تأليف
عمر بن عبد الله بن عاتق العلوي الحربي
1428هـ
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده،ونستعينه،ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إ له إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (102) سورة آل عمران.{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1) سورة النساء .{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)}سورة الأحزاب أما بعد:
فإن أصدق الكلام كلام الله،وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرَّ الأمور محدثاتها،وكل محدثةٍ بدعة،وكل بدعةٍ ضلالة،وكل ضلالة في النار.
وبعد فهذا شرح كتاب أصول السنة لإمام أهل السنة والجماعة أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني من رواية عبدوس بن مالك أبو محمد العطار. قال أبو يعلى:"لو رُحل إلى الصين في طلبها لكان قليلاً".(1/1)
والإمام أحمد رحمه الله من تأمَّل سيرته عرف شدَّة تمسكه بالسنة وإظهار الرد على المخالفين لها.قال ابن مُفلح المقدسي رحمه الله في الآداب الشرعية(1/375):"فصل في الإستعانة بأهل الأهواء وأهل الكتاب في الدولة قال أبو علي الحسين بن أحمد بن المفضل البجلي:دخلت على أحمد بن حنبل ،فجاءه رسول الخليفة يسأله عن الإستعانة بأهل الأهواء ،فقال أحمد:لا يستعان بهم ،قال فيستعان باليهود والنصارى ولا يستعان بهم؟قال:إن النصارى واليهود لا يدعون إلى أديانهم وأصحاب الأهواء داعية".عزاه الشيخ تقي الدين إلى "مناقب البيهقي"وابن الجوزي يعني للإمام أحمد وقال:فالنهي عن الإستعانة بالداعية لما فيه من الضرر على الأمة"انتهى كلامه وهو كما ذكر.
وفي جامع "الخلاَّل"عن الإمام أحمد:أنَّ أصحاب بشر المريسي وأهل البدع والأهواء لا ينبغي أن يُستعان بهم في شيء من أمور المسلمين فإن في ذلك أعظم الضرر على الدين والمسلمين .وروى البيهقي في "مناقب أحمد"عن محمد بن أحمد بن منصور المروذي أنه استأذن على أحمد بن حنبل فأذن له فجاء أربعة رسل للمتوكل يسألونه فقالوا:الجهمية يُستعان بهم على أمور السلطان قليلها وكثيرها أولى أم اليهود والنصارى؟فقال أحمد:أما الجهمية فلا يُستعان بهم على أمور السلطان قليلها وكثيرها ،وأما اليهود والنصارى فلا بأس أن يُستعان بهم في بعض الأمور التي لا يُسَلَّطون فيها على المسلمين حتى لا يكونوا تحت أيديهم قد استعان بهم السلف.
قال محمد بن أحمد المروذي:أيُستعان باليهود والنصارى وهم مشركان؟ولا يُستعان بالجهمي؟قال:يا بني يغتر بهم المسلمون وأولئك لا يغتر بهم المسلمون"أهـ.(1/2)
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كما في الدُّرر السنيّة(13/170):"ومنها أن التأويل الفاسد في رد النصوص ليس عذراً لصاحبه كما أنه سبحانه لم يعذر إبليس في شبهته التي ألقاها ،كما لم يعذر من خالف النصوص متأولاً مخطئاً بل كان ذلك التأويل زيادة في كفره ومنها:أن مثل هذا التأويل ليس على أهل الحق أن يُناظروا صاحبه ويبيِّنوا له الحق كما يفعلون مع المخطئ المتأول بل يبادر إلى عقوبته بالعقوبة التي يستحقها بقدر ذنبه وإلا أعرض عنه وإن لم يُقدر عليه.كما كان السلف الصالح يفعلون هذا وهذا ".فجعل رحمه الله معاملة أهل السنة لأهل البدع في حال القدرة إلحاق العقوبة بهم بقدر ذنبهم وفي حال عدم القدرة الإعراض عنهم .ونختم هذه المقدمة بما نقله بديل بن محمد بن أسد كما في طبقات الحنابلة(1/130)قال رحمه الله:"دخلت أنا وإبراهيم بن سعيد الجوهري على أحمد بن حنبل رضي الله عنه في اليوم الذي مات فيه أو مات في تلك الليلة التي تستقبل ذلك اليوم قال:فجعل أحمد يقول لنا:عليكم بالسنة ،عليكم بالأثر،عليكم بالحديث.لا تكتبوا رأي فلان ورأي فلان فسمَّى أصحاب الرأي"
وقد انتهيت من تأليف هذا الكتاب يوم الجمعة19/2/1428هوسمَّيته (السنة في شرح أصول السنة).
المؤلف: عمر بن عبد الله بن عاتق العلوي الحربي
قال الشيخ الإمام أبو المظفَّر عبد الملك بن علي بن محمد الهمْداني حدثنا الشيخ أبو عبد الله يحيى بن الحسن بن البنَّا قال: أخبرنا أبو الحسين عليُّ بن محمد بن عبد الله بن بشران المُعَدَّل قال:أنا عثمان بن أحمد بن السَّمَّاكِ قال:حدثنا أبو محمدٍ الحسن بن عبد الوهاب بن أبي العنبر قراءةً عليه من كتابه في شهر ربيع الأول من سنة ثلاث وتسعين ومائتين(293)قال: حدثنا أبو جعفر محمدُ بنُ سليمان النقَريُّ بـ(تنيس) قال: حدثني عبدوس بن مالك العطَّار قال: سمعتُ أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه يقول :
أصول السنة عندنا:(1/3)
ش: الأصل هو ما يبنى عليه غيره ومن ذلك أصل الجدار وهو أساسه ، وأصل الشجرة الذي يتفرَّع منه أغصانها قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء} (24) سورة إبراهيم .
ويطلق الأصل على خمسة أشياء :
الأول: على الدليل وهذا في الغالب كقولهم : أصلُ هذه المسألة الكتاب والسنة أي: دليلُها.
الثاني: على الرَجْحَانِ أي: على الراجح من الأمرين كقولهم الأصل في الكلام الحقيقة دون المجاز ،والأصل براءة الذمَّة ،والأصل بقاء ما كان على ما كان .
الثالث: يطلق الأصل على القاعدة المستمرة ، كقولهم " أكل الميتةِ على خلاف الأصل" أي: على خلاف الحالة المستمرة.
والإطلاق الرابع: على "المقيس عليه" وهو ما يقابل ُ الفرع في باب القياس .
والخامس : يطلق الأصل على المسائل التي أجمع الصحابة عليها ويُضلل المخالف فيها وهذا الإطلاق هو المراد هنا .
وهذا الإطلاق موجود في كلام بعض أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيثُ يقول في العقيدة الواسطية:" وإن كانت هذه المسألة ـ مسألة عثمان وعلي ـ ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة وذلك لأنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله" . فبيَّن رحمه الله أن مسألة تفضيل علي على عثمان رضي الله عنهما ليست أصلاً مجمع عليه فيضلل المخالف فيه مع أن الراجح الذي دلَّت عليه الأدلة فضل عثمان على علي رضي الله عنهم لكن مسألة الخلافة أجمع الصحابة عليها فهي أصل يضلل المخالف فيها .(1/4)
والسنة المراد بها: ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير . قال الله عز وجل:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (7) سورة الحشر.
1- التمسك بما كان عليهِ أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والإقتداءُ بهم.
ش: ودليل هذا الأصل من الكتاب قوله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (115) سورة النساء. وفي هذه الآية توعَّد الله عز وجل من خالف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيما أجمعوا عليه من مسائل الدين.وقوله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (100) سورة التوبة. ووجه الاستدلال من الآية أن الله عز وجل بشَّر من اتبع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار برضوانه تعالى ؛ فدلَّت الآية على مشروعية التمسك بما كانوا عليه والإقتداء بهم .(1/5)
ومن السنة ما ثبت في سنن الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلاَنِيَةً كَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً )قَالُوا :َمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟قَالَ:( مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي ).والحديث حسن بطرقه. ووجه الاستدلال من هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم جعل النجاة من هذا الوعيد الشديد التمسك بما كان عليه وأصحابه وهذا يدل على وجوب التمسك بما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم والإقتداء بهم وهذا يميِّز أهل السنة عن أهل البدع والله أعلم.
2- وترك البِدَعِ وكُلُّ بدعةٍ فهي ضلاَلةٌ.(1/6)
ش: البدعة في الشرع كل ما تعبد لله سبحانه وتعالى بغير ما تعبده به الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.وغالب البدع في الدين تضاف إلى الشرع ولكن ليس عليها عمل السلف الصالح.قال تعالى:{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (115) سورة النساء.وهذا الوعيد الشديد في حق من خالف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد علمه بها وهو أيضاً في حق من فهم الإسلام بغير فهم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أو عمل عملاً يتعبد الله به ولم يعمله أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم . ومثال ذلك: ما انتشر في زماننا ما يسمى التمثيل الإسلامي و الأناشيد الملحنة التي يطرب سامعها مما أحدثه القطبية ويزعمون أن هذه أساليب ووسائل دعويَّة نافعة ولا شك أن الدعوة إلى الله عبادة والعبادة حتى تقبل لا بد أن تكون على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين كانوا يدعون أهل الكفر والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية التي أغناهم الله بها عن الطرق البدعية المحدثة.
"وكُلُّ بدعةٍ فهي ضلاَلةٌ ":(1/7)
ش: لفظ "كل" من صيغ العموم قال الله عز وجل:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (49) سورة القمر. ويجب العمل بعموم اللفظ العام حتى يثبت تخصيصه ؛لأن العمل بنصوص الكتاب والسنة واجب على ما تقتضيه دلالتها حتى يقوم دليل على خلاف ذلك. وقد صحَّ من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:(وإيَّاكُمْ ومُحْدَثات الأمور، فإنَّ كُلَّ بدعةٍ ضَلالة) وهذ الحديث عمومه محفوظ لم يدخل عليه تخصيص فالحديث بمنطوقه دلَّ على تحريم جميع البدع في الدين وفيه ردٌّ على من قسَّم البدعة إلى أقسام وزعم أن منها بدعة حسنة مستحبة.وقد قال الله عز وجل: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} (32) سورة يونس.
3- وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء.
ش: المراد بالخصومات هنا الخصومات بغير حق كخصومة أهل الأهواء لأهل السنة ، أما خصومة أهل السنة لأهل الأهواء فهي بحق ويؤجرون عليها. قال الإمام ابن القيم رحمه الله في القصيدة النونية مخاطباً أهل البدع:
ولأيِّ شيءٍ كان أحمدُ خصمكم ... أعني ابن حنبل الرضى الشيباني
ولأيِّ شيءٍ كان بعدُ خصومكم ... أهل الحديث وعسكر القرآنِ
ولأيِّ شيءٍ كان أيضاً خصمكم ... شيخ الوجود العالم الحرَّاني
أعني أبالعباس ناصر ... المختار قامع سُنة الشيطانِ(1/8)
وأما الجلوس مع أصحاب الأهواء أي: أهل البدع فالأصل فيه التحريم ومن الأدلة على هذا الأصل ما ثبت في الصحيحين واللفظ لمسلم رحمه الله قال صلى الله عليه وسلم:(فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى الله فاحذروهم) ، وأمر صلى الله عليه وسلم باعتزال أهل البدع كما في حديث حذيفة المتفق عليه وفيه قال رسول صلى الله عليه وسلم:(فاعتزل تلك الفِرَقَ كُلَّها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يُدركك الموت وأنت على ذلك).أي:على السنة ولم تتبع الفِرق الهالكة، وهذا ما كان عليه السلف الصالح وهذه بعض الآثار عنهم:
-قال محمد بن إبراهيم البوشَنْجي سمعت أحمد يقول :" تقرَّبوا إلى الله ببغض أهل الإرجاء ، فإنه من أوثق الأعمال إلينا ". وهذا يتضمَّن النهي عن مجالستهم والانبساط إليهم.
- وقال إسحاق: سمعت أبا عبد الله يقول:"أخزى الله الكرابيسي لا يُجالس ولا يُكلَّم ولا تكتب كتبه، ولا يُجالس من يُجالسه".
- وقال عثمان بن إسماعيل السكري سمعتُ أبا داود السجستاني يقول: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل :أرى رجلاً من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة ، أترك كلامه؟قال:لا، أو تعلمه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة فإن ترك كلامه فكلمه، وإلا فألحقه به.قال ابن مسعود رضي الله عنه:" المرء بخدنه".
- وقال أحمد بن زرارة المقري يقول:سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: من لم يُرَبِّع بعلي بن أبي طالب في الخلافة فلا تكلموه ولا تناكحوه.(1/9)
-وقال الخلاَّل:أخبرنا المروذي: أن أبا عبد الله ذكر حارثاً المحاسبي فقال: حارث أصل البلية،يعني حوادث كلام جهم ماالآفة إلا حارث، عامة من صحبه انتهك إلا ابن العلاف فإنه مات مستوراً . حذِّروا عن حارث أشد التحذير .قلت: إن قوماً يختلفون إليه؟قال:نتقدم إليهم لعلهم لا يعرفون بدعته فإن قبلوا وإلا هجروا.ليس للحارث توبة ، يُشهد عليه ويَجْحَد إنما التوبة لمن اعترف . وهذه الآثار ذكرها ابن أبي يعلى في الطبقات.
4- وترك المراء والجدال والخصومات في الدين.
ش: روى ابن ماجة في مقدمة سننه من طريق أبي غالب عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما ضلَّ قوم بعد هُدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل ) ثم تلا هذه الآية: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} (58) سورة الزخرف. وسنده حسن.وصحَّ في سنن أبي داود عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعاً:"أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان مُحِقاً، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً ، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خُلقه". وفي سنن ابن ماجه من طريق ابن جُريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تعلَّموا العلم لتباهوا به العلماء ، ولا لتماروا به السفهاء ، ولا تخيّروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنَّارُ النَّارُ". وروى الحاكم في المستدرك عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من أعان على خصومة بغير حق كان في سخط الله حتى ينزع "قال الحاكم :صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
وكل من المِراء والجدَال والخصومات في الدين المذموم منها لأجل حظوظ النفس وهواها ، أما الجدال بالتي هي أحسن فمشروع وكذلك الخصومة مع أهل البدع بصدق وإخلاص فمشروعة والإمام أحمد رحمه الله خصومته لأهل البدع معلومة ومشهورة.
5- والسنة عندنا آثارُ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.(1/10)
ش:آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم تشمل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير. مثال القول :قوله صلى الله عليه وسلم :"كلمتان حبيبتان إلى الرَّحمن ،خفيفتان على اللسان ،ثقيلتان في الميزان:سبحان الله وبحمده وسبحان اللهِ العظيم ".رواه البخاري وهو آخر حديث في صحيحه.
أما فعله فهو عند أهل العلم أنواع:
الأول: ما فعله بحسب العادة:كصفة اللباس وهذا الفعل حكمه مباح، وقد يكون مأموراً به أو منهياً عنه لسبب.
الثاني:ما فعله بمقتضى الجبلة:كالأكل والشرب والنوم فلا حكم له في ذاته،ولكن قد يكون مأموراً به أو منهياً عنه لسبب،وقد يكون له صفة مأمور بها كالأكل باليمين أو منهياً عنها كالأكل بالشمال.
الثالث:ما فعله على وجه الخصوصية:فيكون مختصَّاً به كالنكاح بالهبة.ولا يقال بالخصوصية إلا بدليل لأن الأصل التأسي به صلى الله عليه وسلم.
الرابع:ما فعله تعبداً يكون مشروعاً لا عقاب في تركه لأن الأصل عدم العقاب على الترك.مثال ذلك: حديث عائشة رضي الله عنها أنها سُئلت بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل بيته؟قالت:بالسِّواك. فهذا الفعل المجرَّد لا يدل على الوجوب بل يكون مستحباً.
الخامس:ما فعله بياناً لمجمل من نصوص الكتاب أو السنة فله حكم ذلك النص؛فإن كان واجباً كان ذلك الفعل واجباً وإن كان مندوباً كان ذلك مندوباً.مثال الواجب:أفعال الصلاة الواجبة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بياناً لمجمل قول الله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} (43) سورة البقرة.ومثال المندوب:صلاته صلى الله عليه وسلم ركعتين خلف المقام بعد أن فرغ من الطواف بياناً لقوله تعالى:{وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (125) سورة البقرة.حيث تقدم صلى الله عليه وسلم إلى المقام وهو يتلوا هذه الآية والركعتان خلف المقام سنة.(1/11)
وأما تقريره صلى الله عليه وسلم على الشيء فهو دليل على جوازه على الوجه الذي أقرَّه قولاً كان أم فعلاً.مثال إقراره على القول:ما ثبت في صحيح مسلم إقراره للجارية التي سألها أين الله؟قالت:في السماء.
ومثال إقراره على الفعل:ما ثبت في الصحيحين من إقراره لصاحب السرية الذي يقرأ لأصحابه فيختم بـ" {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"سلوه لأي شيءٍ كان يصنع ذلك؟فسألوه،فقال:لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأها.فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أخبروه أن الله يحبه".
وأما ما وقع في عهده ولم يعلم به صلى الله عليه وسلم فإنه لا يجوز أن ينسب إليه ولكنه على الصحيح حجة لإقرار الله له وقد استدل بعض الصحابة رضي الله عنهم على جواز العزل بإقرار الله لهم عليه ؛ فقد ثبت في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال:"كنَّا نعزل والقرآن ينزل"زاد مسلم قال سفيان:"ولو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن" . ويدل على أن إقرار الله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حجة أن الأفعال المنكرة التي كان المنافقون يخفونها يبينها الله تعالى وينكرها وهذا يدل على أن ما سكت الله عنه فهو جائز.
6- والسنة تفسر القرآن، وهي دلائل القرآن.(1/12)
ش:السنة شارحة للقرآن وموضِّحة وقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه"يعني:السنة وهي تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن.قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا}(105) سورة النساء.وقال تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(64) سورة النحل.وقال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }(44) سورة النحل.ومن تقسير السنة للقرآن قول الرسول صلى الله عليه وسلم في تفسير قول الله عز وجل:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (143) سورة البقرة.الوسط العدل أي:أنهم عدول أخيار.رواه البخاري.فلا يصح تفسير أحد للوسط في الآية إذا كان يخالف تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم.
7- وليس في السنة قياس .
ش:المراد بالقياس هنا أن لا نلحق بالسنة شيئاً ليس منها ونجعله من السنة لأن العبادات لا يقاس عليها أما القياس الذي هو تسوية فرع بأصل في حكم لعلة جامعة بينهما؛ فهذا حُجة هو يجري في الأحكام أما العبادات فلا يقاس عليها.
8- ولا تضرب لها الأمثال.
ش:أي بتقديم العقل عليها كحال أهل الكلام من أهل البدع الذين يعتمدون في إثبات عقائدهم أو نفيها على الطرق الفلسفية والنظريات التي يزعمون أنها عقلية بل كل فريق من أهل البدع يعرض النصوص على بدعته وما يظنه معقولاً فما وافقه قبله واحتج به وما خالفه ردَّه وسمَّى ردَّه تفويضاً أو حرَّفه وسمَّى تحْريفه تأويلاً.(1/13)
قال البخاري رحمه الله :سمعت الحميدي يقول:كنَّا عند الشافعي رحمه الله فأتاه رجل فسأله عن مسألة فقال:قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا فقال رجل للشافعي:ما تقول أنت؟!فقال:سبحان الله تراني في كنيسة ! تراني في بيعة! تراني على وسطي زنار؟! أقول لك:قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تقول:ما تقول أنت؟!. ونظائر ذلك في كلام السلف كثير.قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } (36) سورة الأحزاب.
9- ولا تدرك بالعقول والأهواء. إنما هو الإتباع وترك الهوى.
ش:أي سنة النبي صلى الله عليه وسلم تُتَّبع ولا تُترك بزعم أنها تخالف العقل ؛فإن من الأمور الغائبة عن حِسِّ الإنسان ما لا يمكن معرفته بالعقل بل لا يعرف إلا بالخبر.وقد صحَّ عن الإمام مالك رحمه الله أنه سُئل عن قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(5) سورة طه.كيف استوى؟فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرحضاء(العرق)ثم قال:"الإستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا مبتدعاً ثم أمر به أن يخرج".وقد روي نحو هذا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ الإمام مالك رحمهما الله.فقوله :" الإستواء غير مجهول"أي:غير مجهول المعنى في اللغة فإن معناه العلو والاستقرار.وقوله:" والكيف غير معقول " معناه:أنا لا يمكن أن ندرك كيفية استواء الله على عرشه بعقولنا لأن الله أعظم وأجل من أن تُدرك العقول كيفية صفاته.
10-ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خَصلَةً ولم يقبلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها:
الإيمان بالقدر خيره وشره. والتصديق بالأحاديث فيه. والإيمان بها. لا يقال: (لمَ؟) و (كيف؟)، إنما هو التصديق والإيمان بها.(1/14)
ش:الإيمان بالقدر خيره وشره أحد أركان الإيمان الستة.قال الله عز وجل:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (49) سورة القمر.وفي صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم مجيباً جبريل حين سأله عن الإيمان:"الإيمان:أن تُؤمن بالله وملائكته وكتبه وسله واليوم الآخر وتُؤمن بالقدر خيره وشره".فجعل الإيمان بالقدر سادس أركان الإيمان فمن أنكره ليس بمؤمن ولا مسلم. قال طاووس رحمه الله :أدركتُ ثلاثمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون:كل شيءٍ بقدر.وقال أيوب السختياني:أدركت الناس وما كلامهم إلا أن قُضي وقُدر.وفي صحيح مسلم عن طاووس:أدركت أناساً من أصحاب رسول الله يقولون:كل شيءٍ بقدر وسمعتُ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كل شيءٍ بقدر حتى العجز والكيس".
11-ومن لم يعرف تفسير الحديث،ويبلغه عقله؛ فقد كفي ذلك وأحكم له؛ فعليه الإيمان به والتسليم له.
12- مثل حديث: «الصادق المصدوق» ومثل ما كان مثله في القدر.
13-ومثل أحاديث الرُّؤية كُلِّها وإن نبت عن الأسماع واستوحش منها المستمعُ وإنما عليه الإيمان بها وأن لا يَرُدَّ منها حرفاً واحداً وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقاتِ.(1/15)
ش:المراد بالتفسير هنا والله أعلم حقيقة الشيء ومآله فتفسير ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر غير معلوم لنا لأن ذلك هو الكيفية التي هو عليها وهو مجهول لنا كما قال مالك رحمه الله وغيره في الإستواء وعليه يحمل وقفُ جمهور السلف على قوله تعالى: { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ } (7) سورة آل عمران.وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:"تفسير القرآن (والحديث مثله)على أربعة أوجه:تفسير تعرفه العرب من كلامها ،وتفسير لا يُعذر أحد بجهالته ،وتفسير يعلمه العلماء ،وتفسير لا يعلمه إلا الله،فمن ادَّعى علمه فهو كاذب".والشاهد من قول ابن عباس رضي الله عنهما قوله:"وتفسير لا يعلمه إلا الله"أي:حقائق ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر فإن هذه الأشياء نفهم معناها ولكن لا ندرك حقيقة ما هي عليه في الواقع.والمراد بحديث الصادق المصدوق هو حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه المخرَّج في الصحيحين وغيرهما: قال البخاري رحمه الله:حدثنا عمر بن حفص:حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا زيد بن وهب حدثنا عبد الله:حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق:"إنَّ أحدكم يُجْمَعُ في بطن أمه أربعين يوماً،ثم يكون عَلَقةً مثل ذلك.ثم يكون مُضغةً مثل ذلك ثم يبعثُ الله إليه ملكاً بأربع كلمات فيكتب عمله وأجله ورزقهُ وشقيّ أو سعيدٌ،ثم ينفخ فيه الروح .فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلاَّ ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلاَّ ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار". ومن أصول أهل السنة والجماعة إثبات رؤية المؤمنين لربهم في دار القرار بأعيانهم وهو فوقهم سبحانه وتعالى. دلَّ على ذلك الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح.قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ(22)إِلَى رَبِّهَا(1/16)
نَاظِرَةٌ (23) } سورة القيامة.دلَّت الآية بمنطوقها على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة.وقوله عز وجل:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}(15)سورة المطففين.قال الشافعي رحمه الله:لما أن حَجَبَ هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في حال الرضا.ومن السنة ما ثبت في الصحيحين من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تُضامون في رؤيته" وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي فإن الله لا شبيه له .والأحاديث في هذا متواترة وأجمع الصحابة رضي الله عنهم وأئمَّة الإسلام وأهل الحديث على أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم وهو سبحانه فوقهم.وخالف أهل السنة والجماعة في أهل البدع فمنهم من قال المراد بالرؤية العلم وهؤلاء يُردُّ عليهم من وجوه:
الوجه الأول:أنه خلاف ظاهر النصوص وما كان مخالفاً لظاهر النصوص فإنه يحتاج إلى دليل ولا دليل على ذلك.
الوجه الثاني: أن يقال رأى بمعنى علم تتعدى إلى مفعولين تقول رأيتُ زيداً فقيها أي علمته فإن قُلت:رأيتُ زيداً.لم يُفهم منه إلا الرؤية بالعيان لا بمعنى العلم.
الوجه الثالث:أن تفسير الرؤية هنا بالعلم تفسير مبتدع لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم بل الثابت عنهم خلافه.
14-وأن لا يُخاصم أحداً ولا يناظرهُ،ولا يتعلم الجدال فإن الكلام في القدر و والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه، ومنهي عنه،لا يكون صاحبه وإن أصاب بكلامه السنة من أهل السنة حتَّى يدع الجدال ويُسَلِّم. ويؤمن بالآثار.(1/17)
ش:في كتاب طبقات الحنابلة عن العباس بن غالب الهمداني أنه سأل الإمام أحمد رحمه الله عن أشياء منها قال:قلت لأحمد بن حنبل يا أبا عبد الله أكون في المجلس ليس فيه من يعرف السنة غيري فيتكلم مبتدع فيه أرد عليه؟ فقال:لا تنصب نفسك لهذا أخبره بالسنة ولا تُخاصم .فأعدت عليه القول فقال:ما أراك إلا مُخاصماً.فتبين أن الإخبار بالسنة ونشرها مشروع وهو من أجلّ العبادات والعبادة لا يقبلها الله إلا إذا كان صاحبها مخلصاً لله يُريد الأجر منه وقد يكون من يظهر السنة مخاصماً لنفسه ولحظوظها من رئاسة ونحو ذلك فهذا خصومته بغير حق لأنه فقد الإخلاص وهو شرط في قبول العمل وقد ذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب قدَّس الله روحه في المسائل على (باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله ) قال:الثنية:التنبيه على الإخلاص لأن كثيراً من الناس لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه. وأما من دعا إلى الحق وهو ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وكان مخلصاً لله في دعوته فهذا خصومته مع أهل البدع خصومة أهل الحق مع أهل الباطل .قال ابن القيم رحمه الله في نونيته:
لكنَّ ربَّ العالمين وجندَهُ ... ورسوله المبعوثَ بالقرآنِ
هُمْ يشهدون بأنكم أعداءُ من ... ذا شأنه أبد بكل زمانِ
ولأيِّ شيءٍ كان أحمدُ خصمكم ... أعني ابن حنبل الرضى الشيباني
ولأيِّ شيءٍ كان بعدُ خصومكم ... أهل الحديث وعسكر القرآنِ
ولأيِّ شيءٍ كان أيضاً خصمكم ... شيخ الوجود العالم الحرَّاني
أعني أبالعباس ناصر ... المختار قامع سُنة الشيطانِ
والله لم يك ذنبه شيئاً سوى ... تجريده لحقيقة الإيمانِ
إذ جرَّد التوحيد عن شرك كذا ... تجريده للوحي عن بهتانِ
فتجرّد المقصود عن قصد له ... لفذاك لم ينصت إلى إنسانِ(1/18)
15- والقرآن كلام الله وليس بمخلوق ولا يضعف أن يقول:ليس بمخلوق.قال:فإن كلام الله ليس ببائن منه،وليس منه شيء مخلوق.وإيَّاك ومناظرة من أحدث فيه،ومن قال باللفظ وغيره، ومن وقف فيه فقال: (لا أدري مخلوق أو ليس بمخلوق، وإنما هو كلام الله).فهذا صاحب بدعة مثل من قال:(هو مخلوق)،وإنما هو كلام الله ليس بمخلوق.
ش:قول أهل السنة والجماعة في القرآن أنه كلام الله غير مخلوق وأن الله يتكلم متى شاء كيف شاء بما شاء بكلام حقيقي مسموع بحروف وصوت لا يشبه أصوات المخلوقين.ودليل أهل السنة والجماعة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق أن الله أضافه إلى نفسه وجعله من فعله فقال عز وجل:{وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (164)سورة النساء.والكلام صفة المتكلم ليس شيئاً منفصلاً عنه.وقوله عز وجل :{وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} (143) سورة الأعراف.في الآية دليل على أن الله يتكلم متى شاء بما شاء.ووجه الاستدلال من الآية أن الله أخبر أن تكليمه لموسى حصل بعد مجيئه وأنه حصل من موسى سؤال فأجابه الله بوقته.والدليل على أن الله تكلم بحرف قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}(55)سورة آل عمران.
ودليلهم على أنه صوت قوله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} (52) سورة مريم.والنداء والمناجاة لا يكونان إلا بصوت.ودليلهم على أنه لا يشبه أصوات المخلوقين قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (11) سورة الشورى.وكلام الله عز وجل من صفاته الذاتية باعتبار أصله ومن صفاته الفعلية باعتبار آحاده لأنه يتعلق بمشيئته.(1/19)
وقال إبراهيم الحربي:كنت جالساً عند أحمد بن حنبل إذ جاءه رجل فقال:يا أبا عبد الله إن عندنا قوماً يقولون إن ألفاظهم بالقرآن مخلوقة.قال أبو عبد الله:يتوجه العبد لله بالقرآن بخمسة أوجه وهو فيها غير مخلوق:حفظ بقلب،وتلاوة بلسان،وسمع بأذن،ونظرة ببصر،وخط بيد، فالقلب مخلوق والمحفوظ غير مخلوق ، والتلاوة مخلوقه والمتلو غير مخلوق،والسمع مخلوق والمسموع غير مخلوق والنظر مخلوق والمنظور إليه غير مخلوق،والكتابة مخلوقة والمكتوب غير مخلوق قال إبراهيم:فمات أحمد فرأيته في النوم وعليه ثياب خضر وبيض،وعلى رأسه تاج من ذهب مُكلَّلٌ بالجواهر وفي رجليه نعلان من ذهب فقلت له:ما فعل الله بك؟قال غفر لي وقرَّبني وأدناني فقال قد غفرت لك،فقلت يا رب بماذا؟ قال: بقولك هذا كلامي غير مخلوق .ذكر ابن القيم هذا الأثر كما في مختصر الصواعق المرسلة.
16- وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَدْ رَأى ربَّهُ. فإنَّهُ مأثور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحيح.رواه قتادةُ عن عكرمةَ عن ابن عبَّاس،ورواه الحكمُ عن أبان عن ابن عباس،ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عَبَّاس. والحديث عندنا على ظاهره، كما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والكلام فيه بدعَةٌ. ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره. ولا نناظر فيه أحداً.
ش:وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لأبي ذر لو رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن كل شيء فقال:عن أي شيء كنت تسأله؟قال: كنت أسأله:هل رأيت ربك؟ قال:قد سألته فقال:"رأيت نوراً"وفي رواية "نورٌ أنَّى أراه". وأكثر أهل السنة والجماعة يقولون بأن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربَّه بفؤاده.(ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الإستقامه).(1/20)
17- والإيمان بالميزان بوم القيامة.كما جاء «يوزن العبد يوم القيامة فلا يزن جناح بعوضة» وتوزن أعمال العباد كما جاء في الأثر. والإيمان به والتصديق به، والإعراض عن من رَدَّ ذلك وترك مجادلته.
ش:من أصول أهل السنة الإيمان بالميزان يوم القيامة وأنه ميزان حقيقي حسي.والأدلة على ذلك الكتاب والسنة والإجماع.قال الله عز وجل: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا}(47) سورة الأنبياء.وقوله عز وجل: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(8)وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ(9)}سورة الأعراف.ومن السنة ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الطهور شطر الإيمان والحمد الله تملأ الميزان"الحديث.وما أخرجه البخاري في التفسير من صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:"إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة"وقال:اقرؤوا:{فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}(105)سورة الكهف.وصحَّ في المسند وغيره حديث البطاقة والسجلات المشهور الطويل.وفي آخر حديث رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان:سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم".(1/21)
وقد دلَّت النصوص على أن الأعمال توزن وتارة توزن محالها وتارة يوزن فاعلها والله أعلم.وقد دلَّ حديث ابن عباس رضي الله عنهما على أن السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا يرفع لهم ميزان ولا يأخذون صحفاً.قال بعض أهل العلم :الحكمة من الوزن مع أن الله عالمٌ بكل شيء إظهار العدل وبيان الفضل حيث يزن مثاقيل الذر من خير وشر.
وأهل البدع أنكروا الميزان وقالوا: الميزان عبارة عن العدل.ويردُّ عليهم من وجوه:
الأول:أن هذا القول مخالف لظاهر لفظ الكتاب والسنة .
الثاني:أن هذا القول مخالف لإجماع السلف الصالح ؛فلم يقل أحدٌ منهم أن الميزان المراد به العدل وأن ظاهر النص غير مراد.
الثالث:أن حديث البطاقة الصحيح يبطل هذا التأويل الفاسد ؛فإن فيه أن السجلات تطيش وتثقل البطاقة وهذا بيّن الدلالة على أنه ميزان حقيقي.
18- وأن الله يكلم العباد يوم القيامة ليس بينهم وبينه ترجمان والإيمان به والتصديق به.
ش: قال البخاري رحمه الله :حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي قال:حدثني الأعمش قال:حدثني خُثيمةُ عن عدي بن حاتم قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما مِنكم من أحدٍ إلا سيكلمُهُ الله يوم القيامة ليس بين الله وبينه ترجمان،ثمَّ ينظر فلا يرى شيئاً قُدَّامه ثم ينظر بين يديه فتستقبله النار،فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشقِّ تمرة ". الحديث يدلُّ على أن الله يتكلم بكلام حقيقي مسموع بحرف وصوت لا يشبه أصوات المخلوقين ، يتكلم ربُنا سبحانه وتعالى متى شاء كيف شاء بما شاء هذا ما دلَّت عليه النصوص وهو المقرر في عقيدة أهل الحق أهل السنة والجماعة . وفيه فضل الصدقة وأنها سبب في النجاة من عذاب الله عز وجل.
19- والإيمان بالحوض وأن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حوضاً يوم القيامة تَرِدُ عليه أمَّتُهُ، عرضُهُ مِثْلُ طوله مسيرة شهر، آنيته كعدد نجوم السماء على ما صحت به الأخبار من غير وجهٍ.(1/22)
ش:الحوض لغة: مجمع الماء، والمراد به هنا هو ما ذكره المصنف وهو حق ثابت بإجماع أهل الحق وخالف في ذلك الخوارج وبعض المعتزلة.وقد ذكر أهل العلم أن الحوض ذكر من رواية الخلفاء الأربعة الراشدين وحفَّاظ الصحابة المكثرين رضي الله عنهم وأحاديث الحوض من الأحاديث المتواترة ؛فمنها ما ثبت في الصحيحين عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال:"أنا فرطكم على الحوض"والفرط:الذي يسبق إلى الماء .وفي الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"حوضي مسيرة شهر ماؤُهُ أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء من شرب منه لا يظمأ أبداً"وفيهما أيضاً بلفظ"حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء وماؤُهُ أبيض من الوَرِق"وروى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا إذ أغفى إغفائة ثم رفع رأسه متبسماً فقلنا:ما أضحكك يا رسول الله قال:نزلت عليَّ آنفاً سورة فقرأ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}(1)سورة الكوثر ثم قال:أتدرون ما الكوثر؟ قلنا الله ورسوله أعلم.قال:"فإنه نهرٌ وعدنيه ربي عليه خير كثير وهو حوضي ترد عليه أمتي يوم القيامة،آنيته عدد نجوم السماء يختلج العبد منهم فأقول:يا رب إنه من أمتي فيقال:أما تدري ما أحدثوا بعدك". والصحيح أن الحوض قبل الميزان والصراط فإن الناس يخرجون عِِطاشاً من قبورهم فيقدم قبل الميزان والصراط.
20- والإيمان بعذاب القبر وأن هذه الأُمَّة تفتن في قبورها وتُسألُ عن الإيمان والإسلام، ومن ربُّهُ ؟ ومن نبيه ؟ ويأتيه منكر ونكير كيف شاء الله عزَّ وجل وكيف أراد. والإيمان به والتصديق به.(1/23)
ش:من أصول أهل السنة والجماعة الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت ؛فيؤمنون بفتنة القبر وبعذاب القبر ونعيمه فهم يؤمنون بما يقع في البرزخ مما وردت الأدلة به، والبرزخ لغة: الحاجز بين الشيئين كما قال سبحانه وتعالى:{بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ}أي حاجز.وفي الشرع:البرزخ من وقت الموت إلى القيامة من مات ودخله سمي برزخاً لكونه يحجز بين الدنيا والآخرة.وعذاب القبر ونعيمه تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوته ؛فيجب اعتقاده والإيمان به .وعذاب القبر على نوعين :
النوع الأول:عذاب دائم وهو:عذاب الكافرين كما قال تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا}(46)سورة غافر.
النوع الثاني:يكون إلى مدة ثم ينقطع وهو عذاب العصاة من المؤمنين فيعذَّب إذا شاء الله بحسب جرمه ثم يُخفف عنه وقد ينقطع عنه العذاب بسبب دعاء الحي له.
أما نعيم القبر فدلَّ عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح.من أدلة الكتاب على نعيم القبر قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ(83)وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ(84)وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ(85)}إلى قوله تعالى:{فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ(88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ(89)}من سورة الواقعة.
ومن السنة ما صحَّ في مسند أحمد وغيره عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المؤمن إذا أجاب الملكين في القبر:"ينادي منادِ من السماء، أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة قال:فيأتيه من روحها وطيبها ويُفسح له في قبره مدَّ بصره".(1/24)
وقبل عذاب القبر ونعيمه فتنة القبر .والفتنة لغة:الامتحان والاختبار والفتانان منكر ونكير .وقد صحَّ فيهما الحديث عند أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:"يأتيه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير"؛فيجب الإيمان بما صحَّ في شأن الملائكة من أسمائهم وصفاتهم وأعمالهم.وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن العبد إذا وضع في قبره وتولَّى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان:ما كنت تقول في هذا الرجل؟لمحمد صلى الله عليه وسلم فأما المؤمن فيقول :أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له أنظر مقعدك من النار وقد أبدلك الله به مقعداً من الجنة،قال فيراهما جميعاً يعني المقعدين"
21- والإيمان بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوم يخرجون من النار بعدما احترقوا وصاروا فحما؛ فيؤمر بهم إلى نهر على باب الجنة - كما جاء في الأثر - كيف شاء الله وكما شاء. إنما هو الإيمان والتصديق به.
ش:الشفاعة هي سؤال الخير للغير.وهي ثابتة بالكتاب والسنة المتواترة وإجماع السلف الصالح.فمن أدلة الكتاب قوله تعالى:{مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}(255)سورة البقرة.وقوله تعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} (28) سورة الأنبياء.ومن السنة ما ثبت في الصحيحين قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لكل نبي دعوة مستجابة فتعجَّل لكل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة،فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً".والناس في إثبات الشفاعة انقسموا إلى ثلاثة أقسام:(1/25)
القسم الأول:غلوا في إثباتها حتى أثبتوها للأصنام والأوثان والصالحين فتقربوا إليهم بدعائهم ليشفعوا لهم عند الله.كما ذكر الله عنهم بقوله:{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ} (18) سورة يونس.وقوله عز وجل: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (3) سورة الزمر
القسم الثاني:غلوا في نفي الشفاعة وهم الخوارج والمعتزلة فأنكروا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر من أمته.
القسم الثالث:أهل السنة والجماعة أثبتوا الشفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم ولغيره من النبيين والمؤمنين والصديقين وغيرهم .وعندهم الشفاعة على قسمين:شفاعة منفية وشفاعة مثبتة فالمنفية هي الشفاعة للكافر والمشرك كما قال تعالى:{فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}(48)سورة المدثر.القسم الثاني:هي الشفاعة التي أثبتها القرآن ولها شرطان :
الأول: إذن الله للشافع أن يشفع .
الثاني:رضاه عن المشفوع له.كما قال تعالى:{وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} (26) سورة النجم.وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد كما في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم:"من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله ؟قال:"من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه".
22- والإيمان أنَّ المسيح الدجال خارج مكتوب بين عينيه كافر، والأحاديث التي جاءت فيه، والإيمان بأن ذلك كائن.(1/26)
ش:أي الإيمان الجازم بخروج المسيح الدجَّال وبما جاء في الأحاديث الثابتة فيه.قال ابن الأثير:"أصل الدجل:الخلط،يقال:دجل إذا لبَّس وموَّه ، ومنه الحديث :"يكون في آخر الزمان دجَّالون"أي:كذَّابون مموهون، وقد تكرر ذكر الدجال في الحديث، وهو الذي يظهر في آخر الزمان يدَّعي الإلهية وفعَّال من أبنية المبالغة أي يكثر من الكذب والتلبيس". قال الإمام البخاري رحمه الله :حدثنا سليمان بن حرب:حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما بُعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذَّاب ألا إنَّه أعور وإن ربكم ليس بأعور وإن بين عينيه مكتوب كافر".وقال رحمه الله :حدثنا أبو اليمان:أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود:أن أبا سعيد قال:حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً حديثاً طويلاً عن الدجال فكان فيما حدثنا به أنه قال:"يأتي الدجال وهو محرَّم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذٍ رجل وهو خير الناس أو من خيار الناس فيقول:أشهد أنك الدجال الذي حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه فيقول الدجال:أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟فيقولون :لا.فيقتله، ثم يحييه فيقول:والله ما كنتُ فيك أشدَّ بصيرة مني اليوم فيريد الدجَّال أن يقتله فلا يُسلَّطُ عليه".وقال رحمه الله:حدثنا عبدان:أخبرني أبي عن شعبة عن عبد الملك رِبْعيِّ عن حُذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الدجَّال:"إنَّ معهُ ماءً وناراً فنارهُ ماء بارد وماؤهُ نارٌ".وفي مسند الإمام أحمد رحمه الله من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن أمام الدجال سنين خداعة؛يكذَّبُ فيها الصادق ويُصَدَّقُ فيها الكاذب، ويخوَّنُ فيها الأمين ويُؤتمن فيها الخائن ويتكلم فيها الرويبضة".قيل: وما(1/27)
الرويبضة؟قال:"الفويسق يتكلم في أمر العامة".وهو حديث حسن بطرقه.وثبت في صحيح مسلم أن الدجال كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان موثَّقاً بالحديد في بعض جزائر البحر.وصحَّ في مسند أحمد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يخرج الدجَّال في خفقة من الدين وإدبارٍ من العلم.."الحديث.وصحَّ فيه أيضاً من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من سمع بالدجَّال فلينأ عنه ،فو الله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما بعث به من الشبهات".وتنتهي فتنة الدجَّال عندما يقتله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وقد صحَّ فيه الحديث في مسند أحمد من حديث مجمع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه قال:سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يقتل ابن مريم الدجَّال بباب لد"وأصله في صحيح مسلم.
23- وأن عيسى ابن مريم - عليه السلام – ينزل فيقتله بباب لُدٍّ.(1/28)
ش:ثبت في صحيح مسلم عن النَّواس بن سمعان رضي الله عنه قال:ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجَّال ذات غداة فخفَّض فيه ورفَّع حتى ظنَنَّاهُ في طائفة النخل،فلما رُحنا عليه عرف ذلك فينا فقال:"ما شأنكم"؟قلنا:يا رسول الله ذكرت الدجَّال غداة فخفَّضت فيه ورفَّعت حتى ظنَنَّاه في طائفة النخل ،فقال:"غيرُ الدجَّال أخوَفني عليكم إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجُه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فامرؤٌ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم إنَّهُ شابٌ قطط عينه طافئة كأني أشبِّهه بعبد العُزَّى بن قطنٍ،فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف،إنه خارج خَلَّةً بين الشام والعراق فعاث يميناً وعاث شمالاً ،يا عباد الله فاثبتوا"قلنا:يا رسول الله وما لبثه في الأرض ؟قال"أربعون يوماً،يوم كسنة ويوم كشهرٍ ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم".قلنا:يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة اتكفينا فيه صلاة يوم؟قال:"لا"اقدروا له قدره"قلنا:يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟قال:"كالغيث استدبرته الريح فيأتي القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذُراً وأسبغَهُ ضروعاً وأمدَّه خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم ،فيردون عليه قوله ،فينصرف عنهم فيصبحون مُمْحيلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ويمُرُّ بالخربة فيقول لها:أخرجي كنوزكِ فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ثم يدعوا رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية العرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم عليه السلام فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً كفّيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قَطَرَ وإذا رفعهُ تحدَّر من جمان كاللؤلؤ فلا يَحل لكافر يجد ريح نَفَسِه إلا مات ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب"لُدِّ"فيقتله ثمَّ يأتي عيسى بن مريم إلى قومٍ قد(1/29)
عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة..."الحديث.
24- والإيمان قول وعمل يزيد وينقص كما جاء في الخبر:"أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خُلُقاً".
… ش:الإيمان شرعاً هو ما ذكره المؤلف :قول وعمل فالقول قسمان:قول القلب وهو الاعتقاد.وقول اللسان وهو التكلم بكلمة الإسلام.والعمل قسمان:عمل القلب وهو نية وإخلاص وعمل الجوارح كالصلاة والحج.
فعند أهل السنة والجماعة الإيمان اعتقادٌ بالقلب ونطقٌ باللسان وعملٌ بالأركان.قال البخاري رحمه الله في صحيحه من كتاب الإيمان:(باب الإيمان)وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"بُني الإسلام على خمس"وهو قول وفعل يزيد وينقص قال الله تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} (76) سورة مريم.{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}(17)سورة محمد.{وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}(31)سورة المدثر.وقوله: { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا}(124)سورة التوبة.وقوله تعالى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}(22)سورة الأحزاب. والحبُّ في الله والبغض في الله من الإيمان.والحديث الذي أورده المؤلف رحمه الله حديثٌ صحيح رواه أحمد في مسنده والترمذي.وقد دلَّ على أنَّ الأعمال تدخل في مسمَّى الإيمان.ودلَّ على أن الإيمان يتفاضل.قال الإمام البربهاري رحمه الله في شرح السنة(والإيمان بأن الإيمان قول وعمل ،وعمل وقول ونية وإصابة،يزيد وينقص يزيد ما شاء الله وينقص حتى لا يبقى منه شيء).
25- ومن ترك الصَّلَاَةَ فقد كَفَرَ" و"لَيْسَ مِنَ الأعمال شيءٌ تركُهُ كُفْرٌ إلا الصلاة" من تَرَكها فهو كافر وقد أحلَّ الله قتله.(1/30)
ش:ترك الصلاة إن كان جحداً لوجوبها فهذا كفرٌ أكبر بالإجماع لأن هذا تكذيبُ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فمن أنكر وجوبها فهو كافر لا لتركه الصلاة ولكن لتكذيبه ما جاء في الكتاب والسنة وأجمع عليه المسلمون.ومن ترك الصلاة تهاوناً فعلى الصحيح يكفرُ وإن أقرَّ بوجوبها لأن الأدلة تدلُّ عليه من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف الصالح .أما الكتاب فقوله تعالى عن المشركين:{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}(11)سورة التوبة.ومن السنة ما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"بين الرجل والكفر ترك الصلاة".وصحَّ في مسند أحمد من حديث بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".أما أقوال الصحابة رضي الله عنهم فكثيرة ؛وصحَّ عن عبد الله بن شقيق وهو من التابعين عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم القول بتكفير تارك الصلاة فقال:"كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة"وقد حكى الإجماع الإمام المشهور إسحاق بن راهويه رحمه الله فقال:"ما زال الناس من عهد الصحابة يقولون إن تارك الصلاة كافر"و به قال الإمام أحمد وابن المبارك وإسحاق بن راهويه وسعيدُ بنُ جبير وعامرٌ الشعبي و إبراهيم النخعي وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي.وإن لم يتُبْ تارك الصلاةِ تكاسلاً بفعل الصلاة قُتِلَ بضرب عنقه بالسيف هذا المذهب و به قال جمهور العلماء.
26- وخير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمانُ بنُ عفَّان. نقدم هؤلاء الثَّلاثة كما قَدَّمهم أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. لم يختلفوا في ذلك.(1/31)
27- ثم بعد هؤلاء الثَّلاثة أصحاب الشُّورى الخمسة: علي بن أبي طالب , وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، وكلُّهم يصلُحُ للخلافة. وكلُّهم إمام. ونذهب في ذلك إلى حديث ابن عمر "كنا نعُدُّ ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيٌّ وأصحابه متوافرون: أبو بكر ثم عُمَرُ ثم عثمان، ثم نسْكُتُ"
28- ثم بعد أصحاب الشُّورى أهل بدر من المهاجرين، ثم أهل بدر من الأنصار من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قدر الهجرة والسابقة أولاً فأولاً.
29- ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرن الذي بُعث فيهم. كُلُ من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه له من الصحبة على قدر ما صحبه، وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه نظرةً. فأدناهم صحبةً هو أفضل من القرن الذين لم يروه. ولو لقو الله بجميع الأعمال؛كان هؤلاء الذين صحبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وَرَأوه وسمعوا منه ومن رَآهُ بعينه وآمن به ولو ساعةً أفضل لصحبته من التَّابعين ولو عَمِلوا كُلًّ أعمال الخير.(1/32)
ش:فضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثابتٌ بالكتاب والسنة والإجماع وكفى بهذه المصادر الثلاثة شاهداً على فضلهم ؛فمن الكتاب قول الله تعالى:{ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}(10)سورة الحديد.فهذه الآية المحكمة دلَّت على فضل خاص لمن أنفق من قبل الفتح وقاتل وفضل عام لكل من صَحِبَ النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:{وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم:"خيرُ الناسِ قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"أخرجه البخاري ومسلم.وقد دلَّ الحديث على أنَّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خير ممن جاء بعدهم من المسلمين.أما الإجماع فقد أجمع أهل الحق على أن كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإيمان فهو عدلٌ ثقةٌ ويكفي برهاناً على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:"ألا ليبلِّغ الشاهد منكم الغائب"فإن هذا أعظم دليلٍ على أن الصحابة رضي الله عنهم كلُّهم عدولٌ ليس فيهم مجروح ولا ضعيف إذ لو كان فيهم غير عدلٍ لا ستثني في قوله صلى الله عيه وسلم وقال:ألا ليبلِّغ فلان منكم الغائب.فلما عمَّهم في الذكر بالأمر بتبليغ من بعدهم دلَّ ذلك على أنَّهم كلُّهم عدولٌ ويكفي تعديل النبي صلى الله عليه وسلم لأنه وحيٌ من الله بخلاف تعديل غيره.والأدلة دلَّت على أن أفضل الصحابة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم ثم بقيَّة العشرة المشهود لهم بالجنة ثم أهل بدر ثم أهل بيعة الرِّضوان ومن أنفق من قبل الفتح من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار...وأهل بيعة الرِّضوان كلُّهم منهم والمراد بالفتح هنا هو "صلح الحديبية".(1/33)
30- والسَّمْعُ والطَّاعَةُ للأئمة و أمير المؤمنين البرِّ والفاجر ومن ولي الخلافة واجتمع الناس عليه ورّضُوْا به ومن ظهَرََ عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسُمِّيَ أمير المؤمنين.
31- والغزو ماضٍ مع الأمراء إلى يوم القيامة البرِّ والفاجر لا يترك.
32- وقسمةُ الفيء، وإقامة الحُدُودِ إلى الأئمَّة ماضٍ، ليس لأحد أن يطعن عليهم، ولا يُنازِعَهُم.
33- ودفع الصَّدقات إليهم جائزةٌ من دفعها إليهم أجزأت عنْهُ براً كان أو فاجراً.
34- وصلاة الجمعة خلفه، وخلف من ولاَّهُ جائزة باقيةٌ تامَّة ركعتين من أعادهُما فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنة ليس له من فضل الجمعة شيءٌ إذا لم يَرَ الصلاة خلف الأئمَّة برهم و فاجرهم فالسنة بأن يصلي معهم ركعتين ويدين بأنها تامَّة.لا يكن في صدرِك من ذلك شَكٌّ.
35- ومن خرج على إمام من أمة المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلاقة بأيِّ وجه كان بالرضا أو بالغلبة فقد شق هذا الخارج عَصَا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن مات الخارج عليه مات ميتةً جاهليِّة.
36- ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحدٍ من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق.(1/34)
ش:من عقيدة أهل السنة والجماعة السَّمعُ والطَّاعة للأئمة وأمير المؤمنين البرِّ والفاجر قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ً}(59)سورة النساء.فطاعة الله مطلقةٌ وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم مطلقةٌ وطاعة ولي الأمر مقيَّدةٌ فلا يُطاعون إذا أمروا بمعصية لله .دلَّ على هذا حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ألا من وَلِيَ عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره الذي يأتي من معصية الله ولا ينزع يداً من طاعة"رواه البخاري ومسلم.والأدلة التي تدل على فرضية السمع والطاعة لولي أمر المسلمين من السنة متواترةٌ تواتراً معنويَّاً فمنها:
ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"على المرء المسلم السَّمع والطاعة فيما أحبَّ أو كره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"أي في تلك المعصية.وفيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني".وثبت في صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبدٌ حبشيٌ كأنَّ رأسه زبيبةٌ ما أقام فيكم كتاب الله"وهذه الأحاديث الصحيحة تدلُّ على أنَّ المراد بولي الأمر هم الأمراء.(1/35)
37- وقتال اللُّصوص والخوارج جائز إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله فله أن يقاتل عن نفسه وماله، ويدفع عنها بكل ما يقدر، وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم، ولا يتبع آثارهم، ليس لأحد إلا الإمام أو ولاة المسلمين. إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك، وينوي بجهده أن لا يقتل أحدا؛ فإن مات علي يديه في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول وإن قتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجوت له الشهادة.كما جاء في الأحاديث وجميع الآثار في هذا إنما أمر بقتاله،ولم يأمر بقتله ولا اتباعه،ولا يجيز عليه إن صرع أو كان جريحا، وإن أخذه أسيرا فليس له أن يقتله، ولا يقيم عليه الحد، ولكن يرفع أمره إلى من ولاه الله فيحكم فيه.
ش:الأصل في هذا ما ثبت في صحيح البخاري رحمه الله قال:حدثنا عبد الله بن يزيد :حدثنا سعيد،هو ابن أبي أيوب قال:حدثني أبو الأسود عن عكرمة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال:سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"من قُتل دون ماله فهو شهيدٌ".والحديث يدل على مشروعية الدفاع عن المال وإذا كان الدفاع عن المال مشروعاً و إذا قتل المدافع فهو شهيد فإن الدفاع عن العقيدة الصحيحة والدفاع عن النفس وذوات المحارم أولى لأنها أهم من المال.قال في الروض المربع وحاشيته:(ومن صال على نفسه أو حرمته كأمه وبنته وزوجته أو ماله فاللمصول عليه الدفاع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به فإذا اندفع بالأسهل حَرُمَ الأصعب إلا أن يخاف أن يبتدره فله الدفع بالأصعب وصوَّبه في الإنصاف).
38- ولا نَشْهَدُ على أَحَدٍ مِن أهلِ القبلةِ بِعَمَلٍ يَعْمَلُهُ بجنة أو نار. نرجو للصَّالح ونخاف عليه،ونخاف على المُسِيء المذنب. ونرجو له رحمة الله.(1/36)
ش:يريد رحمه الله أن لا نقول عن أحدٍ مُعَيَّنٍ من أهل القبلة :إنه من أهل الجنة أو من أهل النار إلاَّ من صحَّ الخبر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كالعشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم مع أنَّ أهل السنة والجماعة مُجمعون على أنه لا بُدَّ أن يدخل النار من أهل الكبائر من يشاء الله إدخاله ثم يخرج منها بشفاعة الشافعين أو بفضل الله ورحمته أما الشخص المعين فلا يُشهد له بجنة ولا نار إلا إذا ثبت فيه نص لأن باطنه وما يموت عليه غيبٌ لا يُعلم إلا بدليل لكن يرجون للمُحسن ويخافون على المُسيءِ.
39- ومن لقي الله بذنبٍ يجبُ له به النار -تائباً غير مُصرٍّ عليه - فإن الله يتوب عليه.ويقبلُ التوبةَ عن عباده ويعفو عن السيئات.
40- ومن لقيه وقد أُقيم عليه حدُّ ذلك الذنب في الدنيا فهو كفَّارته. كما جاء في الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
41- ومن لقيه مصرَّاً غير تائب من الذنوب التي قد استوجب بها العقوبة ؛فأمره إلى الله إن شاء عذَّبه وإن شاء غفر له.
42- ومن لقيه من كافر عذَّبه ولم يغفر لهُ.(1/37)
ش:من لقي الله بذنب قد تاب منه فإن الله يغفر له قال الله تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(53)سورة الزمر.فهذه الآية في حق التائب. ومن لقيه مصرَّاً على ذنبٍ دون الشرك بالله فأمره إلى الله إن شاء عذَّبه وإن شاء غفرَ له ؛دليل هذا قوله عز وجل: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}(116،48)سورة النساء.فهذه الآية في حق غير التائب ؛لأن الله تعالى فرَّق بين الشرك وما دونه وعلَّق المغفرة بالمشيئة.وقد دلَّت الآية على أن من مات كافراً لا يغفر الله له ويعذِّبه عذاباً دائماً. ومن لقي الله وقد أُقيم عليه حدُّ ذلك الذنب في الدنيا فهو كفَّارته دلَّ على هذا ما ثبت في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوني في معروف فمن وفَّى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفَّارة له ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله عليه فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك".
43- والرَّجمُ حقٌ على مَن زَنَا وقد أُحصن إذا اعترف أو قامت عليه بينةٌ.
44- وقد رَجَمَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وقد رَجَمَتِ الأئمَِّةُ الرَّاشِدُون.(1/38)
ش:ثبت في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه أنه قال في خطبته:"إن الله بعث محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل الله عليه آيةُ الرَّجمِ قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجدُ الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضةٍ أنزلها الله وإن الرَّجم حقٌ في كتاب الله تعالى على من زنى إذا أَحْصَنَ من الرجال والنساء إذا قامت البيِّنة أو كان الحَبَلُ أو الاعتراف".قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره(إن آية الرجم كانت مكتوبة فنسخت تلاوتها وبقي حكمها معمولاً به).وأدلة ثبوت الزنا ثلاثة:
الأول:أن يُقرَّ به الزاني المكلف لما في الصحيحين من حديث ماعز رضي الله عنه أنه أقرَّ عند النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرَّات ثم قال صلى الله عليه وسلم :"اذهبوا به فارجموه"
الثاني:أن يشهد عليه أربعة رجال عدول يصفون الزنا بإيلاج ذكر الرجل بفرج المرأة المزني بها.
الثالث:أن تحبل المرأة التي لا زوج لها ولا سيد على الراجح من أقوال أهل العلم وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام وقال هو:"المأثور عن الخلفاء الراشدين".
45- ومن انتقص أحداً من أصحابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أو أبغضهُ بحدثٍ كان منه أو ذكر مسَاوِئَهُ كان مُبتدِعاً حتى يترحَّمَ عليهم جميعاً، ويكون قلبُهُ لهم سليماً.(1/39)
ش:الصحابي هنا هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت ، ومن روى عنه أو لم يروِ عنه ،ومن غزا معه أو لم يغزُ ويدخل في هذا من رآه رؤية ولو لم يجالسه ومن لم يره لعارضٍ كالعمى.وهم كثير رضي الله عنهم جاء عن أبي زُرعة الرازي أنه قال:توفي النبي صلى الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة كلهم قد روى عنه سماعاً أو رؤية.وقد يخفى أسماء بعضهم رضي الله عنهم.قال صاحب الإصابة في تمييز الصحابة:"وسبب خفاء أسمائهم أن أكثرهم أعراب وأكثرهم حضروا حجَّة الوداع".وقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله أن من انتقص أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو أبغضه أو ذكر مساوئه كان مبتدعاً لأنه تعبد الله بخلاف ما شرع لأن الله شرع لنا محبتهم وعدم تنقصهم وذكر مساوئهم أما من زعم أن الصحابة رضي الله عنهم ارتدوا إلا نفراً قليلاً منهم فهو كافر لأنه مكذِّب لكلام الله وكلام رسوله بالرضا عنهم والثناء عليهم.
46- والنفاق هو الكفر: أن يكفر بالله ويعبد غيره، ويظهر الإسلام في العلانية، مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وقوله - صلى الله عليه وسلم - :"ثلاث من كُنَّ فيه فهو منافق"هذا على التغليظ نرويها كما جاءت، ولا نفسِّرُها.
47- وقوله-صلى الله عليه وسلم- :"لا ترجعوا بعدي كفَّاراً ضُلاَّلاً يضربُ بعضكم رقاب بعض". ومثل: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" ومثل "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" ومثل"من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" ومثل "كفر بالله تبرؤ من نسبٍ وإن دقَّ ". ونحو هذه الأحاديث مما قد صحَّ وحفظ، فإنا نسلِّمُ له، وإن لم نعلم تفسيرها ولا نتكلم فيها ولا نجادل فيها، ولا نفسرُ هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت لا نردها إلا بأحق منها.(1/40)
ش:النفاق عند أهل السنة والجماعة على قسمين:
1-نفاق أكبر يخرج صاحبه من الدين أو يكون صاحبه لم يسلم أصلاً وهو أن يظهر الإسلام ويبطن الكفر.
2-نفاق أصغر كمن قامت به خصال نصَّ الشارع على أنها من النفاق كإخلاف الوعد والكذب والغدر وغير ذلك أو صاحبها مشابه للمنافقين كالكسل عن الصلاة والرياء وغير ذلك فهذا من النفاق الأصغر الذي يستحق العقوبة ويخرج العبد من الإيمان الكامل ويدخله في أوصاف المنافقين بحسب ما فيه منها ولكنه لا يخرج العبد من الإسلام.والكفر والشرك منه أكبر مخرج من الدين كالتكذيب لله ورسوله والشرك في عبادة الله :بأن يصرف من العبادات شيئاً لغير الله من المخلوقات ومنه كفر وشرك أصغر كالاقتتال بين المسلمين ويسير الرياء والتبرؤ من النسب والنياحة ممَّا أطلق الشارع عليه الكفر أو الشرك ولهذا عند أهل السنة والجماعة يجتمع في العبد خصال إيمان وخصال كفر ونفاق خلافاً للخوارج والزيدية وعامة أهل البدع.
48- والجنة والنارُ مخلوقتان قد خُلقتاكما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دخلت الجنة فرأيتُ قصرا"، "ورأيتُ الكوثر" و"اطلعتُ في الجنة فرأيتُ أكثر أهلها. . . .وكذا"، "واطلعت في النار فرأيت. . . . .كذا و كذا"، فمن زَعَمَ أنهما لم تخلقا فهو مُكَذِّب بالقرآن , وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار.(1/41)
ش:أجمع أهل السنة والجماعة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن وخالف أهل الحق في هذا المعتزلة والزيدية وغيرهم من أهل البدع قالوا بل ينشئهما الله يوم القيامة وقولهم مردود بالنصوص وإجماع السلف.فمن أدلة الكتاب قوله تعالى عن الجنة:{ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}(133)سورة آل عمران.وقوله عز وجل: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}(21) سورة الحديد. ومن السنة الأحاديث الصحيحة التي أوردها المؤلف رحمه الله فإنها تدل على أن الجنة والنار موجودتان الآن وعلى هذا أيضاً يدل حديث أنس رضي الله عنه في الصحيحين في قصة الإسراء وفي آخره:"ثم انطلق بي جبريل حتى أتى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ما هي"قال:"ثم دخلت الجنة فإذا هي جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك"وصحَّ في الموطأ والسنن من حديث كعب بن مالك قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما نسمة المؤمن طيرُ تعلق في شجر الجنة،حتى يرجعها الله إلى جسده يوم القيامة"وهذا صريح الدلالة في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة.
تمَّ شرح أصول السنة بفضل الله وإحسانه والحمد وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الفهارس
الموضوع ... الصفحة
المقدمة ... 2-3
يُطلق الأصل على خمسة أشياء ... 4
المراد بالسنة ... 5
الأصل الأول:التمسك بما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم .الشرح ... 5
البدعة في الشرع ... 5
الخصومة في الدين تكون بحق وبغير حق ... 6
قوله صلى الله عليه وسلم:"وكل بدعة ضلالة"عمومه محفوظ لم يدخل عليه تخصيص. ... 6
الجلوس مع أهل الأهواء الأصل فيه التحريم ومن الأدلة على هذا الأصل... ... 6
الأدلة على تحريم المراء والجدال والخصومات في الدين بغير حق ... 7(1/42)
ما فعله صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم أنواع... ... 8
السنة شارحة للقرآن موضحة له... ... 9
المراد بالقياس في قول الإمام:وليس في السنة قياس ... 9
المراد من قوله رحمه الله:ولا تضرب لها الأمثال ... 9
الإيمان بالقدر خيره وشره أحد أركان الإيمان الستة ... 10
قول الإمام(ومن لم يعرف تفسير الحديث)المراد بالتفسير هنا ... 11
من أصول أهل السنة إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ... 11
الرد على المخالفين في الرؤية من وجوه ... 11-12
من دعا إلى الحق وكان مخلصاً فخصومته مع أهل البدع يؤجر عليه قال ابن القيم في
نونيته:... ... 12
قول أهل السنة والجماعة في القرآن ... 13
أكثر أهل السنة يقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بفؤاده ... 14
الميزان يوم القيامة حقيقي حسي خلافاً لأهل البدع. ... 14
الرد على أهل البدع من وجوه في إنكارهم للميزان ... 14-15
أحاديث الحوض متواترة ... 15
عذاب القبر على نوعين:... ... 16
الناس في إثبات الشفاعة على ثلاثة أقسام:... ... 17
الإيمان الجازم بخروج المسيح الدَجَّال. ... 18
الإيمان عند أهل السنة والجماعة ... 19-20
ترك الصلاة تكاسلاً كفر أكبر على الصحيح... ... 20
فضل الصحابة رضي الله عنهم ثابت في الكتاب والسنة والإجماع. ... 21
من عقيدة أهل السنة السمع والطاعة للأئمة. ... 22
مشروعية قتال الخوارج واللصوص إذا عرضوا للمسلم. ... 22-23
الرجم حق وأدلة ثبوت الزنا ثلاثة:... ... 24
تعريف الصحابي ... 24-25
حكم من انتقص أحداً من الصحابة رضي الله عنهم ... 25
النفاق عند أهل السنة على قسمين:.... ... 25
أجمع أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن. ... 26
الفهارس ... 27-28(1/43)