: للتكثير. "كم قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد أهدوه" يعني: كثير من الضلال الذين تاهوا عن الحق وضلوا الطريق المستقيم من المشركين والمبتدعة والضلّال العصاة قد هدوه، وبينوا له طريق الحق وطريق الصواب، فاهتدى بإذن الله.(1/44)
"فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم" المؤلف -رحمه الله- الإمام أحمد يتعجب من قبح أثر الناس على العلماء، ومن حسن أثر العلماء على الناس، "فما أحسن أثرهم" يعني: العلماء "على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم!" فما هو أثر العلماء على الناس ؟ وما هو أثر الناس على العلماء ؟ أثر العلماء على الناس الذي يتعجب الإمام من حسنه، ما هو؟ نعم. تعليمهم وهدايتهم وإرشادهم وإنقاذهم من ظلمات الشرك والبدع والمعاصي. هذا أثر حسن، أنقذوهم من الضلال، أنقذوهم من النار، هذا شيء حسن، أحسن من إنقاذ أجسامهم، يفوق إنقاذ أجسامهم، فأنت إذا أنقذت غريقا أو حريقا ألا تكون أحسنت إليه، فالذي ينقذ المشرك والمبتدع أفضل وأعظم ممن ينقذ الغريق والحريق وأعظم أجرًا ؛ لأن الغريق والحريق لو مات وهو مؤمن موحد لا يضره، والموت لا بد منه، لكن إذا مات المشرك على الشرك هلك هلاكًا أبديًا. وبهذا يتبين أن ... أيش؟ أن إنقاذ العلماء للمشركين والمبتدعة والعصاة أعظم من إنقاذ رجال الإطفاء لأهل الحريق وإنقاذ الغريق وغيرهم ممن أشرف على الهلكة، وإن كان هذا كله فيه فضل وأجر عظيم، لكن هذا أعظم، هذا أثر العلماء على الناس، "فما أحسن أثرهم على الناس!"، أثر العلماء على الناس "وأقبح أثر الناس عليهم!" ما هو أثر الناس على العلماء؟
ها..أيوه. السب والتكفير، وقد يكون الضرب والحبس والقتل أيضًا، ألم يقتل أحد من العلماء؟، بل الأنبياء قتلوا، قال الله تعالى عن بني إسرائيل فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ . زكريا قُتل -عليه الصلاة والسلام- ويحيى قتل، هذا أثر الناس على العلماء، وفي مقدمة العلماء، الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام - إذا منهم من قُتل، ومنهم من سجن، ومنهم من ضرب، ومنهم من حبس، ومنهم من أوذي، ومنهم من لطم، ومنهم من سب وشتم وضلل وكفر، هذه كلها أثر الناس على العلماء، "فما أحسن أثرهم على الناس !وأقبح أثر الناس عليهم!".(1/45)
"ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين " هذه وظيفة العلماء، ينفون عن لله تحريف الغالين، ما المراد بالتحريف؟ تغيير الشيء، يعني التغيير والتبديل، والتغيير الذي قد يكون في القرآن قد يكون تغييرا في اللفظ وقد يكون تغييرا في المعنى، تغيير في اللفظ مثل تغيير بعض. .. أيش؟ بعض الجهمية قراءته الآية: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا قرأ بنصب لفظ الجلالة، قال: "وكلم اللهَ موسى تكليمًا" حتى يكون موسى هو المكلّم، وقصدهم من ذلك إنكار أن يكون الله متكلما، فلما قال هذا قال له بعض العلماء: هب يا عدو الله أنك استطعت أنك تحرف هذه الآية، فكيف تقول في قول الله تعالى: وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ لا تستطيع أن تحرف لفظا، حرفت المعنى. قال المعنى: وجرحه بأظافر الحكمة، حرف المعنى قال: وعندي دليل، قال: دليل أن العرب تقول: فلان كَلْمه يدمى، كلمه يعني: جرحه وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ جرحه بأظافر الحكمة، هذا تغيير، تحريف في المعنى. ومثل تحريف المبتدعة للاستواء، قالوا: معناها استولى، تحريفهم للرحمة، قالوا معناها الإنعام، والرضا: الثواب، والغضب: الانتقام، أو إرادة الانتقام، وهكذا ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين.(1/46)
الغالون: أقسام: نفاة الصفات: غلوا في التنزيه، غلاة، نفاة الصفات من الجهمية والمعتزلة غلوا في التنزيه، زعموا أنهم ينزهون الله فزادوا وغلوا في هذا التنزيه حتى نفوا الأسماء والصفات عن الله، هذا غلو. فجاء العلماء ونفوا عن كتاب الله تحريف الغالين، كما أن الممثلة والمشبهة غلوا في الإثبات، حتى وصلوا إلى التشبيه، قالوا: نثبت الأسماء والصفات لله، ونقول إن الله يتكلم، يرضى يغضب، لكن مثل صفات المخلوقين سواء بسواء، هذا غلو في الإثبات. فجاء العلماء فنفوا هذا التحريف، كذلك القدر غلا فيه قوم فنفوا أفعال العباد، حتى جعلوهم لا يتحركون، جعلوهم كالريشة في الهواء، وهم الجبرية، فقالوا: إن العبد لا فعل له، الأفعال هي أفعال الله، والحركات تنسب إليه مجازا، وهذا إنكار المحسوس، نرى الإنسان يتحرك ويذهب ويجيء، عنده اختيار في البيت، يستطيع أن يقوم، يستطيع أن يذهب، يستطيع أن يجلس، فجاء العلماء ونفوا هذا الغلو، وقالوا: إن العبد له فعل وله مشيئته، وله إرادة، لكنها تابعة لمشيئة الله وإرادة الله وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ .(1/47)
والقدرية النفاة: غلوا بالعكس، ضد هؤلاء، غلوا في إثبات أفعال العبد، حتى قالوا: إن العبد يخلق فعل نفسه استقلالًا من دون الله، قالوا: هو العبد ... هو الذي يخلق الطاعات والمعاصي، حتى يكون مستحقا للثواب، إذا أطاع ومستحقا للعقاب إذا عصى، حتى قالوا: إنه يستحق الثواب على الله، كما يستحق الأجير أجره ؛ لأنه هو الذي خلق فعل نفسه، كما أنه إذا عصى وجب على الله أن يعذبه، وليس له أن يغفر له، وأن يخلده في النار إذا فعل الكبيرة. فجاء العلماء ونفوا هذا التحريف، كذلك الخوارج والمعتزلة، غلوا في الأسماء الصفات، في أسماء الدين والإيمان، فقالوا: إن من فعل المعصية والكبيرة كفر، يقول الخوارج: كفر وخرج من الملة، ويستحلون دمه وماله، والمعتزلة يقولون: خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، هذا غلو.(1/48)
فنفى أهل العلم هذا التحريف، وقالوا لهم: إن العبد لا يكفر، ولكن إيمانه يضعف إذا فعل المعصية، يضعف بدليل أن الله سمى العصاة مؤمنين، وقابلهم المرجئة، فالمرجئة قالوا: إن العبد إذا فعل ... إذا آمن وعرف ربه بقلبه، وإذا فعل جميع المنكرات والكبائر لا يضره، وهو مؤمن كامل الإيمان، وهو في الجنة، يدخل الجنة من أول وهلة، عكس الخوارج والمعتزلة. هذا غلو منهم، فجاء أهل الحق، أهل العلم، ونفوا هذا. الغلو واضح، هذه أمثلة. كذلك في الصحابة ... الروافض كفروا الصحابة، وقالوا: إنهم كفروا وارتدوا بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وغلوا في أهل البيت، حتى عبدوهم من دون الله، فجاء النواصب وهم الخوارج ونصبوا العداوة لأهل البيت، هؤلاء غلوا، وهؤلاء غلوا، هؤلاء غلوا في أهل البيت -الروافض- حتى عبدوهم، والنواصب سبوا أهل البيت وآذوهم وعادوهم، وهم الخوارج. فجاء أهل الحق، وأهل اعلم ونفوا غلو الرافضة وغلو النواصب، وعرفوا لأهل البيت حقهم، لم يعبدوهم كما تفعل الرافضة، ولم يؤذوهم ويعادوهم كما تفعل الخوارج، بل أحبوهم ووالوهم، وهكذا لا يزال العلماء ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين.(1/49)
كما قال الإمام -رحمه الله-. "وانتحال المبطلين" الانتحال: نسبة الشيء إلى القرآن أن ينسب إلى القرآن ما ليس منه، فهؤلاء المبطلون ينسبون إلى القرآن ما ليس منه، يقولون: إن القرآن دل على كذا، نسبوا إلى القرآن أن الله تعالى يعذب أحدا بغير جرم، واستدلوا بقوله تعالى بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا ، فجاء أهل العلم وبينوا ونفوا هذه النسبة الباطلة للقرآن، وقالوا: إن القرآن دل على ... لم يدل على هذا، وإنما المعنى: أن جلودهم تجدد، ليس المراد أنه يعذب أشخاصا آخرين. وكذلك نفى العلماء عن كتاب الله تأويل الجاهلين، الذين أوّلوا القرآن على غير تأويله، والتأويل: له ثلاث معان مشهورة: معنيان صحيحان، ومعنى محدث، فالمعنيان الصحيحان: يطلق التأويل على الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، كقوله سبحانه لما في قصة يوسف، لما ذكر له الرؤيا في أول السورة وأنه قال: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ثم لما سجدوا له في آخر الأمر في آخر السورة، وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ تحققت.(1/50)
حقيقة لما سجد له إخوته وأبواه قال: هذا تأويل رؤياي من قبل، هذه هي الحقيقة التي أول بها الحلم، وكذلك حقائق ما أخبر الله به في الجنة، في يوم القيامة تأويلها وقوعها، وكذلك الأوامر والنواهي تحقيقها تأويلها فعلها. ومن ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما نزل عليه إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا كان بعد ذلك يقول -عليه الصلاة والسلام- ... يكثر أن يقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك! اللهم اغفر لي، قالت عائشة: يتأول القرآن. هذا التأويل، يعني يعمل به، ويأتي التأويل بمعنى التفسير، تأويل الكلام: تفسيره، تأويل المعنى تفسيره، ومنه قول الإمام ابن جرير -رحمه الله- في تفسيره: القول في تأويل قول الله تعالى. يعني في تفسير قول الله تعالى.(1/51)
ويطلق التأويل على صرف الكلام أو اللفظ عن المعنى الظاهر الراجح إلى معنى مرجوح لدليل يقترن به، هذا أحدثه المتأخرون، صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى آخر بدليل يقترن به، هذا باطل. مثل صرفهم معنى اسْتَوَى لاستولى، يقول: استوى ظاهر أنه استواء حقيقي، استقرار، استوى معناها: استقر وعلا وارتفع، وصعد، هذا المعنى اللغوي، لكن كيفية الاستواء. الله أعلم. المعنى اللغوي معروف كما قال الإمام مالك: الاستواء معلوم، وهو الاستقرار والعلو والصعود والارتفاع، أما المعنى.. أما الحقيقة فهذه لا يعملها إلا الله، تأويل أهل الكلام الباطل قالوا نؤوّل استوى بمعنى: استولى، فإذا قيل لهم: لماذا تؤولون؟ الاستواء المراد: هو الاستواء الحقيقي قالوا: لا.. صحيح ... اللفظ الظاهر أنه الاستواء الحقيقي، هذا المعنى الظاهر وهو المتبادر، لكن نصرفه إلى معنى مرجوح، نصرف هذا المعنى –الاستواء- إلى معنى آخر وهو الاستيلاء، فإذا قيل لهم: لماذا؟ قالوا: عندنا الدليل، وهو العقل يمنع أن يكون الله استوى على العرش ؛ لئلا يلزم أن يكون ... لئلا يلزم عليه أن يكون الله مشابها للمخلوق، إذا قلنا: إن الخالق استوى، والمخلوق استوى، شابه الخالق المخلوق ؛ فلهذا عندنا دليل، فنصرف الاستواء عن المعنى الظاهر المتبادر إلى معنى آخر مرجوح.(1/52)
والدليل: العقل الذي يدل على أن الله لا يمكن أن يكون مستويًا استواء حقيقيًا هذا، باطل. هذا من تأويل الجاهلين الذي ينفيه أهل العلم، هذا معنى قول المؤلف ... مثال لقول المؤلف: "وتأويل الجاهلين والمبطلين". الباطل ينفيه أهل العلم عن كتاب الله -عز وجل- كذلك أيضًا قول النزول أولوه، قالوا: ليس نزولًا حقيقيًا، صحيح المعنى المتبادر: ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا أنه نزول حقيقي، قالوا: لا نصرفه إلى معنى بعيد، نقول: جاء أمره، فإذا قيل لهم: لماذا ؟ قالوا: عندنا الدليل، العقل يمنع أن نحمل النزول على معناه الحقيقي ؛ لأن الله لا يجوز عليه الانتقال ولا..والنزول من صفات المخلوقين. نقول: هذا باطل، نقول: ينزل ولا نكيف النزول، وهكذا جميع الصفات التي أوّلها أهل الجهل والمبطلون وأهل الكلام، نفاها أهل العلم عن كتاب الله -عز وجل-، هذا معنى قول المؤلف -رحمه الله-:"ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين".(1/53)
ثم وصفهم الإمام -رحمه الله- بقوله: "الذين عقدوا ألوية البدعة " هذا فيه بيان لشدة تمسك أهل البدع ببدعهم، من شدة تمسكهم كأنه جيش يُعقد له لواء، فقائد الجيش إذا عقد اللواء –خلاص- تم توجيه الجيش، إذا عقد اللواء وجه الجيش، يعني: ثبت، أما قبل أن يعقد اللواء قد يوجه الجيش، وقد لا يوجه. فإذا عقد اللواء توجه الجيش، فهؤلاء عقدوا ألوية البدعة يعني: صمموا ولزموا البدعة كما أن قائد الجيش يصمم حينما يعقد اللواء للجيش، يصمم على إنفاذه، فهؤلاء عقدوا ألوية البدعة. يعني: لزموها وتمسكوا بها وصمموا عليها. "وأطلقوا عقال الفتنة " يعني: أن هؤلاء المبتدعة حينما أولوا كتاب الله وحرفوه وأولوه ونسبوا إليه ما ليس منه، هذا فتنة فتنوا الناس عن دينهم وصرفوهم عن الحق، فكأنهم فتحوا باب الفتنة على مصراعيه، أطلقوا عقال الفتنة، الفتنة كانت ممسكة ثم أطلقها هؤلاء، كما أن البعير إذا أطلقت عقاله ذهب البعير. البعير ... معروف عند العرب أن البعير إذا أنيخ يكون هناك عقال تربط به يده حتى لا يقوم، وإذا ربطت اليدين أوثقته، ما يتحرك، فإذا أطلقت العقال قام وذهب، إذا أطلقت العقال ... . العقال: هو الخيط أو الحبل الذي يربط به يد البعير، إذا ربطت يد البعير خلاص عقلته، يقال: عقل البعير يعني: أمسكه ... بإيش ؟ أمسكه بهذا الحبل الذي يربط به يده، حتى لا يهذب، فإذا أطلقت العقال قام ومشى، فكذلك هؤلاء، كانت الفتنة معقلة ممسكة فجاء أهل البدع فأطلقوها فانتشرت –نسأل الله السلامة والعافية.(1/54)
هذا بيان من الإمام -رحمه الله- وكيفية نشر هؤلاء للفتنة والبدع أطلقوا عقال الفتنة فانتشرت بين الناس، وذلك بتحريفهم الذي فيه غلو، ونسبتهم إلى القرآن ما ليس منه، وتأويلهم الباطل، بهذا نشروا الفتنة بين الناس ؛ ولهذا قال المؤلف: "الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب ". الاختلاف هنا عندنا يقول المؤلف: "فهم مختلفون في الكتاب " مخالفون للكتاب: مجمعون على مفارقة الكتاب، مختلفون في الكتاب، الاختلاف في الكتاب: اختلاف في تنزيله واختلاف في تأويله، فاختلاف في تنزيله بعض الناس قال: إن القرآن لم يتكلم الله به، ما تكلم الله به، وليس وصفًا من أوصافه، وإنما هذه الألفاظ والمعاني خلقها في غيره، فصار بها متكلما، كما يقول ذلك المعتزلة والجهمية. يقولون: إن الله تعالى ما تكلم بالقرآن، ولا قاله، وليس وصفا من أوصافه، لكنه نسب إليه على سبيل المجاز، فيقولون: إن القرآن مخلوق، هذه الألفاظ والمعاني خلقها في غيره، فصار بها متكلمًا، وإن كان واقعا بقدرته ومشيئته إلا أنه لم يتكلم به. وقال آخرون: إن الله تكلم ... إن هذا القرآن وصف من صفاته، لكنه ليس واقعًا بمشيئته وقدرته، السالمية قالوا: إن القرآن وصف قائم بالله، ألفاظه ومعانيه، لكنه لا يتعلق بقدرته ومشيئته والكلابية، والأشاعرة قالوا: إنه وصف قائم بالله إلا أنه لا يتكلم بقدرته ومشيئته، ومع قولهم: إنه وصف بالله قالوا: ليس حرفًا ولا صوتًا، وإنما هو معنى قائم بنفسه، كما يقوم العلم به.(1/55)
هذا اختلاف في تنزيله، وكذلك الاختلاف في تأويله، اختلفوا في تأويله، كل يقول ... يؤول القرآن على تأويله الذي هو ... أي يعتقده، ويرد المعنى الذي يقوله غيره، فيقول مثلًا: يقول: كل منهم يجعل رأيه هو المحكم الذي يجب اتباعه، ويجعل رأي غيره هو المتشابه الذي يجب نفيه أو تأويله. فالجهمية يقولون: قولنا هو الحق في نفي الأسماء والصفات، وقول المعتزلة هو الباطل. والاشاعرة يقولون: قولنا هو الحق، وقول المعتزلة هو الباطل. فكل منهم يتأول القرآن على غير تأويله، ويقول: إن قوله ومذهبه هو الحق، وقول غيره هو الذي يجب تأويله أو تفريغه، هذا اختلاف في الكتاب، فهم مختلفون في الكتاب. "مخالفون للكتاب" خالفوا الكتاب، كل يدعي أن قوله هو الصواب وهو الحق، ويتأول القرآن على غير تأويله، ويضرب كتاب الله بعضه ببعض.(1/56)
كما ثبت في الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج يومًا على بعض أصحابه، وهذا ينزع بآية، وهذا ينزع بآية، فكأنما فُقئ في وجهه حب الرمان من الغضب، فقال: أبهذا أمرتم ؟! أم بهذا وكلتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟! فما علمتم منه فاعملوا به، وما لم تعلموا فكِلوه إلى عالم أو كما قال –عليه الصلاة والسلام. هذا اختلاف في الكتاب كل واحد ينزع بآية، كل واحد يقول: إن قولي هذا هو الحق، ويستدل بالقرآن على قوله، والآخر يستدل بالقرآن على قوله، ويضرب كتاب الله بعضه ببعض، فهذا مخالفة للكتاب. الله تعالى أمر بالاعتصام قال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ، فالاختلاف والتفرق هذا مخالفة للكتاب الذي أمر الله به بالاعتصام به ولزومه، وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا . فالمعتزلة يقولون: قولنا هو الحق، وقول الجهمية هو الباطل، والخوارج كذلك يقولون: قولنا هو الحق، نحن الأدلة عندنا تدل على أن العاصي مخلد في النار إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ، ويقولون: هذا هو الحق، وقول أهل السنة هو الباطل، الذي يجب تأويله، والمعتزلة يقولون: قولنا هو الحق، يدل قولنا ... النصوص تدل: العاصي خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر.(1/57)
والمرجئة يقولون: قولنا هو الحق، والنصوص تدل على أن المؤمن لا يضره –أي- شيء مع إيمانه. وهكذا فكل يدعي وصلا لليلى وليلى لاتقر لهم بذاك ، كل من هؤلاء المبتدعة يدعي أن قوله هو الحق، وأن قول خصمه هو الباطل الذي يجب تأويله وتفريغه. فهذا مخالف للكتاب وهم مجمعون على مفارقة الكتاب، حيث لم يعملوا بالقرآن، وقالوا: إن دلالته -دلالة القرآن- لفظية لا تفيد اليقين، يقولون: إن دلالة القرآن لفظية ظنية لا تفيد اليقين، فهي مظنونة. فالمتواتر القرآن والحديث المتواتر هذا قطعي الثبوت، لكنه ظني الدلالة. فمثلا الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى يقولون: هذه قطعية ثابته ما في إشكال، قرآن. وكذلك السنة المتواترة، لكن كونه يدل على الاستواء الحقيقي هذا مظنون، ظني ؛ لأنه قد يراد به الاستيلاء، فالدلالة ظنية.
وأما أحاديث الآحاد، قالوا: هذه ظنية الثبوت وظنية الدلالة لا يحتج بها لا من جهة السند ولا من جهة المتن، فثبوتها ظني، والدلالة ظنية. والقرآن ليس لهم حيلة فيه في أن يقولوا: ليس بثابت، يقولون: صحيح قطعي الثبوت لكنه ظني الدلالة، فسدوا على القلوب معرفة الله من كتاب الله -عز وجل- معرفة الله بأسمائه وصفاته من كتاب الله -عز وجل-، وقالوا ... ثم أيضًا القرآن، والسنة أدلة لفظية أدلة نطقية والأدلة اللفظية والنطقية لا تفيد اليقين ما تفيد إلا الظن، ما الذي يفيده اليقين؟ قالوا: الذي يفيده اليقين هو الأدلة العقلية، يسمونها قواطع، القواطع العقلية براهين يقينية، وهي المقدمات التي يرتبها أهل المنطق، ويستخرجون النتائج منها، مثل قولهم: الله ليس بجسم، وكل ما ليس بجسم لا يُرى، فالنتيجة: الله لا يرى. هذا ... مثلًا يركبون الدليل من مقدمتين ونتيجة: الله ليس بجسم وكل ما ليس بجسم لا يرى، فالنتيجة: الله لا يرى، يقول: هذا دليل قطعي يقيني، برهان يقيني.(1/58)
أما القرآن والسنة أدلة لفظية، والأدلة اللفظية لا تفيد اليقين. إذًا أبطلوا الاحتجاج بالقرآن والسنة. هذا معنى قول المؤلف -رحمه الله-: "مجمعون على مفارقة الكتاب، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم ". يقولون على الله بلا علم، في أسمائه وصفاته وشرعه، يقولون بغير علم، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، القول على الله بلا علم من أعظم الجرائم، وأعظم الكبائر، حتى إن الله -سبحانه وتعالى- جعله فوق الشرك بالله -عز وجل-، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ . جعلها فيها مرتبة فوق الشرك ؛ لأنه يشمل الشرك ويشمل غيره، كل مشرك قد قال على الله بلا علم، بلسان المقال وبلسان الحال، من عبد مع الله غيره أو أشرك بالله أو جحد أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة فقد قال على الله بلا علم. فالقول على الله بلا علم يشمل الشرك ويشمل الضلال والبدع، كل قول على الله بلا علم ... وقد جعل الله تعالى القول بلا علم من إرادة الشيطان في قوله -عز وجل-: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ . فجعله من أمر الشيطان. فالقول على الله بلا علم هذا من أعظم الجرائم والكبائر.(1/59)
ومن ذلك أن يقول على الله بلا علم في أسمائه وصفاته، يقول: إن الله لم ... إن هذه الأسماء والصفات قول بعض المبتدعة، هذه الأسماء ليست أسماء الله وإنما هي أسماء لمخلوقاته. هذا قول على الله بلا علم، القول بأن معنى اسْتَوَى : استولى قول على الله بلا علم، القول إن أباح كذا أو حرم كذا في الشرع بغير دليل قول على الله بلا علم، وهو يشمل القول على الله بلا علم في أسمائه وفي صفاته وفي شرعه، ويشمل الشرك والبدع والمعاصي. فالمشرك قائل على الله بلا علم ؛ ولهذا قال المصنف –رحمه الله- قال المؤلف الإمام أحمد: يقولون على الله بغير علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه ودينه، فالذي يفتي بغير علم، قال على الله بلا علم، إن الله أباح كذا أو حرم كذا على غير بصيرة فهو قائل على الله بلا علم. قال الله تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . فإذًا القول على الله بلا علم مرتبة فوق مرتبة الشرك ؛ لأنه يشمل الشرك وما دونه ويشمل القول على الله بلا علم، في أسماء الله أو في صفاته أو في أفعاله أو في شرعه ودينه. "يقولون على الله بلا علم وفي الله" ، "يقولون في الله بغير علم"، في الله: يعني: يقولون: إن الله ليس على العرش هذا قول في الله بغير علم، المبتدعة يقولون: إن الله لم يستو على العرش، والحولولية يقولون: إن الله حل في كل مكان، والمعتزلة الذين ينفون أسماءه وصفاته قالوا على الله بغير علم، قالوا في الله بغير علم.(1/60)
كما أن القول على الله بلا علم يشمل ما يقوله المدارية، وما يقوله الجبرية، وما يقوله الخوارج والمعتزلة من أن القرآن دل على كذا، هذا قول على الله بغير علم، وفي كتاب الله ... أيضًا يقولون في كتاب الله بغير علم -كما سبق- يقولون: إن كتاب الله دل على أن الله لم يتصف بالصفات ؛ لأنها أسماء لمخلوقاته. يقولون: إن كتاب الله دل على أن العاصي مخلد في النار، كما يقول الخوارج. .يقولون: إن كتاب الله دل على أن المؤمن يخرج من الإيمان بالمعصية، وهكذا كذلك يشمل كل من قال في كتاب الله ونسب إلى كتاب الله ما ليس منه كما سيتبين من ذكر المؤلف -رحمه الله- الأمثلة الكثيرة.
فيقول: إن كتاب الله دل على أنه لم يتصف بالصفات، دل على أن العاصي يخلد في النار، دل على أن العاصي يكفر، هذا قول على الله بلا علم، وهذا معنى قول المؤلف: "يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس، يتكلمون بالمتشابه من الكلام كما ذكر المؤلف يعني يأتون بالآيات المتشابهة ويتأولونها على غير تأويلها، يخدعون بذلك الجهال بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين". وسيسرد المؤلف -رحمه الله- أمثلة، سيذكر اثنين وعشرين مثالا في بيان ما ضلت فيه الزنادقة من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله، وهو قول على الله بلا علم، وقولهم في كتاب الله بغير علم. كل هذه الأمثلة أمثلة لقول الإمام -رحمه الله-: "يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين". نعم نقرأ.
بيان ما ضلت فيه الزنادقة من متشابه القرآن
شبهتهم في قوله تعالى " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها" والرد عليها(1/61)
بسم الله الرحمن الرحيم، قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: باب ما ضلت فيه الزنادقة من متشابه القرآن، قال أحمد في قوله -عز وجل- كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا .
---
هذا المثال الأول، أمثلة لبيان ما ضلت فيه الزنادقة من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله، ذكر المؤلف -رحمه الله- ذكر هنا اثنين وعشرين مثالا، هذا المثال الأول: قالوا في قول الله تعالى: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا هذا نص آية كريمة من القرآن، نص قرآني، شبهوا فيه وضلوا فيه. نعم، ننظر الآن للشبهة ... شبهتهم وجواب الإمام نعم.
قالت الزنادقة: فما بال جلودهم التي عصت قد احترقت وأبدلهم جلودًا غيرها ؟! فلا نرى إلا أن الله يعذب جلودًا لم تذنب حين يقول: بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا فشكوا في القرآن وزعموا أنه متناقض .
---
هذه الشبهة ... الشبهة الآن: قالوا في قول الله -عز وجل- كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا "ما بال جلودهم التي عصت قد احترقت وأبدلهم جلودًا غيرها ؟! فلا نرى إلا أن الله يعذب جلودًا لم تذنب حين يقول: بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا فشكوا في القرآن، وزعموا أنه متناقض. هذه الشبهة.
جواب الإمام عن هذه الشبهة -نعم- .
فقلت: إن قول الله: بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا ليس يعني جلودًا غير جلودهم وإنما يعني بدلناهم جلودًا غيرها، تبديلها: تجديدها ؛ لأن جلودهم إذا نضجت جددها الله ؛ وذلك لأن القرآن فيه خاص وعام، ووجوه كثيرة، وخواطر يعلمها العلماء.
---
بس. إلى هنا انتهى جواب الشبهة، انتهى المثال الأول.(1/62)
إذًا المثال الأول: هو أن المشبهة والزنادقة قالوا في قول الله تعالى في آية النساء: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ قالوا: الله تعالى قال: بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا إذًا يعذب الله جلودًا لم تذنب، ويلزم من ذلك أن يكون الله ظالما، -تعالى الله عما يقولون- ، عذب أحدا بغير جرم، عذب جلودًا ما أذنبت. وهذا باطل.
المؤلف -رحمه الله- يقول: هذا من أبطل الباطل، أيها الزنادقة، ليس المراد بالتبديل هنا تبديل الجلود، أنه يؤتى بجلود أخرى تُعذب. لا. . المراد بالتبديل: التجديد، جلودهم هي نفسها تجدد، تبدل تبديل تجديد لا تبديل جلود أخرى وذوات أخرى، هذا تبديل تجديد، كما أن الكافر يوسع جلده في النار حتى يشتد العذاب.
وكما أن من منع الزكاة -كما في الحديث-: أنه ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت لهم صفائح من نار، فأحمي عليها، فيحمى عليها بطنه وظهره، كلما بردت أعيدت قال العلماء: ليس ... لا يوضع درهم على درهم، ولا دينار على دينار، وإنما يوسع جلده حتى يشمل هذه الدراهم والدنانير التي منع الزكاة، ولو كانت أوراقا نقدية يجعلها الله شيئًا قويًا كالدراهم والدنانير، حتى يعذب.
فهذا تبديل تجديد، ليس تبديل جلود أخرى. قد يقول قائل: هل أنتم أوّلتم هذا التأويل. .. ليش تؤولون بدلناهم جلودًا غيرها؟ ظاهر الآية أنها جلود أخرى، فكيف تتأولون ؟ قال المؤلف ... فجاوب: "لأن القرآن فيه خاص وعام، ووجوه كثيرة وخواطر يعلمها العلماء ".
القرآن فيه خاص وعام ووجوه كثيرة وأفهام يعلمها العلماء، لأن القرآن يضم بعضه إلى بعض، النصوص يضم بعضها إلى بعض من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- الله تعالى قال: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ .(1/63)
وقال: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا وقال: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ الله تعالى لا يظلم أحدًا، فلا يمكن أن يعذب أحدًا ... بأيش ؟ بغير جرم، ولا يمكن أن يعذب أحدًا لم يذنب، والله تعالى نزه نفسه عن الظلم، ونفاه عن نفسه، وحرم الظلم على نفسه، كما في الحديث القدسي -حديث أبي ذر- يقول الله -عز وجل-: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا .
فكيف ؟! فالله تعالى حرم الظلم على نفسه فلا يمكن أن يظلم أحدًا، فلو كان المراد أتى بجلود أخرى لكان ظالمًا والله تعالى منزه عن الظلم، لا ممكن هذا ...
وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ .
وإذا كان يوسف -عليه الصلاة والسلام- لما جعل الصواع في رحل أخيه وأخذ أخاه ؛ لأن معه الصواع. جاء أخوته يطلبون منه أن يأخذ أحدهم مكانه: قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ .
ماذا كان الجواب ؟ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ نظلم، هذا هو الظالم، هذا الظالم الذي أخذ الصواع، هو الذي نأخذه، نأخذ واحدا بدله، هذا ظلم مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ .(1/64)
إذا كان يوسف -عليه الصلاة والسلام- يقول: هذا لا يأخذ واحدا بدل واحد، فكيف يقال: إن الله يعذب جلودًا لم تذنب، فليس هذا تأويلًا، وليس هذا تأويلًا مخالفا لظاهر القرآن، بل هو تفسير للقرآن بالقرآن، فالقرآن يضم بعضه إلى بعض، الله تعالى نفى الظلم عن نفسه، فلا يمكن أن تكون جلودا أخرى، وإنما المراد تبديل، تبديل أيش؟ تبديل ... المراد بالتبديل: تجديد جلود بجلود. واضح هذا.
ونظير هذا تبديل الأرض يوم القيامة، قال تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ .
الجهم قال: تبدل أرض أخرى غير هذه الأرض، وهذا باطل، فليس المراد تبديل ذات بذات، المراد: تبديل صفات.
فالأرض نفسها هي تمد كما يمد الأديم، وتسوى ويزال ما فيها من الجبال والأودية وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا فتُمَد ويزال ما فيها، وتسوى.
هذا هو تبديلها. واضح هذا؟
كذلك أيضًا تبديل ... كذلك بعث الأجساد يوم القيامة، الناس يبعثهم الله أنفسهم، نفس الذوات يعيد الله، الذرات التي استحالت ترابا، الإنسان يبلى إلا عجب الذنب، وهو العصعص آخر عظم في العمود الفقري، هذا لا يبلى، منه خلق ابن آدم، ومنه يركب ويعيد الله الذرات التي استحالت، بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ .(1/65)
فالله تعالى رد على منكري البعث بأنه عالم بالذرات التي استحالت، وقادر على إعادتها، فهذا البعث بعث ليس إنشاء لذوات جديدة، وإنما هو ... وإنما البعث بعث الأجساد، بعث الأجساد نفسها، جمع تفريق، يجمعها الله بعد أن تفرقت، ثم تُنَشَّأ، ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ نشأة أخرى.
ينشأ الناس تنشئة أخرى قوية، تبدل الصفات، تبديل الصفات خلافا للذوات؛ ولهذا يتحمل الناس ويقفون في موقف القيامة، هذا الموقف الطويل، هذا تبديل صفات واضح هذا ؟، تنشأ الصفات ... الذوات هي هي، والصفات هي التي ... أيش ؟ هي التي تختلف.
قال الله تعالى ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ واضح هذا؟.
فإذًا التبديل هنا تبديل تجديد، كما أن البعث ... كما أن تبديل الأرض تبديل صفات لا تبديل أرض أخرى، وكذلك بعث الأجساد وإنشائها بعث وإنشاء عن تفرق لا عن عدم، الجهم بن صفوان -قبحه الله- قال: إنه يعدم الإنسان إذا مات يعدم وتنتهي ذراته، ثم يبعث الله أناسا آخرين، هذا من أبطل الباطل، معناه: أن الله يبعث أناسا آخرين، ويعذب أناسا آخرين لم يذنبوا هذا من أبطل الباطل.
ولما قال الجهم بن صفوان هذا القول، وقال: إن ... أنكر البعث ... قال: إن البعث بعث لـ ... صحيح بعث أجساد، لكن أجساد أخرى، فتح بابا لابن سينا الملحد المعروف، فلما قال الجهم: إن البعث بعث أجساد أخرى، جاء ابن سينا وقال: ليس هناك بعث للأجساد إطلاقًا، وإنما البعث للأرواح، فتح الباب، من الذي فتح الباب لابن سينا لإنكار البعث ؟ الجهم.
الجهم لما قال: إن البعث لا لهذه الأجساد، بل لأجساد أخرى، جاء ابن سينا وقال: ليس هناك بعث للأجساد إطلاقًا، البعث للأرواح، ما في بعث للأجساد ، فكفر. هذا كفر صريح.(1/66)
قال الله تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ابن سينا ملحد، ينكر البعث، ينكر وجود الله، ينكر الكتب والرسل.
الذي اغتر به كثير من الناس ومن الصحفيين والإعلاميين وهو الفيلسوف الإسلامي، وهو ملحد يقول عن نفسه: أنا وأبي من دعوة الحاكم العبيدي، والحاكم العبيدي رافضي خبيث لا يؤمن بالله ولا بملائكته ولا بكتبه ولا برسله ولا باليوم الآخر ولا بالقدر، نسأل الله السلامة والعافية.
فإذًا هذا التبديل تبديل. .. أيش؟ تبديل جلود، بدلناهم تبديل جلود، تبديل الجلود يعني معناه: تجديد، تبديل الجلود يعني: تجديدها لا إيجاد جلود أخرى، كما أن تبديل الأرض يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ تبديل صفات، تسوى وتمد كما يمد الأديم ويزال ما عليها، وكذلك السماء يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ وتكون وردة كالدهان، يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ واضح هذا؟.
كما أن البعث -بعث الأجساد- بعث بنفس الذرات التي استحالت، يعيدها الله خلقا جديدا، وينزل الله مطرا فتنبت منه أجساد الناس، وينشأ الناس نشأة أخرى قوية يتحملون ؛ ولهذا كان الناس لا يتحملون رؤية الله في الدنيا، في يوم القيامة المؤمنون يرون ربهم، أما في الدنيا ما يستطيع أحد أن يرى الله، ولما قال موسى: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قال الله: لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا ما استطاع قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ .
لكن في يوم القيامة ينشئ الله المؤمنين تنشئة قوية يستطيعون ويثبتون فيها لرؤية الله -عز وجل- واضح هذا؟.(1/67)
فالتنشئة ... غير التنشئة، تنشئة صفات، والذوات هي هي؛ ولهذا يكون الناس طولهم في الجنة على طول آدم: ستون ذراعا في السماء، وأما العرض فجاء في حديث رواه الترمذي، في سنده بعض الضعف أن عرض الواحد سبعة أذرع لكن فيه ضعف ، . .الحديث.
أما الطول هذا فثابت في الصحيح، في البخاري: أن طول ابن آدم ستون ذراعًا هي هي ذاته، لكن الصفات... وكذلك الكافر يعظم خلقه في النار، جاء في صحيح مسلم: أن ضرس الكافر في النار مثل جبل أحد .
حتى يعذب، يوسع جلده لكن هو هو، ليس شخصا آخر، فهؤلاء الزنادقة الذين شبهوا ... هذا من الكلام الذي ... من الأمثلة التي شبه فيها الزنادقة، وتأولوا القرآن على غير تأويله، قالوا بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا قالوا: جلودًا أخرى هي التي أبدلت فالله يعذب جلودًا لم تذنب فيكون ظالما، نعوذ بالله، تعالى الله عما يقولون. نعم.
شبهتهم في قوله تعالى " هذا يوم لا ينطقون" والرد عليها
وأما قوله -عز وجل- هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ثم قال في آية أخرى: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فقالوا: كيف يكون هذا من الكلام المحكم، قال: هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ ثم قال في موضع آخر: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فزعموا أن هذا الكلام ينقض بعضه بعضًا، فشكوا في القرآن .
---(1/68)
هذه هي الشبهة، الآن. هذه الشبهة الآن، شبهوا بالآيات وقالوا: إن القرآن ينقض بعضه بعضا، الشبهة يقولون: إن الله قال: هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ وفي الآية الأخرى قال: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إذًا ينطقون، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إذًا نطقوا. وفي الآية الأخرى هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ قالوا: هذا تناقض، القرآن متناقض، في آية يقول: لا ينطقون، وفي آية يقول: يختصمون، واضح هذه الشبهة، نعم. الجواب.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00019.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00017.htm
أما تفسير هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ فهذا أول ما تبعث الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون، ولا يؤذن لهم في الاعتذار فيعتذرون، ثم يؤذن لهم في الكلام فيتكلمون، فذلك قوله رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا فإذا أذن لهم في الكلام تكلموا واختصموا، فذلك قوله: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ عند الحساب، وإعطاء المظالم. ثم يقال لهم بعد ذلك: لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ أي: عندي وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ أي: في الدنيا، فإن العذاب مع هذا القول كائن.
---
"فإن العذاب مع هذا القول كائن " هذا نهاية الجواب، إذًا هذه الشبهة ... المثال الثاني لما شكت فيه الزنادقة من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله أنهم قالوا: إن الله تعالى أخبر في آية أنهم لا ينطقون، وفي آية أخبر أنهم يختصمون.(1/69)
أجاب الإمام -رحمه الله- قال: مواقف القيامة متعددة، يوم طويل، يوم عظيم، يوم القيامة يوم طويل، في بعض المواقف لا ينطقون، وفي بعضها ينطقون ؛ لأن مشاهد القيامة متعددة ؛ ولهذا قال الإمام -رحمه الله- أول ما يبعث الله الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون ما يتكلمون، ولا يؤذن لهم فيعتذرون، ثم بعد ذلك يأذن الله لهم في الكلام فيتكلمون.
ولهذا أخبر الله عنهم أنهم قالوا: رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ لمّا أذن لهم في الكلام تكلموا، قالوا: رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا وطلبوا الرجعة، أن يرجعون في الدنيا حتى يعملوا صالحًا رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ثم... فحينئذ يتكلمون، ويختصمون، وهذا هو معنى قوله: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ يعني: عند الحساب وإعطاء المظالم، ثم بعد اختصامهم يقول الله لهم: لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ في الدنيا جاءكم الوعيد والتحذير والتخويف والإنذار ثم بعد ذلك ... بعد هذا لا يكون إلا العذاب.
فهم في الأول لا ينطقون، ثم يؤذن لهم فينطقون ويعتذرون ويطلبون الرجعة رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ .
ثم بعد ذلك ... ويختصمون فيقول الله: لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ في الدنيا جاءكم الوعيد والتحذير والإنذار، جاءتكم الرسل بلغتكم، بلغتكم القرآن، بلغتكم السنة، لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ يقول الله تعالى: لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ثم بعد ذلك لا يكون إلا العذاب، بعد هذا قامت عليهم الحجة ؛ ولهذا قال المؤلف: "فإنه مع هذا يكون العذاب كاملا " العذاب مع هذا القول كامل.(1/70)
في أسئلة كثيرة ... دعونا نقف على المثال الثالث، إن شاء الله نترك بقية الوقت للأسئلة.
س: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ هذا سائل يقول: بعض الناس يقولون: إن الله -سبحانه وتعالى- موجود في كل مكان، واستدلوا بقول الله -عز وجل-: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ فكيف نرد على هؤلاء؟ وجزاكم الله خيرًا؟.
ج: هذه من الأمثلة التي سيأتي بها المؤلف، سيناقشها المؤلف -رحمه الله- في الرسالة هذا قول الجهمية، قال: إنهم وجدوا ثلاث آيات، استدلوا بها على أن الله في كل مكان، هذه الآية وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ والآية الأخرى وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ .
المقصود أن هذه الآية ليس لهم دليل فيها وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ المعنى: علمه في السماوات وفي الأرض، وأما هو سبحانه، ذاته فوق العرش كما قال سبحانه ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ .(1/71)
النصوص التي فيها إثبات العلو يقول العلماء: تزيد على ثلاثة آلاف، كلها صريحة وواضحة في إثبات العلو، فكيف تترك أكثر من ثلاثة آلاف دليل كلها صريحة في إثبات العلو وتأتي بالآية المشتبهة هذه ؟! هذه علامة أهل الزيغ، يقول العلماء: علامة أهل الزيغ أن يترك المحكم ويتعلق بالمتشابه، هذه الآية.. المتشابه يرد. .ترد إلى المحكم، ردوها إلى النصوص المحكمة، فتفسر بها كما قال الله تعالى عن الراسخين في العلم قال: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا فهذه الآية المراد بها العلم وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ يعني: علمه في السماء وعلمه في الأرض، كما أن علمه في السماء.
ومن ... بعض العلماء وقف على قوله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ ثم يبتدئ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ بعضهم قال: الوقف على قوله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ ثم يبتدئ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ لكن هذا ليس بجديد.
المقصود أن الآية ... المراد بالآية العلم. نعم.
... ما معية ... ما في معية وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ علم، المعية ستأتي غيرها المعية ما في معية في الآية وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يعلم، علم ... يَعْلَمُ سِرَّكُمْ المعية وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ سيأتي البحث. نعم.(1/72)
س: يقول فضيلة الشيخ، إذا قال قائل: اسم الله ليس مشتقا، فهل يترتب على هذا الخلاف ثمرة ؟
ج: نعم. ما تدل على الصفة.. غير مشتق ... ، مثل الرحمن ما يدل على الرحمة، العليم ما يدل على صفة العلم، الله ما يدل على صفة الألوهية هذا، معنى مشتقة يعني: مشتملة على الصفات ... تدل على الصفات، كل اسم يدل على الصفة، الله فيه إثبات صفة الألوهية، الرحمن: يدل على صفة الرحمة، العليم: صفة العلم، القدير: صفة القدرة، والقول بأنه جامد غير مشتق، معناه إنكار للصفات التي دلت عليها الأسماء.
س: وهذا يقول -فضيلة الشيخ-: هل الطائفة المنصورة لا يخرج عنهم الحق في الأصول والفروع، بحيث إن مجموعهم لا يغلطون؟
ج: نعم معصومون، الأمة معصومة من أن تجمع على ضلالة، الأمة كلها، كما جاء في الحديث: لا تجتمع أمتي على ضلالة فلا يمكن أن تجمع الأمة كلها على ضلالة وعلى باطل، الحق موجود في الأمة، ما يخرج عنها.
أما الواحد أو الأفراد قد يغلطون، لكن الأمة معصومة في مجموعها بأن يخرجوا عن الحق، ما يخرجوا عن الحق لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله .
هذا هو قول النبي -صلى الله عليه وسلم- نعم.
س: وهذا يقول -فضيلة الشيخ-: هل يكفر من يسب الصحابة؟.
ج: يختلف هذا، إذا كان سبهم لدينهم، يكفر. .هذا كفر أو اعتقد. .. أو فسقهم أو كفرهم هذا يكفر ؛ لأن كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ؛ لأنه تكذيب لله، الله تعالى عدلهم وزكاهم فمن قال: إنهم كفار وفساق فقد كذب الله، يكون مرتدا، الله تعالى يقول: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ الله يقول: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هذا يقول هم كفار وفساق، كذّب الله، ومن كذب الله كفر.(1/73)
فالذي يقول الصحابة كفار أو فساق أوكلهم كفروا أو فسقوا أو ارتدوا بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهو فاسق، أما السب فيختلف إذا سبه لدينه كفر، أما سبه لغيظ، هذا محل نظر.
وكذلك من قال: إن الله في كل مكان ... ، هذا تابع للسؤال الأول، من قال: إن الله في كل مكان فهو كافر، الله تعالى فوق العرش، مكذب لله، من قال: إن الله في كل مكان كفر. نعم.
س: وهذا يقول -فضيلة الشيخ-: ما هي الصفات السبع التي أثبتها الأشاعرة ؟ لأنه يدرسنا أستاذ أشعري، ونفى صفة العَجَب، فكيف نرد عليه ؟.
ج: العجب. . نعم، الحياة والكلام والبصر والسمع والإرادة والعلم والقدرة، هذه الصفات السبع التي يثبتها الأشاعرة، الحياة ... يقولون:
فله الحياة والكلام والبصر ... سمع إرادة وعلم واقتدر
الحياة والكلام والسمع والبصر والإرادة والعلم والقدرة، مع أن الكلام ما أثبتوه على حقيقته، صفة الكلام قالوا: إنه يتكلم بغير حرف ولا صوت، معنًى قائم بنفسه لا يُسمع، هذه من الصفات السبع التي أثبتوها، يعني ما أثبتوا إلا ستا، والسابعة ما أثبتوها على وجه الصفة، يقول: ما يتكلم بحرف ولا بصوت، يتكلم يعني معناه: الكلام معنًى قائم في النفس معلوم في نفسه، وقالوا: اضطر جبريل ففهم المعنى القائم بنفسه، فعبر بهذا القرآن، فهذا يكون عبر به جبريل أو محمد، والله لم يتكلم لا بحرف ولا صوت.
هذا قول الأشاعرة، ومنهم من قال: إن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ ومنهم، من قال: إن محمدا هو الذي عبر ... هو الذي أتى بهذه الألفاظ، هذه الألفاظ من قول جبريل أو من قول محمد، والله لم يتكلم لا بحرف ولا صوت، نعوذ بالله.
المقصود أن ... أما العجب بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ يعجب ربك هذه من الصفات الفعلية، كما يقول الله -جل وعلا-: يضحك الله.(1/74)
وله صفة الضحك والعجب والرحمة والرضا والغضب إلى غير ذلك من الصفات، كلها ثابتة لله على ما يكون جلاله وعظمته، لا يشابه أحدًا من خلقه في شيء من صفاته -سبحانه وتعالى- كما قال سبحانه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ . نعم.
س: وهو يقول أيضًا -فضيلة الشيخ-، هل الأشاعرة من أهل السنة، وهل الزيدية أقرب لأهل السنة من الأشاعرة؟.
ج: الأشاعرة ليسوا من أهل السنة، لكن يسمون أنفسهم أهل السنة في مقابل المعتزلة ؛ لأنهم يثبتون سبع صفات، والمعتزلة ما يثبتون شيئًا، لكن في الواقع ليسوا من أهل السنة ؛ لأنهم ينفون بقية الصفات ؛ ولأنهم يقولون: إن العبد مجبور، أيضًا جبرية هم. ولا يثبتون للعبد فعلا، يثبتون له الكسب، كل هذا مخالف لأهل السنة، مخالف في كثير من مسائل الدين يخالفون أهل السنة، لكن هم من أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة، في الصفات السبع وما أشبهها، أما إطلاق أهل السنة عليهم لا. .. ليسوا من أهل السنة.
أما الزيدية -هذا فيما يتعلق بالصحابة- الزيدية يفضلون عليّا على عثمان أو يفضلون ... المعروف عن الزيدية أنهم لا يسبون الصحابة فيكونون مبتدعة، هذه مسألتهم تتعلق بالصحابة، والأشاعرة تتعلق بالصفات.
أما مسألة معتقدهم، معتقد الزيدية في الصفات قد يكون في الغالب أنهم يوافقون المعتزلة، والرافضة يوافقونهم وقد يخالفونهم لكن مسألة الزيدية هذه فيما يتعلق بالصحابة تفضيل عليّ على عثمان أو تفضل ... لكن من دون سب، ليسوا سبابا، ما يسبون. بخلاف الرافضة فإنهم يسبون الصحابة، هذا فيما يتعلق بالصحابة، أما الأشاعرة فيما يتعلق بالصفات.
س: ويقول أيضًا هل يجوز الترحم على العلماء من غير أهل السنة، كالرازي والزمخشري والجاحظ وهل العز بن عبد السلام أشعري؟(1/75)
ج: الرازي تاب، صحيح الرازي كان من الأشاعرة ثم من الجهمية الذين ينفون النقيضين لا داخل العالم ولا خارجة، ورد عليهم شيخ الإسلام وله مؤلفات وله كتب، حتى قال شيخ الإسلام له كتاب في التفسير، يقول العلماء: فيه كل شيء إلا التفسير، فيه الفلك والطب والهندسة إلا التفسير، له كتاب "السر المكتوم في عبادة النجوم".
لكن ذكر شيخ الإسلام في "بيان تلبيس الجهمية" أنه تاب وترحم عليه، وذكر وصية في آخر حياته.
وأما الغزالي كذا بقي الغزالي على طريقة أهل الكلام وفيه التصوف، يترحم عليهم ؛ لأنهم قد يكونون مثلا ما تعمدوا، قد يكونون مثلا ما بلغهم، يعنى الحق، فالمقصود أنهم ... الذي ليس إماما في البدعة قد يترحم عليه، قد يغلط مثلًا الأشعري قد يكون أشعريا مثل أئمة أهل الحديث ... بعض المحدثين الذين غلطوا ولم يوفقوا لمن ينشئهم على متابعة أهل السنة والجماعة كالنووي والحافظ ابن حجر لهم تأويلات توافق مذهب الأشاعرة في الصفات.
لكنهم لم يتعمدوا وهم علماء فطاحل لهم يد طولى في الحديث وفي نفع الأمة وفي مصطلح الحديث، لكن غلطوا في هذه المسائل، لكن المعتزلة أئمة المعتزلة أئمة الجهمية، هؤلاء فبدعتهم شديدة غليظة حتى كفر بعض أهل العلم المعتزلة، والجهمية كفرهم خمس مائة عالم، من العلماء وكفرهم بإطلاق وقال عبد الله بن المبارك: إنا لنحكي أقوال اليهود والنصارى ولا نحكي أقوال الجهمية. نعم.
س: العز بن عبد السلام ؟
ج: العز بن عبد السلام ما أدري ... ما أدري عن معتقده، لكن في ظني أنه من أهل السنة. نعم.
س: وهذا يقول -فضيلة الشيخ-: من يقول إن أهل السنة والجماعة عندهم قصور في تعظيم أهل البيت بخلاف الشيعة الذين بالغوا في تعظيمهم، هل يعد من يقول هذا القول من أهل السنة؟.(1/76)
ج: لا هذا قول باطل، أهل السنة ما قصروا، أهل السنة أنزلوهم المنزلة اللائقة بهم، ما عبدوهم كما عبدهم الشيعة، الرافضة غلوا حتى عبدوا أهل البيت، والنواصب آذوا أهل البيت وعادوهم وسبوهم، وأهل السنة توسطوا لم يسبوهم ولم يعادوهم كما فعل النواصب، ولم يعبدوهم من دون الله، بل أنزلوهم المنازل اللائقة بهم، ترحموا عليهم، وترضوا عنهم، وأحبوهم ووالوهم، من يقول: إن أهل السنة قصروا هذا شيعي، شيعي أو متأثر بالشيعة، ما يعلم قول أهل السنة، كيف قصروا ؟! يريد يعبدونهم من دون الله ؟ هذا حق الله.
نحن نحب أهل البيت ونواليهم ونترحم عليهم ونترضى عليهم لكن لا نعبدهم ولا نؤذيهم ونسبهم كما يفعل الخوارج، بل نحبهم ونترضى عليهم ونواليهم.
س: ولعل نختم بهذا السؤال - يقول -فضيلة الشيخ، أحسن الله إليكم- طول الإنسان في يوم القيامة ستون ذراعا في السماء وإن ضرس أهل النار مثل جبل أحد ومعنى هذا أن الضرس أكبر من الجسد فكيف يمكن التوفيق وجزاكم الله خيرًا؟.
ج: يعظم الجسد، الجسد يعظم، إذا كان الضرس هكذا فبقيت ... الجسد يعظم، كل الجسد يعظم، كل الجسد يعظم حتى يذوق العذاب، وأهل الجنة طوال الواحد منهم ستون ذراعًا في السماء هذا ثابت، وأما حديث أن عرضه سبعة أذرع هذا جاء في حديث رواه الترمذي في سنده لين -وفق الله الجميع لطاعته ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح وصلى الله على محمد وآله وسلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فإنا نريد أن نسأل عن بعض ما مضى في الدرس الماضي، قول الإمام أحمد -رحمه الله -: "إن أهل البدع مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب".(1/77)
ما مثال اختلافهم في الكتاب؟ نعم. تفضل: مختلفون في تنزيله، ومختلفون في تأويله. اختلافهم في التنزيل، هل القرآن وصف قام بالله أو لم يقم به؟
بعضهم يقول: إن القرآن كلام وصف قائم بالله، إلا أنه لا يتعلق بقدرته ومشيئته كما يقول الكلابية والأشاعرة والسالمية، هذه الطوائف يقولون: إنه وصف قائم بالله، لكنه لا يتعلق بقدرته ومشيئته، وكذلك الفلاسفة أيضًا.
فالسالمية يقولون: حروف وأصوات قائم بذات الله، إلا أنه لا يتعلق بقدرته ومشيئته، ولهذا يقولون: إن الله لم يزل يتكلم في الأزل: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ .
قوله: "لو قلنا: إنه يتعلق بالقدرة والمشيئة للزم حلول الحوادث في ذات الله، وهذا من أبطل الباطل" والكلابية والأشاعرة يقولون: لا يتعلق بقدرته ومشيئته، وعلى هذا فهو معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت.
والحروف والأصوات مخلوقة، لو قلنا: إنه حرف وصوت للزم حلول الحوادث بذات الله، فقالوا: إذن القرآن معنى قائم بالنفس، كيف يفهم المعنى القائم بالنفس؟ قالوا: الله -تعالى- يضطر جبريل حتى يفهم المعنى القائم بنفسه، ثم يعبر عنه بالوحي، هكذا يقول الأشاعرة، يقولون: إن الله -تعالى- اضطر جبريل، ففهم المعنى القائم بنفسه، فعبر عن القرآن، فهو عبارة عن تعبير جبريل.
فالحروف والأصوات من جبريل، والمعنى من الله قائم بنفسه، فهمه جبريل، ومنهم من قال: إن التعبير من محمد، ومنهم من قال: إن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ. كل هذه أقوال الأشاعرة.
هذا باطل، هذا اختلاف في تنزيله، ومنهم من قال: إن القرآن يتعلق بقدرته ومشيئته، إلا أنه مخلوق، وهذه الحروف والأصوات خلقها خارجة عن ذاته، فصار بها متكلمًا، وهذا قول المعتزلة والأشاعرة.
هذا اختلاف في تنزيله، كذلك اختلاف في تأويل القرآن، هل يؤول القرآن أو يفوض؟ ومعنى "استوى" استولى. اختلاف في تأويله.(1/78)
طيب مخالفون للكتاب، كيف مخالفتهم للكتاب؟. نعم، أحسنت: يعني مخالفون للكتاب فهم يستدلون بأقوال باطلة، وكل يدعي أن القرآن يدل على ما يدل عليه.
"مجمعون على مفارقة الكتاب" نعم. أجمعوا على مفارقة الكتاب: أجمعوا على أن الكتاب والسنة أنها نصوص لفظية لا تفيد اليقين، ولا تدل على اليقين، ودلالتها ظنية لا تفيد اليقين، والذي يفيد اليقين ما هو؟ الأدلة العقلية يسمونها قواطع عقلية، وبراهين يقينية، فاعتمدوا على مقدمة أهل المنطق ومناهج الفلاسفة، وتركوا كتاب الله وراءهم ظهريًا، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قالوا: هذه أدلة نطقية، وأدلة لفظية لا تفيد اليقين، اللفظ لا يفيد اليقين ودلالتها ظنية حتى ولو كان قرآنا، ولو كانت سنة متواترة فهي قطعية الثبوت، لكنها ظنية الدلالة.
أما السنة الآحاد فهي لا يحتج بها لا من جهة السند، ولا من جهة المتن، فهي ظنية الدلالة وظنية الثبوت، فسدوا على القلوب معرفة الله بأسمائه وصفاته عن طريق الكتاب والسنة، وفتحوا على الناس باب الشر، وهو الاعتماد على مقدمة أهل المنطق ومناهج أهل الفلسفة، فأجمعوا على مفارقة الكتاب.
قوله: "يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم" القول على الله بلا علم يشمل ماذا ؟ نعم.
أحسنت، يشمل أن يقول على الله قولا في أسمائه وصفاته، وهي أن يقول مثلًا بأن أسماءه مخلوقة، هذا قول على الله بغير علم.
القول بأنه ليس متصفًا بالصفات، أو أنه لا يوصف إلا ببعض الصفات دون بعض قول على الله بلا علم. كذلك القول في شرعه ودينه، كأن يقول هذا حلال، وهذا حرام، يقول مثلًا: بعض المعاملات الدنيوية يقول: هذه حلال، أو يقول: الدخان حلال مثلًا بغير علم، أو ما أشبه ذلك، هذا قول على الله بغير علم.(1/79)
والقول على الله بغير علم فوق مرتبة الشرك، جعله الله فوق مرتبة الشرك، قال -سبحانه-: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ فجعلها المرتبة الخامسة؛ لأنه يشمل الشرك، ويشمل غيره.
الشرك فرد من أفراد القول على الله بغير علم. نسأل الله السلامة؛ لأن كل مشرك قد قال على الله بغير علم، هل القول على الله.
القول في كتاب الله بغير علم؟ نعم يستدلون به على الباطل، وينسبونه إليه، أحسنت.
يقولون على الله وفي الله، والقول في الله بغير علم، وفي أسمائه وصفاته، فمن قال: إن الله ليس فوق العرش، فقد قال في الله بغير علم، من قال: إنه ليس متصفًا بالعلو ولا بالاستواء، فقد قال على الله بغير علم، من قال: إن أسماءه مخلوقة، فقد قال في الله بغير علم. نعم.
نحن بدأنا في الأمثلة التي ساقها المؤلف الإمام أحمد -رحمه الله- فيما شكت فيه الزنادقة ومتشابه القرآن وتأولته على غير تأويله.
المثال الأول: الذي شكت فيه الزنادقة قول الله -تعالى-: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا ما هي الشبهة؟
شبهة الزنادقة في الآية نعم. قالوا: إن الآية تدل على أن الله -تعالى- يعذب جلودًا لم تذنب، يأتي بجلود أخرى غير الجلود العاصية فيعذبها، فيكون ظالمًا.(1/80)
الزنادقة هنا الجهمية، فالجهمية زنادقة ملاحدة فهذا معناه نسبة الظلم إلى الله -عز وجل- والله -تعالى- قد نفى عن نفسه الظلم، قال: لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ وحرم الظلم على نفسه -وإن كان قادرًا عليه- تنزها عنه قال -سبحانه- في الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا .
فالظلم مقدور لله، إلا أن الله نزَّه عن نفسه خلافًا للأشاعرة الجبرية، يقولون: إن الظلم غير مقدور لله، الظلم هو المستحيل الذي لا يدخل القدرة كالجمع بين الضدين، وعلى هذا فكل شيء داخل تحت القدرة لا يكون ظلمًا.
هذا قول من؟ الجبرية.
الجبرية: هم الجهمية، والأشاعرة كلهم جبرية، يقولون: إن الظلم مستحيل غير واقع، ولا وجود له أبدًا، فيقولون: والله -تعالى- يجوز عليه أن يعذب الأنبياء والمؤمنين، ويحملهم أوزار الفجار والمنافقين، ولا يكون ظالمًا؛ لأنه داخل تحت القدرة؛ إذ تصرف في ملكه.
وقالوا: إنه يجوز لله أن يقلب التشريعات القدرية إذا تصرف في ملكه، وقالوا: إنه يجوز لله أن يقلب التشريعات والجزاءات، فيجعل العفة حراما، والزنا واجبا، وأن يبطل حسنات الأبرار والمتقين، ويحملهم أوزار الفجار، ولا يكون ظالمًا لماذا؟.
قالوا: لأن هذا داخل تحت القدرة، وكل شيء داخل تحت القدرة لا يكون ظلمًا، واستدلوا بمثل قوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث عن الله: لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذبهم وهو غير ظالم لهم .(1/81)
وقالوا كقوله -عز وجل-: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ وهذا من أبطل الباطل، قول الجبرية هذا من أبطل الباطل؛ لأن الله -سبحانه- نفى عن نفسه الظلم، لو كان الظلم مستحيلا، كيف ينفي شيئا مستحيلا، وأمَّن عباده من خوف الظلم قال: فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ لو كان الظلم غير مقدور لله، وغير داخل تحت القدرة ما يخاف منه الإنسان، فالشيء المستحيل هل يخاف الإنسان من المستحيل؟
ما يخاف الإنسان منه، كيف يؤمن الله عباده منه، ثم هذا أيضًا لا يليق بحكمة الله؛ لأن الجبرية لا يقولون بالحكمة، ما يثبتون الحكمة لله، ولا الغرائز، ولا الطبائع، ولا الأسباب.
يقولون: يفعل ما يشاء، يفعل بالقدرة بالمشيئة، فالمشيئة الإلهية يقولون: تخبط خبط عشواء، تجمع بين المتفرقات، وتفرق بين المتماكنات، هكذا -والعياذ بالله- أنكروا الحِكَم والأسرار، هذا من أبطل الباطل.
قابلهم القدرية المعتزلة قالوا: كل ما كان من العبد ظلمًا وقبيحًا، فهو من الله ظلم وقبيح ولو فعله، كل ما يكون من العبيد ظلمًا يكون من الله ظلمًا، شبه الله بالخلق، عكس الجبرية، فالجبرية يقولون: لا يوجد الظلم، ولا وجود للظلم أبدًا، مستحيل وقوع الظلم؛ لأنه هو الممتنع الذي لا يدخل تحت قدرة الله.
والقدرية قالوا: كل ما كان من العباد ظلمًا، فهو ظلم من الله لو فعله، وأهل السنة توسطوا لم يقولوا بقول الجبرية، ولم يقولوا بقول القدرية، قالوا: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، كأن يُحَمِّل أحدًا أوزار غيره، أو يمنعه من ثوابه الذي استحقه، هذا هو الذي نفاه الله عن نفسه، وهذا هو الذي حرَّمه على نفسه، وهذا هو الموافق للغة العربية.
الظلم وضع الشيء في غير موضعه، هذا هو الظلم كأن يحمل أحدًا جرم غيره وآثام غيره، أو يمنعه من ثواب استحقه، وإن كان الله -تعالى- أوجبه على نفسه إيجاب الكرام، وتفضل.(1/82)
فهؤلاء الجهمية حينما قالوا: إنه يعذب جلودًا غير الجلود التي لم تذنب، يقولون: هذا ما يسمونه ظلم؛ لأنهم جبرية زنادقة، يقولون: لله أن يفعل ما يشاء، وكل شيء يفعله، وهو داخل تحت قدرته، فلا يسمى ظلمًا.
بماذا أجاب الإمام أحمد -رحمه الله- عن هذه الشبهة؟ نعم.
تبديل تجديد، لا تبديل جلود أخرى، التبديل تبديل تجديد هي نفس الجلود تجدد حتى يذوقوا العذاب، نسأل الله السلامة والعافية، ونظير هذا تبديل الأرض، وتبديل صفات الإنسان عند البعث، فالأرض في قوله -تعالى-: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ تبديل صفات هي هي تمد كما يمد الأديم، ويزال ما عليها من جبال وأودية وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا .
وتبدل صفاتها كما أن الإنسان حينما يبعث يبعثه الله، يعيد الذرات التي استحالت ويعاد، ويخلق من عجب الذنب، وهو العصعص، وهو الذي ركب منه ابن آدم. منه يخلق ابن آدم، ومنه يركب، وتعاد الذرات التي استحالت، ويبدل الله الصفات فقط، يرسل الله مطرًا غليظا كمنيّ الرجال، فينبت الناس منه، تنبت أجسام الناس، فإذا تكامل خلقهم أذن الله لإسرافيل، فنفخ في الصور، فعادت الأرواح إلى أجسادها.
وتكون الصفات نشأت، ينشئ النفس نشأة أخرى قوية غير هذه النشأة، وأبدانهم هي هي، وذواتهم هي هي، لكن الصفات التي تغيرت والجهمية قالوا: لا إن الذي يُبْعَث شيء آخر، فهؤلاء الناس يفنون، تستحيل ذراتهم، تذهب وتعدم، ويبعث الله أناسًا آخرين، فعلى هذا على مذهب الجهم يكون الله يعذب في النار أناسا آخرين غير العصاة.
ولما رأى ابن سينا هذا القول للجهم جَرَّهُ هذا القول إلى إنكار بعث الأجساد، وقال: إنه لا بعث للأجساد، إن التي تبعث الأرواح.(1/83)
الجهم قال: تبعث أجسادا أخرى، فلما رأى هذا القول، وأن الأجساد الأولى لا تبعث، جَرَّ ابن سينا فقال: ليس هناك للأجساد بعث، البعث للأرواح، فالروح هي التي تُعَذَّب وتُنَعَّم، وأما الجسد فانتهى، وهذا كفر بإجماع المسلمين: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ .
المثال الثاني: قوله: هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ وقوله: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ هذا مما شكت فيه الزنادقة ما هي الشبهة ؟ شبهتهم في هذا: فيه آية تنفي الكلام، وآية تثبت الكلام والجواب. نعم.
ثم يقول الله -تعالى-: لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ بعد ذلك، ويكون العذاب بعد هذا كائن.
شبهتهم في قوله تعالى "ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما" والرد عليها
بسم الله الرحمن الرحيم، قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وأما قوله: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا وقال في آية أخرى: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ فكيف يكون هذا من الكلام المحكم وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ثم يقول في موضع آخر: إنه ينادي بعضهم بعضًا فشكوا في القرآن من أجل ذلك .
---
هذه الشبهة الآن، إذن الشبهة قالوا: إن القرآن متناقض في آية، أخبر الله أنهم لا يتكلمون وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا وفي آية أخرى أنهم يتكلمون قال: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ فكيف يكون في آية يحشرون صما، وفي آية يحشرون يتكلمون هذه هي الشبهة. واضح تصوير الشبهة. طيب الجواب. نعم.(1/84)
أما تفسير وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ فإنهم أول ما يدخلون النار يكلم بعضهم بعضًا وينادون: يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ويقولون: رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا فهم يتكلمون حتى يقال لهم: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ فصاروا فيها عميًا وبكمًا وصمًا، وينقطع الكلام، ويبقى الزفير والشهيق، فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة من قول الله .
---
إلى هنا انتهى الجواب، إذن الجواب أنه ليس في كلام الله تناقض، بل كلام الله يصدق بعضه بعضًا، وإنما الآيات كل آية محمولة على حال، ففي الحال الأولى الوقت الأول حين دخولهم النار يتكلمون، وينادي بعضهم بعضًا، وينادون مالك خازن النار، ويقولون: يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وينادي أصحاب الجنة أصحاب النار أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا .
وينادون فيقولون: رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ويقولون: رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا يتكلمون في أول الأمر، ثم بعد ذلك يقول الله لهم: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ فعند ذلك يصيرون عميًا وبكمًا وصمًا، وينقطع الكلام، ولا يبقى إلا الزفير والشهيق، نسأل الله السلامة والعافية. نعم.
وأما قوله تعالى: فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ هذا مثال رابع، فقالوا: كيف يكون هذا من المحكم؟ فشكوا في القرآن من أجل ذلك .
---(1/85)
هذه هي الشبهة، إذن الشبهة قالوا: إن الآيتين متنافيتان، آية تنفي التساؤل، وآية تثبت التساؤل، فالآية الأولى: فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ والآية الثانية: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ فكيف ذلك. نعم. أجاب الإمام -رحمه الله- نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00023.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00021.htm
فأما قوله -عز وجل-: فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ فهذا عند النفخة الثانية، إذا قاموا من القبور لا يتساءلون، ولا ينطقون في ذلك الموطن، فإذا حوسبوا ودخلوا الجنة والنار: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة .
---
إذن الجواب: أجاب الإمام -رحمه الله- بأن مواقف القيامة متعددة، مشاهد القيامة متعددة، ففي أول الأمر في المشهد الأول عند النفخة الثانية، وهي نفخة البعث، إذا قاموا من القبور لا يتساءلون، ولا ينطقون في ذلك الموطن، ما فيه كلام ولا نطق، حتى يأتي الحساب، فإذا حوسبوا، ودخلوا الجنة، أقبل بعضهم على بعض يتساءلون، مثل ما سبق من أهل النار أنهم حينما يدخلون النار يتساءلون، ويسألون، وينطقون، ويتكلمون.
فإذن عند النفخ في الصور عند القيام من القبور في أول الأمر في أول مشهد من مشاهد القيامة بعد النفخة الثانية، وعند القيام من القبور ما في تساؤل، لا يتساءلون، ولا يتكلمون، فإذا حوسبوا تكلموا، وتساءلوا، فهذا محمول على حالة، وهذا محمول على حالة، فلا تنافر في كلام الله -عز وجل-. نعم.
شبهتهم في قوله تعالى "ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين" والرد عليها(1/86)
وأما قوله: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وقال في آية أخرى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ فقالوا: إن الله قد ذم قومًا كانوا يصلون، فقال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ وقال في قوم: إنهم إنما دخلوا النار؛ لأنهم لم يكونوا يصلون، فشكوا في القرآن من أجل ذلك، وزعموا أنه متناقض .
---
إذن الشبهة أنهم يقولون: عندنا آيتان متنافيتان، آية فيها أنهم دخلوا النار؛ لأنهم لم يكونوا مصلين، فدخلوا النار من أجل تركهم للصلاة، وفي آية تتوعد المصلين: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ كيف ذلك؟.
آية فيها أن أهل النار دخلوا النار بسبب تركهم للصلاة، إذن تركهم للصلاة من أسباب دخولهم النار، والآية الأخرى تتوعد المصلين فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ والويل شدة العذاب والهلاك، وقيل: واد في جهنم فأخبر أن المصلين هالكون، وغير المصلين هالكين، فكيف هذا؟ لأن مفهوم لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ أن المصلي ناج، فهم هلكوا، ما سبب هلاكهم؟ وعذابهم في سقر؟ كونهم لم يصلوا، إذن الذي يصلي ناج، لكن جاءت آية أخرى تتوعد المصلي فكيف ذلك؟ واضح هذا.
آية فيها أن الذي ترك الصلاة دخل النار، ومفهومه أن الذي يصلي لا يدخل النار، ولا يعذب، لكن جاءت أخرى تتوعد المصلي فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ نعم، الجواب.
قال: وأما قوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ عنى بها المنافقين الذين هم عن صلاتهم ساهون، حتى يذهب الوقت، الذين هم يراءون يقولون إذا رأوهم صلوا، وإذا لم يروهم لم يصلوا. وأما قوله: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ يعني من الموحدين المؤمنين فهذا ما شكت فيه الزنادقة .
---(1/87)
كفى. إذن الجواب: أجاب الإمام -رحمه الله- بأن كل آية محمولة على حالة، فالآية التي فيها فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ قال: المراد بهم المنافقون، بدليل قوله: الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ فهم يصلون نفاقًا لا عن إيمان بالله ورسوله، بل عن رياء مراءاة: الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ يقول: إذا رأوهم صلوا، وإذا لم يروهم لم يصلوا.
ويدل على هذا ما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما يعني من الأجر لأتوهما ولو حبوا .
لأن المنافقين لا يصلون عن إيمان بالله وبرسوله، فكانوا يصلون الظهر والعصر والمغرب أمام الناس يراءونهم؛ لأن الظهر والعصر والمغرب في وقت النهار، كلٌّ يراهم، فهم يصلون رياء، لكن في وقت العشاء وفي وقت الفجر ظلام، ما عندهم أنوار، ما عندهم كهرباء مثل الآن، لا في الشوارع، ولا في المساجد، فيكون المسجد مظلما، والشوارع مظلمة في وقت العشاء، ووقت الفجر يتخلفون؛ لأنهم يظنون أنهم يخفون على الناس، فلا يرونهم، فيتخلفون، فلذلك كانت هاتان الصلاتان ثقيلتين عليهم.
ولذلك قال: من أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر فلا يليق بالمسلم الذي منَّ الله عليه بالإيمان أن يتشبه بالمنافقين، وأن يتخلف عن صلاة الصبح وصلاة العشاء.
فصلاة العشاء تقع في وقت الراحة والانشغال، وصلاة الفجر تقع في وقت النوم والراحة، فالواجب على المسلم أن يكبح جماح نفسه، وأن يجاهد نفسه، وأن يفعل الأسباب التي توقظه، أو ينام مبكرًا لا يسهر، ولا سيما إذا كان السهر على القيل والقال والغيبة والنميمة، أو مشاهدة الأفلام الخليعة، أو سماع الأصوات السيئة.(1/88)
ولا سيما الجلوس عند هذا الجهاز الخبيث جهاز الدش الذي ينشر عقائد النصارى والخلاعة والمجون والتفسخ والعري، ويزهد في الأخلاق الإسلامية، ويدعو إلى التشكيك في دين الله -عز وجل- كيف للمسلم أن يفعل هذا؟
يسهر على هذا الجهاز الخبيث، ثم يتخلف عن صلاة الصبح، ولا يصلي إلا بعد الفجر، بعض الناس ديدنهم ذلك وعادتهم.
هذا من المصائب حتى قال جمع من أهل العلم: إن الشخص الذي لا يصلي الفجر بعد الشمس باستمرار أنه مرتد كافر، ولا تفيده الصلاة، ولو صلاها ألف مرة لا تفيده؛ لأن الله حدد الصلاة بأوقات: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا .
وأفتانا بهذا سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -وفقه الله- بأن الذي لا يستيقظ إلا بعد الشمس باستمرار أنه مرتد، يكون كافرا، ولا تصح صلاته؛ لأنه متعمد بخلاف الإنسان الذي فعل الأسباب التي توقظه، وفاتته فوات الحرص هذا معذور، النائم حتى يستيقظ، الإنسان الذي فعل أسبابا توقظه، وعنده إحساس وشعور، هذا معذور، لكن الذي يركب الساعة على العمل، لا يستيقظ إلا مرة واحدة لصلاته وعمله، هذا معناه متعمد ترك الصلاة.
فالواجب على المسلم أن تشتدد عنايته بالصلوات الخمس عمومًا، وهاتين الصلاتين خصوصًا حتى لا يتشبه بالمنافقين، قال العلماء: لو أن الإنسان جلس يقرأ القرآن، أو يصلي الليل، وهو يعلم أن صلاته في الليل وقراءة القرآن تكون سببًا في نومه عن الصلاة، وتأخيره عن الصلاة، صار حراما عليه قراءة القرآن وصلاة الليل لماذا؟
لأن قراءة القرآن وصلاة الليل مستحبة سنة، وصلاة الفجر فرض، فكيف يشتغل بالسنة عن الفرض.(1/89)
فإذا كان الذي يقرأ القرآن، ويصلي في الليل، إذا كان يتسبب في ترك صلاة الفجر حرام عليه، فكيف الذي يسهر على مشاهدة الأفلام الخليعة على هذا الجهاز الخبيث، أو القيل والقال، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكره النوم قبلها والحديث بعدها، بعد صلاة العشاء، مكروه الجلوس بعد صلاة العشاء إلا لما لا بد منه السمر في طلب العلم، أو السمر مع الضيف، والسمر مع الأهل، الشيء العارض.
فإذن الإمام -رحمه الله- يقول: إن فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ هذه محمولة على المنافقين فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ساهون يعني يسهون عن الصلاة، فيتركونها بالكلية، هذا سهو، أو يسهون عن الصلاة فيؤخرونها عن وقتها.
أو يسهون عن الصلاة فيؤخرونها عن وقتها الأول، أو يسهون عن أركانها وواجباتها، أو يسهون عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، كل هذا داخل في السهو،، فكل له نصيب من هذا السهو، ومن جمع هذه الأنواع، فقد تمت له الخسارة، نسأل الله العافية.
فهي تشمل النفاق العملي والنفاق الاعتقادي: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ وحتى يتركونها بالكلية، أو حتى يؤخرونها عن الوقت بالكلية، أو حتى يؤخرونها عن الوقت الأول، لا يصلونها إلا في آخر الوقت باستمرار، أو يسهون عن أداء واجباتها وشروطها، أو يسهون عن خشوعها وتدبر معانيها.
ويدل على هذا الحديث الصحيح الذي في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا كادت أن تغرب بين قرني الشيطان قام فنقر أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلًا .
إذن وصف المنافق بأنه يؤخر الصلاة يرقب الشمس حتى إذا كانت تغرب، يؤخرها عن وقتها، ووصفه بأنه ينقر الصلاة كنقر الغراب، ووصفه بأنه لا يذكر الله فيها إلا قليلًا.(1/90)
هذه ثلاثة أوصاف للمنافقين: يؤخر الصلاة عن وقتها، وينقرها نقر الغراب، يعني: لا يطمئن في ركوعها وسجودها، ولا يذكر الله فيها إلا قليلًا.
فإذن هذه الآية: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ محمولة على مَن يصلي، لكن إما يصلي رياء ونفاقًا، أو يصلي ويؤخر الصلاة عن وقتها بالكلية، أو عن وقتها الأول المختار، أو عن أداء شروطها وواجباتها، أو عن خشوعها وتدبر معانيها.
أما الآية الثالثة: وهي آية المدثر: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ يعني: يقول هذه الآية في الموحدين، كيف تكون هذه الآية في الموحدين؟
كيف تكون هذه الآية في الموحدين المؤمنين: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ نعم. يعني: تاركين للصلاة، كانوا مؤمنين موحدين، فلما تركوا الصلاة ارتدوا يعني: هي ليست في المنافقين، تلك الأولى في المنافقين، وهذه في المؤمنين قبل أن يتركوا الصلاة، كانوا مؤمنين، فلما تركوها دخلوا النار، فسألهم: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ يعني: تركنا الصلاة، هذا هو الظاهر مما ذكره الإمام رحمه الله. نعم. المثال السادس.
وهذه الآية قوله تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ من الأدلة التي تدل على أن ترك الصلاة كفر. استدل بها العلماء على أن ترك الصلاة كفر، وإن كان لهم خصال أخرى، لكن ذكر أول خصالهم أنهم تركوا الصلاة.
وقوله: وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ هذا أيضًا كفر آخر من نوع آخر من الكفر. نعم. إذا ترك الصلاة يكون مرتدًا، إذا تركها حتى خرج وقتها من غير عذر يكون مرتدًا. نعم قبل ذلك كانوا موحدين، ثم تركوها فارتدوا، هذا هو الظاهر. هذا معنى قول الإمام، يعني من الموحدين المؤمنين، يعني: قبل ذلك قبل ترك الصلاة. فعلى هذا يكون ترك الصلاة كفر.(1/91)
وأدلة أن ترك الصلاة كفر كثيرة: منها قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة رواه الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله. والبينية تفصل، حد فاصل بين الشيء وبين الشيء، فجعل بين الإسلام وبين الكفر ترك الصلاة، فالبينية تفصل.
ومنه حديث بريدة بن الحصين عند أحمد وأصحاب السنن: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ومن أقوى الأدلة أيضًا على أن ترك الصلاة كفر، ولو لم يجحد وجوبها، إذا جحد وجوبها هذا بالإجماع ما فيه إشكال.
إذا جحد وجوب الصلاة كافر بإجماع المسلمين، حتى إذا جحد وجوب الزكاة، أو وجوب الصوم، أو وجوب الحج، إذا أنكر أمرا من الدين معلوم بالضرورة هذا كافر بالإجماع، لكن إذا تركها ولو لم يجحد وجوبها، ومما يدل على ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الخروج على ولاة الأمور والأمراء ما داموا يقيمون الصلاة.
فقال في حديث عوف بن مالك الأشجعي عند الإمام مسلم -رحمه الله-: خيار أئمتكم -يعني: ولاة الأمور- الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وتدعون لهم ويدعون لكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ -يعني: ما داموا شرار ويتلاعنوا أفلا ننابذهم بالسيف؟- قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة .
ألا مَن ولي عليه وال فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يده من الطاعة إذن الحديث أصل في عدم الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي؛ خلافًا للمعتزلة والخوارج والرافضة، فالخوارج والمعتزلة يخرجون على ولاة الأمور.
الخوارج عندهم أن ولي الأمر إذا فعل معصية كفر يجب خلعه وقتله والخروج عليه، والمعتزلة كذلك يرون عندهم أصل من أصولهم الخمسة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.(1/92)
النهي عن المنكر ستروا تحته الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي، سموه النهي عن المنكر، والرافضة كذلك ليس عندهم الإمام إلا الإمام المعصوم، وهم الأئمة الاثنا عشر الذي نص عليهم النبي عليه الصلاة والسلام.
وعلى هذا جميع ولاة الأمور من خلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس إلى من بعدهم كلهم ولاة جور وظلم يجب قتلهم والخروج عليهم، ولا إمام إلا الإمام المعصوم، وأهل السنة والجماعة خرجوا عن هذه المعتقدات الفاسدة.
أهل السنة والجماعة لا يوافقون الخوارج ولا يوافقون المعتزلة ولا الرافضة، بل يرون السمع والطاعة لولاة الأمور فيما هو من طاعة الله، وأما المعاصي فلا يطاع فيها أحد، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
إذا أمر ولي الأمر بالمعصية فلا يطاع، وإذا أمر الأب ابنه بالمعصية لا يطيعه، وإذا أمر الزوج زوجته بالمعصية لا تطيعه، ولكن لا يخرج عليه ليس معنى كونه لا يطيعه في المعصية أنه يخرج عليه ويؤلب عليه وينابذه. لا، المعنى أنه لا يطيعه في المعصية، لكن لا يخرج عليه، فإذا فعل ولي الأمر معصية ما، يجب الخروج عليه، ولو فعل معصية، ولو ظلم بعض الناس، أو قتل بعض الناس، أو سجن بعض الناس، أو شرب الخمر، أو فعل معصية ما يجوز الخروج عليه. لماذا؟
لأن الخروج على ولاة الأمور يترتب عليه مفسدة أعظم يترتب عليه مفسدة الافتراق والانشقاق، وإراقة الدماء، وتربص الأعداء بهم الدوائر، وتناحر المسلمين، وتطاحنهم فيما بينهم وتفرقهم وذهاب ريح الدولة، واختلال أحوال المسلمين: المعيشية، والاقتصادية والتعليمية والسياسية والاجتماعية.
يترتب عليه فساد عظيم. هذه مفسدة، وهناك قواعد شرعية معروفة مأخوذة من النصوص، وهي أنه إذا وجد مفسدتان لا بد من ارتكاب أحدهما، تُرْتَكَبُ أدنى المفسدتين؛ لزوال أعلاهما، فعندنا مفسدتان الآن: مفسدة معصية ولاة الأمر، معصية ولي الأمر، عصى فسق، تعالى، المعاصي هذه مفسدة.(1/93)
والثانية: مفسدة الخروج عليه، وهي يترتب عليها إراقة الدماء وانشقاق المسلمين، وتربص الأعداء بهم الدوائر، واختلال الأمن. واختلال التعليم، واختلال الاقتصاد، واختلال السياسة، واختلال الزراعة والصناعة.
ويترتب عليها أمور عظيمة لا يُحْمَد عقباها، أيهما أعظم في المفسدتين: أعظم مفسدة هي الخروج، فترتكب المفسدة الدنيا، وهي نصبر على معصية ولي الأمر، وندعو له، ونناصحه ما نستطيع، النصيحة موجودة من العلماء ومن غيرهم بما يستطيعون، ولو قدر أن الإنسان ما استطاع أو ما حصل شيء فاصبر، ثم أيضًا صبرك فيه تكفير للسيئات، ورفع للدرجات.
وعلينا أن نتوب إلى الله، وأن نرجع إلى أنفسنا، وأن نصلح من أحوالنا فإن الله -تعالى- ما سلط علينا ولاة الأمور إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ فجور الولاة من كسب الرعية، فإذا أرادت الرعية أن يصلح الله ولاة الأمور فليصلحوا أنفسهم، هكذا قرر أهل العلم، وهكذا قرر أهل السنة والجماعة.
واضح هذا، وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة أنه لا يجوز الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي خلافًا لأهل البدع، شعار أهل البدع الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي كالرافضة والخوارج والمعتزلة، وأما معتقد أهل السنة والجماعة وهو من أصول أهل السنة والجماعة واعتقادهم والذي فصلوا فيه عن أهل البدع عدم الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي والسمع لهم في طاعة الله، وفي الأمور المباحة، وأما المعاصي فلا يطاع فيها أحد.
متى يجوز الخروج على ولاة الأمور؟ إذا حصل كفر بواح. كفر صريح بواح كما في الحديث الآخر: إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان كفر موصوف بهذه الأوصاف بواح، يعني: بَيِّن ظاهر صريح، لا لبس فيه: عندكم من الله فيه برهان .
فإذا وجد الكفر جاز الخروج مع القدرة أيضًا بشرطين:(1/94)
الشرط الأول: القدرة على ذلك. والشرط الثاني: أن يُزَال هذا الكافر، أو الحكومة الكافرة ويُؤْتَى بدلها بحكومة مسلمة. لا بد من هذا. أما أن يزال كافر، ويأتي بكافر مكانه ما حصل المقصود. لا بد أن يغلب على الظن أنه يزال هذا الكافر ويؤتى بدله مسلم، ويكن هذا مع القدرة.
أما إذا كانت القدرة ووجد البديل وهو إمام مسلم يقيم حكم الله، ويحكم بشر الله في أرض الله، فلا بأس، أما أن يزال كافر، ويؤتى بكافر فلا. واضح هذا.
فإذا ضمنت هذا الحديث: إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان وحديث: لا ما أقاموا فيكم الصلاة مفهومه أنهم إذا لم يقيموا الصلاة، فهم كفار، يجوز الخروج عليهم، إذا ضممت هذا الحديث إلى هذا الحديث دل على أن ترك الصلاة كفر بواح.
وهذا من أقوى الأدلة على أن ترك الصلاة كفر بواح، واضح هذا بالجمع بين الحديثين:
الحديث الأول: حديث عوف بن مالك: لا ما أقاموا فيكم الصلاة يعني: لا يجوز الخروج عليهم ما أقاموا فيكم الصلاة، مفهومه أنهم إذا لم يقيموا الصلاة فهم كفار، يجوز الخروج عليهم.
والحديث الثاني: إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان فلما أجاز النبي -صلى الله عليه وسلم- الخروج على ولاة الأمور إذا لم يقيموا الصلاة، ولم يُجِزْهُ في الحديث الآخر إلا إذا وجد الكفر البواح، دل على أن ترك الصلاة كفر بواح، وهذا من أقوى الأدلة على أن ترك الصلاة كفر. نعم.
شبهتهم في قوله تعالى "خلقكم من تراب" والرد عليها
وأما قوله عز وجل: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثم قال: مِنْ طِينٍ لَازِبٍ وقال: مِنْ سُلَالَةٍ ثم قال: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ثم قال: مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ فشكوا في القرآن، وقالوا: هذا ملابسة ينقض بعضه بعضًا.
---(1/95)
"هذا ملابسة ينقض بعضه بعضًا، هذه الشبهة، فالشبهة يقول: إن خلق آدم جاء في آيات متعددة، يقول بعضها: إن آدم خلق من تراب، وبعضها آية أخرى أن خلق من تراب، وفي آية أنه خلق من طين لازب، وفي آية أنه خلق من سلالة، وفي آية أخرى أنه خلق من حمإ مسنون، وفي آية أخرى أنه خلق من صلصال كالفخار، كيف ذلك؟
يعني: أربعة أشياء في آية أنه مخلوق من تراب، وفي آية أنه مخلوق من طين، وفي آية أنه مخلوق من سلالة، وفي آية من حمإ، وفي آية من صلصال، خمسة أشياء.
هكذا قالت الزنادقة، قالوا: إن هذا تناقض، الإمام -رحمه الله- بيَّن أن هذه الأشياء كلها ترجع إلى شيء واحد، إلى ما في كلام الله يصدق بعضه بعضًا. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00027.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00025.htm
فهذا بدء خلق آدم، خلقه الله أول بدء من تراب، ثم من طينة حمراء، وسوداء وبيضاء، من طينة وسبخة، فكذلك ذريته طيب وخبيث، أسود وأحمر، وأبيض، ثم بُلَّ ذلك فصار طينًا، فذلك قوله: مِنْ طِينٍ فلما لصق الطين بعضه ببعض، فصار طينًا لازبًا يعني طينًا لاصقًا، ثم قال: مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ يقول: مثل الطين إذا عصر انسل من بين الأصابع، ثم نتن فصار حمأ مسنونًا مُخَلَّق من الحمإ، فلما جف صار صلصالا كالفخار، يقول: صار له صلصلة كصلصلة الفخار له دوي كدوي الفخار. فهذا بيان خلق آدم.
وأما قوله: مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ فهذا بدء خلق ذريته يعني نطفة إذا انسلت من الرجل فذلك قوله: مِنْ مَاءٍ يعني: النطفة. "مهين" يعني ضعيف، فهذا ما شكت فيه الزنادقة .
---(1/96)
إذن الإمام -رحمه الله- بيَّن أن آيات القرآن يصدق بعضها بعضًا، خلقه الله من تراب، هذا بدء خلقه، أول بدء خلق آدم من تراب، خلقه الله من تراب، ثم بل ذلك التراب فصار طينًا، نفس التراب الله أخذ التراب، ثم بله فصار طينًا، وهذه الطينة حمراء وسوداء وبيضاء فجاءت الذرية هكذا: طيب وخبيث، وأسود وأحمر، وأبيض.
ثم بعد ذلك لما بل ذلك الطين لصق بعضه ببعض، فصار طينًا لازبًا يعني: لاصقًا، ثم صار سلالة، مثل الطين إذا عصر انسلَّ من بين الأصابع، ثم نتن يعني صار له رائحة كريهة، فصار حمأ مسنونًا، فخلق من الحمإ فلما جفَّ هذا الطين صار صلصالًا كالفخار له صلصلة كصلصة الفخار دوي كدوي الفخار.
هذا خلق آدم، وأما الذرية فهم مخلوقون من سلالة من ماء مهين. الذرية مخلوقون من الماء، كل واحد من بني آدم مخلوق من ماء الرجل وماء المرأة، كما قال تعالى: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ .
فالماء يكون نطفة في بطن أمه أربعين يومًا، ماء الرجل، وماء المرأة يكون نطفة في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يتحول أربعين يومًا علقة: قطعة دم، ثم مضغة تتحول بعد أربعين يومًا، والمضغة قطعة لحم، ثم مضغة بقدر ما يمضغ في الفم، ثم بعد ذلك يخلق من المضغة عظامًا، ثم كسا العظام لحمًا.
ثم أرسل الله -سبحانه- الملك بعد مضي أربعة أشهر في بعض الأحاديث، وبعضها قبل ذلك فنفخ فيه الروح، وكتب الله رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد.
فإذن آدم مخلوق من تراب ثم بلَّ الله ذلك التراب فصار طينًا، ثم بعد ذلك صار لازبًا لاصقًا، ثم نتن، ثم يبس فصار له صلصلة، هذا خلق آدم، أما الذرية فهم مخلوقون من ماذا ؟ من الماء، من النطفة ماء الرجل، وماء المرأة، قال تعالى: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ صلب الرجل، وترائب المرأة.(1/97)
كل بني آدم هذا إلا حواء فإنها مخلوقة من آدم من ضلع آدم، وإلا عيسى فإنه مخلوق من أم بلا أب، ليس له أب، خلقه الله. أرسل الله جبريل فنفخ في جيب درع مريم، فحملت بإذن الله. قال الله له: كن فكان: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
فتكون القسمة الرباعية قسمة آدم وبنيه. آدم خلقه الله من تراب بلا ذكر ولا أنثى، من غير ذكر أو أنثى، وحواء خلقت من ذكر بلا أنثى؛ لأنها خلقت من ضلع، وعيسى خلق من أنثى بلا ذكر، وسائر الناس من ذكر وأنثى، فصارت القسمة رباعية.
واضح هذا. آدم مخلوق بلا ذكر ولا أنثى، مخلوق من تراب، سائر الناس من ذكر وأنثى، حواء من ذكر بلا أنثى، عيسى من أنثى بلا ذكر، فتمت القسمة الرباعية، ولله الحكمة البالغة.
أما على هذا الخلاصة يكون آدم مخلوقا من تراب، والذرية مخلوقين من ماء، فعلى هذا تكون الآيات -آيات القرآن- متفقة ومؤتلفة، وليست متناقضة كما يشكك بذلك الزنادقة. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00028.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00026.htm
شبهتهم في قوله تعالى "رب المشرق والمغرب" والرد عليها
وأما قوله: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ فشكوا في القرآن وقالوا: كيف يكون هذا من الكلام المحكم ؟ .
---
هذا الشبهة. الشبهة جاءوا بثلاث آيات، قالوا: في آية أفرد المشرق والمغرب، قال: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وفي آية ثنى المشرق فقال: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ثنى المشرق والمغرب، وفي آية جمع فقال: بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ فكيف يكون هذا؟(1/98)
آية فيها مشرق ومغرب واحد، وآية مشرقين ومغربين، وآية مشارق ومغارب، آية فيها جمع المشارق والمغارب، وآية فيها تثنية المشرقين والمغربين، وآية فيها توحيد المشرق والمغرب، كيف يكون هذا، هذه وجه شبهتهم وتشكيكهم. نعم.
أما قوله: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فهذا اليوم الذي يستوي فيه الليل والنهار، أقسم الله بمشرقه ومغربه. وأما قوله: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فهذا أطول يوم في السنة، وأقصر يوم في السنة، أقسم الله بمشرقها ومغربها.
وأما قوله: بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ فهو مشارق السنة ومغاربها، فهذا تفسير ما شك فيه الزنادقة .
---
إذن هذا جواب الإمام -رحمه الله- قال: أما إفراد المشرق والمغرب فهذا اليوم الذي يستوي فيه الليل والنهار. اليوم الذي يستوي فيه الليل والنهار متى الليل والنهار لهما استواءان، الاستواء الأول في واحد فصل الربيع، وفي واحد فصل الخريف، يستوي الليل والنهار في فصل الربيع في أول يوم فيه، وفي أول يوم في فصل الخريف يستوي الليل والنهار، يكون الليل اثنتا عشرة ساعة والنهار اثنتا عشرة ساعة.
هذا اليوم الذي يستوي فيه الليل والنهار أقسم الله بمشرقه ومغربه فقال: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وأما قوله: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فهذا أطول يوم في السنة حينما يطول النهار، وأقصر يوم في السنة حينما يقصر النهار في الشتاء، أقسم الله بمشرقها ومغربها.
وأما قوله: بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ فهذه مشارق السنة ومغاربها، هذا هو جواب الإمام عن هذه الشبهة، وهناك جواب آخر أجاب به العلماء، وذكره المفسرون فقالوا: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ التثنية المراد بهما مشرقي الشتاء ومشرقي الصيف، رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ مشرق الشتاء ومشرق الصيف.(1/99)
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ مشرق الشتاء، ومشرق الصيف وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ مغرب الشتاء، ومغرب الصيف، فالتثنية بالنسبة للشتاء والصيف رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ الشتاء والصيف، وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ الشتاء والصيف.
وأما قوله: بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ فالمراد مشرق كل يوم ومغرب كل يوم. مشرق كل يوم تطلع فيه الشمس وتبرز إلى الدنيا، وكذلك المغرب، فجمع المشارق والمغارب بالنسبة لمشرق كل يوم ومغربه، كما قال الإمام: مشارق السنة ومغاربها.
وأما قوله: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ المراد الجنس. جنس المشرق وجنس المغرب. الجنس عام يشمل المشارق والمغارب كلها فيكون: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مثل: بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ المراد الجنس، جنس المشرق والمغرب، والمعنى متقارب.
والمقصود أن الآيات، كل من الآيات الثلاث لها معنى، وليس في كتاب الله تناقض بحمد لله، كما يتوهمه هؤلاء الزنادقة. نعم.
شبهتهم في قوله تعالى "وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون" والرد عليها
وأما قوله: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وقال في آية أخرى: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وقال في آية أخرى: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا فقالوا: كيف يكون هذا من الكلام المحكم، وهو ينقض بعضه بعضًا؟.
---
هذه الشبهة. إذن الشبهة أنهم قالوا: إن الآيات متناقضة، هذه الآيات متناقضة ينقض بعضها بعضًا. الآية يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ هذا في آية السجدة.(1/100)
وفي آية المعارج قال فيها: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا قالوا: كيف يكون هذا محكم ينقض بعضه بعضًا؟ في آية أن اليوم مقداره ألف سنة، والثانية أن اليوم مقداره خمسين ألف سنة، واضح هذا، فكيف يجمع بين ألف سنة في يوم واحد، يقال: أَلْفَ سَنَةٍ ويقال: خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قالت الزنادقة: هذا تناقض، نعم يأتي جواب الإمام رحمه الله. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00031.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00029.htm
قال -رضي الله عنه- أما قوله: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ فهذا من الأيام التي خلق الله فيه السماوات والأرض، كل يوم كألف سنة، وأما قوله: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وذلك أن جبرائيل كان ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويصعد إلى السماء في يوم كان مقداره ألف سنة، وذلك أنه من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، فهبوط خمسمائة عام، وصعود خمسمائة عام، فذلك ألف سنة.
وأما قوله: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ يقول: لو ولي حساب الخلائق غير الله ما فرغ منه في يوم مقداره خمسون ألف سنة، ويفرغ الله منه مقدار نصف يوم من أيام الدنيا، إذا أخذ في حساب الخلائق، فذلك قوله: وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ يعني: سرعة الحساب.
---(1/101)
إلى هنا انتهى الجواب. هذا هو جواب الإمام -رحمه الله- وأتى بآية ثالثة، وهي آية الحج، وهي قوله: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ تكون الآيات ثلاث وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ والآية الأخرى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ والآية الثالثة: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ .
الإمام أحمد -رحمه الله- جمع بين هذه الآيات قال: إن آية الحج: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ هذا من الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض، كل يوم كألف سنة، يعني: الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض في قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ كل يوم مقداره ألف سنة.
هذا أحد الأقوال الذي اختاره الإمام -رحمه الله- وهناك قول آخر أن المراد مقداره كأيامنا هذه؛ لأن الله خاطبنا بما نعرف، فالأصل هو أنها مثل الأيام المعروفة الآن، مقدارها مقدار هذه الأيام المعروفة؛ لأن الله خاطبنا بما نعرف، لكن الإمام اختار هذا.
وأما آية السجدة وهي قوله تعالى: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ قال: يعني هذا في الدنيا، ما بين السماء والأرض، ما بين الخمسمائة، كما في الحديث الآخر جاء في الحديث: أن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام .(1/102)
كما في حديث العباس بن عبد المطلب وغيره: أن بُعْدَ ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة، وما بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة، وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة، وبين السماء السابعة بحر ما بين أعلاه وأسفله كما بين السماء والأرض، ثم بعد ذلك العرش .
وعلى هذا فيكون قوله عز وجل: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ جبريل ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويصعد، فنزوله مقداره خمسمائة، وصعوده مقداره خمسمائة، هذه أحسن.
ينزل الأمر من السماء إلى الأرض مقدار خمسمائة، ثم يعرج إليه مقدار خمسمائة، فيكون الجميع ألفا. فنزول الأمر من السماء، وعروجه إلى الله، الجميع ألف سنة، هذا معنى قوله: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ .
يقول الإمام -رحمه الله-: وذلك أن جبرائيل -عليه الصلاة والسلام- كان ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويصعد إلى السماء في يوم كان مقداره ألف سنة، وذلك أنه من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، فهبوط خمسمائة، وصعود خمسمائة عام فلذلك أَلْفَ سَنَةٍ واضح هذا.
وأما آية المعارج فقال: وأما قوله تعالى: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قال: لو ولي حساب الخلائق غير الله ما فرغ منه في يوم مقداره خمسون ألف سنة، ويفرغ الله منه مقدار نصف يوم من أيام الدنيا، إذا أخذ في حساب الخلائق، فذلك قول الله -عز وجل-: وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ .(1/103)
إذن الإمام -رحمه الله- فسَّر الآية: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ يقول: لو ولى حساب الخلائق غير الله ما فرغ منه في يوم مقداره خمسون ألف سنة، لكن الله يفرغ منه بقدر نصف يوم، إذا أخذ في الحساب -سبحانه وتعالى- ولهذا قال سبحانه: وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ وقال: وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ .
واضح هذا، هذا الجمع بينها أحد الأقوال. هذا أحد الأقوال التي جمع بها الإمام. وابن القيم -رحمه الله- ذكر -في القصيدة النونية في الكافية الشافية- الجمع بين هذه الآيات. بين آية السجدة يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وآية المعارج وهي قوله عز وجل: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ .
قال فيها قولان مشهوران للعلماء:
القول الأول: أنَّ آية التنزيل، أي: آية السجدة في الدنيا، اليوم هذا في الدنيا، ينزل جبريل بالوحي من الله، ويصعد إليه نزول خمسمائة وصعود خمسمائة، كما قال الإمام، وأما آية المعارج فهي في يوم القيامة، يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة، وأما آية السجدة فهي في الدنيا: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ينزل الأمر من الله ويصعد إليه بمقدار ألف سنة، صعود خمسمائة، وهبوط خمسمائة.
وأما آية المعارج فهي في يوم القيامة. وقال: هذا اختاره جماعة من أهل العلم، اختار جماعة من أهل العلم هذا القول. وقال: أيدوا هذا بأمرين هذا القول، وأن آية المعارج في يوم القيامة:(1/104)
الأمر الأول: أن سياق الآية يدل على أنها في يوم القيامة. إذا قرأت الآية: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا يوم القيامة، قال: سياق الآية يدل على أنه في يوم القيامة.
واضح هذا. هذا دليل.
والأمر الثاني مما يؤيد أنه في يوم القيامة حديث: تعذيب مانع الزكاة يقول في الحديث الصحيح: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحَت له صفائح من نار، فأحمي بها جنبه وجبينه وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة كلما بردت أعيدت عليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فَيُرَى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. ولا صاحب إبل ولا بقر لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة يسطح لها بقاع قرقر، تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أخراها رُدَّ عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى وإما إلى النار .
قال: إن هذا الحديث فيه أن يوم القيامة مقداره خمسين ألف سنة، فهذا يؤيد أنهما يومان، وأن اليوم الأول الذي فيه تنزيل -السجدة- في الدنيا، واليوم الذي في سورة المعارج يوم القيامة في الآخرة. واضح هذا.
القول الثاني: أنهما جميعًا في الدنيا. قال ابن القيم: "القول الثاني: أنهما في الدنيا، وقال: إن آية التنزيل - تنزيل السجدة- فيها أن الأمر ينزل من الله -عز وجل- ثم يصعد إليه، وأن مقدار ذلك ألف سنة؛ لأن الهبوط خمسمائة، والصعود خمسمائة.(1/105)
وآية المعارج أيضًا في الدنيا ليست في يوم القيامة؛ وذلك أن المسافة مقدار خمسين ألف سنة من العرش إلى الأرض السابعة السفلي. مقدار خمسين ألف سنة المسافة بين العرش إلى المركز الذي في القرار، الذي في قرار الأرض السابعة السفلي ؛ لأن هناك مركز، فالمركز هو محط الأثقال؛ لأن السماوات والأرضين كلها مستديرة الشكل ليس لها جهات إلا جهتان: جهة العلو وجهة السفل، فالأرض مثلًا والسماوات والأفلاك كلها ليس لها إلا جهتان: جهة العلو وجهة السفل.
واضح هذا، والأرض مستديرة الشكل كروية، وكذلك السماوات بل جميع الأفلاك، قال تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ تكوير التدوير، فقوله: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ هذا دليل على أن السماوات مستديرة والأرض مستديرة الشكل. واضح هذا.
والأفلاك المستديرة الثابتة ليس لها جهتان إلا جهة العلو والسفل. ما في جهة أمام وخلف، ويمين وشمال، أمام وخلف، ويمين وشمال، وتحت وفوق، هذا للحيوانات المتحركة، للإنسان المتحرك، الآن أنا لي ستة جهات: أمام وخلف، ويمين وشمال، وفوق وتحت، هذه الجهات الست، لكن ليست ثابتة.
أمامي الآن هنا أمام، لكن لو تحركت واستدرت صار الخلف هو الأمام، والأمام هو الخلف، واليمين هو الشمال، والشمال هو اليمين. هذه غير ثابتة، لكن الأفلاك الثابتة السماوات والأرض، ليس لها إلا جهتان. جهة العلو وجهة السفل، فمثلًا الأرض مثل الكرة الآن، ليست مستديرة، لكنها تشبه البيضة، وليس لها إلا جهتان: جهة العلو، وجهة السفل.
وجهة العلو كل ما كان عاليًا ثم علو، ثم علو. هنا علو، هنا علو من جميع الجهات، لكن من سعى في الأرض، فيه ناس هنا تحت، وناس فوق، أيضًا الذي هنا من الجهة هذه يتصور أن الذي تحته هنا تحته، والذي هنا يتصور أن الذي فوق تحته، والواقع أن كلا منهما على علو الأرض، واضح هذا.(1/106)
لكن ما هو السفل. السفل محط الأثقال في الوسط بحيث أنك لو خرقت في الأرض خرق من هنا، وخرقت من هنا من أسفل لالتقيا في المركز. لو نزل شخص من هنا، ونزل شخص من هذا التقت رجلاهما في المركز. واضح هذا، هذا مركز الأرض. هذا المركز، ومحط الأثقال.
والآن يعني كل من كان على ظهر الآن يسمى على جهتها، نحن الآن على ظهر الأرض. هناك ناس يتصورون أنهم تحتنا الآن، وهم على ظهر الأرض من سعة الأرض الآن. واضح هذا. لكن نحن فوق الأرض، وهم فوق الأرض ولو خرقنا خرقا وخرقوا هم خرقا لالتقيا في المركز الذي هو محط الأثقال.
واضح هذا. كونك الآن تتصور أن الأرض تحتك وهو يتصور هذا، لا غرابة فيه، كما أن النملة الآن حينما تمشي على السطح الآن. الآن السطح فوقها، وهي تتصوره تحتها، تمشي عليه على رجليها وتحتها وهو فوقها، فمحط الأثقال القرار في الأرض السابعة السفلى هذا هو المحط.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: إن المسافة من العرش إلى القرار الذي هو محط الأثقال مسافة خمسين ألف سنة، وعلى هذا فتكون آية السجدة، وآية المعارج، كلها في يوم واحد، واختار ابن القيم هذا اليوم الثاني، قال: هذا هو القول الذي أختاره، وإن كان الأول اختاره الفطاحل من العلماء، لكن أنا اختار هذا القول، ثم قال ذلك في آخر القصيدة قال: "أن هذا القول الآن يعني لم ينضج عندي، وعندي فيه شك، وأعوذ بالله من القول على الله بغير علم".
هذا قاله في آخر القصيدة. في الأول قال: عندي أنهما يومان، ثم بعد ذلك من شدة ورعه -رحمه الله ورضي عنه- قال: "إن هذا القول الثاني يعني: عندي فيه شك لم ينضج بعد، وأعوذ بالله من القول على الله بغير علم" والله أعلم بمراده.
لكن فعلى هذا يكون هما قولان: قول أنهما اليوم الأول في الدنيا والثاني في الآخرة. والقول الثاني أنهما يومان، أن اليومين كلاهما في الدنيا. هذا بالنسبة من السماء إلى الأرض صعود وهبوط، وآية المعارج من العرش إلى قرار الأرض السابعة.(1/107)
وهناك قول ثالث أيضًا: ذكره الحافظ ابن كثير، وهو أن المراد عمر الدنيا كله. فعمر الدنيا كلها خمسين ألف سنة.
وهناك قول رابع: وهو أن المراد بالخمسين ألف سنة اليوم الفاصل بين الدنيا والآخرة، فذكر الحافظ ابن كثير في الجمع بين الاثنين بأربعة أقوال:
القول الأول: أن اليوم الأول في الدنيا، والثاني في الآخرة. والقول الثاني أنهما يومان في الدنيا، والأول المسافة من السماء إلى الأرض، والثاني المسافة من العرش إلى القرار.
والقول الثالث: أنهما عمر الدنيا مقداره خمسين ألف سنة.
والقول الرابع أنه اليوم الفاصل بين الدنيا والآخرة، لكن هذين القولين الأخيرين فيهما ضعف، والراجح القولان، وأرجح القولين الذي اختاره المحققون هو الذي تبين أن اليوم الأول الذي في سورة التنزيل، هذا في الدنيا، واليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة، هذا في الآخرة.
هذا هو الراجح، وهذا هو الصواب. أصوب الأقوال الأربعة هو هذا. وكان الإمام أحمد -رحمه الله- أشار إلى هذا قال: "لو ولي حساب الخلائق غير الله لكان مقدار خمسين ألف سنة"
فهذا هو الصواب الذي تدل عليه النصوص، والذي هو ظاهر الأدلة أن اليوم الأول في: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ هذا في الدنيا هبوط وصعود، هبوط خمسمائة، وصعود خمسمائة، وأما اليوم الذي في سورة المعارج: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فالمراد به يوم القيامة بدليل سياق الآيات: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا .
وبدليل تعذيب مانع الزكاة، وأنه يعذب في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. ولعلنا نقف هنا، وفقنا الله جميعًا لطاعته، ونجعل بقية الوقت للأسئلة إن كان هناك أسئلة. أحسن الله إليكم.
س: هذا سائل يقول: هل التنشئة يوم القيامة للأجساد هي تنشئة ذوات لا صفات أو العكس ؟ جزاكم الله خيرًا.(1/108)
ج: سبق الكلام على هذا، وأن الله -تعالى- يعيد الذرات التي استحالت، والتبديل تبديل الصفات، ينشئ الصفات والذوات هي هي، يعيدها الله. يعيد الله -تعالى- الذرات التي استحالت، ويركب من عدم، من عجب الذنب، وينشئ تنشئة أخرى قوية، والتبديل تبديل صفات لا تبديل ذوات. نعم.
أحسن الله إليك.
س: هذا رجل يقول: فضيلة الشيخ ما رأيك في رجل يظهر عليه علامات الالتزام، ويقول: ليست صلاة الجماعة واجبة، وعندما قلت له عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لقد هممت ... إلى آخر الحديث فيقول: همَّ ولم يفعل. وعندما أذكر له قول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "وما يتخلف عنها ... " فيقول: هذا من قول ابن مسعود أريد حديثًا، أو آية فما قولكم ؟
ج: هذا الأخ إن كان طالب علم فهم هذا من النصوص، وطالب علم معروف بالالتزام، وهذا فهمه، فلا بأس له أن يفهم هذا الفهم، والعلماء الذين بعضهم قال: إن صلاة الجماعة ليست واجبة، قالوا: سنة معروف عنهم الالتزام والمحافظة، لكن قالوه من باب الورع، وحتى الذين قالوا إنها سنة يقولون: هي سنة ملوم تاركها، فإذا كان طالب علم ظهر له وعليه الالتزام والصلاح فله ذلك.
أما إذا كان غير طالب علم، وليس عنده بصيرة، فليس له ذلك، والجواب عن هذا معروف: همَّ ولم يفعل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم بيَّن الذي منعه قال: "لولا ما فيه من النساء والذرية لأحرقتها عليهم".
وقول ابن مسعود، فالصحابة أعلم الناس بكتاب الله -عز وجل- وبمراد رسوله -صلى الله عليه وسلم- قوله: وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق هذا هو فهم الصحابة، ولا شك أن فهم الصحابة للنصوص أقرب من فهمنا له، فينبغي للإنسان أن يكف عن هذا، إذا حتى ولو كان يرى غيرها، فينبغي أن يكف، لا يكون سبب في التهوين من شأن صلاة الجماعة، فإنه قد يقتدي به بعض الناس من هو ضعيف الإيمان. نعم.
س: يقول فضيلة الشيخ: هل يصح أن يقال القرآن صفة الله؟(1/109)
ج: نعم، القرآن كلام الله، وكلام الله صفة من صفاته. نعم.
س: وهذا يقول: فضيلة الشيخ قال لنا بعض الأساتذة في مدرستنا: إن الأشاعرة والجهمية والمعتزلة وغيرهم إنما هم ليس عليهم شيء؛ لأنهم يجتهدون ويخطئون فما رأيكم ؟
ج: أما الجهمية فكفرهم خمسمائة عالم، كما ذكر ابن القيم:
ولقد تقلد كفرهم خمسون في ... عشر من العلماء في البلدان
وفي هذه الرسالة يسميهم الإمام الزنادقة الملاحدة، فالإمام أحمد كفَّرهم، ويقولون: إن القرآن مخلوق، وسيأتي في آخر الرسالة تكفيرهم، وأما المعتزلة ففيهم كلام لأهل العلم، كفرهم أيضًا كثير من العلماء، بعض العلماء كفرهم، وبعضهم قال: إنهم مبتدعة، وتكفيرهم قول قوي؛ لأنهم يقولون: إن القرآن مخلوق، وينكرون صفات الله.
وإنكار صفات الله معناه أن الله ليس له صفات، وأيضًا إذا لم توجد الصفات، ولا الأسماء، لا وجود للذات، فلا وجود للذات إلا بالصفات والأسماء، وأما الأشاعرة فهم مبتدعة معروفون فهم يثبتون بعض الصفات، فمعروف عند العلماء أنهم مبتدعة. نعم.
س: وهذا يقول: جاء في بعض الكتب أن المذاهب الفقهية في الإسلام خمسة: وهي الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي، والجعفري، فما صحة ذلك ؟
ج: لا. الجعفري لا، الرافضة لا. بعضهم أضاف الزيدي. فالمذهب الخامس المذهب الزيدي. نعم معترف به، فمعروف الزيدية. أما الجعفرية فرافضة، والرافضة لا يعتد بأقوالهم ولا كلامهم؛ لأن الرافضي الذي يسب الصحابة أو يكفرهم ويفسقهم كافر، فلا يعتد بقوله ولا يعتبر قوله مذهبًا.
الجعفري هو الرافضي وهو الإمامي هذه أسماء لهم، يسموا الجعفرية نسبة إلى جعفر الصادق، ويسمون إمامية ويسمون اثني عشرية، فهم الرافضة، فهذه الأسماء كلها لمسمى واحد، فهم الرافضة الذين يسبون الصحابة ويفسقونهم ويكفرونهم، وهذا ردة عن الإسلام، والعياذ بالله، لكن المذهب الخامس زيدي، ليس جعفري. نعم.(1/110)
س: وهذا يقول: أحسن الله إليكم ما مصير الجهمية، والزنادقة يوم القيامة ؟
ج: مصير الزنادقة النار، والعياذ بالله؛ لأنهم كفرة مخلدون في النار، فالزنديق الملحد كافر، والجهمية كذلك على ما أقره أهل العلم، وكفروهم يعني على العموم، القول بالخلد في النار فرع عن التكفير، فمن قيل: إنه كافر -يخلد في النار، نسأل الله العافية.
س: وهذا يقول: أحسن الله إليكم له أخ مريض بالسرطان -أعاذنا الله وإياكم من ذلك وجميع المسلمين- ويقول: نبحث على ما يرقى عليه - عن راق يرقي عليه- فهل في ذلك شيء من باب التوكل على الله عز وجل؟
ج- لا بأس بالرقية الشرعية التي ليس فيها شعوذة، فهذا مطلوب، لكن ترك الرقية أولى أصلًا، السبعون ألفًا لا يطلبون أحدًا يرقيهم، لكن لو رقاه من دون طلب لا بأس، وهي جائزة، ولا سيما عند الحاجة، مباحة مشروعة إذا كانت بأسماء الله وصفاته، أو بأدعية شرعية مباحة، ولا محظور فيها، لا يذهب عند المشعوذين.
أما كونه يذهب عند المشعوذين يرقونه، فلا، لكن يرقيه من المسلمين الطيبين، يرقونه بكتاب الله، أو بأسماء الله وصفاته، أو بأدعية شرعية أو مباحة فلا بأس.
س: يسألكم الدعاء له.
ج: نسأل الله له الشفاء. نعم.
س: هذا يقول: بعض طلبة العلم يقولون: إن الحاكم الذي لا يحكم بالشريعة فهو كافر على الإطلاق، فهل هذا القول صحيح، وهل يجوز الخروج عليهم ؟
ج: لا، هذه مسألة فيها تفصيل، إذا حكم بغير الله معتقدًا حله، وأنه حلال، وأنه يجوز له الحكم بغير الشريعة. نعم. أما إذا لم يعتقد ذلك، فقد يكون له شبهة. في هذا الأصل أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر، إلا إذا استحله، ورأى أنه حلال، وأنه يجوز الحكم بغير شرع الله، ورأى أن هذا حلال، هذا جائز، هذا ردة. نعم.
س: يقول: فضيلة الشيخ هل حصلت مناظرة بين الإمام أحمد والزنادقة أم أن هذا الكتاب قيل على لسانهم ؟(1/111)
ج: هو الإمام أحمد كتب في الرد عليهم هذا رد عليهم، وحصل له مناظرة مع أحمد بن أبي دؤاد وغيره، ناظرهم لكن كون هذا كله مناظرة، ما أظن أن هذا كله مناظرة، إنما كتب هذا في الرد عليهم، وهو ابتلي بهم -رحمه الله- حصل له مناظرة معهم، وكتب هذا في الرد عليهم. نعم.
أحسن الله إليكم، وأثابكم ونفعنا بعلمكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وفق الله الجميع لطاعته ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، أما بعد في الجلسة الماضية استعرضنا بعض الأمثلة التي مثَّل بها إمام أهل السنة أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- التي شكت فيها الزنادقة فيها من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله.
المثال الثالث: ما هو المثال الثالث؟ ما هو المثال الثالث؟ ما تفصيل المثال الثالث ؟ نعم ما هو المثال الثالث؟ هنا استخدم تسعة أمثلة نعم. . نعم، وجه الإشكال على الزنادقة؟ نعم.. يتكلموا نعم..، وينادي بعضهم بعضا.
الجواب ... ليس هكذا سوف يتكلمون نعم ... نعم يكلم بعضهم بعضا، أول ما يدخلون النار يكلم بعضهم بعضا، فحينئذ يكونوا بكما، وعميا، وصما، ولا يبقى إلا الزفير، والشهيق، نسأل الله السلامة والعافية.
إذن في أول الأمر حين يدخلون النار ينادي بعضهم بعضا، ويكلم بعضهم بعضا، ويقولون: يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ويقولون: رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ثم يقول الله لهم: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ هذا تكليم عذاب يكلمهم الله تكليم عذاب فحينئذ يكونون بكما وعميا، وصما، ولا يبقى إلا الزفير، والشهيق نسأل الله السلامة، والعافية.(1/112)
طيب المثال الرابع: تفصيل المثال الرابع، نعم اتفضل، نعم مع قوله وجه الإشكال، نعم ينفي السؤال في الآية الأولى، الآية الأولى تنفي التساؤل لا تسائل، والآية الثانية تثبت التساؤل طيب إذن.. نعم، نعم لا يتساءلون بعد النفخة الثانية، وعند القيامة الأولى يتساءلون، نعم، نعم أحسنت.
وعلى هذا يكون أيش؟ يكون المواطن متعددة: الموطن الأول عند القيام من القبور لا يتساءلون، ثم بعد ذلك إذا حوسبوا، ودخلوا النار تساءلوا، وتكلموا طيب.
المثال الخامس: المثال الخامس اتفضل، نعم إن من أسباب دخولهم النار ترك الصلاة، نعم، نعم والجواب اتفضل، نعم، نعم يعني: لم يكونوا موحدين، كانوا موحدين أولا فلما تركوا الصلاة، صار تركهم للصلاة كفرا. هي في المؤمنين قبل، وفي الآية الثانية أو يعني: محمولة على السهو عن الصلاة بالكلية، يتركونها بالكلية، أو يؤخرونها عن وقتها بالكلية، أو يؤخرونها عن وقتها المختار، أو يسهون عن أيش؟ عن واجباتها وشروطها، نعم؟ نعم أحسنت.
المثال السادس: المثال السادس نعم اتفضل، ارفع الصوت، نعم مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ وقوله: مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وقوله: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ نعم قالوا: هذا كيف ثلاث؟ كيف خلق من كذا، ومن كذا، ومن كذا من كذا؟ والجواب: نعم، أول بدء خلقه من تراب، ثم بل الله التراب فصار طينا، والطينة من حمراء وسوداء وبيضاء، وطينة طيبة وسبخة، فجاءت الذرية كذلك فيهم الطيب، والخبيث، والأسود والأحمر.
فلما لصق أيش؟ لصق الطين بعضه ببعض صار طينا لازبا، لازبا يعني لاصقا، وقوله: مِنْ سُلَالَةٍ يعني: من عصر، إذا عصر انسل من بين الأصابع، ثم نتن، تغير رائحته، وصار حمأ مسنونا، ثم جف فصار صلصالا كالفخار، إذن فلا منافاة بينهم، شيء واحد، تراب تحول إلى تطور إلى هذه التطورات:(1/113)
الأول: تراب، ثم تطور إلى طين، ثم الطين تطور إلى لازب، ثم نتن صار حمأ مسنونا، ثم يبس فصار صلصالا، وأما قوله: مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ هذا خلق الذرية، الذرية من الماء من النطفة، وهو حال الذرية مخلوقون من الماء، من ماء الرجل، وماء المرأة يخرج من بين الصلب والترائب، ماء الرجل، وماء المرأة نطفة، وأما خلق آدم فهو من تراب طيب.
المثال السابع: نعم، نعم وجه الإشكال أن "مشرق، ومغرب" أفردت، وثنيت، وجمعت قالوا: ولا نجد إلا مشرقا ومغربا، الشمس لها مشرق، ومغرب واحد كيف ؟ نعم، نعم أطول يوم في السنة نعم، لا أجبت على هذا الادعاء الأول، نعم هذا رب المشرقين، ورب المغربين هذا أطول يوم في السنة، وأقصر يوم في السنة، وأما رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فهذا الذي يستوي فيه الليل والنهار.
وأما الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ نعم هذا هو الذي أجاب عليه هناك سبب آخر هو الجنس، جنس المشارق مشرق الصيف، والشتاء، ومغرب الصيف، والشتاء، ورب المشارق نعم، وأما رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فهذا جنس المشارق والمغارب طيب.
المثال الثامن: المثال الثامن نعم: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وفي سورة المعارج: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ .(1/114)
وجه الإشكال الاختلاف بين الألف، خمسين ألف؟ بماذا أجاب الإمام رحمه الله؟ جواب الإمام اتفضل، نعم: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض. طيب: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ نعم المسافة بين السماء والأرض، نزول خمسمائة، وهبوط سبعمائة، إنما الصعود خمسمائة.
وقوله: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ طيب الإمام أجاب فيه بأيش؟ قال: لو ولي حساب الخلق غير الله لكان أيش؟ لكانت المدة خمسين ألف سنة، لكن الله حاسبهم في نصف يوم، كما قال سبحانه: وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ .
هذا جواب الإمام، طيب هناك أيضا أجوبة في الجمع بينها، نعم، نعم اليوم الذي فيه السجدة هذا في الدنيا، والمعارج هذا في يوم الآخرة هذا نعم، ويؤيد هذا سياق الآيات: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا وحديث تعذيب مانع الزكاة هذا هو الصواب، هذا أصوب الأقوال، أصوب الأقوال هو هذا تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ هذا في يوم القيامة، و يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ هذا في يومنا.
فيه قول ثالث اختاره الإمام ابن القيم ما هو اختيار ابن القيم رحمه الله؟ اختاره في "الكافية الشافية" اتفضل، أنهما نعم من السماء إلى الأرض إلى القرار إلى المركز، قال: "والدليل على هذا أنه تزول يوم القيامة، تزول السماء والأرض ما يبقى شيء بعدما يستقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار ما في سماء، ولا أرض، العرش سقف، العرش هو سقف الجنة. إلى الجنة والنار، العرش السقف واضح هذا، وزالت السماء والأرض، تكون المسافة من العرش إلى ...(1/115)
هناك قول آخر قلناه، نعم هذا قول ضعيف، وهناك أيضا قول آخر الفاصل بين... و أيضا أضعف منه، هذان القولان ضعيفان، المعتمد القولان، والأصل في القولين كما ذكرت اليوم الذي فيه السجدة في الدنيا، واليوم فيه المعارج في الآخرة طيب.
المثال الحادي عشر أيش؟ المثال التاسع وقفنا على التاسع باقي أيش؟ هذا اللي وقفنا عليه نعم، سمع.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00032.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00030.htm
شبهتهم في قوله تعالى "ويوم نحشرهم جميعا. ..." والرد عليها
بسم الله الرحمن الرحيم: قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وأما قوله: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ إلى قوله: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ فأنكروا أن كانوا مشركين، وقال في آية أخرى: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا فشكوا في القرآن، وزعموا أنه متناقض.
---
الواضح الآن أن الشبهة، شبة الزنادقة في هذا يقولون: آيتان متناقضتان: الآية الأولى قوله تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ إلى أن قال: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ آية أيش؟ آية الأنعام، آية الأنعام: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ .(1/116)
إذن أنكروا، تكلموا وأنكروا الشرك، والآية الأخرى آية النساء قال: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ الآية آية النساء، نعم ... لا، قبل إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا فالآية فيها أنهم لا يكتمون: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا .
والآية الأولى فيها أنهم كتموا شركهم، قالوا: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ الآية الأولى أنكروا الشرك وكتموا، والآية الثانية نفت الكتمان، قال: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ففي آية كتم، وفي آية لم يكتم، نعم، الجواب.
أما قوله: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ فذلك أن هؤلاء المشركين، إذا رأوا ما يتجاوز الله عن أهل التوحيد، يقول بعضهم لبعض: إذا سألنا نقول: لم نكن مشركين، فلما جمعهم الله، وجمع أصنامهم، وقال: أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ قال الله: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ فلما كتموا الشرك ختم الله على أفواههم، وأمر الجوارح فنطقت بذلك، وذلك قوله: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فأخبر الله -عز وجل- عن الجوارح أن شهدت، فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة.
---(1/117)
نعم، إذن الجواب: أجاب الإمام -رحمه الله- عن الجمع بين الآيتين بأن المشركين لما رأوا ما يتجاوز الله عن أهل التوحيد كتموا شركهم، قال بعضهم لبعض: إذا سألنا نقول: لم نكن مشركين، فلما جمعهم وجمع أصنامهم، وقال: أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ قال الله: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ .
فلما كتموا الشرك ختم الله على الأفواه، وأمر الجوارح فنطقت، وتكلمت، وذلك قوله عز وجل: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فعلى هذا يكون الكتمان كتمان الشرك بالنسبة للألسن، الألسن كتمت، والتكلم بالنسبة للجوارح واضح هذا، فإذن قولهم: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ هذا قالوه بألسنتهم وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا بجوارحهم، جوارحهم هي التي نطقت: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ .
وقوله: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا محمول على أن الجوارح هي التي تتكلم، وأما كتمانهم الشرك: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ هذا محمول على الألسن الألسن كتمت، والجوارح لم تكتم تتكلم.
هذا ما أجاب به الإمام، وهناك جواب آخر، وهو أن مواقف القيامة، ومشاهد القيامة متعددة في بعض المواقف يكتمون، وفي بعضها لا يكتمون يتكلمون، مشاهد القيامة متعددة، في بعض المشاهد، وفي بعض المواقف يكتمون، وفي بعض المشاهد، والمواقف يتكلمون؛ لأن يوم القيامة يوم عظيم، يوم طويل، نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00034.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00032.htm(1/118)
المثال العاشر: وأما قوله عز وجل: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ وقال: يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا وقال: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا وقال في آية أخرى: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا من أجل ذلك شكت الزنادقة.
---
نعم، شكت الزنادقة من أجل أيش؟ من أجل الاختلاف بين الآيات، ففي آية يقولون: مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ يقسموا ما لبثوا غير ساعة، وفي آية لبثوا عشرا، وفي آية لبثوا قليلا، قال: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00035.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00033.htm
أما قوله: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا وذلك إذا خرجوا من قبورهم فنظروا إلى ما كانوا يكذبون به من أمر البعث، قال بعضهم لبعض: إن لبثتم في القبور إلا عشر ليال، واستكثروا العشر، فقالوا: إن لبثتم إلا يوما في القبور، ثم استكثروا اليوم، فقالوا: إن لبثتم إلا قليلا، ثم استكثروا القليل، فقالوا: إن لبثتم إلا ساعة من نهار، وهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة.
---
واضح هذا؟ إذن الجمع بينهما واضح، هو أن هذه حالات، وهذه الأمور كلها حصلت لهم، فإذا خرجوا من قبورهم، نظروا إلى ما كانوا يكذبون به من البعث قال بعضهم لبعض: إن لبثتم إلا عشر ليال، ثم استكثروا العشر، فقالوا: إن لبثتم إلا يوما، ثم استكثروا اليوم، فقالوا: إن لبثتم إلا قليلا، ثم استكثروا القليل، فقالوا: إن لبثتم إلا ساعة من نهار. نعم.
وأما قوله: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا .
(هذا المثال أيش؟ المقدم: الثاني عشر، المثال الحادي عشر نعم) .(1/119)
وأما قوله: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا وقال في آية أخرى: وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ فقالوا: كيف يكون هذا؟ فيقولون: لا علم لنا، وأخبر عنهم أنهم يقولون: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، وزعموا أن القرآن ينقض بعضه بعضا.
---
هذه الشبهة واضحة، الآية الأولى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا واضح هذا، وفي الآية الأخرى: وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ وفي آية أخرى يقول الله تعالى: وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا الرسول -عليه الصلاة والسلام- وفي آية أخرى يقول تعالى: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ .
إذن في آيات أنهم يقولون: لا علم لنا، وفي آيات أنهم يشهدون الرسل في آية أنهم يقولون لا علم لنا، وفي بعض الآيات أنهم يشهدون عليهم، وفي آية يقول:
وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ واضح هذا طيب، الجواب.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00037.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00035.htm
أما قوله: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ فإنه يسألهم عند زفرة جهنم فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ في التوحيد فتذهب عقولهم عند زفرة جهنم فيقولون: لا علم لنا، ثم ترجع إليهم عقولهم من بعد فيقولون: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة.
---(1/120)
إذن الجمع بين الآيتين، أجاب الإمام بأيش؟ بأن كل من الآيتين محمولة على حال، فقوله عز وجل عن الرسل من قول: لَا عِلْمَ لَنَا هذا عند زفرة جهنم حين تذهب عقولهم، ثم ترجع إليهم عقولهم فيقولون: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ يعني: تحمل كل من الآيتين على حالة، وفي أول الأمر عند شدة الهول، عند شدة الهول يقولون: لا علم لنا، فإذا زال هذا الأمر، وخف هذا الأمر فإنهم يشهدون، ويقولون:
هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ .
لم يقولوا في الأمر من شدة الهول عند زفرة جهنم وشدة الهول، وشدة الأمر؛ لأن الله -تعالى- يقول: يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ .
كذا في الحديث أن دعوة الرسل: اللهم سلم سلم عند مرور الناس على الصراط، ويقول الخليل: اللهم لا أسألك إلا نفسي فالمقصود أن جواب الإمام -رحمه الله- أن كلا من الآيتين محمولة على حالٍ، فعند شدة الأمر وشدة الهول عند زفرة جهنم، يقولون ذلك، ثم تعود إليهم عقولهم بعد ذلك، ويخف الأمر فيشهدون، واضح هذا، هذا ما أجاب به الإمام.
هناك جواب آخر، وهو اختيار ابن جرير -رحمه الله- الإمام ابن جرير: يقول قوله سبحانه عن الرسل: لَا عِلْمَ لَنَا أي: لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا يعني: لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا؛ لأن وإن علمنا إجابتهم فإن علمنا علم في الظواهر دون بواطن، وأما أنت يا رب، فأنت عالم بالبواطن، والظواهر لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا، وأما علمنا فإنه علم بالظواهر فقط دون البواطن، وأما علمك فهو شامل للظواهر، والبواطن واضح هذا.(1/121)
وهناك جواب آخر أيضا، وهو أن قول الله -عز وجل-: مَاذَا أُجِبْتُمْ سؤال لهم عما عملوا بعدهم، فيقولون: لَا عِلْمَ لَنَا لا نعلم ما أحدثوا بعدنا، ولا نعلم أعمالهم، وهذا قول مرجوح.
والمعتمد القولان، القول الذي اختاره ابن جرير، والقول الذي ذكره الإمام أحمد -رحمه الله- أن كلا من الآيتين محمولة على حالة، عند شدة الهول يقولون: لَا عِلْمَ لَنَا ثم بعد ذلك يشهدون أو لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا، وعلمنا قاصر على الظواهر، وأما علمك فهو علم شامل للبواطن والظواهر، نعم.
يؤيد هذا قول عيسى -عليه الصلاة والسلام-: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ نعم قد يدل هذا القول، الآية قد تدل بهذا القول لكن المعتمد القولان السابقان، نعم.
وأما قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ . هذا المثال أيش؟ الثاني عشر، نعم.
وقال في آية أخرى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ فقالوا: كيف يكون هذا؟ يخبر أنهم ينظرون إلى ربهم، وقال في آية أخرى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ فشكوا في القرآن، وزعموا أنه ينقض بعضه بعضا .
---(1/122)
واضح الآن الإشكال عند الزنادقة، يقولون: فيه آية أثبتت النظر أثبتت النظر إلى وجهه: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وفيه آية نفت النظر قال: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ فيه آية أثبتت رؤية الله، وفيه آية نفت رؤية الله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ تنظر إلى الله، وفيه آية نفت النظر قال: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ فشكوا في القرآن، وزعموا أنه متناقض، نعم، الجواب.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00039.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00037.htm
أما قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ يعني الحسن، والبياض إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ يعني: تعاين ربها في الجنة.
---
يعني: يقول هناك فرق بين ناضرة الأولى، وناظرة الثانية عندنا الآن ناضرة: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ما الفرق بينهما؟ في فرق في المعنى، وفي فرق في الكتابة، في الكتابة الأولى ناضرة بالضاد أخت الصاد، والثانية ناظرة بالظاء أخت الطاء.
واضح هذا الأولى ناضرة أخت الصاد من النضرة، والبهاء، والحسن، والجمال؛ ولهذا قال: يعني الحسن، والبياض: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ يعني: بهية حسنة جميلة واضح إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ .
الثانية يعني: تنظر إلى ربها بعيونها، إذن فرق بينهما في المعنى، وأيش في المعنى، وفي الكتابة، في الكتابة الأولى ناضرة، وفي النطق أيضا الضاد تخرج من أيش؟ من حافة اللسان مع أطراف الأسنان.
أما ناظرة من أيش؟ من طرف اللسان في النطق يختلف في النطق، وفي الكتابة، وفي المعنى في النطق ناضرة الأولى، والثانية ناظرة في المعنى، الأولى ناضرة من النضرة، والبهاء والحسن والجمال.(1/123)
وفي الثانية ناظرة من النظر بعيونها يعني هي تنظر بعيونها إلى الله، وفي الكتابة ناضرة بالضاد أخت الصاد، وفي الثانية ناظرة بالظاء أخت الطاء، فصار الفرق بين ناضرة، وناظرة في النطق، وفي الكتابة، وفي المعنى، واضح الأمر في تعريف الفروق الثلاثة، نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00040.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00038.htm
وأما قوله: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ يعني: في الدنيا دون الآخرة، وذلك أن اليهود قالوا لموسى: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ فماتوا وعوقبوا لقولهم: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً وقد سألت مشركو قريش النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا فلما سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه المسألة قال الله تعالى: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ حين قالوا: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ الآية، فأنزل الله -سبحانه- يخبر أنه لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ أي: إنه لا يراه أحد في الدنيا دون الآخرة، فقال: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ يعني: في الدنيا أما في الآخرة فإنهم يرونه، وهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة.
---
واضح الآن، هذا الجمع الذي جمعه الإمام، الجمع الذي جمع بينهما الإمام -رحمه الله- أن قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ يعني: تنظر إلى ربها في الجنة في الآخرة، تنظر إلى ربها في الآخرة، وأما قوله: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ فهذا في الدنيا، فإذن الجمع بينهما الآية محمولة على النظر إلى وجه الله في الدنيا.(1/124)
الأولى محمولة على النظر إلى وجه الله في الآخرة دون الدنيا، في الآخرة المؤمنون ينظرون إلى ربهم في الجنة، وأما الثانية: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ هذا في الدنيا لا يرون الله في الدنيا، ما يمكن لأحد أن يرى الله في الدنيا، واضح هذا في الدنيا لا أحد يراه، ما يستطيع أحد يراه، وفي الآخرة في إثبات، إذن ما في تناقض.
إذن الآية محمولة على رؤية المؤمنين في الجنة، والثانية محمولة على الرؤية في الدنيا، الإمام -رحمه الله- يقول: " وذلك أن اليهود قالوا لموسى: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ فماتوا، وعوقبوا بقولهم: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً هذا في بني إسرائيل لما قالوا: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً أخذتهم الصاعقة، ثم أحياهم الله: فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ الله بعد ذلك وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ .
وقد سألت مشركو قرش النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا يعني: هذا فيه إثارة، في سورة الإسراء ذكر الله الاقتراحات التي اقترحها كفار قريش على النبي -صلى الله عليه وسلم- من باب التعنت:(1/125)
وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا .
كل هذه اقتراحات من باب التعنت، نعم فلما سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه المسألة، أنزل الله: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ من باب التعنت كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ حين سأله بنو إسرائيل، وقالوا: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ فأنزل الله سبحانه يخبر من أنه لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ أي: لا يراه أحد في الدنيا دون الآخرة.
فقال: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ يعني: في الدنيا، أما في الآخرة فإنهم يرونه، وهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة، واضح الآن.
إذن فخلاصة الجواب أن آية إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ محمولة على رؤية المؤمنين في الجنة، وآية لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ محمولة على الدنيا، وأن في الدنيا لا يراه أحد، واضح هذا.(1/126)
هناك جواب آخر في الجمع بين الآيتين، وهو أن الآية: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ عامة لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ تخصص في الآية الثانية، وهي إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ هذا عام لكن يخص من ذلك المؤمنون في الجنة، فإنهم يرونه، وهذا قريب من المعنى الأول، قريب منه، يعني: تكون الآية من باب العموم، والخصوص، فآية: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ عام، وآية إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ خاص، فلا يراه أحد أبدا إلا المؤمنون، فتكون رؤية المؤمنين خاصة مخصصة لعموم لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ واضح هذا.
هناك جواب ثالث، وهو الصواب، وهو أن قوله عز وجل: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ليس فيه نفي للرؤية، وإنما فيها نفي للإدراك، والإدراك أخص من الرؤية، والرؤية أعم، فالآية ليست هي نفيا للرؤية ما قال: لا تراه الأبصار، قال: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ .
والإدراك قدر زائد على الرؤية فقد يرى الإنسان الشيء، ولا يدركه؛ لأن الإدراك معناه الإحاطة، الإحاطة بالشيء، ومعرفة كنهه، فالمؤمنون وإن رأوا الله في الجنة لكن لا يدركونه، ولا يحيطون به رؤية، واضح هذا.
فالمراد بالإدراك نفي الإدراك، نفي الإحاطة، المستلزم لمعرفة الكنه، والحقيقة، والكيفية، واضح هذا، فالآية نفت الإدراك، ولم تنف الرؤية ففرق بين أيش بين نفي الشيء نفي الرؤية، ونفي الإدراك فالمؤمنون يرون ربهم في الجنة، لكن لا يحيطون به رؤية، ولا يعلمون كنهه، بل إن الإنسان في الدنيا الآن يرى الشيء، ولا يحيط به رؤية، فأنت الآن ترى الجبل تراه لكن هل تحيط به رؤية؟ تحيطه من جميع الجهات، ولا يخفى عليك شيء من جهاته؟ يخفى عليك شيء.(1/127)
وأنت في البستان في البستان، ترى البستان، ولا تحيط به رؤية إذا كان عندك بستان مسافة عشرة كيلو، بعشرة كيلو أنت في البستان، ترى البستان، ولا ما تراه؟ تراه لكن هل تحيط به رؤية؟ ما تحيط به إذا أردت أن ترى الجوانب الأخرى فاركب السيارة تذهب حتى ترى الجوانب الأخرى.
والسماء نراها الآن، نحن الآن نرى السماء، لكن هل نحيط بالسماء رؤية؟ ما نحيط بها نرى الأرض، ولا نحيط بها رؤية، نحن الآن في مدينة الرياض، نراها، لكن هل نحيط بها؟ هل تعلم الآن ما يحدث في الشرق، أو الغرب أو في الشمال أو في الجنوب؟ ما تحيط به رؤية، فإذن هناك فرق بين أيش؟ بين نفي الرؤية، ونفي الإدراك، فالله -تعالى- ما نفى الرؤية، وإنما نفى الإدراك.
فالله -تعالى- لكمال عظمته، وكونه أعظم من كل شيء، وأكبر من كل شيء لا يحيط به أحد رؤية، وهو أعظم وأعلى وأجل من أن يحيط به العباد، والله -تعالى- أخبر في قصة مسير موسى، ومن معه من الجيش، ولحوق فرعون، ومن معه بأن الجمعان تراءى تراءيا.
قال الله -عز وجل-: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ ما هم الجمعان الجمع الذي مع موسى، والجمع الذي مع فرعون: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ .
ثم قال بعد ذلك: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ موسى ومن معه امتثل أمر الله فسرى بأيش؟ بمن معه بني إسرائيل، فتبعهم فرعون، ومن معه؟ جيش يتبع جيش، أليس كذلك؟ جيش يتبع جيش، موسى ومن معه تبعهم فرعون ومن معه: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ صار كل جمع يرى الجمع الآخر.(1/128)
كل واحد ينظر تَرَاءَى الْجَمْعَانِ جمع بني إسرائيل يرون جمع فرعون، ومن معه، ماذا قال أصحاب موسى ؟: قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ إذن هذا الإدراك غير الرؤية إِنَّا لَمُدْرَكُونَ يعني: لمحاط بنا فموسى -عليه السلام- نفى الإحاطة، قال: "كلا"، قَالَ كَلَّا يعني: لستم بمُدْرَكين: إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ .
فإذن الرؤية قوله: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ هل يراد الرؤية ؟ لا، الرؤية مثبتة ثابتة فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ ما فيها إشكال، كل جمع يرى الآخر، موسى لما قالوا: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ نفى الإدراك، قال: كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي يعني: لستم بمُدْرَكين، الإدراك ما هو؟ يحيط بهم فرعون يحيط بهم الجيش، ويقبض عليهم، هذا نفاه موسى قال: "كلا" وإن رأيتم الجيش من بعد، لكنه لا يحيط بكم، ولا يدرككم كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ .
فلما وصل موسى إلى البحر، أمره الله فضرب البحر بعصاه، فانفلق فكان اثني عشر فريقا على عدد القبائل، كل طريقة تُسْلَك صار يبسا، الماء الجاري السيال يبس في الحال، فلما تكامل موسى، وقومه داخلون، تبعهم فرعون ومن معه، أرض يابسة، طُرُق، فلما خرج موسى ومن معه من الجهة الأخرى، وتكاملوا، وتكامل فرعون ومن معه داخلون، أمر الله البحر بأن يعود إلى حالته، فانطبق على فرعون، وقومه فصارت أجسامهم للغرق، وأرواحهم للنار والغرق، نعوذ بالله.(1/129)
الشاهد قوله: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ أثبت الرؤية قالوا: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قال موسى: "كلا" لستم بمدركين، فثبت أن الإدراك غير أيش؟ غير الرؤية، وهي قدر زائد على الرؤية، وهي الإحاطة، لما تراءى الجمعان، ظن بنو إسرائيل أن فرعون سيلحقهم، ويحيط بهم، قالوا: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ البحر أمامنا، فإن خضناه غرقنا، وفرعون ومن معه خلفنا، فإن وقفنا أدركنا، ماذا نفعل: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قال موسى: "كلا" لستم بمدركين: إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ .
فإذن لا منافاة بين الآيتين، واضح هذا، فالآية: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ على ظاهرها إثبات الرؤية، وآية: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ليس فيها نفي الرؤية، وإنما فيها نفي الإدراك، والإدراك قدر زائد على الرؤية، وهو الإحاطة؛ لأن الإنسان قد يرى الشيء، ولا يحيط به رؤية، والله تعالى أعظم وأجل وأعلى من أن يحيط به العباد، ما يحيط به رؤية مستلزمة لمعرفة الكل.
واضح هذا كما أن الله -سبحانه وتعالى- يعلم، ولا يُحَاط به علما قال: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا أثبت العلم، يعني: العباد يعلمون ربهم ولكن وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا لو كان المراد في قوله: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ لا تراه في الدنيا لم يكن في ذلك مدح وكمال لله -عز وجل- والآية سيقت مساق المدح، هذه الآية سيقت مساق التمدح: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ الآية سيقت مساق التمدح.(1/130)
ولو كان المراد بها نفي الرؤية -لم يكن في ذلك مدح، ولا كمال ؛ لأن كون الشيء لا يُرَى ليس فيه مدح؛ لأنه يشارك المعدوم، المعدوم لا يُرَى، هل يمدح المعلوم بأنه لا يُرَى؟ ما يمدح، فلو كان المراد بالآية نفي الرؤية لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ لا تراه لم يكن في ذلك مدح، ولا كمال إنما الكمال إثبات الرؤية، ونفي الإدراك والحقيقية والكنه، فالمعنى لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ يعني: أنه تراه العيون، ولا تحيط به رؤية لكماله، وعظمته، وكونه أعظم من كل شيء، وهو أعلى من كل شيء، وكونه أجل و أعلى وأعظم من أن يدركه العباد.
أما في الدنيا فهذا معروف لا تراه في الدنيا، المعروف أن الله -تعالى- لا يراه أحد في الدنيا، ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم-سئل: هل رأيت ربك يعني ليلة المعراج؟ فقال: نور أنى أراه نور أنى أراه وفي لفظ: رأيت نورا .
وفي حديث أبي موسى الأشعري في صحيح مسلم يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، حجابه النور، وفي لفظ حجابه النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه .
إذن لا يراه أحد في الدنيا، ولما سأل موسى الرؤية في الدنيا: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قال الله -تعالى-: لَنْ تَرَانِي يعني في الدنيا وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا لما تجلى الله للجبل تدكدك ما ثبت، فكيف يثبت البشر الضعيف.(1/131)
فإذن رؤية الله في الدنيا جائزة عقلا، لكنها غير واقعة شرعا، ولا يستطيع أحد أن يثبت لرؤية الله في الدنيا، ولهذا في الحديث: لو كشفه لأحرقت سبحات وجه ما انتهى إليه بصره من خلقه ما يستطع أحد أن يثبت لرؤية الله، الجبل ما ثبت، لكن في يوم القيامة ينشئ الله الناس تنشئة قوية، يتحملون فيها رؤية الله.
واضح هذا. حتى نبينا -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج ما رأى ربه على الصحيح، والمسألة فيها قولان لأهل العلم يعني: اتفق أهل السنة على أن الله -تعالى- لا يراه أحد في الدنيا، ولا يخالف في هذا إلا بعض الصوفية، وبعض المشبهة الذين لا يعتد بقولهم، المشبهة الذين يقولون: إن الله يُرَى يمكن أن يُرَى في الدنيا.
بعض الصوفية يقول: كل مكان فيه خضرة، قالوا: لعل فيه ربنا، هؤلاء كفرة، والعياذ بالله، لا عبرة بهم وبما عداهم، فقد أجمعت الأمة على أن الله -تعالى- لا يراه أحد في الدنيا، ولم يخالفوا إلا في نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج، فيه خلاف اتفقوا على أن الله تعالى لم يره أحد في الأرض، واتفقوا على أن غير النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يره، لم يره خلافه باتفاق.
واختلفوا في رؤية نبينا -صلى الله عليه وسلم- ربه ليلة المعراج خاصة، لا في الأرض، ليلة المعراج في السماء، هل رأى ربه بعين رأسه ؟ على قولين لأهل العلم: القول الأول: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بعيني رأسه.
والقول الثاني أنه رآه بعين قلبه، ولم يره بعين رأسه، وهذا هو الصواب الذي عليه جماهير الصحابة والتابعون، ولما سئلت عائشة -رضي الله عنها- لما سألها مسروق قال: هل رأى محمد ربه؟ قالت: لقد وقف شعري مما قلت، ثم قالت: من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب .(1/132)
ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجه ما انتهى إليه بصره من خلقه والرسل من خلقه، ولقول الله عز وجل: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ .
وجمع المحققون من أهل العلم بين الرواية التي فيها إثبات الرؤية، والرواية التي فيها نفي الرؤية؛ لأنه روي عن ابن عباس في الرؤية أن محمدا رأى ربه، وروي عن الإمام أحمد، لكن الجمع بينهما أن الرواية التي فيها إثبات الرؤية، محمولة على رؤية القلب، وأنه رأى ربه بقلبه.
والروايات التي فيها نفي الرؤية محمولة على رؤية العين، فما جاء من النصوص أن النبي لم ير ربه، يعني بعين رأسه، وما جاء من النصوص، والآثار أن النبي رأى ربه يعني: بعين قلبه، وبهذا تجتمع النصوص، ولا تختلف.
ثم أيضا الرؤية، رؤية الله في الدنيا من النعيم، لا تكون لأهل الدنيا، من نعيم أهل الجنة خاصة، فالمؤمنون يوم القيامة يتنعمون برؤية الله، أعظم نعيم يعطاه أهل الجنة هو أيش؟ هو رؤيتهم لربهم -عز وجل- حتى إنهم إذا رأوا الله نسوا كل ما هم فيه من نعيم.
فرؤية الله نعيم ادخره الله لأجلنا، فلا يكون لأهل الدنيا، ما يمكن لأحد يراه في الدنيا، نعيم خاص لأهل الجنة، واضح هذا، فإذن فالخلاصة أن رؤية الله -تعالى- في الدنيا جائزة عقلا، لكنها غير واقعة شرعا، جائزة يعني: غير مستحيلة.
والدليل على أنها جائزة عقلا، يعني: لا يحيلها العقل أن موسى سأل ربه قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ وموسى ما يسأل شيئا مستحيلا، ولكنها غير كائنة في الدنيا، ولو كانت ممتنعة لأنكر الله على موسى كما أنكر على نوح حين سأله نجاة ابنه لما سأله: فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي .(1/133)
قال الله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ولأن الله لم يقل لا أُرى، ولا تمكن رؤيتي أو رؤيتي مستحيلة: قَالَ لَنْ تَرَانِي يعني: لن تراني في الدنيا ببشريتك الضعيفة واضح هذا، فإذن رؤية الله في الدنيا جائزة عقلا غير مستحيلة، لكنها غير واقعة شرعا.
وأما في الآخرة فهي جائزة عقلا، وواقعة شرعا، من أقوى الأدلة على أن الله -تعالى- لا يراه أحد في الدنيا ما ثبت في صحيح مسلم، وصحيح ابن خزيمة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا فإذن هذه الآية، وهي قوله تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ليس المراد بها نفي الرؤية، وإنما المراد بها نفي الإدراك؛ لأنها سيقت مساق المدح.
ولو كان المراد بها نفي الرؤية لما كان في ذلك مدح؛ لأن المعدوم هو الذي لا يُرَى، والكمال في إثبات الرؤية نفي الإدراك؛ لأن النفي المحض ما يأتي في صفات الله، ما يأتي إلا النفي الذي يستلزم إثبات ضده من الكمال.
فالمعنى أنه يُرَى ولا يحاط به رؤية، كما أنه يعلم، ولا يُحَاط به علما قوله: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا يعني: لكمال عظمته، فكونه أعظم من كل شيء لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ لكونه أعظم من كل شيء، وأعلى من كل شيء لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لكمال قوته واقتداره وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا لكمال عدله لا شريك له، ولا ولد، ولا صاحبة لكمال ربوبيته، وهكذا فالنفي الذي يأتي من صفات الله ليس نفيا محضا، وإنما هو يستلزم إثبات ضده من الكمال.(1/134)
ما يأتي النفي المحض، النفي المحض: الصرف، هذا ما فيه مدح، المدح إنما هو في النفي الذي يستلزم إثبات ضده من الكمال: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ لماذا لكمال عظمته، وكونه أعظم من كل شيء إثبات ضده وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا فيه إثبات الضد لكمال عدله لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لكمال حياته وقيوميته لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ لكمال عظمته، وكونه أعظم من كل شيء.
أما النفي المحض فهذا ذم ؛ لقول الشاعر:
قُبَيِّلَة لا يغدرون بذمة ولا ... يظلمون الناس حبة خردل
فهذا يمدحهم، يمدحهم يقول إيه؟ يمدحهم، ولا يذم يقول:
قُبَيِّلَة لا يغدرون بذمة ولا ... يظلمون الناس حبة خردل
"لا يغدرون، ولا يظلمون" هذا مدح لهم؟ يقول: بأنهم لا يغدرون، ولا يظلمون هو يذمهم يقول: لكونهم عاجزين لضعفهم وعجزهم، ولهذا صغَّرهم، قُبَيِّلَة لا يظلمون؛ لكونهم لا يستطيعون الظلم لضعفهم، وعجزهم، ولا يظلمون الناس حبة خردل كذلك لعجزهم، وإنما يمدح كون الإنسان لا يظلم إذا كان قادرا على الظلم، ثم ترك الظلم إذا كان عاجزا قادرا على الغدر، ثم ترك الغدر، أما إذا كان عاجزا ما يكون مدحا.
والشاعر الآخر يذم قومه، ويهجو قومه، الشاعر الجاهلي لما أُخِذَت إبله، واستنصر بهم، ولم يجد منهم نجدة قال، يتمنى أنه من قبيلة أخرى يستنجد بها وتنجده قال:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ... بنو اللقيطة من ذهل بن شيبان
إذن لقام بنصري معشر خشن ... عند الحفيظة إن ذودوا فخلانا
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ... ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا
"لكن قومي" هذا الشاهد:
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ... ليسوا من الشر من شيء وإن هانا(1/135)
لعجزهم: "يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة" إذا ظلمهم أحد غفروا له، " ومن إساءة أهل السوء إحسانا" أحسنوا إليه لكونهم عاجزين ضعفاء، وهذا يدل على نقصهم، إنما يكون كمالا متى؟ إذا كان عاجزا، ثم ترك الظلم، إذا كان قادرا، ثم ترك الظلم.
أما إذا كان عاجزا لا يكون فيه مدح، فالشاهد أن النفي المحض الصرف في صفات الله لا يأتي بالنسبة لجناب الرب -عز وجل- لأن النفي المحض الصرف، هذا فيه ذم، كما سمعتم الآن، في "قُبَيِّلَة لا يظلمون" هذا نفي صرف محض، ما يتضمن إثبات كماله "لا يغدرون بذمة" إذا كانوا قادرين، أما إذا كانوا عاجزين ما يستطيعون، ما في كمال.
فلذلك لا يأتي النفي المحض الصرف في حق الله -عز وجل- ولو قلنا: إنه لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ يعني لا يراه أحد في الدنيا، معناه أن هذا شارَك الممدوح، لا يراه أحد فقط، شارك المعدوم، فالمعنى لا تدركه الأبصار يعني: تراه الأبصار، ولكن لا تحيط به رؤية، وإن كان القول الأول اختاره الإمام - رحمه الله- وحمله على الدنيا، لكنه قول ليس بالقوي.
فالصواب في الجمع بين الآيتين أن الآية لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ محمولة على نفي الإدراك، والإدراك قدر زائد، أن الآية المراد بها نفي الإدراك، وهو القدر الزائد على الرؤية، فالمعنى أن الله يُرَى، ولا يُحَاط به رؤية؛ لكمال عظمته، وكونه أعظم من كل شيء، واضح هذا.
وهذا هو القول الراجح أن الآية هي لنفي الإدراك، وهو قدر زائد على الرؤية، وعلى هذا ما في تعارض: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ تنظر إلى ربها يوم القيامة، لكن لا تحيط به رؤية لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ فالآية الأولى نفت الرؤية، والثانية نفت الإدراك، فلا منافاة بينهما فالشيء يرى، ولا يدرك. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00041.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00039.htm(1/136)
شبهتهم في قوله تعالى "سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين " والرد عليها
وأما قول موسى: سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ .
هذا أيّ مثال؟ المثال أيش؟ المثال الثالث عشر.
وقال السحرة: إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إلى قوله: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ قالوا: فكيف قال موسى: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ وقد كان قبله إبراهيم مؤمنا، ويعقوب، وإسحاق، كيف جاز لموسى أن يقول: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ .
وقالت السحرة: أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ وكيف جاز للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ وقد كان قبله مسلمون كثير، مثل عيسى، ومن تبعه، فشكوا في القرآن، وقالوا: إنه متناقض.
---
واضح هذا إذن هنا الزنادقة أتوا بثلاث آيات، أو أربع آيات، قالوا أيش؟ إنها كل آية فيها الأولية، قال الله عن موسى: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ قال عن السحرة إنهم قالوا: أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ وقال عن نبينا -صلى الله عليه وسلم-: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ فكيف ذلك مع أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- سبقه مسلمون، سبقه الأنبياء قبله، نعم، الجواب.
أما قول موسى: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ فإنه حين قال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قال الله: لَنْ تَرَانِي ولن يراني أحد في الدنيا إلا مات: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ يعني: أول المصدقين أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات.(1/137)
وأما قول السحرة: أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ يعني: أول المصدقين بموسى من أهل مصر من القبط.
أما قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ يعني: من أهل مكة، فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة.
---
يعني الأولية، كل أولية محمولة على حال، فالأولية في قول الله تعالى عن موسى: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ حملها الإمام -رحمه الله- قال: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ يعني: أول المصدقين أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات، وهذا بعد أيش ؟ لما سأل ربه الرؤية، فقال الله: لَنْ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا بعد الصعق لما أفاق ماذا قال؟ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ يعني أول المصدقين أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات؛ لأنه صعق عليه الصلاة والسلام صعق، ثم أفاق من الصعقة.
وأما قول السحرة الذين آمنوا: أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ يعني: أول المصدقين، يعني: أول المصدقين، من أهل مصر، من القبط أول المصدقين من أهل مصر، فالأولية خاصة.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ يعني: من هذه الأمة، أنا أول المسلمين من هذه الأمة، فهو أول المسلمين، فكل آية محمولة على حالة، فلا إشكال، واضح هذا، نعم.
شبهتهم في قوله تعالى "أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" والرد عليها
وأما قول الله -عز وجل- (هذا المثال الرابع عشر؟ نعم).
أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ وقال في آية أخرى: فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ وقال في آية أخرى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ فشكوا في القرآن، وقالوا: إنه ينقض بعضه بعضا أما قوله أدخلوا آل فرعون أشد العذاب.
---(1/138)
طيب واضح الآن الإشكال الذي أوردته الزنادقة الآية الأولى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ والآية الأخرى: فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ والآية الثالثة إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ يعني في الآية الأولى أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ذكر أن لهم أشد العذاب.
وذكر أصحاب المائدة الذين كفروا أصحاب المائدة أن الله قال فيهم: فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ وقال في المنافقين: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ قالوا: فهذه ثلاث آيات، كل آية فيها أشد العذاب، ما ندري أشد العذاب، هل هو أشد العذاب لفرعون لآل فرعون، أو أشد العذاب عذاب الذين كفروا من أصحاب المائدة، أو المنافقين ما ندري تناقض، هذا تناقض.
آية أخبر أن أشد العذاب آل فرعون، وآية أن أشد العذاب المنافقين، وآية أن أشدهم الذين كفروا من أصحاب المائدة، فشكوا في القرآن، وقالوا: إنه متناقض، نعم، الجواب.
أما قوله: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ يعني: أشد عذاب ذلك الباب الذي هم فيه. وأما قوله: فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ وذلك أن الله مسخهم خنازير، فعذبهم بالمسخ، ما لم يعذب به من سواهم من الناس.
وأما قوله: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ لأن جهنم لها سبعة أبواب: جهنم، ولظى، والحطمة، وسقر، والسعير، والجحيم، والهاوية. وهم في أسفل درك منها .
---(1/139)
إذن الجواب، أجاب الإمام -رحمه الله- بأن آية غافر: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ بأنها محمولة على أشد عذاب ذلك الباب الذي هم فيه، خاصة أشد العذاب ذلك الباب الذي هم فيه: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ قال: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ أشد عذاب ذلك الباب؛ لأن جهنم أبواب فلهم أيش؟ فهم عذابهم أشد عذاب ذلك الباب الذي هم فيه، واضح هذا.
وأما آية المائدة: فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ فهو محمول على نوع العذاب، نوع العذاب الذي يُعَذَّبُوه هو المسخ، مسخهم الله خنازير، وهذا نوع خاص، فنوع هذا العذاب وهو المسخ لخنازير خاص بهم، ما عذب به غيرهم.
والآية الثالثة آية النساء: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ يقول المؤلف: "جهنم لها سبعة أبواب، وهي جهنم، ولظى، والحطمة، وسقر، والسعير، والجحيم، والهاوية، وهذه الأبواب كانت دركات، والمنافقون في الدرك الأسفل منها، نسأل الله السلامة والعافية هذا أيش؟ هو الجواب الذي أجاب به الإمام رحمه الله.
وهناك جواب آخر، وهو أن آية غافر: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ وآية النساء: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ لا منافاة بينهما، كل من آل فرعون والمنافقين في أسفل دركات النار، في أشد العذاب، واضح هذا، كل منهم استوى يعني استوى آل فرعون واستوى المنافقون بأن كلا منهما في الدرك الأسفل من النار، في أسفل دركات النار، في أشد العذاب.(1/140)
فالمنافقون في أسفل دركات النار في أشد العذاب، وآل فرعون في أيش؟ في دركات النار، في أشد العذاب متساوون، ولا يزد بعضهم على بعض، ما فيه تناف، ما في قوله تعالى: أَشَدِّ الْعَذَابِ بأنه لا يوافقهم أحد مثلهم، وكذا في المنافقين في الدرك الأسفل من النار ليس فيه نفي أن يكون أحد يماثل لهم، لكن ما في أحد زاد عليه، هما متماثلان.
فالمنافقون في الدرك الأسفل، وآل فرعون في الدرك الأسفل تساووا، فلا يزيد بعضهم على بعض، ولا منافاة بينهما؛ لأن كلا من الآيتين لا تنفي أن يكون أحد يماثلهم؛ لكن فيها بيان أنهم أشد العذاب، نعم هم في أشد العذاب، المنافقون في أشد العذاب، وآل فرعون في أشد العذاب تساووا، وكل من الآيتين لا تنفي أن يساويهم أحد، لكنها تنفي أن يكون أحد أشد منهم عذابا، واضح هذا.
وأما آية المائدة، وهي قوله تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ففي الجواب، أجاب العلماء عنها بجوابين: الجواب الأول: أعذبه عذابا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدا مِنَ الْعَالَمِينَ يعني: عالم زمانهم الخاص، كما في قوله تعالى في بني إسرائيل: وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ يعني: عالم زمانكم، هم على العالمين، يعني: عالم زمانهم، هذا الجواب الأول.
الجواب الثاني: أن المراد فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ العذاب الدنيوي خاصة، وهو المسخ مسخهم خنازير، فهذا فتكون آية: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ .(1/141)
وهذا في عذاب الآخرة، وآية: فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ آية المائدة محمولة على عذاب الدنيا، عذبوا بنوع خاص ما عذب به أحد، وهو المسخ خنازير، وآية أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ هذه في الآخرة، واضح هذا.
وهذا على القول بنزول المائدة أنهم مسخوا خنازير، على القول بنزول المائدة، وأن بعضهم كفر، واضح هذا، فيكون عذبوا بالمسخ. أما على القول بأن المائدة لم تنزل كما هو قول مجاهد، والحسن. قال مجاهد، والحسن في تفسير الآية: "إن المائدة ما نزلت، وأنهم خافوا لما توعدوا بهذا العذاب خافوا فلم تنزل"
فعلى هذا ليس فيها إشكال على هذا القول، لكن هذا خلاف ظاهر الآية؛ لأن الآية: فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ظاهرها أنها نزلت، ولكن لا يتم القول بأن الآية فيها إشكال إلا إذا ثبت أنه كفر بها بعض بعد نزولها، فإذن لا يتم القول بالآية، وأن فيها إشكالا إلا إذا ثبت أن الآية: المائدة نزلت، وأن بعضهم كفر بها، فيكون الجواب أن هذا في الدنيا، وأن العذاب الذي أصابهم هو المسخ، نعم.
وأما على قول الحسن، ومجاهد ما فيها إشكال؛ لأن الحسن، ومجاهد قالوا: إنهم لما توعدوا لم تنزل الآية خافوا، ولم تنزل المائدة، ولم يصبهم هذا. نعم.
وأما قوله تعالى: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ .
(هذا المثال أيش؟ الخامس عشر) .
ثم قال: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ فقد أخبر أن لهم طعاما غير الضريع، فشكوا في القرآن، وزعموا أنه متناقض.
---(1/142)
واضح الآن الشبهة، شبهة الزنادقة يقولون: الآية تقول: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ الآية فيها حصر، فيها نفي وإثبات، يعني: لا يوجد لهم طعام إلا الضريع، وآية أخرى فيها إثبات أن الضريع -كما وصفت الآية- لا يسمن، ولا يغني من جوع، وآية أخرى أثبتت أنه طعامهم أنهم يأكلون من شجرة الزقوم: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ فقد أخبر في آية أن لهم طعاما غير الضريع، فشكوا في القرآن، وزعموا أنه متناقض آية تقول ليس لهم طعام إلا الضريع، وآية تقول: إن لهم طعاما، وهي شجرة الزقوم، نعم الجواب، نعم.
أما قوله: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ يقول: ليس لهم طعام في ذلك اليوم إلا من ضريع، ويأكلون الزقوم في غير ذلك اليوم، وذلك قوله: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة.
---
نسأل الله العافية إذن، أجاب الإمام -رحمه الله- عن الآيتين بأن قوله: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ يعني في ذلك اليوم خاصة في ذلك اليوم لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لكن في غير ذلك اليوم يأكلون من الزقوم، لهم طعام غير الضريع في ذلك اليوم، وما عداه فإنهم يأكلون الزقوم في غير ذلك اليوم، فهذا معنى قوله: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ وشجرة الزقوم يقال: هي الشجرة التي لا تأكلها البهائم، فضلا عن الآدميين، هذا هو ما ذهب إليه الإمام رحمه الله.
هناك أيضا جواب آخر أو جمع آخر بين الآيات، وهو أن الآيات لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ وفي آية أخرى: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ وهو صديد أهل النار، وفي آية إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ وفي آية لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ .(1/143)
وفي آية لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ وهو صديد أهل النار، وفي آية أنهم طعامهم الزقوم، هناك جواب آخر غير ما أجاب به الإمام، هو أن العذاب ألوان، أجاب العلماء أن العذاب ألوان، والمعذبون طبقات، فمنهم من لا طعام له إلا من غسلين، ومنهم من لا طعام له إلا من الضريع، ومنهم من لا طعام له إلا الزقوم، ويدل لهذا قول الله -تعالى-: لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ .
إذن على هذا الجواب يكون العذاب ألوان، والمعذبون طبقات المعذبون طبقات، والعذاب ألوان المعذبون على طبقات منهم من ليس لهم طعام إلا الضريع، ومنهم من ليس لهم طعام إلا الغسلين، ومنهم من ليس له طعام إلا الزقوم، فالعذاب ألوان، والمعذبون طبقات فتدل هذه الآية، قوله تعالى: لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ .
وقيل المعنى: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ المعنى أنه لا طعام لهم أصلا، لا طعام لهم أصلا ؛ لأن الضريع لا يصدق عليه اسم الطعام، ما هو طعام الضريع؟ وكذلك الغسلين؟ الضريع ليس لهم طعام، ولا تأكله البهائم، فأحرى ألا يأكله الآدميون، وكذلك الغسلين ليس بطعام.
وكذلك الزقوم ليس بطعام فمن طعامه الضريع لا طعام له، ومن طعامه الزقوم لا طعام له، ومن طعامه الغسلين لا طعام له، فكأن المعنى كأن الله -تعالى- قال: لا طعام لهم كما تقول العرب: فلان لا ظل له إلا الشمس، ولا دابة له إلا ثوبه يعنون القمل، والمعنى لا ظل له أصلا، ولا دابة له أصلا، وعلى هذا القول نفى الطعام لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ .(1/144)
المعنى أنه لا طعام لهم؛ لأن هذا لا يصدق عليه اسم الطعام، كما تقول العرب: فلان لا ظل له إلا الشمس، ولا دابة له إلا ثوبه يعني، لا ظل له، ولا دابة، واضح هذا فتكون ثلاثة أقوال، أو ثلاثة أنواع من الإجابة في الجمع بين الآيات، نعم.
شبهتهم في قوله تعالى "ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا...." والرد عليها
وأما قوله: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا .
(هذا المثال السادس عشر) .
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ثم قال في آية أخرى: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ فقالوا كيف يكون هذا من الكلام المحكم يخبر أنه مولى الذين آمنوا ثم قال: وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ فشكوا في القرآن.
---
واضح هذا، هذه الشبهة يقولون: الآية الأولى قالت: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ نفي أن يكون للكافرين مولى، وفي آية أخرى أخبر أن الكافرين مولاهم الله: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ فآية لا مولى لهم، وآية أن مولاهم الحق، واضح هذا الإشكال، نعم الجواب.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00048.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00046.htm
أما قوله: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا يقول: ناصر الذين آمنوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ يقول الله: لا ناصر لهم، وأما قوله: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ لأن في الدنيا أربابا باطلة.
---(1/145)
هكذا جمع الإمام -رحمه الله- بينهما ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا يعني ناصرهم وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ لا ناصر لهم وأما قوله في الآية الأخرى: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ يعني: ربهم الحق؛ لأن هناك أربابا باطلة، فالأرباب التي يعبدونها من دون الله بطلت، وذهبت فردوا إلى مولاهم الحق، وهو الله -عز وجل- يوم القيامة واضح هذا، هذا هو الجمع بينهما.
وهناك جمع آخر لأهل العلم بين الآيتين، وهي معنى قوله: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ يعني: مالكهم، والمتصرف فيهم بما شاء، معنى كونه مولى الكفار يعني: مالكهم، والمتصرف فيهم، ومعنى أنه مولى المؤمنين، أي: ولاية المحبة، والتوفيق، والنصر، فالله -تعالى- مولى المؤمنين، يعني: يتولاهم بمحبته، وتوفيقه، ونصره، ولاية محبة، وتوفيق، ونصر.
وأما ولايته للكفار ولاية ملك، وتصرف فيهم، ونفوذ القدرة والمشيئة، مولاهم مولى الكفار مالكهم، والمتصرف بما شاء مولى المؤمنين ولاية محبة وتوفيق، ونصر واضح هذا، نعم.
شبهتهم في قوله تعالى "إن الله يحب المقسطين" والرد عليها
وأما قوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ .
(هذا المثال السابع عشر).
وقوله في آية أخرى: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا فقالوا: كيف يكون هذا من الكلام المحكم.
---
هاتان آيتان الآن: آية: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ وفي آية أخرى: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا آية فيها أن الله يحب المقسطين، وآية يخبر أنهم حطب لجهنم فكيف ذلك؟ نعم.
أما قوله: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا يعني العادلون بالله الجاعلون له عدلا من خليقته فيعبدونه مع الله.(1/146)
وأما قوله: وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ يقول: اعدلوا فيما بينكم، وبين الناس إن الله يحب الذين يعدلون، وقال في آية أخرى: أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ يعني: يشركون، فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة.
---
إذن جمع الإمام بينهما بأن المقسط غير القاسط، القاسطون: القاسط معناه هو العادل بالله، الجاعل له عدلا من خليقته، الذي يعبد معه غيره وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا يعني: الجائرون العادلون بالله، الجاعلون له عدلا من خليقته حيث عبدوا معه غيره، كما في الآية الأخرى: أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أي يشركون، فالقاسط هو الجائر، والظالم الجاعل له عدلا من خليقته.
وأما المقسط فهو العادل، المقسطون هم العادلون، كما في الحديث، هنا قوله: وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ يعني: اعدلوا بينكم، وبين الناس، إن الله يحب الذين يعدلون، والخلاصة أن الجمع بينهما أن المقسط غير القاسط، فالقاسط هو الجائر الظالم، والمقسط هو العادل، فرق بينهما المقسط هو العادل، فهما ضدان، القاسط ضد المقسط.
القاسط الجائر الظالم، والمقسط العادل، ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: المقسطون (يعني العادلون) المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم، وفي أهلهم، وما ولوا .
فإذن هناك فرق بينهما: المقسط هذا العادل من أقْسَطَ يُقْسِط، والقاسط الجائر من قَسَطَ، فرق بينهما، القاسط من قسط الثلاثي، والمقسط من أقسط الرباعي، واضح فالمقسط من ... فعله أيش؟ أقسط يقسط، فهو مقسط يعني عَدَل يعدل فهو عادل.(1/147)
وأما القاسط فهي من قسط ثلاثي، قسط يعني ظلم وجار، فإذا كان من الثلاثي فهو الجور والظلم، ومن الرباعي فهو العدل كلمة واحدة يختلف معناها، إذا جئت بها من الثلاثي: قسط جار وظلم، وأقسط عدل فهما ضدان، فالقاسط الجائر الظالم من قسط، والمقسط العادل من أقسط فهما ضدان، واضح هذا، فلا تناف بينهما، نعم واضح هذا، نعم.
شبهتهم في قوله تعالى "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" والرد عليها
وأما قوله: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ .
(هذا المثال الثامن عشر، نعم).
وقال في آية أخرى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وأما قوله: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ وقال في آية أخرى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وكان عند من لا يعرف معناه ينقض بعضه بعضا.
---
نعم هذه الشبهة إذن في آيتين آية التوبة: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إذن في إثبات الولاية، في إثبات الولاية لمن ؟ بين المؤمنين قال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ والآية الأخرى آية الأنفال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا نفي الولاية، آية أثبتت الولاية للمؤمنين، وآية نفت الولاية عن المؤمنين الذين لم يهاجروا، فقال: وكان عند من لا يعرف معناه ينقض بعضه بعضا.
عند من لا يعرف المعنى يحصل إشكال، أما من يعرف ما عنده إشكال، الجواب نعم.(1/148)
أما قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا يعني: من الميراث، وذلك أن الله حكم على المؤمنين لما هاجروا إلى المدينة أن لا يتوارثوا إلا بالهجرة، فإن مات رجل بالمدينة مهاجر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وله أولياء بمكة لم يهاجروا، كانوا لا يتوارثون.
وكذلك إن مات رجل بمكة، وله ولي مهاجر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يرثه المهاجر، فذلك قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْمِيرَاثِ حَتَّى يُهَاجِرُوا فلما كثر المهاجرون رد ذلك الميراث إلى الأولياء، هاجروا أو لم يهاجروا، وذلك قوله: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ .
وأما قوله: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يعني في الدين، والمؤمن يتولى المؤمن في دينه، فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة.
---
نعم إذن الجمع بينهما واضح، هو أن آية: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ هذه في الدين، المؤمن يتولى أخاه في الدين، يتولى المؤمن في دينه فينصره ويواليه، ويحبه هذا في الدين.
وأما آية الأنفال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ فالولاية في الميراث المراد بها الميراث، فكل محمول على حال فآية التوبة: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يعني في الدين والمحبة والنصرة، وآية: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ المراد بها الميراث، فالأولياء الأقرباء، والولي القريب.(1/149)
فقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يعني: من ميراثهم حَتَّى يُهَاجِرُوا يعني من الميراث، وذلك أن الله حكم على المؤمنين لما هاجروا إلى المدينة ألا يتوارثوا إلا بالهجرة، فإن مات رجل بالمدينة مهاجر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وله أولياء يعني أقرباء بمكة لم يهاجروا كانوا لا يتوارثون، وكذلك إن مات رجل بمكة، وله ولي يعني: قريب مهاجر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يرثه المهاجر.
يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- عقد الأخوة بين المهاجرين والأنصار لما هاجروا في أول الأمر، فكل واحد من المهاجرين له أخ من الأنصار يرثه إذا مات، كل واحد يرث الآخر، فالمهاجر إذا مات يرثه أخوه الأنصاري، والأنصاري كذلك، ولا يرثه أقاربه الذين في مكة إذا لم يهاجروا ما يرثونه، وكذلك إذا مات مؤمن في مكة، ولم يهاجر ما يرثه أقاربه المهاجرون، يرثه أقاربه الذين في مكة.
وهذا في أول الأمر فلما كثر المهاجرون والمؤمنون نسخ الله ذلك، وجعل التوارث بالقرابة، انتهى هذا في أول الأمر، انتهى التوارث، أنزل الله -تعالى- لما كثر المؤمنون والمهاجرون، رد الله ذلك إلى الميراث، رد الله ذلك إلى الميراث، هاجر أو لم يهاجر، لما كثر المهاجرون نسخ الله ذلك، وجعل الميراث بالقرابة، فإذا مات الإنسان يرثه أقاربه، سواء في مكة أو في المدينة هاجر أو لم يهاجر.
وأنزل الله في ذلك قول الله عز وجل: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَأُولُو الْأَرْحَامِ يعني الأقارب أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ سواء كان مهاجرا أو لم يهاجر.(1/150)
وأما آية التوبة: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ فهذا في الدين هذا في الدين والنصرة والمحبة، وهذه: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ هذه في القرابة في الإرث خاصة في أول الأمر، ثم نسخ الله ذلك فرد الميراث إلى القرابة، في قوله تعالى: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ هذا قول في الجمع بينهما.
هناك قول آخر اختاره ابن كثير -رحمه الله- واستدل له بحديث أخرجه الإمام أحمد قال: معنى قوله: مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا يعني لا نصيب لكم في المغانم، ولا في خمسها إلا فيما حضرتم فيه القتال: مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يعني: لا نصيب لكم في الغنائم في المغانم، ولا في الخمس إلا فيما حضرتم فيه القتال، ولا مانع من تناول الآية للأمرين جميعا، الآية تشمل الأمرين بعمومها، تشمل الأمرين، فيكون المراد بها نفيَ الميراث، ونفي القسم لهم من الغنائم والخمس. نعم.
شبهتهم في قوله تعالى "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" والرد عليها
وأما قوله - جل ثناؤه - لإبليس .
(هذا المثال التاسع عشر نعم ).
وأما قوله - جل ثناؤه - لإبليس: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وقال موسى لما قتل النفس: هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فشكوا في القرآن، وزعموا أنهم متناقض .
---
واضح الإشكال آية الحجر: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ أخبر الله أنه أيش؟ ليس له سلطان على عباد الله، وقال في قصة موسى لما قتل نفسا: قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فشكوا في القرآن، وزعموا أنهم متناقض. كيف وجه الإشكال ؟(1/151)
وجه الإشكال أن الله أخبر أنه ليس للشيطان سلطان على عباد الله، وموسى من عباد الله، كيف لم يكن له سلطان؟ ولما قتل نفسا: قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ صار له سلطان على موسى، والله قال: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وموسى من عباد الله، من أفضل عباد الله، كيف كان له سلطان عليه؟ وقال: قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ نعم، الجواب.
أما قوله: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ يقول: عبادي الذين استخلصهم الله لدينه، ليس لإبليس عليهم سلطان أن يضلهم في دينهم، أو في عبادة ربهم، ولكن يصيب منهم من قبل الذنوب، فأما في الشرك فلا يقدر إبليس أن يضلهم عن دينهم؛ لأن الله -سبحانه- استخلصهم لدينه.
وأما قول موسى: هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ يعني من تزيين الشيطان كما زين ليوسف ولآدم وحواء، وهم عباد الله المخلصون، هذا تفسير ما شكَّت فيه الزنادقة.
---
نعم، إذن الجواب: أجاب الإمام -رحمه الله- بأن قوله: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ أي عبادي الذين استخلصهم الله لدينه ليس لإبليس عليهم سلطان أن يضلهم بالشرك، وعبادة غير الله خاصة، ولكن قد يصيبهم شيء دون الشرك.
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ يعني أن تضلهم عن عبادة غير الله، أو توقعهم في الشرك.
وأما قول موسى: إن هذا من عمل الشيطان هذا من تزيين الشيطان معصية، معصية دون الشرك، هذا وأيضًا هذه الحادثة التي وقعت لموسى قبل النبوة قتله القبطي، قتل موسى القبطي لما استنصر به الإسرائيلي هذا قبل أيش؟ قبل النبوة.(1/152)
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ بعد ذلك وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ .
ثم ذهب إلى مدين، وحصل له القصة مع الرجل الصالح، وأنه زوجه إحدى ابنتيه، ورعى الغنم تسعة، عشر سنين، ثماني سنين أو عشر، وبعد ذلك فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا فلما جاء إلى النار عند الجبل نبَّاهُ الله وأرسله.
إذن النبوة والرسالة بعد ذلك فقتله النفس كان قبل النبوة، قبل النبوة واضح هذا؟ ثم أيضًا هذا ليس معصية، ليس شركًا هذا هو الجمع بينهما، واضح ؟
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ يعني في الشرك، وعبادة غير الله هذا من عمل الشيطان، تزيين المعصية، يقول المؤلف: "كما زين ليوسف": يوسف زين له الشيطان، كيف زين له؟ كيف زين المعصية ليوسف؟ نعم، نعم وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ولهذا، الوقف على الآية الأفضل إذا قرأتها تقرأ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وتقف ثم تقرأ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ الهمّ هذا يعني هذا من تزيين الشيطان هذا، وكذلك آدم وحواء، معروف أنه زين لهم الأكل من الشجرة فَأَكَلَا مِنْهَا . نعم.(1/153)
وأما قول الله للكفار: الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وقال في آية أخرى فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى فشكوا في القرآن .
---
نعم الآيتان الآية الأولى الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا نعم آية الجاثية والآية الثانية فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى وهي آية طه قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى وكذلك آية وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا .
ففي آيات تنفي النسيان عن الله، وفي آيات تثبت النسيان فشكوا وقالوا: هذا تناقض؛ آية إثبات النسيان الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ أثبتت النسيان لله وآية نفت النسيان فكيف ذلك؟ نعم.
أما قوله: الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا يقول: نترككم في النار كما نسيتم، كما تركتم العمل للقاء يومكم هذا، وأما قوله: فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى يقول: لا يذهب من حفظه ولا ينساه.
---
نعم الله تعالى منزه عن النسيان لا ينسى شيئًا، كما في كتاب الله لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى لا يذهب من حفظه ولا ينساه -سبحانه وتعالى-، ومثل قوله تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا .(1/154)
وأما الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ المراد بالنسيان الترك، الترك في النار، نترككم في النار كما تركتم العمل للقاء يومكم هذا، هذا من باب المقابلة؛ مقابلة نسيانهم للعمل بتركهم في النار الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ نترككم في النار، نعاملكم معاملة المنسي، كما تركتم لقاء يومكم هذا يعني أنهم عوملوا معاملة المنسي يعني هو تركهم، كما أن المنسي يترك تركهم عاملهم معاملة المنسي؛ لأنهم نسوا لقاء يومهم هذا، فلم يعملوا للقاء، لم يعملوا للقاء يوم القيامة، لم يعملوا لهذا اليوم العظيم، للقاء ربهم -عز وجل-.
فلما لم يعملوا صاروا كأنهم نسوا، كأن تركهم للعمل كأنه نسيان فعوملوا معاملة المنسي، فتركوا في النار كما يترك المنسي، وإلا فالله -تعالى- لا يلحقه النسيان. نعم.
شبهتهم في قوله تعالى "قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا" والرد عليها
(هذا المثال أيش الحادي والعشرون)
وأما قوله تعالى: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا وقال في الآية الأخرى فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ قالوا: كيف يكون هذا من الكلام المحكم؟ .
فيقولوا: إنه أعمى، ويقولوا: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ فشكوا في القرآن.
---
هذه الشبهة، الشبهة في آيتين آية تقول، آية فيها إنه حشر أعمى، أن الكافر حشر أعمى وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى وآية فيها أنه يبصر فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ يبصر فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ يعني قوي آية يثبت أن البصر قوي، وأنه يرى كل شيء، وآية فيها أنه أعمى، فكيف ذلك؟ نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00058.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00056.htm(1/155)
أما قوله: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى يعني يعميه عن حجته قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى عن حجتي وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا بها مخاصمًا بها فذلك قوله: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ يقول: الحجج فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ .
وأما قوله: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ وذلك أن الكافر إذا خرج من قبره شخص بصره، ولا يطرف بصره حتى يعاين جميع ما كان يكذب به من أمر البعث، فذلك قوله: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ يقول: غطاء الآخرة، فبصرك يحد النظر، لا يطرف حتى يعاين جميع ما كان يكذب به من أمر البعث، وهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة.
---
إذن الإمام جمع بينهما في أن الآية الأولى وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى يعني أعمى عن الحجة، عن حجته قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى يعني عن حجتي وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا بها مخاصمًا بها، أعماه الله عن حجته، فلا يستطيع، وذلك مثل قوله تعالى: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ يعني: الحجج، ضاعت عنهم الحجج، أعمى عن حجته، خذله الله، ولهذا قال سبحانه: فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ ضاعت حجتهم.
وأما قوله تعالى: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ هذا حينما يبعث الكافر، ويخرج من قبره، يشخص بصره ولا يطرف بصره حتى يعاين جميع ما كان يكذب به من أمر البعث، كان يكذب بأمر البعث، يقول: ما في بعث ولا جزاء، ولا حساب ولا جنة ولا نار، ولا وقوف بين يدي الله.(1/156)
فإذا خرج من قبره شخص بصره، فرأى كل شيء، رأى البعث أنه بعث، إنه وقف بين يدي الله، ورأى الحساب هذا معنى قوله فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ يعني لا يطرف بصره حتى يعاين جميع ما كان يكذب به من أمر البعث، فذلك قول الله -عز وجل- لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ كان في غفلة، ثم بعد ذلك لما بعث صار بصره حديدا، فصار يعاين جميع ما يكذب به من أمر البعث، فزال الإشكال.
المثال الثاني والعشرون، هذا وإن كان قصيرا لكن فيه بحث سيتم بحثه -إن شاء الله-، فيه كلام لعلَّنا نقف على المثال الثاني والعشرين، وهو آخر الأمثلة التي ذكرها الإمام -رحمه الله-.
نترك البقية للأسئلة.
وفق الله الجميع لطاعته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
س: هذا سائل يقول: فضيلة الشيخ هل يجب هجر الأشاعرة الذين ينكرون استواء الله -عز وجل- على العرش على الإطلاق ؟
ج: هذا يختلف، الهجر لأهل البدع، وأهل المعاصي فيه كلام لأهل العلم، من العلماء من قال: إنهم يهجرون، وقال: إنه سنة مؤكدة كما ذكر ابن عبد القوي في منظومته، وأنه ينبغي أنه يهجر أهل البدع، وأن يلقاهم بوجه مكفهر، أهل البدع وأهل المعاصي.
ومنهم من قال: سنة، ومنهم من قال: واجب، ومن العلماء من قال: إن الهجر إنما يستعمل إذا كان أنفع، إذا كان أنفع للعاصي، وإذا كان يرتدع فلا بأس؛ لأن الهجر كالدواء يشفي كالدواء، إذا كان علاجا استعمله، وإذا كان غير علاج فلا تستعمله، إذا كان إذا هجرته ترك المعصية، وترك البدعة فاهجره.(1/157)
وإذا كان لا يفيده فلا تهجره؛ لأن بعض الناس يزيد شره إذا هجرته، يفرح إذا هجرته، قبل أن تهجره كان يراعيك، ولا يتجاهر ببعض المعاصي، فإذا هجرته فرح وجهر بالمعاصي ولا يبالي، هذا لا تهجره، استمر في نصيحته، فإذا كان الهجر يفيد استعمله واهجره، إذا كان يستخف للمعاصي والبدع اهجره، وإذا كان يزيد الشر، يزيد في معاصيه لو هجرته لا تهجره استمر.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- هجر الثلاثة الذين خلفوا وهم: كعب بن مالك وصاحباه مرارة بن الربيع. نعم وهلال بن أمية هجرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- خمسون ليلة ولم يهجر المنافقين؛ لأن المنافقين لا يفيدهم الهجر، فالنبي هجر وترك.
هذا اختيار الملحقين لشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره أن الهجر يستعمل كالدواء، إذا كان يفيد اهجر، وإذا كان لا يفيد فلا تهجر، إذا كان الهجر يخفف المعاصي والبدع اهجر، وإذا كان يزيد استمر في النصيحة ولا تهجر. نعم.
س: يقول: فضيلة الشيخ أحسن الله إليك، هناك رجل يقال له الدكتور: طارق السويدان مما راجت أشرطته في الآونة الأخيرة، لما يتميز به من أسلوب بياني في تصوير الأحداث، ولقد سمعنا أن بعض المشايخ يحذر من هذا الشخص، وأشرطته فما نصيحة فضيلتكم، وما وجه الاعتراض عليه؟
ج: والله أنا ما سمعت لأشرطة كثير، لكن سمعت بعض الأشرطة، شيء يسير من بعض الأشرطة، فتبين لي أن الرجل ليس بطالب علم، وأن كلامه ليس بطيب، وسمعت أن له أشرطة في الصحابة، وأشرطة يعني تخالف معتقدات السنة والجماعة، فإذا كان هذا صحيحا ينبغي تركه.
لكن لا أستطيع أحكم على أشرطة أخرى، لكن حسب ما سمعت أن الرجل ليس بطالب علم، وأنه يتكلم بغير علم شرعي، ليس من أهل العلم المعتبرين، فلا ينبغي الاعتماد عليه، وإنما يعتمد على كلام أهل العلم، وكتب أهل العلم المعروفين، المشهود لهم بالعلم والخير والرسوخ في العلم، والأمانة والورع والديانة.(1/158)
ما وُجِدَ إلا طارق السويدان تسمع له اسمع للعلماء غيره، اتركه، اتركه اسمع للعلماء المعروفين المشهود لهم بالخير والعلم والرسوخ في العلم. ارجع لكتب العلم اطرق سيرة الإمام محمد بن عبد الوهاب سيرة ابن هشام، البداية والنهاية، ارجع لكتب العلماء السابقين، والعلماء -أيضًا- المعاصرين المعروفين بالعلم والمشهود لهم بالخير.
أما هذا الذي تشك فيه، أو فيه إشكال اتركه دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، نعم.
ما سمعت هذا الكلام، بس أسمع، كلام بس، ما سمعت يقول بعض الناس: إن سماحة الشيخ ابن باز بأنه حذر منه، ولكن أنا ما سمعت هذا، ولكن إذا ثبت أن الشيخ ابن باز حذر منه ينبغي ترك أشرطته.
س: أحسن الله إليك. هذا الرجل يقول: هل للزنادقة وجود في هذا العصر ؟
ج: نعم الزنادقة الجهمية، الجهمية هم الزنادقة هم موجودون في كل عصر، المنافقون والزنادقة في كل عصر، يسمون في هذا العصر، بعض الناس سموهم العلمانيين.
العلمانيون هم الزنادقة، وهم المنافقون، وهو الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان، يظهر الإيمان وهو في الباطن كافر، ومنهم الجهمية سماهم الإمام أحمد زنادقة، الذين يقولون: إن الله حل في كل مكان، وينكرون الصفات والأسماء، واستواء الله على عرشه هذا موجود الآن، هذا موجود، وفي كل مكان، هم موجودون الآن يوجد بعض.
حتى يقال: بعض المدرسين الذين يدرسون جهمية، بعضهم معتزلة، وبعضهم أشاعرة، حتى قال بعض التلاميذ: إن بعض المدرسين قال له: أرني ربي في الأرض أو في السماء، يعني أنه حالّ في كل مكان، هذا من الزنادقة، الزنادقة الجهمية، والمعتزلة الأشاعرة، والصوفية والرافضة، والعلمانية موجود بكثرة، هذا كله زنادقة، نسأل الله السلامة والعافية. نعم.
س: أحسن الله إليك هذا الرجل يقول: قوله تعالى عن فرعون فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً هل هذا يدل على أن فرعون باق جسده إلى الآن ؟(1/159)
ج: الله أعلم، لكن ظاهر الآية أن الله نجّاه، وأن الناس رأوه، أما كونه باقيا إلى الآن الله أعلم، هذا مضى سنون ودهور، الله أعلم، ما نستطيع أن نجزم بأن الجسد باق إلى الآن، لكن الله -تعالى- فعلًا نجاه، نجاه -سبحانه وتعالى- يحتاج إلى مراجعة في كلام المفسرين في هذا.
لكن ظاهر الآية أن الله نجاه، وأن رآه الناس في ذلك الوقت أما كونه باق إلى الآن فالله أعلم، لا بد من مراجعة كلام العلماء والمفسرين في هذه الآية. نعم.
س: أحسن الله إليك. يقول: هل يجوز أن نقول: إن السد الذي بناه ذو القرنين اندك، وإن يأجوج ومأجوج مخالطون للناس الآن، وهل يجوز القول: إنهم هم الصينيون، أيش هل يجوز ؟
أعد السؤال.
يقول: هل يجوز أن نقول: إن السد الذي بناه ذو القرنين اندك، وإن يأجوج ومأجوج مخالطون للناس الآن، وهل يجوز القول: إنهم هم الصينيون؟
ج: الله -تعالى- يقول: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا فالآية فيها أنهم لا يخرجون على الناس إلا في آخر الزمان بعدما ينزل عيسى ابن مريم، ليس بصحيح هذا، فهم لا يخرجون إلا في آخر الزمان إذا نزل عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام- في زمنه، يحكم بشريعة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
حينما تأتي أشراط الساعة الكبار التي أولُها المهدي، ثم الدجال ثم عيسى؛ نزول عيسى، ثم يأجوج ومأجوج، في ذلك الوقت يخرجون على الناس.
أما قوله: بأنهم الصينيون الآن فمعناه أنهم خرجوا على الناس هذا معناه تكذيب للنصوص، التي فيها أنهم ما يخرجون إلا في عيسى، هذا ليس بصحيح، ليس الصينيون معناه أنهم خرجوا على الناس الآن، والرسول أخبر بأنهم يخرجون في زمن عيسى، وأنهم يفسدون في الأرض، وأنهم يأتون يشربون المياه، ولا يبقون فيها شيئًا، ثم يمر آخرهم ويقول: لقد كانت في هذه المرة ماء، كل هذا يحصل بعد نزول عيسى في آخر الزمان. نعم.(1/160)
س: وهذا يقول: أحسن الله إليكم، ذكرتم في أول الدرس قول الله -تعالى-: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ وذكرتم أن أهل السنة قالوا: إن التبديل هو تبديل صفة بصفة لا تبديل ذات بذات، فعلى أي أساس حمل على التغيير مع أن الظاهر هو ذات بذات تبديل ؟
ج: صفات ما هو صفة بصفة تبديل صفات يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ هكذا قرأها؛ هكذا فهمها العلماء؛ لأن النصوص ليس فيها دليل على أن هناك أرض أخرى، وأن يؤتى بهذه الأرض، أو تزال هذه الأرض، ما في دليل على أنها تزول بالمرة، وأنها تفنى، ثم يأتي بأرض أخرى هذا هو السبب.
السبب أن الآية فيها تبديل ولا فيها إثبات إعدام أرض، وإبدال أرض بدلها، وإنما فيها التبديل فقط تبديل، ولو كان المراد أرضا أخرى لجاء ما يدل على أن الأرض تفنى وتعدم، ويؤتى بأرض أخرى، وليس في هذا دليل يدل عليها. نعم.
س: وهذا يقول: هل يجوز أكل ثمر أشجار سقيت بماء بئر قوم ثمود ؟
ج: الله أعلم ثمود، النبي -صلى الله عليه وسلم- لما مر بهم قال: لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا أنفسهم، إلا أن تكونوا باكين فإن لم تبكوا فتباكوا، خشية أن يصيبكم ما أصابهم فلما عجنوا من ماء بئر فلما عجنوا من الماء منها، أمرهم -عليه الصلاة والسلام- أن يعلفوه الإبل -العجين-.
هذا ظاهر أنه لا ينبغي أن يؤخذ من مائها، أما هذا يسقى به الثمر، الله أعلم يحتاج إلى دليل كيف يسقى به الأشجار ؟ كيف يؤخذ من الماء؟ نعم فيها آبار، الله أعلم، هذه المسألة تحتاج إلى أن ترفع إلى هيئة كبار العلماء، يصدر فيها فتوى، هذه المسائل ليست مسألة فردية، إذا كان في آبار، وأنها تسقى منه، لا بد أن ترفع المسألة إلى هيئة كبار العلماء، يدرس فيها تدرس، ثم بعد ذلك يصدر فيها فتوى لأهل ذلك المكان، ما دام فيها آبار، وفيها أشجار لا بد يكون فيها فتوى.(1/161)
ولا تفيد فيها الفتوى الفردية، فتوى من هيئة كبار العلماء وتدرس المسألة، ولا بد أن تُبعث لجنة ينظرون في الأمر، وفي الواقع يصورونه، ثم بعد ذلك يدرسونه، تدرس ويأتي الجواب على قدر الحالة، والصفة التي هي فيها، نعم.
س: أحسن الله إليك. هذا يقول: فضيلة الشيخ غفر الله لنا ولك: ونفعنا بعلمك، يقول: ما المقصود من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المطر: إنه قريب عهد بربه ؟، وهل يخالف هذا العلم الحديث بأن المطر عبارة عن تكثف البخار الناتج من الأنهار والبحار؟ وجزاكم الله خيرًا.
ج: لا يخالف هذا، فإذا كان جزء منه يأتي من البحار، ثم انعقد في جهة العلو فهو حديث عهد بربه، يعني أنه جاء من جهة العلو، فالله -تعالى- في العلو، وهذا من الأدلة التي فيها تثبت العلو، وأن الله فوق السماوات، ومعنى أنه حديث عهد بربه: أنه جاء من جهة العلو، وإن كان أصله انعقد من البحار، أو بعض السحاب، قد يكون بعض السحاب من البحار، وبعضها من غير البحار، ولو كان بعضها انعقد البخار من البحار، ثم صعد إلى فوق، يشمل أنه حديث عهد بربه أنه جاء من جهة العلو، والله -تعالى- في العلو، فلا مانع ولا منافاة. نعم.
أحسن الله إليكم، ونفعنا بعلمكم.
س: من الأمثلة التي مثل بها الإمام أحمد -رحمه الله- فيما شكت فيه الزنادقة والجهمية من متشابه القرآن، وتأولوه على غير تأويله، قول الله -سبحانه وتعالى- عن موسى: سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ وقال عن السحرة: إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ وقال عن نبينا -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ فهذه الآيات الثلاث في كل آية أولية فما الجمع بين هذه الآيات الثلاث؟(1/162)
ج: نعم، وقيل: المعنى وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ أنه لا يراك أحد من الخلق في الدنيا إلى يوم القيامة، يعني أول المؤمنين أنه لا يراك أحد في الدنيا إلى يوم القيامة، يعني الإمام -رحمه الله- أوّلها على قوله: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ أنه لا يراك، يعني أول المصدقين أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات.
قيل المعنى: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ أنه لا يراك أحد في الدنيا إلى يوم القيامة، أحد من خلقك إلى يوم القيامة هو المعنى متقارب طيب.
وأما الآية، آية قول الله عن السحرة: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ نعم أول المصدقين بموسى من أهل القبلة.
وأما قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ من هذه الأمة يعني أنا أول المؤمنين من هذه الأمة. نعم
من الأمثلة أيضًا التي مثل بها الإمام قول الله تعالى: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا وقال في الآية الأخرى: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ فقالوا: كيف كان هذا يكون من الكلام المحكم؟ بماذا أجاب الإمام ؟ بماذا أجاب ؟. نعم.
أعمى عن حجته قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا بها يعني: مخاصمًا بها كقوله تعالى، وهذا معنى قوله تعالى: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ يقول: الحجج فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ .
طيب.(1/163)
أما قوله تعالى: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ . نعم. نعم. ارفع صوتك. المؤمن ولّا الكافر ؟ الكافر حينما يخرج من قبره أيش؟ يشخص بصره، ولا يطرف بصره حتى يعاين جميع ما كان يكذب به من أمر البعث، كذلك قوله تعالى: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ يعني غطاء الآخرة فبصرك يحد النظر لا يطرف حتى يعاين جميع ما كان يكذب به من أمر البعث فيكون قوله: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ يراد به الكافر.
وقيل إن المراد من قوله: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ كل أحد من برٍّ وفاجر؛ لأن الآخرة بالنسبة إلى الدنيا كاليقظة، الآخرة كاليقظة بالنسبة للدنيا، والدنيا كالمنام فعلى هذا القول: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ كل أحد يخاطب، كل أحد من بر وفاجر، ومؤمن وكافر، فهو كأنه استيقظ من نومه، فأبصر كل شيء.
وقيل المخاطب بهذا نبينا -صلى الله عليه وسلم- خاصة ومعنى قوله: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا أي القرآن قبل أن يوحى إليك فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ بإنزاله إليك فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ لكن هذا قول مرجوح.
طيب.
وقفنا عند المثال الثاني والعشرين.
اقرأ. نعم.
شبهتهم في قوله تعالى "إنني معكما أسمع وأرى" والرد عليها
بسم الله الرحمن الرحيم قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-
وأما قوله لموسى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى وقوله في موضع آخر: إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ وقالوا: كيف قال: إِنَّنِي مَعَكُمَا وقال في آية أخرى: إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ فشكوا في القرآن من أجل ذلك.
---
نعم هذا المثال الثاني والعشرين، هو المثال، وهو آخر الأمثلة، ثم بعد ذلك يأتي المؤلف بشُبَهٍ للجهم. الإمام -رحمه الله- أتى بآيتين مثال لما شك فيها الزنادقة:(1/164)
الآية الأولى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى وهذا خطاب لله -تعالى- لموسى وهارون إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى فقال: إِنَّنِي مَعَكُمَا إنني بضمير الإفراد؛ الله -تعالى- أفرد ضمير نفسه فقال: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى وفي الآية الأخرى في آية الشعراء: إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ أتى بضمير أيش؟ بضمير الجمع فقالت الزنادقة: كيف في آية يقول: إنني بضمير الإفراد، وفي آية يقول: إنا بضمير الجمع شكوا في القرآن من أجل ذلك واضح هذا؟ واضح شبهة الزنادقة؟
إن في الآية الأولى: إِنَّنِي مَعَكُمَا بضمير الإفراد قال الله عن نفسه: "إنني" بضمير الإفراد، وقال في الآية الأخرى: إِنَّا مَعَكُمْ جمع بضمير الجمع واضح هذا ؟. نعم.
أما قوله: إِنَّا مَعَكُمْ فهذا في مجاز اللغة يقول الرجل للرجل: إنا سنجري عليك رزقك، إنا سنفعل بك كذا وأما قوله: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى فهو جائز في اللغة، يقول الرجل الواحد للرجل: سأجري عليك رزقك، أو سأفعل بك خيرًا.
---
إذا أجاب الإمام أحمد -رحمه الله- قال: أما قوله: إِنَّا مَعَكُمْ فهذا في مجاز اللغة يقول الرجل للرجل: إنا سنجري عليك رزقك، إنا سنفعل بك كذا يعني أن الواحد المعظم لنفسه يأتي بضمير الجمع هذا معروف، أسلوب عربي، أن الواحد المعظم لنفسه يأتي الجمع.
وليس في هذا متعلق بالنصارى الذين يقولون بتعدد الآلهة يقولون: إنا معكم، النصارى قد يتعلقوا بمثل هذه الآية ويقولون: هذا يدل على التعدد، تعدد الأرباب، لكن نقول: إن ما يتعلق بهذا فهو من أهل الزيف؛ لأن يجب على من أشكل عليه شيء من الآيات المتشابهة أن يردها إلى المحكم كقوله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي فتُرَد هذه الآية إلى تلك الآيات، ويبين معناها يفسر معناها بأنها، بأن هذا الباب تعظيم.(1/165)
وهذا أسلوب عربي جائز في اللغة العربية، أن الواحد يعظم نفسه، ويأتي بضمير الجمع كما يقول الملك أو الأمير: نحن هزمناهم، نحن قتلنا الجيش، نحن كذا يعظم نفسه، كما في المراسيم الملكية: نحن كذا، يقول: نحن كذا أمرنا بما هو آت، فالمراسيم الملكية مراسيم الملوك والأمراء يأتي بضمير الجمع، فهذا أسلوب عربي، وليس -ولا- يدل على تعدد الأرباب والآلهة، هذا أسلوب عربي، فالواحد يعظم نفسه يأتي بضمير الجمع أسلوب عربي، وهذا معنى قول الإمام: إِنَّا مَعَكُمْ فهذا في مجاز اللغة، يعني فيما يجوز في اللغة.
يقول الرجل للرجل: إنا سنجري عليك رزقك، إنا سنفعل بك، هذا جائز يعني أسلوب عربي، قصد الإمام أحمد يقول: إن هذا أسلوب عربي، أن الواحد المعظم لنفسه يأتي بضمير الجمع، وأما ضمير الإفراد في قوله: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى فهو جائز في اللغة أيضًا -اللغة العربية-.
يقول الرجل للرجل -هذا مثال- يقول الرجل الواحد للرجل الواحد: سأجري عيك رزقك، أو سأفعل بك خيرًا هذا أسلوب عربي أن يأتي بضمير الإفراد، ويأتي المعظم لنفسه بضمير الجمع، أسلوب عربي -أيضًا- فيقول الرجل الواحد: إنا سنجري عليك، الواحد: إنا سنجري عليك رزقك، إنا سنفعل بك كذا، واضح هذا؟
إذن فخلاصة الجواب: أن الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: هذا أسلوب عربي جائز في اللغة العربية، والقرآن نزل بلغة العرب، فالواحد أحيانًا يعبر عن نفسه بضمير الإفراد، وأحيانًا يعبر عن نفسه بضمير الجمع، إذا قصد التعظيم.
واضح هذا؟ فليس هناك إشكال.
وقول الإمام -رحمه الله-: إن هذا في مجاز اللغة.
ما معنى إن هذا في مجاز اللغة؟
يعني فيما يجوز في اللغة، تقول: هذا في مجاز اللغة كقوله بعد ذلك فهو جائز في اللغة، لا فرق بين العبارتين المعنى واحد.
أما قوله: إِنَّا مَعَكُمْ فهذا في مجاز اللغة.(1/166)
وبعد ذلك أما قوله: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى فهو جائز في اللغة، المعنى واحد، وقد تعلق باللفظة الأولى بعض الناس.
قوله: "فهذا في مجاز اللغة".
المعنى فيما يجوز، في اللغة، وليس المراد به المجاز المحدث، وهو المقابل للحقيقة، وقد تعلق بهذه اللفظة أهل المجاز وقالوا: إن الإمام أحمد -رحمه الله- يقول بالمجاز. قيل لهم: كيف يقول الإمام أحمد بالمجاز؟ قالوا: قال الإمام أحمد: فهذا في مجاز اللغة.
قد غلطوا في هذا، نقول: ليس مراد الإمام أحمد في مجاز اللغة يعني المجاز الذي يقابل الحقيقة، لا، المراد فيما يجوز في اللغة.
أما المجاز الذي يقابل الحقيقة فهذا محدث بعد الأئمة الأربعة، لم يعرف المجازَ السلف، لم يعرفه الصحابة والتابعون والأئمة الأربعة، ما عرفوا المجاز، إنما المجاز كان بعد ذلك، لكن تعلق بعض الناس بهذه الكلمة من الإمام أحمد بقوله: فهذا مجاز اللغة، فقالوا: الإمام أحمد يقول بالمجاز، وقد غلطوا.
ليس مراد الإمام أحمد بالمجاز الذي يقابل الحقيقة، إنما مراده: ما يجوز في اللغة، أما المجاز فهذا محدث أحدثه بعد ذلك كثير من المتكلمين، ومن البلاغيين من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم، فقالوا: اللغة العربية فيها مجاز، وقالوا: القرآن فيه مجاز، والسنة فيها مجاز، وأبطلوا بذلك النصوص؛ نصوص الصفات.
وقالوا: إن قول الله -تعالى-: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مجاز يراد به الاستيلاء، ينزل ربنا كل ليلة مجاز المراد ينزل أمره، أو تنزل رحمته، أو ينزل الملك، وهكذا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ قالوا: هذا مجاز ليس لله يدان، مجاز عن النعمة والقدرة.
فإذن المجاز محدث لم يعرفه العرب الأوائل، ولم يعرفه الصحابة، ولم يعرفه الأئمة الأربعة، ولا يوجد ولا لفظة للأئمة الأربعة في إطلاق المجاز إلا هذه اللفظة التي تعلق بها بعض الناس وقالوا: إن الإمام أحمد يقول بالمجاز، فهو في مجاز اللغة.(1/167)
ومراد الإمام أحمد: فيما يجوز في اللغة، مثل العبارة التي بعدها فهو جائز في اللغة.
واضح هذا؟.
وقد حقق هذا المثل شيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم وبينوا أنه لا، أن المجاز لا يعرفه أهل اللغة، تقسيم الكلام إلى مجاز وحقيقة لا يعرفه أهل اللغة ولا يعرفه الصحابة، ولا يعرفه الأئمة الأربعة، وقالوا: إن هذا محدث أحدثه البلاغيون، وأحدثه المتكلمون، وقصدوا من ذلك إبطال حقائق الصفات، صفات الله وأسمائه -سبحانه وتعالى-.
حتى إن العلامة ابن القيم -رحمه الله- سمى المجاز طاغوتا، طاغوت المجاز، سماه طاغوتا، كثر الطواغيت سماه طاغوت المجاز في "الصواعق المرسلة" قال: إن هذا المجاز هذا طاغوت، أبطل به أهل الكلام والمبتدعة ونُفاة الصفات حقائق عن أسماء الله وصفاته.
وبعض المتأخرين من البلاغيين وغيرهم يقولون: إن إنكار المجاز مكابرة، إن هذا مكابرة، وإن الذين أنكروا المجاز لا يستطيعون أن ينفوا كلمات فيها مجاز؛ فالأسد -يقولون-: يطلق على الحيوان المفترس، ويطلق على الرجل الشجاع، وإطلاقه على الرجل الشجاع هذا مجاز.
أجيب بأن اللغة العربية، فيه أساليب لها معان متعددة، ويطلق بلفظ على معنيين لكن يكون أحدهما أقرب إلى الآخر، ولا بد من قرينة تبين المراد، فإذا ذكر الأسد فالمعنى القريب ينصرف إلى الحيوان، وينصرف إلى الرجل الشجاع بوجود دليل كما إذا قلت: رأيت أسدًا، رأيت أسدًا يتكلم، هذا دليل على أن المراد به الشجاع؛ الرجل الشجاع.(1/168)
كقوله تعالى: جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ قالوا: هذه الإرادة لا تكون إلا للحي المتحرك، نقول: لا مانع من إثبات الإرادة للجدار وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ واسأل أهل القرية، القرية تطلق على الساكنين، وتطلق على غير الساكنين، وتوسط بعض العلماء، هذا مذهب العلامة محمد أمين الشنقيطي قال: إن القرآن والسنة ليس فيهما مجاز، ولكن يوجد في اللغة العربية مجاز اللغة العربية فيها مجاز، والقرآن والسنة ليس فيهما مجاز.
واضح هذا؟
إذن تعلق بعض الناس بهذه الكلمة يقولون في مجاز اللغة للإمام أحمد لا وجه له؛ لأن مراد الإمام أحمد فهو في مجاز اللغة فيما يجوز في اللغة، والإمام أحمد -رحمه الله- لا يقول بالمجاز.
وسمعنا جمع الإمام -رحمه الله- بين هاتين الآيتين، بأن هذا أسلوب عربي، وهناك أيضًا جمع واضح، جمع معروف لأهل العلم، وهو أن كل من الآيتين فيهما إثبات المعية لله -عز وجل- إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى وقوله: إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ فكل من الآيتين فيهما إثبات معية، لكن في الآية الأولى إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى معية خاصة، وفي الآية الثانية إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ معية عامة.
والمعية صفة من صفات الله -عز وجل- فالآيتين، فكل من الآيتين إثبات المعية لله -عز وجل- والمعية معناها في اللغة العربية مطلق المصاحبة، المعية لمطلق المصاحبة، وهي لا تقتضي مماسة ولا محاذاة ولا مجاورة عن يمين ولا عن شمال.
وإنما كلمة مَع في اللغة العربية لمطلق المصاحبة، وهي تختلف باختلاف متعلقاتها ومصحوبها فهي تتنوع بتنوع بمتعلقاتها وبمصحوبها، فمِن تنوُّعِ متعلقاتها أن يكون الإنسان معك تقول: اذهب وأنا معك، يعني بنفسي وقد، ومن أنواع متعلقاتها أن يكون جيشه معه اذهب وأنا معك يعني جيشي معك أو قائدي معك.(1/169)
ومن متعلقاتها أن يكون مال الإنسان معك اذهب وأنا معك، معك يعني مالي معك، هذا كله أنواع من أنواع متعلقات المعية، قد يكون الإنسان نفس الإنسان معه ذاته معه، وقد يكون جيشه معه، وقد يكون القائد معه، وقد يكون المال معه، اذهب وأنا معك بمالي، وتقول العرب فلان وزوجته معه وبينهما شُقة بعيدة قد تكون في الشرق وهو في الغرب، ويقول زوجتي معي.
وتقول العرب مازلنا نسير والقمر معنا، والنجم معنا، والقمر بينك وبينه مسافات فوق، ما زلنا نسير والقمر معنا، هذه معية نعم والنجم معنا، ويقال: مع فلان دار كذا، وضَيْعة كذا، ويقال: فلان متاعه معه، وإن كان فوق رأسه.
فإذن المعية لا تقتضي الاختلاط والامتزاج كما يدعي أهل البدع؛ أهل البدع استدلوا بقوله تعالى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ بأن الله مختلط بالمخلوقات، وأن الله مع المخلوقين مختلط بهم، وقالوا: معنى المعية الاختلاط والامتزاج، وهذا من أبطل الباطل، يقول: المعية لا تفيد الاختلاط والامتزاج.
المعية في القرآن الكريم في غير معية الله لا يفيد في موضع منها واحد اختلاطا ولا امتزاجا، قال الله -تعالى-: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ هل هذه المعية تفيد الاختلاط والامتزاج ؟ لا تفيد، فإذا كانت المعية في القرآن في غير معية الله لا تفيد الاختلاط والامتزاج، فكيف يقال: إن معية الله تفيد الاختلاط والامتزاج ؟.(1/170)
فإذن هاتان الآيتان وأشبههما ليس لأهل البدع ليس فيهما دليل ليس لهما فيهما دليل على أن الله مختلط بمخلوقاته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ فالله فوق العرش، فوق العرش، وهو مع العباد بعلمه واطلاعه وإحاطته وتدبيره ونفوذه وقدرته ومشيئته، وهو مع المؤمنين، مع الصابرين، ومع المتقين بتأييده ونصره وحفظ وكلاءة.
فالمعية نوعان: معية عامة، ومعية خاصة، فالمعية العامة مثل قوله تعالى في الآية: إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ مثل الإمام أحمد هذه معية عامة، ومثل قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
فافتتح الله الآية بالعلم وختمها بعلم، ودل على أن المعية معية علم وإحاطة واطلاع قال تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ هذه معية عامة، معية علم وإحاطة واطلاع، وتعوذ وقدرة ومشيئة وتدبير، قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ هذه معية عامة.(1/171)
وأما المعية الخاصة مثل الآية الأولى التي مثل بها الإمام أحمد -رحمه الله- إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى الضمير لموسى وهارون هذه معية خاصة وهي معية حفظ وكلاءة ونصر وتأييد، مثل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا هذه معية خاصة، وكل من المعية العامة والمعية الخاصة فيهما مصاحبة، معية مصاحبة ولكن المعية العامة معية اطلاع وإحاطة، والمعية الخاصة هي معية نصر ومولاة وتأييد.
والمعية العامة تأتي في سياق المحاسبة والتخويف والمجازاة، والمعية العامة، المعية العامة تأتي في سياق المحاسبة والمجازاة والتخويف، والمعية الخاصة تأتي في سياق المدح والثناء. والمعية العامة تكون للمؤمن والكافر، والمعية الخاصة خاصة بالمؤمن.
وعلى هذا يكون هناك فروق ثلاثة بين المعية العامة والمعية الخاصة، فروق ثلاثة المعية العامة معية اطلاع وإحاطة ونفوذ وقدرة ومشيئة وتدبير، والمعية الخاصة معية حفظ ونصر وكلاءة وتأييد وتوفيق وتثبيت.
ثانيًا: المعية العامة تأتي في سياق المحاسبة والتخويف والمجازاة وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ أما المعية الخاصة فتأتي في سياق المدح والثناء إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ .(1/172)
الفارق الثالث: أن المعية العامة تكون للمؤمن والكافر، الله -تعالى- مع المؤمن والكافر باطلاعه وإحاطته ونفوذه وقدرته ومشيئته وتدبيره ومحاسبته ومجازاته، أما المعية الخاصة فهي خاصة بالمؤمن، وعلى هذا فإذا نظرنا للآيتين اللتين ذكرهما الإمام أحمد -رحمه الله- نجد أيش؟ الآية الأولى إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى هذه آية أيش؟ هذه خاصة ولّا عامة خاصة إنني معكما؛ لأن الخطاب لموسى وهارون.
أما الآية الثانية إنا معكم مستمعون هذه عامة، والله -تعالى- أفرد ضمير نفسه لما أفرد موسى وهارون فقال: إنني معكما، ولما دخل فرعون معهم جمع الله الضمير فقال: إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ لما أفرد موسى وهارون عن فرعون، لما أفردهما جاءت المعية الخاصة إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى أفرد الله ضمير نفسه، ولما دخل معهم فرعون في الذكر جمع الله الضمير فقال: إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ فقال في المعية الخاصة لموسى وهارون: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ولما أدخل معهما فرعون في الذكر جمع الله ضمير نفسه فقال: إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ .
واضح هذا؟. نعم، كل الصفات هكذا، كل الصفات نقول: معية تليق بجلال الله وعظمته، لا هي مقتضاها، مقتضاها العلم والإحاطة والاطلاع، ثم خذ من القرآن أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ثم قال: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ افتتح الله بالعلم وختمها بالعلم، واضح هذا؟ لكن كيفية المعية تكون لله وعظمته، واضح هذا؟ كل الصفات هكذا كيفية الاستواء يكون لله وعظمته، كيفية النزول يكون لله وعظمته، وهكذا.(1/173)
لكن الآن هنا تقسيم المعية العامة والخاصة، ومعنى المعية في اللغة العربية، وأنها لمطلق المصاحبة مثل الاستواء أيش معناه في اللغة العربية؟ الاستقرار والصعود والارتفاع، كيفية الاستواء الله على العرش هي التي تكون تليق بالله وعظمته، المعية معية مصاحبة واطلاع، وتنقسم إلى قسمين بصفة عامة، ومعية خاصة كيفية المعية، الله -تعالى- هذا يكون لله وعظمته هذه. نعم أنا ذكرت الفروق الثلاثة، تعرفها من الفروق الثلاثة، أيش معنى الفروق هذه؟ الفروق، ما معنى الفروق؟ يعني تفرق بين الشيئين، حتى لا يشتبه هذا بهذا، طبق الفروق وتعرف الفرق بينهم، المعية العامة كل معية تأتي في سياق المحاسبة والمجازاة والتخويف إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا تهديد، لكن المعية الخاصة إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا واضح هذا؟
فإذن الإمام أحمد -رحمه الله- جمع بين الآيتين بأن هذا جائز في اللغة، والجمع الآخر أن الجمع بينهما أن الآية الأولى معية خاصة، والثانية معية عامة، فيها إثبات المعية العامة، والمعية الخاصة، فالمعية الخاصة لموسى وهارون، والمعية العامة لما دخل معهم فرعون جاءت المعية العامة. نعم.
قال خلّال أخبرني إبراهيم بن جعفر بن جابر قال: حدثنا محمد بن حبيب قال: قال أحمد بن حنبل كتبت من العربية أكثر مما كتب أبو عمرو الشيباني.
---
هذا الأثر ما موجود هذا، هذا السند خلّال، قال خلّال أخبرنا إبراهيم بن جعفر بن جابر قال: حدثنا محمد بن حبيب قال: قال أحمد بن حنبل كتبت من العربية أكثر مما كتب أبو عمرو الشيباني؛ أبو عمرو الشيباني هذا من أهل اللغة.(1/174)
فالإمام أحمد يقول: أنا كتبت من العربية أكثر مما كتب أبو عمرو يبين -رحمه الله- أن حينما جمع بين الآيتين بأن هذا جائز في اللغة العربية، يقول: يجوز في اللغة العربية أن يقول الرجل للرجل: إنا سنجري عليك رزقك، إنا سنفعل بك، وقوله: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى يقول: يجوز في اللغة العربية أن يقول الرجل الواحد للرجل الواحد: سأجري عليك رزقك، وأن هذا أسلوب عربي.
يقول: إن هذا أسلوب عربي، ولما قد يبين أن له تمكن من اللغة العربية يقول: كتبت من العربية أكثر من أبي عمرو الشيباني، وهو لغوي معروف يعني أنه لا يخفى عليه أن هذا أسلوب عربي يبين لك أن هذا أسلوب عربي إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى هذا أسلوب عربي إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ هذا أسلوب عربي.
والقرآن نزل بأسلوب العرب، وأنا كتبت من العربية أكثر مما كتب أبو عمرو الشيباني، وهو لغوي معروف مشهور واضح هذا؟ يعني حينما جمع بينهما بأن هذا جائز في اللغة يقول الإمام أحمد: إنه متمكن من اللغة، يعني ليس أجنبيًا عن اللغة، وليس له اطلاع ولا معرفة باللغة، يقول: كتبت من العرب في اللغة العربية أكثر مما كتب أبو عمرو الشيباني العربي المعروف اللغوي، الذي له اليد الطويلة في اللغة.
فقصده يبين من هذا أنه جمع بين الآيتين، وأن هذا يتمشى مع أسلوب، مع اللغة العربية، وأن هذا أسلوب عربي، والقرآن نزل بلغة العرب. نعم.
الجهم وأتباعه دعوا الناس إلى المتشابه من القرآن الحديث فضلوا وأضلوا
قال الإمام أحمد -رحمه الله- وكان جهم وشيعته دَعَوا الناس إلى المتشابه من القرآن والحديث، فضلوا وأضلوا بكلامهم معشرًا كثيرًا، فكان مما بلغنا من أمر الجهم عدو الله أنه كان من أهل خراسان .
الجهم عدو الله لفظ الجلالة ترقق إذا كان قبلها جر، و"عدو" أمر الجهم عدو صفة، صفة لجهم، من أمر الجهم عدو الله. نعم.(1/175)
فكان مما بلغنا من أمر الجهم عدو الله أنه كان من أهل خراسان، من أهل ترمذ، وكان صاحب خصومات وكلام، وكان أكثر كلامه في الله .
---
يعني يقول الإمام أحمد -رحمه الله- إن الجهم الذي تنتسب إليه الجهمية، وهم الذين نفوا الصفات عن الله -عز وجل-، وشبهوا على الناس دعوا الناس إلى المتشابه من القرآن والحديث ؛ من أجل أن يضلوا فضلوا بأنفسهم وأضلوا، ضلوا يعني بأنفسهم، وأضلوا يعني أضلوا غيرهم، فضلوا وأضلوا بكلامهم معشرًا كثيرًا.
هذا الجهم وشيعته وأتباعه الذين نفوا الصفات عن الله -عز وجل- وأنكروا وقالوا بالجبر والإرجاع، هؤلاء هذا أصل أمر يقول الإمام أحمد: إنهم دعوا الناس إلى المتشابه من القرآن ومن الحديث فضلوا وأضلوا، يأتون بالمتشابه حتى يضلوا به أنفسهم، ويضلوا به الناس.
وكان الجهم هذا يقول: يقول الإمام أحمد -رحمه الله-: "إنه من أهل خراسان، ومن أهل ترمذ، وكان صاحب خصومات وكلام وجدل، وكان أكثر كلامه في الله -عز وجل-" في أسمائه وصفاته فلقي أناسا من الكفار. نعم.
لقاء الجهم والسمنية
فلقي أناسا من الكفار يقال لهم: السُمنية، فعرفوا الجهم فقالوا له: نكلمك فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك، فكان مما كلموا به الجهم أن قالوا له: ألست تزعم أن لك إلهًا ؟ فقال الجهمي: نعم. فقالوا له: هل رأيت عين إلهك ؟ قال: لا. قالوا: هل سمعت كلامه ؟ قال: لا. قالوا: أشممت له رائحة ؟ قال: لا. قالوا: أفوجدت له مجسا؟ قال: لا. قالوا: أفوجدت له حسا ؟ ؟ قال: لا. قالوا: فما يدريك أنه إله ؟ قال: فتحير الجهم، فلم يدر ما يعبد أربعين يوما.
---(1/176)
الجهم يقول الإمام -رحمه الله-: إنه لقي أناسا من الكفار، يقال لهم: السُّمنية، السمنية طائفة من الكفار في الهند، لا يؤمنون إلا بالحسيات، لا يؤمنون إلا بما يدرك بالمحسوسات، المحسوسات الخمس اللي هي أيش ؟ السمع والبصر والشم والذوق واللمس، هذه الحواس الخمس، واللي أيش ؟ هي أيش ؟ السمع والبصر والشم والذوق واللمس، هذه الحواس الخمس، واللي أيش تدركه بالحواس الخمس هذا تثبته، يثبتون واللي ما يدرك بالحواس الخمس ينفونه.
الشيء اللي تراه بعينك أو تسمعه بإذنك أو تشمه بأنفك، أو تذوقه بلسانك، أو تلمسه بيدك تجسه هذا تثبته، وأما عدا ذلك فليس له وجود، ما يؤمنون إلا بما أيش؟ يُدرَك بإحدى الحواس الخمس، هؤلاء السُّمنية.
"لقي الجهم أناسا من الكفار يقال لهم: السُّمنية، فعرفوا الجهم فقالوا له: نكلمك فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك" يعني قالوا للجهم: نحن لا نكلمك، ولا تكلمنا هاتِ حجتك، ونأتي بحجتنا، ندلي بحجتنا، فإن كانت حجتنا أقوى ادخل في ديننا، وأتِ أنت بحجتك، فإن كانت حجتك أقوى دخلنا في دينك.
فقالوا له: أنت ألست تزعم أن لك آلهًا، تزعم أن لك ربا وإلها ؟ قال: نعم. قالوا: إلهك هذا الذي تزعم هل رأيته ؟ هل رأيت عين إلهك بعينك ؟ قال: لا. قالوا: هل سمعت كلامه بأذنك ؟ قال: لا.
هذه الحواس الخمس، قالوا: وهل شممت له رائحة ؟ قال: لا. قالوا له: هل وجدت له مجسا؟ مجسا يعني: الجس باليد، في الصحاح جسه بيده، واجتسه أي: مسه، والمجسة الموضع الذي يجسه الطبيب.
هل وجدت له مجسا ؟ يعني هل وجدت له مجسا بيدك ؟ قال: لا. قالوا: فهل وجدت له حسا ؟ المجس باليد، وجسه بيده، واجتسه أي مسه، والمجسة الموضع الذي يجسه الطبيب. هاه، نعم الجس، الجس باليد، جسه واجتسه يعني: مسه. قالوا: أفوجدت له حسا؟ الحس يطلق على الحس، والحسيس يطلق على الصوت الخفي.(1/177)
وأصل الإحساس الإبصار، ومنه قوله تعالى: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ ثم استعمل في الوجدان والعلم، في أي حاسة كانت أفوجدت له حسا ؟ يعني هل وجدت له وجدانًا ؟ وعلمت وجوده بأي حاسة كانت من الحواس الخمس ؟ قال: لا. قالوا: فما يدريك أنه إله ؟ إذن معدوم ما لك، ما عندك إله؛ لأنك لا تدركه بحاسة من الحواس الخمس، لم تره بعينك، ولم تسمعه بأذنك، ولم تشمه بأنفك، ولم تجد له مجسًا بيدك، ولم تجد له حسًا ووجدانًا، بأي حاسة من الحواس، إذن معدوم، قالوا: فما يدريك أنه إله. قال: فتحير الجهم فلم يدرِ من يعبد أربعين يوما، ترك الصلاة لفظها ترك الصلاة أربعين يومًا، تحير ما يدري حيروه أهل السمنية فتحير، فلم يدر من يعبد، فترك الصلاة أربعين يومًا. نسأل الله السلامة والعافية. ثم بعد ذلك استدرك نعم.
ضلال الجهم في رده على السمنية
ثم إنه استدرك حجة مثل حجة زنادقة النصارى، وذلك أن زنادقة النصارى يزعمون أن الروح الذي في عيسى هو روح الله من ذات الله، فإذا أراد أن يحدث أمرًا دخل في بعض خلقه فتكلم على لسان خلقه، فيأمر بما شاء وينهى عما شاء، وهو روح غائب عن الأبصار.
فاستدرك الجهم حجة مثل هذه الحجة، فقال للسُّمني: ألست تزعم أن فيك روحًا ؟ قال: نعم. فقال: فهل رأيت روحك ؟ قال: لا. قال: أفسمعت كلامه ؟ قال: لا. قال: أفوجدت له حسًا أو مجسا ؟ قال: لا. قال: فكذلك الله لا يُرى له وجه، ولا يسمع له صوت، ولا يشم له رائحة، وهو غائب عن الأبصار، ولا يكون في مكان دون مكان.
ووجد ثلاث آيات في القرآن من المتشابه.
---
يقول الإمام -رحمه الله-: "ثم إن الجهم استدرك حجة مثل حجة زنادقة النصارى".(1/178)
زنادقة النصارى، الزنديق، والمنافق قد يكون المنافق من النصارى، قد يكون من المسلمين، ينتسب إلى الإسلام وهو زنديق، وقد ينتسب إلى النصارى، فإن بولس زنديق، ودخل في دين النصارى ليفسد دين النصارى، كذلك عبد الله بن سبأ اليهودي الحميري في زمن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- دخل في الإسلام نفاقا، منافق، يهودي منافق خبيث، دخل في الإسلام نفاقا ؛ ليفسد دين الإسلام.
كما أن بولس دخل في دين النصارى نفاقًا ؛ ليفسد دين النصارى، فالزنديق قد يكون من النصارى، منافق ليفسد دين النصارى، وقد يكون من المسلمين ليفسد دين المسلمين.
عبد الله بن سبأ اليهودي دخل في الإسلام نفاقًا، أظهر الإسلام وأبطن الكفر وهو يهودي ليفسد دين الإسلام، وسعى في الفتنة حتى تمكن من قتل عثمان -رضي الله عنه- الخليفة الراشد.
وهذا بولس كذلك دخل في دين النصارى فأفسده، فالجهم استدرك حجة مثل حجة زنادقة النصارى ؛ وذلك أن زنادقة النصارى يزعمون أن الروح الذي في عيسى هو روح الله، من ذات الله، فإذا أراد أن يحدث أمرًا دخل في بعض خلقه فتكلم على لسان خلقه، فيأمر بما شاء، وينهى عما يشاء، وهو روح غائب من الأبصار.
زنادقة النصارى يزعمون أن الروح الذي في عيسى هو روح الله، من ذات الله، يزعمون أن عيسى جزء من الله -والعياذ بالله- هكذا يزعم النصارى، يقولون: إن عيسى كلمة الله، هو نفس الكلمة جزء من الكلمة، هو جزء من الكلمة، ويكون جزءا من الله، وهذا من أبطل الباطل.
والصواب أن عيسى ليس هو الكلمة بل هو مخلوق بكلمة، عيسى ليس هو الكلمة، بل هو مخلوق بكلمة، كما قال الله تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فعيسى ليس هو الكلمة، بل هو مخلوق بالكلمة، واضح هذا؟ قال الله له: كن فكان.(1/179)
النصارى يقولون: عيسى نفس الكلمة، كلام الله يعني كلام الله صفة من صفاته، فجعلوا عيسى نفس الكلمة، يعني جزءا من الله -نعوذ بالله- فزنادقة النصارى يزعمون أن الروح الذي في عيسى هو روح الله، من ذات الله يعني جزءا من الله، فإذا أراد أن يحدث أمرًا دخل في بعض خلقه، هذا الروح الذي جزء من الله، فتكلم على لسان خلقه، فيأمر بما شاء وينهى عما شاء، وهو روح غائب عن الأبصار.
الجهم استدرك مثل هذه الحجة، فقال للسمني الذي جاء بالحسيات: ألست تزعم أن فيك روحًا أيها السمني ؟ قال: نعم. قال: هل رأيت روحك ؟ قال: لا. قال: أفسمعت كلامه -كلام الروح-؟ قال: لا. قال: أفوجدت له حسا أو مجسا ؟ قال: لا. قال: فكذلك الله لا يُرى له وجه، ولا يسمع له صوت، ولا يشم له رائحة، وهو غائب عن الأبصار، ولا يكون في مكان دون مكان.
كما أنك الآن فيك روح ولا تراه ولا تدركه بإحدى الحواس الخمس، فكذلك الله لا يدرك بإحدى الحواس الخمس، فقال: كذلك الله لا يرى له وجه ولا يسمع له صوت ولا يشم له رائحة، وهو غائب عن الأبصار، ولا يكون في مكان دون مكان، يعني يكون في جميع الأمكنة، هذا القول يعني قول بالحلول، هذا قول بالحلول، يعني أنه حالٌّ في كل مكان سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ ووجد ثلاث آيات في القرآن. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00064.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00062.htm
الآيات التي بنى عليها الجهمي أصل كلامه(1/180)
ووجد ثلاث آيات في القرآن من المتشابهة قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وقوله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ وقوله: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ فبنى أصل كلامه على هذه الآيات، وتأول القرآن على غير تأويله، وكذب بأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه، أو حدث عن رسوله كان كافرًا، وكان من المشبهة، فأضل بكلامه بشرًا كثيرًا، وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة، وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة، ووضع دين الجهمية .
---
إذن الجهم وجد ثلاث آيات من القرآن من المتشابه، وبنى أصل كلامه على هذه الآيات، وتأول القرآن على غير تأويله الآية: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ هذه الآية الأولى، أخذ بعض الآية، وترك بعضها وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ تركها لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ قال: إن الله لا يماثله شيء من الأشياء، وسيأتي أن معنى هذه الكلمة من الآية: لا يمثله شيء من الأشياء، معناها إنكار وجود الله.
قال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لا يشبهه شيء من الأشياء، والآية الثانية، وهي قوله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ قال بالحلول إن الله في السماء وفي الأرض وفي كل مكان، والآية الثالثة لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ يعني أنه لا يُرى، لا يُرى.
إذن هو في كل مكان، ولا يرى و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فقوله: لا يرى هذا يريد أن يسد الباب عن رؤيته، حتى لا يحاول أحد أو يطلب أو يسأل أحد رؤية الله، والثانية وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ هذا ثبت به الحلول.
والثالث لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ أثبت بها أنه معدم، كما سيأتي فبنى أصل كلامه على هذه الآيات، وتأول القرآن على غير تأويله.(1/181)
سيأتي الآن تفسير أنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ولا يشبهه شيء من الأشياء، سيأتي في كلام الإمام -رحمه الله- فبنى أصل كلامه على هذه التأويلات، وتأول القرآن على هذه الآيات، وتأول القرآن على غير تأويله، وكذب بأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف الله به نفسه في كتابه أو حدث عنه رسوله كان كافرًا، وكان من المشبهة، فأضل بكلامه بشرًا كثيرًا، وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة، وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة، ووضع دين الجهمية.
أما قوله: "تبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة" ليس المراد بأصحاب أبي حنيفة يعني أصحاب الإمام وتلاميذه، وتلاميذ الإمام، لا ليس المراد هذا، وإنما المراد من أتباع المذهب، من أتباع أبي حنيفة المراد: الحنفية جماعة من الحنفية، وأما تلاميذ الإمام محمد بن الحسن الشيباني وأبي يوسف فهؤلاء من العلماء، ومن كبار العلماء، لا يقولون بهذا، وكذلك الإمام.
لكن بعض الحنفية بعض أتباع الحنفية، بعضهم أشاعرة بعضهم جهمية، وبعضهم معتزلة، وكذلك بعض أتباع الشافعية، وبعض أتباع المالكية، وبعض أتباع الحنفية، وبعض أتباع الحنابلة يوجد في الحنابلة من هو أشعري معتزلي، يوجد في الشافعية، وكذلك في الحنفية.
ليس المراد من التلاميذ، وإنما المراد من أتباع المذهب، يكون المذهب حنفيا، هذا مذهب حنفي في فروع، ولكن في العقيدة أشعري، أكثر الحنفية أشاعرة، يكون مثلا في المذهب شافعيا في الفقه مثل الرازي شافعي ولكنه أيش؟ جهمي في العقيدة والصفات، كذلك قد يكون حنبليا في المذهب لكن في المعتقد يكون يتمشى مع مذهب الأشاعرة وهكذا.(1/182)
فالمراد من أتباع المذهب ليس المراد تلاميذ الإمام، "وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة، وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة" عمرو بن عبيد هذا هو، هو وواصل بن عطاء هما اللذان أسسا مذهب الاعتزال ؛ عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء أسسا مذهب الاعتزال، وكانا من تلاميذ الحسن البصري -رحمه الله- فافترقا عنه وخالفاه.
ويقال: إن سبب ذك أن رجلا جاء وسأل الحسن البصري عن العاصي، فانبرى له واصل بن عطاء، وابن عبيد، وقال: أنا لا أقول: مؤمنا ولا كافرا وكذا، ثم جلسا يساره، وجعل يعترض هذه المذاهب، واعتزل مجلس الحسن البصري، صار الناس يسمونه يقولون: هؤلاء المعتزلة، فسموا معتزلة من ذلك الوقت، فعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء هما اللذان أسسا مذهب الاعتزال، ولهذا قال: تبعه على قوله، تبع الجهم على قوله بعض الحنفية، وأصحاب عمرو بن عبيد، ووضع دين الجهمية؛ دين الجهمية موضوع على أي شيء؟ على إنكار صفات الله، إنكار الأسماء والصفات، بل إنكار وجود الله يذهب منهم إنكار وجود الله؛ لأن الشيء الذي ليس له اسم ولا صفة لا وجود له.
من أنكر الأسماء والصفات فقد أنكر الله، فقد أنكر وجود الله لماذا؟ لأنه لا يوجد شيء ليس له اسم و صفات، كل موجود لا بد له أن يكون صفة المعدوم الآن، أو الجماد هذه "الماصة" لها طول ولها عرض ولها صفة، فلو قلت إن هناك "الماصة" ليس لها طول ولا عرض ولا عمق، وليست في السماء، ولا في الأرض أيش تكون؟ معدومة ؟ !
حاول الجهم، هكذا يقولون، ينفون عن الله جميع الأسماء والصفات، حتى الغلاة نفوا الوجود -والعياذ بالله- هؤلاء، ولهذا كفر الجهمية كثيرا من العلماء، كما ذكر ابن القيم أنهم كفروا خمسمائة عالم.(1/183)
وقال عبد الله بن المبارك -الإمام المشهور-: إنا لنحكي أقوال اليهود والنصارى، ولا نحكي أقوال الجهمية، ما نستطيع أن نحكي أقوال الجهمية من شدة شناعتها وبشاعتها، ما نستطيع أن نحكي أقوال الجهمية، وإن كنا نحكي أقوال اليهود، يعني أشد من اليهود، نسأل الله العافية.
إذن الجهمية، دين الجهمية مبني على أي شيء؟ على إنكار الأسماء والصفات، وإنكار وجود الله -نعوذ بالله- يلزم منه إنكار وجود الله.
تفسير الجهمية لقوله تعالى "ليس كمثله شيء" والرد عليهم
فوضع دين الجهمية، فإذا سألهم الناس عن قول الله -تعالى-: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ما تفسيره ؟ يقولون: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ من الأشياء، وهو تحت الأرضين السبع، كما هو على العرش لا يخلو منه مكان، ولا يكون في مكان دون مكان، ولم يتكلم ولا تكلم، ولا نظر إليه أحد في الدنيا ولا في الآخرة ولا يوصف، ولا يُعرف بصفة ولا بفعل، ولا له غاية ولا له منتهى، ولا يدرك بعقل، وهو وجه كله، وهو علم كله وهو سمع كله وهو بصر كله، وهو نور كله وهو قدرة كله، ولا يكون شيئين، ولا يوصف بوصفين مختلفين، وليس له أعلى ولا أسفل، ولا نواحي ولا جوانب، ولا يمين ولا شمال، ولا هو خفيف ولا ثقيل، ولا له لون ولا له جسم، وليس هو بمعلوم ولا معقول، وكل ما خطر على قلبك أنه شيء تعرفه فهو على خلافه.
---
هذا كله سلب، كلها سلوب ونفي، نتيجتها العدم، نتيجتها العدم، اللي يوصف بهذه الصفات غير موجود، لا وجود له معدوم.
يقول الإمام أحمد -رحمه الله-: فإذا سأل الناس الجهمية عن قول الله -تعالى-: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ما تفسيره؟ يقولون: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ من الأشياء، وسيأتي أن الإمام يقول: إن معنى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ من الأشياء، معناها: العدم.(1/184)
وسيأتي توضيحها -إن شاء الله- إذا سألهم سائل عن قوله -تعالى-، إذا سألهم الناس عن قول الله -تعالى-: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ما تفسيره ؟ يقولون: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ من الأشياء، وهو تحت الأرضين السبع، كما هو على العرش لا يخلو منه مكان، ولا يكون في مكان دون مكان، ولم يتكلم ولا تكلم، ولا نظر إليه أحد في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يوصف ولا يعرف بصفة ولا بفعل، ولا له غاية ولا له منتهى، ولا يدرك بعقل أيش يكون؟ معدوم ؟ هذا هو المعدوم.
وقوله: "وهو وجه كله وهو علم كله، وهو سمع كله، وهو بصر كله، وهو نور كله، وهو قدرة كله"، المراد: شيء واحد لا يوصف بوصفين مختلفين، لكن شيء واحد، وجه كله، علم كله سمع كله بصر كله، يعني شيء واحد.
ولهذا قال: "لا يكون شيئين، ولا يوصف بوصفين مختلفين، حتى يكون شيئا واحدا، لكن هذا الشيء عدم، شيء في اللفظ فقط، ولا يكون شيئين، ولا يوصف بوصفين مختلفين، وليس له أعلى ولا أسفل، ولا نواحي ولا جوانب، ولا يمين ولا شمال، ولا هو خفيف ولا ثقيل، ولا له لون ولا له جسم، وليس هو بمعلوم ولا معقول، وكل ما خطر على قلبك أنه شيء تعرفه فهو على خلافه". إذن هذا ينتج العدم.
قال أحمد: وقلنا: هو شيء ؟ قالوا: هو شيء لا كالأشياء، فقلنا: إن الشيء الذي لا كالأشياء قد عرف أهل العقل أنه لا شيء، فعند ذلك تبين للناس أنهم لا يثبتون شيئًا بشيء، ولكنهم يدفعون عن أنفسهم الشُّنعة بما يقرون من العنانية.
---
الشُّنعة ولكنهم يدفعون عن أنفسهم الشنعة، الشنعة بضم الشين، ولكن يدفعون عن أنفسهم الشنعة، وقالوا شنُع شناعة: قبح، وهو شنيع، والاسم: الشُّنعة، وقيل: المراد به: الفظاعة يدفعون عن أنفسهم القبح والشناعة والفظاعة بهذا نعم.(1/185)
قال أحمد -رحمه الله- "وقلنا: هو شيء؟" يعني قلنا للجهمية: هو شيء ؟ فقالوا: هو شيء لا كالأشياء. قلنا للجهمية: هو يعني الله -عز وجل- الرب -عز وجل- هو شيء ؟ هل هو شيء ؟ قالوا: هو شيء لا كالأشياء. قال الله -تعالى- قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ .
"قلنا: هو شيء ؟": استفهام هذا يعني: أهو شيء -يعني الرب-؟ "قالوا: هو شيء لا كالأشياء"، فقال الإمام أحمد -رحمه الله- "قلنا: إن الشيء الذي لا كالأشياء قد عرف أهل العقل أنه لا شيء يعني أنه معدوم".
إذن أجاب الإمام أحمد، الجهم لما قال لهم: هل هو شيء ؟ قالوا: "شيء لا كالأشياء"، ماذا أجاب الإمام أحمد -رحمه الله- ؟ قال: الشيء الذي لا كالأشياء قد عرف أهل العقل أنه لا شيء، يعني أنه معدوم، قد عرف أهل العقل أنه لا شيء، الشيء الذي لا كالأشياء: المعدوم، لكنكم أنتم لا تريدون أن تصرحوا وتقولوا: إنه معدوم؛ لأنكم تريدون أن تدفعوا عن أنفسكم الشناعة بما تقرون من العنانية.
تقولون: هناك إله، هناك رب، وتصفونه بهذه السلوب حتى تدفعوا عن أنفسكم الشنعة، ولا تستطيعون أن تصرحوا وتقولوا هو معدوم، لكن هذا هو العدم، الشيء الذي لا كالأشياء عدم، كيف ذلك؟
من قال: إن الله لا يشبه شيئًا -بوجه من الوجوه- من الأشياء، فإنه قال بالعدم، ما يقال: إن الله لا يشبه شيئا من الأشياء بوجه من الوجوه، بل هناك شيء لا بد من إثباته، مشابه كل الموجودات لا بد أن تتفق في شيء من الأشياء، وهو الاتفاق في الذهن، الاتفاق في المعنى الذهني عند أيش؟ عند القطع، عند إطلاق اللفظ، والقطع عن الإضافة والتخصيص، كلفظ وجود، لفظ علم لفظ يد.(1/186)
فمن المعلوم بالضرورة أنه ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك يتفقان فيه، في الذهن، في مطلق اللفظ، عند القطع عن الإضافة والتخصيص، ولا يجب تماثلهما في الخارج كلفظ وجود، لفظ "وجود" يشمل وجود الله، ووجود المخلوق، ففي الوجود ما هو قديم واجب بنفسه، وهو وجود الله، وما هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم، وهو وجود المخلوق، ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود تماثلهما عند الإضافة والتخصيص لماذا؟
لا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود تماثلهما عند الإضافة والتخصيص ؛ لأن الاتفاق إنما هو في المسمى العام، لفظ وجود، وهو لا يقبل التماثل في مسمى الاسم عند تخصيصه وإضافته.
لفظ وجود يشمل وجود الله ووجود المخلوق لماذا؟ هذا الاشتراك في أي شيء؟
اشتراك في مطلق اللفظ وفي الذهن، لفظ وجود، أعرف في الذهن أن الوجود ضد العدم يشمل وجود الله، ووجود المخلوق، لكن متى يزول الاشتباه؟ عند التخصيص والإضافة، وجود الخالق خلاص، وجود المخلوق خلاص تميز.
وجود الخالق وجود كامل لا يعتريه نقص، ولا موت ولا نعاس ولا نوم ولا فساد، أما وجود المخلوق فيعتريه هذا.
لفظ يد تشمل يد المخلوق ويد الخالق لماذا؟
لأنها قطعت عن الإضافة، بينهما اتفاق في الذهن، معنى في الذهن فيه اشتراك، وكذلك في مطلق اللفظ، لكن إذا أضفت يد الخالق زال الاشتباه، يد المخلوق زال الاشتباه، واضح هذا؟
فمثلًا يمثل العلماء العرش والبعوضة، العرش والبعوضة متفقان في مسمى الشيء والوجود، كل من العرش والبعوضة موجود، كل منهما موجود، والوجود يشمل وجود العرش ووجود البعوضة، هذا الاتفاق متى يكون الاتفاق بين العرش والبعوضة، أو بين البعوضة والفيل؟
عند القطع عن الإضافة والتخصيص.
وجود: كل من العرش والبعوضة لفظ وجود.
حياة: كل منهما حي، هذا حي وهذا حي، بعوضة وفيل، لفظ الحياة، واضح هذا؟(1/187)
لكن لفظ الحياة، اسم الحياة، اسم الوجود، هذا عام ولّا خاص؟ عام، فلا يقول عاقل: إن العرش والبعوضة: أو البعوضة والفيل متماثلان لاتفاقهما في مسمى الشيء والوجود، فكذلك أسماء الله وصفاته توافق أسماء المخلوقين وصفاتهم عند الإطلاق، والتجريد عن التخصيص.
لفظ يد علم قدره سمع بصر، يد تشمل يد الخالق ويد المخلوق عند القطع، عند الإطلاق، قدرة تشمل قدرة الخالق والمخلوق، سمع يشمل سمع الخالق والمخلوق، متى يزول الاشتباه ؟ أو متى يزول الاشتراك ؟ إذا أضفت أو خصصت، يد الله، قدرة الله، يد المخلوق، قدرة المخلوق، زال الاشتباه، أما عند القطع فيه اشتراك، لا بد من اشتراك، فالذي لا يثبت هذا الاشتراك معناها نفي وجود الله، نفي أسمائه وصفاته، والجهم نفى هذا، الجهم نفى هذا الاشتراك فأنكر وجود الله.
واضح هذا؟
إذن أسماء الله وصفاته توافق، وأسماء المخلوقين وصفاتهم عند الإطلاق والتجريد عن التخصيص، ولكن ليس للمطلق مسمى موجود في الخارج، وعند الاختصاص والإضافة يقيد بما يتميز به الخالق عن المخلوق، والمخلوق من الخالق.
وإن كان العقل يفهم قدرًا مشتركًا من المسميين فلا بد من هذا، فيفهم ما دل عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة لمشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه -سبحانه وتعالى-.
فإذن لا بد من إثبات نوع من الاشتباه، نوع من الشبه بين الخالق والمخلوق، لا بد من إثباته ما هو؟ الاشتراك في الذهن، وفي مطلق اللفظ عند القطع عن الإضافة والاختصاص، لا بد هذا فيه اشتراك، اشتراك بين الخالق والمخلوق، لفظ وجود، لفظ علم، لفظ قدرة، لفظ سمع، فالذي ينفي هذا النوع من الشبه، أو من الاشتباه معناه أنكر وجود الله، وأنكر أسماءه وصفاته.(1/188)
والجهم أنكر هذا، ولهذا قال له الإمام أحمد، لما قال الإمام أحمد: هو شيء؟ للجهم، وأيش قال الجهم؟ قال: شيء لا كالأشياء، لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه، حتى ولا في الذهن عند القطع بالإضافة والتخصيص، فقال له الإمام أحمد، ماذا أجابه؟ إن الشيء الذي لا كالأشياء قد عرف أهل العقل أنه لا شيء أنه معدوم.
فعند ذلك تبين للناس أنهم -يعني الجهمية- لا يثبتون شيئًا، لا يثبتون وجودا لله، ما يثبتون شيئًا من أسماء الله وصفاته، ولا يثبتون وجودا لله، ولكنهم يدفعون عن أنفسهم الشنعة بما يقرون من العنانية، هو يقول له: اثبت أن هذا إله صفته، ويصفونه بالسلوب حتى يدفعوا عن أنفسهم الشناعة، ما تجرءوا على القول بإنكار وجود الله صراحة؛ لأنهم زنادقة ومنافقون.
لكن أهل العلم كالإمام أحمد عرفوا أنهم ينكرون وجود الله، من قولهم: هو شيء لا كالأشياء.
فالذي يقول: إن الله شيء لا كالأشياء، أو لا يشبه الأشياء في وجه من الوجوه هذا فيه إنكار لوجود الله، لا بد أن تثبت وجهًا من المشابهة، ما هو هذا الوجه؟
في الذهن، وفي مطلق اللفظ عند القطع عن الإضافة والتخصيص، مثل لفظ وجود، لفظ علم، لفظ قدرة، لفظ سمع، لفظ يد، هذا فيه نوع اشتباه واشتراك بين الخالق والمخلوق.
لكن هل هو موجود في الخارج ؟ هل له وجود في الخارج ؟ لا، ما فيه وجود في الخارج إلا بالإضافة والتخصيص، لفظ يد هذا عام في الذهن، في الذهن تتصور أن لفظ يد يشمل يد الخالق والمخلوق، لفظ علم يشمل علم الخالق وعلم المخلوق في ذهنك، لفظ قدرة تشمل قدرة الخالق وقدرة المخلوق.(1/189)
هذا اشتباه، نوع من الشبه بين أيش؟ بين الخالق والمخلوق، متى يزول هذا الاشتراك ؟ إذا عُرف، ويشبه هذا مثل لفظ إنسان، إنسان الإنسانية معنى الذهني، في الذهن لفظ الإنسان يشمل جميع الآدميين، اشتراك واشتباه متى يزول الاشتباه في الخارج ؟ إذا سميت عمرو وبكر وخالد وإسماعيل وفلان، خلاص زال الاشتباه، زال الاشتباه بأفراده في الخارج، لكن إنسان هذا عام، لفظ إنسان يشمل، لكن خصص محمد بكر علي عبد الله عبد الرحمن زال الاشتباه.
لفظ الحيوانية، حيوان هذا عام معناه في الذهن، متى يزول الاشتراك بأفراده في الخارج، حيوان فرس مثلًا، جمل خروف، وهكذا في الأفراد، أما لفظ حيوان، لفظ إنسان، لفظ علم لفظ قدره، لفظ وجود هذا عام مشترك، لكنه في الذهن ما فيه اشتراك من الخارج، اشتراك في الذهن، معناه في الذهن عند إطلاق اللفظ وعدم تقييده وتخصيصه.
واضح هذا؟ أظن: وضح الآن قول الإمام أحمد للجهم: إن قولك: "إنه شيء لا كالأشياء"، عرف أهل العقل أنه لا شيء، وأنهم لا يثبتون شيئًا بشيء عندكم بشيء، أنهم عند ذلك تبين للناس أنهم لا يثبتون شيئًا بشيء، عندكم لا يثبتون شيئًا كلمة بشيء -إن صحت- يعني بشيء من الأدلة، لا يثبتون شيئًا بشيء من الأدلة نعم.
نفاق الجهمية بادعائهم عبادة مدبر الخلق مع وصفهم له تعالى بالجهالة
فإذا قيل لهم: من تعبدون؟ قالوا: نعبد من يدبر أمر هذا الخلق ، فقلنا: هذا الذي يدبر أمر هذا الخلق هو مجهول لا يعرف بصفة ، قالوا: نعم ، فقلنا: قد عرف المسلمون أنكم لا تثبتون شيئا بشيء ، وإنما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون .
---(1/190)
يعني الإمام -رحمه الله- يقول: إذا قيل لهم -يعني الجهمية-: من تعبدون ؟ قالوا: نعبد من يدبر أمر هذا الخلق ، وهذا من نفاقهم ؛ لأن الزنادقة هم منافقون يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ، يقولون: نعبد من يدبر أمر هذا الخلق ، لكن من هو الذي يدبر أمر هذا الخلق ؟ لا وجود له ، لا وجود له ، فقلنا لهم: هذا الذي يدبر أمر هذا الخلق هو مجهول لا يعرف بصفة ، قالوا: نعم ؛ كيف ، كيف تعبدون مدبر هذا الخلق وهو مجهول ؟ المجهول يعني غير معلوم ، على هذا يعبدون أيش: عدم ؟! إذا قيل لهم: من تعبدون ؟ قالوا: نعبد من يدبر أمر هذا الخلق ؛ فقلنا لهم:هذا الذي يدبر أمر هذا الخلق هو مجهول لا يعرف بصفة ، قالوا: نعم ، فقال الإمام -رحمه الله-: قد عرف المسلمون أنكم لا تثبتون شيئا ، لا تثبتون الوجود لله بشيء من الأدلة ، وإنما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون ،في الظاهر يقولون: نعبد من يدبر أمر هذا الخلق ، هذا: يريدون أن يخفوا كفرهم وزندقتهم ونفاقهم ، لكن في الباطن ما يثبتون شيئا. واضح هذا؟
شبهتهم في نفي الكلام عن الله تعالى والرد عليها
فقلنا لهم: هذا الذي يدبر هو الذي كلم موسى ، قالوا لم يتكلم ولا يكلم ؛ لأن الكلام لا يكون إلا بجارحة ، والجوارح عن الله منفية ، فإذا سمع الجاهل قولهم يظن أنهم من أشد الناس تعظيما لله ، ولا يعلم أنه إنما يعود قولهم إلى ضلالة وكفر، ولا يشعر أنه إنما يعود قولهم إلى فرية في الله .
---(1/191)
يقول الإمام -رحمه الله-: " قلنا لهم: هذا الذي يدبر أمر هذا الخلق هو الذي كلم موسى ، قالوا: لم يتكلم ولا يكلم لأن الكلام لا يكون إلا بجارحة والجوارح عن الله منفية " ، يقول الإمام: " فإذا سمع الجاهل قولهم يظن أنهم من أشد الناس تعظيما لله " لأنهم يقولون: نحن ننزه الله عن المشابهة والمماثلة ؛ لا يكون كالمخلوق الذي يكلم بجارحة ، " ولا يعلم أنهم إنما يعود قولهم إلى ضلالة وكفر ، ولا يشعر أنهم إنما يعود قولهم إلى فرية في الله -عز وجل- ".
الرد على شبهة الجهمي القول بخلق القرآن
شبهته في قوله "إنا جعلناه قرآنا عربيا" وأن جعل بمعنى خلق
قال أحمد: ومما يسأل عنه الجهمي يقال له: تجد في كتاب الله أنه يخبر عن القرآن أنه مخلوق ؟ فلا يجد ، فيقال له: فتجد في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن القرآن مخلوق ؟ فلا يجد ، فيقال له: فلم قلت ؟ فسيقول: من قول الله: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وزعم أن كل مجعول هو مخلوق ؛ فادعى كلمة من الكلام المتشابه يحج بها من أراد أن يلحد في تنزيلها ويبتغي الفتنة في تأويلها .
---
نعم: هذا الأمر مناقشة الإمام -رحمه الله- الجهمية في قولهم: " إن القرآن مخلوق " يقول الإمام: مما يسأل عنه الجهمي يقال له: أنت تدعي أن القرآن مخلوق فهل تجد في كتاب الله ما يخبر عن القرآن أنه مخلوق فلا يجد ، ثم يقال له: هل تجد في سنة رسول الله أنه قال: إن القرآن مخلوق فلا يجد ، يعني يقول: هل عندك دليل ، فيه نص يقول: إن القرآن مخلوق ؟ نعم: هل عندك نص من السنة ، حديث عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: إن القرآن مخلوق ؟ لا يجد ، لكن وجد شبهة شرعية استدل بها على أن القرآن مخلوق.(1/192)
ولهذا قال الإمام -رحمه الله- فيقال له: فلم قلت: إن القرآن مخلوق ؟ قال: فسيقول من قول الله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا هذه شبهة آية من القرآن استدل بها الجهم على أن القرآن مخلوق ، ما هي الآية ؟
إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وجه استدلال الجهم من كلمة جعل قال: " إن كل مجعول هو مخلوق " إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وكل مجعول فهو مخلوق والله تعالى يقول: جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا فدل على أن القرآن مخلوق ، واضح الشبهة ؟ هذه شبهة الجهم على أن القرآن مخلوق ، شبهة شرعية: آية من كتاب الله قال: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا زعم أن -القرآن- كل مجعول فهو مخلوق ، يقول الإمام -رحمه الله -: " ادعى كلمة من الكلام المتشابه ، يحتج بها من أراد أن يلحد في تنزيلها ويبتغي الفتنة في تأويلها " نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00070.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00068.htm
كلمة جعل في القرآن من المخلوقين بمعنى فعل وبمعنى التسمية
وذلك أن جعل في القرآن من المخلوقين على وجهين: على معنى التسمية وعلى معنى فعل من فعالهم ، وقوله: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ قالوا: هو شعر وأساطير الأولين وأضغاث أحلام ، وهذا على معنى التسمية قال: وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا يعني: أنهم سموهم إناثا ، ثم ذكر جعل على غير معنى التسمية فقال: يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ فهذا يدل على معنى فعل من فعالهم ، وقال: حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا هذا على معنى فعل ، فهذا جعل المخلوقين .
---
هذا على معنى فعل ، يقول: الجواب هذه الشبهة أن كلمة " جعل " في القرآن لها معنيان ، كلمة جعل في القرآن من المخلوقين لها معنيان ، واضح هذا ؟(1/193)
نأخذ أولا جعل في القرآن ، يعني كلمة جعل في القرآن الكريم من المخلوقين تأتي على وجهين من المعنى ، واضح ؟
هذا الوجه الأول: أن معناها التسمية ، الوجه الثاني: أن جعل تكون على معنى فعل من أفعال المخلوقين ، تأتي جعل بالنسبة للمخلوق بمعنى تسمية فقط ، يعني سمى: جعل كذا ، أي سمى ، وتأتي بمعنى فعل من أفعالهم ، فالمعنى الأول له أمثلة ، والمعنى الثاني له أمثلة.
أمثلة المعنى الأول ، والذي جعل بمعنى التسمية: قوله تعالى: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ جعلوا يعني سموا القرآن عضين " عضين " يعني أجزاء ، قالوا: شعر وأساطير الأولين وأضغاث أحلام ، جزءوا القرآن وسموه بأسماء ، قالوا: شعر وسحر وأضغاث أحلام ، فالذين جعلوا القرآن عضين المراد التسمية ، ومثل قوله تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أي سموهم إناثا ، واضح ؟ هذه أمثلة للمعنى الأول.
هات أمثلة للنوع الثاني أو للمعنى الثاني: جعل بمعنى فعل من أفعالهم مثل قوله تعالى: يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ هذا فعل من أفعالهم: حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا هذا فعل من أفعالهم ، واضح ؟ هذا إذن: جعل في القرآن من المخلوقين لها معنيان ، ثم جعل من الله لها معنيان.
كلمة جعل من الله في القرآن على معنى خلق وغير خلق
ثم جعل من الله على معنى خلق وجعل على معنى غير خلق ، والذي قال الله تعالى جعل على معنى خلق لا يكون إلا خلقا ولا يقوم إلا مقام خلق خلقا لا يزول عنه المعنى ، وإذا قال الله جعل على غير معنى خلق لا يكون خلق ولا يقوم مقام خلق ولا يزول عنه المعنى .
---
يعني يقول: إن " جعل من الله " لها معنيان: المعنى الأول تأتي جعل بمعنى خلق ، والمعنى الثاني تأتي جعل على غير معنى خلق ، واضح هذا ؟(1/194)
ولكل واحد أمثلة ، ينبغي للإنسان ألا يخلط بين المعنيين ، فجعل من الله تأتي ومعناها خلق ، وتأتي جعل على غير معنى خلق ؛ فلا يخلط الإنسان بين هذا وهذا. كي أمثلة معنى الأول جعل بمعنى خلق نعم.
أمثلة من القرآن لكلمة جعل على معنى خلق
فمما قال الله جعل على معنى خلق قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ يعني: وخلق الظلمات والنور.
---
هذا مثال جعل من الله معناها خلق: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ يعني: وخلق الظلمات والنور، نعم.
وقال: وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ .
---
نعم أي: وخلق لكم السمع والأبصار.
يقول: وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ .
---
هذا مثال ثان أيضا كذلك.
وقال: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ يقول وخلقنا الليل والنهار آيتين .
---
هذا أيضا مثال ثالث لجعل بمعنى خلق، نعم.
وقال: وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا
---
كذلك مثال رابع: خلق الشمس سراجا، نعم.
وقال: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا
---
يعني خلق منها زوجها ، نعم مثال خامس.
يقول: وخلق منها زوجها ، يقول: خلق من آدم وحواء. قال: وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ يقول: وخلق لها رواسي ، ومثله في القرآن كثير. فهذا وما كان على مثاله لا يكون إلا على معنى خلق.
---
نعم هذا مثال الأول ، هذا وما كان على مثاله لا يكون إلا على معنى خلق.
النوع الثاني: تأتي " جعل من الله " على معنى غير خلق لا يراد بها خلق ، نعم.
أمثلة من القرآن لكلمة جعل على معنى غير خلق
ثم جعل على معنى غير خلق قوله: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ لا يعني ما خلق الله من بحيرة ولا سائبة.
---
يعني ليس معناه ما خلق يعني جعل ليس معناها خلق هنا، نعم.(1/195)
وقال لإبراهيم: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا لا يعني أني خالقك للناس إماما .
---
هذا: جعل ليست بمعنى خلق ، نعم يعني لا تفسر بمعنى خلق جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا جعله الله للناس إماما يعني أن الله -سبحانه وتعالى- اجتباه وجعله قدوة للناس ، ليس معنى خلق: سيأتي ؛ لأنه مخلوق قبل أن يكون إماما ، مخلوق قبل ذلك ، لكنه لو جعل خالقك إماما لا يستقيم المعنى ؛ لأنه مخلوق قبل ذلك ، قبل أن يكون إماما. نعم.
لأن خلق إبراهيم كان متقدما .
---
متقدم على إمامته قبل ذلك فلو فسرتها بمعنى خلق أو خالقك للناس إماما ما صح المعنى ؛ لأنه مخلوق قبل أن يكون إماما بعد البلوغ وهو صغير في بطن أمه ، متى كان إماما ؟ بعد البلوغ ، بعد المدة. نعم.
وقال إبراهيم رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا .
---
هل المعنى اخلق هذا البلد آمنا ؟ هو مخلوق هذا البلد ؛ فلا تستقيم كلمة جعل بمعنى خلق ، نعم.
وقال إبراهيم رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ لا يعني اخلقني مقيم الصلاة .
---
لا يعني اخلقني مقيم الصلاة يعني ما يستقيم المعنى ؛ ما يستقيم معنى تفسيرها بخلق ، نعم. ليس معناه اخلقني ليس معنى جعل خلق لأنك لو فسرت اخلقني مقيم الصلاة فسد المعنى اجعلني مقيم الصلاة اخلقني مقيم الصلاة ما يستقيم المعنى.
لا يعني اخلقني مقيم الصلاة وقال: يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ لا يعني يريد الله ألا يخلق لهم حظا في الآخرة نعم كذلك فهذه ليست بمعنى خلق ، نعم. وقال لأم موسى: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ لا يعني خالقوه من المرسلين ؛ لأن الله وعد أم موسى أن يرده إليها ثم يجعله من بعد ذلك رسولهم .
---
نعم يعني ليس معناه خالقوه من المرسلين ، بل هذا بعث بعد أن يرده يجعله رسولا. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00085.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00083.htm(1/196)
الجهمي فسر جعل بمعنى خلق من غير دليل
فإذا قال الله جعل على معنى خلق وقال جعل على غير معنى خلق فبأي حجة قال الجهمي جعل على معنى خلق ؟ .
---
يعني يقول: إذا كان جعل من الله -عز وجل- تأتي على معنى خلق وتأتي على غير معنى خلق ، فبأي حجة فسر الجهمي جعل في الآية بمعنى خلق بغير دليل ؟ فيرد الجهمي جعل إلى المعنى الصحيح الذي وضعه الله ؛ وإلا كان من الذين يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ، يعني يقول: بأي دليل تفسر جعل بمعنى خلق ولها معان عدة كيف تفسرها بهذا المعنى من غير دليل ؟ يعني جعل لها معان عدة ، من المخلوقين لها معنيان ، ومن الله لها معنيان ، نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00087.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00085.htm
الجهمي من الذين يسمعون كلام الله ثم يحرفونه
فإذا قال الله جعل على معنى خلق ، وقال جعل على غير معنى خلق ؛ فبأي حجة قال الجهمي جعل على معنى خلق ؟ فيرد الجهمي جعل إلى المعنى الذي وضعه الله فيه ؛ وإلا كان من الذين يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ، فلما قال الله: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا يقول: جعله عربيا ، جعله جعلا على معنى فعل من أفعال الله .
---
هذا التفسير على فعل من أفعال الله على غير معنى خلق إذن: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا يقول جعل: فعل من أفعال الله ليس المراد به الخلق: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا تعدت إلى مفعولين فيكون معناها فعلا من أفعال الله ، نعم هذا في اللغة العربية معروف في القواعد: إنا جعلناه قرآنا عربيا تعدت هنا إلى مفعولين ، الهاء المفعول الأول ، وقرآنا مفعول ثان ، لكن: وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ هذا مفعول واحد ، نعم.
يقول جعله عربيا ، جعله جعلا على معنى فعل من أفعال الله على غير معنى خلق .(1/197)
إذن: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا يعني: " جعل " فعل من أفعال الله ليس المراد خلق ، وفعل الله من صفات أفعال الله ، وصفاته وأفعاله تليق بجلاله وعظمته ، نعم.
معنى "إنا جعلناه قرآنا عربيا" جعل فعل من أفعال الله
وقال في" سورة الزخرف ": إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . وقال: لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وقال: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ فلما جعل الله القرآن عربيا ويسره بلسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- كان ذلك فعلا من أفعال الله -تبارك وتعالى- جعل القرآن به عربيا مبينا .
---
واضح هذا؟ إذن جعله قرآنا عربيا نقول: " جعل " فعل من أفعال الله -تبارك وتعالى- جعل به القرآن عربيا ، نعم.
خطأ من فسر "إنا جعلناه قرآنا عربيا " بمعنى أنزلناه
وليس -كما زعموا- معناه: أنزلناه بلسان العرب ، وقيل: بيناه ، يعني: هذا بيان لمن أراد الله هداه .
---
يعني: إنا جعلناه قرآنا عربيا ، بعضهم يقول: إن هذا معناه أنزلناه قرآنا عربيا ، ليس معناه أنزلناه ، نعم.
الرد على شبهة الجهمي هل القرآن هو الله أو غير الله
ثم إن الجهمي ادعى أمرا آخر -وهو من المحال- فقال: أخبرونا عن القرآن أهو الله تعالى أو غير الله؟ فادعى في القرآن أمرا يوهم الناس؛ فإذا سأل الجاهل عن القرآن: أهو الله أو غير الله؟ فلا بد له من أن يكون بأحد القولين، فإن قال: هو الله؛ قال له الجهمي: كفرت، وإن قال: غير الله؛ قال: صدقت، فلم لا يكون غير الله مخلوقا ؛ فيقع في نفس الجاهل من ذلك ما يميل به إلى قول الجهمي ، وهذه المسألة من الجهمية هي من المغاليط .
---(1/198)
هذه شبهة عقلية ، الأولى: شبهة شرعية ، هذه شبهة للجهم عقلية من العقل ، والأولى: شبهة شرعية يعني من الشرع من القرآن ، هذه الشبهة من الجهم يقول: أخبرونا عن القرآن أهو الله أو غير الله ؟ فلا بد أن تجيب بأحد الأمرين ، فادعى في القرآن أمرا يوهم الناس ؛ فإذا سئل الجاهل عن القرآن أهو الله أو غير الله ؟.
فلا بد له أن يقول بأحد أمرين ، فإن قال: هو الله ، القرآن هو الله ؛ قال له الجهمي: كفرت ، لماذا ؟ لأنك قلت بتعدد الخالق ، تعدد الخالق: الله هو القرآن شيئان ، قلت بتعدد الخالق ، وإن قال: غير الله ؛ قالوا: صدقت ، وغير الله مخلوق ؛ فلم لا يكون مخلوقا ، هذه شبهة الجهمي يقول أيش ؟ يقول الجهمي: شبهة عقلية ، يقول لأهل السنة وغيرهم: هل القرآن هو الله أو غير الله ؟ لو قلت: هو الله ؛ قال: كفرت ؛ لأنك قلت بتعدد الخالق ، وإن قلت: غير الله ؛ قال: هو مخلوق ، غير الله مخلوق ، كل شيء غير الله فهو مخلوق ، واضح هذا ؟ الإمام -رحمه الله- يقول: يقع في نفس الجاهل من ذلك ما يميل به إلى قول الجهم ، فسيأتي جواب الإمام أحمد يقول: لا نقول هو الله ولا نقول هو غير الله ، سماه كلاما ؛ نسميه كلاما الله كما سماه الله ، ولا نأتي بشيء من عند أنفسنا.
والجواب للجهمي إذا سأل فقال: أخبرونا عن القرآن هو الله أو غير الله ؟ قيل له: إن الله -جل ثناؤه- لم يقل في القرآن: إن القرآن أنا ، ولم يقل: غيري ، وقال: هو كلامي ؛ فسميناه باسم سماه الله به ، فقلنا: كلام الله ، فمن سمى القرآن باسم سماه الله به كان من المهتدين ، ومن سماه باسم من عنده كان من الضالين .
---(1/199)
واضح الجواب ؟ إذن الجواب للشبهة يقول: لا نقول: القرآن هو الله ، ولا نقول: غير الله ؛ لأن الله تعالى لم يقل في القرآن: إن القرآن أنا ، ولم يقل: إن القرآن غيري ، وإنما سماه كلامه ، قال: القرآن كلام الله ؛ فنقول: إن القرآن كلام الله ، لا نقول: هو الله ، ولا نقول:غير الله ، نقول: القرآن كلام الله، الله سماه كلامه ، فمن سمى القرآن باسم سماه الله به كان من المهتدين ، ومن سماه باسم من عنده كان من الضالين. ثم يبين الإمام -رحمه الله- بأن الله فصل بين الخلق والأمر فقال: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ الأمر -كلامه- والخلق: فهما شيئان ، فمن قال: إن القرآن مخلوق ؛ جعله الخلق ، والقرآن كلام الله وأمره ، والأمر غير الخلق ، فصل الله بينهما: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ هذا شيء ، وهذا شيء ، نعم تكملة الجواب ، نعم عرفنا إذن الجواب ؛ الإمام يقول: لا نقول هو الله ولا نقول غير الله ، بل نقول كلام الله ؛ لأن الله سماه كلامه ، ما قال: إن القرآن أنا ، ولا قال: غيري ، هو كلام الله ، صفة من صفاته ، نعم.
بيان ما فصل الله بين قوله وخلقه
وقد فصل الله بين قوله وبين خلقه ، ولم يسمه قولا فقال: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فلما قال: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ لم يبق شيء مخلوق إلا كان داخلا في ذلك ، ثم ذكر ما ليس بخلق فقال: "والأمر" فأمره: هو قوله -تبارك وتعالى- ؛ فلا يكون قوله خلقا .
---
إذن يقول: فصل الله تعالى بين قوله وبين خلقه ، فصل بينهما بالواو ، ولم يسمه قولا ولم يسم الخلق قولا فقال: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ شيئان بينهما فاصل بالواو ، قال: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فلما قال الله: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ لم يبق شيء مخلوق إلا كان داخلا في ذلك ، كل المخلوقات دخلت في قوله: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ ثم ذكر ما ليس بخلق فقال: والأمر فالأمر: هو قول الله -تبارك وتعالى- فلا يكون خلقا ، واضح هذا ؟.(1/200)
إذن: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ألا له الخلق: جميع المخلوقات دخلت ، ثم بعد ذلك والأمر: هذا كلام الله ليس من الخلق ؛ ولأن أمر الله كلام الله لأن الله تعالى يخلق بالكلام: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فلو كان الكلام مخلوقا للزم أن يكون مخلوقا ، ولو كان الأمر مخلوقا لكان مخلوقا بأمر آخر ، والآخر بآخر إلى ما لا نهاية ؛ فيفضي إلى التسلسل وهو باطل ، فالله تعالى يخلق بأيش ؟ بالكلام ، بالقول: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ نعم.
قال الله عن القرآن "أمرا من عندنا" فالقرآن هو الأمر
وقال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ثم قال: القرآن هو أمر من عندنا .
---
يعني قوله: أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ هذه تكملة للجواب قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ يعني القرآن: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ يعني ليلة القدر: إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا ثم قال: القرآن هو أمر من عند الله.
القول غير الخلق فالله يخلق ويأمر
وقال تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ يقول: لله القول من قبل الخلق ومن بعد الخلق فالله يخلق ويأمر.
---
يعني في قوله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ لله الأمر يعني: القول من قبل ، يعني: من قبل الخلق ومن بعد الخلق ، فالله له القول من قبل الخلق ومن بعد الخلق ؛ إذن القول غير الخلق فالله يخلق ويأمر وقوله غير خلقه. نعم.
فالله يخلق ويأمر ، وقوله غير خلقه وقال: ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ .
---
ذلك أمر الله أنزله إليكم: قوله يعني ، نعم.(1/201)
وقال: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ يقول: جاء قولنا .
---
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ يقول: جاء أمرنا يعني قولنا ، نعم.
( باب ): بيان ما فصل الله بين قوله وخلقه وأمره .
- الباب هذا -أيضا- زيادة توضيح: أن الله تعالى فصل بين الخلق وبين الأمر؛ زيادة لتوضيح الجواب، تابع الجواب: زيادة توضيح تبين أن الله تعالى فصل بين الخلق والقول، وأنهما شيئان، وأن أحدهما لا يدخل في الآخر، الباب هذا الجاي يكون -إن شاء الله- في الدرس القادم.
الآن نترك بقية الوقت للأسئلة، وفقنا الله جميعا لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح.
نعم: القرآن ، القرآن كلام الله ، نعم فيه أسئلة ؟ نعم: النسخة الثانية فيها أغلاط ، صحح النسخة ، فيها تحقيق للشيخ إسماعيل الأنصاري -رحمه الله- هي المعتمدة ، هي الصحيحة ، النسخة الثانية لعبد الرحمن عميرة فيها غلط ، فيها أخطاء ، نعم.
س: يقول السائل: فضيلة الشيخ: هل العذاب في القبر منصب على الروح فقط ، أم على البدن والروح ؟
ج: العذاب في القبر على الروح أغلب ، والجسد يناله ما قدر له ، فهو على الروح والجسد ، إلا أن الروح ينالها أكثر.
وذهب المعتزلة إلى أن العذاب والنعيم على الروح ، وهذا قول باطل ، والصواب: أن كلا من النعيم والعذاب ينال الروح والجسد ، إلا أن الروح أغلب ، فالدور ثلاثة: دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار.
ففي الدنيا: الأحكام على الروح والجسد ، على الجسد أغلب من الروح ، الإنسان إذا ضرب الآن أو تألم يتألم الجسد أكثر ، والروح تتألم في دار البرزخ بالعكس في القبر يتألم الروح أكثر من الجسد ، وفي يوم القيامة يكون العذاب والنعيم على الروح والجسد على حد سواء ، واضح هذا ؟ فإذن الأحكام في البرزخ على الروح أكثر ، العذاب والنعيم على الروح أكثر، والجسد يناله ما قدر له ؛ ولهذا الجسد يبلى ويصير ترابا والروح باقية في عذاب أو نعيم.(1/202)
الروح تنقل للإنسان ، روح المؤمن تنقل إلى الجنة ، وروح الكافر تنقل إلى النار ولها صلة بالجسد ، واضح هذا ؟
فإذن الأحكام من النعيم والعذاب في البرزخ على الروح أكثر ، والجسد يناله ما قدر له ، خلافا للمعتزلة القائلين بأن الأحكام تكون على الروح فقط ، نعم.
س: فضيلة الشيخ هل الكفر كفران: كفر عملي واعتقادي ، أم أنه واحد ؟
ج: نعم: الصواب أن الكفر كفران: كفر اعتقادي وكفر عملي ، والاعتقادي يكون كفرا أكبر وكفرا أصغر، والعملي يكون كفرا أكبر ويكون كفرا أصغر ، كل منهما إذا كان ينافي الدين بالكلية -ولو كان عمليا- يكون كفرا مثل ترك الصلاة ، لكن لو داس المصحف بقدميه أو بلع المصحف هذا كفر -والعياذ بالله-.
والكفر الاعتقادي مثل من جحد -أنكر مثلا- وجود الله وجحد الأنبياء أو أنكر رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- أو ما أشبه ذلك ، وقد يكون اعتقاديا مثل اعتقاده في الحلقة والخيط أنها سبب من الأسباب ؛ هذا كفر أصغر ، ومثل النياحة على الميت والطعن في النسب: اثنتان في الناس من الكفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت هذا كفر أصغر لا يخرج من الملة ، نعم.
س: فضيلة الشيخ: أشكل علينا قوله -تبارك وتعالى-: الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا هل نثبت لله من هذه الآية صفة النسيان؟(1/203)
ج: هذا من باب الجزاء -هذا سبق- المراد ننساكم: نترككم في النار ، نعاملكم في النار ، نعاملكم معاملة المنسي ؛ كما نسيتم لقاء يومكم ، كما نسيتم الاستعداد والعمل للقاء الله -عز وجل- ، يعاملون معاملة المنسي ؛ ولهذا قال العلماء: ننساكم نترككم في النار ، المراد بالنسيان: الترك ، وإلا فالله تعالى لا يلحقه النسيان: لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وسبق الجمع بين الآيات ، كما سبق في الأمثلة التي ذكرها الإمام أحمد -رحمه الله- ننساكم: نعاملكم معاملة المنسي ، وإلا فالله لا ينسى شيئا ، كما أنهم نسوا العمل عوملوا معاملة المنسي من باب المقابلة ، نعم.
س: فضيلة الشيخ: هل يعتبر من يتتبع الرخص في أغلب أحواله من الزنادقة ؟
ج: يقول العلماء: من يتتبع الرخص تزندق يعني اللي يطلب الرخص ، ولهذا لما طلب بعض الناس ؛ أتى بكتاب جمع فيه الرخص ، والرخصة في مذهب الشافعي كذا ، والرخصة -كتاب عن الرخص- والسقطات في مذهب الحنابلة ، في مذهب المالكية ، في مذهب الأحناف ؛ يجد بعض الناس في بعض المذاهب قد يبيح " الغنا " ، بعضها يبيح كذا ، بعضها يبيح " الإسقاط " ، ورفعها إلى بعض الخلفاء ؛ فقال أحد العلماء: من عمل بهذا تزندق ، من تتبع الرخص تزندق: معناه يتبع الهوى يعمل بهواه ، ليس يعمل بشرع الله ، تتبع الرخص ، كل رخصة زل بها عالم يأخذها ويعمل بها ؛ يجد زلات كثيرة: هذا زل فأباح " الغنا " مثل ابن حزم ، وهذا زل فأباح " شيئا من الربا " ، وهذا زل فأباح شيئا كذا ، وهكذا. .. فيعمل بهذه الزلات ؛ فيكون متزندقا ، ويتحلل من الدين ، هذا معناه ، نعم.
س: يقول: هل يجوز نسبة الأفعال إلى صفات الله مثل قوله: اقتضت حكمة الله ، واقتضت مشيئة الله ؟
ج: نعم ، جاء ما يدل على ذلك: حكمة الله اقتضت كذا ، شاء الله كذا ، وأراد كذا ، أما أرادت مشيئة الله لا ، ما يقال: اقتضت حكمة الله كذا ، شاء الله كذا ، وأراد كذا.(1/204)
س: وكذلك: أجبرتني الظروف ، وجار علي الزمان ؟.
ج: لا ، أخشى أن يكون هذا من سب الدهر ؛ ما ينبغي أن يقول: " جار علىّ الزمان " يخشى أن يكون هذا من سب الدهر ، وإنما يصبر ويحتسب ويسلم القضاء لله ، ويقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ نعم.
س: فضيلة الشيخ: هل تجوز الصلاة خلف من يؤمن بعقيدة الجهمية والمعتزلة ؟.
ج: هذا كما سبق ما ينبغي أن يصلى خلف الجهمي والمعتزلي ، الإنسان يحتاط ؛ لأن هنا من كفر المعتزلة والجهمية كذلك ، لكن إذا قامت عليه الحجة ما تصح الصلاة خلفه ؛ إذا صلى خلف جهمي قامت عليه الحجة فلا تصح الصلاة ، نعم.
س: كيف نجمع بين قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وبين قوله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله ينزل في الثلث الأخير من الليل ؟ .
ج: لا منافسة بينهما فالله تعالى استوى على العرش وهو فوق العرش حقيقة ، وينزل نزول جلاله وعظمته ، لا نكيف ، لا ينشأ الإشكال إلا لو كيفت ، إذا كيفت -ما فهمت من نزول الخالق إلا كما تفهم من نزول المخلوق- جاء الإشكال ، أما إذا قلت: ينزل نزول جلاله وعظمته وهو فوق العرش ؛ لأن أدلة النصوص الفوقية نصوص محكمة ما فيها إشكال ، فالله تعالى فوق العرش ، والنزول -فعل من أفعال الله وصفة من صفات الله يليق بجلال الله وعظمة الله -لا يكيف ، هو ينزل -وهو سبحانه فوق العرش -نزولا يليق بجلال الله وبعظمته ، لا نكيف ولا نعلم الكيفية ، نعم.
س: فضيلة الشيخ: هل صح عن ابن كثير -رحمه الله تعالى- أنه أول الصفات ، مع العلم أن هناك كتابا ألفه البعض وسماه: " ابن كثير بين التفويض والتأويل " ؟.
ج: الحافظ ابن كثير -رحمه الله - من علماء السلف ، وإن تفسيره سليم ، ما أعرف أن الحافظ ابن كثير يؤول ، الحافظ ابن كثير من علماء السلف ومن علماء السنة ومن المحدثين ومن الأئمة ، يفسر معتقدات السنة والجماعة.(1/205)
فهذا الشخص الذي ألف لـ: " ابن كثير بين التأويل وبين. .. " ينظر في كتابه: يحتمل أن يكون هذا الشخص هو غلطان ، معروف أن الحافظ ابن كثير ليس من المؤولين ، ما يؤول ، نعم.
س: فضيلة الشيخ: هل نقول ابن حجر -رحمه الله - من الأشاعرة ، أم أنه وافق الأشاعرة في مسألة الصفات فقط ؟.
ج: يحتاج إلى مراجعة كلامهم له في" شرح البخاري " الحافظ ابن حجر في" فتح الباري " له تأويلات توافق الأشاعرة أو الصفات: تأويل صفة الغضب وغيرها ، لكن هل يقول بمذهب الأشاعرة ؟ هو أحيانا يكون مع أهل السنة ، قد يكون متذبذبا ، أقول: بـ " أنه من الأشاعرة " يحتاج إلى تأمل ونظر في معتقده ، وفي كلامه ، وهذا. ..
أما كونه موافقا للأشاعرة: نعم ، يوافقهم في تأويل بعض الصفات ، وكذلك النووي -رحمه الله - وهم علماء كبار ، ظنوا أن هذا هو الحق واجتهدوا ؛ لأنهم لم يوفقوا في سن الطلب ، لم يوفقوا لمن ينشئوهم على معتقد أهل السنة والجماعة ؛ فظنوا أن هذا هو الحق ، ولهم أعمال جليلة ، وهم علماء كبار ، لهم اليد الطولى في الحديث وفي مصطلح الحديث ، نفعوا الأمة ، نسأل الله أن يعفو عنا وعنهم ، وأن يغفر لنا لهم ، نعم.
س: فضيلة الشيخ: في المثال الخامس عشر قوله تعالى: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ وقال: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ فهل يمكن أن نقول: إن طعام الكفار كله من ضريع ، وهذا للعموم ، والآية الثانية خصت الأثيم بالزقوم ؟.
ج: سبقت الإجابة على هذا ، وقلنا: إن الإمام أحمد أجاب بأن الأهواء ليس لها مطاول ؛ لأنه يقول: ذلك اليوم: ويأكلون الزقوم بعد ذلك ، وسبقت الإجابة ، وإن عذاب الكفار متنوع: وإن منهم من له الزقوم ، ومنهم من له الضريع ، ومنهم من له الغسلين ، وتابع الشيخ في هذا ترى الجواب. ..
س: فضيلة الشيخ: ما صحة هذه المقولة: " العمل أو القول إذا كان كفرا لا يلزم من صاحبه أن يكون كافرا ؟.(1/206)
ج: نعم قد تكون المقولة كفرا أو العمل كفرا ولا يلزم ذلك أن يكون صاحبه كافرا ؛ هذا إذا كان متأولا ولم تقم عليه الحجة ، فيقال: المقالة كفر والشخص لا يكفر ؛ حتى تقام عليه الحجة ، حتى تزول الموانع ويوجد ما يدل على أنه قد قامت عليه الحجة ، لا بد أن تنتفي الموانع ، فقد يقول بعض الناس كلمة تكون كفرية ولا يكفر الشخص لكونه معلوما ، نعم.
س: فضيلة الشيخ: يقوم بعض الناس -بالبعد عن القبر- عند دفن الميت ، فهل يعد هذا من البدع ؟.
ج: إذا قام بعد الدفن ليدعو له ؛ فهذا جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: استغفروا وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل قال الله تعالى: وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ المنافقين ،: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ فالمؤمن يقام على قبره بعد الدفن ويدعى له ، والمنافق لا يقام على قبره ولا يدعى له ، إذا قام للدعاء لا بأس ، نعم.
جزى الله فضيلة الشيخ خير الجزاء ، ونفعنا بما سمعنا إنه سميع مجيب آمين وفقنا الله جميعا لطاعته ، ورزقنا الله جميعا بما ينفعنا ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في الدرس الماضي استعرضنا بعض الشبه للجهمية في القول بخلق القرآن ، قولهم بخلق القرآن: وفيه أن الإمام أحمد -رحمه الله- قال للجهمي لما قال: إن الله شيء لا كالأشياء: إن الشيء الذي لا كالأشياء لا وجود له ، كيف ذلك ؟ جاوب الإمام أحمد لما قال الجهمي: إن الله شيء لا كالأشياء ؛ قال الإمام أحمد: الشيء الذي لا كالأشياء عدم لا وجود له ، كيف ذلك ؟ في مطلق اللفظ: أنه ما من شيئين إلا بينهما قدر مشترك يشتركان فيه في الذهن في المعنى ، وعند إطلاق اللفظ: ما هو الشيء الذي يشتركان فيه ؟.(1/207)
مسمى الشيء المعنى العام: مثلا لفظ " وجود " تشترك فيه جميع الموجودات ، يدخل فيه وجود الخالق ووجود المخلوق ، لكن هذا الاشتراك لا يكون إلا في الذهن ولا يكون إلا عند الإطلاق ، وعند القطع وهو التخصيص.
أما إذا قيد أو خصص أو أضيف ؛ زال الاشتراك ، واضح هذا ؟ فالذي يقول: إن الله لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه معناه أنكر وجود الله ، معناه أنكر هذا الشيء الذي تشترك فيه الموجودات في الذهن ، وهو الشيء الذهني ، واضح هذا ؟ ومن أنكر ذلك فقد أنكر الوجود.
استعرض الإمام -رحمه الله- وذكر أن هناك شبها ، ذكر المؤلف -رحمه الله- شبه متعددة ، ست شبه للجهمية في قولهم: " إن القرآن مخلوق " الشبهة الأولى: ما هو معنى قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ووجه الاشتباه على الجهمية ؛ فقالوا: إن جعل بمعنى خلق ، فالمعنى: أن القرآن مخلوق ، بماذا أجاب الإمام؟ نعم المعنى الأول: التسمية جعل معناها التسمية ، والثاني: بمعنى فعل من أفعالهم ومنه قوله: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ هذا فعل من أفعالهم ، ومثل: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ هذا التسمية.
الثاني: مثل وكذلك جعل من الله لها معنيان ، نعم بمعنى خلق ، والمعنى الثاني على معنى غير خلق ، مثال الأول: وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ مثال الثاني: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ .
الشبهة الثانية للجهمي: ما هي الشبهة الثانية ؟ هل القرآن الله أو هو غير الله ؟ فإن قال: هو الله ؛ قال له الجهمي: كفرت ؛ لماذا ؟ لأنك قلت بتعدد الخالق ، ولأنك وصفت الخالق بوصفين ، وإن قال: هو غير الله ؛ قال: صدقت ، ولكن غير الله مخلوق.(1/208)
بماذا أجاب الإمام عن الشبهة ؟ هذا الجواب: نعم ، نقول: إن الله سمى القرآن كلامه لم يقل إن القرآن أنا ولم يقل غيري ؛ فمن سماه كلام الله كان من المهتدين ، ومن سماه باسم من عنده كان من الضالين.
وقد فصل الله بين القول والخلق في قوله: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تقول: ألا له الخلق دخل فيه جميع المخلوقات، ثم والأمر هذا شيء آخر، وهو كلام الله -عز وجل- ، وقفنا أيضا على الباب - ( باب ): بيان ما فصل الله بين قوله وخلقه وأمره-. نعم.
باب بيان ما فصل الله بين قوله وخلقه وأمره
بسم الله الرحمن الرحيم
قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-:
( باب ) بيان ما فصل الله بين قوله وخلقه وأمره ، وذلك أن الله -جل ثناؤه- إذا سمى الشيء الواحد باسمين أو ثلاثة أسام فهو مرسل غير مفصل غير مقيد ، وإذا سمى شيئين مختلفين لا يدعهما مرسلين حتى يفصل بينهما ، ومن ذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فهذا شيء واحد سماه بثلاثة أسام وهو مرسل ، ولم يقل: إن له أبا وشيخا وكبيرا ، وقال: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثم قال: ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا فهذا شيء واحد فهو مرسل ، فلما ذكر شيئين مختلفين ؛ فصل بينهما ، فذلك قوله: ثَيِّبَاتٍ فلما كان البكر غير الثيب ؛ لم يدعه مرسلا حتى فصل بينهما.(1/209)
فذلك قوله: وَأَبْكَارًا وقال: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ فلما كان البصير غير الأعمى ؛ فصل بينهما ، ثم قال: وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ فلما كان كل واحد من هذا الشيء غير الشيء الآخر ؛ فصل بينهما ، ثم قال: الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ إلى قوله: الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ فهذا كله اسم شيء واحد فهو مرسل ليس بمفصل ، فكذلك إذا قال الله: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ لأن الخلق غير الأمر فهو مفصل .
---
إذن هذا الباب يبين فيه الإمام -رحمه الله- أن الشيء إذا كانت له أسماء متعددة وأوصاف متعددة ؛ يأت بعضها تلو بعض من دون أن يفصل بينهما بالواو ، أما إذا كانت متغايرة فلا بد أن يفصل بينهما بالواو ؛ ولهذا قال الإمام: وذلك أن الله -جل ثناؤه- إذا سمى الشيء الواحد باسمين أو بثلاثة أسام فهو مرسل غير مفصل غير مقيد ، إذا سمى باسمين أو بثلاثة تأت تباعا الاسم بعد الاسم دون أن يفصل بينهما بالواو، أما إذا سماهم بشيئين مختلفين فلا يدعهما مرسلين حتى يفصل بينهما يعني بالواو.
مثال الأول: وهو أن يسمي الواحد باسمين أو ثلاثة أسام ويكون مرسلا وغير مقيد قول الله -عز وجل-: يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فهذا شيء واحد سماه بثلاثة أسماء:(1/210)
يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا هو يعقوب ، هذه الأوصاف كلها ليعقوب: فهو أب وهو شيخ وهو كبير أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا كلها ثلاثة أسماء لشيء واحد ؛ ولهذا ما فصل بينها ، ولم يقل: إن له أبا وشيخا وكبيرا ، بل أرسلها ، ومثله قوله تعالى: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ هذه كلها صفات لشيء واحد ، صفات للزوجات: مسلمات وصف لهن ، مؤمنات هذا وصف لهن ، قانتات: القنوت دوام الطاعة ، تائبات: التوبة الرجوع إلى الله ، عابدات ، سائحات.
ثم بعد ذلك لما جاء الوصف مختلفا ؛ فصل بينهما بالواو -لما جاء بوصفين مختلفين فصل بينهما بالواو- فقال: ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ولم يقل: ثيبات أبكارا ؛ لماذا ؟ لأن البكر غير الثيب -تختلف- ، فلما كان سمى الشيء باسمين مختلفين ؛ فصل بينهما بالواو لأنهما مختلفان ؛ فقال: ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ولما كانت الصفات السابقة كلها صفات لشيء واحد: مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ لما كانت كلها أوصافا لشيء واحد ؛ لم يفصل بينها بالواو ، بل أرسلها هكذا: مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ فلما اختلف المعنى ؛ فصل بالواو فقال: ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا .
هذا معنى قول المؤلف ، فهذا الشيء واحد فهو مرسل يعني قوله تعالى: عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ فلما ذكر شيئين مختلفين يعني: ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا فصل بينهما يعني بالواو ، فذلك قوله: ثَيِّبَاتٍ فلما كانت البكر غير الثيب ؛ لم يدعه مرسلا حتى فصل بينهما يعني بالواو فذلك قوله: وَأَبْكَارًا .(1/211)
ومثله قوله تعالى: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ لما كان البصير غير الأعمى ؛ فصل بينهما بالواو لم يقل: وما يستوي الأعمى البصير ، البصير غير الأعمى ، فلما كان البصير غير الأعمى فصل بينهما بالواو.
وكذلك مثله: وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ كلها مختلفة ، هذه الظلمات غير النور ، والظل غير الحرور ؛ ولهذا فصل بينهما بالواو ولم يرسله ، ويقول: الظلمات والنور والظل والحرور ، فلما كان كل واحد من هذا شيئا غير الشيء الآخر ؛ فصل بينهما بالواو.
ثم قال: الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ثم إلى قوله: الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ فهذه كلها أسماء لله -عز وجل- فلما كانت أسماء لله -عز وجل- أسماء لشيء واحد وهو الله ، اسم لله -عز وجل- فلما كانت الأسماء لله -عز وجل- كلها أسماء لله ؛ لم يفصل بينها ، فلهذا قال: فهذا كله اسم لشيء واحد فهو مرسل ليس بمفصل.
نأتي إلى موضوع البحث -وهو الخلق الأمر- قال المؤلف: فكذلك إذا قال الله: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ لأن الخلق غير الأمر فهو مفصل ، لما كان الخلق غير الأمر والأمر غير الخلق ؛ فصل بينهما بالواو ، لو كان الأمر داخلا في الخلق كما تزعمه الجهمية -الجهمية تقول: الأمر داخل في الخلق ، الأمر الذي هو قول الله مخلوق- لو كان داخلا في الخلق لما فصل بينهما بالواو، لو كان شيئا واحدا لقال: ألا له الخلق الأمر ، فلما فصل بينهما بالواو: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ دل على أن الخلق غير الأمر ، وأن الأمر كلام الله ، وكلام الله غير الخلق ، كلام الله صفة من صفاته غير الخلق ؛ فلهذا فصل بينهما بالواو فقال: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ واضح هذا ؟ هذا كله تابع لجواب الشبهة السابقة ، نعم.(1/212)
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00098.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00096.htm
باب بيان ما أبطل الله أن يكون القرآن إلا وحيا وليس بمخلوق
( باب ) بيان ما أبطل الله أن يكون القرآن إلا وحيا وليس بمخلوق قوله: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى قال: ذلك أن قريشا قالوا: إن القرآن شعر ، وقالوا: أساطير الأولين ، وقالوا: أضغاث أحلام ، وقالوا: تقوله محمد من تلقاء نفسه ، وقالوا: تعلمه من غيره ؛ فأقسم الله بالنجم إذا هوى -يعني القرآن إذا نزل- فقال: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ يعني محمدا ، وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى يقول: إن محمدا لم يقل هذا القرآن من تلقاء نفسه فقال: إِنْ هُوَ يقول: ماهو يعني القرآن إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ثم قال: عَلَّمَهُ يعني: علم جبريل محمدا -صلى الله عليه وسلم- القرآن ، وهو: شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى إلى قوله: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى فسمى القرآن وحيا ولم يسمه خلقا .
---
إذن هذا الجواب في بيان أن القرآن وحي الله: أن الله سمى القرآن وحيا ولم يسمه خلقا ، ففيه الرد على الجهمية القائلين بأن القرآن مخلوق.
ولهذا بوب الإمام أحمد -رحمه الله- فقال: ( باب ) بيان ما أبطل الله أن يكون القرآن إلا وحيا وليس بمخلوق قوله: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى قال: ذلك أن قريشا قالوا: إن القرآن شعر ، وقالوا أساطير الأولين: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا وقالوا: أضغاث أحلام ، وقالوا: تقوله محمد من تلقاء نفسه ، وقالوا: تعلمه من غيره.(1/213)
كم قولا ؟ ستة أقوال أو خمسة ، قالوا: القرآن شعر ، وقالوا: أساطير الأولين ، وقالوا: أضغاث أحلام ، وقالوا: تقوله محمد من تلقاء نفسه ، وقالوا: تعلمه من غيره ، خمسة أقوال.
فأقسم الله بالنجم إذا هوى -يعني القرآن إذا نزل-: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى القرآن إذا نزل ، كيف سمي القرآن نجما هوى ، نزل ؟ لأنه نزل منجما على حسب الحوادث ، منجما يعني مفرقا على حسب الحوادث ، هذا أحد الأقوال.
وقيل المراد بالنجم: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى الثريا إذا سقطت مع الفجر ، ويكون الله تعالى أقسم بالثريا لأن له أن يقسم بما شاء من مخلوقاته.
وقيل المراد بالنجم إذا هوى: إذا رمي به الشياطين ، قال الحافظ ابن كثير: وهذا القول له اتجاه ؛ فإذا أقسم الله بالنجم إذا هوى -وهو القرآن إذا نزل ، أو الثريا إذا سقطت مع الفجر ، أو النجم إذا رمي به الشياطين- أقسم الله على أي شيء ؟: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى صاحبكم يعني: محمدا -صلى الله عليه وسلم- ما ضل: ليس ضالا ، وما غوى: ليس غاويا ، أقسم الله أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- ليس ضالا ولا غاويا ، بل هو راشد بل هو بار راشد -عليه الصلاة والسلام-.
فإذن الأقسام ثلاثة: إما أن يكون الإنسان ضالا ، وإما أن يكون غاويا ، وإما أن يكون راشدا .
فالضال: الذي ليس معه علم ، الجاهل هذا: ضال ما عنده علم ولا بصيرة ولا دين ؛ يقال له: ضال.
والغاوي: ما كان معه علم وبصيرة ولكن انحرف ، ترك العلم واتبع الهوى ؛ يقال له: غاو، الغاوي معه علم وعنده دليل لكن ترك الحق وأعرض عنه وتبع الباطل ؛ هذا يسمى غاويا .
والوصف الأول: الضلال هذا ينطبق على أكثر النصارى ضُلاَّل ، يوجد فيهم علماء لكن غالبهم ضُلاَّل ، والوصف الثاني: الغواية ينطبق على اليهود ، أكثر اليهود معهم علم ولكن لم يعملوا به .(1/214)
وما فسد من العلماء من هذه الأمة فله شبه باليهود ، وما فسد من العباد والزهاد من هذه الأمة فله شبه بالنصارى ، والغاوي مغضوب عليه ، والضال مغضوب عليه ؛ لأنه ترك الحق مع معرفته ، والضال هو المنحرف ، وهذان الصنفان هما اللذان أمرنا الله أن نسأله أن يجنبنا طريقهم في كل ركعة من ركعات الصلاة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ هذا الغاوي كاليهود ومن معهم: وَلَا الضَّالِّينَ هؤلاء النصارى الضُلاَّل.
بقي المنعم عليهم -صراط المنعم عليهم- فمحمد منعم عليه بار راشد ، ليس ضالا كالنصارى وليس غاويا كاليهود ، بل هو منعم عليه بار راشد ، الراشد هو المنعم عليه.
فالناس طبقات: منعم عليهم ومغضوب عليهم وضالون ، فالذين تركوا العمل ومعهم علم هؤلاء هم المغضوب عليهم كاليهود ، والذين عبدوا الله على جهل وضلال سموا ضلالا كالنصارى ، والذي عرف الحق وعمل به هذا منعم عليه بار راشد.
فالله تعالى أقسم بالنجم أو بالقرآن ، وله أن يقسم بما يشاء -سبحانه وتعالى- بأن محمد -صلى الله عليه وسلم- ليس ضالا ولا غاويا ، بل هو منعم عليه راشد بار -عليه الصلاة والسلام-: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ محمد: وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى .(1/215)
إذن إذا كان راشدا بارا منعما ليس ضالا ولا غاويا ؛ فلا يمكن أن يغير القرآن ولا يبدله بل هو يأتي به من عند الله: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى يقول: إن محمدا لم يقل هذا القرآن من تلقاء نفسه كما وصفه به المشركون ؛ فقال: إن هو يقول: ما هو ؟ يعني القرآن: إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ؛ فأبطل الله أن يكون القرآن شيئا غير الوحي لقوله: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ثم قال: "علمه" يعني علم جبريل محمدا -صلى الله عليه وسلم- القرآن ، و "شديد القوى" يعني: جبريل شديد القوى ، و "ذو مرة" قوة يعني: جبريل ،: "فاستوى" يعني: جبريل ، إلى قوله: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ؛ فسمى القرآن وحيا ولم يسمه خلقا ، ففيه الرد على من ؟ الرد على هؤلاء الجهمية الذين يقولون: إن القرآن مخلوق ، نعم.
الرد على شبهة الجهمي أن القرآن شيء والله خالق كل شيء
ثم إن الجهمي ادعى أمرا آخر فقال: أخبرونا عن القرآن ، هو شيء؟ فقلنا: نعم هو شيء ، فقال: إن الله خالق كل شيء ؛ فلم لا يكون القرآن من الأشياء المخلوقة ، وقد أقررتم أنه شيء .
---
هذه الشبهة الثالثة من الشبه ، وهي شبهة عقلية من شبه الجهمية -من شبه الجهمي- الشبهة الثالثة: شبه بها على أن القرآن مخلوق ، يقول الجهمي: أخبرونا عن القرآن ، هل هو شيء ؟ قلنا: نعم هو شيء ؛ فقال: إن الله خالق كل شيء ، قال: الله خالق كل شيء ؛ فلم لا يكون القرآن من الأشياء المخلوقة ، إذا قلتم إن القرآن شيء لما لا يكون مخلوقا ؟ وقد قال الله: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ نعم.
تلبيس الجهمي على الناس بما ادعاه
فلعمري: لقد ادعى أمرا أمكنه فيه الدعوى ، ولبس على الناس بما ادعى .
---(1/216)
كلمة فلعمري هذه: كلمة لتأكيد الكلام ، ليست قسما ، وأما قوله تعالى في " سورة الحجر ": لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ هذه قسم من الله ، عمرك: حياتك ، أقسم الله بحياة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
لكن هنا ليس قسما ؛ لأن الإمام أحمد لا يقسم بغير الله ، ولعمري: يؤتى بها لتأكيد الكلام ، يذكرها العلماء دائما: ابن القيم يذكر لعمري دائما ، وجاءت أيضا في كلام عائشة -رضي الله عنها- في كلام البخاري: أن في "سورة يوسف" أنها قالت: لعمري في "آخر تفسير سورة يوسف" في "صحيح البخاري" ، وجاءت أيضا كلمة "لعمري" في حديث في "سنن ابن ماجه" ، فلعمري ليست قسما وليست حلفا ، وإنما هي لتأكيد الكلام.
ولأن القسم لا يكون إلا بحروف القسم: ( الواو والباء والتاء، والله وبالله وتالله ، والهمزة ) فإذن ليست هذه قسما ، وإنما المراد تأكيد الكلام ، كما قالت عائشة -رضي الله عنها- في تفسير "سورة يوسف" عند البخاري ، وكما جاء في "سنن ابن ماجه" ، وسيأتي أيضا مرة أخرى ، الإمام أحمد يقول "لعمري" أيضا. نعم.
القرآن ليس شيئا
فقلنا: إن الله سبحانه لم يسم كلامه في القرآن شيئا ، إنما سمى شيئا الذي كان في قوله ، ألم تسمع إلى قوله -تبارك وتعالى-: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ فالشيء ليس هو قوله ، إنما الشيء الذي كان في قوله ، وقال في آية أخرى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا فالشيء ليس هو أمره ، إنما الشيء الذي كان بأمره .
---
هذا الوجه الأول من وجهي الرد ، الإمام أجاب على هذه الشبهة من وجهين:(1/217)
الوجه الأول: أن الله لم يسم كلامه شيئا ، ما سمى كلامه شيئا ، إنما سمى الشيء الذي كان في قوله ، لم يسم الله كلامه شيئا ، إنما سمى الشيء الذي كان في قوله ؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- يخلق بالكلام: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فقلنا: إن الله سبحانه لم يسم كلامه في القرآن شيئا ، إنما سمى شيئا الذي كان بقوله ، ألم تسمع إلى قوله -تبارك وتعالى-: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ الشيء هذا كان بالقول ، فالذي سمي شيئا هو الذي وجد بالقول ، الذي خلق بالقول هو الشيء ، وأما كلام الله فلم يسمه شيئا ، لكن سمى الشيء الذي كان بقول الله.
الله تعالى يخلق الشيء بأي شيء ؟ بقوله وكلامه: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ كن: هذا كلام الله ، فيكون: هذا الشيء الذي خلق بكن ، واضح هذا ؟
إذن الوجه الأول: أن الله لم يسم كلامه شيئا ، ولم يسم قوله شيئا ، لكن سمى الشيء الذي وجد بقول الله ، إنما سمى شيئا الذي كان وخلق وأوجد بكلام الله ، وقوله: " الله تعالى يخلق بالكلام " فالذي يخلقه: هو الشيء ، لكن كلام الله ليس شيئا ، ما سمى الله كلامه شيئا ، لكن سمى الذي وجد بكلام الله هو الذي سماه شيئا ، واضح الوجه الأول ؟ أعد حتى يتضح ؟
فقلنا: إن الله سبحانه وتعالى لم يسم كلامه في القرآن شيئا ، إنما سمى شيئا الذي كان بقوله ، ألم تسمع إلى قوله -تبارك وتعالى-: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ الشيء ليس هو قوله إنما الشيء الذي كان بقوله ، وقال في آية أخرى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا فالشيء ليس هو أمره إنما الشيء الذي كان بأمره .(1/218)
فالشيء ليس هو أمره ، إنما الشيء الذي كان ، يعني وجد بأمره: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وين الأمر ؟ كن: هل هذا الشيء ؟ لا ، الشيء ليس هو أمره ، إنما الشيء الذي كان بأمره ،: كُنْ فَيَكُونُ يكون هذا: كان بأمر الله ، فيكون هذا: هو الشيء: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا فالشيء ليس هو أمره ، إنما الشيء الذي كان بأمره ، واضح هذا ؟ نعم.
الشيء لا يطلق إلا على المخلوق
ومن الأعلام والدلالات -يعني العلامات والدلالات-: أنه لا يعني كلامهم على الأشياء المخلوقة قوله -عز وجل- في الريح التي أرسلها على عاد: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا وقد أتت تلك الريح على أشياء لم تدمرها ، منازلهم ومساكنهم والجبال التي بحضرتهم فأتت عليها تلك الريح ولم تدمرها ، وقد قال: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ فكذلك إذا قال: خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا يعني نفسه ولا علمه ولا كلامه على الأشياء المخلوقة .
---
إذن هذا -يقول الإمام رحمه الله- مما يؤيد أن كلام الله لا يدخل مع الأشياء المخلوقة ، وإن كان الله -سبحانه وتعالى- قال: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لكن ما يدخل كلام الله في شيء ، المراد: خالق كل شيء مخلوق ، وكلام الله صفة من صفاته ، فالله بأسمائه وصفاته هو الخالق ، وما سواه مخلوق ، تقول: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ما يدخل في كل شيء كلام الله لأنه صفة من صفاته ، واضح هذا ؟
قال: هناك دليل ، ما هو الدليل ؟ أن الله تعالى لما قال في الريح التي أهلكت عادا: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ كل شيء ، هناك أشياء ما دمرتها الريح ، ما هي ؟ مساكنهم ؛ ولهذا قال: فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ مساكنهم ما دمرت ، والجبال التي حولهم ما دمرت ، السماء ما دمرت ، الأرض ما دمرت.(1/219)
إذن ما معنى تدمر كل شيء ؟ قال العلماء: تدمر كل شيء يصلح للتدمير ، أو يقبل التدمير عادة ، وأما ما لا يقبل التدمير عادة ، أو لا يصلح للتدمير ؛ فلم يدخل في هذا العموم ، فكذلك إذا قال: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ المراد: خالق كل شيء مخلوق ، ولا يدخل في ذلك كلام الله ، واضح هذا ؟ نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00103.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00101.htm
شيء لا تفيد العموم المطلق
وقال لملكة سبأ: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وقد كان ملك سليمان شيئا ولم تؤته ، وكذلك إذا قال: خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا يعني كلامهم الأشياء المخلوقة .
---
وقال لملكة سبأ ، قال الله تعالى: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كل شيء ، هل العموم يخرج منه شيء ولا ما يخرج ؟ ما يخرج منه ، ملك سليمان شيء من الأشياء ولم تؤته ملكة سبأ ، فكذلك إذا قال الله: خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ليس معنى ذلك أنه تدخل صفات الله ، لا تدخل كلام الله مع الأشياء المخلوقة.
نعم كلام العلماء: خالق كل شيء مخلوق ، يعني خالق كل شيء ، هذا العموم: المراد به الأشياء المخلوقة ، ولا يدخل في ذلك أسماء الله وصفاته ، نعم.
الأدلة على أن صفات الله لا تدخل في عموم الأشياء
وكذلك إذا قال: خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا يعني كلامهم على الأشياء المخلوقة ، وقال الله لموسى: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي وقال: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وقال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ وقال: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ثم قال: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ .
فقد عرف من عقل عن الله أنه لا يعني نفسه مع الأنفس التي تذوق الموت ، وقد ذكر الله -عز وجل- نفسه ، وكذلك إذا قال: خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا يعني نفسه ولا علمه ولا كلامه مع الأشياء المخلوقة ؛ ففي هذا دلالة وبيان لمن عقل عن الله -عز وجل .
---(1/220)
نعم ، كل هذه الآن أمثلة وأدلة تدل على أن كلام الله وصفاته لا تدخل في قوله: خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ يقول الله تعالى قال: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي فيه إثبات النفس لله -عز وجل- وأن لله نفسا قال: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ فيه إثبات النفس لله -عز وجل- لكن نفس الله ليست كنفس المخلوقين ، وقال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ إثبات النفس لله ، وقال: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ .
إذن هذه الآيات دلت على إثبات النفس لله لما قال الله: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ كل نفس ذائقة الموت: هل يدخل في ذلك نفس الله تعالى ؟ الله قال ؛ فقد عرف من عقل عن الله أنه لا يعني نفسه مع الأنفس التي تذوق الموت ، المراد: الأنفس المخلوقة ، أما نفس الله: فالله تعالى هو الخالق ؛ فقد عرف من عقل عن الله أنه لا يعني نفسه مع الأنفس التي تذوق الموت ، فكذلك إذا قال الله: كُلِّ شَيْءٍ لا يدخل في هذا العموم نفسه ولا علمه ولا كلامه مع الأشياء المخلوقة ، فالمراد: خالق كل شيء مخلوق ، وأما كلام الله وعلمه ونفسه فلا يدخل في هذا ، واضح هذا ؟ نعم.
وجوب التوبة من القول بخلق القرآن
قال الإمام أحمد -رحمه الله- فرحم الله من ذكر، ورجع عن القول الذي يخالف الكتاب والسنة ، ولم يقل على الله إلا الحق .
---
هذا دعاء من الإمام يدعو لمن فكر ورجع عن القول الباطل الذي يخالف الكتاب والسنة ولم يقل على الله إلا الحق.
ما هو القول الباطل الذي يخالف الكتاب والسنة ؟ القول بأن القرآن مخلوق ، هذا قول باطل ، يقول: فرحم الله من رجع عن هذا القول الباطل ، وهو القول بأن القرآن مخلوق ، ولم يقل على الله إلا الحق ؛ فإن الله أخذ ميثاق خلقه ، نعم.
ادعاء خلق القرآن قول بغير علم(1/221)
فإن الله قد أخذ ميثاق خلقه فقال: أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وقال في آية أخرى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ .
---
الشاهد بأن الله تعالى حرم القول عليه بلا علم وجعله فوق الشرك: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ فجعل القول على الله بلا علم فوق الشرك.
ومن قال: إن القرآن مخلوق ؛ فقد قال على الله بغير علم ، فيكون قد ارتكب أعظم الجرائم ، نسأل الله العافية ، نعم.
القول بخلق القرآن كذب على الله
وقد حرم الله أن يقال عليه الكذب ، وقد قال: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أعاذنا الله وإياكم من فتن المضلين .
---
يعني: ومن قال إن القرآن مخلوق فقد كذب على الله ، وهو داخل في هذا الوعيد ، وهو قوله: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ فهو متوعد بأن يسود وجهه يوم القيامة ، أعوذ بالله. نعم.
القرآن كلام الله
وقد ذكر الله كلامه في غير موضع من القرآن فسماه كلاما ولم يسمه خلقا .
---
هذا هو الوجه الثاني من الرد: أن الله سمى القرآن كلاما ولم يسمه خلقا ، وإذا كان الله تعالى سماه كلاما ولم يسمه خلقا ؛ فلا يكون داخلا في قوله سبحانه:
اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فلا يكون مخلوقا ومن قال إن القرآن مخلوق فقد كذب على الله وأعظم على الله الفرية.(1/222)
وسيأتي أيضا أن الإمام وغيره يقول: إن من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر ، يعني على العموم ، أما الشخص المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة ، إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع ، لكن على العموم: من قال القرآن مخلوق فهو كافر ، من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر.
هكذا أطلق الأئمة العلماء -الإمام أحمد وغيره-: كل من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر ، لكن فلان بن فلان إذا قال إن القرآن مخلوق هل يكفر ؟ نقول: إذا قامت عليه الحجة ، إذا قامت عليه الحجة ، ووجدت الشروط ، وانتفت الموانع ، قد يكون جاهلا ما يدري فلا بد أن يعلم ، قد يكون عنده شبهة فلا بد أن تكشف الشبهة ، فإن زال الجهل وزالت الشبهة وأصر ؛ حكم بكفره ، واضح هذا ؟ هذا الشخص المعين.
أما على العموم نقول: كل من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر ، نعم يشترط فيه ألا يكون جاهلا بمعنى هذه الكلمة معلوما ، لا يقيم عليه الحجة إلا إنسان يعرف ، لكن الجاهل ما يقيم الحجة ما يلزم.
هذا المهم: أن يعرف هذه المسألة ، هذا الوجه الثاني ، الوجه الثاني: أن الله سمى القرآن كلاما ولم يسمه خلقا ، وسيأتي سيذكر المؤلف الإمام -رحمه الله- أمثلة من القرآن تدل على أن الله سمى القرآن كلاما ولم يسمه خلقا. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00109.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00107.htm
تكرار ذكر أن القرآن كلام الله
وقد ذكر الله كلامه في غير موضع من القرآن ، فسماه كلاما ولم يسمه خلقا قوله: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ .
---
هذا الشاهد: كلمات ، قال: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ ولم يقل: تلقى آدم من ربه خلقا ، سماه كلمات. نعم.
وقال: وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ .
---
ولم يقل: يسمعون خلق الله ، سماه كلام الله ، سماه كلاما ولم يسمه خلقا. نعم.
وقال: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ .(1/223)
---
الشاهد: وكلمه ربه ، سماه كلاما ولم يسمه خلقا. نعم.
وقال: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي .
---
الشاهد: وبكلامي ، ولم يقل: وبخلقي. نعم.
وقال: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا .
---
كلم الله موسى تكليما: سماه كلاما ، نعم.
وقال: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ .
---
الشاهد: وكلماته ، سماه كلاما، نعم.
فأخبرنا الله تعالى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يؤمن بالله وبكلام الله .
---
يؤمن بالله وبكلام الله ، ولم يقل: بخلق الله ، نعم.
وقال: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ .
---
هذا الشاهد: قال يريدون أن يبدلوا كلام الله ، ولم يقل: خلق الله. نعم.
وقال: لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي .
---
الشاهد: كلمات ربي.
وقال: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ولم يقل: حتى يسمع خلق الله ، فهذا منصوص بلسان عربي مبين ، لا يحتاج إلى تفسير ، وهو مبين بحمد الله .
---
الشاهد: كلام الله ، ولم يقل: حتى يسمع خلق الله ، نعم. الحمد الله نعم.
( باب ) وقد سألت الجهمي: أليس إنما قال الله: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا .
---
هذا الباب: استدل فيه الإمام أحمد -رحمه الله- على أن القرآن كلام غير مخلوق من وجهين:
الوجه الأول: أن الله أمرنا بأقوال ليس منها أن نقول: إن كلام الله مخلوق ، هذا الوجه الأول ، الوجه الأول: أن الله أمرنا بأقوال ليس منها أن نقول: إن كلام الله مخلوق ، نعم.(1/224)
والوجه الثاني: أن الله نهانا عن أشياء ليس منها أن نقول: إن القرآن كلام الله ، إذن هذا الباب استدل به الإمام على أن القرآن كلام الله غير مخلوق من وجهين ، الوجه الأول: أن الله أمرنا أن نقول أقوالا وليس من هذه الأقوال أن نقول إن كلام الله مخلوق ، نعم.
أمر الله بالقول الحسن
وقد سألت الجهمية: أليس إنما قال الله: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا .
---
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ هذا أمرنا بأن نقول آمنا بالله ، وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا أمرنا بأن نقول للناس حسنا ، قولوا ، ولم يقل: قولوا إن كلام الله مخلوق ، نعم.
أمرنا الله بأقوال ليس منها القول بخلق القرآن
وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا .
---
أمرنا بأن نؤمن ، وأمرنا بأن نقول قولا سديدا ، نعم.
أمرنا الله بأقوال ليس منها القول بخلق القرآن
فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .
- وقولوا اشهدوا بأنا مسلمون- ، نعم.
وقال: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ .
- أمرنا أن نقول الحق-.
وقال: وَقُلْ سَلَامٌ .
- أمرنا أن نقول سلام-.
ولم نسمع الله يقول: قولوا إن كلامي خلق .
---
- إذن: الله تعالى أمرنا بأقوال ، وليس من هذه الأقوال أن نقول: إن كلام الله مخلوق ؛ فدل على أن القرآن كلام الله.
الأمر الثاني ، أو الوجه الثاني: أن الله نهانا عن أشياء ، وليس من هذه الأشياء التي نهانا عنها أن نقول: إن القرآن كلام الله ، ما قال لا تقولوا إن القرآن كلام الله ؛ فدل على أن القرآن كلام الله ، نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00123.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00121.htm
شبة عدم النهي عن القول بخلق القرآن
وقال: وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا .
---(1/225)
- هذه النواهي: فيها نواه في القرآن ليس منها أن نقول إن القرآن كلام الله ، نهانا قال: وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا نعم: هذه جواب على الشبهة مباشرة.
وهذان الوجهان: استدلال على أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، يعني: أن الوجهين السابقين جواب على الشبهة ، رد على الشبهة مباشرة ، واضح هذا ؟
الشبهة: قالوا إن القرآن شيء وليس بشيء ، وهذان وجهان يبين فيهما المؤلف أن القرآن كلام الله غير مخلوق تكون مؤيدة للوجهين ، ولو قيل: ضم هذين الوجهين مع الوجهين السابقين ؛ صارت أربعة وجوه كلها رد ، تصلح ردا ، ما فيها مانع ، لكن المؤلف جعلها وجهين مستقلين.
نواهي القرآن ليس فيها النهي عن القول بخلق القرآن
وقال: وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ .
---
- كل هذه نواه: وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00125.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00123.htm
وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نعم ، فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا .
- يعني: الوالدين- ، نعم.
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ .
- هذا نهي: لا تقف- ، نعم.
وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ .
- نهي: لا تدعوا- ، نعم.
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ .
- نهي عن القتل- ، نعم.
وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ .
-كذلك-.
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ .(1/226)
- نهي عن قتل النفس- ، نعم .
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .
- نهي عن قربان مال اليتيم-.
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا .
ومثله في القرآن كثير ، فهذا مما نهى الله عنه ، ولم يقل لنا: لا تقولوا إن القرآن كلامي .
---
- يعني: هذه نواه كثيرة ، فلو كان القرآن ليس كلام الله لنهانا مثل هذه النواهي ؛ لقال: لا تقولوا إن القرآن كلامي ، فلما لم ينهنا الله عن ذلك ؛ دل على أنه ليست من الأمور المنهي عنها.
كما أن الأمر الأول: وهو أمرنا بأقوال وليس منها أن نقول: إن كلام الله مخلوق ، فلو كان كلام الله مخلوقا ؛ لأمرنا أن نقول: إن كلام الله مخلوق ، فلماذا تأتي أوامر كثيرة وليس منها أن نقول: إن القرآن مخلوق ؟ وتأتى نواه كثيرة وليس منها أن ينهانا أن نقول: إن القرآن كلام الله ؟
فلما لم يأمرنا أن نقول: إن كلام الله مخلوق ، ولم ينهنا أن نقول: إن القرآن كلام الله ؛ دل على أن القرآن كلام الله.
الملائكة تسمي القرآن كلام الله
وقد سمت الملائكة كلام الله كلاما ولم تسمه خلقا ، قوله: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ .
---
- الملائكة سمت كلام الله كلاما ولم تسمه خلقا: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ولم يقولوا: ماذا خلق ربكم.
- وذلك أن الملائكة لم يسمعوا صوت الوحي ، ما بين عيسى وبين محمد -صلى الله عليه وسلم- كذا وكذا سنة.(1/227)
فلما أوحى الله إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- سمعت الملائكة صوت الوحي كوقع الحديد على الصفا؛ فظنوا أنه أمر من أمور الساعة، ففزعوا وخروا لوجوههم سجدا، فذلك قوله: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ يقول: حتى إذا انجلى الفزع عن قلوبهم رفعت الملائكة رءوسهم، فسأل بعضهم بعضا فقالوا: ماذا قال ربكم؟ ولم يقولوا: ماذا خلق ربكم؛ ففي هذا بيان لمن أراد الله هداه.
---
نعم، نعم، سبق في الحديث: إذا تكلم الله بالوحي سمعه جبريل فصعق جبريل وتصعق الملائكة، ثم يتخابر الملائكة فيقولون: ماذا قال ربكم؟ فيقول: قال الحق سمعوا كلام الله، فزعوا وصعقوا لقول الله، ثم يتخابر الملائكة: ماذا قال ربكم؟ فيقول: قال الحق. نعم.
كوقع الحديد على الصفا، يعني الصوت المسموع من كلام الله، هذا تشبيه للصوت المسموع من كلام الله، من باب التقريب، ليس المراد أن كلام الله كالحديد على الصفا، بل المراد تشبيه الصوت المسموع من كلام الله، ليس المراد تشبيه كلام الله بالحديد ولا بالصوت، صوت الحديد، وهذا تشبيه للصوت المسموع كأنه يشبهه في القوة يعني الصوت المسموع من كلام الله. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00128.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00126.htm
شبهة أن القرآن محدث
باب آخر قال الإمام أحمد -رضي الله عنه-: ثم إن الجهمي ادعى أمرا آخر.. .
هذه الشبهة الرابعة على الجهمية، على أن القرآن مخلوق، وهي شبهة شرعية، هذه الشبهة الرابعة. نعم.
ثم إن الجهمي ادعى أمرا آخر، فقال: أنا أجد آية في كتاب الله تدل على أن القرآن مخلوق، فقلنا: في أي آية؟ فقال: قول الله تبارك وتعالى: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ فزعم أن الله قال للقرآن: محدث، وكل محدث مخلوق. فلعمري لقد شبه على الناس بهذا، وهي آية من المتشابه .
---(1/228)
إذن الشبهة، الجهمي أتى بشبهة شرعية، آية من القرآن، وهي قول الله تعالى: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ قال: إن الله أخبر أن القرآن محدث، وكل محدث مخلوق، هذه في آية الأنبياء.
وفي آية الشعراء: وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ آية الأنبياء: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وآية الشعراء: وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ وقوله تعالى: لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا .
الإمام -رحمه الله- قال: فلعمري لقد شبه على الناس، يأتي عمري مرة ثانية، لعمري، تأكيد، يعني إنها شبهة قوية، فلعمري إنها لشبهة قوية، فلعمري لقد شبه على الناس بهذا، وهي آية من المتشابه، لا شك أنها تشتبه على كثير من الناس؛ ولذلك الجواب يحتاج إلى تأمل.
والإمام أحمد -رحمه الله- له جواب على هذه الشبهة الآن، فنستعرض الآن جواب الإمام، الآن في صفحتين ونصف، ثم بعد ذلك نستعرض جواب الإمام البخاري في صحيحه، أو جواب آخر على هذه الشبهة، الإمام أحمد له جواب، والبخاري له جواب، وكل من الجوابين حق. نعم.
استدراج الخصم
قلنا في ذلك قولا، واستعنا بالله، ونظرنا في كتاب الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
---
هذا يدل على أيش؟ على أن الأمر، على أن الشبهة قوية؛ ولذلك قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "فقلنا في ذلك قولا، واستعنا بالله، ونظرنا في كتاب الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله". نعم.
الشيئان إذا اجتمعا في اسم يجمعهما
اعلم أن الشيئين إذا اجتمعا في اسمين يجمعهما، فصار أحدهما أعلى من الآخر، ثم جرى عليهما اسم مدح، فكان أعلاهما أولى بالمدح وأغلب عليه، وإن جرى عليهما اسم ذم أو اسم دني، فأدناهما أولى به.
---(1/229)
إذن هنا القاعدة: أن الشيئين إذا اجتمعا في اسم يجمعهما، وأحدهما أعلى من الآخر، إذا اجتمع شيئان في شيء، وأحدهما أعلى من الآخر، فإذا جرى عليهما اسم مدح كان المدح ينصرف إلى الأعلى، وإذا جرى عليهما اسم ذم كان الذم ينصرف إلى الأدنى، واضحة القاعدة الآن؟
القاعدة أن الشيئين إذا اجتمعا في اسم يجمعهما، وكان أحدهما أعلى من الآخر، فإذا جرى عليهما اسم مدح ينصرف إلى الأعلى، وإذا جرى عليهما اسم ذم ينصرف إلى الأدنى.
وسيضرب لهذا أمثلة -المؤلف رحمه الله- تنظيرية، ثم ينتقل بعد ذلك إلى الجواب على الآية: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ وكلمة "محدث" تشمل كلام الله، وكلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-، سيدخل فيها الأمران، فالحدث جرى عليهما اسم ذم، وهو الحدث، ينصرف إلى من؟
ينصرف إلى كلام الرسول، لا إلى كلام الله، واضحة القاعدة الآن؟ سيضرب الأمثلة -وهذا باختصار- الآن، الشيئان إذا اجتمعا في شيء، في اسم، اجتمع شيئان في اسم يجمعهما، وأحدهما أعلى من الآخر، إن جرى عليهما اسم مدح انصرف إلى الأعلى، وإن جرى عليهما اسم ذم انصرف إلى الأدنى.
هات الآية: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ الذكر محدث، ما هو الذكر؟ قال: يدخل في هذا الاسم يشمل شيئين، يشمل ذكر الله، وذكر الرسول -عليه الصلاة والسلام-، جرى عليهما اسم ذم وهو الحدث، ينصرف إلى ذكر الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الرسول هو المخلوق، وكلامه مخلوق، ولا يدخل في ذلك كلام الله، هذا خلاصة أيش؟ الجواب الذي أجاب به المؤلف في صفحتين ونصف، الآن الإمام -رحمه الله-، وسيأتي جواب الإمام البخاري. نعم.
أمثلة على شيئين اجتمعا في اسم يجمعهما
ومن ذلك قول الله في كتابه ... .(1/230)
اعلم أن الشيئين إذا اجتمعا في اسم يجمعهما فكان أحدهما أعلى من الآخر، ثم جرى عليهما اسم مدح فكان أعلاهما أولى بالمدح وأغلب عليه، وإن جرى عليهما اسم ذم أو اسم دني فأدناهما أولى به، ومن ذلك قول ... .
هذه أمثلة توضيحية قبل الجواب على الآية، يجيب المؤلف لنا ثلاثة أمثلة توضيحية.. نعم.
ومن ذلك قول الله في كتابه: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ... .
هذا المثال الأول، والمثال الثاني: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ نعم.
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يعني الأبرار دون الفجار، فإذا اجتمعوا في اسم الإنسان واسم العباد فالمعنى في قول الله جل ثناؤه: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يعني الأبرار دون الفجار.
---
كلمة عباد الله، العبودية العامة يدخل فيها الكافر والمؤمن، أليس كذلك؟ فإذا قال: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ عباد الله الكفار والمؤمنون أيهم؟ ينصرف إلى من؟ ينصرف إلى المؤمنين، لماذا؟ بدليل قوله -تعالى- في الآية الأخرى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ .
فإذن عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ المؤمنون، ولا يدخل الكفار، وإن كانوا عباد الله، وإن كانوا عبيدا لله، معبدين، لكن ما يدخلون، جرى اسم مدح ينصرف إلى من؟ ينصرف إلى أعلاهما، إلى المؤمنين، عباد الله دخل فيه صنفان المؤمنون والكفار، وأعلاهما من؟ المؤمنون، وهذا اسم مدح؛ فينصرف إلى الأعلى، وهم الأبرار، بدليل قوله: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ نعم.
لقوله إذا انفرد الأبرار: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وإذا انفرد الفجار: وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ .
---
هذا الدليل على أن المراد بقوله "عباد الله": المؤمنون؛ لأن الأبرار إذا انفردوا مُدحوا، والفجار إذا انفردوا ذُموا؛ فتنصرف إلى الأعلى وهم الأبرار. نعم.(1/231)
وقوله: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ فالمؤمن أولى به وإن اجتمعا في اسم الناس؛ لأن المؤمن إذا انفرد أُعطي المدح؛ لقوله: وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا .
---
إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ كلمة "الناس" تشمل من؟ المؤمن والكافر، لكن المراد به هنا لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ المراد المؤمنين خاصة لماذا؟ لأن المؤمن إذا انفرد أُعطي المدح؛ لقوله: وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا فلما كان الناس يشمل شيئين: الكفار والمؤمنين، وكان اسم مدح انصرف إلى الأعلى دون الأدنى. نعم.
وإذا انفرد الكفار أجري عليهم اسم الذم لقوله: أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وقال: أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ فهؤلاء لا يدخلون في الرحمة.
---
هذا هو السبب، جعلنا إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ خاصة بالمؤمنين؛ لأن الكفار إذا انفردوا أجري عليهم اسم الذم أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ نعم.
وفي قوله: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ .
---
هذا المثال الثالث: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ العباد يشمل من؟ المؤمنين والكفار، البغي اسم ذم أم اسم مدح؟ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ اسم ذم، إذن ينصرف إلى الكفار، لا ينصرف إلى المؤمنين، اجتمع الكفار والمؤمنون في لفظ "عباد الله".(1/232)
لكن لما جرى اسم ذم انصرف إلى الأدنى وخرج الأعلى؛ لأن المؤمنين إذا انفردوا ما يبغون في الأرض، بل يجري عليهم اسم المدح إذا بسط الله لهم الرزق، المؤمنون ماذا؟ يؤدون حق الله، يؤدون الزكاة، ويصلون الرحم، ويؤدون حقوق الله، بخلاف الكفار؛ فإنهم يبغون في الأرض؛ فلهذا صار اسم الذم عليهم. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00136.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00134.htm
فاجتمع المؤمنون والكفار في اسم "العباد"، والكفار أولى بالبغي من المؤمنين؛ لأن المؤمنين انفردوا ومُدحوا فيما بُسط لهم من الرزق، وهو قول الله: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وقوله: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ .
وقد بسط الله لداود وسليمان بن داود، ولذي القرنين، وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ومن كان على مثالهم ممن بسط الله له فلم يبغ . ومن كان على مثالهم ممن بسط الله له فلم يبغ، وإذا انفرد الكافر وقع عليه اسم البغي في قوله لقارون: فَبَغَى عَلَيْهِمْ ونمرود بن كنعان حين آتاه الله الملك فحاج في ربه، وفرعون حين قال موسى: رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فلما اجتمعوا في اسم واحد، فجرى عليهم اسم البغي كان الكافر أولى به، كما أن المؤمن أولى بالمدح.
---
واضح هذا؟ فلما اجتمعوا في اسم واحد وهو قوله "لعباده"، فجرى عليه اسم البغي، كان الكافر أولى به، كما أن المؤمن أولى بالمدح، هذه كلها أمثلة توضيحية، بعد ذلك سيأتي إلى الجواب على الآية: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ طبِّق على الآية ما طبقت على الأمثلة السابقة. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00137.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00135.htm
رد شبهة حدوث القرآن(1/233)
فلما قال الله تبارك وتعالى: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ فجمع بين ذكرين، ذكر الله وذكر نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فأما ذكر الله إذا انفرد لم يجر عليه اسم الحدث، ألم تسمع إلى قوله: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ ؟
فإذا انفرد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه جرى عليه اسم الحدث، ألم تسمع إلى قوله: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ فذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- له عمل، والله له خالق ومحدث.
---
واضح الآن؟ يقول الإمام: فلما قال الله تعالى: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ جمع بين ذكرين: ذكر الله وذكر نبيه، ذكر يعني: ذكر الله وذكر نبيه، فأما ذكر الله إذا انفرد فلا يجري عليه اسم الحدث، ألم تسمع إلى قول الله: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ ؟
فإذا انفرد ذكر النبي جرى عليه اسم الحدث، ألم تسمع إلى قوله: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ؟ فذكر النبي اسم له عمل، والله له خالق ومحدث.
إذن فقوله: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ المراد به أيش؟ ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ذكر الله الذي هو القرآن، فالحدث الذي هو الخلق وقع على ذكر النبي، ولم يقع على ذكر الله. نعم.
الدليل على بطلان شبهة الحدوث
والدلالة على أنه جمع بين ذكرين لقوله: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ فأوقع عليه الحدث عند إتيانه إيانا، وأنت تعلم أنه لا يأتينا بالأنباء إلا مبلِّغ ومذكِّر، وقال الله تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ .
---(1/234)
إذن يقول: "الدليل على أنه جمع بين ذكرين لقوله: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ فأوقع عليه الحدث عند إتيانه إيانا"، يعني عند إتيانه إيانا، عند إتيانه إيانا، من الذي أتانا به؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وأنت تعلم أنه لا يأتينا بالأنباء -يعني بالأخبار- عن الله إلا مبلغ ومذكر؛ فالرسول هو المبلغ -صلى الله عليه وسلم- وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ إذن من المذكر ؟ الرسول فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ .
إذن الرسول -عليه الصلاة والسلام- حينما أتانا بالأنباء إذن هو مذكِّر، هذا ذكر أتى به الرسول من عند الله -عز وجل-، فالحدث يقع على الذكر الذي جاء به الرسول -عليه الصلاة والسلام-، يقع على أيش؟ الحدث يقع على الذكر عند إتيانه إيانا، وعند إتيانه إيانا إنما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-، واضح هذا؟ نعم.
التوجيه الصحيح للآية
فلما اجتمعوا في اسم الذكر جرى عليهم اسم الحدث، وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا انفرد وقع عليه اسم خلق، وكان أولى بالحدث من ذكر الله.
---
"فلما اجتمعوا في اسم الذكر جرى عليهم اسم الحدث"، لما اجتمعوا -ذكر الله وذكر النبي- جرى عليهم اسم الحدث، وذكر النبي إذا انفرد وقع عليه اسم خلق، وكان أولى بالحدث من ذكر الله الذي إذا انفرد لم يقع عليه اسم خلق ولا حدث.
ذكر الله إذا انفرد ما يقع عليه اسم خلق ولا اسم الحدث، وذكر النبي إذا انفرد -صلى الله عليه وسلم- وقع عليه اسم الخلق والحدث، فقال: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ المراد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه حينما أتى به من عند الله ذكَّر، ذكَّر بقوله وبكلامه. نعم.
القرآن محدث بالنسبة إلى النبي(1/235)
وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا انفرد وقع عليه اسم خلق، وكان أولى بالحدث من ذكر الله تعالى الذي إذا انفرد لم يقع عليه اسم خلق ولا حدث، فوجدنا دلالة من قول الله تعالى: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إنما هو محدث إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
---
فهو محدث بالنسبة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، بالنسبة إلى النبي محدث، بالنسبة إلى الله -عز وجل- ليس محدثا، فقوله: "محدث" يعني بالنسبة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه علمه الله إياه بعد أن لم يكن عالما به، فلما علَّمه الله قبل أن يكون عالما به صار حادثا بالنسبة إليه، بالنسبة إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- فهو محدث بالنسبة إلى الرسول. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00141.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00139.htm
الخلق يقع على ذكر الرسول
إنما هو محدث إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يعلم، فعلَّمه الله، فلما علمه الله كان ذلك محدثا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
---
لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يعلم يعني أولا كان لا يعلم فعلمه الله فلما علمه الله كان ذلك محدثا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- واضح الآن جواب الإمام -رحمه الله- مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ يعني اجتمع في حدث كلام الله وكلام الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فالحدث يقع على كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه أجاب جوابا آخر، وقال: إن مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ هذا كلام الله، ولكن حدث الله لا يشبه حدث المخلوقين؛ لأن الله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .(1/236)
فالبخاري -رحمه الله- بوّب في صحيحه فقال في كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ وقول الله تعالى: لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين؛ لقول الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .
وقال ابن مسعود -رضى الله عنه-: عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث ألا تتكلموا في الصلاة .
ثم ذكر حديث ابن عباس -رضي الله- عنهما: كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم وعندكم كتاب الله أقرب الكتب عهدا بالله، تقرءونه محضا لم يشب؟ ولفظ الطريق الأخرى قال: يا معشر المسلمين؛ كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم أحدث الأخبار بالله محضا لم يشب؟ .
فإذن جواب الإمام البخاري مبني على أي شيء؟ مبني على أن الله تعالى يتكلم إذا شاء، وأن أفراد كلام الله محدث، وأن القرآن كلام الله محدث، تكلم الله به وقت نزوله، وأن كتاب الله القرآن أقرب الكتب عهدا بالله، وأحدث الأخبار بالله، وأن الله يحدث من أمره ما يشاء، ويتكلم إذا شاء، وأن حدث الله لا يشبه حدث المخلوقين؛ لأن الله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .
فإذن كلام الله قديم النوع، حادث الآحاد، أفراد الكلام حادثه، ولكن حدث الله لا يشبه حدث المخلوقين، نوع الكلام قديم لم يزل له، لكن أفراد الله، أفراد الكلام حادثة.
لما جاءت المجادلة خولة بنت حكيم، وجادلت النبي -صلى الله عليه وسلم- تكلم الله وأنزل: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ .(1/237)
والله تعالى يكلم يوم القيامة الناس، يكلم آدم، ويكلم أهل الجنة، ينادي: يا آدم، يقول: لبيك وسعديك، فهذا أفراد كلام الله حادثة، لكن حدث الله لا يشبه حدث المخلوقين، واضح هذا؟ فكلام الله قديم النوع، حادث الآحاد.
جواب الإمام أحمد -رحمه الله- فهم من قوله: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ مخلوق، قال: إن الخلق يقع على كلام رسول الله، ولا يقع على كلام الله.
الإمام البخاري فهم من قول: "محدث" يعني حدث لا يشبه حدث المخلوقين، لا يشبه حدث المخلوقين. حدث المخلوقين مخلوق، وحدث كلام الله ليس بمخلوق.
الحافظ ابن كثير يقول على قوله: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ أي جديد إنزاله، قول الحافظ ابن كثير الآن يتمشى مع جواب الإمام أحمد، أو يتمشى مع جواب البخاري؟
نعم جديد إنزاله يعني حدث يحتمل، قد يقال: يتمشى مع الجوابين، إذا قلنا جديد إنزاله، يعني: إنزاله جديد، فالحدث بالنسبة لأيش؟ بالنسبة للمخلوقين الذين سمعوه ويحتمل، ويوافق كلام الإمام البخاري جديد إنزاله، يعني أفراد كلام الله حادثة.
فالمقصود أن الإمام أحمد فهم من الآية: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ مخلوق، فقال: إن الآية اجتمع فيها ذكرين: ذكر الله وذكر الرسول، والخلق يقع على ذكر الرسول.
والإمام البخاري قال: إن الحدث هنا يرجع إلى كلام الله، لكن حدث الله لا يشبه حدث المخلوقين، فكلام الله صفة من صفاته، فهو قديم النوع، حادث الآحاد، هو يتكلم إذا شاء، ومتى شاء، وكيف شاء -سبحانه وتعالى-، لا أحد يحصل عليه، ونوع الكلام قديم، لم يتجدد له، ولم يزل الله يتكلم، ولا يزال يتكلم إذا شاء، وإن كانت أفراد كلام الله حادثة، إلا أن حدث الله لا يشبه حدث المخلوقين. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00142.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00140.htm
شبهة تسمية عيسى بكلمة الله(1/238)
باب، ثم إن الجهمي ادعى أمرا ... .
هذه الشبهة الخامسة للجهمية، شبهة خامسة للجهم على أن القرآن مخلوق، هذه الشبهة الخامسة، وهي شبهة شرعية أيضا. نعم.
ثم إن الجهمي ادعى أمرا فقال: إنا وجدنا آية في كتاب الله تدل على أن القرآن مخلوق. فقلنا: أي آية؟ فقال: قول الله تعالى: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ .
---
هذه الشبهة، استدل بالآية، وهي قوله تعالى: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وجه الدلالة قال: إن الله سمى عيسى كلمة الله، وعيسى مخلوق، فدل على أن كلام الله مخلوق، واضحة الشبهة؟
يقول الجهمي: إن الله تعالى يقول: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ سمى الله عيسى كلمة، وعيسى مخلوق، فدل على أن كلام الله مخلوق، سمى الله عيسى كلمته، عيسى كلمة إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ عيسى كلمة الله، وعيسى مخلوق، فكلام الله مخلوق. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00143.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00141.htm
تخطئة جهم في فهم القرآن
وعيسى مخلوق، فقلنا: إن الله منعك الفهم في القرآن.
---
هنا اشتد الإمام أحمد -رحمه الله-، دعا عليه قال: إن الله منعك الفهم يا جهم، إن الله منعك الفهم في القرآن، منعك؛ عقوبة له؛ لأنه أعرض وتصابب عن الحق، فمنعه الله الفهم، إن الله منعك الفهم يا جهم في القرآن؛ عقوبة له. عيسى.. هذا الجواب، جواب الشبهة. نعم.
رد شبهة جهم(1/239)
عيسى تجري عليه ألفاظ لا تجري على القرآن؛ لأنه يسميه مولودا، وطفلا، وصبيا، وغلاما، يأكل ويشرب، وهو مخاطب بالأمر والنهي، يجري عليه اسم الخطاب والوعد والوعيد، ثم هو من ذرية نوح، ومن ذرية إبراهيم، ولا يحل لنا أن نقول في القرآن ما نقول في عيسى.
هل سمعتم الله يقول في القرآن ما قال في عيسى؟ ولكن المعنى في قوله جل ثناؤه: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ فالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له "كن" فكان، فكان عيسى بـ "كن"، وليس عيسى هو "كن"، ولكن بـ "كن" كان، فـ "الكن" من الله قول، وليس الـ "كن" مخلوقا ... .
---
إذن الجواب: يقول الإمام -رحمه الله-: إن عيسى تجري عليه ألفاظ لا تجري على القرآن، فالله تعالى سمى عيسى مولودا، قال: وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا فسماه مولودا، وسماه طفلا، وصبيا، وغلاما، يأكل ويشرب، مخاطب بالأمر والنهي، يجري عليه اسم الخطاب والوعد والوعيد.
ثم هو من ذرية نوح، ومن ذرية إبراهيم: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ثم من ذرية نوح، ومن ذرية إبراهيم، ولا يحل لنا أن نقول في القرآن ما نقول، نقول عيسى تجري عليه هذه الألفاظ، ولا تجري على القرآن.(1/240)
هل تجري على القرآن إذ قال: القرآن مولود، وطفل وصبي وغلام، ويأكل ويشرب، ومخاطب بالأمر والنهي، من ذرية كذا وكذا؟ لا، هذه ألفاظ تجري على عيسى، ولا تجري على القرآن، فعيسى مولود وطفل وصبي، وغلام يأكل ويشرب، مخاطب بالأمر والنهي، يجري عليه اسم الخطاب والوعد والوعيد، ثم هو من ذرية نوح، ومن ذرية إبراهيم، ولا يحل لنا أن نقول في القرآن ما نقول في عيسى، هل سمعتم الله يقول في القرآن ما قال في عيسى؟
ولكن المعنى، معنى الآية التي استدللت بها أيها الجهمي، وهي قوله تعالى: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ فالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له: "كن"، إنما المسيح عيسى ابن مريم وكلمته، يعني أن الله خلق عيسى بالكلمة، "كن" ليس عيسى، هو الكلمة، عيسى مخلوق بالكلمة، قال الله له: "كن" فكان.
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ عيسى مخلوق بالكلمة، قال الله له: "كن" فوجد عيسى، ليس عيسى الكلمة، بل هو مخلوق بكلمة "كن"، فالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له: "كن" فكان عيسى بـ "كن"، وليس عيسى هو "كن" الكلمة، ولكن بـ "كن" كان خلق من الله، قول وليس الـ "كن" مخلوقا، أعد السطر هذا.
فالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له: "كن" فكان عيسى ... .
الكلمة التي ألقاها إلى مريم ما هي؟ "كن" لما ألقى الله كلمة "كن" وجد عيسى، فكان عيسى، اقرأ فكان عيسى
فكان عيسى بـ "كن" ... .
فكان عيسى بـ "كن"، يعني فوجد عيسى، بكلمة "كن" كان عيسى، يعني وجد عيسى بكلمة "كن". نعم.
وليس عيسى هو "كن" ... .
وليس عيسى هو "كن"، ليس عيسى هو الكلمة كما تقوله النصارى. نعم.
ولكن بـ "كن" كان ... .
ولكن بـ "كن"، بكلمة "كن" كان، يعني وجد عيسى، ولكن بـ "كن"؛ بكلمة "كن" كان أي وجد عيسى. نعم.
فالـ "كن" من الله.(1/241)
فالـ "كن" من الله قول، وليس الـ "كن" مخلوقة، "كن" من الله قول، وليست مخلوقة.
بعد ذلك ذكر المؤلف الإمام -رحمه الله- ثلاثة أقوال في عيسى: قول النصارى، وقول الجهمية، وقول المسلمين، ثلاثة طوائف.
الجهمية قالوا: عيسى هو روح الله وكلمته إلا أن الكلمة مخلوقة، كلمة "كن" مخلوقة.
والنصارى قالوا: عيسى جزء من الله، هو نفس الكلمة، ليس مخلوقا، ولكنه جزء من الله -نعوذ بالله-.
والمسلمون قالوا: عيسى خُلق بالكلمة.
ثلاث طوائف، لا بد تفرق بين المذاهب عندنا ثلاثة مذاهب: مذهب الجهمية، مذهب النصارى، ومذهب المسلمين. وذلك أن الجهمية اقرأ.
كذب النصارى والجهمية على الله في أمر عيسى
وكذب النصارى والجهمية على الله في أمر عيسى؛ وذلك أن الجهمية قالوا: عيسى روح الله وكلمته إلا أن الكلمة مخلوقة .
---
هذا مذهب الجهمية، قالوا: عيسى روح الله وكلمته إلا أن الكلمة مخلوقة، قالوا عيسى روح الله وكلمة الله، وكلمة الله مخلوقة، كلام الله مخلوق، فعيسى كلام الله، وكلام الله مخلوق، هذا مذهب من؟ الجهمية، عيسى روح الله وكلمته، إلا أن الكلمة مخلوقة. طيب.
وقالت النصارى: عيسى روح الله من ذات الله، وكلمة الله من ذات الله، كما يقال: إن هذه الخرقة من هذا الثوب.
---
النصارى قالت: عيسى روح الله، وكلمة الله، قالوا: كلام الله صحيح، صفة من صفاته، لكن عيسى نفس الكلمة جزء من الله -نعوذ بالله-، قالوا: عيسى جزء من الله؛ لأن عيسى مكون من جزأين: جزء إلهي، وجزء بشري، جزء إلهي هذا الكلمة، وجزء بشري هذا اللحم والدم، فامتزج وصار شيئا واحدا يقال له المسيح -قبحهم الله-.
فإذن النصارى قالوا أيش ؟ عيسى روح الله وكلمة الله، إلا أن عيسى هو نفس الكلمة، فهو جزء من الله.
الجهمية قالوا: عيسى روح الله وكلمة الله، إلا أن الكلمة مخلوقة. النصارى قالوا: لا الكلمة ليست مخلوقة، لكن عيسى جزء من الله، نفس الكلمة.
عيسى بالكلمة كان(1/242)
وقلنا نحن: إن عيسى بالكلمة كان، وليس عيسى هو الكلمة.
---
عيسى بالكلمة كان، يعني وجد وخلق، عيسى بالكلمة وجد، وليس عيسى هو الكلمة، هذا مذهب المسلمين.
فإذن هذا تجدون الاختصار الآن، كل مذهب سطر، لكن يعطي معنى؛ مذهب الجهمية قالوا: عيسى روح الله وكلمته إلا أن الكلمة مخلوقة. النصارى قالوا: عيسى روح الله وكلمة الله، إلا أن عيسى جزء من الله. والمسلمون قالوا: عيسى مخلوق بالكلمة، وليس هو الكلمة. عيسى مخلوق بالكلمة، كلمة "كن"، وليس هو الكلمة، كلام الله صفة من صفاته، خلق الله عيسى بكلمة "كن" فكان، واضح هذا. نعم.
الجهمية يقولون: عيسى روح الله وكلمته، إلا أن كلام الله مخلوق، عيسى كلمة الله وكلام الله مخلوق، هكذا يقولون. النصارى يقولون: عيسى كلمة الله وكلامه ليس بمخلوق، لكن عيسى جزء من الله نعوذ بالله. نعم.
معنى "عيسى روح الله"
وأما قول الله تعالى: وَرُوحٌ مِنْهُ يقول: من أمره كان الروح فيه.
---
ما معنى عيسى روح الله؟ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ إنما المسيح عيسى ابن مريم ... وروح منه الآية وَرُوحٌ مِنْهُ آية أيش؟ الآية التي سبقت. لا. وَرُوحٌ مِنْهُ وأما قوله: وَرُوحٌ مِنْهُ يعني يقول: من أمر الله كان الروح فيه، وروح منه يعني من أمر الله كان الروح في عيسى، وروح منه يعني من أمر الله كان الروح فيه، في قوله: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ يعني من أمره.
تفسير روح الله معناه: روح من الأرواح التي خلقها الله، عيسى روح من الأرواح التي خلقها الله بكلمة "كن"، وروح منه يعني: من أمر الله، وعيسى روح، سمي روح الله يعني: روح من الأرواح التي خلقها الله، وأضيف إلى الله للتشريف، كما يقال: عبد الله، وناقة الله، ورسول الله.(1/243)
وعيسى روح الله، روح من الأرواح التي خلقها الله، وأضيف إلى الله للتشريف، فهو مخلوق بكلمة "كن"، فهو من الأرواح التي خلقها الله بكلمة "كن"، وقوله: مِنْهُ يعني: من أمره، من أمر الله خلقت هذه الروح.
وأما قوله الله تعالى: وَرُوحٌ مِنْهُ يقول: من أمره كان الروح فيه، كقوله: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ .
---
في آية النساء كقولهم: إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا .
وَرُوحٌ مِنْهُ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ روح منه، من أمره كان الروح فيه، فعيسى روح من الأرواح التي خلقها الله بأمره بكلمة "كن".
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00150.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00148.htm
الإضافة إلى الله تشريف
يقول: من آمره، وتفسير روح الله إنما معناه: أنها روح بكلمة الله، خلقها الله، كما يقال: عبد الله، وسماء الله، وأرض الله.
---
نعم عبد الله إضافة للتشريف، سماء الله إضافة مخلوق إلى خالقه، أرض الله إضافة مخلوق إلى خالقه، عيسى روح الله إضافة مخلوق إلى خالقه، واضح هذا؟ نعم.
شبهة خلق السموات والأرض وما بينهما في خلق القرآن
باب، ثم إن الجهمي ادعى أمرا آخر فقال ... .
هذه الشبهة السادسة للجهمي، وهي عقلية للجهمي، الشبهة السادسة على أن القرآن مخلوق، على أن كلام الله مخلوق. نعم.(1/244)
فقال: إن الله يقول: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ فزعم أن القرآن لا يخلو أن يكون في السماء أو في الأرض أو فيما بينهما، فشبه على الناس، ولبّس عليهم.
---
إذن الشبهة، شبهة الجهمي يقول: إن الله تعالى يقول: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ فيقول الله تعالى أن أيش؟ أن السماوات مخلوقة، والأرض مخلوقة، وما بينهما مخلوق، فالقرآن هذا هل هو في السماء، أو في الأرض، أو فيما بينهما؟
إن كان في السماء فهو مخلوق، وإن كان في الأرض فهو مخلوق، وإن كان بينهما فهو مخلوق؛ لأن الله خلق السماوات، وخلق الأرض، وخلق ما بينهما، فالقرآن أين يكون؟
إن كان في السماء فالله تعالى أخبر أنه خلق السماء، وإن كان في الأرض فالله تعالى أخبر أنه خلق الأرض، إن كان بينهما فالله أخبر أنه خلق ما بينهما، فالقرآن لا يخلو إما أن يكون في السماء أو في الأرض أو فيما بينهما، والأرض والسماوات وما بينهما مخلوقات، فالقرآن مخلوق ولا بد. واضحة الشبهة ؟ نعم.
رد شبهة خلق السموات والأرض وما بينهما
فقلنا له: أليس إنما أوقع الله جل ثناؤه الخلق على المخلوق ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما؟ فقالوا: نعم. فقلنا: هل فوق السماوات شيء مخلوق؟ قالوا؟ نعم. فقلنا: فإنه لم يجعل ما فوق السماوات مع الأشياء المخلوقة، وقد عرف أهل العلم أن فوق السماوات السبع الكرسي والعرش واللوح المحفوظ والحجب وأشياء كثيرة، ولم يسمها، ولم يجعلها مع الأشياء المخلوقة، وإنما وقع الخبر من الله على السماوات والأرض وما بينهما.(1/245)
وقلنا فيما ادعوا أن القرآن لا يخلو أن يكون في السماوات أو في الأرض أو فيما بينهما، فقلنا: إن الله تبارك وتعالى يقول: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ والحق الذي خلق به السماوات والأرض هو قوله: إن الله يقول الحق قال: وَالْحَقَّ أَقُولُ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ .
فالحق الذي خلق به السماوات والأرض قد كان قبل السماوات والأرض، والحق قوله وليس هو قوله مخلوقا .
---
إذن الجواب كان من وجهين: الوجه الأول قلنا: هل فوق السماوات شيء مخلوق؟ قالوا: نعم. فقلنا: فإنه لم يجعل ما فوق السماوات مع الأشياء المخلوقة، وقد عرف أهل العلم أن فوق السماوات السبع: الكرسي والعرش واللوح المحفوظ والحجب وأشياء كثيرة ولم يسمها، ولم يجعلها مع الأشياء المخلوقة.
وإنما وقع الخبر من الله على السماوات والأرض وما بينهما، يعني يقول الإمام -رحمه الله-: هناك شيء فوق السماوات مخلوق، ولم يذكرها الله، ما هي الذي فوق السماوات؟ الكرسي فوق السماوات مخلوق، والعرش مخلوق، واللوح المحفوظ مخلوق، والحجب الذي احتجب الله بها عن خلقه، حجب كثيرة جاء فيها آثار كثيرة أن الله احتجب عن خلقه بأشياء: بظلمة، وبرد، وثلج، ونار، ونور، وأشياء كثيرة مخلوقة احتجب الله عن خلقه، فالحجب مخلوقه، واللوح المحفوظ مخلوق، والعرش مخلوق، والكرسي مخلوق، والسماوات مخلوقة.
فالله تعالى في هذه الآية الكريمة: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ إنما أراد أن يبين خلق السماوات والأرض وما بينهما فقط، ولم يذكر خلق ما سواهما.(1/246)
فليس المراد الحصر، ليس المراد من الآية حصر المخلوقات، بل هناك مخلوقات غير السماوات وغير الأرض وغير ما بينهما، واضح هذا؟ فليس المراد الاستيعاب؛ ولهذا فإن هناك أشياء لم يسمها، ولم يجعلها مع الأشياء المخلوقة، وإنما وقع الخبر من الله على السماوات والأرض وما بينهما، أخبر الله عن السماوات والأرض وما بينهما أنها مخلوقة.
وهناك أشياء سكت الله عنها وإن كانت مخلوقة؛ فالكرسي والسماوات والحجب واللوح والقلم إلى غيرها هذه مسكوت عنها وإن كانت مخلوقة، فالقرآن أيضا مسكوت عنه، وهو من الأشياء، وهو غير مخلوق، كما أن الكرسي والعرش واللوح والحجب سكت الله عنها وهي مخلوقة، فكذلك القرآن سكت الله عنه وهو غير مخلوق، وإنما أراد الله أن يخبر عن السماوات والأرض وما بينهما فقط، هذا الجواب الأول.
الجواب الثاني: في قوله: وقلنا فيما ادعوا أن القرآن لا يخلو أن يكون في السماوات أو في الأرض أو فيما بينهما، فقلنا: إن الله تبارك وتعالى قال: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ والحق هو قول الله، وقول الله غير مخلوق، الله تعالى أخبر عن خلق السماوات والأرض فقال: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا إلا بأي شيء؟ إِلَّا بِالْحَقِّ .
والحق هو قول الله، وقول الله غير مخلوق، فالسماوات والأرض وما بينهما مخلوقة بالقول، بكلام الله، وكلام الله غير مخلوق، واضح هذا؟(1/247)
وقلنا فيما ادعوا أن القرآن لا يخلوا أن يكون في السماوات أو في الأرض أو فيما بينهما، فقلنا: إن الله تبارك وتعالى يقول: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ والحق الذي خلق به السماوات والأرض هو قوله، هو قول الله، ما هو الحق الذي خلق به السماوات والأرض؟ هو قول الله: وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وقال: وَالْحَقَّ أَقُولُ وقال: وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ فالحق الذي خلق به السماوات والأرض قد كان قبل السماوات والأرض.
ما هو الحق الذي خلق به السماوات والأرض؟ قول الله وكلامه، والحق قوله، وليس قوله مخلوقا. عندكم الآن "إن الله يقول الحق" ولَّا وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ أعد الجواب.
فقلنا: أليس إنما أوقع الله جل ثناؤه الخلق على المخلوق، ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما؟ فقالوا: نعم. فقلنا: هل فوق السماوات شيء مخلوق؟ قالوا: نعم. فقلنا: فإنه لم يجعل ما فوق السماوات مع الأشياء المخلوقة. وقد عرف أهل العلم أن فوق السماوات السبع الكرسي والعرش واللوح المحفوظ والحجب وأشياء كثيرة ... .
حُجُبٌ حُجِبَ بها عن خلقه.. نعم.. مخلوقة.
ولم يسمها، ولم يجعلها مع الأشياء المخلوقة، .
هذا الجواب الأول. وإنما وقع.. الخبر يقول: إن الله تعالى سكت عن أشياء مخلوقة، وهي السماوات وما فوقها، وإنما أراد أن يخبر عن أيش؟ عن السماوات والأرض وما بينهما فقط. نعم. نور.. احتجب الله به النور المخلوق غير النور الذي هو ... نعم.
وإنما وقع الخبر من الله عن السماوات والأرض وما بينهما، وقلنا فيما ادعوا أن القرآن لا يخلو أن يكون في السماوات أو في الأرض أو فيما بينهما. فقلنا: إن الله تبارك وتعالى يقول: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ والحق الذي خلق به السماوات والأرض.(1/248)
وقوله: إن الله يقول الحق. قال: وَالْحَقَّ أَقُولُ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ فالحق الذي خلق به السماوات والأرض.
عندك: إن الله يقول الحق عندك ؟ نعم
والنسخ الثانية، مش عندك النسخة الثانية، "والحق الذي خلق به السماوات والأرض هو قوله" مش عندك؛ لأن الله يقول الحق أحسن أو وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ هذا لفظ الآية وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ إما لأن الله يقول الحق أو وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ نعم.
لأن الله يقول الحق، قال: وَالْحَقَّ أَقُولُ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ فالحق الذي خلق به السماوات والأرض قد كان قبل السماوات والأرض، والحق قوله، وليس قوله مخلوقا.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00153.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00151.htm
باب إنكار الجهمية رؤية الله
باب بيان ما جحدت الجهمية من قول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ .
---
انتقل المؤلف -رحمه الله- للرد على الجهمية في إنكار رؤية الله تعالى يوم القيامة، وسيرجع مرة أخرى إلى الكلام أيضا بعد هذا الباب يرجع المؤلف مرة أخرى إلى الكلام والرد على الجهمية. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00154.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00152.htm(1/249)
قال أحمد -رحمه الله تعالى-: فقلنا لهم لِمَ أنكرتم أن أهل الجنة ينظرون إلى ربهم؟ فقالوا: لا ينبغي لأحد أن ينظر إلى ربه؛ لأن المنظور إليه معدود موصوف، إنما ترى الأشياء بفعله، فقلنا: أليس الله يقول: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ؟ فقالوا: معناها إلى ربها ناظرة تنتظر الثواب من ربها، وإنما ينظرون إلى فعله وقدرته، وتلوا آية من القرآن: أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ فقالوا: إنه حين قال: أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ أنهم لم يرووا ربهم، ولكن المعنى ألم تر إلى فعل ربك، فقلنا: إن فعل الله لم يزل العباد يرونه، وإنما قال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ فقالوا: إنما ينتظرون الثواب من ربهم. قلنا: إنها مع ما تنتظر الثواب هي ترى ربها. فقالوا: إن الله لا يُرى في الدنيا ولا في الآخرة، وتلوا آية من المتشابه من قوله جل ثناؤه: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ .
---
إذن هذا الباب معقود للرد على الجهمية في إنكارهم لرؤية الله، قال أحمد -رحمه الله-: قلنا لهم: لِمَ أنكرتم أن أهل الجنة ينظرون إلى ربهم؟ فقالوا: لا ينبغي لأحد أن ينظر إلى ربه؛ لأن المنظور إليه معلوم موصوف، كل شيء يُنظر إليه يكون معلوما موصوفا، أنت تنظر إلى القمر تعلمه وتصفه، وقالوا: إن الله لا يوصف بصفة.
الجهمية يقولون: لا، لا يعلمه أحد، إن الله لا يعلمه أحد، ولا يصفه أحد بصفاته، فلا يمكن أن يُرى، لا يرى إلا المعلوم والموصوف، والله ليس بمعلوم ولا موصوف -تعالى الله عما يقولون-.(1/250)
قالوا: الذي يرى الأشياء التي يفعلها إنما ترى الأشياء بفعله، فعل الله، أفعال هي التي ترى، أما الله فلا يرى، خلق السماء والأرض، خلقها بفعله، إذن هذه نراها، أما الله فلا نراه لا في الدنيا ولا في الآخرة، هكذا يقولون، قالوا: لا ينبغي لأحد أن ينظر إلى ربه؛ لأن المنظور إليه معلوم موصوف، إنما تُرى الأشياء بفعله فقلنا أليس الله قال الإمام -رحمه الله- فقلنا: أليس الله يقول: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ .
قالوا -أوّلها الجهمية- قالوا: إن معناها إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ تنتظر الثواب من ربها، ما تنظر إلى ربها، إنما تنتظر الثواب، تنتظر الثواب، وينظرون إلى فعل الله وقدرته، لا ينظرون إلى الله، بل ينظرون إلى فعله وقدرته، وينتظرون الثواب، وتلوا آية من القرآن قالوا: أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ .
فقالوا: إن الله حين قال الله: أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ أنهم لم يروا ربهم، ولكن المعنى ألم تروا إلى فعل ربك أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ الآية أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ هل ترى الله ولَّا ترى فعل الله؟ ترى فعل الله وهو الظل، فكذلك وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ تنظر فعل الله، هكذا يقولون.
إذن من شبههم أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ قالوا: إنه حين قال: أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ لم يروا ربهم، ولكن المعنى: ألم تر إلى فعل ربك؟
قال الإمام أحمد: فقلنا إن فعل الله لم يزل العباد يرونه، العباد يرون أفعال الله، وهذا إخبار عن الله بأنهم يرونه في الجنة وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ أما أفعال الله فتراها في الدنيا وفي الآخرة.(1/251)
أفعال الله لم يزل العباد يرونها، وإذا ما قال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ قالت الجهمية فقالوا: إنما ينتظرون الثواب من ربهم، فقال الإمام: قلنا لهم: إنها مع ما تنظر الثواب ترى ربها، أي تنظر الثواب وترى ربها.
فقالوا: إن الله لا يُرى لا في الدنيا ولا في الآخرة -الجهمية- وتلوا آية من المتشابه من قوله جل ثناؤه: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ سبق الجواب عليهم مرة في معنى الآية لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وأجبنا بجوابين: الجواب الأول: لا تراه في الدنيا، والجواب الثاني: لا تدركه أي لا تحيط به رؤيا، ما نعيد الكلام. نعم.
أدلة أهل السنة على رؤية الله
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرف معنى قول الله: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وقال: إنكم سترون ربكم وقال الله لموسى: لَنْ تَرَانِي ولم يقل: لن أُرى. فأيهما أولى ؟ أن يُتبع النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: إنكم سترون ربكم أم قول الجهمي حين قال: لا ترون ربكم.
---
يقول: إن الله جل ثناؤه لما قال: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ يقول الإمام: قد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرف معنى هذه الآية، يعرف معنى قول الله: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وقد أخبر الأمة وقال: إنكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته .
الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما يعرف معنى هذه الآية لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ؟!! وهو القائل لأصحابه: إنكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته .
وقال الله تعالى لموسى لما قال: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي هذا في الدنيا، ولم يقل إني لا أُرى في الآخرة، في الدنيا ما يستطيع أحد أن يرى الله، ما يستطيع أحد أن يثبت لرؤية الله؛ ولهذا الجبل ما ثبت اندك لماذا؟ لأن البشر ببشريتهم الضعيفة لا يستطيعون أن يثبتوا لرؤية الله.(1/252)
لكن في يوم القيامة يُنشَّأ الناس تنشئة قوية، يتحملون ويثبتون فيها لرؤية الله -عز وجل-، صفات تبدل صفات قوية واضح هذا؟ حتى إن الكافر يبدل جلده، يجدد كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا حتى إن الكافر ضرسه في النار مثل أُحد، إذن تنشئة تختلف، والمؤمنون ينشئون تنشئة قوية، طول آدم ستون ذراعا في الجنة، طول الناس، والعرض سبعة أذرع، جاء في حديث فيه ضعف.
إذن التنشئة تختلف، واضح هذا؟ فقول الله لموسى: لَنْ تَرَانِي يعني في الدنيا، ولم يقل إني لا أُرى في الآخرة، يقول الأئمة: فأيهما أولى أن يُتبع النبي -صلى الله عليه وسلم- أم يتبع الجهمي؟ أيهما أولى أن يتبع؟ النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: سترون ربكم أم الجهمي الذي يقول: إن الله لا يُرى؟ نعم.
هنا حديث في أيدي أهل العلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أهل الجنة يرون ربهم لا يختلف فيها أهل العلم، ومن حديث سفيان عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد في قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ قال: النظر إلى وجه الله .
---
يعني الأحاديث فيها واضحة مع الآية الكريمة لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ النظر إلى وجه الله. نعم.
ومن حديث ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا استقر أهل الجنة في الجنة نادى مناد: يا أهل الجنة إن الله قد وعدكم الزيادة، قال: فيكشف الحجاب فيتجلى لهم ... وذكر الحديث.
---
وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه الذي فسر الزيادة لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ النظر إلى وجه الله الكريم، الحسنى الجنة لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ فسرها النبي -صلى الله عليه وسلم- الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله. نعم.
حجب الكفار عن رؤية الله(1/253)
قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: فينظرون إلى الله لا إله إلا هو، وإنا لنرجو أن يكون جهم وشيعته ممن لا ينظرون إلى ربهم، ويحجبون عن الله؛ لأن الله قال كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ .
---
-نسأل الله العافية- يقول: نرجو أن يكون الجهم وشيعته ممن يحجب عن الله، فلا يرى الله؛ لأنه أنكر رؤية الله؛ فيعاقب بأن يحجب عن رؤية الله. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00159.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00157.htm
حجب الكفار دليل الرؤية
فإذا كان الكافر يحجب عن الله والمؤمن يحجب عن الله، فما فضل المؤمن على الكافر؟.
---
يعني لو كان المؤمنون لا يرون الله، والله تعالى قال عن الكفار: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ماذا يكون الفرق بين الكافر والمؤمن؟ هل فيه فرق؟ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يعني الكفار يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ لو كان المؤمن يحجب عن الله لتساوى مع الكافر، فلما قال الله عن الكافر: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ دل على أن المؤمنين يرونه. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00160.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00158.htm
الحمد الله الذي لم يجعلنا مثل جهم وشيعته، وجعلنا ممن اتبع، ولم يجعلنا ممن ابتدع، والحمد الله وحده.
---
الحمد لله، بركة، نقف على هذا، باب بيان هذا يوم الأحد إن شاء الله.
يوم الأحد القادم نبدأ باب بيان ما أنكر الجهم -إن شاء الله- الرسالة سنكملها -إن شاء الله- الأسبوع القادم، الرسالة رسالة عظيمة، وفيها بعض صعوبة، ولم يسبق أن شُرحت، لكن -إن شاء الله- نرجو أن يكون هذا الشرح فيه خير -إن شاء الله-.
وفق الله الجميع لطاعته.
نترك بقية الوقت للأسئلة:
الأخ كان يسأل:
س: ... + .(1/254)
ج: يرد على هذا النصوص يضم بعضها إلى بعض، النصوص، وتفسير الآية، فسرها النبي -صلى الله عليه وسلم-، الآية تفسر بالنظر إلى وجه الله لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ النصوص يضم بعضها إلى بعض، نعم، هذا إجابة لما سبق ... محدث إليهم يعني بالنسبة للرسول، لما علمه الله إياه صار محدثا بالنسبة إليه ... نعم ... هذا هو الجواب، الرسول لما علمه الله صار محدثا بالنسبة إليه لما تكلم. نعم.
س: فضيلة الشيخ: هل آيات الصفات من المتشابه أم من المحكم؟ وإذا لم تكن من المتشابه فما معنى قول إمام أهل السنة عن الجهم: إنه وجد ثلاث آيات في القرآن من المتشابه، وذكر: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .
ج: آيات الصفات ليست متشابهة، محكمة، معناها محكم، لكن الكيفية، الكيفية لا يعلمها إلا الله، أما معناها معلوم، كما قال الإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب" الاستواء هو الاستقرار والصعود والعلو، السمع نعرف أن السمع ضد الصمم، والبصر ضد العمى.
نعرف المعنى، المعاني الصفات معروفة، العلم ضد الجهل وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ الصفات، آية الصفات معلومة، وكذلك حجم الصفات، لكن المجهول الكيفية، لا نعلم كيفية الصفات، هذا الذي لا يعلمه إلا الله، كيفية الاستواء، كيفية العلم، كيفية السمع، أما المعاني معروفة كما قال الإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول".
وهو وجد ثلاث آيات متشابهات، يعني بالنسبة إليه، الجهم يقول: متشابهات، التشابه نسبي، قد يكون متشابه عند بعض الناس وليس متشابها عند البعض الآخر. نعم.
س: الواو التي قبل قوله تعالى: َأَبْكَارًا ذكر أن هذه الواو تسمى واو الثمانية عند النحاة، فهل هذا يصح؟ وهل يكون معارضا لقول الإمام أحمد -رحمه الله-؟ .(1/255)
ج: ما هي واو الثمانية؟ معروف أنهم يسمونها واو الفصل، ويقولون: إن واو الفصل في بعض المواضع أحسن الواوات، أيش المراد بالثمانية هذه؟ كالعدد مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا يعني سبقها سبعة أوصاف أو كذا؟ المقصود أن الواو فاصلة؛ لأن الثيب غير البكر، والبكر غير الثيب.
س: فضيلة الشيخ -أثابكم الله-: استغلق فهمي عن فهم مسألة التسلسل؛ التسلسل في الفاعلين، والتسلسل في المفعولات، وما هي الوسيلة لفهم ما أشكل في مسائل العقيدة المشكلة؟ .
ج: هذه المسائل مسائل عويصة، ينبغي لك أن تقرأ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء .
تقرأ هذه الآيات، واستعن بالله، واترك البحث في هذه المسائل، قد تتعب ذهنك الآن، وقد يجعلك في حيرة، وإذا كنت طالب علم فاقرأ في مسألة التسلسل في شيخ الإسلام ابن تيمية، في عدد من كتبه، منهاج السنة وغيرها، وكذلك كلام ابن القيم في النونية وفي غيرها.
س: قلتم: إنه لا يجوز القول بأن الله شيء لا كالأشياء، فبم نفسر قوله: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ وقوله تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ ؟ .
ج: ما فيه إشكال كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ الذي يقول: إن الله شيء كالأشياء ينفي أن يكون الله شيء، هذا فيه إثبات، إثبات أن الله شيء قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ هذا أثبته الإمام البخاري على أن الله شيء، يسمى شيء.(1/256)
الجهمي يقول شيء لا يشبه الأشياء، والشيء الذي لا يشبه الأشياء لا وجود له، لا بد من إثبات نوع من الشبه؛ لأن المشابه في الذهن عند القطع عن الإضافة، فالذي يقول: إن لا الله يشبه المخلوقات بوجه من الوجوه، أو لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه، معناه أنكر وجود الله، لا بد أن يشبه بوجه من الوجوه، وهذه الآية ما تنافي هذا. نعم.
س: فضيلة الشيخ: ما الدليل على أن كلمة "محدث" في الآية أنها صفة ذم، وهل ينصرف الذم إلى ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ؟ .
ج: لا، بس الخلق -كما قال الأمام أحمد-، لو كلمة محدث الآن، الحدث بالنسبة لو وصف كلام الله بأنه محدث، بمعنى مخلوق، هذا ذم لا شك، لكن بالنسبة للرسول -عليه الصلاة والسلام-، فهو مخلوق، وكلامه مخلوق، فلا إشكال، ينصرف هذا ينصرف إلى ما يليق به الخلق، يليق بالرسول، ولا يليق بكلام الله، هذا المقصود. نعم.
س: هل يصح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في حجة الوداع: إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض؟ .
ج: نعم هذا ثابت في حديث أبي بكرة.
س: يقول السائل: وما معنى "استدار كهيئته"؟ .
ج: قال العلماء: إن المشركين كانوا يؤخرون محرم إلى صفر حتى يستبيحون القتال فيه، ويؤخرون صفر إلى ربيع، وهكذا تتداخل الأشهر عليهم، فاستدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وعاد كل شهر مكانه، ذو الحجة الذي حج فيها الرسول، ذو الحجة في ذو الحجة، والمحرم في المحرم.
استدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، كل شهر كان في مكانه بعد الدوران الذي حصل من لخبطة المشركين، لخبطوا الأشهر. نعم.
س: فضيلة الشيخ -وفقكم الله-: لم يتبين لنا تفسير قوله تعالى: وَرُوحٌ مِنْهُ . .
ج: يعني روح من الأرواح التي خلقها الله، منه يعني: من أمره، روح من الأرواح التي خلقها الله من أمره بكلمة "كن".
س: ما حكم إضافة جميع المخلوقات إلى خالقها؟ .(1/257)
ج: يقال: أرض الله، وسماء الله، وبيت الله، وأحيانا يكون فيه تشريف، يضاف إضافة تشريف زيادة عن الخلق، مثل: عبد الله، وروح الله، وكلمة الله، وبيت الله، إضافة تشريف، وأحيانا يكون إضافة مخلوق إلى خالقه بدون تشريف، مثل: أرض الله، وسماء الله.
س: يقول السائل: هناك أشياء لا يجوز إضافتها للخالق قولا كقوله: كلب الله ونحوها؟
أيش؟ وهناك أشياء لا يجوز إضافتها للخالق قولا كقوله: كلب الله ونحوها؟ .
ج: الذم لا يضاف إلى الله، والشر كذلك لا يضاف إلى الله، ولهذا قال الله عن الجن: أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ ما يقال الشر، لا يضاف إلى الله، وإن كان الله خلق الخير والشر. نعم.
س: ما رأى فضيلتكم في كتاب الحيدة، حيث فيه نقاش لآراء المعتزلة، وردود شرعية وعقلية، وهل نسبته صحيحة أم لا؟ .
ج: طيب، كتاب الحيدة لعبد العزيز الكناني، الرد على أبي بشر المريسي، طيب في المناظرة، جيدة، فالظاهر مشهور، أنا ما أعرف، لكن التشكيك هذا إن كثيرا من الناس يشككون، كثير من المعتزلة يشككون في كثير من الرسائل؛ حتى لا يثبت الرد عليهم، ومشهور، ذكر العلماء -ابن تيمية وغيره- يثبتونه لعبد العزيز الكناني، لكن كثير من المعتزلة والجهمية يشككون، كل الكتب يشككون فيها، يقولون: ليست له؛ حتى لا يثبت الرد عليهم. نعم.
س: فضيلة الشيخ: سمعنا أن لكم تحقيقا لكتاب الرد على الزنادقة، فهل هو موجود في الأسواق أم أن خروجه قريب؟ .
ج: لا أبدا، هذا هو الرد على الزنادقة، هذا هو الكتاب، وهذا هو الشرح الآن، هذه أول مرة نتكلم فيه، يعني ما رأيت شرحا لكتابنا، هذه رسالة عظيمة، لم أر يعني أن أحدا شرح هذه الرسالة، فنقول: يعني الكلمة التي تكلمنا فيها -إن شاء الله- يعني تبين توضيح بعض المعنى، نعم، لعله -إن شاء الله- فيما بعد يرتب وينظم، ويفرغ من الأشرطة، ويكون شرحا على الرسالة. نعم.(1/258)
س: أحسن الله إليكم، نرجو منكم الإحالة على كتاب يسهل على طالب العلم فهمه، مسألة: أن القرآن ليس بمخلوق، وكذلك إن كان هناك رسائل في الأشاعرة، والجهمية، والقدرية، والطوائف المشهورة، يسهل معرفة أخطائهم، وجزاكم الله خيرا؟..
ج: موجود هذا، تقرأ في شرح الطحاوية فيه مناقشة لهذا؛ مناقشة القرآن مخلوق في بعض الرسائل التي فيها، وكلام ابن القيم -رحمه الله- في مختصر الصواعق، وفي كثير من كتبه، والقصيدة النونية، وفي غيرها من الرسائل.
س: فضيلة الشيخ: إنني أعرف جماعة من هذه الفئة وناقشتهم، وهناك بعض أقوال لم أعلم لها ردا منهم، وهي قولهم: إن الله مادي -أي محسوس- أو غير مادي؟
أيش؟
قالوا: هل الله مادي أو غير مادي؟ .
ج: هذا ما ينبغي أن يقال هذا الكلام، هذا الكلام باطل، من أبطل الباطل، الله تعالى قال: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا لا أحد يعلم كنه الله، وكيفيته، وحقيقته إلا هو -سبحانه وتعالى-، ومعنى هذا كلام باطل لا ينبغي أن يقال، كما قال تعالى: اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ هذا هو وصف الله -عز وجل- كلمة الإخلاص.
والله تعالى معلوم بصفاته وأسمائه -سبحانه وتعالى-، وله ذات لا تشبه الذوات، وله صفات لا تشبه الصفات، وله نفس -كما سمعنا- في الآيات: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ لا تشبهه الأنفس. نعم.
س: وبالنسبة لعلو الله تعالى يتخيلون أن له حيزا أو مكانا، والمكان مخلوق، فكيف نجيب على هؤلاء؟ .
ج: المخلوقات انتهت سقف، وعرش الرحمن هذه آخر المخلوقات، وما فوق العرش ليس هناك مخلوق، والله تعالى فوق العرش بعد أن تنتهي المخلوقات، ما فيه حيز مخلوق، المخلوقات نهايتها وسقف وعرش الرحمن، والله تعالى فوق العرش، بعد أن تنتهي المخلوقات. نعم.(1/259)
س: وقالوا أيضا: خالق كل شيء، أن الله خلق الأشياء، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أي عليم بالأشياء الموجودة، والذي غير موجود لا يسمى شيء، فالله لا يعلم غير الأشياء الموجود. .
ج: الله يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، حتى الأشياء التي لم تكن قال الله تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ أخبر الله بحالهم، قال عن المنافقين: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا قد علم الله بما لم يكن لو كان كيف يكون، الله تعالى عالم بكل شيء، الله على كل شيء قدير. نعم.
س: فضيلة الشيخ ما الفرق بين القضاء والقدر؟ .
ج: يطلق أحدهما على الآخر، وهناك فروق بينهما، هناك فروق ذكرها العلماء، فارجع إلى كتب اللغة، وكتب السنة التي فرقت بينهما، ويطلق أحدهما على الآخر، يطلق أحدهما على الآخر، لكن هناك فرق دقيق بينهما. نعم.
س: فضيلة الشيخ: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وهذه سائلة تقول: عندما نتحدث مع بعض الناس عن فوائد البلاء وضرورة الصبر يردون علينا بهذا القول: ما بال الأطفال يبتلون ويعذبون بهذه الأمراض، وما الحكمة من تعذيب الأطفال بهذه الأمراض؟ .
ج: الله تعالى له الحكمة البالغة، وله الأسرار إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وكذلك خلقه الحيات والعقارب والكلاب والثعابين له الحكمة البالغة في ذلك، الحكم تتعلق بالأحياء، وبالصغار وبالكبار، أنت تبتلى إذا مرض صبي الآن، تكون مصيبة عليك، هل تقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ؟ هل تجزع؟ هل تتسخط؟ هل تشكر الله؟ ترفع درجاتك من الصبي الذي يمرض الآن، هذا يتعلق بك أنت -الكبير-، هل تصبر وتقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ؟ أو تجزع وتتسخط؟ وهل تكون من الصابرين؟ وماذا تعمل؟(1/260)
حِكم وأسرار لله تعالى إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ لا يقع في ملك الله إلا ما هو مبني على الحكمة، كلام الله، خلق الله مبني على الحكمة، وأمره مبني على الحكمة، الله تعالى لا يخلق إلا لحكمة، ولا يأمر إلا لحكمة، ولا ينهى إلا لحكمة -سبحانه وتعالى- إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ نعم.
س: فضيلة الشيخ: ذكر طول يوم القيامة بالكتاب والسنة، وهل طوله طول حقيقي أم نظرا لشدته وكربه؟ .
ج: نعم طوله طول حقيقي، ولكن الله ييسره على المؤمن قال تعالى: فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ وهو ييسر على المؤمن، وهو عسير على الكافر، وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الجميع العلم النافع.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
قد سبق في الجلسة الماضية استعراض شبه الجهمية والرد عليها:
الشبهة الأولى: شبهة الجهمية على أن القرآن مخلوق، وهي استدلالهم بقوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وجه استشكال الجهمية هنا قالوا: جعل بمعنى خلق، وعلى هذا فيكون معنى الآية إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا يعني إنا خلقناه قرآنا عربيا.
طيب الجواب.. نعم. تأتي على معنيين: المعنى الأول مثل جعلوا يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ والمعنى الثاني: ما هو المعنى الثاني؟ يكون على معنى التشبيه، مثل: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ وجعل أيضا من الله لها معنيان، ما هما المعنيان؟ تأتي بمعنى خلق مثل أيش؟(1/261)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ وتأتى على أيش؟ على غير معنى خلق مثل أيش؟ هذه الآية هي التي فيها الشبهة للجهمي، لكن غير الآية مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وعلى هذا والآية التي معنا التي استدل بها الجهمي من أي المعاني؟ من المعنى الثاني جعل على معنى خلق بدليل أنها تعدت إلى مفعولين.
والقاعدة أن جعل إذا تعدت إلى مفعولين لا تكون بمعنى خلق، إنما تكون إذا تعدت إلى مفعول واحد وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وهكذا. أما إذا تعدت إلى مفعولين فلا تكون بمعنى خلق، والآية تعدت إلى مفعولين.
الشبهة الثانية للجهمي شبهة عقلية، يقول: أخبرونا عن القرآن أهو الله أو غير الله؟
فلا بد بزعمه إن قيل هو الله قال له الجهمي: كفرت. لماذا؟ لأنه قال بتعدد الخالق، أو سمى الله مثلا بغير اسمه، وإن قال له غير الله قال: غير الله مخلوق، واضح هذه الشبهة عقلية، يقول: هل القرآن هو الله؟ كلاهما يتعلقان بالقرآن.
الشبهة الأولى شرعية تتعلق بالقرآن، والشبهة الثانية عقلية تتعلق بالقرآن، يقول: أخبرونا عن القرآن، هل هو الله أو غير الله؟ فيقول الجهمي: إن قلت هو الله كفرت؛ لأنك سميت الله بغير اسمه، ولأنك قلت بالتعدد، وإن قلت: غير الله قيل لك: كل شيء غير الله مخلوق. الجواب جواب الشبه جواب الإمام.
إذن نقول: إن الله تعالى.. نسمى القرآن بما سماه به الله، سماه كلامه، ولم يقل الله: إنه أنا ولا غيري، واضح هذا؟ فالله -سبحانه وتعالى- لم يقل في القرآن: إن القرآن أنا، ولم يقل: غيري، وإنما قال: هو كلامي، فمن سماه باسم سماه الله به كان من المهتدين، ومن سماه باسم غيره كان أيش؟ من الضالين.(1/262)
والله تعالى فصل بين الخلق والأمر، فقال: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فدل على أن الكلام والأمر هو الكلام كلام الله إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
الشبهة الثالثة للجهمية: شبهة عقلية أيضا، تتعلق أيضا بالقرآن، إن القرآن مخلوق، يقول: أخبرونا عن القرآن هل هو شيء أو غير شيء؟ فإن قلتم: هو شيء، فنقول: إن الله خالق كل شيء واضح هذا؟
هذه الشبهة الثالثة تتعلق القرآن. نعم. الجواب الذي كان، الذي وجد بقوله سمى الشيء الذي وجد بقوله: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
فالشيء الذي قال له كن هو الشيء المخلوق، والله سبحانه لم يسم كلامه في القرآن شيئا، إنما سمى شيئا الذي كان بقوله واضح هذا؟ واستدل على هذا بأدلة: الريح التي أرسلها الله على عاد تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ المراد تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ تصلح للتدمير، فكذلك إذا قال الله: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فهو خالق كل شيء مخلوق.
الشبهة الرابعة: شبهة شرعية للجهم على أن القرآن مخلوق أيضا ما هي؟ هو أنه استدل بقوله تعالى: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ هذه شرعية مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ قال: الله تعالى أخبر أن القرآن ذكر محدث، والمحدث مخلوق، فدل على أن القرآن مخلوق، واضح هذا ؟
الجواب: جواب الإمام أحمد أن كلمة محدث ينصرف إلى ذكر الرسول، لا ينصرف إلى ذكر الله، طيب يقول لك الجهمى: اجتمعا في شيء واحد مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ نعم إذا اجتمع شيئان في اسم يجمعهما، وأحدهما أعلى من الآخر، إن جرى عليهما اسم مدح ينصرف إلى أعلاهما، وإن جرى عليهما اسم ذم ينصرف إلى أدناهما، وهذا له أمثلة مثل أيش؟(1/263)
مثل عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ عباد الله، كل الناس عبيد لله، معبدون؛ المؤمنون والكفار، لكن من الذي يشرب منها ؟ الكفار يشربون أم المؤمنون؟ الأبرار، بدليل أن الأبرار إذا انفردوا مدحوا إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ والفجار إذا انفردوا ذموا وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ واضح هذا ؟ وكذلك قوله: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ .
الناس تشمل المؤمن والكافر، لكن من المراد؟ ما المراد بقوله: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ؟ المؤمنون؛ لأنهم إذا انفردوا مدحوا لقوله تعالى: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا وكذلك هنا: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ اجتمع ذكر الله وذكر الرسول، فالحديث ينصرف إلى أيش؟
إلى ذكر الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن ذكر الله إذا انفرد لا يجري عليه اسم الحدث؛ لقوله تعالى: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ فإذا انفرد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- جرى عليه اسم الحدث، كما في قوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ .
طيب هذا جواب الإمام أحمد، في جواب الإمام البخاري -رحمه الله- نعم تفضل.. نعم ... أحسنت، هذا جواب الإمام البخاري؛ ولهذا بوّب في كتابه الجامع الصحيح فقال: باب قول الله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ وقول الله تعالى: لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين؛ لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .
إذن جواب الإمام البخاري مبني على أن الله تعالى يتكلم إذا شاء، وأن أفراد كلام الله محدث، وأن القران كلام الله محدث، تكلم الله به وقت نزوله، وحدث الله لا يشبه حدث المخلوقين، وكتاب الله القران أقرب الكتب عهدا بالله، وأحدث الأخبار بالله.(1/264)
ولهذا قال ابن عباس -رضى الله عنه-: يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء؟ وكتابكم الذي أنزله الله على نبيكم أحدث الأخبار محضا لم يشب .
الحافظ ابن كثير يقول: محدث أي جديد إنزاله، جديد إنزاله، فسر أيش محدث؟ بأن هذا يرجع إلى الإنزال، جديد إنزاله، يتمشى هذا مع أي القولين أو الجوابين؟ نعم جديد إنزاله يعني أفراده حادثة، وحدث الله لا يشبه حدث المخلوقين، وإن كان قديم النوع.
الشبهة الخامسة للجهمية: شبهة أيضا شرعية ما هي؟ قول الله تعالى: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ .
وجه شبهة الجهمي في هذه الآية على أن القرآن مخلوق ما هي؟ يعني وجه شبهة الجهمي في قوله تعالى: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ فأخبر أن عيسى كلمة الله ألقاها إلى مريم، وعيسى مخلوق، فعيسى هو كلمة الله، وعيسى مخلوق، فدل على أن كلام الله مخلوق.
الآية دلت على أن عيسى كلمة الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وعيسى مخلوق، فدل على أن كلام الله مخلوق، الرد ... نعم ... نعم، إن عيسى وجد بكلمة الله، ليس هو الكلمة، ولكنه خلق بالكلمة، وعيسى تجري عليه ألفاظ لا تجري على القرآن، يسميه الله مولودا وطفلا وصبيا وكهلا وشيخا، وهو يجري عليه اسم الخطاب والوعد والوعيد، وهو من ذرية نوح، ومن ذرية إبراهيم، والقرآن لا تجري عليه هذه الألفاظ.
في عيسى ثلاثة مذاهب ما الفرق بينها؟ مذهب للنصارى، ومذهب للجهمية، ومذهب للمسلمين، ذكر ثلاثة مذاهب، ما الفرق بين هذه المذاهب؟ المذهب الأول.. نعم، وكلمته، نعم، عيسى كلمة الله، وعيسى مخلوق، فكلام الله مخلوق، قالوا: عيسى كلمة الله، وكلام الله مخلوق، هذا مذهب أيش؟ الجهمية، عيسى كلمة الله، وعيسى مخلوق، فكلام الله مخلوق.(1/265)
مذهب النصارى: عيسى روح الله، يعني روح من الله، يعني جزء من الله، فهو روح من الله، كما يقال: هذه الخرقة من هذا الثوب، يعني جزء من الله -تعالى الله عما يقولون-، ليس كلمة الله أنه مخلوق لا، لا يقولون كلمة الله أنه مخلوق، كلمة الله جزء من الله، فيقولون: جزء من الله.
ولا يقولون كما تقول أيش؟ الجهمية أنه مخلوق، بل يقولون: عيسى مكون من شيئين، روح الله يعني جزء من الله، والثاني اللحم والدم، فامتزجا وصارا شيئا واحدا، قالوا له: عيسى امتزج اللاهوت بالناسوت، فيه جزء من الله، وجزء من الناس -تعالى الله عما يقولون- امتزج وصار شيئا واحدا يقال له: المسيح.
ولهذا يقول النصارى: امتزج اللاهوت بالناسوت، اللاهوت جزء من الله، الناسوت جزء من الناس، امتزج اللاهوت بالناسوت فصار شيئا واحدا يقال له الله، أو يقال له عيسى -أعوذ بالله-.
طيب مذهب المسلمين ... نعم، أن عيسى مخلوق بالكلمة، وليس هو الكلمة، وكلام الله صفة من صفاته، كلام الله ليس مخلوقا -كما تقول الجهمية-، وليس عيسى جزءا من الله -كما تقول النصارى-، بل عيسى مخلوق بكلمة الله، ليس هو الكلمة.
النصارى يقولون: هو نفس الكلمة، عيسى نفس الكلمة، والكلمة جزء من الله، النصارى يقولون: عيسى نفس الكلمة، وكلام الله غير مخلوق، فيكون جزءا من الله.
الجهمية يقولون: عيسى نفس الكلمة، وكلام الله مخلوق.
المسلمون يقولون: عيسى ليس هو الكلمة، بل هو مخلوق بالكلمة، وكلام الله غير مخلوق، عيسى مخلوق، خلقه الله بكلمة "كن" إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
الشبهة السادسة للجهمية: شبهة أخرى عقلية، يقولون: إن الله يقول: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ والقرآن لا يخلو إما أن يكون في السماء أو يكون في الأرض أو فيما بينهما، فلا بد أن يكون مخلوقا.(1/266)
جواب الشبهة ... نعم، هناك مخلوقات غير السماوات والأرض وما بينهما، وهما فوق السماوات الكرسي والعرش واللوح.
الشبهة السادسة للجهمية: شبهة أخرى عقلية، يقولون: إن الله يقول: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ .
والقرآن لا يخلو إما أن يكون في السماء، أو يكون في الأرض، أو فيما بينهما، فلا بد أن يكون مخلوقًا.
جواب الشبهة؟ تفضل، نعم، يعني: هناك مخلوقات غير السماوات والأرض وما بينهما، وهما فوق السماوات؛ الكرسي والعرش واللوح.
وثانيًا: نقول إن الله -تبارك وتعالى- يقول: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ .
والحق الذي خلقت به السماوات والأرض هو قوله؛ لأن الله يقول الحق، وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ .
فإذن، السماوات والأرض وما بينهما مخلوقات، بإيش؟ خُلقتا بالحق، والحق هو قول الله، والقرآن كلام الله، فلا يكون مخلوقًا؛ لأن السماوات خُلقتا بالحق.
طيب، الباب الذي بعد هذا الرد على الجهمية في إنكارهم رؤية الله يوم القيامة، الإمام أحمد -رحمه الله- ناقش الجهمية حينما أنكروا رؤية الله وقالوا: إن المؤمنين لا يرون الله.
قال لهم الإمام -رحمه الله-: لِمَ أنكرتم أن أهل الجنة ينظرون إلى ربهم؟ فقالوا: لأن المنظور إليه معلوم موصوف.
وهذا لا ينطبق على الله؛ لأنه ليس معلوما ولا موصوفا، فهو معلوم بالعقل، يُدرك بالعقل، وإنما الذي يُرَى فعل الله، الأشياء التي فعلها هي التي تُرَى.
فقال لهم الإمام أحمد: أليس الله يقول: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ؟.
فقالوا: معناها: تنتظر الثواب من ربها، وتنظر إلى فعله وقدرته. واستدلوا بالآية: أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ .
فقالوا: ألم تر إلى ربك؟ قال: أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ وهم لا يرون ربهم، ولكن المعنى: ألم ترَ إلى فعل ربك.(1/267)
فقال الإمام -رحمه الله-: إن فعل الله لم يزل العباد يرونه، وإنما قال الرب: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ .
فقالوا: إنهم ينتظرون الثواب من ربهم. فقال الإمام: مع كونهم ينتظرون الثواب هم يرون ربهم. فقالوا: إن الله لا يُرى في الدنيا ولا في الآخرة.
هذا مذهب الجهمية: "لا يُرَى في الدنيا ولا في الآخرة". حتى أنكروا رؤية الله في المنام.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "رؤية الله في المنام أثبتها جميع الطوائف إلا الجهمية، من شدة إنكارهم لرؤية الله، حتى أنكروا رؤية الله في المنام".
من شدة إنكار الجهمية لرؤية الله، حتى أنكروا رؤية الله في المنام، واستدلوا بقوله تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ .
قد سبق أن هذه الآية قيل: معناها: لا تراه الأبصار في الدنيا، وقيل: المعنى: "لا تدركه" أي: لا تحيط به رؤية، وإن كانت تراه؛ لأن نفي الإدراك قدر زائد على الرؤية.
يقول الإمام أحمد ردًا عليهم: قد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرف قول الله تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ومع ذلك فقد قال لأمته: إنكم سترون ربكم .
يعني: إنه لا تعارض بين هذه الآية وبين النصوص، والنصوص التي فيها إثبات رؤية الله تعالى- رؤية المؤمنين لربهم -سبحانه وتعالى- متواترة، نصوص متواترة عند أهل العلم، رواها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يقارب ثلاثين صحابيًا في الصحاح والسنن والمسانيد، كما ذكر ذلك العلامة ابن القيم في كتابه "حادي الأرواح".
فإذن، النصوص التي فيها إثبات الرؤية من الأحاديث متواترة مع الآيات، الآيات صريحة، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ .
يقول تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ وإذا حُجِبَ الكفار فإن المؤمنين لا يُحجبون.
لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ جاء في تفسير "مزيد" أنه النظر إلى وجه الله.(1/268)
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ .
الزيادة كما فسرها النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث صهيب الذي رواه الإمام مسلم بأن الزيادة النظر إلى وجه الله، الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله.
إذن، الآيات القرآنية صريحة في إثبات الرؤية، والسنة متواترة.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: "رواها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو ثلاثين صحابيًا في الصحاح والسنن والمسانيد، وهي صريحة".
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنكم سترون ربكم كما ترون من الشمس صحوًا ليس دونها سحاب، وكما ترون القمر ليلة البدر .
في حديث عدي بن حاتم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نظر إلى القمر ليلة أربعة عشر، فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته .
في بعض الروايات: فإن استطعتم ألا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا وهما صلاة الفجر وصلاة العصر؛ الصلاة التي قبل طلوع الشمس الفجر، والصلاة التي قبل غروبها العصر.
قال العلماء: إن المحافظة على هاتين الصلاتين من أسباب النظر إلى وجه الله الكريم، وهما البردان من صلى البَرْدين دخل الجنة وذلك لأن الفجر تقع في آخر الليل، في وقت النوم، وكذلك العصر تقع في وقت الراحة.
فإذا كبح الإنسان جماح نفسه، وجاهد نفسه، وحافظ على هاتين الصلاتين إيمانا بالله ورسوله، فإن ذلك يدفعه إلى أن يحافظ على بقية الصلوات، ليس المعنى أن يصلي صلاتين ويترك بقية الصلوات لا يحافظ عليها. لا، بل المعنى أنه أن من حافظ على هاتين الصلاتين -مع كونهما يقعان في وقت الراحة والنوم- فإن محافظته على هاتين الصلاتين تدفعه إلى المحافظة على بقية الصلوات.(1/269)
ليس المراد أنه يحافظ على صلاتين ويترك بقية الصلوات الخمس. لا، المراد أن من حافظ على هاتين الصلاتين لا يمكن أن يترك الصلوات الأخرى، ومن أضاعهما أضاع ما سواهما، فليحافظ على صلاة الفجر، ويحافظ على صلاة العصر، لا يمكن أن يترك صلاة الظهر، ولا صلاة المغرب، ولا صلاة العشاء.
يقول الإمام -رحمه الله-: "وقال الله -سبحانه وتعالى- لموسى: لَنْ تَرَانِي ولم يقل: لن أُرَى. يعني: هناك فرق بين قوله لَنْ تَرَانِي ولم يقل: لن أُرَى، يعني: أنه لم ينفه نفيًا مؤبدًا، ولم يعلقه بشيء مستحيل.
لو قال: إني لا أُرَى، أو لست بمرئي، أو لا تمكن رؤيتي، أو علَّقه بشيء مستحيل على الله -كالأكل والشرب والنوم- نعم، لكن علقه بشيء ممكن، فقال: وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي والله قادر على أن يجعل الجبل مستقرًا.
فقال: لَنْ تَرَانِي ولم يقل: لن أُرَى، أو لا تمكن رؤيتي؛ وذلك أن موسى لا يستطيع رؤية الله، ولا يستطيع الثبات لرؤية الله ببشريته الضعيفة في الدنيا، ولكن يوم القيامة يُنَشَّأ الناس تنشئة قوية يستطيعون فيها رؤية الله -عز وجل-.
والمعتزلة استدلوا بهذه الآية: لَنْ تَرَانِي على نفي رؤية الله في الآخرة، وقالوا: "لن" للنفي المؤبد، أو "لن": حرف نفي ونصب واستقبال، فهي للنفي المؤبد، وإذا كانت للنفي المؤبد فيشمل هذا النفي رؤية الله في الآخرة، فقالوا: إن الله لا يُرَى لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وأجيب بأن نقول: بأن "لن" للنفي المؤبد ليس بصحيح، قول ضعيف، ليست للنفي المؤبد، نقول: "لن" للنفي المؤبد قول ضعيف، ولهذا أشار ابن مالك في الألفية إلى أن القول بأن "لن" للنفي المؤبد قول ضعيف، ولهذا قال:
ومن رأى النفي بـ"لن" مؤبدا ... فقوله اردد وسواه فاعضددا(1/270)
قول مردود، ولو كان للنفي المؤبد لما جاز تحديد الفعل بعدها في مثل قول الله تعالى: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي .
فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي كيف تكون للنفي المؤبد وجاء تحديد الفعل بعدها؟
ولا تكون للنفي المؤبد حتى لو قيدت بالتأبيد، حتى لو قُيِّدَتْ بالتأبيد ما تكون للنفي المؤبد، قال الله -تعالى- عن الكفار: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا يعني: الموت، وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ جاء بـ"لن" و"أبدًا".
وأخبر الله أنهم في الآخرة يتمنون الموت، قال الله تعالى: وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ سألوا الموت، قال: إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ .
فإذن، "لن" لا تكون للنفي المؤبد، وحتى ولو قيدت بالتأبيد؛ فإن الدوام لا يستمر في الآخرة، بدليل أن الكفار تمنوا، أخبر الله أنهم لن يتمنوا الموت، وقَيَّدَ ذلك بالتأبيد، ومع ذلك تمنوه في الآخرة.
والآية -وهي قوله تعالى: لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي تدل على جواز رؤية الله في الآخرة من وجوه متعددة:
منها: أنه قال: لَنْ تَرَانِي ولم يقل: لا أُرَى، أو لا تمكن رؤيتي.
ومنها: أنه علقه على استقرار الجبل، علقه على الجبل، والله قادر على أن يجعل الجبل مستقرًا.
ومنها: أن الله -تعالى- إذا تجلى للجبل -وهو جماد- لا ثواب له ولا عقاب، فلعله يصير لرسوله لأنبيائه ورسله في الآخرة من باب أولى.
ومنها: أن الله -تعالى- كلم موسى، ومن جاز تكليمه جاز رؤيته، إلا أن موسى لا يستطيع الرؤية ببشريته الضعيفة.(1/271)
والرؤية جائزة عقلا، غير مستحيلة، ولو كانت مستحيلة لما سأل موسى الرؤية؛ لأن موسى لا يسأل المستحيل، ولو كانت الرؤية مستحيلة لأنكر الله على موسى كما أنكر على نوح حين سأل نجاة ابنه، لما قال نوح، لما غرق ابن نوح -عليه السلام- الكافر قال الله تعالى: وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ .
أنكر الله عليه، فقال: يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ .
ولم ينكر على موسى حين قال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ لم يقل: لا تمكن رؤيتي، أو إني لا أُرَى، أو لست بمرئي، أو لا تسألني الرؤية؛ وإنما قال: لَنْ تَرَانِي يعني: في الدنيا ببشريتك الضعيفة، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي .
ولأن الرؤية -رؤية الله- نعيم فادخرها الله -تعالى- للمؤمنين في الجنة.
والخلاصة أن رؤية الله -تعالى- في الدنيا جائزة عقلا، غير واقعة شرعًا، في العقل غير مستحيلة، الرؤية تجوز، ولكن هناك مانع، ما هو المانع؟ عدم التحمل، ضعف البشر، ما يستطيعون.
ولهذا لما قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم-، لما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في "صحيح مسلم"-: هل رأيت ربك؟ -كما في حديث أبي ذر- قال: رأيت نورًا لأن النور حجاب يمنعني من رؤيته.
وفي حديث موسى في "صحيح مسلم": إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور وفي رواية النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه .(1/272)
لو كشف الحجاب -سبحانه وتعالى- لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه وموسى من خلقه، ومحمد من خلقه، جميع الخلق ما يستطيعون في الدنيا، واضح هذا؟ نعم.
نعم، نثبت جهة العلو، أن الله في العلو، الله -تعالى- يُرَى في العلو، الله -تعالى- فوق السماوات، وفوق العرش، بعد أن تنتهي المخلوقات، المخلوقات أسفل عرش الرحمن والله -تعالى- فوق العرش، مَثَّل لكم هذه الصورة بجلاله وعظمته، لا نُكَيِّف، والمرئي لا بد أن يكون بجهة واضحة.
المعتزلة أنكروا الجهة، وأنكروا الرؤية جميعًا، وقالوا: إن الرؤية لا تكون، مستحيلة لا تمكن، والجهة والله -تعالى- يكون في الجهة، لكان محدودا جسما متحيزا.
نقول: إن الله -تعالى- لا يشبه المخلوقين، كونه محدودا متحيزا وفي مكان، نقول: نعم، الله -تعالى- بعد أن تنتهي الأمكنة المخلوقة هو فوق العرش، العرش هو سقف المخلوقات، تنتهي المخلوقات، ما بعد العرش شيء من المخلوقات، والله -تعالى- فوق العرش، ولا يمكن أن يكون هناك مرئي إلا بجهة من الرائي.
المعتزلة أنكروا الرؤية، وأنكروا الجهة، وأهل السنة أثبتوا الرؤية، وأثبتوا الجهة، جهة العلو يعني، قالوا: إن الله في العلو.
والأشاعرة أثبتوا الرؤية، وأنكروا الجهة، فصاروا مذبذبين؛ لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء؛ لأنهم وافقوا المعتزلة في القول بإنكار العلو.
الأشاعرة يقولون: الله ليس له مكان، أنكروا الجهة، ولكن ما استطاعوا أن ينكروا الرؤية، فأحبوا أن يكونوا يثبتوا الرؤية مع أهل السنة، ولا يريدون أن يخالفوا المعتزلة في إنكار الجهة، فقالوا بإثبات الرؤية ونفي الجهة.
فإذا قيل لهم: يُرَى الله؟ قالوا: نعم. فإذا قيل: أين يرى؟ من فوق؟ يقولون: لا. من تحت؟ يقولون: لا. يمين؟ يقولون: لا. شمال؟ يقولون: لا. أمام؟ يقولون: لا. خلف؟ يقولون: لا. أين يرى؟ يقولون: يُرَى لا في جهة.(1/273)
فقال لهم أهل السنة: إن هذا مخالف لضرورات العقلاء. فجمهور العقلاء يقولون: لا يمكن أن يكون المرئي إلا بجهة من الرائي، فشيء لا يرى في جهة لا وجود له.
ولهذا ضحك جمهور العقلاء من قول الأشاعرة: إنه تمكن الرؤية بدون جهة. قالوا: مستحيل، ما يمكن.
يعني: هذا مخالف لبداهة العقول، معروف ببداهة العقول أن المرئي لا بد أن يكون بجهة من الرائي، كل مرئي لا بد أن يكون بجهة، يكون أمامك، أو فوقك، يكون بجهة، أن يكون المرئي مباين للرائي مواجها له.
فالقول بأن هناك شيء يُرَى لا في جهة قول باطل، تبطله العقول وتنكره، ويضحك منه جمهور العقلاء.
ثم إنه مخالف للنصوص الصحيحة الصريحة، قال: إنكم ترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته ومعلوم أن النظر إلى القمر من فوقنا، فيجب أن نرى الله كذلك من فوقنا.
كما ترون الشمس صحوًا ليس دونها سحاب واضح هذا ؟
والمعتزلة، وكذلك نفاة الرؤية فسروا الرؤية في الأحاديث بالعلم، أَوَّلُوها بالعلم، قال: إنكم ترون ربكم يعني: تعلمون ربكم.
إنكم ترون ربكم كما ترون القمر يقولون: المعنى: إنكم ربكم لا تشكون في العلم به، كما لا تشكون في القمر أنه قمر. هذا فاسد، هذا معناه يفسد المعنى.
إنكم سترون ربكم تعلمون أن لكم ربًا لا تشكون في العلم به، ولا تمتلكون فيه الشكوك، كما لا تشكون في القمر أنه قمر.
نقول: هذا معنى فاسد؛ لأن زوال الشك في ربوبية الله هذا يشمل المؤمن والكافر، كل فرد من أفراد الناس يوم القيامة -حتى المنكرون لوجود الله- يزول عنهم الشك، أليس كذلك إذا بُعثوا يوم القيامة هل يشكون؟ ما يشكون.
والرسول -عليه الصلاة والسلام- بشر المؤمنين وخصهم بالرؤية، فما قيمة هذه الخصوصية؟ لو كان معناها نفي الشك عن ربوبية الله لما كان للمؤمنين خصوصية، الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشر المؤمنين، وبَيَّن أن هذا أنعم نعيم يعطاه المؤمنون.(1/274)
فلو كان معنى الرؤية -كما يقوله المعتزلة، كما يقوله منكروا الرؤية، كما يقوله الجهمية: إن معنى الرؤية العلم- ما حصل فرق بين المؤمن والكافر.
إنكم ترون ربكم تعلمون ربكم، يوم القيامة كل يعلم ربه، المؤمن الكافر، الكافر الذي ينكر وجود الله يعلم ربه، والمؤمن يعلم ربه.
إذن، ما الفرق بين المؤمن والكافر؟ إذًا الرؤية واحدة للمؤمن والكافر؟
وهذا من أبطل الباطل، والله -تعالى- يقول: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ .
إذا كان الرؤية معناها العلم، ما في أحد يُحجب عن العلم، كل واحد يعلم ربه، كل واحد يعلم ربه.
وبهذا يتبين أن تفسير الجهمية والمعتزلة للرؤية بالعلم تفسير باطل، يفسد به معنى النصوص، تفسد به معاني النصوص. واضح هذا؟
الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: أيهما أولى: أن يتبع النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: إنكم سترون ربكم أم قول الجهمي حين قال: "لا ترون ربكم"؟!
والأحاديث في أيدي أهل العلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أهل الجنة يرون ربهم، والأحاديث في هذا كثيرة، لا يختلف فيها أهل العلم، وذكر أمثلة، أدلة.
من الأدلة حديث سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن سعد، في قول الله -عز وجل-: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ قال: النظر إلى وجه الله .
وحديث ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا استقر أهل الجنة في الجنة نادى منادٍ: يا أهل الجنة، إن الله قد وعدكم الزيادة، قال: فيكشف الحجاب فيتجلى لهم وذكر الحديث.
قال الإمام أحمد -رحمه الله-: فينظرون إلى الله لا إله إلا هو.
ثم بين الإمام -رحمه الله- أن إنكار الجهمية لرؤية الله هذا يوصلهم إلى الكفر، ولهذا قالوا: وإنا لنرجو أن يكون جهم وشيعته ممن لا ينظرون إلى ربهم، ويحجبون عن الله؛ لأن الله يقول: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ .(1/275)
وهذه الآية في من؟ في سياق من؟ في سياق الكفار، فإذن جهم وشيعته يرجو الإمام أحمد أن يُحجبوا عن الله، وأن لا يرون الله؛ لأنهم كفار، هذا دليل على أن الإمام يكفرهم، وهم كفار كما سمعنا.
فالذي يقول: "إن القرآن كلام الله المخلوق" كافر، وكذلك الذي ينكر رؤية الله كافر، كَفَّره جمهور السلف.
وهم أيضا ينكرون وجود الله؛ لأنهم قالوا: هو شيء لا كالأشياء. وسبق أن من قال: الله شيء لا كالأشياء، أنه منكر لوجود الله؛ لأنه لا بد أن يكون هناك قدر في الجهة تشترك فيه المسميات والموجودات، في المعنى، عند إيش؟ عند القطع عن الإضافة، وعدم الاختصاص.
يقول الإمام: "فإذا كان الكافر يُحجب عن الله، والمؤمن يُحجب عن الله، فما فضل المؤمن على الكافر؟!
يعني: لو كان المؤمنون لا يرون الله لصاروا محجوبين، والله أخبر أن الذي يُحجب عن الله هو كافر، فلو كان المؤمنون لا يرون الله لصاروا محجوبين، فلا يكون هناك فرق بين الكافر والمؤمن، يكون كل منهم محجوبا عن الله، وهذا من أبطل الباطل، واضح هذا؟ نعم.
إنكار الجهمية لكلام الله والرد عليهم
بسم الله الرحمن الرحيم
قال -رحمه الله تعالي-: باب بيان ما أنكر الجهمي من أن يكون الله كلم موسى، فقلنا: لم أنكرتم ذلك؟ قالوا: إن الله لم يُكَلِّم ولا يتكلم؛ إنما كَوَّن شيئا فعَبَّر عن الله، وخلق صوتًا فأسمعه، وزعموا أن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم ولسان وشفتين .
---
إذن، هذا الباب للرد على الجهمية في إنكارهم أن يكون الله كلَّم موسى، إنكارهم لكلام الله.
هذا الباب معقود للرد على الجهمية في إنكارهم كلام الله، وأن الله -تعالى- كلم موسى.
يقول الإمام: قلنا لهم: لم أنكرتم ذلك؟ قالوا: إن الله لم يكلِّم ولا يتكلم، إن الله لا يتكلم ولا يكلم أحدًا، هكذا تقول الجهمية.
كيف يجيبون عن الآيات التي فيها: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا الآيات التي فيها ثبوت كلام الله؟(1/276)
قالوا: معناها: كَوَّن شيئا فعبر عن الله، وخلق صوتًا فأسمعه، قالوا: ما تكلم، ولكن كَوَّن شيئا فعبر عن الله، خلق شيئا، "كَوَّن" يعني: خلق شيء.
وقالوا: إن الله -تعالى- لم يقل لموسى: إني أنا الله رب العالمين، بل خلق الكلام في الشجرة، والشجرة هي التي كلمت موسى، وقالت: إني أنا الله رب العالمين.
والجهمية كذلك يقول بعضهم: الكلام يخلقه الله في الهواء، أو في الشجرة، أو في أي شيء، فيكون الكلام بدأ من هذا المخلوق.
فنقول: إن الجهمية أولوا النصوص التي فيها أن الله كَلَّم، قالوا: إنه كَوَّنَ شيئا فعَبَّرَ عن الله، خلق شيء فقال: إني أنا الله، وخلق صوتًا فأسمع موسى، فموسى ما سمع كلام الله، ولكن سمع صوتًا خلقه الله، وقال لموسى: إني أنا الله.
أعوذ بالله، هذا رد للقرآن، إبطال للقرآن.
وشبهتهم -يقول الإمام- يقول: وشبهتهم زعموا أن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم ولسان وشفتين، ما يمكن الكلام إلا إذا كان من جوف وفم ولسان وشفتين، فإذا قلتم: إن الله يتكلم فقد أثبتم أن لله جوفًا، وأثبتم لله فمًا، وأثبتم لله لسانًا، وأثبتم لله شفتين، ومن أثبت أن هذه الأشياء لله فقد كفر؛ لأنه شبَّه الله بخلقه. هكذا تقول الجهمية.
يقول الإمام أحمد: لماذا أنكروا الكلام؟ قالوا: فرارا من الكفر. قالوا: لأن لو أثبتنا الكلام لله للزم أن يكون له جوفٌ وفم ولسان وشفتان، ومن أثبت هذه الأشياء لله فقد شبه الله بخلقه، ومن شبه الله بخلقه كفر.(1/277)
ففرارًا من ذلك قالوا: لا يكلِّم، ولا يكلم، وأما النصوص التي فيها أنه يتكلم فهي منسوبة إلى أشياء خلقها الله، خلق أشياء خلقها الله وكونها فتكلمت، وخلق صوتًا فأسمع موسى، فموسى لم يسمع كلام الله، وإنما سمع صوتًا خلقه الله فأسمعه إياه، وكون شيئا فعبر عن الله، إما الشجرة أو غيرها، فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى .
فقالوا: إن الله خلق الكلام في الشجرة، فكلمه، فسمع الكلام من الشجرة.
والمؤمنون المسلمون إن الله هو الذي كلم موسى، قالوا: إن ابتداءه الكلام من الشجرة، كما تقول: سمعت كلام زيد من البيت، يعني: ابتداءه من البيت. نعم.
فقلنا: هل يجوز الله أن يكون المكون غير الله أن يقول: يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ويقول: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي وإني أنا ربك، فمن زعم أن ذلك غير الله فقد ادعى الربوبية .
---
إذن، يقول الإمام في الرد عليهم: هل يجوز أن يكون المكون غير الله؟ هل يجوز أن يكون المكون غير الله أن يقول: يا موسى؟
" المكون" يعني: مخلوق، هل يجوز أن يكون مخلوق غير الله يجوز أن يقول لموسى: يا موسى إني أنا ربك؟
من يجرؤ أن يقول لموسى: أنا ربك. من المخلوقات؟ هل يجوز أن يكون المُكَوَّن -يعني المخلوق- أن يقول: يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ويقول لموسى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ويقول: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ .
فمن زعم أن ذلك غير الله فقد ادعى الربوبية، ما يمكن أن يكون مخلوق يقول لموسى: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ يقول: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي .
من قال ذلك فقد ادعى الربوبية. واضح هذا؟(1/278)
ولا يمكن أن يكون مخلوق -يكونه الله ويخلق الله- ويقول لموسى هذا الكلام، هذا لا يمكن، لا ملك ولا غير ملك؛ لأن من قال ذلك فقد ادعى الربوبية، ومن ادعى الربوبية قصمه الله وأهلكه، كما قصم فرعون حين ادعى الربوبية عاقبه بالعقوبة، فهذا لا يمكن. نعم.
ولو كان كما زعم الجهمي أن الله كَوَّن شيئا كان يقول ذلك المكون: يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ولا يجوز أن يقول: إني أنا الله رب العالمين .
---
نعم، لا الشجرة الآن، يقول: خلق الله الكلام في الشجرة، فالشجرة قالت: إني أنا الله رب العالمين. يقول: هذا باطل، لا يمكن أن يكون مخلوق ويقول: إني أنا الله رب العالمين.
فمن زعم أن ذلك، لو كان كما زعم الجهمي أن الله كَوَّن شيء -يعني خلق شيئا- كان يقول ذلك المكون: يا موسى، إني أنا الله رب العالمين. كان على تقدير، أكان يقول ذلك المكون. يا موسى، إني أنا الله رب العالمين؟
استفهام تام، ولو كان -كما زعم الجهمي- أن الله كون شيئا، كان يقول، التقدير: أكان يقول، استفهام، أكان يقول هذا المكون: يا موسى، إني أنا الله رب العالمين؟ ولا يجوز أن يقول: "إني أنا الله رب العالمين" أحد إلا الله.
لو كان كما زعم الجهمي أن الله كَوَّن شيء -يعني خلقه- أكان يقول ذلك المكون: يا موسى، إني أنا الله رب العالمين. ولا يجوز أن يقول: إني أنا لله رب العالمين إلا الله، وقد قال. نعم.
ولا يجوز أن يقول: إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وقد قال -جل ثناؤه-: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا
وقال: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ وقال إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي .
---
هذه ثلاث آيات فيها إثبات أن الله -تعالى- كلم موسى، فقال: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا .
" كلم الله موسى" فيها إثبات أن الله كلم موسى، ثم أكد بالمصدر.(1/279)
قال العلماء: إنه إذا جاء التأكيد بالمصدر صار لا يحتمل إلا الحقيقة، لدفع توهم المجاز، وأن المراد بغير التكلم.
"وكلم الله موسى"، ثم جاء "تكليما"، هذا مصدر، وهذا المصدر له فائدة عظيمة، ما هذه الفائدة؟
دفع توهم أن المراد غير الكلام، تأكيد بأن المراد بغير الكلام حقيقة، إذا جاء المصدر صار يدفع أن يتوهم أحد أن المراد غير الكلام الحقيقي.
وقال: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى هذا يحتمل أنه غير الكلام الحقيقي، فلما جاءت: تَكْلِيمًا خلاص، زال التوهم، زال التوهم، لا يمكن أن يتوهم أحد أن المراد به غير الكلام.
ثم استدل بالآية الثانية وهي صريحة، فقال: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ .
سبق أن بعض الجهمية تأوَّل الآية، حَرَّف الآية الأولى، حرفها قرأها: (وكلم اللهَ موسى تكليما الله) بالنصب، فقيل: إن هذا حتى يكون الله هو المُكَلَّم، وموسى هو المتكلِّم، والله لا يتكلم.
(وكلم اللهَ موسى)، فيكون موسى هو المتكلم، والله هو المُكَلَّم، ولا يتكلم، مُكَلَّم وهو ساكت، يعني: لا يتكلم، ولا يستطيع الكلام، أعوذ بالله.
موسى هو المتكلم، والله لا يتكلم، (وكلم اللهَ موسى تكليما) هذا تحريف، حَرَّف اللفظ والمعنى.
فقال له بعض أهل السنن الذي يناقشوه: هب يا عدو الله أنك استطعت أن تحرف هذه الآيات، فكيف تقول في قول الله تعالى: وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ؟
صريحة، "كَلَّمه ربه"، لا يستطيع أحد نفيها، الرب هو المكلم، فقال: المعنى: جرحه بأظافر الحكمة، جرحه بأظافر الحكمة، "كلمه": يعني جرحه، وقال: إن الكَلْم يأتي بمعنى الجرح، ومنه قولهم: جاء فلان وكَلْمه يدمى، يعني: جرحه يدمى.
وفى الآية الثالثة يقول الله تعالى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي .
يقول الله -تعالى- خطابًا لموسى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ -يعني: يا موسى- عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي .(1/280)
قال الإمام: فهذا منصوص القرآن. طيب.
وأما من قالوا: إن الله لم يتكلم ولا يُكَلِّم، كيف يصنعون بحديث الأعمش، عن خيثمة، عن عدي بن حاتم الطائي، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ؟ .
---
هذا جواب على قولهم: إن الله لا يكلم ولا يتكلم. رد عليهم بحديث الأعمش، عن خيثمة، عن عدي بن حاتم الطائي، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان .
الترجمان: هو الشخص الذي يعبر، ينقل الكلام من لغة إلى لغة، يقال لها: ترجمة، فهو مترجم، والمعنى: أن كل واحد سيكلمه ربه بدون واسطة، ما في واسطة بينه وبين ربه، ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه واسطة مباشرة، يكلمه ربه، ما في واسطة، يترجم ملك ولا غيره، ليس بينه وبينه ترجمان.
يقول الإمام: كيف يفعلون بهذا الحديث؟ كيف يجيبون على هذا الحديث؟ الذين يقولون: إن الله لا يكلم ولا يتكلم، كيف يردون هذا الحديث؟ هذا الحديث رد عليهم صريح، ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان .
طيب، نعم.
شبههم في إنكار كلام الله
وأما قوله: إن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم وشفتين ولسان، أليس قال الله للسماوات والأرض: اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ أتراها قالت: بجوف وفم وشفتين ولسان وأدوات؟.
---
أتراهم يعني: رد عليهم بأدلة، وأما قولكم: إن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم وشفتين ولسان، فلو أثبتنا أن الكلام لله للزم أن نثبت له جوفا وفما وشفتين ولسانا، وهذا في تشبيه بالمخلوق .
يقول الإمام -رحمه الله-: عندنا أدلة تدل أن هناك بعض المخلوقات تكلمت وليس لها لسان ولا جوف ولا شفتان، وإذا أمكن أن يكون بعض المخلوقات تتكلم، ولا نعلم الكيفية، وليس لها لسان، ولا شفتان، ولا جوف، فيمكن ذلك في الخالق من باب أولى.(1/281)
هناك بعض المخلوقات تتكلم ولا نعلم الكيفية، ما ندري كيف، وليس لها لسان، ولا جوف، ولا شفتان، وإذا أمكن هذا في المخلوقات فإمكانه في الخالق من باب أولى.
فالسماوات والأرض، قال الله تعالى: اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا فأجابتا فقالتا: أَتَيْنَا طَائِعِينَ هل السماوات لها جوف أو فم أو شفتان؟ وهل الأرض لها كذلك؟ نعم.
الأدلة على كلام الله
وقال: وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ أتراها سبحت بجوف وفم ولسان وشفتين؟ .
---
هذا دليل آخر في الرد عليهم، يقول الله تعالى: وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ الجبال تسبح مع داود -عليه الصلاة والسلام-، والجبال ليس لها إيش؟ جوف ولا فم ولا شفتان ولا لسان، كيف تتكلم؟ لا نعلم، الله أعلم، فإذن، الله من باب أولى يتكلم، ولا نعلم كيف يتكلم. نعم.
الرد على شبههم في إنكار كلام الله
والجوارح إذا شهدت على الكافر، فقالوا: لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ تراها نطقت بجوف وفم ولسان وشفتين؟ .
---
الجوارح يوم القيامة تشهد على الكافر، إذا أنكر الكافر أعماله السيئة وشركه ختم الله على فمه، وأنطق الجوارح يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ .
فإذا كانت الجوارح تشهد على الكافر، وليس لها فم، ولا لسان، ولا شفتان، فإمكان ذلك في الخالق من باب أولى. واضح؟
كذلك -أيضا- ثبت أن الحجر كان يسبح، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسبح .(1/282)
حجر يسبح في يد الرسول -عليه الصلاة والسلام-، والطعام يسبح، كذلك الجذع الذي كان يخطب عليه النبي حَنَّ وصَاحَ كما يصيح الطفل، فنزل إليه -صلى الله عليه وسلم- وجعل يهدئه كما يهدئ الصبي حتى سكت، ما له، الجذع ما له فم ولا لسان ولا شفتان.
فإذا كان بعض المخلوقات تتكلم، ولا نعرف كيف تتكلم، وليس لها لسان، ولا شفتان، ولا جوف، فإمكان ذلك في الخالق من باب أولى. ولهذا قال الإمام، نعم.
ولكن الله أنطقها كيف شاء، وكذلك الله تكلم كيف شاء، من غير أن نقول بجوف ولا فم ولا لسان ولا شفتين .
---
يعني: كذلك الله أنطقها كيف شاء، فكذلك الله يتكلم كيف شاء، من غير أن نثبت شيئا لم يثبته الله ولا رسوله. نعم.
بهتان جهم
قال أحمد -رضي الله عنه-: فلما خنقته الحجج قال: إن الله كلم موسى، إلا أن كلامه غيره .
---
"فلما خنقته الحجج" يعني: الجهمي لما أُلزِم بالحجج، وصار كالشخص المخنوق، الذي خُنق نَفَسُه، الحلق، ما استطاع يجاوب، يعني: لزمته الحجج وخنقته، مثل الشخص الذي خُنق حلقه بحبل أو غيره، ماذا قال؟
قال: خلاص، خنقته الحجج، قال: الله كلم موسى. وافق، إلا أن كلامه غيره، جاء من جهة أخرى، فيروغ كما يروغ الثعلب، في الأول يقول: إن الله ما كلم موسى، فلما خنقته الحجج قال: الله كلم موسى. إلا أن كلام الله غير الله، فقلنا: وغيره مخلوق؟ قال: نعم، وغيره مخلوق. يعني: جاء من جهة أخرى، فأجاب من جهة، ووافق من جهة، وأنكر من جهة أخرى.
في الأول يقول: لم يكلم الله موسى. فلما خنقته الحجج قال: الله كلم موسى، إلا أن كلامه غيره.
فقال له الإمام أحمد: وغيره مخلوق؟ قال: نعم. فقال: هذا مثل قولكم الأول، إلا أنكم تدفعون الشنعة عن أنفسكم.
إقرار جهم وروغانه
فلما خنقته الحجج قال: إن الله كلم موسى، إلا أن كلامه غيره. فقلنا: وغيره مخلوق؟ قال: نعم. فقلنا: هذا مثل قولكم الأول، إلا أنكم تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون .
---(1/283)
نعم، يعني يقول: إنكم وافقتم من جهة، وأنكرتم من جهة، وصل إلى قوله الأول أن القرآن مخلوق من جهة أخرى، في الأول يقول: القرآن مخلوق، كلام الله مخلوق. فلما خنقته الحجج، في الأول يقول: لم يكلم الله موسى، فلما خنقته الحجج قال: كلم الله موسى، إلا أن كلامه غيره، وغيره مخلوق. قال الإمام: هذا مثل قولكم الأول، إلا أنكم تدفعون عن أنفسكم الشنعة -يعني: الشناعة- بما تظهرون.
حديث موسى لقومه بعد كلام الله له
وحديث الزهري قال: "لما سمع موسى كلام ربه قال: يا رب، هذا الذي سمعته هو كلامك؟ قال: نعم يا موسى، هو كلامي، وإنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان، ولي قوة الألسن كلها، وأنا أقوى من ذلك، وإنما كلمتك على قدر ما يطيق بدنك، ولو كلمتك بأكثر من ذلك لمُت. قال: فلما رجع موسى إلى قومه قالوا له: صف لنا كلام ربك. قال: سبحان الله! وهل أستطيع أن أصفه لكم؟ قالوا: فشبهه. قال: هل سمعتم أصوات الصواعق التي تخبر في أحلى حلاوة سمعتموها؟ فكأنه مثله" .
---
هذا الأثر عن الزهري، رواية الزهري هذه أخرجها الدارمي في الرد على الجهمية، وابن بطة في كتاب "الإبانة"، وعبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة"، والبيهقي في "الأسماء والصفات"، ومن المفسرين ابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن كثير، هذه رواية، لكنها موقوفة على كعب الأحبار.
وكعب الأحبار هذا يأخذ عن بني إسرائيل الغث والسمين، وفي سنده -أيضا- مجهول، وهو جزء بن جابر الخثعمي.
إذن، رواية الزهري هذه ذكرها الحافظ ابن كثير -مع اختلاف في اللفظ- عن كعب الأحبار، وفي سنده مجهول، وهو جزء بن جابر الخثعمي، فيكون ضعيفا.(1/284)
ضعيف ليش؟ لأن في سنده مجهول، وهو جزء بن جابر الخثعمي، ولو كان السند صحيحا، وليس فيه مجهول، لكان ضعيفا من جهة أنه -أي: كعب الأحبار- ينقل عن بني إسرائيل؛ لأنه كان تابعيا أسلم في زمن عمر بن الخطاب، وهو من أهل الكتاب، من أهل الكتاب، من بني إسرائيل، أسلم، وينقل عن بني إسرائيل الغث والسمين، فهذا المأخذ عن بني إسرائيل. واضح هذا؟
ورُوي -أيضا- من طريقٍ أخرى، من طريق جابر بن عبد الله، وفي سنده الفضل بن عيسى الرقاشي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، وأخرجه ابن أبي حاتم وابن كثير، وهو موقوف على جابر، وفي سنده الفضل بن عيسى الرقاشي، وهو ضعيف بالمرة، منكر الحديث، وتكلموا فيه.
ولو فرضنا أن هذا السند موقوف على جابر وليس فيه الفضل بن عيسى، لكان ضعيفا أيضا؛ لأنه ممن أخذ عن بني إسرائيل.
فتكون هذه الرواية -رواية الزهري عن كعب الأحبار، أو الطريق الأخرى، طريق جابر- لو كان سندها مثل الشمس متصلا، لكان ضعيفا، لماذا؟ لأنه من أخبار بني إسرائيل، وأخبار بني إسرائيل لا تُصَدَّق ولا تُكَذَّب.
كيف في رواية الزهري في سندها جزء بن جابر الخثعمي وهو ضعيف؟ ورواية جابر في سندها الفضل بن عيسى وهو ضعيف بالمرة؟
فيكون هذان موقوفان، وهو من أخبار بني إسرائيل، وكلام الله وصفاته لا تشبه صفات المخلوقين، ولا يعلم كيفيته إلا هو. واضح هذا؟ هذا الأثر لا يعول عليه؛ لضعفه وكونه من أخبار بني إسرائيل، لضعفه؛ فإن ضعفه شديد متناهٍ.
ثم -أيضا- ليس من كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام- من كلام كعب الأحبار، وهو من بني إسرائيل، ممن يأخذ عن بني إسرائيل، أو من كلام جابر إن صح السند ووصل إلى جابر، بس لا يصح السند؛ لأن في سنده رواية في سندها الفضل بن عيسى الرقاشي، ولكنه متكلم عليه، تكلموا عليه بأنه ضعيف بمرة، وهناك من قال: إنه خبيث، وإنه كذا، أو يروي المنكرات.(1/285)
وكذلك الطريق الأخرى عن كعب الأحبار في سنده جزء بن جابر الخثعمي، فلا يُعَوَّل على هذا الأثر.
وفيه تشبيه لكلام الله، والله -تعالى-، كلام الله وصفاته لا تشبه صفات المخلوقين، ولا يعلم كيفيتها إلا هو.
يبقى الإشكال: لماذا ذكره الإمام أحمد -رحمه الله- إمام أهل السنة؟ لم ذكره هنا، مع أنه أثر ضعيف عن بني إسرائيل؟
نقول: كما يذكر الأحاديث الضعيفة في المسند، مسند الإمام فيه أحاديث ضعيفة، إذا ذكر السند خلاص، يذكر السند وينتهي، حقق.
يعني: العلماء قسمان:
قسم من العلماء لا يذكر إلا الأحاديث الصحيحة، مثل البخاري ومسلم.
وقسم من العلماء يذكرون في الأحاديث الصحيح والضعيف، مثل السنن الأربع، فيها الضعيف، وفيها الصحيح، وفيها الحسن، سنن أبي داود، جامع الترمذي، سنن ابن ماجه، سنن النسائي، مسند الإمام أحمد.
فيها الضعيف، وفيها الحسن، والعلماء يؤلفون ويذكرون السند، وإذا ذكروا السند خرجوا من المعضلة والمسئولية.
أنت تبحث عن السند، هذا السند أمامك الآن، تعرف هل هو صحيح ولّا ضعيف؛ وإنما يذكرونه لأنهم يذكرون ما ورد في هذا الباب، ما ورد في هذا الباب يُذْكَر، تعلم أن هذا الموجود من الأحاديث في هذا الباب، سواء أحاديث ضعيفة وغير ضعيفة، تعلم أن ورد في هذا الباب هذا الحديث الضعيف.
إذن، هذا لا يُعَوّل عليه، ولو لم يذكر -رحمه الله- لكان أولى؛ لأنه لا يعول عليه، أثر ضعيف من أخبار بني إسرائيل لا يعول عليه، باطل هذا، أثر باطل لا يعول عليه. واضح هذا؟ كل النصوص كافية، النصوص مثل الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة كافية في إثبات كلام الله -عز وجل-، فيها غنية، وفيها الكفاية: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي .
والنصوص كثيرة من الكتاب والسنة في إثبات كلام الله، فلا حاجة إلى مثل هذا الأثر الضعيف الباطل، الآثار الإسرائيلية الضعيفة. نعم.(1/286)
كلام الله لعيسى دليل على كلام الله
فقلنا للجهمية: من القائل يوم القيامة: يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ؟.
أليس الله هو القائل؟
قال: قالوا: يُكَوِّن الله شيئا، فيعبر عن الله كما كونه فعبر لموسى .
---
الإمام -رحمه الله- يناقش الجهمية، يقول: قلنا للجهمية: من القائل يوم القيامة يخاطب عيسى: يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ .
أليس الله هو القائل يخاطب عيسى؟
ماذا قالت الجهمية؟
قال: قالوا: يكوِّن الله شيئا فيعبر عن الله، كما كونه فعبر لموسى، يعني: يخلق الله مخلوقا ينادي عيسى، ويقول: يا عيسى، أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟.
شوف -والعياذ بالله- الجرأة العظيمة، يعني: تقول الجهمية: الله لا يكلم عيسى يوم القيامة. من الذي يكلمه؟ مخلوق يخلقه الله يكلم عيسى، فيقول: يا عيسى، أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله.
كما أنه كوَّن مخلوقًا فكلم موسى في الدنيا، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا الله ما كلمه، وإنما خلق مخلوقًا فكلم موسى، واضح هذا؟
قال: قالوا: يكون الله شيئا فيعبر عن الله، كما كَوَّنه فعبر لموسى.
سؤال الله الناس دليل على كلام الله
قلنا فمن القائل: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ أليس هو الله؟ أليس اللهُ هو الذي يسأل؟ قالوا: هذا كله إنما يكون شيئا .
---
يعني يقول الإمام أحمد، قال: سألهم سؤالا آخر قال: فمن القائل: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ .(1/287)
أليس هو الله هو الذي يسأل؟ يسألهم يوم القيامة، يسأل المرسلين، ويسأل المرسل إليهم، قالوا: هذا كله إنما يكوِّن شيئا فيعبر عن الله، يكوِّن مخلوقا فيعبر عن الله، فيقول: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ .
إنكار كلام الله فرية عظيمة
فعبر عن الله، فقلنا: قد أعظمتم على الله الفرية حين زعمتم أنه لا يتكلم، فشبهتموه بالأصنام التي تُعبد من دون الله؛ لأن الأصنام لا تتكلم، ولا تتحرك، ولا تزول من مكان إلى مكان .
---
يعني: إذن أجاب الإمام قال: "قلنا: قد أعظمتم على الله الفرية حين زعمتم أنه لا يتكلم، فشبهتموه بالأصنام التي تعبد من دون الله".
ومعنى ذلك: أنكم تنقصتم الله، جعلتم الله كالأصنام، والأصنام لا تتكلم، ولا تجيب، فجعلتم الله مثل الأصنام -نعوذ بالله- التي لا تتكلم، ولا تتحرك، ولا تزول من مكان إلى مكان. نعم.
قول جهم لله كلام لكنه مخلوق
فلما ظهرت عليه حجته قال: إن الله قد يتكلم، ولكن كلامه مخلوق .
---
نعم. لما ظهرت الحجة على الجهم ماذا أجاب؟ لما خنقته الحجج -كما سبق- قال: إن الله قد يتكلم، لكن كلامه مخلوق. يعني: وافق من جهة، وأنكر من جهة أخرى، لما قامت عليه الحجة، وظهرت عليه الحجة، في الأول يقول: لا يتكلم. فلما ظهرت عليه قال: إن الله يتكلم، إلا أن كلامه مخلوق.
تشبيه كلام الله لكلام الناس
قلنا: وكذلك بنو آدم كل كلامهم مخلوق، فقد شبهتم الله بخلقه حين زعمتم أن كلامه مخلوق.
---
يعني: يقول في الجواب: "وكذلك بنو آدم كلامهم مخلوق". يعني: ما دام كلام الله مخلوق، إذن كلام بني آدم مخلوق، فشبهتم الله بخلقه حين زعمتم أن كلامه مخلوق، قلتم: إنه يتكلم، وكلامه مخلوق، إذن بنوا آدم كلامهم مخلوق.
فشبهتم الله بخلقه، جعلتم كلام الله مثل كلام بني آدم، كلام بني آدم مخلوق، وكلام الله مخلوق. نعم.(1/288)
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00178.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00176.htm
معنى خلق التكلم عدمه في الماضي
ففي مذهبكم قد كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق التكلم، وكذلك بنوا آدم، كانوا لا يتكلمون حتى خلق لهم كلاما .
---
هكذا يقول: ففي مذهبكم أيها الجهمية قد كان -يعني: الرب- في وقت من الأوقات لا يتكلم -عاجز عن الكلام-حتى خلق التكلم فتكلم، وكذلك بنو آدم، كانوا لا يتكلمون حتى خلق الله لهم الكلام. نعم.
جمع الجهمية بين الكفر والتشبيه
وقد جمعتم بين كفر وتشبيه، فتعالى الله عن هذه الصفة .
---
كيف تجمعوا بين كفر وتشبيه ؟ الكفر: أنكروا كلام الله، وتشبيه: شبهوه بالمخلوقين.
جمعتم أيها الجهمية بين الكفر، حيث أنكرتم كلام الله، ومن أنكر أن يكون الله متكلما كفر، ومن أنكر أن يكون القرآن كلام الله فقد كفر.
والتشبيه: حيث قلتم، شبهتهم الله ببني آدم الذين لا يتكلمون حتى يخلق الله لهم كلاما. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00180.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00178.htm
كلام الله صفة أزلية
بل نقول: إن الله لم يزل متكلمًا إذا شاء، ولا نقول: إنه قد كان ولا يتكلم حتى خلق كلامًا .
---
بل نقول: إن الله لم يزل متكلما إذا شاء، هذا معتقده الحق -جزاك الله خيرا- إن الله لم يزل متكلما إذا شاء، متى شاء، كيف شاء.
هذا معتقده الحق، إن الله لم يزل متكلما إذا شاء، ومتى شاء، والله -تعالى- والكلام صفة من صفاته -سبحانه وتعالى-، ولا يخلو الله من هذه الصفة، الكلام هو من صفاته هو كمال، ولا يمكن أن يخلو الله من الكمال في وقت من الأوقات؛ بل الرب -سبحانه وتعالى- لم يزل متكلمًا إذا شاء، ومتى شاء، وكيف شاء -سبحانه وتعالى-.
والله -تعالى- بائن من خلقه بذاته وصفاته، وكلام الله ليس متحدًا فيهم، ولا حل فيهم، فسبحانه مباين بذاته وصفاته. نعم.
صفات الله كلها أزلية(1/289)
ولا نقول: إنه قد كان ولا يتكلم حتى خلق كلامًا، ولا نقول: إنه قد كان لا يعلم حتى خلق علمًا، ولا نقول: إنه قد كان ولا قدرة حتى خلق لنفسه قدرة، ولا نقول: إنه قد كان ولا نور له حتى خلق لنفسه نورًا، ولا نقول: إنه قد كان ولا عظمة حتى خلق لنفسه عظمة .
---
نعم، بل نقول: إن الله -تعالى- لم يزل متصفًا بالصفات، لم يزل يتكلم، ولم يزل قادرًا، ولم يزل عالمًا -سبحانه وتعالى-، ولم يزل له نور -سبحانه وتعالى-، صفة من صفاته، ولا نقول كما تقول الجهمية، الجهمية يقولون: إنه لا يتكلم حتى خلق لنفسه كلاما.
هذا باطل؛ بل نقول: إن الله لم يزل متكلما إذا شاء. والجهمية يقولون: إنه لا يعلم حتى خلق لنفسه علمًا. هذا باطل؛ بل إن الله لم يزل عالمًا.
والجهمية يقولون: إنه قد كان ولا قدرة له حتى خلق لنفسه قدرة. وهذا باطل؛ بل إن الله -تعالى- لم يزل قادرًا، ولم يزل عالمًا، ولم يزل سميعًا.
ولا نقول: إنه قد كان ولا نور له حتى خلق لنفسه نورًا، فنقول: هذا يكون باطل؛ لم يزل الله -تعالى- متصفا بصفاته، ومن صفاته النور، وهو غير النور المخلوق الذي احتجب به عن خلقه. نعم.
ولا نقول: إنه قد كان ولا عظمة له حتى خلق لنفسه العظمة، كل هذا نفي لأقوال الجهمية. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00182.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00180.htm
سابق ... تالي
رد الجهم على القول بأزلية صفات الله
فقال الجهمي لنا: لما وصفنا الله بهذه الصفات .
---
فقال الجهمي لنا: لما وصفنا الله بهذه الصفات يعني: قلنا: إن الله -تعالى- لم يزل متكلمًا، ولم يزل عالمًا، ولم يزل قادرًا، ولم يزل عظيمًا، ولم يزل متصفا بصفاته. نعم. لما وصفنا بهذه الصفات، قال الجهمي.. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00183.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00181.htm
شبهة الجهم: أن أزلية الصفات تشبه بالنصارى والكافرين(1/290)
فقال الجهمي لنا -لما وصفنا الله بهذه الصفات-: إنْ زعمتم أن الله ونوره، والله وقدرته، والله وعظمته، فقد قلتم بقول النصارى حين زعمتم أن الله لم يزل ونوره، ولم يزل وقدرته .
---
يقول الجهمي: "إذا قلتم: إن الله ونوره، -الذي هو صفة من صفاته- والله وقدرته، والله وعظمته، فقد قلتم بقول النصارى". يعني: بتعدد الأرباب والآلهة.
النصارى يقولون: إن الآلهة ثلاثة، والأرباب ثلاثة: الله، وعيسى، ومريم، وأنتم أثبتم أربابا متعددة، الله رب، والنور رب، والقدرة رب، وكذلك جميع الصفات، والعلم رب.
فقد قلتم بتعدد الآلهة مثل النصارى، ما الفرق بينكم وبين النصارى؟
إذا أثبتم الصفات لله قلتم بالتعدد، إذا قلتم: إن الله لم يزل ونوره، ولم يزل والله وقدرته، والله ونوره، والله وقدرته، والله وعظمته، فقد قلتم بالتعدد، تعدد الأرباب والآلهة، وهذا من شبه الجهمية، يقولون: من أثبت الصفات فقد قال بتعدد الآلهة، قال بتعدد القدماء، والقديم هو واحد، وهو الله.
فإذا قلتم: إن له صفات قديمة فقد قلتم بالتعدد، إذا قلتم: إن العلم قديم، والرحمة قديمة، صفة الرحمة، وصفة العلم، وصفة القدرة، وصفة السمع كلها قديمة، معناه: قلتم بتعدد الأرباب والآلهة، قلتم بتعدد القدماء وتعدد الخالقين، والله واحد لا يتعدد. هذه من شُبَه الجهمية.
القول بأزلية الصفات بلا كيف أو تشبيه
قلنا: لا نقول: إن الله لم يزل وقدرته، ولم يزل ونوره، ولكن نقول: لم يزل بقدرته ونوره، لا متى قدر، وكيف قدر .
---
نعم، إذن الإمام يقول: لا نقول إن الله لم يزل ونوره، ولم يزل وقدرته، بل نقول: إن الله لم يزل بقدرته، ولم يزل بنوره، ولم يزل بعلمه، لا متى قدر، ولا كيف قدر، يعني: لا يُسأل عن الزمان، ولا عن المكان، ولا عن الكيفية.
نقول: إن الله -تعالى- لم يزل متصفا بالصفات، لم يزل متصفا بالصفات، لم يزل بنوره، ولم يزل بقدرته وعلمه.(1/291)
"لا متى قدر". ما نقول: إنه في وقت من الأوقات قدر ثم قدر بعد ذلك، ما نحدد زمانا.
"ولا كيف قدر". ولا نكيِّف، ما نقول إن قدرته وكيفيته كذا، نوره وكيفيته كذا، علمه وكيفيته كذا، ما نكيف.
ولا نقول: متى. ما نسأل عن الزمان، ما نقول: إنه في وقت من الأوقات ليس له قدرة، ثم خلق قدرة. "لا متى قدر، ولا كيف قدر".
ثم -أيضا- جواب آخر، سيأتي الجواب بعد هذا، وهو أن الله -تعالى- بذاته وصفاته هو الخالق، وليس هذا تعدد الصفات، ما هو تعدد، الله -تعالى- واحد بذاته وصفاته، العلم والقدرة والسمع والبصر، كلها صفات لله، هو -سبحانه وتعالى- واحد متصف بالصفات، فالواحد المتصف بالصفات ما يقال: إنه متعدد، لكن هذا من تلبيس الجهمية. نعم.
قول الجهمية: قد كان الله ولا شيء
فقالوا: لا تكونوا موحدين أبدًا حتى تقولوا: قد كان الله ولا شيء .
---
فقال الجهمية: "لا تكونوا موحدين أبدًا حتى تقولوا: قد كان الله ولا شيء".
يعني: ولا شيء معه حتى الصفات، لا تكونوا موحدين حتى تنفوا الصفات؛ لأن الصفات أشياء، لا تكونوا موحدين حتى تقولوا: قد كان الله ولا شيء معه.
"لا شيء معه" يعني: لا صفة العلم، ولا القدرة، ولا السمع، ولا البصر ولا شيء من صفاته. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00186.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00184.htm
كان الله بذاته وصفاته ولا شيء سواه
فقلنا: نحن نقول: قد كان الله ولا شيء، ولكن إذا قلنا: إن الله لم يزل بصفاته كلها. أليس إنما نصف إلهًا واحدًا بجميع صفاته؟ .
---
نعم، يقول: نحن نقول: قد كان الله ولا شيء. "قد كان الله" يعني: بذاته وصفاته، قد كان الله ولا شيء من المخلوقات معه، قد كان الله ولا شيء، كما في الحديث: كان الله ولم يكن شيء معه، كان الله ولم يكن شيء قبله .(1/292)
فنقول: قد كان الله ولا شيء، وإذا قلنا: قد كان الله. فهذا شامل لذاته وصفاته، الله -تعالى- هو الخالق بذاته وصفاته، وليس بمخلوق، صفاته متصلة بالعلم والقدرة، والحياة، والسمع، والبصر، والإرادة، إلى غير ذلك من الصفات.
فهل الصفات شيء غير الله؟
الله بذاته وصفاته هو الخالق، فنحن نقول: قد كان الله ولا شيء. قد كان الله بذاته وصفاته، ولا شيء معه من المخلوقات.
وإذا قلنا: إن الله لم يزل بصفاته. فإنما نصف إلهًا واحدًا بجميع صفاته، ضرب الإمام مثلا في ذلك. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00187.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00185.htm
صفات الذات لا تنفك عنها
وضربنا لهم في ذلك مثلا، فقلنا: أخبرونا عن هذه النخلة، أليس لها جذع وكرب وليف وسعف وخوص وجمَّار، واسمها اسم شيء واحد، وسميت نخلة بجميع صفاتها، وكذلك الله وله المثل الأعلى بجميع صفاته، إله واحد.
---
الإمام أحمد ضرب لهم مثلا بالنخلة، النخلة لها جذع، معروف جذعها، ولها كرب تمسك حينما يرقى على النخلة، ولها كرب وليف وسعف وخوص وجمَّار، واسمها شيء واحد: النخلة، الصفات كلها صفات لها.
ولكن هل يقال: إنها متعددة، ولّا هي نخلة؟
نخلة بجميعها، اسم النخلة يشمل الجذع والكرب والليف والسعف والخوص والجمَّار كلها، واسمها اسم شيء واحد، وهو النخلة، سميت النخلة، فكذلك الله بجميع صفاته هو واحد -سبحانه وتعالى-، الله -سبحانه وتعالى- متصف بصفاته، بالعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة والحياة كلها، فالله بذاته وصفاته واحد، هو الخالق -سبحانه وتعالى- هذا المثال الأول. نعم.
لا نقول: إنه قد كان في وقت من الأوقات ولا قدرة حتى خلق قدرة، والذي ليس له قدرة هو عاجز .
---
نعم، لا نقول في وقت ما له قدرة حتى خلق القدرة؛ لأنه بهذا يكون عاجزا في وقت من الأوقات، وهذا نقص. نعم.
ولا نقول: قد كان في وقت من الأوقات ولا يعلم حتى خلق العلم .
---(1/293)
كذلك لا نقول: إنه في وقت من الأوقات ليس له علم حتى خلق العلم؛ لأن الذي لا يعلم هو جاهل، والله -تعالى- منزه عن ذلك. نعم.
صفات الله قديمة أزلية لم تنفك عنه في وقت من الأوقات
حتى خلق العلم فعلم، والذي لا يعلم هو جاهل، ولكن نقول: لم يزل الله عالمًا قادرًا مالكا، لا متى ولا كيف .
---
نعم، نقول: لم يزل الله متصفا بالصفات من العلم والقدرة والملك وغيره، لم يزل عالمًا مالكًا قادرًا، لا متى ولا كيف، متى تحديد للزمن، وكيف للكيفية، لا نقول: كيفية العلم كذا، ولا كيفية القدرة كذا، ما نكيف، الله أعلم بالكيف.
"ولا متى": لا نقول: متى كان له العلم؟ لم يزل -سبحانه و تعالى- متصفا بالعلم، ما نحدد زمانا، ما نقول: متى، ما يُسأل عن متى، متى كان له العلم؟ يعني في وقت من الأوقات له علم وفي وقت ليس له علم؟! لا، ما يسأل بـ"متى"، لا متى ولا كيف، لا تسأل عن الزمن، ولا تسأل عن الكيفية. نعم.
مثال على أن الصفة لا تنفك عن الذات
وقد سمى رجلا كافرًا اسمه الوليد بن المغيرة المخزومي، فقال: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا . وقد كان هذا الذي سماه وحيدًا له عينان وأذنان، ولسان وشفتان، ويدان ورجلان، وجوارح كثيرة، فقد سماه الله وحيدًا بجميع صفاته، فكذلك الله -وله المثل الأعلى- هو بجميع صفاته إله واحد .
---
هذا المثال الثاني، المثال الثاني الوليد بن المغيرة، سماه الله وحيدًا قال: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا .(1/294)
سَمَّاه الله وحيدا، لكن ما له صفات؟ له عينان، وله أذنان، وله يد، وله رجل، وله سمع، وله بصر، وله علم، وله قدرة، وسمَّاه وحيدا، وحيد، وحيد من صفاته، هو شخص واحد، ما هو اثنين، لكن له صفات، فسماه الله وحيدا وله عينان وأذنان، ولسان وشفتان، ويدان وجوارح، فقد سماه الله وحيدا بجميع صفاته، فكذلك الله -وله المثل الأعلى- هو بجميع صفاته هو إله واحد. نعم.
باب صفة الاستواء
بيان ما أنكرت الجهمية أن يكون الله على العرش، فقلنا: لم أنكرتم ذلك أن يكون الله على العرش، وقد قال -جل ثناؤه-: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى .
وقال: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ .
وقال: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا .
---
هذا الباب في إثبات علو الله -عز وجل- واستوائه على العرش، الجهمية ينكرون أن يكون الله فوق، يقولون: هو في كل مكان، تحت وفوق، وفي الأرض السابعة، وفي كل مكان، تعالى الله عما يقولون.
وأنكروا أن يكون الله على العرش، وأنكروا أن يكون الله فوق، فقال لهم الإمام أحمد: لم أنكرتم ذلك أن يكون الله على العرش؟ وقد قال -جل ثناؤه-: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى .
وقال: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ .
وقال: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا .
والإمام -رحمه الله- وضع ثلاث آيات، آيات الاستواء في سبعة مواضع في القرآن الكريم كلها في إثبات العرش، استواء الله على العرش:
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى هذه في سورة "طه".
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ في سورة "يونس".
وفي سورة "الرعد"، وفي سورة "طه"، وفي سورة "الفرقان"، وفي سورة "السجدة"، وفي سورة "الحديد" وفي سورة "الرعد".(1/295)
سبعة مواضع فيها إثبات الاستواء على العرش، وكلها جاء فيها "على" التي تدل على العلو والارتفاع، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ نعم.
سوف أسألكم عن الآيات السبع في القرآن في الدرس القادم -إن شاء الله- سبع آيات فيها إثبات استواء الله على العرش، لا بد تتأملونها، وأنا ذكرتها لكم هذه السور الآن: "يونس"، "الرعد"، "طه"، و"الفرقان"، و"السجدة"، و"الحديد"، و"الأعراف". نعم.
مذهب الجهمية: الله في كل مكان
فقالوا: هو تحت الأرض السابعة كما هو على العرش، وفي السماوات، وفي الأرض، وفي كل مكان، لا يخلو منه مكان، ولا يكون مكان دون مكان، وتلوا آية من القرآن: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ .
---
إذن، هذا مذهب الجهمية، قالوا: إن الله تحت الأرض السابعة كما هو على العرش، في كل مكان، هو على العرش، وتحت الأرض السابعة، وفي السماوات، وفي الأرض، وفي كل مكان، لا يخلو منه مكان، ولا يكون في مكان دون مكان.
وتلوا آية من القرآن شبهوا بها: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ .
قالوا: الآية دليل على أن الله في السماوات وفي الأرض.
سيجيب الإمام -رحمه الله- نعم.
الرد على ما زعموه أن الله في كل مكان
وتلوا آية من القرآن: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ .
فقلنا: قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها من عظمة الرب شيء. فقالوا: أي مكان؟ قلنا: أجسامكم وأجوافكم، وأجواف الخنازير والحشوش، والأماكن القذرة والأماكن القذرة ليس فيها من عظم الرب شيء .
---
نعم، يقول الإمام -رحمه الله-: عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها شيء من عظمة الرب، منزه عنها الرب -سبحانه وتعالى-، فقالوا: أي مكان؟ قال: أجسامكم وأجوافكم، وأجواف الخنازير، والحشوش، والأماكن القذرة ليس فيها شيء من عظمة الرب، والله -تعالى- فوق العرش، فوق السماوات، بعدما تنتهي السماوات سقف عرش الرحمن، والله فوق العرش. نعم.
الله في العلو(1/296)
قد أخبرنا أنه الله في السماء، فقال: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا .
وقال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ .
وقال: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ .
وقال: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ .
قال: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ .
وقال: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ .
وقال: ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ .
وقال: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ .
وقال: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ .
---
هذه كلها نصوص في إثبات العلو، والنصوص التي تدل علي أن الله في العلو يقول العلماء: تزيد على ثلاثة آلاف دليل أفرادا، تزيد على ثلاثة آلاف، لكن هذه أمثلة منها، قوله: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ -وهو الله- أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا .
وقال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ .
والصعود إنما يكون من أعلى إلى أسفل، دل على أن الله في العلو.
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ والرفع إنما يكون من أسفل إلى أعلى.
وقال لعيسى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ والرفع من أي شيء؟ من أسفل إلى أعلى، فدل على أن الله في العلو.
وقال: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ .
وقال: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ الملائكة.
له ملك السماوات والأرض، ملكًا.
ثم قال: وَمَنْ عِنْدَهُ في العلو -وهم الملائكة- لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ .(1/297)
لو كان قوله: وَمَنْ عِنْدَهُ تفيد العلو، لكان لم يكن لهم ميزة الملائكة، الملائكة لهم ميزة، "ومن عنده" في العلو.
وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثم خص الملائكة فقال: وَمَنْ عِنْدَهُ في العلو، لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ .
وقال: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ .
وقال: ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ العروج إنما يكون من أسفل إلى أعلى، فدل على أن الله في العلو.
قال: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ .
قال: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ .
هذه أمثلة، والنصوص التي فيها العلو كثيرة. نعم.
وصف الله نفسه بالعلو وذم أهل السفل
فهذا خبر الله أخبرنا أنه في السماء، ووجدنا كل شيء أسفل منه مذمومًا.
يقول الله -جل ثناؤه-: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ .
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ .
وقلنا لهم: أتعلمون أن إبليس كان مكانه، والشياطين مكانهم، فلم يكن الله بمجتمع هو وإبليس في مكان واحد؛ وإنما معنى قوله -جل ثناؤه-: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يقول: هو إله من في السماوات، وإله من في الأرض، وهو على العرش، وقد أحاط بعلمه ما دون العرش، ولا يخلو من علم الله مكان، ولا يكون علم الله في مكان دون مكان، فذلك قوله: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا .
---
إذن، أجاب الإمام -رحمه الله- قال: أنتم أيها الجهمية تقولون: إن الله في كل مكان، في الأسفل، وفي الأعلى.
أجاب الإمام قال: وجدنا كل شيء أسفل هو مذموم، كل شيء أسفل هو مذموم، أتجعلون الله مع المذمومات؟! تعالى الله.(1/298)
قال الله تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ .
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ .
إبليس أين مكانه والشياطين؟ أسفل. فلم يكن الله بمجتمع هو وإبليس في مكان واحد، تعالى الله.
ثم أجاب على استدلالهم بالآية: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ .
قال: المعنى: هو إله ما في السماوات، وإله من في الأرض، وهو الله في السماوات، يعني: إله من في السماوات، وإله من في الأرض، وهو -سبحانه- فوق العرش، وفوق العلو، لكن هو إله من في السماوات، معبود من في السماوات، ومعبود من في الأرض، يعبده أهل السماوات، ويعبده أهل الأرض.
وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ يعني: إله من في السماوات، وإله في الأرض.
وهو على العرش وقد أحاط بعلمه ما دون العرش، ولا يخلو من علم الله مكان، ولا يكون علم الله في مكان دون مكان.
علمه شامل لكل شيء، في كل مكان، أما ذاته -سبحانه- فهو فوق العرش.
بعض المفسرون فسر: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ المراد علمه، علمه في السماء كما أن علمه في الأرض، والإمام هنا فسرها بأنه معبود من في السماء، ومعبود من في الأرض، وعلمه في كل مكان.
ولهذا قال -سبحانه-: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا نعم.
ثم ذكر تنظير. نعم.
أمثلة على صفة العلو وإحاطة العلم
ومن الاعتبار في ذلك لو أن رجلا كان في يده قدح من قوارير صافٍ، وفيه شراب صافٍ، كان بصر بن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون بن آدم في القدح، ولله المثل الأعلى، قد أحاط بجميع خلقه من غير أن يكون في شيء من خلقه .
---(1/299)
هذا المثال الأول، ذكر مثالين توضيحيين لإثبات إحاطة علم الله وهو على العرش.
"ولو أن رجلا في يده قدح من قوارير صاف، زجاجة فيها شراب صاف، كان بصر بن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون بن آدم في القدح".
أنت لما يكون معك زجاجة الآن، صافية وفيها شراب صاف، ألا تنظر؟ بصرك ينظرها، هل تحيط بها؟ علمك محيط بها، وتعرف ما فيها، وأنت لست داخلا في الزجاجة؟
فكذلك الله -وله المثل الأعلى- فوق العرش وهو يعلم خلقه، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم.
كما أن الإنسان إذا كان في يده الزجاجة، وفيها شراب صاف، يعلمها ويحيط به علمه، وهو ليس داخلا فيها، فكذلك الله فوق العرش، وهو يعلم أحوال عباده، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم. نعم.
وخصلة أخرى: لو أن رجلا بنى دارا بجميع مرافقها، ثم أغلق بابها، وخرج منها، كان ابن آدم لا يخفى عليه كم بيت في داره، وكم سعة كل بيت، من غير أن يكون صاحب الدار في جوف الدار، فإن الله -وله المثل الأعلى- قد أحاط بجميع ما خلق، وقد علم كيف هو، وما هو، من غير أن يكون في شيء مما خلق. قاله أحمد رحمه الله .
---
يعني: المثال الثاني يقول: لو أن شخصا بنى دارا، بنى دارا بجميع مرافقها، ثم أغلق بابها، وخرج منها، فأنت هذه الدار التي بنيتها تعرف حالها، تعرف الآن كم فيها من المجالس؟ تعرف فيها مجلسين، تعرف فيها صالة، تعرف فيها ثلاث غرف أسفل، تعرف الدور الثاني كم غرف، لأنك أنت اللي مفصلها، فصلتها وبنيتها، فإذا خرجت من الدار هل يخفى عليك شيء منها؟ ما تخفى عليك.
تدري كم عدد الغرف، وكم سعتها، وكم مساحتها؛ لأنك أنت الذي بنيتها، وأنت خارج الدار تعرفها وأنت خارج الدار.(1/300)
فكذلك الله -وله المثل الأعلى- قد أحاط بجميع خلقه، وقد علم كيفية هو، وما هو، أحاط بجميع خلقه، وقد علم بكيفية خلقه، وماهيتهم، وحقيقتهم من غير أن يكون فيهم؛ بل هو فوق العرش، هو فوق العرش ويعلم أحوال عباده أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ .
يعني: إذا كان الإنسان إذا بنى بيتا، ويعرف مساحته، وكم عدد الغرف، وكم فيه، وهو خارج الدار لا يخفى عليه، تقول: دارك الفلانية التي بنيتها كم مساحتها؟ يقول: مساحتها خمسمائة في خمسمائة، أو أربعمائة في أربعمائة، لأنه هو عند مخططها، وكم فيها، لما يريد يبيعها أو صف لي بيتك؟ المساحة كذا وكذا، والمجلس مساحته كذا، والمجلس الثاني مساحته كذا، والصالة مساحتها كذا، وفي الدور الأسفل فيه ثلاث غرف، والدور الأعلى فيه ثلاث غرف، وفيه كذا، ويصفها، وإن كان خارج البيت.
فكذلك الله -وله المثل الأعلى- هو فوق العرش ولا يخفى عليه شيء من أعمال عباده ولا أحوالهم، هو الذي خلقهم، يعلم أحوالهم، وكيفيتهم، وماهيتهم أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ نعم.
نقف على هذا، وفق الله الجميع.
فيه أسئلة؟
يعني: كل شيء تحت العرش أحاط به، والعرش منها، أن علمه لا يخفى عليه شيء، يعلم جميع مخلوقاته، العرش والسماوات والأرضين وما فيها، وهو فوق العرش -سبحانه وتعالى-.
هم يقولون: القرآن مخلوق، القرآن كلام الله وليس كلام الله مخلوق، فلا يكون صفة من صفاته، ينكرون أنه يكون صفة من صفاته، في الأول أنكروا أن يكون تكلم، ثم قالوا: إنه تكلم ولكنه مخلوق.
ففي الحالتين أنكروا كلام الله، خلقه لا يكون صفة من صفاته، هل خلقه صفة من صفاته؟ لو كان خلقه صفة من صفاته نقول آدم صفة لله، ما يقولها عاقل. نعم.(1/301)
س: فضيلة الشيخ، قلتم: إن الجهمية إذا سئلوا: هل الله شيء؟ يقولون: شيء لا كالأشياء. أليس أهل السنة والجماعة يثبتون أن الله شيء لا كالأشياء، أي: لا يشبه الأشياء؟ فما الفرق بين ما يعتقده أهل السنة والجهمية؟ .
ج: الجهمية يقولون: إن الله لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه، من وجوه الشبه، فيشمل مع الشيء الذي يكون في الذهن حينما يقطع عن الإضافة، لفظ موجود، لفظ علم، لفظ سمع، لفظ بصر، هذا لا بد من إثبات هذا النوع من الشبه، فمن لم يثبت هذا النوع أنكر وجود الله.
إذا قلت: موجود. كلمة موجود، يشمل وجود الخالق ووجود المخلوق، ولّا ما يشمل؟
من أنكر، من قال: إن الله لا يشبه المخلوق ليس بموجود أنكر هذا النوع، ومن أنكر هذا النوع فقد أنكر وجود الله، لا بد أن تثبت نوعًا وجها من وجوه الشبه بين الخالق والمخلوق، ما هو؟ حينما يقطع عن الإضافة والاختصاص، إذا قلت: لفظ وجود، لفظ سمع، لفظ وجود يشمل وجود الخالق ووجود المخلوق، لفظ السمع يشمل سمع المخلوق وسمع الخالق، لفظ بصر يشمل بصر الخالق وبصر المخلوق، هذا لا بد من إثبات هذا النوع، لكن متى يزول الاشتراك؟ إذا أضفت وخصصت، فمن أنكر هذا النوع معناه أنكر وجود الله. واضح هذا.
أهل السنة يقولون: إن الله لا يشبه المخلوقات، إن الله -تعالى- لا يشبه شيئا من خلقه. نعم، لكن هذا النوع من الشبه ما يكون في الذهن، متى يكون خلقًا؟ إذا أضيف وخُصص، فالله -تعالى- لا يشبه المخلوقات، نعم صحيح.
لكن ليكن بوجه من الوجوه، نسيت معناه، المعنى الاشتراكي، المعنى المشترك في الذهن، لا بد أن تثبت هذا النوع. نعم.
س: فضيلة الشيخ، ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوى أثرًا عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- لما كان يطوف حول الكعبة هو وبلال -رضي الله عنهم-، حيث إنه قال: دعنا نتراءى الله. فما هو المقصود من قوله: نتراءى؟ .(1/302)
ج: يعني: المراد قدرة الله وآثار الله كما بين الشيخ ابن تيمية، يعني: قدرة الله، وآثار قدرة الله، نعم هذا المقصود.
س: ما معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: سبحات وجهه . .
ج: قال بعض الصحابة: أنواره أنوار بصره -والله أعلم- السبحات، لو كشف لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه .
ظاهر النور، يعني: ظاهر النور، حجابه النور، لو كشف لأحرقت سبحات وجهه فظاهر الحديث أنها الأنوار، وأن الإنسان لا يثبت لعظمة الله -عز وجل-، ولو كشفها لأحرقت سبحات وجه، ظاهره النور -سبحانه وتعالى-.
س: فضيلة الشيخ، في الحديث: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه. . .
حجابه: والحجاب -حجاب الله- يحتجب به عن خلقه، احتجب بالنور، ولكن هذا النور الذي احتجب به مخلوق، وهو غير النور الذي هو صفة من صفاته. نعم.
س: في الحديث: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان هل تكليم الله مقتصر على المؤمنين، أم أنه يشمل المؤمن والكافر؟ .
ج: الرسول -عليه الصلاة والسلام- يخاطب المؤمنين، يخاطب المؤمنين، فهم يكلمون الله، ويرون الله -عز وجل-ن أما الكفار فالآيات فيها أنهم يحجبون كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ .
وإن كلمهم الله كلام غضب هم لا يرونه، كما يكلم أهل النار ويقول: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ
ولا يرون الله، وقال بعض العلماء: إن أهل الموقف جميعًا يرون الله، مؤمنهم وكافرهم، ثم يحتجب عن الكفار، فلا يرونه بعد ذلك.
وهذه الرؤية التي يرونها لا يستفيدون منها، إنما رؤية النعيم تكون في الجنة للمؤمن خاصة.
وقال شيخ الإسلام وغيره ممن أثبت هذه الرؤية: مثل ما أن السارق يؤتَى به للحاكم ويراه، ولا يستفيد من هذه الرؤية، يراه وهو غاضب عليه ويعذب.
فالرؤية لأهل الموقف فيها ثلاث أقوال لأهل العلم:
القول الأول: أنه لا يراه إلا المؤمنون.(1/303)
والقول الثاني: أنه يراه جميع أهل الموقف، مؤمنهم وكافرهم، ثم يحتجب عن الكفار.
والقول الثالث: أنه لا يراه إلا المؤمنون والمنافقون؛ لأن المنافقين كانوا مع المؤمنون في الدنيا.
هذه أقوال لأهل العلم في الرؤية في الموقف، أما الرؤية في الجنة خاصة بالمؤمنين معروفة.
كذلك التكليم، التكليم فيه ثلاثة أقوال لأهل العلم:
قيل: إنه يكلم أهل الموقف جميعًا.
وقيل: يكلم المؤمنين والمنافقين.
وقيل: يكلم المؤمنين.
ثلاث أقوال. نعم.
س: فضيلة الشيخ، هذا السائل متحرج يقول: إنني مسافر من غير أهل هذه البلاد، وقد دخلت المسجد اليوم لصلاة العصر، فوجدت الإمام في التشهد الأخير، فدخلت معه بنية أربع ركعات، وأنا مسافر، فهل فعلي صحيح، أم أعيد الصلاة ركعتين؟ .
ج: فعلك صحيح، بل هو واجب، المسافر إذا صلى مع الإمام يجب عليه أن يتم الصلاة، وليس إذا صلى خلف الإمام المقيم، تبعا لإمامه، لأنك إذا كنت مسافرا، ثم دخلت المسجد، أو صليت خلف المقيم، يجب أن تتم، فإذا أدركت ركعة -وهو يصلي أربع ركعات- يجب عليك إذا سلم الإمام أن تأتي بثلاث ركعات، ولو كنت مسافرا؛ لأنك تبع لإمامك، وإذا صليت خلف المسافر فأقصر.
سئل ابن عباس -رضي الله عنهما- في "صحيح مسلم" ما معناه: ما لنا إذا كنا مسافرين، أو إذا صلينا خلف مسافر قصرنا، أو صلينا خلف المقيم أتممنا؟ فقال: تلك السنة أو كما قال -رضي الله عنه.
فالمسافر إذا صلى خلف المقيم يتم، وإذا صلى خلف المسافر يقصر، تبعٌ للإمام. نعم.
يعمل بالأصل، بالأحوط، إذا كان يغلب على ظنه أنه مقيم يصلي أربعا. نعم.
س: السؤال الأخير:
يقول: فضيلة الشيخ، هل نحن ملزمين بتفسير المعية بما ورد فيها من نصوص وهو العلم، أو نقول: إنها صفة تليق بالله. ويكفي؟ .
ج: نعم، صفة تليق بالله، ولكن نفسرها بما فسرتها النصوص، النصوص إذا قلنا: إن المعية أن يكون معهم بعلمه وإحاطته واطلاعه ورؤيته وبصره، كل هذا مأخوذ من النصوص.(1/304)
قال الله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ .
إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .
في الآية، آية: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ .
آية "المجادلة" افتتحها الله بعلم، وختمها بعلم.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ .
ثم قال: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .
فافتتح الآية بعلم، وختمها بعلم، فدل على أنها معية علم وإحاطة واطلاع، هذا من القرآن مأخوذ، ما هو تأويل. نعم. جزى الله فضيلتكم خير الجزاء.
س: المسافر إذا جاء لحاجة، ولا يدري متى تنتهي، فلا يزال مسافرًا، حتى ولو أقام مدة طويلة، إذا كان ما يدري بحاجة معاملة، ما يدري تنتهي اليوم، غدًا، أو بعد غد، متى انتهت سافر، هذا لا يزال مسافرًا..
ج: أما إذا قرر أنه سيقيم، يعرف المدة التي يقيم فيها، هذا اختلف العلماء فيها، اختلف العلماء فيها على عشرين قولا أو أكثر، ولكن أرجحها الذي عليه الفتوى الآن، أنه إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام فإنه يتم من أول فرض، وإذا نوى يومين أو ثلاثة أو أربعة فإنه يقصر، هذا إذا ما صلى مع الجماعة، إذا صلى مع الجماعة في المسجد يتم، وإذا صلى مع أصحابه يقصر، إذا كان يومين، ثلاثة، أربعة.
أما إذا قرر زيادة أنه سيقيم أكثر من أربعة أيام من أول فرض يكون مقيما، هذا هو الذي عليه الفتوى، والذي يفتي به جمهور العلماء.
وشيخ الإسلام وجماعة يفتي بأنه لا يزال مسافرا حتى يرجع إلى بلده، ولكن الفتوى على جمهور العلماء، والفتوى الآن هو هذا، أنه إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام فإنه يكون مقيما من أول فرض، وإذا نوى أقل يكون مسافرا، إلا إذا صلى مع الناس يكون تبعا للإمام، إذا صلى مع المقيمين يكون تبعا لهم.
وفق الله الجميع.(1/305)
اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
في الدرس الماضي استعرضنا الباب الذي عقده الإمام أحمد -رحمه الله- في هذه الرسالة "الرد على الزنادقة والجهمية"، وهو بيان ما أنكرت الجهمية أن يكون الله على العرش، يعني إنكارهم للعلو، فالجهمية أنكروا علو الله، واستواء الله على عرشه، وعلو الله على خلقه.
قد ذكر الإمام -رحمه الله- في الرد عليهم أدلة تدل على علو الله على خلقه واستوائه على عرشه، من هذه الأدلة؟ نعم الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى نعم، وأدلة أخرى غير الاستواء شرعية؟ نعم إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ هذه كلها ذكرها الإمام -رحمه الله-.
وأدلة علو الله على خلقه واستوائه على عرشه كثيرة، يقول العلماء: تزيد أفرادها على ثلاثة آلاف دليل، أفرادها تزيد على ثلاثة آلاف دليل، لكن يمكن أن تُحصر هذه الأفراد في قواعد وأصول ترجع إليها، أو أنواع من الأدلة، يعني تنوع هذه الأدلة إلى أنواع، وكل نوع يدخل تحته أفراد كثيرة.
فمثلًا أنواع الأدلة الشرعية التي تدل على علو الله على خلقه واستوائه على عرشه كثيرة، منها:
أولًا: التصريح بأنه استوى على العرش، هذا نوع من أنواع الأدلة يدخل تحته سبعة أدلة وسبعة أفراد، تصريح بأنه استوى على العرش في سبعة مواضع من كتابه -سبحانه وتعالى-:
في سورة الأعراف، وفي سورة يونس، وفي سورة الرعد، وفي سورة طه، وفي سورة الفرقان وفي سورة السجدة، وفي سورة الحديد، كلها جاء فيها التصريح بأن الله استوى على العرش بأداة "على" التي تدل على العلو والارتفاع، إذن هذا نوع من أنواع الأدلة: التصريح باستواء الله على العرش.(1/306)
ثانيًا: النوع الثاني: التصريح بالعلو، التصريح بعلو الله كقوله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ تحته أفراد كثيرة، كل ما جاء فيه تصريح بالعلو يدخل تحت هذا النوع، هذا النوع الثاني.
النوع الثالث: التصريح بالفوقية تارة مقرونة بـ"من"، وتارة غير مقرونة بـ"من"، فالمقرونة بـ"من" صريحة لا تحتمل التأويل كقوله تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ هذه صريحة ما تحتمل التأويل، وغير المقرونة بـ"من" ظاهرة في المراد، ولا يقبل تأويلها ممن أولها إلا بدليل، ولا دليل، كقوله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ
النوع الرابع من أنواع الأدلة: التصريح بالعروج إليه، والعروج يكون من أسفل إلى أعلى، كقوله: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ وفي الحديث: فيعرج الذين باتوا فيكم وهو أعلم بهم سبحانه
الخامس: التصريح بالصعود إليه في قوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ والصعود يكون من أسفل إلى أعلى.
السادس: التصريح برفع بعض المخلوقات إليه، كقوله تعالى عن عيسى: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وثبت في الحديث ارتفاع دعوات المضطرين والمظلومين.
السابع: التصريح بأنه في السماء في قوله تعالى: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ .(1/307)
والسماء المراد بها العلو، إذا كانت "في" للظرفية فالمراد بالسماء العلو، و أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أي من في العلو، والله تعالى له أعلى العلو، وهو ما فوق العرش، وإذا أريد بالسماء الطباق المبنية فتكون "في" بمعني "على"، أأمنتم من على السماء، السماء إذا أريد بها العلو تكون "في" للظرفية، وإذا أريد بالسماء الطباق المبنية تكون "في" بمعنى "على".
الثامن: التصريح بأنه -سبحانه وتعالى- رفيع الدرجات، أي مرفوعة درجاته لارتفاعه هو وعظمته، وأنه أعظم من كل شيء، يقول -سبحانه وتعالى- في سورة غافر: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ أي مرفوعة درجاته لارتفاعه هو -سبحانه- وعظمته -جل سلطانه-، وليس المراد معناها رافع درجات المؤمنين كما أوله المعطلة؛ لأن الضمائر تعود إليه -سبحانه وتعالى-، وكقوله سبحانه: مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ أي المصاعد التي تصعد إليه جل شأنه.
التاسع: التصريح بأن بعض المخلوقات عنده مع أن له ملك السماوات والأرض كقوله تعالى: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ فله من في السماوات والأرض، يملك من في السماوات والأرض، الملائكة والآدميين وغيرهم، ثم خص الملائكة فقال: وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ من عنده يعني في العلو.(1/308)
العاشر: التصريح بأن من أسمائه الظاهر، وتفسير النبي -صلى الله عليه وسلم- له بنفي فوقية شيء عليه كقوله تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ فالظاهر العلو المراد به العالي بدليل الحديث، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء فالنبي -صلى الله عليه وسلم- فسر الظاهر بنفي فوقية شيء عليه.
الحادي عشر: التصريح بالإشارة إليه -سبحانه وتعالى- في أعظم موقف بالإشارة إليه في العلو كقوله -صلى الله عليه وسلم- لما كان يخطب الناس يوم عرفه قال: ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد، فرفع إصبعه إلى السماء قال: اللهم اشهد، فرفْعُ الإصبع إليه من أدلة العلو.
الثاني عشر: التصريح بالتنزيل من عنده كقوله تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ والتنزيل إنما يكون ممن هو فوق وممن هو عال.
الثالث عشر: النصوص التي فيها إثبات رؤية الله تعالى في القرآن الكريم، وفي السنة المتواترة، التي فيها إثبات رؤية الله -عز وجل-، والرؤية لا تكون إلا بمواجهة المرئي ومباينته، وقد تواترات النصوص بأن المؤمنين يرون ربهم من فوقهم.
الرابع عشر: السؤال عن الله بـ"أين" -وأين إنما يسأل بها عن المكان- دل على أن الله في العلو كقوله -صلى الله عليه وسلم- للجارية: أين الله؟ الجارية العجمة الأعجمية أين الله؟ قالت: في السماء. قال: أعتقها فإنها مؤمنة .
والمعطلة والجهمية يقولون: لا يُسأل عن الله بأين، ليس له مكان، هو في كل مكان، فهذا فيه الرد عليهم، السؤال أين يُسأل به عن المكان أين الله؟ قالت: في السماء. قال: أعتقها فإنها مؤمنة .(1/309)
فهذه أربعة عشر نوعا من أنواع الأدلة، ترجع إليها جميع أفراد الأدلة، كل نوع تحت أفراد كثيرة.
ومما رد به الإمام -رحمه الله- على المعطلة قال: إن الأسفل مذموم، وقال الله تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وإبليس والشياطين مكانهم بالسفل، والله تعالى منزه عن السفل، فهو في العلو.
وأما شبهة الجهمية واستدلالهم بالآية: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ فأجاب عنها الإمام بأي شيء؟ يعني: إله من في السماوات، وإله من في الأرض، وقال: إن الله تعالى فوق العرش، وفوق مخلوقاته، ولا يخفى عنه شيء من أعمال عباده، فهو عالم بأحوالهم؛ لأنه هو الذي خلقهم وأوجدهم أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ .
وضرب مثالين، المثال الأول؟ نعم الكأس من الزجاج، نعم فيه شراب صاف، والزجاج صاف، فالإنسان يرى ما فيه، وإن لم يكن+ في داخل الكأس، والله تعالى فوق العرش، وفوق المخلوقات، وهو يعلم أحوال عباده؛ لأنه هو الذي خلقهم.
الثاني: من بنى دارا بجميع مرافقها وأغلق بابها ثم خرج منها، فإنه لا يخفى عليه ما فيها، لا يخفى عدد مساحتها، وعدد الغرف التي فيها، فالله تعالى لا يخفى عليه شيء من أعمال عباده، وهو فوق العرش. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00199.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00197.htm
باب تأويل الجهمية لمعية الله
بسم الله الرحمن الرحيم
قال -رحمه الله-تعالى-: باب بيان ما تأولت الجهمية من قول الله تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ الآية. قالوا: إن الله -عز وجل- معنا وفينا، فقلت: لِمَ قطعتم الخبر من أوله أن الله -عز وجل- يقول: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ؟ فأخبر جل ثناؤه أنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض.
---(1/310)
يعني أن الجهمية تأولوا قول الله تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا تأولوها بأيش؟ تأولوا الآية بأن المعية معناها الاختلاط، وأن الله مختلط بالخلق، ممتزج بهم.
الجهمية يقولون، تأولوا الآية على أي شيء؟ قالوا: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ يعني: معهم، بينهم في الأرض، وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ بينهم، معهم -تعالى الله-، بماذا أجاب الإمام؟
قال الإمام ردًّا عليهم: ولهذا قالوا: إن الله -عز جل وعلا- معنا وفينا، هذا كلام الجهمية، يقولون: إن الله معنا وفينا، مع الثلاثة، ومع الأربعة، ومع الخمسة، إذن معنا وفينا، فقال الإمام ردا عليهم: لِمَ قطعتم الخبر من أوله؟ الخبر يعني الآية التي أخبر الله بها، الخبر المراد بالخبر أيش؟ الآية التي أخبر الله بها، وهي قوله تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ .
يقول: اقرءوا الآية من أولها، لماذا تقطعون الآية؟ تأخذون بعض الآية وتتركون بعض الآية، اقرأ أول الآية: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى فأخبر -جل ثناؤه- أنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض، إذن المراد هنا المعية، معية علم وإحاطة، ليست معية اختلاط، واضح هذا؟
إذن المعية هنا معية أيش؟ معية علم، وليس معية اختلاط، وسبق أن المعية معناها في اللغة العربية -معناها- مطلق المصاحبة، تفيد المصاحبة، ولا تقتضي الاختلاط، ولا الامتزاج، ولا المماسة، ولا المحاذاة عن يمين أو شمال، هذا أصلًا في اللغة العربية، وهي تختلف باختلاف متعلقاتها ومصحوبها واضح؟(1/311)
إذن هؤلاء ما تمشوا مع اللغة العربية -الجهمية-، اللغة العربية هل معنى المعية فيها الاختلاط؟ لا، معناها المصاحبة، وهي لا تقتضي الاختلاط، تختلف باختلاف متعلقاتها ومصحوبها، فتقول: فلان معك، أنا معك، يعني: مالي معك، أرسلت مالي معك، هذا نوع من متعلقات المعية، فلان زوجته معه، هو في المشرق وهي في المغرب، هذه الآن معه يعني: في عصمته، واضح هذا؟
تقول العرب: ما زلنا نسير والقمر معنا، القمر فوق، مازلنا نسير والنجم معنا، إذن المعية لا تفيد الاختلاط ولا الامتزاج، فالجهمية قالوا، أخذوا من هذه الآية أنها تفيد الاختلاط والامتزاج.
من أين جئتم بهذا الاختلاط والامتزاج، واللغة العربية لا تريد الاختلاط والامتزاج؟ هذا من أبطل الباطل؛ ولهذا قال الإمام -رحمه الله-: لِمَ قطعتم الخبر من أوله؟ اقرءوا الآية من أولها يتبين لكم أن المراد معية العلم؛ لأن الله تعالى افتتح الآية بالعلم وختمها بالعلم، فدل على أن المعية معية علم.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ هذا العلم ثم قال: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .
إذن افتتح الله الآية بالعلم وختمها بالعلم؛ فدل على أن المعية معية العلم، وبهذا أجاب الإمام -رحمه الله- نعم.
رد أهل السنة في معية الله
فأخبر -جل ثناؤه- أنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض ثم قال: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ يعني إن الله بعلمه رابعهم .
---(1/312)
هذا يعني أن الله بعلمه رابعهم، ليش قال: إن الله بعلمه؟ هل هذا تأويل؟ ليس تأويلا، أخذها من الآية، الآية افتتحها الله بالعلم أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فدل على أن المعية معية علم مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ يعني: إلا الله بعلمه رابعهم. نعم.
معية الله بعلمه
وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ يعني: الله بعلمه سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ يعني: بعلمه فيهم أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .
---
إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ختم الآية بالعلم وافتتحها بالعلم. نعم.
يفتح الخبر بعلمه ويختم الخبر بعلمه
يفتح الخبر بعلمه ويختم الخبر بعلمه .
---
يفتح الخبر يعني يبدأ الخبر، الخبر الآية؛ لأن الآية خبر، الآية: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ هنا افتتح الخبر بالعلم، ويختم الخبر بالعلم في قوله: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00203.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00201.htm
مناقشة الجهمية في معية الله
ويقال للجهمي: إن الله إذا كان معنا بعظمة نفسه، فقل له: هل يغفر الله لكم فيما بينه وبين خلقه؟ فإن قال: نعم، فقد زعم أن الله بائن من خلقه، وأن خلقه دونه، وإن قال لا: كفر .
---
يعني: هذه مناقشة قوية للجهمي، مناقشة ملجئة، يعني: يقال للجهمي: إن تقول إن الله معنا بعظمته في الأرض -تعالى الله- هل يغفر الله لكم أو لا يغفر؟ هل يغفر للمذنبين أو لا يغفر؟(1/313)
إما أحد أمرين: إما أن يقول: نعم، وإلا يقول: لا، إن قال: نعم، معناه ترك مذهبه، زعم أن الله بائن من خلقه، يغفر لأيش؟ للمذنبين، إذن هناك غافر ومغفور له، إذن فيه مباينة، ما فيه اختلاط، فيه مباينة، وإن قال: لا، كفر؛ لأنه كذب الله في قوله: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ .
فيقول: إن قلت: لا، هل يغفر الله للمذنبين؟ هل يغفر الله للخلق فيما بينه وبين خلقه؟ هل يغفر الله للمذنبين فيما بينه وبينهم من الذنوب؟ إن قال الجهمي: لا، كفر؛ لأنه كذب الله في قوله: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وإن قال: نعم، ترك مذهبه؛ لأنه قال: إن الله بائن من خلقه وأن خلقه دونه. نعم.
كذب وافتراء الجهمية
إذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله حين زعم أن الله في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان .
---
يعني: إذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله حين زعم أن الله مختلط بالمخلوقات، الجهمي يقول: إن الله في مكان، في كل مكان، ولا يكون في مكان دون مكان، يعني: بل في جميع الأمكنة، الجهمي يقول: إن ذات الله بسيطة، عامة لجميع الأمكنة، واسعة تشمل جميع الأمكنة -تعالى الله عما يقولون- نعم.
دليل عقلي في إثبات صفة العلو
فقل: أليس الله كان ولا شيء؟ فيقول: نعم، فقل له: حين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجا من نفسه؟ فإنه يصير إلى ثلاثة أقاويل، واحد منها: إن زعم أن "الله خلق الخلق في نفسه" كفر حين زعم أنه خلق الجن والإنس والشياطين في نفسه، وإن قال: "خلقهم خارجا من نفسه ثم دخل فيهم" كان هذا أيضا كفرا حين زعم أنه دخل في مكان رجس قذر رديء، وإن قال: "خلقهم خارجا من نفسه ثم لم يدخل فيهم" رجع عن قوله أجمع، وهو قول أهل السنة .
---
وهذا دليل عقلي من طريق السبر والتقسيم، يعني قسم الأحوال التي يتصورها العقل، الجهمي يقول: إن الله في كل مكان، نقول له: الله حين خلق الخلق هل خلقهم في نفسه أو خلقهم خارجا من نفسه؟(1/314)
العقل يتصور ثلاثة أشياء: إما أن يقول: خلقهم في نفسه، أو يقول: خلقهم خارج نفسه ثم دخل فيهم، أو يقول: خلقهم خارجا عن نفسه ثم لم يدخل فيهم، واحدا من الثلاثة، ولا يتصور العقل أكثر من هذا.
فإن قال: "خلقهم في نفسه" كفر، لماذا؟ لأنه زعم أنه خلق الجن والشياطين والإنس في نفسه -أعوذ بالله-، وكذلك إذا قال: "خلقهم خارجا عن نفسه ثم دخل فيهم" كفر أيضا؛ لأنه زعم أن الله دخل في مكان رجس قذر رديء -تعالى الله-، وإن قال: "خلقهم خارجا عن نفسه ثم لم يدخل فيهم" ترك مذهبه، وقال بقول أهل السنة، واضح هذا؟ وهذا لا محيد له عن هذه أيش؟ عن واحد من هذه الأقسام الثلاثة. نعم.
باب إثبات المعية
باب بيان ما ذكر الله في القرآن: وَهُوَ مَعَكُمْ وهذا على وجوه، قال الله -جل ثناؤه- لموسى: إِنَّنِي مَعَكُمَا .
---
أيضا لا يزال المؤلف في المعية، الباب السابق باب ما تأولت الجهمية من قول الله تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ في المعية، وهذا في المعية أيضا، هناك في الرد عليهم -أراد أن يرد عليهم-، وهنا أراد أن يذكر الأدلة على إثبات المعية. نعم.
الأدلة على إثبات المعية
وهذا على وجوه، قال الله -جل ثناؤه- لموسى: إِنَّنِي مَعَكُمَا يقول: في الدفع عنكما. وقال: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا يقول: يعني في الدفع عنا. وقال: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ يقول: في النصر لهم على عدوهم.(1/315)
وقال: فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ في النصر لكم على عدوكم. وقال: وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ يقول: بعلمه فيهم. وقال: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ يقول: في العون على فرعون .
---
هذه الأدلة الآن ذكرها في إثبات المعية، وقال: إن المعية على وجوه -رحمه الله-.
الآية الأولى: إِنَّنِي مَعَكُمَا قول الله تعالى خطابا لموسى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى قال المؤلف: معناها يقول: في الدفع عنكما.
والآية الثانية: الدليل الثاني: قوله تعالى: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ الرسول -عليه الصلاة والسلام- وأبو بكر ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا يقول: يعني في الدفع عنا.
والدليل الثالث: قول الله تعالى: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ يقول: في النصر لهم على عدوهم.
والآية أيش الثالثة؟ قول الله تعالى: فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ يقول: في النصر لكم على عدوكم، وقال: وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ يقول: بعلمه فيهم.
والآية أيش الخامسة؟ قوله: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ يقول: في العون على فرعون.(1/316)
طيب، هذه كلها في إثبات المعية، هل هي معية عامة ولَّا معية خاصة؟ الضابط في هذا أن المعية تنقسم إلى قسمين -كما سبق-: معية عامة، ومعية خاصة، وهذه الآيات ترجع إلى النوعين: معية عامة، ومعية خاصة، وسبق أن قلنا إن هناك فرق بين المعية العامة والمعية الخاصة.
قلنا: إن هناك فروق ثلاثة، فالمعية العامة: معية اطلاع وإحاطة، وتأتي في سياق المحاسبة والتخويف والجزاء. أما المعية الخاصة: معية عون ونصر وتأييد وحفظ وكلاءة ودفع، وتأتي في سياق المدح والثناء. واضح هذا؟
والمعية العامة تشمل المؤمن والكافر، والخاصة خاصة بالمؤمنين، فتكون الفروق ثلاثة: المعية العامة معية إحاطة وإطلاع، والمعية الخاصة معية حفظ ونصر وتأييد ودفع.
ثانيا: المعية العامة تأتي في سياق المحاسبة والجزاء والتخويف، هذه المعية العامة، والمعية الخاصة تأتي في سياق المدح والثناء.
ثالثا: المعية العامة تشمل المؤمن والكافر، للمؤمن والكافر، والمعية الخاصة خاصة بالمؤمنين.
هذه الآيات كلها في المعية الخاصة إلا قوله: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ .
إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى خطاب لموسى وهارون، هذه معية خاصة، ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ هذه أيش؟ معية خاصة، كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ معية خاصة، فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ خطاب للمؤمنين معية أيش؟ خاصة، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ معية خاصة.(1/317)
بقي آية واحدة في المعية العامة وهي: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ ؛ ولهذا قال: يقول: بعلمه، معية علم وإحاطة، هذه عامة، قيل المعية نوعان: خاصة وعامة، الإمام -رحمه الله- قال: إنها على وجوه -يعني من جهة المعنى- قال: في الدفع عنهما، أو في العون والنصر، وإلا فكل الآيات في المعية الخاصة ما عدا آية النساء وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ فهي في المعية العامة. نعم.
مذهب الجهمية في الحلول
فلما ظهرت الحجة على الجهمي بما ادعى على الله أنه مع خلقه في كل شيء غير مماس لشيء ولا مباين منه .
---
هذا مذهب الجهمية في الحلول، كيف يقول الجهمي ؟ الجهمي يقول: إن الله مع خلقه في كل شيء، غير مماس ولا مباين، كيف يكون هذا؟! غير مماس و غير مباين، إن الله مع خلقه غير مماس لشيء ولا مباين لشيء، هذا تناقض! ما يمكن! إذا كان غير مماس فهو مباين، وإذا كان مباينا فهو غير مماس.
ما يمكن ترك الاثنين، غير مماس وغير مباين، هذا ما يمكن، تقول لشخص زميلك أمامك: هذا غير منفصل عني وغير متصل بي، ما يمكن، لا بد واحد من الأمرين، إذا كان مباينا لك فهو غير مماس، وإذا كان مماسا غير مباين، إذا كان مماس فهو غير مباين، وإذا كان مباينا فهو غير مماس، الجهمية قالوا أيش؟ إن الله مع خلقه في كل شيء، غير مماس لشيء، ولا مباين لشيء، ولهذا ناقشهم الإمام.
آراء المذاهب الأخرى في الحلول
فقلنا: إذا كان غير مباين أليس هو مماس؟ قال: لا، فقلنا: كيف يكون في كل شيء غير مماس لشيء؟ فلم يحسن الجواب، فقال: بلا كيف، فيخدع جهال الناس بهذه الكلمة، فموه عليهم .
---(1/318)
نعم، الإمام قال له: إذا كان غير مباين أليس هو مماس؟ إذا كان غير منفصل لا بد أن يكون مماسا، قال: لا، فقلنا: كيف يكون في كل شيء غير مماس لشيء؟ فلم يحسن الجواب -الجهمي-، فلم يحسن الجواب فقال: بلا كيف، قال الإمام: فيخدع جهال الناس بهذه الكلمة.
إذن هذا مذهب الجهمية، الجهمية يقولون أيش؟ إنه حالٌّ في كل مكان -نعوذ بالله-، وهذا مذهب الجهمية الأولى العباد، مذهب الجهمية العباد الأولى، يقولون أيش؟ إن الله في كل مكان -تعالى الله عما يقولون-.
·?وأما الجهمية المتأخرون فقالوا بنفي النقيضين، وهم النفاة المعطلة، ما يقول إن الله في كل مكان ضد هؤلاء، يقولون: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا متصل به ولا منفصل عنه، ولا مباين له ولا محايز له، أيش يكون؟!
·?هذا مذهب الجهمية المعطلة، ينفون النقيضين الذَين لا يخلو موجود عن واحد منهما، لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محايز له، ولا متصل به ولا منفصل عنه، أيش يكون؟! عدم، لا، أشد من العدم، يسمى عند العقلاء مستحيلا، المستحيل هو الذي ينفى عنه النقيضين، ما يمكن شيء، لا داخل ولا خارج، لا بد إما داخل وإما خارج، لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محايز له -نعوذ بالله-.
·?المذهب الثالث: مذهب طائفة من السالمية والصوفية، يقولون: هو فوق العرش، وهو في كل مكان، والجهمية -هذا نقل الإمام أحمد عنهم أنهم- يقولون: هو فوق العرش وفي كل مكان، هذا القول للسالمية الصوفية: هو فوق العرش وهو في كل مكان.
·?المذهب الرابع: مذهب أهل الحق -الرسل وأتباعهم- أن الله تعالى فوق السماوات، مستو على عرشه، بائن من خلقه -سبحانه وتعالى-، المخلوقات نهايتها وعرشها عرش الرحمن، وهو سقف المخلوقات، والله فوق العرش، بعد أن تنتهي المخلوقات.(1/319)
هذا معتقد أهل الحق، هذا هو الذي جاء به الرسل وأتباعهم، فتكون المذاهب كم مذهب؟ أربعة مذاهب: مذهب أهل الحق، مذهب الجهمية القول بالحلول في كل مكان، مذهب السالمية والصوفية أنه فوق العرش وفي كل مكان، مذهب معطلة الجهمية ونفاتهم الذين ينفون النقيضين.
يقولون: لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا مباين له ولا محايد له -نعوذ بالله-، وكفر هؤلاء أشد، الذين ينفون النقيضين أشد من الحلولية، كلهم كفار، لكن من يقول بالحلول.. هذا أثبت وجود الله، لكن الذي يقول لا داخل العالم ولا خارجه لم يثبت شيئا، فيكون كفره أشد وأغلظ -نعوذ بالله- نعم.
مناقشة الإمام أحمد للجهمية
فقلنا له: أليس إذا كان يوم القيامة، أليس إنما هو الجنة والنار والعرش والكرسي والهواء؟ قال: بلى. فقلنا: أين يكون ربنا؟ فقال: يكون في كل شيء كما كان حينما كان في الدنيا في كل شيء.
فقلنا: فإن في مذهبكم أن ما كان من الله على العرش فهو على العرش، وما كان من الله في الجنة فهو في الجنة، وما كان من الله في النار فهو في النار، وما كان من الله في الهواء فهو في الهواء، فعند ذلك تبين للناس كذبهم على الله -جل ثناؤه- .
---
نعم هذا مناقشة -الآن- لأيش؟ مناقشة من الإمام للجهمية.
يقول الإمام للجهمي: "أليس إذا كان يوم القيامة أليس إنما هو الجنة والنار والعرش والكرسي والهواء؟" ما في، الأرض والسماء أين هم؟ ما في سماء ولا أرض يوم القيامة، إذا استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ما في سماء ولا أرض، انتهى.
وأين أهل السماء والأرض؟ صاروا إما في الجنة أو في النار، أهل السماء وأهل الأرض كانوا في أيش؟ إما في الجنة أو في النار، إذن استقر الناس إما في الجنة أو في النار، فيه جنة، وفيه نار، وفيه العرش، وسقف الجنة هو عرش الرحمن، وفيه الكرسي، كرسي الرحمن، والهواء.(1/320)
فقال الإمام للجهمي: إذا كان يوم القيامة، أليس إنما هو الجنة والنار والعرش والكرسي والهواء؟ قال: بلى.
فقلنا -يعني للجهمي-: أين يكون ربنا؟ فقال الجهمي: يكون في كل شيء كما كان في الدنيا، في كل شيء، يكون في كل شيء كما كان في الدنيا، في كل شيء، هذا قول الجهمي.
فقلنا -يعني يقول الإمام-: فإن في مذهبكم -يعني مذهبكم ما صرحتم به الآن- أن ما كان من الله على العرش فهو على العرش، وما كان من الله في الجنة فهو في الجنة، وما كان من الله في النار فهو في النار، وما كان من الله في الهواء فهو في الهواء، يعني مذهبهم أنه في كل شيء، يعني أنه على العرش، وفي الجنة، وفي النار، وفي الهواء، وفي الكرسي، وفي كل مكان -نعوذ بالله-.
فعند ذلك يقول الإمام: تبين للناس كذبهم على الله -جل ثناؤه- نعم.
باب إثبات العلم لله عز وجل
باب إذا أردت أن تعلم أن الجهمي لا يقر بعلم الله فقل له: إن الله يقول: وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ وقال: لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وقال: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وقال: وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ .
---
هذا الباب في إثبات العلم لله -عز وجل-، والمؤلف -رحمه الله- ذكر أربعة أدلة في إثبات العلم، والأدلة كثيرة، لكن هذه أمثلة:
·?الأول: قول الله تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ في إثبات العلم لله، وأنه لا يحيط الخلق بشيء من علمه إِلَّا بِمَا شَاءَ .
·?والدليل الثاني: قول الله تعالى: لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ إثبات العلم.
·?الدليل الثالث: قول الله تعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ .(1/321)
·?الدليل الرابع: وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ .
هذه أربعة أدلة، والأدلة كثيرة لا حصر لها: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ الأدلة كثيرة لا حصر لها، لكن أراد أن يذكر أمثلة فقط. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00212.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00210.htm
الدليل العقلي في إثبات العلم لله
فيقال له: تقر بعلم الله هذا الذي أوقفك عليه بالإعلام والدلالات أم لا؟ فإن قال: "ليس له علم" كفر، وإن قال: "لله علم محدث" كفر حين زعم أن الله قد كان في وقت من الأوقات لا يعلم حتى أحدث له علما فعلم، وإن قال: "لله علم وليس مخلوقا ولا محدثا" رجع عن قوله كله، وقال بقول أهل السنة.
---
وأيضا هذا دليل عقلي كالسابق، طريقة السبر والتقسيم، ثلاثة أشياء، يعني الدليل العقلي مكون من أيش؟ من أقسام ثلاثة، لا يستطيع الجهمي أن ينفك عن واحد منها.
الجهمي لا يقر بعلم الله؛ لأنه ينكر هذا، يقال له: هل تثبت العلم لله أو لا تثبت؟ فإن قال: "ليس لله علم" كفر؛ لأنه نسب الله للجهل، ومن قال: "إن الله جاهل" كفر بإجماع المسلمين، وإن قال: "لله علم محدث" كفر أيضا؛ لأنه زعم أن الله في وقت من الأوقات لا يعلم حتى خلق العلم، وإن قال: "لله علم وليس مخلوقا ولا محدثا" رجع عن مذهبه وقال بقول أهل السنة.
إذن هذا كالسابق، يعني لا ينفك عن واحد من هذه الأقسام الثلاثة: إما أن يقول: "ليس لله علم"، هذا كفر. أو يقول: "له علم لكن محدث"، هذا كفر. أو يقول: "لله علم وليس مخلوقا ولا محدثا"، وهذا هو الحق، وهو قول أهل السنة. نعم.
مناقشة الجهمية فيما زعموا أن اسم الله في القرآن مخلوق(1/322)
قال: وزعمت الجهمية أن الله في القرآن إنما هو اسم مخلوق، فقلنا: قبل أن يخلق هذا الاسم ما كان اسمه؟ قالوا: لم يكن له اسم .
---
هذا أيضا مناقشة للجهمية، الجهمي يقول: زعموا أن الله في القرآن مخلوق، يعني اسم الله، اسم الله في القرآن مخلوق، وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا يقول: اسم الله في القرآن مخلوق، وزعمت الجهمية أن الله -يعني اسم الله في القرآن- إنما هو اسم مخلوق، يعني اسم الله في القرآن الكريم اسم مخلوق، وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا في الآية الله -اسم الله- مخلوق، يقولون.
فقال لهم الإمام: قبل أن يخلق هذا الاسم ما كان اسمه؟ إذا قلتم: اسم الله مخلوق، قبل أن يخلق هذا الاسم ما كان اسمه؟ قالوا: لم يكن له اسم قبل أن يخلق، ما له اسم حتى خلق الاسم له، فصار اسمه الله -نعوذ بالله-، يعني قبل أن يخلق الاسم قالوا: لا اسم له.
فقلنا: وكذلك قبل أن يخلق العلم كان جاهلا لا يعلم حتى خلق لنفسه علما، وكان لا نور له حتى خلق لنفسه نورا، وكان لا قدرة له حتى خلق لنفسه قدرة، فعلم الخبيث أن الله قد فضحه، وأبدى عورته للناس حين زعم أن الله في القرآن إنما هو اسم مخلوق.
---
يعني: يقول الإمام: يعني مذهبكم على هذا مذهبكم طرد، مذهبكم أنكم تقولون: قبل أن يخلق العلم كان جاهلًا حتى خلق العلم، حتى خلق لنفسه علما، فلا علم له حتى خلق العلم، ولا نور له حتى خلق لنفسه النور، ولا قدرة له حتى خلق لنفسه قدرة، كذلك لا اسم له حتى خلق لنفسه اسما.
قال: "فعلم الخبيث -يعني الجهمي- أن الله قد فضحه، وأبدى عورته للناس حين زعم أن اسم الله في القرآن إنما هو اسم مخلوق"؛ لأنه على هذا يقول إن الله خلق اسمه وقبل أن يخلق اسمه ليس له اسم، كذلك خلق العلم وقبل أن يخلق العلم ما كان عالما، خلق القدرة وقبل أن يخلق القدرة ما كان قادرا، خلق النور وقبل أن يخلق النور ما كان له نور، هذا كفر صريح. نعم.(1/323)
وقلنا للجهمية: أن لو أن رجلا حلف بالله الذي لا إله إلا هو كاذبا كان لا يحنث؛ لأنه كان حلفه بشيء مخلوق، ولم يحلف بالخالق، ففضحه الله في هذه .
---
هذه مناقشة له في قوله: "إن اسم الله اسم مخلوق"، إذا قلتم أيها الجهمية: إن اسم الله مخلوق، فلو أن رجلا حلف بالله الذي لا إله إلا هو ما يحنث؛ لأنه ما حلف بالله، حلف بشيء مخلوق، يعني تقول: "اسم الله مخلوق"، فإذا قال رجل: "والله الذي لا إله إلا هو لأفعلن كذا" ثم لم يفعل ما عليه، ما عليه كفارة، ما يحنث، لماذا؟ لأنه حلف بشيء مخلوق، هذا بناء على قولهم: "إن اسم الله مخلوق".
هذه المناقشة من الإمام، يقول لهم: "وقلنا للجهمية: لو أن رجلا حلف بالله الذي لا إله إلا هو كذبا كان يحنث؟" كان هذه على حذف حرف الاستفهام، والتقدير: أكان لا يحنث؟ لو أن رجلًا حلف بالله الذي لا إله إلا هو كذبا كان لا يحنث؟ أي: "أكان لا يحنث" على حذف حرف الاستفهام، لماذا؟ لأنه كان حلفه بشيء مخلوق؛ لأنك تقول: "اسم الله مخلوق"، ولم يحلف بالخالق.
فإذن إذا قال شخص: "والله الذي لا إله إلا هو" ما يحنث إذا لم يفعل؛ لأنه لم يحلف بالله، وإنما حلف بشيء مخلوق -تعالى الله-، قال الإمام: "ففضحه الله في هذا"، هذه مناقشة.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00216.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00214.htm
وقلنا له: أليس النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي، والخلفاء من بعدهم، والحكام والقضاة، إنما كانوا يحلفون الناس بالله الذي لا إله إلا هو، فكانوا في مذهبكم مخطئين، إنما كان ينبغي للنبي -عليه السلام- ولمن بعدهم في مذهبكم أن يحلفوا بالذي اسمه الله .
---
وهذه مناقشة ثانية، يقول: إذا قلتم -أيها الجهمية-: إن اسم الله مخلوق.(1/324)
نقول لكم: أليس النبي -صلى الله عليه وسلم- يحلف الناس بالله، إذا جاء تخاصم عنده اثنان يقول: احلف بالله، وأبو بكر بعده يحلف الناس يقول: احلف بالله، إذا جاء شخص ادعى على شخص شيئا وأنكر يقال: احلف بالله أنه ليس عندك له شيء.
وكذلك عمر وعثمان وعلي والخلفاء يحلفون، كذلك الحكام المسلمون وقضاتهم يحلفون الناس بالله، فيكونون -على مذهبكم أيها الجهمية- مخطئين، لماذا؟ لأنهم حلفوهم باسم مخلوق، فيكون على ذلك يكون الجهمية خطئوا النبي -صلى الله عليه وسلم-، وخطئوا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، والحكام من بعده والقضاة؛ لأنهم يحلفون الناس بالله، وهذا خطأ؛ لأنهم حلفوهم باسم مخلوق.
وكان -على مذهبكم أيها الجهمية- ينبغي أن يحلفوهم فيقولون: احلفوا بالذي اسمه الله، أما قولهم: "احلفوا بالله" معناه حلفوا بمخلوق؛ لأنهم يقولون: اسم الله مخلوق، فيقول: ينبغي -على مذهبكم أيها الجهمية- أن يحلفوهم ويقولون: احلفوا بالذي اسمه الله، ولا تحلفوا بالله؛ لأن اسم الله مخلوق، هذا إلزام للجهمية. نعم.
نعم، يلزمهم على هذا أن يكون هذا شركا، يكون شركا لأنه حلف بشيء مخلوق، من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك هذا إلزام لهم، وسيأتي إلزام آخر، نعم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك فعلى هذا إذا كان اسم الله مخلوق -على زعم الجهمية- يكون من حلف بالله مشرك؛ لأنه حلف بمخلوق، هذا إلزام -ما ذكره الإمام- وهو لازم لهم. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00217.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00215.htm
وإذا أرادوا أن يقولوا: "لا إله إلا الله" يقولوا: "لا إله إلا الذي خلق الله"، وإلا لم يصح توحيدهم، ففضحه الله بما ادعى على الله الكذب .
---(1/325)
كذلك أيضا هذا إلزام لهم، يقول: على قولكم: "إن اسم الله مخلوق" إذا أراد إنسان أن يقول: "لا إله إلا الله" يكون خطأ، غير موحد، حين ينطق الإنسان بكلمة التوحيد "لا إله إلا الله" ما يكون موحدا، إلا أن يقول: "لا إله إلا الذي خلق الله"، كلمة التوحيد تكون معناها هكذا: "لا إله إلا الذي خلق الله"، أما إذا قال: "لا إله إلا الله" ما يكون موحدا، متى يكون موحدا على زعم الجهمية؟ يقول: "لا إله إلا الذي خلق الله"، وإلا فلا يصح توحيده، كل هذا مبني علام؟ قولهم: إن اسم الله مخلوق. نعم.
ولكن نقول: إن الله هو الله، وليس الله باسم، إنما الأسماء شيء سوى الله؛ لأن الله يقول: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ولا يجوز أن يكون اسم لاسم، ففي هذا بيان كفر الجهمي .
---
يعني يقول على هذا -على مذهب الجهمية- يقول: إن الله هو الله، ولا يقول: إن الله اسم لله، فيقول على مذهب الجهمية، ولكن نقول: إن الله هو الله، ولا نقول: إن الله اسم لله، نقول: إن الله هو الله، وليس الله باسم، إنما الأسماء شيء سوى الله؛ لأن الله يقول: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ولا يجوز أن يكون اسم لاسم مطلقا، ما يجوز أن يكون اسم لاسم؛ لأن الأسماء مخلوقة، فلا يجوز أن يكون اسم لاسم.
قال الإمام: ففي هذا بيان كفر الجهمي؛ لأنه على مذهبه، ما نقول: إن الله اسم لله، بل نقول: إن الله هو الله، ولا نقول: إن الله اسم لله، وليس الله باسم لله، إنما الأسماء شيء سوى الله، ولا يجوز أن يكون اسم لاسم على مذهب الجهمية. نعم.
مناقشة الجهمية فيما زعموا أن الله لم يتكلم
وقلنا لهم: زعمتم أن الله لم يتكلم، فبأي شيء خلق الخلق؟ أموجود عن الله تبارك وتعالى أنه خلق الخلق بقوله وبكلامه حين قال: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
---(1/326)
هذا مناقشة للجهمية، قلنا لهم: زعمتم أن الله لم يتكلم -أيها الجهمية-، فبأي شيء خلق الخلق، الله تعالى يخلق الخلق بالكلام: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ والحق هو كلامه سبحانه، إذا كان لا يتكلم فبأي شيء خلق الخلق؟ عندك أيش؟ أموجود عن الله.. .
أموجود عن الله -تبارك وتعالى- أنه خلق الخلق بقوله وبكلامه؟.
كذا عندكم النسخة الثانية، يعني: أليس موجودا عن الله؟ يعني تقديره هكذا: أموجود عن الله؟ يعني: ألا تجدون في النصوص أن الله تعالى خلق الخلق بقوله وكلامه، هذا معناه أموجود، يعني أليس موجودا في القرآن الكريم أن الله خلق الخلق بقوله وكلامه حين قال: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
يعني يقول: إذا قلتم: لا يتكلم، فبأي شيء خلق الخلق؟ ألا تجدون أن الله تعالى أخبر في القرآن أنه خلق الخلق بقوله، ما هي الآية التي فيها هذا؟ قوله تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
كُنْ هذا كلام الله فَيَكُونُ يعني: فيوجد، إذن المخلوقات وجدت بأي شيء؟ بقول الله، إذن أليس موجودا في القرآن الكريم أن الله خلق الخلق بقوله وكلامه؟ بلى موجود.
فقالوا: إنما معنى قوله: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ يكون، فقلنا لهم: فلِمَ أخفيتم أَنْ نَقُولَ لَهُ ؟ .
---
يقول: أجابوا، قالوا: إن معنى قوله: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ يكون، هذا معناه إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ يكون، يوجد، حذفوا جملة من الآية، ما هي ؟ أَنْ نَقُولَ لَهُ فقال لهم الإمام: ولِمَ أخفيتم أَنْ نَقُولَ لَهُ ؟ لماذا حذفتم جزءا من الآية؟(1/327)
الآية: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الجهمية حذفوا أَنْ نَقُولَ لَهُ قالوا: معني الآية: "إنما قولنا لشيء إذا أردناه يكون"، فقال لهم الإمام: فقلنا لهم: فلِمَ أخفيتم أَنْ نَقُولَ لَهُ لِمَ حذفتم جزءا من الآية؟
فقالوا: إنما معنى كل شيء في القرآن معانيه، وقال الله مثل قول العرب: قال الحائط، وقالت النخلة فسقطت، والحائط والنخلة لا يقولان شيئا .
---
أجابوا، قالوا: إنما معنى كل شيء في القرآن بمعانيه، يعني كل شيء في القرآن يفسر بمعانيه، يقول الجهمية: الجواب كل شيء في القرآن يفسر بمعانيه، وما جاء في القرآن "قال الله" يفسر بـ "خلق الله".
يعني الجهمية يقولون: كل شيء في القرآن بمعانيه، يعني يفسر بمعانيه، ومن ذلك: "قال الله" نفسرها بـ "خلق الله"، والدليل على هذا أن "قول الله" و"قال الله" مثل قول العرب: قال الحائط، وقالت النخلة. والحائط والنخلة لا يقولان شيئا، فمعنى "قال الله" ليس معناها تكلم الله، بل معناها مثل قول العرب: قال الحائط وقالت النخلة، والحائط والنخلة لا يقولان شيئا، هل النخلة تقول شيئا؟ هل الحائط يقول شيئا؟ كذلك "قال الله" معناه: خلق الله.
قالوا: إنما معنى كل شيء في القرآن معانيه، أي كل شيء في القرآن يفسر بمعانيه، ومن ذلك: "قول الله" نفسرها بمعناها، نفسرها بـ "خلق الله"، كما أن العرب تقول: قالت النخلة، قال الحائط، وقالت النخلة، والحائط والنخلة لا يقولان شيئا، فكذلك "قال الله" ليس معناه تكلم الله، وإنما معناه خلق الله. واضح تأويل الجهمية؟ أعد.
فقالوا: إنما معنى كل شيء في القرآن بمعانيه .(1/328)
يعني كل شيء في القرآن يفسر بمعانيه، ومن ذلك: "قال الله" نفسرها بمعناها، نفسرها بـ "خلق الله"، و"قال الله" مثل قول العرب، يعني: نفسر "قال الله" في القرآن بما نفسر به قول العرب: "قال الحائط وقالت النخلة"، فكما أننا نقول: النخلة لا تتكلم، والحائط لا يتكلم، فكذلك نقول: الله لا يتكلم، معنى "قال الله": خلق الله، مثل قول العرب: "قالت النخلة وقال الحائط". نعم.
والحائط والنخلة لا يقولان شيئا، فقلنا: على هذا قستم؟ قالوا: نعم .
---
يقول الإمام: على هذا قستم؟ يعني قستم الله على الحائط والنخلة والجماد؟ قالوا: نعم نقيس. نعم.
فقلنا: بأي شيء خلق الخلق إن كان الله في مذهبكم لا يتكلم؟ فقالوا: بقدرته. فقلنا: قدرته هي شيء؟ فقالوا: نعم. فقلنا: قدرته مع الأشياء مخلوقة؟ قالوا: نعم. فقلنا: كأنه خلق خلقا بخلق، وعارضتم القرآن وخالفتموه .
---
هنا مناقشة لهم، يقول الإمام: إذا كان الله لا يتكلم -في مذهبكم- فبأي شيء خلق الخلق؟ مناقشة، أنتم تقولون: لا يتكلم مثل قالت النخلة وقال الحائط وقال الله، ولا يتكلم، بأي شيء خلق الخلق إن كان الله -في مذهبكم- لا يتكلم؟ قالوا: خلق الخلق بقدرته، فقلنا: قدرته هل هي شيء؟ قالوا: نعم شيء، فقلنا: هل قدرته على الأشياء مخلوقة؟ قالوا: نعم خلق الأشياء بقدرته وقدرته مخلوقة.
فقال الإمام: إذن كأنكم قلتم: خلق خلقا بخلق، خلق الخلق بخلق، القدرة مخلوقة، والقدرة خلق، والخلق خُلِق بالقدرة، فيكون خلق خلقا بخلق. رأيتم كيف؟ كيف الآن وصل الجهمي؟ يقول لهم: إذا كان الله لا يتكلم بأي شيء؟ قالوا: خلق الخلق بقدرته، قال: هل القدرة مخلوقة؟ قالوا: نعم، قال: معنى هذا أنكم قلتم: خلق خلقًا بخلق، خلق الخلق بخلق، وهي القدرة، القدرة مخلوقة، وهي التي خلق بها الخلق، خلق خلقًا بخلق، وهذا من أبطل الباطل. نعم.(1/329)
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00224.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00222.htm
فقلنا: بأي شيء خلق الخلق إن كان الله في مذهبكم لا يتكلم؟ فقالوا: بقدرته، فقلنا: قدرته هي شيء؟ فقالوا: نعم، فقلنا: قدرته مع الأشياء المخلوقة؟ قالوا: نعم، فقلنا: كأنه خلق خلقًا بخلق، وعارضتم القرآن وخالفتموه حين قال الله -جل ثناؤه-: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فأخبرنا الله أنه يخلق وقال: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ فإنه ليس أحد يخلق غيره، وزعمتم أنه خلق الخلق غيره، فتعالى الله عما يقول الجهمية علوًّا كبيرا.
---
يعني يقول الإمام -رحمه الله-: زعمتم أن الله خلق خلقا بخلق وهي القدرة، وعارضتم القرآن وخالفتموه حين قال الله -جل ثناؤه-: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ عارضتم القرآن؛ لأن الله أخبرنا أنه يخلق وقال: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ .
فإن الآية فيها حصر نفي، فإنه ليس أحد يخلق غير الله، لكن أنتم زعمتم أن هناك أحد يخلق غير الله، وزعمتم أنه خلق الخلق غيره، وهي قدرته التي خلق، من خلقه الله تعالى، يقول: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ المعنى: لا خالق غير الله.
وأنتم -الجهمية- تقولون: هناك خالق غير الله، ما هو؟ القدرة هي الخالق، خلق الخلق بالقدرة، والقدرة خلق، القدرة مخلوقة، تقولون خلق الخلق بقدرته، والقدرة مخلوقة، إذن خلق خلقا بخلق، فلزمكم أن يكون هناك خالق غير الله، والله تعالى يقول: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ويقول: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ .(1/330)
فإذن لزم الجهمية بهذا، إذ لما أنكروا كلام الله أن يقولوا: إن هناك خالقا غير الله، وهذا كفر صريح، ولزمهم أن يقولوا: إن هناك خالقا غير الله، وأن الله ليس خالق كل شيء، بل هناك خلق هو الذي يخلق، وهي القدرة المخلوقة، وهذا معنى قوله: فإنه ليس أحد يخلق غيره، وزعمتم أنه خلق الخلق غيره، وهي قدرته التي هي خلق من خلقه، فتعالى الله عما يقول الجهمية علوًّا كبيرا. نعم.
باب بيان ما ادعت الجهمية أن القرآن مخلوق
باب بيان ما ادعت الجهمية أن القرآن مخلوق من الأحاديث التي رويت أن القرآن يجيء في صورة الشاب الشاحب.
هذه شبه الجهمية من السنة، من الأحاديث، الأول الشبه التي مضت شبه من القرآن، آيات من القرآن مثل قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ هذه آيات قالوا: إنها تدل على خلق القرآن، هنا شبهوا بأحاديث، وقالوا: إن الأحاديث تدل على أن القرآن مخلوق. نعم.
باب بيان ما ادعت الجهمية أن القرآن مخلوق من الأحاديث التي رويت أن القرآن يجيء في صورة الشاب الشاحب، فيأتي صاحبه فيقول: هل تعرفني؟ فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا القرآن الذي أظمأت نهارك وأسهرت ليلك. قال: فيأتي به الله، فيقول: يا رب... إلى آخره، فادَّعوا أن القرآن مخلوق من قِبَل هذه الأحاديث.
---
هنا يقول الإمام -رحمه الله-: إن الجهمية ادَّعوا أن القرآن مخلوق، واستدلوا بالسنة، الحديث الذي فيه أن القرآن يجيء يوم القيامة في صورة الشاب حين ينشق القبر عن صاحبه، يأتيه القرآن كالرجل الشاحب، وأنه يجادل عنه، وينتصب خصما له، أو خصما عليه، إن كان يعمل بالقرآن يكون خصما له -كما في الحديث- يجادل ويقول: يا رب إنه عمل بفرائضي، وأدى واجباتي، ولا يزال يأتي بالحجج حتى يقول الله: شأنك به، فلا يزال به حتى يقوده إلى الجنة، ويلبسه تاج الكرامة .(1/331)
وإذا كان خصما لا يعمل به ينتصب خصما عليه، ويقول: يا رب تعدى فرائضي، وركب حدودي، وترك طاعتي، فلا يزال يأتي بالحجج حتى يقول: شأنك به، فلا يزال به حتى يسوقه حتى يكبه على منخره في النار كما في الحديث.
فالشاهد في الحديث: أن القرآن يأتي في صورة الشاب، الرجل الشاحب، قال الجهمي: هذا دليل على أن القرآن مخلوق، القرآن يأتي في صورة شاب مخلوق، فدل على أن القرآن مخلوق، وأنه يأتي في صورة الشاب الشاحب، ويقول له: من أنت؟ فيقول: أنا القرآن الذي أظمأت نهارك وأسهرت ليلك، قال: فيأتي به الله فيقول: يا رب. فادعوا -يعني الجهمية- أن القرآن مخلوق من قِبَل هذه الأحاديث. نعم.
الجواب على شبهة الجهمية أن القرآن مخلوق
فادعوا أن القرآن مخلوق من قبل هذه الأحاديث فقلنا لهم: القرآن لا يجيء إلا بمعنى أنه قد جاء، من قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فله كذا وكذا، ألا ترون أن من قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لا تجيئه، بل يجيء ثوابه؛ لأنا نقرأ القرآن فيقول: يا ربي، ويجيء ثواب القرآن، وكلام الله لا يجيء، ولا يتغير من حال إلى حال، وإنما معنى أن القرآن يجيء إنما يجيء ثواب القرآن، فيقول يا ربي.
---
إذن الجواب عن هذا: أن الذي يجيء ثواب القرآن، هذا ثواب القرآن، ليس هو القرآن، القرآن كلام الله، لكن ثوابه هو الذي يجيء، هذا الثواب يصوره الله بصوره الرجل الشاب، صورة الرجل الشاحب يجادل عنه أو ينتصر، إما ثوابه إذا كان له ثواب، وعقوبته على ترك القرآن، على ترك العمل به، مثلما جاء: من قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فله كذا وكذا، فقال: ألا ترون أن من قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لا تجيئه بل يجيئه ثوابها.(1/332)
ومثلما جاء في الحديث: اقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما يجيئان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما المعني يجيء ثوابهما، ثواب البقرة وآل عمران، واضح هذا؟ إذن اقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما يجيئان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف يحاجان عن صاحبهما المراد الثواب: ثواب البقرة وآل عمران.
كذلك هنا القرآن يجيء في صورة الشاب الشاحب، هذا ثوابه، يقول: أنا القرآن الذي أظمأت نهارك وأسهرت ليلك، كذلك: من قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فله كذا وكذا، هذا الثواب، فإذن الذي يجيء ما هو؟ ثواب القرآن، أما القرآن فهو كلام الله، ولهذا قال الإمام -رحمه الله-: كلام الله لا يجيء، ولا يتغير من حال إلى حال، كلام الله صفة من صفاته، وإنما الذي يجيء ثواب القرآن واضح هذا؟ هذا جواب الشبهة، نعم.
نعم يأتي العقوبة في صورة الشاب، هذا عقوبة جزاؤه على ترك العمل بالقرآن. نعم.
باب ما تأولت الجهمية من قوله تعالى "هو الأول والآخر"
باب ما تأولت الجهمية من قول الله تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ فزعموا أن الله هو الأول قبل الخلق فقد صدقوا، وقالوا: يكون الآخر بعد الخلق، فلا تبقى سماء ولا أرض ولا جنة ولا نار ولا ثواب ولا عقاب ولا عرش ولا كرسي، وزعموا أن شيئا مع الله لا يكون هو الآخر كما كان، فأضلوا بهذا بشرا كثيرا .
---
هذه شبهتهم، تأويل الجهمية في قوله تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ في سورة الحديد، قال الله تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ هذه الأسماء الأربعة متقابلات، اسمان لأزليته وأبديته، واسمان لفوقيته وعلوه وعدم حجب شيء من مخلوقاته له.(1/333)
هو الأول الذي ليس قبله شيء؛ ولهذا فسرها النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء وهو سبحانه الظاهر ليس فوقه شيء، وهو الباطن لا يحجبه شيء من خلقه، فاسمان لأزليته وأبديته: الأول والآخر، واسمان لفوقيته وعدم حجب شيء من الخلق له.
فالجهمية شبهوا بهذا، قالوا: إن الله هو الأول والآخر، زعموا أن الله هو الأول قبل الخلق، يقول الإمام: صدقوا، هذا صحيح، قالوا: إن الله قبل الخلق، هذا صحيح، لكن الآخر ما صدقوا فيها، قالوا، زعموا أن الله هو الأول قبل الخلق فقد صدقوا.
وقالوا: يكون الآخر بعد الخلق، "يكون الآخر بعد الخلق" أرادوا بها أن الجنة والنار تفنيان، ما يبقى أحد، ويفنى أهلها، وما يكون الآخر إلا هكذا، تفنى الجنة، وتفنى النار، ويفنى كل شيء، ولا أرض ولا جنة ولا ثواب ولا عقاب ولا عرش ولا كرسي، كلها تفنى.
يقول: حتى يكون هو الآخر، ما يكون الآخر إلا إذا فنت هذه الأشياء، إذن أهل الجنة يفنون، والجنة تفنى، والنار تفنى، ولا يبقى أحد، والعرش والكرسي، هذا كذبوا.
يقول الإمام: باب ما تأولته الجهمية من قول الله تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ فزعموا أن الله الأول قبل الخلق فقد صدقوا، وقالوا: يكون الآخر بعد الخلق، فلا تبقى سماء ولا أرض ولا جنة ولا نار ولا ثواب ولا عقاب ولا عرش ولا كرسي، وزعموا أن شيئا مع الله لا يكون، هو الآخر كما كان، فأضلوا بهذا بشرًا كثيرة واضح؟
هذا باطل، من أبطل الباطل؛ لأن هذه الأشياء -الجنة والنار والثواب والعقاب- باقية بإبقاء الله لها، بقاء الله من ذاته، فهو سبحانه وجوده بذاته، أما وجود هذه المخلوقات فلأن الله أوجدها؛ ولأن الله أبقاها، كتب لها البقاء.(1/334)
أخبر أن الجنة والنار لا تفنيان خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ غير منقطع، ولا يزال الله يجدد لأهل الجنة نعيما بعد نعيم إلى ما لا نهاية، وأهل النار كذلك لا يزال يجدد لهم عذابا بعد عذاب إلى ما لا نهاية -نسأل الله السلامة والعافية-.
والعرش سقف الجنة، وهو عرش الرحمن، كتب الله له البقاء، والكرسي كذلك موضع قدمي الله -عز وجل-، هذه باقية بإبقاء الله لها؛ لأن الله أخبرنا أنها باقية، فالجهمية يقولون: كل هذه الأشياء تفنى، تفنى الجنة وتفنى النار والعرش والكرسي، ولا يبقى أحد إلا الله، حتى يكون هو الآخر كما كان هو الأول، كان هو الآخر لا يكون معه أحد، قال الإمام: فأضلوا بهذا بشرا كثيرا.
الرد على الجهمية في قولهم بفناء الجنة والنار والعرش والكرسي
باب ما تأولت الجهمية من قول الله تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ فزعموا أن الله هو الأول قبل الخلق فقد صدقوا، وقالوا: يكون الآخر بعد الخلق فلا تبقى سماء ولا أرض ولا جنة ولا نار ولا ثواب ولا عقاب ولا عرش ولا كرسي، وزعموا أن شيئا مع الله لا يكون هو الآخر كما كان، فأضلوا بهذا بشرا كثيرا.
وقلنا: أخبر الله عن الجنة ودوام أهلها فيها، فقال -سبحانه وتعالى-: لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ .
---
فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ أهل الجنة، مقيم، مستمر إلى ما لا نهاية. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00229.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00227.htm
فإذا قال جل وجهه: مُقِيمٌ وقال: خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا .
---
خالدين فيها يعني: ماكثين فيها أبد الآباد، إلى ما لا نهاية. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00230.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00228.htm
وقال: أُكُلُهَا دَائِمٌ .
---
أُكُلُهَا دَائِمٌ مستمر، غير منقطع، إلى ما لا نهاية. نعم.(1/335)
فإذا قال الله: دَائِمٌ لا ينقطع أبدا، وقال: وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ .
---
وقال: وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ هذا عن أيش؟ عن أهل الجنة في سورة الحجر يقول: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ أهل الجنة ما هم منها بمخرجين أبد الآباد. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00232.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00230.htm
وقال: وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ .
---
وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ الاستقرار إلى ما لا نهاية. نعم.
وقال: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ .
---
الحيوان: الحياة الكاملة المستمرة. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00234.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00232.htm
وقال: مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا .
---
ماكثين يعني مقيمين أبد الآباد إلى ما لا نهاية. نعم.
وقال: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
---
يعني مستمرون إلى ما لا نهاية.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00236.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00234.htm
وقال: وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ .
---
نعم لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ بل هي مستمرة أبد الآباد.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00237.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00235.htm
ومثله في القرآن كثير .
---(1/336)
مثله في القرآن كثير، كل هذه الأدلة تدل على أن الجنة وأهلها باقين إلى ما لا نهاية، فالجنة ما تفنى؛ لأن الله أخبر أنها لا تفنى، فكونها لا تفنى هل وجودها من ذاتها ولَّا من إيجاد الله لها؟ من إيجاد الله لها، ما هو من ذاتها، وجود الله من ذاته، فواجب الوجود بذاته -سبحانه وتعالى-، أما الجنة والنار فهي باقية لإبقاء الله لها. نعم.
وذكر أهل النار وقال..
---
كذلك أهل النار ذكر الله أنهم مستمرون إلى ما لا نهاية. نعم.
لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا .
---
لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ أهل النار فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا أبد الآباد -نعوذ بالله- نعم.
وقال: أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي .
---
أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي الكفار يئسوا من رحمة الله، إذن مستمرين في العذاب، اليئِس من رحمة الله مستمر في العذاب إلى ما لا نهاية -نعوذ بالله- نعم.
وقال: لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ .
---
كذلك والذي لا يناله الله برحمة يستمر في النار، ولو قيل إن النار تفنى معناه نالهم الله برحمة، ولو فنيت النار صار هذا رحمة لهم، وهم ليسوا من أهل الرحمة وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لمن؟ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ والكفار غير متقين، لم تكتب لهم الرحمة -نعوذ بالله- نعم.
وقال: وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ .
---
كذلك إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ يعني: أبد الآباد. نعم.
وقال: خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ .
---
يعني أهل النار.
وقال: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا .
---
هذا يعني: تجدد الجلود، تجدد إلى ما لا نهاية، أبد الآباد، جلودهم -نسأل الله العافية-.
وقال: كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا .
---(1/337)
كذلك كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا أهل النار -نعوذ بالله-.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00246.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00244.htm
وقال: إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ .
---
يعني مطبقة مغلقة أبد الآباد -نعوذ بالله-
ومثله في القرآن كثير.
---
إذن هذه النصوص التي ساقها الإمام -رحمه الله- كلها دليل على أن الجنة والنار وأهلهما باقيتان أبد الآباد، إلى ما لا نهاية، لا تفنيان كما يقول الجهم -قبحه الله- نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00248.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00246.htm
فأما السماء والأرض فقد زالتا؛ لأن أهلها صاروا إلى الجنة أو النار.
---
السماء والأرض ما في، انتهى السماء والأرض، ما في سماء ولا أرض، أهل السماوات والأرض إما في الجنة أو في النار، انتهى، ما في سماء ولا أرض، صحيح، السماء والأرض تزولان لماذا؟ أهل الأرض الآدميين أين ذهبوا؟ إلى الجنة أو النار، وأهل السماء كذلك الملائكة ما في سماء ولا أرض، ما فيه إلا العرش والكرسي والجنة والنار والهواء. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00249.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00247.htm
وأما العرش فلا يبيد ولا يذهب؛ لأنه سقف الجنة، والله عليه؛ فلا يهلك ولا يبيد.
---
نعم العرش لا يبيد ولا يذهب، باق بإبقاء الله له؛ لأنه سقف الجنة، هو سقف الجنة، والله عليه، مستو عليه استواء يليق بجلاله وعظمته؛ فلا يهلك ولا يبيد العرش. نعم.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00250.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00248.htm
وأما قوله كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ .
---(1/338)
هذه شبهة شبه بها الجهمية، قالوا: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ قالوا: هذا يشمل العرش كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ يعني: كل شيء هالك إلا الله، فدل على أن العرش والجنة والنار تهلكان، تفنيان.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00251.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=ghm00249.htm
وذلك أن الله أنزل: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ قالت الملائكة: هلك أهل الأرض وطمعوا في البقاء، فأنزل الله أنه يخبر عن أهل السماوات والأرض أنكم تموتون، فقال: كُلُّ شَيْءٍ من الحيوان هَالِكٌ يعني ميت إِلَّا وَجْهَهُ إنه حيي لا يموت، فأيقنوا عند ذلك بالموت .
---
هذا جواب على الآية، الآية: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ هذه شبهة للجهمية، قالوا: هذه الآية تدل على فناء الجنة والنار والعرش والكرسي، وكل شيء لا يبقى إلا الله كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ بماذا أجاب الإمام عنها؟
قال: هذه الآية نزلت بعد قوله تعالى في سورة الرحمن: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا يعني على الأرض، لما أنزل الله كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ يعني على الأرض وهم الآدميون قالت الملائكة: هلك أهل الأرض، وطمعوا في البقاء، إذن كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا يعني الأرض فَانٍ ونحن في السماء لسنا في الأرض، إذن طمعوا في البقاء.
فأنزل الله يخبر عن أهل السماوات أيضا أنكم تموتون كما يموت الآدميون، فقال كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ كل شيء من الحيوان هالك -يعني ميت- إلا وجهه، إنه حي لا يموت، كل شيء من الحيوان، يعني من الحي والآدميين، أحياء.
وهذا لا يشمل أيش؟ لا يشمل العرش، ولا يشمل الكرسي، كل شيء حي، كل شيء من الحيوان -يعني مما فيه الحياة- هالك -يعني ميت- إلا وجهه؛ فإنه حي لا يموت، فعند ذلك أيقن الملائكة، أيقنوا بالموت، هذا جواب.(1/339)
وقيل: معنى قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ قال: قيل: معنى كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ إخبار عن فناء الذوات، إخبار بأن الله -سبحانه وتعالى- الدائم الباقي الحي القيوم، الذي تموت الخلائق ولا يموت، فهو إخبار عن فناء الذوات إلا ذاته -عز وجل-.
وقيل معنى كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ إلا ما أريد به وجهه، وقيل: إلا ما ابتغي به وجهه، إلا ما أريد به وجهه، أو إلا ما ابتغي به وجهه، لا ينافي القول الأول
? القول الأول: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ إخبار بأن الله هو الدائم الباقي، الذي تموت الخلائق ولا يموت، فهو الحي الباقي -سبحانه وتعالى-، هل هناك منافاة بين القولين؟
? والثاني: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ إلا ما أريد به وجهه، ليس منافاة بين القولين، لا تنافٍ بين القولين؛ لأن القول الأول إخبار بأن الله هو الدائم الباقي الحي القيوم الحي القيوم، الذي تموت الخلائق وهو لا يموت، فهو إخبار عن فناء الذوات إلا ذاته -عز وجل-، إخبار عن فناء الذوات إلا ذاته -عز وجل-.
والقول الآخر يراد به بطلان العمل إلا العمل المراد به وجهه كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ يعني إلا ما أريد به وجهه، يراد به بطلان العمل إلا العمل الذي يراد به وجهه، وهو ما وافق الشريعة، وكان خالصا لوجهه، كل شيء من العمل باطل إلا ما أريد به وجه الله، والأول كل الذوات فانية إلا ذاته -عز وجل-، لا منافاة كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ كل الذوات فانية إلا ذاته سبحانه، أو كل الأعمال باطلة إلا ما أريد به وجهه.(1/340)
وقوله كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ يعني الموت، ميت، يراد به الموت، ولا يراد به عدم ذواتهم، فإن الأرواح بعد الموت في نعيم أو عذاب، معنى كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ فناء الآدميين في الدنيا، هل فناء ذواتهم؟ لا، المراد الموت، يموتون، وإلا الروح تبقى، روح الإنسان تُنقل بعد موته إما إلى الجنة أو إلى النار، روح المؤمنين في الجنة، ولها صلة بالجسد، وروح الكفار في النار، ولها صلة بالجسد.
الروح ما تموت، باقية إما في عذاب أو في نعيم، لكن الموت مفارقة الروح للجسد، الروح تُنقل أرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الكفار في النار، والجسم يبلى، ويبقى عجْب الذنب، يخلق الله منه ابن آدم، يعيده الله، الذرات التي استحالت، فإذا كمل خلقهم أمر الله إسرافيل فنفخ في الصور، فعادت الأرواح إلى أجسادها يوم القيامة، بعد أن ينزل الله مطرًا كمني للرجال، تنبت منه أجساد الناس، وينشئهم الله نشأة قوية.
تبدل الصفات والذرات التي استحالت، يعيدها الله، ويخلق الإنسان من عجب الذنب، وهو العصعص، آخر العمود الفقري، فإذا كمل الجسم، ونبتت أجسام الناس، أمر الله إسرافيل فنفخ في الصور، فقامت القيامة، وعادت الأرواح إلى أجسادها، تطايرت الأرواح، كل روح تعود إلى جسدها، فإذا الناس وقوف بين يدي الله للحساب. نعم.
مناقشة الجهمية في قولهم إن الله في كل مكان
وقلنا للجهمية حين زعموا أن الله في كل مكان لا يخلو منه مكان.
---
هذا مناقشة أيضا، مناقشة للجهمية أيضا في قولهم: إن الله في كل مكان، كم ناقشهم من مرة، ناقشهم مرات، المناقشة الأولى سبق أن قال لهم: هل يغفر الله للمذنبين أو لا؟ إن قلتم: "يغفر الله لهم" تركتم مذهبكم، وإن قلتم: "لا يغفر" كذبتم القرآن، هذا مناقشة لهم في قولهم: "إنه في كل مكان" هنا مناقشة ثانية، قلنا للجهمية حين زعموا أن الله في كل مكان، لا يخلوا منه مكان. نعم.(1/341)
فقلنا: أخبرونا عن قوله جل ثناؤه: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا لِمَ تجلى للجبل إن كان فيه بزعمكم؟ فلو كان فيه -كما تزعمون- لم يكن يتجلى لشيء هو فيه، ولكن الله -جل ثناؤه- على العرش وتجلى، ولم يكن فيه، ورأى الجبل شيئا لم يكن رآه قبل ذلك .
---
هذه مناقشة للجهمية في قولهم: "إن الله في كل مكان"، يقول: كيف تقولون في قول الله تعالى في خطاب موسى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا تجلى الله للجبل، لِمَ تجلى للجبل إن كان فيه؟
أنتم تقولون: إنه في كل مكان، في الجبل، وفي كل مكان. كيف يتجلى لشيء هو فيه؟ لِمَ تجلى للجبل إن كان فيه بزعمكم؟ فلو كان الله -كما تزعمون- في كل مكان لم يكن يتجلى لشيء هو فيه، كيف يتجلى للجبل وهو في الجبل؟ ولكن الله جل ثناؤه على العرش -سبحانه وتعالى-، وتجلى ولم يكن فيه، لم يكن في الجبل، ورأى الجبل شيئا لم يكن رآه قبل ذلك؛ ولذلك تدكدك، قال الله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا .
هذه مناقشة للجهمية، الجهمية القائلين: في كل مكان، يقولون: في الجبل، يقول: كيف يتجلى للجبل وهو فيه؟ كيف يتجلى لشيء هو فيه؟ هذا لا يمكن، ولكن الله على العرش وتجلى للجبل، ورأى الجبل شيئا لم يكن رآه؛ ولذلك تدكدك. نعم.
مناقشة الجهمية في قوله الله نور كله
ورأى الجبل شيئا لم يكن رآه قبل ذلك، وقلنا للجهم: الله نور، فقال: هو نور كله.
---(1/342)
هذه مناقشة للجهمية، الجهمية يقولون: الله نور كله، وهو في كل مكان، الله نور كله، وعلم كله، وقدرة كله؛ لأنهم قالوا: لا يوصف بوصفين مختلفين، ما يوصف بوصفين مختلفين، يقول: الله نور كله، الله قدرة كله، الله علم كله، وهو في كل مكان، يقولون: لا يوصف بوصفين مختلفين، فلا يقولون: نثبت لله النور والعلم والقدرة، لا، هو كله نور، هو كله قدرة، هو كله علم، ما يوصف بوصفين، وصف واحد بس، وصف واحد، هو نور كله، وهو في كل مكان، فالإمام يناقشهم يقول: أنتم تقولون الله نور كله، وهو في كل مكان نعم.
وقلنا للجهم: الله نور، فقال: هو نور كله، فقلنا: فالله قال: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا فقد أخبر الله -جل ثناؤه- أن له نورا، فقلنا: أخبرونا حين زعمتم أن الله تعالى في كل مكان وهو نور، فلِمَ لا يضيء البيت المظلم من النور الذي هو فيه إذ زعمتم أن الله في كل مكان؟ وما بال السراج إذا دخل البيت المظلم يضيء، فعند ذلك تبين للناس كذبهم على الله .
---
إذن هذه مناقشة في قولهم: "الله نور وهو في كل مكان"، يقول: قلنا إن الله تعالى قال: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا فقد أخبر الله -جل ثناؤه- أن له نورا، فقلنا: أخبرونا حين زعمتم أن الله في كل مكان وهو نور، فلِمَ لا يضيء البيت المظلم من النور الذي هو فيه؟
إذا قلتم: "إن الله في كل مكان وهو نور كله" فلِمَ لا يضيء البيت المظلم من النور فيه إذ زعمتم أن الله في كل مكان؟ وما بال السراج إذا دخل البيت المظلم يضيء؟ أنتم تقولون: "إن الله في كل مكان وهو نور كله"، فلِمَ لا يضيء البيت المظلم؟ وإذا جئنا بالسراج أضاء البيت المظلم، فالسراج يضيء البيت المظلم، والله لا ينير، لا يكون فيه نور، لا ينير البيت المظلم وهو فيه -تعالى الله عمَّا يقولون علوا كبيرا-، فعند ذلك تبين للناس كذبهم على الله؛ لأنهم يقولون: "الله نور كله وهو في كل مكان".(1/343)
قال لهم: طيب لماذا لا يضيء البيت المظلم إذا كان نورا وهو في كل مكان ؟ وإذا جئنا بالسراج أنار وإذا أبعدنا السراج أظلم؟ لِمَ لا يضيء البيت المظلم؟ وأنتم تقولون الله فيه، وهو في كل مكان، وهو نور كله. ولكن الله -سبحانه وتعالى- فوق العرش، وقد قال سبحانه: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا نعم.
وقلنا للجهم: الله نور، فقال: هو نور كله، فقلنا: فالله قال: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا فقد أخبر الله -جل ثناؤه- أن له نورا، فقلنا: أخبرونا حين زعمتم أن الله تعالى في كل مكان، وهو نور، فلِمَ لا يضيء البيت المظلم من النور الذي هو فيه إذ زعمتم أن الله في كل مكان؟
وما بال السراج إذا دخل البيت المظلم يضيء؟ فعند ذلك تبين للناس كذبهم على الله، فرحم الله من عقل عن الله، ورجع عن القول الذي يخالف الكتاب والسنة، وقال بقول العلماء، وهو قول المهاجرين والأنصار، وترك دين الشيطان، ودين جهم وشيعته.
والحمد لله رب العالمين، هذا آخره، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
---
هذا دعاء للإمام -رحمه الله- للذي يرجع عن القول الذي يخالف الكتاب والسنة، ويترك دين الشيطان، ودين جهم وشيعته، ويقول بقول العلماء، وهو قول المهاجرين والأنصار.
هذه الرسالة العظيمة -كما سمعتم وكما رأيتم الآن -كلها في الرد على أيش؟ على الجهمية، وإذا استعرضنا هذه الرسالة من أولها إلى آخرها نجد أن الإمام -رحمه الله-أولا ابتدأها بالباب الأول، أتى بآيات من القرآن شبَّه بها الجهمية، وقالوا: إنها متعارضة، وقالوا: إن القرآن متعارض، إن القرآن يعارض بعضه بعضا، وهو ينقض بعضه بعضا.(1/344)
فأجاب عنها اثنين وعشرين مثالا من الآيات، ثم بعد ذلك ناقش الجهم، وقال: إن الجهم لا يثبت وجودا لله، ولكنه يتستر، فهو منافق زنديق؛ لأنه يقول: إن الله شيء لا كالأشياء، والشيء الذي لا كالأشياء لا وجود له؛ لأنه لا بد أن يثبت.
يقول: إن الله لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه، لا بد أن يثبت نوعا من الشبه، وهو الاشتراك في المعنى عند القطع عن الإضافة، اشتراك في المعنى، في المعنى العام، وهو أمر ذهني، عند القطع عن الإضافة والتخصيص، مثل لفظ وجود، لفظ عين، لفظ قدرة، لفظ سمع، هذا يشمل وجود الخالق ووجود المخلوق.
فالذي يقول إن الخالق لا يشارك المخلوق في هذا معناه ما يثبت وجود الله، لفظ وجود، كلمة وجود تشمل أيش ؟ وجود الخالق، ووجود المخلوق، لكن تشمله في الذهن ولَّا في الخارج؟ في الذهن، فالذي يقول: "إن الله لا يشبه المخلوقات بوجه من الوجوه" أنكر وجود الله، معناه ما أثبت وجود الله، ولا في الذهن، واضح هذا؟
ثم بعد ذلك أتى بستة أمثلة، ست شبه للجهمية شبهوا بها على أن القرآن مخلوق، فهم إذن لا يثبتون كلاما لله -الجهمية-، ست شبه، وأجاب عنها، ثم أيضا ناقشهم في إنكارهم للرؤيا، أنكروا رؤية الله -عز وجل- يوم القيامة، وأنكروا الكلام، أن الله كلم موسى، وأنكروا معية الله مع خلقه، وقالوا: إن الله مختلط بالمخلوقات، ممتزج بهم، وأنكروا العلم.
إذن ما أثبتوا وجودا لله، فتبين بهذا أن الجهمية يقولون: إن القرآن متعارض، ينقض بعضه بعضا، وينكرون الكلام، يقولون: إن الله لا يتكلم، وينكرون العلم، وينكرون رؤية الله، يقولون: إن الله لا يُرى، ويقولون: إنه مختلط بالمخلوقات وممتزج بها، ثم في النهاية قالوا: إنه شيء لا كالأشياء، فلا يشابه المخلوق في وجه من وجوه الشبه، وهذا إنكار لوجوده، وهو كفر صريح -نسأل الله السلامة والعافية-.(1/345)
ولهذا قالوا: إنه مختلط بالمخلوقات، لكن غير مباين وغير مماثل، هو في المخلوقات لكن غير مماس وغير مباين، ماذا يكون ؟ غير مماس لشيء من الأشياء، وغير مباين، لا مباين ولا مماس، هذا معناه القول بنفي النقيضين، القول بوجوده، فتبين بهذا كفر الجهمية، إلا أنهم زنادقة ملاحدة، ما يصرحون بالكفر، ما يقولون: "ننكر وجود الله" صراحة، لكنهم يتسترون باسم الإسلام.
يقول الجهمي، يقول يدعي أنه مسلم، لكن إذا أنكر كلام الله قال: إن الله لا يتكلم، وقال: إن القرآن متناقض، وقال: إن الله لا يُرى يوم القيامة، وليس له علم، وإن الله مختلط بالمخلوقات، وليس مباينا، ولا مماسا لشيء من المخلوقات، ولا يشبه شيئا من المخلوقات بوجه من وجوه الشبه، هذا معناه العدم، هذا القول بالعدم.
فالخلاصة أن الجهمية كفار زنادقة، لا يؤمنون بوجود الله، ولأن إنكار الأسماء والصفات كلها يُنتج العدم، كل شيء ينفى عنه الأسماء والصفات لا وجود له، ما يمكن أن يوجد شيء إلا له أسماء و صفات، فشيء ليس له اسم ولا صفة لا وجود له.
لو قلت: أنا في منطقة الآن ليس لها طول ولا عرض ولا عمق، وليست داخل السماوات ولا خارجها، ولا فوق ولا تحت، ولا مباينة ولا مماسة ولا محايدة، ولا أثبت لها صفة الوجود ماذا تكون؟
هذا الجهمي يقول: هكذا الجهمية، هكذا ينفون عن الله جميع الأسماء والصفات، والذي تنفى عنه الأسماء والصفات لا وجود له، قاعدة: "كل شيء لا اسم له ولا صفة لا وجود له"، والجهمية يقولون: لا اسم له ولا صفة، إذن أنكروا وجود الله، لا علم، ولا قدرة، ولا سمع ولا بصر ولا حياة ولا شيء، وقالوا: إنه لا يشبه مخلوقا بوجه من وجوه الشبه، وقالوا: إنه مختلط بالمخلوقات، لكن غير مماس لشيء وغير مباين.(1/346)
خارجه لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوقه، ولا تحته، ولا مباين له، ولا محايز له، ولا متصل به، ولا منفصل عنه ماذا يكون؟ العدم، بل أشد من العدم مستحيل، نسأل الله السلامة والعافية، ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يهدي قلوبنا، وأن يوفقنا لسلوك صراطه المستقيم، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا للعمل الصالح الذي يرضيه، وأن يثبت قلوبنا على طاعته، وأن يتوفنا مسلمين غير مغيرين، ولا مبدلين، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبهذا نكون انتهينا من هذه الرسالة.
يكون يوم الخميس -إن شاء الله- ما في درس؛ لأنا انتهينا من الرسالة، ولا يمكنا أن نبدأ برسالة أخرى، وإن شاء الله في السنة القادمة إن شاء الله، نسأل الله أن يحيينا، وإياكم حياة طيبة،إن شاء يكون لنا درس في رسالة من الرسائل، وفق الله الجميع لطاعته، وصلى الله على محمد وعلى آله. ... فيه أسئلة؟ نعم.
تفضل.
السؤال الأول: فضيلة الشيخ: إذا قلنا: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بعين قلبه، فكيف تكون الرؤية بعين القلب؟
ج: يقول العلماء: إنها إن الرؤية بعين القلب زيادة، زيادة في العلم، وإنها زيادة في العلم، بعضهم قال: إن الله يخلق له عينين في قلبه، لكن ليس هذا بوجيه، يعني: زيادة في العلم. نعم.
س: فضيلة الشيخ: كثير من العوام في بعض البلاد الإسلامية، وفي غيرها انتشر بينهم أن الله في كل مكان، وقد تعلموا ذلك من بعض مشايخ الأشاعرة المنتشرين في تلك الأماكن، فهل يعتبر العوام جهمية، وإن قلنا بتكفير الجهمية لزم تكفير غالب المسلمين اليوم، فما الجواب ؟(1/347)
ج: الأشعرية ما يقولون بهذا، الأشعرية ما يقولون ... بالحلول، هذا يقول به الجهمية، الأشعرية يحرفون سبع صفات، هذا المعروف، لكن متأخرو الأشاعرة صاروا جهمية، مثل الرازي وأشباهه، الرازي أشعري، لكنه انتقل إلى مذهب الجهمية، وصار يقول بقول النفاة: لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوقه، ولا تحته، لكن تاب في آخر عمره، ترحم عليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب وصية وتاب في آخر عمره.
لكن معروف عن الأشاعرة أنهم ما يقولون بأن الله في كل مكان، هذا يقوله الحلولي، إلا من تمذهب بمذهب الجهمية من الأشاعرة، فصار ينتسب إلى الأشعرية، وهو يقول بقول الجهمية، فصار جهميا.نعم.
ومن يقول بهذا؟ قلنا: إن قول الجهمية كفر على وجه العموم، أما الشخص المعين بعينه لا يكفر حتى تقوم عليه الحجة، والعوام كذلك إذ لم يعلموا، لا يكفر العوام إلا من قامت عليه الحجة، من عرف. الواحد بعينه لا بد أن تقوم عليه الحجة، الواحد تقوم عليه الحجة، لكن على العموم يقال: كل من قال: إن الله في كل مكان فهو كافر، الجهمية كفار على العموم، أما فلان ابن فلان الذي يقول بكذا ما نكفر فلانا ابن فلان حتى تقوم عليه الحجة، لا بد أن تقوم عليه الحجة، وتزول عنه الشبهة. نعم.
س: فضيلة الشيخ: ما مدى ثبوت نسبة فناء النار لشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم؟(1/348)
ج: ليس بصحيح هذا. هذا باطل، شيخ الإسلام -رحمه الله- صريح، مؤلفاته صريحة في أنه لا يقول بفناء النار، وهنا رسالة الآن، رسالة دكتوراه أشرف عليها الآن، وهي تطبع الآن، بل طبعت الآن، وهي ستناقش -إن شاء الله قريبًا- في كلية أصول الدين في جامعة الإمام، أثبت فيها الباحث بأن شيخ الإسلام لا يقول بهذا، وأثبت فيها بالأدلة والنقول من كلامه بأنه يقول بأن الجنة والنار دائمتان لا تفنيان، أما ابن القيم ففي كتاب "حادي الأرواح" ذكر بعض الآثار وبعض الأدلة للقائلين بفناء النار، ولكنه ليس صريحًا أيضًا، ليس صريحًا في أنه يقول بفناء النار، لكن ذكر بعض الأدلة لمن يقول بفناء النار.نعم.
والصواب أنهما لا يقولان، لا يقولان بفناء النار. نعم.
س: فضيلة الشيخ: ما معنى قول الجهمية: إن الله لا يوصف بوصفين؟
ج: يعني: ما يقول علم وقدرة في شيء واحد، يقول هو علم كله، قدرة كله، ما يقول كما يقول أهل السنة: متصف بصفات متعددة. نعم.
س: فضيلة الشيخ: سمعت أن أهل الجنة تتغير صفاتهم، وهيئاتهم مما كانت عليه في الدنيا حتى وجوههم، فهل هذا صحيح؟
ج: نعم. أخبر الله -سبحانه وتعالى- أن وجوههم كالقمر ليلة البدر، الذين يمرون على الصراط أولا يمرون كالبرق ... كالقمر ليلة البدر، ثم كالريح، جاء في الحديث: أن أول زمرة تمر كالقمر ليلة البدر وجاء في الحديث في صحيح البخاري: إن طول أهل الجنة ستون ذراعًا في السماء الواحد منهم ستون ذراعًا، وجاء في العرض في حديث رواه الترمذي لكن فيه ضعف: العرض سبعة أذرع .(1/349)
أما الطول هذا ثابت في الصحيح، وأنهم جردٌ مردٌ مكحلون من أجمل الناس، في قوة الشباب، أبناء ثلاثة وثلاثين، وجمالهم جمال عظيم، لا شك أنهم يتغيرون، لا يبقوا على حالهم. والرجل الدميم في الدنيا من أهل الجنة، لا يكون دميما يكون من أجمل الناس، والقصير كذلك لا يكون قصيرا، كما جاء في الحديث، قصة الرجل الذي قتل، وكان دميم الخلقة وقال لما قتل، واستشهد قال: إن الله طيب ريحه .
المقصود أن دميم الخلقة يجعله الله من أحسن الناس خلقة يوم القيامة، إذا كان من أهل الجنة، وكذلك القصير ما في قصير وطويل، كلهم طولهم ستون ذراعًا في السماء، أبناء ثلاث وثلاثين، كلهم في غاية الجمال، والطول كذلك واحد، والأسنان كذلك ما في شيخوخة، ولا هرم، ولا مرض، ولا نوم، ولا موت، ولا بصاق، ولا بول، ولا غائط، ولا شيء، جميع آفات الدنيا منتفية، صحة دائمة، وشباب دائم، وجمال دائم، ونعيم دائم.
نسأل الله الكريم أن يجعلنا، وإياكم من أهل الجنة. نعم.
س: فضيلة الشيخ في قوله -سبحانه-: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ما معنى استثناء الله -سبحانه- في هذه الآية بقوله: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ؟
اختلف العلماء في هذا، منهم من قال: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ يعني: إلا مدة بقائهم في البرزخ، وقيل إن هذا استثناء الرب، ولا يفعله، وقيل مدة بقاء ... المقصود أنها ...
العلماء لهم كلام في هذا، ولكن ليس معناه أن النار تفنى. وقد اتفق العلماء على أن النار باقية مستمرة.
اتفق أهل السنة والجماعة، وأما " ما شاء ربك" فهذا أجاب عنه العلماء بأجوبة بعضهم قال: إن "إلا ما شاء ربك" استثناء مدة بقائهم في البرزخ وما أشبهه، أو استثناء الرب، ولا يفعله، هناك أقوال أخرى ذكرها العلماء، ذكرت في شرح الطحاوية، وفي وغيرها. نعم.
سؤال: فضيلة الشيخ: أحسن الله إليكم، هل نحكم على الكافر، أو من أقيمت عليه الحجة أنه مخلد في النار؟(1/350)
ج: نعم. إذا أقيمت الحجة عليه، شخص يعبد الصنم يذبح لغير الله، وقيل له: إن هذا حرام، وهذا شرك فقال: إنه راض بالشرك، راض بالشرك، ويعرف أنه شرك، ويريد الشرك، ومات على ذلك قامت عليه الحجة، نحكم عليه أنه كافر، وأنه في النار مخلد في النار، خلاص ما له شبهة يعبد الصنم أمامك، وأقمت عليه الحجة ويقول: إنه يريد أن يعبد الصنم، ويريده، ويرى أنه لا بد أن يعبد الصنم، ولو عرف أنه على الباطل. هذا قامت عليه الحجة ما في إشكال. قامت عليه الحجة وكافر، و كل من حكم عليه بالكفر يحكم عليه بالنار. من حكم عليه بالكفر، حكم عليه بالخلود في النار.
نسأل الله العافية. نعم.
س: فضيلة الشيخ: هل يجوز القول بأن لفظي بالقرآن مخلوق؟
ج: لا يجوز، كما قال الإمام أحمد، هذا من البدع، قال الإمام أحمد -رحمه الله-: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع يقال: القرآن كلام الله، ولا يقال: هذا لفظي، ولا ... كما أثر عن الإمام أحمد، بل ثبت عن الإمام أحمد قال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق، فهو مبتدع.
س: فضيلة الشيخ هل أرواح الموتى تجتمع بعضها ببعض أم لا؟ وهل الميت يعرف من يزوره؟ وهل الموتى يعلمون بالميت إذا مات من قرابتهم؟
ج: الله أعلم، هذا يحتاج إلى دليل، ولا أعرف دليلا في هذا، ابن القيم ذكر في كتابه "الروح" أشياء من هذا، وأن الأرواح تتلاقى، وأنه كذا، أما كونه يعلم، الأصل أنه لا يعلم قال الله -تعالى-: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ الأصل أن الموتى لا يعلمون عن أحوال الأحياء شيئا، فأما إن كانوا يتزاورون، فالله أعلم يحتاج إلى دليل. نعم.
س: ما الحكم في الدخول في المعاهد التي تدرس فيها مذهب الأشاعرة ؟(1/351)
ج: هذا ما ينبغي لإنسان أن يدرس مذاهب أهل البدع. . يدرس معتقد السنة والجماعة، كيف يدرس المعتقدات الباطلة ؟ لا يجوز للإنسان الدخول فيها. نعم.
س: ويقول: إذا طلب مني في الامتحان تأويل بعض الصفات، فلو كتبت عقيدة أهل السنة جعلوه خطأ.
ج: لا، لا تدخل من الأساس، من الأساس لا تدخل، دخولك باطل، دخولك منكر. نعم.
س: فضيلة الشيخ: هذه سائلة تقول: نحن مجموعة من النساء الحاضرات بهذه الدورة المباركة، وسؤالنا هل يجوز لنا الذهاب إلى الزواج؟ يعني: إلى مكان حفل الزواج.إذا كان به أحد المنكرات الآتية أولا: دخول إخوان العريس معه إلى النساء، وتشييع العروسين.
ج: نص العلماء على أن الدعوة للزواج، إذا كان فيه منكر، فإن هذا عذر له، إما أن ينكر المنكر، فيزول، فإن لم يزل المنكر، فإنه ينصرف. إذا كان يعلم أن فيه منكرا، ولا يستطيع إنكاره لا يأتي، وإذا جاء ووجد المنكر، فإنه ينكر، فإن زال المنكر، وإلا خرج.
إذا كان يعلم أن فيه منكرا لا يأتي، إذا كان فيه تصوير، أو فيه كذا، أو فيه عري، أو اختلاط رجال بنساء، أو أصوات مغنين ومغنيات هذا عذر، لا يأتي، لا يجيب لا الرجل، ولا المرأة إذا كان منكر في الحفل، هذا عذر للإنسان في عدم إجابة الدعوة، إلا إذا كان يأتي، وينكر المنكر، ويزول.
س: فضيلة الشيخ: بعض الناس دائما على لسانه كلمة "بالأمانة" ويقول: إني لا أقصد بالباء حرف القسم، فهل هذا من الشرك الأصغر؟
ج: نعم. من الشرك الأصغر، لا يجوز يجب أن يعود نفسه، يقول الرسول: من حلف بالأمانة فليس منا يقول: لا تحلفوا بآبائكم، ولا بالأمانة، فمن كان حالفا، فليحلف بالله، أو ليصمت ويقول -عليه الصلاة والسلام- من حلف بغير الله، فقد كفر، أو أشرك ... بالأمانة هذا شرك سواء قصد، أو ما قصد، هي شرك وحلف لا يجوز.(1/352)
الإنسان عليه أن يجاهد نفسه، ويتوب إلى الله -عز وجل- ويعود نفسه على الحلف بالله، بل حتى ما ينبغي أن يكثر من الحلف، جاء في الحديث: من حلف باللات، فليقل: لا إله إلا الله هذه تكفر هذه، إذا حلف بالأمانة ناسيًا يقول: لا إله إلا الله؛ لأن الحلف بالأمانة شرك، ولا إله إلا الله توحيد، والتوحيد يكفر الشرك، ويتوب إلى الله، عز وجل.
س: فضيلة الشيخ: هل عوام الرافضة كفار؟
ج: فيه خلاف بين أهل العلم، من العلماء من قال: إنهم تبع لهم، ومنهم من قال: إنهم مبتدعة، وكما سبق لا بد من قيام الحجة.
س: فضيلة الشيخ: قلتم في المعنى الثاني للآية: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ إخبار عن فناء الذوات إلا ذات الله عز وجل، ثم قلتم: إن الروح لا تموت، بل هي باقية أرجو توضيح هذه النقطة، أحسن الله إليكم.
ج: نعم.
لأن هذه كتب الله لها البقاء، الروح من الأشياء التي كتب الله لها البقاء، مثل الجنة والنار؛ ولهذا يقولون:
ثمانية حكم البقاء يعمها ... من الخلق والباقون في حيز العدم
هي العرش والكرسي نار وجنة ... وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم
هذه كتب لها البقاء، العجب عجب الذنب ما يفنى، الروح لا تفنى، اللوح المحفوظ والقلم والجنة والنار والعرش والكرسي، هذه كتب الله لها البقاء، مستثناة. نعم.
س: فضيلة الشيخ: ما حكم الشهود لشخص بأنه من أولياء الله؟
ج: ما يجوز أن تشهد على أحد من الأحياء إلا بدليل، لا يجوز للإنسان أن يشهد؛ لأن الإنسان لا يعرف، لا يعلم البواطن، لكنه يرجو مثل ما يقول أهل السنة، أهل السنة يقولون: لا نشهد على أحد بجنة، ولا نار، ولا نشهد بأنه ولي من الأولياء، إلا بدليل لكن يرجى للمطيع، ويخاف على العاصي، إذا رأينا شخصا يظهر الخير، نرجو أنه ولي، لكن نشهد؟ ما نعلم السرائر لا نشهد؛ لأن الشهادة بأنه ولي الله شهادة له بالجنة، ولا يشهد لواحد بعينه بالجنة.(1/353)
أهل السنة لا يشهدون لواحد بعينه بالجنة، إلا ما شهدت له النصوص، مثل العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم، فالشهادة بأن هذا الشخص، فلانا بعينه ولي الله، معناها شهادة له بالجنة ما ندري عنه.
لكن نرجو له، نرجو للمستقيم، للعلماء، وأهل الخير والصالحين، نرجو لهم الخير لكن ما نشهد بأنهم من أهل الجنة، ولا نشهد لهم. .. لما؟ لا ندري، الله أعلم بحاله، لكن نرجو له الخير، والعاصي الذي يخوض المعاصي والمنكرات ما نشهد عليه بأنه من أهل النار، لكن نخشى عليه، ونخاف هذا معنى قول العلماء لا يشهد + ... لكن نرجو للمحسن ونخاف على المسيء. نعم.
س: فضيلة الشيخ: بينتم في صفة أهل الجنة: أنهم جردٌ مردٌ، من أجمل الرجال.
ج: نعم جردٌ مردٌ مكحلون هكذا كما في الحديث: جردٌ مردٌ مكحلون يلبسون أسورة في أيديهم، وأرجلهم يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ نعم.
يقول: فكيف تكون اللحية من جمال الرجال؟
في الدنيا، في الآخرة تتغير الأحوال هي من جمال الرجل في الدنيا، أما في الآخرة ليس لهم لحى، جمال الآخرة دار نعيم لا في عمل، ولا شيء، والخمر حرام في الدنيا وحلال لأهل الجنة، لكن خمر طيبة لذيذة لا تزيل العقل، والحرير حرام على الرجال في الدنيا، وفي الآخرة يلبسون الحرير، تختلف الأحوال في الآخرة، تختلف الأحوال.
س: فضيلة الشيخ: هل نسبة كتاب "الروح" لابن القيم صحيحة وما حجة من أبطلوا النسبة ؟
ج: هذا يحتاج إلى تحقيق، إذا جاء شخص، وحقق كتاب "الروح" ومشهور أنه له، ومعروف لكن مسألة التحقيق هذه ... معروف عند العلماء الآن مشهور أنه له، لكن عند التحقيق، الباحث يحقق هذه النسبة، ويذكر الأدلة ونصوص العلماء التي تدل على أنه له. نعم.
س: فضيلة الشيخ: هذا سائل أشكل عليه يقول: هل كل هذه الشبه عن الجهم عن يقين ودين، أم أنه يريد فقط الإضلال، وإغواء الناس؟(1/354)
ج: كما قال الإمام أحمد: ظاهره أنه زنديق، والزنادقة منافقون عن علم، يريدون أن يضلوا الناس؛ ولهذا قال الإمام+، فأضل بذلك بشرا كثيرا. نعم.
س: فضيلة الشيخ: سؤال أخير، يقول: نريد أن نعرف الدروس التي لفضيلتكم.
ج: دروس قليلة، ولكن معروفة لدى الإخوان، عندنا ثلاثة دروس: يوم السبت في جامع الأمير سلطان في صحيح مسلم، ويوم الثلاثاء بعد المغرب في بلوغ المرام، ومعه كتاب آخر، ويوم الاثنين بعد المغرب صحيح البخاري في جامع الراجحي.
ولكن الآن أتوقف عن الدروس -إن شاء الله- مع بدء الدراسة ونسأل الله جميعا العلم النافع والعمل الصالح، وفق الله الجميع لطاعته.(1/355)