وأخرج أبو ذر الهروى والدار قطنى من طرق ، إن بعضهم مر بنفر يسبون الشيخين فأخبر عليا ، وقال : لولا أنهم يرون أنك تضمر ما أعلنوا ما اجترءوا على ذلك ، فقال على : أعوذ بالله ، رحمهما الله ، ثم نهض فأخذ بيد ذلك المخبر وأدخله المسجد ، وصعد المنبر ، ثم قبض على لحيته وهى بيضاء ، وجعلت دموعه تتحادر على لحيته ، وجعل ينظر البقاع حتى اجتمع الناس ، ثم خطب خطبة بليغة من جملتها : ما بال أقوام يذكرون أخوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه وصاحبيه وسيدى قريش وأبوى المسلمين ، وأنا بريء مما يذكرون وعليه معاقب ، صحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجد والوفاء والجد في أمر الله ، يأمران وينهيان ويقضيان ويعاقبان ، لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم كرأيهما رأيا ولا يحب كحبهما حباً لما يرى من عزمهما في أمر الله ، فقبض وهو عنهما راض ، والمسلمون راضون ، فما تجاوزا في أمرهما وسيرتهما رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره في حياته وبعد موته ، فقبضا على ذلك فرحمهما الله ، فوالذى فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن فاضل ، ولا يبغضهما ويخالفهما إلا شقى مارق . حبهما قربة وبغضهما مروق . ثم ذكر أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأبى بكر بالصلاة وهو يرى مكان على ، ثم ذكر أنه بايع أبا بكر ، ثم ذكر استخلاف أبى بكر لعمر ، ثم قال : ألا ولا يبلغنى عن أحد أنه يبغضهما إلا جلدته حد المفترى ، وفى رواية : وما اجترءوا على ذلك أي سب الشيخين ـ إلا وهم يرون أنك موافق لهم منهم عبد الله بن سبأ ([256])، وكان أول من أظهر ذلك ، فقال على : معاذ الله أن أضمر لهما ذلك . لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل ، وسترى ذلك إن شاء الله ، ثم أرسل إلى ابن سبأ فسيره إلى المدائن وقال: لا يساكننى في بلدة أبدا ، قال الأئمة : وكان ابن سبأ هذا يهوديا فأظهر الإسلام وكان كبير طائفة من الروافض وهم الذين أخرجهم على رضي الله عنه لما ادعوا فيه الألوهية .
وأخرج الدارقطنى من طرق أن علياً بلغه أن رجلاً يعيب أبا بكر وعمر فأحضره وعرض له بعيبهما لعله يعترف ففطن ، فقال له : أما والذى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق أن لو سمعت منك الذي بلغنى أو الذي نبئت عنك وثبت عليك ببينة لأفعلن بك كذا وكذا .
إذا تقرر ذلك ، فاللائق بأهل البيت النبوي اتباع سلفهم في ذلك ، والإعراض عما يوشيه إليهم الرافضة وغلاة الشيعة من قبيح الجهل والغباوة والعناد ، فالحذر الحذر عما يلقونه إليهم من أن كل من اعتقد تفضيل أبى بكر علَى علِىّ رضي الله عنهما كان كافراً ، لأن مرادهم بذلك أن يقرروا عندهم تكفير الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الدين وعلماء الشريعة وعوامهم ، وأنه لا مؤمن غيرهم ، وهذا مؤد إلى هدم قواعد الشريعة من أصلها، وإلغاء العمل بكتب السنة وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته وأهل بيته ؛ إذ الراوي لجميع آثارهم وأخبارهم وللأحاديث بأسرها بل والناقل للقرآن في كل عصر من عصر النبي صلى الله عليه وسلم وإلى هلم ، هم الصحابة والتابعون وعلماء الدين . إذ ليس لنحو الرافضة رواية ولا دراية يدرون بها فروع الشريعة ، وإنما غاية أمرهم أن يقع في خلال بعض الأسانيد من هو رافضي أو نحوه . والكلام في قبولهم معروف عند أئمة الأثر ونقاد السنة ، فإذا قدحوا فيهم قدحوا في القرآن والسنة وأبطلوا الشريعة رأسا ، وصار الأمر كما في زمن الجاهلية الجهلاء ، فلعنة الله وأليم عقابه وعظائم نقمته على من يفترى على الله وعلى نبيه بما يؤدى إلى إبطال ملته وهدم شريعته … إلخ " .
ويأتى الفصل الثانى من هذا الباب وعنوانه :" في ذكر فضائل أبى بكر الواردة فيه وحده وفيه آيات وأحاديث " ( ص 98 ) . ويذكر اثنتى عشرة آية كريمة( ص 98: 102)، ثم قال:" وأما الأحاديث:فهى كثيرة مشهورة " وأثبت عشرات الأحاديث الشريفة
ويطول الأمر كثيرا إذا أردنا أن نثبت ما جاء في هذا الكتاب متصلا بموضوعنا ، إذن لنقلناه كله أو جله ، ولهذا أكتفى هنا بإثبات آخر باب جعله قبل خاتمة الكتاب ، وعنوان الباب هو " في التخيير والخلافة " ( 372 ) وتحت العنوان جاء ما يأتي:(1/285)
وكان خير الناس بعده وبعد المرسلين أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وقد تواترت بذلك الأحاديث المستفيضه الصحيحة التي لا تعتل ، المرويةٍ في الأمهات والأصول المستقيمة ، التي ليست بمعلولة ولا سقيمه . قال سبحانه : "وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ " فنعته بالفضل . ولا خلاف أن ذلك فيه رضوان الله عليه ، وقال سبحانه : " ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ" فشهدت له الربوبيه بالصحبة وبشره بالسكينه وحلاه بثانى اثنين . كما قال على كرم الله وجهه: من يكون أفضل من اثنين الله ثالثهما . وقال سبحانه : " وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ " ، لا خلاف وهو قول جعفر الصادق رضوان الله عليه ، وقول على كرم الله وجهه ، إن الذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى صدق به أبو بكر . وأي منقبه أبلغ من هذا ، ولما أخبرنا سبحانه وتعالى : أنه لا يستوى السابقون ومن بعدهم بقوله سبحانه وتعالى : " لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى "والخبر في البخاري مسطور : أن عقبة بن أبى معيط وضع رداء رسول الله صلى الله عليه وسلم في عنقه وخنقه به ، فأقبل أبو بكر يعدو حول الكعبة ويقول : أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله ؟ قال : فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على أبى بكر فضربوه حتى لم يعرف أنفه من وجهه ، فكان أول من جاهد وقاتل ونصر دين الله، وأنه الشخص الذي به قام الدين وظهر ، وهو أول القوم إسلاما ، وذلك ظاهر جلى. وقال جابر بن عبد الله الأنصارى : كنا ذات يوم على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتذاكر الفضائل فيما بيننا إذ أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أفيكم أبو بكر ؟ قالوا: لا ، قال : لا يفضلن أحد منكم على أبى بكر ، فإنه أفضلكم في الدنيا والآخرة .
وخبر أبى الدرداء المشهور قال : رآنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أمشى أمام أبى بكر ، وقال : يا أبا الدرداء أتمشى أمام من هو خير منك ؟ ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبى بكر . ومن وجه آخر : أتمشى بين يدى من هو خير منك ؟ فقلت يا رسول الله : أبو بكر خير منى ؟ قال : ومن أهل مكة جميعاً ، قلت يا رسول الله : أبو بكر خير منى ومن أهل مكة جميعاً؟ قال : ومن أهل المدينة جميعاً ، قلت : يا رسول الله : أبو بكر خير منى ومن أهل الحرمين ؟ قال : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء بعد النبيين والمرسلين خيرا وأفضل من أبى بكر .
ونذكر في كثير منها تخيير عمر بعده ثم عثمان ثم على .
فمن ذلك خبر أبى عقال قد رواه مالك ، وقد سأل عليا كرم الله وجهه وهو على المنبر : من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم أنا ، وإلا فصمت أذنأي إن لم أكن سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلا فعميت وأشار إلى عينيه إن لم أكن رأيته ـ يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ما طلعت الشمس ولا غربت على رجلين أعدل ولا أفضل ـ وروى ولا أزكى ولا خيراً ـ من أبى بكر وعمر .
وقد روى محمد بن الحنفية قال : سألت والدى علياً وأنا في حجره ، فقلت: يا أبت من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : أبو بكر . قلت : ثم من ؟ قال : عمر ، ثم حملتنى حداثة سنى قلت : ثم أنت يا أبتى ؟ قال : أبوك رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم .
وخبر أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو بكر وعمر خير أهل السماء وخير أهل الأرض ، وخير الأولين ، وخير الآخرين إلا النبيين والمرسلين . وقال صلى الله عليه وسلم: على وفاطمة والحسن والحسين أهلي ، وأبو بكر وعمر أهل الله وأهل الله خير من أهلي . وقال صلى الله عليه وسلم : لو وزن إيمان أبى بكر بإيمان الأمة لرجح .
وخبر عمار بن ياسر رضي الله عنه المشهور قال : قلت يا رسول الله : أخبرني عن فضائل عمر . فقال : يا عمار لقد سألتنى عما سألت عنه جبريل عليه السلام ، فقال لي يا محمد : لو مكثت معك ما مكث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً أحدثك في فضائل عمر ما نفذت ، وإن عمر لحسنة من حسنات أبى بكر ، وقال : قال لي ربى عز وجل : لو كنت متخذا بعد أبيك إبراهيم خليلا لاتخذت أبا بكر خليلًا ، ولو كنت متخذاً بعدك حبيبا لاتخذت عمر حبيباً . نقل ذلك من تفسير القرآن العظيم للبغوى رحمه الله تعالى في آخر سورة الحشر في قوله تعالى :(1/286)
" وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ " يعنى التابعين ، وهم الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة ، ثم ذكر أنهم يدعون لأنفسهم ولمن سبقهم بالإيمان بالمغفرة فقال : "يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا " -غشاً وحسداً وبغضاً ـ " لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ " فكل من كان في قلبه غل على أحد من الصحابة ولم يترحم على جميعهم فإنه ليس ممن عناه الله بهذه الآية ؛ لأن الله رتب المؤمنين على ثلاث منازل : المهاجرين ، والذين تبوءوا الدار والإيمان ، والذين جاءوا من بعدهم ، فاجتهد أن لا تكون خارجا من أقسام المؤمنين .
قال ابن أبى ليلى : الناس على ثلاثة منازل : الفقراء المهاجرون ، والذين تبوءوا الدار والإيمان ، والذين جاءوا من بعدهم ، فاجتهد أن لا تكون خارجا من هذه المنازل .
أخبرنا أبو سعيد الشريحى ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبى ، أنبأنا عبد الله بن جليد ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن سليمان ، حدثنا ابن نمير ، حدثنا أبى ، عن إسماعيل ابن إبراهيم عن عبد الملك بن عمير ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : أمرتم بالاستغفار لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسببتموهم ، سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها " .
قال مالك بن معرور ، قال عامر بن شراحيل الشعبي : يا مالك تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة ؛ سئلت اليهود من خير أهل ملتكم ؟ فقالت: أصحاب موسى رضي الله عنه، وسئلت النصارى من خير أهل ملتكم ؟ فقالت : حوارى عيسى رضي الله عنه ، وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم !! أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم ، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة لا تقوم لهم حجة ولا يثبت لهم قدم ولا تجتمع لهم كلمة ، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله بسفك دمائهم وتفريق شملهم وادحاض حججهم ، أعاذنا الله وإياكم من الأهواء المضلة .
قال مالك بن أنس : من ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو كان في قلبه عليهم غل ، فليس له حق في فىء ، ثم تلا :
" مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ" حتى أتى هذه الآية :
" لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ " "وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ " " وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ" إلى قوله " رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ".
نقل البغوى رحمه الله في قوله : " ثَانِيَ اثْنَيْنِ " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى بكر : أنت صاحبى في الغار وصاحبى على الحوض .
قال الحسن بن الفضيل : من قال إن أبا بكر رضي الله عنه لم يكن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر لإنكار نص القرآن ، وفى سائر الصحابة إذا أنكر يكون مبتدعاً لا كافراً .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً أبداً .
===============
فدك بين ابو بكر الصديق والسيدة فاطمة - مناقشة علمية
الكاتب: محب اهل البيت اضيف الموضوع يوم 04-05-99 20:42 PS رضي الله عنه
فدك بين أبي بكر وفاطمة رضي الله عنهما
أرض فدك ، قرية في الحجاز كان يسكنها طائفة من اليهود ، ولمّا فرغ الرسول عليه الصلاة والسلام من خيبر ، قذف الله عز وجل في قلوبهم الرعب ، فصالحوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فدك ، فكانت ملكاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنها مما لم يُوجف عليها بخيل ولا ركاب.
ورغم أنّّ خلاف الخليفة أبو بكر مع السيدة فاطمة رضوان الله عليهما كان خلافاً سائغاً بين طرفين يملك كل منهما أدلة على رأيه إلا أنّ حساسية البعض من شخصية أبو بكر تجعله ينظر إلى الأمور بغير منظارها فتنقلب الحبة إلى قبة.
ولو أننا استبدلنا شخصيات القصة ( أبو بكر وفاطمة ) بفقيهين من الشيعة مثلاً أو مرجعين من مراجعهم لكان لكل طرف منهما مكانته وقدره دون التشنيع عليه وإتهام نيته ، ولكانت النظرة إلى رأي الطرفين نظرة احترام وتقدير على اعتبار وجود نصوص وأدلة يستند إليها الطرفين في دعواهما وإن كان الأرجح قول أحدهما.
لكن أمام ( ابو بكر ) و ( فاطمة ) الأمر يختلف ، فأبو بكر عدو للشيعة وما دام عدواً فكل الشر فيه وكل الخطأ في رأيه ، هكذا توزن الأمور!!! توزن بميزان العاطفة التي لا تصلح للقضاء بين متنازعين فكيف بدراسة أحداث تاريخية ودراسة تأصيلها الشرعي!!!
لكن المنصف الذي لا ينقاد إلى عاطفته بل إلى الحق حيث كان ، يقف وقفة تأمل لذاك الخلاف ليضع النقاط على الحروف
فأرض فدك هذه لا تخلو من أمرين: إما أنها إرث من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة رضوان الله عليها أو هي هبة وهبها رسول الله لها يوم خيبر.(1/287)
فأما كونها إرثاً فبيان ذلك ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءت فاطمة رضوان الله عليها لأبي بكر الصدّيق تطلب منه إرثها من النبي عليه الصلاة والسلام في فدك وسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خيبر وغيرهما.
فقال أبو بكر الصدّيق: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( إنّا لا نورّث ، ما تركناه صدقة )(39) وفي رواية عند أحمد ( إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث )(39) ، فوجدت(32) فاطمة على أبي بكر بينما استدلت رضوان الله عليها بعموم قوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين }.(39)
ولنكن حياديين ها هنا ولننسى أنّ المطالب بالإرث امرأة نحبها ونجلها لأنها بنت نبينا وأنّ لها من المكانة في نفوسنا وعند الله عز وجل ما لها ، لنقول : كلام محمد عليه الصلاة والسلام فوق كلام كل أحد ، فإذ صح حديث كهذا عن رسول الله فلا بد ان نقبله ونرفض ما سواه ، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا نلوم أبو بكر على التزامه بحديث رسول الله وتطبيقه إياه بحذافيره ؟!!
لقد صح حديث ( إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ) عند الفريقين السنة والشيعة ، فلماذا يُستنكر على أبي بكر استشهاده بحديث صحيح ويُتهم بالمقابل باختلاقه الحديث لكي يغصب فاطمة حقها في فدك؟!! أما صحته عند أهل السنة فهو أظهر من أن تحتاج إلى بيان ، وأما صحته عند الشيعة فإليك بيانه:
روى الكليني في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( … وإنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر )(39) قال عنه المجلسي في مرآة العقول 1/111 ( الحديث الأول ( أي الذي بين يدينا ) له سندان الأول مجهول والثاني حسن أو موثق لا يقصران عن الصحيح ) فالحديث إذاً موثق في أحد أسانيده ويُحتج به ، فلماذا يتغاضى عنه علماء الشيعة رغم شهرته عندهم!!
والعجيب أن يبلغ الحديث مقدار الصحة عند الشيعة حتى يستشهد به الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية على جواز ولاية الفقيه فيقول تحت عنوان (صحيحة القداح ) : ( روى علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن القداح ( عبد الله بن ميمون )(89) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من سلك طريقاً يطلب فيه علماً ، سلك الله به طريقاً إلى الجنة … وإنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ، ولكن ورّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر ) ويعلق على الحديث بقوله ( رجال الحديث كلهم ثقات ، حتى أنّ والد علي بن إبراهيم ( إبراهيم بن هاشم ) من كبار الثقات ( المعتمدين في نقل الحديث ) فضلاً عن كونه ثقة )(67) ثم يشير الخميني بعد هذا إلى حديث آخر بنفس المعنى ورد في الكافي بسند ضعيف فيقول ( وهذه الرواية قد نقلت باختلاف يسير في المضمون بسند آخر ضعيف ، أي أنّ السند إلى أبي البختري صحيح ، لكن نفس أبي البختري ضعيف والرواية هي: عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن أبي البختري عن أبي عبد اله عليه السلام قال: ( إنّ العلماء ورثة الأنبياء ، وذاك أنّ الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنما ورّثوا أحاديث من أحاديثهم … )(39) )(38)
إذاً حديث (إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم ) صحيح كما بيّن ذلك الخميني والمجلسي من قبله ، فلماذا لا يؤخذ بحديث صحيح النسبة إلى رسول الله مع أننا مجمعين على أنه لا اجتهاد مع نص؟!! ولماذا يُستخدم الحديث في ولاية الفقيه ويُهمل في قضية فدك؟!! فهل المسألة يحكمها المزاج؟!!
إنّ الاستدلال بقول الله تبارك وتعالى عن زكريا عليه السلام { فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب } على جواز توريث الأنبياء لأبنائهم استدلال غريب يفتقد إلى المنطق في جميع حيثياته ، وذلك لعدة أمور هي:
أولاً: لا يليق برجل صالح أن يسأل الله تبارك وتعالى ولداّ لكي يرث ماله فكيف نرضى أن ننسب ذلك لنبي كريم كزكريا عليه السلام في أن يسأل الله ولداً لكي يرث ماله ، إنما أراد زكريا عليه السلام من الله عز وجل أن يهب له ولداً يحمل راية النبوة من بعده ، ويرث مجد آل يعقوب العريق في النبوة.
ثانياً: المشهور أنّ زكريا عليه السلام كان فقيراً يعمل نجاراً ، فأي مال كان عنده حتى يطلب من الله تبارك وتعالى أن يرزقه وارثاً ، بل الأصل في أنبياء الله تبارك وتعالى أنهم لا يدخرون من المال فوق حاجتهم بل يتصدقون به في وجوه الخير.(1/288)
ثالثاً: إنّ لفظ ( الإرث ) ليس محصور الاستخدام في المال فحسب بل يستخدم في العلم والنبوة والملك وغير ذلك كما يقول الله تعالى { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا }(39) وقوله تعالى { أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون }(39) فلا دلالة في الآية السابقة على وراثة المال.
رابعاً: حديث (إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم) الذي ذكرناه آنفاً يتضمن نفي صريح لجواز وراثة أموال الأنبياء ، وهذا كاف بحد ذاته.
وكذلك الحال في قوله تعالى { وورث سليمان داود }(39) فإنّ سليمان عليه السلام لم يرث من داود عليه السلام المال وإنما ورث النبوة والحكمة والعلم لأمرين إثنين:
الأول: أنّ داود عليه السلام قد اشتُهر أنّ له مائة زوجة وله ثلاثمائة سريّة أي أمة ، وله كثير من الأولاد فكيف لا يرثه إلا سليمان عليه السلام؟!! فتخصيص سليمان عليه السلام حينئذ بالذكر وحده ليس بسديد.
الثاني: لو كان الأمر إرثاً مالياً لما كان لذكره فائدة في كتاب الله تبارك وتعالى ، إذ أنّه من الطبيعي أنّ يرث الولد والده ، ( والوراثة المالية ليست صفة مدح أصلاً لا لداود ولا لسليمان عليهما السلام فإنّ اليهودي أو النصراني يرث ابنه ماله فأي اختصاص لسليمان عليه السلام في وراثة مال أبيه!! ، والآية سيقت في بيان المدح لسليمان عليه السلام وما خصه الله به من الفضل ، وإرث المال هو من الأمور العادية المشتركة بين الناس كالأكل والشرب ودفن الميت ، ومثل هذا لا يُقص عن الأنبياء ، إذ لا فائدة فيه ، وإنما يُقص ما فيه عبرة وفائدة تُستفاد وإلا فقول القائل ( مات فلان وورث فلان ابنه ماله ) مثل قوله عن الميت ( ودفنوه ) ومثل قوله ( أكلوا وشربوا وناموا ) ونحو ذلك مما لا يحسن أن يُجعل من قصص القرآن )(93)
وأعجب من هذا كله حقيقة تخفى على الكثيرين وهي أنّ المرأة لا ترث في مذهب الشيعة الإمامية من العقار والأرض شيئاً ، فكيف يستجيز الشيعة الإمامية وراثة السيدة فاطمة رضوان الله عليها لفدك وهم لا يُورّثون المرأة العقار ولا الأرض في مذهبهم؟!!
فقد بوّب الكليني باباً مستقلاً في الكافي بعنوان ( إنّ النساء لا يرثن من العقار شيئاً ) روى فيه عن أبي جعفر قوله : ( النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً )(34)
وروى الطوسي في التهذيب والمجلسي في بحار الأنوار عن ميسر قوله (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النساء ما لهن من الميراث ، فقال: لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب فأما الأرض والعقار فلا ميراث لهن فيهما)(39)
وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً)(39) وعن عبد الملك بن أعين عن أحدهما عليهما السلام(39) قال: (ليس للنساء من الدور والعقار شيئاً)
كما أنّ فدك لو كانت إرثاً من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكان لنساء النبي ومنهن عائشة بنت أبي بكر وزينب وأم كلثوم بنات النبي حصة منها ، لكن أبا بكر لم يعط ابنته عائشة ولا أحد من نساء النبي ولا بناته شيئاً استناداً للحديث ، فلماذا لا يُذكر هؤلاء كطرف في قضية فدك بينما يتم التركيز على السيدة فاطمة وحدها؟!!
هذا على فرض أنّ فدك كانت إرثاً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما إذا كانت فدك هبة وهدية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة رضوان الله عليها كما يروي ذلك الكاشاني في تفسيره الصافي 3/186 فالأمر يحتاج إلى وقفة أخرى أيضاً.
فعلى فرض صحة الرواية والتي تناقضها مع روايات السنة والشيعة حول مطالبة السيدة فاطمة رضوان الله عليها لفدك كأرث لا كهبة من أبيها ، فإننا لا يمكن أن نقبلها لاعتبار آخر وهو نظرية العدل بين الأبناء التي نص عليها الإسلام.
إنّ بشير بن سعد لمّا جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله ، إني قد وهبت ابني حديقة واريد أن أُشهدك ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أكُلّ أولادك أعطيت؟ قال: لا ، فقال النبي صلوات الله وسلامه عليه ( اذهب فإني لا أشهد على جور )(39)
فسمّى النبي صلى الله ليه وآله وسلم تفضيل الرجل بعض أولاده على بعض بشيء من العطاء جوراً ، فكيف يُظن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كنبي معصوم لا يشهد على جور أن يفعل الجور ( عياذاً بالله )؟!! ، هل يُظن به وهو أمين من في السماء أو يجور في أمانة أرضية دنيوية بأن يهب السيدة فاطمة فدك دون غيرها من بناته؟!! فكلنا يعرف أنّ خيبر كانت في السنة السابعة من الهجرة بينما توفيت زينب بنت رسول الله في الثامنة من الهجرة ، وتوفيت أم كلثوم في التاسعة من الهجرة ، فكيف يُتصور أن يُعطي رسول الله فاطمة رضوان الله عليها ويدع أم كلثوم وزينباً؟!!
والثبات من الروايات أنّ فاطمة رضوان الله عليها لمّا طالبت أبو بكر بفدك كان طلبها ذاك على اعتبار وراثتها لفدك لا على أنها هبة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.(1/289)
ولذا فإنّ فدك لم تكن لا إرثاً ولا هبة ، وهذا ما كان يراه الإمام علي نفسه إذ أنه لمّا استُخلف على المسلمين لم يعط فدك لأولاده بعد وفاة أمهم فاطمة بحيث يكون له الربع لوجود الفرع الوارث ، وللحسن والحسين وزينب وأم كلثوم الباقي { للذكر مثل حظ الأنثيين } وهذا معلوم في التاريخ ، فلماذا يُشنع على أبي بكر في شيء فعله علي بن أبي طالب نفسه ؟!! بل يروي السيد مرتضى ( الملقب بعلم الهدى ) في كتابه الشافي في الإمامة عن الإمام علي ما نصه ( إنّ الأمر لمّا وصل إلى علي بن أبي طالب عليه السلام كُلّم في رد فدك ، فقال: إني لأستحيي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر وأمضاه عمر )(2)
وما كدت أشرف على إغلاق ملف قضية فدك ومناقشة أدلتها حتى وقعت على رواية طريفة تُعبر بالفعل عن المأساة الحقيقة التي يعيشها من يريدون القدح بأبي بكر بأي طريقة كانت ( شرعية وغير شرعية )!!
روى الكليني في الكافي عن أبي الحسن قوله ( … وردّ على المهدي ، ورآه يردّ المظالم ، فقال: يا أمير المؤمنين! ما بال مظلمتنا لا تُرد؟ فقال له: وما ذاك يا أبا الحسن؟ قال: إنّ الله تبارك وتعالى لمّا فتح على نبيه صلى الله عليه وآله فدك … ، فقال له المهدي: يا أبا الحسن! حدّها لي ، فقال: حد منها جبل أحد ، وحد منها عريش مصر ، وحد منها سيف البحر ، وحد منها دومة الجندل ).(29) فأين أرض في خيبر من مساحة كهذه ؟!! ألهذا الحد يُستخف بعقول الناس؟!!
الكاتب: العاملي العاملي اضيف الموضوع يوم 05-05-99 10:02 PS رضي الله عنه
بسم الله الرحمن ارحيم
موقف فاطمة الزهراء من خلافة أبي بكر
بقلم : العاملي
إن موقف الزهراء عليها السلام من أبي بكر وعمر يتضمن عدة قضايا ، لا بد أن نحددها أولا ، ونوضح حدود كل واحدة منها تحديدا شرعيا وقانونيا ، ثم نبحثها . ولا يصح أن نصادر المسألة ، ونصورها على أنها مسألة مطالبة من الزهراء بمزرعة فدك ، وأن أبا بكر أجابها بأن الانبياء مستثنون من قانون الارث الشرعي وانتهى الامر.
إن موقف الزهراء من خلافة أبي بكر وعمر يتضمن عدة مسائل وقضايا أساسية:
القضية الاولى : أن الزهراء أدانت بيعة السقيفة ، واتهمتهم بأنهم خالفوا الرسول
ونكثوا بيعة علي في يوم الغدير ، وانقلبوا على أعقابهم !
وكان موقفها نفس موقف علي والعباس وعدد كبير من المهاجرين والانصار الذين امتنعوا عن البيعة وأدانوا السقيفة ، وكانوا مجتمعين في بيت علي وفاطمة ، في راسم تعزية أهل البيت بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فهاجمهم عمر وجماعته بأمر أبي بكر لا لكي يعزوهم ، بل ليهددوهم إما أن يبايعوا وإما أن يحرقوا عليهم الدار !!
وبالفعل أحرقوا باب الدار الخارجي وضربوا فاطمة الزهراء ، التي خرجت محاولة أن تردهم لعلهم يحترمون بنت نبيهم وهي في اليوم الثاني من مصيبتها بفقد أبيها !!
ثم قامت الزهراء بعدة أعمال لنصرة الامام الشرعي علي (ع) وإفشال المؤامرة ..
ومن ذلك أنها ذهبت مع علي وأولادهما الى بيوت زعماء الانصار تذكرهم أنهم بايعوا النبي على حمايته وحماية أهل بيته مما يحمون منه أنفسهم وأهليهم !!
ثم قامت بإعلان تحريم بيعة أبي بكر والدعاء عليه وعلى عمر ..
ثم خطبت حطبتها التاريخية في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بحضور المسلمين وأدانت خلافة أبي بكر وعمر .
ثم لما صادروا منها مزرعة فدك ، أدانت عملهم وطالبت بها وبما صادروه من إرثها
من النبي (ص)
ثم قامت بمقاطعة أبي بكر وعمر ولم تكلمهما الى آخر حياتها ، ولم تقبل منهما
عندما جاء ا الى زيارتها واعتذرا عن مهاجمة بيتها !!
وهذه القضية فيها عدة مسائل عقيدية وفقهية ..
منها : هل أن فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة أخطأت لانها لم تبايع أبا بكر
وماتت ميتة جاهلية ، لان من مات ولم يعرف إمام زمانه مات موتة جاهلية ؟!
منها : هل تكون بيعة أبي بكر وعمر شرعية ، بعد أن شهدت سيدة نساء أهل الجنة
بأنها خيانة ؟!
ومنها: لماذا أصرت فاطمة على أن تدفن خفية ولا يشارك في جنازتها أبو بكر ولا عمر وأنصارهما ؟!!
ومنها .. ومنها ...الخ.
القضية الثانية : موقف السلطة من المنح التي كان أعطاها الرسول للمسلمين في حياته ، وهي إقطاعات كثيرة تركتها السلطة بأيدي أصحابها ولم تصادر منها إلا مكان أعطاه لاهل بيته خاصة ، فصادرت مزرعة فدك من يد فاطمة وعلي !!
القضية الثالثة : موقف السلطة من التشريع الاسلامي المجمع عليه الذي يحرم الصدقات والزكوات على أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ويشرع لهم بدلها الخمس ..
فلماذا حرمت السلطة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من حقهم الشرعي في ميزانية الدولة ؟!
فمسألة فدك أيها الاخ ( المحب لاهل البيت ) إنما هي مفردة واحدة من سياسة
الدولة الاقتصادية في اضطهاد أهل بيت نبيهم بمجرد رحيله الى ربه !!
ـ وهي تشمل مسائل عديدة أيضا :(1/290)
المسألة الاولى : هل أن مزرعة فدك إرث ، أم أنها كانت منحة أعطاها النبي صلى الله عليه وسلم (في حياته لفاطمة واستلمتها ، وجعلت عليها وكيلا واستغلتها سنة أو سنتين في حياة النبي ؟
نحن نثبت أنها كانت بيدها ، واليد على الشئ علامة الملكية ، وأن أبا بكر صادرها
وعليه هو أن يأتي ببينة على جواز مصادرته لملكية شرعية صحيحة تحت يد مالكها ؟
ومن العجيب أن عددا ممن منحهم الرسول منحا وإقطاعات من الاراضي بعد فاطمة
أبقاها أبو بكر في أيديهم ، ولم يصادرها ولم يطالبهم بدليل كما طالب فاطمة ؟!!!
الثانية : أن القرآن ينص على قانون الارث وتشريعات الاسلام عامة شاملة للرسول
وغيره ، إلا ماخرج منها بدليل مثل حق الرسول في الزواج بأكثر من أربع زوجات .
فأين الدليل هنا على استثناء الرسول من قانون الارث ؟!
إنه لايوجد دليل إلا مارواه أبو بكر وأجاب به فاطمة الزهراء ! ولم يروه أحد غيره
من المسلمين أبدا !! حتى أن الهيتمي اعترف في مجمع الزوائد مجلد 9 ص 40 ، بأن روايتهم للحديث عن حذيفة في الطبراني الاوسط فيه الفيض بن وثيق وهو كذاب !
ولهذا السبب تجد في علم الاصول بحثا اسمه ( هل يجوز نسخ القرآن أو تخصيصه بخبر الواحد ؟ ) لان رواي هذا النسخ أو التخصيص هو أبو بكر وحده !!
وهنا يحق للمسلم أن يسأل :
ـ هل يعقل أن النبي لم يخبر أهل بيته ولا أحدا من المسلمين بأنه مستثنى من قانون
الارث الشرعي ، وأخبر بذلك أبا بكر وحده فقط وفقط ؟!!
ـ وهل يعقل أن فاطمة تعرف ذلك وتطالب بما ليس لها به حق ، وتريد أن تطعم
أولادها من المال الحرام ، وفي طليعتهم سيدا شباب أهل الجنة ؟!!
أو تسرق لهم من أموال المسلمين ؟!!
إن كل واحد من هذه المسائل والقضايا فيها بحوث وكتب .. فأرجو أن تقرأ أكثر ..
ولا تستعجل بالاحكام . ,
أما الحديث الذي ذكرت أنه ورد في مصادرنا ، وأن بعض العلماء صححوه ، فياليتك
قرأته جيدا ، لتعرف أنه يختلف عن حديث أبي بكر اختلافا أساسيا !
فهو إخبار عن سيرة الانبياء وسنتهم بأنهم لم يهتموا بتوريث المال ، بل بتوريث
العلم ، ولكن ذلك لايعني أنهم مستثنون من قانون الارث الشرعي ، وأن ما يملكون من مال ينزع من أيدي أولادهم وذرياتهم !!
إن نص حديث أبي بكر ( لا نورث ) ونص هذا الحديث ( لم يورثوا ) !! (
نعم إنهم لم يهتموا بتوريث المال بل بتوريث العلم ، وما ورثوه من المال لايعتبر
ذا قيمة مالية ، ولكنه ذو قيمة شرعية وحقوقية كبيرة !!
وليتك تسأل حقوقيا عن الفرق بين : لا نورث ، ولم يورثوا .. والسلام .
نصوص تتعلق بالموضوع :
_ فى صحيح البخارى ـ مجلد 5 ص 82
عن عائشة أن فاطمة بنت النبى صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبى بكر تسأله
ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما
بقى من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث
ما تركنا صدقة ، إنما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإني والله لا أغير شيئا من
صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التى كان عليها في عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولاعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك
فهجرته ، فلم تكلمه حتى توفيت !!
- وفي السنن الكبرى للبيهقي ـ مجلد: 6 ص 298
فقال أبو بكر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نورث ماتركنا صدقة فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا ، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق .
ثم توفي أبو بكر فقلت أنا ولي رسو ل الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر رضي الله عنه فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا ! والله يعلم انى صادق بار راشد تابع للحق
ـ وفي المستصفى للغزالي ـ مجلد 1 ص 228
وكلام من ينكر خبر الواحد ولا يجعله حجة في غاية الضعف ، ولذلك ترك توريث
فاطمة رضي الله عنها بقول أبي بكر : نحن معاشر الانبياء لا نورث ...الحديث ..
فنحن نعلم أن تقدير كذب أبي بكر وكذب كل عدل أبعد في النفس من تقدير كون
آية المواريث مسوقة لتقدير المواريث لا للقصد إلى بيان حكم النبي عليه الصلاة والسلام.
الكاتب: الناشر الرسالي اضيف الموضوع يوم 05-05-99 10:55 PS رضي الله عنه
-------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم جميعا
أشكر الاخوة جميعا على هذا النقاش الجميل ...
لكن لو يتكرموا ويعرضوا لنا خطبة سيدة نساء العالمين عليها السلام ليرى الجميع رأيها مباشرة..
ولكم جزيل الشكر
الكاتب: sham صلى الله عليه وسلم s22 اضيف الموضوع يوم 06-05-99 07:56 PS رضي الله عنه
------------------------------(1/291)
هل هذا أستهزاء بعلي من الشيعه قالوا أن عمر رضي الله عنه ضرب فاطمه رضي الله عنها وهددهم وأسقط جنينها وكانت غاضبه منه وعلي رضي الله عنه واقف هكذا بكل بساطه أين كلامكم الحيدر والضرغام ويحمل باب خيبر والقوه والمنعه عنده ويقف ساكتا وعمر يضرب زوجته فاطمه رضي الله عنها ويسقط جنينها ثم يزوج عمر رضي الله عنه من أبنه فاطمه رضي الله عنها أم كلثوم الى عمر اذن علي يشاركهم بالخطأ هذا ما تقولون اذن طالما فاطمه زعلانه وغاضبه من أبو بكر وعمر رضي الله عنهم لابد أن يكون علي أيضا غاضب حسب حججكم وهو معصوم وقوي علي رضي الله عنه اذن كيف يخطئ هذا الخطأ ويزوج بنت فاطمه لعمر وهي أبنته أيضا اذن أين غضب فاطمه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ فعلي معهم بالأضافه
الى أن علي أخذ من السبي أم محمد أبن علي أبن أبي طالب وكان ذلك في عهد أبو بكر رضي الله عنهما وهذا لايجوز عند الشيعه لأنه قبول بالظلم وخصوصا من امام معصوم وليس واحدا من البشر أي شخصا عاديا وهذا وما سبقه يدحض ما تقول عن قصصكم بأنه ضرب فاطمه رضي الله عنها وأسقط جنينها وهدد بحرق الدار أصلا هذا لايجوز بحق علي رضي الله عنه الشجاع المقدام يموت الرجل ولاتهتك داره فما بالك بعلي رضي الله عنه وهذه القصه بأنه ضرب فاطمه وهدد ملفقه ولا تنطبق على علي بتاتا الحيدر الذى ضحى بنفسه ونام في فراش الرسول صلى الله عليه وسلم في صغره الشجاع القوي وكما تقولون المعصوم يترك الأمر هكذا للداخل والخارج في داره وبعد هذا يكافئ عمر رضي الله عنه بتزويجه من أبنه فاطمه الغاضبه على عمر رضي الله عنهما وغاضبه على أبو بكر أيضا كما تزعمون ويدخل علي رضي الله عنه الحرب والحاكم أبو بكر رضي الله عنها ويسبي أم .......أبنه محمد بن الحنفيه.......... من بني حنيفه فمن أعان ظالما ....... اذن تعريفكم ان ابو بكر ظالم وعلي ساند وأعان الظالم فهل تقبلون أن يعين علي ظالما ويكون ظالما مثله أم أن أبوبكر ليس ظالما وعلى حق وعلي يعينه على الحق اذن أين المعصوميه أين العداله أين الأنصاف في رواياتكم فالله المستعان
[حرر الموضوع بواسطة sham صلى الله عليه وسلم s22 (06-05-99).]
الكاتب: محب اهل البيت اضيف الموضوع يوم 06-05-99 08:16 PS رضي الله عنه
-----------------------------------------
السلام عليكم
رغم اني طرحت موضوع فدك لا الخلافة الا أن العاملي مصر على ان يجرنا إلى موضوع الخلافة!!!
ورغم اني ذكرت ان الحديث صحيح عند الفريقين السنة والشيعة الا ان العاملي مع ذلك يشكك فيه بطريقة غير مباشرة ، فسبحان الله ، الى هذا الحد يصل التعصب!!!
كما ذكرت في المقالة نفسها انه لا وجه لاستشهاد بالآيات السابقة ومع ذلك العاملي كأنه ما قرأ شيئاً!!
ثم ما دخل كون فاطمة رضوان الله عليها كسيدة في الجنة من حديث فدك ، وهل يعيني كونها سيدة نساء الجنة أن لا تخطأ ( مع ان العصمة للأنبياء فقط ) فلماذا تقحم هذه الأمور في ردك؟!!
وما دخل حديث ( من لم يعرف امام زمانه ... ) في فدك؟
فالموضوع المطروح هو فدك ، فاما ان يكون الرد على القضية ذاتها او يستحسن ان لا يكون هناك رد ، على الأقل لعدم اشغالنا فيما لا نفع فيه.
الكاتب: ALABBASY اضيف الموضوع يوم 06-05-99 12:53 PS رضي الله عنه
-----------------------------------
جزاك الله يا محب اهل البيت و ياليت لو تتكلم أيضا عن القضايا الشركية عند الشيعة فلقد شاهدت شريط فيديو فيه احد اهل العمامامات السود يدعو فيها الشيعة في ليلة السابع اوا لثامن من محرم التي يسمونها ليلة العباس ابو فاضل و يدعوهم ويحثهم على الستغاثة بالعباس بن علي رضي الله عنه حتي انني و الله تقززت من كلامه و لا اجد فرقا بين استغاثتهم و استغاثة النصاري بعيسي عليه السلام ... بل و يحكي من الأكاذيب في قصة حرب الحسين مع جيش الكوفة ما جعل فيها العباس اقوي من سوبر مان ... و الغريب انهم لا يذكرون في القصة أي شيء عن ابناء الحسين أو علي الذين اسمائهم عمر و عثمان و قتلوا في نفس المعركة ... سبحان الله اين العقول
----------------------------------------------------------------------
لا غالب إلا باالله
الكاتب: محب اهل البيت اضيف الموضوع يوم 12-05-99 06:59 PS رضي الله عنه
-----------------------------------------------------------------------
الأخ شامس
جزاك الله خير
هذه المقالة تعتمد على حديث في الكافي صححه المجلسي في مرآة العقول والخميني في الحكومة الاسلامية ، والمطلوب من الشيعة الرد ، خصوصا واني لم اجلب حديث مكذوب او ضعيف عندهم ، فلماذا تتهمون ابو بكر رضوان الله عليه بغصبه فدك مع ان دليله مجمع على صحته بين السنة والشيعة!!
ثم سؤالي هو ، هل يرى الشيعة ان اغضاب السيدة فاطمة لا يجوز واغضاب رسول الله جائز؟!!(1/292)
ان الاستدلال بحديث ( يغصبني ما يغضبها ) في واقعة فدك غير ملائم لأن اغضاب فاطمة رضوان الله عليها مشروط بعدم اغضاب الله ورسوله اولا ، والسيدة فاطمة لم يصلها الحديث وظنت انه غير صحيح في بادئ الأمر
بسم الله والصلاة على رسول الله محمد بن عبدالله وعلى اله وصحبه ومن والاه .
الى العاملي سلام من الله عليك ورحمه ,,,
اليك ردودي المختصره على ردك واعلم اني محب لاهل البيت الكرام ولكني لست الشخص الذي قصديه:-
إن هذا الحديث قد رواه غير أبو هريرة ..فقد رواه جابر بن عبد الله وعائشة وأنس ومن أهل البيت رضي الله عنهم .
انت قلت (ومن ذلك أنها ذهبت مع علي وأولادهما الى بيوت زعماء الانصار تذكرهم ببيعتهم لعلي يوم الغدير ، وبأنهم بايعوا النبي (ص ) على |ن يحموه وأهل بيته مما يحمون منه أنفسهم وأهليهم !! ) ارجوا ان تذكر الحديث بالكامل ولا تنس ذكر الحمار.
انت قلت (وأدانت خلافة أبي بكر وعمر .) هل فاطمه ممن شهد عهد الخليفه الفاروق؟ فمالكم وعمر صهر الرسول وعلي؟؟؟
انت قلت (ثم لما صادروا منها مزرعة فدك ، أدانت عملهم وطالبت بها وبما صادروه من إرثها من النبي صلى الله عليه وسلم ) والله انك تناقض نفسك انت تدعي انها غضبت على ابي بكر ولم تكلمه في فدك حتى ماتت فكيف تطالبه بالخلافه؟ واين علي من المطالبه؟ اليس هو الذي قلتوا فيه لولا سيف علي لاصبح الاسلام ضرطة عنز؟؟ اهذا قدر الاسلام؟ واين الرسول صلى الله عليه وسلم من الاسلام؟ واين الله سبحانه الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده؟
حرمت الصدقه على ال البيت واحلت لهم الزكاة وكلامك غير صحيح فراجع.
انت قلت نعم إنهم لم يهتموا بتوريث المال بل بتوريث العلم ) هل هذا اقرار بصحة الحديث واعتراف غير مقصود منك بالحديث؟ ثم اين دليلك على انهم برثون المال ؟
اما السلاجقه والاتراك مالهم ومال الرشيد؟ هل انت راسب بالتاريخ ام انكم لاتعترفون نهذا التاريخ؟ ولزيادة معلوماتك التاريخيه اقول:
ان الخلافه العباسيه سقطت على يد المغول وانت تعلم من الذي ساعد المغول على ذلك و مع ذلك يقول حاخام إيران الأكبر الخميني:
و يشعر الناس بالخسارة بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي و أضرابه ممن قدموا خدمات جليلة للإسلام و نحن نسأل نائب الخرافة المنتظر ما هي الخدمات التي قدمها للإسلام و المسلمين غير القتل و الإرهاب؟ و أما إذا كان يقصد خدماته التي قدمها للطاغية التتري هولاكو و أنه يمثل الإسلام، فهذا يكون له وجه آخر عند من يكون همهم معاونة الكفار على أهل السنة.
السلاجقه هم امتداد للدوله العثمانيه ولعلمك ان الدوله العثمانيه نشرت الاسلام في البوسنه والهرسك والبانيا وبلغاريا وما فعلت الشيعه غير محاربة المسلمين انه والله تناقض القطبين!!
ثم الاسلام للعرب فقط؟ ام انك من القوميين؟
ختاما الحيازه في المنقول سند الملكيه قاعده فقهيه وقانونيه ولكنك لاتفرق بين المنقول والعقار انصحك بالقراءه.
وان كان لديك دليل من الشريعه وكل قوانين العالم ان الحيازه تكون للعقار والمنقول بدون اختلاف بمعنى ان اي شخص يحوز ارضا اوعقارا في حال غياب صاحبه ولنقل للحج مثلا يتملكه بالحيازه دون الحاجه لسند الملكيه ودون الالتفاف للمالك الاصلي فاتني به وهدفي من ذلك طبعا ان ابرهن لك ان حيازه فاطمه لفدك مثلا لايعني التملك خلال حياة ابيها صلى الله عليه وسلم الا بطرق نقل الملكيه كالهبه والبيع والتبرع وغيرها واما الحيازه تكون سندا للملكيه في المنقول دون العقار وان كان لديك ادله على حيازه فاطمه لشيء من مال ابيها حال حياته فاتني به.
واما قولك لما لم يحاسب ابابكر الذين اخذوا الاموال من الرسول صلى الله عليه وسلم فاليك الاجابه :-
الامر بسيط ان الصحابه الذين اخذوا من الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم هو من الغنائم التي من الله عليهم بها جزاءا على قتالهم ونصرتهم الاسلام ويشترط في الغنيمه التي تكون للمجاهد ان يكون هناك قتال اما اذا غنم المسلمين شيئا دون قتال فهو للرسول او الامام من بعده وفدك من غنائم خيبر التي دخلت للمسلمين دون قتال وبذلك تكون للرسول صلى الله عليه وسلم وهنا طبق الخليفه حديث الرسوا ولامجال ولا منطق ان ياخذ الخليفه ماغنمه الصحابه مما اثابه الله لهم واصبح ملكا لهم حيث وعدهم الله ان يخلفهم نالارض وصدق وعده.
هذا ردي لك باختصار وليعذرني اخواني ان نسيت فانني بشر والله ولي التوفيق.
================
طعن الرافضي في أبي بكر بخلافه مع فاطمة -رضي الله عنهما- في الميراث والرد عليه
قال الرافضي ص136: «فهاهو البخاري يخرج من باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني.(1/293)
كما أخرج في باب غزوة خيبر عن عائشة: أن فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منه شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت.
والنتيجة في النهاية هي واحدة ذكرها البخاري باختصار وذكرها ابن قتيبة بشيء من التفصيل ألا وهي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب لغضب فاطمة، ويرضي لرضاها، وأن فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وعمر...».
قلت: ما ذكره المؤلف هنا من مطاعن الرافضة المشهورة على أبي بكر - رضي الله عنه - التي تناقلتها كتبهم القديمة. وقد رد العلماء عليهم في ذلك حتى ظهر الحق وبطل افتراء الرافضة وتلبيسهم في هذه المسألة.
وسأذكر هنا بعض الأوجه التي تندفع بها هذه الفرية مضمناً
الكلام بعض النقول المهمة عن أهل العلم في دحضها.
الوجه الأول: أن كتب الرافضة متناقضة في نقل هذه الحادثة فبعضها تذكر أن فاطمة طالبت بفدك(1) لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منحها إياها،(2) وبعضها تذكر أن فاطمة -رضي الله عنها- طالبت بإرثها(3) وهذا تناقض واضح يدل على اضطراب القوم، وجهلهم بأصل هذه المسألة، وبالتالي سقوط ما بنوا عليها من أحكام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «إن ما ذكر من ادعاء فاطمة -رضي الله عنها- فدك فإن هذا يناقض كونها ميراثاً لها، فإن كان طلبها بطريق الإرث امتنع أن يكون بطريق الهبة، وإن كان بطريق الهبة امتنع أن يكون بطريق الإرث، ثم إن كانت هذه هبة في مرض الموت فرسول الله صلى الله عليه وسلم منزه إن كان يُورث كما يُورث غيره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قرية بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة، أرسل أهلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر، وطلبوا منه أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم، فأجابهم إلى ذلك. فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي 4/238.
(2) انظر: الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم للنباطي 2/282، وحق اليقين في معرفة أصول الدين لعبد الله شبّر 1/178.
(3) انظر: الاحتجاج للطبرسي 1/102.
أن يوصي لوارث، أو يخصه في مرض موته بأكثر من حقه، وإن كان في صحته فلابد أن تكون هذه هبة مقبوضة، وإلا فإذا وهب الواهب بكلامه، ولم يقبض الموهوب شيئاً حتى مات الواهب كان ذلك باطلاً عند جماهير العلماء، فكيف يهب النبي صلى الله عليه وسلم فدكاً لفاطمة ولا يكون هذا أمراً معروفاً عند أهل بيته والمسلمين، حتى تختص بمعرفته أم أيمن أو علي -رضي الله عنهما-(1)». (2)
الوجه الثاني: أن الصحيح الثابت في هذه الحادثة أن فاطمة -رضي الله عنها- طالبت أبا بكر بميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذر إليها من ذلك محتجاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا نورث، ما تركنا صدقة) على ما أخرج ذلك الشيخان من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (إن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: (لا نورث، ما تركنا صدقه، إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المال، وإني والله لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في هذا رد على الرافضة في زعمهم أن أم أيمن وعلياً -رضي الله عنهما- شهدا بمنح رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فدكاً. انظر: الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم للنباطي 2/282.
(2) منهاج السنة 4/228.
أغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبى أبو بكر أن يدفع لفاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت). (1)
فقد كانت فاطمة -رضي الله عنها- مجتهدة في ذلك، اعتقدت أن الحق معها، ثم لما رأت من عزم الخليفة على رأيه أمسكت عن الكلام في المسألة، وما كان يسعها غير ذلك.
قال ابن حجر في توجيه اجتهادها: «وأما سبب غضبها [أي فاطمة] مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر، وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله: (لا نورث) ورأت أن منافع ما خلفه من أرض وعقار لا يمتنع أن تورث عنه،وتمسك أبو بكر بالعموم، واختلفا في أمر محتمل للتأويل، فلما صمم على ذلك انقطعت عن الاجتماع به لذلك». (2)
الوجه الثالث: أن السنة والإجماع قد دلا على أن النبي صلى الله عليه وسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/294)
(1) أخرجه البخاري في: (كتاب المغازي، باب غزوة خيبر) فتح الباري 7/493، ح4240-4241، ومسلم: (كتاب الجهاد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث) 3/1380، ح1759.
(2) فتح الباري 6/202.
لا يورث فيكون الحق في هذه المسألة مع أبي بكر - رضي الله عنه -.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «كون النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث ثبت بالسنة المقطوع بها، وبإجماع الصحابة، وكل منهما دليل قطعي، فلا يعارض ذلك بما يظن أنه عموم، وإن كان عموماً فهو مخصوص، لأن ذلك لو كان دليلاً لما كان إلا ظنياً فلا يعارض القطعي، إذ الظني لا يعارض القطعي، وذلك أن هذا الخبر(1) رواه غير واحد من الصحابة في أوقات ومجالس، وليس فيهم من ينكره بل كلهم تلقاه بالقبول والتصديق، ولهذا لم يصرّ أحد من أزواجه على طلب الميراث ولا أصرّ العم على طلب الميراث، بل من طلب من ذلك شيئاً فأخبر بقول النبي صلى الله عليه وسلم رجع عن طلبه، واستمر الأمر على ذلك على عهد الخلفاء الراشدين إلى علي، فلم يغير من ذلك شيئاً، ولاقسم له تركة». (2)
وبإجماع الخلفاء الراشدين على ذلك احتج الخليفة العباسي أبو العباس السفاح على بعض مناظريه في هذه المسألة على ما نقل ابن الجوزي في تلبيس إبليس قال: «وقد روينا عن السفاح أنه خطب يو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يشير إلى الحديث الذي احتج به أبو بكر وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا نورث، ما تركنا صدقه)، وقد تقدم تخريجه في الصحفة السابقة.
(2) منهاج السنة 4/220.
فقام رجل من آل علي - رضي الله عنه - قال: أنا من أولاد علي - رضي الله عنه -، فقال: يا أمير المؤمنين أعدني على من ظلمني قال: ومن ظلمك؟ قال: أنا من أولاد علي - رضي الله عنه - والذي ظلمني أبو بكر - رضي الله عنه - حين أخذ فدك من فاطمة، قال: ودام على ظلمكم؟ قال: نعم، قال: ومن قام بعده؟ قال: عمر - رضي الله عنه -، قال: ودام على ظلمكم؟ قال: نعم، قال: ومن قام بعده؟ قال عثمان - رضي الله عنه -، قال: ودام على ظلمكم؟ قال: نعم، قال: ومن قام بعده؟فجعل يلتفت كذا وكذا ينظر مكاناً يهرب منه...». (1)
وبتصويب أبي بكر - رضي الله عنه - في اجتهاده صرح بعض أولاد علي من فاطمة -رضي الله عنهما- على ماروى البيهقي بسنده عن فضيل بن مرزوق قال: قال زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: (أما لو كنت مكان أبي بكر، لحكمت بما حكم به أبو بكر في فدك). (2)
كما نقل القرطبي اتفاق أئمة أهل البيت بدأً بعلي - رضي الله عنه - ومن جاء بعده من أولاده، ثم أولاد العباس الذين كانت بأيديهم صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنهم ما كانوا يرون تملكها، وإنما كانوا ينفقونها في سبيل الله قال -رحمه الله-: «إن علياً لما ولي الخلافة لم يغيرها عما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تلبيس إبليس ص135.
(2) السنن الكبرى 6/302 ، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 5/253.
عمل فيها في عهد أبي بكر، وعمر، وعثمان، ولم يتعرض لتملكها، ولا لقسمة شيء منها، بل كان يصرفها في الوجوه التي كان من قبله يصرفها فيها، ثم كانت بيد حسن بن علي، ثم بيد حسين بن علي، ثم بيد علي بن الحسين، ثم بيد الحسين بن الحسن، ثم بيد زيد بن الحسين، ثم بيد عبدالله بن الحسين، ثم تولاها بنو العباس على ما ذكره أبو بكر البرقاني في صحيحه، وهؤلاء كبراء أهل البيت -y- وهم معتمد الشيعة وأئمتهم، لم يُرو عن واحد منهم أنه تملكها ولا ورثها ولا ورثت عنه، فلو كان ما يقوله الشيعة حقاً لأخذها علي أو أحد من أهل بيته لما ظفروا بها ولم فلا». (1)
فظهر بهذا إجماع الخلفاء الراشدين، وسائر الصحابة، وأئمة أهل البيت -y- أجمعين، على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يورث، وأن ما تركه صدقة، وعلى ذلك جرى عمل الخلفاء الراشدين وأئمة أهل البيت الذين كانت بأيديهم صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الوجه الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بغضب فاطمة الذي يغضب له هو:أن تغضب بحق، وإلا فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه، ولأحد من أهل بيته بغير حق، بل ما كان ينتصر لنفسه ولو بحق مالم تنتهك محارم الله، كما جاء في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المفهم للقرطبي 3/564.
قالت: (ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يأثم، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه، والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط، حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله). (1)(1/295)
وفاطمة -رضي الله عنها- على جلالتها، وكمال دينها، وفضلها، هي مع ذلك ليست معصومة، بل قد كانت تصدر منها بعض الأمور التي ماكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرها عليها، وقد تطلب من النبي صلى الله عليه وسلم الشيء فلا يجيبها له: كسؤالها النبي صلى الله عليه وسلم خادماً فلم يعطها وأرشدها وعلياً للتسبيح كما ثبت في حديث علي - رضي الله عنه - في الصحيحين. (2)
وفي سنن أبي داود عن عمر بن عبدالعزيز: إن فاطمة سألت الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعل لها فدكاً فأبى. (3)
وثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في: (كتاب الحدود، باب إقامة الحدود) فتح الباري 12/86، ح6786، ومسلم: (كتاب الفضائل، باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام) 4/1813، ح2327.
(2) انظر: صحيح البخاري: (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي بن أبي طالب) فتح الباري 7/71، ح3705، وصحيح مسلم: (كتاب الذكر والدعاء، باب التسبيح أول النهار وعند النوم) 4/2091، ح2727.
(3) انظر: سنن أبي داود: (كتاب الخراج والإمارة، باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) 3/378، ح2972.
أن فاطمة جاءت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له: إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أي بنية ألست تحبين ما أحب؟ فقالت: بلى، قال: فأحبي هذه...). (1)
فلم يجبها النبي صلى الله عليه وسلم لشيء من ذلك، فدل على عدم موافقته لها في كل شيء، بل قد تفعل الأمر مجتهدة فتخطئ فلا يقرها عليه، وبالتالي فأن لا يغضب لغضبها من باب أولى.
وطلبها ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي بكر من جنس ذلك، فقد كانت -رضي الله عنها- مجتهدة وكان الحق في ذلك مع أبي بكر للنص الصريح في ذلك، ولموافقة الصحابة له في رأيه، فكان إجماعاً معتضداً بالنص كما تقدم، فأبو بكر في ذلك قائم بالحق متبع للنص مستمسك بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة، فكيف يتصور أن يسخط بفعله هذا رسول الله، وهو إنما يعمل بشرعه، ويهتدي
بهديه.
الوجه الخامس: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : (فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني)(2)، من نصوص الوعيد المطلق التي لا يستلزم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عائشة) 4/1891، ح2442.
(2) سيأتي تخريجه مع ذكر رواياته في الصفحة التالية.
ثبوت موجبها في حق المعنيين، إلا بعد وجود الشروط، وانتفاء الموانع.(1) هذا مع أن ما في هذا الحديث من الوعيد لو كان لازماً لكل من أغضبها مطلقاً، لكان لازماً لعلي قبل أبي بكر، ولكان لحوقه بعلي أولى من لحوقه بأبي بكر، إذ أن مناسبة هذا الحديث هو خطبة علي - رضي الله عنه - لابنة أبي جهل وشكوى فاطمة له على النبي صلى الله عليه وسلم على ما روى الشيخان من حديث المسور بن مخرمة قال: (إن علياً خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته حين تشهد يقول: أما بعد أنكحت أبا العاص ابن الربيع فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد فترك علي الخطبة). (2)
وفي رواية: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فاطمة بضعة مني فمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر: تقرير هذه المسألة في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 10/372، 28/500-501.
(2) رواه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم ) فتح الباري 7/85، ح3729، ومسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) 4/1903.
أغضبها أغضبني). (1)
فظهر أن مناسبة الحديث هي خطبة علي - رضي الله عنه - لابنة أبي جهل وغضب فاطمة من ذلك، والنص العام يتناول محل السبب، وهو نص فيه باتفاق العلماء، حتى قالوا لا يجوز إخراج السبب بدليل تخصيص، لأن دلالة العام على سببه قطعية وعلى غيره على وجه الظهور(2) وعلى هذا فلو كان هذا الحديث متنزلاً على كل من أغضب فاطمة لكان أول الناس دخولاً في ذلك علياً - رضي الله عنه -.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ضمن رده على الرافضة في هذه المسألة وبعد أن ذكر الحديث: «فسبب الحديث خطبة علي - رضي الله عنه - لابنة أبي جهل والسبب داخل في اللفظ قطعاً، إذ اللفظ الوارد على سبب لا يجوز إخراج سببه منه، بل السبب يجب دخوله بالاتفاق.
وقد قال في الحديث: (يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها) ومعلوم قطعاً أن خطبة ابنة أبي جهل عليها رابها وآذاها، والنبي صلى الله عليه وسلم رابه ذلك وآذاه، فإن كان هذا وعيد لاحقاً لزم أن يلحق هذا الوعيد(1/296)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم ) فتح الباري 7/78، ح3714.
(2) انظر: المسودة في أصول الفقه للأئمة الثلاثة من آل تيمية: شيخ الإسلام وأبيه شهاب الدين وجده أبي البركات ص119، وتخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص360.
علي بن أبي طالب، وإن لم يكن وعيداً لاحقاً بفاعله، كان أبو بكر أبعد عن الوعيد من علي». (1)
الوجه السادس: أن فاطمة -رضي الله عنها- كانت قد رجعت عن قولها في المطالبة بإرث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما نص على ذلك غير واحد من الأئمة في الحديث والسير.
قال القاضي عياض: «وفي ترك فاطمة منازعة أبي بكر بعد احتجاجه عليها بالحديث: التسليم للإجماع على قضية، وأنها لما بلغها الحديث وبين لها التأويل، تركت رأيها ثم لم يكن منها ولا من ذريتها بعد ذلك طلب ميراث، ثم ولي علي الخلافة فلم يعدل بها عما فعله أبو بكر، وعمر -y-». (2)
وقال القرطبي: «فأما طلب فاطمة ميراثها من أبيها من أبي بكر فكان ذلك قبل أن تسمع الحديث الذي دل على خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وكانت متمسكة بما في كتاب الله من ذلك، فلما أخبرها أبو بكر بالحديث توقفت عن ذلك ولم تعد إليه». (3)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «فهذه الأحاديث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منهاج السنة 4/251.
(2) شرح صحيح مسلم للنووي 12/73.
(3) المفهم 3/563.
الثابتة المعروفة عند أهل العلم، وفيها ما يبين أن فاطمة -رضي الله عنها- طلبت ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت تعرف من المواريث، فأخبرت بما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت ورجعت». (1)
وقال ابن كثير -رحمه الله-: «وقد روينا أن فاطمة -رضي الله عنها- احتجت أولاً بالقياس، وبالعموم في الآية الكريمة، فأجابها الصديق بالنص على الخصوص بالمنع في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنها سلمت له ما قال، وهذا هو المظنون بها -رضي الله عنها-». (2)
فظهر بهذا رجوع فاطمة -رضي الله عنها- إلى قول أبي بكر وما كان عليه عامة الصحابة، وأئمة أهل البيت من القول بعدم إرث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو اللائق بمقامها في الدين والعلم -فرضي الله عنها وأرضاها-.
الوجه السابع: أنه ثبت عن فاطمة -رضي الله عنها- أنها رضيت عن أبي بكر بعد ذلك، وماتت وهي راضية عنه، على ماروى البيهقي بسنده عن الشعبي أنه قال: (لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأذن عليها، فقال علي: يافاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك؟ فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له فدخل عليها ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منهاج السنة 4/234.
(2) البداية والنهاية 5/252.
يترضاها، فقال: والله ما تركت الدار والمال، والأهل والعشيرة، إلا إبتغاء مرضاة الله، ومرضاة رسوله، ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضاها حتى رضيت). (1)
قال ابن كثير: «وهذا إسناد جيد قوي والظاهر أن عامر الشعبي سمعه من علي أو ممن سمعه من علي». (2)
وقال ابن حجر: «وهو وإن كان مرسلاً فاسناده إلى الشعبي صحيح، وبه يزول الإشكال في جواز تمادي فاطمة عليها السلام على هجر أبي بكر». (3)
وقال أيضاً: «فإن ثبت حديث الشعبي أزال الإشكال وأخلق بالأمر أن يكون كذلك، لما علم من وفور عقلها ودينها، عليها السلام». (4)
وبهذا تندحض مطاعن الرافضة على أبي بكر التي يعلقونها على غضب فاطمة عليه، فلئن كانت غضبت على أبي بكر في بداية
الأمر فقد رضيت عنه بعد ذلك وماتت عليه، ولا يسع أحد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السنن الكبرى للبيهقي 6/301.
(2) البداية والنهاية 5/253.
(3) فتح الباري 6/202.
(4) المصدر نفسه.
صادق في محبته لها، إلا أن يرضي عمن رضيت عنه، ولا يعارض هذا ما ثبت في حديث عائشة المتقدم (أنها وجدت على أبي بكر فلم تكلمه حتى توفيت)(1) فإن هذا بحسب علم عائشة -رضي الله عنها- راوية الحديث، وفي حديث الشعبي زيادة علم، وثبوت زيارة أبي بكر لها وكلامها له ورضاها عنه، فعائشة -رضي الله عنها- نفت والشعبي أثبت، ومعلوم لدى العلماء أن قول المثبت مقدم على قول النافي، لأن احتمال الثبوت قد حصل بغير علم النافي، خصوصاً في مثل هذه المسألة فإن عيادة أبي بكر لفاطمة -رضي الله عنها- ليست من الأحداث الكبيرة التي تشيع في الناس، ويطلع عليها الجميع، وإنما هي من الأمور العادية التي تخفى على من لم يشهدها، والتي لا يعبأ بنقلها لعدم الحاجة لذكرها.
على أن الذي ذكره العلماء أن فاطمة -رضي الله عنها- لم تتعمد هجر أبي بكر - رضي الله عنه - أصلاً، ومثلها ينزه عن ذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الهجر فوق ثلاث، وإنما لم تكلمه لعدم الحاجة لذلك.(1/297)
قال القرطبي في سياق شرحه لحديث عائشة المتقدم: «ثم إنها (أي فاطمة) لم تلتق بأبي بكر لشغلها بمصيبتها برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولملازمتها بيتها فعبر الراوي عن ذلك بالهجران، وإلا فقد قال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدم تخريجه ص 423.
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لايحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)(1) وهي أعلم الناس بما يحل من ذلك ويحرم، وأبعد الناس عن مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) كيف لا يكون كذلك وهي بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدة نساء أهل الجنة». (2)
وقال النووي: «وأما ما ذكر من هجران فاطمة أبا بكر - رضي الله عنه - فمعناه انقباضها عن لقائه، وليس هذا من الهجران المحرم، الذي هو ترك السلام والإعراض عند اللقاء، وقوله في هذا الحديث (فلم تكلمه) يعني في هذا الأمر، أو لانقباضها لم تطلب منه حاجة ولا اضطرت
إلى لقائه فتكلمه، ولم ينقل قط أنهما التقيا فلم تسلم عليه ولا كلمته». (3)
وبهذا يظهر الحق في هذه المسألة، وتبطل دعوى الرافضي وتندحض شبهته بما تم تقريره من خلال النصوص والأخبار الصحيحة الدالة على براءة الصديق من مطاعن الرافضي، وأن ما جرى بين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري من حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - في: (كتاب الأدب، باب الهجرة) فتح الباري 10/492، ح6077، ومسلم: (كتاب البر والصلة، باب تحريم الهجر فوق ثلاث بلا عذر شرعي) 4/1984، ح2560.
(2) المفهم 3/568-569.
(3) شرح صحيح مسلم 12/73.
الصديق وفاطمة لايعدو أن يكون اختلافاً في مسألة فقهية ظهر
لفاطمة -رضي الله عنها- الحق فيها فرجعت له، وعرف لها الصديق فضلها، فعادها قبل وفاتها واسترضاها فماماتت إلا وهي راضية عنه فرضي الله عنهما جميعاً.
===============
إتهام الرافضي أبا بكر بالظلم بمنعه فاطمة من الميراث
قال الرافضي ص164 ضمن أسباب استبصاره بزعمه:
«2- خلاف فاطمة مع أبي بكر:
وهذا الموضوع أيضاً مجمع على صحته من الفريقين فلا يسع المنصف العاقل إلا أن يحكم بخطأ أبي بكر، إن لم يعترف بظلمه وحيفه على سيدة النساء» الخ كلامه في هذا.
قلت: تقدم الرد عليه في هذه المسألة من أكثر من سبعة أوجه بينت فيها تفصيل هذه المسألة، وأن أبا بكر كان متمسكاً بالنص في عدم تسليم فاطمة ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا انعقد إجماع الصحابة بما فيهم أهل البيت، كما ثبت رجوع فاطمة عن قولها ومصالحتها لأبي بكر -رضي الله عنهما- فلتراجع هذه المسألة في موضعها من البحث.(1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر ص 420-436 من هذا الكتاب.
دعوى الرافضي الإجماع على إمامة علي
وفضله وعدم الإجماع على إمامة أبي بكر والرد عليه
قال الرافضي ص167:
«3- علي أولى بالاتباع:
ومن الأسباب التي دعتني للاستبصار وترك سنة الآباء والأجداد، الموازنة العقلية والنقلية بين علي بن أبي طالب وأبي بكر...
وقد فتشت في كتب الفريقين فلم أجد إجماعاً إلا على علي بن أبي طالب، فقد أجمع على إمامته الشيعة والسنة في ما ورد من نصوص تثبتها مصادر الفريقين، بينما لا يقول بإمامة أبي بكر إلا فريق من المسلمين....
كما أن كثيراً من الفضائل والمناقب التي يذكرها الشيعة في علي بن أبي طالب لها سند ووجود حقيقي ثابت في كتب أهل السنة المعتمدة عندهم، ومن عدة طرق لايتطرق إليها الشك، فقد روى الحديث في فضائل الإمام علي جمع غفير من الصحابة حتى قال أحمد ابن حنبل: ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل كما جاء لعلي بن أبي طالب.
وقال القاضي إسماعيل والنسائي وأبو علي النيسابوري: لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي....
أما بشأن أبي بكر فقد فتشت في كتب الفريقين فلم أجد له في كتب أهل السنة والجماعة القائلين بتفضيله ما يوازي أو يعادل فضائل الإمام علي.
على أن فضائل أبي بكر المذكورة في الكتب التاريخية مروية عن ابنته عائشة، وقد عرف موقفها من الإمام علي، فهي تحاول بكل جهدها دعم أبيها ولو بأحاديث موضوعة، أو عن عبدالله بن عمر، وهو أيضاً من البعيدين عن الإمام علي، وقد رفض مبايعته بعدما أجمع الناس على ذلك، وكان يحدث: أن أفضل الناس بعد النبي أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم لا تفاضل، والناس بعد ذلك سواسية، يعنى هذا الحديث أن عبدالله بن عمر جعل الإمام علياً من سوقة الناس كأي شخص عادي ليس له فضل ولا فضيلة...»(1/298)
والجواب: أن هذا الكلام قد تضمن من الافتراء، والكذب، والظلم، والبغي الشيء العظيم، مما يعلمه من له أدنى اطلاع على سيرة الصحابة ووقف على النصوص، وأقوال أهل العلم في ذلك، ولولا ما أعلم من سخف عقول هؤلاء الرافضة، وخسة طباعهم، وقلة حيائهم، وعظيم جرأتهم على الكذب والبهتان، لتعجبت أن يصدر هذا الكلام من عاقل يزعم أنه يستند في بحثه للنصوص الصحيحة، ويدعى التحقيق العلمى المتجرد، يخاطب الناس بهذا الكلام الذي يعلم الخاص والعام أنه محض كذب وافتراء.
فقوله فتشت في كتب الفريقين فلم أجد إجماعاً إلا على علي بن أبي طالب، فقد أجمع على إمامته السنة والشيعة، بينما لا يقول بإمامة أبي بكر إلا فريق من المسلمين.
فهذا القول مع ما تضمنه من الكذب فهو ليس بحجة على ما ادعى من بطلان خلافة أبي بكر، إذ ليس من شرط صحة خلافة أبي بكر إجماع كافة الفرق عليها، ونظير هذا القول قول اليهود للمسلمين: اتفقنا على صحة نبوة موسى تعالى ، واختلفنا في نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم ، فدل هذا على صحة نبوة ما اتفقنا عليه، وبطلان نبوة ما اختلفنا فيه، وكذلك لو قال النصارى للمسلمين مثل هذا في عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، فمعلوم أن هذا القول فاسد من أصله، فكذلك قول الرافضي هذا فاسد كفساد قول اليهود والنصارى على حد سواء.
وقد نبه على هذا في الرد على الرافضة الإمام الدهلوي في التحفة الإثني عشرية قال: «ومن مكايدهم أنهم يقولون: إن فضائل أهل البيت وما روي في إمامة الأمير متفق عليه عند الفريقين بخلاف فضائل الخلفاء الثلاثة فهى مختلف فيها، فينبغي للعاقل أن يختار ما اتفق عليه بموجب (دع ما يريبك إلى مالا يريبك). والجواب: أن شبهتهم هذه كشبهة اليهود والنصارى في قولهم: إن نبوة موسى وعيسى متفق عليها عند الفريقين، بخلاف نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، والذي يزيل هذه الشبهة
هو أن الأخذ بالمتفق عليه وترك المختلف فيه إنما يكون بمقتضى العقل لو لم يوجد دليل آخر، فإن وجد فلا التفات للاتفاق والاختلاف».(1)
قلت: وهذه القاعدة على فسادها فإن مقدمتها التي بنيت عليها غير مسلمة، فليس صحيحاً أن الأمة اتفقت على إمامة علي واختلفت في إمامة أبي بكر، وبيان ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أنه بالنظر إلى مواقف عامة المسلمين من السنة والشيعة، ومن عداهم من فرق الأمة، يظهر بطلان هذه الدعوى بل صحة خلافها، وهو أن الأمة قد اتفقت على إمامة أبي بكر أكثر مما اتفقت على إمامة علي، بل لايعرف من خالف في إمامة أبي بكر إلا الرافضة، بينما خالف في إمامة علي كثير من الخلق حتى زعمت بعض الفرق نسبته للكفر والردة كالخوارج، واعتقدت فيه بعض الطوائف الفسق كالنواصب وأضرابهم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية مقرراً هذا الأمر في معرض رده على الرافضي في دعواه الاتفاق على إمامة علي وأنه نزهه الموافق والمخالف:
«هذا كذب بين، فإن علياً - رضي الله عنه - لم ينزهه المخالفون، بل القادحون في علي طوائف متعددة، وهم أفضل من القادحين في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مختصر التحفة الإثني عشرية ص36.
أبي بكر وعمر وعثمان، والقادحون فيه أفضل من الغلاة فيه، فإن الخوارج متفقون على كفره، وهم عند المسلمين كلهم خير من الغلاة الذين يعتقدون إلاهيته أو نبوته، بل هم والذين قاتلوه من الصحابة والتابعين خير عند جماهير المسلمين من الرافضة الإثني عشرية الذين اعتقدوه إماماً معصوماً، وأبو بكر وعمر وعثمان ليس في الأمة من يقدح فيهم إلا الرافضة. والخوارج المكفرون لعلي يوالون أبا بكر وعمر ويترضون عنهما، والمروانية الذين ينسبون علياً إلى الظلم، ويقولون: إنه لم يكن خليفة، يوالون أبا بكر وعمر مع أنهما ليسا من أقاربهم فكيف يقال: إن علياً نزهه المؤالف والمخالف بخلاف الخلفاء الثلاثة.
ومن المعلوم أن المنزهين لهؤلاء أعظم وأكثر وأفضل، وأن القادحين في علي حتى بالكفر والفسوق والعصيان طوائف معروفة، وهم أعلم من الرافضة وأدين، والرافضة عاجزون معهم علماً ويداً، فلا يمكن للرافضة أن تقيم عليهم حجة تقطعهم بها، ولا كانوا في القتال منصورين عليهم».(1)
فظهر بهذا أن الذين يصححون إمامة أبي بكر ويعتقدون عدالته أكثر من القائلين بإمامة علي واعتقاد عدالته، بل إنه لم يقدح في إمامة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منهاج السنة 5/7-8.
أبي بكر وعدالته إلا الرافضة دون سائر فرق الأمة، بينما يقدح في إمامة علي وعدالته بل إسلامه بعض الفرق الذين هم أعلم بدين الله وأقوم من الرافضة وإن كانوا ضالين في اعتقادهم في علي - رضي الله عنه -.
الوجه الثاني: أنا لا نسلم موافقة أهل السنة للرافضة فيما تعتقده في إمامة علي-رضي الله عنه-.
فالرافضة تعتقد في علي أنه وصي النبي صلى الله عليه وسلم وخليفته على الأمة مباشرة، وأن الخلفاء قبله كانوا مغتصبين لهذا الحق، ظالمين لعلي وأن خلافتهم غير شرعية.(1/299)
وأما أهل السنة فيعتقدون في علي أنه الخليفة الرابع بعد الخلفاء الثلاثة، وهم أبو بكر وعمر وعثمان، ويضللون من اعتقد تقدمه على واحد من هؤلاء فشتان بين العقيدتين.
وعلى هذا فليس بين أهل السنة والرافضة أي اتفاق في هذه المسألة إلا على عدالة علي وأنه خليفة راشد، وبالتالي فهم لا ينتفعون من تقرير هذه القاعدة إلا على إثبات عدالة علي وخلافته، وتبقى بقية معتقداتهم في علي التي هي محل نزاع بينهم وبين سائر فرق الأمة مفتقرة إلى الدليل خارجة عن هذه القاعدة التي قعدوها.
وبهذا يظهر لك أيها القارىء بطلان دعوى الرافضي في احتجاجه بمبدأ الاتفاق والاختلاف عند أهل السنة والرافضة، وأن هذه حجة داحضة وشبهة زائفة بما تقدم ذكره. هذا مع كذبه في دعوى اتفاق الأمة على خلافة علي واختلافها في خلافة أبي بكر مما يظهر من خلاله فساد قوله وسقوط حجته جملة وتفصيلاً.
أما ما ادعاه من أنه فتّش في كتب أهل السنة فلم يجد لأبي بكر من الفضائل ما يوازي فضائل علي.
فجوابه: أنه بقوله هذا يكشف للناس عن جهله الفاضح فيما ادعاه أوكذبه الواضح فيما عزاه،فإن المنازع في هذه المسألةكمن ينازع في طلوع الشمس في رابعة النهار حتى إن سلف هذا الرافضي مع عظيم جهلهم،وكثرة كذبهم، لا أعلم -بحسب ما اطلعت عليه من أقوالهم- أنهم قالوا بقول هذا الرجل، وإنما يزعم عامتهم أن ما اشتهر في كتب السنة من فضائل أبي بكر وعمر وعثمان موضوعة مكذوبة، ولايجترؤن على ما اجترأ عليه من الكذب والبهتان، وما على القارئ الراغب في الوقوف على كذب هذا الرافضي وتزويره، إلا أن يتصفح أقرب ما لديه من كتب أهل السنة في الحديث -وأشهرها الصحيحان والسنن- ويقارن بين ماجاء فيها من الأحاديث في فضائل أبي بكر وفضائل علي ليقف بنفسه على حقيقة الأمر ومبلغ هذا الرافضي من العلم.
وسأورد فيما يلي أمثلة لبعض هذه الأحاديث الثابتة في فضائل أبي بكر ومناقبه، التي لم يشاركه فيها أحد من الصحابة لا علي ولامن هو أفضل من علي (كعمر وعثمان) ليعلم بهذا بطلان دعوى الرافضي في هذا الأمر:
فمن ذلك:
مارواه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله، قال: فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبابكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لايبقين في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر).(1)
وفي الصحيحين أيضاً من حيث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه علي جيش ذات السلاسل، قال: (فأتيته، فقلت: أي الناس أحب إليك، قال: عائشة، فقلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب فعدّ رجالاً). (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر) فتح الباري 7/12، ح3654، ومسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -) 4/1854، ح2382.
(2) رواه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذاً خليلاً) فتح الباري 7/18، ح3662، ومسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر)، 4/1856، ح2384.
ومن حديث أبي الدرداء قال: (كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما صاحبكم فقد غامر فسلم وقال: يارسول الله إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثاً، ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثم أبو بكر؟ فقالوا: لا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال: يارسول الله والله أنا كنت أظلم (مرتين) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي (مرتين) فما أوذي بعدها. (1)
قال ابن شاهين بعد ماروى الحديث: «تفرد أبو بكر الصديق بهذه الفضيلة لم يشركه فيها أحد». (2)
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في كتاب: (فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذاً خليلاً)، فتح الباري 7/18، ح3661.
(2) كتاب اللطيف لابن شاهين ص157.(1/300)
فقال: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما). (1)
وفي الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت -أو أردت- أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد، أن يقول القائلون، أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون). (2)
ومن حديث أبي موسى الأشعري قال: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد مرضه فقال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقالت عائشة: يارسول الله إن أبا بكر رجل رقيق متى يقم مقامك لا يستطيع أن يصلي بالناس، فقال: مري أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف قال فصلى بهم أبو بكر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ). (3)
وقد شهد له الصحابة بأنه كان أفضلهم ومنهم علي - رضي الله عنه -
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب المهاجرين وفضلهم...) فتح الباري 7/8، ح3653، ومسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر) 4/1854، ح2381.
(2) أخرجه البخاري في: (كتاب المرضى، باب ما رخص للمريض أن يقول: إني وجع...)، فتح الباري 10/123، ح5666، ومسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر) 4/1857، ح2387.
(3) أخرجه مسلم: (كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر) 1/316، ح420.
على ماروى البخاري من حديث محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: (أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين). (1)
وفي خبر البيعة قال عمر لأبي بكر: (... أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم )(2)، وكان ذلك بحضور جمع من الصحابة فلم ينكر ذلك أحد فكان إجماعاً.
وعن ابن عمر قال: (كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لانعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم). (3)
فهذه نماذج مما ورد في فضل أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - من المناقب والفضائل العظيمة التي لم يشاركه فيها غيره، مما جاء في الصحيحين أو أحدهما فقط من غير استقصاء لذلك، فكيف مع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذاً خليلاً...)، فتح الباري 7/20، ح3671.
(2) أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذاً خليلاً...)، فتح الباري 7/20، ح3668.
(3) أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عثمان بن عفان...)، فتح الباري 7/53-54، ح3697.
الاستقصاء!! فكيف بما جاء في غيرهما!! وأما ما جاء في كتب السنة عامة من فضائله الأخرى التي شاركه فيها بعض الصحابة كعمر وبقية الخلفاء فإنها أجل من أن تستوعب في هذا المقام.
وأشير هنا إلى ما تضمنته الأحاديث المتقدمة من تلك المناقب التي اختص بها دون غيره من عامة الصحابة فمنها:
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: إنه أمن الناس عليه في صحبته وماله.
2- قول النبي صلى الله عليه وسلم في حقه (لو كنت متخذاً غير ربي خليلاً لا تخذت أبا بكر).
3- أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تسد الأبواب في المسجد إلا بابه.
4- إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه أحب الرجال إليه، وابنته أحب النساء إليه.
5- غضب النبي صلى الله عليه وسلم له حتى تمعر وجهه، وانتصاره له، واستغفاره له ثلاثاً.
6- إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه صدقه من غير تردد ولا شك، بعد ما كذبه قومه.
7- قول النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: (هل أنتم تاركو لي صاحبي) ولم يقل ذلك لأحد غيره، مما يدل على اختصاصه من الصحبة بما لم يبلغه غيره.
8- أنه صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة وثاني اثنين في الغار، وقول النبي صلى الله عليه وسلم له: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما).
9- إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم لاستخلافه، وهمّه أن يكتب بذلك كتاباً، ثم تركه ذلك ثقة بالله ويقيناً. وأن الله يأبى غير ذلك ويأبى المؤمنون غيره، وهذا من أعظم مناقبه، وأنه لا يختلف في فضله بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
10-شهادة الصحابة له بما فيهم علي - رضي الله عنه - أنه خير الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وشهادة عمر له بأنه: سيدهم، وخيرهم، وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في جمع كبير من خيار الصحابة، فلم ينكر ذلك عليه أحد فدل على إجماعهم على ذلك.
11-تقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلاة وصلاته بالناس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .(1/301)
فهذه المناقب لم يشارك الصديق فيها أحد من الصحابة على الإطلاق، لا علي ولا غيره، فكيف يدعي هذا الرافضي أنه فتش في كتب أهل السنة فلم يجد لأبي بكر من الفضائل ما يثبت لعلي، مع أن هذه الأحاديث قد جاءت في الصحيحين وهي مشهورة، لا تكاد تخفى على أحد من صغار طلاب العلم فكيف بمن يدعي البحث والتحقيق العلمي.
ومقارنة بما ثبت في حق أبي بكر من الفضائل التي لم يشاركه فيها غيره، فينبغي أن يعلم أن ما ثبت في حق علي - رضي الله عنه - من الفضائل ليست هي من خصائصه، بل قد يشاركه فيها غيره من الصحابة، وذلك أن من أجل ما ثبت في حق علي من الفضائل:
حديث سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم أنه قال وقد ذكر عنده علي بن أبي طالب:(أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له خَلّفَه في بعض مغازيه، فقال له علي: يارسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي علياً فأتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه، ولما نزلت هذه الآية: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} (1)، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهم هؤلاء أهلي). (2)
فهذا الحديث مع ما فيه من المناقب العظيمة لعلي بن أبي طالب، إلا أنها ليست مما اختص به علي على غيره من الصحابة، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة آل عمران آية 61.
(2) أخرجه مسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب) 4/1871.
قال بعد أن ذكر الحديث: «فهذا حديث صحيح رواه مسلم في
صحيحه وفيه ثلاث فضائل لعلي لكن ليست من خصائص الأئمة، ولا من خصائص علي، فإن قوله وقد خلفه في بعض مغازية فقال له علي: يارسول الله تخلفني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي ليس من خصائصه، فإنه استخلف على المدينة غير واحد ولم يكن هذا الاستخلاف أكمل من غيره، ولهذا قال علي: اتخلفني مع النساء والصبيان... فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن الاستخلاف ليس نقصاً ولا غضاضة فإن موسى استخلف هارون على قومه لأمانته عنده، وكذلك أنت استخلفتك لأمانتك عندي، لكن موسى استخلف نبياً، وأنا لا نبي بعدي، وهذا تشبيه في أصل الاستخلاف فإن موسى استخلف هارون على جميع بني اسرائيل، والنبي صلى الله عليه وسلم استخلف علياً على قليل من المسلمين، وجمهورهم استصحبهم في الغزاة، وتشبيهه بهارون ليس بأعظم من تشبيه أبي بكر وعمر، هذا بإبراهيم وعيسى، وهذا بنوح وموسى، فإن هؤلاء الأربعة أفضل من هارون، وكل من أبي بكر وعمر شبه باثنين لا بواحد، فكان هذا التشبيه أعظم من تشبيه علي، مع أن استخلاف علي له فيه أشباه وأمثال من الصحابة، وهذا التشبيه ليس لهذين فيه شبيه، فلم يكن الاستخلاف من الخصائص ولا التشبيه بنبي في بعض أحواله من الخصائص.
وكذلك قوله: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، قال: فتطاولنا، فقال: ادعو لي علياً، فأتاه وبه رمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله على يديه، وهذا الحديث أصح ماروي
لعلي من الفضائل أخرجاه في الصحيحين من غير وجه، وليس هذا الوصف مختصاً بالأئمة ولا بعلي، فإن الله ورسوله يحب كل مؤمن تقي، وكل مؤمن تقي يحب الله ورسوله، لكن هذا الحديث من أحسن ما يحتج به على النواصب الذين يتبرؤن منه ولا يتولونه، ولايحبونه، بل قد يكفرونه أو يفسقونه، كالخوارج فإن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بأنه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله...
وكذلك حديث المباهلة شركه فيه فاطمة، وحسن، وحسين، كما شركوه في حديث الكساء، فعلم أن ذلك لا يختص بالرجال، ولابالذكور، ولا بالأئمة، بل يشركه فيه المرأة والصبي». (1)
وكذلك ما جاء في حق علي - رضي الله عنه - من فضائل في أحاديث أخرى لا يعني اختصاصه بها، كقول النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: (أنت مني وأنا منك)(2)، بل قد تثبت لغيره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منهاج السنة 5/42-45، وانظر: أيضاً تقرير شيخ الإسلام لهذه المسألة في منهاج السنة 5/13-36، 8/419-421.
(2) أخرجه البخاري في: (كتاب المغازي، باب عمرة القضاء)، فتح الباري 7/499، ح4251.(1/302)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن قوله لعلي: (أنت مني وأنا منك) ليس من خصائصه، بل قال ذلك للأشعريين، وقاله لجليبيب وإذا لم يكن من خصائصه بل قد شاركه في ذلك غيره، من هو دون الخلفاء الثلاثة في الفضيلة، لم يكن دالاً على الأفضلية ولا على الإمامة». (1)
ونظير هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم له: (إنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)(2) فهو ليس من خصائصه لأنه ثبت أنه قال مثل هذا للأنصار، فعن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للأنصار: (لايحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله). (3)
قال أبو نعيم بعد ذكر حديث: (لا يحبك إلا مؤمن...) قلنا: «هكذا نقول وهذه من أشهر الفضائل وأبين المناقب لا يبغضه إلا منافق ولا يحبه إلا مؤمن ولو أوجب هذا الخبر خلافة، لوجبت إذاً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منهاج السنة 5/30، وقد ذكر شيخ الإسلام هذا الكلام مفصلاً مع ذكر الأدلة عليه المشار إليها هنا قبل ذلك، انظره: في الكتاب نفسه 5/28-29.
(2) أخرجه مسلم من حديث علي - رضي الله عنه -: (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي - رضي الله عنه - من الإيمان) 1/86، ح78.
(3) أخرجه مسلم: (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي من الإيمان) 1/85، ح75.
الخلافة للأنصار، لأنه قال مثله في الأنصار»(1) ثم ساق الحديث.
فهذه أعظم فضائل علي - رضي الله عنه - ومناقبه الثابتة في الأحاديث الصحيحة قد تبين عدم اختصاصه بها دون غيره، بل قد ثبت مثلها في حق من هو دون أبي بكر في الفضل، في حين أن ما ثبت لأبي بكر من الفضائل لم يشاركه فيها أحد لا علي ولا من هو أفضل منه، على ما تقدم تقريره بالأدلة الصحيحة الصريحة، الدالة على بطلان دعوى الرافضي وظهور كذبه.
وأما ما نسبه الرافضي لأحمد -رحمه الله- أنه قال: (ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل كما جاء لعلي).
فهذا إن ثبت عن الإمام أحمد فمحمول على مجموع ماروى من الصحيح والضعيف، وهذا لا يخالف ما هو مقرر عندنا، وأما الصحيح فلا يمكن أن يكون كذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقول من قال: صح لعلي من الفضائل ما لم يصح لغيره كذب، لا يقوله أحمد ولا غيره من أئمة الحديث، لكن قد يقال: روى له مالم يرو لغيره لكن أكثر ذلك من نقل من عُلم كذبه وخطؤه». (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الرد على الرافضة ص244.
(2) منهاج السنة 8/421.
وكذلك ما نقله الرافضي عن باقي الأئمة كالقاضي إسماعيل والنسائي وأبي علي النيسابوري فهو كما قال شيخ الإسلام فإن كان المقصود بالمنقول الصحيح فلا يمكن أن يثبت ذلك عن الأئمة، لأن الواقع يشهد بخلاف هذا، وإن كان المقصود من ذلك مجموع المنقول من الصحيح وغيره فلذلك وجه.
والسبب والله أعلم في كثرة ما يروى من فضائل علي، سواء من الصحيح، أو الضعيف، أو الموضوع، يرجع إلى أمرين:
الأول: انتساب الرافضة لعلي - رضي الله عنه - ودعواهم محبته، ووضعهم كثيراً من الروايات الموضوعة في فضائله، على ما هو معلوم من كتبهم، وعلى ما صرح به العلماء المشتغلون بالحديث ونقده.
يقول ابن الجوزي: «وغلو الرافضة في حب علي - رضي الله عنه - حملهم على أن وضعوا أحاديث كثيرة في فضائله أكثرها تشينه وتؤذيه». (1)
الثاني: ما ذكره ابن حجر -رحمه الله- في الفتح بعد نقله الأثر المتقدم، المنسوب لأحمد ولبعض الأئمة حيث قال: «وكأن السبب في ذلك أنه تأخر ووقع الاختلاف في زمانه، وخروج من خرج عليه، فكان ذلك سبباً لانتشار مناقبه، من كثرة من كان بينها من الصحابة، رداً على من خالفه، فكان الناس طائفتين، لكن المبتدعة قليلة جداً،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تلبيس إبليس ص136.
ثم كان من أمر علي ما كان فنجمت طائفة أخرى حاربوه ثم اشتد الخطب فتنقصوه، واتخذوا لعنه على المنابر سنة، ووافقهم الخوارج على بغضه وزادوا حتى كفروه، مضموماً ذلك منهم إلى عثمان، فصار الناس في حق علي ثلاثة: أهل السنة، والمبتدعة من الخوارج، والمحاربين له من بني أمية وأتباعهم، فاحتاج أهل السنة إلى بث فضائله، فكثر الناقل لذلك لكثرة من يخالف في ذلك، وإلا فالذي في نفس الأمر أن لكل من الأربعة من الفضائل إذا حرر بميزان العدل، لا يخرج عن قول أهل السنة والجماعة أصلاً». (1)
وأما قول الرافضي إن فضائل أبي بكر مروية عن ابنته عائشة وقد عرف موقفها من علي، أو عن ابن عمر وهو من البعيدين عن علي.(1/303)
فهذا من أظهر الكذب وأوضحه: فإن فضائل أبي بكر قد نقلها كثير من الصحابة، ليست مقصورة على واحد أو اثنين أو قريباً من ذلك، فضلاً أن يدعى أنها محصورة فيما نقلته عائشة أو ابن عمر، وهذه كتب السنة وفي مقدمتها الصحيحان تشهد بصحة هذا، فما على طالب الحق إلا أن يرجع إليها ليقف على جلية الأمر بنفسه. ويكفي دلالة على هذا أن ما تقدم نقله من النصوص في فضل أبي بكر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فتح الباري 7/71.
والتي تضمنت أكثر من عشر مناقب هي من خصائص أبي بكر التي لم يشاركه فيها غيره ليست مقصورة في روايتها على من ذكر، بل لم ترو عائشة منها إلا حديثاً واحداً وهو إرادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب لأبي بكر كتاباً بالوصية له، والإشارة لاستخلاف أبي بكر ثابتة بأحاديث أخرى من غير طريق عائشة، كحديث جبير بن مطعم في قصة المرأة التي جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه فقالت: (يارسول الله أرأيت إن جئت فلم أجدك قال: إن لم تجديني فأتي أبا بكر)، وهذا الحديث في الصحيحين(1) وكحديث حذيفة الذي في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر)(2)، وأما ابن عمر فقد روى حديثاً واحداً أيضاً في تقديم الصحابة لأبي بكر، ثم لعمر، ثم لعثمان(3)، وهذا ثابت دون ذكر عثمان، من طريق محمد بن الحنفية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري: (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذاً خليلاً)، فتح الباري 7/17، ح3659، ومسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر) 4/1856، ح2386.
(2) أخرجه الترمذي في: (كتاب المناقب، باب في مناقب أبي بكر وعمر) 5/609، ح3662، وابن ماجه: (في المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) 1/37، ح97، والحاكم في المستدرك 3/79، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/233، رقم 1233، وفي صحيح ابن ماجه 1/23، ح80.
(3) تقدم تخريجه ص 488.
عن أبيه علي بن أبي طالب وأن أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر. (1)
وأما بقية الأحاديث فقد رواها عدد من الصحابة منهم علي بن أبي طالب، وأبو سعيد الخدري، وعمرو بن العاص، وأبو الدرداء، وأنس بن مالك، وأبو موسى الأشعري على ما تقدم نقل أحاديثهم آنفاً، كما روى فضائل أبي بكر من غير هؤلاء جمع كبير من الصحابة، منهم على سبيل المثال لا الحصر: عمر بن الخطاب، والبراء ابن عازب، وابن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعمار بن ياسر، وأبوهريرة، وعبدالله ابن عمرو، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة، وعمرو بن عنبسة، وأبو أمامة، وجابر بن عبد الله، وسفينة (مولى أم سلمة)، وأبو بكرة، وغيرهم ممن يصعب حصرهم(2) وإنما ذكرت هنا بعض ما يستدل به على كذب الرافضي في دعواه: أنه لم يرو فضائل أبي بكر إلا عائشة وابن عمر -رضي الله عنهما-.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدم تخريجه ص 488.
(2) انظر: الأحاديث في فضائل أبي بكر بالإضافة إلى ما تقدم تخريجه في الصحيحين: في سنن أبي داود: (كتاب السنة، باب في التفضيل، وباب الخلفاء) 5/24-31، وسنن الترمذي: (كتاب المناقب، باب مناقب
أبي بكر الصديق، وباب في مناقب أبي بكر وعمر) 5/606-617، والمستدرك للحاكم 3/64-86.
على أنه لو اقتصرت فضائل أبي بكر على روايتهما فليسا متهمين في روايتهما، فكون عائشة ابنة أبي بكر ليس قادحاً في قبول ما تروي من فضائله، لأن عدالة الصحابة أمر مقطوع به، فكيف بأم المؤمنين عائشة على ما هي عليه من وفور العلم والدين، والقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتهام هذا الأفاك الأثيم أم المؤمنين بوضع الأحاديث في فضائل أبيها، هذا من أعظم البهتان، الذي نسأل الله تعالى أن يجازيه به جزاء وفاقاً. وأما اتهامه ابن عمر بهذه التهمة أيضاً، مدعياً أنه كان من البعيدين عن علي فهذه فرية أخرى لا تقل عن سابقتها، ودعوى مجردة من أي دليل.
ولو أخذنا بمقياس الرافضي هذا في نقد الروايات، لكان هذا وارداً على ما يروى في فضل علي من الأحاديث التي نقلها أبناؤه وأهل بيته، ومن تدعى الرافضة تشيعهم له من الصحابة، بل ما يروي علي نفسه من فضائله كقوله: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي إليّ أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق)(1) فإن كانت عائشة -رضي الله عنها- متهمة في ماروته من فضائل أبيها -رضي الله عنهما- فالتهمة واردة هنا على علي، وأبنائه، وأهل بيته، ومن يُدعى تشيعهم له، فيما ينقلونه من فضائله، بل إن التهمة في الوضع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدم تخريجه ص 494.(1/304)
لعلي أقوى من التهمة في الوضع لأبي بكر، ذلك أن أبا بكر لم تختلف الأمة عليه، ولم تفترق عنه، بل كانت مجتمعة عليه، ولم تشك في فضله، فما كان محتاجاً لهذا أصلا، بخلاف علي فإن الأمة افترقت في عهده، وقاتلته طائفة منها، وتنكرت له طوائف من أهل البدع ففسقه أقوام، وكفره آخرون فكان محتاجاً لما يجمع الناس عليه، وكان الدافع لدى محبيه وشيعته أقوى في الوضع له، من الدافع لأهل بيت أبي بكر في الوضع له بل إن الثاني منعدماً تماماً لعدم الحاجة إليه، ولهذا فإن الموضوع في فضل علي - رضي الله عنه - من الأحاديث أكثر بكثير مما وضع في فضل أبي بكر أو غيره من الصحابة، لكن هذا ليس من صنيع أحد من أهل بيته المعروفين بالعلم والعدالة، ناهيك أن ينسب شيء من ذلك له، أو لأحد من أبنائه أو الموالين له من الصحابة، فإنهم أبعد الناس عن ذلك، بل هم الصادقون المصدقون في كل ما ينقلون وما يروون، فمن اعتقد فيهم غير ذلك فقد باء بالخسران وناله ما نال الرافضة من الإثم والبهتان. وأما أهل السنة فهم بحمد الله يعتقدون في الصحابة كلهم العدالة المطلقة، والصدق والأمانة فيما يخبرون به عن أنفسهم أوغيرهم، ولا يتطرق لديهم الشك في ما ينقل عن الصحابة من أخبار في الفضائل وغيرها إذا ما ثبتت النسبة إليهم، وأسندوها إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما أردت من هذا بيان فساد قول الرافضي، ودحض حجته، وكشف شبهته، والله تعالى من وراء القصد.
===============
فدك
زعموا أنه ظالم لفاطمة لمنعه إياها مخلف أبيها ، وأنه لا دليل له في الخبر الذي رواه : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ؛ لأن فيه احتجاجا بخبر الواحد مع معارضته لآية المواريث ، وفيه ما هو مشهور عند الأصوليين . وزعموا أيضا أن فاطمة معصومة بنص " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت " . وخبر : " فاطمة بضعة منى " وهو معصوم ، فتكون معصومة ، وحينئذ فيلزم صدق دعواها الإرث .
وجوابها : أما عن الأول ، فهو لم يحكم بخبر الواحد الذي هو محل الخلاف، وإنما حكم بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنده قطعى فساوى آية المواريث في قطعية المتن ، وأما حمله على ما فهمه منه فلانتفاء الاحتمالات التي يمكن تطرقها إليه عنه بقرينة الحال ، فصار عنده دليلا قطعيا مخصصا لعموم تلك الآيات . وأما عن الثانى ، فمن أهل البيت أزواجه على ما يأتي في فضائل أهل البيت ، ولسن بمعصومات اتفاقا ، فكذلك بقية أهل البيت . وأما بضعة منى : فمجاز قطعا فلم يستلزم عصمتها وأيضا فلا يلزم مساواة البعض للجملة في جميع الأحكام بل الظاهر أن المراد أنها كبضعة منى : فيما يرجع للخير والشفقة ، ودعواها أنه صلى الله عليه وسلم نحلها فدك لم تأت عليها إلا بعلى وأم أيمن ، فلم يكمل نصاب البينة ، على أن في قبول شهادة الزوج لزوجته خلافا بين العلماء ، وعدم حكمه بشاهد ويمين ، إما لعلة كونه ممن لا يراه ككثيرين من العلماء ، أو أنها لم تطلب الحلف مع من شهد لها ، وزعمهم أن الحسن والحسين وأم كلثوم شهدوا لها باطل ، على أن شهادة الفرع والصغير غير مقبولة ، وسيأتي عن الإمام زيد بن الحسن بن على بن الحسين رضي الله عنهم ، أنه صوب ما فعله أبو بكر ، وقال : لو كنت مكانه لحكمت بمثل ما حكم به . وفى رواية تأتى في الباب الثانى أن أبا بكر كان رحيما وكان يكره أن يغير شيئا تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما قالت : أعطانى فدك ، فقال : هل لك بينة ، فشهد لها على وأم أيمن ، فقال لها : فبرجل وأمرأة تستحقينها . ثم قال زيد : والله ، لو رفع الأمر فيها إلى لقضيت بقضاء أبى بكر رضي الله عنه . وعن أخيه الباقر أنه قيل له : أظلمكم الشيخان من حقكم شيئا ؟ فقال : لا ومنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، ما ظلمنا من حقنا ما يزن حبة خردلة .
وأخرج الدارقطنى ، أنه سئل ما كان يعمل على في سهم ذوى القربى ؟ قال: عمل فيه بما عمل أبو بكر وعمر ، وكان يكره أن يخالفهما .(1/305)
وأما عذر فاطمة في طلبها روايته لها الحديث ، فيحتمل أنه لكونها رأت أن خبر الواحد لا يخصص القرآن كما قيل به . فاتضح عذره في المنع وعذرها في الطلب ، فلا يشكل عليك ذلك ، وتأمله فإنه مهم . ويوضح ما قررناه في هذا المحل حديث البخاري ، فإنه مشتمل على نفائس تزيل ما في نفوس القاصرين من شبه وهو : عن الزهرى ، قال : أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان النضرى ، أن عمر بن الخطاب دعاه إذ جاءه حاجبه يرفا فقال : هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون ؟ قال : نعم ، فأدخلهم فلبث قليلا ، ثم جاء فقال : هل لك في عباس وعلى يستأذنان ؟ قال : نعم ، فلما دخلا قال عباس : يا أمير المؤمنين ، اقض بينى وبين هذا ، وهما يختصمان في الذي أفاء الله على رسوله من بنى النضير ، فاستب على وعباس ، فقال الرهط : يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر . فقال عمر : اتئدوا أنشدكم بالله الذي بإذنه تكون السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركناه صدقة ، يريد بذلك نفسه ، قالوا : قد قال ذلك . فأقبل عمر على على وعباس ، فقال : أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك ؟ قالا : نعم . قال : فإنى أحدثكم عن هذا الأمر ، إن الله كان خص رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره فقال : " وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ" إلى قوله "قَدِيرٌ"، فكانت هذه خالصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم والله ما اختارها دونكم ولا استأثر بها عليكم لقد أعطاكموها ، وقسمها فيكم حتى بقى هذا المال منها ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقى فيجعله مجعل مال الله فعمل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته ، ثم توفى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه : فأنا ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقبضه أبو بكر يعمل فيه بما عمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم حينئذ ، وأقبل على على والعباس وقال: تذكرانى أن أبا بكر كان فيه كما تقولان ، والله يعلم أنه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر ، فقلت : أنا ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر ، فقبضته سنتين من إمارتى أعمل فيه بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، والله يعلم أنى فيه لصادق بار راشد تابع للحق ، ثم جئتمانى كلاكما وكلمتكما واحدة وأمركما جميع ، فجئتنى يعنى عباسا ، فقلت لكما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركناه صدقة، فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيه بما عمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وما عملت فيه منذ وليت ، وألا فلا تكلمانى ، فقلتما ادفعه إلينا بذلك ، فدفعته إليكما ، أفتلتمسان منى قضاء غير ذلك ، فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضى فيه بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عجزتما عنه فادفعاه إلى فأنا أكفيكماه . قال ، فحدثت هذا الحديث عروة بن الزبير ، فقال : صدق مالك بن أوس أنا سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عثمان إلى أبى بكر يسألنه مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فكنت أنا أردهن ، فقلت لهن : ألا تتقين الله ، ألم تعلمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : لا نورث ما تركناه صدقة ، يريد بذلك نفسه ؛ إنما يأكل آل محمد في هذا المال ، فانتهى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما أخبرتهن . قال ، فكانت هذه الصدقة بيد على منعها على عباسا ، فغلبه عليها ، ثم كانت بيد الحسن بن على رضي الله عنهما ، ثم بيد الحسين بن على ، ثم بيد على بن الحسين ، وحسن بن حسن كلاهما كانا يتداولانها ، ثم بيد زيد بن حسن رضي الله عنهم ، وهى صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا . ثم ذكر البخاري بسنده أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما أرضه من فدك وسهمه من خيبر ، فقال أبو بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال ، والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى أن أصل من قرابتى.(1/306)
فتأمل ما في حديث عائشة والذى قبله تعلم حقيقة ما عليه أبو بكر رضي الله عنه ، وذلك أن استباب على والعباس صريح في أنهما متفقان على أنه غير إرث ، وإلا لكان للعباس سهمه ولعلى سهم زوجته ، ولم يكن للخصام بينهما وجه، فخصامهما إنما هو لكونه صدقة وكل منهما يريد أن يتولاها ، فأصلح بينهما عمر رضي الله عنهم وأعطاه لهما بعد أن بين لهما وللحاضرين السابقين ، وهم من أكابر العشرة المبشرين بالجنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركناه صدقة ، وكلهم حتى على والعباس أخبر بأنه يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك ، فحين إذن أثبت عمر أنه غير إرث ثم دفعه إليهما ليعملا فيه بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبسنة أبى بكر ، فأخذاه على ذلك وبين لهما أن ما فعله أبو بكر فيه كان فيه صادقا باراً راشداً تابعاً للحق ، فصدقاه على ذلك . فهل بقى لمعاند بعد ذلك من شبهة ؟! فإن زعم بقاء شبهة قلنا يلزمك أن تغلب على الجميع وأخذه من العباس ظلم لأنه يلزم على قولكم بالإرث ، أن للعباس فيه حصة ، فكيف مع ذلك ساغ لعلى أن يتغلب على الجميع ويأخذه من العباس ، ثم كان في يد بنيه وبنيهم من بعده ولم يكن منه شئ في يد بنى العباس ، فهل هذا من على وذريته إلا صريح الاعتراف بأنه صدقة ، وليس بإرث ، وإلا لزم عليه عصيان على وبنيه وظلمهم وفسقهم وحاشاهم الله من ذلك بل هم معصومون عند الرافضة ، ونحوهم ، فلا يتصور بهم ذنب ، فإذا استبدوا بذلك جميعه دون العباس وبنيه علمنا أنهم قائلون بأنه صدقة وليس بإرث ، وهذا عين مدعانا ، وتأمل أيضا أن أبا بكر منع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من ثمنهن أيضا ، فلم يخص المنع بفاطمة والعباس ولو كان مداره على محاباة لكان أولى محاباة ولده ، فلما لم يحاب عائشة ولم يعطها شيئا علمنا أنه على الحق المر الذي لا يخشى فيه لومة لائم .
وتأمل أيضا تقرير عمر للحاضرين ولعلى وللعباس بحديث لا نورث وتقرير عائشة لأمهات المؤمنين به أيضا وقول كل منهما ألم تعلموا ! يظهر لك من ذلك أن أبا بكر لم ينفرد برواية هذا الحديث ، وأن أمهات المؤمنين وعلياً والعباس وعثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد كلهم كانوا يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك ، وأن أبا بكر إنما انفرد باستحضاره أولاً ، ثم استحضره الباقون ، وعلموا أنهم سمعوه منه صلى الله عليه وسلم: فالصحابة رضوان الله عليهم لم يعلموا برواية أبى بكر وحدها. ( ص 57 : 60 ) .
================
شبهة حديث الحوض
حديث الحوض فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( يَرِدُ علي رجال أعرفهم ويعرفونني فيذادون عن الحوض – يعني حوض النبي يوم القيامة - فأقول أصحابي أصحابي فيقال : إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك ) ولهذا الحديث روايات أخرى فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( فأقول سحقاً سحقاً ) هؤلاء الذين يذادون عن الحوض من هم ؟ قالوا هم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز لكم أن تثنوا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم في الأصل يذادون عن الحوض ويقول النبي صلى الله عليه وسلم عنهم سحقا سحقاً .. فنقول مستعينين بالله تبارك وتعالى :
أولاً أن المراد بهؤلاء الصحابة المنافقون وذلك أن المنافقين كانوا يظهرون الإسلام للنبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله جل وعلا { إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ 1 } ..
وقد يقول قائل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف المنافقين فنقول نعم كان يعرف بعضهم ولم يكن يعرفهم كلهم ولذلك قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } فبين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم جميع المنافقين وكان يظن أن أولئك من أصحابه وليسوا كذلك بل هم من المنافقين .
ثم الشيء الثاني أن المراد بهم الذين إرتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنه بعد توفي النبي صلوات الله وسلامه عليه إرتد بعض العرب .. إرتدوا عن دين الله تبارك وتعالى حتى قاتلهم أبو بكر الصديق مع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وسميت تلك الحروب بحروب الردة , فقالوا المراد بالذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم سحقاً سحقاً هم الذين أرتدوا بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه
على الأول أو على الثاني لا يدخل أًصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر لماذا ؟ لأننا في تعريف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ماذا نقول ؟ ..
نقول كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك .(1/307)
فإذا قلنا أنهم هم المنافقون فالمنافقون لم يؤمنوا بالنبي يوماً صلوات الله وسلامه عليه , وإذا قلنا هم المرتدون فالمرتدون لم يموتوا على الإسلام .. فهؤلاء لا يدخلون في تعريف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما إذا قصدوا أن الصحابة كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل أبو جهل في الصحابة وأبو لهب وأمية بن خلف وأبي بن خلف والوليد بن عتبة وغيرهم من المشركين يدخلون في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونحن لا نقول بذلك أبداً .. ولكن نقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وسعد بن معاذ ومعاذ بن جبل وأُبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وعبدالله بن عمر وعبد الله بن العباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وفاطمة وعائشة والحسن والحسين وغيرهم كثير .. هؤلاء هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , فمن من هؤلاء كان منافقاً ومن من هؤلاء إرتد عن دين الله تبارك وتعالى بل كل هؤلاء آمنوا بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولقوه وماتوا على ذلك والعلم عند الله تبارك وتعالى .
فالقصد أن الجواب الأول أن قول النبي صلى الله عليه وسلم سحقاً سحقاً هو للمنافقين الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم , أو هم الذين إرتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا أصلاً من المسلمين ثم إرتدوا وتركوا دين الله جل وعلا .
وهناك جواب ثالث وهو أن المعنى كل من صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو لم يتابعه , وإن كان النبي يعلم ذلك كعبد الله بن أبي بن سلول وهو كما هو معلوم رأس المنافقين وهو الذي قال : لإن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل , وهو الذي قال ما مثلنا ومثل محمد وأصحابه إلا كما الأول سمن كلبك يأكلك . فهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه فيكون هذا هو المقصود ولذلك إن تعريف الصحابة بأنه كل من لقي النبي مؤمناً به ومات على ذلك تعريف متأخر وأما كلام العرب كل من صحب الرجل فهو من أصحابه مسلماً أو غير مسلم متبع له أو غير متبع هذا أمر آخر . ولذلك لما قال عبد الله بن أبي بن سلول كلمته الخبيثة ( ليخرجن الأعز منها الأذل ) قام عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغته هذه الكلمة قال : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق , فقال صلى الله عليه وسلم : (لا يا عمر لا يقول الناس إن محمد يقتل أصحابه ) , فسماه من أصحابه صلوات الله وسلامه عليه وهو رأس المنافقين , فهو غير داخل فالذين نحن نسميهم صحابة رضي الله عنهم وأرضاهم .
كذلك قد يكون المقصود بالأصحاب أي من صحب النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الدين ولو لم يرى النبي صلى الله عليه وسلم فندخل نحن في هذا المسمى ولذلك جاءت بعض روايات الحديث ( أمتي أمتي ) بدل ( أصحابي ) فنكون من أمته صلوات الله وسلامه عليه , وقد يقول قائل كيف وقد جاء في الحديث ( أعرفهم ويعرفونني ) فنقول أنه قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعرف أمته بآثار الوضوء صلوات الله وسلامه عليه .
ولنا سؤال هنا لو جاءنا النواصب , والنواصب هم الذين يبغضون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يبغضون علياً وفاطمة والحسن والحسين وغيرهم من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وقالوا هؤلاء الذين إرتدو وهؤلاء الذين يذادون عن الحوض هم علي والحسن والحسين كيف تردون عليهم ؟؟!
الرد عليهم بأن نقول لهم ليسوا من هؤلاء بل هؤلاء جاءت فيهم فضائل ..
فنقول أبو بكر وعمر وعثمان وأبو عبيدة جاءت فيهم فضائل فما الذي يخرج علياً ويدخل أبا بكر وعمر !!
فالقصد إذاً أن حديث الحوض لا يشمل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
شبهة جيش أسامة
يقولون إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما جهز جيش أسامه وذلك لينتقم أسامة رضي الله عنه لأبيه زيد بن حارثة لما قُتل في مؤته جهز النبي جيش أسامة ليذهب إلى مؤته وقالوا جعل من ضمن هذا الجيش أبا بكر وعمر حتى يصفو الجو لعلي رضي الله عنه ويستطيع النبي أن يعينه خليفة !! أنظروا كيف جعلوا النبي صلى الله عليه وسلم ضعيفاً يخاف من أبي بكر وعمر فيرسلهما في الجيش حتى يستطيع أن يبين للناس أن علياً هو الخليفة !! هكذا يكتم الدين بهذه الدرجة .. وهذا طعن في النبي صلوات الله وسلامه عليه , الله سبحانه وتعالى يقول له : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } يقول : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1 قُمْ فَأَنذِرْ 2} { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } وهم يقولون يخاف من هؤلاء الصحابة صلوات الله وسلامه عليه وحاشاه من ذلك .
ثم يضيفون إلى هذا الأمر أموراً أخرى وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لعن الله من تخلف عن جيش أسامة ) حتى تصيب اللعنة أبا بكر وعمر .(1/308)
فنقول أولاً : إن أبا بكر لم يكن أبداً في جيش أسامة , ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام : لعن الله من تخلف عن جيش أسامة , بل هذا كذب على النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما كون عمر في جيش أسامه فهذا هو المشهور في السير , أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عمر في جيش أسامة .
كيف يكون أبا بكر في جيش أسامة والنبي أمر أبا بكر ان يصلي بالناس في فترة مرض النبي صلى الله عليه وسلم ,هذا تناقض لا يمكن أن يحدث ولذلك لما أراد أسامة أن يخرج إستأذن أبو بكر أسامةَ أن يبقي عمر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بل ما سير جيش أسامة إلا أبو بكر الصديق , وذلك أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أشار بعض الصحابة على أبي بكر أن يبقي جيش أسامة في المدينة خوفاً على المدينة من المرتدين ومن العرب الذين لم يسلموا بعد فأبا أبو بكر أن ينزل راية رفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يخرج جيش أسامة , وخرج جيش أسامة بأمر من أبي بكر الصديق رضي الله عنه , فكيف جعلوا أبا بكر الصديق الذي أخرج جيش أسامة جعلوه ممن تخلف وجعلوه ممن يستحق اللعن من النبي صلى الله عليه وسلم وما هذا إلا من شيء في قلوبهم على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
شبهة قضية فدك
قضية أقيمت لأجلها الدنيا , تكلموا فيها كثيراً وشنعوا فيها كثيراً على أصحاب النبي صلوات الله وسلامه عليه وهي قضية فدك وما أدراك ما فدك . فدك أرض للنبي صلى الله عليه وسلم من أرض خيبر وذلك من المعلوم أن خيبر لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إليها وحاصرها إنقسمت إلى قسمين , إلى قسم فُتح عنوة وإلى قسم فُتح صلحاً , من الذي فُتح صلحاً في خيبر ما فيه فدك .
فدك أرض صالح النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عليها على أنهم يزرعونها ويعطون نصف غلتها للنبي صلى الله عليه وسلم , فنصف غلة فدك تكون للنبي صلى الله عليه وسلم .
بعد أن توفي صلوات الله وسلامه عليه جاءت فاطمة رضي الله عنها تطالب بورثها من النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت إلى أبي بكر لأنه خليفة المسلمين الذي كانت تعتقد خلافته , فذهبت إليه و طلبت منه أن يعطيها فدك ورثها من النبي صلى الله عليه وسلم , فقال لها أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) , وهنا لو قلنا لأبي بكر الصديق تعال يا أبا بكر عندك فاطمة تطالب بإرثها وعندك النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( لا نورث ) تطيع من ؟ لا شك أنه سيقول سأطيع النبي صلى الله عليه وسلم .. طيب وفاطمة لماذا لا تطيعها فيقول أطيعها لو لم يكن عندي أمر من النبي صلى الله عليه وسلم , هذا النبي معصوم صلوات الله وسلامه عليه وفاطمة غير معصومة والنبي صلى الله عليه وسلم أمرني قال (لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) وإن أحببتم فسألوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , هذا الحديث رواه أبو عبيدة ورواه عمر ورواه العباس ورواه علي ورواه الزبير ورواه طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا نورث ما تركناه فهو صدقة )
طيب ماذا أصنع أنا عندي حديث النبي وعندي قول فاطمة ؟ .. لا شك أي واحد منا يخاف الله سبحانه وتعالى ويقدر النبي صلى الله عليه وسلم فيقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم على قول كل أحد ..
فقال لها لا أستطيع أن أعطيك شيئاً الرسول قال : ( لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) .. فرجعت فاطمة رضي الله عنها ولم تأخذ ورثها ..
دعونا نوزع إرث النبي صلى الله عليه وسلم لو كان له إرث من الذي يرث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟
يرثه ثلاثة : ترثه فاطمة ويرثه أزواجه ويرثه عمه العباس .
أما فاطمة فلها نصف ما ترك لإنها فرع وارث .. أنثى ..
وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم يشتركن في الثُمُن لوجود الفرع الوارث وهي فاطمة ..
والعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ الباقي تعصيباً ..
هذا هو إرث النبي صلى الله عليه وآله وسلم , إذا ليست القضية خاصة بفاطمة ولذلك أين العباس لماذا لم يأت ويطالب بإرثه من النبي صلى الله عليه وسلم , أين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لم يأتين ويطالبن بإرثهن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
فلم يعطها الإرث , قد يقول قائل كيف تحرمونها من الإرث ؟ والله سبحانه وتعالى يقول : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } ويقول عن زكريا عليه الصلاة والسلام أنه قال عن يحى لما طلب الولد قال: { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } , وأنتم تقولون ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) هذا الحديث يقوله أبو بكر وتلك آية والآية إذا عارضت الحديث فالآية مقدمة على الحديث ..
فنقول ليس الأمر كما قلتم لماذا .. تعنتاً .. لا ليس والله تعنتاً وما يضيرنا لو أخذت فاطمة نصيبها رضي الله عنها وأرضاها إن كان لها نصيب ..(1/309)
ولكن نقول إقرأوا الآيات وتدبروها قليلاً لا نريد أكثر من ذلك , الله جل وعلا ماذا يقول عن زكريا ؟ قال { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } ما الآيات التي قبلها , يقول الله تبارك وتعالى عن زكريا { كهيعص 1 ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا 2 إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا 3 قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا 4 وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا 5 يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا 6} .. سياق الآيات هل هي وراثة مال ؟ إقرأوا كتب السيرة ماذا كان حال زكريا .. فقير .. زكريا كان نجاراً كان فقيراً ما هو المال الذي عند زكريا حتى يطلب وارثاً له , ثم هل يعقل أن رجلاً صالحاً يسأل الله الولد ليرث ماله !! أين الصدقة في سبيل الله .. أين البذل ؟ يطلب ولداً ليرث ماله !! لا نقبل هذا لرجل صالح فكيف تقبلونه لنبي كريم !! أن يسأل الله الولد لأي شيء قال : حتى يرث أموالي !! هذا لا يمكن أن نقبله في نبي كريم مثل زكريا عليه الصلاة والسلام , ثم ماذا يقول : { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } كم بين يعقوب وزكريا من الآباء والأجداد ؟ مئات السنين عشرات إن لم نقل مئات الآباء بين زكريا ويعقوب , موسى بين زكريا ويعقوب أيوب بين زكريا ويعقوب , داوود وسليمان بين زكريا ويعقوب , يونس بين زكريا ويعقوب , يوسف بين زكريا ويعقوب .. كل أنبياء بني إسرائيل تقريباً بين زكريا ويعقوب زكريا يمثل آخر أنبياء بني إسرائيل زكريا يحى عيسى .. إنتهت النبوة ويعقوب هو إسرائيل , كل أنبياء بني إسرائيل هم بين زكريا ويعقوب ونحن لانتكلم عن جميع الأنبياء نتكلم عن بني إسرائيل أمة كاملة ..
كم سيكون نصيب هذا الولد { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } وكم وكم من الذين سيحجبونه عن الميراث , الأولاد الأقرب ..
هذا كلام لا يُعقل .. إذاً ماذا أراد زكريا .. أراد ميراث النبوة هذا الميراث الحقيقي ميراث النبوة .. يرث النبوة .. يرث الدعوة إلى الله تبارك وتعالى يرث العلم , ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم ) هذا الذي أراده زكريا صلوات الله وسلامه عليه , ومنه ميراث سليمان صلوات الله وسلامه عليه لما قال الله تبارك وتعالى { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } ورث ماذا ؟ .. ورث العلم ورث النبوة ورث الحكمة , لم يرث المال لو كان مالاً ما فائدة ذكره .. طبيعي جداً الولد يرث أباه , هذا أمر طبيعي فلماذا يذكر في القرآن ؟ إذاً الذي ذكر في القرآن أمر ذا أهمية عندما يقول الله تبارك وتعالى { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } أراد أن ينبه إلى شيء مهم ليس مجرد وراثة مال , ثم كم لداوود من الأبناء إرجعوا إلى سيرة داوود , داوود على المشهور كانت له ثلاثمئة زوجة وسبع مئة سُرّية – يعني أمة - ذكروا لداوود أولاد كثر ألا يرثه إلا سليمان ! صلوات الله وسلامه عليه .. هذا لا يمكن أن يكون أبداً .
ولنفرض أنه ورث طيب ما شأن أبي بكر وعمر وعثمان هل أخذوا هذا المال لهم ؟ , كانوا يعطونه لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ما ذنبهم .. ما الخطيئة التي أرتكبوها .. هل أبو بكر إستدخل فدك له , هل إستدخلها عمر .. هل إستدخلها عثمان أبداً لم يستدخلوها , إذاً لماذا يُلامون ؟ !
لماذا نزرع الكراهية في قلوب الناس لأبي بكر وعمر وعثمان ؟! ماذا صنعوا بفدك ؟!
خاصة إذا قلنا إن عمر وعثمان عاشا بعد فاطمة زمن الخلافة , فاطمة ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها بعده بستة أشهر على المشهور .. ما شأن عمر وعثمان بفدك ؟! ..
دعونا نسلم بأن فدك إرث لفاطمة رضي الله عنها .. نصيبها الذي هو النصف إذا ماتت فاطمة من يرث فاطمة ؟ يرثها أولادها وزوجها من أولاد فاطمة ؟ .. اربعة : الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وزوجها علي , أبوها توفي صلى الله عليه وسلم وأمها توفيت وهي خديجة رضي الله عنها , مابقي من الورثة إلا الأولاد والزوج .. الزوج يأخذ الربع لوجود الفرع الوارث فربع الميراث لعلي , وبقية الميراث - ميراث فاطمة – لأولاد فاطمة للذكر مثل حظ الأنثيين ..
طيب علي في خلافته لم يعط فدك لفاطمة ولم يعطها لأولاد فاطمة ..
فإن كان أبو بكر ظالماً وعمر كان ظالماً وعثمان كان ظالماً لفدك فعلي كان ظالماً كذلك , فكلهم لم يعطوا فدك لأهلها .. أبو بكر لم يعطها لأهلها , عمر لم يعطها لأهلها , عثمان لم يعطها لأهلها , علي لم يعطها لأهلها , وإسألوا علمائكم في هذا الأمر هل أعطى علي فدك لأولاد فاطمة ؟ لم يعطهم فدك .(1/310)
الحسن إستخلف بعد علي هل أعطى فدك لأخيه الحسين ولأخته زينب لم يعطهم , لأن أم كلثوم كانت قد توفيت ..
إذاً لماذا يُلام أبو بكر وعمر وعثمان ولا يُلام علي رضي الله عنه ؟! إما أن يُلام الجميع وإما أن لايُلام أحد ..
ننظر موقف أهل السنة وموقف الشيعة , أهل السنة لا يلومون أحداً , لماذا لا تلومون أحداً .. قالوا لأنها أصلاً ليست ميراثاً لفاطمة ولذلك لا نلوم أحداً .
أما الشيعة فيلومون أبو بكر ويلومون عمر ويلومون عثمان ويلزمهم أن يلوموا علي ولذلك خرجت طائفة من الشيعة يُقال لها الكاملية هذه الطائفة تطعن في علي مع أنها شيعية .. قالوا أبو بكر وعمر وعثمان ظلمة أخذوا الخلافة من علي , وعلي لم يستجب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أمره بالخلافة و بايعهم وترك أمر الخلافة فعلي أيضاً مذنب ..
وهذا يلزمهم لأنهم لو فكروا بعقولهم بناءً على الأدلة الباطلة التي إستدلوا بها , إذاً فدك ليست إرثاً لفاطمة رضي الله عنها وأبو بكر خيراً صنع لأنه إتبع النبي صلى الله عليه وسلم لأنه سمعه يقول : ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة )
هناك قول آخر وهو أن فدك هبة وهبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة كيف وهبها النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة .. قالوا لما فتح الله تبارك وتعالى فدك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم نادى فاطمة وأعطاها إياها .. هل هذا صحيح ؟
قالوا نعم لما نزل { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ } بعد فتح خيبر ناداها قال هذا حقك خذي حقك وأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها وأرضاها .. هل هذا الكلام صحيح .. هل يُقبل أصلاً هذا الكلام ..
للنبي صلى الله عليه وسلم سبعة من الولد ثلاثة ذكور وأربعة إناث .. الذكور عبد الله والقاسم وإبراهيم كلهم ماتوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهم صغار لا دخل لهم هنا إذاً , بقي للنبي صلى الله عليه وسلم أربع من البنات أصغرهن فاطمة رضي الله عنها , ثم تأتي بعد فاطمة رقية ثم أم كلثوم ثم زينب وهي الكبيرة هؤلاء هن بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
يقولون النبي صلى الله عليه وسلم أعطى فاطمة فدك ولم يعطي باقي البنات , بنات النبي صلى الله عليه وسلم توفيت رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية من الهجرة لما خرج إلى بدر صلى الله عليه وآله وسلم , لكن أم كلثوم وزينب توفيتا بعد ذلك , أم كلثوم توفيت في السنة التاسعة من الهجرة , وزينب توفيت في السنة الثامنة من الهجرة .. خيبر في أول السنة السابعة من الهجرة .. أنظروا كيف يتلاعب الشيطان بالناس , فيكون النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح الله عليه خيبر له ثلاث بنات أحياء فاطمة وزينب وأم كلثوم .. تصوروا كيف ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم كأن النبي يأتي إلى بناته الثلاث ويقول تعالي يا فاطمة هذه فدك لك وأنتما يا أم كلثوم ويا زينب مالكما شيء .. أيجوز أن يُقال هذا في النبي صلى الله عليه وسلم ؟ , إن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه بشير بن سعد والد النعمان بن بشير وقال : يا رسول الله إني أريد أن أنحل إبني هذا حديقة وأريدك أن تشهد على ذلك , والنبي يعلم أن له أولاد آخرون غير هذا الولد , فقال له صلوات الله وسلامه عليه : ( أكل أولادك أعطيت ؟ ) يعني أعطيت بقية أولادك أو أعطيت هذا فقط , قال : لا , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذهب فإني لا أشهد على جور ) .
والنبي يقول : ( إتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم ) ويقول : ( لا أشهد على جور ) الله أكبر ! أنرضى أن هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي لا يشهد على الجور والذي قول لنا : ( إتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم ) أرضى أن يكون هو بذاته صلى الله عليه وسلم الذي يفرق بين أولاده !! الذي لا يشهد على الجور هل يفعل الجور ؟! صلى الله عليه وآله وسلم .. لا يمكن هذا أبداً , إذاً لن يعط النبي صلى الله عليه وسلم فدك لفاطمة دون بناته .
ثم يا عقلاء إن كان النبي أعطاها لفاطمة فجاءت تطالب بماذا إذاً في عهد أبي بكر , إذا أخذتها وأستلمتها تطالب بماذا ؟ هي ملكك تطالبيني بماذا ؟ ! تقول أعطاها النبي في السنة السابعة من الهجرة وتوفي بعد أن أعطاها بأربعة سنوات .. وتأتي في عهد أبي بكر تقول أعطني الذي أعطاني النبي قبل أربع سنين !! أيعقل هذا الكلام .. لا يُعقل هذا أبداً ولا يُقبل مثل هذا الكلام .(1/311)
بقي شيء واحد يقولون لما غضبت فاطمة إذاً رضي الله عنها وأرضاها .. فاطمة إستدلت بعموم قول الله تبارك وتعالى { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } فعلى هذا الأساس جاءت تطالب بإرثها رضي الله عنها فلما قال لها أبو بكر رضي الله عنه ( لا نورث ما تركناه صدقة ) إنتهى الأمر ورجعت , عائشة رضي الله عنها التي تروي هذه القصة وتروي هذا الحديث تقول : فوجدت على أبي بكر أي غضبت أنه لم يعطيها فدك , لكن ليس في الحديث شيء أن فاطمة تكلمت على أبي بكر بشيء وإنما هذا فهم عائشة فهمت أن فاطمة وجدت وتضايقت وأنها لم تكلم أبا بكر , طبيعي جداً أنها لم تكلم أبا بكر لأنها كانت مريضة وما كان أبا بكر يخالطها أصلاَ , ليست إبنته وليست قريبة له , هي إبنة النبي وزوجة علي رضي الله عنه ما شأن أبي بكر بها ؟ ولذلك زارها قبل موتها رضي الله عنها , بل وعلى المشهور أن التي غسلتها والتي كانت تمرضها هي أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر الصديق هي التي غسلت فاطمة رضي الله عنها .. فقضية أن فاطمة وجدت على أبي بكر الله أعلم بذلك . هذا فهم عائشة تقول أنها وجدت لكن ليس الحديث نص أن فاطمة تكلمت في أبي بكر أو طعنت فيه أبداً .. سكتت رجعت إلى بيتها بعد أن قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) .
شبهة رزية يوم الخميس
أو حديث الرزية , والرزية يعني المصيبة التي وقعت هذا الحديث يرويه بن عباس يقول : لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم – يعني الوفاة – وفي البيت رجال فيهم عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هلم أكتب كتاباً لا تضلون بعده ) , فقال عمر : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ) , وأختلف أهل البيت وأختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً لا تضلوا بعده , ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو والإختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قوموا ) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما .
هم يطعنون على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة عمر من خلال هذا الحديث , مدار طعنهم في ماذا ؟ :
أولا قالوا إن عمر قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر , وهذه قالها التيجاني كذباً وزوراً في كتاب فسألوا أهل الذكر ص144 وص 179 ونسبه إلى البخاري كذباً وزوراً وهو ليس في البخاري أن عمر قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر وإنما قال غلب عليه الوجع .
ما معنى قول عمر : ( حسبنا كتاب الله ) هل معنى هذا أننا لا نريد السنة , هكذا هم يلبسون على الناس , إن معنى قول عمر ( حسبنا كتاب الله ) أي ما جاء في كتاب الله { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } يكفي كمل الدين دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتاح , إجتهد عمر في هذه .. أصاب أو أخطأ هذا موضوع آخر , لكن هل نقول إن عمر كتم الدين رضي الله عنه وأرضاه !! عندما قال ( حسبنا كتاب الله ) , هل كان الذي سيبلغه النبي صلى الله عليه وسلم أمراً لازماً واجباً لابد منه وأحذروا قبل أن تقولوا نعم , لأننا إذا قلنا نعم هو أمر لازم واجب لابد منه والنبي لم يبلغه معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتم الرسالة ولم يكملها وكتم بعضها والله جل وعلا يقول { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } قبل هذه الحادثة بثلاثة اشهر في حجة الوداع قال الله هذا الكلام سبحانه وتعالى وأنزله على نبيه قرآناً يتلى .
بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله والجنة إلا وأمرتكم به , وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه ) إذاً النبي بلغ الرسالة .
بقي أمر وهو ما هو هذا الأمر الذي أراد النبي أن يبلغه ؟ , جاء في مسند أحمد بإسناد مرسل ولكنه صحيح – صحيح مرسل – إلى حُميد بن عبد الرحمن بن عوف أن علياً رضي الله عنه كان حاضراً في هذه الحادثة فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إئتوني بكتاب قال علي : يا رسول الله إني أحفظ , قل أحفظ , فقال :
( أوصيكم بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم ) إذاً بلّغ ما كان يريد صلوات الله وسلامه عليه ..
ولنا أن نسأل هل كان علي حاضراً رضي الله عنه في هذه الحادثة .. قطعاً نعم عند الجميع عندنا وعند الشيعة هو حاضر , إذاً لما لم يكتب لما لم يذهب ويأتي بالدواة والقلم ويكتب مع من كان علي مع الذين منعوا أو مع الذين لم يمنعوا ؟! ..(1/312)
هذا الموقف من النبي صلى الله عليه وسلم لما قال : ( قوموا عني ) أمرهم أن يقوموا عنه صلوات الله وسلامه عليه .. لماذا قال قوموا عني ؟ .. لأنه صار صياح هذا يقول قرب وهذا يقول لا تقرب والنبي صلى الله عليه وسلم في وادي وهم في وادٍ آخر , ولذلك أمرهم بالخروج صلوات الله وسلامه عليه .
نعم هناك من قال يستفهم: أهجر ؟؟ يعني أهذا الذي يقوله النبي صلى الله عليه وسلم هجراً أو لا ؟؟ ولكن نقول من يقول أن الذي قال هذا عمر ؟ لماذ لا يكون قاله علي ! ونحن أيضاً نقول علي لم يقل هذا , إذاً من الذي قال : أهجر ؟ , لعله أحد الذين كانوا حديثي إسلام وحضروا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا مثل هذه الكلمة .. ولكن لم يثبت أبداً أن أبا بكر قال هذه الكلمة أو عمر أو عثمان أو علي أو الزبير أو طلحة أو أحد من كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
النبي صلى الله عليه وسلم معلوم أنه لما أصابه الوجع قبيل موته لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم الوفاة كما قال بن عباس إذ كان الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم شديداً صلى الله عليه وآله وسلم .. ولذلك بن مسعود لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت وجده يعرق عرقاً شديداً يتصبب العرق من جبينه , فقال يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً قال : ( إني أوعك كرجلين منكم ) , قال : أذلك لأن لك الأجر مرتين ؟ , قال : ( نعم ) .
فشفقة عمر على النبي صلى الله عليه وسلم هي التي دفعته أن يقول ( حسبنا كتاب الله حسبنا كتاب الله ) يعني دعوا النبي يرتاح صلى الله عليه وسلم .
وقلنا ونعيد ونكرر قبلتم هذا أو لم تقبلوه , لكن هل هذا يُخرج عمر من الملة ؟ , هل هذا يجعل عمر عاصياً لله جل وعلا ..
طبعاً هناك دعوى عريضة لا دليل عليها وهي أن هذا الكتاب هو خلافة علي ! دعوى من يقول إن هذه الدعوى صحيحة , أنا الآن في هذا المقام سأقول أن هذا الكتاب هو خلافة أبو بكر .. من يمنعني ؟ بل أنا صاحب الدليل لأنه ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إئتوني بكتاب فإني أخشى أن يتمنى متمني ويأبى الله إلا أبا بكر ) ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر هو الذي يصلي بالناس في مرض موته صلوات الله وسلامه عليه .
من يقول أن هذا الكتاب هو خلافة علي ؟ ثم هذا الكتاب هو خلافة علي أليس النبي قد بلّغ خلافة علي – كما يدعي القوم - في الغدير وقبل الغدير في تبوك , وقبل تبوك في مكة في حديث الإنذار حديث الدار فلماذا صار الأمر إلا الآن .. الآن فقط يريد أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم , ثم تعالوا ننظر إلى ما بلغه النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن ومن السنة كم نسبة المكتوب من غير المكتوب ولا شيء جل ما بلّغه النبي صلى الله عليه وسلم مسموع غير مكتوب , والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :
( نحن أمة أمية لا نكتب الشهر عندنا هكذا وهكذا وهكذا ) يعد بأصابعه صلوات الله وسلامه عليه , ولذلك أنظروا كم حديث للرسول صلى الله عليه وسلم الذي كتبه الصحابة وكم حديث للنبي صلى الله عليه وسلم الذي وعاه الصحابة وحفظوه لا مقارنة فلماذا هذه بالذات تُكتب , فالقصد أننا ننظر في هذا الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم هل هو أمر واجب أو أمر مستحب .. قطعا هو أمر مستحب وليس من الأمر الواجب لأننا قلنا قبل قليل إذا قلنا إنه من الأمر الواجب فإننا نقول إن النبي قد كتم والنبي لم يكتم صلى الله عليه وسلم , هذا ليس امر واجب بل هو من المستحبات التي تركها للمصلحة صلوات الله وسلامه عليه .(1/313)
وختاماً نقول إقرأوا كتاب الله تبارك وتعالى تدبروا كلام الله جل وعلا إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز : { لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} أي الذين أنفقوا من قبل الفتح والذين أنفقوا من بعد الفتح كلهم وعدهم الله تبارك وتعالى الحسنى , وماذا يترتب على وعد الله تبارك وتعالى بالحسنى , قال الله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ 101 لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ} , تدبروا قول الله تبارك وتعالى : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } , تدبروا قول الله تبارك وتعالى { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ.. } , تدبروا قول الله تعالى { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ 8 وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 9} , اقرأوا قول الله تبارك وتعالى { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا 18} أيرضى الله عن المنافقين لا يرضى الله تبارك وتعالى أبداً عن المنافقين , إن الله لا يرضى إلا عن المؤمنين لأن الله تبارك وتعالى يعلم ما كان ويعلم ما يكون سبحانه وتعالى فالله بكل شيء عليم ولا يرضى الله عن المنافقين أبداً .
إن من أبرز صفات المنافقين في كتاب الله جل وعلا وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفي واقع الأمر أنهم أجبن الناس , يخافون على أنفسهم ويخافون الموت ولذلك تجدهم مذبذبين كما قال الله جل وعلا { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء} فهل هذه الصفات هي صفات أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم , إن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم هم الذين باعوا أنفسهم وأشتروا الجنة والذين بذلوا كل شيء في سبيل الله تبارك وتعالى هم الذين قاتلوا المرتدين , هم الذين فتحوا البلاد هم الذين فتحوا الهند والسند وفتحوا الشام ومصر وفتحوا العراق وفتحوا بلاد فارس هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم , هم هؤلاء الذين تطعنون أنتم فيهم الله يقول { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ } والله سبحانه وتعالى يقول { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ } الله تبارك وتعالى يقول { لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} ويقول بعدها { وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} وأنظروا أنتم ماذا تقولون أنتم وماذا يقول علمائكم عن أولئك الصحابة , أتصدقون الله ورسوله أو تصدقون علمائكم ؟ إنكم بين أمرين , كيف بمن جلس مع طلابه ثلاثاً وعشرين سنة يعلمهم صلوات الله وسلامه عليه وهو رسول الله أوتي جوامع الكلم .. أحرص الناس على الخير .. أتقى الناس لله .. أعلم الناس بالله .. أصدق الناس مؤيد من عند الله تبارك وتعالى ثم بعد ذلك لم ينجح أحد !! إلا ثلاثة .. إلا أربعة إلا خمسة .. إلا سبعة على روايات متفاوتة عندهم ... أتقبلون هذا !!؟ ..
أتقبلون أن يُقال فشل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تربية أصحابه .. إنه الكفر بعينه إنه الطعن في ذات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .(1/314)
إن صفات أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أبداً أن تكون صفات المنافقين .. إقرأوا كتاب الله وتدبروه .. إقرأوا سورة التوبة لتعلموا ما هي صفات المنافقين وأقرأوا باقي القرآن , آل عمران والفتح وغيرها من كتاب الله حتى تعلموا صفات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , إنكم تطعنون في أقوام قد حطوا رحالهم في الجنة , إنكم تطعنون في أقوام كان علي يحبهم وكان أولاده يجلونهم , علي رضي الله عنه زوج إبنته أم كلثوم لعمر يا من تطعنون في عمر , علي رضي الله عنه سمى أولاده بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان , الحسن سمى أولاده بأسماء أبي بكر وعمر , علي بن الحسين سمى إبنته عائشة وسمى ولده عمر , سُكينة بنت الحسين من زوجها ؟ مصعب بن الزبير بن العوام .
إن العلاقات بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأولادهم مع آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأولادهم كانت حميمة جداً والله ما كان بينهم ما يدعون من كفر أولئك وعصمة الآخرين بل كانت علاقة ود وصفاء ومحبة هكذا كانوا .. لماذا نقبل من الآخرين أن يسيروا فكرنا ولا ننظر نحن في كتب التاريخ وكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وتراجم هؤلاء لنعرف الحقيقة بأنفسنا , كل منا سيحاسب في قبره لوحده سيحاسبه الله تبارك وتعالى لماذا أبغضت هؤلاء ؟ .. ما ذنبهم ؟ .. إنهم أولياء الله جل وعلا والله سبحانه وتعالى يقول ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) وإنما توعد الله بالحرب ثلاثة .. توعد آكل الربا , وتوعد الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً , وتوعد الذين يحاربون أولياءه فأحذر ..
والله ما أردنا من هذه الجلسة إلا أن نقدم النصح والله لا نريد لكم إلا الخير لا نريد لكم إلا الجنة .. ليست بأيدينا ولكن الله تبارك وتعالى بين لنا طريقها وبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم طريقها , إنه بقدر ثبوت قدمك على الصراط في هذه الدنيا يكون ثبوت قدمك على الصراط في الآخرة نسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا ويهديكم وأن يوفقنا ويوفقكم ودعونا نقول جميعاً .. اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا إجتنابه ثم بعد ذلك نسعى سعياً حثيثاً لمعرفة الحق وطلبه حتى نتبعه ولمعرفة الباطل حتى نجتنبه ونبتعد عنه والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحابته أجمعين والسلام عليكم ورجمة الله وبركاته .
=============
شبهة حديث الحوض
حديث الحوض فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( يَرِدُ علي رجال أعرفهم ويعرفونني فيذادون عن الحوض – يعني حوض النبي يوم القيامة - فأقول أصحابي أصحابي فيقال : إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك ) ولهذا الحديث روايات أخرى فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( فأقول سحقاً سحقاً ) هؤلاء الذين يذادون عن الحوض من هم ؟ قالوا هم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز لكم أن تثنوا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم في الأصل يذادون عن الحوض ويقول النبي صلى الله عليه وسلم عنهم سحقا سحقاً .. فنقول مستعينين بالله تبارك وتعالى :
أولاً أن المراد بهؤلاء الصحابة المنافقون وذلك أن المنافقين كانوا يظهرون الإسلام للنبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله جل وعلا { إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ 1 } ..
وقد يقول قائل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف المنافقين فنقول نعم كان يعرف بعضهم ولم يكن يعرفهم كلهم ولذلك قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } فبين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم جميع المنافقين وكان يظن أن أولئك من أصحابه وليسوا كذلك بل هم من المنافقين .
ثم الشيء الثاني أن المراد بهم الذين إرتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنه بعد توفي النبي صلوات الله وسلامه عليه إرتد بعض العرب .. إرتدوا عن دين الله تبارك وتعالى حتى قاتلهم أبو بكر الصديق مع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وسميت تلك الحروب بحروب الردة , فقالوا المراد بالذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم سحقاً سحقاً هم الذين أرتدوا بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه
على الأول أو على الثاني لا يدخل أًصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر لماذا ؟ لأننا في تعريف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ماذا نقول ؟ ..
نقول كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك .(1/315)
فإذا قلنا أنهم هم المنافقون فالمنافقون لم يؤمنوا بالنبي يوماً صلوات الله وسلامه عليه , وإذا قلنا هم المرتدون فالمرتدون لم يموتوا على الإسلام .. فهؤلاء لا يدخلون في تعريف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما إذا قصدوا أن الصحابة كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل أبو جهل في الصحابة وأبو لهب وأمية بن خلف وأبي بن خلف والوليد بن عتبة وغيرهم من المشركين يدخلون في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونحن لا نقول بذلك أبداً .. ولكن نقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وسعد بن معاذ ومعاذ بن جبل وأُبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وعبدالله بن عمر وعبد الله بن العباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وفاطمة وعائشة والحسن والحسين وغيرهم كثير .. هؤلاء هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , فمن من هؤلاء كان منافقاً ومن من هؤلاء إرتد عن دين الله تبارك وتعالى بل كل هؤلاء آمنوا بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولقوه وماتوا على ذلك والعلم عند الله تبارك وتعالى .
فالقصد أن الجواب الأول أن قول النبي صلى الله عليه وسلم سحقاً سحقاً هو للمنافقين الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم , أو هم الذين إرتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا أصلاً من المسلمين ثم إرتدوا وتركوا دين الله جل وعلا .
وهناك جواب ثالث وهو أن المعنى كل من صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو لم يتابعه , وإن كان النبي يعلم ذلك كعبد الله بن أبي بن سلول وهو كما هو معلوم رأس المنافقين وهو الذي قال : لإن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل , وهو الذي قال ما مثلنا ومثل محمد وأصحابه إلا كما الأول سمن كلبك يأكلك . فهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه فيكون هذا هو المقصود ولذلك إن تعريف الصحابة بأنه كل من لقي النبي مؤمناً به ومات على ذلك تعريف متأخر وأما كلام العرب كل من صحب الرجل فهو من أصحابه مسلماً أو غير مسلم متبع له أو غير متبع هذا أمر آخر . ولذلك لما قال عبد الله بن أبي بن سلول كلمته الخبيثة ( ليخرجن الأعز منها الأذل ) قام عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغته هذه الكلمة قال : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق , فقال صلى الله عليه وسلم : (لا يا عمر لا يقول الناس إن محمد يقتل أصحابه ) , فسماه من أصحابه صلوات الله وسلامه عليه وهو رأس المنافقين , فهو غير داخل فالذين نحن نسميهم صحابة رضي الله عنهم وأرضاهم .
كذلك قد يكون المقصود بالأصحاب أي من صحب النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الدين ولو لم يرى النبي صلى الله عليه وسلم فندخل نحن في هذا المسمى ولذلك جاءت بعض روايات الحديث ( أمتي أمتي ) بدل ( أصحابي ) فنكون من أمته صلوات الله وسلامه عليه , وقد يقول قائل كيف وقد جاء في الحديث ( أعرفهم ويعرفونني ) فنقول أنه قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعرف أمته بآثار الوضوء صلوات الله وسلامه عليه .
ولنا سؤال هنا لو جاءنا النواصب , والنواصب هم الذين يبغضون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يبغضون علياً وفاطمة والحسن والحسين وغيرهم من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وقالوا هؤلاء الذين إرتدو وهؤلاء الذين يذادون عن الحوض هم علي والحسن والحسين كيف تردون عليهم ؟؟!
الرد عليهم بأن نقول لهم ليسوا من هؤلاء بل هؤلاء جاءت فيهم فضائل ..
فنقول أبو بكر وعمر وعثمان وأبو عبيدة جاءت فيهم فضائل فما الذي يخرج علياً ويدخل أبا بكر وعمر !!
فالقصد إذاً أن حديث الحوض لا يشمل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
شبهة جيش أسامة
يقولون إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما جهز جيش أسامه وذلك لينتقم أسامة رضي الله عنه لأبيه زيد بن حارثة لما قُتل في مؤته جهز النبي جيش أسامة ليذهب إلى مؤته وقالوا جعل من ضمن هذا الجيش أبا بكر وعمر حتى يصفو الجو لعلي رضي الله عنه ويستطيع النبي أن يعينه خليفة !! أنظروا كيف جعلوا النبي صلى الله عليه وسلم ضعيفاً يخاف من أبي بكر وعمر فيرسلهما في الجيش حتى يستطيع أن يبين للناس أن علياً هو الخليفة !! هكذا يكتم الدين بهذه الدرجة .. وهذا طعن في النبي صلوات الله وسلامه عليه , الله سبحانه وتعالى يقول له : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } يقول : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1 قُمْ فَأَنذِرْ 2} { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } وهم يقولون يخاف من هؤلاء الصحابة صلوات الله وسلامه عليه وحاشاه من ذلك .
ثم يضيفون إلى هذا الأمر أموراً أخرى وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لعن الله من تخلف عن جيش أسامة ) حتى تصيب اللعنة أبا بكر وعمر .(1/316)
فنقول أولاً : إن أبا بكر لم يكن أبداً في جيش أسامة , ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام : لعن الله من تخلف عن جيش أسامة , بل هذا كذب على النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما كون عمر في جيش أسامه فهذا هو المشهور في السير , أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عمر في جيش أسامة .
كيف يكون أبا بكر في جيش أسامة والنبي أمر أبا بكر ان يصلي بالناس في فترة مرض النبي صلى الله عليه وسلم ,هذا تناقض لا يمكن أن يحدث ولذلك لما أراد أسامة أن يخرج إستأذن أبو بكر أسامةَ أن يبقي عمر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بل ما سير جيش أسامة إلا أبو بكر الصديق , وذلك أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أشار بعض الصحابة على أبي بكر أن يبقي جيش أسامة في المدينة خوفاً على المدينة من المرتدين ومن العرب الذين لم يسلموا بعد فأبا أبو بكر أن ينزل راية رفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يخرج جيش أسامة , وخرج جيش أسامة بأمر من أبي بكر الصديق رضي الله عنه , فكيف جعلوا أبا بكر الصديق الذي أخرج جيش أسامة جعلوه ممن تخلف وجعلوه ممن يستحق اللعن من النبي صلى الله عليه وسلم وما هذا إلا من شيء في قلوبهم على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
شبهة قضية فدك
قضية أقيمت لأجلها الدنيا , تكلموا فيها كثيراً وشنعوا فيها كثيراً على أصحاب النبي صلوات الله وسلامه عليه وهي قضية فدك وما أدراك ما فدك . فدك أرض للنبي صلى الله عليه وسلم من أرض خيبر وذلك من المعلوم أن خيبر لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إليها وحاصرها إنقسمت إلى قسمين , إلى قسم فُتح عنوة وإلى قسم فُتح صلحاً , من الذي فُتح صلحاً في خيبر ما فيه فدك .
فدك أرض صالح النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عليها على أنهم يزرعونها ويعطون نصف غلتها للنبي صلى الله عليه وسلم , فنصف غلة فدك تكون للنبي صلى الله عليه وسلم .
بعد أن توفي صلوات الله وسلامه عليه جاءت فاطمة رضي الله عنها تطالب بورثها من النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت إلى أبي بكر لأنه خليفة المسلمين الذي كانت تعتقد خلافته , فذهبت إليه و طلبت منه أن يعطيها فدك ورثها من النبي صلى الله عليه وسلم , فقال لها أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) , وهنا لو قلنا لأبي بكر الصديق تعال يا أبا بكر عندك فاطمة تطالب بإرثها وعندك النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( لا نورث ) تطيع من ؟
لا شك أنه سيقول سأطيع النبي صلى الله عليه وسلم .. طيب وفاطمة لماذا لا تطيعها فيقول أطيعها لو لم يكن عندي أمر من النبي صلى الله عليه وسلم , هذا النبي معصوم صلوات الله وسلامه عليه وفاطمة غير معصومة والنبي صلى الله عليه وسلم أمرني قال (لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) وإن أحببتم فسألوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , هذا الحديث رواه أبو عبيدة ورواه عمر ورواه العباس ورواه علي ورواه الزبير ورواه طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا نورث ما تركناه فهو صدقة )
طيب ماذا أصنع أنا عندي حديث النبي وعندي قول فاطمة ؟ .. لا شك أي واحد منا يخاف الله سبحانه وتعالى ويقدر النبي صلى الله عليه وسلم فيقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم على قول كل أحد ..
فقال لها لا أستطيع أن أعطيك شيئاً الرسول قال : ( لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) .. فرجعت فاطمة رضي الله عنها ولم تأخذ ورثها ..
دعونا نوزع إرث النبي صلى الله عليه وسلم لو كان له إرث من الذي يرث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟
يرثه ثلاثة : ترثه فاطمة ويرثه أزواجه ويرثه عمه العباس .
أما فاطمة فلها نصف ما ترك لإنها فرع وارث .. أنثى ..
وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم يشتركن في الثُمُن لوجود الفرع الوارث وهي فاطمة ..
والعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ الباقي تعصيباً ..
هذا هو إرث النبي صلى الله عليه وآله وسلم , إذا ليست القضية خاصة بفاطمة ولذلك أين العباس لماذا لم يأت ويطالب بإرثه من النبي صلى الله عليه وسلم , أين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لم يأتين ويطالبن بإرثهن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
فلم يعطها الإرث , قد يقول قائل كيف تحرمونها من الإرث ؟ والله سبحانه وتعالى يقول : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } ويقول عن زكريا عليه الصلاة والسلام أنه قال عن يحى لما طلب الولد قال: { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } , وأنتم تقولون ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) هذا الحديث يقوله أبو بكر وتلك آية والآية إذا عارضت الحديث فالآية مقدمة على الحديث ..
فنقول ليس الأمر كما قلتم لماذا .. تعنتاً .. لا ليس والله تعنتاً وما يضيرنا لو أخذت فاطمة نصيبها رضي الله عنها وأرضاها إن كان لها نصيب ..(1/317)
ولكن نقول إقرأوا الآيات وتدبروها قليلاً لا نريد أكثر من ذلك , الله جل وعلا ماذا يقول عن زكريا ؟ قال { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } ما الآيات التي قبلها , يقول الله تبارك وتعالى عن زكريا { كهيعص 1 ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا 2 إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا 3 قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا 4 وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا 5 يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا 6} .. سياق الآيات هل هي وراثة مال ؟ إقرأوا كتب السيرة ماذا كان حال زكريا .. فقير .. زكريا كان نجاراً كان فقيراً ما هو المال الذي عند زكريا حتى يطلب وارثاً له , ثم هل يعقل أن رجلاً صالحاً يسأل الله الولد ليرث ماله !! أين الصدقة في سبيل الله .. أين البذل ؟ يطلب ولداً ليرث ماله !! لا نقبل هذا لرجل صالح فكيف تقبلونه لنبي كريم !! أن يسأل الله الولد لأي شيء قال : حتى يرث أموالي !! هذا لا يمكن أن نقبله في نبي كريم مثل زكريا عليه الصلاة والسلام , ثم ماذا يقول : { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } كم بين يعقوب وزكريا من الآباء والأجداد ؟ مئات السنين عشرات إن لم نقل مئات الآباء بين زكريا ويعقوب , موسى بين زكريا ويعقوب أيوب بين زكريا ويعقوب , داوود وسليمان بين زكريا ويعقوب , يونس بين زكريا ويعقوب , يوسف بين زكريا ويعقوب .. كل أنبياء بني إسرائيل تقريباً بين زكريا ويعقوب زكريا يمثل آخر أنبياء بني إسرائيل زكريا يحى عيسى .. إنتهت النبوة ويعقوب هو إسرائيل , كل أنبياء بني إسرائيل هم بين زكريا ويعقوب ونحن لانتكلم عن جميع الأنبياء نتكلم عن بني إسرائيل أمة كاملة ..
كم سيكون نصيب هذا الولد { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } وكم وكم من الذين سيحجبونه عن الميراث , الأولاد الأقرب ..
هذا كلام لا يُعقل .. إذاً ماذا أراد زكريا .. أراد ميراث النبوة هذا الميراث الحقيقي ميراث النبوة .. يرث النبوة .. يرث الدعوة إلى الله تبارك وتعالى يرث العلم , ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم ) هذا الذي أراده زكريا صلوات الله وسلامه عليه , ومنه ميراث سليمان صلوات الله وسلامه عليه لما قال الله تبارك وتعالى { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } ورث ماذا ؟ .. ورث العلم ورث النبوة ورث الحكمة , لم يرث المال لو كان مالاً ما فائدة ذكره .. طبيعي جداً الولد يرث أباه , هذا أمر طبيعي فلماذا يذكر في القرآن ؟ إذاً الذي ذكر في القرآن أمر ذا أهمية عندما يقول الله تبارك وتعالى { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } أراد أن ينبه إلى شيء مهم ليس مجرد وراثة مال , ثم كم لداوود من الأبناء إرجعوا إلى سيرة داوود , داوود على المشهور كانت له ثلاثمئة زوجة وسبع مئة سُرّية – يعني أمة - ذكروا لداوود أولاد كثر ألا يرثه إلا سليمان ! صلوات الله وسلامه عليه .. هذا لا يمكن أن يكون أبداً .
ولنفرض أنه ورث طيب ما شأن أبي بكر وعمر وعثمان هل أخذوا هذا المال لهم ؟ , كانوا يعطونه لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ما ذنبهم .. ما الخطيئة التي أرتكبوها .. هل أبو بكر إستدخل فدك له , هل إستدخلها عمر .. هل إستدخلها عثمان أبداً لم يستدخلوها , إذاً لماذا يُلامون ؟ !
لماذا نزرع الكراهية في قلوب الناس لأبي بكر وعمر وعثمان ؟! ماذا صنعوا بفدك ؟!
خاصة إذا قلنا إن عمر وعثمان عاشا بعد فاطمة زمن الخلافة , فاطمة ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها بعده بستة أشهر على المشهور .. ما شأن عمر وعثمان بفدك ؟! ..
دعونا نسلم بأن فدك إرث لفاطمة رضي الله عنها .. نصيبها الذي هو النصف إذا ماتت فاطمة من يرث فاطمة ؟ يرثها أولادها وزوجها من أولاد فاطمة ؟ .. اربعة : الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وزوجها علي , أبوها توفي صلى الله عليه وسلم وأمها توفيت وهي خديجة رضي الله عنها , مابقي من الورثة إلا الأولاد والزوج .. الزوج يأخذ الربع لوجود الفرع الوارث فربع الميراث لعلي , وبقية الميراث - ميراث فاطمة – لأولاد فاطمة للذكر مثل حظ الأنثيين ..
طيب علي في خلافته لم يعط فدك لفاطمة ولم يعطها لأولاد فاطمة ..
فإن كان أبو بكر ظالماً وعمر كان ظالماً وعثمان كان ظالماً لفدك فعلي كان ظالماً كذلك , فكلهم لم يعطوا فدك لأهلها .. أبو بكر لم يعطها لأهلها , عمر لم يعطها لأهلها , عثمان لم يعطها لأهلها , علي لم يعطها لأهلها , وإسألوا علمائكم في هذا الأمر هل أعطى علي فدك لأولاد فاطمة ؟ لم يعطهم فدك .(1/318)
الحسن إستخلف بعد علي هل أعطى فدك لأخيه الحسين ولأخته زينب لم يعطهم , لأن أم كلثوم كانت قد توفيت ..
إذاً لماذا يُلام أبو بكر وعمر وعثمان ولا يُلام علي رضي الله عنه ؟! إما أن يُلام الجميع وإما أن لايُلام أحد ..
ننظر موقف أهل السنة وموقف الشيعة , أهل السنة لا يلومون أحداً , لماذا لا تلومون أحداً .. قالوا لأنها أصلاً ليست ميراثاً لفاطمة ولذلك لا نلوم أحداً .
أما الشيعة فيلومون أبو بكر ويلومون عمر ويلومون عثمان ويلزمهم أن يلوموا علي ولذلك خرجت طائفة من الشيعة يُقال لها الكاملية هذه الطائفة تطعن في علي مع أنها شيعية .. قالوا أبو بكر وعمر وعثمان ظلمة أخذوا الخلافة من علي , وعلي لم يستجب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أمره بالخلافة و بايعهم وترك أمر الخلافة فعلي أيضاً مذنب ..
وهذا يلزمهم لأنهم لو فكروا بعقولهم بناءً على الأدلة الباطلة التي إستدلوا بها , إذاً فدك ليست إرثاً لفاطمة رضي الله عنها وأبو بكر خيراً صنع لأنه إتبع النبي صلى الله عليه وسلم لأنه سمعه يقول : ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة )
هناك قول آخر وهو أن فدك هبة وهبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة كيف وهبها النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة .. قالوا لما فتح الله تبارك وتعالى فدك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم نادى فاطمة وأعطاها إياها .. هل هذا صحيح ؟
قالوا نعم لما نزل { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ } بعد فتح خيبر ناداها قال هذا حقك خذي حقك وأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها وأرضاها .. هل هذا الكلام صحيح .. هل يُقبل أصلاً هذا الكلام ..
للنبي صلى الله عليه وسلم سبعة من الولد ثلاثة ذكور وأربعة إناث .. الذكور عبد الله والقاسم وإبراهيم كلهم ماتوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهم صغار لا دخل لهم هنا إذاً , بقي للنبي صلى الله عليه وسلم أربع من البنات أصغرهن فاطمة رضي الله عنها , ثم تأتي بعد فاطمة رقية ثم أم كلثوم ثم زينب وهي الكبيرة هؤلاء هن بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
يقولون النبي صلى الله عليه وسلم أعطى فاطمة فدك ولم يعطي باقي البنات , بنات النبي صلى الله عليه وسلم توفيت رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية من الهجرة لما خرج إلى بدر صلى الله عليه وآله وسلم , لكن أم كلثوم وزينب توفيتا بعد ذلك , أم كلثوم توفيت في السنة التاسعة من الهجرة , وزينب توفيت في السنة الثامنة من الهجرة .. خيبر في أول السنة السابعة من الهجرة .. أنظروا كيف يتلاعب الشيطان بالناس , فيكون النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح الله عليه خيبر له ثلاث بنات أحياء فاطمة وزينب وأم كلثوم .. تصوروا كيف ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم كأن النبي يأتي إلى بناته الثلاث ويقول تعالي يا فاطمة هذه فدك لك وأنتما يا أم كلثوم ويا زينب مالكما شيء .. أيجوز أن يُقال هذا في النبي صلى الله عليه وسلم ؟ , إن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه بشير بن سعد والد النعمان بن بشير وقال : يا رسول الله إني أريد أن أنحل إبني هذا حديقة وأريدك أن تشهد على ذلك , والنبي يعلم أن له أولاد آخرون غير هذا الولد , فقال له صلوات الله وسلامه عليه : ( أكل أولادك أعطيت ؟ ) يعني أعطيت بقية أولادك أو أعطيت هذا فقط , قال : لا , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذهب فإني لا أشهد على جور ) .
والنبي يقول : ( إتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم ) ويقول : ( لا أشهد على جور ) الله أكبر ! أنرضى أن هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي لا يشهد على الجور والذي قول لنا : ( إتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم ) أرضى أن يكون هو بذاته صلى الله عليه وسلم الذي يفرق بين أولاده !! الذي لا يشهد على الجور هل يفعل الجور ؟! صلى الله عليه وآله وسلم .. لا يمكن هذا أبداً , إذاً لن يعط النبي صلى الله عليه وسلم فدك لفاطمة دون بناته .
ثم يا عقلاء إن كان النبي أعطاها لفاطمة فجاءت تطالب بماذا إذاً في عهد أبي بكر , إذا أخذتها وأستلمتها تطالب بماذا ؟ هي ملكك تطالبيني بماذا ؟ ! تقول أعطاها النبي في السنة السابعة من الهجرة وتوفي بعد أن أعطاها بأربعة سنوات .. وتأتي في عهد أبي بكر تقول أعطني الذي أعطاني النبي قبل أربع سنين !! أيعقل هذا الكلام .. لا يُعقل هذا أبداً ولا يُقبل مثل هذا الكلام .(1/319)
بقي شيء واحد يقولون لما غضبت فاطمة إذاً رضي الله عنها وأرضاها .. فاطمة إستدلت بعموم قول الله تبارك وتعالى { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } فعلى هذا الأساس جاءت تطالب بإرثها رضي الله عنها فلما قال لها أبو بكر رضي الله عنه ( لا نورث ما تركناه صدقة ) إنتهى الأمر ورجعت , عائشة رضي الله عنها التي تروي هذه القصة وتروي هذا الحديث تقول : فوجدت على أبي بكر أي غضبت أنه لم يعطيها فدك , لكن ليس في الحديث شيء أن فاطمة تكلمت على أبي بكر بشيء وإنما هذا فهم عائشة فهمت أن فاطمة وجدت وتضايقت وأنها لم تكلم أبا بكر , طبيعي جداً أنها لم تكلم أبا بكر لأنها كانت مريضة وما كان أبا بكر يخالطها أصلاَ , ليست إبنته وليست قريبة له , هي إبنة النبي وزوجة علي رضي الله عنه ما شأن أبي بكر بها ؟ ولذلك زارها قبل موتها رضي الله عنها , بل وعلى المشهور أن التي غسلتها والتي كانت تمرضها هي أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر الصديق هي التي غسلت فاطمة رضي الله عنها .. فقضية أن فاطمة وجدت على أبي بكر الله أعلم بذلك . هذا فهم عائشة تقول أنها وجدت لكن ليس الحديث نص أن فاطمة تكلمت في أبي بكر أو طعنت فيه أبداً .. سكتت رجعت إلى بيتها بعد أن قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) .
شبهة رزية يوم الخميس
أو حديث الرزية , والرزية يعني المصيبة التي وقعت هذا الحديث يرويه بن عباس يقول : لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم – يعني الوفاة – وفي البيت رجال فيهم عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هلم أكتب كتاباً لا تضلون بعده ) , فقال عمر : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ) , وأختلف أهل البيت وأختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً لا تضلوا بعده , ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو والإختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قوموا ) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما .
هم يطعنون على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة عمر من خلال هذا الحديث , مدار طعنهم في ماذا ؟ :
أولا قالوا إن عمر قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر , وهذه قالها التيجاني كذباً وزوراً في كتاب فسألوا أهل الذكر ص144 وص 179 ونسبه إلى البخاري كذباً وزوراً وهو ليس في البخاري أن عمر قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر وإنما قال غلب عليه الوجع .
ما معنى قول عمر : ( حسبنا كتاب الله ) هل معنى هذا أننا لا نريد السنة , هكذا هم يلبسون على الناس , إن معنى قول عمر ( حسبنا كتاب الله ) أي ما جاء في كتاب الله { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } يكفي كمل الدين دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتاح , إجتهد عمر في هذه .. أصاب أو أخطأ هذا موضوع آخر , لكن هل نقول إن عمر كتم الدين رضي الله عنه وأرضاه !! عندما قال ( حسبنا كتاب الله ) , هل كان الذي سيبلغه النبي صلى الله عليه وسلم أمراً لازماً واجباً لابد منه وأحذروا قبل أن تقولوا نعم , لأننا إذا قلنا نعم هو أمر لازم واجب لابد منه والنبي لم يبلغه معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتم الرسالة ولم يكملها وكتم بعضها والله جل وعلا يقول { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } قبل هذه الحادثة بثلاثة اشهر في حجة الوداع قال الله هذا الكلام سبحانه وتعالى وأنزله على نبيه قرآناً يتلى .
بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله والجنة إلا وأمرتكم به , وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه ) إذاً النبي بلغ الرسالة .
بقي أمر وهو ما هو هذا الأمر الذي أراد النبي أن يبلغه ؟ , جاء في مسند أحمد بإسناد مرسل ولكنه صحيح – صحيح مرسل – إلى حُميد بن عبد الرحمن بن عوف أن علياً رضي الله عنه كان حاضراً في هذه الحادثة فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إئتوني بكتاب قال علي : يا رسول الله إني أحفظ , قل أحفظ , فقال :
( أوصيكم بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم ) إذاً بلّغ ما كان يريد صلوات الله وسلامه عليه ..
ولنا أن نسأل هل كان علي حاضراً رضي الله عنه في هذه الحادثة .. قطعاً نعم عند الجميع عندنا وعند الشيعة هو حاضر , إذاً لما لم يكتب لما لم يذهب ويأتي بالدواة والقلم ويكتب مع من كان علي مع الذين منعوا أو مع الذين لم يمنعوا ؟! ..(1/320)
هذا الموقف من النبي صلى الله عليه وسلم لما قال : ( قوموا عني ) أمرهم أن يقوموا عنه صلوات الله وسلامه عليه .. لماذا قال قوموا عني ؟ .. لأنه صار صياح هذا يقول قرب وهذا يقول لا تقرب والنبي صلى الله عليه وسلم في وادي وهم في وادٍ آخر , ولذلك أمرهم بالخروج صلوات الله وسلامه عليه .
نعم هناك من قال يستفهم: أهجر ؟؟ يعني أهذا الذي يقوله النبي صلى الله عليه وسلم هجراً أو لا ؟؟ ولكن نقول من يقول أن الذي قال هذا عمر ؟ لماذ لا يكون قاله علي ! ونحن أيضاً نقول علي لم يقل هذا , إذاً من الذي قال : أهجر ؟ , لعله أحد الذين كانوا حديثي إسلام وحضروا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا مثل هذه الكلمة .. ولكن لم يثبت أبداً أن أبا بكر قال هذه الكلمة أو عمر أو عثمان أو علي أو الزبير أو طلحة أو أحد من كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
النبي صلى الله عليه وسلم معلوم أنه لما أصابه الوجع قبيل موته لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم الوفاة كما قال بن عباس إذ كان الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم شديداً صلى الله عليه وآله وسلم .. ولذلك بن مسعود لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت وجده يعرق عرقاً شديداً يتصبب العرق من جبينه , فقال يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً قال : ( إني أوعك كرجلين منكم ) , قال : أذلك لأن لك الأجر مرتين ؟ , قال : ( نعم ) .
فشفقة عمر على النبي صلى الله عليه وسلم هي التي دفعته أن يقول ( حسبنا كتاب الله حسبنا كتاب الله ) يعني دعوا النبي يرتاح صلى الله عليه وسلم .
وقلنا ونعيد ونكرر قبلتم هذا أو لم تقبلوه , لكن هل هذا يُخرج عمر من الملة ؟ , هل هذا يجعل عمر عاصياً لله جل وعلا ..
طبعاً هناك دعوى عريضة لا دليل عليها وهي أن هذا الكتاب هو خلافة علي ! دعوى من يقول إن هذه الدعوى صحيحة , أنا الآن في هذا المقام سأقول أن هذا الكتاب هو خلافة أبو بكر .. من يمنعني ؟ بل أنا صاحب الدليل لأنه ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إئتوني بكتاب فإني أخشى أن يتمنى متمني ويأبى الله إلا أبا بكر ) ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر هو الذي يصلي بالناس في مرض موته صلوات الله وسلامه عليه .
من يقول أن هذا الكتاب هو خلافة علي ؟ ثم هذا الكتاب هو خلافة علي أليس النبي قد بلّغ خلافة علي – كما يدعي القوم - في الغدير وقبل الغدير في تبوك , وقبل تبوك في مكة في حديث الإنذار حديث الدار فلماذا صار الأمر إلا الآن .. الآن فقط يريد أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم , ثم تعالوا ننظر إلى ما بلغه النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن ومن السنة كم نسبة المكتوب من غير المكتوب ولا شيء جل ما بلّغه النبي صلى الله عليه وسلم مسموع غير مكتوب , والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :
( نحن أمة أمية لا نكتب الشهر عندنا هكذا وهكذا وهكذا ) يعد بأصابعه صلوات الله وسلامه عليه , ولذلك أنظروا كم حديث للرسول صلى الله عليه وسلم الذي كتبه الصحابة وكم حديث للنبي صلى الله عليه وسلم الذي وعاه الصحابة وحفظوه لا مقارنة فلماذا هذه بالذات تُكتب , فالقصد أننا ننظر في هذا الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم هل هو أمر واجب أو أمر مستحب .. قطعا هو أمر مستحب وليس من الأمر الواجب لأننا قلنا قبل قليل إذا قلنا إنه من الأمر الواجب فإننا نقول إن النبي قد كتم والنبي لم يكتم صلى الله عليه وسلم , هذا ليس امر واجب بل هو من المستحبات التي تركها للمصلحة صلوات الله وسلامه عليه .(1/321)
وختاماً نقول إقرأوا كتاب الله تبارك وتعالى تدبروا كلام الله جل وعلا إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز : { لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} أي الذين أنفقوا من قبل الفتح والذين أنفقوا من بعد الفتح كلهم وعدهم الله تبارك وتعالى الحسنى , وماذا يترتب على وعد الله تبارك وتعالى بالحسنى , قال الله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ 101 لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ} , تدبروا قول الله تبارك وتعالى : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } , تدبروا قول الله تبارك وتعالى { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ.. } , تدبروا قول الله تعالى { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ 8 وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 9} , اقرأوا قول الله تبارك وتعالى { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا 18} أيرضى الله عن المنافقين لا يرضى الله تبارك وتعالى أبداً عن المنافقين , إن الله لا يرضى إلا عن المؤمنين لأن الله تبارك وتعالى يعلم ما كان ويعلم ما يكون سبحانه وتعالى فالله بكل شيء عليم ولا يرضى الله عن المنافقين أبداً .
إن من أبرز صفات المنافقين في كتاب الله جل وعلا وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفي واقع الأمر أنهم أجبن الناس , يخافون على أنفسهم ويخافون الموت ولذلك تجدهم مذبذبين كما قال الله جل وعلا { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء} فهل هذه الصفات هي صفات أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم , إن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم هم الذين باعوا أنفسهم وأشتروا الجنة والذين بذلوا كل شيء في سبيل الله تبارك وتعالى هم الذين قاتلوا المرتدين , هم الذين فتحوا البلاد هم الذين فتحوا الهند والسند وفتحوا الشام ومصر وفتحوا العراق وفتحوا بلاد فارس هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم , هم هؤلاء الذين تطعنون أنتم فيهم الله يقول { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ } والله سبحانه وتعالى يقول { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ } الله تبارك وتعالى يقول { لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} ويقول بعدها { وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} وأنظروا أنتم ماذا تقولون أنتم وماذا يقول علمائكم عن أولئك الصحابة , أتصدقون الله ورسوله أو تصدقون علمائكم ؟ إنكم بين أمرين , كيف بمن جلس مع طلابه ثلاثاً وعشرين سنة يعلمهم صلوات الله وسلامه عليه وهو رسول الله أوتي جوامع الكلم .. أحرص الناس على الخير .. أتقى الناس لله .. أعلم الناس بالله .. أصدق الناس مؤيد من عند الله تبارك وتعالى ثم بعد ذلك لم ينجح أحد !! إلا ثلاثة .. إلا أربعة إلا خمسة .. إلا سبعة على روايات متفاوتة عندهم ... أتقبلون هذا !!؟ ..
أتقبلون أن يُقال فشل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تربية أصحابه .. إنه الكفر بعينه إنه الطعن في ذات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .(1/322)
إن صفات أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أبداً أن تكون صفات المنافقين .. إقرأوا كتاب الله وتدبروه .. إقرأوا سورة التوبة لتعلموا ما هي صفات المنافقين وأقرأوا باقي القرآن , آل عمران والفتح وغيرها من كتاب الله حتى تعلموا صفات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , إنكم تطعنون في أقوام قد حطوا رحالهم في الجنة , إنكم تطعنون في أقوام كان علي يحبهم وكان أولاده يجلونهم , علي رضي الله عنه زوج إبنته أم كلثوم لعمر يا من تطعنون في عمر , علي رضي الله عنه سمى أولاده بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان , الحسن سمى أولاده بأسماء أبي بكر وعمر , علي بن الحسين سمى إبنته عائشة وسمى ولده عمر , سُكينة بنت الحسين من زوجها ؟ مصعب بن الزبير بن العوام .
إن العلاقات بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأولادهم مع آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأولادهم كانت حميمة جداً والله ما كان بينهم ما يدعون من كفر أولئك وعصمة الآخرين بل كانت علاقة ود وصفاء ومحبة هكذا كانوا .. لماذا نقبل من الآخرين أن يسيروا فكرنا ولا ننظر نحن في كتب التاريخ وكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وتراجم هؤلاء لنعرف الحقيقة بأنفسنا , كل منا سيحاسب في قبره لوحده سيحاسبه الله تبارك وتعالى لماذا أبغضت هؤلاء ؟ .. ما ذنبهم ؟ .. إنهم أولياء الله جل وعلا والله سبحانه وتعالى يقول ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) وإنما توعد الله بالحرب ثلاثة .. توعد آكل الربا , وتوعد الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً , وتوعد الذين يحاربون أولياءه فأحذر ..
والله ما أردنا من هذه الجلسة إلا أن نقدم النصح والله لا نريد لكم إلا الخير لا نريد لكم إلا الجنة .. ليست بأيدينا ولكن الله تبارك وتعالى بين لنا طريقها وبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم طريقها , إنه بقدر ثبوت قدمك على الصراط في هذه الدنيا يكون ثبوت قدمك على الصراط في الآخرة نسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا ويهديكم وأن يوفقنا ويوفقكم ودعونا نقول جميعاً .. اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا إجتنابه ثم بعد ذلك نسعى سعياً حثيثاً لمعرفة الحق وطلبه حتى نتبعه ولمعرفة الباطل حتى نجتنبه ونبتعد عنه والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحابته أجمعين والسلام عليكم ورجمة الله وبركاته .
===============
شبهات حول عمر رضي الله عنه
1. ... مطاعن الشيعة في الفاروق رضي الله عنه والرد عليها
2. ... موقف الشيعة من الفاروق عمر رضي الله عنه
3. ... إدعائهم أن عمر رضي الله عنه يخالف النبي صلى الله عليه وسلم
4. ... زعمهم أن عمر رضي الله عنه يجتهد في مقابل النصوص
5. ... إدعائهم على عمر رضي الله عنه بالجهل
6. ... إدعائهم أن عمر رضي الله عنه يشهد على نفسه
7. ... موقف الشيعة من عمر رضي الله عنه في أمر الخلافة
8. ... حديث رزية الخميس ومقولة : ما شأنه أهجر - 2 - 3 - 4
9. ... الرد على كذب الشيعة ان سيدنا عمر انهزم في غزوة حنين
10. ... قصة حرق عمر رضي الله عنه لبيت فاطمة رضي الله عنها - 2
11. ... هل أمر الفاروق رضي الله عنه بقتل بعض أهل الشورى؟
12. ... إنكاره موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم
13. ... جهل عمر رضي الله عنه ببعض مسائل الشرع
14. ... درأه للحد عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه
15. ... منعه لخمس أهل البيت
16. ... صلاة التراويح - 2
17. ... تحريمه رضي الله عنه لمتعة النساء ومتعة الحج
18. ... إلقام الحجر لمن طعن في نسب عمر
19. ... مطاعن أخرى للشيعة في الفاروق رضي الله عنه والرد عليها
20. ... المزيد - 2
مطاعن التيجاني في الخليفة الثاني عمر بن الخطاب والرد عليه في ذلك(1/323)
مما لا شك فيه عند كل مطلع على مذهب الرافضة الاثني عشرية يعلم أن الطعن والسب لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم هو أصل هام في مذهبهم ولكنه سيلحظ أن من أكثر الصحابة حظّاً في ذلك هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب والسبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى أن الخليفة عمر هو الذي فتح فارس وأزال مملكتهم، يقول المستشرق الانكليزي الدكتور براؤن موضحاً إن (( من أهم أسباب عداوة أهل إيران للخليفة الراشد، عمر هو أنه فتح العجم، وكسر شوكته، غير أنهم أعطوا لعدائهم صبغة دينية، مذهبية وليس من الحقيقة بشيء ))(1) ثم يضيف قائلاً (( ليس عداوة إيران وأهلها لعمر بن الخطاب بأنه غصب حقوق عليّ وفاطمة، بل لأنه فتح إيران وقضى على الأسرة الساسانية ثم يذكر أبياتاً فارسية لشاعر إيراني تعني: أن عمر كسر ظهور أسود العرنين المفترسة، واستأصل جذور آل جمشيد ( ملك من أعاظم ملوك فارس ) ))(2) وأخيراً يوصلنا إلى النتيجة التي توصل إليها بقوله (( ليس الجدال على أنه غصب الخلافة من عليّ، بل إن المسألة قديمة يوم فتح إيران ))(3) ومن هذا المبدأ فقد صبّ التيجاني في كتابه أشدّ هجوم على الصحابي الجليل عمر بن الخطاب، وسأبدأ بإيراد مطاعنه عليه وسأردّها عليه بإذن الله تعالى وذلك إجلالاً وتعظيماً لهذا الصحابي العظيم الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم (( لقد كان فيمن قبلكم من بني اسرائيل رجال، يُكَلَّمُون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي منهم أحدٌ فعمُرُ ))(4) وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالعلم فقال (( بينا أنا نائم، رأيت الناس عُرضُوا علي وعليهم قُمُصُ، فمنها ما يبلغ الثَّدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعُرض عليَّ عمر وعليه قميص اجتَرَّهُ، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين ))(5) فأقول وبالله التوفيق:
أولاً إبتدأ التيجاني هجومه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مبحث ( الصحابة في صلح الحديبية ) فقد اتهمه أنه لا يمتثل لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم وضاق صدره من قضاء الرسول في صلح الحديبية بل ودفع بقية الصحابة للتخلّف عن أوامر النبي صلى الله عليه وسلم وقد رددت على هذا الخطل وفندته بفضل الله ومنه بما يغني عن الإعادة هنا فليراجع في مكانه من هذا الكتاب(6).
ثانياً طعن التيجاني بعمر بن الخطاب في مبحث ( الصحابة ورزيّة يوم الخميس ) واتهمه بأنه يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم يهجر! وأنه يتعالم على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحترمه! بل ويخطط هو والصحابة في منع النبي صلى الله عليه وسلم من الكتابة؟! إلى آخر هذيانه، وقد أجبت عن كل ذلك بما لا يدع مجالاً لمشكك في طهارة ونقاء باطن هذا الصحابي وظاهره من الفعل السئ في حق النبي صلى الله عليه وسلم وعريت كذب هذا التيجاني وجهله في التعامل مع السيرة النبوية فليراجع في مكانه من هذا الكتاب(7) والحمد لله أولاً وأخيراً.
ثالثاً وفي مبحث ( الصحابة في سرية أسامة ) إتهم عمر بأنه ممن طعن في تأمير أسامة وغيرها من التهم وأجبت عن ذلك في موضعه(8).
رابعاً الرد على التيجاني بادعائه أن عمر يخالف النبي صلى الله عليه وسلم والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( ومن أمعن النظر في مثل هذه الرواية فسيجدهم ينزلون أنفسهم فوق منزلته ويعتقدون بأنه يخطئ ويصيبون، بل إن هذا يستتبع تصحيح بعض المؤرخين لأفعال الصحابة حتى لو خالفت فعل النبي أو إظهار بعض الصحابة بمنزلة من العلم والتقوى أكثر من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حصل ذلك عندما حكموا بأن النبي أخطأ في قضية أسرى بدر وأصاب عمر بن الخطاب، ويروون في ذلك روايات مكذوبة بأنه صلى الله عليه وسلم قال: لو أصابنا الله بمصيبة لم يكن ينج منها إلا بن الخطاب ))(9)، أقول:(1/324)
1 ثبت في الصحيح أن عمر قد وافقه ربه في عدة أمور فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أنس قال (( قال عمر: وافقتُ ربي في ثلاث: فقُلتُ يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلّى فنزلت { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى }. وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنه يكلِّمهن البرُّ والفاجر فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهنَّ: عسى ربه إن طلَّقكنَّ أن يُبدلَهُ أزواجاً خيراً منكُنَّ فنزلت هذه الآية ))(10)، وأخرجه البخاري في موضع آخر بلفظ (( قال عمر: وافقت ربي في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه، فدخلتُ عليهن، قلت: إن انتهيتُنَّ أو ليبدِّلنّ الله رسوله صلى الله عليه وسلم خيراً منكن، حتى أتيت إحدى نسائه قالت: يا عمر، أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظُ نساءه، حتى تعظهنّ أنت؟ فأنزل الله { عسى ربُهُ إن طلَّقكنّ أن يبدِّله أزواجاً خيراً منكنَّ مُسلِمات }. الآية ))(11) أخرج مسلم في صحيحه عن ابن عمر قال (( قال عمر: وافقت ربي في ثلاث في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر ))(12). وأخرج أيضاً عن عمر من حديث طويل ((... قال ابن عباس: فلما أسروا الأُسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأُسارى؟ فقال أبو بكر يا نبي الله! هم بنوا العمّ والعشرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله ان يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: لا والله يا رسول الله! ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكّنا فنضرب أعناقهم، فمتُكّن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتُمكّني من فلان ( نسيباً لعمر ) فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوِي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهْوَ ما قلتُ، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت يارسول الله: أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاءً بكيت وإن لم أجد بكاءً تباكيتُ لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبكي للذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض عَليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة ( شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم ) وأنزل الله عز وجل { ما كان لنبيٍ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض إلى قوله فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً } ، فأحلّ الله الغنيمة لهم ))(13) وهذه الروايات كما ترى ثابته وصحيحة وإذا قال عنها التيجاني روايات مكذوبة فليُظهر ذلك بالدليل الواضح، لا بالجهل الفاضح والعقل الخرب، وهذه الروايات لا تعني أبداً أن بعض الصحابة عندهم من العلم والتقوى أكثر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فالرسول يجتهد في بعض الأمور التي لم ينزل بها الوحي، بحسب المصلحة وليس كل ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر وحياً كما صلّى على رأس المنافقين عبد الله بن أبي فقال له عمر(( يا رسول الله تصلّي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما خيرني ربي فقال { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة } وسأزيده على السبعين، قال: إنه منافق، قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله { ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره } ))(14) وهذا الأمر ثابت بالكتاب، كما هو واضح، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سَوْقه الهدْي في حجة الوداع (( لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما أهديت، ولولا أن معي الهدْي لأحللت ))(15) وأيضاً عندما رجع لرأي زوجتاه عائشة وحفصة عندما حلف أن لا يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش فأنزل الله قوله { يا أيها النبي لم تحرّم ما أحل الله لك تبتغي مرضاتَ أَزواجك والله غفور رحيم } ( التحريم 1) فلو كان كل ما يقوم به عن طريق الوحي لما نزل القرآن يبين له هذه الأمور وليس أن يوافق الله في حادثة أو أكثر أحد الصحابة يُعتبر هذا إنقاص من قدر النبي صلى الله عليه وسلم أو أن بعض الصحابة يملكون علماً أكثر من النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقول ذلك إلا من هو أجهل الناس بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت أن النبي كان يستشير أصحابه في كثير من الأمور التي لم ينزل بها الوحي كما في قضية الأسرى.(1/325)
2 إذا كانت هذه الروايات باطلة فلماذا يحتجُّ بها إخوانك من الرافضة الأثني عشرية، فقد ردَّ الدكتور علاء الدين القزويني على الدكتور موسى الموسوي في كتابه ( الشيعة والتصحيح ) محتجاًّ عليه بحديث أنس فقال (( ولهذا جاء عن أنس بن مالك وهي رواية عمر الذي يقول فيه وافقت ربي في ثلاث أنه قال، قال عمر: بلغني بعض ما أذين رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه، فدخلت عليهنّ، فجعلت أستقريهنّ وأعظهُن، فقلت فيما أقول: لتنتهينّ أو ليبدلنه الله خيراً منكنّ حتى أتيت على زينب فقالت: يا عمر ما كان في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظنا أنت، فأنزل الله تعالى { عسى ربه إن طلّقكن ...} ))(16) ثم يذكر عدة روايات أخرى عن عمر ويقول (( هذه جملة من روايات الصحاح ))(17) والغريب في هؤلاء الرافضة أنهم عندما يحتجّون على أهل السنة ببعض الأحاديث يحللونها، فمرة تكون عندهم صحيحة ولكنها قابلة في الوقت ذاته لكي تصبح ضعيفة، فإذا ظنوا أن فيها مدحاً لصحابي يحوّلونها إلى رواية ضعيفة تلقائياً، ولعل هذا الأمر هو الذي يفسّر كيف أن الحديث الذي يحتج به التيجاني على أهل السنة من كتبهم فيما يظنّه طعناً في صحابي يصبح صحيحاً، وأي حديث يظن أن فيه مدحاً لصحابي يتحول إلى حديث مكذوب وغير مقبول شرعاً وعقلاً! وحسب خبرتي فإني أرجع الفضل في هذا التّلون إلى معمل التحليل الحديثي التابع للمحلل التيجاني!؟
3 يبدو أن التيجاني منزعج ومتأثر بهذا الضلال الذي ينفثه أهل السنة بين الناس (!) فإنهم يدّعون أن بعض أفعال الصحابة خير من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأن بعضهم بمنزلةٍ من العلم والتقوى أكثر من الرسول صلى الله عليه وسلم ويحتج برواية لست أدري من أين أتى بها وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أصابنا الله بمصيبة لم يكن ينج منها إلا ابن الخطاب!؟ وبالطبع لم يعزوها لأي مصدر لأنها مكذوبة وباطلة متناً قبل البحث في سندها، فكيف يصيب الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام بمصيبة! وليس كذلك فقط فالمصيبة يقع بها النبي صلى الله عليه وسلم وجميع أصحابه أللهم إلا عمر !؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله، ثم يقول التيجاني ( والعياذ بالله ) (( .. وكأن لسان حالهم يقول: لولا عمر لهلك النبي (والعياذ بالله )! من هذا الاعتقاد الفاسد المشين الذي لا قبح بعده، ولعمري أن الذي يعتقد هذا الاعتقاد هو بعيد عن الإسلام بعد المشرقين ويجب عليه أن يراجع عقله أو يطرد الشيطان من قلبه، قال الله تعالى { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون } ))(18). أقول:(1/326)
إذن هذا هو حكم التيجاني فيمن يعتقد ذلك الاعتقاد، وحتى أزيده هدايةً سأضطر لكي أكشف عن الذي يرفع بعض الصحابة عن منزلة النبي صلى الله عليه وسلم ويظهرهم بمنزلة من العلم والتقوى أكثر منه صلوات ربي وسلامه عليه، يورد ( الكليني ) وهو من كبار أئمتهم في كتابه ( الأصول من الكافي ) الذي يعتبر في منزلته كالبخاري عند أهل السنة على أن عليّ بن أبي طالب كان كثيراً ما يقول (( أنا قسيم الله بين الجنة والنار وأنا الفاروق الأكبر وأنا صاحب العصاء والميْسَم لقد أقرّت لي جميع الملائكة والروح والرسلُ ِبمثل ما أقرُّوا به لمحمد صلى الله عليه وسلم ولقد حُملتُ على مثلِ حمُولَته وهيَ حمُولةُ الرّب ولقد أُعطِيتُ خِصالاً ما سبقني إليها أحدٌ قبْلي، عُلِّمت المنايا والبلايا والأنساب وفصْل الخِطاب فلم يفُتْني ما سبقني ولم يَعْزُب عنَّي ما غاب عنَّي، ابشِّر بإذنِ الله وأُؤَدّي عنه، كل ذلك من الله مكّنني فيه بعِلْمه ))(19) ولم يكتفوا بذلك بل جعلوا ( أبناء ) عليّ أعظم من أنبياء الله!؟ فيورد إمامهم محمد فروخ الصفار في كتابه ( فضائل أهل البيت ) عن عبد الله بن الوليد قال (( قال لي أبو عبد الله (ع): أيّ شيء يقول الشيعة في عيسى وموسى وأمير المؤمنين (ع) قلت: يقولون: إن عيسى وموسى أفضل من أمير المؤمنين (ع) قال فقال: أيزعمون أنّ أمير المؤمنين (ع) قد علم ما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نعم ولكن لا يقدّمون على أولو العزم من الرسل أحداً قال أبو عبد الله (ع) فخاصمهم بكتاب الله قال قلت: وفي أيّ موضع منه أخاصمهم قال: قال الله تعالى لموسى { وكتبنا له في الألواح من كلّ شيء علماً } إنه لم يكتب لموسى كلّ شيء، وقال الله تبارك وتعالى لعيسى { ولأبيّن لكم بعض الذي تخْتلفون فيه } وقال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم { وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء } ))(20) وعن أبي عبد الله وهو جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب!! قال (( إن الله خلق أولو العزم من الرسل وفضّلهم بالعلم، وأورثنا علمهم وفضّلهم، وفضّلنا عليهم في علمهم وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يعلموا وعلّمنا علم الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمهم ))(21)!!؟ وبعد ذلك لا يسعني إلا أن أتقدم بأحرّ التعازي للدكتور التيجاني على هدايته للباطل!
ثم يقول (( وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإننا نسمع الكثير عن عدل عمر الذي سارت به الركبان حتى قيل ( عدلت فنمت ) وقيل دفن عمر واقفاً لئلا يموت العدل معه وفي عدل عمر حدّث ولا حرج، ولكن التاريخ الصحيح يحدثنا بأن عمر حين فرض العطاء في سنة عشرين للهجرة لم يتوّخ سُنة رسول الله ولم يتقيّد بها، فقد ساوى النبي صلى الله عليه وسلم بين جميع المسلمين في العطاء فلم يفضّل أحداً على أحد، واتّبعه في ذلك أبو بكر مدة خلافته (!)، ولكن عمر بن الخطاب اخترع طريقة جديدة وفضّل السابقين على غيرهم وفضل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين، وفضل المهاجرين كافة على الأنصار كافة، وفضّل العرب على سائر العجم، وفضّل الصريح على المولى وفضل مضر على ربيعة، ففرض لمضر ثلاثمائة ولربيعة مائتين وفضّل الأوس على الخزرج، فأين هذا التفضيل من العدل يا أولي الألباب؟ ))(22).
1 أقول نعم كان عمر يفضّل بالعطاء وليس ذلك مما يعاب عليه لأنه لا يوجد دليل في وجوب التسوية في العطاء ولم يقل به أحد من أهل العلم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحياناً يفضّل بالعطاء فقد أخرج البخاري في صحيحه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال (( قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهماً، قال: فسّره نافع فقال: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثةأسهم، فإن لم يكن معه فرس فله سهم ))(23).
2 (( والمجوّزون للتفضيل قالوا: بل الأصل التسوية، وكان أحيانا، يفضّل، فدلّ على جواز التفضيل، وهذا القول أصح: أن الأصل التسوية، وأن التفضيل لمصلحة راجحة جائز. وعمر لم يفضّل لهوى ولا حابى، بل قسّم المال على الفضائل الدينية، فقدَّم السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ثم من بعدهم من الصحابة، ثم من بعدهم وكان ينقص نفسه وأقاربه عن نظائرهم، فنقص ابنه وابنته عمّن كانا أفضل منه، وإنما يطعن في تفضيل من فضَّل لهوى، أما من كان قصده وجه الله تعالى وطاعة رسوله، وتعظيم من عظّمه الله ورسوله وتقديم من قدّمه الله ورسوله فهذا ُيمدح ولا يُذم، ولهذا كان يُعطي علياً والحسن والحسين ما لا يعطي لنظائرهم، وكذلك سائر أقارب النبي صلى الله عليه وسلم ولو سوّى لم يحصل لهم إلا بعض ذلك ))(24).(1/327)
3 قسم عمر أهل العطاء إلى طبقات: الطبقة الأولى فئة البدرّيين من المهاجرين، ثم فئة البدرّيين من الأنصار، ثم المهاجرين الذين لم يشتركوا في بدر، ثم الأنصار الذين لم يشتركوا في بدر واشتركوا في بقية الغزوات، ثم الذين شهدوا الحديبية وفتح مكة، ثم الذين اشتركوا في فتح القادسية واليرموك، ثم فرض لأناس رواتب خاصة منهم الحسن والحسين، وكان يساوي بين العربي والمولى بخلاف ما يقوله هذا التيجاني، فقد أعطى أهل بدر العرب والموالي على السواء وكتب إلى أمراء الجند: ومن أعتقتم من الحمراء الموالي فأسلموا فألحقوهم بمواليهم، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وإن أحبوا أن يكونوا قبيلة وحدهم فاجعلوهم أسوتكم في العطاء والمعروف(25) أما التقسيمات التي ذكرها التيجاني التي نقلها عن كتّب الشيعة فلا إسناد صحيح لها.
خامساً إدعاء التيجاني على عمر بالجهل والردّ عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( ونسمع عن علم عمر بن الخطاب الكثير الذي لاحصر له حتى قيل أنه أعلم الصحابة وقيل أنه وافق ربّه في كثير من آرائه التي ينزل القرآن بتأييدها في العديد من الآيات التي يختلف فيها عمر والنبي. ولكنّ الصحيح من التاريخ يدلّنا على أنّ عمر لم يوافق القرآن حتى بعد نزوله، عندما سأله أحد الصحابة أيام خلافته فقال: ياأمير المؤمنين إني أجنبت فلم أجد الماء فقال له عمر: لا تصلّ واضطّر عمار بن ياسر أن يذكّره بالتيمم ولكن عمر لم يقنع بذلك وقال لعمار: إنا نحمّلك ما تحملت، فأين علم عمر من آية التيمّم المنزّلة في كتاب الله وأين علمه من سنة النبي الذي علّمهم كيفية التيمم كما علّمهم الوضوء ))(1).
1 لم يرو البخاري هذا الأثر بهذا اللفظ، إنما جاء عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال (( جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أُصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنّا كنّا في سفر أنا وأنت، فأما أنت لم تُصلِّ، وأما أنا فتمعّكت فصلّيت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما كان يكفيك هكذا، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه ))(2).
2 من المعلوم أن عمر بن الخطاب كان لا يجيز للجنب التيمم ويأخذ بظاهر قوله تعالى { وإن كنتم جُنباً فاطّهروا } وقوله { ولا جُنُباً إلا عابري سبيل حتى تغْتسلوا } وبقي عمر كذلك حتى ذكره عمار بالحادثة بينهما ولكنه لم يتذكر ذلك، ولهذا قال لعمار كما جاء في رواية مسلم، اتّق الله يا عمار قال النووي شارح مسلم (( معنى قول عمر ( اتق الله يا عمار ) أي فيما ترويه وتتثبّت فيه، فلعلك نسيت أو اشتبه عليك، فإني كنت معك ولا أتذكرشيئاً من هذا ))(3) ولما قال له عمار:إن شئت لم أحدّث به فقال له عمر: نوليك ما توليت وليس نحملك ما تحملت (( أي لا يلزم من كوني لا أتذكّره أن لا يكون حقاً في نفس الأمر، فليس لي منعك من التحدّث به ))(4) فكلّ ما في الأمر أن عمر لم يتذكر هذه الحادثة وأعتقد أنه ليس معصوماً حتى يُجعل هذا مما يعاب عليه.
3 وأما قوله ( فأين عمر من آية التيمم المنزلة في كتاب الله، وأين علمه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي علّمهم كيفية التيمم كما علّمهم الوضوء ) فهذا لا يدل إلا على عظيم جهله وسخفه، فعمر يعلم هذه الآية ولم يجهلها ويعلم كيفيّة التيمم، ولكن المشكلة عنده هي هل تشمل الجنب أم لا؟ فالله سبحانه يقول { وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً } وعمر لم ير الجنب داخلاً في هذه الآية، والملامسة التي في الآية فسّرها بملامسة اليد لا بالجماع لذلك كان يرى وجوب الوضوء لمن لمس المرأة.
ثم يقول ((... وتجرّأ على كتاب الله وسنة رسوله فحكم في خلافته بأحكام تخالف النصوص القرآنية والسنة النبوية الشريفة ))(5) ويقول في موضع آخر (( وكان عمر بن الخطاب يجتهد ويتأول مقابل النصوص الصريحة من السنن النبوية بل في مقابل النصوص الصريحة من القرآن الحكيم فيحكم برأيه، كقوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ))(6) فأقول وبالله التوفيق:(1/328)
1 بالنسبة لتحريم متعة الحج فالصحيح أن عمر لم يحرّمها نهي تحريم، وإنما كان يريد إرشاد الناس إلى ما هو أفضل والنهي هنا هو نهي أولوية للترغيب في القران بدل التمتع بالعمرة إلى الحج، وحتى لايخلو بيت الله الحرام من المعتمرين باقي أيام السّنة، ولأن التمتّع كان من السهولة بحيث تُرك الاعتمار في غير أشهر الحج، ولهذا أراد عمر ألاّ يخلوا بيت الله من المعتمرين فنهاهم عن التمتع على سبيل الإختيار لا على التحريم، وإلا فقد ثبت عن عمر إباحته فعن ابن عباس قال (( سمعت عمر يقول والله إني لا أنهاكم عن المتعة، وإنها لفي كتاب الله، وقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني العمرة في الحج ))(7) وعن الصُّبي بن معبد في جزء من الحديث أنه قال لعمر: إني أحرمت بالحج والعمرة، فقال له عمر: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم (8)، ولا شك أن الاعتمار في غير أشهر الحج أفضل من المتعة باتفاق الكثير من الفقهاء.
2 ثبت أيضاً عن أبي ذر أنه كان يحرِّم متعة الحج مطلقاً كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن إبراهيم التيِّمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال (( كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة ))(9)، وأبو ذر من الصحابة المرضيين عندكم فإذا كان الخطأ في مسألة يقتضي القدح والطعن فينبغي أن يشمل أبو ذر أيضاً اللهم إذا كانت القضية هي البحث عن مثالب عمر فقط!
3 لِيلاحظ القارئ أن التيجاني يستدل بحديث يرويه أهل السنة في كتبهم على أنه صحيح، والسبب اعتقاده أن الحديث يطعن في عمر، وقد أثبتُّ بآثار أُخرى عن عمر ما يخالف هذه الرواية ولا شك أن هذه الآثار باطلة شرعاً وعقلاً والسبب أنها في صالح عمر!؟
4 وبالنسبة لمتعة النساء فلم يحرِّمها عمر من تلقاء نفسه بل لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّمها فقد أخرج مسلم في صحيحه عن الربيع بن سبرة الجهني أن أباه حدَّثه، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (( يا أيها الناس إني قد كنت أذنتُ لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهنَّ شيء فليخلِّ سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً ))(10)وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن الزهري عن الحسن بن محمد بن علي، وأخوه عبد الله عن أبيهما (( أن علياً رضي الله عنه قال لابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية، زمن خيبر ))(11)، فنكاح المتعة حُرِّم عام الفتح ولا إشكال في الرواية الأخرى التي فيها أنها حرِّمت يوم خيبر والصحيح أنها لم تحرَّم عام خيبر (( بل عام خيبر حرِّمت لحوم الحمر الأهلية، وكان ابن عباس يبيح المتعة ولحوم الحمر فأنكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذلك عليه، وقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرَّم متعة النساء وحرَّم لحوم الحمر يوم خيبر، فقرن علي رضي الله عنه بينهما في الذِّكْرِ لما روى ذلك لابن عباس رضي الله عنهما، لأن ابن عباس كان يبيحهما. وقد روى ابن عباس رضي الله عنه أنه رجع عن ذلك لمَّا بلغه حديث النهي عنهما ))(12)، ولهذا كان سفيان بن عيينة يقول (( قوله ( يوم خيبر) يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة ))(13)، وقال (( أبو عوانة في صحيحة سمعت أهل العلم يقولون: معنى حديث علي أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر، وأما المتعة فسكت عنها وإنما نُهي عنها يوم الفتح ))(14)، وقيل أنها حرِّمت يوم خيبر ثم أبيحت، ثم حرِّمت مرة أخرى، وعلى العموم فقد ثبت تحريمها بالاتفاق عام الفتح من فم النبي صلى الله عليه وسلم.
5 لقد اعترف بهذه الحقيقة عالم شيعي فتح الله بصيرته فأناب إلى الحق وبيَّن أن متعة النساء حرِّمت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأن عمر لم يحرَّمها من تلقاء نفسه وقد أقرَّه على ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيقول (( إن النظرية الفقهية القائلة بأن المتعة حُرِّمت بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب يفندها عمل الامام علي الذي أقر التحريم في مدة خلافته ولم يأمر بالجواز وفي العرف الشيعي وحسب رأي فقهائنا عمل الامام حجة لا سيما عندما يكون مبسوط اليد ويستطيع إظهار الرأي وبيان أوامر الله ونواهيه. والامام علي كما نعلم اعتذر عن قبول الخلافة واشترط في قبولها أن يكون له اجتهاده في ادارة الدولة. فإذن اقرار الامام علي على التحريم يعني أنها كانت محرمه منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولولا ذلك لكان يعارضها ويبين حكم الله فيها وعمل الامام حجة على الشيعة ولست أدري كيف يستطيع فقهائنا أن يضربوا بها في عرض الحائط ))(15)، ومن هنا نعلم أن (( أهل السنة اتبعوا علياً وغيره من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم ،والشيعة الاثني عشرية خالفوا علياً فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، واتبعوا قول من خالفه ))(16).(1/329)
6 ولما لم يعلم الكثير من الناس بأمر التحريم نبه على ذلك عمر وأعلنه للناس فعن ابن عمر قال (( لما ولي عمر بن الخطاب، خطب الناس فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً، ثم حرمها. والله! لا أعلم أحداً يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة. إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله أحلَّها بعد إذ حرمها ))(17) لذلك قال سعيد بن المسيب (( رحم الله عمر لولا أنه نهى عن المتعة لصار الزنا جهاراً ))(18)، فأسأل التيجاني هل عرفت حقاً من يخالف النصوص القرآنية والأحاديث النبوية إنهم شيعتك الذين هديت إليهم فحيهلا من هداية!
ثم يقول ((... وهذا عمر يقول:لولاعلي لهلك عمر ))(19)، فأقول:
1 هذه الجملة لها سبب وهو أن عمر أراد أن يرجم امرأة فأخبره علي بأنها مجنونة فترك حدَّها وقال هذه المقولة وفي أثر آخر أن عمر أراد أن يرجم امرأة حامل فنبهه علي فقال هذه المقولة، والذي أشار إلى ذلك ابن عبد البر في الاستيعاب ومحب الطبري في الرياض النضرة، إضافة إلى ابن المطهر الذي ذكر هاتين الروايتين بهذا السياق، وأما بالنسبة للرواية الأولى فقد ذكرها أحمد في الفضائل، عن ابن ظبيان الجنبي أن عمر بن الخطاب (( أتى امرأة قد زنت فأمر برجمها فذهبوا بها ليرجموها فلقيهم علي فقال ما لهذه؟ قالوا زنت، فأمر عمر برجمها فانتزعها علي من أيديهم وردهم فرجعوا إلى عمر فقال ما ردكم؟ قالوا ردنا يعني علي، قال ما فعل هذا علي إلا لشيء قد علمه فأرسل إلى علي فجاء وهو شبه المغضب فقال ما لك رددت هؤلاء؟ قال أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلي حتى يعقل؟ قال بلى قال علي هذه مبتلاة بني فلان فلعله أتاها وهو بها. فقال عمر لا أدري قال وأنا لا أدري فلم يرجمها ))(20)، وقد تتبعت الرواية من مظانها(21)فلم أجد في أي منها مقولة عمر (( لولا علي لهلك عمر ))!
2 المقولة نفسها تثبت عدم قول عمر لهذه المقولة وهي أنه كان لا يعرف بجنون المرأة عندما قال ( لا أدري ) ولا شك أن عمر يكون في هذه الحالة معذور لأنه خفي عنه أمر المرأة ولا ذنب عليه فلماذا يقول إذاً لولا علي لهلك عمر؟ ولماذا يهلك عمر؟! فإن كان قال ذلك تواضعاً منه فهل هذا مما يعتبر ذماً له!؟
أما الرواية الأخرى وهي أن عمر أراد أن يرجم امرأة حامل فقد بحثت عنها فوجدت ابن أبي شيبة قد روى عن أبي سفيان عن أشياخه (( أن امرأة غاب عنها زوجها، ثم جاء وهي حامل فرفعها إلى عمر، فأمر برجمها فقال معاذ: إن يكن لك سبيل عليها فلا سبيل لك على ما في بطنها، فقال عمر: احبسوها حتى تضع، فوضعت غلاماً له ثنيتان، فلما رآه أبوه قال: ابني، فبلغ ذلك عمر فقال: عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ، لولا معاذ هلك عمر ))(22) ثم قال ابن أبي شيبة ((حدثنا خالد الأحمر عن حجاج عن القاسم عن أبيه عن علي مثله ))(23)، وفي سنده الحجاج وهو ابن أرطاه ضعيف، كثير التدليس، ويقول الذهبي (( الحجاج بن أرطاه لا يحتج به ))(23)، فهذه الرواية ضعيفة لا حجة فيها، أما الرواية التي ذكرها محب الطبري (( أن عمر أراد رجم المرأة التي ولدت لستة أشهر، فقال له علي: إن الله تعالى يقول { وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } وقال تعالى { وفصاله في عامين } فالحمل ستة أشهر والفصال في عامين، فترك عمر رجمها وقال: لولا علي لهلك عمر، أخرجه العقيلي، وأخرجه ابن السمان عن أبي حزم بن أبي الأسود ))(24). قلت: قوله أبو حزم خطأ والصواب أبو حرب بن أبي الأسود، وفي سند هذه الرواية عثمان بن مطر الشيباني (( قال يحيى بن معين: ضعيف لا يكتب حديثه، ليس بشيء، وقال علي بن المديني: عثمان بن مطر ضعيف جداً، وقال أبو زُرعة: ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، وقال صالح البغدادي: لا يكتب حديثه، وقال أبو داود: ضعيف، وقال النسائي: ليس بثقة ))(25)، (( وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: كان عثمان بن مطر ممن يروي الموضوعات عن الأثبات ))(26).
2 ولو فرضنا أن هذه الروايات صحيحة، فهي لا تقدح في فضل عمر وعلمه، وليس هو معصوماً عن الوقوع في الخطأ والزلل حتى تصبح هذه القضية منقصة له، ولا تقدح في علمه ولا أن الله وضع الحق على لسانه، فقد وافق حكم الله في اكثر من قضية (( فإذا خفيت عليه قضية من مائة ألف قضية ثم عرفها أو كان نسيها فذكرها فأي عيب في ذلك ))(*)، والذي يدل على علمه وفقهه هو رجوعه إلى الحق وعدم تمسكه برأيه فهل في ذلك مذمة أو مثلبة؟
ثم يقول (( وهذا عمر بن الخطاب يقول ( كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال ) ويسأل عن آية من كتاب الله فينتهر السائل ويضربه بالدرة حتى يدميه ويقول { لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } ))(27).(1/330)
1 أقول هذه الرواية ليست بهذا اللفظ بل روي عنه قوله ( كل أحد أفقه من عمر) ولا شك أن لهذا القول سبب ولكن التيجاني أخفاه ليوهم أن عمر يقول ذلك دون سبب، فالرواية بتمامها هي ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه عن الشعبي قال (( خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ألا لا تغالوا في صداق النساء، فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين أكتاب الله أحق أن يتبع أم قولك؟ قال: بل كتاب الله عز وجل، فما ذلك؟ قالت: نهيت الناس آنفاً أن يغالوا في صداق النساء، والله عز وجل يقول في كتابه: { وءاتيتم إحداهن قِنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً } فقال عمر: ( كل أحد أفقه من عمر ) مرتين أو ثلاثاً، ثم رجع إلى المنبر فقال للناس: إني نهيتكم أن لا تغلوا في صداق النساء ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له ))(28) ، قلت: هذه الرواية باطلة سنداً ومتناً، فأما من ناحية السند: ففيه علّتان، الأولى الانقطاع، قال البيهقي عقب روايته: ( هذا منقطع ) لأن الشعبي لم يدرك عمر، يقول ابن أبي الرازي في كتاب ( المراسيل ) (( سمعت أبي وأبا زُرعة يقولان: الشعبي عن عمر مرسل ))(29) . والعلّة الثانية: أن في سنده مجالد وهو ابن سعيد، قال عنه البخاري (( كان يحي القطان، وكان ابن مهدي لا يروي عنه عن الشعبي ))(30) وقال النسائي (( كوفي ضعيف ))(31) وقال الجوزجاني (( مجالد بن سعيد يضعّف حديثه ))(32) وقال ابن عدي سألت أحمد بن حنبل عن مجالد فقال (( ليس بشيء، يرفع حديثاً منكراً لا يرفعه الناس وقد احتمله الناس، وقال ابن عدي أيضاً عامة ما يرويه غير محفوظ، وقال ابن معين، لا يحتج بحديثه وقال أيضاً: ضعيف واهي الحديث ))(33) وقال ابن حجر (( ليس بالقوي، لقد تغير في آخر عمره ))(34)، وأما من ناحية المتن: ففيه نكارة وذلك للأسباب التالية:
أ أنه ثبت عن عمر صريحاً نهيه عن المغالاة في المهور بالسند الصحيح، فقد روى أبو داود عن أبي العجفاء السلمي قال (( خطبنا عمر فقال: ألا لا تغالوا بصُدْقِ النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم إمرأة من نسائه، ولا أُصْدِقَتِ امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية ))(35) فهذا الحديث الصحيح يظهر نهي عمر عن المغالاة في المهور وهو يظهر بطلان الرواية الأخرى.
ب مخالفتها لنصوص صحيحة صريحة في الحث على عدم المغالاة في المهور وتيسير أمر الصداق منها: ما أخرجه أبو داود في سننه عن عمر قال (( خير النكاح أيسره))(36)، وأيضاً ما أخرجه الحاكم وابن حبان في موارد الظمآن عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من يُمن المرأة تسهيل أمرها وقِلّة صداقها ))(37)، وما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال (( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئاً، قال: قد نظرت إليها، قال: على كم تزوجتها؟ قال: على أربعة أواق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : على أربع أواق؟ كأنّما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه ))(38)، وغير هذه الأحاديث التي تحث على تقليل الصداق.
ت هذه الآية التي استدلت بها المرأة { وآتيتم إحداهُنَّ قِنطاراً } معترضة بمفهومها على عمر في نهيه عن المغالات في مهور النساء، لا تنافي توجيه عمر، فغاية ما تدل عليه جواز دفع القادر على الصداق الكثيرالمنوه عنه بالآية بالقنطارلا تكليف العاجز ما لا يقدر عليه أو يستطيعه، بدليل إنكار النبي على الرجل المتزوج امرأة من الأنصار بأربع أواق صنيعهما لكون ذلك لا يتناسب وحالهما أو لكثرته، هذا فيما لو كانت الآية تدل على المغالاة في المهور.(1/331)
أما وأنها لا تدل على إباحة المغالاة في الصداق لأنه تمثيل على جهة المبالغة في الكثرة، قال القرطبي رحمه الله بعد أن حكى قول من أجاز المغالاة في المهور (( وقال قوم: لا تعطي الآية جواز المغالاة، لأن التمثيل بالقنطار إنما هو على جهة المبالغة، كأنه قال: وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم ( من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) ومعلوم أنه لا يكون مسجداً كمفحص قطاة ))(39) ، هذا من جهة وأما من جهة ثانية فما نقله أبو حيان عن الفخر الرازي أنه قال ( لا دلالة فيها على المغالاة لأن قوله تعالى { وآيتيم } لا يدل على جواز إيتاء القنطار، ولا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع كقوله صلى الله عليه وسلم ( من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين )(40)، نستخلص مما سبق أن الآية الكريمة لا علاقة لها بإباحة غلاء المهور وأن نصها ومفهومها يفيدان أن الرجل القادر لو أحب إعطاء زوجته تطوعاً من نفسه فدفع إليها قنطاراً أو قناطير فهذا جائز، وهذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد قال (( ومن كان له يسار ووجد فأحب أن يعطي امرأته صداقاً كثيراً فلا بأس بذلك، كما قال تعالى { وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً} ))(41) وبعد هذا البيان نخلص إلى بطلان هذا الحديث سنداً متناً، ونعلم مقدار فقه وعلم عمر!
2 أما قوله أن عمر ضرب من سأله عن آية بالدرة حتى أدماه وقال (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) والتي عزاها إلى سنن الدارمي وتفسير ابن كثير والدر المنثور، فقد بحثت عنها في هذه المصادر فلم أجد لها أثراً؟!؟ ولا يوجد لها أثر أصلاً، والحمد لله أن هذه الكتب موجودة في كل مكان وليست هي مخفية مثل كتب الرافضة، فليبحث فيها من يريد أن يعرف كيف تألف كتب ثلاث أرباعها كذباً محضاً!؟؟
ثم يقول (( وقد سئل عن معنى الكلالة فلم يعلمها، أخرج الطبري في تفسيره عن عمر أنه قال: لئن أكون أعلم الكلالة أحبّ إليّ من أن يكون لي مثل قصور الشام، كما أخرج ابن ماجة في سننه عن عمر بن الخطاب قال: ثلاث لئن يكون رسول الله بيّنهنّ أحب إليّ من الدنيا وما فيها الكلالة والربا والخلافة ))(42)، فأقول:
1 هذا من التدليس الرخيص على القارئ ولتوضيح ذلك أنقل ما أخرجه مسلم في صحيحه عن معدان بن أبي طلحة (( أن عمر بن الخطاب خطب يوم جمعةٍ فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم وذكر أبا بكر. ثم قال: إني لا أدَعُ بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة، ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة، ما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه، حتى طعن بإصبَعهِ في صدري، وقال: يا عمر ألا تكفيك آيةُ الصيف التي في آخر سورة النساء؟ وإني إن أعش أقْض فيها بقضية، يقض بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن ))(43)، ومن هذا الحديث نعلم أنّ عمر لم تكن عدم معرفته بالكلالة سببه قصوره في العلم بل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد له وللصحابة الاعتناء بالاستنباط من النصوص، فأخفى النص الصريح بذلك واكتفى بإرشاده إلى الآية التي تكفيه للوصول لمعنى الكلالة كما في قوله ( ياعمر! ألا تكفيك أية الصيف التي في آخر سورة النساء ) وهي قوله تعالى { يستفتونك قُل الله يُفْتيكم في الكَلالَة } ويقول النووي (( ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أغلظ له لخوفه من اتكاله واتكال غيره على ما نص عليه صريحاً وتركهم الاستنباط من النصوص وقد قال الله تعالى { ولو ردوه إلى الرسول وإلى أُولي الأمْرِ منهم لعلِمه الذين يستَنْبِطونه منهُم } فالاعتناء بالاستنباط من آكد الواجبات المطلوبة لأن النصوص الصريحة لا تفي إلا بيسير من المسائل الحادثة، فإذا أهمل الاستنباط فات القضاء في معظم الأحكام النازلة أو في بعضها والله أعلم ))(44)، وكان عمر يرى رأي أبي بكر في أن الكلالة من لا والد له ولا ولد وهذا ما اتفقت عليه جماهير العلماء ومن بعدهم وكان عليّ أيضاً يرى رأيهم، مما يدلل على عظيم علم عمر وفقهه، وكيف لا والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (( إن الله وضع الحق على لسان عُمر يقول به ))(45).
2 ذكر الطبري في تفسيره خمس عشرة أثراً عن عمر بن الخطاب في الكلالة منها حديث مسلم السالف الذكر، ولكن التيجاني لا يستطيع أن ينفكّ من عقدة الإنصاف المصاب بها فلا ترى عيناه إلا قول عمر: لئن أعلم الكلالة، أحب إليّ من أن يكون لي مثل جزية قصور الروم. وليس قصور الشام كما نقل التيجاني فسبحان الله حتى مجرّد النقل لا يحْسِنه فكيف بالإنصاف؟ أما هذا الأثر إن صح فغاية ما فيه أن عمر أراد معرفة الكلالة من النبي صلى الله عليه وسلم لكي يكون حكمه موافقاً للصواب، ولا أن يخضع للاجتهاد فقط، وهذا من حرصه على معرفة الحق والصواب في هذه المسألة فهل هذا مما يذم عليه يا تيجاني؟!(1/332)
3 أما الخبر الذي أخرجه ابن ماجة في سننه عن عمر أنه قال: ثلاث لئن يكون رسول الله بينهن...الخ فهو منقطع لأن مرة بن شراحيل الهمداني لم يدرك عمر(46) وضعّفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجة(47)فلا يحتج به لضعفه.
ثم يتابع غثيانه فيقول (( ومن أول الصحابة الذين فتحوا هذا الباب على مصراعيه هو الخليفة الثاني الذي استعمل رأيه مقابل النصوص القرآنية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فعطّل سهم المؤلّفة قلوبهم الذين فرض الله لهم سهماً من الزكاة وقال: لا حاجة لنا فيكم ))(48)، أقول:
1 الاجتهاد والرأي ثابت عن سائر الصحابة منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وابن مسعود وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم (( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ))(49)ولا يكون اجتهادهم مقابل النصوص فهذا من الجهل البيّن، بل اجتهادهم هو في فهم النصوص القرآنية والنبوية، أو في الأمور العارضة المستجدّة، (( لأن الصحابي شاهد التنزيل ووقف على حكمة التشريع وأسباب النزول ولازم النبي صلى الله عليه وسلم ملازمة طويلة أكسبته معرفة الشريعة ))(50) إضافة إلى أن بعض الصحابة كانوا يجتهدون بما يخالف النصوص لأنها لم تصلهم فإذا تبيّنوا الحق أنابوا إليه
2 أما بالنسبة لعمر فإنه رأى أن سهم المؤلّفة قلوبهم كان يصرفه النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان المسلمون في ضعف تأليفاً لقلوبهم واتقاءً لشرّهم، أما والحال أنّ الأمة في قوة ومنعة، فإنه لا يجوز أن يُعطى هؤلاء الزكاة، ولا شك أن هذا هو اجتهاد عمر في هذه المسألة، وقد وافقه الصحابة على ذلك فكان إجماعاً منهم في وقته، ولا شك أن هذا ليس اجتهاداً في مقابل النص القرآني بل المراد من النص، ولكن أن يأتي في آخر القرن العشرين رويبض لا يفهم النصوص ومدلولاتها ولا يعلم الاجتهاد وصلاحيّاته، يظن نفسه أدرى من صحابي عايش النبي صلى الله عليه وسلم وتلّقى النصوص القرآنية والحديثية طرية نقية من فمه صلى الله عليه وسلم ليدعي عليه أنه يجتهد في مقابل النصوص، ويسمح لنفسه من أول كتابه إلى آخره أن يفسر الآيات القرآنية والأخبار النبوية حسب الكم الهائل من الجهل والكذب والتدليس الذي يتمتع به فهذا هو المصاب الأليم.
3 لقد اجتهد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قاتل في الجمل وصفين الذي أفضى بعد ذلك إلى قتل آلاف المسلمين، ولم يصل إلى ماقصده وطلبه، وبالطّبع لم يأتي بنص من النبي صلى الله عليه وسلم يعزز به دليله على القتال وإنما كان من رأيه ولم يوافقه عليه أكثر الصحابة، فإذا كان هذا من الاجتهاد المغفور لصاحبه فاجتهاد عمر أولى وأقنى.
ثم يقول (( وقد وقعت له حادثة أخرى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلها تعطينا صورة أوضح لنفسية عمر الذي أباح لنفسه أن يناقش ويجادل ويعارض صاحب الرسالة تلك هي حادثة التبشير بالجنة إذ بعث رسول الله أبا هريرة وقال له من لقيته يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشّره بالجنة، فخرج ليبشّر فلقيه عمر ومنعه من ذلك وضربه حتى سقط على إسته، فرجع أبو هريرة إلى رسول الله يبكي وأخبره بما فعل عمر فقال رسول الله لعمر ما حملك على ما فعلت؟ قال: هل أنت بعثته ليبشّر بالجنة من قال لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه؟ قال رسول الله نعم، قال عمر: لا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس على لا إله إلا الله! ))(51)، أقول:
1 ليلاحظ القارئ أن التيجاني يورد هذا الحديث مسلّماً بصحّته لا أن سلسلة رواته عدول بل لسبب واحد ليس إلا، هو أنه يقدح في عمر حسب عقلية هذا التيجاني ولكن..!(1/333)
2 هذا الحديث من أعظم الدلائل على فقه عمر وأن الحق على لسانه دائماً، وهذا مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم (( إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به ))(52) وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( رأيت كأني أتيت بقدح لبن فشربت منهُ فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم ))(53) وأخرج مسلم حديث أبي هريرة هذا وهو حديث طويل وفي جزء منه (( فقال أي النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة ( وأعطاني نعليه ) قال: إذهب بنعلي هاتين، فمن لقيتَ من وراء هذا الحائط يشهد أنْ لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشِّره بالجنة، فكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة! فقلتُ: هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، بشرتُه بالجنة فضرب عمر بيده بين ثدييَّ فخررتُ لإستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأجهَشْتُ بُكاءً. وَرَكِبني عُمَرُ. فإذا هو على أثري. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : مالك يا أبو هريرة؟ قلت: لقيتُ عُمَرَفأخبرته بالذي بعثْتني بِهِ. فضرب بينَ ثدْييَّ ضرْبةً. خررتُ لإِسْتى. قال: ارْجع. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا عمر! ما حملك على ما فعلتَ؟ ) قال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمِّي. أَبعثتَ أبا هريرةَ بِنَعليكَ، منْ لقيَ يشهدُ أن لا إله إلا الله مُستَيْقِناً بها قلبه، بشَّره بالجنة؟ قال: نعم. قال: فلا تفعل. فإني أخشى أن يتَّكل الناس عليها. فخَلِّهم يعملون. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فَخَلَّهِمْ. ))(54). ففي هذا الحديث خشي عمر أن يسمع الناس هذا الخبر فيتكلوا عليه ويتركوا العمل فعرض رأيه على النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ به تصويباً له! قال القاضي عياض وغيره من العلماء رحمهم الله: (( وليس فعل عمر رضي الله عنه ومراجعته النبي صلى الله عليه وسلم اعتراضاً عليه ورداّ لأمره إذ ليس فيما بعث به أبا هريرة غير تطبيب قلوب الأمة وبشراهم، فرأى عمر رضي الله عنه أن كتم هذا أصلح لهم وأحرى أن لا يتكلوا، وأنه أعود عليهم بالخير من معجّل هذه البشرى، فلما عرضه على النبي صلى الله عليه وسلم صوّبه فيه والله تعالى أعلم ))(55) وأما دفع عمر رضي الله عنه له فلم يقصد به سقوطه وإيذاءه، بل قصد رده عما هو عليه، وضرب بيده في صدره ليكون أبلغ في زجره))(56). وبعد ذلك أقول هل يوجد دليل على أن الحق على لسان عمر وقلبه أبلغ من هذا الحديث الذي احتججت به عليه؟!
ثم يتشبع بالكذب فيقول (( ومن مواقف عمر المتعددة تجاه النبي وسنته نفهم بأنه ما كان يعتقد يوماً بعصمة الرسول بل كان يرى أنه بشر يخطئ ويصيب. ومن هنا جاءت الفكرة لعلماء أهل السنّة والجماعة بأن رسول الله معصوم في تبليغ القرآن فقط وما عدا ذلك فهو يخطيء كغيره من البشر ويستدلون على ذلك بأن عمر صوّب رأيه في العديد من القضايا ))(57). فأقول:
1 ألا لعنة الله على المجرمين المارقين الذين يتخذون من عقولهم الكسيحة وقلوبهم الخسيسة مدخلا للطعن بالنبي صلى الله عليه وسلم محتجين بأفعال صحابته رضوان الله عليهم وقد ذكرت في بداية كتابي أن طعن هذا الأفاك وإخوانه من الرافضة ما هو إلا غطاء للطعن في خير البرية صلوات الله وسلامه عليه وأي طعن أعظم من إتهام أقرب صحابته إليه بأنه لا يرى عصمته صلى الله عليه وسلم أليس هذا طعن صريح به بأبي هو وأمي.
2 روى البخاري في صحيحه عن الزهري: قال: أخْبَرني عليُّ بن حسين: أن حسين بن عليٍّ أخبره: أن عليَّ بن طالب أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقهُ وفاطمة بنت النبي عليه السلام ليلةً، فقال: ألا تُصلِّيان. فقُلت: يا رسول الله، أنْفُسنا بِيَدِ الله، فإذا شاءَ أن يَبعَثَنا بَعَثَنا، فانصرف حين قلنا ذلك ولَمْ يَرْجع إليّ شيئاً، ثمَّ سمعتُهُ وهو مولَّ يضربُ فخذهُ وهو يقول: وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلا ))(58). فهل من موقف علي هذا تجاه النبي صلى الله عليه وسلم الذي رفض طلبه وأغضبه نفهم بأنه يرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم بتبليغ القرآن فقط، وما عدا ذلك فهو يخطئ ويصيب كغيره من البشر، لذلك لم يُعر طلبه اهتماماً؟! فما هو جواب التيجاني الوبي؟!
3 التيجاني يدّعي أن علماء أهل السنة يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم بتبليغ القرآن وفقط، وما عدا ذلك فلا عصمة له وأنا لا أريد من التيجاني إلا أن يأتي ولو بمصدر واحد لأهل السنة يقولون به مثل هذا القول المكذوب، وأنّا له ذلك، والمضحك هنا أن التيجاني لم ينتبه إلى أن أهل السنة لم يُسمَّوا بأهل السنة إلا لأنهم المتبعون لسنة النبي صلى الله عليه وسلم المقتفون لها فهنيئاً لهم!.(1/334)
ثم يقول (( وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يروي البعض من الجهلة يقبل مزمارة الشيطان في بيته وهو مستلق على ظهره والنسوة يضربن الدفوف والشيطان يلعب ويمرح إلى جانبه حتى إذا دخل عمر بن الخطاب هرب الشيطان وأسرع النسوة فخبأن الدفوف تحت أستهن وقال رسول الله لعمر ما رآك الشيطان سالكاً فجاً حتى سلك فجاً غير فجك. فلا غرابة إذا أن يكون لعمر بن الخطاب رأي في الدين ويسمح لنفسه لمعارضة النبي في الأمور السياسية وحتى في الأمور الدينية كما تقدم في تبشير المؤمنين بالجنة ))(59)
1 أقول لهذا التيجاني لا يوجد حديث في أيٍّ من كتب السنة بهذا اللفظ، والحمد لله أن كتب الحديث السنية موجودة وتملأ الأسواق بخلاف كتب الرافضة المدفونة فعلى طالب الحق أن يبحث عن هذه الرواية المكذوبة حتى إذا لم يجد شيئاً يعلم أنه سيجدها مروية في الصحيح المسند للمهتدي التيجاني!!
2 لا شك أن هذا التيجاني يشير إلى بعض الأحاديث الصحيحة التي يعرفها، ولكن عقدة الإنصاف أبت عليه إلا أن يتلاعب بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ويخلط ما يريده منها ليُخرج لنا كذباً يعزوه لأهل السنة!؟ وسأسوق روايتين أعتقد أن التيجاني حاول خلطهما فأخرج ما يسميه رواية لأهل السنة الحديث الأول: رواه البخاري في صحيحه (( عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل أبو بكر، وعندي جاريتان من جواري الأنصار، تُغَنِّيان بما تَقَاولت الأنصار يوم بُعاثَ، قالت: وليْستا بِمُغنِّيتين، فقال أبو بكرٍ: أمَزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيدٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكرٍ إن لكلِّ قومٍ عيداً، وهذا عيدُنا ))(60). والحديث الآخر أخرجه الترمذي في سننه عن بريدة: قال: (( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، فلما انصرف جائت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردّك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدُّفّ وأتغنّى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا، فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عليّ وهي تضرب، ثم دخل عثمان هي تضرب، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت إستها، ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان ليخاف منك يا عمر، إني كنت جالساً وهي تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل عليّ وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف ))(61)، وهذان الحديثان لا يوجد ما يقدح بهما فهما حديثان صحيحان، والجاريتان اللتان ذكرتا في الحديث الأول هما فتاتان لم تبلغا الحلم، وكانتا تغنّيان في يوم عيد وبالطبع ليس كالغناء المعروف الذي يحرّك الساكن ويبعث الكامن ويثير الغريزة من الغناء المحرّم، وهذا ظاهر بقول عائشة ( وليستا بمغنّيتين ) وأما انتهار أبو بكر لهما وإضافة الضرب بالدف لمزمار الشيطان فلأنها تلهي وتشغل القلب عن الذكر، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: دعهما وعلل ذلك بقوله ( إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا ) والحديث الآخر فيه أن جارية سوداء قالت للرسول صلى الله عليه وسلم أنها نذرت إن رجع سالماً أن تضرب بالدف فقال لها ( إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا ) فأباح لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تضرب لايفاء النذر وإلا فلا..... ثم بعد ذلك دخل أبو بكر ثم عليّ ثم عثمان وعندما دخل عمر ألقت الجارية بالدف ثم قعدت عليه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم مقولته التي أثقلت التيجاني ( إن الشيطان ليخاف منك ياعمر ) فهل بعد هذا المدح من النبي صلى الله عليه وسلم لعمر من مديح.
ثم يقول التيجاني (( وزاد عمر في الطين بلة عندما ولي أمور المسلمين فأحل ما حرّم الله ورسوله وحرّم ما أحل الله ورسوله ))ثم يشير بالهامش بقوله (( كقضية إمضائه الطلاق الثلاث وكتحريمه متعة الحج ومتعة النساء ))(62)، فأقول:
1 بالنسبة لادعاء التيجاني أن عمر حرّم متعة الحج ومتعة النساء فقد أجبت عن ذلك وافياً فيما مضى(63) بما يغني عن الاعادة هنا.(1/335)
2 وبالنسبة لامضائه الطلاق الثلاث فعن ابن عباس قال (( كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم ))(64)، هذا الحديث يبين أن الرجل إذا طلّق امرأته ثلاثاً تقع طلقة واحدة، وظل الأمر على ذلك حتى جاءت خلافة عمر وفي السنتين الأولتين أبقى عمر الطلقة الواحد البائنة، ولكن عندما رأى تهاون الناس في التطليق وعبثهم فيه أراد أن يشدد عليهم في ذلك تأديباً وردعاً لهم فأوقع الطلاق ثلاثاً وهذا من اجتهاده وفقهه رضي الله عنه وقد وافقه الصحابة في زمانه على ذلك ولا شك أن علياً واحداً منهم وليس ذلك تحليلاً لما حرم الله ورسوله فإنه لم ينسخ الحكم إنما جعله مرتبطاً بالعلة وهو أعلم بمراد النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك إضافةً إلى أنه الامام المسؤول عن رعيته أمام الله عز وجل، فيجب عليه أن يسوسهم ويرشدهم لما يصلحهم وأن يردهم للصواب إن تقاعسوا عن المطلوب أو قصّروا في الحقوق، وأن يعمل على ما يصلحهم وينفعهم، وعمر قد ثبت أنه من أفاضل الصحابة وأعلمهم بالدين، واجتهاده هذا اجتهاد سائغ، وعلى فرض أنه أخطأ فهذا من الخطأ الذي يرفع الله به المؤاخذة، وقد اعترف بفضله وعلمه خيار الصحابة، فقد روى الشعبي عن عليّ قال (( ما كنّا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر ))(65) وقال ابن مسعود (( كان عمر أعلمنا بكتاب الله، وأفقهنا في دين الله وأعرفنا بالله، والله لهو أبين من طريق الساعين، يعني أن هذا أمر بيّن يعرفه الناس ))(66) وقال أيضاً (( لو أن علم عمر وُضع في كفّة ميزان ووضع علم أهل الأرض في كفّة لرجح عليهم وقال إني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهب يوم ذهب عمر ))(67) وقال مجاهد (( إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ما صنع عمر فخذوا به ))(68) وقال أبو عثمان النهدي (( إنما كان عمر ميزاناً لا يقول كذا ولا يقول كذا ))(69) ولكن لعل التيجاني لن يقتنع بهذا الكلام، فسأضطر لكي أنقل من كتب الرافضة الاثني عشرية والمعتمدة لديهم رأي أهل البيت في عمر، يقول وصي القوم علي بن أبي طالب رضي الله عنه واصفاً زمن حكم عمر بقوله (( لله بلاء فلان(70) فقد قوّم الأوَد وداوى العمَد، خلّف الفتنة وأقام السنّة، ذهب نقيَّ الثوب قليل العيب أصاب خيرها وسبق شرّها، أدّى إلى الله طاعته، واتقاه بحقّه، رحل وتركهم في طرقٍ متشعّبة، لا يهتدي فيها الضاّل ولا يستيقن المهتدي ))(71)وقال عنه أيضاً (( ووليهم والٍ فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرّانه ))(72)وفي كتاب ( الغارات ) لإمام القوم ابراهيم الثقفي يذكر أن علياً وصف ولاية عمر بقوله (( ... وتولى عمر الأمر وكان مرضيّ السيرة، ميمون النقيبة ))(73)، وعندما شاوره عمر في الخروج إلى غزو الروم قال له (( إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك، فتَلْقَهُم بشخصك فتُنكب، لا تكن للمسلمين كانفة(74) دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلاً محْرَباً، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهرك الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأُخرى كنت ردءاً(75) للناس ومثابة للمسلمين ))(76) ويقول أمامهم الآخر محمد آل كاشف الغطاء في كتابه ( أصل الشيعة وأصولها )الذي ادعى التيجاني أنه تمتع بقراءته! (( وحين رأى ( أي عليّ بن أبي طالب ) أن الخليفتين أعني الخليفة الأول والثاني ( أي أبو بكر وعمر! ) بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد وتجهيز الجنود وتوسيع الفتوح ولم يستأثرا ولم يستبدا ( انظر؟! ) بايع وسالم ))(77) لذلك زوّج علي ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب(78)، وليس ذلك وفقط بل وسمى أحد أولاده باسم عمر باعتراف الأربلي(79) تدليلاً على حبه وتقديره للخليفة عمر بن الخطاب فهل بعد ذلك يشك أحد بأنّ الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه؟!
سادساً: الرد على التيجاني بادعائه أن عمر يشهد على نفسه:
يقول التيجاني (( أخرج البخاري في صحيحه في باب مناقب عمر بن الخطاب: لمّا طعن عمر جعل يألم فقال له ابن عبّاس وكأنه يجزعه: يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنّهم وهم عنك راضون، قال: أمّا ما ذكرت من صحبة رسول الله ورضاه فإنما ذاك من منّ الله تعالى منّ به عليّ، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك من منّ الله جلّ ذكره منّ به عليّ، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه. وقد سجل التاريخ له أيضاً قوله: ليتني كنت كبش أهلي يسمّنونني ما بدى لهم حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون فجعلوا بعضي شواء ويعطوني قديداً ثم أكلوني وأخرجوني عذرة ولم أكن بشراً ))(1)، قلت:(1/336)
لا شك أن قول عمر عند وفاته إن دل فإنما يدل عن شديد خوفه من الله سبحانه وتعالى وهذا يدل على مدى قوة إيمانه بربه جل وعلا فعن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( قال الله عز وجل: وعزتي لا أجمع لعبدي أمنين وخوفين، إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع فيه عبادي ))(2)، إضافة إلى أن الحديث يثبت الصحبة لعمر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم توفِّي وهو عنه راضٍ، فخوفه من الله إنما يدل على شدة تقواه رضي الله عنه إضافة إلى أن قاتله ليس رجلاً من المسلمين، وإنما هو مجوسي فارسي كافر وهذه مكرمة له، وأخرج مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( خيار أئمَّتكم الذين تُحبّونهم ويحبّونكم، ويصلّون عليكم وتُصلّون عليهم، وشرارُ أئمّتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ))(3) وعمر كان عادلاً تحبه رعيته وتترضى عنه فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث عمرو بن ميمون في جزء منه (( فاحتُمل إلى بيته، فانطلقنا معه وكأن الناس لم تصِبهم مصيبة قبل يومئذٍ، فقائل يقول: لا بأسَ، وقائل يقول: أخافُ عليه، فأُتي بنبيذٍ فشربه، فخرج من جوفه، ثم أُتي بلبن فشربه، فخرج من جرحه، فعلموا أنه ميت، فدخلنا عليه وجاء الناس، فجَعلوا يثْنون عليه، وجاء رجل شابٌّ فقال: أَبشر يا أمير المؤمنين بِبشرى الله لكَ، من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقدِم في الإسلام ما قد علِمتَ، ثمّ وَلِيتَ فعَدَلْتَ، ))(4)، وهذا علي أيضا أثنى على عمر بعد وفاته فعن ابن أبي مليكة (( أنه سمع ابن عباس يقول: وُضع عمر على سريره، فتكفَّنهُ الناس يدْعون ويصلُّون قبل أن يُرفع، وأنا فيهم، فلم يَرُعني إلا رجلٌ آخذٌ منكبي، فّإذا علي بن أبي طالب، فترحَّم على عمر وقال: ما خلَّفت أحداً أحبَّ إليَّ أن ألقى الله بمثْلِ عملِهِ منك، وايْمُ الله إن كنت لأظُنُّ أن يجعلكَ الله مع صاحبيك، وحسبت: إني كنت كثيراً أسمعُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلتُ أنا وأبو بكر وعمر، وخرجتُ أنا وأبو بكر وعمر ))(5)، وبالنسبة لباقي الشبهات التي أوردها التيجاني في هذا المبحث فقد أجبت عليها إجابات وافية في مبحث ( شهادة أبي بكر على نفسه )(6) فلتراجع.
سابعاً موقفه من عمر بن الخطاب في مبحث محاورة مع عالم والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( ثم فتحت صحيح البخاري وفيه دخل عمر بن الخطاب على حفصة وعندها أسماء بنت عميس فقال حين رآها من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، قال عمر: الحبشية هذه، البحرية هذه. قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله منكم. فغضبت وقالت كلا والله، كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنّا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة وذلك في الله وفي رسوله وأيّم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك للنبي اسأله والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله، عمر قال كذا وكذا. قال: فما قلت له، قالت: كذا وكذا. قال: ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان قالت فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالاً يسألونني عن هذا الحديث ما من الدنيا هم به أفرح ولا أعظم ما في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول فقلت: إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول من شك في أبي بكر ولم يشهد عليه لأنه لا يدري ماذا سوف يحدث من بعده، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقر بتفضيل عمر بن الخطاب على أسماء بنت عميس بل فضّلها عليه، فمن حقي أن أشك وأن لا أفضّل أحداً حتى أتبين وأعرف الحقيقة ومن المعلوم أن هذين الحديثين يناقضان كل الأحاديث الواردة في فضل أبي بكر وعمر ويبطلانها، لأنهما أقرب للواقع المعقول من أحاديث الفضائل المزعومة ))(1)، أقول:
1 والله لست أدري كيف يفهم هذا التيجاني وكيف يكتب، بحيث يجعل هذا الحديث يمثّل مطعناً لعمر؟!.. كل ما في الأمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم فضّل أهل السفينة وهم الذين هاجروا إلى الحبشة ثم إلى المدينة على أصحاب الهجرة الواحدة من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن تفضيلهم هذا ليس على الاطلاق بل من هذا الجانب فقط.(1/337)
2 أما قوله ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقر بتفضيل عمر بن الخطاب على أسماء بنت عميس بل فضّلها عليه ) جهلٌ مركّب لأن الرسول عندما أجاب أسماء قال ( ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان ) فقد جمعه مع أصحابه الذين هاجروا هجرة واحدة ولم يعنيه وحده، وعلى ذلك فأسماء خير من أصحاب الهجرة الأولى حسب الفهم المهترئ لهذا التيجاني، ولا شك أن هذا التفضيل سيطال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأنه من أصحاب الهجرة الأولى! ولكن الفهم الصحيح هو الذي أثبتناه من أن هذا التفضيل ليس على إطلاقه بل من هذه الحيثية فقط.
3 أما قوله ( من المعلوم أن هذا الحديث يناقض كل الأحاديث الواردة في فضل عمر ويبطلها ) فأقول: بالطبع معلوم، وكيف لايكون معلوماً أن جميع الأحاديث الواردة في فضل عمر باطلة وقد خرّجها التيجاني في معمله للتحليل الحديثي!!؟
ثم يقول (( فالشيعة ليس كما يدّعي بعض علمائنا، بأنهم الفرس والمجوس الذين حطّم عمر كبرياءهم ومجدهم وعظمتهم في حرب القادسية ولذلك يبغضونه ويكرهونه! وأجبت هؤلاء الجاهلين بأنّ التشيع لأهل البيت النبوي لا يختص بالفرس بل الشيعة في العراق وفي الحجاز وفي سوريا ولبنان وكل هؤلاء عرب كما يوجد الشيعة في الباكستان والهند وفي أفريقيا وأمريكيا وكل هؤلاء ليسوا من العرب ولا من الفرس. ولو اقتصرنا على شيعة إيران فإن الحجة تكون أبلغ إذ أنني وجدت الفرس يقولون بإمامة الأئمة الأثنى عشر وكلهم من العرب من قريش من بني هاشم عترة النبي، فلو كان الفرس متعصّبين ويكرهون العرب كما يدعي البعض لأتخذوا سلمان الفارسي إماماً لهم لأنه منهم وهو صحابي جليل عرف قدره كل من الشيعة والسنة على حدّ سواء. بينما وجدت أهل السنة والجماعة ينقطعون في الإمامة إلى الفرس فأغلب أئمتهم من الفرس كأبي حنيفة والإمام النسائي والترمذي والبخاري ومسلم وابن ماجة والرازي والإمام الغزالي وابن سينا والفرابي وغيرهم كثيرون يضيق بهم المقام فإذا كان الشيعة من الفرس يرفضون عمر بن الخطاب لأنه حطّم كبرياؤهم وعظمتهم فبماذا نفسر رفض الشيعة له من العرب وغير الفرس فهذه دعوى لا تقوم على دليل، وإنما رفض هؤلاء عمر للدور الذي قام به في إبعاد أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عن الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما سبّب ذلك من فتن وقلاقل وانحلال لهذه الأمة ويكفي أن يزاح الحجاب عن أي باحث حر (!) وتكشف له الحقيقة حتى يرفضه بدون عداوة سابقة ))(2)، أقول رداً عليه:
1 أول ظهور الرفض كان على يد اليهودي عبد الله بن سبأ فهو الذي ابتدع إمامة علي بن أبي طالب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الأمر يعترف به الرافضة الاثني عشرية ولا يستطيعون إنكاره لذلك يقول إمامهم المتكلم الحسن بن موسى النوبختي في كتابه الحجة عند الإمامية ( فرق الشيعة ) (( وحكى جماعة من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وآله في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البرآءة من أعدائه وكاشَفَ مخالفيه فمن هناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية ))(*) وبما أن عمر بن الخطاب كسر بجيوشه شأفة الفرس وأزال مملكتهم فنقموا عليه فتمالئوا فيما بينهم للكيد للإسلام وأهله فكانت أسلم طريقة لذلك في تلك الفترة وهي فترة ضعف لهم، هو التمسك بشيء مقدس لدي المسلمين فلم يجدوا إلا فكرة عبد الله بن سبأ اليهودي التي تتخذ من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم مدخلاً للطعن في دين الله عز وجل فتمسّكوا بها واتخذوها ستاراً لبث ضلالهم العريض في أوساط المسلمين فهذا هو مبتدأ نشأة الرفض باعترافهم أنفسهم.
2 أما ادعاؤه أن نشأة التشيع ليس في الفرس وحدهم، إنما يوجد في العرب وغير العرب فليس هذا مما يغيّر من الحق شيئاً، لأن القضية التي يجب أن تبحث هي في أصل الرفض والتشيع، وقد أثبتُّ أن الأصل هم الفرس، أما أن يسري هذا الداء إلى العرب وغيرهم فهذا شيء سنني في الكون ولا توجد دعوة في الأرض إلا وتجمّع حولها جمع من المؤمنين بفكرتها، فلا يعتبر ذلك دليلاً على الحق، ألا ترى أن الفكرة الشيوعية في فترة سطوتها قد تأثر بها بالاضافة لأصحابها الكثير من العرب والفرس أيضاً فهل هذا يغني من الباطل شيئاً؟! فإذا كانت فكرة إنكار وجود الله قد آمن بها بعض العرب بل وقامت على أرضهم دولاً تؤمن بهذه الفكرة فالأولى أن يتأثر الكثير من العرب بفكرة الرفض خصوصاً إذا كانت تتمسح بشعار موالاة أهل البيت والانتصار لهم! فليس في ذلك أي حجة للتيجاني على صحة دين الرافضة.(1/338)
3 أما أن العرب وغير العرب دون الفرس يبغضون عمر فهذا شيء طبيعي لأن أصل عقيدة الرفض هي الطعن في أبي بكر وعمر، فكل من آمن بهذه الفكرة لا بدّ أن يؤمن بتبعاتها، لذلك أردّ حب الكثير من الفرس لعمر بن الخطاب بالدرجة الأولى لإيمانهم بعقيدة الحق، عقيدة أهل السنة والجماعة، وهذا شيء طبيعي أيضاً فهذا هو الذي يفسر عداوة بعض العرب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
4 أما قوله أنه وجد أهل السنة والجماعة ينقطعون في الإمامة إلى الفرس فهذا جهل فاضح، فالصحيح أن يقال أن كل العلماء من العرب وغيرهم ينقطعون في الاعتقاد لمنهج أهل السنة والجماعة، لأن منهج أهل السنة لا يمثله عرب ولا فرس فهو ليس منهجاً طارئاً ومشوهاً مثل أهل الرفض الذي يمثّله أشخاصه، إنما هو منهجاً يمثل أصل الإسلام وجوهره باعتماده على كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكل من ارتضى له هذا المنهج فهو من أهل السنة والجماعة سواءٌ كان عربياً أو غير عربي وليس العكس.
5 أما قوله ( فلو كان الفرس متعصبين ويكرهون العرب كما يدعي البعض لاتخذوا سلمان الفارسي إماماً لهم لأنه منهم وهو صحابي جليل عرف قدره كل من الشيعة والسنة ) فأقول للتيجاني: إذا كنت بهذه السذاجة فلا أعتقد أن الرافضة الإمامية كذلك هنا، لأن سلمان وإن كان صحابياً جليلاً فهذه مكرمة يتمتّع بها جميع الصحابة بل حتى الكثير من الصحابة يسبقونه بالمنزلة والصحبة، إضافة إلى أنه فارسي الأصل، فلو اتخذته الشيعة الاثني عشرية إماماً من دون الصحابة فستنْفضح اللعبة وتحوم الشبهات، إذن فمن الحنكة والدهاء أن يتخذ الرافضة الاثني عشرية من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ملاذاً لهم، وأما سلمان فقدَّروا أصله الفارسي وجعلوه من الصحابة المرضيين إتماماً للعبة واتقاناً للمخطط.
6 أنا لا أزعم أن كل من التوى تحت لواء الرافضة الإمامية يعرف ذلك بل على العكس فأكثر عوام الرافضة لا يعرفون هذه الحقيقة ويعتقدون أنهم على الحق والصراط المستقيم، والكثير من هؤلاء إذا ظهر لهم الحق يؤوبون إليه ويتمسّكون به، وبالفعل فقد رأينا الكثير منهم يرجعون إلى منهج أهل السنة والجماعة، بل ويصبحون من أنشط الدعاة إليه، بل وحتى العلماء منهم فقد رجعوا إلى الجادة وأنابوا للحق بعدما تكشف لهم ضلال ما هم عليه، من أمثال الدكتور موسى الموسوي وأحمد الكسروي(3) فأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يهدي عوام الشيعة إلى الحق ويقيهم ضلالات الضّالين المضلين من أقوامهم آمين.
ثامناً الرد على التيجاني في موقفه من عمر في أمر الخلافة:
يقول التيجاني (( وكانت خلافة عثمان مهزلة تاريخية، وذلك أن عمر رشّح ستةً للخلافة وألزمهم أن يختاروا من بينهم واحداً وقال إذا اتفق أربعة وخالف إثنان فاقتلوهما وإذا انقسم الستة إلى فريقين ثلاثة في كل جهة فخذوا برأي الثلاثة الذين يقف معهم عبد الرحمن بن عوف. وإذا مضى وقت ولم يتّفق الستة فاقتلوهم، والقصة طويلة وعجيبة، والمهم أن عبد الرحمن بن عوف اختار علياً واشترط عليه أن يحكم فيهم بكتاب الله وسنة رسوله وسنة الشيخين أبي بكر وعمر فرفض عليّ هذا الشرط، وقَبِله عثمان فكان هو الخليفة، وخرج عليّ من البيعة وهو يعلم مسبقاً النتيجة وتحدث عن ذلك في خطبته المعروفة بالشقشقية ))(4)، أقول:
1 ما أكذب هذا التيجاني وما أشد تحامله فلماذا لم يشر إلى المصدر الذي يستقي منه كذبه؟! أليس لأنه أقل من أن ينظر إليه لتهافته وكذب رواته ولكن ماذا نقول لهؤلاء البشر فهم (( لفرط جهلهم وهواهم يقلبون الحقائق في المنقول والمعقول، فيأتون إلى الأمور التي وقعت وعُلم أنها وقعت، فيقولون: ما وقعت، وإلى أمور ما كانت ويُعلم أنها ما كانت، فيقولون: كانت، ويأتون إلى الأمور التي هي خير وصلاح، فيقولون: هي فساد، وإلى الأمور التي هي فساد، فيقولون: هي خير وصلاح، فليس لهم لا عقل ولا نقل، بل لهم نصيب من قوله { وقالوا لو كنّا نسمعُ أو نعقلُ ما كنّا في أصحاب السّعير } ))(5).(1/339)
2 الحق الثابت في هذه القضية هو فيما أخرجه البخاري في صحيحه في الحديث الطويل عن عمرو بن ميمون في جزء منه ((... أوصِ يا أمير المؤمنين استخلِف، قال: ما أجدُ أحداً أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر، أو الرهط، الذين تُوفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمَّي علياً وعثمان والزبير وطلحة وسعداً وعبد الرحمن، وقال: يشهدُكُم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيءٌ كهيئةِ التعْزِية فإن أصابت الإمْرَة سعداً فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيُّكم ما أُمّر، فإني لم أعزلْه عن عجزِ ولا خيانَة. وقال: أُوصي الخليفة من بعدي، بالمهاجرين الأولين، أن يعرف لهم حقّهم ويحفظ لهم حُرمتهُم، وأوصيه بالأنصار خيراً، الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم أن يُقبل من مُحسنهم، وأن يُعفى عن مسيئهم، وأُوصيه بأهل الأمصار خيراً، فإنهم ردْءُ الإسلام. وجُباة المال وغيظُ العدوِّ، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلُهُم عن رضاهمُْ، وأوصيه بالأعراب خيراً، فإنهم أصلُ العربِ ومادةُ الإسلام أن يُؤخذَ من حواشيِ أموالِهم ويُردَّ على فُقرائهم، أُوصيه بذمَّة الله تعالى، وذمَّة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يُوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهِم، ولا يُكلَّفوا إلا طاقَتَهم ))(6) فعمر كما ترى جعل الأمر في هؤلاء الستة، الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، أما أنه أمر بقتلهم أو قتل بعضهم فهذا أولى به أن يلحق في قصص ألف ليلة وليلة!؟
3 ولو فرضنا أن عمر أمر بقتلهم، فلا شك أن أمره هذا هو منع للفتن والافساد، فأتساءل هل الأمر بقتلهم يمنع الفتن أم يشعلها؟! وهل قتل الستة من خيار الأمة سيمر دون سلام؟! وهل سيقبل به المسلمون؟! ثم لو أمر عمر بالقتل كما يدعي التيجاني، لأَمَرَ بأن يتولّى الأمر أحد من الناس فهل أمر بذلك عمر؟! ومن هنا نعلم أنه لا يحتج بذلك ويصدقه ويكتبه إلا أشدّ الناس غباءً!!
4 أما قوله أن عمر قال ( فخذوا برأي الثلاثة الذين يقف معهم عبد الرحمن بن عوف ) فهذا من الكذب أيضاً على عمر، فإنه جعل الأمر في هؤلاء الستة ليختاروا منهم واحداً ولم يأمر بأخذ رأي من يقف معهم عبد الرحمن بن عوف، ولكن الصحيح أن الستة هم الذين اختاروا عبد الرحمن بن عوف ففي نفس الحديث الذي أخرجه البخاري يقول (( فلما فُرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: قد جعلتُ أمري إلى عليّ، فقال طلحة: قد جعلتُ أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف. فقال عبد الرحمن: أيُّكُما تبرَّأ من هذا الأمر، فنجعله إليه والله عليه والإسلام، لَيَنظُرنَّ أفضلهم في نفسه؟ فأُسكتَ الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفَتَجعلوُنه إليَّ والله عليَّ أن لا آلو عن أفضلِكم؟ قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمَّرتُك لتعدلنّ ولئن أمَّرت عثمان لتسمعنّ ولتُطيعنّ، ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان، فبايعه، فبايع له علي، وولج أهل الدّار فبايَعوه ))(7) وهنا تظهر براءة أمير المؤمنين عمر من جميع خزعبلات التيجاني والحمد لله رب العالمين.
===============
زعمهم أن عمر رضي الله عنه يجتهد في مقابل النصوص
قال الرافضي ص131 وكان عمر يجتهد ويتأول مقابل النصوص الصريحة من السنن النبوية، بل في مقابل النصوص الصريحة من القرآن الحكيم فيحكم برأيه كقوله: (متعتان كانتا على عهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما).
ويقول لمن أجنب ولم يجد ماءً (لا تصلّ) رغم قول الله تعالى في سورة المائدة: {فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً} (1)».
قلت: طعنه في عمر - رضي الله عنه - لنهيه عن المتعتين، هذه من مطاعن الرافضة القديمةالتي أجاب العلماء عنها بمايدحض بطلان دعواهم فيها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في منهاج السنة ضمن رده على ابن المطهر في هذه المسألة: «وإن قدحوا في عمر لكونه نهى عنها، فأبو ذر كان أعظم نهياً عنها(2) من عمر، وكان يقول: إن المتعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هكذا أورد الآية فأخطأ في النقل والآية الصحيحة {فلم تجدوا ماء...} سورة المائدة آية6.
(2) روى مسلم في صحيحه من طريق إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: (كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة) وفي رواية: (لاتصلح المتعتان إلا لنا خاصة، يعني متعة النساء ومتعة الحج) صحيح مسلم (كتاب الحج، باب جواز التمتع) 2/897.
كانت خاصة بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يتولون أبا ذر
ويعظمونه(1)، فإن كان الخطأ في هذه المسألة يوجب القدح فينبغي أن يقدحوا في أبي ذر، وإلا فكيف يقدح في عمر دونه، وعمر أفضل وأفقه، وأعلم منه.(1/340)
ويقال ثانياً: إن عمر - رضي الله عنه - لم يحرم متعة الحج بل ثبت عن الضُّبي بن معبد لما قال له: إني أحرمت بالحج والعمرة جميعاً فقال له عمر: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم رواه النسائي وغيره. (2)
وكان عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - يأمرهم بالمتعة فيقولون له: إن أباك نهى عنها فيقول: إن أبي لم يرد ما تقولون: فإذا ألحوا عليه قال: أفرسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبعوا أم عمر؟
وقد ثبت عن عمر أيضاً أنه قال: لو حججت لتمتعت، ولو حججت لتمتعت وإنما كان مراد عمر - رضي الله عنه - أن يأمرهم بما هو الأفضل، وكان الناس لسهولة المتعة تركوا الاعتمار في غير أشهر الحج، فأراد ألا يُعرَّى البيت طول السنة، فإذا أفردوا الحج اعتمروا في سائر السنة، والاعتمار في غير أشهر الحج مع الحج في أشهر الحج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سبق أن تقدم نقل رواية الكافي في زعمهم أن الناس ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة: أبو ذر وسلمان والمقداد بن الأسود، انظر ص388 من هذا الكتاب.
(2) رواه النسائي في: (كتاب مناسك الحج، باب القران) 5/113-114.
أفضل من المتعة باتفاق الفقهاء الأربعة وغيرهم...
والإمام إذا اختار لرعيته الأمر الفاضل، بالشيء نهي عن ضده فكان نهيه عن المتعة على وجه الاختيار لا على وجه التحريم، وهو لم يقل: وأنا أحرمهما كما نقل هذا الرافضي، بل قال: أنهى عنهما ثم كان نهيه عن متعة الحج على وجه الاختيار للأفضل لا على وجه التحريم.
وقد قيل: إنه نهى عن الفسخ، والفسخ حرام عند كثير من الفقهاء، وهو من مسائل الاجتهاد، فالفسخ يحرمه أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، لكن أحمد وغيره من فقهاء الحديث وغيرهم لا يحرمون الفسخ، بل يستحبونه، بل يوجبه بعضهم، ولا يأخذون بقول عمر في هذه المسألة بل بقول: علي، وعمران بن حصين، وابن عباس،
وابن عمر، وغيرهم من الصحابة -y-....
وأما ما ذكره من نهى عمر عن متعة النساء فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم متعة النساء بعد الإحلال، هكذا رواه الثقات في الصحيحين وغيرهما عن الزهري عن عبدالله، والحسن ابني محمد بن الحنفية، عن أبيهما محمد بن الحنفية، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال لابن عباس - رضي الله عنه -: لما أباح المتعة إنك امرؤ تائه، إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّم المتعة ولحوم الحمر الأهلية عام خيبر(1)، رواه عن الزهري أعلم أهل زمانه بالسنة وأحفظهم لها، أئمة الإسلام في زمانهم، مثل مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة وغيرهما، ممن اتفق المسلمون على علمهم وعدلهم وحفظهم، ولم يختلف أهل العلم بالحديث في أن هذا حديث صحيح متلقى بالقبول ليس في أهل العلم من طعن فيه.
وكذلك ثبت في الصحيح أنه حرَّمها في غزاة الفتح إلى يوم القيامة(2)، وقد تنازع رواة حديث علي - رضي الله عنه - هل قوله: (عام خيبر) توقيت لتحريم الحمر فقط، أوله ولتحريم المتعة؟ فالأول قول
ابن عيينه وغيره قالوا: إنما حرمت عام الفتح، ومن قال بالآخر قال: إنها حرمت ثم أحلّت ثم حرمت، وادعت طائفة ثالثة أنها أحلت بعد ذلك ثم حرمت في حجة الوداع.
فالروايات المستفيضة المتواترة متواطئة على أنه حرم المتعة بعد إحلالها، والصواب أنها بعد أن حرمت لم تحل وأنها إنما حرمت عام فتح مكة ولم تحل بعد ذلك، ولم تحرم عام خيبر، بل عام خيبر حرمت ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري بدون: (إنك امرؤ تائه) في: (كتاب النكاح، باب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة أخيراً) فتح الباري 9/166، ح5115، ومسلم: (كتاب النكاح، باب نكاح المتعة...) 2/1027، ح1407.
(2) رواه مسلم في صحيحه من حديث سبرة الجهني - رضي الله عنه -: (كتاب النكاح، باب نكاح المتعة) 2/1025.
لحوم الحمر الأهلية.
وكان ابن عباس يبيح المتعة ولحوم الحمر فأنكر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ذلك عليه...
وقد روى ابن عباس - رضي الله عنه - أنه رجع عن ذلك لما بلغه حديث النهي عنهما فأهل السنة اتبعوا علياً وغيره من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والشيعة خالفوا علياً فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم واتبعوا قول من خالفه». (1)
ويقول الدهلوي ضمن ذكره لمطاعن الرافضة على عمر والرد عليها: «ومنها أن عمر منع الناس من متعة النساء ومتعة الحج مع أن كلتا المتعتين كانتا في زمنه صلى الله عليه وسلم ، فنسخ حكم الله تعالى وحرّم ما أحله الله سبحانه، بدليل ما ثبت عند أهل السنة من قوله: (متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهي عنهما).(1/341)
والجواب: أن أصح الكتب عند أهل السنة الصحاح الست، وأصحها البخاري ومسلم، وقد روى مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني أنه صلى الله عليه وسلم قد حرم هو المتعة بعدما كان أحلها ورخصها لهم ثلاثة أيام، وجعل تحريمها إذ حرمها مؤبداً إلى يوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منهاج السنة 4/184-191.
القيامة(1) ومثل هذه الرواية في الصحاح الأخر، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب أهل السنة رواية الأئمة عن الأمير بتحريمها،(2) فإن ادعت الشيعة أن ذلك كان في غزوة خيبر ثم أُحلت في غزوة الأوطاس فمردود لأن غزوة خيبر كانت مبدأ تحريم لحوم الحمر الأهلية، لامتعة النساء، فقد روى جمع من أهل السنة عن عبدالله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما عن الأمير كرم الله وجهه أنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي بتحريم المتعة) فقد علم أن تحريم المتعة كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أو مرتين، فالذي بلغه النهي امتنع عنها ومن لا فلا، ولما شاع في عهد عمر ارتكابها أظهر حرمتها وأشاعها وهدد من كان يرتكبها، وآيات الكتاب شاهدة على حرمتها...
والجواب عن متعة الحج: -أعنى تأديه أركان العمرة مع الحج في سفر واحد في أشهر الحج قبل الرجوع إلى بيته -أن عمر لم يمنعها قط ورواية التحريم عنه افتراء صريح- نعم إنه كان يرى إفراد الحج والعمرة أولى من جمعهما في إحرام واحد وهو القران أو في سفر واحد وهو التمتع، وعليه الإمام الشافعي، وسفيان الثوري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدم تخريجه ص396.
(2) تقدم تخريجه ص 396.
وإسحاق بن راهوية وغيرهم لقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} إلى قوله: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج}(1) الآية فأوجب سبحانه الهدي على المتمتع لا على المفرد جبراً لما فيه من النقصان، كما أوجبه تعالى في الحج إذا حصل فيه قصور ونقص، ولأنه صلى الله عليه وسلم حج في حجة الوداع مفرداً، واعتمر في عمرة القضاء وعمرة جعرّانة كذلك، ولم يحج فيها بل رجع إلى المدينة مع وجود المهلة.
وأما ما رووا من قول عمر (وأنا أنهى عنهما) فمعناه أن الفسقة وعوام الناس لا يبالون بنهي الكتاب وهو قوله تعالى: {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}(2) وقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} إلا أن يحكم عليهم الحاكم والسلطان، ويجبرهم على مراعاة ما أمروا به وما نهوا عنه، فلذلك أضاف النهي إلى نفسه، فقد تبين لك ولله تعالى الحمد زيف أقوالهم، وظهر لك مزيد ضلالهم والحق يعلو وكلمة الصدق تسمو».(3)
فظهر بهذا بطلان دعوى الرافضة في طعنهم في عمر لنهيه عن المتعتين. أما متعة الحج فلم ينه عنها نهى تحريم وإنما كان نهيه على ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة آية 196.
(2) وردت الآية في سورة (المؤمنون) آية 7، وفي سورة المعارج آية 31.
(3) مختصر التحفة الإثني عشرية ص256-258.
وجه الاختيار للأفضل، وذلك خشية منه أن يهجر البيت بترك الناس للاعتمار في غير أشهر الحج، وقيل إنما كان نهي عمر عن فسخ الحج
إلى عمرة وهذا هو قول أكثر أهل العلم، كما نقله ابن قدامة في المغني لأن الحج أحد النسكين فلم يجز فسخه كالعمرة.(1)
وأما متعة النساء فالذي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان أحلها وكان علي - رضي الله عنه - من أشد الناس إنكاراً على من قال بحلها، وإنما قال بحلها ابن عباس -رضي الله عنهما- فأنكر عليه علي - رضي الله عنه - ورجع عن ذلك لما بلغه الحديث الذي رواه علي - رضي الله عنه - بتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، وكذلك روى أحاديث تحريم المتعة غير علي
- رضي الله عنه - بعض الصحابة وهي مخرجة في صحاح أهل السنة كما تقدم، فأي لوم على عمر - رضي الله عنه - في نهيه عن المتعة بعد أن ثبت تحريم
رسول الله صلى الله عليه وسلم لها إلى يوم القيامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر المغني لابن قدامة 5/252.
=============
رزية الخميس
في هذا المقام كلام لابن حجر في شرح هذا الحديث وفيه مقدمة لإعذار عمر
4078 (فتح الباري) حدثنا قتيبة حدثنا سفيان عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس
يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ما شأنه أهجر استفهموه فذهبوا يردون عليه فقال دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه وأوصاهم بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها
فقال ((ما شأنه أهجر ))(1/342)
. وقيل : قال ذلك لإرادة سكوت الذين لغطوا ورفعوا أصواتهم عنده , فكأنه قال : إن ذلك يؤذيه ويفضي في العادة إلى ما ذكر
ويظهر لي ترجيح ثالث الاحتمالات التي ذكرها القرطبي ويكون قائل ذلك بعض من قرب دخوله في الإسلام وكان يعهد أن من اشتد عليه الوجع قد يشتغل به عن تحرير ما يريد أن يقوله لجواز وقوع ذلك , ولهذا وقع في الرواية الثانية " فقال بعضهم إنه قد غلبه الوجع " ووقع عند الإسماعيلي من طريق محمد بن خلاد عن سفيان في هذا الحديث " فقالوا ما شأنه يهجر , استفهموه " وعن ابن سعد من طريق أخرى عن سعيد بن جبير " أن نبي الله ليهجر " , ويؤيده أنه بعد أن قال ذلك استفهموه بصيغة الأمر بالاستفهام أي اختبروا أمره بأن يستفهموه عن هذا الذي أراده وابحثوا معه في كونه الأولى أو لا
وقال النووي : اتفق قول العلماء على أن قول عمر " حسبنا كتاب الله " من قوة فقهه ودقيق نظره , لأنه خشي أن ((( يكتب ))) أمورا ربما عجزوا عنها فاستحقوا العقوبة لكونها منصوصة , وأراد أن لا ينسد باب الاجتهاد على العلماء . ((((وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر إشارة إلى تصويبه رأيه)))) , وأشار بقوله : " حسبنا كتاب الله " إلى قوله تعالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) . ويحتمل أن يكون قصد التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما هو فيه من شدة الكرب ,(((( وقامت عنده قرينة بأن الذي أراد كتابته ليس مما لا يستغنون عنه )))), إذ لو كان من هذا القبيل لم يتركه صلى الله عليه وسلم لأجل اختلافهم , ولا يعارض ذلك قول ابن عباس إن الرزية إلخ , ل(((أن عمر كان أفقه منه قطعا))) . وقال الخطابي : لم يتوهم عمر الغلط فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد كتابته , بل امتناعه محمول على أنه لما رأى ما هو فيه من الكرب وحضور الموت (((خشي أن يجد المنافقون سبيلا إلى الطعن فيما يكتبه وإلى حمله على تلك الحالة التي جرت العادة فيها بوقوع بعض ما يخالف الاتفاق))) فكان ذلك سبب توقف عمر , لا أنه تعمد مخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا جواز وقوع الغلط عليه حاشا وكلا .
وقال ابن تيمية
وأما قصة الكتاب الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يكتبه فقد جاء مبينا كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ادعى لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ويأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر
وفي صحيح البخاري عن القاسم بن محمد قال قالت عائشة وارأساه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان وأنا حي فاستغفر لك وأدعو لك قالت عائشة واثكلاه والله إني لأظنك تحب موتي فلو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنا وارأساه لقد همت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ويدفع الله ويأبى المؤمنون
وفي صحيح مسلم عن ابن أبي مليكة قال سمعت عائشة وسئلت من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفا لو استخلف قالت أبو بكر فقيل لها ثم من بعد أبي بكر قالت عمر قيل لها ثم من بعد عمر قالت أبو عبيدة عامر بن الجراح ثم انتهت إلى هذا
وأما عمر فاشتبه عليه هل كان قول النبي صلى الله عليه وسلم من شدة المرض أو كان من أقواله المعروفة والمرض جائز على الأنبياء ولهذا قال ماله أهجر فشك في ذلك ولم يجزم بأنه هجر والشك جائز على عمر فإنه لا معصوم إلا النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما وقد شك بشبهة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان مريضا فلم يدر أكلامه كان من وهج المرض كما يعرض للمريض أو كان من كلامه المعروف الذي يجب قبوله وكذلك ظن أنه لم يمت حتى تبين أنه قد مات
والنبي صلى الله عليه وسلم قد عزم على أن يكتب الكتاب الذي ذكره لعائشة فلما رأى أن الشك قد وقع علم أن الكتاب لا يرفع الشك فلم يبق فيه فائدة وعلم أن الله يجمعهم على ما عزم عليه كما قال ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر
وقول ابن عباس إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب الكتاب يقتضي أن هذا الحائل كان رزية وهو رزية في حق من شك في خلافة الصديق أو اشتبه عليه الأمر فإنه لو كان هناك كتاب لزال هذا الشك فأما من علم أن خلافته حق فلا رزية في حقه ولله الحمد
ومن توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي فهو ضال باتفاق عامة الناس من علماء السنة والشيعة أما أهل السنة فمتفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه وأما الشيعة القائلون بأن عليا كان هو المستحق للإمامة فيقولون إنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصا جليا ظاهرا معروفا وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب وإن قيل إن الأمة جحدت النص المعلوم المشهور فلأن تكتم كتابا حضره طائفة قليلة أولى وأحرى(1/343)
وأيضا فلم يكن يجوز عندهم تأخير البيان إلى مرض موته ولا يجوز له ترك الكتاب لشك من شك فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته لكان النبي صلى الله عليه وسلم يبينه ويكتبه ولا يلتفت إلى قول أحد فإنه أطوع الخلق له فعلم أنه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجبا ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته حينئذ إذ لو وجب لفعله ولو أن عمر رضي الله عنه اشتبه عليه أمر ثم تبين له أو شك في بعض الأمور فليس هو أعظم ممن يفتي ويقضي بأمور ويكون النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم بخلافها مجتهدا في ذلك ولا يكون قد علم حكم النبي صلى الله عليه وسلم فإن الشك في الحق أخف من الجزم بنقيضه
وكل هذا إذا كان باجتهاد سائغ كان غايته أن يكون من الخطأ الذي رفع الله المؤاخذه به كما قضى على في الحامل المتوفى عنها زوجها أنها تعتد أبعد الأجلين مع ما ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قيل له إن أبا السنابل بن بعكك أفتى بذلك لسبيعة الأسلمية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذب أبو السنابل بل حللت فانكحى من شئت فقد كذب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي أفتى بهذا وأبو السنابل لم يكن من أهل الاجتهاد وما كان له أن يفتي بهذا مع حضور النبي صلى الله عليه وسلم
وأما علي وابن عباس رضي الله عنهما وإن كانا أفتيا بذلك لكن كان ذلك عن اجتهاد وكان ذلك بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن بلغهما قصة سبيعة
وهكذا سائر أهل الاجتهاد من الصحابة رضي الله عنهم إذا اجتهدوا فأفتوا وقضوا وحكموا بأمر والسنة بخلافه ولم تبلغهم السنة كانوا مثابين على اجتهادهم مطيعين لله ورسوله فيما فعلوه من الاجتهاد بحسب استطاعتهم ولهم أجر على ذلك ومن اجتهد منهم وأصاب فله أجران.
===============
شبهات وردود منوعة
منها ما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته يوم الخميس قبل الوفاة بأربعة أيام للصحابة الحاضرين في حجرته المباركة : (( أئتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبدا )) فتنازعوا ، ولا ينبغي عند نبي تنازع . فقالوا : ماله ؟ أهجر ؟ أستفهموه . فقال : (( ذرونى ، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه )) فأمرهم بثلاث قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم . والثالثة إما أن سكت عنها ، وإما أن قالها فنسيتها .
وهذه رواية أهل السنة الصحيحة وزعموا أنه يستفاد منها الطعن على عمر بوجوه :
الأول أنه رد قول النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله كلها وحي لقوله تعالى ] وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [ ورد الوحي كفر لقوله تعالى] ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [ .
والجواب على فرض تسليم أن هذا القول صدر من الفاروق فقط أنه لم يرد قوله صلى الله عليه وسلم بل قصد راحته ورفع الحرج عنه صلى الله عليه وسلم في حال شدة المرض ، إذ كل محب لا يرضى أن يتعب محبوبه ولا سيما في المرض ، مع عدم كون ذلك الآمر ضرورياً ، لم يخاطب بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بل خاطب الحاضرين تأدباً وأثبت الاستغناء عن ذلك بقوله تعالى ] اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام ديناً [ وقد نزلت الآية قبل هذه الواقعة بثلاثة أشهر ، وقد أنسد باب النسخ والتبديل والزيادة والنقصان في الدين ، فيتمنع إحداث شئ ، وتأكيد المتقدم مستغني عنه لا سيما في تلك الحالة . ولو كان بيان المصلحة رد الوحي وقول الرسول للزم ذلك على الأمير أيضاً ، فقد روى البخاري الذى هو أصح الكتب عند أهل السنة بعد القرآن بطرق متعددة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بيت الأمير والبتول ليلة وايقظها من مضجعها وأمرهما بصلاة التهجد مؤكداً ، فقال الأمير : والله ما نصلى إلا ما كتب الله علينا أي الصلاة المفروضة ، وإنما أنفسنا بيد الله ، يعني لو وقفنا الله لصلاة التهجد لصلينا . فرجع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضرب على فخذيه ويقول ] وكان الإنسان أكثر شئ جدلاً [ فقد رد الأمير قول الرسول ، ولكن لما كانت القرائن الحالية دالة على صدق الأمير وأستقامته لم يلمه النبي صلى الله عليه وسلم(1/344)
وروى البخاري أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تصالح مع قريش في الحديبية كتب الأمير كتاب الصلح وزاد لفظ (( رسول الله )) فأمتنع الكفار عن قبوله وقالوا : لو سلمنا بهذا اللقب لما حار بناه وصددناه عن طوائف البيت ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً أن يمحو هذا اللفظ وأكد ذلك ، فلم يمحه الأمير لكمال الإيمان وخالف الرسول في ذلك حتى محاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة . وقد ثبتت مخالفة الأمير أيضاً في كتبهم ، فقد روى محمد بن بابويه في ( الأمالى ) والديلمي في ( إرشاد القلوب ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فاطمة سبعة دراهم وقال : أعطيها علياً ومريه أن يشترى لأهل بيته طعاماً فقد غلب عليهم الجوع ، فأعطتها علياً وقالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تبتاع لنا طعاماً . فأخذها علي وخرج من بيته ليبتاع طعاماً لأهل بيته فسمع رجلاً يقول : من يقرض الملى الوفي ؟ فأعطاه الدراهم . فقد خالف قول الرسول ، وتصرف في مال الغير ، ومع ذلك فأهل السنة لا يطعنون على الأمير بمثل هذه المخالفات ، بل لا يعدون ذلك مخالفة . فكيف يطعنون على عمر بما هو اخف منها ( 1 ) . وأما قولهم إن أقوال الرسول كلها وحي فمردود ، لأن أقواله صلى الله عليه وسلم لو كانت كلها وحياً فلم قال الله تعالى ] عفا الله عنك لم أذنت لهم [ وقال تعالى ] ولاتكن للخائنين خصيماً [ وقال تعالى ] ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم [ وقال تعالى في المعاتبة عن أخذ الفدية من أسارى بدر ] لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم [ وأيضاً يلزمهم أن الأمير ايضاً قد رد لوحي حين أمره النبي صلى الله عليه وسلم ، ومحو اللفظ ، وأبتياع الطعام مع انهم لا يقولون بذلك .
الثاني من وجوه الطعن أنه قال (( أهجر )) مع أن الأنبياء معصومون من هذه الأمور فاقوالهم وأفعالهم في جميع الأحوال والأوقات كلها معتبرة وحقيقية بالاتباع .
والجواب عن هذا أنه من أين يثبت أن قائل هذا القول عمر ؟ مع أنه قد وقع في أكثر الروايات (( قالوا )) بصيغة الجمع (( استفهموه )) على طريق الإنكار ، فإن النبي لا يتكلم بالهذيان البتة وكانوا يعلمون انه صلى الله عليه وسلم ما خط قط بل كان يمتنع صدور هذه الصنعة منه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى ] وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخط بيمينك [ ولذا قالوا فاسئلوه . وتحقيق ذلك أن الهجر في اللغة هو أختلاط الكلام بوجه غير مفهم ، وهو على قسمين : قسم لا نزاع لحد في عروضه للأنبياء عليهم السلام وهو عدم تبيين الكلام لبحة الصوت وغلبة اليبس بالحرارة على اللسان كما في الحميات الحارة ، وقد ثبت بإجماع أهل السير أن نبينا صلى الله عليه وسلم كانت بحة الصوت عارضة له في مرض موته صلى الله عليه وسلم .
والقسم الآخر جريان الكلام غير المنتظم أو المخالف للمقصود على اللسان بسبب الغشى العارض بسبب الحميات المحرقة في الأكثر . وهذا القسم وإن كان ناشئاً من العوارض البدنية ولكن قد أختلف العلماء في جواز عروضه للأنبياء ، فجوزه بعضهم قياساً على النوم ، ومنعه آخرون ، فلعل القائل بذلك القول أراد القسم الأول يعنى ان هذا الكلام خلاف عادته صلى الله عليه وسلم فلعنا لم نفهم كلامه بسبب وجود الضعف في ناطقته فلا إشكال .
الثالث من وجوه الطعن أنه رفع الصوت وتنازع في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى ] يأيها الذين أمنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي [ .
والجواب أنه من أين يثبت أن عمر أول من رفع الصوت ؟ وعلى تقديره فرفع صوته إنما كان على صوت غيره من الحاضرين لا على صوت النبي صلى الله عليه وسلم المنهي عنه في الآية ، والأول جائز والآية تدل عليه حيث قال كجهر بعضكم لبعض ، وقوله صلى الله عليه وسلم في إحدى الروايات (( قوما عني )) من قبيل قلة الصبر العارضة للمريض ، فإنه يضيق صدره إذا وقعت منازعة في حضوره ، وما يصدر من المريض في حق أحد لا يكون محلاً للطعن عليه ، مع أن الخطاب كان لجميع الحاضرين المجوزين والمانعين .
الرابع من أوجه الطعن أنه أتلف حق الأمة ، إذ لو كتب الكتاب المذكور لحفظت الأمة من الضلالة ولم ترهم في كل واد يهيمون ، ووبال جميع ذلك على عمر .(1/345)
والجواب أنه إنما يتحقق الإتلاف لو حدث حكم من الله تعالى نافع للأمة ومنعه عمر . وقوله تعالى ] اليوم أكملت لكم دينكم [ الاية تدل على عدم الحدوث ، بل لم يكن الكتاب إلا لمصالح الملك وتأكيد ما بلغه ، وإلا فلا يتصور منه صلى الله عليه وسلم أن يقول أو يكتب في هذا الوقت الضيق ما لم يكن قاله قط ، مع أن زمن نبوته أمتد ثلاثاً وعشرين سنة ، وكيف يمتنع عن ذلك بمجرد منع عمر ، ولم يقله لأحد بعد ذلك مع عدم وجود عمر ، فإنه صلى الله عليه وسلم قد عاش بعد ذلك خمسة أيام باتفاق الفريقين . فإن قيل : لو لم يكن ما يكتب أمراً دينياً فلم قال (( لن تضلوا بعدي )) ؟ قلنا : للضلال معان ( 1 ) ، والمراد ههنا عدم الخطأ في تدبير الملك وهو إخراج المشركين من جزيرة العرب ، وإجازة الوفد بنحو ما كان يجيزهم ، وتجهيز جيش أسامة منه ، لا الضلالة والغواية عن الدين . فقد تبين لك بطلان ما طعنوا به ، وأظهر لك فساده وقبيح كذبه . والحمد لله رب العالمين ( 2 ) .
ومنها أن عمر قصد إحراق بيت سيدة النساء ، وضربها على جنبها الشريف بقبضة سيفه حتى وضعت حملها بسبب ذلك !
والجواب أن هذه القصة محض هذيان ، وزور من القول وبهتان . ولذا قد انكر صحتها أكثر الإمامية ، أن روايتها عندهم غير صحيحة ولا مرضية ، مع أن فعل عمر هذا لو فرض وقوعه فهو أقل مما فعله الأمير كرم الله تعالى وجهه مع أم المؤمنين عائشة الصديقة ، مع أنه لم يلحقه طعن من ذلك عند الفريقين بناء على حفظ الأنتظام في أمور الدنيا والدين :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا
ومنها أن عمر أنكر موت الرسول صلى الله عليه وسلم وحلف أنه لم يمت ، حتى قرأ أبو بكر قوله تعالى ] إنك ميت وإنهم ميتون [ .
والجواب أن ذلك من شدة دهشته بموت الرسول وكمال محبته له صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق له في ذلك الحين شعور بشئ ، وكثيراً ما يحصل الذهول بسبب تفاقم المصائب وتراكم الشدائد ، لأن النسيان والذهول من اللوازم البشرية ألا ترى أن يوشع – مع كونه نبياً معصوماً – نسى أن يخبر موسى بفقد الحوت مع المكتل ، بل إن موسى تعالى - مع كونه من أولى العزم – قد نسى معاهدته مع الخضر على عدم السؤال ثلاث مرات ، وقال تعالى في حق آدم ] فنسى ولم نجد له عزماً [ . وقد روى أبو جعفر الطوسي عن عبدالله الحلبي أن الإمام أبا عبدالله عليه السلام كان يسهو في صلاته ويقول في سجدتي السهو (( بسم الله وبالله ، وصلى الله على محمد وآله وسلم )) فأى ذنب لابن الخطاب بدهشته من هذا الامر العظيم ، وأى طعن عليه بسبب ما حصل له من فقد محبوبه صلى الله عليه وسلم ؟ فتباً لكم أيها الفرقة الضالة فقد نال الشيطان من عقولكم حتى صرتم شياطين أمثاله .
ومنها أن عمر كان لا يعلم بعض المسائل الشرعية التى هي شرط في الإمامة والخلافة كأمره برجم الحامل من الزنا ، فرده الأمير وقال له : إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها ، فندم حينئذ وقال : لولا علي لهلك عمر . وكما أراد رجم أمرأة مجنونة فرده الأمير بقوله صلى الله عليه وسلم (( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق )) ، وكإتمامة عدد الضربات في حد أبنه أبي شحمة بعد ان مات في اثناء الحد ، مع أن الميت غير معقول ، وكعدم علمه بحد شرب الخمر حتى قرره بمشورة الصحابة ورأيهم .(1/346)
والجواب عن الأول أن عمر رضي الله عنه لم يكن على علم بحمل المرأة لأن هذا أمر لا يدرك بالبصر إلا بعد تمام مدة الحمل وما يقاربه ، والأمير كان مطلعاً على ذلك وأخبر بحملها فنبه عمر إلى ذلك فشكره ، والقضاء على ظاهر الحال لا يوجب النقص في الإمامة ، بل ولا في النبوة . ألا ترى أن موسى تعالى أخذ برأس أخيه الكبير ولحيته مع انه نبي وأهانه حين لم يطلع على حقيقة الآمر ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (( إنما أن بشر ، وإنكم تختصمون إلى ، وإن بعضكم ألحن بحجته من بعض ، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من نار )) ، وقد روى عند الفريقين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر علياً بإقامة الحد على أمرآة حديثة بنفاس فلم يقم عليها الحد خشية أن تموت ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال (( أحسنت ، دعها حتى ينقطع دمها )) فقد تبين أن عدم الاطلاع على حقيقة الحال غير الجهل بالمسائل الشرعية . وعن الثاني أن عمر رضي الله عنه لم يكن واقفاً على جنونها أيضاً ، فقد روى الإمام أحمد عن عطاء بن السايب عن أبي ظبيان الحصين بن جندب الجنبي أن امرأة أتوابها مأخوذة إلى عمر بجريمة الزنا فحكم برجمها بعدما ثبت ، فقادوها للرجم ، فإذا على لا قاهم في الطريق فسألهم : أين تذهبون بهذه المرأة ؟ فقالوا : إن الخليفة أمر برجمها لثبوت الزنا عنده ، فأخذها الأمير من ايديهم وجاء بها إلى عمر وقال : هذه المرأة مجنونة من بني فلان أنا أعلمها كما هي ، وقال (( رفع القلم عن المجنون حتى يفيق )) فمنع عمر من رجمها . فقد علم أن عمر كان يعلم أن المجنونة لا ترجم ، ولكن لم يكن له علم بجنونها . وعن المحدود بقى حياً بعد الحد ، نعم قد غشى عليه أثناء الحد ، ولذا توهم الناس موته . وعن الرابع أن عدم العلم بشئ لم يحدث من قبل ولم يعين في الشرع حكمه ليس محلاً للطعن ، لأن العلم تابع المعلوم ، وحد شارب الخمر لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم معيناً ومقرراً ، بل كانوا يضربون الشارب بالنعال والجرائد والأسواط ، وقد خمن الصحابة ذلك من زمن أبي بكر بأربعين ضربة ، وقد تعدد شرب الخمر في خلافة عمر فجمع الصحابة كلهم وشاورهم في ذلك فقال الأمير وعبد الرحمن بن عوف : ينبغي أن يكون كحد القذف ثمانين جلدة ، لأن السكران يزول عقله بالسكر فربما يسب أحداً ويشتمه ، فأرتضى جميع الصحابة ذلك الاستنباط وأجمعوا عليه ، وقد ذكر هذه القصة ابن المطهر الحلي أيضاً في ( منهاج الكرامة وبما ذكرنا من أن عمر زاد حد الخمر بقول الأمير أندفع الخامس ، هذا مع أن معرفة جميع الأحكام الشرعية بالفعل ليست شرطاً للإمامة ، بل ولا النبوة ، فقد كانت توحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الأحكام الشرعية على حسب الوقائع . والإمام يعلم بعض الأحكام بالاجتهاد ، وربما يخطئ فيه كما روى الترمذي عن عكرمة أن علياً أحرق قوماً أرتدوا عن الإسلام ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال (( لو كنت أنا لقتلتهم )) فبلغ ذلك علياً فقال (( صدق ابن عباس )) والله تعالى الهادي .
ومنها أن عمر درأ حد الزنا عن المغيرة بن شعبة مع ثبوته بالبينة وهي اربعة رجال ، ولقن الرابع كلمة تدرأ الحد فقد قال له لما جاء للشهادة : أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلاً من المسلمين .
والجواب أن درء الحد إنما يكون بعد ثبوته ، ولم يثبت لعدم شهادة الرابع كما ينبغي ، وتلقينه الشاهد كذب وبهتان من أهل العدوان ، إذ قد يثبت في التواريخ المعتبرة كتاريخ البخاري وابن الأثير وغيرهما أنه لما جاء الرابع وهو زياد ابن ابيه قالوا له : أتشهد كأصحابك ؟ قال : أعلم هذا القدر ، إني رأيت مجلساً ونفساً حثيثاً وأنتهازاً ورأيته مستبطنها 0 أى مخفيها تحت بطنه – ورجلين كأنهما أذنا حمار ، فقال عمر : هل رأيت كالميل في المكحلة ؟ قال : لا . وقد وقع ذلك بمحضر الأمير وغيره من الصحابة . فأين التلقين يا أرباب الزور المفترين ؟ ولفظ (( أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلاً من المسلمين )) إنما قاله المغيرة في ذلك الحين كما هو حال الخصم مع الشهود ، ولا سيما إذا كان يترتب عليه حكم موجب لهلاكه . على ان عمر لو درأ الحد لكان فعله لفعل المعصوم ، فقد روى ابن بابويه في ( الفقيه ) أن ردلاً جاء إلى أمير المؤمنين تعالى وأقر بالسرقة إقراراً موجباً للقطع ، فلم يقطع يده ، والله تعالى الهادي .
ومنها أن عمر لم يعط أهل البيت سهمهم من الخمس الثابت بقوله تعالى ] وأعلموا إنما غنمتم من شئ ، فإن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل [ فقد خالف حكم الله تعالى .(1/347)
والجواب أن فعل عمر موافق لفعل النبي صلى الله عليه وسلم . وتحقيقه أن أبا بكر وعمر كانا يخرجان سهم ذوى القربى من الخمس ويعطيانه لفقرائهم ومساكينهم كما كان ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وعليه الحنفية وجمع كثير من الإمامية ، وذهب الشافعية إلى أن لهم خمس الخمس يستوى فيه غنيهم وفقيرهم ، ويقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، ويكون بين بني هاشم والمطلب دون غيرهم ، والأمير أيضاً عمل كعمل عمر فقد روى الطحاوى والدارقطني عن محمد بن إسحق أنه قال : سألت أبا جعفر محمد بن الحسين : إن أمير المؤمنين على بن أبي طالب لما ولى أمر الناس كيف كان يصنع في سهم ذوى القربى ؟ فقال : سلك به والله مسلك أبي بكر وعمر . إلى غير ذلك من رواياتهم ، فإذا كان فعل عمر موافقاً لفعل النبي صلى الله عليه وسلم والأمير يكون محلاً للطعن ؟ ومن يضلل الله فلا هادي له ، نسأله تعالى السلامة من الغباوة والوله .
ومنها أن عمر أحدث في الدين ما لم يكن منه كصلاة التراويح وإقامتها بالجماعة ، فإنها بدعة كما أعترف هو بذلك ، وكل بدعة ضلالة . وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد عليه )) .
والجواب أنه قد ثبت عند أهل السنة بأحاديث مشهورة متواترة أنه صلى الله عليه وسلم صلة التراويح بالجماعة مع الصحابة ثلاث ليالي من رمضان جماعة ولم يخرج في الليلة الرابعة وقال (( إني خشيت أن تفرض عليكم )) فلما زال هذا المحذور بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أحيى عمر هذه السنة السنية ، وقد ثبت في أصول الفريقين أن (( الحكم إذا كان معللاً بعلة نص الشارع يرتفع ذلك الحكم إذا زالت العلة )) وأعترف عمر بكونها بدعة حيث قال (( نعمت البدعة هي )) فمراده أن المواظبة عليها بالجماعة شئ حديث لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وما ثبت في زمن الخلفاء الراشدين والأئمة المطهرين مما لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم لا يسمى بدعة ، ولو سميت بدعة فهي حسنة ، والحديث مخصوص بإحداث ما لم يكن له اصل في الشرع . ومعلوم أن الشيعة لم يعتقدوا بدعية صلاة الشكر يوم قتل عمر رضي الله عنه ، وهو اليوم التاسع من ربيع الأول ، وتعظيم النيروز ، وتحليل فروج الجوارى ، وحرمان بعض الأولاد من بعض التركه ، إلى غير ذلك من الأمور التى لم تكن في زمنه صلى الله عليه وسلم بناء على زعمهم أن الأئمة أحدثوها . أما أن لا يعتقد أهل السنة بدعية ما أحدثه عمر فلانه عندهم كالأئمة عند الشيعة لقوله صلى الله عليه وسلم (( ومن يعش منكم بعدي فسيرى أختلافاً كثيراً ، فعليك بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ )) والله سبحانه الهادي .
ومنها ان عمر منع من متعة النساء ومتعة الحج ، مع أن كلتا المتعتين كانتا في زمنه صلى الله عليه وسلم ، فنسخ حكم الله تعالى وحرم ما أحله سبحانه ، بدليل ما ثبت عند أهل السنة من قوله (( متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا أنهي عنهما )) .
والجواب أن أصح الكتب عند أهل السنة الصحاح الست ، وأصحها البخاري ومسلم ، وقد روى مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوعا .وسبرة بن معبد الجهني أنه صلى الله عليه وسلم قد حرم هو المتعة بعد ما كان أحلها ورخصها لهم ثلاثة أيام ، وجعل تحريمها إذ حرمها مؤبداً إلى يوم القيامة . ومثل هذه الرواية في الصحاح الآخر ، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب أهل السنة رواية الأئمة عن الأمير بتحريمها ، فإن ادعت الشيعة ان ذلك كان في غزوة خيبر ثم أحلت في غزوة الأوطاس فمردود ، لأن غزوة جيبر كانت مبدأ تحريم لحوم الحمر الأهلية لا متعة النساء ، فقد روى جمع من أهل السنة عن عبد الله والحسن ابني محمد ابن الحنفية عن أبيهما عن الأمير كرم الله تعالى وجهه أنه قال : (( امرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي بتحريم المتعة )) فقد علم ان تحريم المتعة كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أو مرتين ، فالذى بلغه النهي أمتنع عنها ومن لا فلا ، ولما شاع في عهد عمر أرتكابها أظهر حرمتها واشاعها وهدد من كان يرتكبها . وآيات الكتاب شاهدة على حرمتها وقد سبق ذلك في المسائل الفقيه فنذكر فما في العهد من قدم .(1/348)
والجواب عن متعة الحج – اعنى تادية أركان العمرة مع الحج في سفر واحد في أشهر الحج قبل الرجوع إلى بيته – ان عمر لم يمنعها قط ، ورواية التحريم عنه افتراء صريح . نعم إنه كان برى إفراد الحج والعمرة أولى من جمعها في إحرام واحد وهو القران ، أو في سفر واحد وهو التمتع ، وعليه الإمام الشافعي وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه ، وغيرهم لقوله تعالى ] وأتموا الحج والعمرة لله – إلى قوله – فمن تمتع بالعمرة إلى الحج [ الآية ، فأوجب سبحانه الهدى على المتمتع لا على المفرد جبراً لما فيه من النقصان ، كما أوجبه تعالى في الحج إذا حصل فيه قصور ونقص ، لأنه صلى الله عليه وسلم حج في حجة الوداع منفرداً واعتمر في عمرة القضاء وعمرة جعرانة كذلك ولم يحج فيها بل رجع إلى المدينة مع وجود المهلة . وأما ما رووا من قول عمر(( وأنا أنهي عنهما )) فمعناه أن الفسقة وعوام الناس لا يبالون بنهي الكتاب وهو قوله تعالى ] فمن أبتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون [ وقوله تعالى ( 1 ) ] وأتموا الحج والعمرة لله [ إلا أن يحكم عليهم الحاكم والسلطان ويجبرهم على مراعاة ما أمروا به وما نهوا عنه فلذلك أضاف النهي إلى نفسه ، فقد تبين لك ولله تعالى الحمد زيف أقوالهم وظهر لك مزيد ضلالهم ، والحق يعلو وكلمة الصدق تسمو .
------------------------
( 1 ) منها قوله عز وجل للهادي الأعظم صلى الله عليه وسلم ] ووجدك ضالاً فهدى [ .
( 2 ) وقد نبه السيد الحاج عمر نائب القضاء للدولة العثمانية في مدينة بغداد عند طبع هذا المختصر في الهند سنة 1315 على أن جميع روايات هذا الحديث مروية عن ابن عباس ، وأنه كان عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم صغير السن ، ولذلك نقلت عنه الواقعة بألفاظ مختلفة . وأن عمر كان يعلم أن العباس كان له هوى في أن يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قول في أستخلافه أو أستخلاف يصرح النبي صلى الله عليه وسلم باسم أبي بكر فيدخل من ذلك في أبي بكر دل عليه تقديمه للصلاة بالناس . فخشى عمر أن يصرح النبي صلى الله عليه وسلم باسم ابي بكر فيدخل من ذلك شئ من الحزن على نفس العباس ، فأراد أن يبقى هذا الآمر لتقدير الله عز وجل ، والذى يريده الله لهذه الأمة فلن يكون غيره . وهذا ما وقع بالفعل والحمد لله على ما كان ، وقد كان به الخير كله لهذا الدين وأهله . ورضي الله عن الخلفاء الراشدين كلهم وعن صحابة رسول الله أجمعين .
================
عمر رضي الله عنه ورزية الخميس
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن مغالطات الشيعة لأهل السنة في الأصول والفروع كثيرة شديدة البعد عن الصواب. وهي تشير إلى محاولات جادة ومستمرة لتكوين مجتمع قائم على مذهب التشيع منفصل عن الأمة الإسلامية. ومن تلك الأمور التي خالفوا فيها إجماع أهل السنة تكفيرهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قليلاً منهم. هؤلاء الذين قال الله تعالى فيهم: )وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"، وقال تعالى: "لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا(.
إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم حملة هذا الدين وورثة النبي الكريم المبلغين رسالته والناشرين دعوته، والرافعين رايته، والمجاهدين في سبيل الله، والممدوحين في كلام الله، والذين اتبعوهم من بعدهم ساروا على دربهم واقتدوا بهم، وهم السواد الأعظم من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . فتكفيرهم تكذيب لله ولرسوله.
ولقد عمّم الإمامية تكفيرهم للناس حتى طال كل من لم يؤمن بأصول الشيعة ولم يكن اثني عشرياً. وهذا أحد كبرائهم وهو نعمة الله الجزائري يقول: (الإمامية قالوا بالنص الجلي على إمامة علي، وكفروا الصحابة، ووقعوا فيهم وساقوا الإمامة إلى جعفر الصادق وبعده إلى أولاده المعصومين)[1]. وقال عن أهل السنة: (إنهم كفار أنجاس بإجماع علماء الشيعة الإمامية، وإنهم شر من اليهود والنصارى. وإن من علامات الناصبي تقديم غير علي عليه في الإمامة)[2]. ويقول المظفر صاحب العقائد المشهورة: (مات النبي صلى الله عليه وسلم ولا بد أن يكون المسلمون كلهم -لا أدري الآن- قد انقلبوا على أعقابهم)[3]. ويقول عبد الله شبر كتابه تاج الفقهاء: (وأما سائر المخالفين ممن لم ينصب ولم يعاند ولم يتعصب فالذي عليه جملة من الإمامية كالسيد المرتضى أنهم كفار في الدنيا والآخرة، والذي عليه الأكثر الأشهر أنهم كفار مخلدون في الآخرة). اهـ(1/349)
وخصصوا بالنكير والتكفير أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وهما اللذان ورد في الصحاح من فضائلهما أحاديث كثيرة مشهورة، ولو لم يرد في أبي بكر سوى حديث عدل إيمانه بإيمان الأمة وفي عمر غير قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه "لو كان نبي بعدي لكان عمر" لكفاهما. ولكن ما أشار إليه القرآن الكريم في ذلك أقوى وأبلغ كذكر أبي بكر في الغار عند الهجرة، واختيار الله ورسوله له ليصحب النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة. وحكم الله تعالى لعمر في المسائل الثلاث المشهورة. كل ذلك في فضلهما وعظيم شأنهما عند الله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم.
واعتمادهم في الطعن على سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتكفيره هو على حديث البخاري في حادثة الكتابة التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته. فقد ادعوا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه (يَهْجُر). وهو مجرد ادعاء واتهام عار عن الصحة كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
أولاً: مما ورد في الطعن على سيدنا عمر من كتب الشيعة في هذه الحادثة:
1- يقول الخميني:
(عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في فراش المرض، ويحف به عدد كثير، قال مخاطباً الحاضرين: تعالوا أكتب لكم شيئاً يحميكم من الوقوع في الضلالة، فقال عمر بن الخطاب: لقد هجر رسول الله. وقد نقل نص هذه الرواية المؤرخون وأصحاب الحديث من البخاري ومسلم وأحمد مع اختلاف في اللفظ، وهذا يؤكد أن هذه الفرية صدرت من ابن الخطاب المفتري. الواقع أنهم ما أعطوا الرسول حق قدره… الرسول الذي كد وجد وتحمل المصائب من أجل إرشادهم وهدايتهم، وأغمض عينيه وفي أذنيه كلمات ابن الخطاب القائمة على الفرية والنابعة من الكفر والزندقة). اهـ[4]
2- ويقول ابن المطهر الحلي:
(المطلب الثاني: في المطاعن التي نقلها السنة عن عمر بن الخطاب. نقل الجمهور عن عمر مطاعن كثيرة منها قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم لما طالب في حال مرضه دواة وكتفاً ليكتب فيه كتاباً لا يختلفون بعده وأراد أن ينصّ حال موته على علي ابن أبي طالب "ع"، فمنعهم عمر وقال: إن رسول الله ليهجر حسبنا كتاب الله. فوقعت الغوغاء وضجر النبي فقال أهله: لا ينبغي عند النبي الغوغاء. فاختلفوا فقال بعضهم: أحضروا ما طلب، ومنع آخرون. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ابعدوا. هذا الكلام في صحيح مسلم. وهل يجوز مواجهة العامي بهذا السفه فكيف بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ). اهـ [5]
3- ويقول العاملي البياضي في مطاعن عمر:
(وثالثها أن الغوغاء لم تكن بطلب الكتاب بل بالمخالفة كما أخرجه البخاري وغيره من قول بني هاشم قربوا إليه كتاباً وقول عمر ومن معه لا ندعه يكتب وإنه قد هجر … وهذا آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد قال الله: )إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ(. اهـ [6]
4- ويقول القاضي نور الدين التستري:
(وذلك لأن أول من سبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه هو عمر بن الخطاب خليفة…حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آتوني بدواة وكتف لأكتب كتاباً لن تضلوا بعده أبداً فقال عمر إن الرجل ليهجر حسبنا كتاب الله).اهـ[7]
5- وذكر مثل ذلك الأربلي في كتابه كشف الغمة.[8]
ثانياً: نص حديث البخاري ومسلم المتفق عليه والروايات الأخرى
سنذكر ههنا نص الحديث كما ورد في المصادر الحديثية لا كما أوردها الشيعة الامامية، وذلك لكي يتبين للقارئ الكريم ما وقع فيه الشيعة من مجانبة للحق والصواب في هذا المطلب العظيم.
- (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "هلمَّ أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده"، فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن. حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا؛ فمنهم من يقول قرّبوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر؛ فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قوموا". قال عبيد الله فكان يقول ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم)[9]
- وفي رواية عند البخاري قال صلى الله عليه وسلم عندما كثر عنده اللغط: (دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه، وأوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم. قال الراوي ونسيت الثالثة). [10]
- وفي رواية أخرى للبخاري: (ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا: ما له أهجر؟ استفهموه. فقال: ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه).[11](1/350)
- وفي رواية أخرى للبخاري أن من قال إن رسول الله وجع بعض الرجال دون نسبة هذا القول لعمر؛ وفيها أن طائفة من أهل البيت كانت مع عمر في رواية جاء فيها: (لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فقال صلى الله عليه وسلم : "هلمّوا أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده". فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده، ومنهم من يقول غير ذلك. فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوموا).[12]
- وفي رواية عند الحاكم في المستدرك: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "توني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً"ثم ولانا قفاه، ثم أقبل علينا فقال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر"). [13]
وهذا يحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب شيئاً من ذلك الكتاب والذي يتضمن استخلاف أبي بكر لا كما تدعي الشيعة.
- وفي رواية "البيهقي" جاءت كلمة هجر بصيغة السؤال:
(قالوا ما شأنه أهجر؟ استفهموه. فذهبوا يفدون عليه. قال: "دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه").[14]
- وفي رواية له:
(فقال بعض من كان عنده إن نبي الله ليهجر).[15] وكذا عند الطبري.[16] وعند الإمام أحمد بصيغة (فقالوا ما شأنه أهجر…)[17].
- وفي مسند الحميدي من حديث ابن عباس (فقال: ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقالوا ما شأنه أهجر استفهموه…).
- وعند أبي يعلى من غير لفظة (هجر) ولا (وجع) من حديث ابن عباس: (اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: "ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده". فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقال: "دعوني، فما أنا فيه خير مما تسألون عنه". قال أمرهم بثلاث)[18].
ثالثاً: ما نستخلصه من مجموع هذه الروايات ما يلي:
1. قوله في الحديث "هجر رسول الله" -أي هذي- لم تنسب إلى عمر بن الخطاب في أي رواية لا في الصحيحين ولا في غيرهما من كتب أهل السنة كما يدعي علماء الشيعة، وكما يدعي الكاتب الأمين في نقله حيث يقول: (فوجدتها مثبتة في الصحيحين). نعم هي مثبتة في الصحيحين لكن لا بلفظ هجر عن سيدنا عمر الذي هو محل الكلام، فماذا يسمى هذا في عرف أهل العلم؟ وإنما نسبت لبعض الرجال الحاضرين كما في رواية الشيخين. والأصح كما يقول الإمام النووي والسيوطي والقاضي عياض رواية (أهجر) بالهمز أي بالاستفهام اعتراضاً على من رفض الكتابة للرسول صلى الله عليه وسلم ، أي هل يمكن أن يهذي حتى تمنعوا عن أن تحضروا دواة ليكتب لنا الكتاب؟
وقال الإمام النووي: (وإن صحت الروايات الأخرى كانت خطأ من قائلها، قالها بغير تحقيق بل لما أصابه من الحيرة والدهشة لعظيم ما شاهده من النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الحال الدالة على وفاته وعظيم المصاب وخوف الفتن والضلال بعده)اهـ[19]
ولك أن تقارن بين موقف أهل السنة من هذه الروايات ومحاولة حملها على معانٍ تليق بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وموقف الشيعة الذين شنعوا على الصحابة وطعنوا عليهم وقوّلوهم ما لم يثبت أنهم قالوه.
2. قول عمر "إنه وجع" عند البخاري ومسلم، معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعب والكتاب الذي سيكتبه سيطول ويؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطيل مرضه ولا نريد أن نؤذي رسول الله، فسيكتبه عندما يصح من وعكته، فإن الله لا يقبضه قبل إكمال الرسالة. وعمر لم يكن يتوهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل عدم تصديقه لخبر وفاته عندما أعلن عنها، فعدم كتابة ذلك كان شفقة برسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يتأذى لأن الكتابة ستطول. ولا يخفى أن إثبات لفظ الوجع من عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه منقصة له عليه الصلاة والسلام.
3. إن رفض الكتابة لم يكن من عمر وحده فالروايات كما مر ذكرت "أهل البيت" و"بعض القوم". وهو شامل لكل من حضر في البيت كما ذكر في الصحيحين وغيره وحمله على عمر دون غيره تحكم ظاهر.(1/351)
4. أمره عليه الصلاة والسلام لم يكن على وجه الوجوب وإنما على وجه الندب؛ كما بين الإمام المازري والقرطبي ذلك لقرائن فَهِمَها بعض الصحابة الذين رفضوا الكتابة، بينما ظن الباقون إنها للوجوب؛ فحمَلها مَن منعَ الكتابة على الندب كما حملوا قوله عليه السلام: "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة". فكرهوا أن يكلفوه وهو في تلك الحالة مع استحضار قوله تعالى: )مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ(. والذي يدل على أن أمره كان للندب عدم إنكاره عليه الصلاة والسلام لمن خالف أمره لأن النبي لا يقر مخالفة الواجب إجماعاً واتفاقاً، وبقاؤه حياً أربعة أيام بعد ذلك دون أن يكتب كما نص على ذلك الإمام البخاري.[20] ولو كان أمره واجباً والله أمره بالكتابة لما توانى لحظة عن الكتابة ولعاد إلى الطلب مراراً، وهو المأمور بتبليغ ما أمر به. وهذا موافق لما فهمه سيدنا علي في صلح الحديبية عندما أمره صلى الله عليه وسلم بمحي كلمة رسول الله فلم يفعل ذلك سيدنا علي لحمله "على تقديم الأدب على الامتثال" كما ذكره أهل السنة. وإليك الفقرة من الحديث كما رواها أهل السنة والشيعة: عندما رفض المشركون كتابة "محمد رسول الله": ( فقال المشركون: لا تكتب محمد رسول الله؛ لو كنت رسولاً لم نقاتلك. فقال لعلي: "امحه". فقال علي: ما أنا بالذي أمحاه. فمحاه رسول الله بيده …)[21]. وفي كتب الشيعة مثل ذلك: ( امح يا علي واكتب محمد بن عبد الله. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما أمحو اسمك من النبوة أبداً فمحاه رسول الله بيده). اهـ [22]
5. أنه عليه الصلاة والسلام عندما قال: ( دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه)، ليس إنكاراً على من رفض الكتابة، وإنما معناه: اتركوني لأتفكر وأذكر ربي وأحمده خير من هذا اللجاج. فمراقبة الله تعالى والاستعداد للقائه أفضل من اللجاج.
6. أنه عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين أوصى قبل موته وصيته المشهورة بإخراج المشركين من جزيرة العرب وإجازة الوفد والثالثة التي نسيها الراوي. مما يدل على نسخ أمر الله له بالكتابة وإلا لكتب كما أملى وصيته.
7. أنه صلى الله عليه وسلم ربما أملى شيئاً من هذا الكتاب كما ذكر الحاكم في المستدرك: (أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، ثم ولانا قفاه؛ ثم أقبل علينا فقال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) ولم يمل غير ذلك؛ فكان باستطاعته أن يكمل الإملاء وقد عرفنا الكتاب ومضمونه فجعل الاستخلاف لأبي بكر دون غيره.
8. قال الإمام النووي: (وأما كلام عمر رضي الله عنه فقد اتفق علماء المتكلمين في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره لأنه خشي أن يكتب صلى الله عليه وسلم أموراً ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها؛ فقال عمر: حسبنا كتاب الله. لقوله تعالى: ) مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ (، وقوله تعالى: )الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة).[23]
9. لو كان مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب ما لا يستغنون عنه – من أصول دينهم، كما يدعي الشيعة بأن الإمامة إنما هي المصححة للتكليف- لم يتركه لاختلافهم ولا لغيره لقوله تعالى: )يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ(، وقوله تعالى: )الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ(. وهو صلى الله عليه وسلم لم يترك ذلك لمخالفة من خالفه من المشركين واليهود ومعاداة من عاداه، فبأولى أن لا يتركه ههنا. ثم قبل ذلك وبعده لا يتصور منه صلى الله عليه وسلم أن يكتم شيئاً مما أمر بتبليغه، لأن ذلك مما يستحيل في حقه كما هو مبيّن في عقائد أهل السنة كأصل من أصول دينهم.
10. إن قول عمر كان لتحصيل الأمة فضيلة الاجتهاد ولئلا يسد هذا الباب الذي أصّله لهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إذا اجتهد الحاكم) الحديث.
11. إن أمره عليه الصلاة والسلام لصحابته بالكتابة أمر اجتهادي منه، وليس تبليغاً من الله تعالى، ويدل على ذلك أن عمر اجتهد سابقاً مخالفاً للحكم الظاهر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ونزل القرآن بموافقته فظن عمر أن هذا المقام كتلك المقامات بأنه أمر اجتهادي من الرسول صلى الله عليه وسلم ، يرجع فيه إلى المقاصد والأصول العامة للدين، لا أمر منصوص عليه مقطوع به. والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه عدم كتابة ذلك فدل على أن الأمر كما ظن عمر بدليل إقراره عليه السلام بالسكوت.(1/352)
12. قال الإمام النووي: (وقول عمر حسبنا كتاب الله رد على من نازعه لا على أمر النبي صلى الله عليه وسلم ) اهـ[24]. وهذا حمل لطيف لكلام عمر رضي الله عنه ، لما أن مهابته عليه السلام وإجلاله في قلوب الصحابة كانت أكبر من أن يواجه بالرد. على أن كلام عمر إذا تصورناه قيل بلطف لرسول الله، فليس فيه ما يشكل أبداً. وكلام النووي أن عمر قد جادله بعض الصحابة وأنكروا عليه مستدلين بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يستحيل عليه أن يهذي فلم تمنعنا من الكتابة، فأجابهم عمر: "حسبنا كتاب ربنا"، أي )تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ( كما قال الله تعالى. ويؤخذ من هذا الفهم عدم نسبة قول (أهجر؟) لسيدنا عمر رضي الله عنه بل لمن نازعه في منعه من الكتابة.
13. ثم إنه صلى الله عليه وسلم لو نص على شيء أو أشياء لم يرفع ذلك الخلاف كما يقول ابن الجوزي، لأن الحوادث لا يمكن حصرها فهذا دليل على عدم جزمه عليه الصلاة والسلام بما أمر. أي أن الاختلاف سنة كونية باقية قطعاً فلو نص الرسول صلى الله عليه وسلم على ما أراد التنصيص عليه لما رفع الخلاف ولأوهم الخطأ والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله، ولكان مبرراً قوياً للطعن فيه وفي هذا الدين العظيم.
14. قال الخطابي في الحديث:
( لا يجوز أن يحمل قول عمر على أنه توهم الغلط على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ظن ذلك مما لا يليق به بحال، ولكنه لما رأى ما غلب على رسول الله من الوجع وقرب الوفاة مع ما اعتراه من الكرب خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة له فيه فيجد المنافقون بذلك سبيلاً إلى الكلام في الدين وقد كان أصحابه عليه الصلاة والسلام يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتيم، كما راجعوه في يوم الحديبية في الخلاف وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش، فأما إذا أمر بالشيء أمر عزيمة فلا يراجعه فيه أحد منهم. قال: وأكثر العلماء على أنه يجوز عليه الخطأ فيما لم ينزل عليه، وقد أجمعوا كلهم على أنه لا يقر عليه. قال: ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم وإن كان الله تعالى قد رفع درجته فوق الخلق كلهم فلم ينزهه عن سمات الحدث والعوارض البشرية، وقد سها في الصلاة، فلا ينكر أن يظن به حدوث بعض هذه الأمور في مرضه فيتوقف في مثل هذا الحال حتى تتبين حقيقته؛ فلهذه المعاني وشبهها راجعه عمر رضي الله عنه ).[25]
15. أن الإمامية أنفسهم نسبوا لبعض أئمتهم ما رموا به عمر من نسبة الهذيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذه رواية روتها كتب الشيعة الإمامية في حق أحد الأئمة وهو معصوم عندهم؛ ولا فرق بينه وبين النبي إلا بالوحي. تأمل. فقد قال ابن طاوس شرف العترة وركن الإسلام: (ومن ذلك في دلائل علي بن الحسين عليه السلام ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر بن رستم قال: حضر علي بن الحسين الموت فقال لولده: يا محمد أي ليلة هذه… ثم دعا بوضوء فجيء به، فقال: إن فيه فأرة، فقال بعض القوم إنه يهجر فجاءوا بالمصباح..). اهـ[26]
فانظر كيف أثبتوا لمعصوم عندهم بألسنتهم ما استشنعوه في حق معصوم آخر، على فرض ثبوته.
16. لا يستقيم أن يكون سيدنا عمر قد ارتكب خطأ جسيماً في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يقابل من سيدنا علي رضي الله عنه بهذا الثناء، كما ورد في نهج البلاغة، وكما هو مثبت في غيره من الكتب المعتمدة هند الشيعة؛ حتى أنه لفرط محبته له ولبقية الخلفاء الراشدين وتقديره لهم سمى بعض أبنائه أبا بكر، وعمر، وعثمان. وزوج ابنته من السيد فاطمة (أم كلثوم) من سيدنا عمر رضي الله عنه . والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، فهل يكون هذا فعل معصوم قد علم إساءة هؤلاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل وفسقهم وتآمرهم على الدين وردتهم، فيقابلهم بالمحبة والتقدير والثناء. والحمد لله رب العالمين.
ملحوظة: قولنا في (15) تأمل، للفت النظر أنا وجدنا في بعض روايات الشيعة ما يفهم منه إثبات أن الأئمة يوحى إليهم أيضاً تماماً كالأنبياء، من ذلك ما رواه الكليني كذباً عن بعض الأئمة من قوله: (إن الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده من أن يفرض طاعة عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساء)[27]. وغير ذلك بل وأعظم من ذلك كما سيأتي في الكلام عن غلوهم. اهـ جوابهما عن الشبهة الأولى.
--------------------------------------------------
1- الأنوار النعمانية 2/244
2- الأنوار النعمانية 2/206
3- كتابه السقيفة ص87
1- كشف الأسرار ص 137
2- نهج الحق ص 273
1- الصراط المستقيم ج3 / ص6
2- الصوارم المهرقة ص 224
3- كشف الغمة ج1/420
1- صحيح مسلم 3 /1259. دار إحياء التراث، وصحيح البخاري 5/2146 دار ابن كثير
2- صحيح البخاري 3/1111.
3- صحيح البخاري 3/ 1155.
1- صحيح البخاري 4/ 1612.
2- المستدرك على الصحيحين 3/542.
3- السنن الكبرى 4/ 433.
1- الطبقات الكبرى ج2/ ص242
2- التاريخ ج2 / ص228(1/353)
3- مسند الإمام أحمد 1/222
4- مسند أبي يعلى 4/ 298
1- شرح صحيح مسلم 11/93
1- صحيح البخاري من حديث سعيد بن جبير فتح الباري 8/133
2- فتح الباري 5/303
3- الإرشاد 1/ 121. وإعلام الورى 97. وتفسير القمي 2/313.
1- شرح صحيح مسلم 11/90.
1- شرح مسلم 11/93
1- شرح مسلم 11/91.
1- فرج المهموم ص 228
1- الكافي ج2/10
===============
الرد على كذب الشيعة ان سيدنا عمر انهزم في غزوة حنين
ذكر احد الرافضة أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فر وانهزم من معركة حنين وهذا الحديث أدناه يدل على ذلك
(4067) - وقال الليث: حدثني يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير بن أفلح، عن أبي محمد، مولى أبي قتادة قال: لما كان حنين، نظرت إلى رجل من المسلمين، يقاتل رجلا من المشركين، وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله، فأسرعت إلى الذي يختله، فرفع يده ليضربني، وأضرب يده فقطعتها، ثم أخذني فضمني ضما شديدا حتى تخوفت، ثم ترك، فتحلل، ودفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمت معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس، فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله، ثم تراجع الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه). فقمت لألتمس بينة على قتيلي، فلم أر أحدا يشهد لي فجلست، ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من جلسائه: سلاح هذا القتيل الذي يذكر عندي، فأرضه منه، فقال أبو بكر: كلا، لا يعطه أصيبغ من قريش ويدع أسدا من أسد الله، يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأداه إلي، فاشتريت منه خرافا، فكان أول مال تأثلته في الإسلام. صحيح البخاري
الرد عليهم
في البداية يجب ان نعرف ان هذه الرواية التي وردت في البخاري قد تناولها الامام ابن حجر صاحب كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري جاءت من ضمن روايتين ساضعهما ثم اضع تعليق الامام ابن حجر عليهما
الرواية الاولى
الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَضَرَبْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ بِالسَّيْفِ فَقَطَعْتُ الدِّرْعَ وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ مَا بَالُ النَّاسِ قَالَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ رَجَعُوا وَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ قَالَ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ قَالَ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ فَقُمْتُ فَقَالَ مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ رَجُلٌ صَدَقَ وَسَلَبُهُ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنِّي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَاهَا اللَّهِ إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُعْطِيَكَ سَلَبَهُ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ فَأَعْطِهِ فَأَعْطَانِيهِ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَام
الرواية الثانية التي رواها الليث ( التي استشهد بها الرافضي )(1/354)
ِ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَآخَرُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَخْتِلُهُ مِنْ وَرَائِهِ لِيَقْتُلَهُ فَأَسْرَعْتُ إِلَى الَّذِي يَخْتِلُهُ فَرَفَعَ يَدَهُ لِيَضْرِبَنِي وَأَضْرِبُ يَدَهُ فَقَطَعْتُهَا ثُمَّ أَخَذَنِي فَضَمَّنِي ضَمًّا شَدِيدًا حَتَّى تَخَوَّفْتُ ثُمَّ تَرَكَ فَتَحَلَّلَ وَدَفَعْتُهُ ثُمَّ قَتَلْتُهُ وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَانْهَزَمْتُ مَعَهُمْ فَإِذَا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي النَّاسِ فَقُلْتُ لَهُ مَا شَأْنُ النَّاسِ قَالَ أَمْرُ اللَّهِ ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْتُ لِأَلْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَشْهَدُ لِي فَجَلَسْتُ ثُمَّ بَدَا لِي فَذَكَرْتُ أَمْرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ سِلَاحُ هَذَا الْقَتِيلِ الَّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنْهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ كَلَّا لَا يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدَّاهُ إِلَيَّ فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافًا فَكَانَ أَوَّلَ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ
فقد كتب الامام ابن حجر معلقا على الرواية الثانية (رواية الليث )
واقتبس من رده
(، وقد أطلق في رواية الليث الآتية بعدها أنهم انهزموا، لكن بعد القصة التي ذكرها أبو قتادة، وقد تقدم في حديث البراء أن الجميع لم ينهزموا.) انتهى الاقتباس
واضيف انه من الواجب لمن اراد ان يفهم الحديث ان يتتبع طرق الحديث الاخرى والاحاديث المتصلة بموضوع الحديث لكي يسهل فهم ما جاء بالحديث وتجميع اجزاء الصورة من الجوانب المختلفة .
وهنا حديث البراء وشرحه الذي اشاراليه الامام ابن حجر رحمه الله
وقد ورد ضمن الشرح ان من ممن ثبتوا يوم حنين سيدنا ابوبكر وعمر وعلي رضي الله عنهم الرواية مع شرح الامام ابن حجر رحمه الله الواردة في فتح الباري، شرح صحيح البخاري، للإمام ابن حجر العسقلاني
الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عُمَارَةَ أَتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ وَلَكِنْ عَجِلَ سَرَعَانُ الْقَوْمِ فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ يَقُولُ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ
الشرح: حديث البراء، قوله: (عن أبي إسحاق) هو السبيعي، ومدار هذا الحديث عليه، وقد تقدم في الجهاد من وجه آخر عن سفيان وهو الثوري قال: " حدثني أبو إسحاق".
قوله: (وجاءه رجل) لم أقف على اسمه، وقد ذكر في الرواية الثالثة أنه من قيس.
قوله: (يا أبا عمارة) هي كنية البراء.
قوله: (أتوليت يوم حنين) الهمزة للاستفهام وتوليت أي انهزمت، وفي الرواية الثانية " أوليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين " وفي الثالثة " أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " وكلها بمعنى.
قوله: (أما أنا فأشهد على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يول) تضمن جواب البراء إثبات الفرار لهم، لكن لا على طريق التعميم، وأراد أن إطلاق السائل يشمل الجميع حتى النبي صلى الله عليه وسلم لظاهر الرواية الثانية، ويمكن الجمع بين الثانية والثالثة بحمل المعية على ما قبل الهزيمة فبادر إلى استثنائه ثم أوضح ذلك، وختم حديثه بأنه لم يكن أحد يومئذ أشد منه صلى الله عليه وسلم.
قال النووي: هذا الجواب من بديع الأدب، لأن تقدير الكلام فررتم كلكم.
فيدخل فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال البراء: لا والله ما فر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن جرى كيت وكيت، فأوضح أن فرار من فر لم يكن على نية الاستمرار في الفرار، وإنما انكشفوا من وقع السهام وكأنه لم يستحضر الرواية الثانية.(1/355)
وقد ظهر من الأحاديث الواردة في هذه القصة أن الجميع لم يفروا كما سيأتي بيانه، ويحتمل أن البراء فهم من السائل أنه اشتبه عليه حديث سلمة بن الأكوع الذي أخرجه مسلم بلفظ " ومررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما " فلذلك حلف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يول، ودل ذلك على أن منهزما حال من سلمة، ولهذا وقع في طريق أخرى " ومررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما وهو على بغلته فقال: لقد رأى ابن الأكوع فزعا " ويحتمل أن يكون السائل أخذ التعميم من قوله تعالى: (ثم وليتم مدبرين) فبين له أنه من العموم الذي أريد به الخصوص.
قوله: (ولكن عجل سرعان القوم فرشقتهم هوازن) فأما سرعان فبفتح المهملة والراء، ويجوز سكون الراء، وقد تقدم ضبطه في سجود السهو في الكلام على حديث ذي اليدين، والرشق بالشين المعجمة والقاف رمي السهام، وأما هوازن فهي قبيلة كبيرة من العرب فيها عدة بطون ينسبون إلى هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بمعجمة ثم مهملة ثم فاء مفتوحات ابن قيس بن عيلان بن إلياس بن مضر، والعذر لمن انهزم من غير المؤلفة أن العدو كانوا ضعفهم في العدد وأكثر من ذلك، وقد بين شعبة في الرواية الثالثة السبب في الإسراع المذكور قال: كانت هوازن رماة، قال: وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا.
وللمصنف في الجهاد " انهزموا " قال: " فأكببنا " وفي روايته في الجهاد في باب من قاد دابة غيره في الحرب " فأقبل الناس على الغنائم فاستقبلونا بالسهام"، وللمصنف في الجهاد أيضا من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق تكملة السبب المذكور قال: " خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسرا - بضم المهملة وتشديد السين المهملة - ليس عليهم سلاح، فاستقبلهم جمع هوازن وبني نضر ما يكادون يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون " الحديث.
وفيه " فنزل واستنصر، ثم قال: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب.
ثم وصف أصحابه " وفي رواية مسلم من طريق زكريا عن أبي إسحاق " فرموهم برشق من نبل كأنها رجل جراد فانكشفوا " وذكر ابن إسحاق من حديث جابر وغيره في سبب انكشافهم أمرا آخر، وهو أن مالك بن عوف سبق بهم إلى حنين فأعدوا وتهيأوا في مضايق الوادي، وأقبل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح، فثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم، وانكفأ الناس منهزمين.
وفي حديث أنس عند مسلم وغيره من رواية سليمان التيمي عن السميط عن أنس قال: " افتتحنا مكة، ثم إنا غزونا حنينا، قال: فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت: صف الخيل، ثم المقاتلة، ثم النساء من وراء ذلك، ثم الغنم ثم النعم.
قال: ونحن بشر كثير، وعلى ميمنة خيلنا خالد بن الوليد، فجعلت خيلنا تلوذ خلف ظهورنا فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الأعراب ومن تعلم من الناس " وسيأتي للمصنف قريبا من رواية هشام بن زيد عن أنس قال: " أقبلت هوازن وغطفان بذراريهم ونعمهم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف ومعه الطلقاء، قال: فأدبروا عنه حتى بقي وحده " الحديث.
ويجمع بين قوله: " حتى بقي وحده " وبين الأخبار الدالة على أنه بقي معه جماعة بأن المراد بقي وحده متقدما مقبلا على العدو، والذين ثبتوا معه كانوا وراءه، أو الوحدة بالنسبة لمباشرة القتال، وأبو سفيان بن الحارث وغيره كانوا يخدمونه في إمساك البغلة ونحو ذلك.
ووقع في رواية أبي نعيم في " الدلائل " تفصيل المائة: بضعة وثلاثون من المهاجرين والبقية من الأنصار ومن النساء أم سليم وأم حارثة.
قوله: (وأبو سفيان بن الحارث) أي ابن عبد المطلب بن هاشم وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إسلامه قبل فتح مكة لأنه خرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه في الطريق وهو سائر إلى فتح مكة فأسلم وحسن إسلامه، وخرج إلى غزوة حنين فكان فيمن ثبت.
وعند ابن أبي شيبة من مرسل الحكم بن عتيبة قال: لما فر الناس يوم حنين جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، فلم يبق معه إلا أربعة نفر، ثلاثة من بني هاشم ورجل من غيرهم: علي والعباس بين يديه، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان، وابن مسعود من الجانب الأيسر.
قال: وليس يقبل نحوه أحد إلا قتل.
وروى الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن قال: " لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس لمولين، وما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل " وهذا أكثر ما وقفت عليه من عدد من ثبت يوم حنين.(1/356)
وروى أحمد والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فولى عنه الناس؛ وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار، فكنا على أقدامنا، ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة " وهذا لا يخالف حديث ابن عمر فإنه نفى أن يكونوا مائة، وابن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين، وأما ما ذكره النووي في شرح مسلم أنه ثبت معه اثنا عشر رجلا فكأنه أخذه مما ذكره ابن إسحاق في حديثه أنه ثبت معه العباس وابنه الفضل وعلي وأبو سفيان بن الحارث وأخوه ربيعة وأسامة بن زيد وأخوه من أمه أيمن ابن أم أيمن، ومن المهاجرين أبو بكر وعمر، فهؤلاء تسعة، وقد تقدم ذكر ابن مسعود في مرسل الحاكم فهؤلاء عشرة، ووقع في شعر العباس بن عبد المطلب أن الذين ثبتوا كانوا عشرة فقط وذلك قوله: نصرنا رسول الله في الحرب تسعة وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا وعاشرنا وافى الحمام بنفسه لما مسه في الله لا يتوجع ولعل هذا هو الثبت، ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم، وممن ذكر الزبير بن بكار وغيره أنه ثبت يوم حنين أيضا جعفر بن أبي سفيان بن الحارث وقثم بن العباس وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب وشيبة بن عثمان الحجبي، فقد ثبت عنه أنه لما رأى الناس قد انهزموا استدبر النبي صلى الله عليه وسلم ليقتله، فأقبل عليه فضربه في صدره وقال له: قاتل الكفار، فقاتلهم حتى انهزموا.
قال الطبري: الانهزام المنهي عنه هو ما وقع على غير نية العود وأما الاستطراد للكثرة فهو كالتحيز إلى فئة.قوله: (آخذ برأس بغلته) في رواية زهير " فأقبلوا أي المشركون هنالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته البيضاء وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل واستنصر".
قال العلماء: في ركوبه صلى الله عليه وسلم البغلة يومئذ دلالة على النهاية في الشجاعة والثبات.
وقوله: " فنزل " أي عن البغلة " فاستنصر " أي قال: اللهم أنزل نصرك.
وقع مصرحا به في رواية مسلم من طريق زكريا عن أبي إسحاق.
وفي حديث العباس عند مسلم " شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث فلم نفارقه " الحديث، وفيه " ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، قال العباس: وأنا آخذ بلجام رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركابه " ويمكن الجمع بأن أبا سفيان كان آخذا أولا بزمامها فلما ركضها النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهة المشركين خشي العباس فأخذ بلجام البغلة يكفها، وأخذ أبو سفيان بالركاب وترك اللجام للعباس إجلالا له لأنه كان عمه.
قوله: (بغلته) هذه البغلة هي البيضاء، وعند مسلم من حديث العباس " وكان على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي " وله من حديث سلمة " وكان على بغلته الشهباء " ووقع عند ابن سعد وتبعه جماعة ممن صنف السيرة أنه صلى الله عليه وسلم كان على بغلته دلدل، وفيه نظر لأن دلدل أهداها له المقوقس؛ وقد ذكر القطب الحلبي أنه استشكل عند الدمياطي ما ذكره ابن سعد فقال له: كنت تبعته فذكرت ذلك في السيرة وكنت حينئذ سيريا محضا، وكان ينبغي لنا أن نذكر الخلاف.
قال القطب الحلبي: يحتمل أن يكون يومئذ ركب كلا من البغلتين إن ثبت أنها كانت صحبته، وإلا فما في الصحيح أصح.
ودل قول الدمياطي أنه كان يعتقد الرجوع عن كثير مما وافق فيه أهل السير وخالف الأحاديث الصحيحة، وأن ذلك كان منه قبل أن يتضلع من الأحاديث الصحيحة ولخروج نسخ من كتابه وانتشاره لم يتمكن من تغييره.
وقد أغرب النووي فقال: وقع عند مسلم " على بغلته البيضاء " وفي أخرى " الشهباء " وهي واحدة ولا نعرف له بغلة غيرها.
وتعقب بدلدل فقد ذكرها غير واحد، لكن قيل إن الاسمين لواحدة.
قوله: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) قال ابن التين: كان بعض أهل العلم يقوله بفتح الباء من قوله: " لا كذب " ليخرجه عن الوزن، وقد أجيب عن مقالته صلى الله عليه وسلم هذا الرجز بأجوبة أحدها أنه نظم غيره، وأنه كان فيه: أنت النبي لا كذب أنت ابن عبد المطلب، فذكره بلفظ " أنا " في الموضعين.
ثانيها أن هذا رجز وليس من أقسام الشعر، وهذا مردود.
ثالثها أنه لا يكون شعرا حتى يتم قطعة، وهذه كلمات يسيرة ولا تسمى شعرا.
رابعها أنه خرج موزونا ولم يقصد به الشعر، وهذا أعدل الأجوبة، وقد تقدم هذا المعنى في غير هذا المكان، ويأتي تاما في كتاب الأدب.(1/357)
وأما نسبته إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله فكأنها لشهرة عبد المطلب بين الناس لما رزق من نباهة الذكر وطول العمر، بخلاف عبد الله فإنه مات شابا، ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب، كما قال ضمام بن ثعلبة لما قدم: أيكم ابن عبد المطلب وقيل لأنه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب رجل يدعو إلى الله ويهدي الله الخلق على يديه ويكون خاتم الأنبياء، فانتسب إليه ليتذكر ذلك من كان يعرفه، وقد اشتهر ذلك بينهم، وذكره سيف بن ذي يزن قديما لعبد المطلب قبل أن يتزوج عبد الله آمنة وأراد النبي صلى الله عليه وسلم تنبيه أصحابه بأنه لا بد من ظهوره وأن العاقبة له لتقوى قلوبهم إذا عرفوا أنه ثابت غير منهزم.
وأما قوله " لا كذب " ففيه إشارة إلى أن صفة النبوة يستحيل معها الكذب، فكأنه قال: أنا النبي، والنبي لا يكذب، فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم، وأنا متيقن بأن الذي وعدني الله به من النصر حق، فلا يجوز علي الفرار.
وقيل: معنى قوله: " لا كذب " أي أنا النبي حقا لا كذب في ذلك.
(تنبيهان) : أحدهما ساق البخاري الحديث عاليا عن أبي الوليد عن شعبة، لكنه مختصر جدا.
ثم ساقه من رواية غندر عن شعبة مطولا بنزول درجة.
وقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة الفضل بن الحباب عن أبي الوليد مطولا، فكأنه لما حدث به البخاري حدثه به مختصرا.
(الثاني) اتفقت الطرق التي أخرجها البخاري لهذا الحديث من سياق هذا الحديث إلى قوله: " أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب " إلا رواية زهير بن معاوية فزاد في آخرها " ثم صف أصحابه " وزاد مسلم في حديث البراء من رواية زكريا عن أبي إسحاق قال البراء: " كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذيه " يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
ولمسلم من حديث العباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ صار يركض بغلته إلى جهة الكفار " وزاد فقال: " أي عباس ناد أصحاب الشجرة، وكان العباس صيتا، قال: فناديت بأعلى صوتي أين أصحاب الشجرة، قال فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك.
قال فاقتتلوا والكفار، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول إلى قتالهم فقال هذا حين حمي الوطيس.
ثم أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: انهزموا ورب الكعبة، قال: فما زلت أرى حدهم كليلا، وأمرهم مدبرا " ولابن إسحاق نحوه وزاد " فجعل الرجل يعطف بغيره فلا يقدر، فيقذف درعه ثم يأخذ بسيفه ودرقته ثم يؤم الصوت".
وهنا أاضع رواية الطبري في كتابه تاريخ الرسل والملوك التي ذكر فيها ثبات سيدنا ابوبكر وعمر وعلي رضي الله عنهما يوم حنين
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه، قال: لما أستقبلنا وادي حنين، أنحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط، إنما ننحدر فيه أنحداراً- قال: وفي عماية الصبح، وكان القوم قد سبقوا إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه، قد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا- فو الله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدت علينا شدة رجل واحد؛ وأنهزم الناس أجمعوا، فأنشمروا لا يلوي أحد على أحد؛ وأنحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين، ثم قال: أين أيها الناس! هلم إلى! أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله! قال: فلا شيء، أحتملت الإبل بعضها بعضاً، فأنطلق الناس؛ إلا أنه قد بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته. وممن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر، عمر، ومن أهل بيته علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وأبنه الفضل، وأبو سفيان بن الحارث، وربيعة بن الحارث، وأيمن بن عبيد- وهو أيمن بن أم أيمن- وأسامة بن زيد بن حارثة. قال: ورجل من هوازن على جمل له أحمر، بيده راية سوداء في رأس رمح طويل، أمام الناس وهوازن خلفه ، إذا أدرك طعن برمحه، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه؛ فأتبعوه. ولما أنهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر؛ والأزلام معه في منانته؛ وصرخ كلدة بن الحنبل- وهو مع أخيه صفوان بن أمية بن خلف وكان أخاه لأمه، وصفوان يومئذ مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال: ألا بطل السحر اليوم! فقال له صفوان: أسكت فض الله فاك! فو الله لأن يربني رجل من قريش أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن! وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، أخوبني عبد الدار: قلت: اليوم أدرك ثأري- وكان أبوه قتل يوم أحد- اليوم أقتل محمداً. قال: فأردت رسول الله لأقتله، فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي فلم أطق ذلك، وعلمت أنه قد منع مني . تاريخ الرسل والملوك / الطبري / حنين وهنا تنجلي الحقيقة ليخيب فأل الرافضة والحمدلله رب العالمين(1/358)
===============
تفنيد أكاذيب قصة الهجوم على بيت فاطمة رضي الله عنها دمشقية
تفنيد روايات الهجوم الباطلة على منزل فاطمة وإحراق الدار
يقول لنا الرافضة: هل تنكرون التاريخ الذي ذكر:
• أن عائشة خرجت على إمام زمانها؟
• وأن عمر أحرق دار فاطمة؟
• وأن معاوية هو الذي دس السم للحسن بن علي؟
فنقول للرافضة وهل تنكرون كتب التاريخ التي شهدت بوجود عبد الله بن سبأ اليهودي الذي رضي لكم الرفض دينا.
لو قلنا لهم ذلك لغضبوا وقالوا: لم تثبت شخصية ابن سبأ، وكتب التاريخ تروي الغث والثمين، ولا يجوز أن تعتمدوا على كتب التاريخ من دون التثبت.
فانظر كيف يتناقض القوم. يجوز عندهم أن يحتجوا علينا حتى بقول الشاعر وقول المؤرخ ولو كان رافضيا. لكن لا يجوز لنا أن نحتج عليهم بمثل ذلك.
1 - وددت أني لم أحرق بيت فاطمة.. (قول أبي بكر)
فيه علوان بن داود البجلي (لسان الميزان 4/218 ترجمة رقم 1357 – 5708 وميزان الاعتدال 3/108ترجمة 5763). قال البخاري وأبو سعيد بن يونس وابن حجر والذهبي »منكر الحديث«. وقال العقيلي (الضعفاء للعقيلي3/420).
على أن ابن أبي شيبة قد أورد رواية أخرى من طريق محمد بن بشر نا عبيد الله بن عمر حدثنا زيد بن أسلم عن أبيه أسلم أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت قال فلما خرج عمر جاؤوها فقالت تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وأيم الله ليمضين لما حلف عليه فانصرفوا راشدين فروا رأيكم ولا ترجعوا إلي فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر» (المصنف 7/432 ترجمة37045 ).
قلت: وهذه رواية منقطعة لأن زيد بن أسلم كان يرسل وأحاديثه عن عمر منقطعة كما صرح به الحافظ ابن حجر (تقريب التهذيب رقم2117) كذلك الشيخ الألباني (إزالة الدهش37 ومعجم أسامي الرواة الذين ترجم لهم الألباني2/73).
ولئن احتججتم بهذه الرواية أبطلتم اعتقادكم بحصول التحريق إلى التهديد بالتحريق. وأبطلتم اعتقادكم بأن عليا لم يبايع لأن هذه الرواية تقول: فلم يرجعوا إلى فاطمة حتى بايعوا أبا بكر.
2 - » حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن مغيرة عن زياد بن كليب قال أتى عمر بن علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة فخرج عليه الزبير مصلتا السيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه« (تاريخ الطبري2/233).
في الرواية آفات وعلل منها:
جرير بن حازم وهو صدوق يهم وقد اختلط كما صرح به أبو داود والبخاري في التاريخ الكبير (2/2234).
المغيرة وهو ابن المقسم. ثقة إلا أنه كان يرسل في أحاديثه لا سيما عن إبراهيم. ذكره الحافظ ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وهي المرتبة التي لا يقبل فيها حديث الراوي إلا إذا صرح بالسماع.
3 ـ أحمد بن يحيى البغدادي ، المعروف بالبلاذري ، وهو من كبار محدثيكم ، المتوفي سنة 279 ، روى في كتابه أنساب الأشراف 1/586 ، عن سليمان التيمي ، وعن ابن عون : أن أبا بكر أرسل إلى علي عليه السلام ، يريد البيعة ، فلم يبايع . فجاء عمر ومعه فتيلة ـ أي شعلة نار ـ فتلقته فاطمة على الباب ، فقالت فاطمة: يا بن الخطاب ! أتراك محرقا علي بابي؟ قال:نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك!
هذا إسناد منقطع من طرفه الأول ومن طرفه الآخر. فإن سلميانا التيمي تابعي والبلاذري متأخر عنه فكيف يروي عنه مباشرة بدون راو وسيط؟ وأما ابن عون فهو تابعي متأخر وبينه وبين أبي بكر انقطاع.
فيه علتان:
أولا: جهالة مسلمة بن محارب. ذكره ابن ابي حاتم في (الجرح والتعديل8/266) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ولم أجد من وثقه أو ذمه.
ثانيا: الانقطاع الكبير من بن عون وهو عبد الله بن عون توفي سنة 152 هجرية . ولم يسمع حتى من أنس والصديق من باب اولى الحادثة مع التذكير بأن الحادثة وقعت في السنة الحادية عشر من الهجرة.
وكذلك سليمان التيمي لم يدرك الصديق توفي سنة 143 هجرية .
4 ـ روى ابن خذابه في كتابه " الغدر" عن زيد بن أسلم قال : كنت من حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع علي واصحابه من البيعة ، فقال عمر لفاطمة : اخرجي كل من في البيت أو لأحرقنه ومن فيه !
قال : وكان في البيت علي وفاطمة والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
فقالت فاطمة : أفتحرق علي ولدي !!
فقال عمر : إي والله ، أو ليخرجنّ وليبايعنّ !!
لم يتمكن طارح هذه الشبهات من ضبط اسم المنقول عنه ولا ضبط اسم كتابه.(1/359)
فهذا المؤلف مختلف في ضبط اسمه فمنهم من ضبطه باسم (ابن خنزابة) ومنهم باسم (ابن خذابة) ومنهم (خرداذبة) ومنهم (ابن جيرانه) ومنهم (ابن خيرانة) ورجح محقق البحار أنه ابن (خنزابة).
ولكن ضبطه الزركلي في (الأعلام2/126) باسم (ابن حنزابة جعفر بن الفضل بن جعفر) توفي 391 هـ.
أما كتابه فهو كتاب الغرر وليس كتاب الغدر. (28/339). ومنهم من ضبطه باسم (العذر).
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الدليل عند الرافضة يقوم بوجود ذكر للرواية في أي كتاب كان ولو أن يكون هذا الكتاب مثلا كتاب ألف باء الطبخ.
5 ـ ابن عبد ربه في العقد الفريد 2/ 205 ط المطبعة الأزهرية ، سنة 1321هجرية ، قال : الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر ، علي ، والعباس ، والزبير ، وسعد بن عبادة فأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر ، عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة ، وقال له : إن أبوا فقاتلهم !
فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة ، فقال : يا بن الخطاب : أجئت لتحرق دارنا؟!
قال : نعم ، أو تدخلوا في ما دخلت فيه الأمة !!
أولا: ابن عبد ربه عند الرافضة من أعيان المعتزلة. (الطرائف لابن طاووس الحسني ص239). والرافضة من أضل هذه الأمة. وبهم ضل الرافضة.
ثانيا: أنه كان مشهورا بالنصب أيضا. فإنه كان يعتقد أن الخلفاء أربعة آخرهم معاوية. ولم يدرج علي بن أبي طالب من جملة الخلفاء (الأعلام للزركلي1/207) ومثل هذا نصب عند أهل السنة.
ثالثا: كتابه كتاب في الأدب يا من عجزتم عن أن تجدوا شيئا من كتب السنة.
لقد عجز الرافضة أن يجدوا رواية في كتب السنن والحديث ولو وجدوا لما اضطروا إلى الاحتجاج علينا بالمعتزلة. وعلى كل حال فقد حدث اندماج بين الشركتين: شركة الرفض وشركة الاعتزال واندمجوا في شركة واحدة.
6 ـ محمد بن جرير الطبري في تاريخه 3/203 وما بعدها ، قال : دعا عمر بالحطب والنار وقال : لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقنها على من فيها. فقالوا له : إن فيها فاطمة! قال: وإن!!
مسكين هذا الناقل ذو الجهل المركب حاطب الليل. فإن هذه الرواية لا وجود لها في تاريخ الطبري بهذا اللفظ.
وإنما هو في كتاب الإمامة والسياسة منسوب ومنحول على ابن قتيبة. وهذا الكتاب لم يثبت له لأسباب منها.
• أن الذين ترجموا لابن قتيبة لم يذكر واحد منهم أنه ألّف كتاباً يُدعى الإمامة والسياسة.
• أن مؤلف الكتاب يروي عن ابن أبي ليلى بشكل يشعر بالتلقي عنه، وابن أبي ليلى هذا هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه قاضي الكوفة توفى سنة 148، والمعروف أن ابن قتيبة لم يولد إلا سنة 213 أي بعد وفاة ابن أبي ليلى بخمسة وستين عاماً
• أن الكتاب يشعر أن ابن قتيبة أقام في دمشق والمغرب في حين أنه لم يخرج من بغداد إلا إلى دينور.
7 ـ ابن الحديد في شرح نهج البلاغة 2/56 روى عن أبي بكر الجوهري ، فقال : قال أبو بكر : وقد روي في رواية أخرى أن سعد بن أبي وقاص كان معهم في بيت فاطمة عليها السلام ، والمقداد بن الأسود أيضا ، وأنهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليا عليه السلام ، فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت ، وخرجت فاطمة تبكي وتصيح .. إلى آخره .
وفي صفحة 57 : قال أبو بكر : وحدثنا عمر بن شبة بسنده عن الشعبي ، قال : سأل أبو بكر فقال : أين الزبير ؟! فقيل عند علي وقد تقلد سيفه .
فقال : قم يا عمر ! قم يا خالد بن الوليد ! انطلقا حتى تأتياني بهما .
فانطلقا ، فدخل عمر ، وقام خالد على باب البيت من خارج ، فقال عمر للزبير : ما هذا السيف؟ فقال : نبايع عليا . فاخترطه عمر فضرب به حجرا فكسره ، ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعه وقال : يا خالد ! دونكه فأمسكه ثم قال لعلي : قم فبايع لأبي بكر! فأبى أن يقوم ، فحمله ودفعه كما دفع الزبير فأخرجه ، ورأت فاطمة ما صنع بهما ، فقامت على باب الحجرة وقالت : يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله !......إلى آخره.
وقال ابن الحديد في صفحة 59 و60 : فأما امتناع علي عليه السلام من البيعة حتى أخرج على الوجه الذي أخرج عليه . فقد ذكره المحدثون ورواه أهل السير ، وقد ذكرنا ما قاله الجوهري في هذا الباب ، وهو من رجال الحديث ومن الثقات المأمونين ، وقد ذكر غيره من هذا النحو ما لا يحصى كثرة .
الجواب:(1/360)
إبن أبي الحديد رافضي حجة على رافضي مثله لا علينا. قال الخونساري « هو عز الدين عبد الحميد بن أبي الحسن بن أبي الحديد المدائني "صاحب شرح نهج البلاغة، المشهور "هو من أكابر الفضلاء المتتبعين، وأعاظم النبلاء المتبحرين موالياً لأهل بيت العصمة والطهارة.. وحسب الدلالة على علو منزلته في الدين وغلوه في ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، شرحه الشريف الجامع لكل نفيسة وغريب، والحاوي لكل نافحة ذات طيب.. كان مولده في غرة ذي الحجة 586، فمن تصانيفه "شرح نهج البلاغة" عشرين مجلداً، صنفه لخزانة كتب الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي، ولما فرغ من تصنيف أنفذه على يد أخيه موفق الدين أبي المعالي، فبعث له مائة ألف دينار، وخلعة سنية، وفرساً» (روضات الجنات5/20-21 وانظر الكنى والألقاب للقمي1/185 الذريعة- آغا بزرك الطهراني41/158).
8 ـ مسلم بن قتيبة بن عمرو الباهلي ، المتوفى سنة 276 هجرية ، وهو من كبار علمائكم له كتب قيمة منها كتاب " الإمامة والسياسة" يروي في أوله قضية السقيفة بالتفصيل ، ذكر في صفحة 13 قال : إن أبا بكر تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها .
فقيل له : يا أبا حفص ! إن فيها فاطمة ! فقال : وإن ! .... إلى آخره .
تقدم أن كتاب الإمامة والسياسة منسوب ومنحول على ابن قتيبة. وهذا الكتاب لم يثبت له لأسباب منها.
• أن الذين ترجموا لابن قتيبة لم يذكر واحد منهم أنه ألّف كتاباً يُدعى الإمامة والسياسة.
• أن مؤلف الكتاب يروي عن ابن أبي ليلى بشكل يشعر بالتلقي عنه، وابن أبي ليلى هذا هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه قاضي الكوفة توفى سنة 148، والمعروف أن ابن قتيبة لم يولد إلا سنة 213 أي بعد وفاة ابن أبي ليلى بخمسة وستين عاماً
أن الكتاب يشعر أن ابن قتيبة أقام في دمشق والمغرب في حين أنه لم يخرج من بغداد إلا إلى دينور.
9 ـ أبو الوليد محب الدين بن شحنة الحنفي، المتوفي سنة815 هجرية، وهو من كبار علمائكم، وكان قاضي حلب، له تاريخ" روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر" ذكر فيه موضوع السقيفة، فقال: جاء عمر إلى بيت علي بن أبي طالب ليحرقه على من فيه. فلقيته فاطمة، فقال عمر: أدخلوا في ما دخلت الأمة ... إلى آخره.
10 - ذكر بعض شعرائهم المعاصرين قصيدة يمدح فيها عمر بن الخطاب، وهو حافظ إبراهيم المصري المعروف بشاعر النيل، قال في قصيدته العمرية :
وقولة لعلي قالها عمر * أكرم بسامعها أعظم بملقيها
حرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفص يفوه بها * أمام فارس عدنان وحاميها
وهكذا يحتج الرافضة بحافظ إبراهيم وهو ملحد يكذب القرآن وينكر أن يحلى فيه أهل الجنة بأساور من ذهب.
ما قاله هذا الشاعر أو غيره فهو ناجم عن انتشار الروايات الضعيفة والمكذوبة التي يتصفحها ويمحصها أهل الخبرة بعلم الرواية والحديث الذين هم الحجة لا الشعراء الذين قال الله عنهم: (والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون).
لو قلت لنا قال الترمذي قال أبو داود قال أحمد في المسند لما قبلنا منك إلا بعد تمحيص السند. أفتحتج علينا بما قاله حافظ ابراهيم. أيها المفلس؟
فاجعة سقط الجنين:
الفاجعة الحقيقية فاجعة الكذب وارتضاء ما هب ودب صيانة للمذهب.
1ـ ذكر المسعودي صاحب تاريخ " مروج الذهب " المتوفي سنة 346هجرية ، وهو مؤرخ مشهور ينقل عنه كل مؤرخ جاء بعده ، قال في كتابه " إثبات الوصية " عند شرحه قضايا السقيفة والخلافة : فهجموا عليه [ علي عليه السلام ] وأحرقوا بابه ، واستخرجوه كرها وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسنا !!
نعم المسعودي مؤرخ مشهور، ولكنه رافضي. فارافضي لا حجة به عندنا وإن كان مشهورا. فهنيئا لكم برافضي مثلكم تكحلوا به. وما يرويه بمنزلة ما يرويه الخميني عندنا. فلا اعتبار بما يرويه.
3 ـ ونقل أبو الفتح الشهرستاني في كتابه الملل والنحل 1/57 : وقال النظّام: إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها. وكان يصيح [عمر] احرقوا دارها بمن فيها، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين. انتهى كلام الشهرستاني.
4ـ قال الصفدي في كتاب " الوافي بالوفيات 6/76 " في حرف الألف ، عند ذكر إبراهيم بن سيار ، المعروف بالنظّام، ونقل كلماته وعقائده ، يقول : إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها !
يا لك من مفلس: فإن الشهرستاني يعدد هنا مخازي وضلالات النظام المعتزلي وذكر من بلاياه أنه زعم أن عمر ضرب فاطمة حتى ألقت جنينها. قال الشهرستاني « ثم زاد على خزيه بأن عاب عليا وابن مسعودي وقال: أقول فيهما برأيي». أرأيتم معشر المسلمين منهج الرافضة في النقل.(1/361)
كذلك فعل الصفدي في تعداد مخازي عقائد المعتزلة باعترافك.
الله أكبر. صدق من وصف الرافضة بأنهم نجوا من العقل ومن النقل بأعجوبة. فكانوا بهذه النجاة سالمين. وخاضوا سباق الكذب فكانوا فيه أول الفائزين.
================
شبهات حول عصر الصحابة (7) : هل أمر الفاروق رضي الله عنه بقتل بعض أهل الشورى؟!
خالد الغيث
يحسن بنا- في مطلع هذا المقال - التذكير بأمر الشورى الذي يعد من الفضائل الباهرة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه.
وابتداء هذا الأمر ، أنه لما طعن أبو لؤلؤة المجوسي عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - اختار الفاروق – رضي الله عنه - ستة من الصحابة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ من أجل أن يختاروا واحداً منهم خليفة للمسلمين.
وهو ما أخرجه البخاري في صحيحه ، من طريق عمرو بن ميمون قال : ( فقالوا : أوص يا أمير المؤمنين ، استخلف ، قال : ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر ، أو الرهط ، الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض : فسمى علياً ، وعثمان ، والزبير ، وطلحة ، وسعداً ، وعبد الرحمن ، وقال : يشهدكم عبد الله بن عمر ، وليس له من الأمر شيء).
وفي رواية أخرى للبخاري ، من طريق عمرو بن ميمون قال : قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه : ( إني لا أعلم أحداً أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ، فمن استخلفوا بعدي فهو الخليفة ، فاسمعوا له وأطيعوا. فسمى عثمان ، وعلياً ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص).
وعن سبب اختيار عمر – رضي الله عنه – لأصحاب الشورى – رضوان الله عليهم يقول الطبري رحمه الله : ( لم يكن في أهل الإسلام أحد له من المنزلة في الدين ، والهجرة ، والسابقة ، والعقل ، والعلم ، والمعرفة بالسياسة ، ما للستة الذين جعل عمر الأمر شوى بينهم.
فإن قيل : كان بعض هؤلاء الستة أفضل من بعض ، وكان رأي عمر أن الأحق بالخلافة أرضاهم ديناً ، وأنه لا تصح ولاية المفضول مع وجود الفاضل.
فالجواب : أنه لو صرح بالأفضل منهم لكان قد نص على استخلافه ، وهو قصد أن لا يتقلد العهدة في ذلك ، فجعلها في ستة متقاربين في الفضل ، لأنه يتحقق أنهم لا يجتمعون على تولية المفضول ولا يألون المسلمين نصحاً في النظر والشورى ، وأن المفضول منهم لا يتقدم على الفاضل ، ولا يتكلم في منزلة وغيره أحق بها منه، وعلم رضى الأمة بمن رضي به الستة).
وبعد أن تبين لنا أمر الشورى من خلال أصح كتاب بعد كتاب الله نعود إلى رواية منكرة ترددها بعض الألسنة والأقلام ، وفيما يلي نصها :
( إن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أمر بلالاً :
إذا اختلف أهل الشورى فاقتل الأقل.
يعني إذا اتفق أربعة ضد ثلاثة اقتل الثلاثة.
وإذا اتفق خمسة ضد اثنين اقتل الاثنين.
وإذا اتفق ستة ضد واحد اقتل الواحد.
قال : أقتله يا أمير المؤمنين ؟!
قال : اقتله ، لا أريد خلافاً بين المسلمين! ).
قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، هذا الخبر الباطل سنداً ومتناً مخالف لما ثبت في الصحاح عن حقيقة الشورى.
وحقيقة الأمر في هذه الجزئية من قصة الشورى ما أخرجه الإمام أبو بكر الخلال ، بإسناد صحيح ، من طريق عمرو بن ميمون قال : ( قال عمر لما حضر : ادعوا لي علياً ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعداً ، قال : فلم يكن أحد منهم إلا علي وعثمان.
فقال : يا علي ، لعل هؤلاء يعرفون لك قرابتك ، وما آتاك الله من العلم والفقه ، فاتق الله ، وإن وليت هذا الأمر فلا ترفعن بني فلان على رقاب الناس.
وقال : يا عثمان لعل هؤلاء القوم يعرفون لك صهرك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنك وشرفك ، فإن أنت وليت هذا الأمر فاتق الله ولا ترفعن بني فلان على رقاب الناس.
ثم قال : ادعوا لي صهيباً ، فقال : صل بالناس ثلاثاً ، وليجتمع هؤلاء القوم ، وليخلوا هؤلاء الرهط ، فإن اجتمعوا على رجل فاضربوا رأس من خالفهم).
أي أن عمر – رضي الله عنه – أمر بقتل من يخالف أصحاب الشورى ويرفض من يرشحونه خليفة للمسلمين ، ويدعو إلى نفسه ، وذلك عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : (من أتاكم وأمركم جميعاً على رجل واحد ، يريد أن يشق عصاكم ، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه) [ أخرجه مسلم في صحيحه ].
وفي نهاية هذا المقال أختم بكلام جميل لابن كثير – رحمه الله – تحدث فيه عن الأخبار المنكرة التي هدفها الإساءة إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث قال : (هي مردودة على قائليها وناقليها ، والله أعلم. والمظنون بالصحابة خلاف ما يتوهم كثير من الرافضة ، وأغبياء القصاص الذين لا تمييز عندهم بين صحيح الأخبار وضعيفها ، ومستقيمها وسقيمها ، ومبادها وقويمها ، والله الموفق للصواب).
================
إلقام الحجر لمن طعن في نسب عمر
بسم الله الرحمن الرحيم(1/362)
هذا هو نسب امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحقيقي وليس الذي يفتريه الرافضه فهم معروفين بالكذب والحقد على امير المؤمني عمر رضي الله عنه
أولا : اسمه ونسبه :
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبدالعزى بن رياح بن عبدالله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي . أبو حفص ( 1 )
ثانيا : اسم أمه ونسبها :
هي حنتمه بنت هاشم بن المغيره بن عبدالله بن عمر بن مخزوم . وقيل حنتمه بنت هشام بن المغيره فعلى هذا تكون أخت أبي جهل وعلى الأول تكون أبنت عمه. قال أبو عمر ومن قال ذالك يعني بنت هشام فقد اخطأ ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل والحارث ابني هشام وليسا كذلك إنما هي أبنت عمهما لأنه هاشماَ وهشاما ابني المغيره أخوان . فهاشم والد حنتمه وهشام والد الحارث وأبي جهل وكان يقال لهاشم جد عمر( ذو الرمحين ) .
وقال أبن منده : أم عمر أخت أبي جهل قال أبو نعيم : هي بنت هشام أخت أبي جهل وأبو جهل خاله . ورواه عن ابن إسحاق .
وقال الزبير : حنتما بنت هاشم فهي أبنت عم أبي جهل كما قال أبو عمر وكان لهاشم أولاد فلم يعقبوا . ( 2)
أما أم حنتمه : فهي الشفاء بنت عبد قيس بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص وقد كان لهاشم بن المغيره ولد فلم يعقبوا . ( 3 )
ثالثاَ : اسم الخطاب ونسبه :
هو الخطاب بن نفيل بن عبدا لعزى بن رياح بن عبدالله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي . أمه حيه بنت جابر بن أبي حبيب الفهميه . وولد نفيل بن عبدالعزى : الخطاب بن نفيل, وعبد نهم ( 4)
لا بقيه له قتل في الفجار , وأمهما : حيه بنت جابر بن أبي حبيب , بن فهم و أخوهما لأمهما : زيد بن عمر بن نفيل . ( 5 )
قلت : هذا هو نسب أميرالمؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحيح
و ليس الذي يرويه الرافضة في كتبهم لان الرافضة معروفين بالكذب و الزندقة وحقدهم على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
1- يلتقي نسب أمير المؤمنين مع الرسول صلى الله عليه وسلم في كعب
2- أسد ألغابه ج 4 ص 137- 138
3- نسب قريش ص 301
4- عبد نهم اسم رجل وهو أخو الخطاب
5- نسب قريش ص 347
أما الأحاديث التي رواها المجلسي في بحار الأنوار في الجزء ( 31 ) صفحه ( 203 ) باب نسب عمر وولادته ووفاته وبعض نوادر أحواله وما جرى بينه وبين أمير المؤمنين صلوات الله عليه رقم ( 26 ) :
الحديث الأول الذي رواه قال :
1- تفسير القمي : قال علي بن إبراهيم : ثم حرم الله عز وجل نكاح الزواني فقال : ( الزاني لا ينكح إلا زانيه أو مشركه والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك حرم ذلك على المؤمنين ) ( 1 ) وهو رد على من يستحل التمتع بالزواني والتزويج بهن وهن المشهورات المعروفات بذلك في الدنيا لا يقدر الرجل على تحصينهن .
و نزلت هذه الآية في نساء مكة كن مستعلنات بالزنا : ساره و حنتمه ( 2 ) و الرباب كن يغنين بهجاء رسول الله فحرم الله نكاحهن وجرت بعدهن في النساء من أمثالهن . ( 3 )
أقول عندما رجعت إلى المصدر الذي أشار إليه ( تفسير القمي ) وجدت هذا السند هكذا ( وفي رواية أبي الجار ود عن أبي جعفر ع ) ( 4 ) ثم ذكر نفس الحديث السابق وانظر ماذا قال علماء الرافضة عن أبي الجار ود :
أ- قال الكشي في رجاله :
حكي أن أبا الجار ود سمي سرحوب ونسبت إليه السرحوبيه من الزيديه وسماه بذلك أبو جعفر ع وذكر إن سرحوبا اسم شيطان أعمى يسكن البحر وكان أبو الجار ود مكفوفا أعمى , أعمى القلب .
وذكر بعض الأحاديث التي تدل على أن أبي الجار ود فاسق أعمى البصر والقلب ( 5 )
ب- وقال العلامة الحلي :
زياد بن المنذرأبو الجارود الهمداني بالدال المهملة الخارقي بالخاء المعجمه بعدها ألف وراء مهملة و قاف و قيل الحرقي بالحاء المضمومة المهملة والراء والقاف الكوفي الأعمى التابعي زيدي المذهب واليه تنسب الجاروديه
___
1- سورة النور آيه ( 3 )
2- ويقصد حنتمه أم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
3- بحار الأنوار ج 31 ص 203
4- تفسير القمي ج2 ص 95- 96
5- رجال الكشي ص 229
من الزيديه كان من أصحاب أبي جعفر عليه السلام روي عن الصادق عليه السلام وتغير لما خرج زيد ( رض ) وروي عن زيد وقال ابن الغضائري حديثه في حديث أصحابنا اكثر منه في الزيديه و أصحابنا يكرهون ما رواه محمد بن سنان عنه ويعتمدون ما رواه محمد بن بكر الارجني وقال الكشي زياد بن المنذر أبو الجار ود الأعمى السرحوب بالسين المهملة المضمومة والراء والحاء المهملة والباء المنقطع تحتها نقطه واحده بعد الواو مذموم ولا سبه في ذمه ويسمى سرحوبا باسم شيطان أعمى يسكن البحر . ( 1 )
قلت : فيتبين لكل قارئ منصف إن هذا الحديث ضعيف لا يحتج به لان الأمام المعصوم عند الرافضة وهو أبي جعفر قد طعن في راوي الحديث وهو أبو الجارود السرحوب .
2- الحديث الثاني وقال المجلسي :(1/363)
وقال العلامة نور الله ضريحه في كتاب كشف الحق وصاحب كتاب إلزام النواصب : روى الكلبي وهو من رجال أهل السنه ( 2 ) في كتاب المثالب قال : كانت صهاك أمه حبشيه لهاشم بن عبد مناف فوقع عليها نفيل بن هاشم ثم وقع عليها عبد العزى بن رياح فجاءت بنفيل جد عمر بن الخطاب.
وقال الفضل بن روزبهان الشهرستاني في شرح بعد القدح في صحة النقل : إن أنكحت الجاهلية على ما ذكره أرباب التواريخ على أربعة اوجه : منها : أن يقع جماعه على أمراه ثم إن ولد منها ولد يحكم فيه القائف أو تصدق المرأة وربما كان هذه من أنكحت الجاهلية .
و أورد عليه شارح الشرح : بأنه لو صح ما تحقق زنا في الجاهلية . لماعد مثل ذلك في المثالب وكان كل من وقع على أمراه كان ذلك نكاحا منه عليها ولم يسمع من أحد إن من انكحة الجاهلية كون أمراه واحده في يوم واحد أو شهر واحد في نكاح جماعه من الناس . ( 3 )
قلت : أما كلام الفضل بن روزبهان الشهرستاني , فهو صحيح ولكن ليس موضوعنا انكحة الجاهلية بل نسب عمر بن الخطاب رضي الله عنه
__
1- رجال العلامة الحلي ص 223
2- وهذا كذب لان الكلبي ليس من رجال أهل السنه كما سيأتي ص 12
3- بحار الأنوار ج 31 ص 203 - 204
والرواية التي أوردها صاحب كتاب كشف الحق الذي لا يعرف الحق مردودة عليه لأنه كذب وقال إن الكلبي من رجال أهل ألسنه وهذا كذب كما سوف نبين فيما بعد . ( 1 )
ثم عاد المجلسي للكذب من جديد ويحاول أن يوهم القراء بكذبه وقال :
ثم إن الخطاب على ما ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب : ابن نفيل بن عبدالعزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب القرشي وأمه حنتمه بنت هاشم بن المغيره بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قال وقالت طائفة في أم عمر : حنتمه بنت هشام بن المغيره ومن قال ذلك فقد اخطأ ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل بن هشام والحارث بن هشام بن المغيره وليس كذلك وإنما هي بنت عمه لان هشام بن المغيره والحارث بن هشام بن المغيره إخوان لهاشم والد حنتمه أم عمر وهشام والد الحارث وأبي جهل . ( 2 )
قلت : هذا كذب لان المجلسي ذكر إن ابن عبدالبر ذكر في الاستيعاب قال : ( ثم إن الخطاب على ما ذكره ابن عبدالبر في الاستيعاب ابن نفيل ....الخ ) هذا الكذب يتضح لكل قارئ عندما يرجع إلى كتاب الاستيعاب وقال الآتي : عمر بن الخطاب بن نفيل ...الخ . ثم ذكر نفس الكلام السابق . وهو حاول أن يبين إن اسم أم الخطاب مثل اسم أم عمر وهذا كذب لان المجلسي اسقط اسم عمر من ترجمة ابن عبد البر في الاستيعاب . ( 3 )
أما الذي أورده المجلسي عن محمد بن شهراشوب وقال :
وحكى بعض لصحابنا عن محمد بن شهراشوب وغيره : إن صهاك كانت أمه حبشيه لعبد المطلب و كانت ترعى له الإبل فوقع عليها نفيل فجاءت بالخطاب .
ثم إن الخطاب لما بلغ الحلم رغب في صهاك فوقع عليها فجاءت بابنه فلفتها في خرقه من صوف ورمتها خوفا من مولاها في الطريق . فرآها هاشم بن المغيره مرمية فأخذها ورباها وسماها حنتمه فلما بلغت رآها الخطاب يوما
___
1- راجع ص 14 - 15
2- بحار الأنوار ج 31 ص 204
3- الاستيعاب ج ص
فرغب فيها وخطبها من هاشم فانكحها إياه فجاءت بعمر بن الخطاب فكان أبا وجدا و خالا لعمر وكانت حنتمه أما وأختا وعمه له فتدبر . ( 1 )
أقول : إن محمد بن شهراشوب من علماء الرافضة ولم يحدد المجلسي من أين نقل عن ابن شهراشوب هذا الكلام ولا نعلم هل هذا الخبر من كذب المجلسي أو من الأخبار الضعيفة كالعادة .
وقال صاحب كتاب الكنى والألقاب عباس القمي :
ابن شهراشوب : رشيد الدين ابوجعفر محمد بن علي بن شهراشوب السروري المازندراني فخر الشيعة ومروج الشريعة محيي آثار المناقب والفضائل والبحر المتلاطم الزخار ... الخ . ( 2 )
3- الحديث الثالث :
قال : وجدت في كتاب عقد الدرر لبعض الأصحاب بإسناده عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن ابن الزيات عن الصادق ع
انه قال : كانت صهاك جاريه لعبد المطلب وكانت ذات عجز وكانت ترعى الإبل وكانت حبشيه وكانت تميل إلى النكاح فنظر إليها نفيل جد عمر فهواها وعشقها في مرعى الإبل فوقع عليها فحملت منه بالخطاب فلما أدرك البلوغ نظر إلى أمه صهاك فأعجبه عجزها فوثب عليها فحملت منه بحنتمه فلما ولدتها خافت من أهلها فجعلتها في صوف وألقتها بين اشحام مكة فوجدها هشام بن المغيره بن الوليد فحملها إلى منزله ورباها وسماها بالحنتمه و كانت شيمة العرب انه من ربى يتيما يتخذه ولدا فلما بلغت حنتمه نظر إليها الخطاب فمال إليها وخطبها من هشام فتزوجها فأولد منها عمر فكان الخطاب أباه وجده وخاله وكانت حنتمه أمه وأخته وعمته , وينسب إلى الصادق ( ع ) في هذا المعنى :
من جده خاله ووالده وأمه أخته وعمته اجدر أن يبغض الولي وان ينكر يوم الغدير بيعته. ( 3 )
___
1- بحار الأنوار ج 31 ص 204
2- الكنى والألقاب ج 1 ص 321- 322
3-بحار الأنوار ج 31 ص 304 - 205(1/364)
قلت : وهذا الحديث ضعيف لا يحتج فيه لان فيه علتين :
الأولى : إن أبا حنتمه ليس هشام ولكنه هاشم .
الثانية : ورجعت إلى المصدرالذي أشار إليه المجلسي الكذاب (عقد الدرر ) ووجدت إن المجلسي حرف يحيى بن محبوب ووضع الحسن بن محبوب بدلا عنه لان الحسن بن محبوب ثقة و أما يحيى بن محبوب فهو مجهول .
أما ما ذكره المجلسي عن ابن أبي الحديد فقال :
قال ابن أبي الحديد في شرح قوله عليه السلام " لم يسهم فيه عاهر ولا ضرب فيه فاجر " في الكلام رمز إلى جماعه من أصحابه في أنسابهم طعن وكما يقال : إن آل سعد بن أبي وقاص ليسوا من زهره بن كلاب وانهم من بني عذره من قحطان وكما يقال : إن آل الزبير بن العوام من ارض مصر من القبط , وليسوا من بني أسد بن عبد العزى . ( 1 ) 1- وهذا كذب ليس عليه دليل
ثم قال : قال شيخنا أبو عثمان في كتاب مفاخرات قريش : بلغ عمر بن الخطاب إن أناسا من رواة الأشعار حملت الآثار يقصبون الناس ويثلبونهم في أسلافهم فقام على المنبر فقال : إياكم وذكر العيوب والبحث عن الأصول فلو قلت : لا يخرج القوم من هذه الأبواب إلا من لا وصمه فيه لم يخرج منكم أحد .
فقال رجل من قريش نكره أن نذكره فقال : إذا كنت أنا وأنت يا أمير المؤمنين نخرج فقال : كذبت بل كان يقال لك يا قين بن قين اقعد .
قلت: الرجل الذي قام هو المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيره المخزومي وكان عمر يبغض أباه خالدا ولان المهاجر كان علوي الرأي جدا وكان أخوه عبد الرحمن مع معاوية وكان المهاجر مع علي يوم الجمل وفقئت ذلك اليوم عينه لكن الكلام الذي بلغ عمر بلغه من المهاجر.وكان الوليد بن المغيره مع جلالته في قريش وكونه ريحانة قريش ويسمى العدل ويسمى الوحيد حدادا يصنع الدروع بيده ذكر ذلك فيه ابن قتيبه في كتاب المعارف .
وروى أبو الحسن المدائني هذا الخبر في كتاب أمهات الخلفاء وقال انه روي عنه جعفر بن محمد عليه السلام في المدينه فقال : لا تلمه يا أبن أخي انه أشفق أن يحدج بقصة نفيل بن عبدالعزى وصهاك أمة الزبير بن عبد المطلب ثم قال :
رحم الله عمر فانه لم يعدو السنه وتلا " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم " ( 1 ) انتهى .
بيان : قال الجوهري : حدجه بذنب غيره رماه به انظر كيف بين عليه السلام رداءة نسب عمر وسبب مبالغته في النهي عن التعرض للأنساب ثم مدحه تقيه . ( 2 )
و أقول : إن ابن أبي الحديد هذا معتزلي شيعي وقال عنه القمي :
عز الدين عبد الحميد بن محمد بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد المدائني الفاضل الأديب المؤرخ الحكيم الشاعر شارح نهج البلاغة الكرمه وصاحب القصائد السبع المشهورة كان مذهبه الاعتزال كما شهد لنفسه في إحدى قصائده في مدح أمير المؤمنين ( ع ) بقوله :
ورأيت دين الاعتزال وإنني . . . . أهوى لاجلك كل من يتشيع
وذكره الالوسي في مختصر التحفه الاثنى عشريه فقال :
الفرق الرابعة الشيعة الغلاة : هم عبارة عن القائلين بألوهية الأمير علي كرم الله وجهه , ونحوه من الهذيان . قال الجد روح الله روحه : وعندي إن ابن أبي الحديد في بعض عباراته ـ وكان يتلون تلون الحرباء وكان من هذه الفرقة , وكم له في قصائده السبع الشهيرة من هذيان , كقوله يمدح الأمير كرم الله تعالى وجهه :
ألا إنما الإسلام لولا حسامه . . . . كعفطة عنز أو قلامة ظافر .( 3 )
وقوله :
يجل عن الأعراض والاين والمتى . . . . ويكبرعن تشبيهه بالعناصر.( 4 )
وقال أيضا :
تقليت أخلاق الربوبيه التي . . . . عذرت بها من شك انك مربوب .( 5 )
___
1- سورة النور آيه ( 11 )
2- بحار الأنوار ج 31 ص 206
3- ولاحظ كيف يدعي إن الإسلام لولى حسام علي رضي الله عنه لكان كعفطة عنز والعياذ بالله
4- ولاحظ كيف يصف علي رضي الله عنه بصفات الله تعالى
5- وهنا يقول يعذر من شك إن علي رضي الله عنه مربوب
ومنه سرق الطوفي الرافضي قوله في أبي بكر وعلي رضوان الله وسلامه عليهما :
كم بين من شك في خلافته . . . . وبين من قيل انه الله . ( 1 )
قلت : فلا حجه في كلام ابن أبي الحديد لأنه من غلاة الشيعة الذين يألهون علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويحقدون على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
4- الحديث الرابع قال المجلسي :
وما أومى إليه من قصة أمة الزبير , هو ما رواه الكليني طيب الله تربته في روضة الكافي عن الحسين عن احمد بن هلال عن زرعة عن سماعه قال :
تعرض رجل من ولد عمر بن الخطاب بجاريه رجل عقيلي فقالت له : إن هذا العمري قد آذاني , فقال لها عديه وادخليه الدهليز , فأدخلته , فشد عليه فقتله و ألقاه فالطريق.(1/365)
فاجتمع البكريون والعمريون والعثمانيون , وقالوا : ما لصاحبنا كفو ولن نقتل به إلا جعفر بن محمد , وما قتل صاحبنا غيره , وكان أبو عبد الله (ع) قد مضى نحو قبا , فلقيته وقد اجتمع القوم عليه , فقال : دعهم , قال : فلما جاءوا وراءه وثبوا عليه , وقالوا : ما قتل صاحبنا أحد غيرك , وما نقتل به أحد غيرك ! فقال : لتكلمني منكم جماعه , فاعتزل قوم منهم , فاخذ بأيديهم فادخلهم المسجد , فخرجوا وهم يقولون شيخنا أبو عبد الله جعفر بن محمد , معاذ الله أن يكون مثله يفعل هذا , ولا يأمر به , فانصرفوا .
قال : فمضيت معه فقلت : جعلت فداك ما كان اقرب رضاهم من سخطهم؟! قال : نعم دعوتهم فقلت : امسكوا وإلا أخرجت الصحيفة ! فقلت : ما هذه الصحيفة جعلني الله فداك ؟ فقال : أم الخطاب كانت أمة للزبير بن عبد المطلب , فسطر بها نفيل فاحبها , فطلب الزبير فخرج هاربا إلى الطائف . فخرج الزبير خلفه فبصرت به ثقيف , فقالوا له : يا أبا عبد الله ما تعمل هاهنا ؟ قال : جاريتي سطر بها نفيل , فهرب منه إلى الشام . وخرج الزبير
___
1- ويقصد في من شك في خلافته هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ويقصد من قيل انه الله بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه
في تجاره له إلى الشام فدخل على ملك الدومه فقال له : يا أبا عبد الله لي إليك حاجه , قال : وما حاجتك أيها الملك ؟ فقال : رجل من اهلك قد أخذت ولده , فاحب أن ترده عليه , قال : ليظهر لي حتى اعرفه , فلما أن كان من الغد دخل على الملك فلما رآه الملك ضحك , فقال : ما يضحكك أيها الملك : ما أظن هذا الرجل ولدته عربيه , لما رآك قد دخلت لم يملك أسته إن جعل يضرط ! فقال : الملك إذا صرت إلى مكة قضيت حاجتك . فلما قدم الزبير تحمل عليه ببطون قريش كلها , أن يدفع إليه ابنه , فأبى ثم تحمل عليه بعبد المطلب فقال : ما بيني وبينه عمل , أما علمتم ما فعل في ابني فلان ولكن امضوا انتم إليه . فقصدوه وكلموه , فقال لهم الزبير : إن الشيطان له دوله وان ابن هذا ابن الشيطان , وليس آمن أن يترأس علينا , ولكن ادخلوه من باب المسجد على أن احمي له حديد واخط في وجهه خطوطا , وكتب عليه وعلى ابنه ألا يتصدر في مجلس , ولا تأمر على أولادنا ولا يضرب معنا بسهم.
قال : ففعلوا وخط وجهه بالحديد , وكتب عليه الكتاب , فذلك الكتاب عندنا , فقلت لهم : إذا أمسكتم وإلا أخرجت الكتاب ففيه فضيحتكم , فامسكوا .
وتوفى مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخلف وأرثا وخاصم فيه ولد العباس أبا عبد الله عليه السلام .
وكان هاشم بن عبد الملك قد حج في تلك السنه فجلس لهم , فقال : داود بن علي : الولاء لنا وقال أبو عبد الله بل الولاء لي , فقال داود بن علي إن أباك قاتل معاوية, فقال : والله لأطوقنك غدا أطواق الحمام فقال له داود بن علي : كلامك هذا أهون علي من بعرة وادي الأزرق . فقال : أما انه واد ليس لك ولا لأبيك فيه حق , قال فقال هشام : إذا كان غدا جلست لكم . فلما أن كان من الغد خرج أبو عبد الله ومعه كتاب في كرباسه وجلس لهم هشام . فوضع أبو عبد الله الكتاب بين يديه فلما قراه قال : ادعوا لي الجندل الخزاعي وعكاشة الضميري وكانا شيخين قد أدركا الجاهلية فرمى الكتاب إليهما فقال : تعرفون هذه الخطوط؟ قالا : نعم خط العاص بن أميه وقال هشام : يا أبا عبد الله أرى خطوط أجدادي عندكم ؟ فقال : نعم قال : قضيت. بالولاء لك قال فخرج وهو يقول :
إن عادت العقرب عدنا لها . . . . وكانت النعل لها حاضرة
قال قلت : ما هذا الكتاب جعلت فداك ؟ قال : فان نثيله كانت أمة لأم الزبير ولأبي طالب وعبد الله فأخذها عبد المطلب فأولدها فلان فقال له الزبير : هذه الجارية ورثناها من أمنا وابنك هذا عبد لنا فتحمل عليه ببطون قريش .
قال فقال : أجبتك على خله على أن لا يتصدر ابنك هذا في مجلس ولا يضرب معنا بسهم فكتب عليه كتابا واشهد عليه فهو هذا الكتاب . ( 1 )
قلت : هذا الحديث ضعيف فيه احمد بن هلال الكرخي العبرتائي وذكره :
1- ابن داود في رجاله فقال :
احمد بن هلال ابن جعفر . العبرتائي بالعين المهملة المفتوحة والباء المفردة المفتوحة والراء الساكنة والتاء المثناه فوق والمد . منسوب إلى عبرتا قريه بناحية اسكاف ( كش ) صالح الرواية يعرف منها وينكر وقد روى فيه ذموم كثيره من سيدنا أبي محمد العسكري عليه السلام ( كش ) مذموم ملعون ( ست ) غال متهم في دينه ( غض ) أرى التوقف في حديثه إلا فيما رواه عن الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة و محمد بن أبي عمير من نوادره وقد سمع هذين الكتابين منه جله أصحابنا و اعتمدوه فيها ولد سنة ثمانين ومائه ومات سنه سبع وستين ومائتين . ( 2 )
وذكره في كتابه أيضا في , فصل فيمن وردة فيه اللعنه . ( 3 )
2- الطوسي في الفهرست أيضا :(1/366)
احمد بن هلال العبرتائي . عبرتا قريه بناحية اسكاف بني جنيد ولد سنة ثمانين ومائه ومات سنة سبع وستين ومائتين وكان غاليا متهم في دينه وقد روى اكثر أصول أصحابنا . ( 4 )
3- الحلي في رجاله :
___
1- بحار الأنوار ج 31 ص 206 - 208
2- رجال بن داود ص 425
3- رجال بن داود ص 551
4- الفهرست للطوسي ص 36
احمد بن هلال العبرتائي . بالعين المهملة والباء المنقطعة تحتها نقطه واحده وبعدها راء ثم التاء المنقطعة فوقها نقطتين منسوب إلى عبرتا قريه بناحية اسكاف بني مائه ومات سنة تسع وستين ومائتين . قال النجاشي انه صالح الرواية يعرف منها وينكر . وتوقف ابن الفضائري في حديثه إلا في ما يرويه عن الحسن بن محبوب من كتب المشيخة ومحمد بن أبي عمير من نوادره وقد سمع هذين الكتابين جل أصحاب الحديث واعتمدوه فيها . وعندي إن روايته غير مقبولة . ( 1 )
5- الحديث الخامس ذكر المجلسي في البحار :
قد مر في باب كفر الثلاثة من تفسير علي بن إبراهيم ( 2 ) في تفسيره قول الله تعالى " ذرني ومن خلقت وحيدا " بإسناد عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال : الوحيد ولد الزنى وهو زفر إلى آخر الآية . ( 3 )
قلت : وعندما رجعة إلى تفسير علي بن إبراهيم القمي وجدت هذه الرواية هكذا : " قال حدثنا أبو العباس قال حدثنا يحيى بن زكريه عن علي بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن الكثير عن أبي عبد الله ع في قوله " ذرني ومن خلقت وحيدا " قال الوحيد ولد الزنى وهو زفر . ( 4 )
قلت : وهذه الرواية ضعيفة لان فيها علي بن حسان وعنه عبد الرحمن بن كثير وقالوا علماء الرافضة فيهم التالي :
1- قال الكشي في رجاله :
في علي بن حسان الواسطي وعلي بن حسان الهاشمي :
قال محمد بن مسعود سالت علي بن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن حسان قال عن أيهما سألت أما الواسطي فهو ثقة وأما الذي عندنا يروي عن عمه عبد الرحمن بن كثير فهو كذاب وهو واقفي أيضا ولم يدرك أبا الحسن موسى عليه السلام . ( 5 )
2- ووافق العلامة الحلي كلام الكشي . ( 6 )
3- وقال النجاشي في رجاله :
___
1- رجال العلامة الحلي ص 202
2- هو صاحب التفسير المشهور تفسير القمي
3- بحار الأنوار ج 31 ص 209
4- تفسير القمي ج 2 ص 395
5- رجال الكشي ص 451
6- رجال العلامة الحلي ص 233
علي بن حسان بن كثير الهاشمي مولى عباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس . ضعيف جدا ذكره بعض أصحابنا في الغلاة فاسد الاعتقاد له كتاب تفسير الباطن تخليط كله . ( 1 )
قلت : أما عمه عبد الرحمن بن كثير فقال عنه النجاشي في رجاله :
1- عبد الرحمن بن كثير الهاشمي مولى عباس بن محمد بن علي بن عبدالله
بن عباس كان ضعيفا غمزه أصحابنا عليه وقالوا كان يضع الحديث . له كتاب فضل سورة أنا أنزلناه اخبرنا احمد بن عبد الواحد قال حدثنا علي بن حبشي قال حدثنا احمد بن محمد بن لاحق قال حدثنا علي بن الحسن بن فضال عن علي بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير به . وله كتاب صلح الحسن عليه السلام .
اخبرنا محمد بن جعفر الأديب في آخرين قال حدثنا احمد بن محمد قال حدثنا محمد بن مفضل بن إبراهيم بن قيس بن رمانه الأشعري عن علي بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير بكتاب الصلح . وله كتاب فدك وكتاب ألاظله كتاب فاسد مختلط . ( 2 )
2- وقال ابن داود في رجاله :
عبد الرحمن بن كثير الهاشمي مولى عباس بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس كان ضعيفا غمز بعض أصحابنا فيه وقالوا كان يضع الحديث .( 3)
3- وقال العلامة الحلي نفسه .( 4 )
قلت : إن هذا الحديث ضعيف جدا لان عبد الرحمن كان يضع الحديث وعلي بن حسان ضعيف جدا .
فبينا ضعف الأحاديث السابقة كلها و لا يوجد عند الرافضة دليل صحيح على دعواهم الباطلة فلعنة الله على الكاذبين .
أما ما ذكرته مجلة المنبر الرافضية في العدد ( 13 ) السنه الثانية ربيع الأول 1422 هجري ذكر الكاتب عبد العزيز قمبر في ( خط احمر!! ) :
ويصعب ـ للوهلى الأولى استيعاب هذه الشبكة المعقدة فأم هذا الرجل هي
___
1- رجال النجاشي ص 251
2- رجال النجاشي ص 234
3- رجال بن داود ص 474
4- رجال العلامة الحلي ص 239
في الوقت نفسه أخته وعمته ! وأبوه هو في الوقت ذاته جده وخاله ! فيما جدته هي أيضا زوجة عمه !!.(1/367)
وعندما يترك الحديث للتاريخ , فانه يقول : (( وأما تفصيل نسبه وبيانه فهو إن ( نفيل ) كان عبدا لكلب بن لؤي بن غالب القرشي فمات عنه ثم وليه عبد المطلب وكانت ( صهاك ) قد بعثت لعبد المطلب من الحبشة فكان ( نفيل ) يرعى جمال عبد المطلب و ( صهاك ) ترعى غنمه وكان يفرق بينهما في المرعى . فاتفق يوما اجتماعهما في مراح واحد فهواها وعشقها ( نفيل ) وكان قد البسها عبد المطلب سروالا من الأديم ( الجلد المدبوغ ) وجعل عليه قفلا وجعل مفتاحه معه لمنزلتها منه ( 1 ) فلما راودها قالت : مالي إلى ما تقول سبيل وقد ألبست هذا الأديم ووضع عليه قفل فقال( نفيل ) : أنا احتال عليه . فاخذ سمنا من مخيض الغنم ودهن به الأديم وما حوله من بدنها حتى استله إلى فخذيها و واقعها فحملت منه ( بالخطاب ) فلما ولدته ألقته على بعض المزابل بالليل خفيه من عبد المطلب فالتقطت ( الخطاب ) أمراه يهودية جنازه وربته فلما كبر كان يقطع الحطب فسمي الخطاب لذلك بالحاء المهملة فصحف بالمعجمة ( 2 ) وكانت ( صهاك ) ترتاده في الخفية فراها ذات يوم وقد تطأطأت عجيزتها ولم يدر من هي فوقع عليها فحملت منه ( بحنتمه ) فلما وضعتها ألقتها على مزابل مكة خارجها فالتقطها هاشم بن المغيره بن الوليد ورباها فنسبت إليه ( 3 ) فلما كبرت وكان( الخطاب ) يتردد على هشام فرأى ( حنتمه ) فأعجبته فخطبها إلى هشام فزوجه إياها فولدت الرجل وكان الخطاب والده لانه أولد حنتمه إياه حيث تزوجها وحده لانه سافح صهاك فاولدها حنتمه والخطاب من أم واحده وهي صهاك !!.))
ولم يورد هذه المعلومة قاص خيالي لقصص ألف ليله وليله ! بل أوردها اشهر نسابه في الإسلام وهو محمد بن السائب الكلبي الذي يقول عنه عز الدين بن الأثير الجزري وهو من أكابر علماء السنه في كتابه المشهور ( أسد الغابة في معرفة الصحابة ) : إن الكلبي واحد من النسابين الكبار
___
1- انظر خيال الرافضة العجيب
2- وهذا جهل مركب لان الذي يقطع الحطب يسمى حطاب وليس خطاب
3- حنتمه لم تنسب إلي هشام ولكن نسبت إلي أبيها هاشم
حيث لا يرقى إليه من انتحلها من المؤرخين والمحدثين وهو من أقواهم في الأنساب في مالو راجعنا ابن خلكان في و فيات الأعيان . كما روى ( قصة النسب العظيم ) هذه النساب أبو مخنف لوط بن يحيى الازدي في كتابه المعروف ( الصلابة في معرفة الصحابة ) وكذلك في كتاب ( التنقيح في النسب الصريح ) . ( 1 ) 1- إن الكلبي وأبو مخنف من الشيعة الكذابين كما سوف نبين بعد قليل
قلت : إن هذا الكذب قد ورثوه الرافضة أبا عن جد لأنهم يعلمون إن أنسابهم ملوثه بالمتعة فيريدون أن يطعنوا بأنساب الأشراف أمثال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه و لكن لم يستطيعوا إلا عن طريق الكذب الذي قام عليه دينهم المنحرف .
أما النسابة الذين يدعون الرافضة انهم من رجال أهل السنه و يطعنون بنسب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهم :
الأول : محمد بن السائب الكلبي وهو شيعي سبأي :
قال أبو بكر بن خلاد الباهلي عن معتمر بن سليمان عن أبيه : كان في الكوفة كذابان أحدهما الكلبي . وقال عمرو بن الحصين عن معتمر بن سليمان عن ليث ابن أبي سليم : بالكوفة كذابان : الكلبي والسدي يعني محمد بن كروان . وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين : ليس بشيء وقال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين : ضعيف . وقال أبو موسى محمد بن المثنى : ما سمعت يحيى ولا عبدالرحمن يحدثان عن سفيان عن الكلبي . وقال البخاري : تركه يحيى بن سعيد وابن مهدي . وقال عباس الدوري عن يحيى بن يعلي المحاربي : قيل لزائده : ثلاثة لا تروي عنهم : أبن أبي ليلى وجابر الجعفي والكلبي . قال : أما أبي ليلى فبيني وبينه آل ابن أبي ليلى حسن فلست اذكره و أما جابر الجعفي فكان والله كذابا يؤمن بالرجعة و أما الكلبي فكنت اختلف إليه فسمعته يقول يوما : مرضت مرضه فنسيت ما كنت احفظ فأتيت آل محمد فتفلوا في فمي فحفظت ما كنت نسيت . فقلت : والله لا اروي عنك شيئا فتركته . وقال الاصمعي عن أبي عوانه : سمعت الكلبي يتكلم بشيء من تكلم به كفر . وقال مره : لو تكلم به ثانيه كفر فسألته عنه فجحده .
وقال عبد الواحد بن غياث عن ابن مهدي : جلس إلينا أبو جزء على باب أبي عمرو بن العلاء فقال : اشهد إن الكلبي كافر . قال فحدثت بذلك يزيد بن زريع فقال : سمعته يقول : اشهد انه كافر . قال : فماذا زعم ؟ قال : سمعته يقول : كان جبريل يوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم لحاجه وجلس علي فأوحى إلى علي . قال يزيد : أنا لم اسمعه يقول هذا , ولكني رايته يضرب على صدره ويقول : أنا سبايء . قال أبو جعفر العقيلي : هم صنف من الرافضة أصحاب عبد الله بن سبا . ( 1 )
الثاني : أبو مخنف لوط بن يحيى الازدي وهو شيعي أيضا :
قال يحيى بن معين : ليس بثقة وقال أبو حاتم : متروك الحديث وقال الدارقطني : أخباري ضعيف . ( 2 )(1/368)
وقال عنه القمي صاحب كتاب الكنى والألقاب الشيعي الشهير :
لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الازدي شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم كما عن ( جش ) وتوفى سنة 157 يروي عن الصادق ( ع ) ويروي عن هشام الكلبي وجده مخنف بن سليم صحابي شهد الجمل في أصحاب علي ( ع ) حاملا راية الازد فاستشهد في تلك الواقعة سنة 36 وكان أبو مخنف من أعاظم مؤرخي الشيعة ومع اشتهار تشيعه اعتمد عليه علماء السنه في النقل عنه كالطبري وابن الأثير وغيرهما ( 3 )
قلت : وبعد ما بينا إن الكلبي وأبو مخنف من رجال الشيعة وليسوا من رجال أهل السنه وهم من الكذابين المعروفين فلا حجه في طعنهم في أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
شبهات والرد عليها :
1- من هي صهاك ؟
هي أسطورة لم نجد لها اصل في كتب المسلمين ولكن يوجد لها ذكر في
___
1- تهذيب الكمال ج 25 ص 246 - 253 رقم 5234
2- سير أعلام النبلاء ج 7 ص 301
3- الكنى والألقاب ج 1 ص 148 - 149
كتب الرافضة المعروفين في الكذب أمثال المجلسي وغيره من الذين يحقدون على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
2- من هي حنتمه هل هي أخت أبي جهل أم بنت عمه ؟
هي بنت عمه لان اسم حنتمه هو حنتمه بنت هاشم بن المغيره أما اسم أبو جهل هو عمرو بن هشام بن المغيره . وهشام وهاشم ابني المغيره .
3- ما هو اسم أم الخطاب ؟
هي حيه بنت جابر بن أبي حبيب , من فهم . وليست كما يدعون الزنادقة .
4- هل المعادلة المزعومة تنطبق على نسب أميرالمؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وهي الأب = الجد = الخال . و الأم = الأخت =العمة ؟
اصل هذه المعادلة من روايات الرافضة المكذوبة والتي بينا ضعفها من قبل والتي تفرد بذكرها الرافضة الكذابين أمثال المجلسي وغيره وسوف أبين كذب هؤلاء الرافضة في هذه المعادلة أيضا :
1- يقصد بالأب الخطاب : وهذا صحيح , لان أبو عمر هو الخطاب
2- ويقصد بالجد إن الخطاب هو أبو حنتمه : وهذا كذب لان أبو حنتمه هو هاشم بن المغيره وليس الخطاب .
3- ويقصد بالخال إن الخطاب أخو حنتمه من صهاك : وهذا كذب أيضا لان أم الخطاب اسمها ( حيه ) أما أم حنتمه فهي ( الشفاء ) فيتبين انهم ليسوا من أم واحده وهي صهاك .
4- ويقصد بالأم حنتمه : وهذا صحيح , لان أم عمر حنتمه .
5- ويقصد بالأخت إن حنتمه ابنة الخطاب من صهاك : وهذا كذب لان أبو حنتمه هو هشام بن المغيره وليس الخطاب .
6- ويقصد بالعمة إن حنتمه أخت الخطاب من صهاك : وهذا كذب لان أم الخطاب اسمها ( حيه ) أما أم حنتمه فهي ( الشفاء ) فيتبين انهم ليسوا من أم واحده وهي صهاك .
فبعد ما بينا إن هذه المعادلة من افتراء الرافضة على أمير المؤمنين عمر بن
___
الخطاب رضي الله وهذا يأكده قول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله إن الرافضة هم اكذب الطوائف على الإطلاق .
5- كيف يكون الخطاب عم و أخو زيد بن عمرو بن نفيل ؟
لان نفيل عنده اكثر من زوجه فالخطاب أمه ( حيه ) وعمرو أمه ( قلابة ) فعندما توفا نفيل ورث عمرو زوجة أبيه ( حيه ) فولدت له زيد فعلى هذا يكون الخطاب عم و أخو زيد من أمه وهذا عرف سائد في الجاهلية أن يرث الرجل زوجة أبيه لانهم كانوا يرون إن زوجة الأب تورث .
6- ما هو سبب نزول آية ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤ كم ) المائدة 101 ؟
هناك اكثر من سبب لنزول هذه الايه :
1- حديث البخاري , عن انس رضي الله تعالى عنه قال : خطب النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم خطبه ما سمعت مثلها قط وقال : لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا , قال : فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وجوههم , لهم خنين فقال رجل من أبي قال : فلان فنزلت هذه الايه ( لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤ كم ) .
2- حديث البخاري أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم استهزاء فيقول الرجل من أبي ؟ ويقول الرجل : تضل ناقته : أين ناقتي ؟ فانزل الله فيهم هذه الايه ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم ) حتى فرغ من الايه .
3- حديث الطبري عن محمد بن زياد قال : سمعت أبا هريرة يقول : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم فقال : " يا أيها الناس كتب الله عليكم الحج " فقام محصن الاسدي فقال : أفي كل عام يا رسول الله ؟ فقال " أما أني لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ثم تركتم لضللتم اسكتوا عني ما سكت عنكم فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم "
___
فانزل الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم )
إلى آخر الايه .(1/369)
فهذه ثلاث أسباب لان الأول وهو عبدالله بن حذافه لم يسال استهزاء لكن قال الحافظ في الفتح ج 9 ص 351 : لا مانع أن يكون الجميع سبب نزولها والله اعلم . وقال ص 352 : والحاصل انهما نزلت بسبب كثرة المسائل , أما على سبيل الاستهزاء والامتحان , و أما على سبيل التعنت عن الشيء الذي لو لم يسال عنه لكان على الاباحه .
أما الزيادة التي فيها إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام فقال : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقران إماما , فهي صحيحه ولكن تفسير الرافضة لها غير صحيح لانهم يقولون إن عمر رضي الله عنه قام يطلب العفو لكي لا يفضح نسبه , و كما بينا من قبل إن نسب أمير الؤمنين اطهر واشرف من انساب الرافضة أولاد المتعة واحفاذ المجوس , و لكنه قام لأنه فهم إن تلك الاسئله قد تكون على سبيل التعنت أو الاستهزاء أو الشك فخشى أن تتنزل العقوبة بسبب ذلك فقال رضينا بالله ربا ...الخ , وهذا من حرصه رضي الله عنه على رضى الرسول صلى الله عليه وسلم فرضى الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك , وكان من الممكن لو لا لم يقم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لنزلت العقوبة على المسلمين .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
==============
شبهات حول عثمان رضي الله عنه
1. ... مطاعن الشيعة في عثمان رضي الله عنه والرد عليها
2. ... إدعاء الشيعة بأن الصحابة أجمعوا على قتل عثمان رضي الله عنه - 2
3. ... توليته للظالمين
4. ... حقيقة تولية عثمان رضي الله عنه أقاربه
5. ... إرجاعه الحكم للمدينة بعد أن أخرجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
6. ... وهبه المال لأقاربه وأهل بيته
7. ... عزله للولاة من الصحابه
8. ... درأه للقصاص عن عبيدالله بن عمر
9. ... صلاته أربع ركعات في منى
10. ... وهبه أصحابه ورفقائه كثيراً من أراضى بيت المال
مبحث مطاعن التيجاني في الخليفة الثالث عثمان بن عفان والرد عليه في ذلك
عثمان بن عفان ذو النورين، زوجتاه رقية وأم كلثوم، بنتا النبي صلى الله عليه وسلم ، وعديل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وعنوان الجود والكرم، جهّز جيش العسرة، واشترى بئر رومة وجعله وقفاً للمسلمين، ولكنه لم يَسلم من هذا التيجاني الذي حاول أن يشوّه حقيقة التاريخ بالطعن في هذا الصحابي الجليل وهأنذا سوف أسرد شبهاته من كتابه مفنداً لها وذاباً عن حِبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي بشره بالجنة فأقول وبالله التوفيق:
أولاً قال التيجاني تحت عنوان ( حديث التنافس على الدنيا ) أن عثمان ترك بعد وفاته مائة وخمسين ألف دينار عدا المواشي والأراضي والضياع مما لا يحصى، وقد رددت عليه وفنّدت قوله هذا في نفس العنوان السابق فليراجع(1).
ثانياً ادّعى التيجاني أن أول من غير سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة هو خليفة المسلمين عثمان وقد دفعت هذه الشبهة عنه بفضل الله ومنّه في غير هذا الموضع بما يشفي المفتون فليراجع(2).
ثالثاً ادّعاء التيجاني بأن الصحابة أجمعوا على قتل عثمان والرد عليه في ذلك:
يقول هذا التيجاني (( وإذا ما سألت أحدهم كيف يقتل خليفة المسلمين سيدنا عثمان ذي النورين فسيجيبك بأن المصريين وهم كفرة جاؤوا وقتلوه وينهي الموضوع كله بجملتين، ولكن عندما وجدت الفرصة للبحث وقراءة التاريخ وجدت أن قتلة عثمان بالدرجة الأولى هم الصحابة أنفسهم وفي مقدمتهم أم المؤمنين عائشة التي كانت تنادي بقتله وإباحة دمه على رؤوس الأشهاد فكانت تقول ( اقتلوا نعثلاً فقد كفر ). كذلك نجد طلحة والزبير ومحمد بن أبي بكر وغيرهم من مشاهير الصحابة وقد حاصروه ومنعوه من شرب الماء ليجبروه على الاستقالة، ويحدثنا المؤرخون أن الصحابة هم الذين منعوا دفن جثته في مقابر المسلمين فدفن في ( حش كوكب ) بدون غسل ولا كفن، سبحان الله، كيف يقال أنه قتل مظلوماً وأن الذين قتلوه ليسوا مسلمين، وهذه القضية هي الأخرى كقضية فاطمة وأبي بكر، فأمّا أن يكون عثمان مظلوماً وعند ذلك نحكم على الصحابة الذين قتلوه أو شاركوا قتله بأنهم قتلة مجرمون لأنهم قتلوا خليفة المسلمين ظلماً وعدواناً وتتبعوا جنازته يحصبونها بالحجارة وأهانوه حياً وميتاً أو أن هؤلاء الصحابة استباحوا قتل عثمان لما اقترفه من أفعال تتنافى مع الإسلام كما جاء ذلك في كتب التاريخ، وليس هناك احتمال وسط إلا إذا كذّبنا التاريخ وأخذنا بالتمويه ( بأن المصريين وهم كفرة هم الذين قتلوه ) (!!) وفي كلا الاحتمالين نفيٌ قاطع لمقولة عدالة الصحابة أجمعين دون استثناء فإمّا أن يكون عثمان غير عادل أو يكون قتلته غير عدول وكلّهم من الصحابة وبذلك نبطل دعوانا. وتبقى دعوى شيعة أهل البيت قائلين بعدالة البعض منهم دون الآخر ))(3)، أقول رداً على أكاذيبه:(1/370)
1 أمّا قوله أن قتلة عثمان بالدرجة الأولى هم الصحابة أنفسهم فهذا مما لا يشك عاقل في كذبه ورده فالصحابة رضوان الله عليهم لم يشاركوا في قتل عثمان، ولم يرضوا بذلك أصلاً، بل على العكس من ذلك فإنهم مانعوا عنه ووقفوا بجانبه ولكنه رضي الله عنه خشي الفتنة فمنعهم من الدفاع عنه ولأنه كان يعلم أنه سيقتل مظلوماً كما أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ذكر الفتنة فقال (( يقتل فيها هذا مظلوماً )) يعني عثمان رضي الله عنه(4)، وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري في جزء منه (( ... ثم جاء آخر يستأذن، فسكت هنيهة ثم قال: إئذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه، فإذا عثمان بن عفان ))(5) ، أقول لقد شارك خيار الصحابة في الدفاع عن عثمان وأعلنوا غضبهم لقتله فهذا علي يرفع يديه يدعوا على القتله فعن عبد الرحمن بن ليلى قال: رأيت علياً رافعاً حضينه يقول (( اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان ))(6)، وعن عميرة بن سعد قال: (( كنا مع علي على شاطيء الفرات، فمرت سفينة مرفوع شراعها، فقال علي: يقول الله عز وجل { وله الجوار المنشآت في البحر كالاعلام } والذي أنشأها في بحر من بحاره ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله ))(7)، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه (( أن علياًّ أرسل إلى عثمان: إنَّ معي خمسمائة ذراع، فأذن لي فأمنعك من القوم، فإنك تحدث شيئاً يستحلّ به دمك. قال أي عثمان جزيت خيراً، ما أحب أن يهراق دم في سببي ))(8)، وحتى أولاد علي وأولاد الصحابة شاركوا في الدفاع عن عثمان فعن محمد بن سيرين قال (( انطلق الحسن والحسين وابن عمر وابن الزبير ومروان كلهم شاكي السلاح حتى دخلوا الدار، فقال عثمان: اعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم ))(9) وعن كنانة مولى صفية قال: (( شهدت مقتل عثمان، فأخرج من الدار أمامي أربعة من شبان قريش ملطخين بالدم، محمولين، كانوا يدرأون عن عثمان رضي الله عنه، الحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن حاطب، ومروان بن حكم ))(10)، وعن سلمة بن عبد الرحمن أن أبا قتادة الأنصاري ورجلاً آخر معه من الأنصار دخلا على عثمان وهو محصور فاستأذن في الحج فأذن لهما ثم قالا مع من تكون إن ظهر هؤلاء القوم؟ قال عليكم بالجماعة قالا أرأيت إن أصابك هؤلاء القوم وكانت الجماعة فيهم قال: الزموا الجماعة حيث كانت قال فخرجنا من عنده فلما بلغنا باب الدار لقينا الحسن بن علي داخلاً فرجعنا على أثر الحسن لننظر ما يريد فلما دخل الحسن عليه قال يا أمير المؤمنين إنا طوع يدك فمرني بما شئت فقال له عثمان يا ابن أخي ارجع فاجلس في بيتك حتى يأتي الله بأمره فلا حاجة لي في هراقة الدماء ))(11)، وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد الله بن الزبير قال (( قلت لعثمان يوم الدار: اخرج فقاتلهم، فإن معك من قد نصر الله بأقل منه، والله قتالهم لحلال، قال: فأبى ))(12)، وفي رواية أخرى لابن الزبير (( لقد أحل الله لك قتالهم، فقال عثمان: لا والله لا أقاتلهم أبداً ))(13)، و (( وقد لبس ابن عمر درعه مرتين يوم الدار وتقلد سيفه حتى عزم عليه عثمان أن يخرج مخافة أن يقتل ))(14)، وروي الخياط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (( قلت لعثمان: اليوم طاب الضرب معك، قال: اعزم عليك لتخرجن ))(15)، وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال (( جاء زيد بن ثابت إلى عثمان فقال: هذه الأنصار بالباب، قالوا: إن شئت أن نكون أنصار الله مرتين، قال: أما قتال فلا ))(16)، وعن قيس بن أبي حازم ثقة قال (( سمعت سعيد بن زيد يقول: والله لو أن أحداً انقضّ فيما فعلتم في ابن عثمان كان محقوقاً أن ينقضّ ))(17)، وعن خالد بن الربيع العبسي قال (( سمعنا بوجع حذيفة، فركب إليه أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه في نفر أنا فيهم إلى المدائن، قال: ثم ذكر قتل عثمان، فقال: اللهم إني لم أشهد، ولم أقتل، ولم أرض ))(18) وعن جندب بن عبد الله له صحبة (( أنه لقي حذيفة فذكر له أمير المؤمنين عثمان فقال: أما أنهم سيقتلونه! قال: قلت فأين هو؟ قال: في الجنة، قلت فأين قاتلوه؟ قال: في النار ))(19)، وروى ابن كثير في البداية والنهاية عن أبي بكرة قال (( لأن أخرّ من السماء إلى الأرض أحبَّ إليَّ من أن أشرَك في قتل عثمان ))(20)، وعن ابن عثمان النهدي ثقة (( قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: إن قتل عثمان رضي الله عنه لو كان هدًى احتلبت به الأمة لبناً، ولكنه كان ضلالاً فاحتلبت به دماً ))(21)، وعن كلثوم بن عامر تابعي ثقة (( عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما سرّني أني رميت عثمان بسهم أصاب أم أخطأ وأن لي مثل أحد ذهباً ))(22)، وروى ابن شبة بإسناد إلى ريطة مولاة أسامة بن زيد قالت (( بعثني أسامة إلى عثمان يقول: فإن أحببت نقبنا لك الدار وخرجت حتى تلحق بمأمنك يقاتل من أطاعك من عصاك ))(23)، وأخرج البخاري عن حارثة بن النعمان شهد بدراً قال لعثمان وهو محصور (( إن شئت أن نقاتل(1/371)
دونك ))(24)، وأخرج أحمد في فضائل الصحابة عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال (( لا تقتلوا عثمان فإنكم إن فعلتم لم تصلُّوا جميعاً أبداً ))(25) وروى ابن عساكر في تاريخه أن سمرة بن الجندب قال (( إن الإسلام كان في حصن حصين، وإنهم ثلموا في الإسلام ثلمة بقتلهم عثمان، وأنهم شرطوا شرطة، وإنهم لن يسدّوا ثلمتهم إلى يوم القيامة، وإن أهل المدينة كانت فيهم الخلافة فأخرجوها ولم تعد فيهم ))(26) وعن نافع مولى ابن عمر أن ابن عمر قال (( لقيت ابن عباس وكان خليفة عثمان على موسم الحج عام قتل فأخبرته بقتله، فعظّم أمره وقال: والله إنه لمن الذين يأمرون بالقسط، فتمَنّيتُ أن أكون قتلت يومئذ ))(27) وبعد هذا السرد لموقف الصحابة العظيم من مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه نعلم جيداً أنهم لم يشاركوا ولم يرضوا بقتل هذا الصحابي الجليل، ونعلم أيضاً الأمانة التي يتمتع بها هذا التيجاني المفتري عندما ادعى أنه درس التاريخ واكتشف أن قتلة عثمان هم الصحابة الكرام في الدرجة الأولى، هكذا! فأقول ألا لعنة الله على الكاذبين، وحتى لا يكون لهذا الدعي أي حجة أسوق بعض روايات الشيعة التي تثبت دفاع الصحابة عن عثمان في مقدمتهم علي بن أبي طالب وابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهما حيث يقول المسعودي الشيعي(28) في كتابه مروج الذهب ((... فلما بلغ علياً أنهم يريدون قتله بعث بابنيه الحسن والحسين مع مواليه بالسلاح إلى بابه لنصرته، وأمرهم أن يمنعوه منهم، وبعث الزبير ابنه عبد الله، وبعث طلحة ابنه محمداً، وأكثر أبناء الصحابة أرسلهم آباؤهم اقتداء بمن ذكرنا، فصدّوهم عن الدار ))(29) ويقول ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (( ... وقام بالكوفة نفر يحرضون الناس على نصر عثمان وأعانه أهل المدينة منهم عقبة بن عمر وعبد بن أبي أوفى وحنظلة الكاتب، وكل هؤلاء من الصحابة، ومن التابعين مسروق والأسود وشريح وغيرهم، وقام بالبصرة عمران بن حصين وأنس بن مالك وغيرهما من الصحابة، ومن التابعين كعب بن شور وهرم بن حيان وغيرهما، وقام بالشام ومصر جماعة من الصحابة والتابعين، وخرج عثمان يوم الجمعة فصلّى بالناس وقام على المنبر فقال: يا هؤلاء الله الله، فوالله إن أهل المدينة يعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فامحوا الخطأ بالصواب، فقام محمد بن سلمة الأنصاري، فقال نعم أنا أعلم ذلك فاقعده حكيم بن جبلة، وقام زيد بن ثابت فاقعده قتيرة بن وهب، وثار القوم فحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجد، وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشياً عليه، فادخل داره واستقل نفر من أهل المدينة مع عثمان منهم سعد بن أبي وقاص، والحسن بن عليّ عليه السلام! وزيد بن ثابت، وأبو هريرة، فأرسل إليهم عثمان عزمت عليكم أن تنصرفوا فانصرفوا ))(30).(1/372)
2 أما الذين خرجوا على عثمان وتآلبوا عليه وقتلوه فهم على قسمين، أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي الذي حاول إضلال الناس، فتنقّل في الحجاز والبصرة والكوفة ثم الشام فطرد منها، ثم أتى مصر فأقام بها ووضع لهم الرُجعة، وادعى أن الوصي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم هو عليّ، فافتتن به بشر كثير من أهل مصر، ثم بث دعاته وكاتب من استُفْسِدَ من الأمصار وكاتبوه واتفقوا بالسر على ما أرادوا وهم القسم الثاني من الذين تمالئوا على عثمان وهم الأعراب وأوباش العرب وأُصُولُهم من أهل الردة في زمن أبي بكر، وهاهو عليّ يقول لطلحة والزبير عندما اشترطا إقامة الحدود في قاتلي عثمان (( يا إخوتاه، إني لست أجهل ما تعلمون، ولكني كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم! هاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، وثابت إليهم أعرابكم... ))(31) وهذا ما يقرّه إمام الإمامية الاثني عشرية النوبختي حيث يقول ((وارتد قوم فرجعوا عن الإسلام ودعت بنو حنيفة إلى نبوّة مسيلمة وقد كان ادعى النبوة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث أبو بكر إليهم الخيول عليها خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي فقاتلهم وقتل مسيلمة وقتل من قتل ورجع من رجع منهم إلى أبي بكر فسموا أهل الردة ولم يزل هؤلاء جميعاً على أمر واحد حتى نقموا على عثمان أموراً أحدثها وصاروا بين خاذل وقاتل إلا خاصة أهل بيته وقليلاً من غيرهم حتى قتل ))(32) وكان الذي يتزعم الحملة على عثمان هم الذين جاؤو من مصر ويترأسهم الغافقي بن حرب العكبي الذين عُرفوا بالمصريين، ولكن التيجاني ينكر ذلك لأنه كما يدعي قرأ التاريخ! ولكن كتب التاريخ وغيرها، تجمع على أن قتلة عثمان هم المصريّون، راجع تاريخ الطبري(33) ، وابن الأثير(34)، والتمهيد والبيان(35)، ومروج الذهب(36)، والبداية والنهاية(37)، وطبقات ابن سعد(38)، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد(39)، والاستيعاب لابن عبد البر(40)، والتاريخ الاسلامي(41)، والفتوح لابن الأعثم(42) . وبعد ذلك أتساءل والقرّاء أي تاريخ قرأ التيجاني؟ أعتقد أنه قرأ حقاً التاريخ ولكن ليس أي تاريخ، إنه تاريخ الحمقى والمغفّلين!!
3 ثم يدعي أنّ في مقدمة قتلة عثمان أم المؤمنين عائشة ( وفي مقدمتهم أم المؤمنين عائشة التي كانت تنادي بقتله واباحة دمه على رؤوس الأشهاد فكانت تقول ( اقتلوا نعثلاً فقد كفر ) ثم يعزو هذا القول بالهامش: إلى الطبري وابن الأثير والعقد الفريد ولسان العرب وتاج العروس، فأقول:
أ هذه الرواية التي تزعم أن عائشة قالت ذلك مدارُها على نصر بن مزاحم قال فيه العقيلي (( كان يذهب إلى التشيع وفي حديثه اضطراب وخطأ كثير ))(43)، وقال الذهبي (( رافضي جلد، تركوه وقال أبو خيثمة: كان كذاباً، وقال أبو حاتم: واهي الحديث، متروك، وقال الدارقطني: ضعيف ))(44)، (( وقال الجوزجاني: كان نصر زائفاً عن الحق مائلاً، وقال صالح بن محمد: نصر بن مزاحم روى عن الضعفاء أحاديث مناكير، وقال الحافظ أبي الفتح محمد بن الحسين: نصر بن مزاحم غال في مذهبه ))(45)، وعلى ذلك فهذه الرواية لا يعول عليها ولا يلتفت إليها إضافة إلى مخالفتها للروايات الصحيحة الناقضة لها.
ب الروايات الصحيحة الثابتة تظهر أن عائشة تألمت لمقتل عثمان ودعت على قاتليه، فعن مسروق تابعي ثقة قال (( قالت عائشة: تركتموه كالثوب النقي من الدنس، ثم قربتموه تذبحونه كما يذبح الكبش، قال مسروق: فقلت هذا عملك كتبت إلى الناس تأمرينهم بالخروج عليه، فقالت عائشة: والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت إليهم بسواد في بياض حتى جلست مجلسي هذا. قال الأعمش: فكانوا يرون أنه كتب على لسانها ))(46)، وأخرج أحمد في فضائله عن عائشة أنها كانت تقول أي في مقتل عثمان (( ليتني كنت نسياً منسياً فأما الذي كان من شأن عثمان فوالله ما أحببت أن ينتهك من عثمان أمر قط إلا انتهك مني مثله حتى لو أحببت قتله قتلت .. ))(47)، وروى ابن شبة عن طلق بن حُشَّان قال (( قلت لعائشة: فيم قتل أمير المؤمنين عثمان؟ قالت: قتل مظلوماً، لعن الله قتلته ))(48)، وأخرج أحمد في الفضائل عن سالم بن أبي الجعد قال (( كنا مع ابن حنيفة في الشِّعب فسمع رجلاً ينتقص وعنده ابن عباس، فقال: يا بن عباس! هل سمعت أمير المؤمنين عشية سمع الضجة من قبل المربد فبعث فلان بن فلان فقال: اذهب فانظر ما هذا الصوت؟ فجاء فقال: هذه عائشة تلعن قتلة عثمان والناس يؤمِّنون فقال عليّ: وأنا ألعن قتلة عثمان في السهل والجبل، اللهم العن قتلة عثمان، اللهم العن قتلة عثمان في السهل والجبل، ثم أقبل ابن الحنيفة عليه وعلينا فقال: أما فيَّ وفي ابن عباس شاهدا عدل؟ قلنا؟ بلى! قال: قد كان هذا ))(49).
ت المعلوم عند جميع المؤرخين أن عائشة خرجت تطالب بدم عثمان فكيف يوفق بين موقفها هذا وقولها ( إقتلوا نعثلا فقد كفر )؟! إلا أن هذا القول كذب صريح عليها.(1/373)
4 وأما قوله ( كذلك نجد طلحة والزبير ومحمد بن أبي بكر وغيرهم من مشاهير الصحابة (!!) وقد حاصروه ومنعوه من شرب الماء ليجبروه على الاستقاله ). وجواباً على ذلك أقول:
أ أما أن محمد بن أبي بكر من مشاهير الصحابة فهذا أمر ثابت لا يمكن إنكاره لأنه من أكثر المصاحبين للنبي صلى الله عليه وسلم إذ صاحبه ما يقرب الأربعة أشهر!؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفّي ولم يتم محمد بن أبي بكر من عمره أربعة أشهر!!!؟ فياله من صحابي مشهور؟!؟
ب أما أن طلحة والزبير قد حاصرا عثمان ومنعوه من شرب الماء!؟ فهذا من المين الفاضح، فأين النقل الثابت؟ وما هو المصدر الذي استقى منه التيجاني كذبهُ هذا؟ وأنا أتحدّاه بأن يأتي بمصدر واحد يذكر مثل هذه الترّهات، ولكن بعداً له!
ت الروايات الصحيحة الثابتة تبين أن طلحة والزبير تألّما لقتل عثمان غاية الألم بل وحاولا الدفاع عنه فعن أبي حبيبة قال (( بعثني الزبير إلى عثمان وهو محصور، فدخلت عليه في يوم صائف وهو على كرسي، وعنده الحسن بن عليّ، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، فقلت: بعثني إليك الزبير بن العوام وهو يقرئك السلام ويقول لك: إني على طاعتي لم أبدّل ولم أنكث، فإن شئت دخلت الدار معك وكنت رجلاً من القوم، وإن شئت أقمت، فإنّ بني عمرو بن عوف وعدوني أن يصبحوا على بابي، ثم يمضون على ما آمرهم به. فلما سمع الرسالة قال: الله أكبر، الحمد لله الذي عصم أخي، أقرئه السلام ثم قل له: إن يدخل الدار لا يكن إلا رجلاً من القوم، ومكانك أحبّ إليّ، وعسى الله أن يدفع بك عنّي، فلما سمع الرسالة أبو هريرة قام فقال: ألا أخبركم ما سمعت أذناي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: بلى، قال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تكون بعدي فتن وأمور، فقلنا: فأين المنجى منها يا رسول الله؟ قال: إلى الأمين وحزبه، وأشار إلى عثمان بن عفان. فقام الناس فقالوا: قد أمكننا البصائر، فأذن لنا في الجهاد؟ فقال عثمان: أعزم على من كانت لي عليه طاعة ألا يقاتل ))(50) وروى الداقطني في فضائل الصحابة (( أن عثمان أشرف على المسجد، فإذا طلحة جالس في شرق المسجد، قال: يا طلحة قال: لبيك قال: نشدتك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يشتري قطعة يزيدها في المسجد، فاشتريتها من مالي، قال طلحة: اللهم نعم، فقال: يا طلحة قال: لبيك، قال: نشدتك بالله هل تعلمني حملت في جيش العسرة على مائة؟ قال طلحة: اللهم نعم، ثم قال طلحة: اللهم لا أعلم عثمان إلا مظلوماً ))(51).
ج لا يختلف إثنان في أن طلحة والزبير كانا من أوائل المطالبين بدم عثمان، والاقتصاص من قاتليه، ولم يخرجا، إلا لهذا السبب، فليت شعري إن كانا من المحرضين على قتل عثمان، والمشاركين في حصاره فما معنى موقفهما ممن يريدون قتالهم وهم يشاركونهم في الجريمة؟!
5 ثم يقول ( ويحدثنا المؤرخون أن الصحابة هم الذين منعوا دفن جثّته في مقابر المسلمين، فدفن في ( حش كوكب ) بدون غسل ولا كفن )!؟ وفي موضع آخر يقول ( وتحقق لدي ما قاله المؤرخون من أنه دفن بحش كوكب وهي أرض يهودية)
أ يريد هذا التيجاني أن يصور الصحابة على أنهم مجموعة من الرعاع والهمج الذين يقتلون بعضهم بعضاً، بل ويمنعون خيرة الصحابة من أن يدفن مثل باقي المسلمين، فيضعونه في قبره دون غسل ولا تكفين!! وأنا لا أستغرب هذا القول من هذا المهتدي، لأنه لم يشعر قلبه يوماً بمحبّة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحبُّ أن أعلمه أن هذه الأفعال التي يريد إلصاقها بصحابة النبي صلى الله عليه وسلم هي أولى بطباعهم وأفعالهم، وكيف لا وهم أحفاد عبد الله بن سبأ اليهودي راعي الفتنة الأولى!
ب أما ادعاؤه بأن الصحابة منعوا دفنه في مقابر المسلمين فدفن في حش كوكب وهي أرض يهودية فلا يدلّ إلا على جهله المطبق لأن حش كوكب ليست أرض يهودية، ولم تكن كذلك إطلاقاً، لأن حش بمعنى البستان، وقد اشتراه عثمان من كوكب وهو رجل من الأنصار(52) وعندما توفي دفن في بستانه الذي اشتراه من ماله، فأي شيء في ذلك؟
ثم يضيف قائلاً (( وتحقق لدى ما قاله المؤرخون من أنه دفن بحش كوكب وهي أرض يهودية لأن المسلمين منعوا دفنه في بقيع رسول الله، ولمّا استولى معاوية بن أبي سفيان على الخلافة اشترى تلك الأرض من اليهود (!!!) وأدخلها في البقيع ليدخل بذلك قبر ابن عمه عثمان فيها والذي يزور البقيع حتى اليوم سيرى هذه الحقيقة بأجلى ما تكون ))(53). وأنا أقول:
لو سألت طفلاً في المرحلة الإبتدائية هل كان اليهود موجودين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهد الخلفاء الراشدين، فسيجيبك باسترخاء بالطبع لا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجلاهم عن المدينة، ومن ثم أجلاهم عمر من الجزيرة كلها فتاهوا في الأرض، فسبحان الله ويقولون: حاصل على الدكتوراه!؟(1/374)
ثم يقول (( وبالمناسبة أذكر هنا قصّة طريفة ذكرها بعض المؤرخين ولها علاقة بموضوع الإرث. قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة: جاءت عائشة وحفصة ودخلتا على عثمان أيام خلافته وطلبتا منه أن يقسم لهما ارثهما من رسول الله (ص). وكان عثمان متكئاً فاستوى جالساً وقال لعائشة: أنت وهذه الجالسة جئتما بأعرابي يتطهّر ببوله وشهدتما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحن معشر الأنبياء لا نورث فإذا كان الرسول حقيقة لا يورّث فماذا تطلبان بعد هذا، وإذا كان الرسول يورّث لماذا منعتم فاطمة حقها؟ فخرجت من عنده غاضبة وقالت: أقتلوا نعثلاً فقد كفر ))(54) أقول:
1 فتحت شرح النهج في الجزء السادس عشر ص (220 223 ) كما أشار بالهامش فلم أجد لهذه الرواية المكذوبة أثراً! ولكن وجدت هذه الرواية (( عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة: أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وآله أردن لما توفّي أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسأله ميراثهنَّ أو قال ثمنهنَّ، قالت: فقلْتُ لهنّ أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا صدقة ))(55) وهذه الرواية أخرج مثلها البخاري ومسلم في الصحيح، وهي كما ترى تناقض القصة التي ذكرها التيجاني في كتابه.
2 مجرّد عزو التيجاني على شرح النهج لابن أبي الحديد ليس فيه أي حجة لأنه ليس من أهل المعرفة بالحديث فيضع في كتابه من الأحاديث غثّها وثمينها، ومع ذلك فإني لم أستطع العثور على هذه القصة في الموضع المشار إليه، وأخشى أن تكون من عنديّات التيجاني، وعلى العموم فالأحاديث الصحيحة وسيرة كل من عائشة وعثمان رضي الله عنهما تكذّب هذا الخبر وترّده والحمد لله.
ثم يقول (( ولما جاء عثمان بعده أي بعد عمر ذهب شوطاً بعيداً في الإجتهاد فبالغ أكثر ممن سبقوه حتى أثّر اجتهاده في الحياة السياسية والدينية بوجه عام فقامت الثورة ودفع حياته ثمن اجتهاده ))(56)، أقول:
هذا من الكذب الظاهر على عثمان فهؤلاء الأعراب لم يخرجوا عليه إلا لمرض نفوسهم ولم يصيبوا فيما ادعوه عليه، إضافة لدور اليهودي عبد الله بن سبأ في إشعال الفتنة على عثمان فهؤلاء هم المتسببون بالفتنة وليس عثمان ويظهر ذلك في وقوف الصحابة جميعاً مع عثمان والدفاع عنه، ولن أنسى ذكر الأدلة التي تبيّن أن الحق مع عثمان وأن الخارجون عليه هم أهل الفتنة والباطل، فقد أخرج الحاكم في المستدرك وأحمد في الفضائل عن موسى بن عقبة قال (( حدثني أبو أمي أبو حبيبة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام فأذن له، فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافاً، فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ فقال: عليكم بالأمين وأصحابه، يعني عثمان ))(57)، وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري في جزء منه عندما جاء عثمان بن عفان (( قال: فجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: افتح له وبشّره بالجنة على بلوى تكون، قال: فذهبت فإذا هو عثمان بن عفان، قال: ففتحت وبشرّته بالجنة، قال: وقلت الذي قال، فقال: اللهم صبراً،أو الله المستعان ))(58)، وعن ابن عمر قال: ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فتنة فقال (( يقتل هذا فيها مظلوماً )) لعثمان بن عفان(59) وروى أحمد في الفضائل عن كعب بن عُجرة قال (( ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقرّبها وعظّمها، ثم مر رجل مقنّع في ملحفة فقال: هذا يومئذ على الحق، فانطلقت مسرعاً فأخذت بضبعيه فقلت: هذا يا رسول الله؟ قال: هذا، فإذا عثمان بن عفان ))(60)، فهل بعد ذلك لا زال يظن التيجاني أن اجتهادات عثمان الباطلة! هي السبب في الفتنة عليه؟ فهنيئاً للتيجاني وقوفه مع أهل الفتنة ضدّ أهل السنة!(1/375)
وأخيراً: فهذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثالث أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من حيث المنزلة، والذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وهو الصحابي الحييّ الذي ضرب به المثل في الكرم والانفاق، فكان له فضل توسيع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بماله واشترى بئر رومة، وجعله وقفاً للمسلمين، وجهز جيش العسرة للمسلمين، وعن عبد الرحمن بن سمرة قال (( جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار قال الحسن بن واقع: وفي موضع آخر من كتابي: في كمه حين جهّز جيش العسرة فنثرها في حجره، قال عبد الرحمن: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلّبها في حجره ويقول: ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم، مرتين ))(61)، وهذه حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها حتى هداة التيجاني أنفسهم فهذا أبو الفتح الأربلي من علماء الإمامية يورد في كتابه ( كشف الغمة ) قصة زواج على بن أبي طالب من فاطمة رضي الله عنهما مثبتاً مساعدة عثمان لعلي في زواجه من فاطمة (( ... قال علي فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا الحسن انطلق الآن فبع درعك وأت بثمنه حتى أهيء لك ولابنتي فاطمة ما يصلحكما، قال علي: فانطلقت وبعته باربعمائة درهم سود هجرية من عثمان بن عفان رضي الله عنه، فلما قبضت الدراهم منه وقبض الدرع مني قال: يا أبا الحسن ألست أولى بالدرع منك وأنت أولى بالدراهم مني؟ فقلت: بلى، قال: فإن الدرع هدية مني إليك، فأخذت الدرع والدراهم وأقبلت إلى رسول الله ( ص )، فطرحت الدرع والدراهم بين يديه وأخبرته بما كان من أمر عثمان فدعا له بخير ...))(62)!، ويثبت أيضاً حب الأئمة الإثني عشر لعثمان وتعظيمهم لشأنه فيروي عن الإمام زين العابدين علي بن الحسن أنه (( قدم عليه نفر من أهل العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا من كلامهم، قال لهم: ألا تخبروني أنتم { المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون } ؟ قالوا: لا، قال: فأنتم { الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } ؟ قالوا: لا، قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين أمنوا } أخرجوا عني فعل الله بكم! ))(63)؟!، فهل بعد ذلك الاعتراف بفضائل عثمان من السنة والشيعة يدعي التيجاني أن الله هداه للطعن به وبالصحابة الكرام؟!
===========
شبهات وردود حول عثمان رضي الله عنه
منها ان عثمان ولى وأمر من صدر منه الظلم والخيانة وارتكاب الأمور الشنيعة كالوليد ابن عقبة( 1 ) الذي شرب الخمر وأم الناس في الصلاة وهو سكران وصلى الصبح أربع ركعات ثم قال : هل ازيدكم ؟ وولي معاوية الشام التى هي عبارة عن أربع ممالك فتقوى حتى انه نازع الأمير وبغي عليه في ايام خلافته . وولى عبد الله بن سعد مصر فظلم أهلها ظلماً شديداً حتى اضطرهم إلى الهجرة إلى المدينة وخرجوا عليه . وجعل مروان وزيره وكاتبه فمكر في حق محمد بن أبي بكر وكتب مكان اقبلوه أقتلوه ( 2 ) . ولم يعزلهم بعد الاطلاع على أحوالهم حتى تضجرت الناس منه فآل أمره إلى أن قتل ، ومن كان في هذا حاله فهو غير لائق بالإمامة .(1/376)
والجواب أن الإمام لابد له ان يفوض بعض الأمور إلى من يراه لائقاً لما هنالك بحسب الظاهر إذ ليس له علم الغيب ، فإنه ليس بشرط في الإمامة عند أهل الحق . وقد كان عماله ظاهراً مطيعين له منقادين لأوامره . وقد ثبت في التاريخ أنهم خدموا الإسلام وشيدوا الدين ، فقد فتحوا بلاداً كثيرة حتى وصلوا غرباً إلى الأندلس وشرقاً إلى بلخ وكابل وقاتلوا براً وبحراً ، وأستأصلوا أرباب الفتن والفساد من عراق العجم وخراسان ، وقد عزل بعض من تحقق لديه بعد ذلك سوء حاله كما عزل الوليد ( 3 ) . ومعاوية لم يبلغ في زمنه حتى يستحق العزل ، بل قد أجرى خدمات كثيرة ، كما غزا الروم وفتح منها بلاداً متعددة ( 4 ) . وأما الشكايات التى وقعت على عبدالله بن سعد فمن تزوير عبدالله ابن سبأ وتسويلاته ( 5 ) . وبالجملة لم يكن لعثمان قصور مما هنالك ، وحالة مع عماله كحال الأمير مع عمله ، إلا أن عمال عثمان كانوا منقادين لأوامره ومطيعين له ، بخلاف عمال الأمير ومن راجع ما سلف منا من خطب الأمير في حق أتباعه وجنده وأشياعه تبين له صدق هذا الكلام ، وأن لا عتب على ذى النورين في ذلك ولا ملام . وقد كتب الأمير كرم الله تعالى وجهه إلى المنذر الجارود العبدى (( أما بعد فصلاح أبيك غرني وظننت انك تتبع هداه وتسلك سبيله ، فإذا أنت – فيما نما إلى عنك – لا تدع لهواك أنقياداً ، ولا تبقى لآخرتك عتاداً . تغمر دنياك بخراب آخرتك ، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك )) إلى آخر ما قال . ومثل هذا كثير في ذلك الكتاب . فكما أن الأمير لا يلحقه طعن بسبب ما وقع من عماله ، كذلك عثمان . وإلا فما الفرق ؟ والله سبحانه الموفق للهداية وبه نستعيذ من الضلالة والغواية .
ومنها ان عثمان أدخل الحكم ( أبا مروان ) بن العاص المدينة وقد أخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم
والجواب أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أخرجه لحبه المنافقين وتهيجه الفتن بين المسلمين ومعاونته الكفار ، ولما زال الكفر والنفاق بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وقوى الإسلام في خلافة الشيخين لم يبق محذور من إرجاعه إليها . وقد سبق مما هو مقرر عند الفريقين أن (( الحكم إذا علل بعلة ثم زالت زال )) ( 6 ) وعدم إرجاع الشيخين إياه لما حصل عندهما من ظن بقائه على ما كان عليه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد أرتفع ذلك عن عثمان زمن خلافته لأن الحكم كان ابن أخيه ، على ان عثمان قال اعترضوا عليه بذلك : إني كنت أخذت الإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موته على دخول الحكم المدينة وعدم قبول ابي بكر ذلك منى لطلبه شاهداً آخر على إذنه صلى الله عليه وسلم له بالدخول المدينة . وكذلك عمر . ولما ادت النوبة إلى عملت بما علمت . وأيضاً قد ثبت أن الحكم قد تاب في آخر عمره من النفاق ومما كان يفعله من التزوير والاختلاق ، والله تعالى الهادي إلى طريق السداد ، ومنه التوفيق والرشاد .
ومنها أن عثمان وهب لأهل بيته واقاربه كثيراً من المال ، وصرف من بيت المال مصارف كثيرة في غير محلها مما يدل على إسرافه ، كما اعطى الحكم مائة ألف درهم وأعطى مروان خمس إفريقية ( 7 ) وخالد بن اسيد بن العاص ثلاث مائة ألف درهم وذلك لما جاء من مكة ، إلى غير ذلك من الإسراف الوافر والبذل المتكاثر ، ومن كان بهذه الأحوال كيف يستحق الإمامة من بين الرجال .
والجواب – على فرض التسليم – ان عثمان رضي الله عنه بذل ذلك من كيسه لا من بيت المال ، فإنه كان من المتمولين قبل ان يكون خليفة ، ومن راجع كتب السير أقر بهذا الأمر ، فقد كان رضي الله عنه يعتق في كل جمعة رقبة ، ويضيف المهاجرين والأنصار ، ويطعمهم في كل يوم ، قد روى عن الإمام الحسن البصري أنه قال : إنى شهدت منادى عثمان ينادى (( يا أيها الناس اغدوا على أعطياتكم )) فيغدون فيأخذونها وافرة (( يا ايها الناس أغدوا على رزقكم )) فيغدون فيأخذونها وافية حتى والله لقد سمعته أذناى يقول (( أغدوا على كسوتكم )) فيأخذون الحلل . ومن راجع كتب التواريخ علم درجة رضي الله عنه ، ولم يقل عن احد أن الإنقاق في سبيل الله تعالى موجب للطعن ( 8 ) والله تعالى الهادي .
ومنها ان عثمان قد عزل في خلافته جمعاً من الصحابة عن مناصبهم كما عزل ابا موسى الأشعري عن البصرة ( 9 ) ونصب مكانه عبدالله بن عامر ، وعزل عمرو بن العاص عن مصر ونصب مكانه عبدالله بن سعد مع أنه قد أرتد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولحق بمشركي مكة وأباح صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح حتى تكفله عثمان فأسلم وعزل عمار بن ياسر عن الكوفة وعبدالله بن مسعود عن قضائها .
والجواب أن عزل العمال ونصبهم من وظيفة الخلفاء والأئمة ، ولا يلزمهم إبقاء العمال السابقين على حالهم . نعم لا ينبغي العزل من غير سبب وعزل هؤلاء كان لسبب ، وقد فصل ذلك في كتب التواريخ فراجعها .(1/377)
ومنها أن عثمان درأ القصاص عن عبيد الله بن عمر وقد قتل الهرمزان ملك الأهواز الذى اسلم في زمن عمر بعد ان اتهمه في مشاركة من قتل عمر ( 10 ) ، مع أن القاتل كان ابا لؤلؤة فقط وقد قتل ابنته وقتل ايضاً حنيفة النصراني لأتهامه بذلك وقد أجتمع الصحابة عليه ليقتص من عبيد فلم يوافقوهم وأدى ديتهم عنه فخالف حكم الله فليس يليق للإمامة .
والجواب أن القصاص لم يثبت في تلك الصور ، لأن ورثة الهرمزان لم يكونوا في المدينة بل كانوا في فارس ، ولما أرسل عليهم عثمان لم يحضروا المدينة خوفاً كما ذكر المرتضى في بعض كتبه ( 11 ) . وشرط حضور جميع ورثة المقتول كما ذهبت إليه الحنفية ، فلم يبق إلا الدية ، وقد أعطاها من بيت المال لا من القاتل ، ولأن بنت ابي لؤلؤة كانت مجوسية وجفينة كان نصرانياً وقد قال صلى الله عليه وسلم (( لا يقتل مسلم بكافر )) وهذا ثابت عندهم ، على أنه لو أقتص عثمان من عبيد الله لوقعت فتنة عظيمة لأن بني تيم وبني عدى كانوا مانعين من القتل ، وكانوا يقولون لو أقتص عثمان من عبيد الله لحاربناه ، ونادى عمرو بن العاص وهو رئيس بني سهم فقال : أيقتل أمير المؤمنين أمس ويقتل أبنه اليوم ؟ لا والله لا يكون هذا أبداً ، وهذا كما ثبت عندهم من ان الأمير لم يقتص من قتله عثمان خوفاً من الفتنة .
ومنها أن عثمان غير سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه صلى اربع ركعات في منى مع انه صلى الله عليه وسلم كان يقصر الصلاة الرباعية في سفره دائماً و قد أنكر عليه الجماعة من الصحابة ذلك الفعل .
والجواب أن عثمان ما كان إذ ذك مسافراً لأنه تزوج في مكة وتبوأ منزلاً فيها وأقام في تلك البقعة المباركة ، ولما طلع الأصحاب على حقيقة الحال زال عنهم الإنكار والإشكال .
ومنها أن عثمان قد وهب لأصحابه ورفقائه كثيراً من أراضى بيت المال وأتلف حقوق المسلمين .
والجواب أنه كان يأذن لهم بإحياء أراضى الموات ، ومن يحيى الموات فهي له لقوله تعالى صلى الله عليه وسلم (( موتان الأرض لله ولرسوله فمن أحيا منها شيئاً فهو له )) ولم يهب لأحد ارضاً معمورة مزروعة كا يعلم ذلك من التاريخ ( 12 ) .
ومنها أن الصحابة كلهم كانوا راضين بقتله ويتبرأون منه ( 13 ) حتى تركوه بعد قتله ثلاثة أيام بلا دفن .(1/378)
والجواب أن هذا كله كذب صريح وبهتان فضيح على الصبيان فضلاً عن ذوى العرفان ، ألا ترى أن طلحه والزبير وعائشة الصديقة ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم قد قاتلوا لأجل طلب القصاص لعثمان ، وقد ثبت في التواريخ عند الفريقين أن الصحابة كلهم لم يألوا جهداً في دفع البلوى عنه حتى أستأذنوا منه في قتال المحاصرين فلم يجوز لهم ( 14 ) وكانوا مهما تمكنوا يوصلون إليه الماء ويفرجون عنه . وجاء زيد بن ثابت مع الأنصار وقال شبابهم له : إن شئت كنا أنصار مرتين ، وجاء عبد الله بن عمر مع المهاجرين وقال : إن الذين خرجوا عليك آمنوا سيوفنا ، واستأذنه لقتالهم فلم يأذن له ، وكان السبطان وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عامر بن ربيعة وابو هريرة وغيرهم من الصحابة معه في دار وكانوا يدافعون عنه كلما هجم عليه أهل البغي والعدوان ولم يأذن لهم ولا لأحد بقتالهم ، وقد ثبت في نهج البلاغة من كلام الأمير أنه قال (( والله قد دفعت عنه )) إلى غير ذلك ، وقد شيع جنازته جماعة من الصحابة والتابعين ودفنوه بثيابه الملطخة بالدم ليلاً ولم يؤخروه ، وقد حضرت الملائكة جنازته لما روى الحافظ الدمشقي مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( يوم موت عثمان تصلى عليه ملائكة السماء )) قال الراوى : قلت يا رسول الله عثمان خاصة أو الناس عامة ؟ قال : عثمان خاصة . ونسبة هجوه وبغضه إلى الصحابة كذب وزور ، وذلك في غاية الظهور . فقد روى الديلمي وهو من المعتبرين عند الشيعة في ( المنتقى ) عن الحسن بن علي قال (( ما كنت لأقاتل بعد رؤيا رايتها : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعاً يده على العرش ، ورأيت ابا بكر واضعاً يده على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورأيت عمر واضعاً يده على منكب أبي بكر ، ورأيت عثمان واضعاً يده على منكب عمر ، ورأيت دماً دونه ، فقلت : ما هذا ؟ فقالوا : دم عثمان يطلب الله به )) . وروى ابن السمان عن قيس بن عباد قال سمعت علياً يوم الجمل يقول (( اللهم إنى أبرأ إليك من دم عثمان ، ولقد طاش عقلى يوم قتل عثمان ، وأنكرت نفسي ، وجاءوني للبيعة فقلت : ألا أستحي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ، إنى لأستحي من الله أن ابايع وعثمان قتيل في الأرض لم يدفن بعد ، فأنصرفوا . فلما دفن رجع الناس يسألون البيعة فقلت : اللهم إني مشفق مما أقدم عليه . ثم جاءت عزيمة فبايعت . قال : فقالوا (( يا أمير المؤمنين )) فكأنما صدع قلبي )) وروى ابن السمان أيضاً عن محمد بن الحنفية أن علياً قال يوم الجمل (( لعن الله قتلة عثمان في السهل والجبل )) وعنه أن علياً بلغه أن عائشة تلعن قتلة عثمان فرفع يديه حتى بلغ بهما وجهه فقال (( وأنا ألعن قتلة عثمان ، لعنهم الله في السهل والجبل )) مرتين أو ثلاثاً . إلى غير ذلك من اقوال أهل البيت وسائر الصحابة مما يدل على مزيد حبهم له وتأسفهم على مصيبته . وهذا الكتاب لا يحتمل ذكر ذلك على سبيل التفصيل ، وتأخير دفنه إلى ثلاثة ايام زور وبهتان كما يعلم مما ذكرنا من البيان . كيف وقد اجمع المؤرخون على أن شهادته رضي الله عنه بعد العصر يوم الجمعة لعشر خلون من ذي الحجة ، ودفن في البقيع ليلة السبت رضي الله عنه وأرضاه ، وجعل الغرف العالية مستقرة ومثواه ، ونسأله تعالى ان يحشرنا في زمرتهم ، ويميتنا على محبتهم .
------------------
( 1 ) الوليد بن عقبة أخو أمير المؤمنين عثمان لأمه ، أمهما أروى بنت كريز ، وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم ، عمه النبي صلى الله عليه وسلم وتوأمة ابيه . أدرك خلافة الصديق الأكبر في اول شبابه وكان محل ثقته ، وموضع السر في الرسائل الحربية التى دارت بين الخليفة وقائده خالد بن الوليد في وقعة المذار مع الفرس سنة 12 . ثم وجهه مدداً إلى قائده عياض بن غنم الفهرى ( الطبري 4 : 22 ) . وفي سنة 13 كان الوليد بلي لأبي بكر صدقات قضاعة ، ثم لما عزم الصديق على فتح الشام كان الوليد عنده بمنزلة عمرو بن العاص في الحرمة والثقة والكرامة فكتب إليه وإلى عمرو يدعوهما لقيادة فيالق الجهاد فسار عمرو بلواء الإسلام نحو فلسطين وسار الوليد إلى شرق الأردن ( الطبري 4 : 29 – 30 ) . ثم رأينا الوليد سنة 151 أميراً لعمر بن الخطاب على بلاد بني تغلب وعرب الجزيرة يحمى ظهور المجاهدين في شمال الشام لئلا يؤتوا من خلفهم . وكان الوليد أول ناشر لدعوة الإسلام بين نصارى تغلب وبقايا إياد بحماسة وغيرة لا مثيل لها . وبهذه الثقة الكبرى التى نالها الوليد من أبي بكر وعمر ولاه عثمان ولاية الكوفة ، وكان من خير ولاتها عدلاً ورفقاً وإحساناً ، وكانت جيوشه مدة ولايته على الكوفة تسير في آفاق الشرق فاتحة ظافرة موفقة . وأنظر في تاريخ الطبري ( 5 : 60 ) شهادة الإمام الشعبي له في إمارته وفي جهاده وجزيل إحسانه إلى الناس .(1/379)
( 2 ) هذا الكتاب زوره الأشتر وحكيم بن جبله . أنظر ( العواصم ) ص 109 – 110 .
( 3 ) مما لا ريب فيه أن الوليد بن عقبة كان في ولايته على الكوفة الحاكم العادل الرحيم المحسن إلى الناس جميعاً . وكانت الكوفة منزل جهاد للفيالق التى يسيرها الوليد ابن عقبة إلى سواحل بحر الخزر وبلاد روسيا الآن . وأتفق ذات ليلة أن سطا بعض الأشرار على منزل رجل في الكوفة اسمه ابن الحيسمان فقتلوه . وكان في جوار المنزل صحابي مجاهد هو أبو شريح الخزاعي حامل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش خزاعة يوم فتح مكة ، جاء إل الكوفة هو أبنه ليلحقا بكتائب الجهاد ، واتفق نزوله في جوار بيت ابن الجيسمان فلما سطا الأشرار على ابن الحيسمان ليلاً رآهم أبو شريح الخزاعي وابنه وشهدا عليهم أمام الوليد بن عقبة فحكم عليهم الوليد بن عقبة بإقامة الحد الشرعي . إن الشاهدين اللذين شهدا على الوليد بن عقبة بشرب الخمر ها ابوان لأثنين من الأشرار الذين سطوا على ابن الحيسمان ، وقد حنقا على الوليد لإقامة الجد الشرعي عليهما ، وشهدا عليه عند عثمان زوراً وكذباً ، فقال أمير المؤمنين عثمان لواليه الوليد عقبة (( تقيم الحدود ، ويبوء شاهد الزور بالنار )) . وفي تعليقات كتاب ( العواصم من القواصم ) ص 94 – 99 بيان لحقيقة هذه الشهادة نقلاً عن المصادر الإسلامية المحترمة . فارجع إليها لتعلم أن الوليد بن عقبة رضوان الله عليه من خيرة رجال الدولة الإسلامية الأولى ، أنه كان موضع ثقة أبي بكر وعمر فضلاً عن عثمان رضوان الله عليه ، وان أياديه على الإسلام جعلته في طليعة المجاهدين العادلين الناصحين .
( 4 ) أنظر في هامش ص 123 – 124 الكلمة المأثورة في زمن الدولة العباسية عن الإمام سليمان بن مهران الأعمش في تفضيله معاوية على عمر بن عبدالعزيز حتى في عدله ، وقول قتاده وهو من أعلام الإسلام (( لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم : هذا المهدي )) .
( 5 ) في حوادث سنة 27 من تاريخ الطبري ( 5 : 49 ) أن عثمان لما أمر عبدالله ابن سعد بن أبي سرح بالزحف من مصر على تونس لفتحها قال له (( إن فتح الله غداً عليك إفريقية فلك مما أفاء الله على المسلمين خمس الخمس من الغنيمة نفلا )) فخرج بجيشه حتى قطعوا أرض مصر وأوغلوا في أرض إفريقية وفتحوها سهلها وجبلها ، وقسم عبدالله بن سعد على الجند ما أفاء الله عليهم وأخذ الخمس الخمس وبعث بأربعة أخماسه إلى عثمان مع وثيمة النصري . فشكا وفد ممن كان مع وثيمة ما أخذه عبدالله بن سعد ، فقال لهم عثمان : أنا أمرت له بذلك ، فإن سخطتم فهو رد ، قالوا : إنا نسخطه ، فامر عثمان عبدالله بن سعد بأن يرده ، فرده ورجع عبدالله بن سعد إلى مصر وقد فتح وليس في يده شئ مما أفتروا عليه .
( 6 ) قال شيخ الإسلام ابن تيميه في منهاج لسنة ( 3 : 196 ) : قصة نفي النبي صلى الله عليه وسلم للحكم ليست في الصحاح ، ولا لها في إسناد يعرف به أمرها . ثم قال (( لم تكن الطلقاء تسكن بالمدينة فإن كان صلى الله عليه وسلم طرده فإنما طرده من مكة لا من المدينة ، ولو طرده من المدينة لكان يرسله إلى مكة . وقد طعن كثير من اهل العلم في نفيه وقالوا : هو ذهب باختياره . وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم عزر رجلاً بالنفي لم يلزم أن يبقى منفياً طوال الزمان ، فإن هذا لا يعرف في شئ من الذنوب ، ولم تأت الشريعة بذنب يبقى صاحبه منفياً دائماً )) إلى أن قال : (( وقصة الحكم فإنما ذكرت مرسلة ، وقد ذكرها المؤرخون الذين يكثر الكذب فيما يروونه ، فلم يكن هناك نقل ثابت يوجب القدح فيمن هو دون عثمان ، والمعلوم من فضائل عثمان ، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم له وثنائه عليه ، وتخصيصه بابنتيه وشهادته له بالجنة ، وإرساله إلى مكة ( أى في حادث الحديبية ) ومبايعته له عنه ( أى بيعة الرضوان ) ، وتقديم الصحابة له في الخلافة ، وشهادة عمر وغيره له بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو عنه راض ، وأمثال ذلك مما يوجب العلم القطعي بأنه من كبار أولياء الله المتقين الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه . فلا يدفع هذا بنقل لا يثبت إسناده ولا يعرف كيف وقع ، ويجعل لعثمان ذنب لا تعرف حقيقته … إلخ )) وأنظر أيضاً ( 3 : 235 – 236 ) من منهاج السنة . وتحقيق الإمام ابن حزم في كتاب الفصل ( 4 : 154 ) ، وما نقله مجتهد اليمن محمد بن إبراهيم الوزير في كتابه ( الروض الباسم ، في الزب عن سنة ابي القاسم ) 1 : 141 – 142 عن الحاكم المحسن بن كرامة المعتزلي المتشيع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لعثمان في رد الحكم . وترى تفصيل ذلك في ( العواصم من القواصم ) ص 77 – 79 للقاضي أبي بكر بن العربي والتعليقات عليه .
( 7 ) هو خمس الخمس لا الخمس ، وقد أعطاه لعبد الله بن سعد فاتح إفريقية لا لمروان وقد علمت مما نفلناه آنفاً عن الطبري أنه استرجعه من عبد الله بن سعد .(1/380)
( 8 ) قال الطبري في تاريخه ( 5 : 103 ) : كان عثمان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية ، وجعل ولده كبعض من يعطي ، فبدأ ببني أبى العاص فاعطي آل الحكم رجالهم عشرة آلاف عشرة آلاف ، فأخذوا مائة ألف ، وأعطى بني عثمان مثل ذلك ، وقسم في بني العاص وبني العيص وفي بني حرب . وقد أشار عثمان إلى ذلك في خطبته المشهورة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم رداً على زعماء الفتنة والبغاة عليه فقال : (( وقالوا إنى أحب أهل بيتي وأعطيهم ، فأما حبي لهم فإنه لم يمل معهم على جور ، بل أحمل الحقوق عليهم . وأما إعطاؤهم فإني إنما أعطيهم من مالي ، ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس . وقد كنت اعطي العطية الكبيرة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ، وأنا يومئذ شحيح حريص ، أفحين أتت على اسنان أهل بيتي وفنى عمرى وودعت الذى لى في أهلي قال الملحدون ما قالوا ؟ )) . نعم إن عثمان يود ذوى قرابته ، ومودته لهم من فضائله ، وهم لذلك أهل ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما أستعان برجال من عشيرة ولا ولى عدداً من فريق بقدر ما أستعان برجال بني أمية وولى أموره لرجالهم . وحتى بلدة مكة ولاها لفتى من فتيانهم ، وكان هو وكان بقية هؤلاء الرجال الأماجد عند حسن ظنه بهم ، وكذلك كانوا مدة ابي بكر وعمر وعثمان وفي كل زمان ومكان إلا النادر منهم ، وما هم بمعصومين . وهذا الخلق الكريم في مودة عثمان لذوى رحمه أثني عليه به علي فقال (( إن عثمان أوصل الصحابة للرحم )) وعلي أعرف الناس بابن عمه عثمان وكان عثمان وعلي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم شديدي الصلة والمحبة فيما بينهما ، وكان الناس يحملون ذلك على أنهما من بني عبد مناف .
( 9 ) وفي اول مجئ على العراق في خلافته كان أبو موسى الأشعري والياً على الكوفة وكان على منبر الكوفة يخطب الناس في فضائل البعد عن الفتنة وما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند وقوعها . فتركه الشتر يتكلم على المنبر بأحاديث رسول الله وذهب إلى دار الإمارة فأحتلها ومنع من دخولها ، وبذلك صار أبو موسى معزولاً يومئذ .
( 10 ) قال القاضي أبو بكر بن العربي في ( العواصم من القواصم ) ص 107 : كان ذلك والصحابة متوافرون والآمر في اوله وقد قيل : إن الهرمزان سعى في قتل عمر وحمل الخنجر وظهر تحت ثيابه . وفي تاريخ الطبري ( 5 : 42 ) شهادة عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق على الهرمزان مروية عن سعيد بن المسيب . وقال شيخ الإسلام ابن تيميه في منهاج السنة ( 3 : 200 ) : وقد قال عبدالله بن عباس لما طعن عمر – وقال له عمر : كنت أنت وابوك تحبان ان تكثر العلوج بالمدينة – فقال ابن عباس : إن شئت نقتلهم . قال ابن تيمية : فهذا ابن عباس وهو أفقه من عبيد الله بن عمر وأدين وأفضل بكثير يستأذن عمر في قتل علوج الفرس مطلقاً الذين كانوا في المدينة . لما أتهموهم بالفساد ، اعتقدوا جواز مثل هذا . وإذا كان الهرمزان ممن أعان على قتل عمر كان من المفسدين في الأرض المحاربين فيجب أنه يقتل عمر بن الخطاب ، فإنهم يعيدون لمقتل عمر ويسمون قاتله وهو أبو لؤلؤة ( بابا شجاع الدين ) ( 11 ) في رواية للطبري في تاريخه ( 5 : 43 – 44 ) عن سيف بن عمر عن أشياخه أن القماذ بن الهرمزان دعاه عثمان وامكنه من عبيد الله فقال القماذ باذ (( تركته لله ولكم )) . وانظر تفاصيل ذلك في التعليقات على ( العواصم من القواصم ) ص 106 – 108 .
( 12 ) قال الإمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة في متاب ( الخراج ) ص 61 صبع المطبعة السلفية : وقد اقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتألف على الإسلام أقواماً وأقطع الخلفاء من بعده من رأوا أن في إقطاعه صلاحاً ( وضرب أبو يوسف الأمثلة على ذلك ) . وأنظر باب القطائع ص 77 – 78 من كتاب ( الخراج ) ليحيى بن آدم القرشي طبع السلفية أيضاً . وذكر الإمام الشعبي بعض الذين اقطعهم عثمان فقال : (( واقطع الزبير ،و خباباً ، وعبد الله اب نمسعود ، وعمار بن ياسر ، ابن هبار . فإن يكن عثمان أخطأ ، فالذين قبلوا منه الخطأ أخطأوا ، وهم الذين أخذنا عنهم ديننا )) ( أنظر الطبري 4 : 148 ) . وأقطع على ابن ابي طالب كردوس بن هاني ( الكردوسية ) ، وأقطع سويداً بن غفلة أرضاً لدا ذويه . فكيف ينكرون على عثمان و يسكتون عن عمر وعلى ؟ وللقاضي أبي يوسف كلام سديد في هذا الموضوع في كتاب ( الخراج ) ص 60 – 62
(13 ) نقل البلاذرى في كتابه ( أنساب الأشراف ) ج 5 ص 103 عن المدائني عن سلمه ابن عثمان عن علي بن زيد عن الحسن قال : (( دخل علي بن أبي طالب على بناته وهن يمسحن عيونهن فقال : مالكن تبكين ؟ قلن : نبكي علي عثمان . فبكى وقال : أبكين )) أبهذا يتبرأون منه ؟ .(1/381)
( 14 ) نقل البلاذرى في انساب الأشراف ( 5 : 73 ) من حديث الإمام محمد بن سبرين أن زيد بن ثابت رضي الله عنه دخل على عثمان وقال له : إن هؤلاء الأنصار بالباب يقولون (( إن شئت كنا أنصار الله مرتين )) فقال عثمان (( لا حاجة لي بذلك كفوا )) . قال القاضي أبو بكر بن العربي في ( العواصم من القواصم ) ص 136 : (( إن أحداً من الصحابة لم يسع عليه ولا قعد عنه . ولو أستنصر ما غلب الف أو أربعة آلاف غرباء عشرين ألفاً بلديين أو أكثر من ذلك ، ولكنه ألقى بيده إلى المصيبة )) . ( قلت : لأنه أختار بذلك أهون الشرين فآثر التضحية بنفسه على توسيع دائرة الفتنة وسفك دماء المسلمين . وعثمان أفتدى دماء أمته بدمه مختاراً فما أحسن الكثيرون منا جزاءه . وإن أوروبا تعبد بشراً بزعم الفداء ولم يكن فيه مختاراً ) . ثم القاضسي أبو بكر بن العربي ( ص 137 ) : (( وقد أختلف العلماء فيمن نزل به مثلها : هل يلقى بيده ، أو يستنصر ؟ واجاز بعضهم أن يستسلم ويلقى بيده أقتداء بفعل عثمان ، وبتوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في الفتنة )) . والذى أعلمه أن سياسة الإسلام في ذلك أن يختار المسلم في كل حاله أقلها شراً وأخفها ضرراً ، فإذا كانت للخير قوة غالبة تقمع الشر وتضيق دائرته ، فالإسلام يهدي إلى قمع الشر بقوة الخير بلا تردد . وإن لم يكن للخير قوة غالبة – كما كانت الحال في موقف أمير المؤمنين عثمان من البغاة عليه – فمصلحة الإسلام في مثل ما جنح إليه عثمان . أعلى الله مقامه في دار الخلود .
===============
حقيقة تولية عثمان رضي الله عنه أقاربه
من الشبه التي أثيرت حول الخليفةالراشد الثالث ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه توليته أقاربه.
أحبتي في الله ، من أجل معرفة حجم هذه القضية ينبغي التعرف على أسماء الولاة في خلافة عثمان رضي الله عنه، وهم :
1- سعد بن أبي وقاص ( الكوفة ).
2- أبو موسى الأشعري ( البصرة ، الكوفة).
3- المغيرة بن شعبة ( الكوفة ، أذربيجان، أرمينيا).
4- عمرو بن العاص ( مصر).
5- جرير بن عبدالله البجلي ( قرقيسياء، همذان).
6- حبيب بن مسلمة الفهري( قنسرين ، أرمينيا).
7- عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ( حمص).
8- عبد الله بن سوار العبدي ( البحرين ).
9- عثمان بن أبي العاص الثقفي ( عمان ، البحرين).
10- الربيع بن زياد الحارثي ( سجستان).
11- قيس بن الهيثم السلمي ( خراسان).
12- يعلى بن أمية التميمي ( اليمن).
13- خالد بن العاص المخزومي (مكة).
14- عبد الله بن عمرو الحضرمي ( مكة).
15- عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي ( الجَنَد ، صنعاء).
16- أبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي ( الأردن).
17- علقمة بن حكيم الفراسي الكناني ( فلسطين).
18- عمير بن عثمان بن سعد ( خراسان).
19- عبد الله بن عمر الليثي ( سجستان).
20- عبد الرحمن بن غبيس ( كرمان).
21- عبيد الله بن معمر التميمي ( فارس).
22- أمين بن أحمر اليشكري ( خراسان).
23- عمران بن الفضيل البرجمي ( سجستان).
24- عاصم بن عمرو التميمي ( كرمان).
25- الحصين بن أبي البحر ( سواد البصرة).
26- الأحنف بن قيس ( مرو الشاهجان، مرو الروذ).
27- حبيب بن قرة اليربوعي ( بلخ).
28- خالد بن عبد الله بن زهير ( هراة).
29- الأشعث بن قيس ( أذربيجان).
30- سعيد بن قيس ( الري).
31- هرم بن حسان اليشكري ( على بعض مدن فارس ).
32- هرم بن حيان العبدي( على بعض مدن فارس ).
33- الخريت بن راشد ( على بعض مدن فارس ).
34- المنجاب بن راشد ( على بعض مدن فارس ).
35- الترجمان الهجيمي ( على بعض مدن فارس ).
36- النسير العجلي ( همذان ).
37- السائب بن الأقرع ( أصبهان).
38- مالك بن حبيب اليربوعي ( ماه ).
39- حكيم بن سلامة الحزامي ( الموصل).
40- سلمان بن ربيعة الباهلي ( الباب ، أرمينيا ).
41- عتيبة بن النهاس ( حلوان).
42- حبيش الأسدي ( ماسباذان).
43- حذيفة بن اليمان ( جوخي ، أرمينيا ، أذربيجان).
44- زيد بن ثابت ( نائب عثمان على المدينة ).
45- سبرة بن عمرو العنبري ( اليمامة).
46- عمير بن سعد الأنصاري ( حمص).
47- عبد الله بن قيس الفزاري ( على نواحي البحر من بلاد الشام).
أما أقرباء عثمان رضي الله عنه من الولاة فهم التالية أسماؤهم:
1- معاوية بن أبي سفيان ( الشام).
2- سعيد بن العاص ( الكوفة).
3- الوليد بن عقبة ( الكوفة ).
4- عبد الله بن عامر بن كريز ( البصرة ، فارس).
5- عبد الله بن سعد بن أبي السرح ( مصر).
6- عبد الرحمن بن سمرة ( سجستان).
7- علي بن عدي العبشمي ( مكة ).
8- مروان بن الحكم ( البحرين).(1/382)
من خلال هذا الحصر لأسماء الولاة نلاحظ أن عددهم يزيد عن الخمسين والياً ، في حين بلغ عدد أقرباء عثمان – رضي الله عنه – من أولئك الولاة ، ثمانية ولاة فقط ، وبنسبة تبلغ السبع تقريباً ، ومعظمهم من الصحابة الذين تقلدوا بعض المناصب قبل استخلاف عثمان – رضي الله عنه – ، ونسبة السبع تعد نسبة ضئيلة قياساً على كثرة أقرباء عثمان – رضي الله عنه – مما يدل على أنه كان يختار من يتوسم فيه الكفاءة الإدارية أو العسكرية منهم أو من غيرهم ، وذلك أن عهد عثمان – رضي الله عنه – كان عهد جهاد وفتوحات ، مما يستوجب تجنيد جميع طاقات الأمة وعدم تعطيلها.
وتولية الأقارب لم ينفرد بها عثمان – رضي الله عنه – وفي ذلك يقول ابن تيمية – رحمه الله : (وبالجملة فعامة من تولى الأمر بعد عمر كان يخص بعض أقاربه : إما بولاية ، وإما بمال).
وقال أيضاً : (ونحن لا ننكر أن عثمان – رضي الله عنه – كان يحب بني أمية ، كما أننا لا ننكر أن علياً ولى أقاربه).
وقال أيضاً : (ووجدنا علياً إذ ولي قد استعمل أقاربه : ابن عباس على البصرة ، وعبيد الله بن عباس على اليمن ، وقثماً و معبداً ابني العباس على مكة والمدينة ، وجعدة بن هببرة ، وهو ابن أخته أم هانئ بنت أبي طالب ، على خراسان ، ومحمد بن أبي بكر ، وهو ابن امرأته وأخو ولده ، على مصر).
وتولية عثمان – رضي الله عنه – أقاربه لم تمنعه من إقامة الحدود عليهم أو عزلهم إن أذنبوا ، فقد أقام حد الخمر على الوليد بن عقبة – رضي الله عنه – وعزله عن الكوفة ، كما أنه عزل سعيد بن العاص – رضي الله عنه – عن الكوفة حين أخرجه منها بعض أهلها وعين عليهم من يحبون !
وقد علق ابن تيمية – رحمه الله – على هذه المسألة بقوله: (مجرد إخراج أهل الكوفة لا يدل على ذنب يوجب ذاك ، فإن القوم كانوا يقومون على كل والٍ ، قد قاموا على سعد بن أبي وقاص وهو الذي فتح البلاد ، وكسر جنود كسرى ، وهو أحد أهل الشورى ، ولم يتول عليهم نائب مثله ، وقد شكوا غيره مثل عمار بن ياسر ، وسعيد بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، وغيرهم ، ودعا عليهم عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقال : (اللهم إنهم قد لبّسوا علي فلبّس عليهم).
وإذا قدر أنه أذنب ذنباً ، فمجرد ذلك لا يوجب أن يكون عثمان راضياً بذنبه ، ونواب علي قد أذنبوا ذنوباً كثيرة ، بل كان غير واحد من نواب النبي صلى الله عليه وسلم يذنبون ذنوباً كثيرة ، وإنما يكون الإمام مذنباً إذا ترك ما يجب عليه من إقامة حد ، أو استيفاء حق ، أو اعتداء ، ونحو ذلك).
الدكتور خالد بن محمد الغيث
==============
مطاعن الشيعة في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها والرد عليها
1. ... موقف الشيعة من أم المؤمنين رضي الله عنها وفتنة الجمل - 2
2. ... خروجها من بيتها التي أمرها الله بالاستقرار فيه بقوله تعالى { وقرن في بيوتكن ولا تبرّجْنَ تبرُّج الجاهليةِ الأُلى }
3. ... إدعائهم أنها فرحت مقتل عثمان - 2
4. ... مطاعن أخرى للشيعة في أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها والرد عليها
5. ... موقف الشيعة من عائشة رضي الله عنها في حديث : ها هنا الفتنة
مبحث مطاعن التيجاني في أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر والرد عليه في ذلك
أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها شرفها الله سبحانه بأن تكون زوجة لخير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم نالت من هذا المجترىء الكذّاب أشد المطاعن وأعظمها وها أنا سوف أسرد هذه المطاعن راداً عليه وذاباً عن خير نساء الأرض التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم (( فضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام ))(1)، وقال لها (( إنه لَيُهوَّن عليَّ الموت أنْ أُريتُكِ زوجتي في الجنة، يعني عائشة ))(2) فأقول وبالله التوفيق:
أولاً ادعى التيجاني على عائشة أنها أول من غير في الصلاة وقد فندت هذه الحجة المكذوبة في موضعها فلتراجع(3).
ثانياً ادعاء التيجاني على عائشة في الفتنة والرد عليه في ذلك:(1/383)
يقول التيجاني (( ونتساءل عن حرب الجمل التي أشعلت نارها أم المؤمنين عائشة إذ كانت هي التي قادتها بنفسها، فكيف تخرج أم المؤمنين عائشة من بيتها التي أمرها الله بالإستقرار فيه بقوله تعالى { وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى }. ونسأل بأي حق استباحت أم المؤمنين قتال خليفة المسلمين علي بن أبي طالب. وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة. وكالعادة وبكل بساطة يجيبنا علماؤنا بأنها لا تحب الإمام علياً لأنه أشار على رسول الله بتطليقها في حادثة الفك، ويريد هؤلاء إقناعنا بأن هذه الحادثة ( إن صحّت ) وهي إشارة علي على النبي بتطليقها كافية بأن تعصي أمر ربّها وتهتك ستراً ضربه عليها رسول الله، وتركب جملاً نهاها رسول الله أن تركبه وحذّرها أن تنبحها كلاب الحواب، وتقطع المفاسات البعيدة من المدينة إلى مكة ومنها إلى البصرة، وتستبيح قتل الأبرياء ومحاربة أمير المؤمنين والصحابة الذين بايعوه، وتسبّب في قتل ألوف المسلمين كما ذكر ذلك المؤرخون كل ذلك لأنها لا تحبّ الإمام علياً الذي أشار بتطليقها ومع ذلك لم يطلقها النبي ))(4)، أقول:
1 إن أهل السنة في هذا الباب وغيره قائمون بالقسط شهداء لله، وقولهم حق وعدل لا يتناقض. وأما الرافضة ففي اقوالهم من التناقضات الشيء الكثير وقد ذكرنا أمثلة كثيرة من كتاب التيجاني نفسه وذلك أن أهل السنة عندهم أن أهل بدر كلهم في الجنة، وكذلك أمهات المؤمنين: عائشة وغيرها، وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وطلحة والزبير هم سادات أهل الجنة بعد الأنبياء، وأهل السنة يقولون: إن أهل الجنة ليس من شرطهم سلامتهم عن الخطأ، بل ولا عن الذنب، بل يجوز أن يذنب الرجل منهم ذنباً صغيراً أو كبيراً ويتوب منه، وهذا متفق عليه بين المسلمين.وإذا كان هذا أصلهم فيقولون: ما يذكر عن الصحابة من السيئّات كثير منه كذب، وكثير منه كانوا مجتهدين فيه، ولكن لم يعرف كثير من الناس وجه اجتهادهم، وما قدّر أنه كان فيه ذنب من الذنوب لهم فهو مغفور لهم: إما بتوبة، وإما بحسنات ماحية، وإما بمصائب مكفّرة، وإما بغير ذلك، فإنه قد قام الدليل الذي يجب القول بموجبه: أنهم من أهل الجنة، فامتنع أن يفعلوا ما يوجب النار لا محالة، وإذا لم يمت أحد منهم على موجب النار لم يقدح ما سوى ذلك في استحقاقهم الجنة. ونحن قد علمنا أنهم من أهل الجنة، ولو لم يعلم أن أولئك المعينين في الجنة لم يجز لنا أن نقدح في استحقاقهم للجنة بأمور لا نعلم أنها توجب النار، فإن هذا لا يجوز في آحاد المؤمنين الذين لم يعلم أنهم يدخلون الجنة، ليس لنا أن نشهد لأحد منهم بالنار لأمور محتملة لا تدل على ذلك، فكيف يجوز مثل ذلك في خيار المؤمنين، والعلم بتفاصيل أحوال كل واحد منهم باطناً وظاهراً وحسناته وسيئاته واجنهاداته، أمر يتعذر علينا معرفته؟! فكان كلامنا في ذلك كلاماً فيما لا نعلمه، والكلام بلا علم حرام، ولهذا كان الإمساك عما شجر بين الصحابة خيراً من الخوض في ذلك بغير علم بحقيقة الأحوال، إذ كان كثير من الخوض في ذلك أو أكثره كلاماً بلا علم، وهذا حرام لو لم يكن فيه هوىً ومعارضة الحق المعلوم، فكيف إذا كان كلاماً بهوىً يطلب فيه دفع الحق المعلوم؟! فمن تكلّم بهذا الباب بجهل أو بخلاف ما يعلم من الحق كان مستوجباً للوعيد، ولو تكلّم بحق لقصد إتباع الهوى لا لوجه الله تعالى، أو يعارض به حقاً آخر لكان أيضاً مستوجباً للذّم والعقاب، ومن علم ما دل عليه القرآن والسنة من الثناء على القوم، ورضى الله عنهم واستحقاقهم الجنة وأنهم خير هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، لم يعارض هذا المتيَقَّن المعلوم بأمور مشتبهه: منها مالا يعلم صحته ومنها ما يتبين كذبه، ومنها مالا يعلم كيف وقع ومنها ما يعلم عذر القوم فيه، ومنها ما يعلم توبتهم منه، ومنها ما يعلم أن لهم من الحسنات ما يغمره، فمن سلك سبيل أهل السنة استقام قوله وكان من أهل الحق والاستقامة والاعتدال، وإلا حصل في جهل وكذب وتناقض كحال هؤلاء الضلال ))(5).
2 أما أن عائشة أشعلت حرب الجمل فهذا من أبين الكذب، لأن عائشة لم تخرج للقتال، بل خرجت للإصلاح بين المسلمين واعتقدت في خروجها مصلحة ثم ظهر لها أن عدم خروجها هو الأسلم لذلك ندمت على خروجها، وثبت عنها أنها قالت (( وددت أني كنت غصنا رطباً ولم أسر مسيري هذا ))(6) وعلى فرض أن عائشة قاتلت عليّ مع طلحة والزبير، فهذا القتال يدخل في قوله تعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداها على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويْكُم } ( الحجرات 9 10 ) فأثبت لهم الإيمان مع أنهم قاتلوا بعضهم بعضاً وإذا كانت هذه الآية يدخل فيها المؤمنين فالأولى دخول هؤلاء المؤمنون أيضاً.(1/384)
3 أما قوله ( فكيف تخرج أم المؤمنين عائشة من بيتها التي أمرها الله بالاستقرار فيه بقوله تعالى { وقرن في بيوتكن ولا تبرّجْنَ تبرُّج الجاهليةِ الأُلى } ) فجواباً على ذلك أقول:
أ أن عائشة رضي الله عنها بخروجها هذا لم تتبرج تبرّج الجاهلية الأولى!
ب (( والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للحج والعمرة أو خرجت مع زوجها في سفرة، فإن هذه الآية نزلة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقد سافر بهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، كما سافر في حجة الوداع بعائشة رضي الله عنها وغيرها، وأرسلها مع عبد الرحمن أخيها فأردفها خلفه، وأعمرها من التنعيم، وحجة الوداع كانت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأقل من ثلاثة أشهر بعد نزول هذه الآية، ولهذا كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يحججن كما كنّ يحججن معه في خلافة عمر رضي الله عنه وغيره، وكان عمر يوكل بقطارهن عثمان أو عبد الرحمن بن عوف، وإذا كان سفرهن لمصلحة جائزاً فعائشة اعتقدت أن ذلك السفر مصلحة للمسلمين، فتأولت في ذلك ))(7).
4 أما ادعاؤه أن عائشة استباحت قتال عليّ بن أبي طالب لأنها لا تحب علياً، والسبب أنه أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بتطليقها في الإفك وأن هذا هو جواب علماء أهل السنة! فأقول:
أ إذا كان هذا هو جواب علماء اهل السنة فهلاّ سقت لنا يا تيجاني قولاً لواحد منهم أم أن الكذب تجاوز معك أعلى الحدود، بحيث لا تذكر قضية إلا وتُطَعِّمَها بالباطل والبهتان.
ب وأما حديث الإفك الذي برّأ الله فيه أم المؤمنين من فوق سبعة أعظم، ففي جزء منه يطلب النبي صلى الله عليه وسلم استشارة بعض أصحابه في فراق عائشة فيكون رأي عليّ بقوله (( لم يضيّق الله عليك والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك ))(8) وعليّ بقوله هذا لم يشر عليه بترك عائشة لشيء فيها معاذ الله ولكنه لما رأى شدّة التأثر والقلق على النبي صلى الله عليه وسلم فأحب راحته فأشار عليه بذلك وهو يعلم أنه يمكن مراجعتها بعد التحقق من براءتها، أو بسؤال الجارية لأن في ذلك راحة له أيضاً ولم يجزم عليه بفراقها وهذا واضح من كلام عليّ رضي الله عنه، لذلك يقول ابن حجر (( وهذا الكلام الذي قاله علي حمله عليه ترجيح جانب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى عنده من القلق والغم بسبب القول الذي قيل، وكان صلى الله عليه وسلم شديد الغيرة فرأى عليّ أنه إذا فارقها سكن ما عنده من القلق بسببها إلى أن يتحقق براءتها فيمكن رجعتها ويستفاد منه ارتكب أخف الضررين لذهاب أشدهما ))(9) ويقول النووي (( هذا الذي قاله عليّ رضي الله عنه هو الصواب في حقه، لأنه رآه مصلحة ونصيحة للنبي صلى الله عليه وسلم في اعتقاده، ولم يكن ذلك في نفس الأمر لأنه رأى انزعاج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر وتقلقه فأراد راحة خاطره وكان ذلك أهم من غيره ))(10)، وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة (( لم يجزم عليّ بالإشارة بفراقها لأنه عقب ذلك بقوله ( سل الجارية تصدقك ) ففوض الأمر في ذلك إلى نظر النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه قال: إن أردت تعجيل الراحة ففارقها، وإن أردت خلاف ذلك فابحث عن حقيقة الأمر إلى أن تطلع براءتها، لأنه كان يتحقق أن بريرة لا تخبره إلا بما علمته، وهي لم تعلم من عائشة إلا البراءة المحضة))(11).
5 أما قوله ( ويريد هؤلاء إقناعنا بأن هذه الحادثة إن صحت وهي إشارة علي على النبي بتطليقها كافية بأن تعصي أمر ربها وتهتك ستراً ضربه عليها رسول الله، وتركب جملاً نهاها رسول الله ان تركبه وحذّرها ان تنبحها كلاب الحوأب، وتقطع المسافات البعيدة من المدينة إلى مكة ومنها إلى البصرة، وتستبيح قتل الأبرياء ومحاربة أمير المؤمنين والصحابة الذين بايعوه، وتسبب في قتل ألوف المسلمين كما ذكر ذلك المؤرخون ) ويشير بالهامش إلى هؤلاء المؤرخين ( الطبري وابن الأثير والمدائني وغيرهم من المؤرخين الذين أرّخوا حوادث سنة ست وثلاثين للهجرة)(12)، وجواباً على ذلك أقول:(1/385)
أ لو راجعنا تاريخ الطبري الذي أرّخ حوادث سنة ست وثلاثين للهجرة لما وجدناه يروي عن هذه الحادثة مثل ما يقول هذا التيجاني، مع أنه يذكر الكثير من الروايات التي تتحدث عن وقعة الجمل فيروي خلاف ما يقوله التيجاني ويثبت أن عائشة جاءت مع طلحة والزبير من أجل الإصلاح، فيذكر أن علياً يبعث القعقاع بن عمرو إلى أهل البصرة يستفسرهم عن سبب خروجهم ((... فخرج القعقاع حتى قدم البصرة، فبدأ بعائشة رضي الله عنها فسلم عليها، وقال: أي أُمّة، ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت: أي بنيّة إصلاحٌ بين الناس، قال: فابعثي إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما، فبعثت إليهما فجاءا، فقال: إني سألت أم المؤمنين: ما أشخصها وأقدمها هذه البلاد؟ فقالت: إصلاح بين الناس، فما تقولان أنتما؟ أمتبعان أم مخالفان؟ قالا: متابعان ))(13)، ويثبت أن المتسببين بقتل الألوف من المسلمين هم قتلة عثمان فيقول (( فلما نزل الناس واطمأنوا خرج عليّ وخرج طلحة والزبير فتوافقوا وتكلموا فيما اختلفوا فيه، فلم يجدوا أمراً هو أمثل من الصّلح ووضع الحرب حين رأوا الأمر قد أخذ في الانقشاع، وأنه لا يُدرك، فافترقوا عن موقفهم على ذلك، ورجع علي إلى عسكره، وطلحة والزبير إلى عسكرهما، وبعث علي من العشيّ عبد الله بن عباس إلى طلحة والزبير، وبعثاهما من العشيّ محمد بن طلحة إلى عليّ، وأن يكلم كل واحد منهما أصحابه، فقالوا: نعم، فلما أمْسوا وذلك في جمادة الآخرة أرسل طلحة والزبير إلى رؤساء أصحابهما، وأرسل عليّ إلى رؤساء أصحابه، ما خلا أولئك الذين هضُّموا عثمان، فباتوا على الصلح، وباتوا بليلةلم يبيتوا مثلها للعافية من الذي أشرفوا عليه، والنُّزوع عما اشتهى الذين اشتهوا، وركبوا ماركبوا، وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشرّ ليلة باتوها قطّ، قد أشرفوا على الهَلَكة، وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلّها، حتى اجتمعوا على إنشاب الحرب في السرّ، واستسرّوا بذلك خشية أن يفطن بما حاولوا من الشرّ، فغدوا مع الغلَس، وما يشعر بهم جيرانهم، انسلّوا إلى ذلك الأمر انسلالاً، وعليهم ظلمة، فخرج مُضَريُّهم إلى مُضرِيِّهم، ورَبعيَهم إلى رَبعيِّهم، ويمانيُّهم إلى يمانيِّهم، فوضعوا فيهم السلاح، فثار أهل البصرة، وثار كل قوم في وجوه أصحابهم الذين بَهَتوهم. ...))(14)، وقال الطبري أيضاً (( وقالت عائشة: خلّ يا كعب عن البعير، وتقدّم بكتاب الله عزّ وجل فادعهم إليه، ودفعت إيه مصحفاً. وأقبل القوم وأمامهم السبئيّة يخافون أن يجري الصلح، فاستقبلهم كعب بالمصحف، وعليّ من خلفهم يَزَعُهم ويأْبون إلا إقداما، فلما دعاهم كعب رشَقوه رِشقاً واحداً، فقتلوه، ورمَوا عائشة في هودجها، فجعلت تنادي: يا بنيَّ، البقيَّة البقيَّة ويعلو صوتها كثرة الله الله، اذكروا الله عز وجلّ والحساب، فيأْبون إلا إقداماً، فكان أوّل شيء أحدثته حين أبوْا قالت: أيُّها الناس، العنوا قتلة عثمان وأشياعهم، وأقْبلت تدعو. وضجّ أهل البصرة بالدعاء، وسمع عليُّ بن أبي طالب الدعاة فقال: ما هذه الضجّة؟ فقالوا: عائشة تدعو ويدعون معها على قتلة عثمان وأشياعهم، فأقبل يدعو ويقول: اللهم العنْ قتلةَ عثمان وأشياعهم ))(15)، وهذا هو ما أرخه أيضاً ابن الأثير في تاريخه ولم أجد كتاب المدائن، ويعضد هذه الحقيقة الروايات الصحيحة التي تثبت أن عائشة والزبير وطلحة وعليّ لم يكونوا يريدون قتال بعضهم بعضاً، ولذلك ندمت عائشة على مسيرها وقالت (( وددت أني غصناً رطباً ولم أسر مسيري هذا ))(16)، وقالت أيضاً (( وددت أني كنت ثكلت عشرة مثل الحارث بن هشام وأني لم أسر مسيري مع ابن الزبير ))(17)، فلو كانت تريد القتال دون الإصلاح فلماذا الندم؟!
ثم يقول (( فلماذا كل هذه الكراهية وقد سجّل المؤرخون لها مواقف عدائية للإمام عليّ لا يمكن تفسيرها، فقد كانت راجعة من مكة عندما أعلموها في الطريق بأن عثماناً قتل ففرحت فرحاً شديداً ولكنَّها عندما علمت أن الناس قد بايعوا علياًّ غضبت وقالت: وددت أن السماء انطبقت على الأرض قبل أن يليها ابن أبي طالب وقالت ردّوني وبدأت تشعل نار الفتنة للثورة على علي الذي لا تريد ذكر اسمه كما سجّله المؤرخون عليها، أفلم تسمع أم المؤمنين قول الرسول (ص): ( بأن حبّ علي إيمان وبغضه نفاق ) حتى قال بعض الصحابة ( كنا لا نعرف المنافقين إلا ببغضهم لعلي ) أولم تسمع أم المؤمنين قول النبي ( من كنت مولاه فعلي مولاه )... أنها لا شك سمعت كل ذلك ولكنها لا تحبه ولا تذكر اسمه بل إنها لما سمعت بموته سجدت شكراً لله ))(18)، فأقول:(1/386)
1 قوله بأن عائشة فرحت بقتل عثمان فرحاً شديداً لا يدل إلا كذبه كذباً أكيداً! فلم يقل أحد من أهل التاريخ ذلك بل أثبتوا جميعاً أن عائشة ما خرجت إلا للقصاص من قتلة عثمان، وأنا أتساءل؟ إذا كانت عائشة فرحت لمقتل عثمان فلماذا خرجت؟ هل خرجت من أجل منع علي بن أبي طالب من تولي الخلافة؟! التيجاني يقول نعم! وإذا سئل عن السبب فسيقول بأنها تكرهه لأنه أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بتطليقها؟! فأقول له إذا كانت عائشة تكره علياًّ فكيف نفسّر خروج الآلاف معها؟! فهل هناك سبب منطقي عند التيجاني يبين فيه سبب موافقة هؤلاء الناس لعائشة؟ أم هؤلاء يكرهونه أيضاً؟ فإذا أجاب بنعم، فأسأله.. هل من سبب لهذا الكره؟ فإن كان يملك جواباً فحيهلا، وإذا لم يملك لذلك جواباً فأُبشِّرُهُ أنه من أضل الناس!!
2 يدعي التيجاني أن المؤرخين سجلوا على عائشة أنها لا تريد ذكر اسم علي، وأنا أسأله من هؤلاء المؤرخون؟ فهل تستطيع أن تحددهم لنا حتى نعرف الصادق من الكاذب؟ وما هي المراجع التي عوَّلت عليها؟ ولكن الصحيح المعلوم أن عائشة ذكرت علي بملأ فمها، فعن شريح بن هانئ قال (( سألت عائشة عن المسح فقالت: إئت علياً فهو أعلم مني قال: فأتيت عليا فسألته عن المسح على الخفين قال: فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نمسح على الخفين يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثاً ))(19)، كما أخرج مسلم بسنده إلى شريح بن هانئ قال (( أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت: عليك بابن أبي طالب فسله ...ألخ ))(20).
3 ثم يذكر حديثان في فضل علي ويقول ( أولم تسمع أم المؤمنين قول النبي ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) .. أنها لا شك سمعت كل ذلك ولكنها لا تحبه ولا تذكر اسمه بل أنها لما سمعت بموته سجدت لله شكراً )!! ، فأقول:
أ لقد قلت بأن عائشة لا تبغض علياً ولكنها خالفته لا لشيء إنما للطلب بدم عثمان ولم تذهب لقتاله بل ذهبت من أجل الإصلاح بين الناس لذلك ذهبت تحت رغبة الناس في محاولة للإصلاح ويذكر ابن العماد في ( شذرات الذهب ) (( وحين وصل علي إلى البصرة، جاء إلى عائشة وقال لها: غفر الله لك، قالت: ولك، ما أردت إلا الإصلاح ))(21)، ويوضح ابن العربي ذلك بقوله (( وأما خروجها إلى حرب الجمل، فما خرجت لحرب ولكن تعلّق الناس بها وشكوا إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة، وتهارج الناس ورجوا بركتها في الإصلاح، وطمعوا في الاستحياء منها إذا وقفت إلى الخلق، وظنّت هي ذلك فخرجت عاملة بقول الله تعالى { لا خير في كثير من نجواهم }...الآية، { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } ))(22)، ونقل ابن حبان (( أن عائشة كتبت إلى أبي موسى وهو والي الكوفة من قبل عليّ : إنه قد كان من أمر عثمان ما قد علمت، وقد خرجت مصلحة بين الناس، فمر من قبلكم بالقرار في منازلهم والرضا بالعافية حتى يأتيهم ما يحبّون من صلاح أمر المسلمين ))(23).
فهذا هو سبب خروج عائشة وليس بسبب بغضها لعلي فهذا من الكذب المكشوف الذي لا يستند إلى أي دليل صحيح.
ب أما قوله (( ... بل أنها لما سمعت بموته سجدت شكراًلله )) ثم يشير بالهامش إلى المراجع التي استقى منها ادعاؤه هذا وهي (( الطبري وابن الأثير والفتنة الكبرى وكل المؤرخين الذين أرخوا حوادث سنة أربعين للهجرة ))(24)، فرجعت إلى الطبري وابن الأثير في حوادث سنة أربعين فلم أر لهذه الدعوى أثراً فلله أبوه ما أكذبه!
ثم يهذي فيقول (( ونفس السؤال يعود دائماً ويتكرر أيهم علىالحق وأيهم على الباطل، فإما أن يكون علي ومن معه ظالمين وعلى غير الحق، وإما أن تكون عائشة ومن معها وطلحة والزبير ومن معهم ظالمين وعلى غير الحق وليس هناك احتمال ثالث، والباحث المنصف لا أراه إلا مائلاً لأحقّية علي الذي يدور الحق معه حيث دار، نابذاً فتنة ( أم المؤمنين عائشة ) وأتباعها الذين أوقدوا نارها وما أطفؤوها حتى أكلت الأخضر واليابس وبقيت آثارها إلى اليوم. ولمزيد البحث وليطمئن قلبي أقول أخرج البخاري في صحيحة من كتاب الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر، قال: لمّا سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث علي عمار بن ياسر والحسن بن علي فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمّار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه فسمعت عماراً يقول: أنّ عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي ))(25)، أقول:(1/387)
أ بل هناك احتمال ثالث وهو أن الطرفين قد اجتهدا للوصول للحق ولم يكن أي من الطرفين ظالماً لأن فتنة قتل عثمان فرقت الأمة إلى فرقتين فرقة ترى وجوب قتل قتلة عثمان على الفور وهم طلحة والزبير وعائشة وفرقة ترى وجوب قتل قتلة عثمان ولكن يجب التروي في ذلك حتى تتمكن الوصول لهذا الهدف لأن هؤلاء القتلة كانت لهم قبائل تدفع عنهم وهو رأي علي وأصحابه وهؤلاء القتلة هم المتسببون في وقعة الجمل وليس لكلا الفرقتين أي تسبب في إشعال المعركة كما بينت سابقا.ً
ب أما رواية البخاري التي اطمأن بها قلب التيجاني فهي من أعظم الدلائل على فضل عائشة ولكن ماذا نقول عن جاهل يحتج على أهل السنة بروايات هي حجة عليه وعلى شيعته من قبل أن تكون حجة على أهل السنة ففي الحديث يشهد عمار لأم المؤمنين رضي الله عنهما بأنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة! أي في الجنة؟! فهل من فضل ومكرمة أعظم من ذلك وهل استحقت هذا الفضل العظيم إلا برضى الله سبحانه عنها ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، أما بالنسبة لقول عمار فإنه من أنصار علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأراد حث الناس للخروج مع علي ولكنهم ترددوا لأن أم المؤمنين كانت في الطرف المقابل لعلي، فبين لهم أنّ الحق مع علي لأنه الخليفة، ويجب أن يطاع كما أمركم الله سبحانه وذلك قبل المطالبة بالقصاص من قتلة عثمان كما ترى أم المؤمنين ولا شك أن أم المؤمنين وطلحة والزبير كانوا يرون أن المطالبة بالقصاص من قتلة عثمان قبل الخضوع لخلافة علي هو أمر الله سبحانه وتعالى أيضاً كما بينت ذلك لعثمان بن حنيف عندما بعث يسألها عن مسيرها فقالت (( والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم ولا يغطّي لبنيه الخبر، إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزّاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثوا فيه الأحداث، وآووْا فيه المحدثين، واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا تِرَة ولاعذر، فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه، وانتهبوا المال الحرام وأحلّوا البلد الحرام والشهر الحرام، ومزّقوا الأعراض والجلود، وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم ضارّين مضرّين، غير نافعين ولا متقين، لا يقدرون على امتناع ولا يأمنون، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا، وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا. وقرأت { لا خير في كثير من نجْواهُم إلا من أمَرَ بِصدقَةٍ أو معْرُوف أو إصلاحٍ بين النَّاس } ننهض في الإصلاح من أمر الله عز وجل وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصغير والكبير والذكر والأنثى، فهذا شأننا إلى معروفٍ نأمركم به، ومنكر ننهاكم عنه، ونحثّكم على تغييره ))(26)، هذا وإذا أضفنا إلى ذلك أن أوّل من رشّح علياً للخلافة هم هؤلاء الغوغاء، وأنهم في جيش عليّ، ومن هنا يتضح أن كل طرف ظن أن الحق معه، وتأوّل خطأ الآخر وخرج الطرفان للإصلاح كما بينت، ولم يكونا يريدان القتال ولكنه وقع، فلله الأمر من قبل ومن بعد.
ثم يتخرّص فيقول (( كما أخرج البخاري أيضاً في كتاب الشروط باب ما جاء في بيوت أزواج النبي، قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال ههنا الفتنة، ههنا الفتنة، ههنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان ))(27)، قلت:
1 فتحت البخاري كتاب الشروط فلم أجد الباب المذكور من ضمن كتاب الشروط، بل الحديث موجود في أبواب الخمس، وهذا يدل أن هذه الشبهة لقّنت له تلقيناً!
2 والتيجاني يحتج بهذا الحديث على أن عائشة هي مصدر الفتن!؟ وهذا ادعاء ظاهر البطلان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد المشرق، ولو أراد بيت عائشة لقال الراوي ( إلى ) وليس ( نحو )، وفي رواية مسلم عن ابن عمر (( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة فقال: رأس الكفر من ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان، يعني المشرق ))(28)، وعن ابن عمر أيضاً (( أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق يقول: ألا إن الفتنة ها هنا، ألا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان ))(29) وحتى أقطع الشك باليقين أذكر رواية مسلم أيضاً عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عند باب حفصة ( وفي رواية عبيد الله بن سعيد: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند باب عائشة ) فقال بيده نحو المشرق (( الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان، قالها مرتين أو ثلاثاً ))(30) وأظن أنه قد ظهر الحق للعيان وافتضح أولياء الشيطان!
ثم يقول (( كما أخرج البخاري في صحيحه عنها أشياء عجيبة وغريبه في سوء أدبها مع النبي حتى ضربها أبوها فأسال دمها وفي تظاهرها على النبي حتى هدّدها الله بالطلاق وأن يبدله ربه خيراً منها وهذه قصص أخرى يطول شرحها ))(31)، فأقول:(1/388)
1 أما قوله بأن البخاري أخرج في صحيحه ما يفيد سوء أدب عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأن أبا بكر ضربها حتى أسال دمها فهذا من الكذب الرخيص، إلا فلْيُرنا موضع هذه الرواية في صحيح البخاري ثم بعد ذلك فليخرج ما في قلبه من أوضار!
2 أما قوله ( وفي تظاهرها على النبي صلى الله عليه وسلم حتى هددها الله بالطلاق وأن يبدله ربه خيراً منها ) فأجيب:
أ قلت غير مرّة أن كل إنسان غير معصوم في الواقع من الذنوب، بل معرّض للوقوع في الذنوب الكبيرة والصغيرة، خلا النبي صلى الله عليه وسلم فلو وقع أحد في الذنب، عائشة أو غيرها، فليس ذلك بمستغرب لأنه ليس لأحد العصمة من ذلك، فليس من المقبول ولا من المعقول أن يجعل التيجاني من ذنبٍ وقعت فيه عائشة وتابت منه من مساوئها، ويطعن عليها وكأنها جاءت أمراً إدّا، بالضبط عندما أراد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن يتزوج بنت أبي جهل مع فاطمة فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال في الحديث (( إن بني هاشم بن مغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لاآذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد بن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم...))(32)، وهذا كما ترى تهديد من النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ بتطليق فاطمة، إن هو أقدم على ذلك، فليس من المعقول أن يجعل هذا الأمر من مطاعن ومساوىء عليّ! إلا من هو من أشد الناس جهلاً؟
ب أما قوله أن الله هددها بالطلاق وأن يبدله أي محمد صلى الله عليه وسلم خيرٌ منها فغير صحيح فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عمر رضي الله عنه قال (( اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلّقكن أن يبدله أزواجاً خير منكن فنزلت هذه الآية ))(33) فالآية كما هو ظاهر ليست تهديداً وإنما تخيير من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في التطليق لذلك سميت آية التخيير، إضافة إلى أنها لا تخص عائشة وحدها بل تشمل أيضاً بقية زوجاته، وعلى فرض أن الآية تخص عائشة وقد هدّدها الله بالطلاق فأقول هل في تهديد النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بتطليق فاطمة ما يعتبر ذمّاً؟! فإن كان كذلك فكل ما تُحَمِّله لعائشة من الطعن فسيصيب عليّ، وإن اعتبرت أن علي أخطأ مجرّد خطأ ورجع عنه وليس فيه ما يطعن عليه، فعائشة مثله تماماً فاختر ما شئت يا تيجاني!؟
ثم يتطاول في هذيانه فيقول (( وبعد كل هذا أتساءل كيف استحقت عائشة كل هذا هذا التقدير والاحترام من أهل السنة والجماعة، ألأنها زوج النبي، فزوجاته كثيرات وفيهن من هي أفضل من عائشة بتصريح النبي نفسه ويشير بالهامش إلى الترمذي والاستيعاب والإصابة ثم يقول ... أم لأنها ابنة أبي بكر! أم لأنها هي التي لعبت الدور الكبير في إنكار وصيّة النبي لعليّ حتى قالت عندما ذكروا عندها أن النبي أوصى لعلي: قالت من قاله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وإني لمسندته إلى صدري فدعا بالطست فانحنت فمات فما شعرتُ فكيف أوصى إلى علي ))(34). فأقول لهذا الشانئ:
1 عائشة استحقّت كل هذا التقدير والاحترام وأكثر، من أهل السنة والجماعة لأنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم الطيب الذي اختارها لأن تكون زوجة له لأنها طيبة أيضاً والله سبحانه يقول { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، أولئك مبرّءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم } ( النور 26) قال (( مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والشعبي والحسن البصري وحبيب بن أبي ثابت والضحاك: نزلت في عائشة وأهل الإفك، واختاره بن جرير الطبري ))(35)وقوله { أولئك مبرءون مما يقولون } : أي هم بعداء عما يقوله أهل الإفك والعدوان ))(36) وعندما يحاول التيجاني إثبات أن عائشة خبيثة ألا يعتبر هذا من أعظم المطاعن في النبي صلى الله عليه وسلم؟! فكيف لا والله يقول { الخبيثات للخبيثين...}!!؟ ونقدرها لأنها أمنا في الإيمان فالله يقول { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم ..} ( الأحزاب5 )(1/389)
2 أما قوله (( ألأنها زوج النبي، فزوجاته كثيرات وفيهن من هي أفضل من عائشة بتصريح النبي نفسه )) ثم يشير بالهامش إلى الترمذي والاستيعاب والإصابة...(37)، فأقول فتحت سنن الترمذي على أبواب الفضائل (باب) فضل عائشة فوجدت هذا الحديث عن (( عائشة قالت: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت: فاجتمع صواحباتي إلى أم سلمة فقلن: يا أم سلمة: إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير، كما تريد عائشة، فقولي لرسول الله يأمر الناس يهدون إليه أين ما كان. فذكرت ذلك أم سلمة، فأعرض عنها، ثم عاد إليها فأعادت الكلام، فقالت: يا رسول الله إنّ صواحباتي قد ذكرن أن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة فأمرِ الناس يهدون أين ما كنت، فلما كانت الثالثة قالت ذلك: قال: ( يا أم سلمة لا تُؤذيني في عائشة، فإنّهُ أنزل علي الوَحيَ وأنا في لِحافِ امرأَةٍ منْكُنَّ غيرها ) ))(38)، وعن عمرو بن العاص (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته فقلت: ( يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها ) ))(39)، وعن أنس قال (( قيل يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قيل من الرجال؟ قال: أبوها ))(40)، وعن عبد الله بن زياد الأسدي قال (( سمعت عمار بن ياسر يقول: هي زوجته في الدنيا والآخرة يعني: عائشة ))(41)، وعن انس بن مالك (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فضل عائشة على النساء، كَفَضلِ الثَّريدِ على سائِرِ الطَّعام ))(42)، وعن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ جِبْرَائيلَ يَقْرَأ عَلَيْكِ السلام، فقلت: وعليه السلام ورحمة الله ))(43)،عن أبي موسى قال (( ما اشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط، فسألنا عائشة، إلا وجدنا عندها منه علماً ))(44)، عن موسى بن طلحة قال (( ما رأيت أحداً أفصح من عائشة ))(45)، ثم فتحت باب فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت هذا الحديث عن صفية بنت حيي قالت: (( دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم+، وقد بلغني عن حفصة وعائشة كلام، فذكرت ذلك له، فقال: ( ألا قلتِ: وكيف تكونان خيرا منِّي، وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى ) وكأن الذي بلغها أنهم قالوا: نحن أكرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وقالوا: نحن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبنات عمه ))(46)، هذه هي الأحاديث الواردة في فضل عائشة وصفية فأقول:
أ لا شك أن عائشة أفضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم لتضافر الأدلة الصريحة في ذلك والصحيحة من أصح كتب الحديث أمثال البخاري ومسلم.
ب بالنسبة لحديث صفية فليس فيه ما يظهر أنها أفضل من عائشة أو حفصة لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال لها ما قال أراد إسترضائها في مقابل ما ذكرته عائشة وحفصة في حقها بخلاف الأحاديث الصريحة التي يؤكد فيها النبي صلى الله عليه وسلم فضل عائشة على جميع نسائه.
ت أقول ذلك على فرض صحة حديث صفية ولكن الحديث ضعيف الإسناد ف((هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث هاشم الكوفي، وليس إسناده بذلك))(47)، وأما الاستيعاب فقد ذكر في ترجمتها نفس الحديث المذكور ولم يذكر غير ذلك(48) وأما في ترجمة عائشة فقد ذكر في فضائلها الكثير فأثبت أنها من أعلم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيروى عن الزهري قوله (( لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل ))(49)، ثم ساق في إثبات أنها أحب النساء وأفضلهن عند النبي صلى الله عليه وسلم حديث عمرو بن العاص، وحديث أنس اللذان سبقا قبل قليل(50). وأما الإصابة فكل الروايات التي ذكرها بالتغاضي عن صحتها لا يوجد بها حديث واحد فيه التصريح بتفضيل حفصة على عائشة إلا الحديث السابق(51).
3 أما قوله (( أما لأنها لعبت الدور الكبير في إنكار وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعلي حتى قالت ثم ذكر الحديث ... الخ ))، فأقول:
أ لم تلعب عائشة رضي الله عنها الدور الكبير في إنكار وصية النبي صلى الله عليه وسلم كما يدعي هذا التيجاني فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لعلي حقاً لما كانت عائشة تستطيع الإنكار أمام الأمة، ولكنها قالت ما تعرفه هي حسب علمها وهو أن النبي مرض وتوفّي عندها ولم تسمع في هذه القضية منه أي شئ.
ب إذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصي، لا بد أن يذكر ذلك أمام الناس ولا يكتفي بذكره عند امرأته، والتيجاني يدعي أن الأدلة على أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لعلي بالخلافة مستفيضة ومعلومة وقد ذكر بعضها في كتابه، وادعى أنها صريحة في استخلاف عليّ، فكيف يتهوّك فيقول أن عائشة لعبت الدور الكبير في إنكار الوصية لعلي؟! فإذا كانت كل هذه الأدلة الظاهرة على إمامة عليّ كما تزعم ليست حجة في نظر أهل السنة فقول عائشة أحْرى أن يكون هو الحق.(1/390)
ت عائشة رضي الله عنها الصدّيقة بنت الصديق لا يمكن أن تنكر وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ إن كان هذا حقاً، فهي الطيّبة زوجة الطيّب في الدنيا والآخرة، وهي خير زوجاته وأفضلهنّ وأحبهنّ للنبي صلى الله عليه وسلم وما استحقت هذه المنزلة إلا لأنها من خير نساء الأرض، فكيف نصدق التيجاني المتمرّس علىخصلة الكذب الذي يأتي إلى الرواية الصادقة فيكّذبها، ويأتي إلى الرواية الكاذبة فيصدقها، ويتهم خير الناس بأنهم أشر الناس ويدعي على أضلّ الناس بأنهم أصحاب هداية، فكيف برجل هذا حاله، هل نصدقه ونكذّب خير نساء أمهات المؤمنين؟!
ثم يقول (( أم لأنها حاربته حرباً لا هوادة فيها وأولاده من بعده حتى اعترضت جنازة الحسن سيد شباب أهل الجنة ومنعت أن يدفن بجانب جده رسول الله قائلة: لاتدخلوا بيتي من لا أحب ونسيت أو تجاهلت قول الرسول فيه وفي أخيه ( الحسن والحسين سيدّا شباب أهل الجنة ) أو قوله ( أحب الله من أحبهما وأبغض الله من أبغضهما )، أو قوله ( أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم )، وغير ذلك كثير لست في معرض الكلام عنه... كيف لا وهما ريحانتاه من هذه الأمة ))(53)، ويقول في موضع آخر (( وإذا كانت فاطمة الزهراء التي أوصت بدفنها سراً فلم تدفن بالقرب من قبر أبيها كما ذكرت فما بال ما حصل مع جثمان ولدها الحسن لم يدفن قرب قبر جده؟! حيث منعت هذا ( أم المؤمنين ) عائشة وقد فعلت ذلك عندما جاء الحسين بأخيه الحسن ليدفنه إلى جانب جدّه رسول الله، فركبت عائشة بغلة وخرجت تنادي وتقول: لا تدفنوا في بيتي من لا أحب. واصطف بنو أمية وبنو هاشم للحرب ولكنّ الإمام الحسين قال لها: بأنه سيطوف بأخيه على قبر جدّه ثم يدفنه في البقيع لأن الإمام الحسن أوصاه أن لا يهرقوا من أجله ولو محجمة من دم. وقال لها ابن عباس أبياتاً مشهورة:
تجمّلت تبغلت ولو عشت تفيّلت لك التسع من الثمن وبالكل تصرفت ))(54)،
فأقول:
1 أين مصدر هذه الأكاذيب وما مدى صحتها؟ فإن كانت عند التيجاني الجرأة فلْيُرنا من أين استقى هذه السخافة، وإلا فباستطاعة أي أحمق أن يتقول على خير الناس ما يشاء من الهذيان!
2 لا شك في كذب هذه الروايات على أم المؤمنين بل وكل مايروى عنها في هذا الباب فهو كذب فلم أجد لها أثر في أي من كتب أهل السنة، بل وجدت العكس، فقد أورد ابن الأثير في خبر وفاة الحسن بن عليّ رضي الله عنهما أن (( الحسن استأذن عائشة أي في دفن أخيه فأذنت له ))(55)، وفي الاستيعاب (( فلما مات الحسن أتى الحسين عائشة فطلب ذلك إليها فقالت: نعم وكرامة ))(56)! وفي البداية (( أن الحسن بعث يستأذن عائشة في ذلك فأذنت له ))(57)، فانظر أخي القارئ إلى الحق الواضح وكيف يحيف التيجاني عن ذلك ثم يدعي الإنصاف والعقلانية ولا حول ولا قوة إلا بالله.
3 أعداء الحسن بن عليّ رضي الله عنهما الحقيقيون هم الذين يزعمون أنهم له شيعة، وهم من أرذل الناس وأفسدهم وذلك باعتراف الشيعة الاثني عشرية أنفسهم، فيروي أبو منصور الطبرسي من أئمتهم عن الحسن بن علي قوله (( أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي (!!) وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي، والله لئن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي واومن به في أهلي (!؟)، خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وبيتي ))(58)!!! فهؤلاء هم أعداء الحسن بن عليّ وليس عائشة يا تيجاني ومن كتب الهداة ندينك!(1/391)
4 أما ادعاؤه على ابن عباس أنه قال عن أم المؤمنين بيتين من الشعر، فمع ركاكة هذين البيتين فينقضها ما قاله في حقها عند وفاتها، فقد أخرج أحمد في الفضائل عن ذكوان مولى عائشة (( أنه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت وعندها إبن اخيها عبد الله بن عبد الرحمن فقال هذا ابن عباس يستأذن عليك وهو من خير بنيك، فقالت دعني من ابن عباس، ومن تزكيته فقال لها عبد الله بن عبد الرحمن أنه قارئ لكتاب الله فقيه في دين الله فأذني له ليسلم عليك وليودعك قالت فأذن له إن شئت قال فأذن له فدخل ابن عباس ثم سلم وجلس فقال أبشري يا أم المؤمنين فوالله ما بينك وبين أن يذهب عنك كل أذى ونصب أو قال وصب وتلقي الأحبة محمد وحزبه أو قال أصحابه إلا أن يفارق روحك جسدك، فقالت: وأيضاً، فقال ابن عباس: كنت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ولم يكن ليحب إلا طيباً، وأنزل الله عز وجل براءتك من فوق سبع سماوات فليس في الأرض مسجد إلا يتلى فيه آناء الليل وآناء النهار، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فاحتبس النبي صلى الله عليه وسلم في المنزل والناس معه في ابتغائها أو قال في طلبها حتى أصبح القوم على غير ماء فانزل الله عز وجل { فتيمّموا صعيداً طيباً } الآية، فكان في ذلك رخصة للناس عامة في سبيلك، فوالله انك لمباركة، فقالت: دعني يا ابن عباس من هذا فوالله لوددت لو أني كنت نسيا منسيّا ))(59)، وفي مناقشته للخوارج الذين قاتلهم علي ابن أبي طالب رضي الله عنه احتج عليهم بقوله (( قلت: أي ابن عباس وأم قولكم: قاتل ولم يسب ولم يغنم. أفتسبون أمكم عائشة، وتستحلّون منها ما تستحلّون من غيرها، وهي أمكم؟ فإن قلتم إنا نستحل منها ما نستحلّ من غيرها، فقد كفرتم (!!)، ولأن قلتم ليست بأمنا، فقد كفرتم (!!!)، لأن الله تعالى يقول { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم }. فأنتم تدورون بين ضلالتين، فأتوا منهما بمخرج. قلت: فخرجت من هذه؟ قالوا: نعم،... ))(60)، فهذه الروايات الصحيحة ترد هذه الرواية المجهولة المصدر ولعلها من خزعبلات التيجاني.
ثم يتخرص فيقول (( ... أما عن ابنته عائشة وقد عرفنا موقفها من الإمام عليّ فهي تحاول بكل جهدها دعم أبيها ولو بأحاديث موضوعة ))(61)!؟
1 أقول: للمحدث التيجاني! هل تعرف ما هو الحديث الموضوع؟ الحديث الموضوع هو من كان راويه متهماً بالكذب، وبما أن الراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم هو عائشة رضي الله عنها، فهل هي ممن اتهم بالكذب؟! فإن زعمت ذلك فيعزوك الدليل لأن كل الدلائل القرآنية والحديثية، إضافة إلى سيرتها تشير إلى صدقها، وأنها لا يمكن أن تكذب على زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضعها أحاديث في فضائل أبيها، فلا يتبقّى إلا أن نحكم على التيجاني بأنه الكذّاب، ولا شك أن ذلك لا يضيره أبداً،لأنه يعلم أن من أعظم خصال شيعته الرافضة، والتي يتميزون بها عن سائر الفرق ألا وهي خصلة الكذب والتخرّص!
2 إذا كانت عائشة تروي الأحاديث الموضوعة فكيف تستشهد بالأحاديث التي ترويها مسلّم بها، مثل شهادة عائشة في أن آية التطهير نزلت في عليّ وفاطمة وابنيها(62)، وروايتها لحديث القوم الذين يتنزّهون عما رخص فيه الرسول صلى الله عليه وسلم (63)، وتستشهد بحديث مطالبة فاطمة بحقها من ميراث أبيها والذي ترويه عائشة(64)، وبحديث إنكارها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لعليّ(65)، أكل هذه الأحاديث تستشهد بها وتعترف بها، وهي التي ترويها عائشة، ثم تدعي أنها تروي الأحاديث الموضوعة؟! وكيف يستشهد برواياتها شيخ الإمامية ابن بابويه القمي في كتابه ( الخصال ) مسلّم هو أيضاً بها(66) سبحان الله، إنظر كيف يظهر الله الحق على ألسنتهم.
ثم يختم كذبه فيقول (( مع أن الباحث في هذه المسألة يجد رائحة الوصية لعلي تفوح رغم كتمانها وعدم ذكرها فقد أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الوصايا كما أخرج مسلم أيضاً في صحيحه في كتاب الوصية أنه ذكر عند عائشة أن النبي أوصى إلى علي. أنظر كيف يظهر الله نوره ولو ستره الظالمون.... ثم يقول وإذا كانت عائشة أم المؤمنين لا تطيق ذكر اسم عليّ ولا تطيب له نفساً كما ذكر ذلك ابن سعد في طبقاته والبخاري في صحيحه ( باب مرض النبي ووفاته ) وإذا كانت تسجد شكراً عندما سمعت بموته، فكيف يرجى منها ذكر الوصية لعلي وهي من عرفت لدى الخاص والعام بعدائها وبغضها لعليّ وأولاده ولأهل بيت المصطفى ))(67)، فأقول:
1 الذي يبدو حقاً ان رائحة الكذب الذي امتهنه التيجاني قد فاح وامتلأ به كتابه وادعاءه الهداية!(1/392)
2 أما الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم والذي يدعي فيه التيجاني أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لعليّ هو حديث عائشة عندما ذكروا عندها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى لعلي فأنكرت ذلك، مستدلّة على أن النبي صلى الله عليه وسلم مات عندها ولم يوص، وهي الصادقة في ذلك، والغريب أن يجعل التيجاني هذا الحديث حجة له لا عليه، ولست أدري والله ما نوع الحجة في هذا الحديث فهل قول من قال أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لعلي دون دليل صريح مرفوع منه صلى الله عليه وسلم يعتبر حجة؟! كيف ذلك والحجة أوضح من الشمس متمثّلة في إجابة عائشة الأدرى بوصية النبي صلى الله عليه وسلم ، سبحان الله، إنظر كيف يظهر الله نوره ولو ستره الظالمون!؟
3 أما ادعاؤه على عائشة أنها لا تطيق ذكر اسم عليّ فقد أجبت عنه في موضع سابق والحمد لله، ولا يوجد في طبقات ابن سعد مما يدّعيه التيجاني من أن عائشة لا تطيق ذكر اسم عليّ، وأما في البخاري فهو يشير إلى حديث عائشة الذي يدّعي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى فيه لعليّ تصريحاً بذكر اسم عليّ، راجع كتاب التيجاني نفسه الذي يذكر فيه هذا الحديث(68)، والحمد لله أولاً وأخيراً.
================
موقف أم المؤمنين عائشة من مقتل عثمان بن عفان
بسم الله الرحمن الرحيم
1) في تاريخ خليفة بن خياط: أبو عاصم قال: نا عمر بن أبي زائدة، عن أبيه، عن أبي خالد الوالبي قال: قالت عائشة: ”استتابوه حتى تركوه كالثوب الرحيض ثم قتلوه“.
التخريج: أخرجه خليفة بن خياط في تاريخه (175)، ورواه من طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (495).
رجال الإسناد:
* الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني أبو عاصم النبيل، ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة 212هـ، أو بعدها ع. (التقريب 2977).
* عمر بن زائدة الهمداني؛ بالسكون، الوادعي، الكوفي، أخو زكريا، صدوق، رمي بالقدر، من السادسة، مات بعد الخمسين خ م س (التقريب 4897).
* والد عمر وزكريا واسمه خالد أو هبيرة بن ميمون بن فيروز الهمداني، الوادعي، الكوفي، أفاد بذلك الحافظ ابن حجر في ترجمة ابنه زكريا (التقريب 2022)، ولم أجد ترجمته.
* أبو خالد الوالبي الكوفي، اسمه هرمز، ويقال: هرم، مقبول، من الثانية، وفد على عمر، وقيل: حديثه مرسل، فيكون من الثالثة، د ت ق (التقريب 8073).
درجة الأثر: إسناده حسن لغيره، ويشهد له ما رواه:
2) خليفة قال: حدثنا أبو قتيبة قال: نا يونس بن أبي إسحاق، عن عون بن عبد الله ابن عتبة قال: قالت عائشة: ”غضبت لكم من السوط، ولا أغضب لعثمان من السيف؟ استعتبتموه حتى إذا تركتموه كالقلب المصفى قتلتموه“.
التخريج: أخرجه خليفة بن خياط في تاريخه (175-176)، ومن طريقه أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (495).
رجال الإسناد:
* أبو قتيبة مسلم بن قتيبة الشعيري، الخرساني، نزيل البصرة، صدوق، من التاسعة، توفي سنة 200هـ أو بعدها خ 4 (التقريب 2471).
* يونس بن أبي إسحاق السبيعي، أبو إسرائيل الكوفي، صدوق يهم قليلاً، من الخامسة، توفي سنة 152هـ على الصحيح، ر م 4 (التقريب 7899).
* عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، الكوفي، ثقة، عابد من الرابعة، توفي قبل سنة 120هـ، م 4 (التقريب 5223).
درجة الأثر: إسناده حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف؛ لما فيه من إرسال، حيث إن عونا هذا وصفه غير واحد بأنه يرسل، ولم يصرح هنا بالسماع.
قال المزي في تهذيب الكمال (1066): ”يقال: إن روايته عن الصحابة مرسلة“، وقال ابن سعد في الطبقات (6/313): ”ثقة كثير الإرسال“، وقال الترمذي في السنن (2/47): ”عون بن عبد الله لم يلق ابن مسعود“.
والصحيح أنه سمع من بعضهم أخرج له مسلم عن ابن عمر (انظر: رجال مسلم لابن منجويه 2/121) ونصَّ البخاري في تاريخ الكبير (7/14) على أنه سمع من أبي هريرة وابن عمرو، وذكره العلائي في جامع التحصيل (305).
وعجيب من الحافظ إهماله ذكر ذلك في التقريب مع أنه ذكره في تهذيب التهذيب (8/171-173).
والحديث يتقوى بما قبله ويقويه، ويقويهما أيضاً ما رواه:
3) ابن سعد قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا جرير بن حازم قال: سمعت محمد ابن سيرين يقول: قالت عائشة حين قتل عثمان: ”مصتم الرجل موص الإناء ثم قتلتموه“.
التخريج: أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/82-83)، ورواه خليفة بن خياط في تاريخه (176) قال: حدثنا روح بن عبادة قال: نا سعيد بن عبد الرحمن، عن ابن سيرين قال: قال عائشة: ”مصتموه موص الإناء ثم قتلتموه“ ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (495).
وبمثل رواية ابن سعد رواه ابن عساكر في تاريخه (495): من طريق موسى بن إسماعيل، نا جرير بن حازم به.
وأيضاً بمثل رواية خليفة من طريق هشام عن محمد بن سيرين به.
رجال الإسناد:(1/393)
* عفان بن مسلم بن عبد الله الباهلي، أبو عثمان الصفار، البصري، ثقة ثبت، قال ابن المديني: ”كان إذا شك في حرف من الحديث تركه“ وربما وهم وقال ابن المديني: ”أنكرناه في صفر سنة 219هـ، ومات بعدها بيسير“، من كبار العاشرة، (التقريب 4625)، ع.
* جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي، أبو النضر البصري، والد وهب: ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف وله أوهام إذ حدث من حفظه، وهو من السادسة، مات سنة 70هـ بعدما اختلط لكن لم يحدث في حال اختلاطه، (التقريب 911)، ع.
* محمد بن سيرين الأنصاري، أبو بكر بن أبي عمرة البصري، ثقة ثبت عابد كبير القدر كان لا يرى الرواية بالمعنى، من الثالثة، توفي سنة 110هـ، (التقريب 5947)، ع.
درجة الأثر: إسناد ابن سعد حسن لغيره، فهو صحيح إلى ابن سيرين؛ رجاله ثقات رجال الشيخين، ومثله إسناد خليفة، إلا سعيداً فلم أجد له ترجمة، ويتقوى بالذي قبله.
وابن سيرين عن عائشة – رضي الله عنها – منقطع، قال أبو حاتم: ”لم يسمع ابن سيرين من عائشة شيئاً“ (العلائي في جامع التحصيل 324) لكنه يتقوى بالشواهد التي تقدمت، والتي ستأتي.
4) قال ابن سعد: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن زيد، عن الزبير، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة قالت: ”مصتموه موص الإناء ثم قتلتموه“ تعني عثمان.
التخريج: أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/82).
رجال الإسناد:
* عارم بن الفضل السدوسي، أبو النعمان البصري، لقبه عارم، ثقة ثبت، تغير في آخر عمره، من صغار التاسعة، مات سنة 223هـ أو سنة 224هـ، ع (التقريب 6226)، وانظر (الكواكب النيرات لابن الكيال 382) – وفيه أنه تغير سنة 220هـ.
* حماد بن زيد بن درهم البصري، الجهضمي أبو إسماعيل، البصري، ثقة ثبت فقيه. قيل إنه كان ضريراً ولعله طرأ عليه؛ لأنه صح أنه كان يكتب، من كبار الثامنة توفي سنة 179هـ، وله 81 سنة، ع، (التقريب 1498).
* الزبير بن الخريت، البصري، ثقة، من الخامسة، خ م د ت ق، (التقريب 1993).
* عبد الله بن شقيق العقلي، البصري، ثقة فيه نصب، من الثالثة توفي سنة 108هـ، بخ م ع، (التقريب 3385).
درجة الأثر: إسناده صحيح أو حسن لغيره.
وفيه اختلاط عارم، وقد يكون ابن سعد ممن سمع منه قبل الاختلاط، يقوي هذا الاحتمال أن العلماء ذكروا أنه اختلط سنة 220هـ، وابن سعد توفي سنة 230هـ ومن سمع منه قبل الاختلاط فحديثه صحيح.
ومن خلال استقراء شيوخ ابن سعد ووفياتهم يظهر أنه كان قبل هذه السنة في بغداد حيث بقي فيها حتى توفي سنة 230هـ وعارم توفي سنة 224هـ في البصرة (الطبقات 7/305).
فقد يكون ابن سعد سمع منه في البصرة، ثم رحل قبل وفاته إلى بغداد، واختلط عارم وهو في بغداد وبذلك يكون سماعه منه قبل اختلاط، والله أعلم.
إذا ثبت ذلك فالإسناد صحيح، لأن من سمع من عارم قبل الاختلاط فحديثه صحيح (انظر تهذيب الكمال 1258، والكواكب النيرات 382) وإلا فالخبر حسن لغيره، بما تقدم وسيأتي من شواهد.
5) قال خليفة: محمد بن عمرو، نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن خثيمة، عن مسروق، عن عائشة قالت حين قتل عثمان: ”تركتموه كالثوب النقي من الدنس، ثم قربتموه تذبحونه كما يذبح الكبش“.
فقال لها مسروق: ”هذا عملك، أنت كتبت إلى الناس تأمرينهم بالخروج إليه“.
قال: فقالت عائشة: ”لا والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت إليهم بسوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا“.
قال الأعمش: ”فكانوا يرون أنه كُتِبَ على لسانها“.
التخريج: رواه خليفة في تاريخه (176)، ورواه ابن سعد في الطبقات (3/82) عن أبي معاوية الضرير عن الأعمش به، ورواه ابن شبه في تاريخ المدينة (1225) عن حبان بن بشر، عن يحيى بن آدم، عن الأعمش به نحوه، ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (496) من طريقي سعدان بن نصر وعلي بن حرب، كلاهما عن أبي معاوية به نحوه وزاد في رواية علي في آخره ”وهي لا تعلم“.
رجال الإسناد:
* أبو معاوية الضرير، محمد بن خازم، بمعجمتين، الكوفي، عمي وهو صغير: ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش وقد يهم في حديث غيره، من كبار التاسعة، وله اثنتان وثمانون سنة، وقد رمي بالإرجاء، ع، (التقريب 5841).
* الأعمش هو سليمان بن مهران الأسدي، الكاهلي، أبو محمد الكوفي، ثقة حافظ، ورع ولكنه يدلس من الخامسة، توفي سنة 147هـ، وكان مولده سنة 61هـ، ع (التقريب 2615).
* خثيمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي، الكوفي، ثقة وكان يرسل من الثالثة، توفي سنة 80هـ، ع (التقريب 1773).
* مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي، أبو عائشة، الكوفي، ثقة فقيه عابد مخضرم، من الثانية، توفي سنة 63هـ، ع (التقريب 6601).
درجة الأثر: ذكره ابن كثير من طريق أبي معاوية به وقال: ”وهذا إسناد صحيح إليها“ وهو كما قال، ورجاله ثقات، كوفيون، رجال الشيخين، وفيه عنعنة الأعمش، وقد تقدمت عدة شواهد له.
-------------------------------(1/394)
المصدر: فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، تأليف د/ محمد بن عبد الله الغبان، (1/387-392) بتصرف يسير.
هذا والله الموفق.
أخوكم/ أبو إبراهيم الرئيسي
================
ماذا فعلت عائشة رضي الله عنها عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
خالد الغيث
استشهد بعض المعاصرين في سردهم لخبر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم برواية فيها زيادة منكرة عند العلماء لأنها تحمل في طياتها إساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وللسيدة عائشة رضي الله عنها ، حيث تتضمن اتهاماً لأم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها– بأمر من أمور الجاهلية مثل : الولولة ، والصراخ ، واللطم ، جزعاً لوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفيما يلي نص الرواية :
بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يردد : ( بل الرفيق الأعلى ، بل الرفيق الأعلى) تقول - المراد عائشة – رضي الله عنها - : وهو يرددها سقط رأسه على كتفي ، ومات النبي صلى الله عليه وسلم وشخص بصره إلى السماء. فمن حمقي ، وقلة عقلي أنزلت رأس النبي صلى الله عليه وسلم على وسادة ، وأخذت أولول ، وأصرخ ، وألطم).
وهذه الزيادة المنكرة مردودة من عدة أوجه :
الوجه الأول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختر أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – من بين نسائه ليقضي عندها تلك السويعات التي بقيت له في الدنيا لحمقها وقلة عقلها ، بل اختارها صلى الله عليه وسلم لفقهها ، وعلمها ، وحبه لها ، رضوان الله عليها.
عن هشام بن عروة بن الزبير ، عن أبيه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه ويقول : (أين أنا غداً ؟) حرصاً على بيت عائشة ، قالت عائشة : فلما كان يومي سكن)[رواه البخاري في صحيحه]،[ سكن: أي سكت عن قول : أين أنا غداً ].
وعن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفقد يقول : (أين أنا اليوم ؟ أين أنا غداً ؟) استبطاء ليوم عائشة. قالت : فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري)[ رواه مسلم في صحيحه].[ سحري : أي صدري ].
وهذا الفضل العظيم الذي خص الله - سبحانه وتعالى - به أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – جعل الإمام البخاري يخرّج بعض أحاديث مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته في باب فضل عائشة – رضي الله عنها – وكذلك فعل الإمام مسلم في صحيحه ، وهذا من فقههما ودقة فهمهما ، رحمهما الله.
وعن هشام ، عن أبيه قال : ( كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة. قالت عائشة : فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة ، فقلن : يا أم سلمة ، والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة ، وإنا نريد الخير كما تريد عائشة ، فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث كان، أو حيث ما دار. قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : فأعرض عني ، فلما عاد إليّ ذكرت له ذلك ، فأعرض عني ، فلما كان الثالثة ذكرت له فقال : ( يا أم سلمة ، لا تؤذيني في عائشة ، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها) [ رواه البخاري في صحيحه].
وقد علق الذهبي على جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة بقوله : (وهذا الجواب منه دال على أن فضل عائشة على سائر أمهات المؤمنين بأمر إلهي وراء حبه لها ، وأن ذلك الأمر من أسباب حبه لها).
الوجه الثاني : إن حال عائشة - رضي الله عنها – مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته لم يتصف بالحمق وقلة العقل ، بل كان حالها حال الزوجة المؤمنة الصابرة الراضية بقضاء الله سبحانه وتعالى.
عن عائشة – رضي الله عنه – قالت : (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ، ومسح عنه بيده ، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث ، وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم عنه) [ رواه البخاري في صحيحه].
وعن عروة بن الزبير ، أن عائشة - رضي الله عنها – قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول إنه : ( لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يُحيا أو يخيّر) ، فلما اشتكى ، وحضره القبض ، ورأسه على فخذ عائشة ، غشي عليه ، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ، ثم قال : (اللهم في الرفيق الأعلى). فقلت: إذاً لا يختارنا ، فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح ) [ رواه البخاري في صحيحه] .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( توفي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي ، وبين سحري ونحري ، وكانت إحدانا تعوذه بدعاء إذا مرض، فذهبت أعوذه فرفع رأسه إلى السماء وقال : ( في الرفيق الأعلى ).(1/395)
ومر عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده جريدة رطبة ، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فظننت أن له بها حاجة ، فأخذتها فمضغت رأسها ونفضتها فدفعتها إليه ، فاستن بها كأحسن ما كان مستناً ، ثم ناولنيها ، فسقطت يده ، أو سقط من يده ، فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة ) [ رواه البخاري في صحيحه].
الوجه الثالث: إن عائشة – رضي الله عنها – لا يخفى عليها أن هذا الأمر من عمل الجاهلية ، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ليس منا من لطم الخدود ، وشق الجيوب، ودعا بدعوة الجاهلية) [ رواه البخاري في صحيحه].
وهي من هي فقها وعلماً ، وعن فقهها وعلمها يقول الذهبي – رحمه الله: (عائشة أم المؤمنين بنت الإمام الصديق الأكبر ، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم... القرشية التيمية ، المكية ، النبوية ، أم المؤمنين ، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ، أفقه نساء الأمة على الإطلاق ).
وقال أيضاً : ( ولا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، بل ولا في النساء مطلقاً ، امرأة أعلم منها).
وقال عنها ابن كثير – رحمه الله : ( ومن خصائصها أنها أعلم نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، بل هي أعلم النساء على الإطلاق).
وقد شهد ببراءة السيدة عائشة – رضي الله عنها – من هذا العمل الذي هو من أعمال الجاهلية الصحابي الجليل قيس بن عاصم – رضي الله عنه – وهو يوصي أبناءه عند وفاته ، حيث قال : ( يا بني خذوا عني فإنكم لن تأخذوا عن أحد هو أنصح لكم مني ، لا تنوحوا علي ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُنح عليه، وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن النياحة) [ الألباني ، صحيح الأدب المفرد للبخاري . الألباني ، صحيح سنن النسائي]. والشاهد هو قول هذا الصحابي الكريم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه.
==============
مطاعن الشيعة في طلحة والزبير رضي الله عنهما والرد عليها
مبحث مطاعن التيجاني في طلحة والزبير والرد عليه في ذلك
الصحابيان الجليلان طلحة والزبير اللذان شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة(1) لا بد أن تنالهما يد التيجاني بالطعن تارة، والتحريف لسيرتهما تارة أخرى وسبب ذلك أنهما ممن شاركا في المطالبة بالقصاص من عثمان رضي الله عنه وسوف أسوق مطاعن التيجاني في حقهما وأذود عنهما بالبنان والقلم.
أولاً إدّعى التيجاني في مبحث ( حديث التنافس على الدنيا ) أنهما ممن تنافسا على الدنيا، وأخذا يكنزان الذهب والفضة الخ، وقد رددت على هذه الحجة بالأدلة الواضحة التي تبرىء هذين الصحابيين من الذي نسبه إليهما هذا التيجاني الشانئ فليراجع في موضعه(2).
ثانياً إتهم التيجاني طلحة والزبير بأنهما كانا من ضمن الخارجين على عثمان وأنهما شاركا في حصاره ومنعه وقد فندت هذه الكذبة الممجوجة في مبحث عائشة السابق فليراجع(3).
ثالثاً ادعاء التيجاني على طلحة والزبير أنهما يشهدان الزور والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( ودعني من كل هذا فأنا لا أريد البحث عن تاريخ أم المؤمنين عائشة ولكن أريد الإستدلال على مخالفة كثير من الصحابة لمبادئ الإسلام وتخلّفهم عن أوامر رسول الله (ص)، ويكفيني من فتنة أم المؤمنين دليلاً واحداً أجمع عليه المؤرخون، قالوا لما جازت عائشة ماء الحوأب ونبحتها كلابها تذكرت تحذير زوجها رسول الله ونهيه إياها أن تكون هي صاحبة الجمل، فبكت وقالت ردّوني ردّوني. ولكن طلحة والزبير جاؤوها بخمسين رجلاً جعلوا لهم جعلاً، فأقسموا الله أن هذا ليس بماء الحوأب فواصلت مسيرها حتى البصرة، ويذكر المؤرخون أنها أوّل شهادة زور في الإسلام ثم يعزو هذا الخبر إلى الطبري وابن الأثير والمدائني وغيرهم من المؤرخين الذين أرخوا السنة ست وثلاثين ثم يقول... دلّونا أيها المسلمون يا أصحاب العقول النيّرة على حل لهذا الإشكال، أهؤلاء هم الصحابة الأجلاّء الذين نحكم نحن بعدالتهم ونجعلهم أفضل البشر بعد رسول الله (ص)! فيشهدون شهادة الزور التي عدّها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر الموبقة التي تقود إلى النار ))(4)، فأقول:(1/396)
1 حل هذا الإشكال بسيط جداً لأننا لو فتحنا كتاب الطبري وابن الأثير لما وجدنا لهذا الخبر أثراً اللهم إلا هذه الرواية (( فعن الزهري، قال: بلغني أنه لما بلغ طلحة والزبير منزل عليّ بذي قار انصرفوا إلى البصرة، فأخذوا على المنْكَدِر، فسمعت عائشة رضي الله عنها نُباح الكلاب، فقالت: أي ماء هذا؟ فقالوا: الحوأب، فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، إني لهية، قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وعنده نساؤه ( ليت شعري أيَّتكنّ تنبحها كلاب الحوأب ). فأرادت الرجوع، فأتاها عبد الله بن الزبير فزعم أنه قال: كذب من قال إنّ هذا الحوأب. ولم يزل حتى مضت ))(5)، والحمد لله أن الكتابين يملآن الأسواق، وليطّلع عليهما القارئ الذي يبحث عن الحق ليعلم إلى أي درجة وصلت بهذا التيجاني جرأة الكذب! ورواية الطبري وابن الأثير كما هو واضح لا تأتي على ذكر طلحة والزبير، وإنما عبد الله بن الزبير، وليس فيها شهادة زور، وحتى مقولة أنّ ابن الزبير: كّذب من قال إن هذا الحوأب، فجاءت بصيغة تمريضية، لأن الزهري قال ( فزعم أنه قال ).
1 هذا الخبر الذي ينسبه التيجاني لطلحة والزبير خبرٌ باطل لسببين:
أ مما لا شك فيه أن طلحة والزبير رضي الله عنهما المشهود لهما بالجنة من أصدق الناس وأعلاهما أخلاقاً، وأجلّ من أن يشهدا شهادة زور في أمرٍ كهذا!
ب هذا الخبر المكذوب تعارضه رواية صحيحة في خبر الحوأب فعن قيس بن أبي حازم البجلي ثقة قال (( لما بلغت عائشة رضي الله عنها بعض ديار بني عامر نبحت عليها الكلاب فقالت: أي ماء هذا، قالوا الحوأب قالت: ما أظنني إلا راجعة فقال الزبير لا بعد تقدمي ويراك الناس ويصلح الله ذات بينهم قالت: ما أظنني إلا راجعة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب ))(6)، ومع ذلك لا يستحي هذا المهتدي أن يقول يكفيني من فتنة أم المؤمنين دليلاً واحداً أجمع عليه المؤرخون!؟ لا أريد منك إثبات هذا الإجماع الخيالي!؟، ولكن أريد منك مصدراً واحداً يذكر فيه هذا الخبر المكذوب؟، وبعد ذلك أقول للتيجاني أعتقد أنني قد أرشدتك على حل لهذا الإشكال والحمد لله الكبير المتعال.
===============
مبحث مطاعن التيجاني في معاوية بن أبي سفيان والرد عليه في ذلك:
من المسلم به أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كان من أبرز من قاتل علياً رضي الله عنه بشأن مقتل عثمان والذي مثل زعامة الجانب المقابل لعلي في معركة صفين فما كان من التيجاني إلا أن صب جام غضبه عليه واتهمه بالظلم والضلال وسوف أسوق ادعاءات التيجاني على هذا الصحابي مفنداً لها ومدافعاً عن كاتب الوحي الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم (( اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به ))(*)
يقول التيجاني (( أن عمر بن الخطاب الذي اشتهر بمحاسبة ولاته وعزلهم لمجرّد الشبهة نراه يلين مع معاوية بن أبي سفيان ولا يحاسبه أبداً وقد ولاّه أبو بكر وأقرّه عمر طيلة حياته ولم يعترض عليه حتى بالعتاب واللّوم، رغم كثرة الساعين الذين يشتكون من معاوية ويقولون له بأنّ معاوية يلبس الذهب والحرير اللذين حرمهما رسول الله على الرّجال، فكان عمر يجيبهم: دعوه فإنه كسرى العرب، واستمر معاوية في الولاية أكثر من عشرين عاماً لم يتعرّض له احد بالنقد ولا بالعزل ولمّا ولي عثمان خلافة المسلمين أضاف إليه ولايات أخرى مكّنته من الاستيلاء على الثروة الإسلامية وتعبئة الجيوش وأوباش العرب للقيام بالثورة على إمام الأمة والاستيلاء على الحكم بالقوة والغضب والتحكّم في رقاب المسلمين وارغامهم بالقوّة والقهر على بيعة ابنه الفاسق شارب الخمر يزيد وهذه قصّة أخرى طويلة بصدد تفصيلها في هذا الكتاب ))(1)، فأقول:
1 يبدو أن التيجاني في كل ما يسوقه لا يستطيع أن يتخلى عن بعض الخصال التي يتمتع بها ومن ضمنها الجهل! فهو يدعي أن أبا بكر قد ولى معاوية فأقره عمر طيلة حياته! ولكن المعروف عند كل من درس سيرة الخلفاء أن أبا بكر قد ولى يزيد بن أبي سفيان الشام، وبقي واليا عليها في خلافة عمر وأقره عمر فلما توفي يزيد ولى أخاه معاوية بن أبي سفيان.
2 أما أن عمر كان يلين مع معاوية ولا يحاسبه أبداً فما هو الدليل على ذلك؟ ومن أين يستقي هذا التيجاني هذه الإدعاءات؟ فهل من مصدر يرشدنا إليه وإلا فأقول له كما يقول الشاعر:
والدعاوي ما لم تقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء!
ولكن الثابت يشهد بخلاف ذلك فقد أورد ابن كثير في البداية (( أن معاوية دخل على عمر وعليه حلة خضراء فنظر إليها الصحابة، فلما رأى ذلك عمر وثب إليه بالدرة فجعل يضربه بها، وجعل معاوية يقول: يا أمير المؤمنين الله الله في، فرجع عمر إلى مجلسه فقال له القوم: لم ضربته يا أمير المؤمنين؟ وما في قومك مثله؟ فقال: والله ما رأيت إلا خيراً، وما بلغني إلا خير، ولو بلغني غير ذلك لكان مني إليك غير ما رأيتم، ولكن رأيته وأشار بيده فأحببت أن أضع منه ما شمخ ))(2).(1/397)
3 أما قوله (... رغم كثرة الساعين الذين يشتكون من معاوية ويقولون له بأن معاوية يلبس الذهب والحرير (!) اللذين حرمهما رسول الله على الرجال، فكان عمر يجيبهم: دعوه فإنه كسرى العرب )، فأقول:
أ أما قوله رغم كثرة الساعين الذين يشتكون من معاوية يكذبه الواقع والتاريخ فقد مكث معاوية أربعين عاماً يحكم أهل الشام وكانت علاقته بهم علاقة حب وولاية لدرجة أنهم أجابوه بقوة للأخذ بدم عثمان.
ب أما أنّ عمر قد قال في معاوية بأنه كسرى العرب عندما علم بأنه يلبس الذهب والحرير! فأرجو من المؤلف أن يرشدنا إلى المصدر الذي استقى منه هذا الكذب، والغريب أن يضرب عمر معاوية للبسه حلّة خضراء مباحة، ويسكت عليه عندما يلبس الذهب والحرير المحرّم؟!
ت أما الرواية عن عمر هو ما رواه ابن أبي الدنيا عن أبي عبد الرحمن المدني قال (( كان عمر بن الخطاب إذا رأى معاوية قال: هذا كسرى العرب ))(3).
4 ثم يقول ( واستمر معاوية في الولاية أكثر من عشرين عاماً لم يتعرض له أحد بالنقد ولا بالعزل ولما ولي عثمان خلافة المسلمين أضاف إليه ولايات أخرى مكنته من الإستيلاء على الثورة الإسلامية ...)، فأقول:
أ ليس في تولية معاوية للشام أي مطعن في عمر أو عثمان فإنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ولى أبوه أبو سفيان على نجران حتى توفي بل كان الكثير من أمراء النبي صلى الله عليه وسلم من بني أمية (( فإنه استعمل على مكة عتّاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية، واستعمل خالد بن سعيد بن العاص بن أمية على صدقات مَذْحج وصنعاء اليمن، ولم يزل عليها حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم، واستعمل عمرو على تيماء وخيبر وقرى عرينة، وأبان بن سعيد بن العاص استعمله على البحرين برها وبحرها حين عزل العلاء بن الحضرمي، فلم يزل عليها حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم وأرسله قبل ذلك أميراً على سرايا منها سرية إلى نجد ))(4).
ب وعندما ولي معاوية الشام كانت سياسته مع رعيته من أفضل السياسات وكانت رعيته تحبه ويحبُّهم (( قال قبيصة بن جابر: ما رأيت أحداً أعظم حلماً ولا أكثر سؤدداً ولا أبعد أناة ولا ألين مخرجاً، ولا أرحب باعاً بالمعروف من معاوية. وقال بعضهم: أسمع رجل معاوية كلاماً سيئاً شديداً، فقيل له لو سطوت عليه؟ فقال: إني لاستحي من الله أن يضيقَ حلمي عن ذنب أحد رعيتي. وفي رواية قال له رجل: يا أمير المؤمنين ما أحلمك؟ فقال: إني لأستحي أن يكون جرم أحد أعظم من حلمي ))(5)، لذلك استجابوا له عندما أراد المطالبة بدم عثمان وبايعوه على ذلك ووثقوا له أن يبذلوا في ذلك أنفسهم وأموالهم، أو يدركوابثأره أو ينفي الله أرواحهم قبل ذلك(6).
ت أما ادعاؤه على معاوية أنه استولى على الثورة الإسلامية وتعبئة الجيوش وأوباش العرب للقيام بالثورة على إمام الأمة والاستيلاء على الحكم بالقوة والغصب والتحكم في رقاب المسلمين فهذا من أكبر الكذب على معاوية فإنه ما أراد الحكم ولا اعترض على إمامة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بل طالب بتسليمه قتلة عثمان ثم يدخل في طاعته بعد ذلك، فقد أورد الذهبي في ( السير ) عن يعلى بن عبيد عن أبيه قال (( جاء بو مسلم الخولاني وناس معه إلى معاوية فقالوا له: أنت تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال معاوية: لا والله إني لأعلم أن علياً أفضل مني، وإنه لأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أنّ عثمان قتل مظلوما، وأنا ابن عمه، وإنما أطلب بدم عثمان، فأتوه فقولوا له فليدفع إليّ قتلة عثمان وأسلّم لهُ فأتوْا علياً فكلّموه بذلك فلم يدفعهم إليه ))(7)، طالما أكّد معاوية ذلك بقوله (( ما قاتلت علياً إلا في أمر عثمان )) ، وهذا هو ما يؤكده عليّ ومن مصادر الشيعة الاثني عشرية أنفسهم، فقد أورد الشريف الرضي في كتاب نهج البلاغة في خطبة لعليّ قوله (( وبدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله، ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء ))(8)، فهذا عليّ يؤكد أن الخلاف بينه وبين معاوية هو مقتل عثمان وليس من أجل الخلافة أو التحكم في رقاب المسلمين كما يدعي التيجاني.(1/398)
5 أما قوله بأن معاوية أرغم المسلمين بالقوة والقهر على بيعة إبنه الفاسق شارب الخمر يزيد، فهذا من الكذب الظاهر فإن معاوية لم يرغم الناس على بيعة ابنه يزيد ولكنه عزم على الأخذ بعقد ولاية عهده ليزيد وتم له ذلك، فقد بايع الناس ليزيد بولاية العهد ولم يتخلّف إلا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، وتوفيّ معاوية ولم يرغمهم على البيعة. أما أن يزيد فاسق شارب للخمر فهذا كذب أيضاً وندع محمد بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يجيب على هذا الادعاء لأنه أقام عند يزيد وهو أدرى به، قال ابن كثير في البداية (( لما رجع أهل المدينة من عند يزيد مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد بن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم، فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدّى حكم الكتاب. فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواضباً على الصلاة متحرياً للخير يسأل عن الفقه ملازماً للسنة، قالوا: فإن ذلك كان منه تصنّعاً لك. فقال: وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إليّ الخشوع؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا. قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه. فقال لهم أبى الله ذلك على أهل الشهادة، فقال { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } ولست من أمركم في شيء، قالوا: فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك فنحن نولّيك أمرنا. قال: ما استحل القتال على ما تريدونني عليه تابعاً ولا متبوعاً، فقالوا: فقد قاتلت مع أبيك، قال: جيئوني بمثل أبي أقاتل على مثل ما قاتل عليه، فقالوا: فمر ابنيك أبا القاسم والقاسم بالقتال معنا، قال: لو أمرتهما قاتلت. قالوا: فقم معنا مقاماً نحض الناس فيه على القتال، قال: سبحان الله!! آمر الناس بما لا أفعله ولا أرضاه إذاً ما نصحت لله في عباده قالوا: إذاً نكرهك. قال: إذا آمر الناس بتقوى الله ولا يرضون المخلوق بسخط الخالق، وخرج إلى مكة ))(9).
ثانياً ادعاء التيجاني على معاوية بأنه أمر بسبّ عليّ، وأنه ليس من كتبة الوحي والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( وقد بحثت كثيراً عن الدوافع التي جعلت هؤلاء الصحابة يغيرون سنة رسول الله (ص)، واكتشفت أن الأمويين وأغلبهم من صحابة النبي وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان ( كاتب الوحي ) كما يسمّونه كان يحمل الناس ويجبرهم على سبّ علي بن أبي طالب ولعنه من فوق منابر المساجد، كما ذكر ذلك المؤرخون، وقد أخرج مسلم في صحيحه في باب ( فضائل علي بن أبي طالب) مثل ذلك، وأمر عمّاله يعني معاوية في كل الأمصار باتخاذ ذلك اللعن سنّة يقولها الخطباء على المنابر ))(1)، ويقول في موضع آخر (( كيف يحكمون باجتهاده ويعطوه أجراً وقد حمل الناس على لعن علي واهل البيت ذرية المصطفى من فوق المنابر ))(2)، وفي موضع آخر يقول (( حمل الناس على لعن علي وأهل البيت ذرية المصطفى من فوق المنابر وأصبحت سنة متبعة لستين عاماً ))(3)، ويقول (( وكيف يسمّونه ( كاتب الوحي )... وقد نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة ثلاثة وعشرين عاماً، كان معاوية لأحد عشر عاماً منها مشركاً بالله... ولمّا أسلم بعد الفتح لم نعثر على رواية تقول بأنه سكن المدينة في حين أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسكن مكة بعد الفتح..... فكيف تسنى لمعاوية كتابة الوحي يا ترى؟! ))(4)، فأقول:(1/399)
1 أما ان معاوية أمر بسبّ عليّ من على المنابر فكذب، ولا يوجد دليل صحيح ثابت بذلك، وسيرة معاوية واخلاقه تستبعد هذه الشبهة، أما ما يذكره بعض المؤرخين من ذلك فلا يلتفت إليه لأنهم بإيرادهم لهذا التقول لا يفرقون بين صحيحها وسقيمها، إضافة إلى أن أغلبهم من الشيعة، ولكن بعض المؤرخين رووا في كتبهم روايات فيها الصحيح والباطل، ولكنهم أُعْذروا عندما اسندوا هذه المرويات إلى رواتها لنستطيع الحكم عليها من حيث قبولها أو ردها، ومن هؤلاء الطبري الذي عاش تحت سطوة وتعاظم قوة الرافضة، الذي يقول في مقدمة تاريخه (( ولْيعلم الناظر في كتابنا هذا أنّ اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه مما اشترطت أني راسمه فيه، إنما هو على ما رويتُ من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه، والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها فيه، دون ما إدرك بحجج العقول، واستنبط بفكر النفوس، إلا اليسير القليل منه، إذ كان العلم بما كان من أخبار الماضين، وما هو كائن من أنباء الحادثين، غير واصل إلى من لم يشاهدهم ولم يدرك زمانهم، إلا بإخبار المخبرين ونقل الناقلين دون الاستخراج بالعقول، والاستنباط بفكَر النفوس. فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً من الصحة، ولا معنى في الحقيقة فليعلم أنه لم يُؤتَ في ذلك من قِبَلنا، وإنما أُتي من قِبَل بعض ناقليه إلينا، وأناّ إنما أدينا ذلك على نحو ما أدِّيَ إلينا ))(5)، لذلك يجب على التيجاني عندما يحتج بالمؤرخين أن يذكر الرواية التي تبين أن معاوية أمر بلعن عليّ من على المنابر، ثم يرغي ويزبد بعد ذلك كما يشاء.
2 أما قوله أن مسلم أخرج في صحيحه باب فضائل علي مثل ذلك فكذب أيضاً، فالرواية التي يقصدها هي ما رواه عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال (( أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسُبَّ أبا تراب؟ فقال: أمّا ذكرت ثلاثاً قالهنَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلن أسُبّهُ لأن تكون لي واحدة منهنَّ أحبُّ إليَّ من حُمر النَّعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له خلّفه في مغازيه فقال له عليُّ: يا رسول الله، خلَّفْتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ترضىأن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوّة بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر: لأُ عْطينَّ الراية رجلاً يحبُّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي علياً، فأُتي به أرْمَد فبصق في عَيْنه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولمّا نزلت هذه الآية: { قل تعالوْا ندعُ أبْنائنا وأبْناءَكم ...}، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحُسيناً فقال: اللهم، هؤلاء أهلي ))(6).
وهذا الحديث لا يفيد أن معاوية أمر سعداً بسبِّ عليّ، ولكنه كما هو ظاهر فإن معاوية أراد أن يستفسر عن المانع من سب عليّ، فأجابه سعداً عن السبب ولم نعلم أن معاوية عندما سمع رد سعد غضب منه ولا عاقبه، وسكوت معاوية هو تصويب لرأي سعد، ولو كان معاوية ظالماً يجبر الناس على سب عليّ كما يدّعي هذا التيجاني، لما سكت على سعد ولأجبره على سبّه، ولكن لم يحدث من ذلك شيءٌ فعلم أنه لم يؤمر بسبّه ولا رضي بذلك، ويقول النووي (( قول معاوية هذا، ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب، كأنه يقول هل امتنعت تورعاً أو خوفاً أو غير ذلك. فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن السب، فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك، فله جواب آخر، ولعل سعداً قد كان في طائفة يسبّون، فلم يسب معهم، وعجز عن الإنكار وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال. قالوا: ويحتمل تأويلاً آخر أن معناه ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده، وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ ))(7).
3 من الغرائب أنّ هذا التيجاني ينكر سبَّ عليّ ولم يتورّع هو والهداة عن سب خيرة الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان! وكتبهم طافحة بذلك، ومنها كتاب التيجاني نفسه، لذلك لا بد لي من القول أن (( هؤلاء الرافضة، الذين يدّعون أنهم المؤمنون، إنما لهم الذل والصغار ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس ))(8).(1/400)
4 أما أن معاوية من كتبة الوحي فامر ثابت، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن ابن عباس أن أبا سفيان طلب من النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة مطالب (( فقال للنبي : يا نبي الله ثلاثٌ أعطينهن قال: نعم منها قال: معاوية، تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعم ...))(9)، وروى أحمد في المسند ومسلم عن ابن عباس قال (( كنت غلاماً أسعى مع الصبيان، قال: فالتفتُّ فإذا نبي الله صلى الله عليه وسلم خلفي مقبلاً، فقلت: ما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ إليّ، قال: فسعيت حتى أختبيء وراء باب دارٍ قال: فلم أشعر حتى تناولني، قال: فأخذ بقفاي، فحطأني حطأةً، قال: اذهب فادع لي معاوية، وكان كاتبهُ، قال: فسعيتُ فقلت: أجِب نبي الله صلى الله عليه وسلم فإنه على حاجة ))(10)، فهذان الحديثان يثبتان أن معاوية كان من كتبة الوحي.
5 أما قوله أن الوحي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة ثلاثة وعشرين عاماً كان معاوية لأحد عشر عاماً منها مشركاً بالله!؟لقد قلت أن أبا سفيان طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل معاوية كاتباً له فقبل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأصبح يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم مدة أربع سنوات كاملة فهل هذا أمر يصعب تصديقه؟!
ثم يهذي فيقول ( ولما أسلم بعد الفتح لم نعثر على رواية تقول بأنه سكن المدينة في حين أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسكن مكة بعد الفتح )، أقول:
وهل الرواية السابقة لا تثبت أن معاوية سكن المدينة؟ وهل الرواية التي أخرجها الترمذي عن أبي مجلز قال: خرج معاوية فقام عبد الله بن الزبير، وابن صفوان حين رأوه فقال اجلسا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( من سره أن يتمثّل له الرجال قياماً، فليتبوّأ من النار ))(11)، لا تثبت ذلك؟ ولكن يبدو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عباس أن ينادي معاوية من مكة؟! وأنا لا أعتب على التيجاني بقوله ( لم نعثر على رواية ) لأنه لو بحث لوجدها، ولكن نسأل الله له الشفاء من عقدة الإنصاف!
ثالثاً ادعاء التيجاني أنّ سبب قتل حجر بن عدي على يد معاوية استنكاره لسبّ عليّ والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( ولمّا استاء لذلك بعض الصحابة واستنكر هذا الفعل أمر معاوية بقتلهم وحرقهم وقد قتل من مشاهير الصحابة حجر بن عدي الكندي واصحابه ودفن بعضهم أحياءً لأنهم امتنعوا عن لعن علي واستنكروه ))(1)، ويقول في موضع آخر (( كيف يحكمون بإجتهاده وقد قتل حجر بن عدي وأصحابه صبراً ودفنهم في مرج عذراء ببادية الشام لأنهم امتنعوا عن سب علي بن أبي طالب ))(2)، فأقول:
1 اختلف الناس في صحبة حجر بن عدي ( المشهور )! فعدّه البخاري وآخرون من التابعين، وعده البعض الآخر من الصحابة.
2 لم يقتل معاوية حجراً لأنه امتنع عن سب عليّ، فهذا تخرّص واضح والذي ذكره المؤرخون في سبب مقتل حجر بن عدي هو أن زياد أمير الكوفة من قبل معاوية(3) قد خطب خطبة أطال فيها فنادى حجر بن عدي الصلاة فمضى زياد في الخطبة فما كان من حجر إلا أن حصبه هو وأصحابه فكتب زياد إلى معاوية ما كان من حجر وعدّ ذلك من الفساد في الأرض وقد كان حجر يفعل مثل ذلك مع من تولّى الكوفة قبل زياد، فأمر أن يسرح إليه فلما جيء به إليه أمر بقتله، وسبب تشدد معاوية في قتل حجر هو محاولة حجر البغي على الجماعة وشق عصا المسلمين واعتبره من السعي بالفساد في الأرض، وخصوصاً في الكوفة التي خرج منها جزء من أصحاب الفتنة على عثمان فإن كان عثمان سمح بشيء من التسامح في مثل هذا القبيل الذي انتهى بمقتله، وجرّ على الأمة عظائم الفتن حتى كلّفها ذلك من الدماء أنهاراً، فإن معاوية أراد قطع دابر الفتنة من منبتها بقتل حجر، والغريب أن هذا التيجاني يصيح من أجل قتل حجر ولا يعترض على عليٍّ عندما قاتل الخارجين على خلافته في الجمل وصفين، والتي تسببت في مقتل خيار الصحابة إضافة إلى الآلاف من المسلمين، مع أنّ السبب واحد وهو الخروج على سلطة الخليفة!!
رابعاً ادعاء التيجاني أنّ الحسن البصري طعن في معاوية والرد عليه في ذلك: يقول التيجاني (( وقد أخرج أبو الأعلى المودودي في كتابه ( الخلافة والملك ) نقلا عن الحسن البصري قال: أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة له:
(1) أخذه الأمر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة ونور الفضيلة.
(2) إستخلافه بعده ابنه سكيراً خمّيراً يلبس الحرير ويضرب الطنابير.
(3) ادّعاؤه زياداً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر.
(4) قتله حجراً وأصحاب حجر فيا ويلا له من حجر ويا ويلا له من حجر وأصحاب حجر. ))(4)(1/401)
1 هذه الرواية مدارها على أبي مخنف(5)، وأبو مخنف هذا هو لوط بن يحى الأزدي الكوفي قال عنه الذهبي وابن حجر(( أخباري تالف لا يوثق به ))(6)، (( تركه أبو حاتم وغيره، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال مرة ليس بشيء، وقال ابن عدي: شيعي محترق ))(7)، وعده العقيلي من الضعفاء(8)، وعلى ذلك فالخبر ساقط ولا حجة فيه.
2 لو فرضنا صحة هذا الكلام عن الحسن، لما كان فيه أي مطعن في معاوية، فالادعاء بأن معاوية أخذ الامر من غير مشورة فباطل، لأن الحسن تنازل له عن الخلافة وقد بايعه جميع الناس ولم نعلم أن أحداً من الصحابة امتنع عن مبايعته، وأما استخلافه يزيد فقد تم بمبايعة الناس ومنهم عبد الله بن عمر، ولم يتخلّف إلا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، وليس تخلّف من تخلف عن البيعة بناقض لها ولا يمثل أي مطعن في معاوية، أما أن يزيد خميراً يلبس الحريرالخ، فقد كذّبه ابن عليّ محمد بن الحنفية الذي أقام عند يزيد فوجده بخلاف ما يدعون(9)، أما ادعاؤه زياداً بخلاف حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال ( لعبد بن زمعة، هو لك الولد للفراش وللعاهر الحجر) باعتبار أنه قضى بكونه للفراش وباثبات النسب فباطل (( لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت النسب، لأن عبداً ادعى سببين: أحدهما الأخوة، والثاني ولادة الفراش، فلو قال النبي صلى الله عليه وسلم هو أخوك، الولد للفراش لكان اثباتاً للحكم وذكراً للعلة، بيد أن النبي صلى الله عليه وسلم عدل عن الأخوة ولم يتعرض لها وأعرض عن النسب ولم يصرح به وإنما هو في الصحيح في لفظ ( هو أخوك ) وفي آخر ( هو لك ) معناه فأنت أعلم به بخلاف زياد فإن الحارث بن كلدة الذي ولد زياد على فراشه لم يدّعيه لنفسه ولا كان ينسب إليه فكل من ادعاه فهو له إلا أن يعارضه من هو أولى به منه فلم يكن على معاوية في ذلك مغمز بل فعل فيه الحق على مذهب الإمام مالك ))(10)، ومن رأى أن النسب لا يلحق بالوارث الواحد أنكر ذلك مثل الحسن على فرض صحة نسبة هذا الادعاء له فكيف إذا ظهر كذب هذه النسبة إليه، وعلى كل فالمسألة اجتهادية بين أهل السنة، وأما قتل حجر فقد ذكرت الأسباب التي دعت معاوية لذلك بما يغني عن الإعادة هنا(11)، ومما سبق يتضح لدينا أن هذه المآخذ الأربعة على معاوية لا تمثل في حقيقتها أي مطعن به والحمد لله رب العالمين.
خامساً: الرد على فهم التيجاني السقيم لأحداث الفتنة بين معاوية وعلي:
يقول التيجاني (( وعندما نسأل بعض علمائنا عن حرب معاوية لعلي وقد بايعه المهاجرون والأنصار، تلك الحرب الطاحنة التي سبّبت انقسام المسلمين إلى سنة وشيعة وانصدع الإسلام ولم يلتئم حتى اليوم، فإنهم يجيبون كالعادة وبكل سهولة قائلين:أن علياً ومعاوية صحابيان جليلان اجتهدا فعلي اجتهد وأصاب فله أجران أما معاوية اجتهد وأخطأ فله أجر واحد. وليس من حقّنا نحن أن نحكم لهم أو عليهم وقد قال الله تعالى { تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عمّا كانوا يعملون }، هكذا وللأسف تكون إجاباتنا وهي كما ترى سفسطة لا يقول بها عقل ولا دين ولا يقرّ بها شرع، اللهم أبرأ إليك من خطل الآراء وزلل الأهواء وأعوذ بك من همزات الشياطين واعوذ بك ربّ أن يحضرون، كيف يحكم العقل السليم باجتهاد معاوية ويعطيه أجراً على حربه إمام المسلمين وقتله المؤمنين الأبرياء وارتكابه الجرائم والآثام التي لا يحصي عددها إلا الله وقد اشتهر عند المؤرخين بقتله معارضيه وتصفيتهم بطريقته المشهورة وهو إطعامهم عسلاً مسموماً وكان يقول ( إن لله جنوداً من عسل )، كيف يحكم هؤلاء باجتهاده ويعطوه أجراً وقد كان إمام الفئة الباغية ففي الحديث المشهور الذي أخرجه كل المحدثين والذي جاء فيه ( ويح عمّار تقتله الفئة الباغية ) وقد قتله معاوية وأصحابه .... والسؤال يعود دائماً ويتكرر ويلح: ترى أي الفريقين على الحق وأيهما على الباطل؟ فأما أن يكون علي وشيعته ظالمين وعلى غير الحق. وأمّا أن يكون معاوية وأتباعه ظالمين وعلى غير الحق، وقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء، وفي كلا الحالين فإن عدالة الصحابة كلهم من غير استثناء أمر مستحيل، لا ينسجم مع المنطق السليم ))(1)، فأقول:(1/402)
1 لقد قلت أن معاوية لم يقاتل علي إلا في أمر عثمان وقد رأى أنه ولي دم عثمان وهو أحد أقربائه واستند إلى النصوص النبوية التي تبين وتظهر أن عثمان يقتل مظلوماً ويصف الخارجين عليه بالمنافقين إشارة إلى ما رواه الترمذي وابن ماجه عن عائشة قالت (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا عثمان! إن ولاّك الله هذا الأمر يوماً، فأَرادكَ المنافقون أن تخْلع قميصك الذي قمَّصَكَ الله، فلا تخلعه ) يقول ذلك ثلاث مرات ))(2)، وقد شهد كعب بن مرة أمام جيش معاوية بذلك فقال (( لولا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قمت أي ما قمت بالقتال بجانب معاوية للقصاص من قتلة عثمان وذكر الفتن فقرّ بها فمر رجل مقنع في ثوب فقال: هذا يومئذ على الهدى فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان، فأقبلت عليه بوجهه فقلت: هذا ؟ قال: نعم ))(3)، وأيضاً عن عبد الله بن شقيق بن مرة قال (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تهيج على الأرض فتن كصياصي البقر فمر رجل متقنع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وأصحابه يومئذ على الحق فقمت إليه فكشفت قناعه وأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هو هذا؟ قال هو هذا، قال: فإذا بعثمان بن عفان ))(4)، وقد رأى معاوية وأنصاره أنهم على الحق بناء على ذلك، وأنهم على الهدى وخصوصاً عندما نعلم أن المنافقين الثائرين على عثمان كانوا في جيش علي فاعتبروهم على ضلال فاستحلّوا قتالهم متأولين.
2 إضافة إلى أن أنصار معاوية يقولون لا يمكننا أن نبايع إلا من يعدل علينا ولا يظلمنا ونحن إذا بايعنا علياً ظلمنا عسكره كما ظلم عثمان وعلي عاجز عن العدل علينا وليس علينا أن نبايع عاجزاً عن العدل علينا(5) ويقولون أيضاً أن جيش علي فيه قتلة عثمان وهم ظلمة يريدون الاعتداء علينا كما اعتدوا على عثمان فنحن نقاتلهم دفعاً لصيالهم علينا وعلى ذلك فقتالهم جائز ولم نبدأهم بالقتال ولكنهم بدأونا بالقتال.
3 وعلى ذلك فالنصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تفيد أن ترك القتال كان خيراً للطائفتين فلم يكن واجباً ولا مستحباً وأن علياً مع أنه أولى بالحق وأقرب إليه من معاوية ولو ترك القتال لكان فيه خيراً عظيماً وكفاً للدماء التي أسيلت ولهذا كان عمران بن حصين رضي الله عنه ينهى عن بيع السلاح فيه ويقول: لا يباع السلاح في الفتنة وهذا قول سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وابن عمر وأسامة بن زيد وأكثر من كان بقي من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار(6) الذين اعتزلوا الفتنة ولم يشاركوا في القتال لذلك قال الكثيرمن أئمة أهل السنة (( لا يشترط قتال الطائفة الباغية فإن الله لم يأمر بقتالها ابتداءً، بل أمر إذا اقتتلت طائفتان أن يصلح بينهما ثم إن بغت إحداهما على الأخرى قوتلت التي تبغي ))(7) فادعاء التيجاني أن معاوية هو الذي أمر بقتال علي كذب فاضح.
4 ولو فرضنا أن الذين قاتلوا علياً عصاة وليسوا مجتهدين متأولين فلا يكون ذلك قادحاً في إيمانهم واستحقاقهم لدخول الجنان فالله سبحانه وتعالى يقول { وإنْ طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما بالعدل فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسِطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون } ( الحجرات 9 10)، فوصفهم بالإيمان وجعلهم إخوة رغم قتالهم وبغي بعضهم على بعض فكيف إذا بغى بعضهم على بعض متأولاً أنه على الحق فهل يمنع أن يكون مجتهداً سواءٌ أخطأ أو أصاب؟! لهذا فأهل السنة يترحمون على الفريقين كما يقول الله تعالى { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيم } ( الحشر 10)
5 الأحاديث الثابتة تبين أن كِلا الطائفتين دعوتهما واحدة وتسعيان للحق الذي تعتقدان وتبرئهما من قصد الهوى واتباع البطلان فقد أخرج البخاري في صحيحه أن أبا هريرة رضي الله عنه قال (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان(8) دعواهما واحدة ))(9)، وهذا الحديث كما ترى يثبت أنهما أصحاب دعوة واحدة ودين واحد، وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق ))(10)، فهذا الحديث يبين أن كلا الطائفتين يطالبان بالحق ويتنازعان عليه أي أنهما يقصدان الحق ويطلبانه ويبين أن الحق هو مع علي لأنه قاتل هذه الطائفة وهي طائفة الخوارج التي قاتلها في النهروان، وقال النووي (( فيه التصريح بأن الطائفتين مؤمنون لا يخرجون بالقتال عن الإيمان ولا يفسقون ))(11).(1/403)
6 بالنسبة لبغي معاوية فإما أن يكون فيه متأولاً أن الحق معه، أو يكون متعمداً في بغيه وفي كلا الحالتين فإن معاوية ليس معصوماً من الوقوع في ذلك أو غيره من الذنوب فأهل السنة لا ينزهونه من الوقوع في الذنوب بل يقولون أن الذنوب لها أسباب ترفعها بالاستغفار والتوبة منها أوفي غير ذلك وقد ذكر ابن كثير في البداية عن المسور بن مخرمة أنه وفد على معاوية قال: (( فلما دخلت عليه حسبت أنه قال سلمت عليه فقال: ما فعل طعنك على الأئمة يا مسور؟ قال قلت: ارفضنا من هذا وأحسن فيما قدمنا له، فقال: لتكلمني بذات نفسك، قال: فلم أدع شيئاًَ أعيبه عليه إلا أخبرته به، فقال: لا تبرأ من الذنوب، فهل لك من ذنوب تخاف أن تهالك إن لم يغفرها الله لك؟ قال: قلت: نعم، إن لي ذنوباً إن لم يغفرها هلكت بسببها، قال: فما الذي يجعلك أحق بأن ترجوا أنت المغفرة مني، فولله لما إلي من إصلاح الرعايا وإقامة الحدود والاصلاح بين الناس والجهاد في سبيل الله والأمور العظام التي لا يحصيها إلا الله ولا نحصيها أكثر من العيوب والذنوب، وإني لعلى دين يقبل الله فيه الحسنات ويعفو عن السيئات، والله على ذلك ما كنت لأخيَّر بين الله وغيره إلا اخترت الله على غيره مما سواه، قال: ففكرت حين قال لي ما قال فعرفت أنه قد خصمني. قال: فكان المسور إذا ذكره بعد ذلك دعا له بخير))(12)، فكيف إذا كان متأولاً؟
7 بالنسبة لحديث ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية )، فإنه من أعظم الدلائل أن الحق مع عليّ، لكن معاوية تأوّل الحديث فعندما هزَّ مقتل عمار، عمرو بن العاص وابنه تملّكتهما الرهبة ففي الحديث الذي أخرجه أحمد في المسند عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال (( لمّا قتل عمار بن ياسر دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال: قُتل عمار وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تقتله الفئة الباغية فقام عمرو بن عاص فزعاً يُرجِّع حتى دخل على معاوية فقال له معاوية: ما شأنك؟ قال: قتل عمار فقال معاوية: قتل معاوية فماذا؟ قال عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية، فقال له معاوية: دحضْتَ في بولك أو نحنقتلناه؟ إنما قتله عليٌ وأصحابه، جاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا أو قال: سيوفنا ))(13)، فخرج الناس يقولون: إنما قتل عماراً من جاء به، فأرجع الثقة لجيشه، والذي جعل معاوية يأول الحديث هذا التأويل أنه لم يكن يتصور أن قتلة عثمان أهل حق في ضوء الأحاديث التي تثبت أن عثمان يقتل مظلوماً، وأن قتلته هم الظالمون، فلا شك أن الفئة الباغية هي التي في جيش عليّ، ولكن الحق الذي يقال أن هذه التأويلات باطلة قطعاً وأن الحق مع عليّ، ولكن فئة معاوية معذورون في اجتهادهم لأنهم أرادوا الحق ولكنهم لم يصيبوه، وهذا هو الذي جعل عمرو بن العاص يقترح رفع المصاحف لايقاف الحرب لأنه كان في قلبه شيء من هذا الحديث.
8 وإذا أصرَّ التيجاني على جعل معاوية ظالماً فسيجيبه الناصبة(14)بأن علياً ظالماً أيضاً لأنه قاتل المسلمين لا لشيء بل لإمارته، وهو الذي بدأهم بالقتال وسفك الدماء دون فائدة تجنى للمسلمين، ثم تراجع وصالح معاوية، فلن يستطيع التيجاني وشيعته الاجابةعلى ذلك، ولو احتج بحديث عمار فسيردّ عليه بأن الله لم يشترط البدء في قتال الطائفة الباغية إلا إذا ابتدأت هي بالقتال ولكن علياً هو الذي بدأهم بالقتال فما هو جواب التيجاني؟ وقد ضربت صفحاً عن حجج الخوارج والمعتزلة التي تقدح في علي، المهم أن نعلم أن كل حجة يأتي بها التيجاني على معاوية سيقابل بمثلها من جانب الطوائف الأخرى ولكن أهل السنة يترضون عن الطائفتين ولا يفسقون أحدهما ويقولون أن الحق مع علي رضي الله عنه ويردون على جميع حجج الطوائف التي تقدح في علي أو معاوية لأن مذهبهم مستقيم بخلاف مذهب الرافضة والحمد لله.
9 من المسلم عند كل من اطلع على مذهب الإمامية يعلم أنهم يكفرون معاوية لقتاله علياً ولكن الثابت أن الحسن بن علي وهو من الإئمة المعصومين عندهم فكل ما يصدر عنه فهو حق والحسن قد صالح(15) معاوية وبايعه على الخلافة فهل صالح الحسن ( المعصوم ) كافر وسلّم له بالخلافة؟! أم أصلح بين فئتين مسلمتين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (( ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين ))(16)، أرجو من التيجاني الإجابة؟!
10 أما ادعاؤه أن معاوية ارتكب جرائم لا تحصى وقد اشتهر عند المؤرخين بقتله معارضيه وتصفيتهم بطريقته المشهورة وهو إطعامهم عسلاً مسموماً وكان يقول (إن لله جنوداً من عسل )!! فهذا القول فيه من الجهل والكذب ما لايخفى على عاقل وأنا أريد من التيجاني إرشادنا إلى هؤلاء المؤرخين حتى يتسنى لنا التثبت من هذا الادعاء المكشوف وإلا فالكلام سهل جداً.(1/404)
11 الغريب أن يعترض التيجاني على أبي بكر قتاله لمانعي الزكاة مع أن ذلك باتفاق الأمة، بينما تراه يقف مع عليّ في قتاله لمعاوية والذي اختلف فيه مع الصحابة ولم يأتي بنتائجه المرجوة وتسبب بقتل الألوف من المسلمين ولعل السبب هو إنصافه المزعوم والعقلانيته المذؤومة!
12 أستطيع الإجابة على سؤال التيجاني الذي يتكرر ويلح بالقول أن فريق عليّ على الحق وأما معاوية فليس بظالم ولا داع إلى باطل، ولكنه طالب للحق ولم يصبْهُ وهو مأجور على اجتهاده فليس أحدهما ظالم أو فاسق، والوقع بالذنب لا يقدح بعدالة المذنب وفي كل الأحوال فإن عدالة الصحابة كلهم من غير استثناء أمر مسلّم بالكتاب والسنة والإجماع، وينسجم مع المنطق السليم ولكنه لا ينسجم بالطبع مع المنطق السقيم الذي يتمتع به التيجاني!
وأخيراً إذا لم يقتنع التيجاني بذلك فسأضطر لكي استقي من مصادر هداته الاثني عشرية ما يثبت أن علي ومعاوية على حق ومأجورين على اجتهادهما فقد ذكر الكليني في كتابه( الروضة من الكافي ) الذي يمثل أصول وفروع مذهب الاثني عشرية عن محمد بن يحيى قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول (( اختلاف بني العباس من المحتوم والنداء من المحتوم وخروج القائم من المحتوم، قلت: وكيف النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن علياً وشيعته هم الفائزون، وقال: وينادي مناد في آخر النهار: ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون ))(17)، وهذا علي بن أبي طالب يقرر أن عثمان وشيعته هم أهل إسلام وإيمان ولكن القضية اجتهادية كل يرى نفسه على الحق في مسألة عثمان فيذكر الشريف الرضي في كتابكم ( نهج البلاغة ) عن علي أنه قال (( وكان بدء أمرنا أن إلتقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء ))(18).
سادساً: إدعاء التيجاني أن معاوية سم الحسن والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( كيف يريدونه صحابياً عادلاً وقد دسّ السم للحسن بن علي سيد شباب أهل الجنّة وقتله ))(19)، ويقول (( كيف يحكمون بإجتهاده وقد دسّ السم للحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة فقتله، ولعلهم يقولون: هذا أيضاً من اجتهاده فقد اجتهد وأخطأ!))(20).
فأقول: هذا الادعاء باطل وذلك لأسباب وهي:
أ أنه لم يثبت ولا دليل صحيح عليه وإن كان عند التيجاني نقل ثابت عن عدل فليرشدنا إليه لا أن يتهم صحابيا دون أن يأتي ببينة على ادعائه.
ب كان الناس في تلك المرحلة في حالة فتنة تتصارعهم الأهواء وكل فرقة تنسب للأخرى ما يذمها وإذا نقل لنا ذلك فيجب ألا نقبله إلا إذا نقل بعدل ثقة ضابط.
ج لقد نقل أن الذي سمّ الحسن غير معاوية فقيل هي زوجته وقيل أن أباها الأشعث بن قيس هو الذي أمرها بذلك وقيل معاوية وقيل ابنه يزيد وهذا التضارب بالذي سمّ الحسن يضعف هذه النقول لأنه يعزوها النقل الثابت بذلك، والتيجاني لم يعجبه من هؤلاء إلا الصحابي معاوية مع أنه أبعد هؤلاء عن هذه التهمة.
ث حجة التيجاني هذه تستسيغها العقول في حالة رفض الحسن الصلح مع معاوية ومقاتلته على الخلافة ولكن الحق أنّ الحسن صالح معاوية وسلّم له بالخلافة وبايعه، فعلى أي شيء يسمّ معاوية الحسن؟! ولهذه الأسباب أقول أن حجة التيجاني هذه خاوية على عروشها!
سابعا: ادعاء التيجاني على معاوية أنه حوّل الخلافة من الشورى إلى ملكية قيصرية والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( كيف ينزّهونه وقد أخذ البيعة من الأمة بالقوة والقهر لنفسه أولاً ثم لابنه الفاسق يزيد من بعده وبدّل نظام الشورى بالملكية القيصرية ))(21)(( وبعد علي استولى معاوية على الخلافة فأبدلها قيصرية ملكية يتداولاها بنو أمية ومن بعدهم بنو العباس أبا عن جد ولم يكن هناك خليفة إلاّ بنص السابق عن اللاّحق أو بقوة السيف والسلاح والإستيلاء، فلم تكن هناك بيعة صحيحة في التاريخ الإسلامي من عهد الخلفاء وحتى عهد كمال أتاتورك الذي قضى على الخلافة الإسلامية إلا لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ))(22) (( كيف يحكمون باجتهاده وقد أخذ البيعة من الأمة بالقوة والقهر لنفسه ثم لابنه يزيد من بعده وحوّل نظام الشورى إلى الملكية القيصرية ))(23)، فأقول:(1/405)
1 لم يأخذ معاوية الخلافة بالقوة والقهر وإنما سلمت له من قبل الحسن بن علي وذلك بعدما تم الصلح بينهما وذلك مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم (( ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)، فقد أخرج البخاري في صحيحه أن الحسن البصري قال (( استقبل والله الحسن بن عليّ معاوية بكتائب امثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تُوليّ حتى تقْتُل أقرنها، فقال له معاوية وكان والله خير الرجلين أي عمرو، إن ْقتلَ هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، من لي بأمور النّاس، من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم، فبعث إليه رجلين من قريش، من بني عبد شمس عبد الرحمن بن سمُرة وعبد الله بن عامر بن كُريز، فقال: اذهبا إلى هذا الرجل، فاعرضا عليه وقولا له، واطلبا إليه. فأَتياهُ فدخلا عليه، فتكلَّما وقالا له فطلبا إليه، فقال الحسن بن عليّ: إنَّا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإنَّ هذه الأمة قد عاثت في دمائها. قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألُكُ، قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئاً إلا قالا: نحن لك به، فصالحة. فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، والحسن بن عليّ إلى جنبه، وهو يُقبل على النّاس مرَّة وعليه أخرى، ويقول ( إنَّ ابني هذا سيدٌ، ولعلّ الله أن يُصلح به بين فِئتين من المسلمين))(24)
2 أما بالنسبة لمبايعة ابنه يزيد فقد حرص معاوية على موافقة الناس، فعزم على أخذ البيعة لولاية العهد ليزيد، فشاور كبار الصحابة وسادات القوم وولاة الأمصار فجائت الموافقة منهم، وجاءته الوفود بالموافقة على بيعة يزيد وبايعه الكثير من الصحابة حتى قال الحافظ عبد الغني المقدسي (( خلافته صحيحة، بايعه ستون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ابن عمر ))(25)، وقد ثبت في صحيح البخاري أن ابن عمر بايع يزيد وعندما قامت عليه الفتنة من المدينة جمع أهله وحذّرهم من الخروج على يزيد، فعن نافع قال (( لمّا خلع أهل المدينة بن معاوية، جمع ابن عمر حشمه وولده، فقال: إني سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: يُنصب لكل غادر لواء يوم القيامة. وإنَّا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يُبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم يَنصُبُ له القتال، وإني لا أعلم أحداً منكم خَلَعَهُ، ولا تابع في هذا الأمر، إلا كانت الفيصل بيني وبينه ))(26)، وقد خالف ابن الزبير والحسين هذه الموافقة ولا يقدح ذلك في البيعة إذ لا بد من مخالف لذلك، ومن هنا نعلم أن معاوية حرص على موافقة الأمة على بيعة يزيد، ولو أراد معاوية الاستبداد وأخْذ البيعة ليزيد بالقوة والقهر كما يدعي التيجاني لاكتفى ببيعة واحدة، وفرضها على الناس فرضاً، وهذا ما لم يفعله معاوية بل قد خالف من خالف ولم يتخذ معاوية سبيل القوة لارغامهم على البيعة.
3 ولعل السبب الذي دفع معاوية لأخذ البيعة ليزيد، حتى يُبعد الخلاف ويجمع الكلمة في هذه المرحلة المتوتِّرة التي تعيشها الأمة، وكثرة المطالبين بالخلافة فرأى أنه بتوليته ليزيد صلاح للأمة وقطعاً لدابر الفتنة باتفاق أهل الحل والعقد عليه.
4 لم يبتدع معاوية نظاماً جديداً للخلافة بتوريث ابنه يزيد، فقد سبقه إلى ذلك أبو بكر عندما عهد بالأمر لعمر بن الخطاب وقد عمد عمر إلى نفس الأمر فعهد بالولاية وحصرها بستة من الصحابة، أما إذا احتج التيجاني بأن الاستخلاف في عهد الشيخين لم يكن للأبناء أي ملكاً وراثياً فأقول له أن أول من فعل ذلك هو علي عندما عهد بالخلافة من بعده لابنه الحسن فقد ذكر الكليني في ( أصول الكافي) عن سليم بن قيس قال (( شهدت وصية أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام وأشهد على وصيته الحُسين ومحمداً أي ابن الحنفية عليهما السلام وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ثم دفع إليه الكتاب والسلاح ... ))(27).
5 الرافضة الاثنا عشرية يعارضون في الأصل مبدأ الشورى ويدعون أن الولاية يجب أن ينص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنص صريح، والتيجاني نفسه عارض خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، فلماذا يتباكا هنا على نظام الشورى الذي يعارضه هو نفسه، ويعترض على معاوية بولاية العهد لابنه يزيد فهل لو جعلها شورى سيقبلها التيجاني وأخوته الرافضة؟! أم أن الأمر عندهم سيان! الجواب أنهم لن يقبلوها ولو كانت شورى من جميع المسلمين فلماذا هذه الإثارة الممجوجة والورع المكذوب من التيجاني على مبدأ الشورى وأغرب ما في الأمر اعتراض التيجاني أن يورث معاوية ابنه يزيد وراثة قيصرية ملكية! وما درى أن أعظم اعتقاد للرافضة الامامية هو اعتقاد الإمامية وراثية قيصرية ملكية في ولد علي بن أبي طالب بإستخلاف الأب للابن وهكذا فهل هي حلال لهم حرام على غيرهم؟!(1/406)
وأخيراً أما ادعاءه أنه لم تكن هناك بيعة صحيحة في التاريخ الإسلامي من عهد الخلفاء وحتى عهد كمال أتاتورك (!!) الذي قضى على الخلافة الاسلامية إلا لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب
فأقول: هذا الكلام لا يقوله إلا من هو أقل الناس فهماً وأكثرهم جهلاً وأعماهم بصراً، فأقول للتيجاني على أي شيء استندت على قولك السقيم هذا وما هي شروط البيعة الصحيحة؟ إذا ادعيت أنه لا بد من إجماع الناس على البيعة، قلت: علي بن أبي طالب أبعد الخلفاء الثلاثة عن الإجماع فقد خالفه أضعاف من خالف الثلاثة وقامت الحروب بينه وبين معارضيه وتوفي قبل توحيد المسلمين على البيعة أما إذا قلت أن خلافة الثلاثة كانت بالقوة قلت: هذا من أكبر الكذب والتاريخ يشهد بذلك وأنت بنفسك قلت أن الخلافة كانت شورى حتى استبدلها معاوية بالقيصرية ولو قال معارضو علي بأنه أراد الخلافة بالقوة لكانت حجتهم أقوى من حجتك فإن علياً قاتل على خلافته حتى سقطت دماء الآلاف من المسلمين وإن ادعيت أن خلافة علي صحيحة لأنها ثابتة بالنص من الرسول صلى الله عليه وسلم فأقول: فهذا كذب أيضاً فكل الأدلة التي سقتها لا تفيد النص على علي ولو كان ذلك صحيحاً لما بايع علي الخلفاء الثلاثة إضافة إلى أن النصوص التي تبين أن الخليفة هو أبو بكر أقوى صحة وأظهر دليلاً على نصية الخلافة له(28) فكل حجج التيجاني ظاهرة البطلان والعوار، والغريب حقاً أن التيجاني الذي ينفي وجود خلافة صحيحة إلا لعلي، يقر بالحق من حيث لا يدري فيقول، حتى عهد أتاتورك الذي قضى على الخلافة الاسلامية؟! فسبحان الله كيف يجري الحق على ألسنتهم في حق معاوية، وأظن أنني رددت على جميع الشبه التي ساقها التيجاني والحمد لله رب العالمين.
=============
هل كان معاوية يتدين بسب على رضى الله عنهما ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
من المسائل التى يتخذها الرافضة سُلماً و ذريعة للطعن فى الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ما جاء عنه انه كان يرى " سب على بن أبي طالب رضى الله عنه " و سنحاول بفضل الله توضيح هذه الشبهة و تعريتها سائلين المولى السداد و الرشاد
1- يستدل الرافضة بالخبر الذى جاء فى صحيح مسلم فعن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال ( أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسُبَّ أبا تراب ؟ فقال : أمّا ذكرت ثلاثاً قالهنَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلن أسُبّهُ لأن تكون لي واحدة منهنَّ أحبُّ إليَّ من حُمر النَّعم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له خلّفه في مغازيه فقال له عليُّ : يا رسول الله ، خلَّفْتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبوّة بعدي و سمعته يقول يوم خيبر: لأُعْطينَّ الراية رجلاً يحبُّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي علياً، فأُتي به أرْمَد فبصق في عَيْنه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولمّا نزلت هذه الآية : { قل تعالوْا ندعُ أبْنائنا وأبْناءَكم ...} ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحُسيناً فقال : اللهم ، هؤلاء أهلي )
يقول الشيخ خالد العسقلانى فى كتابه ( بل ضللت - كشف أباطيل التيجاني في كتابه ثم أهتديت )
و هذا الحديث لا يفيد أن معاوية أمر سعداً بسبِّ عليّ ، و لكنه كما هو ظاهر فإن معاوية أراد أن يستفسر عن المانع من سب عليّ ، فأجابه سعداً عن السبب و لم نعلم أن معاوية عندما سمع رد سعد غضب منه و لا عاقبه ، و سكوت معاوية هو تصويب لرأي سعد ، و لو كان معاوية ظالماً يجبر الناس على سب عليّ كما يدّعي هذا التيجاني ، لما سكت على سعد و لأجبره على سبّه ، و لكن لم يحدث من ذلك شيءٌ فعلم أنه لم يؤمر بسبّه ولا رضي بذلك ، و يقول النووي ( قول معاوية هذا ، ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه ، و إنما سأله عن السبب المانع له من السب ، كأنه يقول هل امتنعت تورعاً أو خوفاً أو غير ذلك . فإن كان تورعاً و إجلالاً له عن السب ، فأنت مصيب محسن ، و إن كان غير ذلك ، فله جواب آخر ، و لعل سعداً قد كان في طائفة يسبّون ، فلم يسب معهم ، و عجز عن الإنكار و أنكر عليهم فسأله هذا السؤال . قالوا : و يحتمل تأويلاً آخر أن معناه ما منعك أن تخطئه في رأيه و اجتهاده ، و تظهر للناس حسن رأينا و اجتهادنا و أنه أخطأ )
و الذى يدل على أن معاوية لم يتخذ سب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ديناً يتقرب به إلى الله ما وضحه الشيخ خالد العسقلانى و سنذكره على هيئة نقاط حتى تتضح الأمور أكثر للجميع
أ - عدم غضب معاوية من رد سعد فلو كان رد سعد أغضب معاوية لرد عليه معاوية رداً انفعالياً
ب - كذلك لم يعاقب معاوية سعد على عدم سبه لعلى رضي الله عن الجميع و لشك فيه انه من أنصار على رضي الله عنه و هذا يدل على عدم تدين معاوية بسب علي و عدم إلزامه للناس بسب على رضي الله عنه(1/407)
ج - سكوت معاوية على رد سعد لدليل على تقواه و انصياعه للحق و قبول للحق الذي تفوه به سعد
2- جاء فى كتب الرافضة ما يدل على توقير معاوية رضي الله عنه لآل البيت و حبه لهم رضي الله عنهم
أ- فقد روى الصدوق فى الأمالى فعن بهجة بنت الحارث بن عبداللّه التغلبي , عن خالها عبداللّه بن منصور وكان رضيعا لبعض ولد زيد بن علي (عليه السلام ), قال : سالت جعفر بن محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام ), فقلت : حدثني عن مقتل ابن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله ) فقال : حدثني أبى , عن أبيه , قال : لما حضرت معاوية الوفاة دعا ابنه يزيد (....) فأجلسه بين يديه , فقال له : يا بني , أنى قد ذللت لك الرقاب الصعاب , ووطدت لك البلاد , وجعلت الملك وما فيه لك طعمة , و أني أخشى عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم , وهم : عبداللّه بن عمر بن الخطاب , و عبداللّه بن الزبير, والحسين بن علي , فأما عبداللّه بن عمر فهو معك فالزمه ولا تدعه , و أما عبداللّه بن الزبير فقطعه إن ظفرت به إرباً إرباً , فانه يجثو لك كما يجثو الأسد لفريسته , و يواربك مواربة الثعلب للكلب , وأما الحسين فقد عرفت حظه من رسول اللّه , وهو من لحم رسول اللّه ودمه , وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيعونه , فان ظفرت به فاعرف حقه ومنزلته من رسول اللّه , و لا تؤاخذه بفعله , ومع ذلك فان لنا به خلطة و رحماً, وإياك أن تناله بسوء , أو يرى منك مكروها " الأمالى للصدوق المجلس رقم 30
و الشاهد قول معاوية " وأما الحسين فقد عرفت حظه من رسول اللّه , وهو من لحم رسول اللّه ودمه , وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيعونه , فان ظفرت به فاعرف حقه ومنزلته من رسول اللّه , و لا تؤاخذه بفعله , ومع ذلك فان لنا به خلطة و رحماً, وإياك أن تناله بسوء , أو يرى منك مكروها " و هذا دليل على حبه لآل البيت رضي الله عنهم و وصيته بهم لابنه يزيد مع ملاحظة أن هذه الوصية كانت أخر ما تكلم به معاوية رضي الله عنه و هو على فراش الموت
ب- و روى الصدوق أيضاً فى أماليه " فعن الأصبغ بن نباتة قال دخل ضرار بن ضمرة النهشلي على معاوية بن أبي سفيان قال له صف لي علياً (عليه السلام) قال أو تعفيني فقال لا بل صفه لي فقال له ضرار رحم الله علياً كان و الله فينا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه و يجيبنا إذا سألناه و يقربنا إذا زرناه لا يغلق له دوننا باب و لا يحجبنا عنه حاجب و نحن و الله مع تقريبه لنا و قربه منا لا نكلمه لهيبته و لا نبتديه لعظمته فإذا تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم فقال معاوية زدني من صفته فقال ضرار رحم الله علياً كان و الله طويل السهاد قليل الرقاد يتلو كتاب الله آناء الليل و أطراف النهار و يجود لله بمهجته و يبوء إليه بعبرته لا تغلق له الستور و لا يدخر عنا البدور و لا يستلين الإتكاء و لا يستخشن الجفاء و لو رأيته إذ مثل في محرابه و قد أرخى الليل سدوله و غارت نجومه و هو قابض على لحيته يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين و هو يقول يا دنيا إلي تعرضت أم إلي تشوقت هيهات هيهات لا حاجة لي فيك أبنتك ثلاثا لا رجعة لي عليك ثم واه واه لبعد السفر و قلة الزاد و خشونة الطريق قال فبكى معاوية و قال حسبك يا ضرار كذلك كان و الله علي رحم الله أبا الحسن " الأمالى للصدوق المجلس 91 الخبر رقم (2)
و الشاهد من الخبر
دعوة معاوية لأبو الحسن رضي الله عنهما بالرحمة كما فى أخر الخبر , فكيف يصح تدينه بسب على و يترحم عليه فى نفس الوقت ؟
و كذلك تصديق و عدم إنكار معاوية للأوصاف التى وصف بها ضرار النهشلى أبو الحسن رضي الله عنه , بل لم يتعرض معاوية لضرار بأى أذى أو ينهره و يزجره على ثناءه على أبو الحسن رضى الله عنه , بل معاوية هو من ألزم ضرار بالكلام عن أبو الحسن كما فى قوله فى بداية الحوار إذ قال له " صف لي علياً (عليه السلام) قال أو تعفيني فقال لا بل صفه لي " و بل طلب منه الزيادة عندما قال له " زدني من صفته " و فى نهاية الحوار " بكى معاوية " فهل يدل ذلك على حبه و توقيره لأمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه أم على بغضه له ؟ و الإنسان بطبعه يحب سماع قصص و أخبار من يحب
فرضى الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم و غفر الله لنا و لهم و لجميع من أحبهم
ماذا قدم معاوية بن أبي سفيان للإسلام ؟
هل تطرق هذا السؤال إلى ذهنك و لو مرة واحدة ؟
ففى خلال إمرته على الشام فى عهد عمر و عثمان رضي الله عنهما
فتح قيسارية على يد معاوية رضي الله عنه سنة 15 من الهجرة
كتب عمر إلى معاوية فقال له : " أما بعد فقد و ليتك قيسارية فسر إليها و استنصر الله عليهم , و أكثر من قول لا حول و لا قوة إلا بالله العلى العظيم , الله ربنا و ثقتنا و رجاؤنا و مولانا فنعم المولى و نعم النصير "(1/408)
فسار إليها فحاصرها و زاحفه أهلها مرات عديدة , و كان آخرهم وقعة أن قاتلوا قتالاً عظيماً , و صمم عليهم معاوية , و اجتهد فى القتال حتى فتح الله عليه فما انفصل الحال حتى قتل منهم نحواً من ثمانين ألفاً , و كمل المائة الألف من الذين انهزموا عن المعركة , و بعث بالفتح و الأخماس إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه .
فتح قبرص سنة 28 من الهجرة
فُتحت على يد معاوية خلال خلافة عثمان رضي الله عنهما , فقد ركب معاوية فى جيش كثيف من المسلمين و معه عبادة بن الصامت و زوجته أم حرام بنت ملحان و قد بشرها رسول الله صلى الله عليه و سلم بتلك الغزوة " فقد نام عندها صلى الله عليه و سلم ثم استيقظ وهو يضحك قالت فقلت ما يضحكك يا رسول الله قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة يشك أيهما قال قالت فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك قالت فقلت ما يضحكك يا رسول الله قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله كما قال في الأولى قالت فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال أنت من الأولين فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت " متفق عليه
ففتح الله عليهم و قتلوا منهم خلقاً كثيراً , ثم صالحهم معاوية على سبعة آلاف دينار كل سنة , و قد ماتت أم حرام رضي الله عنها بقبرص شهيدة فقد وقصتها دابتها
غزو الروم سنة 32 من الهجرة
غزا معاوية بلاد الروم حتى بلغ المضيق - مضيق القسطنطينية - و كانت معه زوجته عاتكة و يقال فاطمة
و هل تعلم عدد الغزوات التى خرجت للجهاد فى عهد معاوية رضي الله عنه و كم مدينة فتحت ؟
إليك البيان
سنة 42 من الهجرة غزا المسلمون اللان و الروم فقتلوا من أمرائهم و بطارقتهم خلقاً كثيراً , و غنموا و سلموا
سنة 43 من الهجرة غزا بسر بن أرطاة بلاد الروم فتوغل فيها حتى بلغ مدينة القسطنطينية
سنة 44 من الهجرة غزا عبدالرحمن بن خالد بن الوليد بلاد الروم و معه المسلمون و شتوا هنالك , و فيها غزا بسر بن أرطاة من البحر
سنة 47 من الهجرة وفي هذه السنة وجه زياد الحكم بن عمرو الغفاري إلى خراسان أميرا فغزا جبال الغور فقهرهم بالسيف عنوة ففتحها وأصاب فيها مغانم كثيرة و سبايا
سنة 49 غزا يزيد بن معاوية بلاد الروم حتى بلغ قسطنطينية و معه جماعات من سادات الصحابة منهم ابن عمر و ابن عباس و ابن الزبير و أبو أيوب الأنصاري , و قد ثبت فى صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " أول جيش يغزون مدينة قيصر مفغور لهم " فكان هذا الجيش أول من غزاها , و ما وصلوا إليها حتى بلغوا الجهد
سنة 50 من الهجرة افتتح عقبة بن نافع الفهرى عن أمر معاوية بلاد أفريقية " تونس الآن " , و أختط القيروان ... و أسلم خلق كثير من البربر
سنة 53 من الهجرة غزا عبد الرحمن بن أم الحكم بلاد الروم و شتى هنالك , و فيها افتتح المسلمون و عليهم جنادة بن أبي أمية جزيرة رودس فأقام بها طائفة من المسلمين كانوا أشد شيء على الكفار , يعترضون لهم فى البحر و يقطعون سبيلهم , و كان معاوية يدر عليهم الأرزاق و الأعطيات الجزيلة ...
سنة 54 من الهجرة غزا الصائفة معن بن يزيد السلمى
سنة 56 من الهجرة شتى جنادة بن أبى أمية بأرض الروم , و قيل عبدالرحمن بن مسعود , و يقال فيها غزا فى البحر يزيد بن سمرة و فى البر عياض بن الحارث
سنة 58 فيها غزا مالك بن عبدالله الخثعمى أرض الروم , قال الواقدى : و فيها شتى يزيد بن شجرة فى البحر , و قيل بل غزا البحر و بلاد الروم جنادة بن أبي أمية , و قيل إنما شتى بأرض الروم عمرو بن يزيد الجهنى
هذه ما قدمه معاوية رضى الله عنه للإسلام و لم يُقدم عُشر معشاره أى معصوم من معصوميكم إلا ما كان من على رضى الله عنه و ولديه الحسن " كل ما قدمه معاوية للإسلام بعد توليه الخلافة يؤجر عليه الحسن لأنه هو من تصالح معه لله و للإسلام " و الحسين رضى الله عنهما أما بقية المعصومين فقد تقوقعوا داخل التقية خائفين هالعين " و نحن نبرأهم و الله "
و أضيف إليك أن من الآيات التى يندرج تحتها معاوية قوله تعالى [ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ](الحديد: من الآية10)
و معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه من الذين أنفقوا من بعد الفتح و قاتلوا , و قد وعد الله من قاتل و أنفق من قبل وبعد الفتح بالحسنى التى هى الجنة
================
الرد على شبهة ((ياعمار تقتلك الفئة الباغية))
الشيخ حامد العلي
سئل الشيخ حامد العلي عن هذه الشبهة فكان جوابه
كيف نرد على هذه الشبهات التي يدندن بها الرافضة(1/409)
الأولى : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ) ، وقولهم : ان معاوية رضي الله عنه هو المقصود بيدعونه إلى النار ، وهل يمكن ان يجتمع البغي مع الإيمان ؟
الثانية : قال الله تعالى ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ ) ، ويقول الرافضة : المقصود بقوله تعالى هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه . لقوله تعالى في أية أخرى ( كل نفس ذائقة الموت ) ولهذا لم يمكن أن يكون هناك تعارض في القرأن.
وجزاك الله كل الخير
جواب الشيخ:
البغي يكون نوعين ، نوع عن عمد ، ونوع عن تأويل ، والبغي الذي حصل من فئة معاوية كان عن تأويل ، بمعنى أنهم يظنون أنهم على الحق ، ولكن هذا لايخرجه عن وصف البغي في الظاهر ، وليس في الحديث دليل على أن معاوية رضي الله عنه هو الذي يدعوه إلى النار ، وإنما يدل على ان البغي في الحقيقة دعوة إلى النار ، وإن كان فاعله قد لايشعر بذلك ، كما أنك عندما تقول لمن يقول بجواز القتال في عصبية ، لمن ينصر عصبة ، إنه يدعو إلى النار بهذه الفتوى ، ولكن هو قد يكون متاولا يظن أنه على صواب وحق ، ولهذا لم يقل علماء أهل السنة أن الصحابة معصومون ، ولم يقع منهم الخطأ قط ، بل قالوا جائز ان يكون الخطأوالذنب قد وقع بتأويل، وبغير تأويل فهم بشر ، غير أن حسناتهم الراجحة وجهادهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم وفضل الصحبة تجعل فضلهم علىالامة سابقا ، لايقاربهم فيه أحد ، حتى ورد في الحديث أن مثل حبل أحد ذهبا من غيرهم ينفقه ، لايبلغ مد أحدهم ولا نصيفه ، ولايطعن فيهم إلا جاهل أو منافق أو مريض القلب
والمقصود بقوله تعالى ( كل نفس ذائقة الموت ) اي من البشر كماقال تعالى ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ) ـ وأما قوله تعالى ( ويحذركم الله نفسه ) أي يحذركم من ذاته سبحانه ، والنفس يراد بها في اللغة التاكيد ، كما تقول جاء فلان نفسه أي لاغيره ، والله تعالى عندما يقول كل نفس ذائقة الموت ، لاريب لاتدخل ذاته في الخطاب ، كما لاتدخل عندما يقول خالق كل شيء ، مع أنه سبحانه قال ( قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم ) لان الشيء هو الموجود ، والعجب من هؤلاء الرافضة ، كيف لايعقلون ما يقولون ، فهم يقولون هنا أن الله تعالى يحذر الصحابة من علي رضي الله عنه ، ثم مع ذلك يزعمون أن الصحابة لم يبالوا بهذا التحذير ، بل جحدوا حق علي رضي الله عنه ، ومضى على ذلك كل فترة الخلافة إلى أن تولاها ، وكان طيلة هذا الزمن ، مهضوم الحق ، مظلوما ، ولم يقدر ان يسترجع حقه ، فمافائدة التحذير إذاً لو كانوا يعقلون . غير أن الحق الذي لاريب فيه أن عليا رضي الله عنه تولى الخلافة لما جاء حقه فيها ، إذ فضله في الامة كترتيبه في الخلافة ، ولهذا لم يظلم ولم يقهر وحاشا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يجحدوا وصيته ، ويخونوا عهده والله أعلم.
================
شبهات وأباطيل حول معاوية رضي الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد
نكمل اليوم ما بدأناه من هذه السلسلة ( شبهات وأباطيل حول معاوية رضي الله عنه ) وقد تقدم معنا في الحلقة الماضية الحديث عن شبهة لعن علي رضي الله عنه على المنابر بأمر من معاوية .. واليوم سيكون الرد إن شاء الله ، عن مسألة بيعة الحسن لمعاوية ، واشتراط الحسن أن تكون ولاية العهد من بعد معاوية له .. وإن قضية كهذه فيها إساءة بالغة لشخص الحسن بن علي رضي الله عنه ، حيث اتهمته هذه النصوص بالسعي للصلح من أجل الملك و الدنيا ومتاعها الفاني ..
وتقدم معنا في حلقة مضت – الحلقة رقم ( 13 ) - الحديث عن شبهة اتهام معاوية بدس السم للحسن وقتله .. ولكن هذه الشبهة لم تأتي من فراغ خاصة أن هناك رواية يتمسك بها المبتدعة تتحدث عن معاهدة الصلح والتي اشترط فيها الحسن على معاوية بأن تكون الخلافة له من بعده .. فكان أمام معاوية هذه العقبة ، لذا فإنه لما بدأ يفكر في البيعة ليزيد لم يجد من أن يدس السم إليه ، ليتخلص من الشرط !!!
ولمعرفة أبعاد هذه القضية وهذه الشبهة ، ثم الخروج بحكم صحيح كان لابد من معرفة كيفية الصلح وما هي الشروط التي اقتضاها ذلك الصلح ..
كان الحسن رضي الله عنه معارضاً لخروج أبيه لقتال أهل الجمل وأهل الشام ، كما جاء ذلك بإسناد حسن عند ابن أبي شيبة في المصنف (15/99-100) ، و ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 42/456-457) .. ثم لما رأى تلك المعارك التي لاشك أنها تركت في نفسه جرحاً بليغاً ، خاصة بعد أن رأى تحول المسلمين من فاتحين ومجاهدين إلى جماعات متناحرة شاهرين الرماح في وجوه بعضهم البعض .. ورأى كيف سقط الآلاف من المسلمين ، بسبب تلك الحروب التي لاتخدم إلا أعداء الإسلام .. ثم إنه بالتأكيد قد أحس بتلك الأصابع الخفية ، التي ساعدت على تأجيج وتوسيع الخلاف بين المسلمين ..(1/410)
بعد استشهاد علي رضي الله عنه ، اجتمع أنصار علي واختاروا الحسن خليفة لهم من بعد أبيه ، وبايع الحسن أهل العراق على بيعتين : بايعهم على الإمرة ، وبايعهم على أن يدخلوا فيما يدخل فيه ، ويرضوا بما رضي به . انظر : طبقات ابن سعد الطبقة الخامسة ( 5/257 ) بإسناد حسن .
وبعد أن أخذ البيعة منهم قال لهم : الحقوا بطينتكم وإني والله ما أحب أن ألي من إمرة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما يزيد على ذرة خردل يهراق منهم محجم دم . انظر : طبقات ابن سعد الطبقة الخامسة ( 5/257 ) بإسناد صحيح .
هنا ارتاب أهل العراق من شرط الحسن عندما بايعهم ، ووقع في حسّهم أن الحسن ليس بصاحب قتال ، وقد تعرض الحسن رضي الله عنه لمحاولة اغتيال من قبل أحد الخوارج حينما طعنه في وركه طعنة خطيرة ، مرض منها الحسن طويلاً وكادت أن تودي بحياته .. انظر : المعجم الكبير للطبراني ( 3 / 61 ) بإسناد حسن .
وهذا التصرف جعل الحسن يزداد بغضاً لأهل الكوفة ، فراسل معاوية في الصلح . وفي المقابل راسل معاوية الحسن ووافق على الصلح ، هنا استشار الحسن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب في هذا التصرف فأيده . طبقات ابن سعد ، الطبقة الخامسة ( 269 ) بسند صحيح .
هذا وقد مرت قضية الصلح بمراحل عدة ، أشار إليها الدكتور خالد الغيث في كتابه القيم مرويات خلافة معاوية في تاريخ الطبري ( ص 126 – 135 ) وهذا مختصرها:-
• المرحلة الأولى : دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم للحسن بأن يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، فتلك الدعوة المباركة هي التي دفعت الحسن رضي الله عنه إلى الإقدام على الصلح بكل ثقة وتصميم .
• المرحلة الثانية : الشرط الذي وضعه الحسن أساساً لقبوله مبايعة أهل العراق له ، بأن يسالموا من يسالم ويحاربوا من يحارب .
• المرحلة الثالثة : محاولة الاغتيال التي تعرض لها الحسن رضي الله عنه على يد الخوارج ، كما ذكر ذلك ابن سعد في الطبقات (1/323 ) بسند حسن .
• المرحلة الرابعة : إجبار الحسن رضي الله عنه على الخروج لقتال أهل الشام من غير رغبة منه ، وهذا الأمر أشار إليه ابن كثير رحمه الله في البداية ( 8/14 ) بقوله : ولم يكن في نية الحسن أن يقاتل أحد ، ولكن غلبوه على رأيه ، فاجتمعوا اجتماعاً عظيماً لم يسمع بمثله ..
• المرحلة الخامسة : خروج معاوية رضي الله عنه من الشام وتوجهه إلى العراق ، بعد أن وصل إليه خبر خروج الحسن من الكوفة ..
• المرحلة السادسة : تبادل الرسل بين الحسن ومعاوية ، ووقوع الصلح بينهما رضان الله عليهما .
• المرحلة السابعة : المحاولة الثانية لاغتيال الحسن رضي الله عنه ، حيث أنه بعد أن نجحت المفاوضات بين الحسن ومعاوية ، شرع الحسن في تهيئة نفوس أتباعه على تقبل الصلح الذي تم ، فقام فيهم خطيباً ، وبينما هو يخطب إذ هجم عليه بعض معسكره محاولين قتله ، ولكن الله أنجاه منهم . انظر هذا الخبر في الأخبار الطوال للدينوري ( ص 216 – 217 ) .
• المرحلة الثامنة : تنازل الحسن بن علي عن الخلافة وتسليمه الأمر إلى معاوية رضوان الله عليهم أجمعين . انظر خبر هذه المرحلة عند الطبراني في الكبير ( 3 / 26 ) بسند حسن وفضائل الصحابة للإمام أحمد ( 2 / 769 ) بسند صحيح .
قال أبو سلمة التبوذكي رحمه الله في معرض الإشادة بجمع عثمان بن عفان رضي الله عنه القرآن : وكان في جمعه القرآن كابي بكر في الردة . السنة للخلال ( 322 )
قلت : وكذلك كان الحسن رضوان الله عليه في صلحه مع معاوية رضي الله عنه في حقنه لدماء المسلمين ، كعثمان في جمعه القرآن وكأبي بكر في الردة .(1/411)
ولا أدل على ذلك من كون هذا الفعل من الحسن يعد علماً من أعلام النبوة ، والحجة في ذلك ما سجله البخاري في صحيحه لتلك اللحظات الحرجة من تاريخ الأمة المسلمة حين التقى الجمعان ، جمع أهل الشام وجمع أهل العراق ، عن أبي موسى قال : سمعت الحسن – أي البصري - يقول : استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال ، فقال عمرو بن العاص : إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها . فقال له معاوية - و كان والله خير الرجلين - : أي عمرو ، إن قتل هؤلاء ، هؤلاء و هؤلاء ، هؤلاء من لي بأمور الناس ؟ من لي بنسائهم ؟ من لي بضيعتهم ؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس – عبد الله بن سمرة و عبد الله بن عامر بن كريز – فقال : اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه و قولا له و اطلبا إليه . فأتياه فدخلا عليه فتكلما و قالا له و طلبا إليه . فقال لهما الحسن بن علي : إنّا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال – أي فرقنا منه في حياة علي وبعده ما رأينا في ذلك صلاحاً ، قال ابن حجر : فنبه على ذلك خشية أن يرجع عليه بما تصرف فيه ( 13 / 70 ) – و إن هذه الأمة قد عاثت في دمائها – أي المعسكرين الشامي والعراقي قد قتل بعضها بعضاً ، فلا يكفون عن ذلك إلا بالصفح عما مضى منهم - قالا : فإنه يعرض عليك كذا و كذا و يطلب إليك و يسألك ، قال : فمن لي بهذا ؟ قالا : نحن لك به ، فما سألهما شيئاً إلا قالا نحن لك به فصالحه ، فقال الحسن - أي البصري - : و لقد سمعت أبا بكرة يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر - و الحسن بن علي إلى جنبه و هو يقبل على الناس مرة و عليه أخرى و يقول - : إن ابني هذا سيد و لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين . صحيح البخاري مع الفتح (5/361) و الطبري (5/158) .
و في هذه القصة فوائد كثيرة أفادها الحافظ في الفتح (13/71-72) منها :-
1- عَلَمٌ من أعلام النبوة .
2- فيها منقبة للحسن بن علي رضي الله عنهما ، فإنه ترك الملك لا لقلة و لا لذلة و لا لعلة ، بل لرغبته فيما عند الله ، و لما رآه من حقن دماء المسلمين ، فراعى أمر الدين و مصلحة الأمة .
3- فيها ردّ على الخوارج الذين كانوا يكفرون علياً و من معه و معاوية و من معه ، بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم للطائفتين بأنهم من المسلمين .
4- فيها دلالة على فضيلة الإصلاح بين الناس ، ولا سيما في حقن دماء المسلمين .
5- فيها دلاله على رأفة معاوية بالرعية و شفقته على المسلمين ، و قوة نظره في تدبير الملك و نظره في العواقب .
6- فيها جواز خلع الخليفة نفسه إذا رأى في ذلك صلاحاً للمسلمين .
7- و فيه جواز ولاية المفضول مع وجود الأفضل ، لأن الحسن و معاوية ولي كل منهما الخلافة و سعد بن أبي وقاص (ت 55هـ) و سعيد بن زيد (ت51هـ) في الحياة و هما بدريان .
قال ابن بطال معلقاً على رواية البخاري : هذا يدل على أن معاوية كان هو الراغب في الصلح ، وأنه عرض على الحسن المال ورغبه فيه ، وحثه على رفع السيف ، وذكره ما موعده جده صلى الله عليه وسلم من سيادته في الإصلاح به . انظر : الفتح ( 13 / 69 ) .
وهناك رواية أخرى أخرجها ابن سعد في الطبقات ( 1 / 330 – 331 ) بسند صحيح وهي لا تقل أهمية عن رواية البخاري في الصلح ، وتعد مكملة لها ، وهي من طريق عمرو بن دينار : إن معاوية كان يعلم أن الحسن أكره للفتنة ، فلما توفي علي بعث إلى الحسن فأسلح الذي بينه وبينه سراً ، وأعطاه معاوية عهداً إن حدث به حدث والحسن حي لَيُسَمِّينَّهُ – أي يرشحه للخلافة من بعده - ، وليجعلن هذا الأمر إليه ، فلما وثق منه الحسن ، قال ابن جعفر : والله إني لجالس عند الحسن إذ أخذت لأقوم فجذب بثوبي وقال : اقعد يا هَناهُ – أي يا رجل – اجلس ، فجلست ، قال : إني قد رأيت رأياً وأحب أن تتابعني عليه ، قال : قلت : ما هو ؟ قال : قد رأيت أن أعمد إلى المدينة فأنزلها وأخلي بين معاوية وبين هذا الحديث ، فقد طالت الفتنة ، وسقت فيها الدماء وقطعت فيها الأرحام ، وقطعت السبل ، وعطلت الفروج – يعني الثغور - ، فقال ابن جعفر : جزاك الله عن أمة محمد فأنا معك على هذا الحديث ، فقال الحسن : اع لي الحسين ، فبعث إلى الحسين فأتاه فقال : يا أخي أني قد رأيت رأياً وإني أحب أن تتابعني عليه ، قال : ما هو ؟ قال : فقص عليه الذي قال لابن جعفر ، قال الحسين : أعيذك بالله أن تكذب علياً في قبره وتصدق معاوية ، قال الحسن : والله ما أردت أمراً قط إلا خالفتني إلى غيره ، والله لقد هممت أن أقذفك في بيت فأطينه عليك حتى أقضي أمري ، قال : فلما رأى الحسين غضبه قال : أنت أكبر ولد علي ، وأنت خليفته ، وأمرنا لأمرك فافعل ما بدا لك .(1/412)
والحقيقة أن الرغبة في الصلح كانت موجودة لدى الطرفين الحسن ومعاوية ، فقد سعى الحسن رضي الله عنه إلى الصلح ، وخطط له منذ اللحظات الأولى لمبايعته ، ثم جاء معاوية فأكمل ما بدأه الحسن ، فكان عمل كل واحد منهما مكملاً للآخر رضوان الله عليهم أجمعين .
ومن خلال النصين السابقين ، وبالتدقيق في الروايات التي تنص على طلب الحسن الخلافة بعد معاوية ، نجد أنها تتنافى مع قوة و كرم الحسن ؛ فكيف يتنازل عن الخلافة حقناً لدماء الأمة و ابتغاء مرضاة الله ، ثم يوافق على أن يكون تابعاً ، يتطلب أسباب الدنيا و تشرأب عنقه للخلافة مرة أخرى ؟!
و الدليل على هذا ما ذكره جبير بن نفير قال : قلت للحسن بن علي ، إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة ، فقال كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من سالمت و يحاربون من حاربت ، فتركتها ابتغاء وجه الله ، ثم أبتزها بأتياس أهل الحجاز . البلاذري في أنساب الأشراف (3/49) و طبقات ابن سعد ، الطبقة الخامسة ( ص 258) بسند جيد .
وفي اعتقادي أن هذه القصة عبارة عن إشاعة سارت بين الناس وبالذات بين أتباع الحسن ، ثم إنه من الملاحظ أن أحداً من أبناء الصحابة أو الصحابة أنفسهم ، لم يذكروا خلال بيعة يزيد شيئاً من ذلك ، فلو كان الأمر كما تذكر الروايات عن ولاية العهد ، لاتخذها الحسين رضي الله عنه حجة ، وقال أنا أحق بالخلافة ، ولكن لم نسمع شيئاً من ذلك على الإطلاق .
ومما يؤيد هذا الاعتقاد ، ما قرره الأستاذ محمد ضيف الله بطاينة في مقال له منشور في مجلة الجامعة الإسلامية العدد ( 83 – 84 ) سنة 1409هـ ، حيث قال : وربما أن هذه الإشاعة – قضية ولاية عهد الحسن بعد معاوية – أطلقت في ظروف متأخرة ، أرادت التعريض بالبيعة ليزيد ، واتهام معاوية بالخروج على الشورى في استخلافه ولده يزيد ، وهي قضية جرت في فترة تالية من الصلح بين الحسن ومعاوية
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة ومع شبهة استغناء معاوية عن المطالبة بقتلة عثمان ، مقابل توليه الخلافة ..
وتقبلوا تحيات أخوكم : أبو عبد الله الذهبي ..
================
مطاعن الشيعة في أبي هريرة رضي الله عنه والرد عليها
1. ... سيرة أبي هريرة رضي الله عنه
2. ... إدعاء الشيعة على أبي هريرة رضي الله عنه أنه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث موضوعة
3. ... كثرة أحاديثه وأسبابها
4. ... هل يجوز اخفاء الحديث حرصا على بلعوم ابى هريرة
5. ... روايات أبي هريرة رضي الله عنه من طرق الشيعة
6. ... مطاعن شرف الدين الموسوي ( صاحب المراجعات ) في أبي هريرة رضي الله عنه والرد عليها
7. ... طعن الشيعة في أبي هريرة رضي الله عنه لروايته: خلق الله آدم على صورته
8. ... رؤية الله يوم القيامة
9. ... لا تملأ النار حتي يضع الله رجله فيها
10. ... نزول الرب كل ليلة إلى السماء الدنيا
11. ... طواف النبي سليمان بمائة إمرأة في ليلة واحدة
12. ... لطم موسى عليه السلام عين ملك الموت
13. ... فرار الحجر بثياب موسى عليه السلام
14. ... طلب الشفاعة من الأنبياء يوم القيامة
15. ... تساقط جراد الذهب على نبي الله أيوب عليه السلام
16. ... التنديد بموسى إذ قرصته نملة فأحرق قريتها
17. ... سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الركعتين
18. ... أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يجلد ويغضب
19. ... عروض الشيطان لرسول الله وهو في الصلاة
20. ... نوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صلاة الصبح
21. ... أن بقرة وذئباً يتكلمان بلسان عربي مبين
22. ... تركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدقة
23. ... كون أبي طالب مات مشركا
24. ... أمة مسخت فأراً
25. ... من أدركة الفجر جنباً فلا يصم
26. ... لا عدوى ولا صفر ولا هامة
27. ... مولودان يتكلمان بالغيبيات
28. ... توكيل أبي هريرة رضي الله عنه زكاة الفطر
29. ... إسلام أمه بدعاء النبي ودعائه بأن يحببهما إلى المؤمنين
30. ... دخلت امرأة النار في هرة
31. ... غفر الله لإمرأة سقت كلبا
32. ... سقي رجل الماء لكلب فغفر له
33. ... مسرف كافر غفر له
34. ... أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان جنباً
35. ... تفضيل النبي على موسى عليهما السلام
36. ... لن يدخل أحدكم الجنة بعمله
37. ... أن النبي صلى الله عليه وآله سلم كان راعياً
38. ... ختن نبي الله إبراهيم بالقدوم بعد الثمانين
39. ... عمر آدم عليه السلام
40. ... احتجاج آدم وموسى عليهما السلام
41. ... مشي العلاء الحضرمي على البحر مع جنوده
42. ... النهي عن المشي بالخف الواحد
43. ... إنما الشؤم في المرأة والدابة .. الحديث
44. ... بأنه جلس إلى جنب حجرة عائشة وهو يحدث
45. ... إذا استيقظ أحداً من النوم فليغسل يده
46. ... من صاحب كلباً انتقض أجره كل يوم قيراط
47. ... من اتبع جنازة فله من الأجر قيراط
48. ... من حب لقاء الله احب الله لقاءه
49. ... قول رجل للنبي : وقعت على امرأتي وأنا صائم
50. ... تخفيف الصلاة من خمسين إلى خمس(1/413)
51. ... معلومة هامة عن مرويات أبي هريرة رضي الله عنه
سيرة أبي هريرة رضي الله عنه
أبوهريرة هو عبد الرحمن بن صخر من ولد ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم ابن دوس اليماني ، فهو دوسي نسبة إلى دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران ابن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر وهو سنوءة ابن الأزد ، والأزد من أعظم قبائل العرب وأشهرها ، تنسب إلى الأزد ابن الغوث بن نبت بن مالك بن كهلان من العرب القحطانية .الراجح عند العلماء أن اسمه في الجاهلية : عبد شمس .
فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " عبد الرحمن " ، لأنه لايجوز تسمية إنسان بأنه عبد فلان أو عبد شيء من الأشياء ، وإنما هو عبد الله فقط ، فيسمى باسم عبد الله أو عبد الرحمن وهكذا ، وعبد الرحمن هو الذي يسكن إليه القلب .
اشتهر أبوهريرة بكنيته ، وبها عرف حتى غلبت على اسمه فكاد ينسى .
أخرج الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إنما كنّوني بأبي هريرة لأني كنت أرعى غنما لأهلي ، فوجدت أولاد هرة وحشية ، فجعلتها في كمي ، فلما رجعت إليهم سمعوا أصوات الهر من حجري ، فقالوا: ما هذا يا عبد شمس ؟ فقلت : أولاد هرة وجدتها ، قالوا : فأنت أبوهريرة ، فلزمني بعد .
وأخرج الترمذي عنه قال: كنت أرعى غنم أهلي، فكانت لي هريرة صغيرة ، فكنت أضعها بالليل في الشجرة ، فإذا كان النهار ذهبت بها معي فلعبت بها فكنوني بأبي هريرة
لكن يقول أبو هريرة رضي الله عنه :" كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعوني : أبا هرٍ ، ويدعوني الناس: أبا هريرة " .
ولذلك يقول: " لأن تكنونني بالذكر أحب إلي من أن تكنونني بالأنثى" .
اسلامه وصحبته:
المشهور أنه أسلم سنة سبع من الهجرة بين الحديبية وخيبر وكان عمره حينذاك نحواً من ثلاثين سنة ، ثم قدم المدينة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حين رجوعه من خيبر وسكن ( الصّفة) ولازم الرسول ملازمة تامة ، يدور معه حيثما دار ، ويأكل عنده في غالب الأحيان إلى أن توفي عليه الصلاة والسلام .
حفظه وقوة ذاكرته :
كان من أثر ملازمة أبي هريرة رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ملازمة تامة ، أن اطلع على ما لم يطلع عليه غيره من أقوال الرسول وأعماله ، ولقد كان سيء الحفظ حين أسلم ، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له : افتح كساءك فبسطه، ثم قال له : ضمه إلى صدرك فضمه ، فما نسي حديثاً بعده قط .هذه القصة - قصة بسط الثوب - أخرجها أئمة الحديث كالبخاري ومسلم وأحمد ، والنسائي ، وأبي يعلى،وأبي نعيم .
ثناء الله تعالى والرسول صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة والتابعين رضي الله عنهم وأهل العلم عليه :
أكرم الله تعالى الصحابة رضي الله عنهم بآيات كثيرة تثبت لهم الفضل والعدالة ، منها ما نزل في صحابي واحد أو في أصحاب مشهد معين مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ،كرضوانه عن الذين بايعوا تحت الشجرة في الحديبية ، ومنها ما نزل فيهم عامة ودخل تحت ظلها كل صحابي ، وكذلك أكرم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه رضي الله عنهم بمثل ذلك من الاستغفار وإعلان الفضل والعدالة لبعضهم أو لطبقة منهم أو لهم عامة .
فمن الآيات العامة الشاملة قوله عزوجل :{ مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [ الفتح /29] ، ومن آخر الآيات نزولاً قوله { لَقَد تابَ اللهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالْمهَجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهٌ فِىِ سَاعَةِ العُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنهُو بهَمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [التوبة/117] .
فأبو هريرة واحد من الصحابة رضي الله عنهم ينال أجر الصحبة المطلقة ، ويكسب العدالة التي لحقت بهم جميعاً وأثبتتها آيات القرآن الكريم السابقة . وهو ينال شرف دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وينال أجر الهجرة إلى الله ورسوله ، إذ كانت هجرته قبل الفتح وشرف دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم له، وأجر الجهاد تحت راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأجر حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتبليغه .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :والذي نفس محمد بيده ، لقد ظننت أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي ، لما رأيت من حرصك على العلم .
وفي رواية قال : لقد ظننت لايسألني عن هذا الحديث أحد أول منك ،لما رأيت من حرصك على الحديث .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أبوهريرة وعاء من العلم
قال زيد بن ثابت : فقلنا : يارسول الله، ونحن نسأل الله علما لاينسى فقال: سبقكم بها الغلام الدوسي .
جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنه في مسألة ، فقال ابن عباس لأبي هريرة رضي الله عنه : أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة .(1/414)
قال الشافعي : أبو هريرة رضي الله عنه أحفظ من روى الحديث في دهره .
وقال البخاري : روى عنه نحو ثمانمائة من أهل العلم ، وكان أحفظ من روى الحديث في عصره .
وقال الذهبي : الإمام الفقيه المجتهد الحافظ ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أبو هريرة رضي الله عنه الدوسي اليماني ، سيد الحفاظ الأثبات .
وقال في موضع آخر : أبو هريرة رضي الله عنه إليه المنتهى في حفظ ما سمعه من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأدائه بحروفه .
وقال أيضاً: كان أبو هريرة رضي الله عنه وثيق الحفظ ، ما علمنا أنه أخطأ في حديث .
وقال أيضاً : هو رأس في القرآن ، وفي السنة ، وفي الفقه .
وقال : أين مثل أبي هريرة رضي الله عنه في حفظه وسعة علمه .
الصحابة الذين روى عنه :
روى عن كثير من الصحابة منهم : أبو بكر ، وعمر ، والفضل بن العباس ، وأبي ابن كعب ، وأسامة بن زيد ، وعائشة رضي الله عنهم .
وأما الصحابة الذين رووا عنه : منهم ابن عباس ، وابن عمر ، وأنس بن مالك ، وواثلة بن الأسقع ، وجابر بن عبدالله الأنصاري وأبو أيوب الأنصاري رضي الله عنهم .
التابعون الذين رووا عنه :
ومن التابعين سعيد بن المسيب وكان زوج ابنته، وعبدالله بن ثعلبة ، وعروة ابن الزبير، وقبيصة بن ذؤيب، وسلمان الأغر، وسليمان بن يسار، وعراك بن مالك ، وسالم بن عبدالله بن عمر، وأبو سلمة وحميد ابنا عبدالرحمن بن عوف، ومحمد بن سيرين ، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار رضي الله عنهم وكثيرون جداً بلغوا كما قال البخاري : ثمانمائة من أهل العلم والفقه .
عدة ما روي عنه من الحديث :
أخرج أحاديثه جمع من الحفاظ من أصحاب المسانيد ، والصحاح ، والسنن ، والمعاجم ، والمصنفات ، وما من كتاب معتمد في الحديث ، إلا فيه أحاديث عن الصحابي الجليل أبى هريرة رضي الله عنه .
وتتناول أحاديثه معظم أبواب الفقه: في العقائد ، والعبادات ، والمعاملات ، والجهاد ، والسير، والمناقب، والتفسير، والطلاق، والنكاح، والأدب، والدعوات ، والرقاق ، والذكر والتسبيح .. وغير ذلك .
روى له الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (3848 ) حديثاً وفيها مكرّر كثير باللفظ والمعنى ، ويصفو له بعد حذف المكرّر خير كثير.
وروى له الإمام بقى بن مخلد ( 201 - 276 ه ) في مسنده ( 5374 ) خمسة آلاف حديث ، وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثاً .
وروى له أصحاب الكتب الستة والإمام مالك في موطئه( 2218 ) ألفي حديث، ومائتين وثمانية عشر حديثاً مما اتفقوا عليه وانفردوا به (3) ، له في الصحيحين منها (609) ستمائة وتسعة أحاديث ، اتفق الشيخان : الإمام البخاري ، والإمام مسلم عن (326) ثلاثمائة وستة وعشرين حديثاً منها، وانفرد الإمام البخاري ب( 93) بثلاثة وتسعين حديثاً، ومسلم ب(190) بتسعين ومائة حديث .
أصح الطرق عن أبي هريرة :
أصح أسانيد أبي هريرة في رأي البخاري ماروي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة .
وأصح حديث ابي هريرة في رأي الإمام أحمد مارواه محمد بن سيرين ثم مارواه سعيد بن المسيب .
أما عند الإمام علي بن المديني فهم ستة : ابن المسيب ، وأبوسلمة ، والأعرج، وأبو صالح ، وابن سيرين ، وطاوس .
وهم ستة أيضاً عند ابن معين: قال أبوداود : سألت ابن معين: من كان الثبت في أبي هريرة ؟ فقال: ابن المسيب وأبوصالح ، وابن سيرين ، والمقبري ، والأعرج ، وأبو رافع ، وأربعة منهم وافق ابن المديني عليهم ، واستثنى أبا سلمة وطاوس ، وأبدلهما بالمقبري وابي رافع .
وقد أحصى أحمد محمد شاكر ، وذكر أصح أسانيد أبي هريرة ومجموع من ذكرهم ستة : مالك وابن عيينة ومعمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عنه ، ومالك عن أبي الزناد عن الأعرج عنه، وحماد بن زيد عن ايوب عن محمد بن سيرين عنه، ومعمر عن همام بن منبه عنه ، ويحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه واسماعيل ابن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عنه .
كثرة حديثه وأسبابها :
كان أبو هريرة رضي الله عنه يبين أسباب كثرة حديثه فيقول : إنكم لتقولون أكثر أبوهريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والله الموعد ، ويقولون : ما للمهاجرين لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الأحاديث ، وإن أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم أرضوهم والقيام عليها ، وإني كنت امرءاً مسكيناً :" ألزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ملء بطني " وكنت أكثر مجالسة رسول الله، أحضر إذا غابوا ، وأحفظ إذا نسوا ، وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حدثنا يوماً فقال: " من يبسط ثوبه حتى أفرغ فيه من حديثي ، ثم يقبضه إليه فلا ينسى شيئاً سمعه مني أبداً " فبسطت ثوبي - أو قال نمرتي - فحدثني ثم قبضته إلىّ ، فوالله ما كنت نسيت شيئاً سمعته منه .(1/415)
وكان يقول: وأيم الله.. لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبداً، ثم يتلوا: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّهُ لِلنَّاسِ فىِ الْكِتَبِ أُوْلئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّعِنُونَ }. وكان يدعو الناس إلى نشر العلم، وعدم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، من ذلك ما يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه قال: " من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة " وعنه أيضاً : " ومن كذب علىّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" متفق عليه .
وقد شهد له إخوانه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكثرة سماعه وأخذه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذه الشهادات تدفع كل ريب أو ظن حول كثرة حديثه ، حتى إن بعض الصحابة رضي الله عنهم رووا عنه لأنه سمع من النبي الكريم ولم يسمعوا ، ومن هذا أن رجلا جاء إلى طلحة ابن عبيد الله، فقال: يا أبا محمد، أرأيت هذا اليماني- يعني أبا هريرة - أهو أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منكم ؟ نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم ، أم هو يقول عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يقل ؟ قال : أما أن يكون سمع ما لم نسمع ، فلا أشك ، سأحدثك عن ذلك : إنا كنا أهل بيوتات وغنم وعمل ، كنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طرفى النهار ، وكان مسكيناً ضيفاً على باب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده مع يده ، فلا نشك أنه سمع ما لم نسمع ، ولا تجد أحداً فيه خير يقول عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يقل وقال في رواية : " قد سمعنا كما سمع ، ولكنه حفظ ونسينا " .
وروى أشعث بن سليم عن أبيه قال : سمعت أبا أيوب " الأنصاري " يحدّث عن أبي هريرة فقيل له : أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتحدّث عن أبي هريرة رضي الله عنه ؟ فقال: إن أبا هريرة قد سمع ما لم نسمع ، وإني أن أحدث عنه أحبّ إليّ من أن أحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - يعني ما لم أسمعه منه .
ثم إن جرأة أبى هريرة رضي الله عنه في سؤال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أتاحت له أن يعرف كثيراً مما لم يعرفه أصحابه ، فكان لا يتأخر عن أن يسأله عن كل ما يعرض له، حيث كان غيره لا يفعل ذلك ، قال أٌبي بن كعب : كان أبو هريرة رضي الله عنه جريئاً على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأله عن أشياء لا نسأله عنها .
كما كان يسأل الصحابة الذين سبقوه إلى الإسلام ، فكان لا يتأخر عن طلب العلم ، بل كان يسعى إليه في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وبعد وفاته .
وهو الذي يروى عنه : " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" .
وقد رأينا أبا هريرة رضي الله عنه يحب الخير ويعمل من أجله ، فما أظنه يتأخر عن خير من هذا النوع، وهو الذي صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكلمة يعلمه إياها، ولحكمة يعظه بها
مرضه ووفاته :
لما حضرته المنية رضي الله عنه قال: لاتضربوا علي فسطاطاً ، ولاتتبعوني بنار وأسرعوا بي إسراعاً ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إذا وضع الرجل الصالح - أو المؤمن - على سريره قال: قدموني، وإذا وضع الرجل الكافر - أو الفاجر - على سريره ، قال ياويلي أين تذهبون بي ؟ وكانت وفاته في السنة التي توفيت فيها عائشة أم المؤمنين عام (58 ه) .
الرد على الشبهات التي أثارها أهل البدع والمخالفين حول أبي هريرة ورواياته:
ذلكم أبو هريرة رضي الله عنه الذي عرفناه قبل إسلامه وبعد إسلامه ، عرفناه في هجرته وصحبته للرسول الكريم ، فكان الصاحب الأمين والطالب المجد ، يدور مع الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في حلّه وترحاله ، ويشاركه أفراحه وأحزانه،وعرفنا التزامه للسنة المطهرة، وتقواه وورعه ، في شبابه وهرمه ...وعرفنا مكانته العلمية ، وكثرة حديثه ، وقوة حافظته ، ورأينا منزلته بين أصحابه ، وثناء العلماء عليه .(1/416)
ذلكم أبو هريرة رضي الله عنه الذي صوّره لنا التاريخ من خلال البحث الدقيق ، إلا أن بعض الحاقدين الموتورين لم يسرهم أن يروا أبا هريرة رضي الله عنه في هذه المكانة السامية ، والمنزلة الرفيعة ، فدفعتهم ميولهم وأهواؤهم إلى أن يصوّروه صورة تخالف الحقيقة التي عرفناها ، فرأوا في صحبته للرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، غايات خاصة ليشبع بطنه ويروي نهمه ، وصوروا أمانته خيانة ، وكرمه رياء ، وحفظه تدجيل ،وحديثه الطيب الكثير كذباً على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبهتاناً ، ورأوا في فقره مطعناً وعاراً ، وفي تواضعه ذلاً ، وفي مرحه هذراً ، وصوروا أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر لونًا من المؤامرات لخداع العامة، ورأوا في اعتزاله الفتن تحزباً ، وفي قوله الحق انحيازاً ، فهو صنيعة الأمويين و أداتهم الداعية لمآربهم السياسية ، فكان لذلك من الكاذابين الواضاعين للأحاديث على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم افتراء وزورا !! .
وفيما يلي ذكر الأباطيل والافتراءات والشبهات التي أوردُوها ، ولنبدأ بالشبهات التي أثارها "عبد الحسين" في كتابه ( أبو هريرة ) مع أجوبتها .
"مع عبد الحسين شرف الدين الموسوي "
قال في مقدمة كتابه " أبو هريرة " (ص5) ما نصه:( هذه دراسة لحياة صحابي روى عن رسول الله فأكثر حتى أفرط و روت عنه صحاح الجمهور و سائر مسانيدهم فأكثرت حتى أفرطت أيضاً ، ولا يسعنا إزاء هذه الكثرة المزدوجة إلا أن نبحث عن مصدرها لإتصالها بحياتنا الدينية والعقلية اتصالا مباشرًا ولولا ذلك لتجاوزناها و تجاوزنا مصدرها إلى ما يغنينا عن تجشم النظر فيها وفيه .
ولكن اسلات هذه الكثرة قد استفاضت في فروع الدين وأصوله فاحتج بها فقهاء الجمهور ومتكلموهم في كثير من أحكام الله عز وجل وشرائعه ملقين إليها سلاح النظر والتفكير ولا عجب منهم في ذلك بعد بنائهم على إصالة العدالة في الصحابة أجمعين ، وحيث لا دليل على هذا الأصل كما هو مبين في محله بإيضاح لم يكن لنا بد من البحث عن هذا المكثر نفسه وعن حديثه كما وكيفا لنكون على بصيرة فيما يتعلق من حديثه بأحكام الله فروعاً وأصولاً وهذا ما اضطرنا الى هذه الدراسة الممعنة في حياة هذا الصحابي ( وهو أبو هريرة ) وفي نواحي حديثه وقد بالغت في الفحص وأغرقت في التنقيب حتى أسفر وجه الحق في كتابي هذا وظهر فيه صبح اليقين .
أما أبو هريرة نفسه فنحيلك الآن في تاريخ حياته وتحليل نفسيته على ما ستقف عليه في الكتاب، إذ مثلناه بكنهه وحقيقته من جميع نواحيه تمثيلا تاما تدركه بحواسك كلها
وأما حديثه فقد أمعنا النظر فيه كما وكيفا فلم يسعنا -شهد الله - إلا الانكار عليه في كل منها. وأي ذي روية متجرد متحرر يطمئن إلى هذه الكثرة لا يعد لها المجموع من كل ما حدث به الخلفاء الأربعة وأمهات المؤمنين التسع والهاشميون والهاشميات كافة . وكيف تسنى لأمي ( تأخر اسلامه فقلت صحبته أن يعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يعه السابقون الأولون من الخاصة وأولي القربى . ونحن حين نحكم الذوق الفني والمقياس العلمي نجدهما لا يقران كثيراً مما رواه هذا المفرط في اكثاره وعجائبه . فالسنة أرفع من أن تحتضن أعشاباً شائكة وخز بها أبو هريرة ضمائر الأذواق الفنية، وأدمى بها تفكير المقاييس العلمية ان يشوه بها السنة المنزهة ويسيء الى النبي وأمته (ص).... .
والحق أن الصحبة بما هي فضيلة جليلة ، لكنها غير عاصمة ، والصحابة فيهم العدول وفيهم الأولياء والأصفياء والصديقون وهم علماؤهم وعظماؤهم وفيهم مجهول الحال، وفيهم المنافقون من أهل الجرائم والعظائم، والكتاب الحكيم يذكر ذلك بصراحة ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم .
فعدولهم حجة ومجهول الحال نتبين أمره ، وأهل الجرائم لا وزن لهم ولا لحديثهم هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة وغيرهم والكتاب والسنة بنيا على هذا الرأي فالوضّاعون لا نعفيهم من الجرح وإن اطلق عليهم لفظ الصحابة ، لأن في اعفائهم خيانة لله عز وجل ولرسوله ولعباده ، ونحن في غنى بالعلماء والعظماء ، والصديقين ، والصالحين ، من أصحابه صلى الله عليه وسلم ومن عترته التي أنزلها منزلة الكتاب وجعلها قدوة لأولي الألباب .
وعلى هذا فقد اتفقنا في النتيجة وإن قضى الالتواء في المقدمات شيئاً من الخلاف، فإن الجمهور إنما يعفون أبا هريرة،وسمرة بن جندب،والمغيرة ، ومعاوية ، وابن العاص، ومروان، وأمثالهم تقديساً لرسول الله لكونهم في زمرة من صحبه صلى الله عليه وسلم ونحن إنما ننتقدهم تقديساً لرسول الله ولسنته (ص)شأن الأحرار في عقولهم ممن فهم الحقيقة من التقديس والتعظيم .(1/417)
وبديهي - بعد - أن تكذيب كل من يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً خارجاً عن طاقة التصديق أولى بتعظيم النبي وتنزيهه وأجرى مع المنطق العلمي الذي يريده صلى الله عليه وسلم لرواد الشريعة ورواد العلم من أمته ، وقد أنذر صلى الله عليه وسلم بكثرة الكذابة عليه وتوعدهم بتبوء مقاعدهم من النار فأطلق القول بالوعيد .
وإني أنشر هذه الدراسة في كتابي هذا - أبو هريرة - مخلصاً للحق في تمحيص السنة وتنزيهها في ذاتها المقدسة وفي نسبتها لقدسي النبي الحكيم العظيم ( وما ينطق عن الهوى).
قلت: قوله بأن أبا هريرة أفرط ، فهذا كذب ، فأي إفراط كان من أبي هريرة وهو الحافظ الذي عرفناه ، والمفتي الذي احتاجت إليه الأمة بعد وفاة رؤوس الصحابة، وبقى أبو هريرة مع من بقى في المدينة مرجعاً للمسلمين في دينهم وشريعتهم ، بعد أن انطلق الصحابة إلى الأقطار الإسلامية يعلمون أهلها ويفقهونهم ، وسنتعرض للرد التفصيلي على دعواه هذه فيما بعد ، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن أبا هريرة لم يكن مفرطاً ، بل كان كغيره من علماء الصحابة ، يستفتى فيفتى ، ويسأل فيجيب ، فلم يكن مفرطاً ، في عهد الخلفاء الراشدين ولا بعدهم ، إنما وثق به القوم، وعرفوا مكانته ، فوضعوه حيث يستحق ، فكم من راحل يقطع المسافات ليرى أبا هريرة ، وكم من مقيم يترك كبار الصحابة ويأتيه في مسألة أو حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فأبو هريرة لم يكثر من عنده ، إنما وثق الناس بحفظه فحرصوا على أن ينهلوا منه، فما جريرته في ذلك ، وقد شهد بعلمه وحفظه ابن عمر وطلحة بن عبيد الله والزبير وغيرهم ، حتى إنه قال - عندما استكثروا حديثه - : ما ذنبي إذا حفظت ونسوا .
جاء في مصادر القوم ( البحار 18/13) " باب معجزات النبي في استجابة دعائه" نقلا عن الخرائج : أن أبا هريرة قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني أسمع منك الحديث الكثير أنساه ، قال : أبسط رداك قال : فبسطته فوضع يده فيه ثم قال : ضمّه فضممته، فما نسيت كثيرا بعده .
فما ذنب أبي هريرة رضي الله عنه إذا دعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعطيه الله الحفظ ؟!، بل هذا أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، يزعم أولياء " المؤلف" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا له أن يعطيه فهماً وحفظاً ، فما نسى آية من كتاب الله !! .
ففي " البحار" (40/139 ) "باب 93 أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علّمه ألف باب" !! عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين (ع) قال : كنت إذا سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجابني ، وإن فنيت مسائلي ابتدأني ، فما نزلت عليه آية في ليل ولا نهار ولا سماء ولا أرض ولا دنيا ولا آخرة ولا جنة ولا نار ولا سهل ولا جبل ولا ضياء ولا ظلمة إلا أقرأنيها وأملاها عليّ ، وكتبت بيدي وعلّمني تأويلها وتفسيرها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها ، وكيف نزلت وأين نزلت وفيمن أنزلت إلى يوم القيامة ، دعا الله لي أن يعطيني فهماّ وحفظاّ ، فما نسيت آية من كتاب الله ، ولا على من أنزلت أملاه عليّ .
فما ذنب علي رضي الله عنه إذا دعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعطيه الله الحفظ ؟! بل ، ما ذنبه إذا علمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - حسب ادعاء القوم - ألف باب أو كلمة ؟!
وعن الثمالي عن أبي جعفر قال: قال علي (ع): لقد علّمني رسول الله ألف باب كل باب يفتح ألف باب!! . وفي وراية " علّم رسول الله علياً ألف كلمة كل كلمة تفتح ألف كلمة " .
ونقل محمد مهدي في كتابه " الجامع لرواة وأصحاب الإمام الرضا" (1/244):
" لقول أمير المؤمنين(ع) : اقتربوا اقتربوا وسلوا وسلوا فإن العلم يفيض فيضاً، وجعل يمسح بطنه!! ويقول: ما ملئ طعام ولكن ملأه علم!! ..." .
ونقل النجاشي في رجاله (2/399-400) تحت ترجمة هشام بن محمد بن السائب....، المشهور بالفضل والعلم، وكان يختص بمذهبنا وله الحديث المشهور، قال: اعتللت علّة عظيمة، نسيت علمي، فجلست إلى جعفر بن محمد(ع)، فسقاني العلم في كأس، فعاد إليّ علمي ..
أليس غريباً بعد ذلك أن يستنكر المؤلف كثرة أحاديث أبي هريرة وعلمه؟!!
ثم من العجيب أن يثير هذا في القرن العشرين !! ، فهل يعجب من قوة ذاكرة الإنسان ولاسيما العرب ؟، فقد كان العرب يحفظون أضعاف أضعاف ما حفظه أبو هريرة ؟!!
لقد حفظوا القرآن الكريم والحديث والأشعار ، فماذا يقول المؤلف" الأمين" في هؤلاء ؟ ماذا يقول في حفظ أبي بكر أنساب العرب؟ وعائشة رضي الله عنها شعرهم؟
وماذا يقول هذا الجاهل في حماد الراوية الذي كان أعلم الناس بأيام العرب وأشعارا وأخبارها وأنسابها ولغاتها ؟ وماذا يقول فيه إذا علم أنه روى على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة كبيرة سوى المقطعات ، من شعر الجاهلية دون الإسلام؟
ماذا يقول في حفظ الإمام البخاري في الحديث، فقد كان يحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح ، وقد صنّف كتابه في ستمائة ألف حديث .(1/418)
وماذا يقول في حفظ ابن عقدة ، فقد كان يحفظ مائة وعشرين ألف حديث!!
نقل آية الله الكلبايكاني في كتابه ( أنوار الولاية ص 415) " في تحقيق سند الحديث الشريف ":( قال الشيخ الطوسي: سمعت جماعة يحكون عنه أنه قال: أحفظ مائة وعشرين ألف حديثا بأسانيدها !! ، وأذاكر بثلاثة مائة ألف حديث )!! .
إن مشكلة عبد الحسين أنه يدلس في كل صفحة من صفحات كتابه ، فهو يزعم أن أبا هريرة أفرط ، وينسى أو بالأحرى يتناسى أن أئمته الذين يزعمون فيهم العصمة ! ورواتهم ، قد رووا أضعاف ما رواه أبو هريرة ، حتى أفرطوا وأفرطت كتبهم الأربعة أو أصولهم الأربعمائة ! .
فعلاوة على الباب السابق الذي عقده المجلسي من بحاره والتي استغرق عرض الأحاديث فيه من (ص127 -200) ، علاوة على ذلك ، فقد زعموا لأئمتهم مثل ذلك !
قلت: استمع واقرأ واعجب من مرويات ثقاته وعددها !! .
رواة الشيعة يفرطون :
فهذا عالم الشيعة في الجرح و التعديل أبو العباس النجاشي يروي في رجاله المعروف برجال النجاشي أن الراوي أبان بن تغلب روى عن الإمام جعفر الصادق (30) ألف حديث!! ، بل أن هذا المؤلف بنفسه نقل هذا الكلام في كتابه الموضوع على شيخ الأزهر المسمى" بالمراجعات " .
قال المؤلف في مراجعاته ما نصه :( فمنهم أبو سعيد أبان بن تغلب رباح الجريري القارىء الفقيه المحدث المفسر الأصولي اللغوي المشهور،كان من أوثق الناس ، لقى الأئمة الثلاثة فروى عنهم علوماً جمة و أحاديث كثيرة ، وحسبك أنه روى عن الصادق خاصة ثلاثين ألف حديث!! كما أخرجه الميرزا محمد في ترجمة أبان من كتاب منتهى المقال بالإسناد إلى أبان بن عثمان عن الصادق(ع)...) .
وقال عبد الحسين: ( قال الصادق لأبان بن عثمان: إن أبان بن تغلب روى عني ثلاثين ألف حديث!! فاروها عني).
بل أكثر رواتهم الموثقين يروون أضعاف أضعاف هذا العدد .
محمد بن مسلم بن رباح: فهذا عمدتهم في الرجال يذكر أحد رواتهم ويُدعى محمد بن مسلم بن رباح فيقول أنه : سأل الباقر عن ثلاثين ألف حديث!! و سأل الصادق عن ستة عشر ألف حديث!! .
جابر بن يزيد الجعفي: ومن المكثرين المفرطين جابر بن يزيد الجعفي ،كان يجيش في صدره كثرة أحاديث المعصومين حتى يأخذه الجنون، فكان يذهب إلى المقبرة ويدفن أحاديثهم !!
روى الكشي عن جابر الجعفي قال حدثني أبو جعفر (ع) بسبعين ألف حديث!! لم أحدث بها أحداً قط ولا أحدث بها أحد أبدا ، قال جابر فقلت لأبي جعفر (ع) جعلت فداك أنك قد حملتني وقراً عظيماً بما حدثتني به من سرّكم!! الذي لا أحدث به أحداً!! ، فربما جاش في صدري حتى يأخذني منه الجنون !! قال يا جابر فإذا كان ذلك فاخرج إلى الجبانة فاحفر حفيرة ودل رأسك ثم قل حدثني محمد بن علي بكذا وكذا .
وأخرج الكشي بإسناده عن جابر الجعفي قال : رويت خمسين ألف حديث ما سمعه أحد مني .
قال الحر العاملي في خاتمة الوسائل ما نصه : " أنه روى سبعين ألف حديث!! عن الباقر وروى مائة وأربعين ألف حديث!! ، والظاهر أنه ما روى أحد بطريق المشافهة عن الأئمة أكثر مما روى جابر .
وهؤلاء المكثرون المفرطون من الحديث ذكرهم عبد الحسين بنفسه في كتابه الذي لفقه وسماه " المراجعات " و دافع عنهم و اثنى عليهم . فيا عقلاء من الذي أكثر و أفرط ؟! إي إفراط كان من أبي هريرة رضي الله عنه؟
وأما أن الصحاح وسائر مسانيد الجمهور قد أفرطت فيما روته عنه ، فهذا ظلم وجور ، لا نوافقه عليه ، ولا يقبله إنسان منصف ، ولا يقره عليه عقل راجح ، بل هذا الادعاء كذب مكشوف ، لأن صحاحهم هي التي أفرطت بإعترافه ! .
قال في كتابه الذي لفقه " المراجعات " ما نصه (...وأحسن ما جمع منها الكتب الأربعة التي هي مرجع الإمامية في أصولهم و فروعهم من الصدر الأول إلى هذا الزمان، وهي : الكافي، و التهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه، وهي متواترة ومضامينها مقطوع بصحتها، والكافي أقدمها و أعظمها وأحسنها و أتقنها ، وفيه ستة عشر ألف و مئة وتسعة وتسعون حديثا، وهي أكثر مما اشتملت عليه الصحاح الستة بأجمعها، كما صرح به الشهيد في الذكرى وغير واحد من الأعلام ) .
فأنظروا إلى قوله :( وهي أكثر مما اشتملت عليه الصحاح الستة بأجمعها ) !
فيا عقلاء، كتب من التي أكثرت و أفرطت ؟! كتب الحديث عن أهل السنة لم تضم بين دفاتها أي حديث إلا بعد تنقيب وتمحيص .(1/419)
إن كتب السنة لم تضم بين دفاتها أي حديث إلا بعد بحث وتنقيب وتمحيص ، ومقارنة وتحقيق ، يتناول حياة الراوي وسلوكه وحفظه ، ولا يؤخذ عن إنسان إلا بعد التحقق من عدالته ، فكان النقد يتناول الرجال والمتن ، ولم يكن النقد خارجياً فقط ، بل كانوا يعرضون الرواية على القرآن والسنة ، حتى يتأكدوا من صحة الخبر ، وكان منهم من يجمع الأخبار المتعارضة فيسلك طريق الدراسة والموازنة والتوفيق والترجيح حتى يتبين له وجه الحق والصواب ، فلم تكتب الصحاح إلا على أسس علمية دقيقة ، تتناول السند والمتن على السواء ، وهذا بخلاف كتب القوم ، يقول الاستاذ عبد الله فياض في كتابه الإجازات العلمية عند المسلمين : ( ويبدو أن عملية انتحال الأحاديث من قبل غلاة الشيعة القدامى ودسّها في كتب الشيعة المعتدلين لم تنته بمقتل المغيرة بن سعيد (سنة 119ه)... بل نجد إشارة للعملية نفسها تعود إلى مطلع القرن الثالث الهجري ولعل ذلك ما يدل على عمق حركة الغلو من جهة واستمراريتها من جهة أخرى ...) .
ويقول الأستاذ عبد الله فياض ما لفظه: ( ومن الجدير بالذكر أنه لم تجر عملية تهذيب وتشذيب شاملة لكتب الحديث عند الشيعة الإمامية على غرار العملية التي أجراها المحدثون عند أهل السنة والتي تمخض عنها ظهور الصحاح الستة المعروفة ونتج عن فقدان عملية التهذيب لكتب الحديث عند الشيعة الأمامية مهمتان هما :
أولاً: بقاء الأحاديث الضعيفة بجانب الأحاديث المعتبرة في بعض المجموعات الحديثية عندهم .
ثانياً : تسرب أحاديث غلاة الشيعة إلى بعض كتب الحديث عند الشيعة وقد تنبه أئمة الشيعة الإمامية وعلمائهم إلى الأخطار المذكورة وحاولوا خنقها في مهدها ولكن نجاحهم لم يكن كاملا نتيجة لعدم قيام تهذيب شاملة لكتب الحديث) .
وهذا بخلاف كتب الحديث عند أهل السنه كما أشار إلى ذلك الأستاذ فياض ، فأنهم هذّبوا كتبهم من الروايات الموضوعة حتى ألفوا مجموعة كبيرة من المؤلفات في الأحاديث الموضوعة فألف الحافظ الجوزجاني المتوفي سنة (543ه) أول كتاب في الموضوعات أسمه كتاب: الأباطيل ثم الحافظ ابن الجوزي المتوفى سنة (597 ه) ألف كتاب سماه الموضوعات ثم الصاغاني اللغوي المتوفى سنة (650 ه) له رسالتان في ذلك ثم السيوطي المتوفى سنة (910ه) وله كتب في التعقيب على ابن الجوزي وهى : النكت البديعات والوجيز واللاّلي المصنوعة والتعقبات .
ثم محمد بن يوسف بن علي الشامي صاحب السيرة المتوفي سنة (942ه) له كتاب " الفوائد المجموعة في بيان الأحاديث الموضوعة " ثم علي بن محمد بن عراق المتوفي سنة (963) له كتاب: تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة " ثم محمد بن طاهر الهندي المتوفى سنة (986 ه) له كتاب " تذكرة الموضوعات " ثم الملا علي قاري المتوفي سنة (1014ه) له كتاب تذكرة الموضوعات " ثم الشيخ السفاريني الحنبلي المتوفي سنة (1188ه) له كتاب " الدررالمصنوعات في الأحاديث الموضوعات" في مجلد ضخم ..ثم القاضي الشوكاني المتوفى سنة (1250ه) ألف كتاباً "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة "ولأبي المحاسن محمد بن خليل المتوفى سنة (1305) ألف كتابا " اللؤلؤ الموضوع " فيما قيل : لاأصل له أو بأصله موضوع، ولمحمد البشير ظافر الأزهري المتوفى سنة (1325ه) كتاب سماه " تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين " .
كما أن هناك كتب اشتملت على الموضوع والواهي من الأحاديث مثل "التذكرة" للمقدسي و"المغني" عن الحفظ والكتاب " لعمر بن بدر الموصلي المتوفى سنة (543 ه) وله أيضا كتاب " العقيدة الصحيحة في الموضوعات الصريحة " ومنها كتب يكثر فيها بيان الموضوع منه : تخريج أحاديث الأحياء للعراقي ومختصره لصاحب القاموس والمقاصد الحسنة في الأحاديث الدائرة على الألسنة للسخاوي وللحافظ ابن القيم رسالة باسم " المنار " فيها مباحث في شأن الحديث الموضوع ونحوه... وأخيرا ألف العلامة المعاصر الشيخ الألباني كتاباً ضخم للاحاديث الموضوعة سماه "سلسلة الأحاديث الموضوعة " و"سلسلة الأحاديث الصحيحة " .(1/420)
طبعاً هذا بخلاف كتب الحديث عند الشيعة حيث لم تتعرض لمثل هذا وتجد الأحاديث الموضوعة بجانب الأحاديث الصحيحة بل لم يؤلف الشيعة إلي يومنا هذا كتاباً مفصلاً في معرفة الأحاديث الموضوعة رغم دس المغيرة وأبي الخطاب أحاديث كثيرة في أحاديثهم التي يزعمون أنهم أخذوها من أهل البيت ... بل نظرة واحدة على كتاب الكافي تكفي مؤونة التفصيل .. كتلك الأحاديث الزاعمة على أهل البيت أن القراّن محرف أو إن الأئمة يعلمون علم الغيب أو إن الأئمة يوحى إليهم أو أن الأئمة يعلمون متى يموتون ... إلى آخر هذه الأحاديث الموضوعة ، ثم ألا يعد الكليني صاحب الكافي من الغلاة الحاقدين، ألم يقل بأن الصادق يقول بتحريف القراّن حتى عقد باباً في كتاب الحجة من كافيه وأورد عشرات الأحاديث على لسان الصادق بتحريف القراّن أن الآية لم تنزل هكذا بل هكذا نزلت حسب زعمه الفاسد .
ولهذه الأسباب لم يؤلف الشيعة كتاباً واحداً في الأحاديث الموضوعة لأنهم أن فعلوا ذلك لانهار " مذهب عبد الحسين " من أساسه لأنه قائم على الأحاديث الموضوعة !!
يقول شيخهم هاشم معروف في كتابه "الموضوعات في الآثار والأخبار" (ص253): ما نصه:( وبعد التتبع في الأحاديث المنتشرة في مجاميع الحديث كالكافي والوافي وغيرهما نجد الغلاة والحاقدين على الأئمة الهداة لم يتركوا باباً من الأبواب إلا ودخلوا منه لإفساد أحاديث الأئمة و الاساءة إلى سمعتهم وبالتالي رجعوا إلى القراّن الكريم لينفثوا سمومهم ودسائسهم لأنه الكلام الوحيد الذي يتحمل مالا يتحمله غيره ففسروا مئات الآيات بما يريدون وألصقوها بأئمة الهداة زورا وبهتاناً وتضليلا وألف علي بن حسان، وعمه عبدالرحمن بن كثير وعلي بن أبي حمزة البطائني كتبا في التفسير كلّها تخريف وتحريف وتضليل لا تنسجم مع اسلوب القرآن وبلاغته وأهدافه ) .
لذلك نقول " لعبد الحسين" أنك أخطأت طريقك ، وتنكبت جادة الصواب ، واتهمت المسلمين جميعاً بأنهم لم يعرفوا قيمة "الصحاح " ، في حين إنك لم تعرف حقاً قيمة صحاحك! ، ولكن " المؤلف " لا يذكر هذا ، ليعمى على المسلمين طريقهم ويشككهم في كتبهم المعتمدة ، يريد منّا أن نسلّم له بما يقول ويرى ، فنحن القُرّاء لا نعرف شيئاً عن مذهبه ، لا يمكننا أن نحكم عليه ما لم ندرس "مذهبه " دراسة نزيهه محررة ، نحكم عليه من خلالها ، أما أن نكون فريسة خياله وأهوائه فهذا خلاف البحث العلمي ، وما عهدنا بحثاً توضع نتائجه قبل منا قشته ومحاكمته ، فهذا خلاف المنهج العلمي ، لذلك كان الأولى لهذا المؤلف أن يقوم "بعملية تهذيب وتشذيب شاملة لكتبهم الحديثية ولا سيما " الكافي " من الكفريات كأحاديث تحريف القرآن وكفر الصحابة ولعنهم والقدح في أعراض أمهات المؤمنين رضي الله عنهن والغلو في الأئمة إلى درجة التأليه ... بدلا من قوله: ( الواجب تطهير الصحاح والمسانيد من كل ما لا يحتمله العقل من حديث أبي هريرة ) .
كان الأولى به أن يقوم بهذا التطهير، بدلا من أن يشاقق الله ورسوله، ويحكم على " الكافي" ( بأنه أقدم و أعظم و أحسن و اتقن الكتب الأربعة )، لأن أهل السنة قاموا بذلك التطهير وقد تمخض عنه ظهور الكتب الستة المعروفة .
وكان الأولى به أن يقوم بذلك ، بدلا من تأليفه كتب مسمومة تفرق الأمة وتشتت شملها ، ككتابه " الفصول المهمة في تأليف الأمة " وهو في الحقيقة أولى
أن يسمى " بالفصول المهمة في تشتيت الأمة " . وبدلا من اهدار الوقت في الفحص والتنقيب عن صحابي أجمعت الأمة على توثيقه بتعديل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم له.... وكان الأولى له أن يبحث في حياة شيخه " النوري الطبرسي" ، الذي ألف كتاباً في إثبات تحريف القرآن المجيد سماه " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" ، أورد فيه حوالي (1800) رواية من رواياتهم التي تزعم تحريف القرآن الكريم . كان الأولى على أقل تقدير أن يرد على شيخه ويكفره لتكفير الله له بدلا من أن يكفر أبا هريرة برواية مكذوبة مفتراة وأنه من أهل النار ، وبدلا أن يمجد مولاه بأنه: " شيخ المحدثين في عصره وصدوق حملة الآثار .
مطاعن التيجاني في أبي هريرة والرد عليه في ذلك:
أبو هريرة رضي الله عنه سيد الحفّاظ الأثبات صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله، اسمه: عبد الرحمن بن صخر، نقل عن النبيصلى الله عليه وسلم علماً كثيراً لم يسلم هو الآخر من لسان هذا الشانئ الذي اتهمه بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم بوضعه الأحاديث المكذوبة فضّ الله فاه وسوف أسوق شبهاته في حق هذا الصحابي الجليل وأفنّدها بإذن الله.
أولاً: ادعاء التيجاني على أبي هريرة أنه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث موضوعة والرد عليه في ذلك:(1/421)
يقول التيجاني (( ولعل نصف الدين الثاني خصّوا به أبا هريرة الذي روى لهم ما يشتهون فقرّبوه وولّوه إمارة المدينة وبنوا له قصر العقيق بعدما كان معدماً، ولقّبوه براوية الإسلام. وبذلك سهل على بني أميّة أن يكون لهم دين كامل جديد ليس فيه من كتاب الله وسنّة رسوله إلا ما تهواه أنفسهم ))(29)، ويقول ((... كذلك يروي فضائل أبي بكر كل من عمرو بن العاص وأبو هريرة ))(30)، ويقول أيضاً (( ثم قرأت كتاب أبي هريرة لشرف الدين، وشيخ المضيرة ( للشيخ! ) محمود أبو رية وعرفت بأن الصحابة الذين غيروا بعد رسول الله قسمان، قسم غير الأحكام بما له من السلطة والقوة الحاكمة، وقسم غير الأحكام بوضع الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ))(31)، أقول رداً على كذبه:
1 أما قوله أن أبا هريرة روى لبني أمية ما يشتهون فقربوه وولوه إمارة المدينة وبنو له قصر العقيق بعدما كان معدماً ولقبوه براوية الإسلام فكذب صريح لهذه الأسباب:
أ لم يكن أبا هريرة مع أحد الجانبين في الفتنة بل كان من المعتزلين عنها ولم يقاتل مع أحد، وروى في الاعتزال أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم (( ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، ومن تشرّف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذ به ))(32)، وكان هذا أيضاً رأي كبار الصحابة.
ب لم يكن أبا هريرة معدماً ولم تكن ولايته على المدينة بالأولى، ولكن ماذا نقول عن جاهل يعبث في التاريخ؟! فقد ولاهُ عمر في خلافته على البحرين وكان يملك المال فعن محمد بن سيرين (( أن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين، فقدم بعشرة آلاف. فقال له عمر: استأثرت بهذه الاموال يا عدوّ الله وعدوَّ كتابه؟ فقال أبو هريرة: فقلت: لست بعدو الله وعدو كتابه، ولكني عدوّ من عداهما. قال: فمن أين هي لك؟ قلت: خيلٌ نُتجتْ، وغلّةُ رقيق لي وأُعطيةٌ تتابعت. فنظروا، فوجده كما قال، فلما كان بعد ذلك، دعاه عمر ليوليه، فأبى. فقال: تكرهُ العمل وقد طلب العمل من كان خيراً منك: يوسف عليه السلام، فقال: يوسف نبي ابن نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة بن أميمة. وأخشى ثلاثاً واثنتين، قال: فهلا قلت: خمساً؟ قال: أخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حلم، وأن يُضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضي))(33).
ت سبب تولية الأمويين لأبي هريرة المدينة أنه كان من كبار الصحابة المتبقين في المدينة وغيرها ومن أعلامها الظاهرين خصوصاً إذا عرفنا أنه كان يقدَّم في الصلاة في أيام عليّ ومعاوية ولو جاء غير الأمويين لكان من المؤكد أن يولوه المدينة، فكان المرشّح لذلك، وكيف لا وقد رشحه من هو خير منهم وهو عمر.
ث يحاول هذا الآبق أن يظهر أبا هريرة بمظهر الحريص على الدنيا وشهواتها، وفي صورة المداهن للأمراء الذي يكذب في سبيل الحصول على مصالحه الغريزية، فتباً له! فهل يقال عن أبي هريرة ذلك، وهو الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (( ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، أحدهم رجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها رضي، وإن لم يعطه منها سخط ))(34)! وكيف يطلب وهو الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (( لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه ))(35)، ولا شك أن الذي هذه حاله لو رأى من الحاكم شيئاً منكراً أن يسكت عليه، هذا إن لم يحسّن منكره، فهل كان أبو هريرة كذلك؟ اخرج مسلم في صحيحه عن أبي زرعة قال (( دخلت مع أبي هريرة في دار مروان. فرأى فيها تصاوير فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي؟ فليخلقوا ذرّة أو ليخلقوا حبّة او ليخلقوا شعيرة ))(36)، وأخرج الحاكم في مستدركه عن أبي مريم مولى أبي هريرة قال (( مر أبو هريرة بمروان وهو يبني داره التي وسط المدينة قال: فجلست إليه والعمال يعملون، قال: ابنوا شديداً وآملوا بعيداً وموتوا قريباً، فقال مروان: إن أبا هريرة يحدث العمال فماذا تقول لهم يا أبا هريرة؟ قال: قلت ابنوا شديداً وآملوا بعيداً وموتوا قريباً. يا معشر قريش، ثلاث مرات اذكروا كيف كنتم أمس وكيف أصبحتم اليوم، تخدمون أرقاءكم فارس والروم، كلوا الخبز السميد واللحم السمين، لا يأكل بعضكم بعضاً، ولا تكادموا تكادم البراذين، كونوا اليوم صغاراً تكونوا غداً كباراً، والله لا يرتفع منكم رجل درجة إلا وضعه الله يوم القيامة ))(37) فانظر أخي القارئ للحق الواضح ولا تلتفت إلى صاحب الكذب الفاضح والهوى القادح.
2 أما ادعاء التيجاني أن أبا هريرة يروي ما يشتهي الناس، ويروي في فضائل الصحابة خصوصاً أبو بكر أحاديث موضوعة وازداد التيجاني تيقناًمن ذلك، عندما قرأ كتاب أبي هريرة لشرف الدين ومحمود أبو رية
فأقول داحضاً حجته المتهافتة ب:(1/422)
أ لقد اتفق الصحابة على فضل أبي هريرة وثقته وحفظه، وأنه من أكثرهم علماً بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فعن ابن عمر أنه قال لأبي هريرة (( يا أبا هريرة، أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه ))(38) وقيل لابن عمر (( هل تنكر مما يحدث به أبو هريرة شيئاً؟ فقال:لا، ولكنه اجترأ وجبنَّا ))(39)، وعن أشعث بن سليم عن أبيه قال (( أتيت المدينة، فإذا أبو أيوب يحدث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: وأنت صاحب رسول الله، قال: إنه قد سمع وأن أحدث عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحبُّ إليّ من أن أُحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم ))(40)، وعن معاوية بن أبي عياش الانصاري (( أنه كان جالساً مع ابن الزبير، فجاء محمد بن إياس بن البكير، فسأل عن رجل طلّق ثلاثاً قبل الدخول. فبعثه إلى أبي هريرة، وابن عباس وكانا عند عائشة فذْهب، فسألهما، فقال: ابن عباس لأبي هريرة: أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة. فقال: الواحدة تُبينها، والثلاث تُحرِّمها، وقال ابن عباس مثله ))(41)، فهل يُتَّهمَ بالكذب من يوثّقه ابن عباس صاحب عليّ ويتأدب معه ويقول له أفتِ يا أباهريرة؟!
ب والسبب في كثرة روايته عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان مرافقاً له في حلّه وترحاله، ولم يشغله عنه عمل ولا زوجة، إذ لم يكن يعمل ولم يتزوج، فكان يحرص على مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أي مكان يذهب إليه سواءٌ إلى حج أو جهاد، فعن أبي أنس مالك بن أبي عامر قال (( جاء رجل إلى طلحة بن عبيد الله، فقال: يا أبا محمد، أرأيت هذا اليماني يعني أبا هريرة أهو أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم؟ نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم، أم هو يقول على رسول الله ما لم يقل؟ قال: أمّا أن يكون سمع ما لم نسمع، فلا أشُكُّ، سأحدثك عن ذلك: إنا كنا أهل بيوتات وغنم وعمل، كنّا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار وكان مسكيناً، ضيْفاً على باب رسول الله، يدُه مع يدِه، فلا نشك أنه سمع ما لم نسمع، ولا تجد أحداً فيه خيرٌ يقول على رسول الله ما لم يقل ))(42).
ت إضافة إلى كثرة مرافقته للنبي صلى الله عليه وسلم التي جعلته أكثر الصحابة رواية للحديث فقد كان يمتاز بقوة حفظه وإتقانه وذلك بفضل تعليم النبي صلى الله عليه وسلم له، فقد روى البخاري عن الزهري قال (( أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدِّثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفْقٌ بالأسواق، وكنت ألزمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملءِ بطني فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم، وكُنتُ امرأً مسكيناً من مساكين الصفُّة، أعي حين ينسون وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدِّثُه: إنه لن يبسطَ أحدٌ حتى أقْضي مقالتي هذه ثم يجمعَ إليه ثوبه إلا وعى ما أقول. فبسطْتُ نمِرةً عليّ حتى إذا قضى رسول الله مقالته جمعتُها إلى صدري، فما نسيتُ من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء ))(43).(1/423)
ث لا بد لي من أن أسوق رأي أحد الأئمة الاثني عشر في أبي هريرة ومدى ثقته عنده وهو الإمام الرابع زين العابدين علي بن الحسين فقد أورد شيخهم أبو الحسن الأربلي من كبار الأئمة الاثني عشر في كتابه ( كشف الغمة ) عن سعيد بن مرجانة أنه قال (( كنت يوماً عند علي بن الحسين فقلت: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله تعالى بكل إرب منها إرباً منه من النار، حتى أنه ليعتق باليد اليد، والرجلِ الرجل وبالفرج الفرج، فقال علي عليه السلام: أنت سمعت هذا من أبي هريرة؟ فقال سعيد: نعم، فقال لغلام له: أفره غلمانه وكان عبد الله بن جعفر قد أعطاه بهذا الغلام ألف دينار فلم يبعه أنت حر لوجه الله ))(44)!، هل رأيت أخي القارئ مدى صدق وأمانة أبي هريرة في نظر الإمام علي بن الحسين بحيث بادر إلى تنفيذ ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم دون أي تردد! لذلك ليس بالمستغرب أن يوثّقه أحد كبار علماء الإمامية في الرجال، ويضعه من جملة الرجال الممدوحين فيقول ابن داود الحلي (( عبد الله أبو هريرة معروف، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ))(45)، وهذا أيضاً إبن بابويه القمي يستشهد به في كتابه ( الخصال ) في أكثر من موضع(46) ولا يتعرض له محقق الكتاب علي أكبر غفاري بالقدح مع تعليقه على الكثير من الرجال في الكتاب، إضافة إلى أن الذي يروي عن أبي هريرة الكثير من الأحاديث هو زوج ابنته سعيد بن المسيب، أشهر تلاميذه، والذي روى عن أبي هريرة حديث تعليم النبي صلى الله عليه وسلم له حفظ الأحاديث، يقول عنه الكشي من كبار أئمتهم في الرجال ((... سعيد بن المسيب رباه أمير المؤمنين عليه السلام ))(47)، وروى أن أبا جعفر قال (( سمعت علي بن الحسين صلوات الله عليهما يقول: سعيد بن المسيب أعلم الناس بما تقدمه من الآثار وأفهمهم في زمانه ))(48)، فأقول للتيجاني المهتدي، إذا كان علي رباه (( أفلم يسمع رأيه بأبي هريرة وهو في حجره يربيه؟ وكيف يأذن له بأن يتزوج بابنة أكذب الناس وهو ولي أمره وحاضنه؟ ))(49)، وكيف يوثق علمه زين العابدين وهو من أخص تلاميذ أكذب الناس ووارثه؟! أجبنا يا صاحب الهداية المزعومة؟!
3 أما قوله (( كذلك يروي فضائل أبي بكر، كل من عمرو بن العاص وأبو هريرة وعروة وعكرمة، وهؤلاء كلهم يكشفهم التاريخ بأنهم كانوا متحاملين على الإمام علي وحاربوه إما بالسلاح أو بالدس واختلاق الفضائل لأعدائه وخصومه... ))(*)
فأقول:
أ أما بالنسبة لعمرو بن العاص وقتاله لعليّ فهذا صحيح، ولكنه قاتله عندما بدأهم عليّ وجنده، ولم تكن مشاركته بسبب عداوته لعلي كلا، وإنما لاعتقاده انه يقاتل دفاعاً عن الحق وإبطالاً لباطل، وقد ذكرت الأسباب التي دعته ومعاوية وأصحابهما لقتال عليّ في مبحث معاوية بما يغني عن الإعادة هنا، أما أنه كان يختلق الفضائل لأعدائه فهذا صحيح فهو أحد رواة حديث ( عمار تقتله الفئة الباغية )! بل روى أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( إن قاتله وسالبه في النار )) وعندما اعتُرضَ عليه بأنه يقاتله (( فقيل لعمرو: فإنك هو ذا تُقاتله؟ قال: إنما قال: قاتله وسالبه ))(50).
فانظر أخي القارئ إلى هذا الدس واختلاق الفضائل لأعداء علي!؟ ولكن تهمته الحقيقية الوحيدة أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم (( أي الناس أحب إليك قال: عائشة فقلت من الرجال فقال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: عمر بن الخطاب فعد رجالاً ))(51)، فهذا الحديث يكفي للطعن به!
ب إما بالنسبة لأبي هريرة فإنه كان معتزلاً للفتنة بين علي ومعاوية، فليس هو في هذه الناحية متحاملاً ولكن التحامل يظهر بالدس واختلاف الفضائل لأعدائه من مثل ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر (( لأعطينّ هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ... فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فأعطاه إياه ))(52) وليس هذا فقط فقد روى أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني يعني الحسن والحسين ))(53)؟ وروى أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( اللهم إني أحبهما فأحبهما ))(54) فمرحى بالهداية يا تيجاني.
ت أما بالنسبة لعروة فلست أدري من يقصده التيجاني ولعل أقرب احتمال إلى أنه عروة بن الزبير لأنه لم يعرف رجل باسم عروة أشهر منه خصوصاً وأنه روى عن عائشة وابن عمر أحاديث في فضائل أبي بكر ولم يشارك عروة في الفتنة بين علي ومعاوية، إذ كان صغيراً لم يتجاوز العشر سنين لذلك يقول أحمد بن عبد الله العجلي: عروة بن الزبير تابعي ثقة، رجل صالح، لم يدخل في شيء من الفتن(55).(1/424)
ث أما قوله وعكرمة فلا شك أنه يقصد عكرمة بن أبي جهل فلا يوجد أحد اسمه عكرمة غيره وقد استشهد رضي الله عنه سنة 13ه واختلفوا في المعركة التي استشهد فيها فقيل قتل في اليرموك وقيل يوم أجنادين لأنهما وقعتا في نفس العام وعلى ذلك فعكرمة توفي قبل دخول الفتن إلى الأمة بسنوات طويلة فلست أدري ما دخله، فيما نحن فيه ويبدو أن التيجاني يتمتع بمعلومات جيدة عن التاريخ الإسلامي ورجاله!
ج أما قوله (( ولكن الله يقول { إنهم يكيدون كيداً، وأكيد كيداً فمهل الكافرين أمهلهم رويداً } ))(56). فأقول:
الله أكبر على المجرمين المارقين الذين ينزلون على خير الناس آيات الكفار ويتهمونهم بالكفر والعياذ بالله وما دروا أن هذه الآيات أولى بهم وبأشياعهم، ولكن أقول يأبى الله إلا أن يكشفهم أمام الناس ويخرج ما تكنه صدورهم من حقد على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فأقول لهذا التيجاني لأخوانه الرافضة { فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }.
رابعاً الغريب ان تجد التيجاني يشن حملة ضاربة ضد أبو هريرة متهماً إياه في أكثر من موضع في كتابه بأنه يروي الأحاديث المكذوبة والموضوعة ثم يحتج بما يرويه! فيستدل بحديث الحوض الذي يطعن به على الصحابة(57)ولم يدر أن راويه هو أبو هريرة! ثم يستدل على أفضلية علي بحديث الراية يوم خيبر(58) مع أن راوي الحديث هو أبو هريرة ويحتج بحديث الرجل الذي بال في المسجد(59) وقد رواه أبو هريرة أيضاً! ثم يدعي بعد ذلك أن أبا هريرة يختلق الفضائل لأعداء علي؟
===============
هل يجوز اخفاء الحديث حرصا على بلعوم ابى هريرة
جاء فى سير اعلام النبلاء الإصدار 2.02 - للإمام الذَّهبي
المُجَلَّدُ الثَّانِي >> فَصْلٌ فِي بَقِيَّةِ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ >> 126 - أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَخْرٍ (ع)
ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
حَفِظْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وِعَاءيْنِ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ فِي النَّاسِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ، لَقُطِعَ هَذَا البُلْعُوْمُ. (2/597)
مُحَمَّدُ بنُ رَاشِدٍ: عَنْ مَكْحُوْلٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: رُبَّ كِيْسٍ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يَفْتَحْهُ -يَعْنِي: مِنَ العِلْمِ-.
قُلْتُ: هَذَا دَالٌّ عَلَى جَوَازِ كِتْمَانِ بَعْضِ الأَحَادِيْثِ الَّتِي تُحَرِّكُ فِتْنَةً فِي الأُصُوْلِ أَوِ الفُرُوْعِ، أَوِ المَدْحِ وَالذَّمِّ، أَمَا حَدِيْثٌ يَتَعَلَّقُ بِحِلٍّ أَوْ حَرَامٍ فَلاَ يَحِلُّ كِتْمَانُهُ بِوَجْهٍ، فَإِنَّهُ مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى.
وَفِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ): قَوْلُ الإِمَامِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:
حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُوْنَ، وَدَعُوا مَا يُنْكِرُوْنَ، أَتُحِبُّوْنَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُوْلُهُ.
وَكَذَا لَوْ بَثَّ أَبُو هُرَيْرَةَ ذَلِكَ الوِعَاءَ، لأُوْذِيَ، بَلْ لَقُتِلَ، وَلَكِنَّ العَالِمَ قَدْ يُؤَدِّيْهِ اجْتِهَادُهُ إِلَى أَنْ يَنْشُرَ الحَدِيْثَ الفُلاَنِيَّ إِحْيَاءً لِلسُّنَّةِ، فَلَهُ مَا نَوَى، وَلَهُ أَجْرٌ، وَإِنْ غَلِطَ فِي اجْتِهَادِهِ. (2/598)
ما رايك يا اخى المسلم ؟
ان ابا هريرة عين نفسه وصيا على الاسلام و السنة فهو يروى ما يراه مناسبا و يخفى ما يراه مناسبا حفظا للبلعوم و ليس للاسلام
امثل هذا يجوز ان ناخذ منه ديننا .
فلنتابع ما جاء فى سير اعلام النبلاء :
سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، سَمِعَ عُمَرَ يَقُوْلُ لأَبِي هُرَيْرَةَ:
لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيْثَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ دَوْسٍ.
وَقَالَ لِكَعْبٍ: لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيْثَ، أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ القِرَدَةِ. (2/601)
يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ: عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُوْلُ: إِنِّي لأُحَدِّثُ أَحَادِيْثَ، لَوْ تَكَلَّمْتُ بِهَا فِي زَمَنِ عُمَرَ، لَشَجَّ رَأْسِي.
قُلْتُ: هَكَذَا هُوَ كَانَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُوْلُ: أَقِلُّوا الحَدِيْثَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَزَجَرَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنْ بَثِّ الحَدِيْثِ، وَهَذَا مَذْهَبٌ لِعُمَرَ وَلِغَيْرِهِ(1/425)
، فَبِاللهِ عَلَيْكَ إِذَا كَانَ الإِكْثَارُ مِنَ الحَدِيْثِ فِي دَوْلَةِ عُمَرَ كَانُوا يُمْنَعُوْنَ مِنْهُ مَعَ صِدْقِهِمْ، وَعَدَالَتِهِمْ، وَعَدَمِ الأَسَانِيْدِ، بَلْ هُوَ غَضٌّ لَمْ يُشَبْ، فَمَا ظَنُّكَ بِالإِكْثَارِ مِنْ رِوَايَةِ الغَرَائِبِ وَالمَنَاكِيْرِ فِي زَمَانِنَا، مَعَ طُوْلِ الأَسَانِيْدِ، وَكَثْرَةِ الوَهْمِ وَالغَلَطِ، فَبِالحَرِيِّ أَنْ نَزْجُرَ القَوْمَ عَنْهُ، فَيَا لَيْتَهُمْ يَقْتَصِرُوْنَ عَلَى رِوَايَةِ الغَرِيْبِ وَالضَعِيْفِ، بَلْ يَرْوُوْنَ -وَاللهِ- المَوْضُوْعَاتِ، وَالأَبَاطِيْلَ، وَالمُسْتَحِيْلَ فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ وَالمَلاَحِمِ وَالزُّهْدِ - نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ -. (2/602)
استدراك :مرة اخرى اخى المسلم انظر الى حرص القوم على اخفاء الحديث
هل رسول الله امرهم ان يخفوا سنته و ان لا يبينوها ؟؟مم كانوا يخافون ؟؟؟
هل من مثل هؤلاء ناخذ ديننا ؟؟؟؟
نتابع :
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ صَالِحِ بنِ أَبِي الأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
مَا كُنَّا نَسْتَطِيْعُ أَنْ نَقُوْلَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى قُبِضَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كُنَّا نَخَافُ السِّيَاطَ. (2/603)
و اما فى جزء اخر من اعلام النبلاء:
سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ، الإصدار 2.02 - للإمام الذَّهبي
المُجَلَّدُ العَاشِرُ >> الطَّبَقَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ >> 209- نُعَيْمُ بنُ حَمَّادِ بنِ مُعَاوِيَةَ الخُزَاعِيُّ (خ، د، ت، ق)
وَقَدْ صحَّ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَتَمَ حَدِيْثاً كَثِيْراً مِمَّا لاَ يَحْتَاجُهُ المُسْلِمُ فِي دِيْنِهِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: لَوْ بَثَثْتُهُ فِيْكُم، لَقُطِعَ هَذَا البُلْعُومُ.
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ كِتْمَانِ العِلْمِ فِي شَيْءٍ، فَإِنَّ العِلْمَ الوَاجِبَ يَجِبُ بَثُّهُ وَنَشْرُهُ، وَيَجِبُ عَلَى الأُمَّةِ حِفْظُهُ، وَالعِلْمُ الَّذِي فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ مِمَّا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ يَتَعَيَّنُ نَقْلُهُ وَيتَأَكَّدُ نَشْرُهُ، وَيَنْبَغِي لِلأُمَّةِ نَقْلُهُ، وَالعِلْمُ المُبَاحُ لاَ يَجِبُ بَثُّهُ، وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِيْهِ إِلاَّ خَوَاصُّ العُلَمَاءِ.
استدراك:كتم حديثا كثيرا مما لا يحتاجه المسلم :
ما معنى ذلك؟؟؟؟؟؟
هل كان رسول الله يقول احاديثا لا يحتاجها المسلم ؟؟؟؟
هل ابو هريرة يحدد للرسول ما يحتاجه المسلم من احاديثه و ما لا يحتاجه ؟؟؟؟؟
امن هؤلاء ناخذ ديننا
لا حول و لا قوة الا بالله
اخى المسلم :عليك بالعترة الطاهرة من ال بيت الرسول و كتاب الله فهما لن يفترقا حتى يردا على رسول الله الحوض .
اللهم صلى على محمد و ال محمد لا فتى الا على و لا سيف الا ذو الفقار
أبا هريرة لا يكتم العلم النافع الضروري وما كتمه أبو هريرة لم يكن من هذا ، بل كان بعض أخبار الفتن والملاحم وما سيقع للناس مما لا يتوقف عليه شيئ من أصول الدين أو فروعه .
و أما قول أبي هريرة : ( لو حدثتكم بكل ما في جوفي لرميتموني بالبعر أو الأحجار ..) .
استمع في حفظ وعلوم أهل البيت !!
ونقل علامتهم آية الله ملا زين الكلبايكاني في (كتابه أنوار الولاية ص372) : وعن أمير المؤمنين (ع) مشيراً إلى صدره: أن هاهنا لعلوماً جمة لو وجدت لها حملة . وقال (ع) أيضاً ما معناه: إنّ في صدري علماً لو أبرزته لكم لاضطربتم كاضطراب الحبل الطويل في بئر الماء العميق . وعنه (ع) أيضاً: لو فسّرت لكم قوله تعالى{ اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ } ( الطلاق الآية 12 ) لرجمتموني.
وقال سيد الساجدين (ع) :
إني لأكتم من علمي جواهره كي لا يرى الحق ذو جهل فيقتتنا
وقد تقدم في هذا أبو حسن إلى الحسين و أوصى قبله الحسنا
يارب جوهر علم أو أبوح به لقيل فيّ أنت ممن يعبد الوثنا
ولا استحلّ رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسنا .
فيمكن أن نجيبه بنفس العقلية فهذا أحد رواتكم الذين أثنى عليهم الموسوي في مراجعاته الملفقة يحلف دون حياء أنه لو حدث بكلّما سمعه من جعفر الصادق لانتفخت ذكور!! الرجال على الخشب ! .
فقد روى الكشي في رجاله بإسناده عن محمد بن زياد أبي عمير عن علي بن عطية عن زرارة قال : والله لو حدثت بكلّما سمعته من أبي عبد الله(ع) لأنتفخت ذكور الرجال على الخشب ( رجال الكشي ص134 ترجمة زرارة بن أعين ).
أما سعة حفظ أبي هريرة فلدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له ..(1/426)
فقد جاء في ( البحار 18/13) " باب معجزات النبي في استجابة دعائه" نقلا عن الخرائج : أن أبا هريرة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أسمع منك الحديث الكثير أنساه ، قال : أبسط رداك قال : فبسطته فوضع يده فيه ثم قال : ضمّه فضممته، فما نسيت كثيرا بعده .
لم يكتم أبو هريرة الحديث وحدثه ، بل إن أحد رواتكم وأعظمهم يدفن الأحاديث ؟!!!!!!
روى الكشي عن جابر الجعفي قال حدثني أبو جعفر (ع) بسبعين ألف حديث!! لم أحدث بها أحداً قط ولا أحدث بها أحد أبدا ، قال جابر فقلت لأبي جعفر (ع) جعلت فداك أنك قد حملتني وقراً عظيماً بما حدثتني به من سرّكم!! الذي لا أحدث به أحداً!! ، فربما جاش في صدري حتى يأخذني منه الجنون !! قال يا جابر فإذا كان ذلك فاخرج إلى الجبانة فاحفر حفيرة ودل رأسك ثم قل حدثني محمد بن علي بكذا وكذا (رجال الكشي ص194 ).
وأخرج الكشي بإسناده عن جابر الجعفي قال : رويت خمسين ألف حديث ما سمعه أحد مني ( الكشي ص194 ).
قال الحر العاملي في خاتمة الوسائل ما نصه : " أنه روى سبعين ألف حديث!! عن الباقر وروى مائة وأربعين ألف حديث!! ، والظاهر أنه ما روى أحد بطريق المشافهة عن الأئمة أكثر مما روى جابر ( خاتمة الوسائل 20/151 )
================
استنكار عبد الحسين حديث" سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
10- (ص 92) أورد عبد الحسين حديث :"سهو النبي عن ركعتين" : أخرج الشيخان فيما جاء في السهو من صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َ صَلَّى النَّبِيُّ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ وَأَكْثَرُ ظَنِّي الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ؟ وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيُّ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ؟ فَقَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ! قَال:َ بَلَى قَدْ نَسِيتَ! فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ! ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّر!َ فَسَجَدَ الحديث .
ثم أخذ المؤلف يصول ويجول ويشكك في الحديث قائلاً ( أحدها أن مثل هذا السهو الفاحش لا يكون ممن فرّغ للصلاة شيئاً من قلبه أو أقبل عليها بشيئ من لبه، وإنما يكون من الساهين عن صلاتهم، اللاّهين عن مناجاتهم، وحاشا أنبياء الله من أحوال الغافلين ، وتقدّسوا عن أقوال الجاهلين، فإن أنبياء الله عزوجل ولا سيما سيدهم وخاتمهم أفضل مما يظنون على أنه لم يبلغنا مثل هذا السهو عن أحد ولا أظن وقوعه إلا ممن بمثل حال القائل :
أصلّي فما أدري إذا ما ذكرتها أئثنتين صليت الضحى أم ثمانياّ ؟
وأما وسيد النبيين وتقلبه في الساجدين ، إن مثل هذا السهو لو صدر منّي لأستولى عليّ الحياة وأخذني الخجل واستخف المؤتمون بي وبعبادتي ومثل هذا لا يجوز على الأنبياء الله أبداً ...) الخ .
قلت: أولاً: أن القرآن دلّ على نسيان الأنبياء في مواضع كثيرة في القرآن الكريم. يقول الله تعالىلنبيه الكريم { سَنُقْرِئُكَ فَلا نَنسَى} [ الأعلى /6]، وقال عزوجل : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُضُونَ فىِ ءَايَتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّى يَخُضُوا فىِ حَدِيثٍ غِيْرِهِ وَإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطنُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوم الظَّلِمِينَ } ،[ الأنعام 68 ] وقال عزوجل : { وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِينِ رَبّيِ لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً} [الكهف /24 ] . وقال عزوجل : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَهُ لآ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بينِهِمَا نَسِيَا حُوتهُمَا فَاتخَذَ سَبِيلَهُ فيِ الْبَحْرِ سَرَبا فلَمَّا جاوَزَا قالَ لِفَتَهُ ءَاتنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا قَالَ أَرءَيْتَ إِذْ أَوَينَا إِلَى الصّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَنِيهُ إِلاّ الشَّيْطَنُ أَنْ أَذْكُرْهُ } [الكهف /60-63] ، ومثل هذا كثير في القرآن الكريم .
ثانياً : أن الحديث رواه غير أبي هريرة كابن مسعود وعمران رضي الله عنهم .
وأما إنكار عبد الحسين سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهذا من مذهب الغلاة الذين ينفون السهو.
وسوف أثبت لهذا المؤلف وغيره أن إنكار السهو من إمامه الذي يعتقد أنهم لا يخطئون ولا ينسون وأنهم حجج الله على خلقه .
وعن أبي صلت الهروي قال: قلت للرضا (ع) إن في سواد الكوفة قوما يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقع عليه السهو في صلاته ، فقال: كذبوا لعنهم الله إن الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلاهو .
وقال شيخهم الصدوق : ( ليس سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم كسهونا لأن سهوه من الله عزوجل اسهاه ليعلم أنه بشر فلا يتخذ معبوداً دونه وسهونا من الشيطان ...) .(1/427)
والحقيقة أن الشيعة اختلفت عقائدها في " مسألة سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم " ، فكانت عقيدتهم في أول الأمر في عصر القمي الملقب عندهم بالصدوق - كما مرّ قوله - وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد كان عقيدتهما وعقيدة جمهور الشيعة أن أول درجة في الغلو هو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فكانوا يعدون من ينفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الشيعة الغلاة !!وأظن أن عبد الحسين وشيعته من الغلاة كما هو واضح .
بل اعتبر القمي أن الذين ينفون السهو عن الأئمة من المفوضة لعنهم الله على حد تعبيره ، وأنهم ليسوا من الشيعة في نظرهم .
يقول شيخهم ابن بابويه الملقب بالصدوق في "من لا يحضرة الفقيه"(1/234): (أن الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وذكر أن شيخه بن الوليد يقول:( أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو جاز أن ترد الأخبار الواردة في هذا المعني لجاز أن نرد جميع الأخبار و في ردها إبطال الدين و الشريعة، وأنا احتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم والرد على منكريه ) .
قلت: ولكن تبدّلت الحال بعد ذلك وأصبح نفي السهو عن الأئمة وليس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ضرورات مذهب التشيع !!!
يقول شيخهم المامقاني وهو في كتابه" تنقيح المقال" ( 3/ 240):( أن نفي السهو عن الأئمة أصبح من ضرورات المذهب الشيعي ) .
ونقول: مع أنهم نقلوا بأنفسهم في دواوينهم الحديثية أخباراً عن أئمتهم تنفي عن أئمتهم السهو والنسيان .ومن يتتبع أخبارهم وأحاديثهم يجد مجموعة كبيرة منها تناقض دعواهم في عدم سهو أئمتهم وقد احتار فخرهم المجلسي بوجود كثير من الأخبار في كتبهم تناقض دعوى نفي السهو عن الأئمة، ولذا اعترف المجلسي فقال في "البحار" (25/351) ما نصه: ( المسألة في غاية الإشكال لدلالة كثير من الأخبار والآيات على صدور السهو عنهم وإطباق الأصحاب إلا من شذ منهم على عدم الجواز ) .
ثالثاً: حديث السهو لم ينفرد به أبا هريرة رضي الله عنه ، بل وافقه وشاركه عظماء وسادات من علماء أهل البيت رضي الله عنهم ، وأثبته علماء القوم في مصادرهم .
ففي" البحار"( 17/101): عن علي(ع) قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر خمس ركعات، ثم انفتل، فقال له بعض القوم: يا رسول الله هل زيد في الصلاة شيء؟ فقال: وما ذاك ؟ قال: صلّيت بنا خمس ركعات، قال: فاستقبل القبلة وكبر وهو جالس، ثم سجد سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع ثم سلّم، وكان يقول: هما المرغمتان .
وعن الباقر(ع) قال:صلّى النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة وجهر فيها بالقراءة فلما انصرف قال لأصحابه : هل أسقطت شيئاً في القرآن ؟ قال: فسكت القوم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أفيكم أبي بن كعب ؟ فقالوا: نعم، فقال: هل أسقطت فيها شيء ؟ قال: نعم يا رسول الله أنه كان كذا وكذا00الحديث .
وفي " الوسائل"( 5/307): عن الحارث بن المغيرة النضري قال : قلت لأبي عبدالله(ع): إنما صلّينا المغرب فسها الإمام فسلّم في الركعتين فأعدنا الصلاة ، فقال : ولم أعدتم ، أليس قد انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ركعتين فأتم بركعتين ؟ ألا أتممتم .
فأين قول عبد الحسين عندما قال:(... إن مثل هذا السهو لو صدر منّي لأستولى عليّ الحياة وأخذني الخجل واستخف المؤتمون بي وبعبادتي ومثل هذا لا يجوز على أنبياء الله أبداً ... .
أصلّي فما أدري إذا ما ذكرتها أئثنتين صليت الضحى أم ثمانياّ ) ؟
فما رأي عبد الحسين فيما رواه أئمته رضي الله عنهم في اثبات سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟!! و هل يتهم أئمته كما اتهم أبو هريرة رضي الله عنه ؟!!
استنكار عبد الحسين حديث" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يجلد ويغضب
11- وفي (ص 97) أورد عبد الحسين حديث :"كان النبي يؤذي ويجلد ويسب ويلعن من لا يستحق" :أخرج الشيخان عن أبي هُرَيْرَةَ مرفوعاً: اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ الحديث.
ثم أخذ يصول ويجول مفنداً الحديث بقوله :( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأنبياء لا يجوز عليهم أن يؤذوا أو يجلدوا أو يسبوا أو يلعنوا من لا يستحق ، سواء أكان ذلك في حال الرضا أم في حال الغضب ، بلى لا يمكن أن يغضبوا بغير حق ...) .
قلت : إن هذا الحديث قد رواه غير أبو هريرة ..فقد رواه جابر بن عبد الله وعائشة وأنس ومن أهل البيت رضي الله عنهم .
وفسوف نورد أحاديث أصحاب الحجج و العصمة من أهل البيت كما يعتقد .(1/428)
فعن علا عن محمد عن أبي جعفر(ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما أنا بشر أغضب وأرضى، وأيما مؤمن حرمته وأقصيته او دعوت عليه فاجعله كفّارة وطهوراً ، وأيما كافر قربته أو حبوته أو أعطيته أو دعوت له ولا يكون لها أهلا فاجعل ذلك عليه عذاباً ووبالا .
قلت: وإذا كان سائر الأنبياء لا يجوز عليهم أن يؤذوا أو يجلدوا أو يسبوا أو يلعنوا من لا يستحق ، سواء أكان ذلك في حال الرضا أم في حال الغضب ، فكيف يروي إمامك المعصوم ذلك !
فقد روى الكليني عن أبي عبدالله(ع) قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفد من اليمن وفيهم رجل كان أعظمهم كلاما وأشدهم استقصاء في محاجة النبي فغضب النبي حتى التوى عرق الغضب بين عينيه وتربد وجهه وأطرق إلى الأرض فأتاه جبريل (ع) فقال: ربك يقرئك السلام ويقول لك: هذا رجل سخي يطعم الطعام فسكن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الغضب ورفع رأسه وقال له: لولا أن جبريل أخبرني عن الله عزوجل إنك سخي تطعم الطعام لشردت بك وجعلت حديثا لمن خلفك فقال له الرجل : وإن ربك يحب السخاء ؟ فقال: نعم فقال: إني اشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله والذي بعثك بالحق لارددت من مالي أحدا .
استنكار عبد الحسين حديث" عروض الشيطان لرسول الله وهو في الصلاة "
12- وفي (ص104) أورد عبد الحسين حديث :"عروض الشيطان لرسول الله وهو في الصلاة:" أخرج الشيخان بالإسناد إلى أبي هُرَيْرَةَ قَالَ:صلّى رَسُولُ اللَّهِ صلاة فقال(ص): إِنَّ الشيطان عرض لي فشدّ عَلَيَّ ِيَقْطَعَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ فأمْكَنَنِي الله مِنْهُ فَذَعَتُّهُ - أي فخنقته - ولَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَوثقه إِلَى سَارِيَةٍ حَتَّى تُصْبِحُوا فتَنْظُرُوا إِلَيْهِ فذَكَرْتُ قَوْلَ سُلَيْمَانَ { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِى لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي }.
ثم أخذ يصول ويجول ويشكك في هذا الحديث بقوله :( وفيه أن أنبياء الله وخيرته من خلقه يجب أن يكونوا في نجوة من هذا وفي منتزح فإنه ينافي عصمتهم ويضع من قدرهم ومعاذ الله أن يشد الشيطان عليهم أو يعرض لهم أو تسوّل له نفسه الطمع فيهم... إلى أن قال في (ص113) فليسمح لي الشيخان وغيرهما ممن يعتبرون حديث ابي هريرة لأسألهم هل للشيطان جسم يشد وثاقه ويربط بالسارية حتى يصبح وتراه الناس بأعينها أسيراً مكبلا ...؟ الخ ) .
قلت : لقد عقد فخرك المجلسي في بحاره (63/297 ) في كتاب السماء والعالم باباً سماه " ذكر إبليس وقصصه" وأود هذا الحديث الذي أنكرته من طريق أبي هريرة .
كما عقد فخرك أيضاً في بحاره في كتاب النبوة باباً سماه " في معنى قوله: {وَهَبْ ليِ مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابْ }" وأورد فيه هذا الحديث من رواية الشيخين والذي أنكرته من الصحيحين أيها العلامة !
فانظروا إلى مدى جهل " عبد الحسين " يثبت فخره حديث أبي هريرة في حين ينكره على رواية الإسلام أبي هريرة رضي الله عنه ، فما هذا الحقد والتضليل ؟ !!
كما وأن فخره أيضاً عقد في بحاره (18/82 )كتاب في كتاب تاريخ النبي صلى الله عليه وآله وسلم باباً سماه " معجزاته في استيلائه على الجن والشياطين " وأورد فيه هذا الحديث وهو من طريق ابن مسعود قال المجلسي: " وقال القاضي في الشفا: رأى عبدالله بن مسعود الجن ليلة الجن وسمع لامهم وشبههم برجال الزطّ وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :إن شيطاناً تفلت البارحة ليقطع عليّ صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد .. .
وأما من طريق إمامك المعصوم ، فقد روى الحميري في قرب الاسناد عن أبي جميلة عن أبي عبدالله(ع) في قول سليمان: { وَهَبْ ليِ مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابْ } قلت : فاعطيه الذي دعا به ؟ قال: نعم ، ولم يعط بعده إنسان
ما اعطي نبي الله عليه السلام من غلبة الشيطان فخنقه إلى اسطوانة حتى أصاب بلسانه يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" لولا ما دعا به سليمان عليه السلام لأريتكموه " .
فدل هذا الحديث الذي رواه جعفر الصادق على مدى جهلك بأحاديث أهل البيت رضي الله عنهم .
وأما قوله :( فليسمح لي الشيخان وغيرهما ممن يعتبرون حديث أبي هريرة لأسألهم هل للشيطان جسم يشد وثاقه ويربط بالسارية حتى يصبح وتراه الناس بأعينها أسيراً مكبلا ؟ ) .
أقول: عبد الحسين ينكر ويتعجب من رواية أبي هريرة رضي الله عنه بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمسك الشيطان وربطه ..، ولكن لا يتعجب إن إمامه المعصوم ! أمسك بإبليس وحاول أن يقتله ، ولكن حينما اعترف ابليس إنه محب يؤمن بالولاية !! تركه وخلى سبيله !(1/429)
ففي الأنوار النعمانية (2/168 ): روى عن الصدوق بإسناده إلى علي(ع) قال: قد كنت جالساً عند الكعبة فإذا شيخ محدودب، فقال يا رسول الله أدع لي بالمغفرة ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاب سعيك يا شيخ وضل عملك، فلما ولّى الشيخ سألته عنه ، فقال ذلك اللعين ابليس قال علي عدوت خلفه حتى لحقته وصرعته إلى الأرض وجلست على صدره !! ووضعت يدي على حلقه لأخنقه !! ، فقال لا تفعل يا أبا الحسن فإني من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ، والله يا علي أني لأحبك جداً وما أبغضك !! أحد إلاّ شركت أباه في أمه فصار ولد زنا فضحكت !! وخلّيت سبيله .
علي رضي الله عنه يقتل ثمانين ألف من الجن !!
عبد الحسين يستنكر ويتعجب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وكذلك من معجزة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الثابت عند الفريقين .
ولكن هل تعجب من معجزة ومن حديث إمامه المعصوم؟!! وهل استنكر ذلك المعجزة الصادرة من إمامه المعصوم حسب اعتقاده؟! إليك الرواية بإختصار .
أورد هاشم البحراني في كتابه " مدينة معاجز" باب معاجز الإمام أمير المؤمنين(ع) (1/147-151 حديث 88) باب " التاسع والعشرون خبر عطرفة الجنّي " .
السيد المرتضى " في عيون المعجزات" قال: ومن دلائل أمير المؤمنين ومعجزاته وخبره مع عطرفة الجنّي وهو خبر معروف عند علماء الشيعة، وقد وجدت هنا الخبر في كتاب الأنوار، وفي حديث طويل عن زاذان ، عن سلمان، قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يومٍ جالساً بالأبطح وعنده جماعة من أصحابه وهو مقبل علينا بالحديث، إذ نظرنا إلى زوبعة قد ارتفعت، فأثارت الغبار، وما زالت تدنو والغبار يعلو إلى أن وقفت بحذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم برز منها شخص كان فيها، ثم قال: يا رسول الله إني وافد قومي، وقد استجرنا بك فاجرنا، وابعث معي من قبلك من يشرف على قومنا ، فإن بعضهم قد بغى علينا، ليحكم بيننا وبينهم بحكم الله وكتابه وخذ عليّ العهود والمواثيق ....فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أنت ومن قومك ؟ قال: أنا عطرفة ابن شمراخ، أحد بن نجاح وأنا وجماعة من أهلي كنّا نسترق السمع، فلما منعنا من ذلك آمنّا، ولما بعثك الله نبياً آمنّا بك .... وقد خالفنا بعض القوم ...فوقع بيننا وبينهم الخلاف، وهم أكثر منّا عدداً وقوة ... فابعث معي من يحكم بيننا وبينهم بالحق .... ثم استدعى - أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم - بعلي (ع) وقال له : يا علي سِر مع أخينا عطرفة ، وتشرف على قومه، وتنظر إلى ما هم عليه ، وتحكم بينهم بالحق - فقام أمير المؤمنين(ع) مع عطرفة وقد تقلّد سيفه ، قال سلمان رضي الله عنه فتبعتهما إلى أن صار إلى الوادي فوقفت أنظر إليهما، فانشقّت الأرض ودخلا فيها!! - إلى أن قال - وقد انشق الصفا!! وطلع أمير المؤمنين(ع) وسيفه يقطر دماً !!! ومعه عطرفة .... قال له - أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ما الذي حبسك عنّي إلى هذا الوقت؟ فقال (ع): صِرتُ إلى جنٍ كثيرٍ قد بغوا علىعطرفة وقومه من المنافقين فدعوتهم إلى ثلاث خصال فأبوا عليّ ... فوضعت سيفي فيهم وقتلت منهم زهاء ثمانين ألفاً !!! ... الخ .
وفي (2/284 رواية 553) " الذي تخبّطه الشيطان لمّا ادّعى ما قاله (ع) " .
فعن أبي يحيى قال: شهدت علياً (ع) يقول على منبر الكوفة: أنا عبد الله وأخو رسول الله صلى الله عليه وسلم - إلى أن قال- فلم يبرح مكانه حتى تخبّطه الشيطان، فجرّ برجله إلى باب المسجد .
ففي (ص309 رواية 573) " أنّه (ع) هرب عنه إبليس يوم بدر " .
وخلاصة الحديث: قال ابن مسعود: والله ما هرب إبليس إلا حين رأى أمير المؤمنين(ع) فخاف أن يأخذه ويستأسره ويعرفه الناس فهرب .
وسوف أحيلك أيها القارئ إلى أبواب وعنواين معاجز أئمتهم بإختصار .
ففي (ص21 رواية 365) " أنّه (ع) كان معه جبرائيل وميكائيل(ع) حين تعرض له إبليس، وأنّه (ع) قتل ياغوث " .
وفي(ص446 رواية 672) " أنّه (ع) ولّى أربعين ألف ملك وقتل أربعين ألف عفريت " .
وفي (ص 445 رواية 671) " مخافة الجنّي منه (ع) " .
فليسمح لي القمي والمجلسي وغيرهما ممن يعتبرون حديث أهل البيت كما يزعمون لأسألهما هل للشيطان والجن جسم لكي يصرعه و يجلس على صدره ويضع يديه في حلقه ليخنقه أو يقتلهم؟!، والعجيب أن هذا المؤلف أنكر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه المعجزة ، ولم ينكر على إمامه فاعتبروا يا أولي الألباب !!
استنكار عبد الحسين حديث" نوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صلاة الصبح(1/430)
13- وفي (ص 114) أورد كعادته حديث :"نوم النبي عن صلاة الصبح": أخرج الشيخان بالإسناد إلى أَبِي هُرَيْرَةَ واللفظ لمسلم قَالَ: عَرَّسْنَا مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَره الشَّيْطَانُ، قَالَ: أَبو هُرَيْرَةَ: فَفَعَلْنَا ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْغَدَاةَ
ثم أخذ عبد الحسين يدلس ويصول ويجول كعادته مفنداً هذا الحديث وملخصه: ( وهذا مما يبرأ منه هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ...أتراه صلى الله عليه وسلم يحض الناس على الصلاة هذا الحض ، ويهتم بصلاة الفجر هذا الاهتمام ويهدد بالتحريق !! على من لا يخرج إليها ثم ينام عنها ؟ حاشا لله ومعاذ الله أن يكون كذلك .....وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يومئذ في جيش مؤلف من ألف وستمائة رجل ..فالعادة تأبى أن يناموا بأجمعهم ..ولعل هذا من خوارق أبي هريرة !.... كلمة تقضّ مضاجع المؤمنين وتقلقهم فلا ينامون بعدها عن نافلة الليل لو أنصفوا أنفسهم .... وما كان وهو سيد الحكماء ليندد بمن نام عن صلاة الليل هذا التنديد ثم ينام هو بمنظر من أصحابه عن صلاة الصبح، سبحانك هذا بهتان عظيم...وقد عقد البخاري في صحيحه باباً لتهجده في الليل وباباً لطول سجوده في صلاة الليل.... هذا دأبه في قيام الليل، فما ظنك به في أقامة الفرائض الخمس وهي أحد الأركان التي بني الإسلام عليها أيجوز عليه أن ينام عليها ؟! معاذ الله وحاشا لله...).
وقال في حاشيته (ص119)مانصه:( وهذا الحديث ممّا انفرد به أبو هريرة فلم يثبت عن غيره،ولكن الجمهور أخذوا به اعتمادا على أبي هريرة كما هي طريقتهم ....)
قلت: سبحان الله كيف بلغه الجهل، أليس تزعم أن الأئمة حجج الله على خلقه، فلماذا لا تسألهم هذا السؤال ؟! ونحن لا نسعنا إلا أن نورد أجوبة هؤلاء الذين اعتقد فيهم العصمة لكي يتبين مدى جهله وتدلسيه وتشكيكه وطعنه حول راوية الإسلام رضي الله عنه ومرويًاته .
وإليك روايات أهل البيت حجج الله على خلقه كما يزعمون . ويكون ذلك حسرة على عبد الحسين، وتكون عبرة لأتباعه، إلى يوم القيامة، وأن لا يطاولوا على أبي هريرة رضي الله عنه بالتكذيب والتشكيك والطعن فيه رضي الله عنه .
فعن سماعة ابن مهران قال: سألته عن رجل نسي أن يصلّي الصبح حتى طلعت الشمس، قال:يصليها حين يذكرها ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رقد عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ثم صلاها حين استيقظ ولكنه تنحى عن مكانه ذلك ثم صلّى .
و عن حمزة بن الطيار، عن أبي عبدالله (ع) قال : إن الله أمر بالصلاة والصوم فنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة فقال أنا أنيمك وأنا أوقظك فإذا قمت فصل ليعلموا إذا أصابهم ذلك كيف يصنعون ليس كما يقولون : إذا نام عنها هلك... .
وفي الفقيه عن سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبدالله(ع) يقول: إن الله تبارك وتعالى أنام رسول الله عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ، ثم قام فبدأ فصلّى الركعتين اللتين قبل الفجر، ثم صلّى الفجر وأسهاه في صلاته ، فسلّم في الركعتين ، ثم وصف ما قاله ذو الشمالين ، وإنما فعل ذلك به رحمة لهذه الأمة لئلا يعير الرجل المسلم إذا هو نام عن صلاته أو سها فيها فقال: قد أصاب ذلك رسول الله .
فلماذا لا تكذّب ولا تستغرب ما يروي الكليني والقمي والطوسي وغيرهم وأثبت لهم نوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طريق الأئمة(ع) ؟،لم تجاهلت هذه الروايات أيها المدلس؟!لم أعرضت عنها في بحثك العلمي! وذوقك الفني ! أنسيت أنك تقول:( بأنك بالغت في الفحص وأغرقت في التنقيب ) فبالله عليك متى كان التضليل بحثاً علمياً ؟ ومتى كان الاعراض عن الحق ذوقاً فنياً ؟!، ومن هنا ترى أيها القارئ الكريم الفرق بين العلماء و أصحاب الأهواء والبدع !!
وفي الكافي عن سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبدالله(ع) يقول: نام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصبح والله عزوجل أنامه حتى طلعت الشمس عليه، وكان ذلك رحمة من ربك للناس ، ألا ترى لو أن رجلا نام حتى طلعت الشمس لعيره الناس وقالوا: لا تتورع لصلاتك ، فصارت أسوة وسنة فإن قال رجل لرجل : نمت عن الصلاة ، قال: قد نام رسول فصارت أسوة ورحمة ، رحم الله سبحانه بها هذه الأمة .
فهل علمت " يا عبدالحسين " لماذا نام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة ؟! ومن الحكمة من ذلك ، أم مازلت في جهلك ؟! فإن لم تعلم فسيأتي شرح ذلك من كلام الشهيد أيضاً .(1/431)
وهذا فخرك المجلسي يثب هذه الرواية في بحاره عن الكازروني في حوادث سنة سبع: وفيها نام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس بالإسناد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قفل من غزوة خيبر صار حتى إذا أدركه الكرى عرس وقال لبلال: أكلأ لنا الليل ، فصلّى بلال ما قدر له ونام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما تقارب لفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر فغلبت بلالا عينه وهو مستند إلى راحتله ، فلم يستقيظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا بلال ولا أحد من الصحابة حتى ضربتهم الشمس وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولهم استيقاظا ففزع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أي بلال ، فقال: بلال : أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ، بأبي أنت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: اقتادوا ، فاقتادوا رواحلهم شيئا ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمر بلالا فأقام الصلاة وصلّى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال : {أقم الصلاة لذكرى }.
ثم قال المجلسي: أقول: قد مضى الكلام فيه في باب سهوه .
و نقل المجلسي عن الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح !! عن زرارة عن أبي جعفر(ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه فقبلوا ذلك مني فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر (ع) فحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرس في بعض أسفاره فقال: من يكلؤنا ؟ فقال بلال: أنا، فنام بلال وناموا حتى طلعب الشمس فقال: يا بلال ما أرقدك ؟ فقال : يا رسول الله أخذ بنفس الذي أخذ بأنفاسكم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن فأذن فصلّى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ركعتي الفجر وأمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر ثم قام فصلّى بهم الصبح ثم قال: من نسي شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها ، فإن الله عزوجل يقول : { وأقم الصلاة لذكرى } قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه فقال: نقضت حديثك الأول . فقدمت على أبي جعفر(ع) فأخبرته بما قال القوم ، فقال: يا زرارة ألا أخبرتهم أنه قد فات الوقتان جميعاً ، وأن ذلك كان قضاء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قال المجلسي في تعليقه على هذا الخبر :( قال الشهيد في هذا الخبر فوائد : منها استحباب أن يكون للقوم حافظ إذا ناموا .) .
ومنها أن الله تعالى أنام نبيه لتعليم أمته، ولئلا يعّير بعض الأمة بذلك، ولم أقف على راد لهذا الخبر ، لتوهم القدح في العصمة .
وذكر المجلسي عن أبي جحيفة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفره الذي ناموا فيه حتى طلعت الشمس ، ثم قال: إنكم كنتم أمواتا فرد الله إليكم أرواحكم .
فلماذا لا تسأل أئمتك هذه الأسئلة: هل نام الحرس أيضا كما نام المؤذنون ؟
ولماذا لا تسألهم : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يومئذ في جيش مؤلف من ألف وستمائة رجل ..فالعادة تأبى أن يناموا بأجمعهم . ولماذا لا تسألهم هذه الأسئلة السخيفة ! ، فهل هذا الحديث من خوارق إمامك المعصوم أيضاً ؟ !
والعجب أن أولياء عبد الحسين يقولون أن الشمس ردت لكي يصلّي أمير المؤمنين علي رضي الله عنه صلاة العصر التي فاتته عندما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم نائماً في حجر علي رضي الله عنه !!
نسأل الله السلامة في العقل والبعد عن التعصب والضلال!
استنكار واستغراب عبد الحسين "أن بقرة وذئباً يتكلمان بلسان عربي مبين "
14- وفي (ص120) عبد الحسين حديث :"بقرة وذئب يتكلمان بلسان عربي مبين": أخرج الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْث! فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تتَكَلَّمُ ، قَالَ صلى الله عليه وسلم فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ! قَالَ صلى الله عليه وسلم فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ.(1/432)
ثم أخذ يصول ويجول بقوله :( أن أبا هريرة نزوع إلى الغرائب تواق إلى العجائب قد استخفته الى خوارق العادات نزية من الشوق والهيام فتراه طروبا إلى التحدث بما هو فوق النواميس الطبيعية ، كفرار الحجر بثياب موسى ، وكضرب موسى ملك الموت حتى فقأ عينه ، ونزول جراد الذهب على أيوب وأمثال ذلك من المستحيلات عادة
وها هو الآن يحدث بأن بقرة وذئبا يتكلمان بلسان عربي مبين فيفصحان عن عقل وعلم وحكمة الأمر الذي لم يقع أصلا ولا هو واقع قطعا ولن يقع أبدا وسنة الله في خلقه تحيل وقوعه إلا في مقام التحدي والتعجيز حيث يكون آية للنبوة وبرهانا على الاتصال بالله عز سلطانه ومقام الرجل حيث ساق بقرته إلى الحقل وركبها في الطريق لم يكن مقام تحدي واعجاز لتصدر فيه الآيات وخوارق العادات وكذلك مقام راعي الغنم حين عدا الذئب عليه فلا سبيل إلى القول بامكان صحة هذا الحديث عقلا فإن المعجزات وخوارق العادات لا تقع عبثا بإجماع العقلاء ).
.قلت: لقد عقد فخرك المجلسي في بحاره (65/79 )كتاب السماء والعالم باباً سماه "باب الثعلب والأرنب والذئب والأسد " أثبت هذا الحديث الذي أنكرته من طريق أبي هريرة رضي الله عنه من الصحيحين.
فانظروا إلى مدى تدليس هذا العالم الكبير يثبت فخره هذا الحديث في حين ينكره على أبي هريرة ؟ وما بعد الحق إلا الضلال .
كما عقد أيضاً في(19/129 ) كتاب تاريخ نبينا في باب " نزوله المدينة وبناؤه المسجد والبيوت " وأورد فيه حديث أبي هريرة .
قال المجلسي :( وفي هذه السنة تكلم الذئب خارج المدينة ينذر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما روي عن أبي هريرة ) .
نقل أيضاً في(17/394 ) كتاب تاريخ نبينا باب" ما ظهر من إعجازه في الحيوانات" عن فخرك " المفيد " في أماليه بإسناده عن شهر ين حوشب عن أبي سعيد الخدري .
وقال المجلسي في البحار( 65/78) نقلا عن ابن عبد البر وغيره : كلّم الذئب من الصحابة ثلاثة : رافع بن عميرة ، وسلمة بن الأكوع ، واهبان بن أوس الأسلمي ، قال : ولذلك تقول العرب : هو كذئب اهبان ، يتعجبون منه ....".
فهذا الحديث ليس من رواية أبي هريرة رضي الله عنه ، فماذا تقول "يا أيها المؤلف الأمين"؟
فانظروا إلى مدى جهله بأحاديث أهل البيت رضي الله عنهم !!
ثم أن أبا هريرة لم يرو من الأحاديث مثل ما رواه أئمتك من الغرائب والعجائب التي تقشعر لها الأبدان ، فإن كنت تريد الإنكار فأولى أن تنكر على معصومينك لأنهم هم الذين يحبون التحدث مع أصحابهم بما فوق النواميس الطبيعية ، ويكفي في إثبات ذلك الرجوع إلى عناوين الأبواب .
ففي (مدينة معاجز ) (1/151-159 رواية 98)" حديث الجام " .
و(ص255 رواية 161) " إحياء الإسرائيلين الحوتين " .
و(ص266 رواية 169) " كلام الذئب " "كلام الذئبين وسلامهما عليه (ع) .
و(ص 273 رواية 170) " كلام الجمال والثياب " .
و(ص 275 رواية 171) " تسليم الأسد عليه (ع) " .
و(ص 281 رواية 177) " كلام البقرة بإسمه (ع) " .
و(ص282 رواية 178) " كلام الفيلة " .
و(ص 284 رواية 179) " كلام الوزّ " .
و(ص285 رواية 180 ) " كلام الدّراج " .
و(ص 288 رواية 182) " كلام الفرس " .
و(ص297 رواية 184) " إنطاق الجبال والأحجار والأشجار بإسمه (ع) " .
و(ص299 رواية 185) " كلام الحية " .
و(ص398 رواية 262) " كلام النخيل بإسم النبي والوصي " .
و(ص 409 رواية 272) " إنطاق الأسد بالنبي وأمير المؤمنين (ع) " .
و(ص 412 رواية 273) " كلام الجمل بالثناء عليه (ع) " .
و(ص415 رواية 275) " كلام البساط، وكلام السوط، وكلام الحمار" .
و(ص418 رواية 278) " شهادة الباذنجان له (ع) بالولاية " .
و(ص419 رواية 279) " إقرار الأرز له (ع) بالوصية " .
و(ص 442 رواية 297 ) " إنطاق الثياب والخفاف " .
وفي (2/20 رواية 20363)" إنطاق الناقة بأنّه (ع) أمير المؤمنين " .
و(ص 28 رواية 371) " إنطاق حوت يونس بولايته و ولاية أهل البيت (ع) "
وفي (5/505 رواية 1021) " كلامه (ع) مع فرسه " .
و(ص528 رواية 1037) " كلام الظبية بفضله (ع) " .
فأين قول عبد الحسين عندما قال: (الأمر الذي لم يقع أصلا ولا هو واقع قطعاً ولن يقع أبداً وسنة الله في خلقه تحيل وقوعه ...) .
فانظر أيها القارئ مدى كذب وتدليس عبد الحسين فيما قاله!!
أقول: إن كنت تجهل بأن بقرة وذئباً يتكلمان بلسان عربي مبين ، وتنكر أن مثل هذا الأمر بأنه "( الأمر الذي لم يقع أصلا ولا هو واقع قطعاً ولن يقع أبداً وسنة الله في خلقه تحيل وقوعه ...) كما تزعم ، فما عليك إلا الاصغاء إلى هذه الأحاديث الملتوية من طرق أهل البيت رضي الله عنهم لكي يتبين للقاريء مدى تدلسيه وتقيته وجهله أمثال هذه الأحاديث في الكتب الأربعة وغيرها.(1/433)
فعن علي (ع) قال:" كلّم الذئب أبا الاشعث ابن قيس الخزاعي ، فأتاه فطرده مرّة بعد أخرى، ثم قال له في المرّة الرابعة: ما رأيت ذئبا أصفق وجها منك . فقال له الذئب: بل أصفق وجها مني من تولى عن رجل ليس على وجه الأرض أفضل منه، ولا أنور نوراً، ولا أتم بصيرة ولا أتم أمراً ، يملك شرقها وغربها ، يقول: لا إله إلاّ الله، فيتركونه ، ومن أصفق وجها: أنا أم أنت الذي تتولى عن هذا الرجل الكريم ، رسول رب العالمين " .
وفي والخرائج : قال أبو عبدالله (ع): إن ثلاثة من البهائم أنطقها الله على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم : الجمل وكلامه شكوى أربابه وغير ذلك . والذئب فقد جاء إلى النبي فشكا إليه الجوع ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرباب الغنم ، فقال : افرضوا للذئب شيئا فشحوا . فذهب .... وأما البقرة فإنها أذنت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ودلت عليه وكانت في نخل لبني سالم من الأنصار، وقالت: يا ذريح أعمل نجيح صائح يصيح بلسان عربي فصيح ،بأن لا إله إلاّ الله رب العالمين ،ومحمد رسول الله سيد النبيين ، وعلي وصيه سيد الوصيين .!! .
استنكار عبد الحسين حديث" تركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدقة "
15- وفي( 143) أورد عبد الحسين حديث :" تركة النبي صدقة": أخرج الشيخان بالإسناد إلى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال:َ لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا ولاَ دِرْهَمًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ .
ثم أخذ يفند هذا الحديث بقوله : ( هذا مضمون الحديث الذي انفرد أبو بكر بروايته عن رسول الله محتجا به على عدم توريث الزهراء ....وقد انفرد الخليفة به ولم يروه على عهده احد سواه ، وربما قيل بأنه قد رواه معه مالك بن أوس الحدثان ).
قلت: تصحيحاً لمعلومات لهذا المؤلف، فإن هذا الحديث لم ينفرد به أبو بكر، بل رواه كل من عمر وعلي وسعد بن أبي وقاص والعباس وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وأبي هريرة وعائشة وطلحة وحذيفة وابن عباس رضي الله عنهم .
فهل هذا الحديث انفرد به أبو بكر رضي الله عنه ؟!! أم انفرد به أبو هريرة رضي الله عنه ؟! ، ألا تخجل من اتباع هذا الأسلوب الملتوي ..وبدون خجل أو وجل تحاول أن تقنعنا بصحة ما تدلس !! أين الأمانة العلمية ؟ أين الذوق الفني الذي ادعيته !
ثم إن هذا الحديث رواه ثقتك من طرق أهل البيت !!
فقد روى الكليني في "الكافي"(1/34)- باب ثواب العالم والمتعلم- عن حماد بن عيسى عن القداح عن أبي عبد الله(ع) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة... وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر ، وإن العلماء ورثة الأنبياء لم يرثوا ديناراً ولا درهماً ، ولكن ورثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر.
استنكار عبد الحسين: كون أبي طالب مات مشركاً :
16- وفي (ص150) أورد عبد الحسين حديث:" أبي طالب أبى الشهادتين" قال أَبو هُرَيْرَةَ قَال:َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمِّهِ قُلْ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَال:َ لَولا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ يَقُولُونَ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ لأ قْرَرْتُ بِهَا عَيْنَيكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } .
ثم أخذ يفند هذا الحديث بعصبيته المذهبية المقيتة :( أين كان أبو هريرة عن النبي وعمه (ع)؟!! وهما يتبادلان الكلام الذي أرسله عنهما كأنه رآهما بعينيه وسمع كلامهما بأذنيه ؟ ....أن هذا الحديث مما ارتجله المبطلون تزلفا لأعداء آل أبي طالب ، وعملت لدولة الأموية في نشره أعمالها ، وقد كفانا السلف الصالح !! من أعلامنا مؤنة الاهتمام بتزييفه ....) .
قلت: إن هذا الطعن مردود إذ مبني على التعصب والهوى المذهبي ، وعلى عدم الأمانة العلمية وإذا اجتمع التعصب وعدم الأمانة في النقد أصبح البحث أو النقد مردودا لا قيمة له ، وأنت أيها القاريء عرفت الآن موقف "المؤلف " من أبي هريرة رضي الله عنه فهو لا ينشد سوى اشفاء غليله من هذا الصحابي الجليل .وإلا فإن موت أبي طالب مشركاً ورفضه بنطق الشهادتين لم يكن من رواية أبي هريرة وحده ، فقد رواه غيره من الصحابة كالعباس وأبي سعيد الخدري وجابر رضي الله عنهم .
وإن هذا الحديث قد رواه قومك .(1/434)
ففي تفسير القمي : علي بن ابراهيم في تفسيره قوله تعالى: { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [ القصص/56 ] ، قال: نزلت في أبي طالب فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: ياعم قل لا إله إلا الله أنفعك بها يوم القيامة ، فيقول يابن أخي أنا أعلم بنفسي فلما مات شهد العباس بن عبد المطلب عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه تكلم بها عند الموت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أما أنا فلم أسمعها منه وأرجوا انفعه يوم القيامة .
وقال فضل الله الراوندي (الشيعي) في كتابه "نوادر الراوندي" (ص10):( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهون أهل النار عذاباً عمي أخرجه من أصل الجحيم حتى أبلغ به الضحضاح عليه نعلان من نار يغلى منهما دماغه .
وقال المجلسي نقلاً عن ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: اختلف الناس في اسلام أبي طالب فقال الإمامية والزيدية: ما مات إلا مسلماً وقال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك منهم : الشيخ أبو القاسم البلخي وأبو جعفر الإسكافي وغيرهما، وقال أكثر الناس من أهل الحديث والعامة ومن شيوخنا البصريين وغيرهم: مات على دين قومه ويرون في ذلك حديثاً مشهوراً : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عند موته: قل ياعم كلمة أشهد لك بها غداً عند الله تعالى، فقال: لولا أن تقول العرب أن أباطالب جزع عند الموت لأقررت بها عينك، وروي إنه قال: أنا على دين الأشياخ ! وقيل: إنه قال: أنا على دين عبدالمطلب وقيل غير ذلك .
وروى كثير من المحدثين أن قوله تعالى:{ مَاكَانَ لِلنَّبِىّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلىِ قُرْبَى مِنمبَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَبُ الْجَحِيم وَ مَاكَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَهِيم لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبِيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لّلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [ التوبة/113-114]، أنزلت في أبي طالب لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغفرله بعد موته .
ورووا أن قوله تعالى:{ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} نزلت في أبي طالب .
ورووا أن علياً(ع) جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! بعد موت أبي طالب فقال له: إن عمك الضال قد قضى فما الذي تأمرني فيه ؟ واحتجوا به لم ينقل أحد عنه أنه رآه يصلي، والصلاة هي المفرقة بين المسلم والكافر، وأن علياً وجعفرا لم يأخذا من تركته شيئا .
ورروا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إن الله قد وعدني بتخفيف عذابه لما صنع في حقي وإنه في ضحضاح من نار . ورووا عنه أيضاً إنه قيل له: لو استغفرت لأبيك وأمك فقال: لو استغفرت لهما لاستغفرت لأبي طالب فإنه صنع إليّ مالم يصنعا ،و أن عبدالله وآمنة وأبا طالب في حجرة من حجرات جهنم . ( انظر البحار35/155 ) .
قلت: والأدهى والأمر إنهم لم يفعلوا ذلك في آباء الأنبياء كآزر الذي ذكره القرآن بأنه كافر، بينما عقيدة القوم زعمت بأنه ليس كافر وأن الآية نزلت في عمه !!
استنكار عبد الحسين حديث" أمة مسخت فأراً "
17- وفي (ص157) أورد عبد الحسين حديث:" أمة مسخت فأراً" أخرج الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً قال: فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تدْرَى مَا فَعَلَتْ وَإِنِّي لا أرَاهَا إِلا الْفَارَ إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ إلاِبِلِ لَمْ تَشْرَبْ وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْ .
ثم أخذ يجول معربداً :( هذا من السخافة بمثابة تربأ عنها الأمة الوكعاء إلا أن تكون مدخولة العقل، ولكن الشيخين بمثابة يلبسان هذا المخرّف على غيثة- أي فساد عقله- ويحتجان به على سخافته ولو أن هذا لا يعود على الإسلام بوصمة لقلدناه حبله لكنها السنة المعصومة يجب الذود عن حياضها بكل ما أوتي المسلم من قوة .....فإن هذه الخرافات من أعظم ما مني به الاسلام من الآفات ) .
قلت: ِلنُخرج لهذا المؤلف بعض سخافاته إن كان يعتبر هذا الحديث من السخافات .(1/435)
ففي "مدينة معاجز" ( 2/42 رواية 387): عن زيد الشحّام، عن الأصبغ بن نباته أن أمير المؤمنين(ع) جاءه نفر من المنافقين ، فقالوا: أنت الذي تقول أن هذا الجريّ: مسخ حرام ؟ فقال: نعم، فقالوا: أرنا برهانه، فجاء بهم إلى الفرات، ونادى هناس هناس ، فاجابه الجريّ لبيك . فقال له أمير المؤمنين: من أنت ؟ فقال: ممّن عرضت ولايتك! عليه فأبى فمسخ!، وإنّ في من معك من يمسخ كما مسخنا!!، ويصير كما صرنا، فقال أمير المؤمنين: بيّن قصّتك ليسمع من حضر فيعلم، فقال: نعم كنّا أربع وعشرين قبيلة!! من بني اسرائيل!!، وكنّا قد تمّردنا وعصينا!، وعرضت علينا ولايتك! فأبينا!!، وفارقنا البلاد واستعملنا الفساد، فجاءنا آتٍ أنت أعلم به والله منّا فصرخ فينا صرخة فجمعنا جمعاً واحداً ... ثم صاح صيحة أخرى وقال: كونوا مسوخاً بقدرة الله تعالى، فمسخنا أجناساً مختلفة ... وصرنا مسوخاً كما ترى
قلت: فهذا من السخافة بمثابة تربأ عنها الأمة ...لكنها السنة المعصومة يجب الذود عن حياضها بكل ما أوتي المسلم من قوة..فإن هذه الخرافات من أعظم ما مني به الاسلام من الآفات ! فأين أنت يا هذا من هذا التخريف في أصل الدعوى وفي دليلها ؟!
و عن الكاظم(ع) أنه قال عن المسوخ : بأنها اثنا عشر صنفاً ولها علل ، فأما الفيل فانه مسخ كان ملكاً زناء لوطياً ، ومسخ الدب لأنه كان أعرابياً ديوثاً ، ومسخت الأرنب لأنها كانت أمرأة تخون زوجها ولا تغتسل من حيض ولا جنابة ، ومسخ الوطواط لأنه كان يسرق تمور الناس ، ومسخ سهيل لأنه كان عشارا باليمن ، ومسخت الزهرة لأنها كانت امرأة فتن بها هاروت وماروت، وأما القردة والخنازير فانهم قوم من بني اسرائيل اعتدوا في السبت ، وأما الجري والضب ففرقة من بني اسرئيل حين نزلت المائدة على عيسى عليه السلام لم يؤمنوا به فتاهوا فوقعت فرقة في البحر
وفرقة في البر، وأما العقرب فانه كان رجلا نماما ، وأما الزنبور فكان لحاما يسرق في الميزان .
واختصاراً للرويات سوف أحيلك أيها القارئ إلى تلك العناوين والأبواب، التي بوّبها هاشم البحراني في كتابه (مدينة معاجز ) والتي اعتبرها ذلك من معجزات! الأئمة !
ففي (1/308 رواية 193) " الرّجل الذي مسخ كلباً بدعائه (ع) "
و(1/310 رواية 194) " رجل مسخ كلباً "
و(1/311 رواية 195) " رجل مسخ رأسه رأس خنزير " و" الرجل الذي صار رأسه رأس خنزير ووجهه وجه خنزير "
و (1/313 رواية 197 ) " الرجل الذي صار غراباً بدعائه (ع) "
و(1/313 رواية 197 ) " الرجل الذي صار غُراباً بدعائه (ع) "
وفي (2/66) باب السابع والسبعون ومائتان "مسخ رجل سلحفاة "
و(2/288 رواية 558 ) " مسخ الرجل الذي يشتمه (ع) كلباً "
و(2/297 رواية560)" الرجل الذي قال له (ع) اخسأ فصار رأسه رأس كلب"
وفي(3/260 رواية 880) " انقلاب الرّجل أنثى وبالعكس وردّهما إلى حالهما"
أقول: وهذه الخرافات من أعظم ما مني به الاسلام من الآفات !
نسأل الله العفو والعافية والسلامة في العقل والدين ، والبعد عن الهوى والضلال .
استنكار عبد الحسين حديث" من أدركه الفجر جنباً فلا يصُم "
18- وفي(ص 157) أورد عبد الحسين حديث:" المكروه عليه فاعتذر بسماعه من الفضل" أخرج المسلم من طريق عَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَال:َ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُصُّ من قَصَصِهِ : مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فلا يَصُمْ قال: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ لأبِيهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ ذَلِكَ قَالَ فَكِلْتَاهُمَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ ثُمَّ يَصُومُ قَالَ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى مَرْوَانَ وهو والي المدينة من قبل معاوية فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ مَرْوَانُ عَزَمْتُ عَلَيْكَ إلا مَا ذَهَبْتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَدَدْتَ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ قَالَ فَجِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ له ذلك فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَهُمَا قَالَتَاهُ لَك؟َ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: هُمَا أَعْلَمُ ،ثُمَّ رَدَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاس:ِ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:َ فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ الحديث .
ثم أخذ يصول قائلا :( لو كان الفضل حياً ما اجترأ عليه ) .
وقال في الهامش(ص158) :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل وأفضل وأكمل مما يظنون وحاشاه أن يصبح جنباً ولاسيما في أيام الصوم والأنبياء لا يجوز عليهم الاحتلام لأنه من تلاعب الشيطان وهم منزهون عنه ) .(1/436)
قلت: العجيب أن عبد الحسين الذي ينكر على أبي هريرة رضي الله عنه هذا يفعل ما يقتضيه حديث أبي هريرة ، إذ هو شيعي إمامي ، والفقه الشيعي يقول بافطار الذي يصبح جنباً ، أفليس هذا من العجب العجاب ؟ وإليك أقوال أئمته أهل البيت الذي يعتقد فيهم العصمة ! وهو مذهبه وسوف أذكر بعض رواياته وفقهه !
ثم إن هذا الحديث رواه إمامك المعصوم الموافق لأبي هريرة رضي الله عنه .
فعن حبيب الخثعمي في الصحيح عن الصادق(ع) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلّي الليل في شهر رمضان ثم يجنب !! ثم يؤخر الغسل !! متعمداً !! حتى يطلع الفجر .
وفي " التهذيب" (6/15 ) :عن محمد بن حمران عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته عن الجنب يجلس في المسجد؟ قال: لا، ولكن يمر فيه الاّ المسجد الحرام ومسجد المدينة قال: وروى أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا ينام في مسجدي أحد ولا يجنب فيه أحد ولا يجنب فيه أحد وقال: إن الله أوحى إليّ أن اتخذ مسجداً طهورا لا يحل لأحد أن يجنب فيه إلاّ أنا وعلي الحسن والحسين .
وعن محمد بن عيسى قال: حدثني سليمان بن جعفر المروزي عن الفقيه(ع) قال: إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع الصوم ذلك اليوم ولايدرك فضل يومه .
و عن أبي بصير عن أبي عبدالله(ع) في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمداً حتى أصبح قال: يعتق رقبة أويصوم شهرين متتابعين أويطعم ستين مسكينا قال: وقال إنه لخليق ألا أراه يدركه أبداً .
وفي" مسند الرضا"(2/194 باب من أصبح جنبا ( :عن أحمد بن محمد عن أبي الحسن (ع) قال: سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابه ، ثم ينام حتى يصبح متعمداً قال: يتم ذلك اليوم عليه قضاؤه .
وفي" مرآة العقول " (16/278 ح 1 باب فيمن أجنب بالليل في شهر رمضان ): عن الحلبي ، عن أبي عبدالله(ع) أنه قال: في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهل ثم نام متعمداً في شهر رمضان حتى أصبح ،قال: يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربه .
قال المحقق الحلي في " شرائع الإسلام" (1/192 ):( من أجنب ونام ناوياً للغسل، ثم انتبه ثم نام كذلك ، ثم انتبه ونام ثالثه ناوياً حتى طلع الفجر، لزمته الكفّارة على قول مشهور وفيه تردد).
وقال المجلسي في "مرآة العقول" (16/278): ( المشهور بين الاصحاب بل ادعى عليه الاجماع انه يحرم البقاء على الجنابة متعمداً حتى يطلع الفجر ويجب به القضاء والكفّارة . ونسب إلى الصدوق: القول بعدم التحريم . وذهب ابن أبي عقيل والسيد إلى وجوب القضاء خاصة، وكذا المشهور وجوب القضاء لو نام غير ناوٍ للغسل أو كان ناوياً وكان غير معتاد ..) .
أقول: فلم تنكر على أبي هريرة رضي الله عنه ما هو أصل مذهبك و عليه الفتيا من أئمتك وعلماء مذهبك المعتبرين .
فأين علم عبد الحسين من روايات أهل البيت رضي الله عنهم ، فبهذا الأسلوب التي اتخذه عبد الحسين في طعن روايات أبا هريرة رضي الله عنه يعود الطعن على أئمتة المعصومين من أهل البيت !!
ومن المعلوم أن حكم الجنابة لا ينافي الصوم بدلالة أن الرجل قد يحتلم نهاراً ويؤخر الغسل ولا يفسد بذلك صومه .
وقد اعترف شيخهم المرتضى بذلك وسلّمْ ، قال في "الانتصار"( ص64) ما نصه: ( إنا لا نوجب على المتعمد البقاء على الجنابة إلى الصباح الغسل لا لأجل المنافاة بين الجنابة والصوم ، بل لأنه اعتمد لأن يكون جنباً في نهار الصوم ) .
استنكار عبد الحسين حديث" لا عدوى ولا صفر ولا هامة "
19- وفي(ص 159) قال عبد الحسين تحت عنوان:" حديثان متناقضان": أخرج البخاري من طريق أبي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً لا عَدْوَى وَلا صَفَرَ وَلا هَامَةَ قال فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ الإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيُخَالِطُهَا الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ أَعْدَى الأوَّلَ .
ثم أخذ كعادته يشكك ويدلس في الحديث قائلاً:( أورد البخاري هذا الحديث ثم روى بعده بلا فصل وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ أنه سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ فيما بَعْدُ يحدث فيَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ(ص): لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ فقال أبو سلمة يا أبا هُرَيْرَةَ أَلَمْ تُحَدِّثْ أَنَّهُ لا عَدْوَى قال فأنكر حديثه الأول وَرَطَنَ بِالْحَبَشِيَّةِ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَمَا رَأَيْتُهُ نَسِيَ حَدِيثًا غَيْرَهُ
( قلت: هذا شأن من لا تتساير خيلاه وكفى بهذا بلاغا ) .(1/437)
أقول: أن هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة وعن ابن عمر وعن أنس بن مالك رضي الله عنهم ، وثبت أيضاً عن عائشةرضي الله عنها عند الطبري وعن سعد بن أبي وقاص ورواه مسلم عن أبي هريرة وعن السائب بن يزيد وعن جابر وعن أنس وعن ابن عمر رضي الله عنهم ، فالحديث لم ينفرد به أبو هريرة ، بل وافقه عليه بضعة من الصحابة رضي الله عنهم .
إن هذا الحديث قد أثبته شيخك النوري في مستدركه(8/278-279): فقد عقد باباً سماه "كراهة الحذر من العدوى وكراهة الصفر للدابة وغيرها" من طريق أبي هريرة رضي الله عنه الذي أنكرته أيها الفطن .
وإن كان عبد الحسين يعتقد أن الحديث الذي رواه أبا هريرة رضي الله عنه (حديثان متناقضان ) كما يدّعي ويزعم ذلك كذباً وبهتاناً !! فإليك تناقضات أهل البيت رضي الله عنهم الذين رووا هذا الحديث أيضاً يا صاحب ( التقية ) .
فعن النظر بن قرواش الجمال ، عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته عن الجمال يكون بها الجرب أعزلها من ابلي مخافة أن يعديها جربها ، والدابة ربما صفرت لها حتى تشرب الماء ، فقال أبوعبدالله (ع): إن أعرابياً أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يارسول الله أني أصيب الشاة والبقرة بالثمن اليسير وبها جرب ، فأكره شرائها مخافة أن يعدي ذلك الجرب ابلي وغنمي فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا أعرابي فمن أعدى الأول ؟ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا عدوى ولا طيرة ولا شوم ولاصفر ولارضاع بعد فصال .
وفي "الفقيه"( 4/258)عن الصادق(ع) قال : فر من المجذوم فرارك من الاسد .
وقال الجزائري في "الأنوار النعمانية" (2/145 ):" وروى عنه إنه قال: " لا يورد ممرض على مصح وقال فر من المجذوم فرارك من الأسد" .
فلماذا هذا الحقد والهجوم والطعون في أبي هريرة رضي الله عنه راوية الإسلام ؟ وكل الطعون في أبي هريرة يكون قد طعنت في أئمتك من أهل البيت رضي الله عنهم
استنكار واستغراب عبد الحسين حديث" مولودان يتكلّمان بالغيبيّات "
20- وفي(ص 159) أورد عبد الحسين حديث:" مولودان يتكلمان بالمغيبات": أخرجه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً من حديث قال فيه: وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ كَانَ يُصَلِّي فجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ فَقَالَ أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي؟ فَقَالَتِ أمه اللَّهُمَّ لا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ قال وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَأَبَى فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَلَدَتْ غُلامًا فَقَالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْغُلامَ فَقَالَ مَنْ أَبُوكَ يَا غُلامُ؟ فقَالَ الْغُلام إن أبي لهو الرَّاعِي! قَالُوا نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ لا إلا مِنْ طِينٍ (قال أبو هريرة )وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ فَقَالَتِ اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَال:َ اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ! ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ ( قال أبو هريرة ) كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمص إِصْبَعَهُ! ثُمَّ مُرَّت أَمَ الْغُلام فَقَالَتِ اللَّهُمَّ لا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ فَتَرَكَ الْغُلامَ ثَدْيَ أمه فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا! فَقَالَتْ لِمَ ذَاكَ ؟ فَقَالَ لها الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ وَهَذِهِ الْأَمَةُ يَقُولُونَ سَرَقْتِ زَنَيْت وَلَمْ تَفْعَلْ ! .
ثم أخذ يفند هذا الحديث طبقاً لهواه :( قلت: لم يكن جريج من الأنبياء وكذلك هذان الطفلان ، فلا يمكن أن تصدر على أيديهم خوارق العادات ، فإن الخوارق إنما تكون من النبيين في مقام تعجيز البشر اثباتا لنبوتهم كما هو مقرر في محله وكلام هذين المولودين وأخبارهما بالمغيبات مما تأباه فطرة الله التي فطر الناس عليها ...) .
قلت: وقد ادعيتم مثل ذلك بل أكثر في أئمتكم، وادعيتم بأنها من معجزات الأئمة ، بأنهم كانوا يتكلّمون بالغيبيات وهم في المهد!، بل كانوا يقرأون القرآن وجميع صحف الأنبياء ، وقد جمع أمثال تلك المعجزات علاّمتكم هاشم البحراني في كتابه "مدينة المعاجز" !!
ولو أردنا بيان منزلة هؤلاء الأئمة ومعجزاتهم لاحتاج الأمر إلى مجلدات ضخمة .
واختصاراً للروايات ما عليك إلا الرجوع إلى هذه الأبواب في كتاب: "مدينة معاجز" !!
ففي (1/45-48 رواية1): الباب الأوّل في معاجز الإمام أمير المؤمنين(ع) الأّوّل " معاجز ميلاده (ع) " .
و(1/414 رواية 274) " كلام الطفل بإمرة المؤمنين له (ع) وهو ابن ستة أشهر!!، وكلام الطفل آخر!! " .(1/438)
وفي (3/135 رواية 794) " إنطاق الصبي بأنّه (ع) ولي الله " .
و(3/500 رواية 1015) معاجز الإمام الحسين(ع) " كلام الغلام الرّضيع " .
وفي (6/224 رواية 1965 ) معاجز الإمام الكاظم " مسارّه أباه (ع) في المهد".
أولاد الأئمة يتكلّمون في المهد وفي بطون أمهاتهم ويقرأون الصحف ...!!
وإليك روايات أهل البيت أن الأئمة عند ولادتهم يتكلّمون بلسان فصيح! وكانوا يقرأون صحف الأنبياء !!... وغير ذلك .
واختصر الروايات لطولها .
نقل شيخهم الملقب أيضاً " بآية الله"الحسين الشيرازي في كتابه "الفقه" :
(99/13) عن حالات مواليد أئمة حيث قال:( وكذلك دلّ العقل على ذلك ، إذا ما لاحظ حالاتهم من أول الولادة ، بل قبل الولادة ، فقد كانت فاطمة (ع) تكلم أمها وهي في الرحم ) .
وفي المحجة عن أحمد بن اسحاق بن سعد الأشعري قال : في حديث طويل وفيه - دخلت على أبي محمد الحسن العسكري(ع) فقلت له: يا مولاي فهل من علامة - أي المهدي - يطمئن إليها قلبي ؟ فنطق الغلام !!بلسان عربي فصيح!! فقال: أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه!! ... .
وعن يعفوب بن السراج قال دخلت على أبي عبدالله(ع) وهو واقف على رأس موسى (ع) وهو في المهد فجعل يساره طويلا فجلست حتى فرغ فقمت إليه فقال لي أُدن من مولاك فسلّم فدنوت فسلّمت عليه فردّ عليّ السّلام بلسان فصيح... !!
. فهؤلاء أئمتكم تصدر على أيديهم خوارق لم تصدر حتى من الأنبياء ، وهي دعاوى فارغة . فكيف تزعم إن الخوارق إنما تكون من النبيين ؟ !!
وفي " المحجة "(4/278) : عن زكريا بن آدم قال: سمعت الرضا يقول: كان أبي (ع) ممن تكلّم في المهد .
وأورد القزويني في كتابه "علي(ع) من المهد إلى اللحد" (ص 23) باب "علي (ع) يقرأن القرآن قبل نزوله " !! وإليك هذه الرواية بإختصار .
وخلاصة القصة هي:( استقبل سيدنا أبو طالب السيدة فاطمة بنت أسد مهنئاً وأخذ أبو طالب وليده الحبيب وضمّه إلى صدره ثم ردّه إلى أمه، وأقبل رسول الله وذلك قبل أن يبعث فلمّا رآه علي جعل يهش ويضحك كأنه ابن سنة!!، ... فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقبّله حمد الله على ظهور هذا المولود الذي كان يعلم أنه سيكون له أحسن وزير وخير أخ وأول مؤمن به، ... فسلّم علي على رسول الله ثم قرأ هذه الآيات :
{ بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فىِ صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ }[ المؤمنون /1-2] .
والحديث الذي أراد عبد الحسين إنكاره قد رواه الأئمة أيضاً !!
ففي قصص الراوندي بإسناده إلى أبي جعفر (ع) قال: كان في بني اسرائيل عابد يقال له جريج وكان يتعبد في صومعته ، فجائته أمه وهو يصلّي فدعته فلم يجيبها فانصرفت ، ثم أتته ودعته فلم يجيبها ولم يكلمها ، فانصرفت وهي تقول اسأل له بني اسرئيل أن يخذلك ، فلما كان من الغد جاءت فاجرة وقعدت عند صومعته فأخذها الطلق فاعدت أن الولد من جريح ففشا في بني اسرئيل ان من كان يلوم الناس على الزنا ، فقد زنا ، وأمر الملك بصلبه ، فأقبلت أمه اليه تلطم وجهها ، فقال لها : اسكني ،إنما هذا لدعوتك ، فقال الناس لما سمعوا بذلك منه : وكيف لنا بذلك ؟ قال: هاتوا الصبي فجاؤا به فأخذه ، فقال من أبوك ؟ فقال فلان الراعي لبين فلان .
استغراب عبد الحسين حديث" توكيل أبي هريرة بحفظ زكاة الفطرة ومجيء الشيطان ليسرق منها "(1/439)
21- وفي(ص 161) أورد عبد الحسين حديث:" توكيله بحفظ زكاة الفطرة ومجئ الشيطان في ثلاث ليال ليسرق منها" : أخرج البخاري بسنده إلى أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َ وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ وَاللَّهِ لأرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ قَال:َ فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ فقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَال(ص): أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ قال فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ لا أَعُودُ فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البارحة قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ! فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ! قَالَ (ص):أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ، قال: فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ:لأرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قالَ دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ! فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَلما أَصْبَحْتُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ فحكيت له القصة قال أتَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ منذ ثلاثة أيام يا أبا هريرة ؟ قلت لا قَالَ(ص): ذَاكَ شَيْطَانٌ . [ أخرجه البخاري في الوكالة ].
ثم أخذ ينكر متعجباً من هذا الحديث قائلا:( هذه خرافة لا يصغي إلا من رك عقله، وطفئت شعلة دهنه ...-إلى أن قال - وما أغرب ما يحدثنا به أبو هريرة عن شياطينه وكل ما انفرد به أبو هريرة غريب تارة يزعم انهم يسرقون الطعام لعيالهم وأخرى أن لهم ضراطاً ذا سمعوا الأذان ...الى غير ذلك من القصص التي يربأ أولو العقول الوافرة والأذهان النيرة عن سماعها،نعوذ بالله من سبات العقل وضعف التمييز).
قلت: إذا كان كذلك كما تزعم وتدّعي ذلك زوراً وبهتاناً فإليك مارووا أئمتك وعلمائك عن شياطينهم !!
فقد عقد فخرك المجلسي في "البحار " (63/297 )في كتاب السماء والعالم باب "ذكر إبليس وقصصه" وأود هذا الحديث الذي أنكرته أيها الحاقد من طريق أبي هريرة من صحيح البخاري .
فانظروا إلى مدى جهل عبد الحسين، بل وحقده على هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه يثبت فخره هذا الحديث في حين ينكره على أبي هريرة، فما هذا التقية والتضليل ؟!!
سوف أختصر الرواية لطولها التي أثبتها المجلسي .
كما أورد المجلسي في " البحار" ( 63/316 -317 باب ذكر ابليس وقصصه) و (63/112- 113كتاب السماء و باب حقيقة الجن وأحوالهم ) ، عدة روايات في هذا الباب .
فعن أيوب الانصاري أنه قال: كانت لي سهوة فيها تمر فكانت تجيئ الغول كهيئة النور فتأخذ منه ، فشكونا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: اذهب فإذا رأيتها فقل: بسم الله أجيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فأخذتها فحلفت أن لاتعود، فأرسلها ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالت : إني ذاكرة لك شيئا : آية الكرسي اقرأها في بيتك فلا يقربك شيطان ولا غيره ، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:ما فعل أسيرك ؟ فأخبره بما قال، قال: صدقك وهو كذوب .
وأما قوله :( وما أغرب ما يحدثنا به أبو هريرة عن شياطينه وكل ما انفرد به أبو هريرة غريب تارة يزعم أنهم يسرقون الطعام لعيالهم وأخرى أن لهم ضراطاً ذا سمعوا الأذان...) .
قلت: هذا الحديث لا إشكال فيه عند من يؤمن بالقرآن والسنة، وقد أورد هذا الحديث الذي أنكرته حسب هواك ومزاجك فخرك المجلسي فعقد في"بحاره" (63/315 ) في كتاب السماء والعالم باباً سماه " باب ذكر ابليس وقصصه "
قال المجلسي : روى مسلم عن سهل بن أبي صالح أنه قال: أرسلني أبي إلى بني حارثه ومعي غلام لنا، أوصاحب لنا ، فناداه مناد من حائط باسمه فأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئاً فذكرت ذلك لأبي فقال: لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك، ولكن إذا سمعت صوتاً فناد بالصلاة فإني سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إن الشيطان إذا نودي بالصلاة أدبر .(1/440)
وفي رواية :عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا تغوّلت لكم الغيلان فنادوا بالأذان فإن الشيطان إذا سمع النداء أدبر وله حصاص أي ضراط .
كما أخرجه أيضاً المحقق الاحسائي في كتابه العوالي (1/409) قال: روي في الخبر عنه أنه:" إذا أذن المؤذن ، أدبر الشيطان وله ضراط" .
وأورد النوري في كتابه" المستدرك"( 4/73) في أبواب الأذان والإقامة " .
وهل لنا أن نقول: وما أجهل عبد الحسين بمذهبه ؟
استنكار عبد الحسين اسلام أم أبي هريرة بدعاء النبي، ودعاؤه بأن يحببهما إلى المؤمنين ويجبب المؤمنين إليهما:
22- وفي (ص162) أورد "عبد الحسين" حديث:" اسلام أمه بدعاء النبي، ودعاؤه بأن يحببهما إلى المؤمنين ويجبب المؤمنين إليهما":أخرج مسلم بسنده إلى أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإسْلامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَكْرَهُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا أَبْكِي قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَسْمَعَتْنِي أمي فِيكَ مَا أَكْرَهُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَها فَقَالَ (ص): اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا فَلَمَّا بلغت الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ فَسَمِعَتْ أُمِّي وطء قَدَمَيَّ فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا فَفَتَحَتِ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ فقُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَبْشِرْ قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ فهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي .
ثم أخذ يصول ويجول قائلا :( في هذا الحديث نظر من وجوه : أنه لم يروه عن رسول الله سوى أبي هريرة فهو إذن معطوف على سائر ما انفرد به ...- إلى أن قال- خامسها: و لو صح ما زعمه أبو هريرة من دعاء النبي له ولأمه بأن يحببهما إلى المؤمنين ويحبب المؤمنين إليهما لأحبه أهل بيت النبوة وموضع الرسالة فإنهم سادة المؤمنين وقادة أهل الملة والدين فما بال أئمتهم الاثني عشر وسائر علمائهم برذلّونه ويسقطون حديثه ؟ ولا يأبهون بشئ مما انفرد به حتى قال أمير المؤمنين(ع):ألا إن أكذب الناس أو قال: أكذب الأحياء على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبو هريرة الدوسي ) .
وقال في حاشية الصفحة:( في هذا المعنى أخبار متواترة عن أئمة العترة الطاهرة وقد أرسل هذه الكلمة عن أميرالمؤمنين(ع) بالخصوص إمام المعتزلة أبو جعفر الاسكافي كما في (ص360) من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي .
ولو كان أبو هريرة في حب الؤمنين إياه وحبه إياهم كما زعم لما قال له عمر حين عزله عن البحرين : يا عدو الله وعدو كتابه سرقت مال الله ألخ . فيكف يكون عدو الله وعدو كتابه محباً للمؤمنين كافة ومحبوبا منهم جميعا ؟ وقد ضربه عمر على عهد رسول الله ..) .
قلت: لو أردنا أن ننظر إلى أحاديث الفضائل بنفس عقليتك لخرجنا بنتيجة أن فضائل رواتك ممن مدحتهم في مراجعاتك كزرارة لم يروه عن إمامه سواه، فهو إذن معطوف على سائر ما انفرد به .
فمثلا روى الكشي في " الرجال”( 2/133 رقم 208): بإسناده عن ابن بكير عن زرارة ، قال: قال أبو عبد الله (ع): يا زرارة إن اسمك في أسامي أهل الجنة بغير ألف ، قلت نعم جعلت فداك اسمي عبد ربه ولكنى لقبت بزرارة .
فهذا الحديث لم يروه سوى زرارة ! .
وروى أيضاً: بإسناده إلى زرارة قال : اسمع والله بالحرف من جعفر بن محمد من الفتيا فازداد به إيماناً .
فهذا الحديث لم يروه سوى زرارة فهو معطوف على سائر ما انفرد به .
وروى أيضاً:( 2/141رقم222 ): عن الحسين بن زرارة قال : قلت لأبي عبدالله إن أبي يقرأ عليك السلام ويقول لك جعلني الله فداك أنه لا يزال الرجل والرجلان يقدمان فيذكران إنك ذكرتني وقلت فيّ فقال أقرأ أباك السلام وقل له أنا والله أحب لك الخير في الدنيا وأحب لك الخير في الآخرة وأنا والله عنك راض فما تبالي ما قال الناس بعد ذلك .
هذا الحديث لم يروه إلا ابن زرارة ! ، كما أن والده لم يعرف عنه شئ البتة وأما جده فكان راهبا ولم يسلم كما ذكر ذلك الطوسي .(1/441)
فماذا يقول أولياء زرارة في الجواب عن هذا ؟ وليخبروني هل لديهم عن زرارة شىء يسند إلى غير زرارة من إسلامه وعن إسلام أبيه أو جده؟ ، فقد كان انتشار الإسلام عظيماً في ذلك الحين فلم يكونوا في زمن الجاهلية فليس لهم عذر ....فإن كان أولياء زرارة عندهم شىء من ذلك فليرشدونا إليه وإني ، وأُشهد الله إني لم أجد رغم والتحري فيمن كانت له صحبة أحداً ذكر والد زرارة أو والدته بشئ ....
وأما قوله :( ولو كان أبو هريرة في حب الؤمنين إياه وحبه إياهم كما زعم لما قال له عمر حين عزله عن البحرين : يا عدو الله وعدو كتابه سرقت مال الله... ) .
وأما قوله:( فما بال أئمتهم الاثني عشر وسائر علمائهم يرذلونه ويسقطون حديثه..)
أقول: قد فصل الأستاذ عبد المنعم صالح في كتابه " دفاع عن أبي هريرة " رواية أبناء علي وفرسانه وأصحابه ومواليه وجماهير الشيعة الأوائل الذين رووا عن أبي هريرة فقال : كذب النّظام وأبو جعفر الاسكافي ، المعتزليان ، على الإمام علي رضي الله عنه ورويا دون سند تكذيباً لأبي هريرة زعما أن الإمام علي تفوه به ، فأوهما متأخري الشيعة ، وحملاهم على الاعتقاد بأن أبا هريرة كذّاب .
إن هذه الكلمة المزعومة لا تقبل، ولا يمكن لأحد الاعتداد بها ، لورودها بلا سند، والعلماء النقاد رفضوا كل الأخبار العارية عن الأسانيد . لكننا مع ذلك، سنثبت في هذا الفصل بالدلائل القطعية الكافية اعتداد أبناء علي رضي الله عنهم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، وروايتهم عنه ، ورواية كبار فرسان علي رضي الله عنه وأمراء جنده، الذين قاتلوا معه في معارك الجمل وصفين والنهروان ، عن أبي هريرة ، ورواية جمهرة من التابعين رضي الله عنهم ممن لاقوا علياً رضي الله عنه ورووا عنه ، إضافة إلى رواية بعض موالي أبناء علي رضي الله عنهم، ورواية عدد كبير آخر من جماهير الشيعة والكوفيين ومحبي ذرية علي رضي الله عنهم من طبقة أتباع التابعين والطبقة التي تليهم لحديث أبي هريرة ،واستعمالهم له ، واستدلالهم به ، وتدوينه في كتبهم .
إن اجتماع هذه الروايات ، وإثباتنا تداول كل هؤلاء لحديث أبي هريرة، ليعطينا الدليل الواضح على أن هذا التكذيب المنسوب للإمام علي رضي الله عنه، لم يعلم به أبناؤه ولا مواليهم ولا جنوده ولا سامعو الرواة عنه ، ولا الصدر الأول من الشيعة ، ولا أهل
الكوفة ، عاصمة الإمام وقلعة التشيع ، ولو كانت هذه المقالة المفتراه صحيحة غير موضوعة لاشتهرت عند هؤلاء ، ولتركوا أبا هريرة ، ولما رووا عنه ، ولا حرصوا على تدوين حديثه وجمعه ممن سمعوه .
ومن هنا فإن هذا الفصل هو من أهم فصول في كتابي هذا، إذ لم يسبق أن كتب فيه أحد .
وفي الفصل الذي بعده سنثبت سكوت جموع الهاشميين الأفاضل عن نقل هذه الكلمة :
وكم من رواة عن علي بكوفة تروي بفخر عنه أيضاً وتحمل
روى جعفر الصدق الهمام حديثه على نحو ما ألفى أباه يسجّل
كذلك زين العابدين وصحبهم فيا عجباً من آخر لا يعوّل
أبا جعفر مبسط اللثام ولم يعد بخاف عواج في قصود تزمل
فإن كنت تروي عن علي مقالة توهمت أنّا عن فراها نغفل
وإن كنت عمداً قد وضعت لها فقد فضحت ونكثنا الذي كنت تغزل
لماذا إذن صدر التشيع ساكت وأبناؤه طرا لها لم يدولوا ؟
فهم أطبقوا سكتا ،وعف لسانهم وسكت جموع الهاشميين يكمل
وسأعتمد في التعريف بهؤلاء أولاّ على مصادرنا الحديثية غير الشيعية، كطبقات ابن سعد والجرح والتعديل لابن أبي حاتم ، والثقات لابن حبان، وتهذيب التهذيب لابن حجر ، وميزان الاعتدال للذهبي، ثم أثبت صحة كونهم من الشيعة من المصادرالشيعية المهمة نفسها،وقد اعتمدت على جملة كتب عليها التعويل عن الشيعة
قلت:وسوف أثبت بعض النماذج من مرويات أبي هريرة رضي الله عنه بأسانيد الشيعة في كتبهم، بأن الشيعة الأوائل كانوا يروون عن أبي هريرة رضي الله عنه ويحتجون بأحاديثه ، حتى أن شيخك النوري لم يجد في الأبواب التي عقدها في مستدركه باباً يعقد به إلا وفيه حديث من أحاديث أبي هريرة ، مثال باب " كراهة استعمال الأجير قبل تعيين أجرته، وعدم جواز منع الأجير من الجمعة ، واستحباب إحكام الأعمال واتقانها "، وباب " استحباب دفع الأجرة إلى الأجير بعد الفراغ من العمل من غير تأخير قبل أن يجف عرقه ، وجواز اشتراط التقديم والتأخير ، وكذا كل ما يشترط في الاجارة " .
بل نقل هاشم البحراني أن علي بن الحسين رضي الله عنه اعتق أحد غلمانه لما سمع حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
ففي "حلية الأبرار"(2/23-24 ) قال : وقال سعيد بن مرجانة يوماً عند علي بن الحسين سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اعتق رقبة مؤمنة اعتق الله بكل ارب منها أرباً منه من النار حتى أنه ليعتق باليد اليد، وبالرجل الرجل، وبالفرج الفرج فقال علي(ع) سمعت هذا من أبي هريرة ؟ فقال سعيد: نعم فقال: لغلام له افره غلمانه وكان عبد الله بن جعفر قد اعطاه بهذا الغلام ألف درهم فلم يبتعه أنت حر لوجه الله(1/442)
فانظركيف صدّق علي بن الحسين رضي الله عنه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه وعمل بحديثه بدون تكذيب أو تردد .
فكيف يرذلونه أئمتكم وعلمائكم ويسقطون حديثه أيها المفتري !!
سوف أذكر بعض النماذج من مرويات أبي هريرة رضي الله عنه بأسانيد مشايخ الشيعة .
روايات أبي هريرة رضي الله عنه من طرق الشيعة :
فمن هؤلاء : شيخهم المفيد المتوفي سنة (413 ه ) .
محمد بن- علي بن الحسين بن بابوبه القمي الملقب بالصدوق المتوفى سنة(381ه) .
محمد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة المتوفى سنة (460 ه ) .
محمد بن علي بن عثمان الكراجكي المتوفى سنة(449 ه ) .
قطب الدين الرواندي المتوفى سنة (573 ه ) .
محمد بن محمد بن الأشعث في الجعفريات .
جعفر بن أحمد القمي .
الشريف الزاهد محمد بن علي الحسيني .
محي الدين أبي حامد بن علي بن زهرة الحسيني وغيرهم .
وإليك بعض هذه الروايات التي رووها بأسانيدهم الخاصة :
أولاً : أسانيد الشيخ المفيد :
1- المفيد ففي " أمالي" (ص111) : عن الحسين بن محمد التمار، عن محمد بن القاسم، عن موسى بن محمد الخياط، عن إسحاق بن إبراهيم الخراساني، عن شريك عن عبد الله بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:...الحديث( والبحار 18/ 5 ).
2- المفيد في" أمالي"(ص 317) :حدثنا أبوبكر محمد بن عمر الجعابي قال:حدثنا أبوجعفر محمد بن صالح القاضي قال:حدثنا مسروق ابن المرزبان قال: حدثنا حفص عن عاصم بن أبي بعثمان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... الحديث .
3- المفيد في " أمالي"(ص 111-112) : حدثنا أبوبكر محمد بن عمر الجعابي قال:حدثنا محمد ين يحيى بن سليمان بن زياد المروزي قال: حدثنا عبيد الله بن محمد العيشي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... الحديث .
ثانياً : أسانيد الشيخ الصدوق :
1 - الصدوق :عن عبد الله بن حامد ، عن الحسن بن محمد بن إسحاق عن الحسين بن إسحاق الدقاق عن عمر بن خالد عن عمر بن راشد عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال .....الحديث.[البحار 18/106-107]
2 - الصدوق في " معاني الأخبار"( ص 80و 98) : القاسم بن محمد بن أحمد الهمداني عن أحمد بن حسين عن إبراهيم ابن أحمد البغدادي عن أبيه عن عبد السلام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال .... الحديث ( بحار الأنوار 22/238) .
3- الصدوق في " اكمال الدين"( ص136): محمد بن عمر البغدادي عن محمد بن الحسن بن حفص عن محمد بن عبيد عن صالح بن موسى عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة قال... الحديث . (و البحار 23/132 ) .
4- الصدوق : إبراهيم بن هارون عن أبي بكر احمد بن محمد عن محمد بن يزيد القاضي عن قتيبة بن سعيد عن الليث بن سعد وإسماعيل بن جعفر عن أبيه عن أبي هريرة قال ... الحديث ( البحار 27/5 ) .
5- الصدوق في الخصال: الخليل بن أحمد عن ابن منيع عن مصعب عن مالك عن أبي عبدالرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة قال.
6 الصدوق في الخصال : الخليل عن أبي العباس السراج عن قتيبة عن رشيد بن سعد البصري عن شراحيل بن يزيد عن عبدالله بن عمر وأبي هريرة ... الحديث .
7- الصدوق في الخصال : الخليل بن احمد عن معاذ عن الحسين المروزي عن محمد بن عبيد عن داود الأودي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .... الحديث .
8 الصدوق في الخصال : عن الخليل عن ابن صاعد عن اسحاق بن شاهين عن خالد ابن عبدالله عن يوسف بن موسى عن حريز بن سهيل عن صفوان عن أبي يزيد عن القعقاع بن اللجلاج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .... الحديث .
9 - الصدوق في الخصال : عن الخليل بن أحمد عن أبي العباس السراج عن قتيبة عن بكر بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة .... الحديث .
10 - الصدوق في الخصال: ابن بندار عن جعفر بن محمد بن نوح عن عبدالله بن أحمد بن حماد عن الحسن بن علي الحلواني عن بشير بن عمر عن مالك بن أنس عن سعيد بن أبي المقبري عن أبي هريرة قال.... الحديث ( البحار 76/68) .
11- الصدوق في الخصال : عن الخليل عن محمد بن معاذ عن علي بن خشرم عن عيسى بن يونس عن أبي معمر عن سعيد الغنوي عن أبي هريرة... الحديث .
12- الصدوق في الخصال : عن محمد بن عبدالله الشافعي عن محمد بن جعفر بن الأشعث عن محمد بن ادريس عن محمد بن عبدالله الانصاري عن محمد بن عمربن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال.... الحديث ( البحار 76/98 ).
13- الصدوق في الخصال : الخليل عن ابن معاذ عن الحسين المروزي عن عبدالله عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال.... الحديث .
14 - الصدوق في الخصال: الخليل عن ابن منيع عن أبي بكر بن أبي شيبة عن معوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال . ...الحديث .(1/443)
15- الصدوق في الخصال : الخليل عن ابن صاعد عن حمزة بن العباس عن يحيى بن نصر عن ورقاء بن عمر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة... الحديث .
16- الصدوق في الخصال: محمد بن أبي عبدالله الفرغاني عن محمد بن جعفر بن الأشعث عن عن أبي حاتم عن محمدبن عبدالله عن ابن جريج عن أبي الزبير عن عمر بن تيهان عن أبي هريرة ..... الحديث ( البحار 104/102).
17- الصدوق في الخصال: القاسم بن محمد بن أحمد عن الحسن بن علي بن نصر عن محمد ابن عثمان عن عبيدالله بن موسى عن شبيان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال... الحديث ( البحار 104/253 ) .
18- الصدوق في ثواب الأعمال : ابن المتوكل عن محمد بن جعفر عن موسى بن عمران عن عمه الحسين بن يزيد عن حماد بن عمرو النصيبي عن أبي الحسن الخراساني عن ميسرة بن عبدالله عن أبي عائشة السعدي عن يزيد بن عمر بن عبدالعزيز عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة وعبدالله بن عباس قال.... الحديث .
19- الصدوق في ثواب الأعمال: عن محمد بن موسى بن المتوكل عن محمد بن جعفر عن موسى بن عمران بإسناده عن أبي هريرة وابن عباس قالا... الحديث .
20- الصدوق في ثواب الأعمال: عن محمد بن موسى بن المتوكل عن محمد بن جعفر عن موسى بن عمران عن الحسين بن يزيد عن حماد عن عمرو عن أبي الحسن الخراساني عن ميسر عن عبدالله عن أبي عائشة السعدي عن يزيد عن عمر بن عبد العزيز عن أبي سلمة عن عبدالرحمن عن أبي هريرة وعبدالله بن عباس... الحديث.
21- الصدوق في ثواب الأعمال: ابن الوليد عن الصفار عن البرقي عن أبي الجوزاء عن ابن علوان عن عمرو بن خالد عن أبي هاشم عن أبي جبير عن أبي هريرة... الحديث ( البحار 96/253) .
22 - الصدوق في اماليه : عن الحسن بن عبدالله بن سعيد عن عبدالله بن محمد بن عبدالكريم عن محمد بن عبدالرحمن عن عمرو بن أبي بسلمة عن أبي عمر الصنعاني عن العلا بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ...( البحار 72/36 و 75/143) .
23 - الصدوق في العلل: عن أبي الهيثم عبدالله بن محمد عن محمد بن علي الصائغ عن سعيد بن منصور عن سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال..... الحديث ( البحار 83/15 ) .
24- الصدوق في العلل: ابن ادريس عن أبيه عن الأشعري عن الجاموراني عن الحسن بن علي عن أبي عثمان عن حفص بن غياث عن ليث عن سعد عن عمر بن أبي سلمة عن أبي هريرة... الحديث ( البحار 103/142 ) .
25- الصدوق في "التوحيد"(التوحيد ص26 ح 25 ) : حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمدبن أحمد بن غالب الأنماطي قال: أخبرنا أبوعمرو أحمد بن الحسن بن غزوان ، قال: حدثنا ابراهيم بن أحمد قال: حدثنا دواد بن عمرو، قال: حدثنا عبدالله بن جعفر، عن زيد بن أسلم ، عن عطار بن يسار عن أبي هريرة قال.... الحديث .
ثالثاً: أسانيد الكراجكي في كنز الفوائد :
1- ففي :( 1/148 ): حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان عن محمد بن أحمد الشاشي عن أحمد بن زياد القطان عن يحيى بن أبي طالب عن عمرو بن عبدالغفار عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال.. الحديث
.2- وفي (1/207):حدثني القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد الأزدي قال: حدثنا أبو زيد عمرو بن أحمد العسكري بالبصرة قال: حدثنا أبو أيوب قال : حدثنا أحمد بن الحجاج قال: حدثنا ثوبان ابن ابراهيم عن مالك بن مسلم عن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة..... الحديث .
رابعاً: أسانيد الشيخ الطوسي :
1- الطوسي في أماليه: أبو عمرو ، عن ابن عقدة ، عن أحمد بن يحيى ، عن عبدالرحمن عن أبيه ، عن أبي معشر، عن سعيد ، عن أبي هريرة... الحديث.
2- الطوسي : المفيد ، عن محمد بن الحسن المقري ، عن محمد بن سهل العطار ، عن أحمد بن عمر الدهقان ، عن محمد بن كثير ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال.... الحديث ( البحار 41/34 ) .
3- الطوسي في اماليه : أباعمرو، عن ابن عقدة، عن يحيى بن زكريا بن شيبان ، عن أرطأة بن حيدر، عن أبوب بن واقد، عن يونس بن حباب، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال..... الحديث ( البحار 43/264) .
4 - الطوسي في أماليه: جماعة ، عن أبي المفضل ، عن محمد بن جرير الطبري، عن عمرو بن علي عن عمرو بن خليفة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة : قال. .
5 - الطوسي في أماليه: ابن مخلد عن محمد بن عمرو بن البختري عن محمد بن أحمد بن أبي العوام عن عبدالوهاب بن عطا عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة... الحديث ( البحار 71/389-390 ) .
6- الطوسي في أماليه: المفيد عن محمد بن المظفر عن محمد بن عبد ربه عن عصام بن يوسف عن أبي بكر بن عياش عن عبدالله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال... الحديث ( البحار72/64 ) .
7 - الطوسي في اماليه: جماعة عن أبي المفضل عن الحسين بن موسى عن عبدالرحمن ابن خالد عن زيد بن حباب عن حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة.... الحديث ( البحار74/368 )(1/444)
8- الطوسي في أماليه: المفيد عن الجعابي عن محمد بن صالح القاضي عن مسروق ابن المرزبان عن حفص عن عاصم بن أبي عثمان عن أبي هريرة قال... الحديث .
9- الطوسي في أماليه: ابن الشيخ عن أبيه عن محمد بن محمد بن مخلد عن عبدالواحد بن محمد بن عبدالله بن مهدي عن يحيى بن أبي طالب عن عبدالرحمن ابن علقمة عن عبدالله بن المبارك عن سفيان عن اسماعيل بن أبي خالد عن زياد عن أبي هريرة.... الحديث ( البحار 80/267 ) .
10- الطوسي في أماليه: ابن الشيخ عن أبيه عن محمد بن محمد بن مخلد عن عثمان بن أحمد المعروف بابن السماك عن أحمد بن علي بن الخزاز عن يحيى بن عمران عن سليمان بن أرقم عن الحسن عن أبي هريرة.... الحديث ( البحار 81/313 ) .
11 - الطوسي في اماليه: المفيد عن التمار عن علي بن ماهان عن الحارث بن محمد بن داهر عن داود بن المخبر عن عباد بن كثير عن سهيل بن عبد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال..... الحديث ( البحار 75/100 ) .
12 - الطوسي في أماليه: المفيد عن محمد بن الحسين البزوفري عن أبيه عن الحسين بن ابراهيم عن علي بن داود عن آدم العقلاني عن أبي عمر الصنعاني عن العلا بن عبدالرحمن عن أبي هريرة ...الحديث ( البحار 75/100 ) .
13- الطوسي في أماليه: ابن مخلد عن الرزاز عن العباس بن حاتم عن يعلي بن عبيد عن يحيى بن عبيدالله عن أبيه عن أبي هريرة قال....الحديث(البحار 75/189) .
14- الطوسي في أماليه: محمد بن عبد الغني بن سعيد بن عثمان بن محمد السمرقندي عن محمد بن حماد الطهراني عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة .... الحديث ( البحار 75/310 )
15- الطوسي في أماليه: عن المفيد عن الحسين بن علي التمار عن أحمد بن محمد عن لعنزي عن علي بن الصباح عن أبي المنذر عن أبي صالح عن أبي هريرة .....
16 - الطوسي في أماليه: عن المفيد عن ا لحسين بن علي التمار عن محمد بن يحيى بن سليمان عن داود عن جعفر بن اسماعيل عن عمرو بن أبي عمرو عن المقيري عن أبي هريرة قال... الحديث ( البحار 87/207 ) .
17 - الطوسي في أماليه: عن محمد بن محمد بن مخلد عن عثمان بن أحمد الدقاق عن عبيد بن عبد الواحد عن ابن أبي مريم عن نافع بن يزيد عن يحيى ابن أبي سليمان المدني عن يريد بن أبي القتاة وابن المقبري عن أبي هريرة قال....الحديث.
18- الطوسي في أماليه: بالإسناد إلى الرقاشي عن أبيه عن محمد بن مروان عن المعارك أن عباد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة.... الحديث.
19- الطوسي في أماليه: ابن بشران عن اسماعيل بن محمد الصفار عن الحسن بن عرفة عن حريز بن عبد الحميد عن عمارة ابن القعاقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال ... الحديث ( البحار 96/178 ) .
20 - الطوسي في أماليه: المفيد عن الجعابي عن محمد ين يحيى بن سليمان المروزي عن عبيد الله بن محمد العبسي عن حماد بن سلمة عن أبوب عن أبي قلابة عن أبي هريرة قال.... الحديث ( البحار 96/366 و 97/17 ) .
21 - الطوسي في أماليه: بالإاسناد المتقدم إلى حماد بن سلمة عن محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال..... الحديث ( البحار 96/366 ) .
22- الطوسي في أماليه: الحفار عن أبي القاسم الدعبلي عن محمد بن غالب عن أبي عمير الحوصي عن الحسن بن أبي جعفر عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال..... الحديث ( البحار 104/253- 254) .
23- الطوسي في أماليه : عن محمد بن محمد بن مخلد عن محمد بن يونس القرشي عن سعيد بن عامر عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال...الحديث ( البحار 66/231 ، المستدرك 16/421 - 424 ).
خامساً : أسانيد الشيخ ابن الراوندي :
1- ابن الرواندي في كتاب النوادر : عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي بكر محمد عن محمد بن عمرو بن مذعورة عن أبي هريرة.... الحديث ( البحار96/346، المستدرك 7/481-482 ) .
2- ابن الراوندي في كتاب النوادر : عن عبد الجبار بن أحمد عن الحاكم أبي الفضل الترمذي عن عبدالله بن صالح عن محمد بن أحمد عن اسماعيل بن اسحاق عن ابراهيم بن حمزة عن عبدالعزيز بن محمد عن سهيل بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة قال..الحديث ( البحار 96/348 ، المستدرك 7/426 ) .
3- ابن الراوندي في كتاب النوادر : عن الوراق عن أبي محمد عن عماد بن أحمد عن الحسين ابن علي عن محمد بن العلا عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة..... الحديث ( البحار 96/350 ، المستدرك7/429 ) .
4- ابن الراوندي في كتاب النوادر: عن أحمد بن عمران بن موسى عن أحمد بن هشام عن أحمد بن عبدالله بن أبي نصر عن يزيد بن هارون عن هشام بن أبي هشام عن محمد بن محمد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال....الحديث( المستدرك 7/428 ).
سادساً : أسانيد اسماعيل بن موسى :(1/445)
1- اسماعيل بن موسى بن جعفر في الجعفريات : أخبرنا الشريف أبو الحسن علي بن عبد الصمد الهاشمي صاحب الصلاة بواسط حدثنا الأبهري حدثنا عبدالله بن محمد الحافظ قال: حدثنا محمد بن آدم المصيصي قال: حدثنا عبدالواحد بن سلمان قال: حدثنا عبدالله بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة... الحديث .
2- الجعفريات: عن محمد بن بريد المقرئ حدثنا أيوب بن النجار حدثنا الطيب بن محمد عن عطا عن أبي هريرة قال.... الحديث ( المستدرك 8/210 ) .
3 - الجعفريات: قال محمد بن الأشعث أخبرنا الشريف أبو الحسن علي بن عبدالصمد الهاشمي صاحب الصلاة بواسط قال : أخبرنا أبوبكر محمدبن عبدالله الأبهري الفقيه المالكي حدثنا أبو عبدالله بكر بن محمد بن ابراهيم الضرير بن المصيص الزاهد، وكان ثقة، قال: حدثنا ابراهيم بن ربيعة عن أبي هريرة.... الحديث.
4 - الجعفريات: أخبرنا عبدالله أخبرنا محمد بن الأشعث قال: وحدثني الزبير محمد بن خلف بن عمر بن عبدالله بن الوليد بن عثمان بن عفان قال: حدثني علي بن عبدالله بن الجبار قال: حدثني محمد بن عبدالرحمن المزني عن محمد بن عجلان عن عجلان عن أبي هريرة قال.... الحديث ( المستدرك 12/339 - 340 ) .
5- الجعفريات: أخبرنا عبدالله أخبرنا محمد بن الأشعث حدثنا محمد بن بريد المقرئ حدثنا أيوب بن النجار حدثنا الطيب بن محمد عن عطا عن أبي هريرة....
6- الجعفريات: عن الشريف أبي الحسن علي بن عبدالصمد بن عبيدالله الهاشمي عن أبي بكر محمد بن عبدالله بن محمد بن صالح الأبهري الفقيه المالكي عن أحمد بن عميرعن ادريس عن أسباط عن العلاء بن هارون ع موسى بن اسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال.... الحديث ( المستدرك 13/281 - 282)
7 - الجعفريات: أخبرنا عبدالله أخبرنا محمد بن الأشعث حدثنا محمد بن بريد المقرئ حدثنا أيوب بن النجار حدثنا الطيب بن محمد عن عطا عن أبي هريرة ....
8 - الجعفريات: عن الشريف أبي الحسن علي بن عبدالصمد بن عبيدالله الهاشمي عن أبي بكر محمد بن عبدالله بن محمد بن صالح الأبهري عن عبدالله بن محمد بن وهب الدينوري الحافظ قال: حدثنا محمد بن آدم بن سليمان المصيصي قال: حدثنا عبدالواحد بن سلمان العبدي قال: حدثنا عبدالله بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال.. الحديث ( المستدرك 16/ 237 ) .
سابعاً : أسانيد جعفر بن أحمد القمي :
1- جعفر بن أحمد القمي في الأخبار المسلسلات :حدثنا محمد بن علي الحسين وشبك بيدي قال:شبك بيدي عتاب بن محمد بن عتاب أبوالقاسم قال: شبك بيبدي أحمد بن محمد بن عمار ببغداد وقال لنا: شبك بيدي محمد بن همام العراقي قال: شبك بيدي اسماعيل بن ابراهيم قال:شبك بيدي عبدالكريم بن هشام قال شبك بيدي ابراهيم بن أبي يحيى قال: شبك بيبدي صفوان بن سليمان قال: شبك بيدي أبوب بن خالد قال: شبك بيدي عبيد الله بن رافع قال: شبك بيدي أبو هريرة قال: شبك بيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: .... الحديث ( البحار 57/ 104 ) .
ثامناً :أسانيد الشيخ محمد بن علي الحسيني:
1 - الشيخ محمد بن علي الحسيني في كتاب التعازي بإسناده : عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال.... الحديث ( المستدرك 2/246) .
تاسعاً: أسانيد الشيخ محي الدين ابن أخي ابن أبي زهرة :
1 - ابن زهرة في أربعينه : عن أبي المحاسن يوسف بن رافع ، عن القاشي أبي الرضا سعيد بن عبدالله الشهرزوري ، عن أبي الفتح محمد بن عبد الرحمن الخطيب ، عن أبي القاسم هبة الله بن عبدالوارث ، عن أبي زرعة أحمد بن يحيى ، عن أبي محمد الحسن بن ابراهيم ، عن جعفر بن درستويه ، عن محمد بن عبدالله بن عمار عن المعافي عن محمد بن أبي حميد الأنصاري ، عن موسى بن وردان ، عن أبي هريرة .....
2 - ابن زهرة في أربعينه : أخبرنا القاضي الإمام شيخ الإسلام أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم، بقراءتي عليه في الرابع عشر من جمادي الآخرة من سنة ثماني عشرة وستمائة ، قال: أخبرنا القاضي الإمام فخر الدين أبو الرضا سعيد بن عبدالله بن القاسم الشهرزوري ، سماعا عليه في جمادي الآخرة سنة أربع وسبعين وخمسمائة ، قال: أخبرنا الشيخ الإمام أبو الفتح محمد بن عبدالرحمن الخطيب الكشمهيني ، بقراءتي عليه يوم السبت سابع عشر شوال سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ، قال: أخبرنا الشيخ أبوالقاسم هبة الله بن عبد الوراث بن علي بن أحمد الشيرازي، كتبه لي بخطه في شهر ربيع الأول سنة ست وثمانين وأربعمائة ، قال: أخبرنا أبو القاسم الحسين بن أحمد بن الحسين التميمي قال: أخبرنا أبوبكر أحمد بن يعقوب الطابشي قال: حدثنا : أبو محمد المنتصر بن نصر بن المنتصر بن تميم قال: حدثنا أبوحفص عمر بن مدرك القاضي قال: حدثنا أبو عبدالرحمن العيشي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي سنان ، عن عثمان بن أبي سودة، عن أبي هريرة قال.... الحديث ( المستدرك 10/375 ) .(1/446)
3- ابن زهرة في أربعينه : أخبرني القاضي الإمام بهاء الدين شيخ الإسلام أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم - بقرائتي عليه - قال: أخبرنا الإمام أبوالفضل عبدالله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي الخطيب قال: أخبرنا الشيخ الإمام أبو القاسم عبدالله بن الحسين بن محمد الأسدي قال: أخبرنا الشيخ الإمام الأديب الثقة أبو محمد كامكار بن عبدالرزاق قال: أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ أبو صالح أحمد بن عبدالملك بن علي المؤذن قال: أخبرنا الشيخ أبو زكريا يحيى بن ابراهيم بن محمد المزكي قال: حدثنا أبو بكر عبدالله بن يحيى الطلحي قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن سليمان الحضرمي قال: حدثنا محمد بن الحسن الحضرمي قال: حدثنا اسحاق بن نجيح ، عن أبي جريح ، عن عطاء ، عن أبي هريرة قال.... الحديث ( المستدرك 17/290) .
وإلى غير ذلك من الأسانيد التي رووها، وقد إختصرنا كثيراً أمثال هذه الأسانيد، بل وهناك أسانيد كثيرة رواها الحر العاملي في كتابه " وسائل الشيعة" ولكن خوفاً من الإطالة لم نذكرها حتى لا يطيل المقام .
و أمثال هذه الأسانيد و الأحاديث التي رواها الشيعة في كتبهم الحديثية وغيرها، بل ولا يخلو كتاب من كتبهم إلا استشهدوا واستدلّوا من روايات أبى هريرة رضي الله عنه ، وقد شملت مروياته معظم أبواب الفقه : في العقائد ، والعبادات ، والمعاملات ، والجهاد ، والسير ، والمناقب ، والتفسير ، والطلاق ، والنكاح ، والأدب ، والدعوات ، والرقاق، والذكر والتسبيح .. وغير ذلك .
فإذا عرفنا هذا وأضفنا إلى الصحابة و التابعين رضي الله عنهم الذين رووا عنه وقد بلغوا كما قال البخاري : ثمانمائة من أهل العلم والفقه .فما معنى هذا ؟ معناه أن الحضارة الإسلامية بعلمائها وفقهائها ودعاتها وأئمتها أخذوا عن أبي هريرة رضي الله عنه كثيراً مما أسسوا علمهم وفقههم ودعوتهم ! وهذه الأحاديث أساس في كل علم وفقه ومن حيث أن هذه الأمة غنية بعلمائها وفقهائها وأن هؤلاء جميعا أخذوا من الأحاديث التي رويت عن أبي هريرة واجتهدوا على أساسها...يعتمدون في كل ذلك على ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه ..أينما ذهبت من التوحيد أو المعاملات أو الأخلاق أو الفضائل أو الغيبيات أو غير ذلك من أمور هذا الدين وجدت شيئاً من أحاديث رواها أبو هريرة رضي الله عنه .
هذا من الناحية العلمية النظرية ، فماذا من الناحية التطبيقية السلوكية ؟! ، اعجب واعجب " يا عبد الحسين " !! ما من مسلم ..ما من مسلمة منذ أن لحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى إلى يومنا هذا إلى أن تقوم الساعة ..ما من مسلم أو مسلمة عبدالله أو تخلق بخلق يحبه الله أو اعتقد عقيدة دعا إليها الإسلام إلا تجد عبادة هذا العابد وخلق هذا الفاضل وعقيدة هذا المعتقد تقوم على شيء مما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فأبو هريرة أعظم القنوات الموصلة لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسلمين والمسلمات ، فهو أعظم الرواة أثراً في سلوك الناس إلى يوم القيامة ليس ذاك لشيء ذاتي فيه كلا وإنما لأن الله شرفه بشرف عظيم شرف تبليغ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس ...وإنما دعا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لما في ذلك الحب من قوة دافعة تدفع المؤمنين إلى استيعاب أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي رواها أبو هريرة رضي الله عنه ، لأن السامع أنصت ما يكون إلى المتحدث إذا كانت هناك عاطفة حب بين المتحدث والمستمع فإنك إذا كرهت خطيبا كرهت أن تسمع إليه ولو كان يتحدث في خير وإذا أحببته أحببت أن تستمع إليه بكل حواسك ويكفي أن علماء الشيعة رووا روايات كثيرة عن أبي هريرة رضي الله عنه .
مرويّات أبي هريرة في كتب الشيعة:
وإليك أيها القارئ نماذج بعض كتب الشيعة التي استدل واستشهدوا بها القوم في مصاردهم ولا يخلو كتاب من كتبهم إلا وذكروا مروياته أبي هريرة رضي الله عنه واستشهدوا بها سواءاً كانت تلك الأحاديث صحيحة أو ضعيفة أو موضوعة ... عليه رضي الله عنه .
وسوف أذكر بعض من تلك المصادر التي استدلوا بها، سواءاً كانت تلك الكتب فقية أو حديثية أو تفاسير أو تاريخ أو موعظة أو فضائل إلى آخر.
وسوف أختصر على بعض مصادرهم على سبيل مثال ومنها :(1/447)
(( فروع الكافي، موسوعة بحار الأنوار، ، مستدرك الوسائل، وسائل الشيعة، ملاذ الإخيار، كنز الدقائق، الأنوار النعمانية، اثبات الهدى، ميزان الحكمة، دار السلام، مدينة معاجز، حياة القلوب، الخرائج والجرائح، كشف الغمة، أمالي الطوسي، أمالي الشيخ المفيد، حلية الأبرار، كتاب السرائر، كتاب الخلاف، . عوالي اللئالي، منافب آل أبي طالب، ميكال المكارم ، سلوني قبل أن تفقدوني، الروضة البهية ، معالي السبطين، صحيفة الأبرار، علم اليقين في أصول الدين، الفرحة الأنسية ، قلائد الدرر، احقاق الحق، تفسير البرهان، وتفسير التبيان، تفسير المجمع، تفسير الكنز، تأويل
الآيات، تفسير الميزان ، تفسير الميزان، تفسير نور الثقلين، تفسير مرآة الأنوار ، جامع الأخبار، الامام المهدي ، ثواب الأعمال، التوحيد، مشارق أنوار اليقين، كمال الدين ، الفصول المهمة، مصباح الهداية ، الثاقب في المناقب ، الجواهر السنية ، أمالي الصدوق ، قرب الاسناد، الايقاظ من الهجعة ، معاني الأخبار ، اعلام الوري ، سعد السعود ، كتاب الخصال ، اعلام الوري ، أمالي للطوسي، عصر الظهور ، علي في القرآن ، اللوامع النورانية، بغية الطالب ، نوادر المعجزات، روضة الواعظين، فضائل الخمسة من الصحاح الستة ، تأويل الآيات الطاهرة ، شواهد التنزيل، سيد المرسلين، تفسير نور الثقلين، القطرة من بحار مناقب النبي والعترة، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، المبسوط في فقه الإمامية ، الغدير في الكتاب والسنة، الحدائق الناضرة، المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، علي في القرآن والسنة، جواهر الكلام، مرآة العقول ، حياة الإمام العسكري )) .
تلك كانت قلّة قليلة من المراجع التي كانت بين أيدينا، وعند اطلاعي على مصادرهم المختلفة و أصولهم الأربعة عندهم كالكافي، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه، وتهذيب الأحكام ، رأيت العجب إذ أن كُلّ رواية أوردوها على لسان إمامهم جعفر الصادق رضي الله عنه حسب زعمهم هي بعينها التي رواها أبو هريرة رضي الله عنه
استنكار عبد الحسين حديث" امرأة دخلت النار في هرّة "
23- وفي (ص171) أورد عبدالحسين تحت عنوان": خيالية رابعة ترمى إلى سوء عاقبة الظلم": أخرج الشيخان بسندههما إلى أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً : قَالَ دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فلا هِيَ تَطْعَمْهَا ولم تدعها تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأرْضِ حتى ماتت هزلا .
ثم أخذ يصول ويجول قائلا:( وهذا من رواياته الخيالية يرمي فيه إلى سوء عواقب الظلم والعدوان ) .
قلت: إن هذا الحديث رواه غير أبو هريرة من الصحابة كابن عمر رضي الله عنهم .
ثم أن هذا الحديث رواه أئمة أهل البيت رضي الله عنهم .
فعن حفص بن البختري عن أبي عبدالله (ع) قال : إن امرأة عذبت في هرة ربطتها حتى ماتت عطشاً .
ونقل المجلسي عن نوادر الراوندي عن موسى بن جعفر عن آبائه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : رأيت في النار صاحب العباء التي قد غلها ، ورأيت في النار صاحب المحجن الذي كان يسرق الحاج بمحجنه ، ورأيت في النار صاحبة الهرة نتهشها مقبلة ومدبرة كانت أوثقها لم تكن تطعمها ولم ترسلها تأكل من حشائش الأرض .
فهل روابة موسى بن جعفر من رواياته الخيالية يرمي فيه إلى سوء عواقب الظلم والعدوان ؟ !! نسأل الله السلامة في العقل والبعد عن الهوى والضلال !
استنكار عبد الحسين حديث" غفرت لامرأة سقت لكلب"
14- وفي (ص172) أورد عبد الحسين حديثين:" خيالية خامسة ترمى إلى حسن عواقب الرحمة ": أخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ برفعه قَال:َ غُفِرَ لامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ قَالَ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ فَنَزَعَتْ خُفَّهَا فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا فَنَزَعَتْ لَهُ مِنَ الْمَاءِ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ .
واستنكاره حديث" سقى رجل الماء لكلب فغفر له "
15- وفي (172) أورد عبد الحسين تحت عنوان :"رواية خيالية هدفها هدف سابقتها": وأخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يرفعه قَال: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي في ِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَش!ِ قَالَ فَنَزَلَ الرَّجُلُ البئرفَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ بذلك.
ثم أخذ يصول ويجول قائلا:( وقد تعلم أن هذا الحديث والذي قبله إنما هما من مخلية أبي هريرة يمثل بهما حسن عواقب العطف والحنان ويحظ بهما على البر والاحسان ) .
قلت: عبد الحسين يستغرب من أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه ولا يستغرب ما رواه أئمته أمثال هذه الروايات . فاستمع أخي القارئ إلى هذه الروايات .(1/448)
فقد أورد علامتهم آية الله ملا زين العابدين الكلبايكاني في كتابه "أنوار الولاية" (ص 338) هذا الحديث:(وفي الآثار: أن امراة زانية من جيران أهل المعصية وتعزية الحسين(ع) ذهبت تقتبس ناراً من مجلس العزاء فوجدتها قد خمدت فاشتعلتها وقدتها فدمعت عيناها من الدخان فغفر الله!! لها وتابت .
وعن أبي الاحوص عن أبيه عن عمار الساباطي قال : قدم أميرالمؤمنين (ع) المداين فنزل أيوان كسرى ! وكان معه دلف بن بحير كسرى فلما صلّى قام وقال لدلف قم معي وكان معه جماعة من أهل ساباط فما زال يطوف منازل كسرى ويقول لدلف كان لكسرى في هذا المكان كذاوكذا ويقول دلف والله ذلك فما زال كذلك حتى طاف الموضع بجميع من كان عنده ودلف يقول: يا سيدي ومولاي كأنك وضعت هذه الأشياء في هذه الأمكنة ثم نظر(ع) جمجمة نخرة ! فقال لبعض أصحابه: خذ هذه الجمجمة ثم جاء (ع) إلى الأيوان وجلس فيه ودعا بطست فيه ماء فقال للرجل : دع هذه الجمجمة في الطست ثم قال أقسمت عليك لتخبرني من أنا ومن أنت ؟ فقال الجمجمة بلسان فصيح !: أما أنت فأمير المؤمنين !! ،وسيد الوصيين وإمام المتقين !! ، وأما أنا فعبدك وابن أمتك !! كسرى أوشيروان فقال أميرالمؤمنين (ع) كيف حالك فقال يا أمير المؤمنين إني كنت ملكاً عادلا شفيقاً على الرعايا رحيماً لا أرضى بظلم ولكن كنت على دين المجوس !! وقد ولد محمد في زمان ملكي وسقط من شرفات قصري ثلثة وعشرون شرفة في ليلة ولد فهممت أن أومن به من كثرة ما سمعت من الزيادة من أنواع شرفة وفضله ومرتبته عزه في السموات والارض ومن شرف أهل بيته ولكني تغافلت عن ذلك وتشاغلت عنه في الملك، فيها لها من نعمة ومنزلة ذهبت منت حيث لم أومن به !! فأنا محروم بعدم إيماني به !! ولكني مع هذا الكفر!!! خلصني الله تعالى من عذاب النار!! ببركة عدلي وإنصافي بين الرعية فأنا في النار والنار محرمة عليّ!!! فواحسرتاه لو أمنت به لكنت معكم يا سيد أهل بيت محمد ويا أميرالمؤمنين!!! .
قال التوسيركاني في كتابه" اللئالي"( 4/ 217 - 218 و304 ) ما نصه : (وتأتي في لؤلؤ ولنذكر لك قصصاً ليطمئن قلبك!! بما مرّ قصة شريفة من رجل كان يلوط بالصبيان !!! وكان يحبه !!! ) .
هل قرأ عبد الحسين أمثال هذه الزندقة في كتب أبناء جلدته ؟ فأين روايات أبو هريرة رضي الله عنه من أمثال رواياتكم و أقوال علمائكم الذين ذكرنا منها أمثال هذه الطامات ؟!! فاعتبروا يا ألوا الألباب .
أقول: لِنُخرج لهذا المؤلف وأمثاله بعض الروايات التي وردت من طريق أهل البيت رضي الله عنهم الموافقة لروايات أبو هريرة رضي الله عنه .
فعن موسى ابن اسماعيل بن موسى عن أبيه عن جدّه موسى بن جعفرعن آبائه(ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :رأيت في النار صاحب العباء التي قد غلّها ...
ورأيت في النار صاحبة الهرة تنهشها مقبلة ومدبرة، وكانت أوثقتها لم تكن تطعمها ولم ترسلها تأكل من حشائش الأرض ودخلت الجنة فرأيت صاحب الكلب الذي أرواه من الماء .
فهل هذا الحديث من مخيلة إمامك المعصوم و يمثل به حسن عواقب العطف والحنان ويحظ بهما على البر والاحسان ؟ !!.
كما نقل نعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية (4/66) قال:( من الأخبار المروّحة للبال ما ورى من أنه كان رجل في بني اسرائيل منهمكاً في المعاصي فأتى في بعض اسفاره على بئر فإذا كلب قد لهت من العطش فرقّ له فأخذ عمامته وشدّ بخفّه واستقى الماء وأروى الكلب فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان أن قد شكرت له سيعه وغفرت له ذنبه لشفقته على خلق من خلقي ، فسمع ذلك فتاب من المعاصي وصار ذلك سببا لتوبته وخلاصه من العقاب) .
فهل هذا الحديث أيضاً من مخيلة إمامك المعصوم و يمثل به حسن عواقب العطف والحنان ويحظ بهما على البر والاحسان ؟!.
===============
البرهان في تبرئة أبي هريرة من البهتان
رواة الشيعة في الميزان :
إن مصيبة جعفر الصادق -كما نصّت كتب القوم -أن قوماً جهّالاً يدخلون عليه ويخرجون من عنده ويقولون حدثنا جعفر بن محمد ويحدثون بأحاديث كلّها منكرات كذب موضوعة على جعفر ليتلأكلوا الناس بذلك ويأخذوا منهم الدراهم !
ومن هنا ندرك كبير الخطر حينما قالوا بأنه رَوي عن الإمام الصادق أربعة آلاف راوِ وذهب بعض علمائهم إلى القول بتوثيق الأربعة آلاف راوِ بدون استثناء و قبول روايات الكذابين على الأئمة وتوثيق هؤلاء الذين اكتنفوا جعفر مع إن أبا عبد الله شكى من كثرة الكذابين عليه، بل ويذكر أنه لا يوجد من هؤلاء الذين يدعون التشيع ولا سبعة عشر رجلاً من شيعته !.
عوف العقيلي : ومن رواتهم ممن كان يتعاطون المسكرات كعوف العقيلي ! فقد روى الكشي في رجاله (ص 90) عن الفرات بن أحنف قال : العقيلي كان من أصحاب أمير المؤمنين وكان خماراً ولكنه يؤدي الحديث كما سمع !! .
ولا أدري كيفية تأديته للحديث هل في حالة السكر أم بعد أن يفيق !! .(1/449)
محمد بن أبي عبّاد : ومن رواتهم أيضاً الذين كانوا يتعاطون المسكرات والمعاصي ، فقد ذكر محمد مهدي في كتابه " الجامع لرواة وأصحاب الإمام الرضا" (2/31 رقم500): وكان مشتهراً بالسماع وبشرب النبيذ !!
حفص بن البختري : ومن رواتهم حفص بن البختري فقد ذكر النجاشي في رجاله (1/324 رقم 342): أصله كوفي ثقة !! روى عن أبي عبد الله(ع) وأبي الحسن(ع) ... فغمزوا عليه بلعب الشطرنج !! .
حمّاد بن عيسى : ومن رواتهم حمّاد بن عيسى الذي بلغ من العمر ستين سنة ! ولا يجيد الصلاة ! ولا شيئ من أحكامها ، وقد نقل رياض محمد في كتابه" الواقفة دراسة تحليليّة"(1/311-317): ورد في أصحاب الإمام الصادق(ع) حماد بن عيسى الجهني البصري أصله كوفي ...له كتب ثقة !! ... وفي (ص 317) قال: وجاء في كتاب الوسائل الصحيحة المشهورة في باب الصلاة قال: قال لي أبو عبد الله(ع) يوماً: يا حمّاد: أتحسن أن تصلّي قال: فقلت يا سيدي أنا احفظ كتاب حريز في الصلاة قال: لا عليك! قم صل فقمت بين يديه متوجهاً إلى القبلة فاستفتحت الصلاة فركعت وسجدت فقال: يا حمّاد: لا تحسن أن تصلي ما أقبح بالرجل منكم يأتي عليه ستون أو سبعون سنة فلا يقيم صلاة واحدة يحدودها تامة قال حمّاد: فأصابني في نفسي الذل فقلت: جعلت فداك فعلّمني الصلاة فقام أبو عبد الله(ع) مستقبل القبلة ... فصل ركعتين على هذا ثم قال: يا حماد هكذا صل .
أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار: ومن رواتهم أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار وكان خماراً !
روى الكشي بسند الأول عن محمد بن الحسن بن أبي الخطاب قال:كنت أنا وعامر بن عبد الله بن جذاعه الأزدي وحجر بن زائدة جلوساً على باب الفيل إذ دخل علينا أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار فقال لعامر بن عبد الله: يا عامر أنت حرشت عليّ أبا عبد الله فقلت أبو حمزة يشرب النبيذة !!! فقال له عامر: ما حرشت عليك أبا
عبد الله ولكن سألت أبا عبد الله عن المسكر فقال: كل مسكر حرام فقال: لكن أبا حمزة يشرب قال: فقال أبوحمزة :أستغفر الله منه الآن وأتوب إليه! وقال علي بن الحسن بن فضال: وكان أبوحمزة يشرب النبيذ ومتهم به .
علي بن أبي حمزة البطائني: ومن رواتهم أبو حمزة وكان يسرق أموال المعصوم وخمس الشيعة .وهذا ما نصت عليه كتب الرجال عندهم. فهذا رياض محمد ( الشيعي) يذكر في كتابه "الواقفية دراسة تحليلية " (1/418-428) ترجمة علي بن أبي حمزة أنه من الواقفة الملعونين الكذّابين ... إلى غير ذلك .
ففي (ص420): وقال الصدوق ... عن الحسن بن علي الخزاز قال: خرجنا إلى مكة ومعنا علي بن أبي حمزة ومعه مال!! ومتاع فقلنا: ما هذا ؟ قال: هذا للعبد الصالح (ع) - أي الامام - أمرني أن أحمله إلى علي ابنه(ع) وقد أوصى إليه .
قال الصدوق: إن علي بن أبي حمزة أنكر ذلك بعد وفاة موسى بن جعفر(ع) وحبس المال عن الرضا(ع) !!
وليس أبو البطائني الوحيد الذي كان يسرق خمس الشيعة وأموال المعصوم!! بل شاركه كثير من رواتهم الذين يدّعون التشيع للأئمة ومولاتهم !
ففي (ص422): وقال الشيخ في كتاب الغيبة: روى الثقات: أن أول من ظهر الوقف علي بن أبي حمزة وزياد بن مروان القندي عثمان بن عيسى الرواسي، طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها،و استمالوا قوماً فبذلوا لهم شيئاً مما اختانوا من الأموال نحو حمزة بن يزيع وابن المكاري وكرام الخثعمي وأمثالهم !! .
وأما ما ورد في ذمّه بأنه ملعون وكذّاب وأنه رجل سوء وأنه من أهل النار .
ففي (ص 423وص424وص429): روى الكشي في ذمّه روايات كثيرة منها: عن حمدوه عن الحسن بن موسى عن داود بن محمد عن أحمد بن محمد قال: وقف على أبي الحسن وهو رافع صوته: يا أحمد، قلت لبيك، قال: أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جهد الناس في اطفاء نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين . فلما توفى أبو الحسن(ع) جهد علي بن أبي حمزة وأصحابه في اطفاء نور الله فأبى إلا أن يتم نوره.
وما في الكشي قال: قال ابن مسعود: حدّثني أبو الحسن علي بن الحسن بن فضال قال: علي بن أبي حمزة كذّاب متهم .
وقال في موضع آخر قال: ابن مسعود: سمعت علي بن الحسين يقول: ابن أبي حمزة كذاب معلون ....إلآ إنّي لا استحل أن أروي عنه حديثاً واحداً .
وفي(ص423): الحسن بن علي بن أبي حمزة رجل سوء .
وأما دِينه فإنه فاسد المذهب والعقيدة ، ففي (ص427): قال الوحيد في تعليقته في البطائني: قال جدي ( رحمه الله) مطعون باعتبار مذهبه الفاسد، ولذا روى عنه مشايخنا الثقات !!
أقول: وفساد مذهبه وعقيدته لأنه من الواقفة ، والواقفة كفّار عند أصحاب الإمامية ، لأنهم لا يُقرّون بالأئمة الاثنى عشر .
وفي (ص423): وفي معالم العلماء ترجمة لأبيه: علي بن أبي حمزة البطائني ، قائد أبي بصير، واقفي .
وأما توثيقهم لهذا الراوي فلا بد منه ،لأن سقوط هذا الراوي معناه سقوط مذهب الإمامية !! لأن الواقفة وغيرهم ، هم الذين رووا الروايات في النص على الأئمة !!(1/450)
ولو تأمل أخي القارئ كتب الرجال عندهم لوجد أن الذي وضع أساس الإمامة أمثال هؤلاء الرواة الذين ينتمون إلى أمثال هذه المذاهب الفاسدة كما مرّ عليك وهم من الفطحية والواقفة والناووسية والاسماعيلية ... إلى غير ذلك من الفرق والتي تجاوزت أكثر من مائة فرقة كما نصوا على ذلك .. .
عبد الله بن أبي يعفور: ومن رواتهم عبد الله بن أبي يعفور وكان يتعاطى المسكر!! ويتمادى في شربه كسلفه الصالح !! .
روى عمدتهم في الجرح والتعديل الكشي عن ابن مسكان عن ابن أبي يعفور قال : كان إذا أصابته هذه الأوجاع فإذا اشتدت به شرب الحسو من النبيذ فسكن عنه فدخل على أبي عبد الله فأخبره بوجعه وانه إذا شرب الحسو من النبيذ سكنه فقال له: لا تشرب ، فلما أن رجع إلي الكوفة هاج به وجعه فأقبل أهله فلم يزالوا به حتى شرب فساعة شرب منه سكن عنه فعاد إلى أبي عبد الله فأخبره بوجعه وشربه فقال له: يا أبن أبي يعفور لا تشرب فأنه حرام إنما هو الشيطان موكل بك ولو قد يئس منك ذهب
أبو هريرة البزاز : ومنهم أبي هريرة البزاز قال العقيقي ترحم عليه أبوعبدالله(ع) وقيل له إنه كان يشرب النبيذ فقال أيعز على الله أن يغفر لمحب علي على شرب النبيذ والخمر!! .
السيد الحميري : ومن الموثقين عندهم شاعرهم الذي يلقبونه " بشاعر أهل البيت" السيد الحميري وكان لا يبالي من شرب الخمر !!! فعن محمد بن النعمان أنه قال: دخلت عليه في مرضه بالكوفة فرأيته وقد أسودّ وجهه وازرقّ عيناه وعطش كبده فدخلت على الصادق (ع) وهو يومئذ بالكوفة راجعا من عند الخليفة ، فقلت له : جعلت فداك إني فارقت السيدبن محمد الحميري وهو - لما به - على أسوء حال من كذا وكذا. فأمر بالاسراج وركب ومضينا معه حتى دخلنا عليه ،وعنده جماعة محدقون
به فقعد الصادق(ع) عند رأسه فقال: يا سيد! ففتح ينظر إليه ولا يطيق الكلام فحرّك الصادق(ع) شفتيه ، ثم قال له : يا سيد! . قل الحق ، يكشف الله ما بك ويرحمك ويدخلك جنته التي وعد أوليائه .
وعن الصادق (ع) أيضاً أنه ذكر عنده السيد بعد وفاته ، فترحم عليه ، فقيل : إنه كان يشرب النبيذ ! فقال (ع) ثانياً : رحمه الله ! ثم قيل له : إني رأيته يشرب نبيذ الرستاق ! قال: تعنى الخمر ؟ قلت: نعم ! قال (ع) رحمه الله، وما ذلك على الله أن يغفر لمحبّ علي (ع) شرب النبيذ... .
أقول : هذا الخمّار السكّير مات على ذلك الحال، ورغم ذلك فإنه من أهل الجنة ،ولا يبالي ولا خوف عليه ، لأن النار محرمة على الشيعي إلا قليلا ! وصدق أحمد أمين ، وإليك بعضاً من أبيات هذا السكّير :
كذب الزاعمون أن علياً - لا ينجي محبّه من هنات - قد وربي دخلت جنة عدن - وعفالي الإله عن سيئاتي - فابشروا اليوم أولياء علي - و تولّوا علي حتى الممات - ثم من بعده تولاّ بينه - واحدا بعد واحد بالصفات .
وأورد الخاجوئي أيضاً بعضاً من أبيات هذا السكّير من شعراء أهل البيت! منها :
أحب إلي من مات من أهل وده تلقاه بالبشرى لدى الموت يضحك * ومن مات يهوي غيره من عدّوه فليس له إلاّ إلى النار مسلك
فهؤلاء كلهم ثقات في نظر القوم لأنهم يؤمنون بالولاية المزعومة لعلي رضي الله عنه ، بينما الصحابة كفّار لأنهم لم يؤمنوا بهذه الولاية ، فهل رأيتم مثل هذا الدين ، مثل هذا المنهج ! مثل هذا المذهب !! .
ولنختم هذا الباب بالقول أن الوضاعين هم الذين رووا عن الباقر والصادق والرضا وغيرهم من الأئمة .
أخرج الكشي( ص195): عند ترجمة المغيرة بن سعيد بسنده عن يونس قال: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر ووجدت أصحاب أبي عبد الله متوافرين فسمعت منهم وأخذت كتبهم فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله وقال لي : أن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله فلا تقبلوا علينا خلاف القراّن .
وأخرج الكشي(ص196): بسنده عن هشام إنه سمع أبا عبدالله يقول : " كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي ويأخذ كتب أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة فكان يدس الكفر والزندقة ويسندها إلى أبي ثم يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أن يثبتوها في الشيعة فكل ما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك مما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم" .
و نقل عالمهم في الرجال المامقاني في مقدمة كتابه "تنقيح المقال"(1/174):" أن المغيرة بن سعيد قال:" دسست في أخباركم أخباراً كثيرة تقرب من مائة ألف حديث"!
هذا هو مذهب أهل البيت يدس المغيرة بن سعيد أحاديث الكفر والزندقة -كتلك المروية في الكافي وتفسير القمي والعياشي وبحار الأنوار- فيأتي عبد الحسين الموسوي فيقول إنها روايات أخرجها أصحاب الأئمة الثقات !!!(1/451)
ولابأس أن نمر مُرورًا سريعاً على بعض الرواه الذين أثنى عليهم عبد الحسين في "مراجعاته" الذي لفقه ، وتذكر يا أخي القارئ قول جعفر الصادق رضي الله عنه : إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ، ويسقط -بكذبه علينا - عند الناس.
زرارة بن أعين : أجمعت الشيعة على توثيق هذا الرجل وتصحيح ما يصح عنه رغم أنه من الملعونين على لسان أهل البيت ! كما قال الطوسي في فهرسته . ومع هذا فقد اثنى عليه عبد الحسين في "مراجعاته" الموضوعة على الشيخ البشري فقال ما نصه : ( وهناك أبطال لم يدركوا الإمام زين العابدين وإنما فازوا بخدمة الباقرين الصادقين (ع) فمنهم أبو القاسم بريد بن معاوية العجلي وأبو بصير ليث بن مراد البختري المرادي وأبو الحسن زرارة بن أعين وأبو جعفر محمد بن مسلم ...أما هؤلاء الأربعة فقد نالوا الزلفى وفازوا بالقدح المعلى والمقام الأسمى حتى قال فيهم الصادق وقد ذكرهم : " هؤلاء أمناء الله على حلاله وحرامه " وقال " ما أجد أحداً أحيا ذكرنا إلا زرارة وأبو بصير ليث ومحمد بن مسلم وبريد " ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا ثم قال : " هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي على حلال الله وحرامه وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة "وقال " بشر المخبتين بالجنة .
ثم ذكر الأربعة وقال فيه :( كان أبي ائتمنهم على حلاله وحرامه وكانوا عيبة علمه وكذلك اليوم هم عندي مستودع سري وأصحاب أبي حقاً وهم نجوم شيعتي أحياءاً وأمواتاً بهم يكشف الله كل بدعة ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأويل الغالين، إلى غير ذلك من كلماته الشريفة التي أثبتت لهم الفضل والشرف والكرامة والولاية ما لا تسع بيانه عبارة ، ومع ذلك فقد رماهم أعداء أهل البيت !! بكل أفك مبين .. وليس ذلك بقادح في سمو مقامهم وعظيم خطرهم عند الله ورسوله ! والمؤمنين ! كما أن حسدة الأنبياء ما زادوا أنبياء الله إلا رفعة ولا أثروا في شرائعهم إلا انتشاراً عند أهل الحق وقبولاً في نفوس أولى الألباب ) .
وقال هذا المؤلف: ( إنالم نجد أثراً لشيء مما نسبوه إلى كل من زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم ومؤمن الطاق وأمثالهم مع إنا قد استفرغنا الوسع والطاقة في البحث عن ذلك وما هو إلا البغي والعدوان والأفك والبهتان ) .
وقال محشي خاتمة "الوسائل"(20/ 196 ( الحاشية ) ما نصه :
( والروايات التي ذكرها الكشي في شأن زرارة تنقسم إلى قسمين ، فبعض منها فيه المدح والثناء له والإشارة بمكانته السامية ومنزلته العظيمة عند الإمام الصادق وأبيه وتقدمه على أصحابه في العلم والمعرفة وحفظ أحاديث أهل البيت عن الضياع والتلف، وبعض منها يدل على عكس ذلك وأن الرجل كان كذاباً وضاعاً مرائياً داساً في الأحاديث ).
قلت: والحقيقة إنا إذا حققنا هذه الأحاديث المادحة والقادحة ، لخرجنا بنتيجة أن الرجل كان كذاباً وضاعاً مرائياً ،وأنه كان يكذب على الأئمة ويكذّبهم وأنه كان سيء الأدب معهم ولاسيما مع جعفر الصادق حتى أنه روي أنه ضرط في لحية الصادق كما سيأتي .
وأما الأحاديث المادحة فلا تفيد في شيء وإنها ضعيفة ، ولو فرض جدلا إنها صحيحة ، لا تدل على فضله أو مدحه ، لأنه إذا اجتمع الجرح والتعديل يقدم الجرح المفصل على التعديل ، وفوق ذلك فربما استعمل الإمام معه التقية !حسب عقيدتهم في التقية!
وقد رأيت المتأخرين منهم كصاحب "معجم رجال الحديث" -للخوئي- (7/ 230وص234 وص 238) ، يحاول عبثاً أن يوّثق هذا الراوي الملعون على لسان الأئمة وذلك بقوله:( إن الروايات الذامة على ثلاث طوائف .
الطائفة الأولى : ما دلت على أن زرارة كان شاكاً في إمامة الكاظم فإنه لما توفى الصادق بعث ابنه عبيداً إلى المدينة ليختبر أمر الإمامة .
الطائفة الثانية : روايات دالة على إن زرارة قد صدر منه ما ينافي إيمانه !! .
الطائفة الثالثة : ما ورد فيها قدح زرارة من الإمام ) .
وإليك هذه الروايات المستفيضة في ذم زرارة التي رواها الكشي في رجاله .
جعفر الصادق يخرج مخازي زرارة :
حدثنا محمد بن مسعود قال:حدثنا جبرئيل بن أحمد الفاريابي قال:حدثني العبيدي محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن ابن مسكان قال : سمعت زرارة يقول: رحم الله أبا جعفر وأما جعفر فإن في قلبي عليه لفتة فقلت له: وما حمل زرارة على هذا ؟ قال : حمله على هذا أن أبا عبد الله أخرج مخازيه .
زرارة يفتي برأيه في الحلال والحرام :
ففي" الكشي "( ص156 ح257 ): حدثني محمد بن مسعود قال حدثني جبرئيل بن أحمد قال حدثني العبيدي عن يونس عن ابن مسكان قال تذاكرنا عند زرارة في شيء من أمور الحلال والحرام فقال قولاً برأيه فقلت أبرأيك هذا أم برواية ! فقال إني أعرف أو ليس رب رأي خير من أثر .
زرارة يفترى على الصادق :(1/452)
وفي (ص 157ح258): حدثني أبو صالح خلف بن حماد بن الضحاك قال حدثني أبو سعيد الآدمي قال حدثني ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال قال لي زرارة بن أعين لا ترى على أعوادها غير جعفر ، قال فلما توفى أبو عبد الله أتيته فقلت له تذكر الحديث الذي حدثتني به ؟ وذكرته له وكنت أخاف أن يجحدنيه فقال إني والله ما كنت قلت ذلك إلا برأي .
زرارة يتوقف في أمر الإمامة :
وفي (ص 157ح260): محمد بن مسعود قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي قال : حدثني الحسن بن علي الوشاء عن محمد بن حمران قال : حدثني زرارة قال : قال لي أبو جعفر: حدث عن بني إسرائيل ولا حرج قال : قلت:جعلت فداك والله إن في أحاديث الشيعة ما هو أعجب من أحاديثهم قال : وأي شيء هو يا زرارة ؟ قال : فاختلس من قلبي فمكث ساعة لا أذكر شيئاً مما أريد قال : لعلك تريد الغيبة ؟ قلت : نعم قال : فصدق بها فإنها حق .
والحديث يدل على وهن في زرارة لأنه ما سكت ولا سلّم لما قاله الإمام إلا تقية يدل على ذلك جملة من الروايات وإنه توقف في أمر الإمامة حتى مات وانطبق عليه الحديث الشيعي المشهور " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " .
زرارة يشك في علم الصادق :
ففي " الكشي" ( ص 158 ح261): حدثني محمد بن مسعود قال حدثني جبرئيل بن أحمد قال : حدثني محمد بن عيسى عن يونس عن ابن مسكان قال سمعت زرارة يقول : كنت أرى جعفراً أعلم ممن هو وذاك يزعم إنه سأل أبا عبد الله عن رجل من أصحابنا مختفٍ من غرامه فقال : أصلحك الله أن رجلاً من أصحابنا كان مختفياً من غرامه فإن كان هذا الأمر قريباً صبر حتى يخرج مع القائم وإن كان فيه تأخير صالح غرامه فقال أبو عبد الله يكون إن شاء الله تعالى فقال زرارة : يكون إلى سنة ؟ فقال أبو عبد الله: يكون إن شاء الله فقال زرارة : فيكون إلى سنتين ؟ فقال: أبو عبد الله: يكون إن شاء الله، فخرج زرارة فوطن نفسه على أن يكون إلى سنتين فلم يكن فقال: ما كنت أرى جعفراً إلا أعلم مما هو .
زرارة يُكذِّب الصّادق :
وفي (ص 158ح 262):محمد بن مسعود قال : كتب إليه الفضل بن شاذان يذكر عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن عيسى بن أبي منصور وأبي أسامة الشحام ويعقوب الأحمر قالوا : كنا جلوساً عند أبي عبد الله (ع) فدخل عليه زرارة فقال : إن الحكم بن عيينة حدث عن أبيك إنه قال : " صل المغرب دون المزدلفة فقال له أبو عبد الله أنا تأملته: ما قال أبي هذا قط كذب الحكم على أبي قال : فخرج زرارة وهو يقول: ما أرى الحكم كذب على أبيه .
أقول: صدق جعفر الصادق رضي الله عنه حينما قال : إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ، ويسقط -بكذبه علينا - عند الناس منهم هذا الراوي .
زرارة يخالف الصّادق في الاستطاعة :
روى الكشي(ص145 ): عن هشام ابن إبراهيم الختلي - وهو المشرقي - قال : قال لي أبو الحسن الخراساني: كيف تقولون في الاستطاعة بعد يونس فذهب فيها مذهب زرارة ومذهب زرارة هو الخطاء ؟ فقلت لا، ولكنه بأبي أنت وأمي ما يقول زرارة في الاستطاعة وقول زرارة فيمن قّدر ونحن منه براء وليس من دين آبائك قال فبأي شيء تقولون ؟ قلت بقول أبي عبد الله وسأل عن قول الله عزوجل :{ وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِليْهِ سَبِيلا} ما استطاعته ؟ قال ، فقال أبو عبد الله: صحته وماله فنحن بقول أبي عبد الله نأخذ قال صدق أبو عبد الله هذا هو الحق .
قلت: وهو الذي أشار إليه النجاشي في رجاله والطوسي أيضا بأن له كتاب في الاستطاعة والجبر .
وصدق جعفر الصادق رضي الله عنه عندما قال : إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ، ويسقط -بكذبه علينا - عند الناس .
الصّادق يلعن زرارة ثلاث مرات :
ففي " الكشي" (ص 147): حدثني أبو جعفر محمد بن قولويه قال : حدثني محمد بن أبي القاسم أبو عبد الله المعروف بماجيلويه عن زياد بن أبي الحلال قال قلت لأبي عبد الله إن زرارة روى عنك في الاستطاعة فقبلنا منه وصدقناه وقد أحببت أن أعرضه عليك ! فقال هاته ! قلت فزعم إنه سألك عن قول الله عزوجل : { وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِليْهِ سَبِيلا} فقلت: من ملك زاداً وراحلة فقال: كل من ملك زاداً وراحلة فهو مستطيع للحج وإن لم يحج ؟ فقلت: نعم فقال: ليس هكذا سألني ولا هكذا قلت: كذب علّي والله كذب عليّ والله، لعن الله زرارة لعن الله زرارة لعن الله زرارة إنما قال لي من كان له زاد وراحلة فهو مستطيع للحج ؟ قلت وقد وجب
عليه ، قال فمستطيع هو ؟ فقلت لا حتى يؤذن له قلت فأخبر زرارة بذلك قال نعم قال زياد فقدمت الكوفة فلقيت زرارة فأخبرته بما قال أبو عبد الله وسكت عن لعنه فقال أما إنه قد أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم وصاحبكم هذا ليس له بصيرة بكلام الرجال .(1/453)
فبدلاً من أن يعتذر زرارة يصر على أن الإمام لا يعلم , وليس للإمام بصر أو بصيرة بكلام الرجال على حد زعمه .... ولكن يأبى أولياء زرارة إلا رفع منزلة زرارة وضرب أقوال إمامهم - الذي هو معصوم وحجة عندهم - عرض الجدار وتكذيبه ، فهم يصدقون زرارة بينما يكذّبون الإمام المعصوم! مع أنهم رووا عن المعصوم في حديث صحيح عن يحيى الخثعمي قال : سأل حفص الكناسي أبا عبد الله وأنا عنده عن قول الله عزوجل : { وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِليْهِ سَبِيلا} ما يعني بذلك ؟ قال : من كان صحيحاً في بدنه مخلي سر به له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج أو قال : ممن كان له مال فقال له : حفص الكناسي فإذا كان صحيحاً في بدنه مخلي في سربه له زاد وراحلة فلم يحج فهو ممن يستطيع الحج ؟ قال : نعم .
وفي" رجال الكشي "(2/ 148 ح236): حدثنا محمد بن مسعود قال حدثني جبرئيل بن أحمد قال حدثني محمد بن عيسى بن عبيد قال: حدثني يونس بن عبد الرحمن عن عمر ابن أبان عن عبد الرحيم القصير قال قال لي أبو عبد الله أئت زرارة وبريدا فقل لهما ما هذه البدعة التي ابتدعتماها ؟ أما علمتا إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال كل بدعة ضلالة ؟ فقلت له إني أخاف منهما فأرسل معي ليثا المرادي ! فأتينا زرارة فقلنا له ما قال أبو عبد الله فقال والله لقد أعطاني الاستطاعة وما شعر فأما بريداً فقال لا والله لا أرجع عنها أبداً .
وفي (ص 150ح243): عن محمد بن مسعود قال حدثني محمد بن عيسى عن حريز قال خرجت إلى فارس وخرج معنا محمد الحلبي إلى مكة فإتفق قدومنا جمعاً إلى
حين فسألت الحلبي فقلت له إطرفنا بشيء قال : نعم جئتك بما تكره قلت لأبي عبد الله ما تقول في الاستطاعة ؟ فقال ليس من ديني ولا دين آبائي ، فقلت الآن ثلج عن صدري والله لا أعود لهم مريضاً ولا أشيع لهم جنازة ولا أعطيهم شيئاً من زكاة مالي قال فاستوى أبو عبد الله جالساً وقال لي: كيف قلت: ؟ فأعدت عليه الكلام فقال أبو عبد الله: كان أبي يقول: أولئك قوم حّرم الله وجوههم على النار فقلت جعلت فداك: فكيف قلت لي ليس من ديني ولا دين آبائي ؟ قال: إنما أعني بذلك قول زرارة وأشباهه .
وفي( ص146ح231) : حدثني محمد بن نصير قال حدثني محمد بن عيسى عن حفص مؤذن علي بن يقطين يكنى أبا محمد عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله { الَّذَينَ آمَنُوا وَ لَم يَلْبَسُوا إِيمَنَهُم بِظُلْم } قال: أعاذنا الله وإياك يا أبا بصير من ذلك الظلم ذلك ما ذهب فيه زرارة وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه .
.زرارة يموت تائهاً :
ففي " معجم الرجال"( 7/241): محمد بن مسعود قال حدثني جبرئيل بن أحمد عن العبيدي عن يونس عن هارون بن خارجة قال سمعت أبا عبد الله(ع) يقول لا يموت زرارة إلا تائهاً .
زرارة لايثق بالصّادق :
ففي" رجال الكشي"( ص152ح247): حدثني حمدويه قال حدثني محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن محمد بن حمران عن الوليد بن صبيح قال : دخلت على أبي عبد الله فاستقبلني زرارة خارجاً من عنده فقال لي أبو عبد الله يا وليد أما تعجب من زرارة يسألني عن أعمال هؤلاء أي شيء كان يريد ؟ أيريد أن أقول له لا !! فيروي عني ؟ ثم قال يا وليد متى كانت الشيعة تقول من أكل طعامهم وأكل شرابهم واستظل بظلهم متى كانت الشيعة تسأل عن مثل هذا .
زرارة يتجسس على الصّادق :
وفي(ص 140 ): حمدويه بن نصير قال : حدثنا محمد بن عيسى عن الوشا عن هشام بن سالم عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عن جوائز العمال ؟ فقال : لا بأس به قال ثم قال : إنما أراد زرارة أن يبلغ هشاماً إني أحرم أعمال السلطان .
الصّادق يذم زرارة وآل أعين :
وفي (ص 149 ح 238 ): حدثني محمد بن مسعود قال : حدثني جبرئيل بن أحمد عن محمد بن عيسى عن يونس عن إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله قال : ذكر عنده بنو أعين فقال: الله ما يريد بنو أعين إلا أن يكونوا على غلب .
وفي (ص 153ح250 ): حدثني حمدوية قال : حدثني أيوب عن حنان بن سدير قال: كتب معي رجل أسأل أبا عبد الله عما قالت اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا هو ممن يشاء أن يقولوا قال قال لي: أن ذا من مسائل آل أعين ليس من ديني ولا دين آبائي قال قلت ما معي مسألة غير هذه .
قلت: الأخبار قد مرّت في الاستطاعة وإنها ليس من دين الصادق ولا من دين آبائه الكرام وقد أنكر الصادق على زرارة هذا المذهب ولكن زرارة حرّف الكلام فما كان من الصادق إلا أن أخرج أكاذيبه ومخازيه ولعنه ثلاثاً .
زرارة يقول بتحريف القرآن :(1/454)
وفي (ص 155ح254 ): حدثني محمد بن قولويه قال حدثني سعد عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن عبد الله المسمعي عن علي بن أسباط عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن أبيه قال : بعث زرارة عبيد ابنه يسأل عن خبر أبي الحسن فجاءه الموت قبل رجوع عبيد إليه ، فأخذ المصحف فأعلاه فوق رأسه وقال : إن الإمام بعد جعفر بن محمد من اسمه بين الدفتين في جملة القرآن منصوص عليه من الذين أوجب الله طاعتهم على خلقه انا مؤمن به قال: فأخبر بذلك أبو الحسن الأول فقال : والله كان زرارة مهاجراً إلى الله تعالى .
وفي كمال الدين (ص80 ): روى ابن بابويه القمي بإسناده عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن أبيه قال : لما بعث زرارة عبيداً ابنه إلى المدينة يسأل عن الخبر بعد مضي أبي عبد الله فلما أشتد به الأمر أخذ المصحف ! وقال: من أثبت إمامته هذا المصحف فهو إمامي .
استنكار عبد الحسين حديث "خلق الله آدم على صورته "
أولاً : ففي(ص59) أورد عبد الحسين حديث "خلق الله آدم على صورته": أخرج الشيخان البخاري ومسلم من طريق عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ بن منبه قال: هذا ما حدّثنا به أَبو هُرَيْرَةَ عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَال:َ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، وزاد أحمد من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً : في سبعة أذرع عرضاً قال: فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ وطوله ستون ذراعاً ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ .
وأخذ المؤلف يصول ويجول ويشكك في هذا الحديث النبوي الشريف قائلا:(وهذا مما لا يجوز على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا على غيره من الأنبياء ولا على أوصيائهم (ع). ولعل أبا هريرة إنما أخذه عن اليهود بواسطة صديقه كعب الأحبار أو غيره ، فإن مضمون هذا الحديث إنما هو عين الفقرة السابعة والعشرين من الاصحاح الأول من اصحاحات التكوين من كتاب اليهود - العهد القديم - وإليك نصها بعين لفظه قال: فخلق الله الانسان على صورته، على صورة الله خلقه ذكرا وانثى خلقهم .
تقدس الله عن الصورة والكيفية والشبيه ، وتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ... ومرة رواه بلفظ : إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ولا يقل : قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته).
قلت : ونختصر لرد على مفتريات وأباطيل عبد الحسين، إن هذا الحديث رواه قومك بطرقهم الخاصة عن من يعتقدون فيهم العصمة المطلقة، ونحن لا يسعنا إلا كشف تدليسه..يزعم أنه بالغ في الفحص وأغرق في التنقيب عن أحاديث أبي هريرة حتى أسفر وجه الحق وظهر صبح اليقين ، فلم يجد إلا الأنكار عليه ، سبحان الله ما أتقاه !
لقد أثبت صحة هذا الحديث الخميني في كتابه "زبدة الأربعين حديثاً" (ص264) الحديث الثامن والثلاثون بعنوان " أن الله خلق آدم على صورته" والذي أورد من طريق أهل البيت حجج الله على خلقه حسب اعتقادهم، وإليك نص الحديث:
فعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر(ع) عما يروون أن الله عزوجل خلق آدم على صورته فقال: هي صورة محدثة مخلوقة ، اصطفاها الله واختارها على سائر الصور المختلفة فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى نفسه فقال تعالى: { بيتي } وقال: { ونفخت فيه من روحي}، ثم قال الخميني: ( وهذا الحديث من الأحاديث المشهورة بين السنة والشيعة، ويستشهد به دائماً، وقد أيّد الإمام الباقر(ع) صدروه وتولّى بيان المقصود منه ) .
وقد علق شيخهم محمد الكراجكي في "كنز الفوائد تحت عنوان " تأويل الخبر" ما نصه: ( إن سأل سائل ، فقال: ما معنى الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إن الله تعالى خلق آدم على صورته ، أوليس ظاهر هذا الخبر يقتضي التشبيه له تعالى بخلقه ، فإن لم يكن على ظاهره ، فما تأويله ؟ : الجواب: قلنا : أحد الأجوبة عن هذا أن تكون الهاء عائدة إلى الله تعالى ، والمعنى أنه خلق على الصورة التي أختارها ، وقد يضاف الشيئ إلى مختاره . ومنها أن تكون الهاء عائدة إلى آدم ، ويكون المراد أن الله تعالى خلقه على صورته التي شوهد عليها ، لم ينتقل إليها عن غيرها كتنقل أولاده الذي يكون أحدهم نطفة ثم علقة مضغة ،ويخلق خلقا من بعد خلق ، ويولد طفلا صغيرا ثم يصير غلاما ثم شابا كهلا ، ولم يكن آدم (ع) كذلك ، بل خلق على صورته التي مات عليها .(1/455)
و منها ما رواه الزهري عن الحسن قال مرّ النبي برجل من الأنصار وهو يضرب وجه الغلام له ويقول : قبح الله وجهك ووجه من تشبهه ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : بئسما قلت ، إن الله خلق آدم على صورته ، يعني صورة المضروب . وهذه أجوبة صحيحة والحمد لله) .
فهل " عبد الحسين " أعلم من الخميني ؟! أم من الشيخ الكراجكي ؟! أم يريد أن يعلم الخميني و الشيخ الكراجكي وأمثاله علم الحديث ؟!! .
وقال شيخهم المحقق السيد هاشم الحسيني معلق كتاب التوحيد عند شرحه لهذا الحديث ما نصه:( هذا الكلام وجوه محتملة : فان الضمير إما يرجع إلى الله تعالى فالمعنى ما ذكره الإمام (ع) هنا على أن يكون الاضافة تشريفية كما في نظائرها أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على صفته في مرتبة الامكان وجملة قابلا للتخلق باخلاقه ومكرما بالخلافة الاليهة ، وإما يرجع إلى آدم (ع) فالمعنى أنه تعالى خلق جوهر ذات آدم على صورته من دون دخل الملك المصور للأجنة في الأرحام كما لا دخل لغيره في تجهيز ذاته و ذات غيره أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على صورته هذه من ابتداء أمره ولم يكن لجوهر جسمه انتقال من صورة إلى صورة كالصورة المنوية إلى العلقة إلى غيرهما ، أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على صورته التي قبض عليها ولم يتغير وجهه وجسمه من بدئه إلى آخر عمره ، وإما يرجع إلى رجل يسبه رجل آخر كما فسر به في الحديث العاشر والحادي عشر من الباب الثاني عشر فراجع ) .
و أخرج الصدوق بإسناده عن أبي الورد بن ثمامة عن علي (ع) قال: سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يقول لرجل : قبح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال: مه، لا تقل هذا ، فإن الله خلق آدم على صورته .
قال الصدوق في شرح الحديث ما نصه: ( تركت المشبهة من هذا الحديث أوّله و قالوا: إن الله خلق آدم على صورته ، فضلوا في معناه وأضلوا ) .
مسكين( عبد الحسين ) كم مرة يستعمل التقية والكذب والدجل فلا يفلح أبداً! يقول تقية أن :( أبا هريرة إنما أخذه عن اليهود بواسطة صديقه كعب الأحبار أو غيره ، فإن مضمون هذا الحديث إنما هو عين الفقرة السابعة والعشرين من الاصحاح الأول من اصحاحات التكوين من كتاب اليهود ) .
فهل الخميني والأئمة من أهل البيت أخذوا عن اليهود بواسطة كعب الأحبار؟!! أو غيره ؟! نعوذ بالله من هذا الاثم والبهتان .
أربعة فطاحل يروون الحديث ويأبى " عبد الحسين " إلا أن يتحامل على أبي هريرة رضي الله عنه دحضاً للحق ونصرة للباطل!ولكن هل يستحي" آية الكذب والدجل " ؟! بالطبع لا ، فيقول دجلا : ( على أن أبا هريرة قد تطور في هذا الحديث كما هي عادته فتارة رواه كما سمعت ، وتارة رواه بلفظ : إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته،ومرة رواه بلفظ: إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ولا يقل: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته ) .
فاستمع إلى هذه الرواية الذي أخرج الصدوق بإسناده عن الحسين بن خالد ، قال: قلت للرضا(ع): يا ابن رسول الله إن الناس يروون أن رسول الله قال: إن الله خلق آدم على صورته ، فقال: قاتلهم الله ، لقد حذفوا أول الحديث ، إن رسول الله مرّ برجلين يتسابان ، فسمع أحدهما يقول لصاحبه ، قبح الله وجههك ووجه من يشبهك ، فقال: يا عبدالله لا تقل هذا لأخيك ، فإن الله عزوجل خلق آدم على صورته.
فلماذا يا عبد الحسين لم تنكر على أئمتك في روايتهم لهذا الحديث بعينه؟!!
ولماذا لم تنكر على رواتك كمحمد بن مسلم والحسين بن خالد، وأبي الورد بن ثمامة وغيرهم ، تزعم أنك بالغت في الفحص وأغرقت في التنقيب عن أحاديث أبي هريرة حتى أسفر وجه الحق وظهر صبح اليقين ، فلم تجد إلا الإنكار عليه !! ، أليس هذا من الكذب والدليس على المسلمين ؟! .
ومن هنا تدرك أيها القاري مدى تدليسه وكذبه، وما لفقه من تهم باطلة ، فهو يعلم موضع هذه الأحاديث وأقوال علماء الحديث عنده ، لأنه يعتبر من كبار مجتهدي الشيعة، ومن وصل إلى درجة الاجتهاد عندهم لابد وأن قرأ كل الكتب،ككتب علم الكلام والحديث والتفسير والرجال والنحو ، و...، وإلا لما لقب " بآية الله " عندهم ، ولكن هذا" الآية " يريد فقط أن ينتقم من أبي هريرة ويشفي غليله وحقده الأسود ، ولو أدى ذلك إلى الطعن في أئمته المعصومين، وعلمائه ، فهو يظن أن كل الناس مغفلين ! مثله ، لا يقرأون ولا يريدون أن يجهدوا أنفسهم عناء البحث والتنقيب .
وأما قوله تحت عنوان تنبيهان :( أنه إذا كان طول آدم ستين ذراعاً يجب مع تناسب أعضائه أن يكون عرضه سبعة عشر ذراعاً وسبع الذراع ، وإذا كان عرضه سبعة أذرع يجب أن يكون طوله أربعة وعشرين ذراعاً ونصف الذراع لأن عرض الانسان مع استواء خلقه بقدر سبعي طوله فما بال أبي هريرة يقول طوله ستون ذراعاً في سبعة أذرع عرضاً ؟ فهل كان آدم غير متناسب في خلقته مشوهاً في تركيبه ؟ كلا!(1/456)
بل قال الله تعالى وهو أصدق القائلين { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَنَ فىِ أَحْسَنِ تَقْوِيم } .
قلت: إن هذا الحديث قد رواه ثقتك الكليني في كافيه الذي تقول أنه أفضل وأتقن الكتب الأربعة عن أئمتك الذي تعتقد فيهم العصمة وبأنهم أفضل من الأنبياء!!
ففي روضة الكافي(ص 195 ح 308) بإسناده عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب ، عن مقاتل بن سليمان قال سألت أبا عبدالله (ع) كم كان طول آدم عليه السلام حين هبط به إلى الأرض وكم كان طول حواء ؟ قال وجدنا في كتاب علي بن أبي طالب (ع) إن الله عزوجل لما أهبط آدم وزجته حواء عليها السلام إلى الأرض كانت رجلاه بثنية الصفا ورأسه دون أفق وإنه شكا إلى الله ما يصيبه من حر الشمس فأوحى الله عزوجل إلى جبريل عليه السلام إن آدم قد شكا ما يصيبه من حر الشمس فأغمزه وصير طوله سبعين ذراعاً بذراعه وأغمز حواء غمزة فيصير طولها خمسة وثلاثين ذراعاً بذراعها .
فهذا إمامك المعصوم يقول :" إن رجلي آدم كانت بثنية الصفا ورأسه دون الأفق ! بل يقول: إنه شكا إلى الله ما يصيبه من حر الشمس .. فأغمزه وصير طوله سبعين ذراعاً ! ، فهل كان آدم غير متناسب في خلقته مشوهاً في تركيبه ؟
إن علماءك عدّوا هذا الحديث من مشكلات الأخبار !! .
قال نعمة الله الجزائري في قصص الأنبياء (ص35) ما نصه: ( أقول هذا الحديث عده المتأخرون من مشكلات الأخبار من وجهين .... ) .
ثم بين الجزائري هذين الوجهين، فراجعهما .
كما أن السيد عبدالله شبر قد شرح هذا الحديث الشريف في كتابه " مصابيح الأنوار(1/405) في حل مشكلات الأخبار" من عشرة وجوه ، فراجعها إن شئت .
كما أن المجلسي في مرآته (26/171- 177 ) شرح هذا الحديث من عدة وجوه، قال:( إعلم إن هذا الخبر من المعضلات التي حيرت أفهام الناظرين والعويصات التي رجعت عنها بالخيبة أحلام الكاملين والقاصرين )
استنكار عبد الحسين " رؤية الله يوم القيامة "(1/457)
ثانياً: وفي (ص64) أورد عبد الحسين حديث رقم (2) " رؤية الله يوم القيامة بالعين الباصرة في صور مختفلة" أخرج الشيخان الإسناد إلى أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َ قَالَ أُنَاس:ٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قَالُوا:لا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ. يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَبِهِ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ مِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلا اللَّهُ أَمَرَ الْمَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنِ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ وَيَبْقَى رَجُلٌ مِنْهُمْ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ فَلا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ فَيَقُولُ لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ فَيَقُولُ لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ يَا رَبِّ قَرِّبْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ وَيْلَكَ ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَلا يَزَالُ يَدْعُو فَيَقُولُ لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلُنِي غَيْرَهُ فَيَقُولُ لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَيُعْطِي اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ثُمَّ يَقُولُ أَوَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ فلا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ (الله)!؟ فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا قِيلَ لَهُ تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى ثُمَّ يُقَالُ لَهُ تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الْأَمَانِيُّ فَيَقُولُ لَهُ هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ.
ثم أخذ المؤلف يصول ويجول مفنداً هذا الحديث النبوي الشريف قائلا: ( وهذا حديث مهول الفت إليه أرباب العقول فهل يجوز عندهم أن تكون لله صورة مختلفة ينكرون بعضها ويعرفون البعض الآخر ؟ وهل يرون ان لله ساقا تكون آية له وعلامة عليه ؟ وبأي شيء كانت ساقه علامة دون غيرها من الأعضاء ؟ وهل تجوز عليه الحركة والانتقال فيأتيهم أولا وثانيا وهل يجوز عليه الضحك؟ وأي وزن لهذا الكلام)؟(1/458)
قلت: إن المؤلف مقصده الرد على أهل السنة الإنكار عليهم في معتقدهم رؤية الله يوم القيامة ، وليس مقصده كما يتخرص في مقدمة كتابه " تطهير الصحاح والمسانيد من كل ما لايحتمله العقل من حديث أبي هريرة " لذلك ألف كتاباً مستقلا في الرد عليهم سماه " كلمة حول الرؤية " ، فغرض المؤلف الرد على أهل السنة إذ أنه يعلم أن حديث رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين رواه أكثر من عشرين صحابياً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكنه اتخذ أبا هريرة دهليزاً له !! وهذا هو غرضه كما بينت في مقدمة الكتاب ، على كل حال نرد في عجالة على شبهات المؤلف فقوله :( هل يجوز عندهم أن تكون لله صورة مختلفة ينكرون بعضها ويعرفون البعض الآخر )؟
قلت : قال ابن الجوزي : اعلم أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الصورة التي هي هيئة وتأليف. وقال ابن حجر نقلا عن ابن بطال: تمسك به - أي بهذا الحديث - المجسمة فأثبتوا لله صورة ، ولا حجة لهم فيه لاحتمال أن يكون بمعنى العلامة وضعها الله لهم دليلا على معرفته كما يسمى الدليل والعلامة صورة وكما تقول صورة حديثك كذا وصورة الأمر كذا والحديث والأمر لا صورة لهما حقيقة ، وأجاز غيره أن المراد بالصورة الصفة ...
ونقل ابن التين : أن معناه صورة الاعتقاد ، وأجاز الخطابي أن يكون الكلام خرج على وجه المشاكلة لما تقدم من ذكر الشمس والقمر والطواغيت .. .
و قال غيره من العلماء : يأتيهم بأهوال القيامة ، وصورة الملائكة ، مما لم يعهدوا مثله في الدنيا ، فيستعيذون من تلك الحال ، ويقولون : إذا جاء ربنا عرفناه،
أي أتى بما يعرفونه من لطفه ، وهي الصورة التي يعرفون فيكشف عن ساق : أي عن شدة كأنه يرفع تلك الاشدائد المهولة ، فيسجدون شكرا ، وقال بعضهم : صورة يمتحن إيمانهم بها ، كما يبعث الدجال فيقولون : نعوذ بالله منك .
وأما قوله:( وهل يرون ان لله ساقاً تكون آية له وعلامة عليه ؟ وبأي شيء كانت ساقه علامة دون غيرها من الأعضاء وهل تجوز عليه الحركة والانتقال فيأتيهم أولا وثانيا وهل يجوز عليه الضحك ؟ وأي وزن لهذا الكلام) ؟ .
قلت: إن كلامه هذا يدل على جهل قبيح ليس له مثيل ، ولا أعلم أن أحداً من قبل سبقه ، ألا يقرأ هذا الذي لقبوه " بالعلامة " القرآن الكريم ! ، ألا يقرأ قوله تعالى: { هَلْ يَنظُرُونَ إلاَّ أَن يأْتيَهُمُ اللهُ فىِ ظُلَلِ مّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلئكَةُ وَقُضِىَ الأَمْرُ } [ البقرة / 210] ، و قوله تعالى: { هَلْ يَنظُرُونَ إلاَّ أَن يأْتيَهُمُ الْمَلئكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايتِ رَبّكَ } [ الأنعام /158 ] .
وقوله تعالى:{ كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } [ الفجر 21-22 ] .
وأما إنكاره لرؤية الله بقوله : ( وهذا محال لا يعقل، ولا يمكن أن يتصور متصور إلا إذا اختص الله المؤمنين في الدار الآخرة ببصر لا تكون فيه خواص الأبصار المعهودة في الحياة الدنيا .. ) .
قلت: أولا: إن المخالفين لكم ، المثبتين للرؤية وهم الصحابة والتابعون والأئمة المهتدون من أهل الفقه والحديث ممن لهم قدم صدق في العالمين، هؤلاء أكثر العقلاء، وأوفر عدداً منكم .
قال النووي : اعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلا وأجمعوا أيضاً على وقوعها في الآخرة وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين وزعمت طائفة من أهل البدع المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه وأن رؤيته مستحيلة عقلا ، وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح وقد تظافرت أدلة الكتاب والسنة واجماع الصحابة فمن بعدهم من سلف الأمة على اثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين ورواها نحو عشرين صحابياً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآيات القرآن فيها مشهورة واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبة مشهورة في كتب المتكلمين من أهل السنة وكذلك باقي شبههم وهي مستقاة في كتب الكلام..
وقال ابن حجر في الفتح نقلا عن ابن بطال : ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله في الآخرة ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة وتمسكوا بأن الرؤية توجب كون المرئي محدثا وحالا في مكان ، وأولوا قوله :{ نَاظِرَة } بمنتظرة وهو خطأ لأنه لا يتعدى بإلى ، ثم ذكر نحو ما تقدم ثم قال وما تمسكوا به فاسد لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود ، والرؤية في تعلقها بالمرئي بمنزلة العلم في تعلقه بالمعلوم فإذا كان تعلق العلم بالمعلوم لا يوجب حدوثه فكذلك المرئى .
قال وتعلقوا بقوله عزوجل :{ لاَ تُدْرِكُهُ الأبْصَرُ } [ الأنعام /103] .
وقوله عزوجل لموسى:{ لَن تَرَنىِ} [ الأعراف /143 ] .
والجواب عن الأول : أنه لا تدركه الأبصار في الدنيا جمعا بين دليلي الآيتين ، وبأن نفي الادراك لا يستلزم نفي الرؤية لإمكان رؤية الشىء من غير إحاطة بحقيقته.(1/459)
على أن العقل الصحيح لا يخالف القرآن والسنة الثابتة الصحيحة ،ولا يتعارضان أبداً، وما ظهر من تعارض في الظاهر ، فإنه لعدم صحة في النقل ، أو عدم كمال في العقل ، على أن العقل إذا ترك ونفسه ، لم يحكم باستحالة رؤيته إلا إذا صرفه برهان.
وقد أسفّ هذا االمؤلف بفلسفته هذه كل إسفاف واعتسف فيها أي اعتساف في لتكون هذه الأحاديث حجة عليك يوم القيامة حين ألزمت نفسك العمل بها ودعوت الناس إليها ! والحديث الأول يقرب إلى ذهنك معنى " الإدراك " وهو قول الامام المعصوم للراوي " أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك " .
فقد روى الكليني عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر(ع): لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ؟ فقال:يا أبا هاشم أوهام القلوب أدقّ من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون .
وروى الكليني والصدوق بإسنادهما عن يعقوب بن اسحاق قال: كتبت إلى أبي محمد أسأله كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه ؟ فوقع (ع) يا أبا يوسف جلّ سيدي ومولاي والمنعم عليّ وعلى آبائي أن يرى ، قال: و سألته هل رأى رسول الله ربه؟ فوقع (ع) إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحبّ .
وروى الكليني والصدوق عن عبدالله بن سنان ، عن أبيه قال: حضرت أبا جعفر(ع) فدخل عليه رجل من الخوارج فقال له : يا أبا جعفر أي شيئ تعبد ؟ قال: الله تعالى ، قال : رأيته ؟ قال: بال لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، لا يعرف بالقياس ولا يدرك بالحواس ولا يشبه بالناس ، موصوف بالآبات ، معروف بالعلامات لا يجوز في حكمه ذلك الله ، لا إله إلا هو، قال: فخرج الرجل وهو يقول : الله أعلم حيث يجعل رسالته .
وروى الكليني والصدوق عن أبي الحسن الموصلي ، عن أبي عبدالله قال: جاء حبر إلى أميرالمؤمنين (ع) فقال: يا أميرالمؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته ؟ فقال: ويلك ما كنت أعبد رباً لم أره ، قال: وكيف رأيته ؟ قال: ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقايق الإيمان .
وروى الصدوق في " التوحيد" (ص 112 ح 11) عن أبي هاشم الجعفر، عن أبي الحسن الرضا(ع) قال: سالته عن الله عزوجل هل يوصف ؟ فقال: أما تقرء القرآن ؟ ! قلت: بلى ، قال: أما تقرء قوله عزوجل : { لاَ تُدْرِكُهُ الأبْصَرُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَرَ } قلت: بلى ، قال: فتعرفون الأبصار؟ قلت: بلى ، قال: وما هي ؟ قلت: أبصار العيون فقال: إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام وهو يدرك الأوهام .
فقولك هذا رد على أئمتك المعصومين، لإنك لا تفهم أحاديثهم .
جواز رؤية الله تعالى يوم القيامة من طريق آل البيت :
وإليك بعض هذه الأحاديث بإختصار.(1/460)
فقد جاء في "لئالى الأخبار" (4/410-411 ) لعمدة العلماء والمحققين محمد التوسيركاني في " باب في أن أهل الجنة يسمعون صوته " هذا الحديث - وهو حديث طويل - ونصه : ( في أن أهل الجنة يسمعون صوته تعالى ويخاطبهم وينظرون إليه وهما ألذ الأشياء عندهم قال (ع) في حديث يذكر فيه إشتغال المؤمنين بنعم الجنة : فبينما هم كذلك إذ يسمعون صوتاًمن تحت العرش : يا أهل الجنة كيف ترون منقلبكم ؟ فيقولون : خير المنقلب منقلبنا وخير الثواب ثوابنا ، قد سمعنا الصوت واشتهينا النظر وهو أعظم ثوابنا وقد وعدته ولا تخلف الميعاد فيأمر الله الحجاب فيقوم سبعون ألف حاجب فيركبون على النوق والبرازين وعليهم الحلى والحلل فيسبرون في ظل العرش حتى ينتهوا إلى دار السلام وهي دار الله دار البهاء والنور والسرور والكرامة فيسمعون الصوت فيقولون : يا سيدنا سمعنا لذاذة منطقك وأرنا وجهك فيتجلى لهم سبحانه وتعالى ، حتى ينظرون إلى وجهه تبارك وتعالى المكنون من كل عين ناظر فلا يتمالكون حتى يخروا على وجوههم سجدا فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك يا عظيم قال فيقول : يا عبادي إرفعوا رؤسكم ليس هذا بدار عمل .... فإذا رفعوا رفعوها وقد أشرقت وجوههم من نور وجهه سبعين ضعفا ثم يقول : يا ملائكتي أطعموهم واسقوهم ..يا ملائكتي طيبوهم فيأتيهم ريح من تحت العرش يمسك أشد بياضا من الثلج ويعبر وجوههم وجباههم وجنوبهم تسمى المثيرة فيستمكنون من النظر إلى وجهه فيقولون يا سيدنا حسبنا لذاذة منطقك والنظر إلى وجهك لا نريد به بدلا ولا نبتغي به حولا فيقول الرب إني أعلم أنكم إلى أزواجكم مشتاقون وان أزواجكم إليكم مشتاقات ارجعوا إلى أزواجكم قال : فيقولون : يا سيدنا اجعل لنا شرطاً قال فإن لكم كل جمعة زورة ما بين الجمعة سبعة آلاف سنة مما تعدّون قال فينصرفون فيعطى كل رجل منهم رمانة خضر في كل رمانة سبعون حلة .... حتى يبشروا أزواجهم وهن قيام على أبواب الجنان قال: فلما دنى منها نظرت إلى وجهه فأنكرته من غير سوء ، وقالت: حبيبي لقد خرجت من عندي وما أنت هكذا قال: فيقول: حبيبتي تلومني أن أكون هكذا وقد نظرت إلى وجه ربي تبارك وتعالى فأشرق وجهي من نور وجهه ، ثم يعرض عنها فينظر إليها نظرة فيقول: حبيبتي لقد خرجت من عندك و ماكنت هكذا فنقول : حبيبي تلومني أن أكون هكذا، وقد نظرت إلى وجه الناظر إلى وجهه ربي فأشرق وجهي من وجه الناظر إلى وجه ربي سبعين ضعفا ، فنعانقه من باب الخيمة والرب يضحك إليهم ).
وفي " البحار" (8/126ح27 باب الجنة و نعيمها ) عن عاصم بن حميد عن أبي عبد الله (ع) قال: (مامن عمل حسن يعمله العبد إلا وله ثواب في القرآن إلا صلاة الليل ، فإن الله لم يبين ثوابها لعظيم خطرها عنده فقال:{ تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا} إلى قوله :{ يعملون } ثم قال: إن لله كرامة في عباده المؤمنين في كل يوم جمعة ، فإذا كان يوم الجمعة بعث الله إلى المؤمن ملكا معه حلة فينتهي إلى باب الجنة فيقول: اسأذنوا لي على فلان فيقال له: هذا رسول ربك على الباب، فيقول: لأزواجه أي شيئ ترين عليّ أحسن ؟ فيقلن : يا سيدنا والذي أباحك الجنة ما رأينا عليك شيئا أحسن من هذا بعث إليك ربك ، فيتزر بواحدة ويتعطف بالأخرى فلا يمرّ بشيئ إلا أضاء له حتى ينتهي إلى الموعد ، فإذا اجتمعوا تجلى لهم الرب تبارك وتعالى ، فإذا نظروا إليه خرّوا سجدا فيقول: عبادي ارفعوا رؤوسكم ليس هذا يوم سجود ولا يوم عبادة قد رفعت عنكم المؤونة، فيقولون : يارب وأي شيئ أفضل مما أعطيتنا ، أعطيتنا الجنة، فيقول: لكم مثل ما في أيديكم سبعين ضعفا ، فيرجع المؤمن في كل جمعة بسبعين ضعفا مثل ما في يديه وهو قوله:{ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } وهو يوم الجمعة ) .
وإذا لم تستطع فهم هذه الرواية ، نورد لك كلام إمامك ووصيك الرابع فقد أثبت رؤية الله تعالى في الآخرة كما جاء في الصحيفة السجادية ، في حين عكست الآية كما سيأتي توضيحه .
قال الامام السجاد رحمه الله تعالى ما نصه : ( واقدر أعيينا يوم لقائك برؤيتك"
بل لا يحتاج تخصيص المؤمنين في الآخرة ببصر غير أبصارهم في الدنيا ،كما يتدعي المؤلف، لأن إمامه المعصوم يقول أنهم رأوه قبل يوم القيامة ، حين قال الله لهم : { أَلَسْتُ بِرَبّكُمْ قَالُوا بَلَى } .(1/461)
فقد أخرج الصدوق في " التوحيد" (ص117ح20 ) بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له: أخبرني عن الله عزوجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة ؟ قال: نعم ، وقد رأوه قبل يوم القيامة ، فقلت: متى ؟ قال: حين قال لهم : { أَلَسْتُ بِرَبّكُمْ قَالُوا بَلَى } ثم سكت ساعة ، ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة ، ألست تراه في وقتك هذا ؟ قال أبو بصير : فقلت : له جعلت فداك فأحدث بهذا عنك ؟ فقال لا ، فإنك إذا حدثت به أنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين ، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون .
وجاء اثبات الرؤية من كلام الامام السجاد رحمه الله تعالى الذي أعرض " المؤلف الأمين " عن ذكره هنا واقتصر على بعض الأذكار بقوله " وإليك ما يحضرني من نصوصها في الموضوع " ، فحاول طمسها في مهدها ، ولو كانت هذه النصوص في صالحه لما طمسها ومرّ عليها هكذا مرور الكرام ، وهكذا يفعلون ، ولكن شاء الله أن يفضح أمر " آية الكذب والتدليس " ، وإليك هذه الأدعية . قال في دعاء المتوسلين : ( وأقررت أعينهم بالنظر إليك يوم لقائك ) . وقال في دعاء آخر وهو دعاء المحبين :( ولا تصرف عني وجهك ) . وفي دعاء آخر وهو : ( وشوقته إلى لقائك وضيته بقضائك ومنحته بالنظر إلى وجهك ). وفي دعاء آخر وهو مناجاة الزاهدين : )ولا تحجب مشتاقيك عن النظر إلى جميل رؤيتك ) . وفي دعاء آخر وهو مناجاة المفتقرين : ( واقدر أعيينا يوم لقائك برؤيتك ) . وفي دعاء آخروهو في استكشاف الهموم ( رغبتي شوقاً إلى لقائك ..) .
أما ما لفقه عبد الحسين في كتابه " كلمة حول الرؤية " (ص39) ، واستشهاده ببعض أدعية السجاد على نفي الرؤية ، فإن هذا جهل بكلام العرب ، وغريب أمر هذا المؤلف إذ كيف تستعجم عليه اللغة وقد وصل إلى درجة العلاّمة . فمثلا استشهاده بقول السجاد : ( إلهي قصرت الألسن عن بلوغ ثنائك كما يليق بجلالك، وعجزت العقول عن إدراك كنه جمالك ، وانحصرت الأبصار دون النظر إلى سبحات وجهك ، ولم تجعل للخلق طريقا إلى معرفتك إلا بالعجز عن معرفتك
الحمد لله الأول بلا أول كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده ، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين ، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين ...).
فأين نفيه رحمه الله رؤية الله ؟ ، بل لم يستطع المؤلف أن يورد دعاء واحد يدل على نفي الرؤية وهذا عجيب ، مما يدل أنه وأتباعه ليسوا شيعة أهل البيت ، بل شيعة الطوسي والمجلسي والمفيد وأضرابهم ! ، بل وهذا من عقائد المعتزلة وغيرهم الذين نفوا رؤية الباري تعالى يوم القيامة، وأما مذهب أهل البيت هم على مذهب أهل السنة من السلف القائلين برؤية الله تعالى يوم القيامة .
وأما انكار المؤلف ضحك الله بقوله :( وهل يجوز عليه الضحك ؟ وأي وزن لهذا الكلام ) ؟
قلت: فقد روى ذلك أيضاً إمامك المعصوم فيما أخرجه المجلسي وغيره !
استنكار عبد الحسين حديث "لا تملأ النار حتى يضع الله رجله فيها "
ثالثاً: وفي (ص67-69) أورد المؤلف حديث "لا تملأ النار حتى يضع الله رجله فيها" : أخرج الشيخان من طريق عَبْدُالرَّزَّاقِ عن مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتِ النَّارُ أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ وَقَالَتِ الْجَنَّةُ مَا لِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَقَالَ لِلنَّارِ إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي مِنْهُمَا مِلْؤُهَا فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ . الحديث .
ثم أخذ هذا المؤلف يصول ويجول مفندا هذا الحديث النبوي الشريف قائلا:( إن هذا الحديث محال ممتنع بحكم العقل والشرع، وهل يؤمن مسلم ينزه الله تعالى بأن لله رجلا ؟ وهل يصدق عاقل بأنه يضعها في جهنم لتمتلىء بها ؟ وما الحكمة من ذلك؟ وأي وزن لهذا الكلام البارد - إلى أن قال- وبأي لسان تتجاج النار والجنة؟! وبأي حواسهما أدركتا ما أدركتاه وعرفتا من دخلها وأي فضل للمتجرين والمتكبرين لتفخر بهم النار وهم يومئذ في اسفل سافلين ؟ وكيف تظن الجنة أن الفائزين بها من سقطة الناس وهم من الذين انعم الله عليهم بين نبي وصديق وشهيد وصالح ما أظن الجنة والنار قد بلغ بها الجهل والحمق والخرف إلى هذه الغاية ؟ ) .(1/462)
قلت: إن حمل الألفاظ هذا الحديث على حقيقته تعنت ومكابرة بلا دليل ، والأصل أنه إذا امتنع حمل الألفاظ اللغة على الحقيقة صرفت إلى المجاز ، وهذا كثير في اللغة ، فكما تقول : خرجت المدينة تستقبل الحجاج ، وتقصد بذلك أكثر أهل المدينة، كذلك يجب أن تقول في مثل هذا الحديث وفي الآيات التي استدل بها (الشبهة) على رأيهم كآية ( الاستواء ) وغيرها . ويلزم من إنكار هذه الأحاديث لما فيها من التجسيم والتشبيه - على رأي المؤلف - إنكار جميع الآيات التي بهذا المعنى، ولا يقول بهذا مسلم ، فكما صرفت ألفاظ تلك الآيات إلى المجاز تصرف ألفاظ بعض الأحاديث أيضاً إلى ذلك ، لأن بعض الأحاديث جاءت على سنن ونهج القرآن الكريم . وإذا أبى أن تصرف هذه الأفاظ إلى المجاز قلنا له : يلزم من هذا أن تسير المدينة - في مثالنا- بأبنيتها ومساجدها وبيوتها وأشجارها ، وهذا لا يعقل ولا يتصور ، وهو خلاف العادة والعرف ، لذلك وجب صرفه إلى المجاز ، من غير أن نرد ذلك الأصل اللغوي ، الذي عليه العرب ، أدباؤهم وفصحاؤهم وعامتهم منذ عرفهم التاريخ ، وعلى هذا الأصل نحمل بعض آيات القرآن الكريم وبعض أحاديث الرسول الأمين صلى الله عليه وآله وسلم .
فيا ترى : ما الذي يدعو إلى المحالة والاستغراب والامتناع ؟ ، إن كان وجه الإنكار هو أن الله يضع رجله، ففي القرآن جاء اثبات اليد ، والوجه، والعين، والمجيء ، وغير ذلك لله قال تعالى: { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبّكَ ذُو الْجَلَلِ الإِكْرَامِ } . [الرحمن / 27 ] وقال تعالى: { كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ } [ القصص/ 88 ] قال تعالى: { وَقالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيِهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ } [ المائدة /64 ] وقال تعالى:{ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لمِاَ خَلَقْتُ بِيَدَىَّ } [ص/ 75 ] وقال تعالى:{ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنى وَلِتُصْتَعَ عَلَى عَيْنِى } [طه/39] .
وبالجملة ، فإن تحكيم العقل في مسألة الألوهية ، وصفاتها من سخافة العقل نفسه ، ولا تؤدي عند هؤلاء المغترين بعقولهم ، إلا إلى الإلحاد غالباً ، فخير للعقل ، "وهذا العقل المريض" أن يفكر فيما يستطيع التفكير به ، وإن كان عقله عاجزاً عن معرفة سر الحياة في الانسان نفسه، وعن الاحاطة بجزء كحبة الرمل من صحراء هذا الكون العجيب ، فكيف يستطيع أن يعلم حقيقة خالق هذا الكون كله ؟ ، لنفرض أن تحكيم العقل في الأحاديث هو الصواب ، فنحن نسأل : أي عقل هذا الذي تريد أن تحكمه ؟! ، أعقل الفلاسفة ؟ إنهم مختلفون ، وما من متأخر منهم إلا وهو ينقض قول من سبقه . أعقل الأدباء ؟ إنه ليس من شأنهم ، فإن عنايتهم بالنوادر والحكايات . أعقل علماء الطب ، أم الهندسة ، أم الرياضيات ؟ ما لهم ولهذا ؟ ، أعقل المحدثين ؟ إنه لم يعجبكم ، بل إنكم تتهمونهم بالغباوة والبساطة ؟ ، أعقل الفقهاء ؟ إنهم مذاهب متعددة ، وعقليتهم في رأيكم كعقلية المحدثين . أعقل الملحدين ؟ إنهم يريدون أن إيمانكم بوجود الله ،جهل منكم وخرافة . أعقل المؤمنين بوجود الله ؟ تعالوا نرى طوائفهم :
إن منهم : من يرى أن الله يحل في إنسان فيصبح إلها ؟
ومنهم : من يرى أن روح الله تتقمص في جسد ، فيكون إلها !
ومنهم :من يرى أن الله ومخلوقاته في وحدة متكاملة !
ومنهم : من يرى أن الله ذو ثلاثة أقانيم في ذات واحدة !
ومنهم : من يرى البقر والفأر والقرد يجب أن يتوجه إليها بالعبادة !
ستقولون : إننا نريد تحكيم عقل المؤمنين بإله واحد في دين الإسلام .
فنحن نسألكم : عقل أي مذهب من مذاهبهم ترضون ؟
أعقل أهل السنة والجماعة ؟ هذا لا يرضى الشيعة ، ولا المعتزلة .
أم عقل الشيعة ؟ هذا لا يرضى أهل السنة ، ولا الخوارج .
أم عقل المعتزلة ؟
إنه لا يرضى جمهور طوائف المسلمين ! فأي عقل ترتضون .
إن حكاية عرض الحديث على " العقل " حكاية قديمة نادى بها بعض المعتزلة، ونادى المستشرقون حديثاً ، وتابعهم فيها أحمد أمين ، وضرب لذلك أمثلة من الأحاديث الصحيحة وهي في رأيه غير مقبولة للعقل . لئن كان يريد من العقل الصريح ما يقبله العقل من بدهيات الأمور ، فهذا أمر واقع في تاريخ السنة النبوية ، فقد وضع أئمة النقد من علماء الحديث علامات لمعرفة الحديث الموضوع منها : أن يكون متنه مخالفا لبدائة العقول وللمقطوع به من الدين أو التاريخ أو الطب أو غير ذلك ، وعلى هذا نفوا آلافا من الأحاديث وحكموا عليها بالوضع .(1/463)
ولئن كان يريد غير هذا مما يستغربه " العقل " فإن " استغراب " العقل شيئاً أمر نسبي يتبع الثقافة والبيئة وغير ذلك مما لا يضبطه ولا يحدده مقياس . وكثيراً ما يكون الشيء مستغربا عند إنسان ، طبيعيا عند إنسان آخر ولا يزال الذين سمعوا بالسيارة في بلادنا ، أو استغربوها قبل أن يروها ، لأنها تسير من غير خيول تقودها ، في حين كانت عند الغربيين أمرا مألوفا عادياً . والبدوي في الصحراء كان " يستغرب " ما يقولونه عن المذياع " الراديو " في المدن ، ويعدّه كذبة من أكاذيب الحضريين . فلما سمع الراديو لأول مرّة ظن أن " الشيطان " هو الذي يتكلم فيه ، كما يظن الطفل أن الذي يتكلم إنسان ثاو فيه .
على أي حال لا حاجة لنا لعقل " عبد الحسين " ، ولا لعقل "أبي رية" ، ولا لعقل " أحمد أمين" ، فإن مذاهب العلماء معروفة في مثل هذه الألفاظ ، فالسلف يقولون بها من غير تأويل ، مع تنزيه الله عن مشابهته للبشر... .
هذا هو الذي يُسلم به الخلف فقط ، أما السلف فكلهم مجمعون على اثبات صفات الله تعالى على الحقيقة، ولكنه ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير .
ولكن يبدو أن عقل عبد الحسين شرف الدين كلما ازداد مثاله زاده الله رعالة ، وإلا فإن هذا الحديث احتج به مشايخ الشيعة عند تفسيرهم لقوله تعالى: { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق /30 ] من دون إنكار أو تكذيب لراوي هذا الحديث سواء كان راويه أبو هريرة ، كما ذكره بنفسه ، أم كان راوية أنس، كما أخرجه السيوطي في الدر المنثور ، أم راويه أبو سعيد الخدري كما أخرجه الامام أحمد في مسنده .
قال الطباطبائي( الشيعي) في تفسيره " الميزان " ( 18/362) بعد أن أورد حديث أنس الذي أخرجه السيوطي في الدرر عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" لا تزال جنهم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فيزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط وكرمك ولا يزال في الجنة حتى ينشئ الله لها خلقاً آخر فيسكنهم في قصور الجنة .
قال ما نصه :( أقول: وضع القدم على النار وقولها : قط قط مروي في روايات كثيرة من طرق أهل السنة ) .
كما احتج بهذا الحديث " فيلسوف الشيعة الملقب" بصدر المتألهين " محمد بن ابراهيم صدر الدين الشيرازي في تفسيره " القرآن الكريم" ( 1/58وص 156 ) فقال ما نصه : ( ألا ترى صدق ما قلناه النار لا تزال متألّمة لما فيها من النقيص وعدم الإمتلاء حتى يضع الجبّار قدمه فيها كما ورد في الحديث وهي إحدى تينك القدمين المذكورتين في الكرسي ) .
كما احتج بهذا الحديث السيد محمدي الري شهري ( الشيعي ) في موسعته الكبيرة " ميزان الحكمة " (2/178-179) في باب " هل من مزيد " .
وهذا هو الميزان حقاً الذي يوزن به أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إمرار هذه الأحاديث من دون التعرض لها واسناد علمها إلى الله تعالى .
وأما قول عبد الحسين: ( بأي لسان تتحاج النار والجنة ؟ وبأي حواسهما أدركتا ما أدركتاه وعرفتاه من دخلهما ) .
قلت : إن هذا استفهام يدل على جهل " عبد الحسين " التام للقرآن الكريم، فإن كان وجه الإنكار أو الاستغراب لتكلم الجنة والنار ، فقد جاء في القرآن أن الله تعالى خاطب و قال للسموات والأرض { ائْتِياَ طَوْعًا أَوْ كُرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَآيعِيِنَ } وقال الله تعالى:{ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق/30]، فقد نطقت جهنم بكلمة { هَلْ مِن مَّزِيدٍ} . فألا يقرأ عبد الحسين آية من آيات الله في القرآن ؟!!، فهلا يستحي هذا" العلامة " بقوله :( ما الحكمة من ذلك؟ وأي وزن لهذا الكلام البارد ) .
سبحان الله كلام الله تعالى يصبح عند "هذا العلامة " كلام بارد لا وزن له!!
فهل رأيتم مثل المؤلف علاّمة!! الذي لا يفقه القرآن ولا السنة النبوية المطهرة ، ولا يفقه حتى شيئاً من أحاديث أهل البيت !! ولكن لا أظن أنه يصل إلى هذه الدرجة العظيمة من الجهل ، لا أظنه لم يطلع على كتب الحديث والفقه والتفسير والرجال وغيرها، وهو الملقب"بآية الله"، لا يمكن هذا إلا القول بأن المؤلف لا يسعى إلا إلى إشفاء غليله من أبي هريرة بأية طريقة ولو وصلت به الأمور إلى جهل آيات القرآن والسنة النبوية المطهرة في اثبات العين والوجه واليد ... ومما يؤكد ذلك ويدل عليه ، أن هذه مثل هذه الأحاديث التي رواها أبو هريرة واستنكر عليه موجودة عندهم ، روتها الشيعة من طرق من يعتقدون فيهم العصمة في اثبات تكلم النار والجنة والريح وغيرها .(1/464)
ففي "البحار" ( 8/285) باب الجنة ونعيمها، عن السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي (ع) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: تكلم النار يوم القيامة ثلاثة: أميراً وقارئاً، وذا ثروة من المال فتقول للأمير: يامن وهب الله له سلطاناً فلم يعدل فتزدرده كما يزدرد الطير حب السمسم وتقول للقارئ : يا من تزين للناس وبازر الله بالمعاصي فتزدرده ، وتقول للغني يا من وهب الله له دنيا كثيرة واسعة فيضا وسأله الحقير اليسير قرضا فأبى إلا بخلا فتزدرده .
وأيضاً في "البحار" (8/ 198) باب الجنة ونعيمها ، عن أبي بصير عن أبي جعفرقال: إذا كان يوم القيامة نادت الجنة ربها فقالت : يارب أنت العدل قد ملأت النار من أهلها كما وعدتها ولم تملأني كما وعدتني ، قال: فيخلق الله خلقاً لم يروا الدنيا فيملأ بهم الجنة طوبى لهم .
والقمي في تفسيره { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} قال: هو استفهام لأنه وعد الله النار أن يملأها فتمتلئ النار ، ثم يقول لها : هل امتلأت ؟ وتقول هل من مزيد ؟ على حد الاستفهام ، أي ليس فيّ مزيد ، قال : فتقول الجنة : يا رب وعدت النار أن تملأها ، ووعدتني أن تملأني فلم لا تملأني وقد ملأت النار ؟ قال: فيخلق الله يومئذ خلقا يملأ بهم الجنة ، فقال أبوعبدالله (ع): طوبى لهم إنهم لم يروا غموم الدنيا وهمومها .
وعن محمد بن مسلم قال قال لي أبو جعفر (ع) كان كل شيئ ماء وكان عرشه على الماء فأمر الله الماء فاضطر نارا فأمرالله النار فخمدت فارتفع من خمودها دخان فخلق الله السموات من ذلك الدخان وخلق الله الأرض من الماء ثم أختصم الماء والنار والريح ، فقال الماء جند الله الأكبر وقالت النار أنا جند الله الأكبر وقالت الريح أنا جند الله الأكبر ، فأوحى الله الى الريح أنت جند الله الأكبر.
وفي" البحار" ( 8/155-156 ) باب الجنة ونعيمها، عن داود العجلي مولى أبي المعزا قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : ثلاث أعطين سمع الخلائق : الجنة ، والنار ، والحور العين ، فإذا صلّى العبد وقال اللهم أعتقني من النار وأدخلني الجنة وزوجني من الحور العين قالت النار : يا رب إن عبدك قد سألك أن تعتقه مني فأعتقه وقالت الجنة : يارب إن عبدك قد سألك إياي فأسكنه ، وقالت الحور العين : يا رب إن عبدك قد خطبنا إليك فزوجه منّا ، فإن هو انصرف من صلاته ولم يسأل من الله شيئا من هذا قلن الحور العين : إن هذا العبد فينا لزاهد وقالت الجنة : إن هذا العبد فيّ لزاهد ، وقالت النار : إن هذا العبد فيّ لجاهل .
والعجيب من هذا المؤلف التقي أنه ينكر حديث أبو هريرة في تحاج الجنة والنار ولايتعجب من حديثهم الذي ورد من طرق أئمته أن الشمس تكلم علياً !! فكيف تكلم الشمس علياً وبأي لغة ؟! .
ففي " البحار" ( 41/ 169) تاريخ أمير المؤمنين (ع) باب رد الشمس له وتكلم الشمس معه ، عن محمد بن علي بن موسى بن جعفر عن آبائه (ع) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي بن أبي طالب(ع): يا أبا الحسن كلّم الشمس فإنها تكلمك ، قال علي (ع): السلام عليك أيها العبد المطيع لله ، فقالت الشمس : وعليك السلام يا أمير المؤمنين وإمام المتقين !!!." .
فهل رأيتم مدى حقده " على الاسلام وعلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و على أبي هريرة رضي الله عنه بالأخص فهو يسعى كما قلت إلى إشفاء غليله منه بأية طريقة ! وتناسى أن في دينه من أمثال هذه الأحاديث ، بل أكثر وأشنع ! فإن كان عبدالحسين حقاً يجهل هذه الآيات وأحاديث من يعتقد فيهم العصمة المطلقة ! وهذا هو الاحتمال الأول- بقوله : بأي لسان تتحاج النار والجنة ؟ ،وإن كان يجهل بأي لسان تتحاج النار والجنة ؟ فإن هذا جهل قبيح !
استنكار عبد الحسين حديث نزول الربّ كل ليلة إلى سماء الدنيا :
رابعاً: وفي (ص69 ) أورد عبد الحسين حديث " نزول ربه كل ليلة إلى سماء الدنيا تعالى الله " أخرج الشيخان من طريق ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي عَبْدِاللَّهِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الأخير يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لهُ ... الحديث .
وأخذ المؤلف يصول ويجول كعادته يدلس ويشكك قائلاً:( تعالى الله عن النزول والصعود والمجيئ والذهاب والحركة والانتقال وسائر العوارض والحوادث ،ثم قال: إن هذا الحديث والثلاثة التي قبله كان مصدرا للتجسيم في الإسلام ، كما ظهر في عصر التعقيد الفكري وكان من الحنابلة بسببها أنواع من البدع والاضاليل ولاسيما ابن تيمية الذي قام على منبر الجامع الأموي في دمشق يوم الجمعة خطيباً ، فقال أثناء أضاليله : إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ونزل درجة من درج المنبر يريهم نزول الله تعالى نزولا حقيقيا ...) .(1/465)
قلت: أن حديث النزول متفق عليه بين الفريقين، وسوف أثبت من كتاب الكافي الذي نص عليه عبد الحسين بفنسه في مراجعاته بأنه( أقدم و أعظم و أحسن و اتقن الكتب الأربعة ) ، وغيره من كتبهم المعتمدة ، من كان مصدر التجسيم في الإسلام ؟ وذلك بعد إيراد هذا الحديث الذي أنكره على أبي هريرة رضي الله عنه من طرق من يعتقد فيهم العصمة!! فقد رواه جمع من محدثي الشيعة وثقاتهم حديث النزول منهم الصدوق والكليني وغيرهم .
اثبات حديث النزول من طريق أهل البيت :
أخرج الصدوق في توحيده في حديث احتجاج الصادق على الثنوية والزناقة بإسناده عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبدالله (ع) - قال : سأله عن قوله: { الرحمن على العرش استوى } قال أبو عبدالله (ع): بذلك وصف نفسه ، وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملاً له ، و لا أن يكون العرش حاوياً له ، ولا أن العرش محتاز له ، ولكنّا نقول: هوحامل العرش ، وممسك العرش ، ونقول من ذلك ما قال: { وسع كرسيه السموات والأرض } فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته ، ونفينا أن يكون العرش أو الكرسي حاوياً له وأن يكون عزوجل إلى مكان أو إلى شيئ مما خلق بل خلقه محتاجون إليه .
قال السائل : فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض ؟ قال أبو عبدالله (ع): ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء ، ولكنه عزوجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش لأنه جعله معدن الرزق فثبتنا ما ثبته القرآن والأخبار عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: ارفعوا أيديكم إلى الله عزوجل وهذا يجمع عليه فرق الأمة كله . قال السائل : فتقول: أنه ينزل إلى السماء الدنيا؟ قال أبوعبدالله (ع): نقول : ذلك لأن الرويات قد صحت به والأخبار ، قال السائل : فاذا نزل أليس قد حال عن العرش وحووله عن العرش صفة حدثت، قال أبوعبدالله (ع) ليس ذلك منه ما على يوجد من االمخلوقين الذي تنتقل باختلاف الحال عليه والملالة والسأمة وناقلة ينقله ويحوله من حال الى حال بل هو تبارك وتعالى لا يحدث عليه الحال ولا يجري عليه الحدوث فلا يكون نزوله كنزول المخلوق الذي متى تنحى عن مكان الى مكان خلا منه المكان الأول ، ولكنه ينزل إلى السماء الدنيا بغير معاناة وحركة فيكون كما هو في السماء السابعة على العرش كذلك هو في السماء الدنيا ، إنما يكشف عن عظمته ويرى أولياءه نفسه حيث شاء ويكشف ماشاء من قدرته،ومنظره في القرب والبعد سواء .
و أخرج الكليني في كافيه من كتاب التوحيد بإسناده عن محمد بن عيسى قال: كتبت الى أبي الحسن على بن محمد (ع): ياسيدي قد روي لنا أن الله في موضع دون موضع على العرش استوى ، وأنه ينزل كل ليلة في النصف الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ، وروي أنه ينزل عشية عرفة ثم يرجع إلى موضعه ، فقال بعض مواليك في ذلك: إذا كان في موضع دون موضع ، فقد يلاقيه الهواء ،ويتكيف عليه والهواء جسم رقيق يتكيف على كل شيئ بقدره ، فكيف يتكيف عليه جل ثناؤه على هذا المثال ؟ فوقع (ع): علم ذلك عنده وهو المقدر له بما هو أحسن تقديرا وأعلم أنه إذا كان في السماء الدنيا فهو كما هو على العرش الأشياء كلها له سواء علما وقدرة وملكا وإحاطه .
قال مصحح ومعلق الكافي السيد علي أكبر الغفاري في تعليقه على هذا الحديث ما نصه : ( قوله (ع): علم ذلك عنده أي علم كيفية نزوله عنده سبحانه وليس عليكم معرفة ذلك ) .
وهذا جيد يدل أن مذهب الإمام هو عدم التأويل وهو مذهب السلف رحمهم الله تعالى . نعم هذا هو مذهب أهل البيت في صفات الله إثبات دون تكييف ولا تمثيل ولا تأويل ولاتعطيل ، قال أبوعبدالله (ض): نقول : ذلك لأن الرويات قد صحت به والأخبار كما سبق ذكره .
نعود يا أخي القارئ في ذكر الروايات من طريق أهل البيت رضي الله عنهم الموافقة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه .
فعن جابر الجعفي قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إن الله تبارك وتعالى ينزل في الثلث الباقي من الليل إلى السماء الدنيا ، فينادي هل من تائب يتوب عليه ؟ وهل من مستغفر يستغفر فأغفر له ؟ وهل من داع يدعوني فأفك عنه ؟ وهل من مقتور يدعوني فأبسط له ؟ وهل من مظلوم ينصرني فأنصره .
وأثبت حديث النزول المتواتر شيخهم المحقق المتتبّع محمد بن علي الاحسائي المعروف بابن أبي جمهور في كتابه "عوالي اللئالي" الفصل السابع (1/119 رواية 44): حديث:" إن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، وينزل عشية عرفة إلى أهل عرفة، و ينزل ليلة النصف من شعبان " .(1/466)
وقال محدثهم محسن الكاشاني ما نصه:( الأول: أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة ،وشهر رمضان من الشهور، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل ، قال الله تعالى: { وبالأسحار هم يستغفرون } ولقوله:( ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) .
وقال أيضاً في موضع آخر:( وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أي الليل أفضل ؟ فقال: نصف الليل الغابر" يعني الباقي ، ومن آخر الليل وردت الأخبار بإهتزاز العرش وانتشار الرّياح من جنات عدن ونزول الجبّار إلى السماء الدنيا وغيرها من الأخبار).
ذكرأيضاً في حديث آخر بقوله :( ينزل الله تعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول: هل من داع فأستجيب له).
وإليك هذه الرواية من طرق الشيعة أن الله تعالى ينزل إلى الأرض على جمل ..
ومارواه زيد النرسي في كتابه، عن عبدالله بن سنان قال: سمعت أباعبدالله(ع) يقول : إن الله ينزل في يوم عرفه في أول الزوال إلى الأرض على جمل أفرق يصال بفخذيه أهل عرفات يميناً وشمالا ، فلا يزال كذلك حتى إذا كان عند المغرب ويقر الناس وكل الله ملكين بحيال المازمين يناديان عند المضيق الذي رأيت : يارب سلّم سلّم ، والرّب يصعد إلى السماء ويقول جل جلاله : آمين آمين رب العالمين ، فلذلك لا تكاد ترى صريعاً ولا كبيراً .
وعن سليمان بن خالد، عن أبي عبدالله قال سمعته يقول : إن الأعمال تعرض كل خميس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا كان يوم عرفة هبط الرب تبارك وتعالى .
عن عطاء عن أبي جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي(ع) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل قال فيه: قال: ثم أن الله أوحى إلى جبرئيل بعد ذلك أن أهبط إلى آدم وحواء فنحهما عن مواضع قواعد بيتي لأني أريد أن أهبط في ظلال من ملائكتي إلى أرضي فارفع أركان بيتي لملائكتي ولخلقي من ولد آدم ... قال ثم أن جبرئيل أتاهما فأنزلهما من المروة وأخبرهما أن الجبار تبارك وتعالى قد هبط إلى الأرض فرفع قواعد البيت الحرام بحجر من الصفا وحجر من المروة وحجر من طور سينا وحجر من جبل السلام .. .
عن جابر قال قال أبوجعفر(ع) في قوله تعالى: { فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ والْمَلَيكَةُ وَقُضِيَ الأمْرُ} قال: ينزل في سبع قباب من نور ولايعلم في أيها هو حين ينزل في ظهر الكوفة فهذا حين ينزل .
وعن جابرين يزيد الجعفي قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر(ع) يا جابر كان الله ولا شيئ غيره ولا معلوم ولا مجهول فأول ما ابتدء من خلق خلقه أن خلق محمداً وخلقنا أهل البيت معه من نور عظمته - إلى أن قال - ثم أن الله هبط إلى الأرض في ظلل من الغمام و الملائكة وهبط أنوارنا أهل البيت معه وأوقفنا نوراً صفوفاً بين يديه نسبحه في أرضه كما سبحنا في سمائه " .
وتفسير " البرهان" ( 3 / 146 ) عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبدالله (ع)، قال إذا كان ليلة الجمعة هبط الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فإذا طلع الفجر كان على العرش فوق البيت المعمور .
وعن سليمان بن خالد ،عن أبي عبدالله (ع) قال سمعته يقول: أن الأعمال تعرض كل خميس على رسول الله فاذا كان يوم عرفة هبط الرب تبارك وتعالى وهو قول الله تبارك وتعالى: { وَقدِمنَا إِلَى ما عَمِلُواْ مِنْ عَمِلٍ فَجَلْنَهُ هَبآءً مّنْثُورًا } .
و عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر(ع) قال : أن الله تبارك وتعالى هبط إلى الأرض في ظل من الملائكة على آدم بوادي يقال له الروحاء وهو واد بين الطائف ومكة .
وعن أبان عن أبي عبدالله(ع) قال: إن للجمعة حقاً وحرمة فإياك أن تضيع أو تقصر شيئ من عبادة الله والتقرب إليه بالعمل الصالح وترك المحارم كلها فإن الله يضاعف فيه الحسنات ،ويمحو فيه السيئات ويرفع فيها الدرجات قال: وذكر أن يومه مثل ليلته فإن استطعت أن تحييها بالصلاة والدعاء فافعل فإن ربك ينزل من أول ليلة الجمعة إلى سماء الدنيا فيضاعف فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات فإن الله واسع كريم .
قال محقق الكتاب الحجة السيد حسن الخرسان ما نصه:( قوله فإن ربك ينزل من أول ليلة الجمعة . يحتمل أن يكون من باب التعليل يكون المراد نزول ملائكة الرحمة ، أو المراد بنزوله تعالى : نزول للملائكة ورحتمه مجازا ويمكن أن يكون المراد نزوله من عرش العظمة إلى مقام العطف على العباد ) .(1/467)
وفي تفسير "البرهان" أيضاً عن عبدالكريم بن عمرو الخثمعي , قال سمعت أباعبدالله (ع) يقول : إن ابليس قال أنظرني إلى يوم يبعثون فأبى الله ذلك عليه ، فقال يوم الوقت المعلوم وهو آخر كرة يكرها أمير المؤمنين (ع) - إلى أن قال - فكأني أنظر إلى أصحاب أمير المؤمنين(ع) قد رجعوا إلى خلفهم القهقري مائة قدم ، وكأني أنظر اليهم قد وقعت بعض أرجلهم في الفرات فعند ذلك يهبط الجبار عزوجل في ظل من الغمام والملائكة وقضي الأمر ورسول الله أمامه بيده حربة من نور ... .
وعن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله(ع) قال: قال علي بن الحسين(ع): أما علمت أنه إذا كان عشيّة عرفة بزر الله في ملائكته إلى سماء الدنيا، ثم يقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً أرسلت إليهم رسولاً من وراء وراء فسألوني ودعوني .
نزول الربّ وزيارته تعالى لقبور الأئمة !! وغير ذلك :
ثم لا أدري كيف ينكر "عبد الحسين" حديث النزول المتفق عليه، فهل خفى على هذا العلامة الكبير رواياته التي هي أعظم وأقبح وأشنع من رواية أبي هريرة رضي الله عنه السالفة كما في اعتقاد "عبد الحسين" ؟ . فلنُخرج له بعض رواياته التي وردت من طريق أهل العصمة عندهم أن الله تعالى يزور الأئمة في قبورهم مع الملائكة والأنبياء!
فعن أبي وهب القصري قال: دخلت المدينة فأتيت أبا عبدالله(ع) فقلت له : جعلت فداك أتيتك ولم أزر قبر أميرالمؤمنين (ع) فقال: بئس ما صنعت لو لا إنك من شيعتنا ما نظرت إليك ، ألا تزور من يزوره الله تعالى مع الملائكة ويزوره الأنبياء عليه السلام ويزوره المؤمنون !!، قلت : جعلت فداك ما علمت ذلك .. .
و عن منيع بن الحجاج عن صفوان الجمال قال: قال لي أبو عبدالله (ع) لمّا أتى الحيرة قال: هل لك في قبر الحسين ؟ قلت : أتزوره جعلت فداك ؟ قال: وكيف لا أزوره والله يزوره في كل ليلة جمعة يهبط مع الملائكة إليه والأنبياء والأصياء ومحمد أفضل الأنبياء ونحن أفضل الأوصياء فقال صفوان :جعلت فداك أفزوره في كل جمعة حتى أدرك زيارة الرب؟ قال: نعم يا صفوان الزم زيارة قبر الحسين وتكسب وذلك الفضيل، هي، .
أنكر عبد الحسين على أبي هريرة حديث النزول! ولكن لم ينكر تلك الروايات التي ذكرناها في زيارة الرب تعالى لقبور الأئمة !! وتأمل أخي المنصف ما أوردوا بأن الله تعالى ينزل ويزور قبور الأئمة ويصافحهم ويجلس معهم على سرير !!
فقد روى شيخهم العالم العلاّم ميرزا محمد تقي الملّقب بحجة الاسلام هذه الرواية نقلا من مدينة المعاجز عن دلائل الطبري : قال أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون عن أبيه عن أبي علي محمد بن همام عن أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم عن أبيه عن الحسين بن علي عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبدالله (ع) لما منع الحسين(ع) وأصحابه الماء نادى فيهم من كان ظمآن فليجئ فأتاه رجل رجل فيجعل أبهامه في راحة واحدهم فلم يزل يشرب الرجل حتى ارتووا فقال بعضهم والله لقد شربت شرابا ما شربه أحد من العالمين في دار الدنيا فلما قاتلوا الحسين(ع) فكان في اليوم الثالث عند المغرب أعقد الحسين رجلا رجلا منهم يسميهم بأسماء آبائهم فيجيبه الرجل بعد الرجل فيقعد من حوله ثم يدعو بالمائدة فيطعمهم ويأكل معهم من طعام الجنة ويسقيهم من شرابها ثم قال أبو عبدالله (ع) والله لقد رآهم عدة من الكوفيين ولقد كرّر عليهم لو عقلوا قال ثم خرجوا لرسلهم فعاد كل واحد منهم إلى بلادهم ثم أتى لجبال رضوي فلا يبقى أحد من المؤمنين إلاّ أتاه وهو على سرير من نور قد حفّ به ابراهيم وموسى وعيسى ! وجميع الانبياء ! ومن ورائهم المؤمنون ومن ورائهم الملائكة ينظرون ما يقول الحسين(ع) قل فهم بهذه الحال إلى أن يقوم القائم و إذا قام القائم(ع) وافو فيها بينهم الحسين(ع) حتى يأتي كربلاء فلا يبقى أحد سماوي ولا أرضي من المؤمنين إلاّ حفّوا بالحسين(ع) حتى أن الله تعالى يزور!! الحسين(ع) ويصافحه !! ويقعد معه !! على سرير!! يا مفضل هذه والله الرفعة التي ليس فوقها شيئ لا لورائها مطلب .
ثم قال في تعليقه على الرواية ما نصه: ( يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب هذا الحديث من الأحاديث المستصعبة!! التي لا يحتملها إلاّ ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان )!!! .
قال هذا الحجة في موضع آخر:( وأما المعصوم (ع) فهذا المقام حاصل له مساوقا لبدء خلقه فليس بين الله وبين حجته حجاب في حال من الأحوال كما مرّ صريح الحديث في ذلك في القسم الأول من الكتاب نعم أنهم (ع) يلبسوا بعض العوارض بالعرض في هذه الدار الفانية ليطيق الخلق رؤيتهم فيتمكنوا من تكميلهم و هو أحد الأسرار!! في بكائهم واستغفارهم إلى الله تعالى من غير ذنب لحق ذواتهم فافهم فإذا خلعوا هذا اللباس العرضي وانتقلوا إلى الدار الباقية خلص لهم ذلك المقام يزورهم الرب تعالى !! ويصافحهم!! ويقعدون معه!! على سرير واحد !! لاتحاد حكم العبودية مع حكم الربوبية ) .(1/468)
فهل يحكم عبد الحسين على أئمته كما حكم على أبي هريرة رضي الله عنه ؟
فما رأي عبدالحسين وشيعته في أمثال هذه الأحاديث المصرحة ؟! ، فهل أئمتكم من أهل التجسيم ؟!وهل بسبب أئمتك ظهرت أنواع البدع والأضاليل؟! أم الأضاليل ظهرت بسبب رواتك الذي أثنيت عليهم في مراجعاتك الملفقة ؟!! ، إذ اشتهرت ضلالة التجسيم بين اليهود ، ولكن أول من ابتدع ذلك بين المسلمين هم الروافض ، ولهذا قال الرازي : ( اليهود أكثرهم مشبهة ، وكان بدء ظهور التشبيه في الاسلام من الروافض مثل هشام بن الحكم ، وهشام بن سالم الجواليقي ، ويونس بن عبد الرحمن القمي وأبي جعفر الأحول ) .
وأما قول عبد الحسين في الحاشية :( بأن الشيخ ابن تيمية مثّل لنزول الله إلى سماء الدنيا بنزوله درجة من درج المنبر الذي كان يخطب عليه يوم الجمعة، وأن هذه الواقعة حضرها ابن بطوطة بنفسه ورآها وسجلها ..).
قلت : إن هذا كذب ، وللرد على هذه الفرية انظر ما كتبه العلامة بهجة البيطار في حياة ابن تيمية رداً على ابن بطوطة . فابن تيمية لم يمثّل لنزول الله إلى سماء الدنيا بنزوله درجة من درج المنبر ،ولكن إمامك المعصوم هو الذي مثّل كيفية جلوس الرب!
فعن أبي حمزة الثمالي قال: رأيت علي بن الحسين قاعداً واضعاً إحدى رجليه على فخذه فقلت : إن الناس يكرهون هذه الجلسة ويقولون : إنها جلسة الرب ، فقال: إني إنما جلست هذه الجلسة للملالة، والرب لا يمل ولا تأخذه سنة ولا نوم
فمن الذي شبه الله تعالى كما تزعم ابن تيمية رحمه الله أم إمامك المعصوم؟!
استنكار واستغراب عبد الحسين حديث طواف نبي سليمان بمائة امرأة في ليلة :
5- وفي(ص74) أورد عبد الحسين حديث "طواف سليمان بمائة امرأة في ليلة": أخرج الشيخان بالاسناد إلى أبي هريرة مرفوعاً قال : قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ ! تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلامًا ؟ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ! فَقَالَ لَهُ الْمَلَك: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ يَقُلْ ! ! فَأَطَافَ بِهِنَّ ! وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلا امْرَأَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ! (قَالَ أبو هريرة ):قال النَّبِيُّ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِه .
ثم أخذ المؤلف يصول ويجول ويشكك كعادته في الحديث قائلا:( وفي هذا أيضاً نظر من وجوه : أحدها: أن القوة البشرية لتضعف عن الطواف بهن في ليلة واحدة مهما كان الإنسان قوياً ، فما ذكره أبو هريرة من طواف سليمان (ع) بهن مخالف لنواميس الطبيعة لا يمكن عادة وقوعه أبدا .
ثانيها: أنه لا يجوز على نبي الله تعالى سليمان (ع) أن يترك التعليق على المشيئة، ولا سيما بعد تنبيه الملك إياه إلى ذلك، وما يمنعه من قول إن شاء الله ؟ وهو من الدعاء الى الله والأدلاء عليه ، وإنما يتركها الغافلون عن الله عزوجل ، الجاهلون بأن الأمور كلها بيده . فما شاء منها كان وما لم يشأ لم يكن ، وحاشا أنبياء الله عن غفلة الجاهلين أنهم (ع) لفوق ما يظن المخرفون .
ثالثها:أن أبا هريرة قد اضطرب في عدة نساء سليمان، فتارة روى إنهن مائة كما سمعت، وتارة روى إنهن تسعون، وتارة روى إنهن سبعون وتارة روى إنهن ستون ...).
قلت: إن أمثال هذه الأحاديث قد رواها أئمتك، ونقلها علماؤك في تفاسيرهم وشروحهم .
فهذا الطبرسي في تفسيره مجمع البيان (8/475) أثبت هذا الحديث من طريق أبي هريرة رضي الله عنه الذي أنكرته أيها الأمين !!
وأما من طريق أهل البيت رضي الله عنهم ففي تفسير " البرهان " (4/ 43) عن هشام ،عن الصادق(ع) قال: إن داود لمّا جعله الله خليفة في الأرض أنزل عليه الزبور- إلى أن قال- ولداود حينئذ تسع وتسعون امرأة ما بين مهيرة إلى جارية .
وعن الحسن بن جهم قال: رأيت أبا الحسن (ع) اختضب فقلت: جعلت فداك اختضبت فقال: نعم إن التهيئة مما يزيد في عفة النساء - إلى أن قال:- كان لسليمان بن داود ألف امرأة في قصر واحد ثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سريّة وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بضع أربعين رجلا وكان عنده تسع نسوة وكان يطوف عليهن في كل يوم وليلة .
ونقل نعمة الله الجزائري في كتابه "قصص الأنبياء" (ص407): عن أبي الحسن(ع) قال: كان لسليمان بن داود ألف امرأة في قصر واحد، وثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سرّية، ويطيف بهن في كل يوم وليلة .
وعلق الجزائري على الرواية ما نصه :( أقول: يحمتل طواف الزيارة ، الأظهر أنه طواف الجماع ) .
وفي المصدر نفسه (ص 408): عن أبي جعفر(ع) قال: كان لسليمان حصن بناه الشياطين له ، فيه ألف بيت في كل بيت منكوحة ، منهن سبعمائة أمة قطبية وثلاثمائة حرة مهيرة ، فاعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلا في مباضعة النساء ، وكان يطوف بهن جميعا ويسعفهن .(1/469)
وقال محمد نبي التوسيركاني في كتابه " اللئالي (1/100 في سلوك سليمان عليه السلام ) ما نصه : ( وفي بعض الكتب المعتبرة !كان معسكره مأة فرسخ مفروشة بلبنة الذهب يقوم عليها عسكره خمسة وعشرون إنس ، .... وكانت له ألف امرأة في ألف بيت من القوارير موضوعة على الخشب ،وعن أبي الحسن : كان لسليمان عليه السلام لف امرأة في قصر واحد .
وفي " الأنوار النعمانية"(3/182 باب نور الحب ودرجاته) :( أن سليمان عليه السلام كان يسحب معه على البساط ألف امرأة منكوحة وسبعمأة من الإماء وثلثمأة من الحرائر، وقيل: إنه كان يوقف عليهن في ليلته ...) .
وقال: (أقول: ما نسبه إلى القليل نقله في المكارم من الكتاب من لايحضر من مزيد قال بعض نقل العدد المزبور:" وكان يطوف بهن في كل يوم وليلة ) .
وقال الكاشاني في كتابه "المحجة البيضاء " ( 6/282 باب " بيان أقسام ما به العجب وتفصيل علاجه ) ما نصه:( كما روي عن سليمان عليه السلام أنه قال: لأطوفنّ الليلة على مائة امرأة تلد كل امرأة غلاماً الحديث ولم يقل إن شاء الله فحرم ما أراد من الولد ..) .
ولعل عبد الحسين اقتنع بروايات أهل البيت ، وشرّاح من علمائه .
ثم لماذا الإنكار على نبي الله سليمان عليه السلام ، وقد رويتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أعطي هذه القوة !
وفي "الوسائل" (14/180 كتاب النكاح ) عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله(ع).... قال: لما كان في السحر هبط جبرئيل بصحفة من الجنة كان فيها هريسة ، فقال: يا محمد هذه عملها لك الحور العين فلكها أنت وعلي وذريتكما فإنه لا يصلح أن يأكلها غيركم فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي فاطمة والحسن والحسين (ع) فأكلوا منها فاعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المباضعة من تلك الأكلة قوة أربعين رجلاً، فكان إذا شاء غشى نساءه كلهن في ليلة واحدة .
بل أن هذه القوة قد أعطيت لإمامك المهدي أيضاً ! . ففي الخصال باسناده عن الحسن بن ثوير بن أبي فاختة عن أبيه عن علي بن الحسين(ع) قال: إذا قام قائمنا أذهب الله عزوجل عن شيعتنا العاهة وجعل قلوبهم كزبر الحديد وجعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلا .
فماذا يقول عبد الحسين في روايات أهل البيت التي أثبتناها ؟ هل يطعن فيهم ؟!
قلت :ثم النسيان يجوز على الأنبياء ، وقد أثبت القرآن الكريم ذلك في آيات متعددة نذكر منها على سبيل المثال ، كما أثبت أيضاً مشائخ عبد الحسين في مصادرهم لعله يعقل ويقوق من جهله .
أن القرآن دلّ على نسيان الأنبياء في مواضع كثيرة . ففي سورة الأعلى يقول الله لنبيه الكريم { سَنُقْرِئُكَ فَلا نَنسَى} [ الأعلى /6]، وقال عزوجل : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُضُونَ في ءَايَتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّى يَخُضُوا فِى حَدِيثٍ غِيْرِهِ وَإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطنُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوم الظَّلِمِينَ } ،[ الأنعام 68 ] وقال عزوجل :
{ وَلاَتَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنّىِ فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلاَّ أَن يَشَآءَ اللهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِينِ رَبّيِ لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً} [الكهف /23و24 ] . وقال عزوجل : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَهُ لآ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بينِهِمَا نَسِيَا حُوتهُمَا فَاتخَذَ سَبِيلَهُ فيِ الْبَحْرِ سَرَبا فلَمَّا جاوَزَا قالَ لِفَتَهُ ءَاتنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا قَالَ أَرءَيْتَ إِذْ أَوَينَا إِلَى الصّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَنِيهُ إِلاّ الشَّيْطَنُ أَنْ أَذْكُرْهُ } [الكهف /60-63] ، ومثل هذا كثير في القرآن الكريم .
وإليك روايات أهل البيت المؤيدة في ذلك ، فعن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر(ع) - إلى أن قال - وقد قال الله عزوجل لنبيه في الكتاب:{ وَلاَتَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنّىِ فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلاَّ أَن يَشَآءَ اللهُ} أن لا أفعله فتسبق مشيئة الله في أن لا أفعله فلا أقدر على أن أفعله، قال: فلذلك قال عزوجل :{وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ }، أي استثن مشيئة الله في فعلك .(1/470)
وفي حديث طويل - قال القمي فحدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبدالله(ع) قال: (كان سبب نزولها يعني سورة الكهف أن قريشاً بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران النضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط والعاص بن وائل السهمي لتعلموا من اليهود والنصارى مسائل يسألونها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أن قال - فرجعوا إلى مكة واجتمعوا إلى أبي طالب (ع) فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك يزعم أن خبر السماء يأتيه ونحن نسأله عن مسائل فإن أجابنا عنها فعلمنا أنه صادق وإن لم يجيبنا علمنا أنه كاذب، فقال أبو طالب: سلوه عما بدا لكم فسألوه عن الثلاث مسائل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : غداً أخبرك ولم يستثن فاحتبس الوحي عليه أربعين يوماً حتى اغتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ...
فهل يرضى عبد الحسين أن يتهم أئمة أهل البيت ويدلس عليهم كما فعل في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ؟!
استنكار عبد الحسين حديث لطم نبي الله موسى عين ملك الموت :
6- وفي (ص76) أورد عبد الحسين حديث:" لطم موسى عين ملك الموت": أخرج الشيخان في صحيحيهما بالاسناد إلى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جاء مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى(ع) فقال له: أجب ربك . قال: فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها ، قال: فرجع الملك إلى الله تعالى فقال: إنك أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لا يُرِيدُ الْمَوْتَ ففقأ عيني قَالَ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فَضَعُ يَدَك على مَتْنِ ثَوْرٍ فما توارت بيدك من شَعْرَةٍ فإنك تعيش بها سَنَةٌ الحديث .
ثم أخذ يصول ويجول كعادته في القاء الشبة على هذا الحديث وبشكك فيه، نذكر ما قاله بإختصار قائلا :( وأنت ترى ما فيه مما لا يجوز على الله تعالى ولا على أنبيائه ولا على ملائكته ، أيليق بالحق تبارك وتعالى أن يصطفي من عباده من يبطش عند الغضب بطش الجبارين ؟؟.... .ويكره الموت كراهة الجاهلين ...) ؟
قلت: إن هذا الحديث قد أجاب عنه أهل العلم من قبل ، فالمؤلف الفطن !! لم يأت بشيء جديد .قال ابن حجر :( أن الله لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ ،وإنما بعثه إليه اختيارا وإنما لطم موسى ملك الموت لأنه رأى آدمياً دخل داره بغير إذنه ولم يعلم أنه ملك الموت ، ....وقد جاءت الملائكة إلى ابراهيم وإلى لوط في صورة آدميين فلم يعرفاهم ابتداء ، ولو عرفهم ابراهيم لما قدم لهم المأكول ولوعرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه.
و قال بعض أهل العلم : ثبت بالكتاب والسنة أن الملائكة يتمثلون في صور الرجال ، وقد يراهم كذلك بعض الأنبياء فيظنهم من بني آدم كما في قصتهم مع إبراهيم ومع لوط عليه السلام ، اقرأ من سورة هود الآيات 69-80 ، وقال عزوجل في مريم عليها السلام { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا } [مريم /17] .
وفي السنة أشياء من ذلك وأشهرها ما في حديث السؤال عن الإيمان والإسلام والإحسان ، فمن كان جاحداً لهذا كله أو مرتاباً فيه فليس كلامنا معه ، ومن كان مصدقاً علم أنه لا مانع أن يتمثل ملك الموت رجلا ويأتي إلى موسى فلا يعرفه موسى.
وإليك بعض روايات أهل البيت التي تدل بأن ملك الموت ، بل سائر الملائكة كانوا يأتون الأنبياء على صورة بشر، وليست على صورة الحقيقية ، لأن البشر بما فيهم الأنبياء لا يطيقون رؤية الملائكة على الصورة الحقيقية .
ففي " اللئالي" ( 1/91 في سلوك موسى): عن الصادق (ع)، قال: إن ملك الموت أتى موسى بن عمران ، فسلّم عليه، فقال: من أنت ؟ قال: أنا ملك الموت، قال: ما حاجتك ؟ قال له: جئت أقبض روحك من لسانك، قال كيف وقد تكلمت به ربي ؟ قال فمن يدك فقال له موسى: كيف وقد حملت بهما التورية ؟ فقال: من رجليك، فقال له وكيف وقد وطأت بهما طور سيناء ! قال: وعدّ أشياء غير هذا ، قال: فقال له ملك الموت : فإني أمرت أن أتركك حتى تكون أنت الذي تريد ذلك، فمكث موسى ما شاء الله، ثم مرّ برجل وهو يحفر قبراً فقال له موسى: ألا أعينك على حفر هذا القبر؟ فقال له الرجل: بلى. قال: فأعانه حتى حفر القبر ولحد اللحد وأراد الرجل أن يضطجع في اللحد لينظر كيف هو؟ فقال موسى عليه السلام: أنا اضطجع فيه، فاضطجع موسىفرأى مكانه من الجنة، فقال: يا رب اقبضني إليك فقبض ملك الموت روحه ودفته في القبر واستوى عليه التراب قال: وكان الذي يحفر القبر ملك بصورة آدمي ، فلذلك لا يعرف قبر موسى .(1/471)
وفي "لئالى " ( 1/96 باب في سلوك إبراهيم عليه السلام ):( وقد روى أنه سئل الله أن لا يميته إلاّ إذا سأل فلما استكمل أيامه التي قدرت له خرج فرأى ملكاً على صورة شيخ فان كبير قد أعجزه الضعف، وظهر عليه الخوف لعابه يجري على لحيته، وطعامه وشرابه يجران من سبيله على غير اختياره ، فقال له يا شيخ كم عمرك؟ فأخبره بعمر يزيد على عمر ابراهيم عليه السلام بسنة فاسترجع فقال: أنا أصير بعد سنة إلى هذا الحال، فسئل الموت) .
وعن الرضا(ع) عن أبيه إن سليمان بن داود (ع) قال ذات يوم لأصحابه: إن الله تعالى وهب ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي سخر لي الريح والانس والجن والطير والوحوش وعلمني منطق الطير، .. إذا نظر إلى الشاب حسن والوجه واللباس قدخرج
عليه من بعض زوايا قصره ، فلما بصر به سليمان قال له : من أدخل إلى هذا القصر ؟
وقد أردت أن أخلو فيه اليوم فباذن من دخلت ؟ قال الشاب أدخلني هذا القصر ربه وباذنه دخلت فقال: ربه أحق به مني فمن أنت ؟ قال: أنا ملك الموت قال: وفيما جئت ؟ قال: جئت لأقبض روحك قال: امض لما أمرت به فهذا يوم سروري" .
وعن الصادق(ع) أن الخاتم الذي تصدق به أميرالمؤمنين(ع) وزن حلقته أربعة مثاقيل فضة ووزن فصه خمسة مثاقيل وهي ياقوته حمراء قيمته خراج الشام ستمأة حمل فضة وأربعة أحمال من الذهب وهو لطوق بن حبران قتله أميرالمؤمنين (ع) وأخذ الخاتم من اصبعه وأتى به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جملة الغنائم فاعطاه النبي فجعله في اصبعه .
وفي " اللئالي " أيضاً (3/26): وروى في بعض الأخبار أن ذلك السائل كان ملكا أرسله الله في صورة رجل سائل إلى مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ....
وعن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل جبرئيل أن يترأى له في صورته، فقال جبريل إنك لم تطق ذلك ، قال: إني أحب أن تفعل ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المصلّى في ليلة مقمرة فأتاه جبرئيل في صورته ، فغشى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين رآه ثم أفاق وجبرائيل سنده واضع احدى يديه على صدره والأخرى بين كتفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما كنت أرى شيئاً ممن خلق الله هكذا فقال جبرئيل: لو رأيت اسرافيل الحديث وقال بعض ما رآه أحد من الأنبياء في صورته غير محمد مرة في السماء ومرة في الأرض .
و بإسناده عن زيد الشحام عن أبي عبدالله (ع) قال: إن ابراهيم عليه السلام كان أبا أضياف فكان إذا لم يكونوا عنده خرج يطلبهم وأغلق بابه وأخذ المفاتيح يطلب الأضياف وإنه رجع إلى داره فإذا هو برجل أو شبه رجل في الدار فقال: يا عبدالله بإذن من دخلت هذه الدار؟ قال: دخلتها بإذن ربها - يردد ذلك ثلاث مرات - فعرف ابراهيم عليه السلام إنه جبريل فحمد الله ثم قال: أرسلني ربك .. الحديث .
ومن ذلك ما أورده ومحدثهم محسن الكاشاني في كتابه " المحجة" (7/305) هذه الرواية : ".. ورآى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صورة جبريل بالأبطح فصعق " .
وفي كتاب " نفس الرحمن" للنوري (454) :" أن ملكاً من الملائكة كان على صورة ثعبان" .
حديث لطم نبي الله موسى عليه السلام لملك الموت في كتب الشيعة :
ثم إن حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت ، قد رواه علاّمتكم في مصادرهم ، فهذا نعمة الله الجزائري أثبت في كتابه، ومحمد نبي التويسيركاني أثبته في كتابه باب " في سلوك موسى عليه السلام قال ما نصه: (في سلوك موسى عليه السلام في دار الدنيا وزهدها فيها، وفي قصة لطمه ملك الموت حين أراد قبض روحه، واحتياله له في قبضها ....
وقد كان موسى عليه السلام أشدّ الأنبياء كراهة للموت ، قد روى إنه لم جاء ملك الموت، ليقبض روحه، فلطمه فأعور، فقال يارب إنك أرسلتني إلى عبد لا يحب الموت، فأوحى الله إليه أن ضع يدك على متن ثور ولك بكل شعرة دارتها يدك سنة ، فقال: ثم ماذا ؟ فقال الموت، فقال الموتة ، فقال أنته إلى أمر ربك ( ) .
وقال محدثهم الكبير محسن الكاشاني نقلا من كلام علي بن عيسى الأربلي ما نصه: ( أن الطباع البشرية مجبولة على كراهة الموت مطبوعة عن النفور منه، محبة للحياة ومائلة إليها حتّى أن الأنبياء عليهم السلام على شرف مقاديرهم وعظم أخطارهم ومكانتهم من الله ومنازلهم من محال قدسه وعلمهم بما تؤول إليه أحوالهم وتنتهي إليه أمورهم أحبّوا الحياة وما لوا إليها وكرهوا الموت ونفروا منه ،وقصة آدم عليه السلام مع طول عمره وامداد أيام حياته مع داود مشهورة ، وكذلك حكاية موسى عليه السلام مع ملك الموت!! وكذلك ابراهيم عليه السلام .(1/472)
فأين أنت يا أشباه العلماء من هؤلاء العلماء ؟! ، بل قد جاء في خبر مشهور على ما رواه المجلسي في بحاره عن محمد بن سنان عن مفضل بن عمر عن جعفر الصادق في خبر طويل قال المجلسي في شرحه : ( أقول لعله أشارة إلى ما ذكره جماعة من المؤرخين أن ملكاً من الملائكة بخت نصر لطمة ومسخه وصار في الوحش في صورة أسد وهو مع ذلك يعقل ما يفعله الانسان ثم رده الله تعالى صورة الانس ... ( )
لطم جبريل البراق !!
وقبل أن أختتم هذا الفصل لسائل أن يسأل قد علمنا ما في قصة لطمه ملك الموت حين أراد قبض روحه، واحتياله له في قبضها وقد كان موسى عليه السلام أشدّ الأنبياء كراهة للموت ، ولكن لم نفهم حكمة ضرب البراق ، وإليك روايات القوم !! .
فعن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (ع): قال جاء جيريل وميكائيل واسرافيل بالبراق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ واحد بالجام وواحد بالركاب وسوي الآخر عليه ثيابه فتضعضعت البراق فلطمها قال لها اسكني يا براق فما ركبك نبي قبله ولا يركبك بعده
مثله قال فرقت به ورفعته ارتفاعاً ليس الكثير ومعه جبريل يريه الآيات .. ( ).
وعن عبدالرحمن بن غنم ، قال جاء جبريل الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدابة دون البغل وفوق الحمار رجلاها أطول من يديها خطوها مد البصر فلما أراد أن يركب أمتنعت ، فقال جبريل انه محمد فتواضعت حتى لصقت بالارض قال فركب ... ( ) .
ثم لا أدري كم مرّة سقط النبي صلى الله عليه وآله وسلم من البراق، نسأل الله السلامة في العقل والبعد عن التهور والجهل !! . لعل عبد الحسين اقتنع ما رواه أئمة أهل البيت ، إن كان لا يعجبه ما رواه أبا هريرة رضي الله عنه .
استنكار عبد الحسين حديث فرار الحجر بثياب موسى عليه السلام :
7- وفي (ص 79) أورد عبد الحسين حديث "فرار الحجر بثياب موسى وعدو موسى خلفه ونظر بني اسرائيل إليه مكشوفاً " . أخرج الشيخان في صحيحيهما بالإسناد إلى أبي هريرة قال: كَانَو بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى سوأة بَعْضٍ وَكَانَ مُوسَى(ع) يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلا أَنَّهُ آدَرُ(أي ذو فتق) قال: فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ! فَجَمعَ مُوسَى فِي إِثْرِهِ يَقُول:ُ ثَوْبِي حَجَرُ! ثَوْبِي حَجَرُ!حَتَّى نَظَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى سوأة مُوسَى فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ فقام الحجر بعد حتىنظرإليه فأخذ مُوسَى فطفق ثَوْبَهُ بِالْحَجَرِضرباً؟ فوالله إِنَّ بِالْحَجَرَِنَدَباً سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ .
ثم أخذ كعادته يصول ويجول ويشكك في هذا الحديث بقوله(... وأنت ترى ما في الحديث من المحال الممتنع عقلاً فإنه لا يجوز تشهير كليم الله(ع) بابداء سوأته على رؤوس الأشهاد من قومه لأن ذلك ينقصه ويسقط من مقامه، ولا سيما إذا رأوه يتشد عارياً ينادي الحجر وهو لا يسمع ولا يبصر: ثوبي حجر.. ثم يقف عليه وهو عار أمام الناس فيضربه والناس تنظر إليه مكشوف العورة كالمجنون ....!
على أن القول بأن بني اسرائيل كانوا يظنون أن موسى أدرة لم ينقل إلا عن أبي هريرة ...) الخ .
قلت : يظهر أن هذا المؤلف إما أن الله أعمى بصيرته ! وإما أنه يتعمد الكذب والدجل! ، فهذا الحديث الذي أنكره على أبي هريرة رضي الله عنه وادعى إنه لم ينقل إلا عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قد رواه إمامه ووصيه السادس ، وقد أخرج مفسرو الشيعة ذلك في تفاسيرهم .
ففي تفسير القمي عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(ع) أن بني اسرئيل كانوا يقولون ليس لموسى ما للرجال وكان موسى إذا أراد الإغتسال ذهب إلى موضع لايراه فيه أحد من الناس فكان يوماً يغتسل على شط نهر وقد وضع ثيابه على صخرة فأمرالله الصخرة فتباعدت عنه حتى نظر بنو اسرائيل إليه فعلموا أنه ليس كما قالوا أنزل الله { يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ ءَاذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَاللهِ وَجِيهًا } [ الأحزاب/69 ] ( ).
ثم أن مفسرهم الطبرسي في مجمع البيان أثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه هذا الحديث الذي أنكره عبد الحسين :" أن موس عليه السلام كان حيياً ستيراً يغتسل وحده فقال ما يتستر منّا إلا لعيب بجلده أما برص وأما أدرة فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه علىحجر فمر الحجر بثوبه فطلبه موسى عليه السلام فرآه بنو اسرئيل عرياناً كأحسن الرجال خلقا فبرأه الله مما قالوا " .
قال رئيس علمائهم نعمة الله الجزائري في قصصه(ص 250) :( قال جماعة من أهل الحديث لا استبعاد فيه بعد ورود الخبر الصحيح وإن رؤيتهم له على ذلك الوضع لم يتعمده موسى عليه السلام ولم يعلم إن أحد ينظر إليه أم لا وأن مشيه عرياناً لتحصيل ثيابه مضافاً إلى تبعيده عما نسبوه إليه ، ليس من المنفرات ) .(1/473)
فما هو رأي عبد الحسين الأمين ؟! ،فهل يرضى عبد الحسين أن يتهم أئمة أهل البيت رضي الله عنهم الذين رووا هذا الحديث كما اتهم أبو هريرة رضي الله عنه ؟ !
استنكار عبد الحسين حديث" طلب الشفاعة من الأنبياء يوم القيامة "
8- وفي (ص81) أورد عبد الحسين حديث " فزع الناس يوم القيامة إلى آدم فنوح فابراهيم فموسى فعيسى رجاء شفاعتهم فإذا هم في أمرهم ملبسون" : أخرج الشيخان بالإسناد إلى أبي هريرة حديثاً من أحاديث الطويلة) مرفوعاً جاء فيه ما هذا نصه: يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأوَّلِينَ منهم وَالآخِرِينَ يوم القيامة فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لا يُطِيقُونَ ولا يَحْتَمِلُونَ فَيَقُولُ النَّاس:ُ أَلا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ ألا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُم؟ْ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ عَلَيْكُمْ بِآدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ (ع) فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ألا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ آدَمُ إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ! وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ إِنَّ رَبِّي عزوجل قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ(1/474)
وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي! اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى نوح(ع) قال: فيأتون نوحاً (ع) فيقولون يا نوح إنك أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سمّاك الله عبداً شكوراً اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله! وأنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي ! نفسي نفسي نفسي! إذهبوا إلى غيري إذهبوا إلى قال: فيأتون إِبْرَاهِيمَ (ع) فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ألا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ لَهُمْ إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي! اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى(ع) فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ عَلَى النَّاسِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي! اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ عِيسَى إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي! اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، قال فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتِمُ الأنْبِيَاءِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عزوجل ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأبْوَابِ الحديث .
ثم أخذ المؤلف البارع الفطن يصول ويجول كعادته في تفنيد هذا الحديث فتارة يقول: ( وفيه من التسور على مقام أولى العزم من أنبياء الله وأصفيائه ما تبرأ منه السنن وتتنزه عن خطله فإن للسنن المقدسة سنة نبينا في تعظيم الأنبياء غاية تملأ الصدور هيبة وإجلالا...- إلى أن قال- فحديث أبي هريرة هذا بهرائه وهذره أجنبي عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم مباين لسننه كل المباينة . ومعاذ الله أن ينسب إلى أنبياء الله ما اشتمل عليه هذا الحديث الغث التفه وحاشا آدم من المعصية بارتكاب المحرم الذي يوجب غضب الله، وإنما كان منهياً عن الشجرة نهي تنزيه وإرشاد ، وتقدس نوح من الدعاء إلا على أعداء الله.. لنا أن نسأل أبا هريرة عن هؤلاء المساكين أمن أمة محمد هم ؟ أم من أمة غيره؟ فمن الطبيعي له أن لا يحبط مساعيهم، ولا يخيب آمالهم فكيف اختص أمته بالشفاعة دونهم؟ من ما فطر عليه من الرحمة الواسعة ومع ما آتاه الله يومئذ من الشفاعة والوسيلة معاذ الله أن يخيبهم وهو أمل الراغب الراجي وأمن الخائف اللاجي.... إلخ ) .
قلت: إن هذا الحديث الذي أنكره عبد الحسين، قد رواه أنس بن مالك وأبو سعيد وأبو بكر وابن عباس رضي الله عنهم .
ثم إن هذا الحديث الذي أنكره دجلا وتقية والذي وصفه (بالهراء والهذر والتفاهة...) هو بعينه رواه أئمة أهل البيت رضي الله عنهم ، وإليك بعض هذه الأحاديث من طرقهم بإختصار .(1/475)
عن خثيمة الجعفي قال: كنت عند جعفر بن محمد (ع) أنا ومفضل ابن عمر ليلا ليس عنده أحد غيرنا ، فقال له مفضل الجعفي : جعلت فداك حدثنا حديثا نسر به ، قال نعم إذا كان يوم القيامة حشر الله الخلائق في صعيد واحد -إلى أن قال - فيقفون حتى يلجمهم العرق فيقولون : ليت الله يحكم بيننا ولو إلى النار- إلى أن قال- ثم يأتون آدم فيقولون : أنت أبونا وأنت نبي فاسأل ربك يحكم بيننا ولو إلى النار، فيقول آدم : لست بصاحبكم . خلقني ربي بيده وحملني على عرشه ، اسجد لي ملائكته . ثم أمرني فعصيته ، ولكني أدلكم على ابني الصديق الذي مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم ، كلما كذبوا اشتد تصديقه نوح قال فيأتون نوحاً فيقولون : سل ربك يحكم بيننا ولو إلى النار، قال: فيقول : لست بصاحبكم ، إني قلت : إن ابني من أهلي ، ولكني أدلكم على من اتخذه الله خليلا في دار الدنيا ، أيتوا ابراهيم ، قال: فيأتون ابراهيم فيقول : لست بصاحبكم، إني قلت: إني سقيم ولكني أدلكم على من كلم الله تكليما موسى قال : فيأتون موسى فيقولون له، فيقول : لست بصاحبكم إني قتلت نفسا ولكني أدلكم على من كان يخلق بأذن الله ويبرئ الأكمة والأبرص بأذن الله عيسى فيأتون فيقول: لست بصاحبكم، ولكني أدلكم على من بشرتكم به في دار الدنيا أحمد ثم قال أبوعبدالله (ع): - إلى أن قال - فيأتونه، ثم قال: فيقولون يا محمد سل ربك يحكم بيننا ولو إلى النار، قال: فيقول : نعم أنا صاحبكم- إلى أن قال- فاذا نظرت إلى ربي مجدته تمجيدا .....ثم أخر ساجدا فيقول : يا محمد ارفع رأسك واشفع تشفع وسل تعط.
فهل أئمتك أيضاً يهذرون ؟ ، نسأل الله السلامة في العقل والدين !
استنكار عبد الحسين حديث" تساقط جراد الذهب على نبي الله أيوب "
8- وفي (ص90) أورد عبد الحسين حديث " جراد الذهب المتساقط على أيوب وهو يغتسل ومعاتبة الله إياه على ما حشاه منه في ثوبه ": أخرج الشيخان بطرق متعددة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً قَالَ: بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَاهُ رَبُّهُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ وَلَكِنْ لا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ .
ثم أخذ المؤلف يصول ويشكك في الحديث قائلا :( لا يركن إلى هذا الحديث إلاّ أعشى البصيرة، مظلم الحس فإن خلق الجراد من ذهب آية من الآيات ، وخوارق العادات وسنة الله عزوجل في خلقه أن لا يخلق مثلها إلاّ عند الضرورة كما لو توقف ثبوت النبوة عليها فتأتي حينئذ برهان على النبوة ودليلا على الرسالة....) .
قلت: لو أردنا بيان منزلة أئمتك الذين ادعيتم فيهم العصمة وأنهم أفضل من الأنبياء والمرسلين وبيان ما ادعيتم فيهم من معجزات واهية لا أصل لها لاحتجنا إلى مجلدات ضخمة ، ويكفي الرجوع إلى عناوين الأبواب في أمهات كتبك .
ففي"المحجة البيضاء"(4/265): رواية طويلة عن الصادق(ع) قال فيها :" نحن ورثة الأنبياء ليس فينا ساحر ولا كاهن ، ندعو الله فيجيب وإن أحببت أن أدعو الله فيمسخك كلباً تهتدي إلى منزلك فتدخل عليهم وتبصبص لأهلك فعلت ، فقال: الأعرابي بجهله : نعم، فدعا الله فصار كلباً في الوقت ومضى على وجهه ، فقال لي الصادق(ع) اتبعه ، فأتبعته حتى صار إلى حيّه فدخل إلى منزله وجعل يبصبص لأهله وولده فأخذوا له العصا حتى أخرجوه فانصرفت إلى الصادق فأخبرته بما كان فبينا نحن في هذا الحديث إذ أقبل حتى وقف بين يدي الصادق وجعلت دموعه تسيل وأقبل يمترّغ في التراب ويعوي، فرحمه فدعا له فعاد أعرابياً فقال له الصادق(ع): هل آمنت يا أعرابي ؟ قال: نعم ألفاً وألفاً .
وفي "القطرة"(1/ 252) : " قال عسكر مولى أبي جعفر(ع) :دخلت عليه فقلت في نفسي يا سبحان الله ما أشد سمرة مولاي وأضوى جسده قال فوالله ما استتمت الكلام في نفسي حتى تطاول وعرض جسده !! وامتلأ به الأيوان إلى سقفه مع جوانب حيطانه ثم رأيت لونه وقد أظلم حتى صار كالليل المظلم !! ثم أبيض حتى كأبيض ما يكون من الثلج !! ثم أحمر حتى صار كالعلق المحمر !! ثم أخضر حتى صار كأخضر ما يكون!! من الأغصان المورقة الخضرة !! ثم تناقص جسمه حتى صار في صورته الأولى!! وعاد لونه الأول وسقطت لوجهي مما رأيت .
فهذا أئمتك لهم خوارق العادات ما لم تتحقق لأنبياء الله ، فلماذا هذا الإنكار على نبي الله أيوب عليه السلام يا علاّمة ؟
ثم إن هذا الحديث قد رواه أئمة أهل البيت الذي تعتقد فيه العصمة وأنه أفضل من نبي الله أيوب عليه السلام .(1/476)
فعن عن أبي بصير عن أبي عبدالله(ع) { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مّنَّا وَذِكْرَى لأُوْلىِ الأَلْبَبٍ } قال: فرد الله عليه أهله الذين ماتوا قبل البلية ورد عليه أهله الذين ماتوا بعدما أصابهم البلاء كلهم أحياهم الله تعالى له فعاشوا معه . وسئل أيوب بعدما عافاه الله : أي شيئ كان أشد عليك مما مر عليك ؟ قال: شماتة الأعداء قال فامطر الله عليه في داره فراش ( ) من الذهب وكان يجمعه فاذا ذهب الريح منه بشيئ عدا خلفه فرده ، فقال له جبرئيل: ما تشبع يا أيوب ؟ قال: ومن يشبع من رزق ربه
وعن هشام بن سالم عن أبي عبدالله(ع) قال : أمطر الله على أيوب من السماء فراشاً من ذهب، فجعل أيوب يأخذ ما كان خارجا من داره فيدخله داره، فقال جبرئيل(ع): أما تشبع يا أيوب عليه السلام ؟ قال: ومن يشبع من فضل ربه .
وعن مفضل بن عمر عن الصادق(ع) في علائم ظهور الحجة خبراً طويلا وفيه : قال الصادق(ع) ثم يعود المهدي إلى الكوفة وتمطر السماء بها جراداً من ذهب كما أمطره الله في بني اسرائيل على أيوب .." .
نترك الحكم في هذه الرواية لعبد الحسين ليبين لنا هل هي من خوارق العادات وسنة الله عزوجل في خلقه و تتوقف ثبوت النبوة !! عليها فتأتي حينئذ برهان على النبوة ودليلا على الرسالة ..." ؟! نسأل الله السلامة في العقل والبعد عن التعصب الأعمى !
استنكار عبد الحسين حديث التنديد بموسى إذ قرصته نملة فأحرق قريتها :
10- وفي (ص91) أورد عبد الحسين حديث" التنديد بموسى إذ قرصته نملة فأحرق قريتها :" أخرج الشيخان بالإسناد إلى أبي هُرَيْرَةَ مرفوعاً قَال:َ قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ- وهو موسى بن عمران فيما نص عليه الترمذي - فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَالأمم تُسَبِّحُ الله .
ثم أخذ يصول ويجول مستنكراً هذا الحديث قائلا :( إن أبا هريرة مولع بالأنبياء عليهم السلام هائم بكل مصيبة غريبة تقذى بها الأبصار وتصتك منها المسامع وأن أنبياء الله لأعظم صبرا وأوسع صدرا وأعلى قدرا، مما يحدث عنهم المخرفون - إلى أن قال- وما أدري والله ماذا يقول مصححو هذا الحديث فيما فعله هذا النبي من تعذيب النمل بالنار ؟ من قول رسول الله: لا يعذب بالنار إلا الله وقد أجمعوا على أنه لا يجوز الاحراق بالنار للحيوان مطلقاً إلا إذا أحرق انسان انسانا فمات بالإحراق فلوليه الاقتصاص باحراق الجاني وسواء في منع الاحراق بالنار النمل وغيره من سائر الحيوانات للحديث المشهورلا يعذب بالنار إلا الله ) .
قلت: لقد عقد فخرك المجلسي في بحاره (64/242 )" كتاب السماء والعالم" "باب النحل والنمل وسائر ما نهي عن قتله" وأود هذا الحديث الذي أنكرته من طريق أبي هريرة رضي الله عنه يا علامة الشيعة .
وروى الصدوق عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: قال عزير: يارب إني نظرت في جميع أمورك وإحكامها فعرفت عدلك بعقلي ، وبقي باب لم أعرفه: إنك تسخط على أهل البلية فتعمهم بعذابك وفيهم الأطفال فأمره الله تعالى أن يخرج إلى البرية وكان الحر شديداً ، فرأى شجرة فاستظل بها ونام ، فجاءت نملة فقرصته فدلك الأرض برجله فقتل من النمل كثيراً، فعرف أنه مثل ضرب ، فقيل له : يا عزير إن القوم إذا استحقوا عذابي قدرت نزوله عند انقضاء آجال الاطفال فماتوا أولئك بآجالهم وهلك هؤلاء بعذابي .
وفي "لئالى الأخبار"(5/326 باب " في أوصاف النمل " ) قال ما نصه : ( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلذعته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها وأمر بها فأحرقت بالنار فأوحى الله تعالى إليه هلا نملة واحدة .
فلم هذا الإنكار على أبي هريرة ؟
وعن علي بن جعفر عن أخيه (ع) قال: سألته عن قتل النملة قال:لا تقتلها إلا أن تؤذيك!! .
و عن مسعدة بن زياد قال: سمعت جعفر بن محمد(ع) يقول: وسئل عن قتل الحيات والنمل في الدور إذا آذين ، قال: لا بأس بقتلهن وإحراقهن إذا آذين !! .
وعن ابن سنان قال: قال أبوعبدالله:لا بأس بقتل النمل آذتك أولم تؤذك !! .
قلت: إن كان لا يجوز الإحراق بالنار وسائر الحيوانات للحديث المشهور ، فلماذا هم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإحراق قوم كانوا يصلّون في بيوتهم وذلك حسب ما رواه أئمة من أهل البيت ؟!
فعن ابن سنان عن أبي عبدالله(ع) قال سمعته يقول: إن أناس كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابطئوا عن الصلاة في المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم فتوقد عليه نارا فتحرق عليهم بيوتهم .
وفي" التهذيب"(3/266): عن أبي يعفور عن أبي عبدالله(ع) قال: هم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإحراق قوم في منازلهم كانوا يصلون في منازلهم ولا يصلون الجماعة ... ..(1/477)
وقال المجلسي في"بحاره"(19/352) من كتاب تاريخ نبينا باب غزوة بدر الكبرى قال البلاذري: روي أن هبار بن الأسود كان ممن عرض لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين حملت من مكة إلىالمدينة، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمر سراياه إن ظفروا به أن يحرقوه بالنار، ثم قال: "لا يعذب بالنار إلا رب النار " وأمرهم إن ظفروا به أن يقطعوا يديه ورجليه ويقتلوه .. .
و أيضاً أحرق علياً قوماً من السبئية ؟ وقال :
لما رأيت الأمر أمر منكرا ** أوقدت نارى ودعوت قنبرا .
فما رأي العلامة عبدالحسين الذي بالغ في البحث والتنقيب ؟ !!
================
استنكار عبد الحسين حديث" مسرف كافر غُفِر له "
16- وفي(ص173) أورد عبد الحسين حديث:" مسرف كافر غفر له": أخرج مسلم عن مَعْمَرٌ قَالَ: قَالَ لِيَ الزُّهْرِيُّ: ألا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثَيْنِ عَجِيبَيْنِ قَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَال:َ إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ فِي الْبَحْرِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدً فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ فَقَالَ الله للأرْضِ أَدِّي مَا أَخَذْتِ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ أَوْ قَالَ مَخَافَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ .
ذكرنا فيما سبق كيف أن الزانية( الشيعية) قد غفر ذنبها بمجرد أن أوقدت نارأً تحت جدر الحسين !!! ، وذلك الكافر( الكسرى المجوسي) الكافر بالله تعالى وبرسوله، وإنه قد نجا من النار بسبب تمسكه بالولاية !الباطلة . وذلك الشيعي الذي كان يلوط بالصبيان فقد نجا من النار أيضاً بسبب تمسكه بالولاية ! كل ذلك عند عبد الحسين مقبول غير مرفوض، ولكن إذا صدر رواية من أبي هريرة رضي الله عنه أنكر وأخذ يشكك في رواياته .
وإليك هذه الرواية الذي روى إمامك المعصوم قريب مثل هذا الحديث أيضاً .
ففي "الأنوار النعمانية" لنعمة الله الجزائري(4/276 ) قال :" روى الصدوق بإسناده إلى مولانا الامام زين العابدين علي بن الحسين(ع) قال كان في بني اسرائيل رجل ينبش القبور فاعتل جار له فخاف الموت فبعث إلى النباش فقال كيف جواري لك ؟ قال أحسن جوار قال فإن لي إليك جاجة . قال قضيت حاجتك، قا ل فاخرج إليه كفنين فقال أحبّ أن تأخذ أحبهما إليك وإذا دفنت فلا تنبشني ، فامتنع النباش من ذلك وأبى أن يأخذه فقال له الرجل أحب أن تأخذه فلم يزل به حتى أخذ أحبهما إليه ومات الرجل فلما دفن قال النباش هذا قد دفن فما علمه بأني تركت كفنه أو أخذته لأخذنه، فأتى قبره فنبشه فسمع صايحاً يقول ويصيح به لاتفعل ففزع النباش من ذلك فتركه وترك ما كان عليه ، وقال لولده أي أب كنت لكم ؟ قالوا نعم الأب كنت لنا ، قال فإن لي إليكم حاجة قالوا قل ماشئت فانا سنصير إليه ان شاء الله تعالى ، قال فأحب إذا أنا مت أن تأخذوني فتحرقوني بالنار فإذا صرت رمادا فدقوني ثم تعمدوا بي ريحاً عاصفاً فذروا نصفي في البر ونصفي في البحر ، قالوا فلما ما ت فعل به ولده ما أوصاهم به فلما ذرّوه قال الله جل جلاله للبر اجمع ما فيك وقال للبحر اجمع ما فيك فإذا الرجل قائم بين يدي الله تعالى فقال له عز وجل: ما حملك على ما أوصيت به ولدك أن بفعلوه بك ؟ قال حملني على ذلك وعزتك خوفك ، فقال الله جل جلاله فأني سأرضى خصومك وقد أمنت خوفك وغفرت لك .
استنكار عبد الحسين حديث" بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان جنباً "
17- وفي (ص175-176) أورد عبد الحسين أحاديث أخرى مستنكراً على أبي هريرة رضي الله عنه على حد زعمه قال: ( ومن سخافات هذا الرجل قوله :" أُقِيمَتِ الصَّلاةُ وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ قِيَامًا فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَامَ فِي مُصلاّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ .
ثم أخذ يصول ويجول يشكك في الحديث قائلاً:( نبرأ إلى الله منه وممن يجيز على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان في جميع أوقاته على طهور وكان الوضوء على الوضوء عنده نوراً على نور وأنبياء الله كافة منزهون عن مضمونه معصومون عما هو دون مما لا يليق بالصديقين وصالحي المؤمنين ) .
قلت: أولاّ : في الحديث فوائد منها:جواز النسيان على الأنبياء في أمر العبادة لأجل التشريع .
ثانياً : قد روى إمامك الذي تعتقد فيه العصمة ! أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم لهم أن يجنبوا في المسجد !(1/478)
ففي التهذيب عن محمد بن حمران عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته عن الجنب يجلس في المسجد ؟ قال: لا، ولكن يمر فيه إلا المسجد الحرام ومسجد المدينة قال: وروى أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا ينام في مسجدي أحد ولا يجنب فيه أحد وقال: إن الله أوحى إليّ أن اتخذ مسجداً طهوراً لا يحل لأحد أن يجنب فيه إلاّ أنا وعلي الحسن والحسين .
بل ذكروا أن علياً رضي الله عنه صلّى بالناس وهو على جنابة !!
فعن عبدالرحمن بن العرزمي عن أبيه عن أبي عبدالله(ع) قال صلّى علي(ع) بالناس علىغير طهر وكانت الظهر ثم دخل فخرج مناديه أن أميرالمؤمنين (ع) صلّى بالناس على غير طهر فأعيدوا وليبلغ الشاهد الغائب .
فلماذا أيها الجاهل لا تنكر على رواتك الذين يزعمون مثل هذه الخرافات والسخافات ! وهل تتبرا إلى الله منهم ؟
استنكار عبد الحسين حديث" تفضيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على نبي الله موسى عليه السلام
18- وفي(ص 176) أورد عبد الحسين حديث: ومنها في النهي عَنِ تفضيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على موسى وحديثه في أن مَنْ قَال:أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ
ثم أخذ يصول ويجول كعادته قائلا:( قد أجمعت الأمة على تفضيله ، وثبت ذلك بالنصوص الصريحة الصحيحة وقامت عليه الضرورة من دين الاسلام ) .
قلت : تناسى أن هذا الحديث الذي أنكره قد رواه إمامه المعصوم أيضاً ! فما بعد الحق إلا الضلال .
ففي "قصص الأنبياء" (ص 495) : عن أبي عبدالله(ع) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:ما ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى .
قال الجزائري في شرحه لهذا الحديث :( أقول لعل المعنى على تقدير صحة الخبر : أنه لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس ، من حيث المعراج ، بأن يظن إني صرت من حيث العروج إلى السماء أقرب إلى الله تعالى منه ، فإن نسبته تعالى إلى السماء والأرض والبحار نسبة واحدة ، وإنما أراني الله تعالى عجائب صنعه في السماوات ، وأرى يونس عجائب خلقه في البحار ، وإني عبدت الله في السماء ويونس عبده في بطن الحوت ، ولكن التفضيل من جهات آخر لا تحصى ) .
استنكار عبد الحسين حديث" لن يدخل أحداً عمله الجنة إلا برحمته الله"
19- وفي(ص (176) وحديثه: لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ قَالُوا وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَال:َلا ولا أَنَا .
ثم أخذ يصول ويجول كعادته قائلا :( يضرب بهذا الحديث عرض الحائط لمخالفته كتاب الله عزوجل في كثير من آياته ، وحسبك منها: { إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا } .
قلت : قد أثبت جمع من مفسرين الشيعة ومنهم شيخك الطبرسي في تفسيره، والفيض الكاشاني في تفسيره ،وعبد علي الحويزي في تفسيره ، والميرزا محمد المشهدي في تفسيره، وعبد الله شبر في تفسيره وغيرهم نقلاً عن مجمع البيان: في قوله الله تعالى:
{ مَن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} [ الأنعام /16 ] .
قال المجلسي في شرح تفسير هذه الآية ما نصه:( ويحتمل أن يكون معنى الآية أنه لا يصرف العذاب عند أحد إلابرحمة الله كما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : والذي نفسي بيده ما من الناس أحد يدخل الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته منه وفضل ...) .
فما رأيك أيها المؤلف بالذين أثبتوا هذا الحديث وهم علمائك ؟!
استنكار واستغراب عبد الحسين حديث" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان راعي الغنم "
30-وفي(ص176) قال عبد الحسين وحديثه:في أنه مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّ إِلا رَعَى الْغَنَمَ .
ثم أخذ يصول ويجول كعادته قائلا :( وهذا في البعد إلى حد السقوط ) .
قلت: إن كان هذا الحديث في البعد إلى حد السقوط كما تتدعي ، فمعنى هذا " أيها الجاهل " إنك تتهم إمامك المعصوم وثقة إسلامك بذلك !
ففي " البحار"( 6/226 رواية28)نقلاً عن الكافي: باسناده عن جابر: قال أبو جعفر(ع): قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إني كنت انظر إلى الإبل والغنم وأنا أرعاها وليس من نبي إلا وقد رعى الغنم ... الحديث .
وقال الباقر(ع) :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إني كنت أنظر إلى الإبل والغنم وأنا أرعها وليس من نبي إلاّ وقد رعى الغنم وكنت أنظر إليها قبل النبوة... .
فلم كل هذا الهجوم والطعن في أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد رواه أهل البيت ؟!
استنكار عبد الحسين حديث" ختن نبي إبراهيم عليه السلام بالقدوم بعد الثمانين "
31- وفي(ص 177) قال عبد الحسين: ومثله حديثه: في أن إِبْرَاهِيمُ (ع) قد وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً من عمره .
قلت: الجواب من وجهين:
أولاً: قال الملهب: ليس اختنان إبراهيم عليه السلام بعد ثمانين مما يوجب عليها مثل فعله، إذ عامة من يموت من الناس لا يبلغ الثمانين، وإنما اختتن وقت أوحى الله إليه بذلك وأمره به .(1/479)
والثاني: و هذا الحديث رواه إمامك المعصوم .
ففي "قصص الأنبياء " لنعمة الله الجزائري (ص 113 ): باسناد عن الكاظم (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أول من قاتل في سبيل الله ابراهيم الخليل (ع) حيث أسرت الروم ولوطا (ع) فنفر ابراهيم (ع) واستنقذه من أيدهم ، وأول من اختتن ابراهيم بالقدوم على رأس ثمانين سنة .
فلماذا هذا الإنكار على أبي هريرة رضي الله عنه ؟!
استنكارعبد الحسين حديث" عُمْر آدم عليه السلام "
32- وفي(ص 177 قال عبد الحسين وحديثه: إذ خلق الله آدم فمسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها الى يوم القيامة أمثال الذر ثم جعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً - أي بريقاً - من نور ثم عرضهم على آدم فقال آدم فقال آدم من هؤلاء يا رب؟ قال: ذريتك فرأى آدم رجلا أعجبه وبيص ما بي عينيه فقال يارب؟ من هذا؟ قال هذا ابنك داود،قال آدم: كم جعلت له من العمر ؟ قال: ستين سنة ، قال: يا رب زده من عمري أربعين سنة حتى يكون عمره مائة سنة ، فقال الله عزوجل : إذن يكتب ويختم فلا يبدل فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت لقبض روحه قال آدم : أو لم يبق من عمري أربعون سنة قال له ملك الموت أولم تجعلها لابنك داود ؟ قال فجحد فجحدت ذريته! -الحديث- .
قلت: هذا الحديث قد رواه إمامك المعصوم الذي وافق أبو هريرة رضي الله عنه أيضاً.
ففي تفسير العياشي في حديث طويل - عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر(ع) قال إن الله تبارك وتعالى: فمسح على ظهر آدم ثم صرخ بذريته وهم ذر قال فخرجوا كما يخرج النحل من كورها فاجتمعوا فقال يا آدم هؤلاء ذريتك أخرجتهم من ظهرك لآخذ عليهم الميثاق -إلى أن قال - قال أبو جعفر (ع) ثم عرض الله على آدم أسماء الأنبياء وأعمارهم . قال فمر آدم باسم داود النبي (ع) فاذا عمره أربعون سنة فقال يا رب ما أقل عمر داود وأكثر عمري ؟! يارب إن أنا زدت داود من عمري ثلاثين سنة فانفذ ذلك له وأثبتها له عندك وأطرحها من عمري ، قال ثبت الله لداود من عمره ثلاثين سنة ولم يكن له عند الله مثبتا ومحى من عمر آدم ثلاثين سنة وكانت له عندالله مثبتا فقال أبوجعفر (ع) فذلك قولى: { يَمْحُو اللهُ مَا يَشَآءُ يُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَبِ} قال: يمحو الله ماكان عنده مثبتا لآدم وأثبته لداود ما لم يكن عنده مثبتا قال فلما دنى عمر آدم هبط عليه ملك الموت ليقبض روحه ، فقال له آدم يا ملك الموت قد بقى من عمري ثلاثون سنة ، وقال له ملك الموت ألم تجعلها لابنك داود النبي واطرحتها من عمرك حيث عرض الله عليك أسماء الأنبياء من ذريتك وعرض عليك أعمارهم وأنت يومئذ بوادي الروحاء ؟ فقال آدم يا ملك الموت ما أذكر هذا ، فقال له ملك الموت يا آدم لا تجهل ألم تسأل الله أن أثبتها لداود ويمحوها من عمرك فاثبتها لداود في الزبور ومحاها من عمرك من الذكر ؟ قال فقال آدم فاحذر الكتاب حتى أعلم ذلك قال أبوجعفر (ع) وكان آدم صادقاً لم يذكر ولم يجهل جود الألفاظ قال أبوجعفر (ع) فمن ذلك اليوم أمر الله العباد أن يكتبوا بينهم إذا تداينوا وتعاملوا إلىأجل مسمى لنسيان آدم وجحود ما جعل على نفسه .
قال المجلسي في "البحار"(14/10):( أقول قد مضت الأخبار في ذلك في أبواب قصص آدم عليه السلام وفي بعضها أنه زاد في عمر داود عليه ستين سنة تمام المائة ، وهو أوفق بسائر الأخبار، والله أعلم ) .
استنكار واستغراب عبد الحسين حديث" احتجاج آدم و موسى "
33- وفي(ص177) قال: ومثله حديثه:" عن آدم وموسى مثلهما يتحاجان".
ثم كعادته أخذ يشكك في الحديث النبوي قائلاً:( على كيفية تدل أنهما كانا من القدرية، وقدى ظهرفيها آدم على موسى فحجه إلى كثير مما لا يليق بالأنبياء ،و يجب تنزيههم عنه ) .
وإليك أيها القارئ تمام هذا الحديث الذي أخرجه البخاري عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم : احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنَ الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ آدَمُ أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالاتِهِ وَبِكَلامِهِ ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى مَرَّتَيْنِ .
قلت: روى هذا الحديث أئمة أهل البيت رضي الله عنهم .
ففي تفسير القمي بإسناده عن ابن عمير عن ابن مسكان عن أبي عبدالله(ع) قال: أن موسى (ع) سأل ربه أن يجمع بينه وبين آدم (ع) فجمع ، فقال له موسى : يا أبت ألم يخلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ،وأمرك أن لا تأكل من الشجرة ؟ فلم عصيته ؟ قال : يا موسى بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التوراة ؟ قال : بثلاثين سنة ، قال : فهو ذلك ، قال الامام الصادق(ع) فحج آدم موسى (ع) .(1/480)
وقال المجلسي في بيان الحديث ما لفظه:( وجدان الخطيئة قبل الخلق إما في عالم الأرواح بأن يكون روح موسى (ع) اطلع على ذلك في اللوح ، أو أنه وجد في التوراة أن تقدير خطيئة آدم (ع) كان قبل خلقه بثلاثين سنة ، ويدل على الأخير ما سيأتي في خبر مسعدة ، وقوله (ع):( فحجّ) أي غلب عليه في الحجة وهذا يرجع الى القضاء القدر ) .
وقال عبد الصاحب في كتابه الأنبياء (ص 28-29) في تعليقه على هذه الرواية ما نصه: ( والذي يفهم من جواب موسى لآدم (ع) من أن الخطيئة كائنة ومقدرة من قبل خلق آدم ومن عالم الذر ، قلت خلق الأرواح قبل وجوده بألفي عام وهي المسئلة التي هي معركة الآراء وقد هلك فيها ناس كثير لسوء فهمهم وتأملهم وعدم تعقلهم الحقيقة فيها ،وهي مسألة قضاء الله وقدره لمخلوقه قبل وجوده ).
فماذا يقول عبد الحسين ما رواه إمامه وما أثبته مشائخه في شرح الحديث؟ !!
استغراب عبد الحسين حديث"مشي العلاء الحضرمي على البحر مع جنوده "
34- وفي (ص 178) قال عبد الحسين:( وما أكثر حديثه في خوارق النواميس الطبيعية، وحسبك منها( مضافاً إلى ما سمعته آنفاً) حديثان نجعلها خاتمة هذا الفصل).
أحدهما: حديثه إذ كان - فيما زعم- مع العلا بن الحضرمي لما بعث في أربعة آلاف إلى البحرين فانطلقوا حتى أتوا على خليج من البحر ما خاضه قبلهم أحد ولا يخوضه بعدهم أحد !) .
قال أبو هريرة: أخد العلا بعنان فرسه فسار على وجه الماء وسار الجيش وراءه قال: فوالله ما ابتل لنا قدم ولا خف ولا حافر ؟؟ الحديث ) .
قلت: وهذا الحديث موضوع باتفاق أهل العلم، ولا يحتج به عند المحدّثين .
بل أراد عبد الحسين أن يشفي غليله من أحاديث أبي هريرة رضي الله عنهسواءاً كانت أحاديث صحيحة أو ضعفية أو موضوعة ...
وإن كنت تريد خوارق النواميس الطبيعية وما أكثر ما ادعيتم لأئمتكم،وأنهم أفضل من الأنبياء والملائكة !!
وإليك ما رواه علمائك في ذلك، لقد ألف أحدهم ويُدعى "هاشم البحراني" كتاباً مستقلاً في معاجز الأئمة الاثنى عشر ! وسمّاه " مدينة معاجز"!!
وذكر هاشم البحراني في كتابه المذكور(1/430 رواية 290): الباب السبعون ومائة " اليهودي الذي عبر الماء على مرطة باسم أمير المؤمنين(ع) ونظر(ع) إلى الماء فجمد !!
البرسي: قال: روى صاحب عيون أخبار الرضا(ع) قال: إن أمير المؤمنين(ع) مرّ في طريق فسايره خيبريُّ فمرّ بوادٍ قد سال، فركب الخيبري مربطة، وعبر على الماء!!، ثم نادى أمير المؤمنين(ع): يا هذا لو عرفت ما عرفت لجزت كما جزت، فقال له أمير المؤمنين (ع) مكانك، ثم أومأ بيده إلى الماء فجمد!! ومرّ عليه فلما رأي الخيبري ذلك
أكب على قدميه وقال له: يا فتى ما قلت حتى حوّلت الماء حجراً ؟!! فقال له أمير المؤمنين (ع) : فما قلت أنت حتى عبرت على الماء ؟!! فقال الخيبري: أنا دعوت الله باسم العظيم .... .
وفي (2/11 رواية 356): " ارتفاعه (ع)- أي الإمام - في الهواء " !!
البرسي: قال: روى صاحب المنتخب أن علياً(ع) مرّ إلى حصن ذات السلاسل، فدعا بسيفه ودرقته، وترك الترس تحت قدميه والسيف تحت ركبته، ثم ارتفع في الهواء! ثم نزل على الحائط وضرب السلاسل ضربة .... .
وفي (ص 11-12 رواية 357) " اتباعه (ع) الطير الذي أخذ خفّه " !!
فعن أبي جميلة، عن أبي عبد الله(ع) قال: نزع علي(ع) خفّه بليلٍ ليتوضأ، فبعث الله طائراً فأخذ أحد الخفّين فجعل علي (ع) يتبع الطير وهو يطير!! حتى أضاء له الصبح ثم ألقى الخفّ ...
وفي (5/10 رواية 1422): " صنع فيلاً من طين فركبه(ع) فطار به إلى مكّة ".
قال: حدثنا شاذان بن عمر قال: حدثنا مرة بن قبيصة بن عبد الحميد قال: قال لي جابر بن يزيد الجعفي: رأيت مولاي الباقر(ع) وقد صنع فيلاً من طين فركبه وطار في الهواء حتى ذهب إلى مكة ورجع عليه، فلم أصدق ذلك منه حتى رأيت الباقر(ع) فقلت له : أخبرني جابر عنك بكذا وكذا ؟ فصنع فركب وحملني معه إلى مكة وردّني.
وفي(6/158 رواية 1916):" إخراج الفارسين من حافّة بحرٍ من تحت الأرض"
فعن أبي بصير، قالك كنت عند أبي عبد الله(ع) وعنده رجل من أهل خراسان، وهو يكلّمه بكلام لم أفهمه، ثم رجعا إلى شيئ فهمته، فسمعت أبا عبد الله(ع) يقول، وركض أبو عبد الله(ع) رجله الأرض، فإذا بحر تحت الأرض، على حافته فارسان قد وضعا أذقانها على قرابيس سروجها . فقال أبو عبد الله(ع) هؤلاء من أنصار القائم
(ص 159-160 رواية 1917 ) " خبر انفلاق البحر " .
فعن داود الرقّي، قال: جاء إلى أبي عبد الله(ع) فقال له: ما بلغ من علمكم؟ قال: ما بلغ من سؤالكم - إلى أن قال- فأخذ بيد الرجل ، ثم انطلق حتى أتى شاطئ البحر، فقال: أيها العبد المطيع لربّه أظهر ما فيك فانفلق البحرعن آخر ما فيه وظهر ماء أشدّ بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل،وأطيب رائحة من المسك ...قال: ثم رفع رأسه فرأى في الهواء خيلاً مسرّجة ملجمة ولها أجنحة، فقلت: يا با عبد الله، ما هذه الخيل ؟ فقال: هذه خيل القائم !!(1/481)
و(ص201 رواية 1945):" صعوده (ع) إلى السماء، و نزوله بالحربة "
فعن إبراهيم بن الأسود، قال: رأيت موسى بن جعفر(ع) صعد إلى السماء ونزل ومعه حربة من نور ...
وفي (3/232 رواية 851) " علوّه (ع) في الهواء وغيبوبته في السماء "
وعن جابر قال: رأيت الحسن بن علي وقد علا في الهواء وغاب في السماء فأقام بها ثلاثاً ثم نزل بعد الثلاث وعليه السكينة والوقار ...
وفي(5/513 رواية 1029):" أنه (ع) اُعطي ما اُعطي النبيّون من إحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص والمشي على الماء " !!!
" ارتفع الإمام إلى السماء حتى سدّ الإفق "
وفي كتاب" حياة الإمام العسكري" (ص361): - قال الراوي- حدّث نفسه أن يرى برهاناً من الإمام العسكري، فإذا الإمام إرتفع نحو السماء حتى سدّ الأفق!!
ونكتفي أمثال هذه المعاجز المزعومة التي لا معنى لها .
وما أكثر حديث الأئمة!! في (خوارق النواميس الطبيعية ) ؟!! فلماذا لم ينكر المؤلف هذه الأحاديث المزعومة كما أنكر على أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه ؟
استنكار عبد الحسين حديث" النهي عن المشي بالخف الواحد"
35- وفي (ص197) قال عبد الحسين: ومنها: أنه روى حديثاً في النهي عن المشي بالمخف الواحد فبلغ عائشة ذلك فمشت بخف واحد وقالت لأخالفنّ أبا هريرة.
قلت: فإن هذا الحديث أيضاً احتج به النظام ليطعن في أبي هريرة ، وردّ ابن قتيبة عليه افتراءه . وقد ذكر أبو القاسم البلخي هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها : أنها دخلت في خفها حسكة فمشت في خف واحدة وقالت : لأحنّثن أبا هريرة . . إنه يقول لا يمشي في نعل واحدة ولا خف واحدة .
ثم إن أبا هريرة لم ينفرد بالحديث . فقد روى هذا الحديث أئمة أهل البيت رضي الله عنهم .
ففي" البحار" ( 76/328 - 329 باب جوامع مناهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومتفرقاتها): بإسناده عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن أميرالمؤمنين(ع) نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الأكل عن الجنابة - إلى أن قال - ونهى أن يمشي الرجل في فرد نعل أو يتنعّل وهو قائم ..
وفي(80/191 كتاب الطهارة باب آداب الخلاء) عن أبي بصير عن الباقر(ع) قال: لا تشرب وأنت قائم .... ولا تمش في نعل واحدة فإن الشيطان أسرع ما يكون إلى الإنسان إلى بعض هذه الأحوال ..."
فما رأي عبد الحسين في هذه الروايات التي وردت من طريق أهل البيت رضي الله عنهم ؟!
استغراب واستنكار عبد الحسين حديث إنما الطيرة في المرأة والدابّة :
36- وفي (ص 197) قال عبد الحسين : ومنها: أن رجلين دخلا على عائشة فقالا: أن أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما الطيرة في المرأة والدابة فطارت عائشة شغفاً ثم قال:كذب والذي أنزل القرآن على أبي القاسم من حدث بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ الحديث .
قلت: لماذا يستغرب عبد الحسين ما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه ؟! ولا يستغرب ولا يتعجب ما يرويه الأئمة تلك الأحاديث الموافقة والمتفقة لأحاديث أبي هريرة رضي الله عنه ؟ !!
ولماذا هذا الإنكار من عبد الحسين لأبي هريرة رضي الله عنه ولا ينكر على أئمته ؟ !!
فعن خالد بن نجيح عن أبي عبدالله(ع) قال: تذاكروا الشؤم عنده، فقال: الشؤم في ثلاثة : في المرأة والدابة الدار ، فأما شؤم المرأة فكثرة مهرها وعقوق زوجها ، أما الدابة فسوء خلقها ومنعها ظهرها ، وأما الدار فضيق ساحتها وشر جيرانها وكثرة عيوبها .
استنكار عبد الحسين على أبي هريرة بأنه جلس إلى جنب حجرة عائشة وهو يحدّث:
37- وفي (ص 197) قال عبد الحسين ومنها:" أنه جلس مرّة إلىجنب حجرةعائشة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي مشغولة في سبحتها فقالت بعد فراغها : ألا يعجبك أبو هريرة يجلس إلىجنب حجرتي يحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك ؟ وكنت اسبح فقام قبل أن اقضي سبحتي ولو أدركته لرددت عليه الحديث " .
قلت: اقرأ معي هذه الروايات وانظر ما صدر من الإمام المعصوم عندك ؟
ففي" البحار"( 7/339 رواية 32):عن إسحاق بن الحارث عن أبيه عن أمير المؤمنين (ع) قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنده أبو بكر وعمر فجلست! بينه وبين عائشة! فقالت لي عائشة ما وجدت إلا فخذي! أو فخذ! رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... .
وفي(22/244 رواية 11): عن جندب بن عبد الله البجلي، عن علي(ع) قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يضرب الحجاب وهو في منزل عائشة فجلست بينه وبينها!، فقالت: يا ابن أبي طالب ما وجدت مكاناً لإستك غير فخذي ؟!! ...
وفي(27/155 رواية27) في رواية:" فجلس بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين عائشة فقالت: يابن أبي طالب ما وجدت مقعداً غير فخذي ؟!! ... .
و في (38/297 رواية 3): "وروي أنه سافر ومعه علي (ع) وعائشة ، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينام بينهما في لحاف!!! .
فانظر يا عبد الحسين هذه الشناعات والتشويهات التي لا يرضاها من هو أدنى منهم .(1/482)
استنكار عبد الحسين حديث:" إذا استيقظ أحداً من النوم فليغسل يده ..."
38- وفي (ص 197) قال عبد الحسين : ومنها: أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: متى استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يضعها في الإناء فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ؟ فانكرت عائشة عليه فلم تأخذ به وقالت: كيف نصنع بالمهراس .
قلت : وهذا الحديث رواه قومك ، فقد أخرج فخرك المجلسي في "بحاره" (80/333 ): فقد عقد في كتاب الطهارة باباً سماه " سنن الوضوء وآدابه " أثبت فيه هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه الذي أنكرته يا مفتري !!
وأيضاً لم ينفرد أبا هريرة بهذا الحديث ، بل رواه ووافقه أئمة أهل البيت رضي الله عنهم !
وفي " البحار"( 80/333- كتاب الطهارة باب سنن الوضوء وآدابه):
عن أبي بصير عن عبد الكريم بن عتبة قال: سألته عن رجل يستيقظ من نومه ولم يبل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها قال: لا ، لأنه لا يدري أين باتت يده فيغسلها.
استنكار عبد الحسين حديث" من صاحب الكلب انتقص أجره كل يوم قيراط"
39- وفي (ص 198): قال عبد الحسين: ومنها: "ومثله ما في صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً : من اتخذكلباً الا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط ، فذكر لابن عمر قول أبي هريرة هذا فقال: يرحم الله أبا هريرة كان صاحب زرع - يتهمه يزيادة كلب الزرع ايثاراً لمصلحته - وقد اتهمه بهذا أيضاً سالم بن عبدالله بن عمر في حديث اخرجه مسلم أيضاً ".
قلت : ويكفي أن نختصر على أباطيل عبد الحسين وتدليساته حول روايات أبو هريرة رضي الله عنه ، نذكر روايات أهل البيت الصادقين الذي يثق فيهم ولا يشك في كذبهم!!
ففي " الكافي"( 6/552- باب الكلاب): فعن زرارة عن أبي عبد الله(ع) قال: ما من أحد يتخذ كلباً إلا نقص في كل يوم من عمل صاحبه قيراط .
وفي "عوالي اللئالي"(1/ 143- 144 ): قال : من اقتنى كلباً إلاضارباً، أوكلب زرع نقص من أجره كل يوم قيراطان .
فما رأي عبد الحسين في أحاديث أئمته ولعله اقتنع ؟!!
استنكار عبد الحسين حديث" من اتبع جنازة فله من الأجر قيراط "
40-وفي (ص 199) قال عبد الحسين: ومنها: أن ابن عمر سمعه يحدث:" بأن من اتبع جنازة فله قيراط من الأجر" فقال أكثر علينا أبو هريرة ولم يصدقه حتى بعث إلى عائشة يسألها عن ذلك فروت له فصدّق حينئذ والحديث في هذا ثابت .
قلت: لا أدري هل عبد الحسين بالفعل يجهل أحاديث أهل البيت ؟! أم يريد الطعن والتشكيك في راوية الاسلام أبو هريرة رضي الله عنه ، ويزرع الحقد والبغض في قلوب المؤمنين ؟ لماذا الإنكار على أبي هريرة وأئمة أهل البيت قد رووا هذا الحديث ؟!!
ففي " فروع الكافي" (3/173 ): عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر(ع) يقول: من مشى مع جنازة حتى يصلّى عليها ثم رجع كان له قيراط من الأجر، فإذا مشى معها حتى تدفن كان له قيراطان ،والقيراط مثل جبل أحد .
وفي(3/173 ) عن الاصبغ بن نباته قال: قال أميرالمؤمنين (ع) :من تبع جنازة كتب الله من الأجر له أربع قراريط: قيراط باتباعه ،وقيراط للصلاة عليها ، وقيرطا بالانتظار حتى يفرغ من دفنها ،وقيراط للتعزية .
استنكار عبد الحسين حديث" من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه"
41- وفي (ص 199) قال عبد الحسين كعادته ما نصه: " وكذلك فعل عامر بن شريح بن هاني إذ سمع أبا هريرة يحدث: بأن من أحب القاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " فلم يصدق أبا هريرة بذلك حتى سأل عائشة فرته له وفاهمته المرادى منه والحديث في ذلك ثابت أيضاً .
قال عبد الحسين في تعليقه ما نصه:( ولو أردنا استقصاء الموارد التي ردّ فيها السلف حديث أبي هريرة وأنكروا فيها عليه لطال بنا الكلام، وهذا القدر كاف لما أردناه والحمد لله ) .
قلت: الحمد الله الذي وفقني لتخريج كتابي هذا المتواضع والذي كتبته بعجالة شديدة ، رغم إني حذفت كثيراً من الشروح وغير ذلك عندما رأيت أن الكتاب أخذ يزداد و يطول ، فاضطررت إلى إختصاره ، وعلى كل حال فقد فصّلنا وبيّنا بالأدلة والبراهين من أقوال الصادقين أهل البيت رضي الله عنهم حسب زعمهم ، فكان هدفي هو الاستدلال من رواياتهم.
وأما قول عبد الحسين:( ولو أردنا استقصاء الموارد التي ردّ فيها السلف حديث أبي هريرة وأنكروا فيها عليه لطال بنا الكلام ... ).
أقول: هذه الاتهامات الصادرة من عبد الحسين لأبي هريرة رضي الله عنه كلّها باطلة لا أساس لها من الصحة من أولها إلى آخرها ، لأن الروايات التي اسردناها كلّها موافقة لروايات أهل البيت رضي الله عنهم ، وكما أن علمائكم استشهدوا واستدلوا بها وأثبتوها في مصادرهم .(1/483)
أقول: وقد ورد هذا الحديث في أصح وأحسن كتاب وهو " الكافي " كما ادعيت في مراجعاتك (ص390): ( وأحسن ما جمع منها - أي من الأصول الأربعمائة - الكتب الأربعة التي هي مرجع الإمامية في أصولهم وفروعهم من الصدر الأول إلى هذا الزمان وهي : الكافي .... وهي متواترة ومضامينها مقطوع بصحتها والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها ...) .
فعن عبد الصمد بن بشير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(ع) قال: قلت: أصلحك الله من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن أبغض لقاء الله أبغض الله لقاءه؟ قال: نعم. قلت: فوالله إنا لنكره الموت، فقال: ليس ذلك حيث تذهب إنما ذلك عند المعاينة إذا رأى ما يحب فليس شيئ أحب إليه من أن يتقدم والله تعالى يحب لقاءه وهو يحب لقاء الله حينئذ وإذا رأى ما يكره فليس شيئ أبغض إليه من لقاء الله والله يبغض لقاءه .
وكذلك روي عن الإمام السجاد رحمه الله تعالى هذا الحديث: "هذا ما ورد من قوله عزوجل من أحب لقاء الله أحب الله لقائه، ومن كره لقاء الله كره الله لقائه ، لأن هذا كما جاء في الروايات إنما هو حال الموت ...) .
وما بعد الحق إلا الضلال .
=================
"مع التيجاني"
لم يكن التيجاني بأحسن حالا من سابقة فهو الآخر سارق بارع يسطو على أفكار الناس وآرائهم ويتبجح بها وينسبها لنفسه ،قال معترفاً في كتابه المضحك " اتقوا الله" (ص 55) بعد أن أورد أكاذيبهما ما نصه :( راجع كتابي محمود أبو رية المصري، والسيد !شرف الدين في أبي هريرة ) .
ومعنى هذا أنه أخذ أفكار اساتذته ومشائخه في هذا المنهج في طعن أبي هريرة رضي الله عنه سواءاً كان طعنه في شخصه أو في رواياته ، والغريب من هذا الدكتور!! السارق البارع أخذ يقلّدهم في كل صغيرة وكبيرة من تلك الكتاب - أي من كتاب أبي رية والثاني لأستاذه عبد الحسين ووضع في كتابه ، وظنّ شيعته أنه علاّمة في الروايات والأقوال ... لا يعرفون أنه سارق الأقوال و الروايات.
و يمكنني تلخيص ملاحظاتي على كتبه بمايلي :
إنه يسيئ فهم النصوص عمداً ، ويتحكم في فهمها تحكماً يمليه الهوى لا البحث العلمي ، وسوف أذكر بعض الأمثلة على ذلك : قال في كتابه " اتقوا الله" (ص54-55) :( إن أبا هريرة كان كذوباً غير معتمد عليه، إن كذب أبي هريرة في أحاديثه ملأ الخافقين ، وقد دلت أحاديث أهل السنة على التهمة له بالكذب كانت معلومة بين الصحابة حتى أن عمر ضربه بالدرة المعهودة ....وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية فقيل لابن عمر : أن أبا هريرة يقول أو كلب زرع فقال ابن عمر أن لإبي هريرة زرعا .وفي مسند أبي هريرة يروي عن النبي: من تبع جنازة فله قيراط من الأجر فقال ابن عمر لقد أكثر علينا أبو هريرة .
وهناك الكثير أمثال تلك المفتريات والأباطيل قد أجبنا عليها بالتفصيل في الفصل الأول مع عبد الحسين بتوفيق من الله تعالى، فلا داعي لتكرار مرة ثانية .
و أما لكشف أباطيل هذا الدكتورالمهتدي!! فلا يسعنا إلا أن نورد بعض تدليساته لكي يتبين للقارئ مدى حقده وبغضه لراوية الإسلام أبو هريرة رضي الله عنه وغيره من الصحابةy وطعنه في السنة النبوية وطعنه في الصحيحين البخاري ومسلم، وكذلك طعنه في أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيتy كما سيأتي في إنكاره بعض الأحاديث الصحيحة .
قال في كتابه فسئلوا أهل الذكر (ص272)تحت عنوان النبي ! يتنازل في أحكام الله حسبما يريد قال : عن أبي هريرة قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت قال: ما لك قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال صلى الله عليه وآله وسلم :هل تجد رقبة تعتقها قال: لا قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال: لا فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً قال: لا قال فمكث النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعرق فيها تمر والعرق المكتل قال أين السائل فقال: أنا قال خذها فتصدق به فقال: الرجل أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها يريد الحرتين أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك النبي حتى بدت أنيابه ثم قال أطعمه أهلك .(1/484)
ثم علق التجاني قائلاً: ( أنظر كيف تصبح أحكام الله وحدود الله التي رسمها لعباده من تحرير رقبة على الموسرين والذين لا يقدرون على تحرير رقبة فما عليهم إلا اطعام ستين مسكيناً وإذا تعذر وكان فقيراً فما عليه إلا بالصوم وهو كفّارة الفقراء الذين لا يجدون أموالا كافية لتحرير أو لإطعام المساكين ولكن هذه الرواية تتعدى حدود الله التي رسمها لعباده ويكفي أن يقول هذا الجاني كلمة يضحك لها الرسول حتى تبدو أنيابه فيتساهل في حكم الله ويبيح له أن يأخذ الصدقة لأهل بيته، وهل هناك أكبر من هذه الفرية على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فيصبح الجاني مجازا على ذنبه الذي تعمده بدلا من العقوبة وهل هناك تشجيعاً أكبر من هذا لأهل المعاصي والفسقة الذين سيتشبثون بمثل هذه الروايات المكذوبة ويرقصون لها، وبمثل هذه الرويات أصبح دين الله وأحكامه لعباً وهزؤا وأصبح الزاني يفتخر بارتكابه الفاحشة ويتغنى باسم الزاني في الأعراس والمحافل كما أصبح المفطر في شهر الصيام يتحدى الصائمين ).
قلت :لا أدري كيف اهتدى هذا الدكتور إلى مذهب جديد وهو الشيعة !! ولا يعلم أن هذا الحديث يرويه أئمته الذين يعتقد فيهم العصمة؟
فسوف أخرج لك تلك الروايات الثابتة من طرق علي والباقر والصادق من بطون كتب الحديث و مذهبك الجديد .
ففي" البحار"( 96/282رواية 13 -كتاب الصوم باب ما يوجب الكفارة وأحكامها -): روينا عن علي (ع) أنه قال : أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شهر رمضان فقال: يا رسول الله إني قد هلكت، قال: وما ذاك؟ قال: باشرت أهلي فغلبتني شهوتي حتى وصلت قال: هل تجد عتقاً ؟ قال: لا والله، وما ملكت مملوكا قط قال: فصم شهرين قال: والله ما أطيق عليّ الصوم قال: فانطلق فاطعم ستين مسكينا قال: والله ما أقوى عليه قال: فأمر له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخمسة عشر صاعاً وقال: اذهب فاطعم ستين مسكيناً لكل مسكين مدّ، قال: يا رسول الله والذي بعثك ما بين لابتيها من بيت أحوج منّا، قال: فانطلق فكله أنت وأهلك .
وفي (ص96/279رواية 2): عن عبد المؤمن الأنصاري عن أبي جعفر(ع) قال: إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: هلكت هلكت، فقال: وما أهلكك؟ قال: أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتق رقبة فقال: لا أجد قال: فصم شهرين متتابعين فقال: لا أطيق فقال: تصدق على ستين مسكيناً قال: لا أجد قال: فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعرق أو مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : خذها وتصدق بها فقال: والذي بعثك بالحق بينا ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا فقال: خذه وكله أنت وأهلك فإنه كفّارة لك .
وفي(ص281 رواية 9):عن جميل بن دراج عن أبي عبدالله (ع) أنه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمداً فقال : إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : هلكت يا رسول الله ! فقال : ومالك ؟ فقال : النار يا رسول الله فقال: وما لك؟ فقال: إني وقعت بأهلي في رمضان قال: تصدق واستغفر الله فقال الرجل: فوالذي عظم حقك .
وقال ابن أبي عمير: فوالذي بعثك بالحق - ما تركت في البيت شيئاً قليلا ولا كثيراً
قال: فدخل رجل من الناس بمكتل تمر فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصوع بصاعنا هذا هنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خذ هذا التمر فتصدق فقال: يا رسول الله على من أتصدق به وقد أخبرتك أنه ليس في بيتي قليل ولا كثير فقال: خذه واطعمه عيالك واستغفر الله .
فلماذا لا تنكر على المعصومين ! وتسألهم: “كيف تصبح أحكام الله وحدود الله التي رسمها لعباده من تحرير رقبة على الموسرين والذين لا يقدرون على تحرير رقبة فما عليهم إلا اطعام ستين مسكيناً ...” ، أيها المدلس المفترى .
ولماذا لا تنكر عليهم حينما يفترون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يفتري أبو هريرة حسب ادعائك يا دكتور ؟!
هكذا اتضح للقارئ مدى جهل و مفتريات التيجاني بمذهبه الجديد!!
وقد يئس هذا ( المهتدي)!! أن يأتي بشيئ جديد، وقد حاول هو الآخر أن يشكك ويطعن في صحيح البخاري ومسلم في بعض أحاديث ، سواءاً كان الرواي أبو هريرة رضي الله عنه أو غيره من الصحابة y . ويريدون أن يقولون لأهل السنة بأن مذهبكم باطل ومذهب أهل البيت هو الحق، هذا هو مرادهم وقصدهم . ولكن تبين أن ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه هو ما رواه أهل البيت !! فتبين أنكم على خلاف ذلك.
استنكار التيجاني حديث:" تخفيف خمسين صلاة إلى خمس صلوات":
ومن مفتريات هذا الدكتور المفتري!! أنه أخذ يشكك وينكر ويطعن في أصح حديث والمتفق عليه بين الفريقين ، وهو حديث تخفيف خمسين صلاة إلى خمس صلوات .
و إليك أيها القارئ ما قاله هذا الدكتور المهتدي!!! عن هذا الحديث ما نصه:(1/485)
( وأخرج البخاري في صحيحه قصة عجيبة وغريبة تحكي معراج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولقاءه مع ربه ، وفيها يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم فرضت عليّ خمسون صلاة فأقبلت حتى جئت موسى ، فقال: ما صنعت؟ قلت: فرضت عليّ خمسون صلاة . قال: أنا أعلم بالناس منك عالجت بني اسرائيل أشد المعالجة وإن أمتك لا تطيق، فارجع إلى ربك فسله،
فرجعت فسألته فجعلها أربعين ، ثم مثله، ثم ثلاثين ثم مثله فجعل عشرين، ثم مثله فجعل عشراً، فأتيت موسى فقال: مثله فجعلها خمساً، فأتيت موسى فقال: ما صنعت؟ قلت جعلها خمساً فقال مثله، قلت فسلمت فنودي إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وأجزي الحسنة عشراً .
وفي رواية أخرى نقلها البخاري أيضاً، وبعد مراجعة محمد ربه عديد المرات وبعد فرض الخمس صلوات، طلب موسى من محمد أن يراجع ربه للتخفيف لأن أمته لا تطيق حتى الخمس صلوات ، ولكن محمد أجابه: قد استحييت من ربي .
نعم اقرأ وأعجب من هذه العقائد التي يقول بها علماء السنة والجماعة، ومع ذلك فهم يشنعون على الشيعة أتباع أئمة أهل البيت في القول بالبداء .
وهم في هذه القصة يعتقدون بأن الله سبحانه فرض على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمته خمسين صلاة، ثم بدا له بعد مراجعة محمد إياه أن يجعلها أربعين،ثم بدا له بعد مراجعة ثانية أن جعلها ثلاثين، ثم بدا له بعد مراجعة ثالثة أن جعلها عشرين ثم بدا له بعد مراجعة رابعة أن جعلها عشراً، ثم بدا له بعد مراجعة خامسة أن جعلها خمساً.
ومن يدري لولا استحياء محمد من ربه لجعلها واحدة، أو لأسقطها تماماً .
استغفر الله العلي العظيم من هذا القول الشنيع! ولست أشنع عليهم من أجل القول بالبداء ...) .
و يواصل التيجاني قائلاً:( ولكن تشنيعي أنا لهذه القصة بالذات وهي - مساومة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ربه في فرض الصلوات - لما فيها من نسبة الجهل إلى الله عزوجل ومن انتقاص لشخصية أعظم إنسان عرفه تاريخ البشرية، وهو نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذ تقول الرواية بأن موسى قال لمحمد: أنا أعلم بالناس منك. وتجعل هذا الرواية الفضل والمزية لموسى الذي لولاه لما خفف الله عن أمة محمد .
ولست أدري كيف يعلم موسى بأن أمة محمد لا تطيق حتى خمس صلوات في حين أن الله لا يعلم ذلك ويكلف عباده بما لا يطيقون فيفرض عليهم خمسين صلاة؟!
وهل تتصوّر معي أخي القارئ كيف تكون خمسين صلاة في اليوم الواحد فلا شغل ولا عمل ، ولا دراسة ولا طلب الرزق ولا سعي ولا مسئوولية، فيصبح الإنسان كالملائكة مكلف بالصلاة والعبادة، وما عليك إلا بعملية حسابية بسيطة لتعرف عدم صحة هذه الرواية ، فإذا ضربت عشر دقائق - وهو الوقت المعقول لإداء فريضة واحدة للصلاة الجماعة- في الخمسين فسيكون الوقت المفروض بمقدار عشر ساعات، وماعليك إلا بالصبر، أو أنك ترفض هذا الدين الذي يكلف أتباعه فوق ما يتحملون ويفرض عليهم ما لا يطيقون، ولعل أهل الكتاب من يهود ونصارى عذرهم مقبول في التمرد على موسى وعيسى ولكن أي عذر يبقى لهم في اتباع محمد الذي وضع عنهم اصرهم والأغلال التي كانت عليهم ، فإذا كان أهل السنة والجماعة يشنعون على الشيعة قولهم بالبداء، وأن الله سبحانه يبدو له فيغير ويبدل كيف يشاء فلماذا لا يشنعون على أنفسهم في قولهم بأن الله سبحانه يبدو له فيغير ويبدل الحكم خمس مرّات في فريضة واحدة وفي ليلة واحدة وهي ليلة المعراج ...) .
قلت: سبحان الله ما مدى جهل هذا الدكتور!! يحتج على فرض خمسين صلاة في اليوم والليلة، ولا يحتج على أئمته أنهم كانوا يصلّون في اليوم والليلة ألف صلاة !!
فهذا الحر العاملي بوّب في كتابه "الوسائل"(3/71) كتاب الصلاة " باب استحباب صلاة ألف ركعة في كل يوم وليلة بل كل يوم وكل ليلة إن أمكن" وفيه تسعة أحاديث عن أئمة أهل البيت فراجع .
وأيضاً (5/176)" باب استحباب صلاة ألف ركعة في كل يوم وليلة بل في كل يوم وفي كل ليلة من شهر رمضان وغيره مع القدرة " وفيه حديث .
وإليك أيها القارئ حديث من هذه الأحاديث :
ففي "البحار"( 82/310ح16 ): عن أبي جعفر الباقر(ع) قال: والله إن كان علي (ع) ليأكل أكلة العبد -إلى أن قال- وكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة .
وفي (41/15ح6 و82/309 ح10 ): وعنه أنه قال: كان علي بن الحسين يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة كما كان يفعل أمير المؤمنين ..
فانظر إلى جهل هذا الدكتور( المهتدي)!!
ثم أن الزمان لا يتسع لألف ركعة لمن ولى أمر المسلمين مع سياسة الناس وأهله، إلا أن تكون صلاته نقراً كنقر الغراب ، وهي صلاة المنافقين التي نزّه الله عنها علياً رضي الله عنه
ثم لماذا هذا الاستنكار أيها الجاهل من خمسين صلاة ، مع أن هذا من صفات الشيعة !!
فقد روى صدوقهم عن أبي بصير قال: قال الصادق(ع): شيعتنا أهل الورع - إلى أن قال - وأهل الزهد والعبادة أصحاب إحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة!!! .(1/486)
بل أن مجموع النوافل مع الفرائض عند الشيعة هو 51 ركعة !!
قال ميرزا حسن الحائري في كتابه" أحكام الشيعة" (1/172) في باب" النوافل اليومية": ( وأما النوافل اليومية فمجموعها ضعف مجموعة فرائضها، فهي 34 ركعة .
وهل التيجاني اطلع على علم الغيب حتى يحكم في كيفية فرض خمسين صلاة؟!!
وإليك أيها القارئ عملية حسابية في ألف ركعة، وعلى سبيل المثال، فلو ضربنا دقيقتين لركعة واحدة يكون ألفين دقيقة، وألفين دقيقة تقسيم ستون دقيقة يساوي ثلاثة وثلاثون ساعة، ما يقارب يومين ونصف يوم !! فمتى كان للإمام وقت لكي يصلّي الفرائض الخمس في أوقاتها ؟!! ومتى يشتغل ؟!! ومتى يعلّم ؟!! ....الخ .
وصدق الله العظيم في حق هؤلاء { خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَىسَمْعِهِمْ وَ عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَوَةٌ } [ البقرة/7 ] .
وأما قوله :( إن أهل السنة في هذه القصة يعتقدون بأن الله سبحانه فرض على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمته خمسين صلاة، ثم بدا له بعد مراجعة......) .
قلت: لقد مَلئت مصادر الشيعة الفقهية والحديثية والتفاسير أمثال هذه الروايات .
وعدّ علماء الشيعة هذا معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وإليك أيها القارئ المتأمل روايات من يعتقد فيهم العصمة من الخطأ والنسيان!!
فقد أخرج هذا الحديث ابن بابويه القمي( الصدوق) في كتابه” العلل” (ص132ح1) " باب112- العلة التي من أجلها لم يسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ربه عزوجل التخفيف عن أمته من خمسين صلاة حتى سأله موسى والعلة التي من أجلها لم يسأل التخفيف عنهم من خمس صلوات "
عن الحسين بن علوان بن عمرو بن خالد عن زيد بن علي(ع) قال: سألت أبي سيد العابدين(ع) فقلت له يا أبة أخبرني عن جدّنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما عرج به إلى السماء أمره ربه عزوجل بخمسين صلاة كيف لم يساله التخفيف عن أمته حتى قال له موسى بن عمران ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فقال يا بني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يقترح على ربه عزوجل ولا يراجعه في شيئ يأمره به فلما سأله موسى (ع) ذلك فكان شفيعاً لأمته إليه لم يجز له رد شفاعة أخيه موسى فرجع إلى ربه فسأله التخفيف إلى أن ردّها إلى خمس صلوات قال: قلت له يا أبه فلم لا يرجع إلى ربه عزوجل ويسأله التخفيف عن خمس صلوات وقد سأله موسى(ع) أن يرجع إلى ربه ويسأله التخفيف؟ فقال له : يا بني أراد صلى الله عليه وآله وسلم أن يحصل لأمته التخفيف مع أجر خمسين صلاة يقول الله عزوجل { من جاء بالحسنة فله عشرة أمثالها } ...
فهذا إقرار من الإمام بأن هذا التخفيف رحمة من الله تعالى ولطفه بعبادة المؤمنين.
فلماذا هذا الجهل أيها الجاهل ؟
قال التويسركاني في تعليقه على الرواية في كتابه " اللئالي"( 4/22 -23 باب في سبب صيرورة الصلاة خمساً والخمس تكتب خمسين) ما نصه: ( أقول: والوجه أن من جاء من هذه الأمة المرحومة بالحسنة فله عشر أمثالها وقد مرّ حديث مبسوط ... وما يدل على سهولة أمر التوبة لهذه الأمة وصعوبتها على الأمم الماضية مضافاً إلى ما مرّ فيه ... ومما يشعر بفضل التوبة أن الله جعل صاحب اليمين أميراً على صاحب الشمال مما دلّ أن مطلق الحسنة من هذه الأمة يكتب لعامله عشراً ) .
ونكتفي بعد بهذه الفتوى لسماحة فقيههم آية الله العظمى الميرزا الشيخ جواد التبريزي في كتاب" صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات"(3/423 سؤال 1233): (قال السائل: ما رأيكم في الرواية التي يذكرها القمي في تفسيره، عن أبيه،عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (ع) التي يذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في انحداره ليلة المعراج مرّ على الكليم عليه السلام فسأله عما فرض الله تعالى على أمته، فأجابه خمسون صلاة فقال: إن أمتك لا تقدر عليها فأرجع إلى ربك ... فرجع إلى ربه حتى بلغ سدرة المنتهى .... الرواية . هل هي معتبرة من جهة الدلالة أم لا ؟
قال سماحتهم التبريزي:( الرواية بحسب السند لا بأس بها، فقد رواها الصدوق في "الفقيه" أيضاً وقد رود في بعض الروايات، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلب من ربّه تخفيف الصلاة عن الأمة، فخففها الله سبحانه إلى عشر ركعات، ثم أضاف إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبع ركعات، وطلبه هذا الأمر من ربّه فهو لإشفاقه على الأمة، وأجاب ربّه إليه صلى الله عليه وآله وسلم فهو كرامة له..)
فماذا رأي الدكتور! في هذه الروايات وهذه الفتوى ؟! وهل يستطيع أن يطعن ويتهم حديث أئمة أهل البيت كما اتهم وطعن في صحيح البخاري وفي هذا الحديث الصحيح ؟!!
وهكذا يتبين لنا أن التيجاني قليل العلم بالحديث ورجاله ، وبضاعته فيه بضاعة مزجاة ، فلا تعجب أيها القاريء منه بعد هذه الضلالة.
================
معلومة هامة عن مرويات أبي هريرة رضي الله عنه(1/487)
المتتبع لروايات أبي هريرة رضي الله عنه في الكتب التسعة ( الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وموطأ مالك ومسند أحمد والدارمي ) يجد أن أغلب الصحابة اشتركوا مع أبي هريرة في كل رواياته ما عدا ثماينة أحاديث فقط !!! هل تصدقون هذا؟
والثمانية هي:
1- ( بينما رجل راكب بقرة ) إلى آخر الحديث ، سنن الترمذي المناقب حديث رقم 3610
2- ( قرأ رسول الله ( يومئذ تحّدث أخبارها ) ، سنن الترمذي صفة القيامة حديث رقم 2353
3- ( أتدرون من المفلس ... ) ، صحيح مسلم ، البر والصلة ، حديث رقم 4678
4- ( أول من يُدعى يوم القيامة .. ) ، مسند أحمد ، باقي مسند المكثرين حديث رقم 8558
5- ( أظلكم شهركم ... ) ، مسند أحمد ، باقي مسند المكثرين حديث رقم 10365
6- ( أعذر الله إلى امرئ .. ) ، صحيح البخاري ، الرقاق ، حديث رقم 5940
7- ( أقرب ما يكون العبد .. ) ، صحيح مسلم ، الصلاة ، حديث رقم 744
8- ( بينا أيوب يغتسل .. ) ، صحيح البخاري ، الغسلل ، حديث رقم 270
محب أهل البيت
=================
شبهات أخرى حول الصحابة رضي الله عنهم
1. ... إدعاء الشيعة وجود نصوص توجب اتباع علي رضي الله عنه - 2
2. ... آيات وأحاديث في الإمامة والرد عليها
3. ... طعن الشيعة في ابن عمر رضي الله عنهما والرد على ذلك
4. ... إدعاء الشيعة وجود نصوص توجب اتباع أهل البيت
5. ... الإدعاء بأن البخاري رحمه الله يفرد علياً بالصلاة والسلام
6. ... تقليد الأئمة عند أهل السنة
7. ... إدعاء الشيعة أن الائمة الأربعة أخذوا العلم عن جعفر الصادق رحمهم الله جميعا
8. ... إدعاء الشيعة وجود النص على الأئمة الاثني عشرية بعددهم وأسمائهم
9. ... إدعاء الشيعة بأن اختلاف الأئمة الأربعة يدل على مخالفتهم للقرآن والسنة
10. ... القول : (إن الشيعة يأخذون الإسلام أصولاً وفروعاً عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته الأطهار لا غير)
11. ... إنكار الرافضة لوجود فرقة من الشيعة تدّعي أن الرسالة نزلت لعلي وليس لمحمد، وفرقة تدّعي أُلوهية عليّ والرد عليهم في ذلك
12. ... ادعاء التيجاني والخوئي أن القرآن الذي عندهم هو نفسه الذي عند السنة الرد عليهما في ذلك
13. ... حجتهم في إضافة ( علي ولي الله ) في الأذان والرد عليهم في ذلك
14. ... حجة الرافضة في الضرب واللطم في ذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه والرد عليهم في ذلك
15. ... ادعاء الرافضة أن التوسل بالقبور ليس شركاً والرد عليهم في ذلك
16. ... معنى حديث افتراق الأمة
17. ... مصطلح أهل السنة والجماعة
18. ... إستدلال الشيعة بفرية الرحالة إبن بطوطة على شيخ الإسلام إبن تيمية
19. ... بطلان إستشهاد الرافضة ببيت شعر الشافعي رحمة الله عليه
20. ... إدعاء الشيعة تحريف تفسير إبن كثير
21. ... دفاع عن صحيح البخاري - 2
22. ... تدوين الحديث
23. ... مرويات أهل البيت في كتب أهل السنة
24. ... قبر الزهراء رضي الله عنها
25. ... إتهام الشيعة لأهل السنة بتحريف القرآن
26. ... عقائد الأشاعرة - شبهات وردود
27. ... شبهة حول حروب الردة والفتوحات الإسلامية
28. ... الرد الكبير علي أباطيل شريط - رد الشبهات
29. ... آيات يحتج بها الشيعة
30. ... أحاديث يحتج بها الشيعة
31. ... تطاير الأساور في فضح أكاذيب ليالي بيشاور
32. ... صفات الله
33. ... شبهات شيعية والرد عليها - 2 - 3 - 4 - 5 - 6
34. ... شبهات وردود
ادعاء التيجاني وجود النصوص التي توجب اتباع علي والرد عليه في ذلك:
يحتج التيجاني بوجوب اتباع علي على بعض الروايات والتي يدعي أن السنة والشيعة متفقون عليها، فيقول (( من الأحاديث التي أخذت بعنقي ودفعتني للإقتداء بالإمام علي هي تلك التي أخرجتها صحاح أهل السنة والجماعة وأكدت صحتها والشيعة عندهم أضعافها ولكن ـ وكالعادة ـ سوف لا أستدل ولا أعتمد الاّ الأحاديث المتفق عليها من الفريقين. ومن هذه الأحاديث: حديث (( أنا مدينة العلم وعلى بابها ))(1)، أقول:
هذا الحديث باطل سنداً ومتناً.(1/488)
أما من ناحية السند: فقد ذكره ابن الجوزي في كتابه الموضوعات: واستقصى جميع طرقه وبين أنها باطلة(2)، وذكره ابن طاهر المقدسي في كتابه ( تذكرة الموضوعات ) وقال (( فيه أبو الصلت الهروي، واسمه عبد السلام، وفيه عثمان بن خالد، واسماعيل بن محمد بن يوسف، كلهم كذبة ))(3)، والسيوطي في كتابه (اللآلئ المصنوعة )(4)، والشوكاني في كتابه ( الفوئد الموضوعة )(5)، وقال العقيلي: لا يصح في هذا المتن حديث(6)، وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا حديث ضعيف بل موضوع عند أهل المعرفة بالحديث، ولكن قد رواه الترمذي وغيره ومع هذا كذب(7)، ورواه الترمذي بلفظ (أنا دار الحكمة وعلي بابها ) وقال: هذا حديث غريبٌ منكر(8)، وذكره ابن كثير في البداية وقال (( وهذا الحديث يعرف بأبي الصلت الهروي عن أبي معاوية سرقه منه أحمد بن سلمة هذا ومعه جماعة من الضعفاء، هكذا قال رحمه الله. وقد روى أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز عن ابن معين أنه قال: أخبرني ابن أيمن أن أبا معاوية حدث بهذا الحديث قديماً ثم كف عنه، قال: وكان أبو الصلت رجلاً موسراً يكرم المشايخ ويحدثونه بهذه الأحاديث وساقه ابن عساكر باسناد مظلم عن جعفر الصادق عن أبيه عن جده عن جابر بن عبد الله فذكره مرفوعاً، ومن طريق أخرى عن جابر: قال بن عدي وهو موضوع أيضاً. وقال أبو الفتح الأودي: لا يصح في هذا الباب شيء ))(9)، وأبطله محقق الفضائل لأحمد(10)، وقال الألباني: موضوع(11)، وقال الدارقطني (( الحديث مضطرب غير ثابت ))(12).
وأما من ناحية المتن فباطل وذلك: أن (( الكذب يعرف من نفس متنه، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان مدينة العلم، ولم يكن لها إلا باب واحد، ولم يبلغ عنه العلم إلا واحد، فسد أمر الإسلام. ولهذا اتفق المسلمون على أنه لا يجوز أن يكون المبلّغ عنه العلم واحداً، بل يجب أن يكون المبلّغون أهل التواتر، الذين يحصل العلم بخبرهم للغائب. وخبر واحد لا يفيد العلم إلا بقرائن، وتلك قد تكون منتفية أو خفية عن أكثر الناس، فلا يحصل لهم العلم بالقرآن والسنن المتواترة. وإذا قالوا: ذلك الواحد المعصوم يحصل العلم بخبره. قيل لهم: فلا بد من العلم بعصمته أولاً. وعصمته لا تثبت بمجرد خبره قبل أن يعلم عصمته، فإنه دوْر ولا تثبت بالإجماع، فإنه لا إجماع فيها. وعند الإمامية إنما يكون الإجماع حجة، لأن فيهم الإمام المعصوم، فيعود الأمر إلى إثبات عصمته لمجرد دعواه، فعلم أن عصمته لو كانت حقاً لا بد ان تعلم بطريق آخر غير خبره. فلو لم يكن لمدينة العلم باب إلا هو، لم يثبت لا عصمته ولا غير ذلك من أمور الدين، فعلم أن هذا الحديث إنما افتراه زنديق جاهل ظنه مدحاً، وهو مطرق الزنادق إلى القدح في دين الإسلام، إذ لم يبلغه إلا واحد. ثم إن هذا خلاف المعلوم بالتواتر، فإن جميع مدائن الإسلام بلغهم العلم عن الرسول من غير عليّ. أما اهل المدينة ومكة فالامر فيهما ظاهر، وكذلك الشام والبصرة، فإن هؤلاء لم يكونوا يروون عن عليّ إلا شيئاً قليلاً، وإنما كان غالب علمه في الكوفة، ومع هذا فأهل الكوفة كانوا يعلمون القرآن والسنة قبل ان يتولى عثمان، فضلاً عن علي.
وفقهاء اهل المدينة تعلموا الدين في خلافة عمر، وتعليم معاذ لأهل اليمن ومقامه فيهم أكثر من عليّ. ولهذا روى اهل اليمن عن معاذ بن جبل أكثر مما رووا عن علي، وشريح وغيره من أكابر التابعين إنما تفقهوا على معاذ بن جبل. ولمّا قدم عليّ الكوفة كان شريح فيها قاضياً. وهو وعبيدة السلماني تفقها على غيره، فانتشر علم الإسلام في المدائن قبل أن يقدم عليّ الكوفة ))(13).
ثم يحتج التيجاني بالحديث الثاني فيقول (( حديث ( ياعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي ) هذا الحديث كما لا يخفى على اهل العقول فيه ما فيه من اختصاص أمير المؤمنين بالوزارة والوصاية الخلافة. كما كان هارون وزيراً ووصياً، وخليفة موسى في غيابه عندما ذهب لميقات ربه، وفيه أيضاً أن منزلة الإمام علي كمنزلة هارون عليه وعلى نبينا السلام فهو صورة طبق الأصل ما عدا النّبوة التي استثناها نفس الحديث، وفيه أيضاً أن الإمام علياً هو أفضل الصحابة فلا يفوته في ذلك الا صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم ))(14)، فأقول:
هذا الحديث صحيح فقد رواه البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص قال ((خلَّف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّ بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله، تُخلِّفني في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنَّه لا نبي بعدي ))(15)، ولكنه لا يفيد ما ادعاه التيجاني من اختصاص عليّ بالوزارة والوصاية والخلافة، وذلك للأسباب التالية:(1/489)
أ ـ أن لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبب وهو أنه استخلف علياً في غزوة تبوك، وهي الغزوة التي لم يأذن لأحد في التخلف عنها فقال المنافقون إنما استخلفه لأنه يبغضه، فقد اخرج النسائي في خصائص عليّ عن سعد بن أبي وقاص قال (( لما غزا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزوة تبوك خلّف علياً كرم الله وجهه في المدينة، قالوا فيه: ملّه وكره صحبته، فتبع عليّ رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى لحقه في الطريق، قال: يارسول الله خلفتني بالمدينة مع الذراري والنساء، حتى قالوا: ملّه وكره صحبته؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا عليّ إنما خلّفتك على أهلي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ))(16)، ولهذا خرج عليّ إلى النبي وقال ما قال، فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يطيب قلب عليّ وأبان له أن الاستخلاف لا يوجب نقصاً له، لأن موسى استخلف هارون على قومه فكيف يعدّ ذلك نقصاً، فرضي علي بذلك ( فقال: رضيت رضيت ) كما جاء في رواية ابن المسيب عند أحمد(17) فكان قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا لترضية عليّ ليس إلا.
ب ـ الثابت في السيرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يستخلف في كل مرة يغزو أو يسافر فيها ولكنه لم يقل لأحد ممن استخلفه أنه منه بمنزلة هارون من موسى، وسبب ذلك أن كل من استخلفه لم يظن أن في استخلافه نوع نقص، فلم يحتج أن يقول له هذه الجملة، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ هذه الجملة لا تبين اختصاصه بها، ومن ادعى غير ذلك فعليه الدليل، وليس في الحديث ما يدل على التخصيص وأن غيره لم يكن منه بمنزلة هارون من موسى، وذلك مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم للرجل الذي لعن شارب الخمر (( لا تلعنوه فولله ما علمت أنه يحب الله ورسوله ))(18)، فلا يقول عاقل أن غيره لا يحب الله ورسوله، ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك لسبب، وهو ان ينهى الساب عن لعنه كما كان سبب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي رضي الله عنه ذلك لكي يرضى ولا يتوهم النقص في استخلافه.
ت ـ قلت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خص علياً بقوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى لأنه أعتقد أن استخلافه يعد نقصاً، ومعنى ذلك أن عليّ لو لم يعترض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما خصه بذلك، وهذا أعظم دليل على أن الحديث ليس دليلاً على إمامة عليّ، وأنه المستحق للخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يعتقد ذلك إذن إلا من هو أكثر الناس جهلاً وأقلّهم عقلاً.
ث ـ أما قول التيجاني أن هذا الحديث ( فيه من اختصاص أمير المؤمنين عليّ بالوزارة والوصاية والخلافة كما كان هارون وزيراً ووصياً وخليفة موسى في غيابه عندما ذهب لميقات ربه ).
قلت: ليس في الحديث أي اختصاص لعليّ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد استخلف على المدينة غيره، فليس مجرد الاستخلاف على المدينة يجعل المستخلف خليفة، إضافة إلى أن استخلاف عليّ على المدينة لم يكن الأخير فقد استخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة في حجة الوداع غير عليّ، فإذا كان مجرد الاستخلاف يعني الاستمرارية فغير عليّ أولى بذلك إذاً، ولكن الاختصاص الحقيقي هو الذي يختص به شخصاً واحداً، كما اختص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر على الحج، واختصه أيضاً بإمامة الصلاة وحده، ولم يكن اختصاصه بسبب قرابة أو لأجل استرضائه، كما كان مع عليّ، بل اختصاص مطلق من أجل الفضيلة والاستحقاق.
جـ ـ وعلى فرض التسليم باختصاص عليّ بالوصاية والخلافة، فإن هذا الاختصاص هو في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يستمر إلى ما بعد وفاته لأن (( هارون لم يكن خليفة موسى إلا في حياته لا بعد موته لأنه ( أي هارون ) مات قبل موسى باتفاق))(19)، أوليس التيجاني يقول ( أن منزلة الإمام عليّ كمنزلة هارون فهو صورة طبق الأصل ) فها هي الصورة الحقيقية لهارون من الاستخلاف، وصورة عليّ أصبحت طبق الأصل منه أي أن الاستخلاف هو في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفقط، ومن فمك ندينك يا تيجاني.
وفي ضوء ما سبق يتضح لطالب الحق أن هذا الحديث لا يدل من قريب ولا من بعيد على أن علياً خليفة الرسول في حياته فضلاً على ان يكون بعد مماته.(1/490)
وأما الحديث الثالث الذي يحتج به التيجاني وهو (( حديث ( من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ) ـ ثم يعلق عليه بقوله ـ وهذا الحديث وحده كاف لردّ مزاعم تقديم أبي بكر وعمر وعثمان على من نصّبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولياً للمؤمنين من بعده، ولا عبرة بمن أوّل الحديث إلى منعى المحب والنصير لصرفه عن معناه الأصلي الذي قصده الرسول وذلك حفاظاً على كرامة الصحابة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قام خطيباً في ذلك الحر الشديد ( قال ألستم تشهدون بأني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) قالوا بلى يارسول الله فقال عندئذ ( فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه... ) وهذا نص صريح في استخلافه على أمته، ولا يمكن للعاقل المنصف العادل إلاّ قبول هذا المعنى ورفض تأويل البعض المتكلف والحفاظ على كرامة الرسول قبل الحفاظ على كرامة الصحابة لأن في تأويلهم هذا استخفاف واستهزاء بحكمة الرسول الذي يجمع حشود الناس فيالحر الهجير الذي لا يطاق ليقول لهم بأنّ علي هو محب المؤمنين وناصرهم. وبماذا يفسر هؤلاء الذين يؤولون النصوص حفاظاً على كرامة كبرائهم وساداتهم موكب التهنئة الذي عقده له رسول الله (ص). وبدأ بزوجات أمهات المؤمنين وجاء أبو بكر وعمر يقولان ( بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وامسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ) والواقع والتاريخ يشهد أن المتأولين لكاذبون فويل لهم ممّا كتبت أيديهم وويل لهم ممّا يكتبون قال تعالى { وان فريقاً منهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون } ))(20)، فأقول:
أ ـ هذا الحديث صحيح إن شاء الله، ولكنه لا يفيد استخلاف عليّ على الأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد بينت ذلك باستفاضة في مبحث أبي بكر فليرجع إليه للأهمية(21).
ب ـ بالنسبة للزيادة في قوله ( وانصر من نصره واخذل من خذله ) فهي
زيادة ضعيفة خلا الحديث لأن هذه الزيادة مدارها على شريك القاضي وهو سيء الحفظ(22) ، أما ( وأدر معه الحق حيث دار ) فلم أجدها في جميع طرق الحديث!
ت ـ أما أقوله ( ولا عبرة بمن أوّل الحديث إلى معنى المحب والنصير لصرفه عن معناه الأصلي الذي قصده الرسول وذلك حفاظاً على كرامة الصحابة )! وأنا أسأل التيجاني المنصف كيف عرفت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قصد هذا المعنى الأصلي؟! هل اتصلت بشيخ الطائفة ( أحمد التيجاني ) للاستفسار عن المعنى الأصلي، الذي بادر من فوره للالتقاء بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسأله عن قصده ـ كما علمه صلاة الفاتح من قبل ـ فأخبره بالمعنى الأصلي، ثم أعلمك إياه؟؟! سبحان الله، جاهل ويتنطّع.
ث ـ أما احتجاجه بأن النبي قام خطيباً في الحر الشديد الذي لا يطاق ذاكراً النص على علي. فأقول:
وقوفه في الحر الذي لا يطاق ليس دليلاً على أن علياً خليفة، فهذا لا يحتج به إلا مفلس ولعل هذه الحجة تقبل عقلاً في حال جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس وامرهم بالذهاب لغدير خُم ثم ذكر لهم الحديث، ولكنه عندما قال ما قال كان عائداً من حجة الوداع وفي الطريق عند الغدير ذكر موالاة عليّ فلو كان يقصد بالموالاة الإمامة لذكرها في حجة الوداع التي خطبهم فيها بأهم ما يجب أن يعرفوه، وكان يقول ألا هل بلّغت، اللهم فاشهد، ولكن لما لم يكن هذا بلاغاً للناس فلم يذكره، ولتأكيد مقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بموالاة عليّ على أنها الحب والنصرة هو مارواه احمد في الفضائل عن ابن بريدة عن أبيه قال (( بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستعمل علينا علياً، فلما رجعنا سأَلنا: كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ فإما شكوته أنا إما شكاه غيري فرفعت رأسي وكنت رجلاً من مكة، وإذا وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد احمرّ فقال: من كنت وليه فعليّ وليه ))(23)، وما رواه ابن عباس عن بريدة قال خرجت مع عليّ رضي الله عنه إلى اليمن، فرأيت منه جفوة، فقدمت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فذكرت علياً فتنقصته، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتغير وجهه، يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه ))(24)، ومن هنا نعلم أن معنى مقصد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالموالاة هي الحب والنصرة.
جـ ـ أما قوله ( وبماذا يفسر هؤلاء الذين يؤولون النصوص حفاظاً على كرامة كبرائهم وساداتهم موكب التهنئة الذي عقده له رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدأ بزوجات أمهات المؤمنين وجاء أبو بكر وعمر يقولان ( بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة )، قلت:(1/491)
تباً لهذا التيجاني الأنوك الذي يعبث في النصوص الحديثية كيف يشاء، فعندما ذكر هذا الحديث في مبحث ( أسباب الاستبصار ) لم يذكر أن زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم كن من جماعة المهنّئين لعليّ، وهنا أضافهن زيادة في التحريف وامعاناً في الكذب، إضافة إلى أن أبا بكر لم يذكر في هذه الاضافة من الحديث إطلاقاً(25)، عدا أن هذه الزيادة ـ التهنئة ـ قد تفرد بها عليّ بن زيد وهو ضعيف(26)، ثم لا يستحي بعد ذلك أن يقول ( والواقع والتاريخ يشهد أن المتأولين لكاذبون، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكتبون )!؟ اللهم استجب!
ثم يذكر التيجاني الحديث الرابع فيقول (( حديث ( علي مني وأنا من علي، ولا يؤدّي عني الا أنا أو علي ) وهذا الحديث الشريف هو الآخر صريح في أن الإمام علي هو الشخص الوحيد الذي أهّله صاحب الرسالة ليؤدي عنه وقد قاله عندما بعثه بسورة براءة يوم الحج الاكبر عوضاً عن أبي بكر، ورجع أبو بكر يبكي ويقول يا رسول الله أنزل فيّ شيء فقال: أن الله أمرني أن لا يؤدي عني الا أنا أو علي. وهذا ظهير ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي في مناسبة أخرى عندما قال له (أنت يا علي تبيّن لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي ) ..))(27)، فأقول:
هذا الحديث صحيح وثابت ولكن التيجاني يحمله ما لا يحتمل وذلك للاسباب التالية:
أ ـ أما قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( علي مني وأن من علي ) فلا يختص بعليّ وحده فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال مثل ذلك لغيره فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي موسى قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( إنّ الأشعريين إذا أرملوا في غزوِ، أو قلَّ طعام عِيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوبٍ واحدٍ، ثم اقْتسموه بينهم في إناءٍ واحدٍ بالسوّية، فهم منِّي وأنا منهم ))(28)، وقال مثل ذلك لجليبيب رضي الله عنه فعن أبي برزة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( كان في مغزًى له. فأفاء الله عليه، فقال لأصحابه: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم ، فلاناً وفلاناً وفلاناً، ثم قال: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم ، فلاناً وفلاناً وفلاناً، ثم قال هل تفقدون من أحد؟ قالوا: لا. قال: لكني أفقد جُليبيباً فاطلبُوه، فطلب في القتلى، فوجدوه إلى جنبِ سبعةٍ قد قتلهم ثم قتلوه، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوقف عليه فقال: قتل سبعةً ثم قتلوه، هذا منّي وأنا منه ، هذا منّي وأنا منه ))(29)، فليس قوله هذا من خصائصه بل يشاركه في ذلك غيره.
ب ـ أما قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( لا يؤدي إلا أنا أو علي )، لأنه (( كان من دأب العرب إذا كان بينهم مقاولة في نقض وإبرام وصلح ونبذ عهد أن لا يؤدي ذلك السيد أو من يليه من ذوي قرابته القريبة ولا يقبلون ممن سواهم ))(30).
ت ـ ومع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أردف بعلي ليؤذن ببراءة فقد جعله تابعاً مأموراً تحت أبي بكر، لأن أبا بكر كان أميراً على الحج في ذلك الوقت فليس إرداف عليّ مأموراً من قبل أبي بكر دليل على أحقيته للخلافة بل على العكس، فالأحق هو أبو بكر لأنه كان الأمير على الحج.
ث ـ أما رواية ( أنت يا علي تبين لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي ) فهو حديث موضوع، من طريق ضرار بن الصرد (( قال عنه البخاري وغيره: متروك، وقال يحيى بن معين: كذابان بالكوفة ضرار بن الصرد وأبو نعيم النخعي، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو حاتم: صدوق لا يحتج به، وقال الدارقطني: ضعيف ))(31)، وله طريق آخر عن علي بن عابس أخرجه ابن الجوزي في كتابه الموضوعات وقال (( هذا الحديث لا يصح. قال يحي بن معين علي بن عابس ليس بشيء ))(32) ((وقال الجوزاني والنسائي والأزدى: ضعيف، وقال بن حبان: فحش خطؤه ما استحق الترك ))(33)، وقال ابن حجر ضعيف(34) فالحديث باطل ولا حجة فيه. ومما سبق يظهر لكل ذي لب أن هذا الحديث ليس فيه أي حجة أو دليل على خلافة علي.
ثم يحتج بالحديث الأخير فيقول ( ( حديث الدار يوم الإنذار: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيراً إلى علي: ( إن هذا أخي، ووصيي، وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا ) . وهذا الحديث هوأيضاً من الأحاديث الصحيحة التي نقلها المؤرخون لبداية البعثة النبوية وعدّوها من معجزات النبي، ولكنّ السياسة هي التي أبدلت وزيّفت الحقائق والوقائع ))(35)، فأقول:
هذا الحديث باطل متناً وسنداً:
أما من ناحية السند: فمدار رواياته على ثلاثة، محمد بن اسحاق وعبد الغفار بن القاسم وعبد الله بن عبد القدوس.(1/492)
أما محمد بن اسحاق: راوي الحديث فهو مختلف في صحته(36) وأما عبد الغفار بن القاسم: قال عنه الذهبي (( أبو مريم الأنصاري رافضي، ليس بثقة، قال علي بن المديني: كان يضع الحديث، ويقال: كان من رؤوس الشيعة، وروى عباس بن يحيى: ليس بشيء، وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم، وقال أحمد بن حنبل: كان أبو عبيدة إذا حدّثنا عن أبي مريم يضج الناس يقولون: لا نريده، وقال أحمد: كان أبو مريم يحدّث ببلايا في عثمان ))(37)، وقال عنه ابن حبّان (( كان ممن يروي المثالب في عثمان بن عفان وشرب الخمر حتى يسكر، ومع ذلك يقلّب الأخبار، ولا يجوز الاحتجاج به، تركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ))(38)، وقال النسائي (( متروك الحديث ))(39)، وقال عنه ابن كثير (( متروك كذّاب شيعي اتهمه علي بن المديني وغيره بوضع الحديث وضعّفه الأئمة رحمهم الله ))(40)، وأما عبد الله بن عبد القدوس: قال عنه الذهبي (( كوفي رافضي نزل الري، روى عن الأعمش وغيره، قال بن عدي: عامة ما يرويه في فضائل أهل البيت، قال يحيى: ليس بشيء رافضي خبيث، وقال النسائي وغيره: ليس بثقة، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال أبومعمر: عبد الله بن عبد القدوس وكان خشبياً))(41) (( وحدثنا أحمد بن علي الأبار قال: سألت زنيج شيخ رازي عن عبد الله بن عبد القدوس فقال: تركته، ولم أكتب عنه شيئاً ولم يرضه ))(42).
وأما من ناحية المتن فهو باطل لأسباب وهي:
أ ـ الرواية التي ذكرها التيجاني ليست كاملة بل ناقصة جداً والرواية كاملة (( لمانزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنذر عشيرتك الأقربين دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين فضقت بذلك ذرعاً وعرفت أني متى أبادئهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمت عليه حتى جاء جبرائيل فقال يا محمد إنك ألا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك فاصنع لنا صاعاً من الطعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عساً من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم خدية من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصفحة، ثم قال خذوا بسم الله فأكل القوم حتى مالهم بشيء حاجة، وما أرى إلا موضع أيديهم وأيم الله الذي نفسي بيده، وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم، ثم قال إسق القوم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى روا منه جميعاً، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لقد سحركم صاحبكم فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الغد يا علي إن هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن أكلمهم فعِد لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثم اجمعهم إلي. قال ففعلت، ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا حتى مالهم بشيء حاجة، ثم قال إسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعاً، ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصي وخليفتي فيكم. قال فأحجم القوم عنها جميعاً وقلت وإني لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطشاً واحمشهم ساقاً أنا يا رسول الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي، ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لإبنك وتطيع ))، وفي سياق آخر ((... فلم يجبه أحد منهم فقام علي وقال: أنا يا رسول الله. قال اجلس ثم أعاد القول على القوم ثانياً فصمتوا، فقام علي وقال: أنا يا رسول الله فقال اجلس، ثم أعاد القول على القوم ثالثاً فلم يجبه أحد منهم فقام علي فقال أنا رسول الله فقال اجلس أنت أخي...الخ ))(43)، وأنا أعذر التيجاني عندما أخفى هذا الجزء من الحديث الذي يكشف عن آثار وضْعه وكذبه وذلك للأسباب التالية:(1/493)
أ ـ في الحديث أن بني عبد المطلب ( هم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه) والتاريخ يشهد أنهم لم يبلغوا العشرين رجلاً فضلاً عن الأربعين! (( فإن بني عبد المطلب لم يُعقب منهم باتفاق الناس إلا أربعة: العبّاس، وأبو طالب، والحارث، وأبو لهب. وجميع ولد عبد المطلب من هؤلاء الأربعة وهم بنوهاشم ولم يدرك النبوة من عمومته إلا أربعة: العباس وحمزة وأبو طالب وأبو لهب، وأما العمومة وبنو العمومة فأبو طالب كان له أربعة بنين: طالب وعقيل وجعفر وعليّ. وأما العباس فبنوه كلهم صغار، إذ لم يكن فيهم بمكة رجل، وهَبْ أنهم كانوا رجالاً فهم: عبد الله وعبيد الله والفضل، وأما قثم فوُلد بعدهم، وأكبرهم الفضل، وبه كان يكنَّى، وأما الحارث بن عبد المطلب وأبولهب فبنوهما أقل، والحارث كان له ابنان: أبو سفيان وربيعة، وكلاهما تأخر إسلامه، وكان من مُسلمة الفتح، وكذلك بنو أبي لهب تأخر إسلامهم إلى زمن الفتح، وكان له ثلاثة ذكور، فأسلم منهم اثنان: عتبة ومغيث ))(44).
ب ـ هذه الرواية معارضة برواية أخرى اتفق أهل الحديث على صحّتها وثبوتها فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (( لمّا نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين }. صعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الصّفا، فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدِي، لبطون قريش، حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فقال: أرأيتكم أنّ خيلاً بالوادي تريد أن تُغير عليكم أكنتم مصدقِّي، قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً، قال: فإنِّي نذير لكم بين يديْ عذابٍ شديدٍ، فقال أبو لهب: تباًّ لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا، فنزلت { تبت يدا أبي لهب وتبّ، ما أغنى عنه ماله وماكسب } ))(45).
ت ـ الرافضة الاثنا عشرية طالما ادعوا النص الصريح على خلافة عليّ وأنه هو الوصي والمستحق الوحيد لهذا المنصب، وأن النصوص متظافرة في اثبات ذلك، وهذا الحديث يدحض مزاعمهم، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا قومه لنصرته وأن من يقبل نصرته فسيصبح أخوه ووصيه وخليفته من بعده ولم يخص عليّ بذلك بل وأعرض عنه ثلاث مرات، ولمّا لم يجد ناصراً غير عليّ قال له ما قال، وهذا يدل على أن علياً لا يستحق هذا المنصب ابتداءً، وان النبي صلى الله عليه وآله وسلم اضطر مع إحجام قومه أن يجعل هذا الأمر في عليّ، فهل هذا يتوافق مع ما يدعيه الرافضة من أنّ علياً منصوص عليه من قبل السماء؟!
ث ـ لقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا المنصب من نصيب من يؤازره على هذا الأمر وهو الإسلام والنطق بالشهادتين، وأنا أتساءل هل مجرد إسلام الشخص ونطقه بالشهادتين يستحق أن يصبح وزيراً ووصياً وخليفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ؟! ومعنى ذلك أيضاً أن جميع من أسلم وآزر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا الأمر يستحق أن يصبح خليفة له، فأي ميزة لعليّ عن جميع من أسلم حتى يصبح وصي وخليفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك؟ ثم لو فرضنا أن اثنين أو أكثر من قومه أجابوه إلى ذلك، فهل سيكون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة خلفاء في وقت واحد؟؟! أم سيجري انتخابات لترشيح واحداً منهم!!؟ أليس من ينسب هذا الهذيان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم هومن أغبى الناس.
جـ ـ هذه الرواية تزعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعليّ بعدما أحجم القوم عن مؤازرته ( إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ـ وليس من بعدي كما يزعم التيجاني ـ فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع )!؟ وأنا أتساءل مبهوتاً، كيف يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقومٍ رفضوا مؤازرته ونصرته بل وحاربوه، هذا خليفتي فاسمعوا له وأطيعوا؟! يا الله، هم أنفسهم لم يطيعوا النبي المرسل فهل سيطيعون صبياً صغيراً؟! ولو فرضنا أن قول التيجاني ـ إن هذا أخي وخليفتي من ( بعدي ) وليس ( فيكم ) صحيحاً، فهل هم أطاعوا النبي في الحاضر حتى يطيعوا خليفته من بعده؟! كأن الخطاب لجمع من المسلمين وليس لجمع من رؤؤس الكفر! سبحان الله حتى المشركين في الرواية أكثر فهماً من هؤلاء الروافض، لذلك خرجوا يضحكون على مثل هذا الكلام العجيب، ويقولون لأبي طالب، قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع!!! فهل بعد هذه الأدلة يعتقد من يحترم عقله بصحة هذا الحديث.(1/494)
ثم يهذي فيقول ( ولا عجب من ذلك لأن ما وقع في ذلك الزمان المظلم يتكرر اليوم في عصر النور فهذا محمد حسين هيكل أخرج الحديث بكامله في كتابه ( حياة محمد ) في صفحة 104 من الطبعة الأولى سنة 1354 هجرية وفي الطبعة الثانية وما بعدها حذف من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم ( وصيي وخليفتي من بعدي )، كذلك حذفوا من تفسير الطبري الجزء 19 صفحة 121 قوله ( وصيي وخليفتي ) وأبدلوها بقوله أن هذا أخي وكذا وكذا..!! وغفلوا عن أن الطبري ذكر الحديث بكامله في تاريخه الجزء 2 صفحة 319 . أنظر كيف يحرّفون الكلم عن مواضعه ويقلّبون الأمور، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متّم نوره (!!) ... وخلال البحث الذي قمت به أردت الوقوف على جلية الحال فبحثت عن الطبعة الأولى لكتاب ( حياة محمد ) وتحصلّت عليه بحمد الله بعد عناء ومشقة وقد كلفني ذلك كثيراً، والمهم أنني اطّلعت على ذلك التحريف وزادني ذلك يقيناً بأن أهل السوء يحاولون جهدهم لمحو الحقائق الثابتة لأنها حجة قوية لدى ( خصومهم)! ))(46) قلت:
لست أدري والله كيف يبرز هذا التيجاني جهله الواسع، فكأن كتاب ( حياة محمد ) هو صحيح البخاري أو مسلم حتى يسعى أهل السنة لتحريف ما فيه من روايات، فهذا الكتاب لا يعدو أن يكون أقرب إلى الأسلوب القصصي ولا يمثل أي قيمة لدى أهل السنة، فحسبه مثل الكثير من الكتب التي تدفع بها المطابع إلى سوق الكتب، والحديث المشار إليه قد كذبه علماء الجرح والتعديل قبل أن يخلق صاحب الكتاب بقرون، فلماذا يحرفونه في هذا الكتاب بالذات، وقد استشهد به من قبل المفسرون، ولعل كلام التيجاني يقبله العقل إذا حرّف الحديث في كتاب معتبر أو كتاب حديث، ولن يحدث هذا إطلاقاً لأن أهل السنة لا يهتمون بالحديث، أنما بسلسلة روات السند، ولكن التيجاني يحسب أهل السنة مثلهم أ هل التحريف من الرافضة الذين حرفوا نصوص القرآن وليس فقط الرويات الحديثية وليعلم التيجاني أنه لوجاء بعشرات الكتب من مثل كتاب حياة محمد كلهم يوردون هذه الرواية ويثبتونها في كتبهم فلا يعني هذا أن الحديث أصبح صحيحاً ومن هنا نعلم أنه لا يوجد تحريف في كتاب حياة محمد وإن كان هناك تغير فإنه من عمل المؤلف، مع العلم أن دعوى التحريف لم يأت عليها بدليل واحد اللهم إلا دليل التحامل والكذب، وبالنسبة للطبري فإنه قد ساق هذه الرواية كما ذكرها التيجاني، ولم يحرفها أحد ولكن التيجاني يحاول جهده أن يثبت ذكاءه ولكنه مع الأسف يكتشف دائماً لأنه يثبت جهله!؟ فأسأله سؤالاً سيتضح من جواب التيجاني له مدى الذكاء الذي يتمتع به، والسؤال هو: عندما اكتشفت اكتشافك العظيم بأن الطبري ساق الحديث وقد حرفه المحرفون، ثم وجدته كاملاً في موضع آخر، فهل ظننت أن الذي يريد تحريف كتاب، يقرأ جزءاً واحداً فقط دون أن يقرأه كله كي يتم التحريف كاملاً حتى تأتي أنت وتكتشف هذا الخلل؟ فستقول نعم، يأبى الله إلا أن يكشف حقيقتهم فأغفلهم عن الموضع الآخر، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون! فسأقول لك: وما أدراك أن الطبري نفسه هو الذي ساقه بهذا اللفظ؟ ومادليلك على التحريف؟ وكيف عرفت أن المحرفون قد غفلوا عن الموضع الآخر؟ وهل الجزء الصغير من هذه الرواية ـ التي نحن بصددها ـ الذي استشهدت به في كتابك وتركت بقيتها يعتبر نوعاً من التحريف؟! فإجابة التيجاني على هذه الأسئلة ستحسم ذكاءه من غبائه!!
ثانياً ـ ادعاء التيجاني وجود النصوص التي توجب اتباع أهل البيت والرد عليه في ذلك:
يحتج التيجاني على أهل السنة بوجوب اتباع أهل البيت في كل أمر، ويستدل على ذلك ببعض الأحاديث التي يعتقد أنها توجب ذلك.(1/495)
ويبدأ بأول حديث فيقول (( حديث الثقلين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) وقال أيضاً ( يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي ). وإذا تمعّنا في هذا الحديث الشريف الذي أخرجه صحاح أهل السنة والجماعة وجدنا أن الشيعة وحدهم هم الذين اتبعوا الثقلين ( كتاب الله والعترة النبوية الطاهرة ) بينما اتّبع أهل السنة والجماعة قول عمر ( حسبنا كتاب الله ). وليتهم اتبعوا كتاب الله بغير تأويل حسب أهوائهم فإذا كان عمر نفسه لم يفهم منه معنى الكلالة ولا عرف منه آية التيمم وعدة أحكام أخرى فكيف بمن جاء بعده وقلده بدون اجتهاد أو اجتهد برأيه في النصوص القرآنية، وبطبيعة الحال سوف يردون عليّ بالحديث المروي عندهم وهو ( تركت فيكم كتاب الله وسنتي )، وهذا الحديث إن صح وهو صحيح في معناه، لأن العترة بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الثقلين المتقدم هو الرجوع إلى أهل البيت ليعلّموكم ـ أولاً ـ سنتي: أو لينقلون إليكم الأحاديث الصحيحة لأنهم منزّهون عن الكذب وأن الله سبحانه عصمهم بآية التطهير. وثانياً: لكي يفسروا لكم معانيها ومقاصدها، لأن كتاب الله وحده لا يكفي للهداية فكم من فرقة تحتج بكتاب الله وهي في الضلالة كما ورد ذلك عن رسول الله عندما قال ( كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه). فكتاب الله صامت، حمّال أوجه، وفيه المحكم والمتشابه ولا بد لفهمه من الرجوع إلى الراسخين في العلم حسب التعبير القرآني وإلى أهل البيت حسب التفسير النبوي. فالشيعة يرجعون كل شيء إلى الأئمة المعصومين من أهل البيت النبوي ولا يجتهدون إلا فيما نصّ فيه، ونحن نرجع في كل شيء إلى الصحابة سواء في تفسير القرآن أو في إثبات السنة وتفسيرها وقد علمنا أحوال الصحابة وما فعلوه وما استنبطوه واجتهدوا فيه بآرائهم مقابل النصوص الصريحة وهي تعدّ بالمئات فلا يمكن الركون إلى مثلهم بعدما حصل منهم ما حصل، وإذا سألنا علماءنا، أي سنّة تتبعون؟ لأجابوا قطعاً: سنّة رسول الله (ص)، والواقع التاريخي لا ينسجم مع ذلك، فقد رووا بأن الرسول نفسه قال ( عليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي عضّوا عليها بالنواجذ ) إذاً فالسنّة التي يتبعونها هي في أغلب الأحيان سنّة الخلفاء الراشدين وحتى سنّة الرسول التي يقولون بها فهي مروية عن طريق هؤلاء، على أننا نروي في صحاحنا بأن الرسول منعهم من كتابة سننه لئلا تختلط بالقرآن، وكذلك فعل أبو بكر وعمر إبّان خلافتيهما، فلا يبقى بعد هذا حجّة في قولنا ( تركت فيكم سنتي ) ))(1)،
للجواب على ما سبق أقول:
1ـ ( أهل البيت ) في الحديث المشار إليه له معنيان لا ثالث لهما، المعنى الأول: أن المقصود بهم هم أهل العلم والصلاح المتمسكون بالكتاب والسنة من أهل البيت، وهو الذي يشير إليه الحديث ( يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي )، المعنى الثاني: هو محبة أهل البيت واحترامهم وإكرامهم والمحافظة عليهم وهو الذي يشير إليه الحديث الآخر ( يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور واهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي )، ولا يفهم من هذا الحديث الرجوع إلى أهل البيت وحدهم، وهم عليّ وبنوه في معرفة السنة إطلاقاً وذلك للأسباب التالية:
أ ـ أن المقصود بأهل البيت: الأقرباء والزوجات، وقد أثْبتُّ هذه الحقيقة في مبحث خلاف أبي بكر مع فاطمة، وسقت اعتراف الشيعة الاثني عشرية على ذلك(2) ، ومن أهم مصادرهم بما لا يدع مجالاً لشاكٍّ، إضافة إلى أن الحديث الذي رواه مسلم واحتج به التيجاني في هامش كتابه، يبين أن أهل البيت المقصودون هم غير عليّ وأولاده فعن زيد بن أرقم قال (( قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فينا خطيباً. بماء يدعى خُمّاً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر ثم قال ( أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه. ثم قال: وأهل بيتي، أُذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. فقال له حصين: ومن أهل بيته.؟ يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهلُ بيته من حُرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل عليّ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال كل هؤلاء حُرم الصدقة؟ قال: نعم ))(3)، وهذا يؤيد المعنى الثاني وهو المحافظة عليهم وإكرامهم واحترامهم.(1/496)
ب ـ بما أننا عرفنا أن أهل البيت يدخل فيه جميع الأقارب بما فيهم من ظل على الكفر، وبما أنه أمرنا بالتمسك بأهل البيت، فهل الأمر جاء بالتمسك بكل من ينتسب إلى أهل البيت حتى لو خالفوا الكتاب والسنة؟ لا شك أن هذا قول باطل. إذن أمرنا بمتابعة من تمسك بالكتاب والسنة من أهل البيت، وهم العلماء والصالحون، وهذا يؤيد المعنى الأول للحديث وهم أهل العلم من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم..كزز
ت ـ ولكن هل يجب التمسك بالصالحين من أهل البيت فقط؟ الجواب بالطبع لا، لأنه ليس من المعقول أن يلم بعض أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسنة كلها كعليّ مثلاً لأنه لا يمكن أن يحصل العلم بالقرآن والسنة له وحده، فلا بد أن يشاركه الصحابة الذين استأنسوا بصحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل، وتعلموا منه صلى الله عليه وآله وسلم
ث ـ ويقابل حديث العترة من حيث المعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم (( ... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنواجذ ))(4)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم (( إني لا أدري ما بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ))(5)، ففي هاذين الحديثين، حض بالتمسك بسنة الخلفاء الراشدين وخصوصاً أبو بكر وعمر فحديث العترة ليس على إطلاقه.
جـ ـ ولكن ما المراد بالتمسك في حديث العترة والخلفاء، فبالنسبة لحديث العترة يقول القاري في شرحه (( المراد بهم: أهل العلم منهم المطلعون على سيرته، الواقفون على طريقته والعارفون بحكمه وحكمته ـ وقال ابن الملك: معنى التمسك بالعترة محبتهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم. وزاد جمال الدين: إذا لم يكن مخالفاً للدين ))(6)، وقال بعض العلم أيضاً (( عترة الرجل أهل بيته ورهطه الأدنون ولاستعمال العترة على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله أهل بيتي ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه ))(7)، وكقوله تعالى عن زوجات النبي في آية التطهير { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } ( الأحزاب ـ 34)، والحكمة بمعنى السنة، وبالنسبة لقوله ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين )، يقول القاري، المعنى (( فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي فالإضافة إليهم إما لعملهم بها أو لاستنباطهم واختيارهم إياها ))(8)، وقال ابن رجب (( هذا إخبار منه صلى الله عليه وآله وسلم بما وقع في أمّته بعده من كثرة الاختلاف في أصول الدين وفروعه، وفي الأقوال والأعمال والاعتقادات، وهذا موافق لما روي عنه من افتراق أُمته على بضع وسبعين فرقة، وأنها كلها في النار إلا فرقة واحدة، وهي من كان على ما هو عليه وأصحابه، وكذلك في هذا الحديث أمر عند الافتراق والاختلاف بالتمسك بسنته وسنّة الخلفاء الراشدين من بعده، والسنة: هي الطريقة المسلوكة، فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه هو وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه السنة الكاملة، ولهذا كان السلف قديماً لا يطلقون اسم السنّة إلا على ما يشمل ذلك كله ))(9)، ومن هنا نستنتج أن الأمر بالتمسك بهؤلاء هو التمسك بما عندهم من العلم بالسنّة.(1/497)
د ـ وإذا راجعنا القرآن وجدناه يحض على الرجوع إلى السنة كما في قوله { لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعثَ فيهم رسولاً من أنْفُسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبلُ لفي ضلال مبين } ( آل عمران 164 )، قال الشافعي (( فذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ))(10)، وقوله تعالى { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فنتهوا )) ( الحشر 7 )، قال محمد جواد مغنية ـ من كبار الإمامية المعاصرين ـ في تفسير هذه الآية (( يقول سبحانه: اعملوا بالقرآن، فإن لم تجدوا فيه النص على ما تريدون فارجعوا إلى السنة النبوية ))(11)، فإذا عرفنا ذلك، وعرفنا أن الأحاديث السابقة تحض على التمسك بالعترة والخلفاء لعلمهم بالسنة نعلم يقيناً أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم (( تركت فيكم شيئين، لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض ))(12)، لا يتناقض معهما، بل يتوافق تماماً، وهذا ما يعترف به الرافضة الإمامية أيضاً وهو أن اتباع العترة هو بما وافق السنة وليس أن كل ما يقولونه حق، وما سواهم من الصحابة قولهم باطل، لذلك يروي الكليني في كتاب ( أصول الكافي ) ـ مثل البخاري عند السنة ـ عن أيوب بن الحر قال (( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ))(13)، وعن أبي عبد الله قال (( خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنى فقال (( أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته، وماجاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله ))(14)، وعن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول (( من خالف كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد كفر ))(15)، وعن أبان بن تغلب عن أبي جعفر عليه السلام (( أنه سُئل عن مسئلة فأجاب فيها قال: فقال الرجل: إنّ الفقهاء لا يقولون هذا فقال: يا ويحك وهل رأيت فقيهاً قط؟! إنّ الفقيه حق الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، المتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ))(16) ويورد كبير علمائهم في الرجال في كتابه ( رجال الكشي ) عن أبي عبد الله يقول (( إتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم فإنا إذا حدثنا قلنا: قال الله عزوجل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ))(17) وعن يونس عندما عرض على أبي الحسن الرضا كتب أصحاب أبي عبد الله فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبد الله وقال (( إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله (ع) لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الاحاديث إلى يومنا هذا (!!) في كتب أصحاب أبي عبد الله (ع) فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن(*)، فإنا إن تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة إما عن الله وعن رسوله نحدث، ولا نقول قال فلان وفلان(**) ، فيتناقض كلامنا ..))(18)، فهل يشك شاك بعد ذلك أن أهل السنة هم المتبعون حقاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، باتباعهم الكتاب والسنة؟
2ـ يقول التيجاني ( معنى العترة بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الثقلين المتقدم هو الرجوع إلى أهل بيتي ليعلموكم أولاً سنتي: أو لينقلون إليكم الأحاديث الصحيحة لأنهم منزهون عن الكذب ومعصومون بآية التطهير )،
قلت:
أ ـ وإذا كان أهل البيت هم جميع الأقارب كما أثبتنا، فهل هؤلاء جميعاً منزّهون عن الكذب؟! وآية التطهير يدخل فيها زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهل هنّ معصومات؟!
ب ـ التيجاني واخوانه من الإمامية يدّعون أن المراد بأهل البيت هم الأئمة الاثنا عشر من ولد علي بن أبي طالب إلى جعفر الصادق، ثم جعلوا الإمامة من بعده في موسى بن جعفر الكاظم، ويخالفهم في ذلك ( الإسماعلية )، الذين يجعلون الإمامة من بعد جعفر لابنه إسماعيل بن جعفر، ثم خرجت فرقة أخري ( الكيسانية ) التي لفظت أولاد عليّ من فاطمة، وقالت بإمامة محمد بن الحنفية بن عليّ، وتبعتها فرقة قالت بأن أهل البيت هم العباس وولده وهي فرقة ( الرواندية )(19)، وغيرهذه الفرق التي تدعي الانتساب لآل البيت علماً، أن كل فرقة من هذه الفرق تدعي الحق لنفسها وأنها التي تسير على خطى أهل البيت، وتكفر أو تضلل الفرق الأخرى، وكل منها تدعي الأخذ للسنة الصحيحة ممن تعتقد فيهم الإمامة فأين الكتاب وأين السنة من بين هؤلاء هؤلاء؟ فادعاء التيجاني أنه على الحق لأنه وشيعته يتبعون أهل البيت حجة مكشوفة ودعوى عريضة، فكل من يريد تدمير هذا الدين فما عليه إلا التمسح بآل البيت ويكفيه ذلك ليكون على بر الأمان، لا يسأل عما يفعل، كما هو شأن تلك الفرق الضالة التي اتخذت من آل البيت ستاراً لتحقيق مآربها وآل البيت منهم براء.(1/498)
والمخرج من كل ذلك هو اتباع الكتاب والسنة عن طريق العارفين بها من آل البيت والصحابة الكرام، فهذه حقيقة الاعتصام من كل هذا الركام.
3ـ والتيجاني يدّعي أن الشيعة يرجعون في كل شيء إلى الأئمة الاثني عشر من أهل البيت بخلاف أهل السنة الذين يرجعون في كل شيء إلى الصحابة سواء في تفسير القرآن أو إثبات السنة.
فأقول لطالب الحق أيهما أحق؟ الرجوع في تفسير القرآن أو السنة لصحابي عاش مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وشاهد التنزيل وتعلم التأويل من فم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، وكان الأدرى بالسنة، أم الرجوع فيها إلى عليّ بن الحسين بن عليّ أم جعفر الصادق الذي يستقي الإمامية مذهبهم في الفروع منه؟! فهل من عاش مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قرب مثله مثل من لم ير أي صحابي أصلا؟! وهل الإمام العاشر علي بن محمد الهادي أعلم من أبي بكر وعمر في تفسير القرآن أو فهم السنة؟؟! أم اجتهاد الإمام السابع موسى الكاظم أولى من اجتهاد عبدالله بن مسعود أو عبد الله بن عباس الذي دعى له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالفقه بالدين؟! فضلاً عن أبي بكر وعمر! وأنا أتساءل؟ إذا كان الأئمة الاثنى عشر هم أعلم من الصحابة في فقه الكتاب والسنة، والأحق بالاجتهاد منهم، فما الذي كانوا يفعلونه طيلة مكوثهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ يبدوا أنهم لم يتعلموا منه إلا السوء لذلك فسروا القرآن حسب أهوائهم وكذبوا عليه فرووا الأحاديث الموضوعة، ونسبوها إليه، واجتهدوا مقابل النصوص الصريحة!! يا الله أي طعن سيلحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد ارتضاهم له أصحاب ورضي بمجالستهم وهو القائل (( الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ))(20)، ولكن التيجاني سيسارع بالقول، ليس الأمر كذلك، ولكن النبي اضطر لمصاحبتهم درءاً لشرّهم، فأقول نعم، لذلك رضي أن يكونوا هم جيشه الذي يقاتل بهم الكفار، وجعل منهم قادةً للفتوح، وبعث منهم من يعلم أبناء المسلمين العقيدة والدين! في البلاد التي فتحها أصحابه؟ و( اضطر ) لمشاورتهم في أموره لقوله تعالى { وشاورهم بالأمر }!؟ ورضي مبايعتهم له بالموت تحت الشجرة فأنزل الله رضاه عنهم، وبعث عثمان نائباً عنه للتفاوض مع الكفار وقت الحديبية الخ أرأيت أخي القارئ كيف يتخذ التيجاني وشيعته من الطعن بالدين العظيم والرسول الامين ديناً وعقيدة!
وقد ضربت صفحاً عن بقية سفسطة التيجاني لأن فيما سبق كفاية والحمد لله.
ثم يحتج التيجاني بالحديث الثاني فيقول (( حديث السفينة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق) ( وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل من دخله غُفر له ) ))(21)، فأقول:
مدار هذا الحديث على مجموعة من الضعفاء والمتروكين، ففي سندها: الحسن بن أبي جعفر وهو متروك،وعلي بن زيد ضعيف، وفي إسناد الطبراني عبد الله بن داهر وهو متروك(22)، وقال عنه الألباني في ( المشكاة ): إسناده واهٍ(23)، وأقره محقق فضائل الصحابة لأحمد لأن في سنده مفضل بن صالح النحاس الأسدي وقد ضعفه أهل التحقيق، وقال عنه الذهبي: مفضل واه(24)، ثم ترى التيجاني يعزو الرواية الثانية لمجمع الزوائد للهيتمي، وإذا رجعنا للكتاب لوجدناه يقول (( وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق ومن قاتلنا آخر الزمان كمن قاتل الدجال. رواه البزار والطبراني في الثلاثة، وفي اسناد البزار الحسن بن أبي جعفر الجعفري، وفي اسناد الطبراني عبد الله بن داهر وهما متروكان. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق. رواه البزار والطبراني، وفيه الحسن بن أبي جعفر وهو متروك. وعن عبد الله بن الزبير: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: مثل اهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها سلم ومن تركها غرق. رواه البزار وفيه ابن لهيعة وهو لين. وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني اسرائيل من دخله غفر له. رواه الطبراني في الصغير والاوسط وفيه جماعة لم أعرفهم ))(25)!؟ ومما سبق نعلم أن الحديث باطل ولا يصح الاحتجاج به والحمد لله على كل حال.(1/499)
ثم يحتج بالحديث الثالث فيقول (( حديث من سرّه ان يحيا حياتي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سره أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي، فليوال علياً من بعدي وليوال وليه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي ))(26)، أقول: هذا الحديث موضوع فإسناده مظلم رواته مجهولون عدا بن أبي رواد فـ(( كل من دون ابن أبي رواد مجهولون، لم اجد من ذكرهم، غير أنه يترجح عندي أن أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم إنما هو ابن مسلم الانصاري الاطرابلسي، المعروف بابن أبي الحناجر، قال ابن أبي حاتم ( كتبنا عنه صدوق ) وله ترجمة في ( تاريخ ابن عساكر )، وأما سائرهم فلم أعرفهم فأحدهم هو الذي اختلق هذا الحديث الظاهر البطلان والتركيب، وفضل علي رضي الله عنه أشهر من أن يستدل عليه بمثل هذه الموضوعات، التي يتشبث الشيعة بها، ويسودون كتبهم بالعشرات من أمثالها، مجادلين بها في اثبات حقيقة لم يبق اليوم أحد يجحدها، وهي فضيلة على رضي الله عنه ))(27)، والغريب هنا أن التيجاني أشار بالهامش إلى مصادر هذا الحديث، منها الحلية لأبي نعيم وتاريخ ابن عساكر، ولكنه أخفى تضعيف هذان للحديث ليدلل على أمانته المكذوبة وإنصافه المعروف، فأبو نعيم قال عنه (( غريب ))(28)، إشارة إلى تضعيفه، وابن عساكر أخرجه في تاريخه وقال عنه (( هذا حديث منكر، وفيه غير واحد من المجهولين ))(29)!؟
ثم يثبت الجهل الذي يتمتع به بقوله (( وتجدر الإشارة بانه خلال البحث الذي قمت به شككّت في البدء في صحّة هذا الحديث واستعظمته لما فيه من تهديد ووعيد لمن كان على خلاف مع علي وأهل البيت وخصوصاً أن الحديث لا يقبل التأويل، وخفت الوطأة عندما قرأت في كتاب الإصابة قول ابن حجر العسقلاني بعدما أخرج الحديث قال ( قلت في اسناده يحيى بن يعلى المحاربي وهو واهي (!!) )) وأزال ابن حجر بهذا القول بعض الإشكال الذي علق بذهني إذ تصورت أن يحيى بن يعلى المحاربي هو واضع الحديث وهو ليس بثقة، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يوقفني على الحقيقة بكاملها، وقرأت يوماً كتاب ( مناقشات عقائدية في مقالات إبراهيم الجبهان )، وأوقفني هذا الكتاب على جلّية الحال إذ تبين ان يحيى بن يعلى المحاربي هو من الثقات الذين اعتمدهم الشيخان مسلم والبخاري، وتتبعت بنفسي فوجدت البخاري يخرج له أحاديث في باب غزوة الحديبية من جزئه الثالث في صفحة عدد 31، كما أخرج له مسلم في صحيحه في باب الحدود من جزئه الخامس في صفحة عدد 119 والذهبي نفسه ـ على تشدده ـ (!!) أرسل توثيقه إرسال المسلمات وقد عدّه أئمة الجرح والتعديل من الثقات واحتج به الشيخان فلماذا هذا الدّس والتزوير وتقليب الحقائق والطعن في رجل ثقة احتج به أهل الصحاح؟ ))(30).
قلت: يأبى هذا الوبي أن يكشف للقرّاء مدى السذاجة والسطحية التي يتمتع بها، فالحديث الذي ساقه ـ وهو حديث من سرّه أن يحيا حياتي ـ لا يوجد فيه راوٍ بإسم يحيى بن يعلى المحاربي، ولكن التيجاني خلط بين الحديث الذي نحن بصدده وبين حديث آخر وهو (( من أحب أن يحيا حياتي، ويموت موتتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي عز وجل غرس قضبانها بيديه فليتولّ علي بن أبي طالب، فإنه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة ))، وفيه يحيى بن يعلى الأسلمي، ولكن قوة الملاحظة والبحث المستفيض الذي قام به التيجاني جعله لا يفرق بين الحديثين فيروي حديثاً ويحقق حديثاً آخر!!!؟ ويبدو أن التيجاني تابعَ هاديه عبد الحسين الموسوي في كتابه ( المراجعات )، عندما ذكر الحديث وجاء بكلام ابن حجر على يعلى المحاربي ثم قال (( أقول هذا غريب من مثل العسقلاني، فإن يحيى بن يعلى المحاربي ثقة بالاتفاق... ))(31)، فسارع التيجاني إلى نقل كلام الموسوي هذا، ولكن ومع الأسف الشديد لم ينتبه أنه يعلق علىحديث آخر!؟ وأما بالنسبة لقول ابن حجر (( في إسناده يحيى بن يعلي المحاربي، وهو واهٍ ))، فيبدو أن ابن حجر أخطأ دون قصد فبدل أن يقول يحيى بن يعلى الأسلمي، وهو أحد رواة سند هذا الحديث فقال: المحاربي، والدليل على ذلك أن ابن حجر نفسه يوثق المحاربي فقال في ترجمته (( يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربي الكوفي ثقة ـ وقال في ترجمة الأسلمي: يحيى بن يعلى الأسلمي الكوفي شيعي ضعيف ))(32)، فبدل أن يقول الأسلمي واهٍ، قال المحاربي واهٍ، هذا كل ما في الأمر، ولكن الأمر الغريب حقاً الاستدلال بحديث وتحقيق حديث آخر!!! وسجّل يا تاريخ.
ثالثاً ـ ادعاء التيجاني على البخاري بأنه يفرد علياً بالصلاة والسلام والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (( وتحدثت يوماً مع صديقي ورجوته وأقسمت عليه أن يجيبني بصراحة، وكان الحوار التالي:
ـ أنتم تنزلون علياً رضي الله عنه وكرم الله وجهه منزلة الأنبياء لأنّي ما سمعت أحداً منكم يذكره إلا ويقول ( عليه السلام )(1/500)
ـ فعلاً نحن عندما نذكر أمير المؤمنين أو أحد الأئمة من بنيه نقول ( عليهم السلام )، فهذا لا يعني أنهم أنبياء، ولكنهم ذريّة الرسول وعترته الذين أمرنا الله بالصلاة عليهم في محكم تنزيله وعلى هذا يجوز أن نقول: عليهم الصلاة والسلام أيضاً.
ـ لا يا أخي نحن لا نعترف بالصلاة والسلام إلاّ على رسول الله والأنبياء الذين سبقوه ولا دخل لعلي وأولاده في ذلك رضي الله عنهم ـ ثم يستدل صديقه الشيعي على قوله ببعض الأدلة ثم يقول التيجاني قال: فما رأيك في البخاري؟ أهو من الشيعة؟ قلت: أمام ( جليل من أئمة أهل السنة والجماعة وكتبه أصحّ الكتب بعد كتاب الله ). عند ذلك قام وأخرج عن مكتبته صحيح البخاري وفتحه وبحث عن الصفحة التي يريدها، وأعطاني لأقرأ فيه: حدّثنا فلان عن فلان عن علي (ع). ولم أصدق عينيّ واستغربت حتّى أنني شككت أن يكون ذلك هو صحيح البخاري، واضطربت وأعدت النظر في الصفحة وفي الغلاف، ولمّا أحس صديقي بشكّي أخذ منّي الكتاب وأخرج لي صفحة أخرى فيها ( حدثنا علي بن الحسين ( عليهما السلام ) ) فما كان جوابي بعدها إلا أن قلت: سبحان الله واقتنع مني بهذا الجواب وتركني وخرج، وبقيت أفكّر وأراجع قراءة تلك الصفحات وأتثبّت في طبعة الكتاب فوجدتها من طبع ونشر شركة الحلبي وأولاده بمصر ـ ثم يقول ـ يا إلهي. لماذا أكابر وأعاند وقد أعطاني حجة ملموسة من أصحّ الكتب عندنا والبخاري ليس شيعياً قطعاً، وهو من أئمة أهل السنّة ومحدثيهم ))(1)، فأقول:
1ـ اختلف أهل السنة في حكم الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال بالمنع مالك والشافعي والمجد ابن تيمية، وحجتهم في ذلك أن ابن عباس قال (( لا تصلح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن للمسلمين والمسلمات الاستغفار )) وقال بالجواز أحمد بن حنبل واختاره أكثر أصحابه كالقاضي وابن عقيل والشيخ عبد القادر واحتجوا بما روى عن على أنه قال لعمر: صلى الله عليك(2)، وقال النووي من الشافعية (( والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه، لأنه شعار أهل البدع ))(3) وإلا فالأصل الجواز، واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعاً لهم في الصلاة فيقال (( اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه، للأحاديث الصحيحة في ذلك، وقد أمرنا به في التشهد، ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة أيضاً ))(4) وعلى ذلك نعلم أنه يجوز قول: فلان عليه السلام، دون جعل ذلك شعاراً خاصاً به كما يفعل الرافضة مع عليّ رضي الله عنه، حيث أصبح ذلك من شعارهم، فلو وقع مؤلف في مثل ذلك فلا يقال عنه أنه أصبح شيعياً.(2/1)
2ـ لم يثبت أن الإمام البخاري خصّ علياً وأولاده بالصلاة والسلام عليه، واستدلال التيجاني على طبعة بابي الحلبي حجة ساقطة لأن كتاب البخاري موجود قبل أن يخلق الحلبي ومطبعته، وما أدرانا لعلّ الأيدي أضافت هذه الزيادة في بعض طبعات البخاري ويظهر هذا واضحاً في طبعات الكتاب، فقد وجدت طبعة فيها ( علي عليه السلام ) وطبعة ( علي رضي الله عنه )، والذي يؤكد ذلك أن شارح البخاري وهو ابن حجر قد تطرق إلى هذه المسألة وذكر فيها خلاف أهل السنة فقال (( واستدل بهذا الحديث على جواز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أجل قوله فيه ( وعلى آل محمد ) وأجاب من منع بأن الجواز مقيد إذا وقع تبعاً، والمنع إذا وقع مستقلاً، والحجة فيه أنه صار شعاراً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يشاركه غيره فيه، فلا يقال أبو بكر صلى الله عليه وسلم وإن كان معناه صحيحاً، ويقال صلى الله عليه وآله وسلم وعلي صديقه أو خليفته ونحو ذلك. وقريب من هذا أنه لا يقال قال محمد عز وجل وإن كان معناه صحيحاً، لأن هذا الثناء صار شعاراً لله سبحانه فلا يشاركه غيره فيه. ولا حجة لمن أجاز ذلك منفرداً فيما وقع من قوله تعالى { وصلّ عليهم } ولا في قوله ( اللهم صل على آل أبي أوفى ) ولا في قول امرأة جابر ( صل علي وعلى زوجي، فقال اللهم صل عليهما )، فإن ذلك كله وقع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ولصاحب الحق أن يتفضل من حقه بما يشاء، وليس لغيره أن يتصرف إلا بإذنه، ولم يثبت عنه إذن في ذلك. ويقوي المنع بأن الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم صار شعاراً لأهل الأهواء يصلون على من يعظمونه من أهل البيت وغيرهم، وهل المنع في ذلك حرام أو مكروه أو خلاف الاولى؟ حكى الأوجه الثلاثة النووي في ( الأذكار ) وصحح الثاني. وقد روى إسماعيل بن إسحاق في كتاب ( أحكام القرآن ) له باسناد حسن عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب ( أما بعد فإن ناساً من الناس التمسوا عمل الدنيا بعمل الآخرة، وإن ناساً من القصاص أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل الصلاة على النبي، فإذا جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين، ودعاؤهم للمسلمين، ويَدَعُوا ما سوى ذلك، ثم أخرج عن ابن عباس بإسناد صحيح قال ( لا تصلح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن للمسلمين والمسلمات الاستغفار ) وذكر أبو ذر أن الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في السنة الثانية من الهجرة، وقيل من ليلة الإسراء ))(5)، وأنت كما ترى لم يتطرق ابن حجر إلى البخاري بشيء، وهذا يؤكد أن البخاري لم يذكر الصلاة على علي وأولاده، وأنها من إضافات المتأخرين.
رابعاً ـ ادعاء الرافضة أن الائمة الأربعة أخذوا العلم عن جعفر الصادق والرد عليه ذلك:
يقول التيجاني وهو بصدد مناقشة بعض الصبية (!) (( وسألني أحدهم: ما هو المذهب المتبع في تونس؟ قلت: المذهب المالكي، ولاحظت بعضهم يضحك، فلم أهتمّ لذلك، قال: ألا تعرفون المذهب الجعفري؟ فقلت: خير إن شاء الله، ما هذا الإسم الجديد؟ لا، نحن لا نعرف غير المذاهب الأربعة وما عداها فليس من الإسلام في شيء، وابتسم قائلاً: عفواً، أن المذهب الجعفري هو محض الإسلام، ألم تعرف بأنّ الإمام أبا حنيفة تتلمذ على يد الإمام جعفر الصادق؟ وفي ذلك يقول أبو حنيفة ( لولا السنتان لهلك النعمان )، سكتُّ ولم أبد جواباً، فقد أدخل علي اسماً جديداً ما سمعت به قبل ذلك اليوم ولكني حمدتّ الله أنه ـ أي إمامهم جعفر الصادق ـ لم يكن استاذاً للإمام مالك وقلت نحن مالكية ولسنا أحنافاً، فقال: أنّ المذاهب الأربعة أخذوا عن بعضهم البعض فأحمد بن حنبل أخذ عن الشافعي والشافعي أخذ عن مالك وأخذ مالك عن أبي حنيفة وأبو حنيفة أخذ عن جعفر الصادق وعلى هذا فكلهم تلاميذ لجعفر بن محمد، وهو أول من فتح جامعة إسلامية في مسجد جدّه رسول الله وقد تتلمذ على يديه أكثر من أربعة آلاف محدّث وفقيه ))(1)، فأقول:
1ـ الادعاء بأن أبا حنيفة تتلمذ على يد جعفر الصادق كذب يعرفه كل من قرأ شيئاً عن حياة أبي حنيفة، والمعلوم المشهور أنه تتلمذ على يد ثلة من كبار العلماء في عصره ومن أبرزهم إسماعيل بن حماد أبي سليمان الكوفي وهو من أخص شيوخ أبي حنيفة إضافة إلى ابراهيم بن محمد المنتشر وإبراهيم بن زيد النخعي وأيوب السختياني والحارث الهمذاني وربيعة المدني وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسعيد بن مسروق ولد سفيان الثوري وسليمان الهلالي وعاصم بن كليب وغيرهم كثير(2).(2/2)
2ـ وعلى فرض أن أبا حنيفة درس على يد جعفر الصادق فلا يعدو ذلك أن يكون أبو حنيفة واحداً ممن أخذ العلم عنهم، فلا يعني هذا أن أبا حنيفة صار جعفري المذهب وأنا أقول ذلك افتراضاً وإلا فالثابت أنه كان يفتي في زمان أبي جعفر والد جعفر الصادق! أما قوله بأن المذاهب الأربعة تتبع المذهب الجعفري فكلام ساقط، فأحمد لم يقرأ على الشافعي بل جالسه، والشافعي قرأ على مالك الموطأ ولا يوجد فيه لجعفر إلا تسعة أحاديث فقط! ولم يقل أحد أن مالكاً كان من تلاميذ أبي حنيفة بل عدوه من أقرانه.
3ـ الرافضة أنفسهم يرون في أوثق كتبهم ما يفيد أن أبا حنيفة لم يكن يوماً من تلاميذ أبي جعفر فضلاً عن جعفر الصادق بل من أعدائهم! فهذا كبيرهم الكليني يروي في أوثق كتبهم والذي يضاهي البخاري عندنا وهو ( أصول الكافي ) (( عن سدير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام وهو وأنا خارج وأخذ بيدي ثم استقبل البيت فقال: يا سدير إنما أمر الناس أنْ يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا وهو قول الله { وإني لغفّار لمن تاب وآمن وعمِلَ صالحاً ثم اهتدى } ثم أومأ بيده إلى صدره: إلى ولايتنا، ثم قال يا سدير فأريك الصادين عن دين الله، ثم نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان وهم حِلَقٌ في المسجد، فقال: هؤلاء الصادون عن دين الله بلا هدًى من الله ولا كتاب مبين، إنّ هؤلاء الأخباث لو جلسوا في بيوتهم فجال الناس فلم يجدوا أحداً يخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يأتونا فنخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ))(3).
4ـ أما أن يقول بأنه تتلمذ على يد جعفر الصادق أكثر من أربعة آلاف محدث وفقيه، فأقول هذا الكلام يبقى معقولاً جداً، كيف لا وقد روى الرافضة الاثني عشرية أنه (( استأذن على أبي جعفر عليه السلام قومٌ من أهل النّواحي من الشيعة فأذن لهم، فدخلوا فسألوه في مجلسٍ واحدٍ عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عليه السلام وله عشر سنين ))(4)!!!؟ فما قيمة علم الأئمة الأربعة أمام علم هؤلاء؟!
===============
دعوى الرافضي النص على خلافة علي بحديث: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وأن ذلك من أسباب استبصاره والرد عليه
قال الرافضي ص161: «أما الأسباب التي دعتني للاستبصار فكثيرة جداً ولا يمكن لي في هذه العجالة إلا ذكر بعض الأمثلة منها:
1- النص على الخلافة:
لقد آليت على نفسي عند الدخول في هذا البحث أن لا أعتمد إلا ماهو موثوق عند الفريقين، وأن أطرح ما انفردت به فرقة دون الأخرى...
والباحث في هذا الموضوع إذا تجرد للحقيقة فإنه سيجد النص على علي بن أبي طالب واضحاً جلياً كقوله صلى الله عليه وسلم : (من كنت مولاه فهذا علي مولاه). وهذا النص مجمع عليه من الشيعة والسنة...
أما الاجماع المدعى على انتخاب أبي بكر يوم السقيفة ثم مبايعته بعد ذلك في المسجد، فإنه دعوى بدون دليل، إذ كيف يكون الإجماع وقد تخلف عن البيعة علي والعباس وسائر بني هاشم، كما تخلف أسامة بن زيد، والزبير، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد ابن الأسود، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وخزيمة بن ثابت
وأبو بريده الأسلمي، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب، وسهل بن حنيف، وسعد بن عبادة، وقيس بن سعد، وأبو أيوب الانصاري، وجابر بن عبد الله، وخالد بن سعيد، وغير هؤلاء كثيرون فأين الإجماع ياعباد الله؟
وجوابه: أن هذا الحديث الذي ذكره وهو قوله صلى الله عليه وسلم : (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) قد أخرجه أحمد والترمذي والحاكم(1) ولم يخرجه أحد من أصحاب الصحاح، وقد اختلف العلماء في تصحيحه كما نقل ذلك أئمة أهل الشأن.
(1) أخرجه أحمد في المسند 1/84،118، والترمذي: في (كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب) 5/633، ح3713، وقال هذا حديث حسن صحيح، والحاكم في المستدرك 3/118، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد حكم بصحة الحديث الشيخ الألباني في سلسلة الاحاديث الصحيحة 4/330، ح1750.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأما قوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فليس في الصحاح لكن هو مما رواه العلماء، وتنازع الناس في صحته، فنقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث أنهم طعنوا فيه وضعفوه، ونقل عن أحمد بن حنبل أنه حسنه، كما حسنه الترمذي، وقد صنف أبو العباس بن عقده مصنفاً في جمع طرقه». (1)
وقال ابن حزم: «وأما من كنت مولاه فعلي مولاه فلا يصح من طريق الثقات أصلاً». (2)
وقد ذهب إلى تصحيح هذا الحديث الحاكم، ومن المعاصرين الشيخ الألباني. (3)
والقصد أن العلماء اختلفوا في تصحيح الحديث، وهذا على خلاف ما ادعى الرافضي من أن الحديث موثق عند الفريقين، فإن من العلماء من ينكره ولا يرى صحته كما تقدم.(2/3)
وعلى القول بصحة الحديث فلا حجة فيه للرافضة في دعواهم أنه نص على خلافة علي، فإن الموالاة المذكورة في الحديث هي (الموالاة) التي ضد المعاداة. لا (الولاية) التي هي الإمارة.
قال ابن الاثير في النهاية: «تكرر ذكر المولى في الحديث وهو اسم يقع على جماعة كثيرة فهو: الرب، والمالك، والسيد، والمنعم، والمعتق، والناصر، والمحب، والتابع، والجار، وابن العم، والحليف،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منهاج السنة 7/319.
(2) الفصل 4/224.
(3) انظر: أقوالهم عند تخريج الحديث في الصفحة السابقة.
والعقيد، والصهر، والعبد، والمعتق، والمنعم عليه، وأكثرها قد جاءت
في الحديث، فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه، وكل من ولي أمراً أو قام به فهو مولاه ووليه، وقد تختلف مصادر هذه الأسماء (فالوَلاية) بالفتح في النسب، والنصرة، والمعتق، (والوِلاية) بالكسر في الإمارة والولاء المعتق، (والموالاة) من والى القوم، ومنه الحديث (من كنت مولاه فعلي مولاه) يحمل على أكثر الأسماء المذكورة. قال الشافعي -رضي الله عنه - يعني بذلك ولاء الإسلام، كقوله تعالى: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} (1)». (2)
وهذا المفهوم اللغوي الذين ذكره ابن الأثير هنا للفظة الموالاة في الحديث واستشهد له بقول الشافعي، هو الذي قرره العلماء المحققون في ردهم على الرافضة.
قال أبو نعيم: «فإذا احتج بالأخبار وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلى مولاه، قيل له: مقبول منك، ونحن نقول وهذه فضيلة بينة لعلي بن أبي طالب - تعالى - ومعناه من كان النبي صلى الله عليه وسلم مولاه فعلي والمؤمنون مواليه، دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة محمد آية 11.
(2) النهاية لابن الأثير 5/228.
{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}(1)...
وإنما هذه منقبة من النبي صلى الله عليه وسلم لعلي - رضي الله عنه - وحث على محبته وترغيب في ولايته لما ظهر من ميل المنافقين عليه وبغضهم له، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم : (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق). (2) وحكي عن ابن عيينه أن علياً - رضي الله عنه - وأسامة تخاصماً فقال علي لأسامة أنت مولاي فقال: لست لك مولى: إنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كنت مولاه فعلي مولاه). وهذا كما يقول الناس: فلان مولى بني هاشم، ومولى بني أمية وإنما الحقيقة واحد منهم». (3)
ويقول شيخ الإسلام بعد أن ذكر تضعيف العلماء لهذا الحديث: ونحن نجيب بالجواب المركب، فنقول: إن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قاله فلا كلام، وإن كان قاله فلم يرد قطعاً الخلافة بعده، إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه، ومثل هذا الأمر العظيم يجب أن يبلغ بلاغاً مبيناً، وليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة، وذلك أن المولى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة التوبة آية 71.
(2) رواه مسلم: (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الانصار وعلي –رضي الله عنه - من الإيمان) 1/86، ح131.
(3) الإمامة والرد على الرافضة لأبي نعيم ص217-220.
كالولي والله تعالى قال: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا}(1)، وقال: {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير} (2) فبين أن الرسول ولي المؤمنين وأنهم مواليه أيضاً، كما بين أن الله وليّ المؤمنين وأنهم أولياؤهم، وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فالموالاة ضد المعاداة وهي تثبت من الطرفين، وإن كان أحد المتواليين أعظم قدراً، وولايته إحسان وتفضل، وولاية الآخر طاعة وعبادة...
وفي الجملة فرق بين الولي والمولى ونحو ذلك وبين الوالي، فباب الولاية التي هي ضد العداوة شيء، وباب الولاية التي هي الإمارة شيء، والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: من كنت واليه فعلي واليه، وإنما اللفظ: من كنت مولاه فعلي مولاه. وأما كون المولى بمعنى الوالي فهذا باطل، فإن الولاية تثبت من الطرفين، فإن المؤمنين أولياء الله وهو مولاهم». (3)
فتبين أن المولاة التي أرادها النبي صلى الله عليه وسلم هي موالاة الإسلام التي هي ضد العداوة، والمستلزمة للمحبة والمناصرة، دون الولاية التي هي الإمارة، ولهذا ما استدل أحد من الصحابة لا علي ولا غيره بهذا الحديث على استخلاف علي، ولا يعرف هذا عن أحد من أهل العلم المعتد بأقوالهم في الأمة، وإنما استدل به الرافضة الذين هم أجهل الناس بمدلولات النصوص وأبعدهم عن الفهم الصحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المائدة آية 55.
(2) سورة التحريم آية 4.
(3) منهاج السنة 7/321-324.(2/4)
وأما دعوى الرافضي تأخر بعض الصحابة عن بيعة أبي بكر وذكر منهم: علياً، والعباس، وسائر بني هاشم، وأسامة بن زيد، والزبير وسلمان، وأبا ذر، والمقداد، الخ من ذكر: فدعوى مجردة من الدليل وهو مطالب بصحة النقل على ما يقول، وأما ما أحال عليه من كتب التاريخ كتاريخ الطبري، وابن الأثير، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، فمعلوم لكل مطلع على هذه الكتب أن أصحابها لم يلتزموا صحة ما ينقلون فيها من أخبار، بل ينقلون الأخبار بأسانيدها، ويرون أن الذمة تبرأ بذكر السند ليكون الباب مفتوحاً لمن أراد الدراسة والتحقيق، ولهذا يجد المطلع على هذه الكتب أن أصحابها قد ينقلون الروايات المتعارضة في المعنى في الموضع الواحد لهذا السبب.
على أنني تتبعت الكتب المذكورة فلم أجد أنها نقلت تخلف كل من ذكر عن بيعة أبي بكر، وإنما جاء في بعضها ذكر بعض الروايات التي فيها تخلف بعض الصحابة: كعلي، وطلحة، والزبير،
وسعد بن عبادة، عن البيعة كما في تاريخ الطبري. (1)
وفي الكامل لابن الأثير: زيادة بني هاشم.(2)
وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي: أن علياً والزبير تأخرا عن بيعة
أبي بكر ثم إنهما جاءا فاعتذرا لأبي بكر وبايعا وقالا: (ما غضبنا
إلا لأنا أخرنا عن المشورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف شرفه وخيره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي). (3)
والصحيح الثابت أن الصحابة اتفقوا قاطبة على استخلاف الصديق، على ما دلت على ذلك النقول الصحيحة وأقوال المحققين من أهل العلم.
ففي صحيح البخاري من حديث عائشة الطويل في خبر البيعة لأبي بكر: (فقال عمر بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس).(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر: تاريخ الطبري 3/202،203،206.
(2) انظر: الكامل في التاريخ 2/325.
(3) تاريخ الخلفاء ص80.
(4) أخرجه البخاري في (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذاً خليلاً) فتح الباري 7/19-20، ح3668.
وروى الحاكم عن عبدالله بن مسعود قال: (ما رأى المسلمون
حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئاً فهو عند الله سييء، وقد رأى الصحابة جميعاً أن يستخلفوا أبابكر - رضي الله عنه -).(1)
وأخرج النسائي والحاكم عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: (لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبابكر أن يؤم الناس؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر، فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبابكر).(2)
فدلت هذه الروايات الصحيحة على اتفاق الصحابة على بيعة أبي بكر وإجماعهم على ذلك، على ماصرح بذلك الصحابة – رضي الله عنهم -.
كما نقل هذا الإجماع غير واحد من الأئمة.
فعن معاوية بن قرة -رحمه الله- قال: (ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون أن أبابكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما كانوا يسمونه إلا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما كانوا يجتمعون على خطأ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه الحاكم في المستدرك 3/83-84 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص.
(2) أخرجه النسائي في (كتاب الإمامة- ذكر الإمامة والجماعة) 2/58، والحاكم في المستدرك 3/70 وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وضلال).(1)
وعن الإمام الشافعي -رحمه الله- قال: (أجمع الناس على خلافة أبي بكر الصديق، وذلك أنه اضطر الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجدوا تحت أديم السماء خيراً من أبي بكر فولوه رقابهم).(2)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيميه -رحمه الله-: «وأبو بكر بايعه المهاجرون والأنصار،الذين هم بطانة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذين بهم صار للإسلام قوة وعز، وبهم قُهِر المشركون، وبهم فتحت جزيرة العرب، فجمهور الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين بايعوا أبا بكر».(3)
ويقول أيضاً: «فلما اتفقوا على بيعته، ولم يقل أحد إني أحق بهذا الأمر منه، لا قرشي ولا أنصاري، فإن من نازع أولا من الأنصار لم تكن منازعته للصديق، بل طلبوا أن يكون منهم أمير، ومن قريش أمير، وهذه منازعة عامة لقريش، فلما تبين لهم أن هذا الأمر في قريش قطعوا المنازعة....
ثم بايعوا أبا بكر من غير طلب منه، ولا رغبة بذلت لهم ولا رهبة، فبايعه الذين بايعوا الرسول تحت الشجرة، والذين بايعوه ليلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أورده السيوطي في تأريخ الخلفاء ص77.
(2) المصدر نفسه.
(3) منهاج السنة 1/531.(2/5)
العقبة، والذين بايعوه لما كانوا يهاجرون إليه، والذين بايعوه لما كانوا يسلمون من غير هجرة كالطلقاء، ولم يقل أحد قط إنى أحق بهذا الأمر من أبي بكر، ولا قاله أحد في أحد بعينه: إن فلاناً أحق بهذا الأمر من أبي بكر».(1)
وقال الحافظ ابن كثير-رحمه الله-: «وقد اتفق الصحابة -y- على بيعة الصديق في ذلك الوقت، حتى علي بن أبي طالب، والزبير ابن العوام».(2) ثم ساق الروايات الصحيحة الدالة على ذلك.
فثبت بهذا اتفاق الصحابة -y- وإجماعهم على بيعة أبي بكر - رضي الله عنه - كما دلت على ذلك الروايات الصحيحة عن الصحابة، وعن أئمة السلف من بعدهم، وما قرره العلماء المحققين في هذا.
ولا يقدح في هذا ما ثبت في صحيح البخاري من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن علياً قد تخلف عن بيعة أبي بكر حياة فاطمة -رضي الله عنها- ثم إنه بعد وفاتها التمس مصالحة أبي بكر وبايعه معتذراً له بأنه ما كان ينافس أبا بكر في ما ساقه الله إليه من أمر الخلافة، لكنه كان يرى له حق المشورة لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم .(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منهاج السنة 6/454-455.
(2) البداية والنهاية 6/306.
(3) انظر صحيح البخاري (كتاب المغازي، باب غزوة خيبر) فتح الباري 7/493، ح4240-4241.
فإن العلماء المحققين ذكروا أن هذه بيعة ثانية لإزالة ما كان قد وقع بسبب الميراث من وحشة، مع مبايعة علي لأبي بكر -رضي الله عنهما- في بداية الأمر:
قال ابن كثير -رحمه الله- بعد أن ساق بعض الروايات الدالة على مبايعة علي لأبي بكر في بداية عهده: «وهذا اللائق بعلي - رضي الله عنه - والذي تدل عليه الآثار من شهوده معه الصلوات، وخروجه معه إلى ذي القصة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما سنورده، وبذله له النصيحة والمشورة بين يديه، وأما ما يأتي من مبايعته إياه بعد موت فاطمة، وقد ماتت بعد أبيها عليه السلام بستة أشهر، فذلك محمول على أنها بيعة ثانية أزالت ما كان قد وقع من وحشة بسبب الكلام في الميراث، ومنعه إياهم ذلك بالنص من رسول الله صلى الله عليه وسلم ..».(1)
وقال ابن حجر في شرح حديث عائشة المشار إليه آنفاً: «وقد تمسك الرافضة بتأخر علي عن بيعة أبي بكر إلى أن ماتت فاطمة، وهذيانهم في ذلك مشهور. وفي هذا الحديث ما يدفع حجتهم، وقد صحح ابن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري وغيره: (أن علياً بايع أبا بكر في أول الأمر) وأما ما وقع في مسلم عن الزهري أن رجلاً قال له: (لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة؟ قال: لا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البداية والنهاية 6/306-307.
ولا أحد من بني هاشم) فقد ضعفه البيهقي بأن الزهري لم يسنده، وأن الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصح، وجمع غيره بأنه بايعه بيعة ثانية مؤكدة للأولى، لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث كما تقدم، وعلى هذا فيحمل قول الزهري (لم يبايعه علي): في تلك الأيام على إرادة الملازمة له والحضور عنده، وما أشبه ذلك. فإن في انقطاع مثله عن مثله ما يوهم من لا يعرف باطن الأمر أنه بسبب عدم الرضا بخلافته، فأطلق من أطلق ذلك، وبسبب ذلك أظهر علي المبايعة التي بعد موت فاطمة عليها السلام لإزالة هذه الشبهة».(1)
قلت: ومما يشهد لصحة مبايعة علي والزبير لأبي بكر في بداية الأمر: ما رواه الحاكم من حديث إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف، وفيه أن أبا بكر لما بويع خطب الناس وذكر من عدم حرصه على الخلافة، وعدم رغبته فيها إلى قوله: (فقبل المهاجرون ما قال وما اعتذر به، قال
علي - رضي الله عنه - والزبير: ما غضبنا إلا لأنا قد أخرنا عن المشاورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لصاحب الغار، وثاني اثنين وإنا لنعلم بشرفه وكبره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي).(2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فتح الباري 7/495.
(2) رواه الحاكم في المستدرك 3/70، ح4422 وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه،ووافقه الذهبي.
وبهذا تندحض دعوى الرافضي في زعمه أن الصحابة لم يتفقوا على مبايعة أبي بكر، وإنكاره إجماع الصحابة على بيعته، وتبين أن ما استدل به من بعض الأخبار الواردة في كتب التاريخ بتخلف بعض الأفراد عن بيعة أبي بكر لاتثبت عند التحقيق، ولا تقوى على معارضة الروايات الصحيحة الدالة على إجماع الصحابة على بيعة
أبي بكر التي تناقلها المحدثون في كتبهم، وحكموا عليها بالصحة والثبوت، وما نص عليه المحققون من أهل السنة من القطع بإجماع الصحابة على بيعة الصديق.
على أن خلافة أبي بكر لو لم ينعقد الإجماع عليها من الصحابة لم يكن ذلك قادحاً في صحتها، إذ أنه ليس من شرط البيعة إجماع الناس عليها ومبايعتهم جميعهم، كما هو مقرر عند العلماء في السياسة الشرعية. (1)(2/6)
بل متى ما اتفق أهل الحل والعقد على رجل تمت له البيعة، ولزمت الجميع، وعلى هذا فلا يضر أبا بكر ولا يقدح في خلافته ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال ابن جماعه: «ولا يشترط في أهل البيعة عدد مخصوص، بل من تيسر حضوره عند عقدها، ولا تتوقف صحتها على مبايعة أهل الأمصار، بل متى بلغتهم لزمهم الموافقة إذا كان المعقود له أهلاً لها». تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام ص53.
تأخر بعض الأفراد عن بيعته بعد اتفاق جمهور الصحابة عليها، بل إن
هذا -لو ثبت- لكان قدحاً في حق المتخلفين عن بيعته، لخروجهم عن الجماعة، وما اتفق عليه أهل الرأي فيهم.
ثم إن هذا الرافضي مع ادعائه عدم الإجماع على بيعة أبي بكر، وزعمه تخلف بعض الأفراد عنها لا يستطيع أن ينكر رجوع هؤلاء المتخلفين عن رأيهم، ودخولهم في البيعة بعد ذلك، بل إنه يعترف بهذا، وحينئذ فلاحجة له في قول أو اجتهاد رجع عنه صاحبه إلى ما يرى أنه الحق والصواب، فكيف وقد حصل الإجماع والاتفاق على بيعة الصديق أول الأمر، وأتلفت عليه القلوب والأبدان من أول يوم.
=============
آيات وأحاديث في الإمامة والرد عليها
آية الولاية
آية الولاية هي قول الله تبارك وتعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 } المائدة..
يستدلون بهذه الآية على إمامة علي رضي الله عنه وأرضاه قبل أبي بكر وقبل عمر وقبل عثمان .
وجه الدلالة ليس في هذه الآية وإنما في سبب نزول هذه الآية , فالآية إذا كما ترون عامة يقول الله فيها {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 } لا ذكر فيها أبداً لعلي رضي الله عنه ولا ذكر فيها لأحد من أصحاب النبي صلوات الله وسلامه عليه , إنما تذكر {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 } إذاً أين الدلالة ؟؟ الدلالة هي في تفسير هذه الآية وهو سبب نزولها كما يزعم القوم فما سبب نزول الآية عندهم ؟؟
إنّ سبب نزول الآية عندهم دعوى أنّ علياً رضي الله عنه كان يصلي فجاء سائل يسأل الناس فلم يعطه أحد شيئاً , فجاء إلى علي وهو راكع فمد علي يده وفيها خاتم فأخذ الرجل الخاتم من يد علي رضي الله عنه فأنزل الله جل وعلا هذه الآية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 } فيقولون الذين آتوا الزكاة وهم راكعون هم واحد وهو علي بن أبي طالب فهذه الآية أو ما تسمى عندهم بآية الولاية وهي أقوى دليل عندهم بهذه المسألة كما قرأت لبعض علمائهم .
لنرى هل هذه الآية فعلاً تدل على مرادهم أو لا تدل , هذه الآية طُرحت في أثناء المناظرة وتم الرد على بعض شبههم فيها ولكن كما قلت نحتاج إلى أن نسهب أكثر في بيان معنى هذه الآية وبيان مدى دلالتها على ولاية علي رضي الله عنه وأرضاه .
إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ 1 الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ 2 } , ويقول رسولنا صلوات الله وسلامه عليه : ( إن في الصلاة لشغلاً ) متفق عليه .
وعلي عندنا معاشر أهل السنة والجماعة من أئمة المسلمين ومن أئمة المتقين ومن أئمة الخاشعين فلا نقبل أبداً أن ينسب إلى علي رضي الله عنه أن يشتغل بإخراج الزكاة وقت الصلاة , بل نرى أن علياً رضي الله عنه ممن يلتزم بقول الله تبارك وتعالى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ 1 الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ 2 } ويلتزم بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن في الصلاة لشغلاً ) , ثم يقال بعد هذا كله إن الأصل في الزكاة أن يتقدم بها المزكي لا أن ينتظر الفقير أو المحتاج حتى يأتيه ويطلب منه هذه الزكاة , فهذا لا يُمدح وإنما يُمدح الذي يعطيها إبتداءاً للذي ينتظر الفقير حتى يأتيه ويعرض نفسه للسؤال , ونحن كذلك ننزه علياً رضي الله عنه من أن يفعل ذلك وهو أن ينتظر الفقير حتى يأتيه ثم يعطيه زكاة ماله .
ثم كذلك نقول إنّ الزكاة لم تجب على علي رضي الله عنه في زمن النبي صلوات الله وسلامه عليه بل كان فقيراً , إسألوا أنفسكم ماذا أمهر علي رضي الله عنه فاطمة رضي الله عنها ؟؟(2/7)
أمهرها درعاً , لم يكن ذا مال , كان فقيرا ما كان يستطيع أن يشتري خادماً لفاطمة , ولذلك لما سمع علي رضي الله عنه وفاطمة رضي الله عنها بقدوم سبي للنبي صلى الله عليه وسلم ذهبا يطلبان خادماً , ما كانا يملكان حتى شراء خادم , ومع هذا يأتي علي ويتزكى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم !! هذا لا يمكن أبداً , ما كانت الزكاة واجبة على علي زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
كذلك نقول ليس في هذه الآية مدح لمن يعطي الزكاة وهو راكع , إذ لو كان الأمر كذلك لكان إعطاء الزكاة أثناء وقت الركوع أفضل من غيره من الأوقات !! ونقول لجميع الناس أعطوا زكاة أموالكم وأنتم ركوع لأن الله مدح الذين يعطون زكاة أموالهم وهم ركوع !! ولقلنا للفقراء إبحثوا عن الراكعين وأسألوهم الزكاة ولا أظن أنه يقول احد من أهل العلم مثل هذا الكلام .
ثم إن الله جل وعلا ذكر إقامة الصلاة ولم يذكر أدائها , فلنحاول أن نتدبر الآية قليلاً , إن الله جل وعلا يقول : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } ثم وصفهم الله جل وعلا قال { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } فلم فصل بين الركوع والصلاة وأدخل بينهما الزكاة , إن القرآن يعلم جميع المسلمين أنه أفصح القول ولا يستطيع أحد أن يمسك على القرآن ولا غلطة واحدة في نحوٍ ولا بلاغة ولا صرف ولا في غيرها من الكلمات أبداً لا يمكن هذا , أحسن الحديث وأحسن الكلام , إذا كان الأمر كذلك – ولا أظن أن مسلماً يخالفني في ذلك – فكيف دخلت الزكاة بين الصلاة والركوع ؟ ثم إن الصلاة إنما ذكرت بالإقامة فقال جل ذكره { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ } إن إقامة الصلاة تختلف تماماً عن أدائها وذلك أن إقامة الصلاة هي أن تؤدى هذه الصلاة بكمال شروطها وأركانها وواجباتها بل ومستحباتها مع حسن وضوء وحسن خشوع , هذه هي إقامة الصلاة ولذا جاء بعده ذكر الزكاة أما قوله جل وعلا { وَهُمْ رَاكِعُونَ } فليس له دخل في الصلاة أصلا وإنما الركوع هنا بمعنى الخضوع لله جل وعلا كما قال سبحانه وتعالى عن داوود عليه السلام {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ 24 } ومعلوم أن داوود عليه السلام إنما خر ساجداً ولذا نسجد نحن إذا قرأنا هذه الآية سجود التلاوة , وداوود خر راكعاً فكيف يكون هذا ؟؟ نقول إن داوود خر ساجداً ولكن الله قال {َخَرَّ رَاكِعًا } نقول أي خاضعاً لله جل وعلا , فالركوع هو الخضوع لله جل وعلا .
ومنه قول الله جل وعلا عن مريم عليها السلام { يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ 43} أي إخضعي مع الخاضعين ولذا مريم كانت تعيش بيت المقدس , وهبتها أمها لبيت المقدس وأمرأة لا تجب عليها صلاة الجماعة مع الراكعين , وإنما المقصود إخضعي لله جل وعلا مع الخاضعين له سبحانه وتعالى .
فيكون مراد الله جل وعلا في هذه الآية كما ذكر أهل العلم ذلك { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } أي وهم في كل أحوالهم خاضعون لله جل وعلا .
كذلك نقول : لا نوافق أبداً بأن هذه الآية نزلت في علي رضي الله عنه وذلك أننا نعتقد جازمين أن هذه القصة غير صحيحة , لم يأت سائل ولم يسأل علياً وهو راكع ولم يدفع علي رضي الله عنه الزكاة وهو راكع لم يحدث شيء من ذلك أبداً .(2/8)
ومن يقرأ هذه الآية وما سبقها وما يتبعها من الآيات يعلم علم اليقين أن الآية لها سبب آخر غير هذا السبب , وذلك أن الله جل وعلا يقول قبيل هذه الآية بثلاث آيات : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} فنهى الله جل وعلا المؤمنين أن يتولوا اليهود والنصارى , وقد جاء في الحديث وهو حديث حسن الإسناد أن سبب هذه الآية هي قصة وقعت لعبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه وذلك أن عبد الله بن أُبي بن سلول شفع عند النبي صلى الله عليه وسلم لبني قينقاع , لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتلهم شفع لهم عبد الله بن أبي بن سلول وأكثر في هذا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى تركهم له صلوات الله وسلامه عليه فأراد إخوانهم اليهود من بني النظير أن يشفع لهم عبادة بن الصامت كما شفع عبدالله بن أُبي بن سلول لإخوانه اليهود فرفض رضي الله عنه أن يشفع لهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولذلك عبادة بن الصامت من أصحاب بيعة العقبة , عبادة بن الصامت من المؤمنين , عبد الله بن أبي من المنافقين بل رأس المنافقين , فكيف يصنع عبادة بن الصامت كما صنع عبد الله بن أبي بن سلول , ولذلك رد عليهم قولهم ورفض الشفاعة لهم فأنزل الله تبارك وتعالى قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } حتى قال الله تبارك وتعالى { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ.. } فنجد أن الآيات تتكلم عن ولاية المؤمنين بشكل عام ولا تتكلم عن قضية رجل تصدق بصدقة وهو يصلي , ولذلك يستطيع كل أحد أن يدعي مثل هذه الدعوى فيأتينا شخص فيؤلف لنا حديثاً مكذوباً على طلجة بن عبيد الله ويقول إن طلحة تصدق وهو راكع إذاً هي في طلحة !! .
ويأتينا ثالث ويقول هي في الزبير ورابع يأتينا ويقول هي في خالد بن الوليد وخامس يقول هي في العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ولا تنتهي هذه القضية , قضية وضع حديث وكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرها يسير من حيث الإحداث ولكنها عند الله تبارك وتعالى عظيمة وذلك أنه من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم فإن عليه أن يتبوأ مقعداً من النار أعاذنا الله وإياكم من النار .
حتى لو قلنا أنها نزلت في علي – تنزلا وإلا هي لم تنزل في علي رضي الله عنه – أين الخلافة ؟؟؟
أين الولاية ؟؟؟
لا ذكر أبداً للخلافة { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 } أين الخلافة ؟؟ الحكم وليكم يعني حاكمكم ؟؟!!
هل يقال إن الله حاكم سبحانه وتعالى , الله خالق الخلق , الله رب العالمين سبحانه وتعالى , أين الخلافة ؟؟!! .
أين ربط هذه الآية بالآيات السابقة والآيات اللاحقة ؟ أين هذا كله ؟ لا نجده عندما نقول هي في الخلافة! .
وهناك دعاوى عريضة وجدتها لبعضهم حول هذه الآية يحاولون فيها التلبيس على الناس من ذلك ما قرأته للموسوي في مراجعاته مثلاً , في المراجعة رقم 12 ص 137 يقول عبد الحسين شرف الدين الموسوي أنظروا إلى هذه الجرأة : (أجمع المفسرون على أن هذه الآية إنما نزلت في علي حين تصدق راكعاً في الصلاة ) , ثم يزعمون بعد ذلك أن هذه المراجعات تمت بين عبد الحسين شرف الدين الموسوي والشيخ سليم البشري رحمه الله تعالى ( شيخ الأزهر في ذلك الوقت ) وهذا لا شك أنه كذب وليس هذا مجال حديثنا عن المراجعات ولكن من شاء أن يرجع إليها فهناك أربعة أشرطة نزلت في تكذيب هذه المراجعات وبيان تأليف عبد الحسين شرف الدين لها وزج إسم الشيخ سليم البشري في هذا الموضوع وهو منه براء – رحمه الله تعالى - .
على كل حال نسمع أقوال المفسرين في هذه الآية , هؤلاء المفسرون الذين جمعت كلامهم في هذه الآية :
ابن كثير-رحمه الله تعالى- قال : ( وأما قوله { وَهُمْ رَاكِعُونَ} فقد توهم البعض أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله { وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } – يعني أنهم يؤتون الزكاة والحال أنهم راكعون - حتى أن بعضهم ذكر هذا أثراً عن علي رضي الله عنه أن هذه الآية قد نزلت فيه وأن مر به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه) ثم ذكر بن كثير الآثار التي رُويت عن علي وأنها نزلت فيه وبين ضعفها جميعاً ثم قال : ( وليس يصح منها شيء بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها ) .(2/9)
بن عطية في المحرر الوجيز يقول : ( قال مجاهد : نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع , وفي هذا القول نظر والصحيح ما قدمناه من تأويل الجمهور ولقول الله تبارك وتعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُواْ } أي ومن آمن من الناس حقيقة لا نفاقاً وهم الذين يقيمون الصلاة المفروضة بجميع شروطها ويؤتون الزكاة ) وهذا قول - كما قلنا - جماهير المفسرين نقلها عنهم بن عطية رحمه الله تعالى .
النيسابوري في هامشه على تفسير الطبري قال : (فيها قولان الأول أن المراد عامة المسلمين لأن الآية نزلت على وفق ما مر من قصة عبادة بن الصامت رضي الله عنه , والقول الثاني أنها في شخص معين ورُوي أنه أبو بكر وروي أنه علي .. ) ثم رد القول الثاني وهو أن المراد فيهاشخص بعينه .
وهذا القرطبي في الجامع لأحكام القرآن قال : ( والذين عام في جميع المؤمنين , وقد سؤل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنه – الذي هو الباقر - عن معنى قول الله تعالى { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } هل هو علي بن أبي طالب ؟ فقال : علي من المؤمنين , يذهب إلى أن هذا لجميع المؤمنين , قال النحاس : ( وهذا قول جيد ) ) .
الرازي في تفسيره يقول: - بعد أن ذكر كلاماً طويلاً في إبطال القول في أنها نزلت في علي – ( وعلي بن أبي طالب أعلم بتفسير القرآن من هؤلاء الروافض ولو كانت هذه الآية دالة على إمامته لأحتج بها في محفل من المحافل , وليس للقوم أن يقولوا إنه تركه للتقية , فإنهم ينقلون عنه أنه تمسك يوم الشورى بخبر يوم الغدير وخبر المباهلة في جميع فضائله ومناقبه ولم يتمسك البته بهذه الآية لإثبات إمامته وذلك يوجب القطع بسقوط قول هؤلاء الروافض لعنهم الله ) هكذا قال .
وكذلك قال : ( وأما إستدلالهم بأن هذه الآية نزلت في حق علي فهو ممنوع و قد بينا أن أكثر المفسرين زعموا أنه في حق الأمة ) يعني ليس في علي .
وهذا الألوسي كذلك في المعاني يقول : ( وهم راكعون حال من فاعل الفعلين أي يعملون ما ذُكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم خاشعون ومتواضعون لله جل وعلا ) .
وهذا بن جرير الطبري رحمه الله تعالى يقول : ( يعني تعالى ذكره في قوله { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } ليس لكم أيها المؤمنون ناصر إلا الله ورسوله والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر الله تعالى , وقيل أن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت في تبرأه من من ولاية يهود بني قينقاع وحلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين , وأما قوله { وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } فإن أهل التأويل إختلفوا في المعنيّ به فقال بعضهم عُني به علي وقال بعضهم عُني به جميع المؤمنين ) ثم ذكر من قال بهذين القولين .
وهذا الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى يقول : ( فولاية الله تُدرك بالإيمان والتقوى فكل من كان مؤمناً تقياً كان ولياً لله ومن كان ولياً لله فهو ولي لرسوله وقوله { وَهُمْ رَاكِعُونَ } أي خاضعون لله ذليلون .
الشوكاني كذلك في فتح القدير وبن الجوزي في زاد المسير . أين الإجماع ؟!
كل هؤلاء المفسرين وغيرهم كثير لايقولون أنها نزلت في علي , وهؤلاء يدعون أنه أجمع المفسرون أنها نزلت في علي رضي الله عنه وأرضاه!! .
كذلك نقول الآية – كما يلاحظ الجميع - { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } فهي جمع وعلي واحد فهذه تعمية لحال علي , لو كان المراد علياً رضي الله عنه فعلى الأقل يأتي إما بإسمه أو بشيء يدل عليه , والذي يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة وهو راكع على الأقل هذه أوضح أما أن تأتي هكذا معماه إذا قلنا إن المقصود علي رضي الله عنه هذا لايمكن أن يكون أبداً ولايجوز أن يُنسب إلى الله جل وعلا الذي هو أحسن قيلا وأحسن حديثاً سبحانه وتعالى كيف نحن من قول الله تعالى { يريدُ اللهُ ليبينَ لكم ويهديَكُم سُنَنَ الذين مِنْ قبلكم ويتوبَ عليكم } أين نحن من هذه الآية ؟ أين البيان في هذه الآية!؟ , إنها دعوى والدعوى مرفوضة لا تُقبل .
وهناك جزئية ذكرها بعض أهل العلم مفيدة في هذا الجانب وهي قولهم أن الزكاة بالخاتم لا تُجْزئ , الزكاة إنما تكون بالدراهم والدنانير وأما إن يتزكى بالخاتم فإن هذا لا يجزئ أبداً .
على كل حال هذه هي الآية الأولى التي يستدلون بها ووجه الإستدلال عندهم – حسب ما قرأتُ لبعضهم - أنه كلمة إنما { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله } قالوا إنما هذه للحصر كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ) أي حصر الأعمال لا تُقبل إلا تكون مصحوبة بنية { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } وهو علي رضي الله عنه ! سلمنا جدلاً أنها في علي ثم ماذا ؟؟ ...(2/10)
أين خلافة الحسن والحسين وعلي بن الحسين هذه للحصر , إذاً ليس لكم ولي إلا الله وليس لكم ولي إلا رسول الله وليس لكم ولي إلا علي إذاً أبطلوا خلافة الحسن أبطلوا خلافة الحسين أبطلوا خلافة التسعة من أولاد الحسين لأن الله قال { إِنَّمَا } أي فقط , فإذا إلتزموا بذلك فهذا شأنهم .
كذلك مما إستدلوا به في هذه المسألة أعني مسألة الإمامة إمامة علي رضي الله عنه وأرضاه آية ذوي القربى ..
آية ذوي القربى
وآية ذوي القربى هي قول الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم آمرا له أن يقول للناس { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} الشورى 23 ويقولون القربى هنا علي وفاطمة والحسن والحسين .
{ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} نجد أن بعضهم يفسر هذه الآية كما فعل الأنطاكي مثلاً في كتابه لماذا إخترت مذهب الشيعة , فلا يتق الله تبارك وتعالى وإن كنت أعتقد جازماً أن هذا الكتاب ليس له وإنما ألفه غيره ونسبه إليه , والعلم عند الله تبارك وتعالى ولكن على كل حال لما يأتي إلى هذه الآية وهي قول الله تبارك وتعالى : { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فينقل حديثاً من صحيح البخاري وفيه أن بن عباس رضي الله عنه يسأله رجل عن معنى هذه الآية { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فيقول سعيد بن جبير : ( إلا أن تودوا قرابتي ) فيرد عليه بن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنه فيقولك: (عجِلتَ فوالله ما من بطن من بطون قريش إلا وللنبي صلى الله عليه وسلم فيه قرابة ولكن إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة ) هذا معنى الآية ..
ماذا فعل الأنطاكي أو من نسب الكتاب إلى الأنطاكي قطع هذا الحديث من وسطه بتره وهذا موجود في البخاري فقال : قال بن عباس : ( ألا أن تودوا قرابتي ) وترك رد بن عباس على سعيد بن جبير , ونسب قول سعيد بن جبير إلى بن عباس رضي الله عنهما ! , ماذا تسمون هذا الصنيع ؟ سموه ماشئتم ! , ولكن ليس هذا سبيل المؤمنين وما هذا طريقهم أبداً لايقطعون ولا يبترون الأحاديث ويدلسون ويكذبون ولكن نقول الله المستعان .
إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} هذه المصارف سهم لله والرسول سهم لذوي القربى سهم لليتامى سهم للمساكين وسهم لأبن السبيل هذا ما يسمونه بالخُمُس , وهذا الخمس إنما يؤخذ من غنائم الجهاد لأن الله تبارك وتعالى يقول {وأعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُم } غنيمة في الجهاد , غنائم الجهاد .
غنائم الجهاد صارت وللأسف بعدما كانت تؤخذ من الكفار صارت تؤخذ من المسلمين , الله تبارك وتعالى جعل لذوي القربى خمس خمس الغنيمة , وذلك أن الغنيمة تُقسم إلى خمسة أخماس فلوا فرضنا أن الغنيمة 10 آلاف فتقسم هذه الغنيمة إلى خمسة أخماس ألفين ألفين هكذا ثم أربعة أخماس تعطى للمجاهدين للذين قاتلوا وشاركوا في المعركة 8 آلاف يبقى ألفان يقسمان على خمسة أخماس لله والرسول لذوي القربى لليتامى للمساكين لأبن السبيل 400 لكل سهم , إذا هذه الأخماس تقسم بهذه الطريقة , إذا خمس الخمس لذوي القربى .
ماذا يفعل القوم اليوم ؟ خمس كامل ويؤخذ ممن ؟ من المسلمين !! والله إنما أعطى ذوي القربى خمس خمس من الكفار وهؤلاء يأخذون خمسا كاملا من المسلمين ليس هذا من دين الله في شيء أبدا ولا نقبل هذا أبداً .(2/11)
المهم أن الله تبارك وتعالى لما ذكر ما لذي القربى قال { ولذي القربى } باللام بينما الآية تقول { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } في القربى ففرق بين في القربى و للقربى في قول الله تبارك وتعالى { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى...} ولا بد لنا أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لايمكن أن يطلب أجراً , كيف يطلب أجراً وهو الذي يقول الله له { قل لاأسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين } إن الأنبياء جميعاً لا يسألون أقوامهم أجراً قال الله تبارك وتعالى عن نوح { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين } وقال عن هود { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين } وقال صالح كذلك وكذا قال لوط وقال شعيب كذلك { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين } ومعلوم أن نبينا محمداً هو أكرم الأنبياء وسيد الأنبياء وسيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه , فإذا كان إخوانه من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم كنوح ولوط وهود وصالح وشعيب وغيرهم لا يسألون الناس أجراً فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أولى بذلك أن لا يسأل الناس أجراً إنهم لا يسألون الأجر إلا من الله سبحانه وتعالى وهذا معنى قول الله جل وعلا إذاً { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } إلا هنا في الآية بمعنى لكن وليست إستثناءاً هو لا يسأل أجرا قطعاً صلوات الله وسلامه عليه وإنما يكون معنى الآية قل أسألكم عليه أجرا ولكن المودة في القربى , ودوني في قرابتي كما قال بن عباس رضي الله عنه وأرضاه .
ومن الأدلة التي يستدلون بها وذُكرت أثناء المناظرة وتم الرد على ما زعموا من دلالة على الإمامة ولكن يحتاج الأمر إلى تفصيل أكثر آية التطهير ..
آية التطهير
إن آية التطهير هي قول الله تبارك وتعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 33 } الأحزاب .. يقولون إن أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين بدلالة حديث الكساء ! ما هو حديث الكساء ؟ , حديث الكساء ترويه أم المؤمنين عائشة – التي يزعمون أنها تبغض آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ويخرجه من ؟ الإمام مسلم الذي يزعمون أنه يكتم أحاديث في فضائل آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ..
عائشة تروي أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه علي فأدخله في عباءته – في كساءه – ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم جللهم أي غطاهم صلوات الله وسلامه عليه بالكساء ثم قال : ( اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) فقالوا هذا الحديث يفسر الآية وهو قول الله تبارك وتعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 33 }.
ثم الأستدلال الآخر وهو أن إذهاب الرجس والتطهير أي العصمة ! فيكونون بذلك معصومين فيكون علي رضي الله عنه معصوماً وكذا الحسن والحسن وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين فإذا كان الأمر كذلك فهم أولى بالإمامة من غيرهم ثم أخرجوا فاطمة رضي الله عنها و قالوا إن الإمامة في علي والحسن والحسين ثم في أولاد الحسين كما هو معلوم عند الكثير .(2/12)
هذه الآية هل هي فعلا في علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أو في غيرهم كما قلنا قبل قليل في قوله تعالى { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } ثم إقرأوا ما قبل هذه الآية وماذا بعد هذه الآية , تدبروا القرآن لا نريد أكثر من ذلك أليس الله جل وعلا يقول { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } ويقول : { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً} إن هذا الخطاب من الله جل وعلا ليس متوجها فقط لأناس معينين هم الذين يحق لهم أن يتدبروا القرآن بل إن الله تبارك وتعالى يطلب من جميع المسلمين بل وغير المسلمين أن يتدبروا القرآن وأن يقرءوا القرآن ويتعرفوا على الله جل وعلا من خلال القرآن فإنهم إذا قرءوا القرآن وتدبروه وعرفوه حق المعرفة وعرفوا قدره ومكانته لن يجدوا بداً من الانصياع إليه وإتباعه والإقرار بكماله وحسن رسمه وغير ذلك من الأمور , كذلك الأمر هنا لا نريد أكثر من أن تتدبر القرآن أنتم بأنفسكم – أنا أعنيكم يا عوام الشيعة – دعوا علمائكم جانباً ارجعوا إلى كتاب ربكم سبحانه وتعالى أقرءوه افتحوا هذا القرآن الكريم افتحوه على سورة الأحزاب في الجزء الثاني والعشرين والجزء الحادي والعشرين فنجد أن الله تبارك وتعالى يقول في آخر الجزء الحادي والعشرين وفي أول الجزء الثاني والعشرين : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا 28 وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا 29 يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا 30 وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا 31 يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا 32 وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 33 وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا 34} كل الآيات متناسقة , آيات في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك لانريد أكثر من أن يتدبر الإنسان كتاب الله جل وعلا , آيات في نساء النبي يا نساء النبي .. يانساء النبي .. يانساء النبي .. وقرن في بيوتكن .. ولا تبرجن .. ثم قال : { وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 33 وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ } فنجد أن الآيات كلها في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم , إذاً كيف لأحد أن يدعي بعد ذلك أن هذا المقطع من الآية لأن قوله تعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ.. } ليست آية إنما هي جزء من آية { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} جزء من آية , كيف تقبلون في كلام الله جل وعلا أن يكون الخطاب لنساء النبي { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } ثم يقول{ يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ } يا علي يا حسن يا حسين يا فاطمة ثم يعود مرة ثانية { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ } أيش دخل علي والحسن والحسين وفاطمة في الخطاب عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما مناسبة هذه الفقرة بين هذه الآيات ؟ لا توجد مناسبة , إذاً ماذا علينا أن نفعل هل نطعن في كلام الله أو نطعن في الذين فهموا هذا الفهم وادعوا دعوى غير صحيحة وهي أن قول الله تعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ.. } هي في علي وفاطمة والحسن والحسين , نقول هذه دعوى باطلة , هذه في نساء النبي صلى الله عليه وسلم(2/13)
ولذلك كان مجاهد بن جبر رحمه الله تعالى يقول ( هي في نساء النبي ومن شاء باهلته ) أي في هذه الآية , القصد أن هذه الآية هي في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحديث الكساء في علي وفاطمة والحسن والحسين وبهذا نجمع بين الأمرين أن علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بدليل حديث الكساء , وأزوج النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته بدليل آية التطهير , وغيرهم كالفضل بن العباس والمطلب بن ربيعة بن الحارث أبنا عم النبي صلى الله عليه وسلم من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لما منعهما من الزكاة أن يكونا عاملين عليها وقال : ( إنها لاتحل لمحمد ولا لآل محمد ) ويدخل آل جعفر وآل عقيل وآل العباس لحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه وأرضاه .
فقصر هذه الآية على علي وفاطمة والحسن والحسين لا يستقيم معه نص الآية أبداً ولذلك نقول إن هذا القول مردود .
هنا إشكال وهو إذا كان الأمر كذلك وهي في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فما مفهوم { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ } ولم يقل عنكن , هذا الذي يدندنون عليه , هذه ذكر لها أهل العلم معاني كثيرة منها :
أولاً : وهو أصح هذه الأقوال أن النبي داخل معهن صلوات الله وسلامه عليه وذلك أن الخطاب كان للنساء .. للنساء .. للنساء ثم لما تكلم عن البيت دخل سيد البيت وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم , فإذا دخل صلوات الله وسلامه عليه مع النساء في الخطاب فطبيعي جداً أن تلغى نون النسوة وتأتي بدلها ميم الجمع { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ } أي يا نساء النبي ومعكن سيدكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا إذاًً معنى هذه الآية لماذا تأتي بميم الجمع ولم تأتي بنون النسوة , وتصح أيضاً لما قال الله عن إمرأة إبراهيم { رحمةُ اللهِ وبركاتُهُ عليكم أهل البيت } وهي إمرأة إبراهيم , إذاً لماذا جاء بميم الجمع هنا عليكم ولم يقل عليكن ولم يقل عليكِ أيضاً ؟؟ وإنما عليكم .. يريد أهل البيت يريد النص مراعاة اللفظ .. واللفظ للأهل .
على كل حال إنّ نون النسوة هنا لم يُؤتَ بها لإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل معهن .
ما دلالتها كذلك أيضاً على التطهير , هو الله يريد أن يُذهبَ الرجس , يريد أن يُطهر سبحانه وتعالى , طيب هل هم مطهرون خلقة أو يريد الله الآن أن يطهرهم ؟؟ , بدعوى القوم أنهم مطهرون خلقة , خُلِقوا مطهرين فإذا كانوا خُلقوا مطهرين فما معنى قول الله تبارك وتعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ } بعد أوامر ونواهي قال يريد ليذهب عنكم الرجس أي طهركم وأذهب عنكم الرجس , إذاً ما معنى حديث الكساء وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم جللهم بالكساء ثم قال : ( اللهم هؤلاء هم أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ) يدعو لماذا ؟ وبماذا ؟ يدعو بذهاب الرجس الذي هو أصلاً هو ذاهب عنهم , هم مطهرون خلقة !! فكيف النبي يطلب من الله أن يُذهب عنهم الرجس !! تحصيل حاصل لا ينبغي أن يكون من النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
إذاً هذه الآية لا تدل على العصمة , كيف تدل على العصمة وعلي رضي الله عنه يقول ( فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن من أن يقع مني ذلك ) الكافي ج8 ص 293 .
ويقول للحسن إبنه : ( ثم أشفقت أن يلتبس عليك ما إختلف الناس فيه من أهواءهم وأراءهم مثل الذي إلتبس عليهم ) نهج البلاغة ص 576 .
وقال له أيضا : (ً فأعلم أنك إنما تخبط خبط العشواء وتتورط الظلماء ) نهج البلاغة ص 577 . وقال له كذلك : ( فإن أشكل عليك من ذلك – يعني أمر – فأحمله على جهالتك به فإنك أو ل ما خُلقت جاهلاً ثم عُلمتَ وما أكثر ما تجهل من الأمر ويتحير فيه رأيك أو يضل فيه بصرك ) نهج البلاغة ص 578 .
وهذا من يسمونه بالشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي يقول : ( فإن كثيراً منهم ما كانوا يعتقدون بعصمتهم لخفاءها عليهم بل كانوا يعتقدون أنهم علماء أبرار ) حقائق الأيمان ص 151 .
{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ } ما هو الرجس ؟؟
الرجس قال أهل اللغة : هو القذر , هو الذنْب , هو الإثم ,الفسق ,الشك ,الشرك , الشيطان .. كل هذا يدخل في مسمى الرجس .
وردت كلمة رجس في القرآن في مواضع عدة قول الله تبارك وتعالى : { يا أيها الذين إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان}(2/14)
وقال سبحانه وتعالى { كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون } , وقال سبحانه وتعالى { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به } وكذلك يقول الله جل وعلا عن الكفار من اليهود { قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب } ويقول { يحلفون بالله لكم إذا أنقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس } وغيرها جاءت في القرآن الكريم تبين معنى الرجس وهو الإثم , الذنْب , القذر , الشك , الشيطان , الشرك وما شابهها من المعاني .
ولذلك جاء عن جعفر الصادق رضي الله عنه ورحمه أنه قال { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ } قال : هو الشك , وقال الباقر : الرجس هو الشك والله لا نشك بربنا , وفي رواية : في ديننا , وفي رواية لا نشك في الله الحق ودينه , هذا هو الرجس .
أذهب الله عنهم الرجس فكان ماذا ؟
هل كل من أذهب الله عنه الرجس يصير إماماً .. معصوما؟! .
الله سبحانه وتعالى يقول عن جميع المؤمنين , في أهل بدر لما كانوا معه { إذْ يُغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجزَ الشيطان } وقُرأت رجس بالسين , هل صاروا معصومين إذاً , كل هؤلاء صاروا أئمة ثلاثمئة وبضعة عشر كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم !!
هل كل من طهره الله سبحانه وتعالى يكون إماماً يقول الله جل وعلا { ولكن يريد ليطهركم ويتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون } يقولها لجميع المؤمنين .
وقال سبحانه وتعالى { والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً } , الله يريد سبحانه وتعالى تنقسم إلى قسمين كما قال أهل العلم :
1- إرادة شرعية وهي ما يحبه الله و يرضاه – سبحانه وتعالى- .
2- إرادة كونية قدرية وهي ما يوقعه الله سبحانه وتعالى , والآية إنما هي فيما يحبه الله ولذلك سُبقت بأمر ونهي , { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} { وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } ثم قال بعدها { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ } أي مع هذه الأوامر وهذه النواهي يريد الله سبحانه أي يحب جل وعلى أن يُذهب عنكم الرجس إذا إلتزمتم بفعل ما أمر وترك ما عنه نهى وزجر , فهذه إرادة شرعية يحبها الله ورسوله , وهذه الإرادة الشرعية قد تقع وقد لا تقع ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول : { والله يريد أن يتوب عليكم 0 ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيما } هل جميع الناس تاب الله عليهم ؟ لا , منهم من غضب الله عليهم سبحانه وتعالى ومنهم من لعنه جل وعلا ومنهم من جعل منهم عبدة الطاغوت وجعلهم حطب جهنم وما تاب عليهم سبحانه وتعالى لأنها إرادة شرعية ليست قدرية .
أما الإرادة القدرية الكونية فهي التي يوقعها الله سبحانه وتعالى وهذه تقع على ما يحبه الله وما لا يحبه , ككفر الكافر مثلاً هل كفر الكافر رغماً عن الله أو بإرادة الله ؟ , بإرادة الله سبحانه وتعالى , ما يقع شيء في هذا الكون إلا بإرادة الله سبحانه وتعالى { وما تشاءون إلا أن يشاء الله } سبحانه وتعالى فكفر الكافر ليس رغماً عن الله بل هو بإرادة الله القدرية الكونية سبحانه وتعالى وإن كان الله لا يحب هذا - أي لا يحب أن يكفر الكافر - , ولا يريد الله سبحانه وتعالى أن يمتنع إبليس عن السجود لآدم ولكن وقع هذا بإرادة الله الكونية القدرية وليس بإرادته الشرعية التي هي بمعنى المحبة – ما يحبه الله ويرضاه – ولذلك يحاسب الله على ترك إرادته الشرعية ولا يحاسب على ترك إرادته الكونية القدرية لأنه لا يستطيع أحد أصلاً أن يتركها ولا يستطيع أحد أن يتجاوزها أعني إرادة الله الكونية القدرية .
ومن الأدلة التي إستدلوا بها على الإمامة والعصمة أدلة من السنة أي من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وذكرنا في بداية حديثنا أننا سنتكلم عن مجموعة من الأحاديث تسعة تقريباً أولها حديث الثقلين .. حتى أُلفت كتبت عناوينها تحمل هذا المضمون
حديث الثقلين
ما هو حديث الثقلين , حديث الثقلين أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وأستمسكوا به ) , قال زيد : فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال : ( وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه .
ماذا فيه ؟ فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( إني تارك فيكم الثقلين ) الثقل الأول كتاب الله وكما هو وارد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأخذ به والتمسك به ثم الثقل الثاني وهم أهل بيته قال ( أذكركم الله في أهل بيتي , أذكركم الله في أهل بيتي , أذكركم الله في أهل بيتي ) .(2/15)
ظاهر الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر برعاية حقوق أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم ولكنهم لا يتوقفون عند هذا الحديث أعني حديث زيد بن أرقم وإنما يتجاوزون ذلك إلى حديث أم سلمة وحديث علي وحديث أبي سعيد الخدري , أما حديث علي رضي الله عنه ففيه ( إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله سببه بيد الله وسببه بإيديكم وأهل بيتي ) ظاهره أنه أمر بالتمسك بأهل بيته وهذا أخرجه بن أبي عاصم في السنة , ولكن مشكلته أنه لا يصح حيث ان في رواته سفير بن زيد ضعفه أبو حاتم والنسائي وأبو زرعة ويعقوب بن شيبة وبن المديني فلا يمكن الإستدلال بمثل هذا الحديث , ندعه ونأخذ الحديث الذي بعده وهو حديث أبي سعيد الخدري وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إني قد تركت الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) وهذا أخرجه أحمد والترمذي وأبو يعلا وبن أبي عاصم ولكن هذا أيضاً فيه عطية العوفي ضعفه أحمد وأبو حاتم والنسائي وغيرهم بل هو متفق على ضعفه عند أهل العلم إذاً لا يسلم هذا أيضاً .
الحديث الرابع وهو حديث زيد بن ثابت وفيه ( إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) أخرجه أحمد والطبراني وفيه القاسم بن حسان وثقه أحمد بن صالح والعجلي وذكره بن حبان في الثقات وضعفه البخاري وبن قطان وسكت عنه بن أبي حاتم وضعفه الذهبي وقال بن حجر مقبول وفيه شريك بن عبد الله وهو سيء الحفظ .
الحديث الخامس حديث جابر بن عبد الله ( يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) أخرجه الترمذي والطبراني وفيه زيد بن الحسن الأنماطي قال أبو حاتم مُنْكر الحديث وكذا قال الذهبي وقال بن حجر ضعيف .
من هذه الروايات يظهر لنا أن حديث الثقلين إنما يصح من رواية زيد بن أرقم رضي الله عنه وليس فيه شيء من الأمر بالتمسك بالعترة , وإنما فيه الأمر برعاية حق العترة , والأمر إنما هو في التمسك بكتاب الله لذا جاء حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في صحيح مسلم ( وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده أبداً إن إعتصمتم به كتاب الله ) فقط ولم يتطرق لأهل البيت ولا للعترة وهذا رواه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وحديث الأمر بالتمسك بالعترة ضعفه أحمد وبن تيمية , نعم صححه بعض أهل العلم كالألباني وغيره ولكن العبرة بما يكون فيه البحث العلمي وهو أن هذا الحديث لا يصح علمياً من حيث النظر إلى الأسانيد والدلالات و هذه منهجية أهل السنة والجماعة وأنهم لا يقلدون أحداً في مثل هذه الأمور بل يتبعون بحسب القواعد الموضوعة .
صح هذا الحديث فكان ماذا ؟ سلمنا بصحته فكان ماذا ؟ أمر بالتمسك بالثقلين , من هم الثقلان ؟ كتاب الله وعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم , يقول بن الأثير ( سماهما الثقلين لإن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل ويُقال لكل خطير نفيس ثَقَل فسماهما ثقلين إعظاماً لهما وتفخيماً لشأنهما ) قاله بن الأثير ج1 ص 216 في غريب الحديث
ومعنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بحفظ حقوقهم , ولذلك الصحابة رضي الله عنهم أعطوا الثقلين حقهم , هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه يقول : ( إرقبوا محمداً في أهل بيته ) وهذا أخرجه البخاري في صحيحه وقال : ( والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصِلَ من قرابتي ) أخرجه البخاري كذلك في صحيحه .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه أُمروا بالتمسك بأشياء أخرى قال الله تبارك وتعالى : ( ومن يشاقق الرسول .. ( إنقطع تسجيل كلام الشيخ من نفس المصدر فلم يكمل الآية هنا ) .
حديث الإثني عشر
وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يكون بعدي إثنا عشر خليفة كلهم من قريش ) وفي روايات أخرى لهذا الحديث عند أهل السنة والجماعة في الصحيحين وغيرهما ( لا يزال أمر هذا الدين قائماً حتى يلي إثنى عشر خليفة كلهم من قريش ) هذا الحديث يستدلون به على إمامة الأثني عشر عندهم , فهل الأثني عشر في الحديث الشريف هم الأثنى عشر الذين يقول الشيعة إنهم أئمتهم ؟ وإنهم هم المقصودون في هذا الحديث أو لا؟ .
هذه دعوى للنظر هل هذه الدعوى صحيحة أو غير صحيحة , من هم أئمة الشيعة الأثنى عشر نعدهم :
1. علي بن أبي طالب .
2. الحسن بن علي .
3. الحسين بن علي .
4. علي بن الحسين .
5. محمد بن علي بن الحسين ( الباقر ) .
6. جعفر بن محمد ( الصادق ) .
7. موسى بن جعفر ( الكاظم ) .
8. علي بن موسى ( الرضا ) .
9. محمد بن علي ( الجواد ) .
10. علي بن محمد ( الهادي ) .
11. الحسن بن محمد العسكري .
12. محمد بن الحسن وهو المهدي .(2/16)
يقولون هؤلاء هم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( يكون بعدي إثنى عشر خليفة ) قلنا فلننظر هل هذا الكلام صحيح أو غير صحيح ؟ .
نقول أولاً جاء في كتب القوم أن الأئمة ثلاثة عشر , في الكافي مثلاً عن أبي جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي : ( إني وأثني عشر إماماً من ولدي وأنت يا علي سر الأرض ) الأثنى عشر غير علي أي ثلاثة عشر هؤلاء وهذا في الكافي ج 1 ص 534 .
وجاء كذلك عن جابر أنه قال دخلت على فاطمة وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت إثني عشر آخرهم قائمهم . إذا كلمة أثني عشر هذه كلمة غير صحيحة ولذلك جاء في حديث جابر هذا أنه قال : ( فعددت إثني عشر آخرهم قائمهم ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي ) من هم محمد , محمد الباقر , محمد بن علي ( الجواد), محمد بن الحسن ( المهدي ) , من هم الثلاثة علي ؟ , علي بن الحسين ( السجاد ) , علي بن موسى ( الرضا ) , علي بن محمد (الهادي ) وهذا في الكافي ص 532 .
إذاً هم ثلاثة عشر ولذلك ذكرت بعض كتب الشيعة التي تكلمت عن الفرق أن هناك فرقة من فرق الشيعة تسمت بالثلاثة عشر يعني إعتقدت بثلاثة عشر إماماً من هذان الحديثان الموجودان في الكافي يقولان أن الأئمة ثلاثة عشر وليسوا إثني عشر كما يقولون .
وهنا نقطة مهمة جداً في هذه المسألة , هم يقولون نحن الأثنى عشر وأئمتنا هم فلان وفلان وفلان .. الذين ذكرناهم الآن .. طيب النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بهذا في زمنه بينما نجد أن كبار رواة الشيعة الذين عاصروا الباقر وعاصروا الصادق , الباقر قلنا هو الخامس والصادق هو السادس ولهما تلاميذ أتباع رواة ما كانوا يعرفون أن الأئمة أثنا عشر ولذلك كان الإختلاف يقع بينهم كآل زرارة لما حضره الموت قال ( ليس لي إمام وأشار إلا هذا الكتاب وأشار إلى القرآن ) رجال الكشي ص 139 .
ونجد أن أقطاب الشيعة الكبار زرارة بن أعين , هشام بن سالم الجواليقي و محمد بن النعمان الأحول ( شيطان الطاق ) , عمار الساباطي هؤلاء يذهبون ويبايعون عبد الله بن جعفر !! ولم يبايعوا موسى بن جعفر بل بايعوا عبد الله بن جعفر الذي هو الأفطح , ولذلك ذكر النوبختي وغيره أن جل رواة الشيعة فطحية لأن جل الروايات عندهم عن جعفر الصادق ومحمد الباقر وجل أتباع محمد الباقر وجعفر الصادق إتبعوا بعد ذلك عبد الله بن جعفر وبايعوه وهو الأفطح ولذلك قالوا جل رواتنا فطحية , وهذا هشام بن سالم يقول : ( رجعنا من عبد الله بن جعفر ضلالاً لا ندري إلى أين نتوجه ولا من نقصد ) الكافي ج 1 ص 351 .
إذاً قضية أنهم إثنى عشر ومحسومون وأخبر بهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا ما كان يعرفه الشيعة الكبار ولذلك فرق الشيعة لم تقل بالأثني عشر , متى جاءت تسمية فرقة الأثني عشر ؟ ..
الأمام جعفر الصادق ما فيه شيء إسمه الأثني عشر وقبله من باب أولى أيام محمد الباقر وعلي بن الحسين والحسن والحسين وعلي ما كان فيه شيء إسمه الفرقة الأثني عشرية .. فيه شيعة , أيام علي بن الحسين شيعة , أيام الباقر شيعة , أيام جعفر شيعة , أيام موسى الكاظم شيعة , أيام علي الرضا شيعة فقط ما فيه شيعة أثنا عشر أبداً وكذا في زمن الجواد والهادي وزمن العسكري شيعة , متى خرجت هذه الفرقة ؟ ..
لما مات الحسن العسكري ولم يكن له ولد صُدموا ماذا نصنع ؟ ما عنده ولد ونحن قلنا الإمامة مستمرة ماذا نصنع ؟ ... قالوا ألفوا له ولد .. ألفوا له ولداً .. ما صدقهم أحد لذلك أخذت أمه الميراث مع أخيه جعفر , ما ظهر له ولد أصلاً , دعوى باطلة , ولذلك هم يردون على الإسماعيلية أنه ليس لإسماعيل بن جعفر ولد ... ويردون على الفطحية والفطحية يردون عليهم وهكذا ..(2/17)
فهنا كذلك يُقال لهم في دعوى أنه ليس له ولد , من يقول أنه ليس له ولد ؟ ولذلك نقول مت جاءت الفرقة الأثنا عشرية .. أيام علي بن أبي طالب مافيه شيء إسمه الفرقة الأثنا عشرية ولا أيام الحسن ولا أيام الحسين رضي الله عنهم أجمعين ولا كذلك أيام علي بن الحسين ولا محمد البقر ولا جعفر الصادق رضي الله عنهم , بل ولا أيام موسى الكاظم ولا علي الرضا ولا محمد الجواد رضي الله عنهم مافيه شيء إسمه فرقة الأثنا عشرية , بعد الجواد علي الهادي والحسن العسكري لا توجد كذلك فرقة إثنا عشرية طيب لماذا لم يُتبنى هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الأمر ! , لماذا تُبنيى بعد ذلك ؟ أتدرون لماذا ؟ .. لأنه مات الحسن العسكري وليس له ولد .. ماذا يصنعون ؟ من أين يأتون له بولد , إدعوا ولداً .. ما صدقهم الناس ولذلك أخذت أمه ميراثه مع أخيه أعني ميراث الحسن العسكري , أين الولد قالوا ولد غائب , وطبيعي جداً أن يكون غائباً لأنه لا يمكن أن يحضر لأنه ليس موجوداً أصلاً , طيب هذا الولد أليس له ولد ؟ طبيعي جداً أن لا يكون له ولد لأنه أصلاً لم يُخلق فكيف يُخلق له ولد ؟ !! فكان لا بد إذاً أن يقفوا عند الأثني عشر .. ولذلك تسموا بالأثني عشرية , ثم بعد ذلك إما أن يكون سول لهم الشيطان – أعني شيطان الجن - أو شيطانهم من شياطينهم من شياطين الإنس فوجد حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم يخبر فيه صلوات الله وسلامه عليه أن يكون بعده إثنا عشر خليفة فقالوا بس .. أثنا عشر وأثنا عشر الرقم نفس الرقم إذاً النبي يخبر عن الثاني عشر .. هذا لا شك أنه لعب بكتاب الله جل وعلا ولعب بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ولعب على عقول الناس .
ولذلك جاءت روايات كثيرة عند الشيعة أن القائم ليس هو محمد بن الحسن المهدي هذه رواية مثلاً تقول : ( تابعون قائمون ) الكشي ص 373 وقال جعفر عن المهدي
( سمي فالق البحر ) الغيبة 46 وقال أيضا ( إسمه على إسم حديدة الحلاق ) الغيبة 47
لو نظرنا من السابع ؟ موسى الكاظم عدوا معي :
علي
الحسن
الحسين
علي بن الحسين
محمد بن علي
جعفر
موسى
موسى هو السابع من هو سمي فالق البحر .. موسى نبي الله موسى , من الذي إسمه على إسم حديدة الحلاق الموس .. موسى إذاً هذا هو القائم , ما كان عندهم شيء إسمه الثاني عشر .. القائم السابع من وين جاءت الثاني عشر ؟!!
وكذلك الحديث فيه يقول : ( لا يزال أمر هذا الدين قائماً ما ولي إثنى عشر خليفة ) الثاني عشر هم يزعمون و يدعون أنه موجود حالياً من سنة 260 ه , عندما مات الحسن العسكري هم يدعون أنه ولد عام 256 من سنة 260 هو موجود .. النبي صلى الله عليه وآله وسلم ماذا يقول ؟ قال (لا يزال أمر هذا الدين قائماً ) ( لا يزال الدين منيعاً ) ( لا يزال الدين عزيزاً ما ولي إثنا عشر خليفة ) طيب وين هذا هل ترون الآن منذ سقوط الخلافة إلى يومنا هذا هل الدين عزيز ؟؟!! أنظروا إلى أحوال المسلمين اليوم .. هل الذين عزيز ؟ , هل الذين منيع ؟ هل الإسلام عالٍ في الأرض ... أين إذاً حديث النبي صلى الله عليه وسلم نكذب النبي أو نكذب الذين يزعمون هذه الدعوى يدعونها زوراً ويقولون إنه أخبر النبي بالأثني عشر بهذا الحديث ! .
كذلك هم يقولون أن أئمتهم كانوا يتقون وكانوا مستترين وكانوا خائفين والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( الدين منيع ) الدين قوي !!
أين الدين قوي والدين منيع مع خوف وإستتار .. إذا كان القائم على الدين خائفاً مستترا متقياً فكيف يكون الدين قائما عزيزا منيعاً ؟! .
ثم إن الحديث ليس فيه حصر يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه في أثناء خلافة إثني عشر خليفاً يكون الدين منيعاً , هل قال النبي صلى الله عليه وسلم ولن يحكم غيرهم , وسيتوقف الأمر عند هؤلاء وستقوم القيامة على الثاني عشر من هؤلاء , ما فيه أي شيء من هذا الحديث أبداً , الحديث يتكلم بخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور المستقبلية , وكما قال سبحانه وتعالى { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا 26 إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا 27 لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا 28 } فيخبر الله جل وعلا نبيه ببعض غيبه ويخبر النبي صلى الله عليه وسلم ببعض ما يقع , وهذا من علامات صدق النبي صلوات الله وسلامه عليه .(2/18)
كذلك النبي قال : ( كلهم من قريش ) وهم يقولون كلهم أولاد علي بن أبي طالب , نحن نعلم علم اليقين لا مرية عندنا في هذا أبداً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وصدق أنه أوتى جوامع الكلم , فهل الذي أوتى جوامع الكلم يقول كلهم من قريش وهم من أولاد علي أصلاً , وهو كما نعلم علم اليقين كذلك أنه أنصح الناس للناس صلوات الله وسلامه عليه , نصوح .. كيف يضيعنا ! كيف يقول من قريش وهو يريد علياً وأبناءه , كان يقول علي وأبناء علي وأنتهى الأمر , بل يذكر أسماءهم وينتهي الأمر لكن يقول كلهم من قريش ويعمي المسألة على الناس لماذا !؟ نحن لا نؤمن بذلك أبداّ .. لو كان النبي يريد علياً وأولاده كان يقول علي وأولاده , ولذلك لو جئت أنا وقلت مثلاً سأعطي كل عربي مئة دينار فجاءني العرب إجتمعوا على بابي ماذا تريدون ؟
قالوا نريد مئة دينار , كل واحد منا يريد مئة دينار ..
قلت لا عفواً أنا سأعطي الليبيين فقط ..
لماذا تعطي الليبيين فقط ..؟
قلت الليبيين عرب ..
قالوا : ونحن عرب ! ..
قلت طيب أنا ما أخطأت ..
قالوا : ولكنك لم تحسن الكلام لو كنت تحسن الكلام لقلت سأعطي كل الليبيين ولا يحتاج أن نأتي أصلاً ..
قلت طيب أنا آسف لكن لن أعطي إلا الليبيين إسمحوا لي بارك الله فيكم ..
فرجعوا فإجتمع عندي الليبيون فقالوا : صفا لنا الجو ..
قلت ماذا تريدون ؟
قالوا : كل واحد مئة دينار ..
قلت : لا أنا سأعطي فقط أهل طرابلس .. أما غير أهل طرابلس عفواً لن أعطيهم شيء ..
قالوا :لماذا ؟
قلت : أنا أريد أعطي فقط أهل طرابلس ..
قالوا : أنت قلت كل الليبيين ..
قلت : طيب أهل طرابلس ليبيين أو ما هم ليبيون ؟ ..
قالوا : أحسن الكلام .. أنت في الأول أحرجتنا مع العرب والآن أحرجتنا مع أنفسنا وأخرجتنا من الحسبة وضيعت علينا وقتنا .. كان قلت من أول سأعطي أهل طرابلس وإنتهى الأمر ..
قلت طيب أنا آسف إسمحوا لي وأعطيت أهل طرابلس ..
فأنا هل أُلام على إختيار مثل هذه الكلمات أو لا أُلام ؟؟ .. أتريدون أن ننسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( كلهم من قريش ) وهو يريد علياً وأبناءه ؟! .. أليس كان من الأفضل أن يقول ( كلهم من بني هاشم ! ) وحتى هذه ما تصلح لإن بني هاشم كثيرون مشكلة هذه .. إذاً كان يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول ( كلهم أولاد علي ) ويحددهم بأسماءهم يقول الحسن والحسين لإن علي له تسعة عشر ولداً رضي الله عنه وذرية الحسين دون الحسن حدد هكذا حتى نقول أوتى جوامع الكلم صلوات الله وسلامه عليه .. ولكن الأمر ليس كذلك .. الأمر أن النبي قال : ( كلهم من قريش ) ونحن نعتقد يقيناً أن النبي أوتى جوامع الكلم وأن الذين زعموا على النبي أنه لم يؤتَ جوامع الكلم نؤمن يقيناً كذلك أن قولهم مردود لا نقبل قولهم أبداً لأنهم يريدون أن يطعنوا في نبينا ونحن لا نقبل هذا في نبينا صلوات الله وسلامه عليه
القضية إذاً هم إستدلوا العدد على العدد فقط ! أثنى عشر خليفة ونحن نؤمن بأثني عشر إذاً هؤلاء هم هؤلاء إنتهى الأمر .. نقول فاتكم أنه جاء في حديث مسلم
( سيكون في أمتي إثنا عشر منافقاً ) .. هذه مشكلة إذا كانت قضية قضية العدد يوافق فكيف توفقون بين هذه وهذه وتلك إثني عشر خليفة وإثنى عشر إمام وإثنى عشر منافق ؟؟ هل كل أثنا عشر هي في أئمتكم أو لا تدبروا هذا الأمر .
لو رجعنا إلى كتاب الله جل وعلا ما وجدنا أن الله جل وعلا نص على إمامة أحد منهم أبداً , وقد مر بنا أدلتهم من القرآن وبينا أنه لا يصح منها شيء , أين كتاب الله جل وعلا عن الإمامة التي هي عندهم أهم من الصلاة وأهم من الزكاة وأهم من الحج وأهم من كل شيء ما ذكرها الله سبحانه وتعالى ولا نص على هؤلاء الأئمة الأثني عشر في كتابه العزيز , لما لم ينص الله تبارك وتعالى على هذا مع أهمية هذا الأمر هو عندهم أهم ركن من أركان الإسلام .
ذكر الله جل وعلا الرسل ورسالاتهم , ذكر الله تبارك وتعالى أحوالهم مع أممهم ولم يذكر شيئاً أبداً عن هؤلاء الأئمة لا من قريب ولا من بعيد أتقصير من الله أو دعواهم باطلة إختر أي الأمرين شئت .(2/19)
ولذلك زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه وزيد هذا أخو محمد الباقر عم جعفر الصادق , بن علي زين العابدين , تنتسب إليه طائفة الزيدية , زيد بن علي بن الحسين يقولون إنه جلس مع مؤمن الطاق , ويسميه أهل السنة شيطان الطاق محمد بن النعمان , فقال له : يا أبا جعفر , بعد أن بعث إليه وكان مستخفياً , أخرج معي ساعدني فيما خرجت إليه فقال له شيطان الطاق أو مؤمن الطاق كما يحبون أن يسموه قال : إن كان الخارج أباك أو أخاك فنعم خرجت معك أما أنت فلا . قال يا أبا جعفر – يعني الأحول هذا - : كنت أجلس مع أبي على الخيوان – طاولة الطعام - فيلقمني اللقمة السمينة ويبردها لي شفقة عليّ ولم يشفق علي من حر النار حيث أخبرك بالإمامة ولم يخبرني أنا !!! – أن الإمام بعد علي محمد وبعد محمد جعفر – ما أخبرني أبي بهذا على شفقته عليّ وحبه لي , قال : جُعلت فداك من شفقته عليك من حر النار لم يخبرك , خاف عليك ألا تقبل فتدخل النار , وأخبرني أنا فإن قبلت نجوتُ وإن لم أقبل فلي ان أدخل .
هذا منطق !! , هذا عقل ! لا يخبر ولده بالإمامة لأهم ركن من أركان الدين ويخبر الأجنبي البعيد ! ولذلك أصاب أهل السنة عندما سموه شيطان الطاق , الذي يتكلم هكذا مع واحد من أئمة أهل البيت وهو زيد بن علي بن الحسين .
كذلك هناك قضية مهمة .. هناك شخص إسمه محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب هذا يُقال له النفس الزكية سنة 130 ه خرج هذا الرجل وقال إنه هو المهدي وتبعه أقوام كثير ومن أهل البيت وهذا جد أبيه الحسن بن علي بن أبي طالب , ليست القضية في خروجه , القضية في أن جعفر الصادق الذي هو في منزلته أمر ولديه موسى الكاظم وعبد الله الأفطح أمرهما أن يخرجا معه تابعين له فإنظما إلى ثورته وهذا في مقاتل الطالبيين ص 244 , مع أنهم يروون ( أن كل بيعة قبل ظهور القائم فبيعته كفر ونفاق وخديعة لعن الله المبايِع والمبايَع له ) بحار الأنوار ج 53 ص 8 .
أحاديث المهدي لو نظرنا إليها في كتب الشيعة لوجدناها لا تُحصى من كثرتها لا أقول مئات تتجاوز المئات ومع هذا نجد أن جل فرق الشيعة لا تؤمن بالمهدي لماذا ؟ خاصة القديمة , الفطحية لا تؤمن بالمهدي , الناووسية لا تؤمن بالمهدي , البترية لا تؤمن بالمهدي , الصالحية لا تؤمن بالمهدي , الكيسانية لا تؤمن بالمهدي , الإسماعيلية لا تؤمن بالمهدي , الجعفرية القديمة لا تؤمن بالمهدي , الموسوية القديمة لا تؤمن بالمهدي ..
هذه الأحاديث الكثيرة , لماذا كلهم يغفلون عنها بل رواة أحاديث الشيعة الكبار هذه أسمائهم :
عمار الساباطي , عبد الله بن أبي يعفور , أبان بن تغلب , هشام بن الحكم , جميل بن دراج , هشام بن سالم , محمد بن نعمان وظف إليهم زرارة وأسال إن شئت أو إقرأ في رجال الكشي عن هؤلاء ماذا يكونون في رواة الشيعة ؟ ! . كل هؤلاء يضيعون بعد جعفر الصادق لا يدرون إلى أين يتوجهون لماذا ؟ لأنه ما توجد مثل هذه الروايات كلها روايات متأخرة موضوعة بعد ذلك كُذبت بعد ذلك , ولذلك هذا البياضي مثلاً عالمهم يقول: ( إن علياً لم يذكر النص للصحابة على نفسه لسببين , لو ذكر ثم أنكروه لكفروا ولم يرد ذلك , أنهم قصدوا في الشورى تقديم الأفضل فشارك ليعترفوا بأنه الأفضل فقط ) إذاً هذا البياضي يعترف أنه ما فيه نص لعلي , علي لم يذكر النص لنفسه فكيف يكون ذُكر النص لأحد عشر من ولده , وإذا كانت الإمامة نصاً في الإثني عشر هؤلاء لماذا تنازل الحسن لمعاوية , إسألوا علمائكم ! والله نريد لكم الخير إسألوهم لماذا تنازل الحسن لمعاوية وهو إمام منصوص من عند الله تبارك وتعالى لماذا تنازل يقولون لأن الإمامة ليست في الحكم ليس الحكم شرطاً يمكن أن يكون إمام وليس بحاكم , إذاً لماذا خرج الحسين على يزيد , كان الحسين إمام وليس بحاكم لماذا خرج على يزيد ؟! إذا كانت القصية الإمامة لا شأن لها بالحكم أو لايلزم من الإمامة الحكم , طيب الحسين يقول كذلك لا يلزمني الحكم ويظل إماماً بدون أ، يخرج على يزيد .. لماذا خرج على يزيد ؟! سلوهم ..
لكن أيضاً إسألوهم سؤالاً آخر , لماذا خرج الحسين على يزيد ولم يخرج على معاوية ؟ , مع أنه عاش خلافة معاوية بعد موت الحسن إحدى عشرة سنة بعد الحسن , سنة 49 توفي الحسن رضي الله عنه وأنتهت خلافة معاوية رضي الله عنه سنة 60 , من سنة 49 إلى سنة 60 الحسين لم يحرك ساكناً ضد معاوية وإنما خرج على يزيد ولم يخرج على معاوية ..
فكروا لماذا ؟(2/20)
إما أن تقولوا أن معاوية كان رجلاً صالحاً فهذه جيدة نقبلها منكم , ويزيد ليس بصالح لاشيء فيها هناك كثير من علماء السنة يقولون يزيد ليس بصالح , أنا أقول لك يزيد ليس بصالح لكن لا نسبه نحن لا نتقرب إلى الله بسبه , لكن بدون شك هناك بكثير من هم أصلح منه وأولى منه بالخلافة , لكن لماذا لم يخرج الحسين على معاوية .. ولماذا تنازل الحسن لمعاوية والإمامة نص للأثني عشر ؟! , إما أن نقول إن فعلهم خطأ وإما أن نقول أنه لا يوجد نص وهذا هو الصحيح إنه لا يوجد نص صحيح على شيء إسمه إثني عشر .
إذاً كان الأمر شورى كما قال علي رضي الله عنه : ( إنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن إجتمعوا على رجل وكان لله إماماً كان ذلك لله رضا ) نهج البلاغة ص 367 .
وقال : ( بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد ) نهج البلاغة ص 366 .
وقال كذلك لمن جاءه يطلبه أن يكون خليفة قال : ( دعوني وألتمسوا غيري فإننا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول وإن تركتموني فإني كأحدكم ولعلي أسمعُكم وأطوعُكم لمن وليتموه أمركم وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً ) نهج البلاغة ص 336 .. يغش الناس ؟ لا والله ما يغش الناس رضي الله عنه وأرضاه .
حديث الغدير
أي غدير ؟ غدير خم وهو غدير قريب من الجحفة بين مكة والمدينة , وكان هذا في حجة الوداع في رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الحج قبيل وفاته بثلاثة أشهر تقريباً .
هذه الحادثة أخرجها الإمام مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم قال : [ قام رسول الله فينا خطيباً بماء يُدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه وأثنى عليه ووعظ وذَكّر ثم قال : ( أما بعد ألا يا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وأستمسكوا به ) قال : فحث على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال : ( وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ,أذكركم الله في أهل بيتي , أذكركم الله في أهل بيتي ) قال حصين الراوي عن زيد ومن أهل بيته يا زيد أليس نساءه من أهل بيته قال : نعم ولكن أهل بيته من حُرم الصدقة بعده . قال : ومن هم ؟ قال : هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس . قال : كل هؤلاء حُرم الصدقة ؟ , قال : نعم . ] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه .
جاءت زيادات لهذا الحديث عند أحمد والنسائي والخصائص والترمذي وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ذلك المكان : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) وجاءت كذلك زيادات أخرى منها ( اللهم والي من ولاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ) يمكننا أن نقسم هذا الحديث إلى أربعة أقسام .
القسم الأول : ما جاء في حديث مسلم وهو ليس فيه من كنت مولاه فعلي مولاه .
القسم الثاني : الزيادة خارج مسلم وهي عند كما قلنا الترمذي وأحمد والنسائي والخصائص وغيرهم و هي التي فيها زيادة ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) .
القسم الثالث : زيادة أخرى عند الترمذي وأحمد وهي ( اللهم والي من ولاه وعاد من عاداه) .
القسم الرابع : وهي زيادة عند الطبراني وغيره (وأنصر من نصره وأخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ) .
أما القسم الأول فهو في صحيح مسلم ونحن مسَلّمون بكل ما في صحيح مسلم .
القسم الثاني وهو ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) فهذا حديث صحيح عند الترمذي وأحمد إذ لا يلزم أن يكون الحديث الصحيح فقط عند مسلم والبخاري والصحيح أن هذا حديث صحيح جاء عند الترمذي وأحمد وغيرهما .
أما زيادة ( اللهم والي من ولاه وعاد من عاداه) فهذه اختلف فيها أهل العلم , هناك من أهل العلم من صححها وهناك من ضعفها حتى الأولى قوله( من كنت مولاه فعلي مولاه ) هناك من ضعفها كإسحاق الحربي وبن تيمية وبن حزم وغيرهم .
أما الزيادة الأخيرة وهي (وأنصر من نصره وأخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ) هذه كذب محض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
هذا الحديث يستدلون به على خلافة علي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة بدلالة ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) قالوا المولى هو الحاكم والخليفة إذاٍ علي هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة .(2/21)
أولا نريد أن نعرف لما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام لعلي ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) وهل أوقف الناس في هذا المكان ليقول هذا الكلام أو أنه أوقفهم لشيء آخر .. لابد أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان راجعاً في سفره من مكة إلى المدينة بعد أن أنهى حجه صلوات الله وسلامه عليه , رحلة السفر كما هو معلوم تستغرق ما بين خمسة إلى سبعة أيام وكان من عادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا سافر أن يمشي في الليل ويرتاح في النهار , فهذه كانت مرحلة من مراحل السفر التي كان يتوقف فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم , إذا لم يتوقف ليقول هذا الكلام وإنما توقف لأن هذه من عادته وهذا أمر طبعي لأنه مستحيل أن يسيروا خمسة أيام متصلة معهم نساء ومعهم رجال وقادمون من حج و ما ورائهم شيء آخر , فطبيعي جداً أن يرتاح النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مراحل السفر , فكان يرتاح في النهار ويسير في الليل صلوات الله وسلامه عليه كما قلنا , إذا لم يتوقف ليقول هذا الكلام .
القضية الثانية لما قال هذا الكلام ؟ لما قاله في علي , هم يقولون قاله يريد الخلافة ! يريد أن علياً هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحن نقول لا ليس الأمر كذلك .. لماذا نحن نقول لا ؟ .. لإمور .. ما قلنا هذا رداً لخلافة علي رضي الله عنه أبداً , نحن نتقرب إلى الله بحب علي رضي الله عنه , ولكن نرد هذا لأن هذا ليس بحق , لماذا ليس بحق ؟ ..
نقول أولاً لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد خلافة علي كان يقول هذا في يوم عرفه الحجاج كلهم مجتمعون , هناك يقول هذا الكلام صلوات الله وسلامه عليه , حتى إذا غدر أهل المدينة شهد له باقي المسلمين من غير أهل المدينة , هم يقولون النبي كان خائفاً !! أن يبلغ هذه الخلافة , يخاف أن يُرَد قوله , يخاف من أهل المدينة ثم يترك الناس كلهم ويخاطب أهل المدينة فقط !! ما هذا التناقض ؟ لا يُقبل مثل هذا الكلام .
ثم لماذا يخاف النبي صلى الله عليه وسلم يخاف ممن من الصحابة !! الذين تركوا أموالهم وأولادهم وديارهم وهاجروا في سبيل الله , الذين قاتلوا في سبيل الله , الذين شاركوا في بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر وحنين وفتح مكة وتبوك هؤلاء هم الذين يخاف منهم النبي صلى الله عليه وسلم !! , بذلوا المُهَج بذلوا الأموال في سبيل الله سبحانه وتعالى ثم بعد ذلك يخاف منهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم ما يقبلون خلافة علي رضي الله عنه .
على كل حال وجهة نظرنا نحن لماذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا الكلام لأهل المدينة خاصة ومن جاورها ولم يقل هذا الكلام لأهل الحج كلهم من أهل المدينة وغيرهم خاصة إذا علمنا أن غدير خم يبعد عن مكة قريباً من 250 كيلو متر , ولذلك لجهله بهذا المكان يقول : قال النبي في مجتمع الحجيج !! أي مجتمع الحجيج ؟! مجتمع الحجيج مكة مجتمع الحجيج عرفة ليس في غدير خم يبعد عن مكة 250 كلم وهو أقرب من المدينة منه إلى مكة وبين مكة والمدينة 400 كلم .
إذاً خص النبي أهل المدينة.. لِمَ خص أهل المدينة قال أهل العلم لسببين :(2/22)
السبب الأول : النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج إلى الحج كان في المدينة وكان قد أرسل خالد بن الوليد إلى اليمن في قتال , إنتصر خالد بن الوليد في جهاده أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنّا إنتصرنا وعندنا غنائم فأرسل إلينا من يخَمِّس هذه الغنائم فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن ليخمس الغنائم ثم أمره أن يدركه في مكة في الحج , إذا النبي في المدينة وعلي في المدينة ثم أمر علياً أن يخرج إلى اليمن والموعد مكة , ذهب علي إلى اليمن وصل إلى الغنائم قُسمت الغنائم كما هو معلوم إلى خمسة أقسام أربعة أخماس للجنود للذين قاتلوا للذين فتحوا للذين جاهدوا وخمس واحد يقسم إلى خمسة أخماس خمس لله والرسول , خمس لذوي القربى , خمس لليتامى , خمس للمساكين , خمس لأبن السبيل , قُسمت الغنائم .. الآن علي سيذهب إلى مكة يلتقي بالنبي صلى الله عليه وسلم هناك في حجة الوداع , الذي وقع أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أخذ الخمس الذي لذوي القربى وهو سيد ذوي قربى النبي صلى الله عليه وآله وسلم , والخمس عبارة عن ماذا ؟ عبارة عن أموال , بهائم كالخيل والبغال والإبل والبقر والغنم وسبي من نساء وأطفال ورجال .. ماذا صنع علي رضي الله عنه ؟ أخذ إمرأة من السبي فدخل عليها – يعني جامعها – فغضب بعض الصحابة كبريدة بن الحصين .. كيف علي يفعل ذلك !! يأخذ إمرأة من السبي ومن نصيب ذوي القربى من نصيب النبي صلى الله عليه وسلم هناك يوزعه في المدينة ليس هنا ! .. فأخذ إمرأة من السبي ودخل بها وخرج وقد إغتسل فغضب بريده فذهب إلى النبي في المدينة صلوات الله وسلامه عليه فقال يا رسول الله : حصل كيت وكيت وذكر له ما وقع من علي , لم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم , فرجع بريده وقال : حصل كذا وكذا من علي أيضا لم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم , جاء الثالثة قال يا رسول الله : علي فعل كيت وكيت , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا بريدة أتبغض علياً ) قال : نعم يا رسول الله , فقال : ( لا تفعل فإن له من الخمس أكثر من ذلك ) يقول : فأحببته بعد ذلك لأن النبي قال : لا تبغضه , خلاص يطيعون النبي صلى الله عليه وسلم فأحبه فدافع النبي عن علي صلوات الله وسلامه عليه .
إذاً هذه مشكلة الآن داخلية بين بريدة وعلي وبريدة لعله جاء وتكلم بها في المدينة وأيضا قد يكون شارك بريدة في الإنكار على علي كخالد بن الوليد وغيره في هذه العملية .
السبب الثاني : أنه لما خرج علي من اليمن إلى مكة و النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة وهو في الطريق علي رضي الله عنه أخذ معه نوقاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم , يعني ساق الهدي معه فلما كان في الطريق أمر أصحابه أن يتقدموا عليه ونهاهم أن يركبوا على الإبل ونهاهم أن يلبسوا بعض الثياب التي من الغنائم وسبقوه , فلما أدركهم علي وجد أن الإبل رُكبت أو أن الملابس لُبست فغضب ونهرهم رضي الله عنه كيف ما تطيعوا أمري ؟ أن قلت لكم لا تركبوا أنا قلت لكم لا تلبسوا كيف تفعلون كذا .. فتضايقوا من هذه المعاملة ومنهم أبو سعيد الخدري , يقول فلما لقينا النبي صلى الله عليه وسلم في مكة إشتكينا علياً ,أن علي فعل كيت وكيت وكان قاسياً معنا , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فإني علمت أن علي قد أحسن فلا تبغضوا علي ) وسكت القوم , أيضاً هذه مشكلة داخلية مع علي رضي الله عنه عندها لما إنتهى النبي صلى الله عليه وسلم من الحج ورجع النبي صلى الله عليه وسلم وصار قريباً من المدينة قريباً من 150 كلم أو 170 كلم من المدينة في أثناء الطريق أثناء راحتهم توقف هناك في يوم من الأيام و قال كلمته تلك ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) أي يا من تكلمتم في علي إحذروا فعلى مني وأنا منه , علي أنا يحبني من يحب علي , يودني من يود علياً ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) , هم يقولون المولى الحاكم ونحن نقول المولى المحب بدليل قوله بعد ذلك ( اللهم وال من والاه وعادي من عاداه ) ما معنى وال من والاه وعاد من عاداه وقوله من كنت مولاه فعلي مولاه .. المعنى واحد إذاً هذه قصة غدير خم .
المولى كما يقول بن الأثير تقع هذه الكلمة على : الرب والمالك والمنعم والناصر والمحب و الحليف والعبد والمعتق وبن العم والصهر .. تصوروا كل هذه تطلق عليها كلمة مولى قالوا نحن نريد الخليفة .
لو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد الخليفة كان يأتي بكلمة صريحة واضحة ما يأتي بكلمة تحتمل أكثر من عشرة معاني .. يأتي بكلمة واضحة سهلة بينة يعرفها كل أحد علي هو الخليفة من بعدي .. إنتهى الأمر , لكن لم يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتلك الكلمة التي تنهي كل خلاف .(2/23)
وأما كلمة مولى أنها حاكم هذا ليس بسليم قال الله تبارك وتعالى { فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير } سماها مولى وذلك لشدة الملاصقة وشدة اللُحمة والقرب , ثم إن الموالاة وصف ثابت لعلي رضي الله عنه في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد زمن النبي صلوات الله وسلامه عليه فهو في زمن النبي مولى وبعد وفاة النبي مولى والآن مولانا رضي الله عنه وأرضاه ولذلك قال الله تبارك وتعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } فكل المؤمنين بعضهم أولياء بعض كما قال الله تبارك وتعالى .
إذا ً هذا دليل الموالاة الذي يستدلون به على إمامة علي رضي الله عنه وأرضاه بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما نرى لا دلالة فيه أبداً . ولذلك نص عالمهم النوري الطبرسي يقول : ( لم يصرح النبي لعلي بالخلافة بعده بلا فصل في يوم غدير خم وأشار إليها بكلام مجمل مشترك بين معانٍ يُحتاج إلى تعيين ما هو المقصود منها إلى قرائن ) فصل الخطاب ص 205 و 206 إذا كان الأمر كذلك فكيف بعد ذلك يُقال أن هذا الحديث نص على خلافة علي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
حديث الدار
أو حديث الإنذار يوم الدار وهو مرتبط إرتباطاً قوياً بقول الله تبارك وتعالى { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 214} الشعراء .
يرون أنه لما نزل قول الله جل وعلا { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقاربه على النحو الآتي .
عن علي قال : لما نزلت { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } ورهطك المخلصين دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني عبد المطلب وهم إذ ذاك أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً فقال : ( أيكم يكون أخي ووصيي ووارثي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي ) فعرض عليهم ذلك رجلاً رجلاً كلهم يأبى ذلك حتى أتى عليّّ فقلت أنا يا رسول الله فقال : ( يا بني عبد المطلب هذا أخي ووارثي ووصيي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي ) قال فقام القوم يضحك بعضهم إلى بعض ويقولون لأبي طالب : قد أمرك وتطيع لهذا الغلام ) وهناك روايات أخرى لهذا الحديث أو لهذه القصة مرجعها بحار الأنوار ج 18 ص 178 والبرهان ج 3 ص190 والميزان ج 15 ص 336 وأما كتب أهل السنة فجاء في مسند أحمد ج 1 ص 111 وص 159 .
يستدلون بهذا الدليل على أن علي رضي الله عنه هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
نقول هذا الحديث ذكره الموسوي في كتاب المراجعات وذكره كذلك الأنطاكي في كتابه لماذا إخترت مذهب الشيعة , وذكره تقريباً كل علماء الشيعة الذين ألفوا كتباً يستدلون بها على أهل السنة في إثبات خلافة علي رضي الله عنه بعد رسول الله مباشرة , وقد بالغ عبد الحسين شرف الدين في كتابه المراجعات حيث قال : ودونك ما أخرجه أحمد في مسنده ج 1 ص 111 تجده يخرج الحديث عن أسود بن عامر عن شريك عن الأعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي مرفوعاً , ثم قال , وكل واحد من سلسلة هذا السند حجة عند الخصم وكلهم من رجال الصحاح بلا كلام ..
ثم صار يترجم لكل رجل من رجال هذا السند فقال :
الأسود بن عامر إحتج به البخاري و مسلم , شريك إحتج به مسلم , الأعمش إحتج به البخاري و مسلم , المنهال إحتج به البخاري , عباد بن عبد الله الأسدي قال : هو عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي إحتج به البخاري ومسلم .
وللأسف لا أقول لقلة بل أقول لعدم وجود الأمانة العلمية حاول أن يدلس ويلبس بهذا الحديث فعباد بن عبد الله الأسدي يختلف تماماً عن عباد بن عبد الله بن الزبير , هذا شخص وذاك شخص آخر عباد بن عبد الله الأسدي هو الذي يروي عنه المنهال وهو الذي يروي عن علي رضي الله عنه وأرضاه بينما عباد بن عبدالله بن الزبير بن العوام هذا لاير وي عنه المنهال ولا يروي هو عن علي رضي الله عنه , ولكن لإرادة التدليس والتلبيس على الناس جعلوا عباد بن عبد الله الأسدي هو عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي كذلك , فهذا من التلبيس والكذب , ولذلك عباد بن عبد الله الأسدي يترجم له صاحب التهذيب وهو الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى يترجم له في الصفحة ذاتها التي يترجم لعبد الله بن عبد الله بن الزبير فقال :
عباد بن عبد الله الأسدي روى عنه المنهال وروى عن علي .. ضعيف .
بينما عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي لا يُعرف بالأسدي وإنما يعرف بعباد بن عبد الله بن الزبير لكن جعله مكان هذا حتى يلبس على الناس وليس هو راوي هذا الحديث بل الذي يرويه عباد بن عبد الله الأسدي الضعيف وهذا من كذبهم الله المستعان .(2/24)
على كل حال عباد بن عبد الله الأسدي قال عنه البخاري : فيه نظر , وكلمة فيه نظر عند البخاري كما قال الحافظ بن كثير هي من أشد عبارات الجرح عند الإمام البخاري كما قاله الحافظ بن كثير في الباعث الحثيث . وأحمد ضرب على حديثه , وقال بن حزم مجهول فهذا عباد بن عبد الله الأسدي , فالحديث إذاً لا يصح من طرق أهل السنة , أما من طرق الشيعة فالحديث روي من طرق كثيرة ولكن بعد تتبع هذه الطرق عندهم كذلك لا يصح هذا الحديث من كتبهم ومن رجالهم أيضاً فلا يصح عند أهل السنة ولا يصح كذلك عند الشيعة وجاء عند السنة أيضا من طريق آخر عند الطبراني والطبري من طريق عبد الغفار بن القاسم أبو مريم الأنصاري قال عنه بن المديني : كان يضع الحديث , وقال أبو داوود وأنا أشهد أن أبا مريم كذاب , وقال أبو حاتم والنسائي متروك , وقال الذهبي ليس بثقة .
إذاً هذا الحديث من حيث المتن لا يصح ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فالقصة هذه مكذوبة من أصلها , ثم هي أصلاً باطلة من حيث المتن متنها باطل لا يصح كذلك لماذا ؟
أولاً لو نظرنا إلى قول علي رضي اله عنه عندما يقول : ( جمع النبي صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب أربعون رجلاً يزيدون أو ينقصون رجلاً ) .. هل بني عبد المطلب يصلون إلى أربعين ؟ .. لا يصلون إلى أربعين فهل أخطأ علي في الحسبة أو كذبوا عليه , الأقرب أنهم كذبوا عليه , تعالوا معنا نحسب ونعد أبناء عبد المطلب من هم أبناء عبد المطلب ؟ :
أبناء عبد المطلب كما ذكر أهل الأنساب عشرة والمشهور منهم , إثنان أسلما وعاصرا النبي صلى الله عليه وسلم , وإثنان لم يسلما وعاصرا النبي صلى اله عليه وسلم , وستة لم يعاصروا النبي صلى الله عليه وسلم , فاللذان أسلما وعاصرا النبي صلى الله عليه وسلم هما حمزة والعباس , وإثنان عاصرا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلما وهما أبو طالب وأبو لهب , وستة من بني عبد المطلب لم يدركوا البعثة أصلاً فلم يحضروا هذه القصة فلم يكونوا في ذلك اليوم من أهل الأرض بل كانوا من أهل باطن الأرض وهم : عبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله وسلم , والحارث بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم , والزبير بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم , والمقوم وغيداق والسادس قيل صفار وقيل ضرار .. على كل حال هؤلاء الستة لم يدركوا بعث النبي صلى الله عليه وسلم إذاً لم يكونوا موجودين .
إذاً من كان يمكن أن يكون موجوداً من أعمام النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة هم الأربعة حمزة والعباس وأبو طالب وأبو لهب , من أولاد هؤلاء ؟ ..
أما حمزة والزبير وضرار والمقوم والغيداق لا يُعرف لهم ذرية من الذكور قد تكون ذريتهم إناث كما هو الحال بالنسبة لحمزة , كما هو الحال بالنسبة للزبير ,قصة ضباعة بنت الزبير التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت عمه , هؤلاء إناث ولكن من الذكور لا يُعرف لهم ذرية من الذكور .
وعبد الله ليس له ذرية إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقي أربعة :
العباس له ذرية أبو طالب له ذرية الحارث له ذرية وأبو لهب له ذرية , إذاً عندنا أربعة من أعمام النبي صلى الله عليه وسلم وأربعة آخرون لهم ذرية ..
العباس من ذريته كُثُر تسعة ولا واحد منهم أدرك هذه الحادثة ما أدركها إلا واحد وهو الفضل بن العباس أكبر أولاده فقط , لأن بعد الفضل يأتي عبد الله بن العباس وعبيد الله وهذان أدركا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكن متى ؟ ..
عبد الله بن العباس ولد قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر وهذا في أول البعثة إذاً لم يحضر إذاً من باب أولى عبيد الله لم يحضر ومن باب أولى الستة الآخرون من أبناء العباس وهم معبد وتمام وقثم وكثير وعبد الرحمن والحارث هؤلاء لم يحضروا هؤلاء من التابعين أصلاً لم يدركوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذاً من الذي سيحضر من ولد العباس .. واحد وهو الفضل , إذا ضفنا إلى الأعمام الأربعة واحد وهو الفضل بن عباس صاروا خمسة .
أبناء أبي لهب : عتبة , عتيبة ومعتب نفرض كلهم حضروا مع الخمسة ثلاثة صاروا ثمانية بقي عندنا أولاد ابي طالب وأولاد الحارث عم النبي صلى الله عليه وسلم فقط ..
أولاد أبي طالب :
طالب , عقيل , جعفر , علي(2/25)
علي رضي الله عنه أصغرهم , طالب المشهور أنه لم يدرك البعثة أصلاً مات قبل البعثة , ولنفرض أن طالب كان موجوداً إذاً هؤلاء أربعة .. أربعة مع ثمانية هؤلاء صاروا إثنى عشر رجلاً فقط .. لم يبق عندنا إلا أولاد الحارث عم النبي صلى الله عليه وسلم أولاد الحارث : عبيدة بن الحارث , أبو سفيان بن الحارث , أمية بن الحارث , عبد الله بن الحارث , نوفل بن الحارث خمسة أضفهم إلى إثني عشر رجلا يصبحون سبعة عشر رجلاً وإذا تركنا طالباً وقلنا إنه مات يصبحون ست عشر رجلاً ولكن نضيفه وليكونوا سبعة عشر رجلاً .. أين الأربعين ؟؟ ! ويقول ( أربعين رجلا يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً ) هؤلاء كل أولاد عبد المطلب .. أين أربعون رجلاً ؟! كلام لا مصداقية له , ولذلك هذا الذي وضع الحديث لم يفكر تفكيراً دقيقاً في قضية أولاد عبد المطلب وإنما أرسلها إرسالاً هكذا دون أن يمعن النظر فيها ثم فوجئ بأنه بالغ فيها بالعدد تعدى أكثر من الضعف , إذاً هذا أول مطعن في هذا الحديث سنداً . ولعل هذه أربعون رجلا أو ينقصون رجلا من باب الدقة !! يعني محسوبة تماماً وهذا كله كلام باطل .
ثم كذلك يُقال علي هو الذي قام وقال : ( أنا أتابعك ) عجيب ! علي أصغرهم بعث النبي صلى الله عليه وسلم ولعلي 8 سنوات فكيف علي يقول أنا أتابعك ؟ ألم يتابع النبي صلى الله عليه وسلم غير علي من بني عبد المطلب ألم يؤمن قبل علي جعفر ؟ الذي هو أكبر من علي بعشر سنوات , أليس هو أمير القوم الذين هاجروا إلى الحبشة , جعفر بن أبي طالب بن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخو علي الكبير أكبر من علي بعشر سنوات , لماذا لا يكون جعفر هو الخليفة ؟ بالعكس أثر جعفر في مكة أكبر من أثر علي رضي الله عنه علي كان صغيراً فكيف يقوم علي ألم يقم جعفر في ذلك الوقت , جعفر من الأوائل الذين أسلموا وتابعوا النبي صلى الله عليه وسلم .
عبيدة بن الحارث من الأوائل الذين تابعوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي خرج مع حمزة وعلي في بدر للقاء عتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وشيبة بن ربيعة , لماذا لم يقم ويقول أنا .
أين حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم أليس أسلم وتابع النبي صلى الله عليه وسلم أسد الله وأسد رسوله أين هو ؟؟ ..
يعني إذا أردنا أن نمدح علياً رضي الله عنه فلا مانع من هذا ومدائحه كثيرة جداً لكن لا يكون هذا على حساب الطعن في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي أقارب النبي صلى الله عليه وسلم الذين تابعوه وأسلموا وأتبعوا ما جاء به صلى الله عليه وسلم .
ثم هل يكفي أنه قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول له : ( أنا أتابعك ) يعني يكون وزيره ويكون خليفته ويكون كذا ..!!! ما يصلح هذا , هل الرسول صلى الله عليه وسلم بُعثَ لبني عبد المطلب , الأنبياء السابقون كانوا يُبعثون إلى أقوامهم والنبي بُعث للأنس والجن , بعث للثقلين بعث للأسود والأحمر ( كان الأنبياء يبعثون إلى أقوامهم خاصة وبُعثت للناس كافة ) يقوله صلى الله عليه وسلم , ثم يحكرها هكذا يقول أيكم يتابعني يكون خليفتي من بعدي !! كيف يعقل هذا أن يخرج من النبي صلى الله عليه وسلم , وهل يكفي مجرد المتابعة أن يكون خليفته من بعده لا يلزم هذا .
ثم كذلك لنا أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم جاءه عامر بن الطفيل وجاءه بنو كلاب وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون لهم الأمر من بعده ويتابعونه على الإسلام فقال : ( الأمر لله يضعه حيث شاء ) ولم يقل لهم الأمر لعلي بعدي وإنما قال الأمر لله يضعه حيث شاء سبحانه وتعالى .
وآخرها أليس الشيعة الأثني عشرية يزعمون أن علي كان خليفة للنبي صلى الله عليه وسلم وكان وصياً له قبل خلق الخلق , فكيف يعرض النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً مفروغاً منه , الأمر عندهم مفروغ منه , والنبي صلى الله عليه وسلم جُعل خليفته علي رضي الله عنه قبل مبعثه قبل خلق السماوات والأرض , كانوا أشباحاً كما يقولون في كتبهم !! تحت العرش , إذاً قضية أن النبي يعرض شيئاً عليهم .. طيب إفرض أن حمزة قال أنا العباس قال أنا إفرض أبو طالب قال أنا .. طيب حق علي يضيع!! كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم : ترى علي منتهي الأمر علي هو الخليفة لا أحد يفكر لا أحد يناقش أم يأتي يعرض عليهم شيئاً هو أصلاً مفروغ منه عند الله سبحانه وتعالى .. هذا لا يمكن أن يكون أبداً من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ..(2/26)
ولنفرض أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها لعلي وهو قد حصل في الحديث أنه قال ( أنت خليفتي ووصيي ) هل صار خليفته هل صار وصيه ؟! الوعد لم يُنجز لأن الخليفة من بعده صار أبو بكر ثم عمر ثم عثمان , إذاً لم يُنجز وعده أترضون هذا للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لم ينجز وعده , قال هو يكون خليفتي يكون وصيي يكون وزيري .. ما صار شيء من هذا أبداً , إذاً النبي لم ينجز وعده أو أنه مكذوب على النبي .. نقول مكذوب على النبي أفضل بدل أن نتهم النبي أنه لم ينجز وعده صلى الله عليه وسلم .
ثم أنظروا إلى خاتمة الحديث , لا يمكن أن تُعقل ولا يمكن أن تُقبل , الآن هم لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم , يقول لهم أنا رسول الله يقولون كذاب , ساحر , شاعر , كاهن , مجنون ما قبلوه أن يكون هو رسولاً من عند الله صلوات الله وسلامه عليه ثم بعد ذلك يريدهم أن يقبلوا أن يكون علي وصياً من بعده .. طيب هم لم يقبلوا بالأصل حتى يقبلوا بالفرع , إذاً إذا كان الأمر كذلك ننتهي إلى نهاية مهمة جداً مع ضعف أسانيد هذه القصة عند السنة وعند الشيعة لا تصح أسانيد هذه القصة - حسب بحثي- , بعد ذلك نستطيع أن نقول هذه قصة مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم .
تصوروا أنتم لما يسمع العرب و يسمع الناس الذين يريدون أن يتابعوا النبي صلى الله عليه وسلم , ومن الآن يسمعون هذه القصة .. يقولون ما هذا الرسول ؟؟ من بدايتها جعلها في أولاده علي خليفتي بني عبد المطلب الذي يسمع كلامي يصير خليفتي من بعدي طيب وباقي الناس مالهم حق ؟؟ ! كلها لبني عبد المطلب !! , يشكون في دعوته إذاً يقولون كأنه يريد ملكاً كما قال هرقل لأبي سفيان قال : هل كان من أباءه من ملك ؟؟ , قال أبو سفيان لا , قال هرقل : قلت لو كان في أباءه من ملك لقلت رجلا يطلب ملك أباءه ..
إذا كان الأمر كذلك إذا علي رضي الله عنه يكون خليفة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه بن عمه فقط , ونحن لا نقبل بذلك .. نحن نقول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأفضل من أصحابه هو الخليفة ليست القضية لإنه قريبي أعطيه الملك بعدي هذه إذاً قضية هذا الحديث .
===============
طعن الشيعة في ابن عمر رضي الله عنهما والرد على ذلك
وأما قول الرافضي عن ابن عمر أنه رفض مبايعة علي بعدما أجمع الناس على ذلك، فدعوى مجردة عن الدليل، وهو مطالب بصحة النقل لإثبات ذلك، فكيف به ولم يوثق كلامه بنقل، ولم يحل على مصدر، فكان حق مثل هذه الدعوى أن لايُعبأ بها، ولا يتكلف الرد عليها. غير أني أذكر هنا بعض ما يدل على كذبه، ويقطع الشك الذي قد يثيره في النفوس.
فأقول: إن بيعة علي - رضي الله عنه - كانت باتفاق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف بينهم تنازع في ذلك، كما تقدم تقرير ذلك بنقل الروايات الدالة على اتفاق الصحابة على استخلافه، وأنهم كانوا يرون أنه أولى الناس بذلك(1)، وقد كان ابن عمر من أعيان الصحابة وكبارهم، وممن لا يغفل له رأي لو كان مخالفاً، ولا نتشر ذلك بين الناس، ونقلته المصادر. وإنما الذي حصل: أن بيعة علي - رضي الله عنه - كانت في وقت فتنة وتفرق بين الناس، بسبب مقتل عثمان فتريث بعض الصحابة
-ومنهم ابن عمر- في البيعة وقالوا لا نبايع حتى يبايع الناس على ماروى ذلك الطبري في تأريخه من طريق أبي مليح في خبر البيعة لعلي وفيه: «... وخرج علي إلى المسجد فصعد المنبر وعليه إزار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر: ص 234 من هذا الكتاب.
وطاق(1)، وعمامة خزّ، ونعلاه في يده، متوكئاً على قوس فبايعه الناس، وجاءوا بسعد فقال علي: بايع، قال لا أبايع حتى يبايع الناس، والله ما عليك مني بأس، قال: خلوا سبيله، وجاءوا بابن عمر فقال: بايع، قال: لا أبايع حتى يبايع الناس، قال: ائتني بحميل(2)، قال: لا أرى حميلاً، قال: الأشتر؛ خلِّ عني أضرب عنقه، قال عليّ: دعوه أنا حميله». (3)
وقد كان هذا التوقف من سعد وابن عمر في البيعة لعلي في بداية الأمر. ثم إنهما بايعا بعد ذلك، بعدما اجتمع الناس على عليّ، فقد كان هذا شرطهما، وهذا من تمام فقههما -رضي الله عنهما- فإنهما لو بايعا علياً وبايع الناس غيره لتبعهما في بيعتهما خلق كثير، ولتفرق الناس افتراقاً عظيماً. ومما يدل على بيعتهما بعد ذلك ما نقله ابن كثير في سياق أحداث البيعة لعلي - رضي الله عنه - حيث قال: «فرجعوا إلى علي فألحوا عليه، وأخذ الأشتر بيده فبايعه وبايعه الناس... وذلك يوم الخميس الرابع والعشرون من ذي الحجة، وذلك بعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الطاق: قال ابن الأعرابي هو: الطيلسان، وقيل: الطيلسان الأخضر، لسان العرب لابن منظور 10/233.
(2) الحميل: هو الكفيل ومنه الحديث: (الحميل غارم) أي: الكفيل ضامن، لسان العرب 11/180.
(3) تاريخ الطبري 4/428.(2/27)
مراجعة الناس لهم في ذلك وكلهم يقول: لا يصلح لها إلا علي، فلما كان يوم الجمعة وصعد على المنبر بايعه من لم يبايعه بالأمس...». (1)
فتبين أن بيعة علي كانت في يومين يوم الخميس، ويوم الجمعة، فلعل من نقل تخلف ابن عمر، وسعد، وبعض الصحابة، كان في اليوم الأول من البيعة، ثم إنهم بايعوا في اليوم الثاني، فلم يتخلف منهم أحد، وهذا الذي قرره المؤرخون الذين نقلوا خبر البيعة.
يقول ابن حبان في كتاب الثقات: إن الناس حين هرعوا إلى علي بعد مقتل عثمان لمبايعته قال: ليس ذلك إليكم، وإنما لأهل بدر، فمن رضي به أهل بدر فهو الخليفة، فلم يبق أحد من أولئك إلا أتى إليه، فطلب أن تكون على ملإٍ من الناس، فخرج إلى المسجد فبايعوه. (2)
ويقول ابن عبد ربه: «لما قتل عثمان أقبل الناس يهرعون إلى علي بن أبي طالب، فتراكمت عليه الجماعة في البيعة، فقال: ليس ذلكم إليكم إنما ذلك لأهل بدر ليبايعوا فقال: أين طلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص؟ فأقبلوا فبايعوا ثم بايعه المهاجرون والأنصار، وذلك يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البداية والنهاية 7/238.
(2) انظر الثقات لابن حبان 2/267-268.
سنة خمس وثلاثين هجرية». (1)
ثم إن الروايات الصحيحة جاءت مؤكدة دخول ابن عمر في البيعة.(2)
فقد روى الذهبي من طريق سفيان بن عيينة، عن عمر بن نافع، عن أبيه عن ابن عمر قال: (بعث إليّ علي فقال: يا أبا عبد الرحمن إنك رجل مطاع في أهل الشام، فسر فقد أمرتك عليهم، فقلت: أذكرك الله وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتي إياه، إلا ما أعفيتني فأبى عليّ، فاستعنت عليه بحفصة فأبى، فخرجت ليلاً إلى مكة...). (3) وهذا دليل قاطع على مبايعة ابن عمر، ودخوله في الطاعة، إذ كيف يوليه عليّ وهو لم يبايع.
وفي الاستيعاب لابن عبد البر: من طريق أبي بكر بن أبي الجهم عن ابن عمر أنه قال حين احتضر: (ما آسى على شيء إلا تركي قتال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) العقد الفريد 4/310.
(2) قد عنيت بعض الدراسات الحديثة بجمع هذه الروايات، انظر: على سبيل المثال، كتاب تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة للدكتور محمد أمحزون 2/59-75.
(3) سير أعلام النبلاء 3/224، وقال محققو الكتاب: «رجاله ثقات».
الفئة الباغية مع علي - رضي الله عنه -). (1)
وهذا مما يدل أيضاً على مبايعته لعلي، وأنه إنما ندم على عدم خروجه مع علي للقتال فإنه كان ممن اعتزل الفتنة، فلم يقاتل مع أحد، ولو كان قد ترك البيعة لكان ندمه على ذلك أكبر وأعظم ولصرح به. فإن لزوم البيعة والدخول فيما دخل الناس فيه واجب، والتخلف عنه متوعد عليه برواية ابن عمر نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية). (2)
وهذا بخلاف الخروج للقتال مع علي، فإنه مختلف فيه بين الصحابة وقد اعتزله عامة الصحابة، فكيف يتصور أن يندم ابن عمر على ترك هذا القتال، ولا يندم على ترك البيعة لو كان تاركاً لها، مع ما فيه من الوعيد الشديد.
وبهذا كله يظهر كذب الرافضي فيما ادعاه، من ترك ابن عمر البيعة لعلي -رضي الله عنهما- حيث ثبت أنه كان من المبايعين له بل
المقربين منه، الذين كان يحرص على توليتهم، والاستعانة بهم، لما رأى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاستيعاب لابن عبد البر المطبوع بحاشية كتاب الإصابة لابن حجر 6/326.
(2) أخرجه مسلم: (كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين..) 3/1478، ح1851.
فيه من صدق الولاء والنصح له، فرضي الله عنهما وسائر الصحابة والقرابة، وقاتل الله المفرقين بينهم الطاعنين عليهم بما ليس فيهم من المارقين والملحدين.
وأما قول الرافضي ضمن طعنه في ابن عمر: «وكان يحدث أن أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم لا تفاضل والناس بعد ذلك سواسية»، ثم قال: «ويعني هذا أن ابن عمر جعل الإمام علياً من سوقة الناس، كأي شخص ليس له فضل».
فجوابه: أن هذا الأثر صحيح مشهور عن ابن عمر، وقد تقدم ذكره عند ذكر فضائل أبي بكر، لكن الرافضي زاد فيه ماليس منه، وهو قوله: «والناس بعد ذلك سواسية» ثم طعن بذلك على ابن عمر
-رضي الله عنهما- وزعم أنه يرى مساواة علي وعامة الناس في الفضل، وهذه الزيادة لم يقلها ابن عمر، ولم تثبت عنه في شيء من طرق هذا الأثر.
فإن هذا الأثر رواه البخاري عن ابن عمر من طريقين:
الأولى: من طريق يحيى بن سعيد عن نافع عنه أنه قال: (كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر، ثم عمر، ثم عثمان بن عفان -y-». (1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/28)
(1) أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم )، فتح الباري 7/16، ح3655.
والثانية: من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عنه أنه قال: (كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم)(1)، وقد أخرجه من هذه الطريق أبو داود في سننه. (2)
كما أخرج أبو داود هذا الأثر من طريق ثالثة عن سالم
ابن عبدالله عن ابن عمر قال: (كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم
حي أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم
عثمان -y-). (3)
فهذه طرق الأثر الصحيحة المشهورة، لم ترد فيها تلك الزيادة التي زعم الرافضي، وحيث إنه لم يعز هذه الزيادة لمصدر، فلا عبرة لها ولا بما علقه عليها من مطاعن لا أصل لها.
وأما إن زعم الرافضي أن ماذكره هو مفهوم ما جاء في الأثر: (ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم) رُدّ بأن هذا الفهم غير مسلم، فترك المفاضلة شيء، واعتقاد المساواة شيء آخر، والثابت عن ابن عمر هو ترك المفاضلة بين الصحابة بعد أولئك الثلاثة، لا أنه كان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدم تخريجه ص 488.
(2) سنن أبي داود: (كتاب السنة، باب في التفضيل) 5/24-25، ح4627.
(3) سنن أبي داود: (كتاب السنة، باب في التفضيل) 5/26، ح4628.
يعتقد تساوي الباقين في الفضل، فإن هذا لم يقله ولا يحتمله لفظه بوجه، ناهيك عن دعوى الرافضي أنه يعتقد تساوي علي في الفضل مع أي شخص عامي، لا فضل له ولا صحبة، فإن هذا من أبطل الباطل الذي لا يقول به أقل الناس علماً وفهماً، فكيف بالصحابي الجليل ابن عمر الذي كان يعرف لعلي فضله وقدره بين أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد نص على هذا العلماء في شرح الحديث: قطعاً لهذه الشبهة.
قال الخطابي: «وجه ذلك والله أعلم أنه أراد الشيوخ وذوي الأسنان منهم، الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر شاورهم فيه، وكان علي رضوان الله عليه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث السن، ولم يرد ابن عمر الإزراء بعلي كرم الله وجهه، ولا تأخيره ودفعه عن الفضيلة بعد عثمان، وفضله مشهور، لا ينكره ابن عمر ولا غيره من الصحابة». (1)
ونقل ابن حجر: عن بعض العلماء أن قول ابن عمر هذا كان قبل أن ينعقد الإجماع على أفضلية علي بعد الخلفاء الثلاثة. (2)
قلت: وعلى كل حال فابن عمر إنما يحكي ما كان سائداً بين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معالم السنن 4/279.
(2) انظر: فتح الباري 7/16.
الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من المفاضلة بين الصحابة على نحو ما ذكر، وما كان يعبر عن رأيه الخاص، وهو صادق في خبره، والطعن في صحة هذا القول لا يرد عليه وحده، وإنما يرد على عامة الصحابة. وعندئذ يظهر لك أيها القارئ مقدار ضلال الطاعن في هذا الأثر، ومدى بعده عن الحق. وأما بعد هذا العهد الذي يصفه ابن عمر فإن الذي استقر عليه أمر أهل السنة هو تفضيل علي بعد الخلفاء الثلاثة، وعلى ذلك نص العلماء المحققون من أهل السنة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقد اتفق أهل السنة من العلماء، والعباد، والأمراء، والأجناد على أن يقولوا: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي -y-». (1)
ويقول أيضاً: «ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب - رضي الله عنه - من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم
عمر، ويثلثون بعثمان، ويربعون بعلي -y- كما دلت عليه
الآثار». (2)
ويقول ابن أبي العز: «وترتيب الخلفاء الراشدين -y-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مجموع الفتاوى 3/406.
(2) مجموع الفتاوى 3/153.
أجمعين في الفضل كترتيبهم في الخلافة». (1)
وبهذا يظهر الحق في هذه المسألة وبراءة ابن عمر -رضي الله عنهما- من مطاعن هذا الرافضي وكشف كذبه وتزويره في كلام هذا الصحابي الجليل لمّا لم يجد في كلامه ما يطعن به عليه.
(1) شرح الطحاوية ص727.
===============
تقليد الأئمة عند أهل السنة
المراد من هذه الشبهة أنه: لا يجب تقليد الأشعري ولا أحد الأئمة الأربعة، لأنه لا يجب تقليدهم إلا بدليل من الكتاب أو السنة، ولا يوجد دليل فيهما على وجوب تقليدهم.(2/29)
فنقول: لا يمكن أن تكون القضية هي المنع من تقليد المذكورين خاصة لأنه يقتضي أن يرد النهي عن تقليدهم خاصة، وهو لم يرد بالاتفاق. فلا بد من ورود النهي عن تقليدهم بلفظ يعمهم. ولا نجد لفظاً يعم الأئمة المذكورين غير لفظ العلماء، فإن رفضته فأتنا بلفظ يجمعهم ورد النهي به عن وجوب اتباعهم لننظر فيه. وإن قبلته فلا بد لكي يتم لك مرادك أن يرد النهي عن مطلق التقليد، أو عن تقليد العلماء مطلقاً، أو يرد الأمر بوجوب تقليد علماء مخصوصين حصراً. لنا القول ببطلان الثلاثة. أما الثالث وهو وجوب تقليد علماء مخصوصين فباطل بالاتفاق، لأننا لا نجد عليه دليلاً ولأنك عقدت فصلاً كاملاً في إثبات النهي عن التقليد وإيجاب الأخذ من القرآن والسنة مباشرة من كل إنسان. وأما الأول ففي إبطال الثاني غنية عن إبطاله، لأن إبطاله يستلزم إبطال الأول.
فاعلم أنك إذا كنت تريد منع الوجوب من تقليد معيّنين فلا أحد من أهل السنة يقول بوجوب تقليد واحد بعينه من العلماء، لا على المجتهد ولا على العاميّ. أما المجتهد فلأنه لا يجوز له التقليد عندنا، وأما العامي فلأن له أن يقلد أي عالم –أي مجتهد- موثوق بعلمه بصرف النظر عن مذهبه. هذا في العمليات. أما في العقائد فأهل السنة يحرمون التقليد، ويوجبون على العينية معرفة أدلتها ولو إجمالاً. وبذلك سقط استدلالك علينا بالمنع من وجوب تقليد أحد على التعيين، لأنا لا نقول به لا في أصول الدين ولا في فروعه.
واعلم أننا لا نسلم عدم وجود دليل في الكتاب أو السنة يوجب تقليد العلماء. فإن العامي مطالب بالرجوع فيما يعرض له من مهمات دينه إلى العلماء وجوباً ولا على التعيين، والدليل من القرآن الكريم قوله تعالى: )فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ(، و)وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ(. ومنه يؤخذ انتفاء (النهي عن تقليد العلماء مطلقاً) المستلزم لانتفاء النهي عن مطلق التقليد. ويؤخذ منه جواز تقليد أئمة الفقه الأربعة، لدخولهم في عموم العلماء. فيصير الأخذ عن العلماء واجباً على غير العالم، وممن يجوز الأخذ عنه أحد الأئمة الأربعة لكونهم علماء.
ثم نقول: إن بلاد المسلمين من أهل السنة ليس فيها إلا أربعة مذاهب فقهية معتبرة هي الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، ولا وجود لمذهب مأصل مقعد متكامل في جميع أبواب الفقه غيرها بالاستقراء. فإن عرض للعامي شيء يستدعي السؤال فمن يستفتي؟ إنه لن يجد أحداً يفتيه إلا على أحد هذه المذاهب. فإن كان معنى كلامك أن على أهل السنة أن يعتبروا المذهب الجعفري أو غيره من مذاهب الإمامية ويستفتون سادتهم كما يرجعون إلى مشايخ المذاهب الأربعة، فذلك مما لا يتصور حصوله. وإن يوافق أهل التقريب على ذلك يوماً لكن عليهم أن يشترطوا عليكم المثل إن كان لهم بقية من الكرامة، وسيفاجأون عندها أن الشيعة لن يرضوا بذلك حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، لأنهم لا يجيزون اتباع أهل السنة والتعبد بمذهبهم إلا تقية، ولا يحبون موافقتهم في شيء.
وأخيراً فإن الكاتب تذرع بانتفاء دليل يوجب التقليد لأنه لا يستطيع أن يقيم الدليل على عدم جواز التقليد. فمقصده في النهاية الوصول إلى وجوب تقليد الأئمة من آل البيت حصراً. وقد سبق بيان فساده لعدم تعينهم وذلك لفقد الدليل على طريقة تعيينهم عند الإمامية، وفساد حجة وجوب اتباعهم. ولكن نفي جواز أو وجوب مطلق التقليد مما لا يفيدك في الاستدلال على وجوب تقليد الأئمة من آل البيت، فالمنع من وجوب تقليد العلماء مطلقاً منع من تقليدهم. أما ادعاء وجوب تقليدهم لدليل آخر كعصمتهم ولكونهم مصدراً من مصادر التشريع. فقد بان فساده مما مضى. وفي رأيي أن الإمامية لم يكونوا بحاجة لإثبات العصمة لأئمتهم إذا كان مرادهم أن يوجبوا على الناس اتباعهم والولاء لهم والائتمام بهم، وكان يكفيهم لو أتوا بأدلة شرعية تجعل منهم الأئمة والقدوة. فتأمل.
قولهم: (نهي الأئمة عن تقليدهم). واحتجّ له بما يلي:
1-قول أبي حنيفة رضي الله عنه : "لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا، ما لم يعرف من أين أخذناه".
2-قول الشوكاني: "وهذا هو تصريح بمنع التقليد، لأن من علم بالدليل فهو مجتهد مطالب بالحجة، لا مقلد فإنّه الذي يقبل القول ولا يطالِب بحجّة".
3-قول الإمام أبي حنيفة: "قولنا هذا رأي، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منا".
4-قيل لأبي حنيفة رضي الله عنه : "يا أبا حنيفة، هذا الذي تفتي به هو الحق الذي لا شكّ فيه". فقال: "لا أدري لعله الباطل الذي لا شكّ فيه".
5-قال زفر: "كنا نختلف إلى أبي حنيفة ومعنا أبو يوسف ومحمد بن الحسن، فكنّا نكتب عنه، فقال يوماً: ويحك يعقوب! لا تكتب كل ما تسمعه منّي. فإنّي قد أرى الرأي اليوم فأتركه غداً، وأرى الرأي غداً فأتركه بعد غد".(2/30)
6-قول الإمام مالك رضي الله عنه : "إنما أنا بشر مثلكم أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكلّ ما وافق الكتاب والسنّة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه".
7-قال ابن حزم معلقاً على كلام الإمام: "فهذا مالك ينهى عن تقليده، وكذلك أبو حنيفة، وكذلك الشافعي". وقال الشوكاني: "ولا يخفى أن هذا تصريح من مالك بالمنع من تقليده".
8-قول مالك: "إن نظنّ إلاّ ظنّاً وما نحن بمستيقنين".
9-قول مالك: "ليس كل ما قال رجل قولاً –وإن كان له فضل- يتبع عليه، يقول الله عز وجل: )الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ(.
10- قال القعنبي: "دخلت على مالك في مرضه الذي مات فيه فسلمت عليه فرأيته يبكي، فقلت: ما الذي يبكيك؟ فقال لي: "يا ابن قعنب ومالي لا أبكي، ومن أحق بالبكاء مني، لودّدت أني ضُربت سوطاً وقد كانت لي السمعة فيما سبقت إليه، وليتني لم أفت بالرأي".
11- روي أن مالكاً أفتي في طلاق البتّة –أي الطلاق الذي لا رجعة فيه- أنها ثلاث، فنظر إلى أشهب قد كتبها، فقال: امحها، أنا كلما قلت قولاً جعلتموه قرآناً. ما يدريك لعلي سأرجع عنها غداً فأقول هي واحدة".
12- قول الشافعي: "ما قلت وكان النبي صلى الله عليه وسلم ، قال بخلاف قولي، فما صحّ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى، ولا تقلدوني".
13- لا يقلّد أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ،.
14- قال الشافعي للمزني: "يا إبراهيم، لا تقلدني في كل ما أقول، وانظر في ذلك لنفسك فإنه دين".
15- قال الشافعي: "لقد ألفت هذه الكتب ولم آلُ جهداً، ولا بدَّ أن يوجد فيها خطأ. لأنّ الله تعالى يقول: )وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا(. فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب والسنة فقد رجعت عنه".
16- قول أحمد: "لا تقلدني، ولا تقلد مالكاً، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوريّ وخذ من حيث أخذوا"
17- قال أبو داود: "قلت لأحمد: الأوزاعي أتبع أم مالكاً؟ قال: "لا تقلد دينك أحداً من هؤلاء، ما جاء عن النبي فخذ به".
18- قول أحمد: "من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال".
19- ذكر لأحمد بن حنبل قول مالك وترك ما سواه، فقال: "لا يلتفت إلا إلى الحديث. قومٌ يفتنون هكذا يتقلدون قول رجل ولا يبالون بالحديث".
20- قول سحنون من تلاميذ مالك: "ما أدري ما هذا الرأي الذي سفكت به الدماء، واستحلت به الفروج، واستحقت به الحقوق".
21- قول ابن عبد البر: "إنه لا خلاف بين أهل الأعصار في فساد التقليد"، قال خليفات: "وبعد أن أورد آيات من القرآن في ذم التقليد قال ابن عبد البر:": "وهذا كله نفي للتقليد وإبطال لمن فهمه وهدي لرشده".
22- قول الباقلاني: "من قلّد فلا يقلد إلا الحيّ، ولا يجوز تقليد الميت".
23- قال السيوطي: "ما زال السلف والخلف يأمرون بالاجتهاد ويحضون عليه وينهون عن التقليد ويذمونه ويكرهونه، وقد صنف في ذم التقليد المزني وابن حزم وابن عبد البر وأبي شامة وابن قيم الجوزية وصاحب البحر المحيط".
24- قوله: "كان ابن دقيق العيد الذي يعد مجدد القرن السابع الهجري يرى حرمة التقليد، ولم يستطع التصريح بذلك إلا عند وفاته "روى المؤرخ الأدفوي عن شيخه الإمام ابن دقيق العيد أنه طلب منه ورقة، وكتبها في مرض موته، وجعلها تحت فراشه، فلما مات أخرجوها، فإذا هي في تحريم التقليد مطلقاً".
25- قوله: "قال الشيخ الأكبر ابن العربي، أي محي الدين بن عربي صاحب كتاب الفتوحات المكية: والتقليد في دين الله لا يجوز عندنا، لا تقليد حيّ ولا ميت" اهـ.
26- قول الشوكاني: "فنصوص أئمة المذاهب الأربعة في المنع من التقليد، وفي تقديم النص على آرائهم وآراء غيرهم لا تخفى على عارف من أتباعهم وغيرهم، وأيضاً العلماء إنما أرشدوا غيرهم إلى ترك تقليدهم ونهوا عن ذلك، فإنه صح عنهم المنع من التقليد".
27- قول ابن الجوزي: "اعلم أن المقلد على غير ثقة فيما قلد فيه، وفي التقليد إبطال منفعة العقل لأنه خُلق للتدبر".
28- قول السيد سابق: "وكان الأئمة الأربعة ينهون عن تقليدهم ويقولون: لا يجوز لأحد أن يقول قولنا من غير أن يعرف دليلنا، وصرحوا أن مذهبهم هو الحديث الصحيح".
29- قول سالم البهنساوي: "الأصل في الإسلام أن يأخذ المسلم الحكم الشرعي من الكتاب والسنة، لأنه لا عصمة لأحد حتى تصبح أقواله وأفعاله شرعاً من الله لا تحتمل مخالفة. وأقوال أبي حنيفة، ومالك والشافعي وغيرهم ليست ملزمة بذاتها، بل بما استندت إليه من الكتاب والسنة النبوية، نص على ذلك هؤلاء الأئمة الأربعة". اهـ(2/31)
وكان الكاتب قبل البدء بإيراد ما مضى من الأقوال، قد قال: (من أكبر الإشكالات التي تعرض لنا نهي الأئمة الأربعة عن تقليدهم). اهـ. فنقول إن هذا النهي الوارد فيما عرض الكاتب من أقوالهم لا يشكل علينا، لأنه موجه من جهة معناه أو المخاطب به. فإن كان مرادك بعرضها مجرد استشكالها بأنك لا تجد لها محملاً فسنحل لك الإشكال. وإن كان المراد منه بيان عدم وجوب تقليد معينين فقد انتهينا منه. وإن كان المراد أن التقليد منهي عنه شرعاً نهياً يفيد التحريم أو الكراهة فهذا غير صحيح على إطلاقه. لأن ذلك يقتضي أن يكون كل إنسان مجتهداً لكي يتحلل من مخالفة الشرع بتقليده الآخرين. فهو تكليف للناس بما لا يطيقون الذي تمنعه أنت بنص القرآن الكريم، وكذلك فهو مخالف لقول الله تعالى: )وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ(. فأخبر أن النفير على بعضهم دون بعض.
واعلم أن هنالك قدراً من العلم الشرعي لا يعذر أحد بالجهل به، ويستوي في وجوب معرفته العالم والعاميّ، كالعقائد الإجمالية، ووجوب الصلاة والصيام، وحرمة الزنا والقتل والسرقة وشرب الخمر مما هو معلوم من الدين بالضرورة، وموجود في الغالب نصاً في كتاب الله، ويعرفه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ويتناقلونه ولا يتنازعون فيه. والقدر الزائد عن هذه المعرفة إما أن يكون حكمه الندب أو فرض الكفاية في أشد أحواله أو التردد بينهما بحسب الحال. ومن ذلك عرفنا استحالة أن يمنع الأئمة من تقليدهم مطلقاً. ولئن سلم انحصار دلالة أقوالهم المنقولة على النهي عن تقليدهم، ولا يسلم، فلا بد من حملها على البعض دون البعض، أو صرفه إلى معاني أخرى كالحض على تحصيل العلوم وإتقان آلات الاجتهاد، أو حمل التقليد المنهي عنه على ذلك النوع المذموم الذي يصاحبه عمى البصيرة والتعصب.
والحقيقة، أن قدراً كبيراً من الإشكال ينحلّ لو أن الكاتب أتعب نفسه وقرأ باب (فساد التقليد) كاملاً من كتاب جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر حيث نقل بعض النصوص من هناك. ولا نريد أن نحيله إلى عدد كبير من كتب علماء أهل السنة حيث بحث التقليد، وإنما نكتفي بإحالته إلى كتاب ابن عبد البر نفسه الذي كان يقرأ فيه وينقل عنه. فلو فعل لوجد ابن عبد البر بعد أن ذم التقليد والمقلدين وشنع عليهم –حتى قال لا فرق بين بهيمة تقاد، وإنسان يقلد- يقول: "وهذا كله لغير العامة؛ فإن العامة لا بدّ لها من تقليد علمائها عند النازلة بها، لأنها لا تتبين موقع الحجة، ولا تصل بعدم الفهم إلى علم ذلك؛ لأن العلم درجات لا سبيل منها إلى أعلاها إلى بنيل أسفلها، وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة والله أعلم. ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها وأنهم المرادون بقول الله تعالى ) فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ(. وأجمعوا على أن العامة لا يجوز لها الاجتهاد والفتيا، وذلك –والله أعلم- لجهلها بالمعاني التي فيها يجوز التحليل والتحريم والقول في العلم). اهـ[1]
فأقول: هل انعقد إجماع العلماء على حرمة اجتهاد العامة ووجوب تقليدها لعلمائها عند النازلة بها كما نقله ابن عبد البر دون اعتبار رأي الأئمة الأربعة؟! فكيف يدّعى بعد ذلك أنهم لا يجيزون التقليد مطلقاً.(2/32)
ومع ذلك فإنا نجيب عن (1) بأن قول أبي حنيفة خاص بالمتأهلين للاجتهاد. ويحتمل أن يؤول إن أريد به العامة على المعرفة بالجملة، أي بأن يثق السائل بأن مفتيه متفقه في الدين لا يأتي بشيء من عنده بل من دليل معتبر. وأجيب عن (2) بكلام ابن عبد البر وبأن الشوكاني قسم الناس إلى مجتهد ومقلد، وعرف المقلد بأنه الذي يقبل القول ولا يطالب بحجة فإن كان يعني أن المقلد بهذا التعريف عاص فيلزم منه وقوع السواد الأعظم من المسلمين في الحرام وهو خطأ كبير، وإلا وجب حمل كلامه على المجتهدين لا العامة. وأجيب عن (3) بأنه لا دلالة فيه على النهي عن التقليد، بل هو دال على تواضعه وورعه رحمه الله تعالى. وعن (4) بما أجبنا به عن (3)، وبأنه يفتي أناساً فلو كان ينهى الناس عن التقليد لنهاهم عن سؤاله. وأجيب عن (5)، و(6) بمثله فلا يلزم من منهما وجوب ترك التقليد، وبأن قوله لا تكتب كل ما تسمعه نهي عن كتابة الكل لا البعض، فيؤخذ منه جواز كتابة البعض، فإن كان خليفات قد فهم من الكتابة التقليد، فهذه إجازة لنوع التقليد. على أننا لا نسلم ذلك ونرى أن نهيه رضي الله عنه عن الكتابة عنه من شدة ورعه، لأنه يعلم أنه بشر يخطئ ويصيب، فكلما قل النقل عنه قل احتمال أن يتبعه الناس في مسائل قد يكون فيها مخطئاً، وبمثله نجيب عن ما ورد في (10)، إذ قوله ليتني ... إلخ ليس ندماً على ما فعل، واعترافاً منه بأنه أمضى ثمانين حولاً يجتهد ويفتي ثم عند موته أدرك كم كان متجرئاً على الله ولا بد له من الرجوع عن سيّء ما كان يفعل ليلقى الله تائباً من هذا الذنب العظيم، فإن هذا ومثله مما تنسبه السلفية للأشعري والغزالي والرازي وغيرهم من علمائنا، أقول إن هذا مما ترفضه غرائز البهائم لا عقول البشر. ويؤخذ من كلامه حثه لطلابه على الاجتهاد وعلى متابعته والنظر في كلامه وعرضه على الكتاب والسنة لتنقيحه ونقده. ويؤخذ منه جواز الأخذ عنه فيما وافق الكتاب والسنة. لا يقال ما أورده الشوكاني في القول المفيد من أن الأخذ منه على وفق الكتاب والسنة ليس أخذاً منه بل منهما؛ لأنا نقول: الكتاب والسنة ليسا كتاباً مفتوحاً يتناول المار منهما ما يحتاج ويمضي، بل المراد ما قيّسه الإمام من الفروع على أصول مقررة في الشريعة مما يخفى على العامة وكثير من الحذاق، وإلا لو كان حكماً متقرراً في الشرع ومنصوصاً عليه كيف جاز أن نسمي ما أخذ عن مالك وغيره من الأئمة فقهاً، وهذا معلوم من تعريف الفقه بأنه العلم بالأحكام الشرعية العملية من طريق الاجتهاد لا النص القاطع. وأجيب عن (7) بكفاية ما مضى بحثه من توضيح محامل النهي. وعن (8) بعدم دلالته على النهي. وبأنّ مبنى الاجتهاد مظنة الحق فيما حكم به الحاكم، كما هو مبين في أصول الفقه. ولو كان المستدل بهذا ممن يقرأ ويفهم لعلم أنه لا عيب في عدم قطع المجتهد بصحة اجتهاده، ولا عيب في ظنية أدلته. بل العيب كل العيب فيمن يبني أصلاً من أصول الدين على أدلة غاية أمرها أنها ظنية بل هي وهمية، كما هو حالكم في الإمامة والإمام الثاني عشر كما سنذكره في موضعه. وإن كان الكاتب يعيب على أهل السنة ابتناء فقهم على غلبة الظن، فليأتنا بفقه الشيعة المنبني على اليقين! إن فقه الشيعة مبني على الظن أيضاً بنصهم وبدليل اختلاف مجتهديهم ومراجعهم، وانظر لما يقوله محدث الشيعة الكبير الحر العاملي عن مراجعهم ومجتهديهم، يقول: "تراهم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولاً أو ثلاثين أو أزيد، بل لو شئت أقول: لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها". اهـ[2]
وهذه شهادة من أكابر الأئمة عندهم وهو علم الهدى الشريف المرتضى يقول: "فإن معظم الفقه وجمهوره بل جميعه لا يخلو مستنده ممن يذهب مذهب الواقفة ... وإلى غلاة وخطابية ومخمسة وأصحاب حلول كفلان وفلان ومن لا يحصى كثرة، وإلى قمي مشبه مجبر، وإن القمّيّين كلهم من غير استثناء لأحد منهم إلا أبا جعفر بن بابويه رحمة الله عليه بالأمس كانوا مشبهة مجبرة وكتبهم وتصانيفهم تشهد بذلك وتنطق به، فليت شعري أي رواية تخلص وتسلم من أن يكون في أصلها وفرعها واقف أو غال أو قمي مشبه مجبر". اهـ[3]
واعلم أن الكاتب يشير بكلامه إلى أن أخذهم للأحكام إنما هو عن أئمة معصومين لا يرقى إليهم الشك؛ ونسي أن ذلك منقول عنهم بأخبار آحاد لا تفيد سوى الظن. هذا إن سلم أن لهم منهجاً في الحديث. فتأمل.(2/33)
وأجيب عن (9) بأنه مسلّم وغايته النهي عن التقليد على غير بصيرة. وعن (17) بأن كلام أحمد لأبي داوود وهو المجمع على اجتهاده، والتقليد في حق المجتهد غير جائز بالاتفاق. وعن (22) أني راجعت كلام ابن حزم في الإحكام فإن صح نقله عن القاضي الباقلاني فلا يسلم للقاضي رحمه الله لأنه خلاف قول الجمهور. وربما كان محمولاً على أن الأفضل تقليد الحي لا تقليد المجتهد الميت، لا أن تقليد الميت ممنوع. وعن (25) بأن ابن عربي هو آخر من يحق له الكلام في النهي عن التقليد لأن طريقته إنما هي على خلاف طريقة أهل السنة ويكفيه اعتقاده بوحدة الوجود مخرجاً له عن أهل السنة، فهو يشكك في حجية العقل، ويجعل الكشف حاكماً على ما ثبت بالعقل؛ ولأنه قد صرح في غير موضع من رسائله بأن على النظار والمتكلمين أن يسلموا لأرباب الكشوف والشهود، والكشف عند أهل السنة ليس سبباً من أسباب العلم الذي تقوم به الحجة على الغير، ولئن سلم كونه سبباً للعلم فلا يعدو كونه سبباً للعلم الخاص إذا كان على موافقاً للشرع والعقل. ولك أن تراجع قوله: (وطريق الكشف والشهود لا تحتمل المجادلة والرد على قائله)، ويقول عن أهل النظر: (فما وافق نظرهم وعلمهم صدقوا به، وما لم يوافق نظرهم وعلمهم ردوه وأنكروه، وقالوا هذا باطل لمخالفة دليلنا... فهلا سلّم هذا القول لصاحبه ولا يلزمه التصديق، فكان يجني ثمرة التسليم) اهـ[4]
فيقال: أليس الأمر بالتسليم وعدم النظر في قول أرباب الكشوف دعوة لتقليدهم. فتأمل. والحق أن ابن عربي الظاهري في فقهه وإن حرم التقليد فليس هو ممن يعتد بخلافهم في الفقه لما بينا من ابتداعه ورمي المشايخ له بالتشيع والقول بوحدة الوجود على خلاف أصول اهل السنة، ولأنه ليس فقيهاً له أقوال منثورة في كتب الفقه كبقية الفقهاء.
هذا ما رأينا أن نرد به على ما احتج به خليفات على حرمة التقليد، وما تركنا الكلام فيه فإما أنه لا يفيد للاحتجاج أو أن الإجابة عنه وقعت في الإجابة عن غيره، والله تعالى الموفق.
قوله تحت عنوان "من نقلد؟": "بعد التغاضي عن أقوال الأئمة في النهي عن تقليدهم، وعلى فرض وجود دليل، لكن من نقلد منهم؟ أبا حنيفة أم مالكاً أم الشافعيّ أم أحمد؟ إن المرجح مفقود، والترجيح بلا مرجح فاسد عقلاً وشرعاً. وإذا قلدنا الشافعي مثلاً ألا يعني أننا وضعنا على الآخرين علامة استفهام؟ والملاحظ أن مذهب الأشعري الفقهي محل خلاف، فالحنفية يقولون كان حنفياً، والمالكية يجعلونه مالكياً، وكذا الشافعية!". اهـ
أجيب بأن الترجح بلا مرجح محال عقلاً، ومعناه لا رجحان لأحد الجائزات المتساوية المتضادة عند القابل لها بلا مرجح، ولو كانت الحال كذلك في المذاهب الأربعة بالنسبة للإنسان لتوقف عن أن يأخذ بأي منها إلى يوم القيامة، لأن تصور أخذه من أيها مع تساويها عنده من كل وجه هو محال عقلاً. والدليل على فساد قولك أنا نرى في الشاهد أن الناس تتبع لمذاهب دون أخرى أو تأخذ من غير واحد منها مما يدل على وجود المرجح. ومن المرجحات لذلك وجود المفتين في كل منطقة، وثقة المستفتي بالمفتي، وقوة الدليل في مذهب، وضعف الدليل في آخر، واشتهار مذهب بعينه دون ما عداه في بعض الأمصار فينشأ الناس من حداثة سنهم على اتباعه والثقة به، وشهرة إمام مذهب ما في زمان ما بسعة علمه وورعه، إلخ من المرجحات التي تتدافع إلى الذهن عند التفكير في ما يحمل الناس على اعتناق مذهب دون آخر.
قوله: (ألا يعني أننا وضعنا على الآخرين علامة استفهام؟). قلنا: ما معنى علامة الاستفهام؟ وإن المجتهد مأمور بالنظر، ويبعد أن يصل جميع النظار إلى نتيجة واحدة، لاختلاف جهات النظر، واختلاف النصوص المنظور فيها، وغير ذلك مما قد ينشأ عنه الاختلاف. فما معنى علامة الاستفهام تلك التي ستوضع على المجتهد إذا حكم في مسألة. إن غاية ما في الأمر أنه قد يكون لم يصب الحق. فيكون له أجر بنص الحديث. وهنا يأتي دور علماء المذاهب في تنقيح الأقوال السابقة ونقدها. ثم أليس عند الشيعة أن بعض الناس يقلدون بعض المراجع عندهم، وآخرون يقلدون مرجعاً غيره، فتعدد المراجع موجود عندهم أيضاً. فلماذا الاستهجان على أهل السنة أن البعض يقلد أبا حنيفة وآخرين يقلدون الشافعي وهكذا.
أما قوله بكون مذهب الأشعري الفقهي محل خلاف، فيصلح أن يلحق بكتب النوادر والملح، لأنه يشبه الاستدلال على فساد الصلاة مع الحدث بالتشكيك في الجوهر الفرد. فلا مدخلية للكلام على مذهب الأشعري الفقهي ههنا.
قوله: " كيف نقلدهم في ديننا وقد ماتوا قبل أكثر من ألف ومائتي سنة؟ إن مسائلهم المدونة لا تكفي والزمن في تطور مستمر، وكل يوم يستجد شيء جديد، فكيف سيجيبونا عن المسائل المستحدثة؟!". اهـ(2/34)
أجيب بأنا يستحيل أن نقلدهم فيما يستجد من المسائل لأنها غير مدونة عندهم أصلاً، والاجتهاد إنما شرع للحكم في الحوادث. وأما ما تشارك فيه عصرنا وعصرهم من العمليات مما لا تتغير أحكامه بتقادم الزمان فما المانع من الأخذ بأقوالهم فيه.
قوله: "إن الأئمة الأربعة مختلفون فيما بينهم، فكل واحد له فقهه الخاص، حتى أن الاختلاف قائم بين فقهاء المذهب الواحد، ونحن نعلم أن حكم الله واحد لا ثاني له، لأن الحق الواحد لا يتعدد". اهـ وقوله بعد ذلك رداً على معنى حديث اختلاف أمتي رحمة: (كيف يحث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على الاختلاف، وهو يتلوا لهم قول رب العزة: ) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ(، ) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (. وقوله: )إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ(؟). اهـ.
أجاب عن ذلك أبو هاشم، قال:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أن ثمة فرقاً بين كلمتي الافتراق والاختلاف. قال تعالى: )وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(. ولو أنهما بمعنى واحد لكان تكراراً بلا فائدة جديدة. قال ابن فارس: (فرق: أصل يدل على تمييز وتزييل بين شيئين). وقال: (خلف: أصول ثلاثة: أحدهما أن يجيء شيء بعد شيء يقوم مقامه، والثاني خلاف قدّام، والثالث التغيّر.... وأما قولهم اختلف الناس في كذا، والناس خلفة أي مختلفون، فمن الباب الأول لأن كل واحد منهم ينحي قول صاحبه، ويقيم نفسه مقام الذي نحاه). اهـ.
فبان من قراءة ابن فارس نكتة: أن التفرق يقع في الماديات المحسوسة، والاختلاف يكون في الرأي. فكان الثاني من دواعي الأول. إذا أدركت هذا، فلم قدّم الحق سبحانه وتعالى التفرق على الاختلاف وضعاً في الآية مع أن الأول من آثار الثاني؟ والجواب أن التفرق الحاصل لا بد وأنه قد سبقه خلاف آخر أدى إلى التفرق. ولقائل أن يقول: لم لم يذكر الاختلاف الأول المسبب للتفرق فيحذر منه لئلا تقع الفرقة. أجيب بأنه ليس من شأن كل اختلاف أن يؤدي إلى فرقة. فسكوت القرآن الكريم عنه إشارة إلى أن اختلافكم لا ينبغي أن يكون مدعاة لتفرقكم، لأن الأصل فيه أن يكون في فروع الشريعة المحتملة للخلاف والتي فيها سعة لا في الأصول. والله أعلم.
ولقد ذكر الله تعالى فرقة أهل الكتاب كيف وقعت بعد الاختلاف، فقال تعالى: )وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ(. الآية. فذكر أن الاختلاف كان سبباً في أشنع صور الفرقة، وهو الاقتتال، فلم يذكر الفرقة لأنهما مفهومة ضمناً من احتراب الفرقاء واقتتالهم.
فما معنى اختلفوا التي جاءت بعد تفرقوا في الآية إن لم يكن هو الاختلاف المسبب للتفرق؟ أجيب بأن شر الفرقة المستطير من اقتتال وسفك دماء قد يخمد وتنتهي ظاهراً معالمه. ولكن ما يعقبه هو اختلاف القلوب وامتلاؤها بالضغائن، وعندها تكون النتائج عصيبة للغاية. ولعل هذا المعنى هو الذي أشارت إليه الآية. والله أعلم.
والحاصل أن من الاختلاف ما هو ممزوج بالهوى، فيلابسه التعصب والضغائن فيؤدي إلى الفرقة وعنه وقع نهي الشرع. وإذا وقعت الفرقة فإن من عواقبها المحذورة اختلاف القلوب، وانصداع المجتمع المسلم، وضعفه وسهولة اختراقه من عدوه. أما ذلك الاختلاف الناشئ عن تعدد جهات النظر وسعة اللغة بحيث تحصل عند العلماء فهوم مختلفة تدل عليها النصوص من وجوه، فيسوغ لهم الاجتهاد والقول في المسألة الواحدة بأكثر من رأي، فذلك من عظمة هذا الدين ومقتضيات صلاحيته لكل زمان ومكان. وبعد النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يفعل الناس والشريعة لا يمكن أن تنص نصاً على حرمة أو حل كل شيء مسألة مسألة، لأن مستجدات الحياة لا تنتهي. فوضع الله الشرع بحيث يحتمل النظر فيه واستنباط أحكام للمستجدات من الأمور.(2/35)
والشبهة التي أثارها خليفات، حاصلها أن نهدم المذاهب الفقهية ونقتصر على قول واحد. وهو إن دل على شيء فإنما يدل على جهل الرجل بهذا الدين. فنجيبه بأن الله تعالى لو أراد أن يلزم الناس بقول واحد لنص على حرمة الاجتهاد والنظر. وبأن الدين إنما جعله الله تعالى بحيث يكون حكم المجتهد في مسألة ما، هو حكم الله في حقه. وبأن حكم العالم للعامي في مسألة إنما يتنزل منزلة قول الله تعالى ورسوله في حقه. فهل سمع بهذا القول خليفات من قبل. أم أنه لم يسمع بأصول الفقه؟ ولو أردنا أن نأتي من كتبكم بأقوال علمائكم وأئمتكم في مسألة من المسائل لوجدنا أقوالاً مختلفة في المسألة الواحدة، والأمثلة على ذلك كثيرة، وقد ذكرنا في هذا الكتاب مسألة المتعة، وسيأتي موضوع تحريف القرآن وهو ليس بمسألة فرعية أصلاً ليجوز الاختلاف فيها، ومع ذلك فعلماء الشيعة مختلفون فيه. فإلى ماذا يرجع اختلاف الشيعة في هاتين المسألتين وغيرهما، من وجهة نظر الشيعة؟ وإذا كان الحق عند الله واحد لا يتعدد، فما هو الحق في هاتين المسألتين؟
ثم اسمع ما يقوله الفيض الكاشاني الذي ما بلغ الكاتب من العلم مده. يقول عن شيعته: (تراهم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولاً أو ثلاثين أو أزيد، بل لو شئت أقول: لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها). اهـ[5]
أفتعيب علينا أربعة أقوال ولكم في بعض المسائل ثلاثين قولاً. فماذا نفعكم أئمتكم المعصومون. لم لم يعصموكم عن هذا التخبط. ثم بالله قل لي إذا تحصل عندكم هذا العدد الكثير من الأقوال دون قياس، فهل جاءكم أئمتكم بثلاثين نصاً مختلفاً في مسألة واحدة؟ فأين الحق الذي هو واحد عند الله تعالى منها يا راكب سفينة
-------------------------------------
1- جامع بيان الغلم وفضله ص446
1- الوافي ص9.
2- رسائل المرتضى ج3/310
1- الرسائل ص 33 / دار إحياء التراث
1- الوافي ص 9.
===========
إنكار الرافضة لوجود فرقة من الشيعة تدّعي أن الرسالة نزلت لعلي وليس لمحمد، وفرقة تدّعي أُلوهية عليّ والرد عليهم في ذلك:
يبين التيجاني للسيد الخوئي عما يردده السنة في حق الشيعة من التهم فيقول (قلت: الشيعة عندنا هم أشد على الإسلام من اليهود والنصارى لأن هؤلاء يعبدون الله ويؤمنون برسالة موسى (ع)، بينما نسمع عن الشيعة لأنهم يعبدون علياً ويقدسونه، ومنهم فرقة يعبدون الله ولكنهم ينزلون علياً بمنزلة رسول الله ورويت قصّة جبريل كيف أنه خان الأمانة حسب ما يقولون وبدلاً من اداء الرسالة إلى علي أدّاها لمحمد (ص)، أطرق (السيد) رأسه هنيهة ثم نظر إليّ وقال: نحن نشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وما عليّ إلاّ عبد من عبيد الله واْلتفت إلى بقية الجالسين قائلاً ومشيراً إليّ: إنظروا إلى هؤلاء الأبرياء كيف تغلّطهم الإشاعات الكاذبة، وهذا ليس بغريب فقد سمعت أكثر من ذلك من أشخاص آخرين، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم)!؟ قلت:
1 نعم يوجد من فرق الشيعة من يؤلهون علياً رضي الله عنه، وهذا أمرٌ ثابت لا ينكره إلا جاهل، أو مدلّس، فهذه فرقة (السبئية) أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي قالوا بألوهية عليّ بن أبي طالب، وجاء أتباعه علياً وقالوا له أنت هو، فقال لهم:ومن هو؟ قالوا: أنت الله فاستعظم الأمر، وأمر بنار فأحرقهم فيها، ولا يستطيع الرافضة الإمامية إنكار ذلك، فهذا الكشي وهو عمدتهم في الرجال يروي عن (أبي جعفر عليه السلام قال: إن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله تعالى عن ذلك علوا كبيراً، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فدعاه وسأله فأقر بذلك قال: نعم أنت هو وقد كان ألقى في روعي أنك الله وإني نبي. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب، فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار وقال: إن الشيطان استهواه فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك)(3)، وتوجد فرقة أخرى تدعي أن جبريل خان الأمانة عندما أرسله إلى عليّ فغلط في طريقه فذهب إلى محمد وهي فرقة (الغرابية).(2/36)
2 لقد ذكر إمام الإمامية النوبختي في كتابه (فرق الشيعة) الكثير من هذه الفرق التي تدعي الألوهية في عليّ وأهل بيته فقال (فهذه فرق (الكيسانية) و (العباسية) و (والحارثية) ومنهم تفرقت فرقة (الخرمدينية) ومنهم كان بدء الغلو في القول، حتى قالوا أن الأئمة آلهة وأنهم أنبياء وأنهم رسل وأنهم ملائكة وهم الذين تكلموا بالأظلة وفي التناسخ في الأرواح)، ثم تحدث عن فرقة (المنصورية) وقال (وكان أبو منصور هذا من اهل الكوفة من عبد القيس وله دار وكان منشأه بالبادية، وكان أمياً لا يقرأ فادعى بعد وفاة أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أنه فوض إليه أمره وجعله وصيه من بعده ثم ترقى به الأمر إلى ان قال كان علي بن أبي طالب عليه السلام نبياً ورسولا، وكذا الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي، وأنا نبي ورسول، والنبوة في ستة من ولدي، يكونون بعدي أنبياء آخرهم القائم)!! وقال النوبختي (وفرقة) قالت (جعفر بن محمد) هو الله عز وجل وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً)، وقال عنهم أيضاً (قالوا أن محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآله كان يوم قال هذا عبداً ورسولا أرسله (أبو طالب) وكان النور الذي هو الله في (عبد المطلب) ثم صار في (أبي طالب) ثم في (محمد) ثم صار في (علي بن أبي طالب) عليه السلام فهم آلهة كلهم)!؟! ثم ذكر فرقة أخرى (قالت الإمام عالم بكل شيء وهو الله عز وجل وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .... وهم من (الرواندية))، وقال النوبختي أيضاً (وقد شذّت (فرقة) من القائلين بامامة (علي بن محمد) في حياته فقالت بنبوة رجل يقال له (محمد بن نصير النميري) وكان يدعي أنه نبي بعثه أبو الحسن العسكري عليه السلام، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن ويقول فيه بالربوبية، ويقول بالإباحة للمحارم ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم (!!) ويزعم أن ذلك من التواضع والتذلل (!!!) وأنه إحدى الشهوات والطيبات وأن الله عز وجل لم يحرم شيئاً من ذلك)، فهذه هي كتب الشيعة الاثني عشرية تنطق بالحق وتقر بأن من فرق الشيعة من يُؤلِّه علياً ومنهم من ينزلونه إلى منزلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وليس هذا فقط بل وسرت هذه العدوى إلى تأليه أولاد عليّ أيضاً.
3 ولكن السيد الخوئي يدعي بأن علياً عندهم هو عبد من عبيد الله، فهل صدق في دعواه؟ وأنا سوف أسوق بعضاً مما يرويه الرافضة الاثني عشرية في علي وبنيه، وأريد من القارئ أن يحكم هل علي عبد من عبيد الله في نظرهم أم أعظم من محمد والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم؟!
يورد إمام الاثني عشرية في كتابه الحجة (أصول الكافي) الكثير من الروايات، بل يفرد أبواباً كاملة في بيان منزلة علي وبنيه، فيجعل حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل حديث علي وبنيه مثلاً بمثل فعن (هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره قالوا: سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: حديثي حديثُ أبي، وحديث أبي حديث جدّي وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين وحديث أمير المؤمنين عليه السلام حديث رسول الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قول الله عز وجل)!! ثم يفرد باباً كاملاً ويعنونه ب(أن الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم وتطأ بسطهم وتأتيهم بالأخبار عليهم السلام)، ثم يذكر بعض الروايات في ذلك منها عن أبي حمزة الثمالي قال (دخلتُ على عليّ بن الحسين عليهما السلام فاحتبست في الدّار ساعة، ثم دخلتُ البيت وهو يلتقط شيئاً وأدخل يدهُ من رواء الستر فناوله من كان في البيت، فقلتُ: جُعلتُ فداك هذا الذي أراك تلتقطُهُ أيُّ شيء هو؟ فقال: فَضْلَةٌ من زَغَبِ الملائكة نجمعُهُ إذا خلَّونا، نجعلُهُ سَيْحاً لأولادنا، فقلت: جعلت فداك وإنهم ليأْتونكُم؟ فقال: يا أبا حمزة إنهم ليُزاحمونا على تُكاتِنا)!؟وعن أبي الحسن عليه السلام قال (سمعته يقول: ما من ملك يُهبطُهُ الله في أمر ما يهبطُهُ إلاّ بدأ بالإمام، فعرض ذلك عليه وإنَّ مُختَلَفَ الملائكة من عند الله تبارك وتعالى إلى صاحب هذا الأمر) وبضيف ثقتهم شيخ القميين أبو جعفر محمد بن فروخ الصفار في كتابه (بصائر الدرجات) في باب في أنهم يخاطبون ويسمعون الصوت ويأتيهم صور أعظم من جبريل وميكائل)!! عن أبي بصير قال (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إنّ منّا لمن يعاين معاينة وإنّ منّا لمن ينقر في قلبه كيت وكيت، وإنّ منّا لمن يسمع كما تقع السلسلة كلها في الطست، قال: قلت: فالذين يعاينون ما هم قال: خلق أعظم من جبريل وميكائيل) ، وعن أبي عبد الله (ع) قال (إنّ منّا لمن يوقر في قلبه ومنّا من يسمع بأذنه ومنّا من ينكت، وأفضل من يسمع)(17)، فأين محمداً صلى الله عليه وآله وسلم من الأئمة الذين يوحى إليهم بخير وأعظم مما يوحى إليه؟؟!
ثم يذكر الكليني عدّة أبواب في بيان منزلة الأئمة عندهم فيقول
باب (أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم)(2/37)
باب (أن الأئمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها).
باب (ما عند الأئمة من آيات الأنبياء عليهم السلام).
باب (أنَّ الأئمة عليهم السلام يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام)
باب (أنّ الأئمة عليهم السلام إذا شاؤوا أن يعلموا عَلموا).
باب (أنَّ الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم)!؟
باب (أنّ الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء صلوات الله عليهم)!؟
باب (أنّ الله عز وجل لم يعلم نبيه علماً إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين عليه السلام وأنه كان شريكه في العلم).
باب (أنّ الأئمة عليهم السلام لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئٍ بما له وعليه).
ثم يضيف ثقتهم الصفار في بصائره عدة أبواب فيقول:
باب (في الأئمة (ع) أنهم حجة الله وباب الله وولاة أمر الله ووجه الله الذي يؤتى منه وجنب الله وعين الله وخزنة علمه جل جلاله وعم نواله)!! يروي عن هاشم بن أبي عمار قال (سمعت أمير المؤمنين (ع) يقول: أنا عين الله وأنا يد الله وأنا جنب الله وأنا باب الله)!؟! فلماذا لا يقولون هو الله وننتهي؟؟!
باب (في علم الأئمة بما في السموات والأرض والجنة والنار وما كان وماهو كائن إلى يوم القيامة)!؟!
باب (في الأئمة عليهم السلام عندهم الصحيفة التي فيها أسماء أهل الجنة وأسماء أهل النار)!؟
وبعد هذا كله يقول الخوئي ما عليّ إلا عبد من عبيد الله!!؟ فمن هم الأبرياء الذين تغلّطهم الإشاعات الكاذبة إذن؟ السنة أم عوام الشيعة يا خوئي ويا تيجاني!
ادعاء التيجاني والخوئي أن القرآن الذي عندهم هو نفسه الذي عند السنة الرد عليهما في ذلك:
ثم يسترسل الخوئي فيقول (... هل قرأت القرآن؟ قلت: حفظت نصفه ولم أتخطّ العاشرة من عمري. قال: هل تعرف أنّ كلّ الفرق الإسلامية على اختلاف مذاهبها متّفقة على القرآن الكريم، فالقرآن الموجود عندنا هو نفسه موجود عندكم. قلت نعم هذا أعرفه. قال: إذاً ألم تقرأ قول الله سبحانه وتعالى:{ وما محمد إلاّ رسول ، قد خلت من قبله الرسل }. وقوله أيضاً { محمد رسول الله والذين معه أشّداء على الكفار }. وقوله { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين }. قلت بلى أعرف هذه الآيات قال: فأين هو علي؟ إذا كان قرآننا يقول بأن محمداً هو رسول الله فمن أين جاءت هذه الفرية؟)، فأقول:(2/38)
1 أما قوله أن القرآن الذي عندهم هو نفسه الموجود عند أهل السنة فكذب ظاهر، تكذّبه أوثق كتب الإمامية الاثني عشرية فإنهم يتخرصون بكبرياء ويدعون تحريف القرآن من قبل الصحابة، وأنَّ القرآن الذي أنزل على محمد هو عند عليّ وأولاده فقط، وهو الذي يسمونه (مصحف فاطمة) فهذا إمامهم في التفسير علي بن ابراهيم القمي يقول في كتابه العمدة (تفسير القمي) (فالقرآن منه ناسخ ومنه منسوخ ومنه محكم ومنه متشابه ومنه عام ومنه خاص ومنه تقديم ومنه تأخير ومنه منقطع ومنه معطوف ومنه حرف مكان حرف ومنه على خلاف ما أنزل الله)، ثم يأتي بأمثلة على ما هو خلاف الحق فيقول (وأما ما هو على خلاف ما أنزل الله، فهو قوله { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } فقال أبو عبد الله عليه السلام لقارئ هذه الآية { خير أمة } يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين بن علي عليه السلام؟ فقيل له: وكيف نزلت يا بن رسول الله؟ فقال: إنما نزلت { كنتم خير أئمة أخرجت للناس } ألا ترى مدح الله لهم في آخر الآية { تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } ومثله آية قرئت على أبي عبد الله عليه السلام { الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعنا للمتقين إماماً } فقال أبو عبد الله عليه السلام : لقد سألوا الله عظيماً أن يجعلهم للمتقين إماماً، فقيل له: يا بن رسول الله كيف نزلت؟ فقال: إنما نزلت { الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا من المتقين إماماً } ، وقوله { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله } فقال أبو عبد الله: كيف يحفظ الشيء من أمر الله، وكيف يكون المعقب من بين يديه (!!!)، فقيل له: وكيف ذلك يا بن رسول الله؟ فقال: إنما نزلت { له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله }، ومثله كثير)، ثم يسترسل وريث اليهود والنصارى في التحريف فيقول (وأما ما هو محرّف، منه فهو قوله { لكن الله يشهد بما أنزل إليك في علي أنزله بعلمه والملائكة يشهدون } وقوله { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك في عليّ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } وقوله { إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم } وقوله { وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم أي منقلب ينقلبون } وقوله { ولو ترى الذين ظلموا آل محمد حقهم في غمرات الموت } ومثله كثير نذكره في مواضعه)، والعجيب أن الخوئي نفسه يوثق القمي هذا فيقول عنه (ونحكم بوثاقة جميع مشايخ علي بن إبراهيم القمي الذي روى عنهم في تفسيره مع انتهاء السند إلى أحد المعصومين)!؟، و الغريب أن أحد مؤلفي الشيعة الاثني عشرية ذكر ويقصدون بهما أبو بكر وعمر!؟ والذي جاء فيه (... والعن صنمي في كتابه (تحفة العوام مقبول جديد) دعاء يسمّونه دعاء صنمي قريش
قريش وجبتيهما وطاغوتيهما .... الذين خالفا أمرك ... وحرفا كتابك (!) واللهم العنهما بكل آية حرفوها)، ثم ذكر أن ما في كتابه مطابقاً لفتاوي ستة من العلماء منهم الخوئي نفسه !!؟، وهذا الوريث الثاني لخصلة التحريف محمد العياشي وهو عمدتهم في التفسير أيضاً يروي في تفسيره (عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لو قد قرأ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمّين)، وعن أبي جعفر عليه السلام قال (لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفي حقّنا على ذي حجي، ولو قد قام قائمنا فنطق صدَّقه القرآن). وهذا الوريث الثالث لخصلة التحريف الفيض الكاشاني وهو من كبار علمائهم يقول في تفسيره (الملوث) الصافي؟! (أقول: المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من طريق أهل البيت عليهم السلام إن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله ومنه ما هو مغير محرف وإنه قد حذف عنه أشياء كثيرة منها اسم علي عليه السلام في كثير من المواضع ومنها لفظة آل محمد (ع) غير مرة ومنها أسماء المنافقين في مواضعها ومنها غير ذلك وإنه ليس أيضاً على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله).(2/39)
أما إمامهم سلطان محمد الجنابذي في تفسيره (بيان السعادة في مقامات العبادة) يذكر في مقدمة تفسيره فصلاً في إثبات التحريف وهو الفصل الثالث عشر ويعنونه ب(في وقوع الزيادة والنقيصة والتقديم والتأخير والتغيير في القرآن الذي بين أظهرنا الذي امرنا بتلاوته وامتثال اوامره ونواهيه واقامة احكامه وحدوده)، وأما الكليني فهو يقر بهذا التحريف، بل ويثبت وجود مصحف غير مصحفنا الذي بين أيدينا فيروي عن أبي عبد الله رواية طويلة في جزء منها (... ثم قال: وإنَّ عندنا لمصحف فاطمة (ع) وما يدريهم ما مصحف فاطمة (ع)، قال: قلتُ: وما مصحف فاطمة (ع)؟ قال: مصحفٌ فيه مثلُ قرآنكم هذا ثلاث مرّاتٍ والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد)، والذي يؤكد أن هذا المصحف أكبر ثلاث مرات من قرآننا، وهو ما رواه الكليني (عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنّ القرآن الذي جاء به جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية)!؟، ولكن من جاء بهذا المصحف وأين هو؟ يجيب عن ذلك الصفار في كتابه (بصائر الدرجات) في باب الأئمة أن عندهم جميع القرآن الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيروي عن جابر (عن أبي جعفر (ع) أنّه قال ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّه جمع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء)، وعن جابر قال (سمعت أبا جعفر (ع) يقول ما من أحد من النّاس يقول إنّه جمع القرآن كلّه كما أنزل الله إلاّ كذّاب وما جمعه وما حفظه كما أنزل الله إلاّ عليّ بن أبي طالب والأئمّة (ع) من بعده). ثم يأتي الطبرسي ويتكلم بصراحة أكثر ودون مواربة ليؤكد على هذه الحقيقة فيروي في كتابه المهترئ (الاحتجاج) رواية عن أبي ذر (!!) أنه قال (لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع علي (ع) القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله (ص)، فلما فتحه أبو بكر خرج في اول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه (ع) وانصرف ثم أحضروا زيد بن ثابت وكان قارياً للقرآن فقال له عمر: إنَّ عليّاً جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار (!!!)، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فضيحة وهتكاً للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر عليّ القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتم؟ قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر: ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه (!!!!)، فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك، وقد مضى شرح ذلك. قلما استخلف عمر، سأل علياً (ع) أن يدفع إليهم القرآن فيحرّفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه، فقال (ع): هيهات ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم، ولا تقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا: ما جئتنا به، إنّ القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي، قال عمر: فهل لإظهاره وقت معلوم. فقال (ع) نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه، فتجري السنة به صلوات الله عليه)(47)، ثم يسوق رواية طويلة تبين أن هناك قرآنان (!!) وليس قرآناً واحداً وهذا جزء منها (... فلما رأى علي (ع) غدرهم وقلّة وفائهم لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلِّفه ويجمعه، فلم يخرج حتى جمعه كلّه فكتبه على تنزيله والناسخ والمنسوخ، فبعث إليه أبو بكر أن أخرج فبايع، فبعث إليه إنيِّ مشغول فقد آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه، فجمعه في ثوب وختمه ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى (ع) بأعلى صوته: أيها الناس إنِّي لم أزل منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغولاً بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كلَّه في هذا الثوب، فلم ينزل الله على نبيه آية من القرآن إلا وقد جمعتها كلها في هذا الثوب، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله وعلَّمني تأويلها. فقالوا: لا حاجة لنا به عندنا مثله)(48)، إذاً هناك قرآن لعلي يختلف عن قرآننا، ولا ينفرد الطبرسي بهذا التصريح، بل يقرّه على ذلك الكليني والصفار فيرويان عن سالم بن سلمة قال (قرأ رجل على أبي عبد الله (ع) وأنا أسمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرأها الناس فقال أبو عبد الله (ع) مه مه كف عن هذه القراءة كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فإذا قام فاقرأ كتاب الله على حدّه وأخرج المصحف الذي كتبه عليّ (ع) وقال أخرجه عليّ (ع) إلى النّاس حيث فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله كما أنزل الله على محمّد وقد جمعته بين اللوحين قالوا: هو ذا عندما مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه قال أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبداً إنما كان عليّ ان أخبركم به حين جمعته لتقرؤوه) وهذه(2/40)
الحقيقة يؤكدها شيعي إثني عشري معاصر فيروي عن أبي بصير رواية طويلة جاء فيها (... ثم أتى الوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال { سأل سائل بعذاب واقع للكافرين } بولاية عليّ { ليس له دافع من الله ذي المعارج }، قال: قلت: جعلت فداك إنّا لا نقرؤها هكذا فقال: هكذا نزل بها جبرائيل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهكذا هو والله مثبت في مصحف فاطمة عليها السلام). ومعنى ما سبق أن الأمة عملت طيلة الخمسة عشر قرناً بقرآن محرف!!؟ فهنيئاً لليهود والنصارى باحفاد ابن سبأ!! ... والمصحف الحقيقي هو عند عليّ، وقد ورّثه أولاده أباً عن جد حتى وصلت للقائم الذي لم يتجاوز الخمس سنوات!! يا للمصاب الأليم، وأنا أسأل العقلاء.. هل جاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم بقرآن يتلى للأمة، ويكون حجة على أعدائها، وشريعة تطبق في كل العصور وشفاء لما في الصدور، ويحتوي أصول الاعتقاد وفروع الأحكام؟ أم جاء به خاصاً لعليّ وأولاده، يهددون باخراجه تارة ويساومون عليه تارة أخرى، ويخفونه طيلة هذه القرون الماضية؟! فأنا أرجو من التيجاني أن يجيب على السؤال العقلاني جداّ حتى يعلم إلى أي شيء هُدِي!
أما قول الخوئي (وأضاف يقول: وأما خيانة جبريل (حاشاه) فهذه أقبح من أولى، لأنّ جبريل (ع) عندما أرسله الله سبحانه إلى محمد كان عمر محمد أربعين سنة، ولم يكن عليّ إلاّ صبيّاً صغيراً عمره ستّ أو سبع سنوات، فكيف يا ترىيخطيء جبريل ولا يفرق بين محمدالرجل وعليّ الصبي؟)
فأقول: هذه النتيجة المنطقية التي ذكرها الخوئي قد أجاب عليها ابن حزم قبل أن يخلق الخوئي بمئات السنين، ولا نستبعد أن يكون أخذها عنه، وعلى كلٍ فإجابة الخوئي لا تنفي وجود هذه الفرقة من الشيعة، التي تقول بذلك خصوصاً إذا عرفنا أن القاسم المشترك بين فرق الرافضة أنها تخالف المعقول، وتجهل المنقول، وتأتي بما تحار منه العقول!
ثم يقول الخوئي (ولا يختلف الشيعة مع السنة إلاّ في الأمور الفقهية كما يختلف المذاهب السنيّة أنفسهم فيما بينهم فمالك يخالف أبو حنيفة، وهذا يخالف الشافعي وهكذا...).
فأقول: أعتقد أن كتاب التيجاني يكذّب هذا الكلام الهزيل، فهل يختلف مالك مع أبي حنيفة في تفضيل عليّ على الصحابة؟ أم يختلف أحمد مع الشافعي في أحقية أبي بكر للخلافة؟! وهل يختلف أبوحنيفة مع الشافعي في تقسيم الصحابة، فيقول الشافعي الصحابة كلهم عدول بينما يقول أبو حنيفة المنافقين جزء من الصحابة؟! وهل يختلف الأئمة بعضهم مع بعض في أخذ السنة من الصحابة أو من الأئمة الاثني عشر؟! فانظر أخي القارئ إلى هذا التناقض العجيب، فوالله لو كان التناقض ينطق لتعجب من هذا التناقض!؟
حجتهم في إضافة (علي ولي الله) في الأذان والرد عليهم في ذلك:
يقول التيجاني (سألت السيد الصدر عن الإمام علي، ولماذا يشهدون له في الأذان بأنّه ولي الله؟! أجاب قائلاً: أنّ امير المؤمنين علياً سلام الله عليه وهو عبد من عبيد الله الذين اصطفاهم الله وشرّفهم ليواصلوا حمل أعباء الرسالة بعد أنبيائه وهؤلاء هم أوصياء الأنبياء، فلكل نبي وصي وعلي بن أبي طالب وصيّ محمد، ونحن نفضّله على سائر الصحابة بما فضّله الله ورسوله ولنا في ذلك أدلّة عقلية ونقلية من القرآن والسنة وهذه الأدلّة لا يمكن أن يتطرّق إليها الشك لأنها متواترة وصحيحة من طرقنا وحتى من طرق أهل السنة والجماعة، وقد ألّف في ذلك علماؤنا العديد من الكتب، ولمّا كان الحكم الأموى يقوم على طمس هذه الحقيقة ومحاربة أمير المؤمنين علي وأبنائه وقتلهم، ووصل بهم الأمر إلى سبّه ولعنه على منابر المسلمين وحمل الناس على ذلك بالقهر والقوّة، فكان شيعته وأتباعه رضي الله عنهم يشهدون أنّه ولي الله، ولا يمكن للمسلم أن يسّب ولي الله وذلك تحدّياً منهم للسلطة الغاشمة حتى تكون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وحتى تكون حافزاً تاريخياً لكل المسلمين عبر الأجيال فيعرفون حقيقة علي وباطل أعدائه، ودأب فقهاؤنا على الشهادة لعلي بالولاية في الأذان والإقامة استحباباً، لا بنيّة أنها جزء من الأذان أو الإقامة فإذا نوى المؤذن أو المقيم أنها جزء بطل أذانه وإقامته (!) والمستحبات في العبادات والمعاملات لا تحصى لكثرتها والمسلم يثاب على فعلها ولا يعاقب على تركها)، قلت:(2/41)
1 إدعاؤه أنّ الشهادة لعلي بالولاية في الأذان والاقامة أمراً مستحباً فباطل، لأن الاستحباب هو (الفعل المقتضى شرعاً من غير لوم على تركه)، أي (ما ثبت طلبه شرعاً طلباً غير جازم)(3)، وهذا ما يعترف به الاثنا عشرية فيقول جمال الدين الحلِي في كتابه (مبادئ الوصول إلى علم الأصول) وهو يقسم الأحكام التكليفية (فإن كان فعله راجحاً في الشرع: فهو المستحب والمندوب والنفل والتطوع والسنة)، إذن لا بد أن يستحبه الشارع حتى يصبح مندوباً ومستحباً، فأين الدليل من الشرع على استحباب تخصيص عليّ بالولاية بالأذان والاقامة؟ الجواب لا دليل! فتصبح هذه الشهادة بدعة مستحدثة شرعاً لا يجوز العمل بها، أما قول السيد الصدر: أنه إذا نوى المؤذن أو المقيم أنها جزء بطل أذانه واقامته فهو قول عجيب، لأن الإمام آية الله العظمي (!) السيد محمد الشيرازي من علماء الإمامية يقول في كتابه (المسائل الاسلامية) (الظاهر أن (أشهد أن علياً ولي الله) جزء من الأذان والاقامة (!!) وقد أشير إلى ذلك في الروايات في الجملة)، فكيف يبطل الأذان والاقامة، مع أن الظاهر أنها جزء من الأذان، ويأتي السؤال الثاني، فأين الدليل على أنها جزء من الأذان؟!
2 وحتى أثبت لطالب الحق بطلان هذه الشهادة المستحبة أو الواجبة! وأبين أنّ أهل السنة هم أهل الاتباع الحقيقي للكتاب والسنة، أسوق رأي إمام المحدثين عند الرافضة الاثني عشرية ابن بابويه القمي في هذه المسألة، وذلك في واحد من أربعة كتب تمثل أصول الشيعة الاثني عشرية وفروعها ... فيقول في كتابه (من لايحضره الفقيه) (وروى أبو بكر الحضرمي وكليب الأسدي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه حكى لهما الأذان فقال: الله اكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد ان محمداّ رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، حي على خير العمل، حي على خير العمل، الله اكبر الله اكبر، لا إله إلا الله، والإقامة كذلك ولا بأس ان يقال في صلاة الغداة على أثر حي على خير العمل الصلاة خير من النوم مرتين للتقية. وقال مصنف هذا الكتاب: هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه، والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان محمد وآل محمد خير البرية مرتين، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن علياً ولي الله مرتين (!؟!)، ومنهم من روى بدل ذلك أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً مرتين، ولا شك في أن علياً ولي الله وأنه أمير المؤمنين حقاً وأن محمداّ وآله صلوات الله عليهم خير البرية، ولكن ذلك في أصل الأذان، وإنما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض المدلسون أنفسهم في جملتنا)!!؟، فأي حق أبلج وباطل لجلج أوضح من ذلك؟ ومزيداً من دلائل الهداية يا تيجاني.
حجة الرافضة في الضرب واللطم في ذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه والرد عليهم في ذلك:
يقول التيجاني (قلت على ذكر سيدنا الحسين رضي الله عنه لماذا يبكي الشيعة ويلطمون ويضربون أنفسهم حتّى تسيل الدّماء وهذا محرم في الإسلام، فقد قال صلى الله عليه وسلم (ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية)، أجاب السيد قائلاً: الحديث صحيح لا شك فيه ولكنّه لا ينطبق على مآتم أبي عبد الله، فالذي ينادي بثأر الحسين ويممشي على درب الحسين دعوته ليست جاهلية، ثم إن الشيعة بشر فيهم العالم وفيه الجاهل ولديهم عواطف، فإذا كانت عواطفهم تطغى عليهم في ذكرى استشهاد أبي عبد الله وما جرى عليه وعلى أهله وأصحابه من قتل وهتك وسبي، فهم مأجورون لأن نواياهم كلها في سبيل الله، والله سبحانه وتعالى يعطي العباد على قدر نواياهم، وقد قرأت منذ أسبوع التقارير الرّسمية للحكومة المصرية بمناسبة موت جمال عبد الناصر، تقول هذه التقارير الرسمية بأنه سجّل أكثر من ثماني حالات انتحارية قتل أصحابها أنفسهم عند سماع النّبأ فمنهم من رمى نفسه من أعلى العمارة ومنهم من ألقى بنفسه تحت القطار وغير ذلك، وأما المجروحون والمصابون فكثيرون، وهذه أمثلة أذكرها للعواطف التي تطغى على أصحابها وإذا كان الناس وهم مسلمون بلا شك يقتلون أنفسهم من أجل موت جمل عبد الناصر وقد مات موتاً طبيعياً، فليس من حقنا بناءً على مثل هذا أن نحكم على أهل السنة بأنهم مخطئون). فأقول:(2/42)
1 أما ادعاؤه أن هذا الحديث لا ينطبق على الذي ينادي بثأر الحسين لأن دعوته ليست جاهليه فحجة سخيفة، فكل من يريد أن يلطم ويشق الجيوب حزناً على عزيز له فسيدّعي هذه الدعوى، ثم لماذا استثنى شيعته من ذلك، فهل في الحديث أي استثناء حتى يدعي الاستثناء لنفسه، ثم ما فائدة النوح واللطم والضرب بالجنازير واسالة الدماء من أجل رجل من أهل الجنة؟! وقد توّفاه الله منذ عشرة قرون! فهل يريدون أن يثأروا له؟! ولماذا لم يفعلوا مثل صنيعهم هذا مع أبيه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه قتل أيضاً وهو أيضاً أفضل من الحسين بالاتفاق!؟
2 وأما قوله أنهم مأجورون لفعلهم هذا (!) لأن نواياهم كلها في سبيل الله، فأسأله وما أدراك أن نواياهم كلها لله ؟ ولو فرضنا أن نواياهم لله كما تقول فهل تكفي النية لقبول العمل وإن خالف هذا العمل أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ؟! لاشك أن أي عمل لايوافق أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه باطل.
3 ثم يحتج على فعل الشيعة بما قام به بعض الأغبياء من الانتحار وقتل أنفسهم بالإضافة إلى المجروحين عند سماعهم نبأ وهلاك الطاغية جمال عبد الناصر !!!؟ ثم يقول (وإذا كان الناس وهم مسلمون بلا شك يقتلون أنفسهم من أجل موت جمال عبد الناصر وقد مات موتا طبيعيا فليس من حقنا - بناء على مثل هذا - أن نحكم على أهل السنة بأنهم مخطئون (!!؟) وليس لإخواننا من أهل السنة أن يحكموا على إخوانهم من الشيعة بأنهم مخطئون في بكائهم على سيد الشهداء)؟!
سبحان الله ! أنظر إلى حجة أحد كبار علماء الشيعة الإمامية التي تضحك الثكلى من هشاشتها، فانظر إلى طرق استنباطه للحكم الشرعي؟ أنا أعلم أن الإستنباط يكون من الكتاب والسنة أما أن يكون استنباط حكم الحلال والحرام على فعل ما من تصرفات عامة الناس (!؟!) فهذا عجب عجاب، وأريد أن أسأل أهل العقول هل من قام يقتل نفسه من أجل طاغوت فرعوني يعتبر حجة على أهل السنة ؟! وهل أهل السنة يجيزون مثل هذه الموبقات ؟! فكيف يحمل فعل المجرمين على منهج أهل السنة ؟! فلو قام بعض من الناس بعمل أخرق فهل يعتبر ذلك قدحا في عقيدة ومنهج أهل السنة ؟!
كتب أهل السنة تُحَرّم أن يقتل الإنسان نفسه من أجل وليّ، فكيف بطاغوت استباح دماء المسلمين وأعراضهم، ونحن نناقش العقيدة والمنهج أي الكتاب والسنة ولا نناقش فعل الأشخاص وهذا إن دلّ فإنما يدل على أن عقيدة ومنهج الرافضة الإثنى عشرية واضعه مجموعة من الأشخاص فإذا حكموا على عمل حكموا على فعل الناس وليس على الكتاب والسنة ! وحتى أدلل على ذلك انظر ماذا يقول عن الحجة التالية.
يقول التيجاني (قلت ولماذا يزخرف الشيعة قبور أوليائهم بالذهب والفضة وهو محرم في الإسلام ؟
أجاب السيد الصدر : ليس ذلك منحصرا بالشيعة، ولا هو حرام فها هي مساجد إخواننا من أهل السنة سواء في العراق أو في مصر أو في تركيا أو غيرها من البلاد الإسلامية مزخرفة بالذهب والفضة وكذلك مسجد رسول الله في المدينة المنورة وبيت الله الحرام في مكة المكرمة الذي يكسى في كل عام بحلة ذهبية جديدة يصرف فيها الملايين، فليس ذلك منحصرا بالشيعة)(*).
هل نظرت أخي القارىء من أين استقى الحكم ؟ ..... من تصرفات عامة الناس !؟ فالناس إذا خالفوا أمر الله وفعلوا ما حرمه الله عليهم فهذا في حد ذاته مسوغ لإباحة هذا المحرم! لأنه ما رآه الناس حسنا فهو عند الله حسن ولو خالف امره ؟! سبحان الله أي أصل هذا ؟! وأي فقه يسمح بمثل هذه الخزعبلات فرحمة الله وبركاته على الفقه وأهله! ولم يدر الصدر أن زخرفة المساجد من علامات القيامة، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (لاتقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد).
وقد جاء النص الصريح عن ذلك فعن ابن عباس قال : قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم (ما أمرت بتشييد المساجد) قال ابن عباس : لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى) فانظر أخي القارىء رعاك الله كيف تُغيّر أحكام الله بآراء الناس.
ادعاء الرافضة أن التوسل بالقبور ليس شركاً والرد عليهم في ذلك:(2/43)
يقول التيجاني (قلت أنّ علماء السعودية يقولون: أن التمسّح بالقبور ودعوة الصالحين والتبرك بهم، شرك بالله، فما هو رأيكم؟ أجاب السيد باقر الصدر: إذا كان التمسح بالقبور ودعوة أصحابها بنيّة أنهم يضرّون وينفعون، فهذا شرك، لا شك فيه: وإنما المسلمون موحّدون ويعلمون أن الله وحده هو الضّار والنافع وإنّما يدعون الأولياء والأئمة (عليهم السلام) ليكونوا وسيلتهم إليه سبحانه وهذا ليس بشرك، والمسلمون سنّة وشيعة متّفقون على ذلك من زمن الرّسول إلى هذا اليوم، عدا الوهابية وهم علماء السعودية الذين ذكرت والذين خالفوا اجماع المسلمين بمذهبهم الجديد الذي ظهر في هذا القرن، وقد فتنوا المسلمين بهذا الاعتقاد وكفّروهم وأباحوا دمائهم، فهم يضربون الشيوخ من حجّاج بيت الله الحرام لمجرّد قول أحدهم: السلام عليك يا رسول الله، ولا يتركون أحداً يتمسح على ضريحه الطاهر، وقد كان لهم مع علمائنا مناظرات (؟؟) ولكنّهم أصرّوا على العناد واستكبروا استكباراً)!؟.
فأقول لهذا الموحد (!) : أما قوله أن دعوة الصالحين من أهل القبور ليس شركاً لأن المتوسل لا يقصد أنهم يضرون وينفعون، وإنما ليكونوا لهم وسيلة وواسطة أي شفعاء عند الله سبحانه وهذا ليس بشرك، فاعلم أن هذه الدعوى هي نفس حجة المشركين في السابق الذين حكى الله عنهم بقوله:{ ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إنّ الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إنّ الله لا يهدي من هو كاذبٌ كفّار } (الزمر 3)، فما هو الفرق بين أن يكونوا وسيلة لهم أو ان يقربوهم زلفى إلى الله؟! وللتدليل على ذلك أسوق رأي الشيخ الفضل الطبرسي في كتابه الحجة لدى الرافضة الإمامية(مجمع البيان) في تفسير هذه الآية فيقول ({ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } أي ليشفعوا لنا إلى الله)، والعجيب أن محمد جواد مغنية لا تعجبه هذه الحقيقة فينقل عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب جزء من كلامه في كتابه (كشف الشبهات) فيقول (وقال في صفحة 110: (وإن قالوا: نحن لا نشرك بالله، بل نشهد أنه لا يخلق، ولا يرزق، ولا ينفع، ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً رسول الله لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولكن الصالحين عند الله، وأنا أطلب من الله بهم، فجاوبه أن الذين قاتلهم رسول الله مقرون بما ذكرت، ومقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئاً وإنما أرادوا الجاه والشفاعة. أه ثم يعلق عليه بقوله: أي أن من يطلب الشفاعة من محمد تماماً كمن يطلبها من الأوثان سواء بسواء .. هذا هو التحقيق الدقيق، والإيمان العميق)(3)، وأنا لا أريد أن أعلق على هذا الفهم المعوجّ، ولكن أنقل ما فسره هو للآية السابقة فيقول ({ والذين اتخذوا من دونه أولياء } وقالوا { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } ليشفعوا لهم عند الله)!؟ فهل يوجد أوضح من هذا التناقض، فتبّاً لهذا التلاعب والتحريف في دين الله عز وجل. وأيضاً هذا العمل مثل ما حكى الله عن المشركين بقوله تعالى { ويعبدون من دون الله ما لايضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبّئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون } (يونس 18)، وهذه الآية من الوضوح بمكان بحيث لا يسع أن يقول الانسان أنا لا أعتقد النفع والضر بهذه الأضرحة بل أريد شفاعتها لأن الله يقول { ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله } نفس الحجة سواء بسواء، ومع ذلك حكم الله عليهم بالكفر، ويقول الطبرسي في قوله تعالى ({ ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله } أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار أنهم قالوا إنا نعبد هذه الأصنام لتشفع لنا عند الله)، إذا عرفت ذلك فعليك بتطبيق نصيحة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابن عباس حينما قال له (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)، وليس الاستعانة بالأئمة كما يدعي الصدر.
ثم يدعي أن هذا الشرك هو إجماع المسلمين خلاف الوهابية، فلله أبوه ما أكذبه! فالاجماع المنعقد هو على العكس من ذلك، فقد قال أهل العلم (إن من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم كَفَرَ إجماعاً، لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام الذين قالوا { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى })، وأخيراً أقول لمن يجعل من الأولياء وسيلة وواسطة إلى الله تمعن بقوله تعالى { وإذا سألك عِبادي عنّي فإني قريب أُجيب دعْوة الدّاع إذا دعانِ فليسْتَجيبوا لي وليُؤمنوا بي لعلهم يَرْشدون } (البقرة 186).
بيان معنى حديث افتراق الأمة:(2/44)
يقول التيجاني (قرأت الحديث الشريف الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (افترقت بنو إسرائيل إلى إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى إلى إثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمّتي إلى ثلاثةٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ فرقة واحدة ..... والغريب أن كل فرقة تدّعي أنها هي وحدها الناجية وقد جاء في ذيل الحديث: (قالوا من هم يا رسول الله؟ قال من هم على ما أنا عليه وأصحابي) فهل هناك فرقة إلاّ وهي متمسّكة بالكتاب والسنة، وهل هناك فرقة إسلامية تدّعي غير هذا؟ فلو سئل الإمام مالك أو أبوحنيفة أو الإمام الشافعي أو أحمد بن حنبل فهل يدّعي أي واحد منهم إلا التمسك بالقرآن والسنّة الصحيحة؟ فهذه المذاهب السنية وإذا أضفنا إليها الفرق الشيعية التي كنت اعتقد بفاسدها وانحرافها، فها هي الاخرى تدّعي أيضاً أنها متمسّكة بالقرآن والسنّة الصحيحة المنقولة عن أهل البيت الطاهرين، وأهل البيت أدرى بما فيه كما يقولون. فهل يمكن أن يكون كلهم على حق كما يدّعون؟ وهذا غير ممكن لأنّ الحديث الشريف يفيد العكس، اللهمّ إلاّ إذا كان الحديث موضوع، مكذوب، وهذا لا سبيل إليه لأن الحديث متواتر عند السنّة والشيعة، أم أنّ الحديث لا معنى له ولا مدلول؟ وحاشى لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول شيئاً لا معنى له ولا مدلول وهو الذي لا ينطق عن الهوى وكل أحاديثه حكمة وعبر. إذا لم يبق أمامنا إلاّ الإعتراف بأن هناك فرقة واحدة على الحق وما بقي فهو باطل)، أقول:
1 بالنسبة لاختلاف الأئمة الأربعة فهو ليس أختلافاً في أصول الدين فهم متفقون على ذلك ولكن اختلافهم هو في فروع الدين وذلك راجع لأسباب منها تفاوت فهمهم للنصوص الحديثية إضافة إلى وجودهم في أزمان متفرقة فأبو حنيفة توفي سنة (150) ه ومالك توفي سنة (179) ه والشافعي توفي سنة (204) ه وأحمد توفي سنة (241) ه وكل منهم كان يفتي بحسب ما يصله من نصوص، لذلك كان أبو حنيفة من أكثر الأئمة فتوى لقربه من عهد الصحابة وقلة توفر الأحاديث، أما أحمد فكان غالب فتواه من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتقادم زمانه ووصول الأحاديث إليه بعكس الباقين، ومن هنا كان اختلاف الفتوى بينهم، لذلك كان كل واحد منهم يشدد على الرجوع للحديث ويدعو اتباعه لذلك، والافتراق الذي يشير إليه الحديث هو في الأصول وليس في الفروع.
2 الفرقة الوحيد المتمسكة بالكتاب والسنة هي فرقة أهل السنة والجماعة، لان الحديث يقول (ما أنا عليه وأصحابي) ولا توجد فرقة متمسكة بما كان عليه، إلا أهل السنة ولهذا السبب بالذات يفتح الرافضة النار على أهل السنة، وكتاب التيجاني نفسه من أوله إلى آخره طعن في الصحابة، وهجوم على أهل السنة بسبب توليهم للصحابة، فبالطبع والحال كذلك أن يكون الرافضة من أبعد الناس عن الفرقة الناجية!؟
تحريفه لحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (... واسمحوا لي أن أروي لكم قصّة ذلك الأعرابي الذي بال في مسجد رسول الله بحضرته وبحضرة أصحابه بدون حياء ولا خجل، ولمّا قام إليه بعض الصحابة شاهرين سيوفهم ليقتلوه، ونهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنعهم وقال (دعوة ولا تزرموه وهريقوا على بوله دَلْوا من الماء، إنّما بعثتم لتيسروا لا لتعسروا، لتبشّروا لا لتنفّروا) وما كان من الصحابة إلاّ أن امتثلوا أمره، ونادى رسول الله الأعرابي وأجلسه إلى جانبه ورحّب به ولاطفه وأفهمه أن ذلك المكان هو بيت الله ولا يمكن تنجيسه فأسلم الأعرابي ولم يّر بعد ذلك إلا وهو آت المسجد في أحسن ثيابه وأطهرها، وصدق الله العظيم إذ يقول لرسوله { ولو كنت فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك }).
فأقول: الحديث لم يرو بهذا اللفظ مطلقاً وإنما بألفاظ متقاربة فرواه البخاري عن أبي هريرة قال (قام أعرابيٌّ فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم : دعوه وهريقوا على بوله سجْلاً من ماء، أو ذنوباً من ماءٍ، فإنَّما بعثُم ميسِّرين، لم تبعثوا معسِّرين)، ولكن التيجاني أراد أن يخفف عن بعض جروحه النفسية تجاه الصحابة فحرّف الرواية وقال (ولما قام إليه بعض الصحابة شاهرين سيوفهم ليقتلوه)!؟ مع أن كل الروايات تخالف هذا الكذب فقد جاءت هذه الجملة بعدة سياقات مثل (قام عليه بعض الناس)، (صاح به الناس)، (فاسرع الناس إليه)، (فتناوله الناس)، (فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مَهْ مَهْ)، ولكن هذه الروايات لم تعجب التيجاني فعمد لتحريف سياق الحديث ليثبت أن الصحابة أغلاظ ليس همهم سوى القتل والفتك بالناس ولا حول ولا قوة إلا بالله.(2/45)
ثم يهذي فيقول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاطف الأعرابي فأسلم (!!) ولم ير بعد إلا وهو آت المسجد في أحسن ثيابه وأطهرها! سبحان الله وهل الأعرابي كافر حتى يسلم؟! جاء في رواية أبي داود عن أبي هريرة (أن أعرابياً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس فصلى ركعتين ثم قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لقد تحجَّرت واسِعاً. ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع الناس إليه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: إنما بعثتم ميسِّرين ولم تبعثوا معسّرين، صُبُّوا عليه سجْلاً من ماء، أو قال ذنوباً من ماء)، وفي رواية لأحمد زاد فيها (فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنما بُنيَ هذا البيت لذكر الله والصلاة، وإنّه لا يبال فيه، ثم دعا بسجل من ماء فأفرغ عليه، قال: يقول الأعرابي بعد أن فقه: فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليَّ بأبي هو وامي فلم يسب ولم يؤنب ولم يضرب)، فكيف يدّعي التيجاني أنه أسلم؟!؟ ومن أين عرف أن الأعرابي أصبح يأتي المسجد في أحسن ثيابه وأطهرها؟! يا الله ويقولون دكتور!
طعنه بعبد الله بن عمر والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (... أو عن عبد الله بن عمر وهو أيضاً من البعيدين عن الإمام علي وقد رفض مبايعته بعدما أجمع الناس على ذلك وكان يحدث أن أفضل الناس بعد النبي أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم لا تفاضل والناس بعد ذلك سواسية يعني هذا الحديث أن عبد الله بن عمر جعل الإمام علي من سوقة الناس كأي شخص عادي ليس له فضل ولا فضيلة. فأين عبد الله بن عمر من الحقائق التي ذكرها أعلام الأمة وأئمتها بأنه لم يرد في أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي بن أبي طالب، وهل أن عبد الله بن عمر لم يسمع بفضيلة واحدة لعلي؟ بلى والله لقد سمع ووعى ولكنّ السياسة وما أدراك ما السياسة فهي تقلب الحقائق وتصنع الاعاجيب)(14). فأقول:
1 التيجاني يشنّع على الصحابي ابن عمر لمجرد روايته هذه الرواية التي اعتبرها طعناً في عليّ، ولم ينتبه لنفسه وهو يحرّف أحاديث ويحلل اخرى! لمجرد أنها تمدح بعض الصحابة، ولا شك انّ هدفه نبيل وقصده شريف، أما الصحابي ابن عمر فقصده الطعن في عليّ ووضع أحاديث مكذوبة في فضائل أبي بكر فمرحى بالضلالة!
2 لم يقصد ابن عمر أبداً الطعن في عليّ أو جعله بدون فضيلة ولكنه في الحديث المذكورة قيّده (الخيرية المذكورة والأفضلية بما يتعلق بالخلافة وذلك فيما أخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن يسار عن سالم عن ابن عمر قال (إنكم لتعلمون أنّا كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر وعمر وعثمان، يعني في الخلافة) وكذا في أصل الحديث. ومن طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر (كنا نقول في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من يكون أولى الناس بهذا الأمر؟ فنقول أبو بكر ثم عمر)(15)، وإلا إذا كان لا يرى له فضيلة فكيف يروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما)(16)، إضافة إلى ما أخرجه البخاري عن سعد بن عبيدة قال (جاء رجل إلى ابن عمر، فسأله عن عثمان، فذكر عن محاسن عمله، قال: لعلّ ذاك يسوؤُك؟ قال: نعم، قال: فأرغم الله أنف، ثم سأله عن عليّ فذكر محاسن عمله، قال: هو ذاك بيته، أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم قال: لعلّ ذاك يسوؤُك؟ قال: نعم، فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجْهَد عَلَيَّ جّهْدك)(17)، ووقع في رواية عطاء المذكورة (قال: فقال الرجل: فإني أبغضه، فقال له ابن عمر: أبغضك الله تعالى)(18)! وقول عمر أن بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أي أحسنها بناء(19)، فهل مثل هذه الروايات تدل على أن ابن عمر لا يرى الفضائل لعلي؟! ولكن التيجاني لا ينظر إلا بعين واحدة فلا يرى إلا المطاعن!
3 وللتدليل على فضل ابن عمر ومكانته وتقواه فقد ذكره محدث الإمامية عباسي القمي في كتابه الكنى والألقاب معرّفاً به فقال (عبد الله ابن عمر صحابي معروف قال ابن عبد البر في الاستيعاب كان (رض) أي رضي الله عنه! من أهل الورع والعلم وكان كثير الاتباع لآثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شديد التحري والاحتياط والتوقي في فتواه وكل ما يأخذ به نفسه، وكان بعد موته مولعاً بالحج وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لزوجه حفصة بنت عمر إن اخاك عبد الله رجل صالح لوكان يقوم من الليل فما ترك ابن عمر قيام الليل...)(20) ، وهذا الإمام إبن بابويه القمي يحتج بروايات ابن عمر في كتابه (الخصال)(21) مسلماً به وكذلك المحقق، فهذا هو ابن عمر في نظر الإمامية الإثني عشرية!؟
ادعاؤه استبدال الصحابة المنقلبين بالصحابة الشاكرين والرد عليه في ذلك:(2/46)
يقول التيجاني (وأبدلت الصحابة المنقلبين على أعقابهم أمثال معاوية وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة وأبي هريرة وعكرمة وكعب الأحبار وغيرهم بالصحابة الشاكرين الذين لم ينقضوا عهد النبي أمثال عمار بن ياسر وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأُبي بن كعب وغيرهم والحمد لله على هذا الإستبصار)؟؟
فأقول: ماهو ذنب معاوية حتى يصبح منقلباً على عقبيه؟ وهو الذي صالحه الحسن الإمام المعصوم وسلّمه الخلافة! وما هو ذنب عمرو بن العاص أيضاً؟ فإن كان بسبب وقوفه بجانب معاوية فهو الذي أصبح الخليفة المرشح من قبل الحسن والحسين، فما يلحق معاوية يلحق عمرو، وفي الحقيقة لست أدري ما سبب انقلاب المغيرة بن شعبة وعكرمة وكعب الأحبار؟! فإن التيجاني لم يذكر قدح في هؤلاء الثلاثة ولكن على مايبدو انه جعل من حديث الإنقلاب باباً يلقي فيه من لا يعجبه من الصحابة! ولا يذكر سبب إنقلاب هؤلاء الصحابة ليكشف حقيقة تحامله على خير الناس، وأما أبو هريرة فذنبه الوحيد أنه يروي فضائل أبو بكر وعمر، وهذا وحده كافٍ لانقلابه، وأترك للقارئ التعليق على ماسبق ليقرر بنفسه حقيقة الهداية التيجانية!
تعريف التيجاني لمصطلح أهل السنة والجماعة ب(معاوية) والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (... من أطلق مصطلح أهل السنة والجماعة؟! لقد بحثت في التاريخ فلم أجد إلا أنهم اتفقوا على تسمية العام الذي استولى فيه معاوية على الحكم بعام الجماعة وذلك أن الأمة انقسمت بعد مقتل عثمان إلى قسمين شيعة علي وأتباع معاوية ولما استشهد الإمام علي واستولى معاوية على الحكم بعد الصلح الذي أبرمه مع الإمام الحسن وأصبح معاوية هو أمير المؤمنين سُمِّيَ ذلك العام بعام الجماعة، إذاً فالتسمية بأهل السنة والجماعة دالّة على اتباع سنة معاوية والإجتماع عليه وليست تعني اتباع سنة رسول الله)، فأقول:
السنة تعرّف باللغة: بأنها الطريقة والسيرة، وأما الجماعة فتعرّف: بأنها ضد التفرقة، فهذا هو التعريف اللغوي لمصطلح السنة والجماعة، وأما التعريف الاصطلاحي، فالسنة: هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه اعتقاداً واقتصاداً، وقولاً وعملاً(3)، ويعرفها ابن حزم فيقول (وأهل السنة أهل الحق، ومن عداهم فأهل البدعة، فإنهم الصحابة رضي الله عنهم، ومن سلك نهجهم من خيار التابعين رحمة الله عليهم، ثم أصحاب الحديث ومن اتبعهم من الفقهاء جيلاً فجيلاً إلى يومنا هذا، ومن اقتدى بهم من العوام في شرق الأرض وغربها رحمة الله عليهم)،إذن فأهل السنة هم المتبعون لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأما معنى الجماعة الاصطلاحي: هي الجماعة المتابعة للحق والمقصود بها جماعة الصحابة، كما بيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الحقيقة حينما سئل عن الفرقة الناجية فقال (ما أنا عليه وأصحابي)وجاءت صريحة في الرواية الأخرى بقوله صلى الله عليه وآله وسلم (هي الجماعة)، لذلك قال أبو شامة رحمه الله (وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة، فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك بالحق قليلاً والمخالف كثيراً، لأن الحق الذي كانت عليه الجماعة الأولى من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ولا ينظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم)، فالجماعة هو اتباع ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من الحق فمن اتبعها فهو على الحق ولو كان وحده لذلك قال ابن مسعود (... إن الجماعة ما وافق الحق، وإن كنت وحدك)، إذن فالسنة : هي اتباع الكتاب والسنة والجماعة: هي ماأجمع عليه الصحابة (فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة) فهذا هو تعريف أهل السنة لمصطلح أهل السنة والجماعة، فادعاء التيجاني أن السنة المتبعة هي سنة معاوية التي سنّها لسب عليّ يدل على كذبه الفاضح وجهله الناضح!
ادعاء التيجاني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نص على الأئمة الاثني عشرية بعددهم وأسمائهم والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (كيف تقلدون أئمة نصّبتهم الدولة الأموية أو الدولة العباسية لأمور سياسية وتتركون الأئمة الذين نص عليهم رسول الله بعددهم وبأسمائهم. كيف تقلدون من لم يعرف النبي حق معرفته وتتركون باب مدينة العلم ومن كان منه بمنزلة هارون من موسى ثم يشير بالهامش إلى البخاري وينابيع المودة)، فأقول:(2/47)
1 يشير التيجاني بتعيينه العدد إلى ما أخرجه البخاري عن جابر بن سمُرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول (يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش)، والعجيب أن يستدل التيجاني بهذا الحديث الذي هو من أعظم الأدلة ضده!؟ لأنه يقصد بالأئمة الاثني عشرة أولاد عليّ، والمعلوم المتفق عليه أنه لم يصبح أحداً من هؤلاء أميراً، اللهم إلا علي بن أبي طالب، وحتى الحسن تنازل عن الإمارة لمعاوية، وبقية الانثي عشرة توفّوا قبل أن يصبح أحدٌ منهم أميراً! فكيف يجعل التيجاني من هذا الحديث دليلاً له؟ بل هو دليل لأهل السنة فإن الامراء وأولهم الخلفاء الأربعة كانوا من قريش وقد تولى غيرهم الإمارة وهم أيضاً من قريش، مثل معاوية، وعلى أقل تقدير نقول أنه لا بد أن يلي الإمارة إثنا عشر أميراً كما اخبر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكن من الاستحالة أن يقصد بهم الأئمة الذين يتشبث بهم الرافضة، لأنهمجميعاً توفّوا اللهم إلا آخرهم وهو محمد بن الحسن العسكري الذي دخل السرداب وهو ابن الخمس سنوات، وسيخرج في وقت معلوم كما يزعم أهل الرفض ثم لو أردنا أن نحدد العدد بإثني عشرة أميراً فهذا لا يتوافق مع اعتقاد الرافضة الذين يدعون أن أول الأئمة الاثنا عشر هو عليّ، وعلى ذلك سيصبح العدد ثلاثة عشر أميراً!؟ وليس إثني عشر وهذا ما يؤكده إمامهم الطبرسي الذي يروي في كتابه الحجة لدى الامامية (إعلام الورى بأعلام الهدى) (عن أبي جعفر عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثنى عشر آخرهم القائم ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم عليّ)(3)، ويروي عن زرارة قال (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من آل محمد اثنا عشر كلّهم محدّث من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولد عليّ بن أبي طالب عليه السلام فرسول الله وعليّ هما الوالدان)!؟ وعلى ذلك فأوصي الرافضة أن يغيّروا التسمية، فيسمّون أنفسهم الإمامية الثلاث عشرية؟؟!! بدلاً من الاثني عشرية وإلا سيصبح منهجهم بخلاف معتقدهم!؟
2 أما أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نص على الأئمة وعين أسماءهم فكذب ظاهر فلم يثبت ذلك بدليل صحيح، أما عزوه إلى ينابيع المودة فهذا كتاب للرافضة وهو ليس حجة عندنا لأن الرافضة يأتون بأدلة ما أنزل الله بها من سلطان، فيجعلونها أدلة لا تقبل الرد إضافة إلى أنه يلزم من تعيين النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعددهم من طرق أهل السنة أن يعين أسماءهم أيضاً، وكتب أهل السنة منتشرة فاتونا بدليل واحد يعين هذه الأسماء، فإن لم تجدوا فاعلموا أن هذه الدعوى باطلة ثم أقول أنتم أيها الشيعة مختلفون في تعيين أسماء الأئمة فقسم منكم يجعلونها في أولاد الحسين إلى جعفر، ثم ينقسمون ففرقة تجعل الإمامة في موسى بن جعفر وهي الإمامية وفرقة تنقل الإمامة إلى إسماعيل بن جعفر وهي الاسماعيلية، وفرقة أخرى تجعلها في محمد بن الحنيفية وهلم جرا، ويكفي القارئ الرجوع إلى كتاب (فرق الشيعة) للنوبختي ليعلم مدى تخبّطهم في ذلك، فادعاء التيجاني أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد نص على الأئمة بأسمائهم حجة متهافته.
ادعاء التيجاني بأن الصحابة قتلوا علياً والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (فإذا كان اصحاب موسى قد تآمروا على هارون وكادوا يقتلونه، فإن بعض أصحاب محمد قتلوا هارونه وتتبعوا أولاده وشيعته تحت كل حجر ومدر ومحوا أسماءهم من الديوان ومنعوا أن يتسمى أحد بإسمه)!؟
فأقول: هل يوجد كتاب يذكر بأن الصحابة قتلوا علياً؟! سبحان الله كيف يصل الجهل بأصحابه إلى أن يخالفوا الواقع والتاريخ، المعروف عند الشيعة والسنة أن الذين قتلوا علياً هم طائفة الخوارج وعلى يد ابن ملجم، فهل الخوارج أصبحوا جزء من الصحابة في نظر التيجاني؟! أما قوله بأنهم منعوا أن يتسمى أحد باسمه فمن أكثر أقواله طرباً، ولا أستطيع القول تعليقاً على ذلك إلا طلب السلامة من الهداية التيجانية المزعومة!!(2/48)
تحريفه لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيان ذلك: يقول التيجاني (وإذا كان بعض الصحابة الأولين غير ثقات في نقل الأحاديث النبوية الشريفة فيبطلون منها ما لا يتماشى وأهواءهم وخصوصاً إذا كانت هذه الأحاديث من الوصايا التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته فقد اخرج البخاري ومسلم بأن رسول الله أوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب اجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ... ثم يقول الراوي: ونسيت الثالثة، فهل يعقل أن الصحابة الحاضرين الذين سمعوا وصايا الرسول الثلاثة عند موته ينسون الوصية الثالثة وهم الذين كانوا يحفظون القصائد الشعرية الطويلة بعد سماعها مرةً واحدة؟ كلا ولكن السياسة هي التي أجبرتهم على نسيانها وعدم ذكرها، إنها مهزلة أخرى من مهازل هؤلاء الصحابة، ولأن الوصية الأولى لرسول الله كانت بلا شك استخلاف على بن أبي طالب فلم يذكرها الراوي)، فأقول:
1 هذا الحديث هو جزء من الحديث الذي يسميه التيجاني رزية يوم الخميس، ونقْل هذا الجزء هنا وعدم ذكره في البحث المذكور يظهر بوضوح تلاعب هذا التيجاني بالحديث إذ أن هذا الجزء المذكور هنا يبين أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يطرد الصحابة من عنده، والأهم من ذلك أنه أوصى الصحابة بهذه الوصايا بعدما توقف عن كتابة الكتاب الذي لن يضلوا بعده أبداً، وهذا من أوضح الدلائل على أن الكتاب الذي أراد كتابته ليس على سبيل الإلزام، إنما على سبيل الاختيار وهو موافق لرأي عمر.
2 القائل (ونسيت الثالثة) هو سعيد بن جبير، وفي رواية (وسكت عن الثالثة أو قالها فانسيتها)، والساكت هو ابن عباس والناسي هو سعيد بن جبير وهو ليس من الصحابة كما هو معلوم فقوله (فهل يعقل أن الصحابة الحاضرين الذين سمعوا وصايا الرسول الثلاثة عند موته ينسون الوصية الثالثة) لا تدل إلا على جهله لأن الصحابة لم ينسوا الحديث إنما الذي روى الحديث عن الصحابة هو الذي نسيها فكيف يحمِّل الصحابة مسؤولية نسيان أحد الرواة لجزء من الحديث، ثم لو فرضنا أن أحداً من الصحابة نسي جزءاً من الحديث أو حتى حديثاً فهل هذا أمر مستغرب؟ فالصحابي مثل أي إنسان يتذكّر الامر وينساه، وليس هو في عصمة من ذلك، ولكن كما قلت سابقاً، العصمة التي أوقعها التيجاني على عليّ وبنيه، جعلته يظن أنّ كل خطأ أو نسيان أو حتى هفوة تقع من صحابي على أنها جريمة وقدح، فنسأل الله النقمة لعقدة العصمة لدى الرافضة!
ادعاء التيجاني بأن اختلاف الأئمة الأربعة يدل على مخالفتهم للقرآن والسنة والرد عليه في ذلك:
يقول التيجاني (وبما أن المذاهب الأربعة فيها اختلاف كثير فليست من عند الله ولا من عند رسوله لأن الرسول لا يناقض القرآن)، أقول: لا أريد الدفاع عن الأئمة الأربعة رحمهم الله، وإظهار سبب إختلافاتهم الفقهية هنا، ولكني أريد التعليق على قوله أن اختلافات الأئمة يدل على أنها ليست من عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؟؟ فأقول للتيجاني إذا كان الأمر كذلك فسأضطر لنقل كلام شيخ الطائفة الاثني عشرية أبو جعفر الطوسي، والذي يثبت فيه أن الاختلاف في مذهب الاثني عشرية فاق اختلاف الأئمة الأربعة أنفسهم فيقول في كتابه (عدة الأصول) ما نصّه (... وقد ذكرت ما ورد عنهم أي الأئمة عليهم السلام من الأحاديث المختلفة التي تختص بالفقه في كتابي المعروف بالاستبصار، وفي كتابي تهذيب الأحكام ما يزيد على خمسة آلاف حديث، وذكرت في أكثرها اختلاف الطائفة في العمل بها، وذلك أشهر من أن يخفى حتى أنك لو تأملت اختلافهم في الأحكام وجدته يزيد على اختلاف أبي حنيفة والشافعي ومالك)!!؟ فأهنئ التيجاني لهدايته إلى مذهب ليس من عند الله ولا من عند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم حسب فهمه المتفلسف للإختلاف الفقهي.
وأخيراً الرد عليه في مبحث (هدى الحق): يذكر التيجاني في هذا المبحث قصة طويلة ملخصها أن عشيرتان تكتشفان أن أحد أفرادها تزوج امرأة من العشيرة الأخرى قد أرضعتهما مرضعة واحدة؟ فأحدث ذلك الأمر صدمة، وبحث الأهالي عن حلٍّ لهذه المصيبة، فذهبوا إلى الكثير من الفقهاء الذين أفتوهم بحرمة هذا الزواج حتى وقعوا على (العلاّمة) التيجاني، الذي حل هذا الاشكال بفتوى لعليّ بن أبي طالب زعم فيها أن علياً يحرّم الزواج إذا بلغت الرضاعة خمس عشرة رضعة!؟ وبعدها تعرض لمحاكمة القضاة بسبب هذه الفتوى، ثم أظهر لهم الأدلة على صدق دعواه من كتب الشيعة، ومن كتب السنة أيضاً! فحل هذه المعضلة، وخرج منها ظافراً منتصراً، ودون الخوض في صدق هذه القصة أو كذبها، أقول:(2/49)
1 اختلف فقهاء أهل السنة في عدد الرضعات التي تحرّم ذلك فقالت طائفة، التحريم بخمس رضعات وهو قول الشافعي ورواية عن أحمد وفتوى عائشة وعبد الله بن الزبير واسحاق وابن مسعود وعطاء وطاووس، وقسم حرّم قليل الرضاع وكثيره ولم يفرّق بينهما، وهو قول عليّ بن أبي طالب (!) وابن عباس وابن المسيب والحسن ومكحول والزهري وقتادة والحكم وحماد ومالك والأوزاعي والثوري والليث، وقسم يرى التحريم إلا بثلاث رضعات وهو وقل أبو ثور وأبو عبيد وداود ورواية عن وغيرهم، والصحيح إن شاء الله أنه لا يحرم الرضاع إلا فوق خمس رضعات لما ثبت في الصحيح عن عائشة أنها قالت (كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يُحِّرمنَ، ثم نُسخْنَ بخمس معلومات، فتُوُفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهُنَّ فيما يُقرأُ من القرآن)(3).
2 أما ادعاؤه أن الإمام مالك يفتي بما يلائم أهواء السلطة الحاكمة فهذا كذب فلم يأت بدليل واحد على ذلك وأنّى له ذلك، ولو قلد أحد الإمام مالك فلا يعتبر هذا قدح فيه لأنه لم يأمر أحداً بتقليده وثبت عنه أنه قال (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه).
3 أما ادعاؤه أن علياً يحرم الزواج إذا بلغت الرضاعة خمس عشرة رضعة فكذب على عليِّ، لأن الثابت أن علياً يري أن قليل الرضاع مثل كثيره في التحريم، وهذا القول الشاذ لم يقل به احد من أهل العلم إطلاقاً، ولكن الرافضة الاثني عشرية تخبّطوا في هذا تخبّطاً عجيباً، فيروي الطوسي في كتابه (تهذيب الأحكام) وهو أحد الكتب الأربعة التي تمثل أصول وفروع مذهب الاثني عشرية روايات متناقضة فيروي جواز العشر رضعات، فعن عبيد بن زرارة قال (قلت لأبي عبد الله (ع): إنا أهل بيت كثير، فربما كان الفرح والحزن يجتمع فيه الرجال والنساء، فربما استحيت المرأة أن تكشف رأسها عند الرجل الذي بينها وبينه الرضاع، وربما استحيا الرجل أن ينظر إلى ذلك، فما الذي يحرم من الرضاع؟ فقال: ما أنبت اللحم والدم، فقلت: فما الذي يُنبت اللحم والدم؟ فقال: كان يقال: عشرُ رضعات، قلت: فهل يحرم بعشر رضعات؟ فقال: دع ذا، وقال: ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع)، ويروى عن أبي عبد الله (ع) قال (لا يحرم من الرضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم، فأما الرضعة والرضعتان والثلاث حتى بلغ عشراً إذا كنَّ متفرقات فلا بأس)، ثم يروي أن العشر لا تحرم، بل الخمس عشر لا تحرم أيضاً، فعن أبي عبد الله قال (سمعته يقول: عشر رضعات لا تحرم)، ويروى عن عمر بن يزيد قال (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: خمس عشرة رضعة لا تحرم)، ثم يحاول الطوسي التوفيق بين هذه الروايات المتضاربة، فيقول (فهذه الأخبار كلّها وما في معناها، محمولة على أنه إذا كانت الرضعات متفرقات، فأما إذا كانت متوالية فإنها تحرم، وقد تضمن ذلك الخبر الذي قدمناه وهو خبر هارون بن مسلم، عن أبي عبد الله (ع) وهو قوله لمّا ذكر العشر رضعات قال: لا بأس به إذا كنّ متفرقات، فدلّ على أنها كانت متوالية فإنها تحرّم)، فشيخ الطائفة يقرر أن العشر رضعات المتواليات تحرِّم والتيجاني يقرر أن الخمس عشرة رضعة مشبعات ومتواليات تحرِّم فانظر إلى هذا التضارب والتناقض!؟
4 أما قوله أنه فتح البخاري وفيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحرم من الرضعات إلا خمسة فما فوق فكذب لأن البخاري لم يرو مثل هذه الرواية إنما الذي روى مثلها هو مسلم وقد ذكر الحديث في الفقرة السابقة.
5 لقد استشهد التيجاني على صحة زواج الرجل والمرأة في هذه القضية من كتب أهل السنة كمسلم وابن رشد وفتاوي شلتوت، والتي اعتمدها القضاة، فلست أدري ما هي الحجة لشيعته في هذه الحادثة.
6 لا أكاد أصدق أنّ كل هؤلاء العلماء والقضاة لم يعرف واحداً منهم أن الأدلة الصحيحة تظهر أن دون الخمس رضعات لا تحرّم الزواج، وعلى كل حال فإن كان هناك جهل يعتري كل هؤلاء الناس! فالسبب بسيط وهو ابتعادهم عن منهج أهل السنة والجماعة الذي يوجب اتباع الكتاب والسنة، وليس التقليد المذموم، وهو المنهج الذي استدل به التيجاني على صدق دعواه عندما استشهد بسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فأي عيب أو قدح يصيب أهل السنة بعد ذلك؟!
================
القول : (إن الشيعة يأخذون الإسلام أصولاً وفروعاً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وآل بيته الأطهار لا غير)
أقول: إن هذا الادعاء لا يسلّم بوجه من الوجوه للمدعي:(2/50)
أولاً: لأن مفهوم آل البيت عند الإمامية غير مبيّن، فلا توجد قاعدة عندهم تحدد لنا من هم آل البيت، وإنما الأمر مجرد تحكمات وأهواء تقرر من يندرج تحت هذا الاسم ومن لا يندرج. فإن من وجبت طاعته وجب معرفته وتعيينه. وقد استقرأ إحسان إلهي ظهير رحمه الله معاني هذا اللفظ المركب (أهل البيت) في كتابه (الشيعة وآل البيت) من جميع القواميس المعروفة، وبحثها الدكتور محمد عمارة بحثاً لطيفاً في كتابه ردود المعتزلة على الشيعة ومنهما، ومن رسالة (آية التطهير وحديث الكساء) لم يذكر اسم كاتبها أفدنا في هذا البحث، فجزاهم الله عنا خير الجزاء.
فأهل البيت لفظ لا يدل على الأئمة من آل البيت فقط، بل يدخل فيه نساء النبي وأعمامه وعشيرته، وهو على الأزواج أدل، إذ الزوجة أول أفراد أهل البيت والمعنى الأول للفظ ثم يأتي الأولاد والبنات. والأقارب لا يدخلون في كلمة الأهل إلا مجازاً وإلحاقاً. قال تعالى: )فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا( وزوجه كانت معه. وفي رد الملائكة على زوجة إبراهيم بعد أن تعجبت من البشرى: )قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ( والخطاب لها فعلم أنها من أهل البيت. وفي قول امرأة العزيز: )قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا( وكانت تعني نفسها. وعن زوجة لوط قال تعالى: )فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ( فاستنى من الأهل الزوجة لأنها منهم، )إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ(. وقال تعالى: )فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ(. وغيرها كثير بنفس المعنى عن زوجة لوط في القرآن الكريم، فهي داخلة في لفظ الأهل أو الآل إلا أن الاستثناء أخرجها من حكم النجاة. ولو لم تكن الزوجة داخلة في الأهل لم تستثنَ منهم.
وأهل الشيء عموماً أصحابه الملازمون له. قال تعالى: )إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ(. وجاء في كثير من المواضع في القرآن الكريم أهل الكتاب. وأهل الذكر أي أصحابه وحملته. وأهل المدينة وأهل القرى في القرآن أصحابها وساكنوها المقيمون فيها. وأهل البيت أيضاً سكانه، قال تعالى:
( لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا(. واستقراء جميع معاني الأهل في القرآن الكريم بشواهده قد يطول. والإمامية أخرجوا جميع النساء من أزواجه وبناته وبنات بناته من أن يكن من أهل البيت ولم نسمع أن أحداً نسب إليهنّ العصمة فإن كان التطهير معناه العصمة فهن مطهرات بنص الآية في سورة الأحزاب. فإن تمسك أحد بقوله تعالى: (ليذهب عنكم)، و(ويطهركم) وعدم قوله (عنكن) و(يطهركن) أجيب بأن المخاطب بالآية أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهن أزواجه، وصاحب البيت من أهل البيت وهو النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم أبناء بناته من الرجال وغيرهم ممن ألحق بهم، ويجوز في اللغة إطلاق لفظ المذكر على الجماعة من الناس فيهم الذكور والإناث.
ومن العجيب إخراج جميع النساء من عموم لفظ آل البيت وإدخال فاطمة الزهراء رضي الله عنها وحدها. وأعجب منه أنه بعد إدخالها يُقتصر على ابنيها دون بناتها. وأعجب منه الاقتصار على بعض أولاد الحسين دون بعض وترك بناته، وترك أولاد الحسن وبناته. ثم إنهم اختاروا من أبناء عمومة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّاً وتركوا عمّيه الأقرب له حمزة والعباس، وتركوا ابني عمه أخوي علي جعفر وعقيل. فإن قالوا لأن علياً صهره قلنا فلم لم تدخلوا عثمان ذي النورين الذي تزوج ابنتيه ولو كان عنده ثالثة لزوجه إياها، ولم لم تدخلوا أبا العاص بن الربيع زوج زينب. فإن قيل للنص عليه أنه من أهل البيت بحديث الكساء، قلنا فلم لم تدخلوا سلمان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (سلمان منا آل البيت). بعد هذا بقي لكم احتمالات ثلاثة في اختياركم لعلي كرم الله وجهه، وهي كونه ابن عم وصهر معاً، أو صهر ومنصوص عليه، أو ابن عم ومنصوص عليه. فإن كان أحدها فأين الدليل على ذلك من الشرع؟ ولن نطالبكم بدليل من اللغة لأنها لا تحتمل هذه التركيبة أبداً، ولأنه لا مفهوم للنص الشرعي قبل الشرع. ولك أن تتعجب بعد إدخال سيدنا علي في آل البيت كيف اختير الحسن والحسين وأخرج بقية أولاده محمد بن الحنفية، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، والعباس وجعفر وعبد الله وعبيد الله ويحيى، وبالتالي خرج أولادهم وبناتهم.(2/51)
وللمتأمل المنصف أن يقرأ هذه الآيات الكريمة من سورة الأحزاب بينه وبين نفسه، ويراجع كتب التفسير؛ قال تعالى: )يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا* يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا( صدق الله العظيم.
وبعد التأمل في هذه الآيات، يا من تفهمون العربية، أيصحّ أن يكون التطهير وقع على علي وفاطمة وبعض أبنائه دون نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، والخطاب كله لهنّ من السياق المتصل قبل ذكر التطهير وبعده. فليرد علينا أحد. واعلم أن هناك من تمسك بحديث الكساء لتحديد هوية آل البيت، وهو ما رواه الترمذي عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم )إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا( في بيت أم سلمة فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً فجللهم بكساء، وعلي خلف ظهره فجلله بكساء، ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. قالت أم سلمة وأنا معهم يا نبي الله. قال أنت على مكانك وأنت على خير). اهـ.
وأجيبَ عنه بأن الحديث أدخل مجموعة من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم ممن لا يسكنون معه في حكم هذه الآية، وليس فيها قصر المعنى عليهم، بل ندعي أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا الله أن يشملهم بالتطهير. ولا يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم : (هؤلاء أهل بيتي) أن غيرهم ليس كذلك. ومن ذلك قول الله عز وجل: )فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ( فليس المفهوم من الآية أن الشيطان عدو لآدم وزوجه دون غيرهما من الناس. فلا بد من مخصص آخر غير لفظ هؤلاء الذي وإن دل على معيّنين وعرّفهم لم يمنع غيرهم من الاشتراك معهم فيما حكم لهم. ولئن سلم أن ضمير الإشارة يكفي في إخراج غيرهم فلم أدخلتم بعد ذلك غيرهم من أبنائهم. فإن قيل لأنهم من نسلهم، قلنا فلم تخيرتم من نسلهم الذكور دون الإناث، ثم لم أخرجتم بعض الذكور من ذرية علي، فإن قيل لأنهم من غير فاطمة، قلنا فالحسن من أبنائها فلم أخرجتم الذكور من ذريته؟ رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
ومما مضى تبين بأن طريقتكم في اختيار أهل البيت الواجب اتباعهم متناقضة، ولا تستقيم على قاعدة، ولا يمكن تسليمها إلا بنص شرعي يعين كل واحد ممن اختارته الإمامية على أنه من آل البيت؛ وهذا يستحيل عليهم أن يأتوا به إلا بادعاء نصوص محرفة تنص عليهم بالاسم. وقد فعلوا بادعائهم تحريف أهل السنة للقرآن وإسقاطهم أسماء الأئمة منه، كما سيأتي في فصل ادعاء تحريف القرآن. فتأمل. ولما كان شرط اتباع من وجبت طاعته تعيينه، ولا دليل على تعيينه سقط ادعاؤكم بوجوب اتباع آل البيت. ولئن سلم وجوب اتباعهم، ولا يسلم، أشكل عليكم تعيينهم للناس كي يتبعوهم إلا بطرائق ما أنزل الله بها من سلطان.
ثانيا: أنكم تخالفون في بعض أصولكم القرآن والسنة وآل البيت، وتخالفون في كثير من فروعكم القران والسنة وآل البيت، وأمثلة ذلك كثيرة جداً في معظم كتب الردود على الشيعة، سيأتي ذكر بعضها في فصل تحريف القرآن، وفي إجابة الشبه الأخرى، فلا داعي لإعادتها هنا.
وسنكتفي من ذلك هنا بذكر مسألتين الأصل أنهما فرعيتان: الأولى زواج المتعة، والثانية جواز إتيان النساء في الدبر كمثالين على مخالفتكم في الفروع الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وافتراءكم على آل البيت وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
المسألة الأولى: زواج المتعة(2/52)
أورد الإمام الرازي رضي الله عنه في تفسيره من ثلاثة احتمالات حينما ذكر عمر رضي الله عنه تحريم المتعة في مجمع من الصحابة وما أنكر عليه أحد، فالحال ههنا لا يخلو إما أن يقال:
أ- إنهم كانوا عالمين بحرمة المتعة فسكتوا.
ب- أو كانوا عالمين بأنها مباحة ولكنهم سكتوا على سبيل المداهنة.
ج- أو ما عرفوا إباحتها أو حرمتها فسكتوا لكونهم متوقفين في ذلك.
والأول: هو المطلوب، والثاني: يوجب تكفير عمر وتكفير الصحابة، لأن من علم أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بإباحة المتعة ثم قال إنها محرمة محظورة من غير نسخ لها فهو كافر بالله، ومن صدقه عليه مع علمه بكونه مخطئاً كافراً كان كافراً أيضاً، وهذا يقتضي تكفير الأمة وهو على ضد قوله تعالى: ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).
والثالث: وهو أنهم ما كانوا عالمين بكون المتعة مباحة أو محظورة فلهذا سكتوا فهذا أيضاً باطل لأن المتعة بتقدير كونها مباحة تكون كالنكاح واحتياج الناس إلى معرفة الحال في كل واحد منهما عام في حق الكل، ومثل هذا يمتنع إن يبقى مخفياً بل يجب أن يشتهر العلم به، فكما أن الكل كانوا عارفين بأن النكاح مباح، وأن إباحته غير منسوخة، وجب أن يكون الحال في المتعة كذلك، ولما بطل هذان القسمان ثبت أن الصحابة إنما سكتوا عن الإنكار على عمر رضي الله عنه لأنهم كانوا عالمين بأن المتعة صارت منسوخة في الإسلام. اهـ.[1]
وأوردنا هذا الكلام للإمام الرازي رضي الله عنه ، لنبين قوة دليل أهل السنة في تحريم المتعة، وما هي لوازم مخالفة وإنكار إجماع الصحابة على حرمتها في عهد سيدنا عمر رضي الله عنه.
ثم نقول: قد اتفق السنة والشيعة على رواية تحريم المتعة من طريق سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وإليك ما جاء من طرق الشيعة: عن محمد بن يحي عن أبي جعفر عن أبي الجوزاء بن علوان عن عمرو بن خالد بن زيد بن علي عن علي عليه السلام قال: (حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة).[2]
وفي رواية عن أئمة اهل البيت: عن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله في المتعة قال: (ما يفعله عندنا إلا الفواجر).[3]
وعن عبد الله بن سنان قال: (سألت أبا عبد الله عن المتعة فقال:(لا تدنس نفسك بها).[4]
ولم ينقل أن أحداً تمتع بامرأة من أهل البيت رضي الله عنهم، فلو كانت المتعة طاعة يتقرب بها إلى الله لفعلن ذلك، ويؤيد ذلك أن عبد الله بن عمير قال لأبي جعفر عليه السلام: (يسرك أن نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن؟ فأعرض عنه أبو جعفر عليه السلام حين ذكر نساءه وبنات عمه).[5]
فها أنتم هؤلاء خالفتم الكتاب والسنة وأقوال أهل البيت عليهم السلام وإجماع المسلمين على حرمة نكاح المتعة واتبعتم أهواءكم، وفرعتم على ذلك حلّ كثير من الأفعال المشينة، فمن أين جئتم بذلك إن لم تأخذوه لا من الكناب ولا من السنة ولا من قول إمام معصوم من آل البيت؟
المسألة الثانية: إتيان النساء في الدبر
تنبيه: الموضوع نقلناه بالتصرف من كتاب (بطلان عقائد الشيعة لمحمد عبد الستار التونسوي، رئيس منظمة أهل السنة في باكستان. جزاه الله خيراً).
ذكر أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في الاستبصار: عن عبدالله بن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها؟ قال: لا بأس إذا رضيت، قلت: فأين قوله تعالى: ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ؟ ) فقال: هذا في طلب الولد، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله، إن الله تعالى يقول: نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ . اهـ [6]
ونقل في الاستبصار أيضاً (عن موسى بن عبد الملك عن رجل قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن إتيان الرجل المرأة من خلفها في دبرها فقال أحلتها آية من كتاب الله تعالى قول لوط عليه السلام: هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فقد علم أنهم لا يريدون الفرج). اهـ [7]
وفي الاستبصار أيضاً (عن علي بن الحكم قال: سمعت صفوان يقول: قلت للرضا عليه السلام: إن رجلاً من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فهابك واستحيا منك أن يسألك، قال: ما هي؟ قال: للرجل أن يأتي امرأته في دبرها؟ قال: نعم ذلك له)اهـ [8]
وفي الاستبصار أيضاً (عن يونس بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أو لأبي الحسن عليه السلام أني ربما أتيت الجارية من خلفها يعني دبرها وهي تفزرت فجعلت على نفسي إن عدت إلى امرأة هكذا فعلي صدقة درهم وقد ثقل ذلك علي، قال: ليس عليك شيء وذلك لك) اهـ [9]
وفي الاستبصار أيضاً: (عن حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام أو أخبرني من سأله عن الرجل يأتي المرأة في ذلك الموضع، وفي البيت جماعة، فقال لي ورفع صوته: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كلف مملوكه ما لا يطيق فليبعه، ثم نظر في وجوه أهل البيت ثم أصغى إلى فقال: لا بأس به) اهـ[10](2/53)
وكتب صاحب الاستبصار في تعليقه على خبرين ورد فيهما المنع من إتيان النساء في الدبر فقال: (فالوجه في هذين الخبرين ضرب من الكراهية لأن الأفضل تجنب ذلك وإن لم يكن محظوراً... ويحتمل أيضاً أن يكون الخبران وردا مورد التقية لأن أحداً من العامة لا يجيز ذلك).اهـ [11]
واعلم أنه ثبتت حرمة هذا الفعل في القرآن والسنة. قال الله عز وجل: نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ، فإن الله عز وجل أذن بإتيان مقام الحرث وهو الفرج ولم يأذن لمقام الفرث وهو الدبر. قال ابن منظور في مادة حرث في لسان العرب: "والمرأَة ُحَرْثُ الرجل أَي يكون وَلَدُه منهاِ كأَنه يَحْرُثُ لِيَزْرَعَ. وفي التنزيل العزيز: نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ . قال الزجاج: زعم أبو عبيدة أنه كناية; قال: والقول عندي فيه أَن معنى حَرْثٌ لكم: فيهنَّ تَحْرُثُون الوَلَد واللِّذة فأْتُوا حَرْثَكم أَنَّى شِئْتُم أَي ائْتُوا مواضعَ حَرْثِكمِ كيف شِئْتُمِ مُقْبِلَة ً ومُدْبِرة". اهـ
وقال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ . وفي هذه الآية منعنا الله عز وجل من إتيان النساء في الفرج عند الحيض مع أنه لم يدم إلا بضعة أيام، فكيف يكون إتيان الدبر جائز مع دوام وجود النجاسة فيه. وأيضاً يبين في الآية أن الممنوع من الإتيان هو الفرج فقط وليس الدبر لأن الحيضة متعلقة بالفرج فقط أما الدبر فحكم إتيانه هو كما كان قبل الحيضة، فلو كان جائزاً إتيانه قبل الحيضة فلا مانع منه الآن أيضاً. وإنه لو كان الأمر كذلك لكانت الآية حينئذٍ (فاعتزلوا الفروج في المحيض) وليس (فاعتزلوا النساء) كما هو الحال.
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أتى كاهناً فصدقه بما يقول أو أتى امرأته حائضاً أو أتى امرأته في دبرها فقد بريء مما أنزل على محمد"[12]
وقال صلى الله عليه وسلم : "ملعون من أتى امرأة في دبرها"[13]
واعلم أنا لم نكن لنذكر هذه المسألة هنا، إلا لأن خليفات ألمح في كتابه إلى أن بعض أهل السنة يجيزون ذلك؛ حين نقل عن كتاب جامع بيان العلم أن قوماً من أهل السنة تحامل على سيدنا الإمام مالك ابن أنس لفتياه بإتيان النساء في الأعجاز.
فنقول:
إن هذا كذب على الإمام مالك. وإننا نتحدى أي شيعي أن يأتينا بنص لأحد من أئمة أهل السنة في الفقه يجيز فيه ذلك. ولكن هذه طريقة الشيعة في كل أمر شنيع عندهم، أنهم يلصقون التهمة بالآخرين ليقولوا لسنا وحدنا القائلون بذلك. إنما المسألة خلافية، وبعض أهل السنة يقولون برأينا، فاعلم أن هذه المسألة ليست كذلك عند أهل السنة. وتنبه لطريقتهم.
-----------------------------------------
1- التفسير الكبير 10/41-42.
1- وسائل الشيعة 12/12 الاستبصار 3/142 عوالى اللآلي 2/125. وفي سند آخر من طريق الزهري عن ابني محمد عن أبيه. رواه: الطوسي في التهذيب 2/18 الاستبصار 3/142.
2- وسائل الشيعة 14/465، بحار الأنوار 100/318، السرائر 483
3- بحار الأنوار 110/318.
4- الكافي 2/42، و التهذيب 2/186.
1- الاستبصار، ج3، ص243.
1- الاستبصار،ج3، ص243.
2- الاستبصار، ج3، ص243.
3- الاستبصار، ج3، ص444، باب النساء فيما دون الفرج.
4- الاستبصار،ج3،ص243-244.
1- الاستبصار، ج 3، ص243-244.
1- مسند أبي داود، كتاب الكهانة والتطير،ص545.
2- مسند أبي داود، باب في جامع النكاح، ص294.
==============
استدلال الشيعة بفرية الرحالة ابن بطوطة على شيخ الإسلام ابن تيمية
هكذا سكت العلماء عن العقائد المنحرفة بقوة السلطان فوجد ابن تيمية مجاله ليتحدث كيف يشاء وقد نقل لنا شاهد عيان اعتقاد ابن تيمية في الله وهو ذلك الرحالة الشهير ابن بطوطة فصادف أن حضر يوما درس ابن تيمية في المسجد الأموي , قال : وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرت يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم فكان من جملة كلامه أن قال : إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا ونزل درجة من المنبر .
فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر عليه ماتكلم به , فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضربا كثيرا حتى سقطت عمامته وظهر على رأسه شاشية حرير , فأنكروا عليه لباسها واحتملوه إلى دار عز الدين بن مسلم قاضي الحنابلة فأمر بسجنه وعزره بعد ذلك .
- رحلة ابن بطوطة ص95
ورحلة ابن بطوطة إنشاء أدبي لا تعدل في الميزان العلمي جناح بعوضة.لكن المفلس يتعلق بأي شيء، وهو يتوقع أن الناس عقولهم كعقله.
فإليك الرد:(2/54)
أ- أن ابن بطوطة لم يسمع من ابن تيمية ولم يره يخطب إذ كان وصوله إلى دمشق يوم الخميس التاسع عشر من شهر رمضان المبارك عام ستة وعشرين وسبعمائة (726) هـ وكان سجن شيخ الإسلام في قلعة دمشق أوائل شهر شعبان من ذلك العام ولبث فيه إلى أن توفاه الله تعالى ليلة الإثنين لعشرين من ذي القعدة عام ثمانية وعشرين وسبعمائة هجرية فكيف رآه ابن بطوطة يعظ على منبر الجامع وهو إذ ذاك في السجن.
2- لم يكن شيخ الإسلام ابن تيمية يعظ الناس على منبر الجامع وإنما كان يجلس على كرسى، قال الحافظ الذهبى عنه: وقد اشتهر أمره وبعد صيته في العالم وأخذ في تفسير الكتاب العزيز أيام الجمع على كرسى من حفظه.
3- أن هذا الذي ذكره ابن بطوطة يخالف ما ذكره الشيخ في جميع كتبه من أنه يجب إثبات أعاء اللة وصفاته إثباتا بلا تشبيه وتنزيهها
عن مشابهة صفات الخلوقين تنزيها بلا تعطيل، وهذا الذي ذكره ابن بطوطة تشبيه ينهى عنه شيخ الإسلام ويحذر منه غاية التحذير.
4- لشيخ الإسلام ابن تيمية في موضوع النزول كتاب مستقل اسمه شرح حديث النزول وهو مطبوع ومتداول وليس فيه ما ذكره ابن بطوطة، بل فيه ما يرد عليه ويبطله من أصله والحمد لله رب.أريتم كيف يكون الكذب والتغافل عن الحق..؟؟ تترك كتب الشيخ ويتمسك برواية متهالكة لا يدرى ما أصلها..
هذا هو التحقيق العلمي الذي أفحمتم به أهل السنة ...!!!!؟؟؟؟
===============
بطلان استشهاد الرافضة ببيت شعر الشافعي رحمة الله عليه
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد …
من خلال تجولي في الساحات الدينية لاحظت الكثير من الرافضة يستشهدون ببيت شعر الإمام الشافعي رحمة الله عليه الذي يقول فيه :
إن كان رفضاً حبُّ آلِ محمدٍ ... فليشهدِ الثقلانِ أَني رافضي
منهم من يستشهد ويحتج به .
ومنهم من يضعه في توقيعه .
وآخر يقول يكفيني قول الشافعي ....ألخ .
زعماً منهم بأن الإمام الشافعي يؤيدهم وينتسب إليهم وإلى عقيدتهم الفاسدة المنحرفة .
وهذا هو عين الكذب والافتراء ولكن هذا ليس بجديد على الرافضة ، بل من صلب عقيدتهم .
وهذه الدعوة باطلة بل ، هي حجةٌ عليهم لا لهم ، وإليك البيان :
يقول الله عز وجل في سورة الزخرف آية ( 81 ) (( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين )) فليس للرحمن ولد سبحانه ، وإنما ذلك استبعاداً لقول المشركين ومزاعمهم تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ، قد عبر الله عز وجل في الآية بـ ( إن ) وكذا قال الشافعي رحمه الله ( إن كان رفضاً حب آل محمد ) استبعاداً منه أن يكون حب آل محمد صلى الله عليه وسلم رفضاً .
وهكذا نقول اليوم رداً على العلمانيين وأذنابهم : إن كان التمسك بالإسلام والسير على منهاجه وهديه تخلفاً ورجعية فأشهدوا بأننا رجعيون ومتخلفون . ( فهذا من هذا ) .
أما حقيقة رأي الإمام الشافعي رحمه الله في الروافض : ( فإنه لم يرى أحداً أشهد بالزور من الرافضة ) سير أعلا م النبلاء ( ج10 ص89 )
وقال في بيت من أبيات شعره :
قالوا ترفضت ؟ قلت : كلا ... ما الرفض ديني ولا اعتقادي
والآن من الأولى بالرافضة أن يستحوا على وجوههم وأن لا يستشهدوا بما هو ضدهم . ولكن ماذا تقول ؟! العقل حجة .
يقول شيخ الإسلام رداً عليهم:
إن كان نصباً حب صحب محمدٍ * * * فاليشهد الثقلان أني ناصبي
==============
تفسير ابن كثير واحد من عشرات الكتب التي حرفها النواصب
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير ابن كثير واحد من عشرات الكتب التي حرفهاالنواصب !!
أعجبني نقاش العلماء والفضلاء الباحثين مع الاخ الهندي المدعو راشد الاماراتي ، الذي حاول أن يبعد آية ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ...) عن أمير المؤمنين علي عليه السلام ، حسدا لما خصه الله ورسوله به ..
وكان مما ذكروه في نقاشهم كلام ابن كثير في تفسيره ، وتصحيحه للحديث الذي يؤيد أنها نزلت في علي عليه السلام ، وقوا ابن كثير عن سنده ( لا يقدح به )
فحرف النواصب قوله جعلوه ( لا يفرح به ) وبقيت النسخ الاخرى شاهدة على تحريفهم !!
بل يشهد عليه أن عبارة ( لا يفرح به ) لم يستعملها أحد من المحدثين أبدا ، وإنما هي من ابتكارات النواصب في تحريفاتهم !!
وقد رأيت من المناسب أن أفتح موضوعا لنقدم فيه نماذج من تحريفاتهم لتفسير ابن كثير !!
وأبدأ بنموذج في تفسير آية المودة في القربى ، حيث نقل القسطلاني في إرشاد الساري في شرح البخاري قطعة عن ابن كثير ، وعندما قايستها بما هو مطبوع في تفسيره ، وجدت فيها عدة تحريفات منكرة !!
ـ قال القسطلاني في إرشاد الساري ج 7 ص 330 :
باب قوله تعالى : إلا المودة في القربى ، أي أن تودوني لقرابتي منكم ، أو تودوا أهل قرابتي ....
ثم ذكر القسطلاني قول ابن عباس ، وقال :
فحمل الاية على أن توادوا النبى صلى الله عليه وسلم من أجل القرابة التي بينه وبينكم ، فهو خاص بقريش . ويؤيده أن السورة مكية ...(2/55)
وأما حديث ابن عباس أيضا عند ابن أبي حاتم ... فقال ابن كثير : إسناده ضعيف فيه متهم ...
ولا ننكر الوصاة بأهل البيت واحترامهم وإكرامهم ، إذ هم من الذرية الطاهرة التي هي أشرف بيت وجد على وجه الارض فخرا وحسبا ونسبا ، ولا سيما إذا كانوا متبعين السنة الصحيحة ، كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه ، وعلي وآل بيته وذريته ، رضي الله عنهم أجمعين ، ونفعنا بحبهم . انتهى .
فانظروا الى تفسير ابن كثير المطبوع لتروا أن النواصب خانوا الامانة العلمية وحرفوا عباراته بضعة تحريفات ، وحذفوا منه عبارات المدح لاهل البيت عليهم السلام ، وهذا أمر مطرد في جميع مجلداته .
ويمكن للباحث أن يقايس بين مانقله عنه شراح البخاري وغيره ، وبين ماهو مطبوع ، ليضع يده على فضيحة ضخمة ارتكبها أتباع ابن تيمية !!
العاملي
الرد على الملباري السيرلنكي المدعو العاملي
أما قولك تفسير ابن كثير واحد من عشرات الكتب التي حرفها النواصب !!
فأقول لك الظاهر أنك نسيت أن ابن كثير هو تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية وأنتم تقولون إن ابن تيمية هو شيخ النواصب فقلى بالله عليك وكيف نحرف كتابا هو من كتبنا أصلا ومن كتب تلامذة ابن تيمية؟!؟!؟! ثم إنه يبد لي أنك من شدة تعصبك إحترقت فلم تستطع بعدها على ملكة التفكير و الدليل أنك لم تجب على سؤالي هناك رغم أن النقاش كان أولى أن يكون هناك لا في صفحة جديدة ولكني أعذرك لانك ملباري سريع التهرب. سؤالي الذي لن تجيب عليه كالتالي:
مقدمه:
قال ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (عن ابي صالح عن ابن عباس قال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى المسجد والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم وقاعد واذا مسكين يسأل فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أعطاك أحد شيئا؟ قال نعم .قال من؟قال ذلك الرجل القائم .قال على أي حال أعطاكه؟قال وهو راكع .قال وذلك علي بن ابي طالب .قال فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك وهو يقول (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) (ثم بعد هذا الحديث قال حاكما على الحديث) من نسختكم ((((وهذا اسناد لا يقدح به)))) أي حديث صحيح أما في النسخة المحققة فقال ((((وهذا اسناد لا يفرح به)))) أي حديث ضعيف
فمقدمة السؤال هو أليس قال ابن كثيرفي نسختي ونسختكم مباشرة بسطور بعد الحكم على الحديث هذا الكلام الآتي:
(( وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أن هذه الآيات كلها(( نزلت في عبادة بن الصامت)) - رضي الله عنه - حين تبرأ من حلف اليهود ورضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين ولهذا قال تعالى بعد هذا كله" ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون"))
و هذا يدل دلالة لا يشك فيها أن ابن كثير ينفي أن تكون الآية نزلت في علي رضي الله عنه لأنه يقول بالحرف الواحد أنها نزلت في عبادة بن الصامت. و نحن هنا أمامنا طبعة تجارية تناقض كلام ابن كثير وأخرى محققة توافق كلامه مئة بالمئة ل(((انه من المستحيل))) ان يصحح ابن كثير حديث أنها نزلت في على وبعدها بسطور يقول ولكني أرفض الحديث الصحيح لأني أريد أن أتبع هواى وأقول أنها نزلت في عبادة.
سؤالي هو أليس التناقض مرفوض؟!؟! فإن قلت نعم ولا بد فسأقول لك وكذلك نحن نرفض نسختك لأن فيها تناقض في المنعى أولا ولأنها نتاقض الكثير من النسخ الأخري التي ليس فيها هذا الكلام وعندما أقول لك بقية النسخ فأنا أقصد (( المخطوطات الأصلية)) و ليس النسخ التجارية التي تعتمد على مخطوطة واحدة أو إثنتان أما النسخة التي عندي فقد قوبلت على 16 مخطوطة ونسخة.
==============
دفاع عن صحيح البخاري
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام على اتبع الهدى وبعد :
- "دفاع عن صحيح البخاري" الدكتور القرضاوي نشرت مجلة "العربي" في عددها 87 بتاريخ 11 شوال 1385هـ شباط 1966م كلمة السيد عبد الوارث كبير في باب "أنت تسأل ونحن نجيب" ردا على باحث عراقي مسلم لقب نفسه "جابر عثرات الكرام" دافع عن الصحابة وعن البخاري. وإن لم ينشر المحرر كلمته كلها. وجاء في هذا الرد قوله:
".. فأنا لم أتهم أبا هريرة أو البخاري أو غيرهما من الصحابة أو أصحاب "الصحاح" باختراع الأحاديث أو صنعها.. ولست أقول عن حديث ما إنه ضعيف أو مصنوع لمجرد أنه لا يتفق مع العقل والمنطق فحسب، بل لأن ذلك رأى كثير من الأئمة والفقهاء القدماء والمحدثين على السواء، أمثال الإمام ابن تيمية والقسطلاني والذهبي والبيهقي والطبراني والدارقطني والهيثمي والسيوطي والعسقلاني… وغيرهم..!!(2/56)
والكلام عن الأحاديث الموضوعة مما لا تتسع له صفحات هذا الباب… لكنني مع ذلك أقبل تحديك يا جابر عثرات الكرام، وأسألك كيف يعقل أن يقول الرسول صلوات الله عليه (اختلاف أمتي رحمة) أو (اختلاف أصحابي رحمة) في بعض الروايات، بينما الله تعالى يقول في محكم كتابه (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) ويقول جل شأنه: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) ويقول: (وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد).
وليت شعري إذا كان جزاء "من أطعم أخاه خبزا حتى يشبعه، وسقاه ماء حتى يرويه، أبعده الله عن النار سبع خنادق، ما بين كل خندقين منها مسيرة خمسمائة عام" فما ترى يكون جزاء من يطعم كل يوم عشرة مساكين حتى يشبعوا ويسقيهم حتى يرتووا؟؟
وكيف يعقل أن يقول الرسول (إن الدنيا حرام على أهل الآخرة، وإن الآخرة حرام على أهل الدنيا) والله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا) ويقول جل شأنه (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)!؟
وكيف يقول (الطاعون وخز إخوانكم الجن) وفي رواية أخرى (أعدائكم الجن)؟! وكيف يقول: (حسنات الأبرار سيئات المقربين)؟ وكيف يقول: (اتخذوا الحمام المقاصيص، فإنها تلهي الجن عن صبيانكم)؟!! وكيف يقول: (عليكم بالقرع، فإنه يزيد في الدماغ… وعليكم بالعدس فإنه قدس على لسان سبعين نبيا)؟!! أو يقول: (زينوا موائدكم بالبقل، فإنه مطردة للشيطان)؟!!
ليس هذا فقط يا جابر عثرات الكرام! فإن في صحيح البخاري وغيره من كتب الحديث ما هو أدهى من ذلك وأمر، في مخالفة ما أمر الله به عباده، وأنزله في محكم كتابه.
قال تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى، فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) وهذا أمر صريح في ألا يقرب الرجل زوجته وهي في الحيض… ولكن البخاري وأصحابه -سامحهم الله وغفر لهم، ينسبون إلى السيدة عائشة في "كتاب الحيض" أنها قالت: (كان النبي يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض)! ونسبوا مثل ذلك إلى "ميمونة" إحدى زوجات الرسول.
فما الذي يفهمه الناس من هذه الأحاديث، إلا أن الرسول كان يباشر زوجته في فترات حيضهن، خلافا لما أمره الله به!!
فهل يرضيك ذلك أو يرضي أحدا من المسلمين؟! وهل يعقل أن يصدر هذا الفعل المنكر عن نبي، بل عن سيد الأنبياء؟!
ثم اسمع أيضا… يقول الله تعالى في سورتي النساء والمائدة، في حكم الطهارة من الجنابة، (.. أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) إلى آخر الآية… ويقول البخاري: إن رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء، فقال له عمر: "لا تصل"!!
أما ثالثة الأثافي فهي عن زيد بن أنس، بسند صحيح على شرط "الشيخين" وصححه ابن حزم في "الإحكام" وأخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" قال: أمطرت السماء بردا في رمضان فقال أبو طلحة: "ناولني من هذا البرد" فجعل يأكل منه وهو صائم! فقلت: "أتأكل البرد وأنت صائم"؟ فقال: "إنما هو برد نزل من السماء نطهر به بطوننا، وإنه ليس بطعام ولا بشراب.. إنما هو بركة! فأتيت رسول الله فأخبرته بذلك فقال: "خذها من عمك"!!
ولو صح هذا -يا جابر عثرات الكرام- لكان أكل البرد في رمضان لا يفطر، وهذا ما لا يقول به مسلم على الإطلاق، حتى ولو ورد ألف مرة في "البخاري" و"مسلم" وكل كتاب الصحاح..!
من أجل ذلك وأمثاله نطالب بتنقية كتب التفسير والحديث من تلك الخزعبلات والمفتريات يا جابر عثرات الكرام..
أفلا تزال بعد ذلك كله مصرا على التحدي؟! إني على أي حال مستعد لالتقاط القفاز. اهـ.
نرجو بيان رأيكم في هذا الكلام من الناحية الشرعية والعلمية، وخصوصا فيما يتعلق بصحيح البخاري، والتشكيك فيه، لما له من منزلة في نفس كل مسلم.
ج: لقد فوجئت وفوجئ كل مسلم، بل كل منصف، بما نشرته مجلة "العربي" في عددها الأخير (شباط 66) عن الحديث النبوي في باب "أنت تسأل ونحن نجيب" الذي يشرف عليه السيد عبد الوارث كبير، ودهش القراء لهذه الحملة المنكرة بالعناوين البارزة وبالبنط العريض، على أعظم كتاب في الإسلام بعد القرآن "الجامع الصحيح للبخاري" الذي تلقته الأمة -منذ اثني عشر قرنا بالقبول والرضا جيلا بعد جيل، الخاصة منها والعامة حتى إن الناس إذا أرادوا أن يهونوا من خطأ وقع فيه إنسان قالوا: "إنه لم يخطئ في البخاري" ولكن المجلة -ويا للهول- نشرت عنوانا ضخما تقول فيه… "صحيح البخاري ليس كله صحيحا- وليست هذه الأحاديث مفتراة بل منكرة".
لقد قف شعر رأسي، واقشعر جلدي، حين وقعت عيني على هذه العناوين المثيرة التي تحدت بها المجلة مشاعر المسلمين، وصدمت أفكارهم بما يشبه القذائف المدمرة وما لقيت أحدا قرأ هذا الشيء أو سمع به إلا أنكره واستبشعه، وحوقل واسترجع، وعجب الناس وعجبت معهم كيف يصدر هذا المنكر من مجلة عربية في بلد عربي مسلم، تطبع بمال المسلمين، ويحررها مسلمون أيضا، كما يفهم ذلك من أسمائهم!!(2/57)
والعجب أن كاتب ذلك العنوان المثير سلك للتدليل عليه منهجا غير مستقيم، منهجا لا يرضى عنه العلم، ولا يرضى عنه الخلق، ولا يرضى عنه الدين.
فقد مهد للحملة على صحيح البخاري بذكر جملة من الأحاديث الموضوعة أو التي لا أصل لها بالإجماع، مع عدم الحاجة إلى ذكر هذه الأحاديث، فقد وئدت في مهدها بفضل جهود أئمة الحديث الذين أفنوا أعمارهم في سبيل خدمة السنة النبوية، وتنقيتها من زيف المزيفين، وانتحال المبطلين، وقد قيل للإمام عبد الله بن المبارك: هذه الأحاديث الموضوعة! فقال: "تعيش لها الجهابذة" وصدق عبد الله فقد عاشوا لها، وماتت هي ولله الحمد، وحفظ الله دينه، وصدق وعده: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)الحجر:9.
ولا ريب أن حفظ الذكر "القرآن" إنما يتم بحفظ ما يبينه ويشرحه، وهي السنة التي خاطب الله صاحبها بقوله: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)النحل:44.
أجل. لم يكن من الجد أن يحشر الأستاذ مجموعة من الأباطيل المكشوفة مثل .."عليكم بالعدس فإنه قدس على لسان سبعين نبيا" ونحوه، فإن أصل الموضوع الذي جرت فيه المناقشة هو تنقية كتب التفسير والحديث مما فيها من شوائب وإسرائيليات فما لهذه الكتب ومثل "اتخذوا الحمام المقاصيص.." ..الخ؟؟
إن إيراد ذلك في مثل هذا المقام يوهم القراء أن كتب الحديث روت هذه الأباطيل أو اعتمدتها، أو سكت علماء الحديث عن بيان درجتها، وهو إيهام غير صحيح قطعا. وهو يدل على أن الغرض من وراء هذه الحملة إنما هو التشويش والتشكيك في الإسلام ومصادره وأئمته بالجد والهزل والهدم بكل معول تناله اليد.
وأغرب من ذلك أن الكاتب ذكر هذه الأحاديث الباطلة المفضوحة بلا شك، ثم قال بالحرف الواحد -ويا لهول ما قال- "ليس هذا فقط، فإن في صحيح البخاري وغيره من كتب الحديث ما هو أدهى من ذلك وأمر، في مخالفة أمر ما أمر الله به عباده وأنزله في محكم كتابه".
يا لله! أصحيح البخاري وكتب الحديث فيها أدهى وأمر من الأحاديث المكذوبة المفتراة التي ذكرها الكاتب!! أما والله لو صح ذلك لكان الأستاذ أعظم المكتشفين في العصر الحديث، فقد أزاح الستار عن حقائق غابت عن الأمة الإسلامية كلها اثنى عشر قرنا، حتى أتى هو آخر الزمان بما لم تستطعه الأوائل!!
ترى ما هذه الأحاديث التي رواها البخاري وهي عند الكاتب أدهى وأمر مما ذكر من الأكاذيب والأباطيل؟
لقد تمخض الجمل ولم يلد شيئا، لم يلد فأرا ولا ضفدعة. وذكر الكاتب حديثين رواهما البخاري (كما يقول) زعمهما مخالفين لكتاب الله. فلنقف قليلا لكي نناقش الكاتب في زعمه الخطير:
الحديث الأول: رواه البخاري في كتاب الحيض عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض) وقال الكاتب: ونسبوا مثل ذلك إلى "ميمونة" إحدى زوجات الرسول…
يرى الكاتب ذلك مخالفا للآية الكريمة (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن).
وكان على (علامة دهره وفريد عصره) أن يجلو لنا وجه المخالفة والتعارض بين الآية والحديث، وذلك لا يكون إلا ببيان المراد من الاعتزال المأمور به في الآية، والمباشرة المروية في الحديث، ليبين للقارئ أهما متعارضان حقا أم لا؟
فالذي يبدو أنه إما فسر المباشرة بأنها الجماع، فقد تطلق على ذلك كما في قوله تعالى: (فالآن باشروهن)البقرة:187. وإما أنه فسر اعتزال المرأة في الحيض بأنه اعتزال فراشها وتحريم جميع بدنها على الزوج!!
وكلا التفسيرين خطأ.
أما تفسير المباشرة بالجماع، فيرده لفظ الحديث نفسه، إذ تقول عائشة (يأمرني فأتزر فيباشرني) والاتزار: شد الإزار على الوسط وأمرها بذلك يبين المراد من المباشرة.
يؤيد ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن عائشة نفسها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع معي وأنا حائض، وبيني وبينه ثوب) ومثله عن ميمونة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه فوق الإزار وهن حيض).
ولو تواضع الأستاذ قليلا، ورجع إلى مصدر قريب في اللغة أو التفسير، أو غريب الحديث، أو شروحه، لاتضح له معنى المباشرة الذي أزعجه، وأقض مضجعه، قال في القاموس: باشر المرأة… جامعها أو صارا في ثوب واحد، فباشرت بشرته بشرتها "وإذا كان الكاتب لا يعرف طريقة الكشف عن الألفاظ في القاموس واللسان ونحوهما ولا يصبر عليها، فيستطيع أن يتناول أحدث معجم أخرجه المجمع اللغوي في القاهرة ليجد هذا "المعجم الوسيط" يقول: (باشر زوجه مباشرة وبشارا، لامست بشرته بشرتها… وغشيها).
وقد وردت المباشرة في القرآن بمعنى الجماع، وبمعنى القبلة والملامسة، وذلك في آية واحدة، والقرينة والسياق مع السنة النبوية هي التي تحدد المراد.
قال تعالى: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا..) إلى أن قال: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد).(2/58)
فالمباشرة المنهي عنها حالة الاعتكاف في المساجد هي القبلة والملامسة ونحوهما فهي التي يمكن أن تقع مع الاعتكاف في المساجد.
والمباشرة المأمور بها ليلة الصيام هي الجماع بدلالة السياق: (وابتغوا ما كتب الله لكم) قال القرطبي وغيره في قوله تعالى: (فالآن باشروهن) المباشرة كناية عن الجماع وسمى الوقاع مباشرة لتلاصق البشرتين فيه.
ومن هنا نعلم أن إطلاق المباشرة على الجماع ليس إطلاقا حقيقيا بل مجازيا، والمجاز لا ينفي الحقيقة ولا يعارضها، بل الحقيقة هي الأصل حتى يقوم دليل على خلافها.
وإذن يكون فهم المباشرة في حديث عائشة: بأنها "الجماع" فهما خاطئا بلا جدال. وإذا لم يكن الكاتب قد فهم المباشرة هذا الفهم الخاطئ، فلا بد أن يكون قد أتى من قبل فهمه للاعتزال في آية (فاعتزلوا النساء في المحيض).
وعيب هذا الكاتب أن يتعجل لغرض في نفسه في فهم النصوص باتباع الخرص والظن ثم يبني على فهمه نتائج يريد إلزام الناس بها، وإطراح دينهم وسنة نبيهم من أجلها.
وكان لزاما عليه ليعرف المراد من هذه الآية الكريمة أن يتبين ويتثبت ويرجع إلى مصادر العلم، ويسأل أهل الذكر، ولا يتسرع في القول بالرأي والهوى، وقد قال أبو بكر رضي الله عنه: (أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم)؟!
وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار) (رواه الترمذي والنسائي وأبو داود).
فإن من الآيات ما بينت السنة المراد منه، ومنها ما يظهر معناه بالقرائن والملابسات وأسباب النزول، وكان الصحابة أعلم الناس بذلك، وعنهم أخذ تلامذتهم من علماء التابعين، فلا جرم أن الرجوع إلى علم هؤلاء والاستفادة منه واجب حتما.
أما ادعاء المعرفة، وإهمال هذه الثروة، والتهجم على القرآن، والقول على الله بغير بينة، فهو خطأ في المنهج لا يقره العلم ولا الدين. وفي الحديث: (من قال في كتاب الله برأيه فأصاب فقد أخطأ).
قال ابن كثير: لأنه قد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر، لكان قد أخطأ لأنه لم يأت الأمر من بابه كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر، فلن يكون أخف جرما ممن أخطأ (مقدمة تفسير ابن كثير).
وألزم ما يكون هذا الرجوع إلى المصادر حين يقف الإنسان موقف المستدرك على أئمة الإسلام، المخطئ لمثل البخاري في أعظم كتاب في الإسلام بعد القرآن، المتهم للأمة في سائر الأعصار بالجهل والبلادة والغفلة، بتصحيحها ما ليس بصحيح، وتقديمها ما لا يستحق التقديم.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبين للقرآن بقوله وعمله وتقريره، فإذا قال الله تعالى: (يسألونك عن المحيض قل: هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) فقد يحتمل مورد الاعتزال في الآية عدة أفهام … قد يفهم منه اعتزال فراش المرأة مطلقا، وترك مساكنتها كما كان اليهود يفعلون، وقد يفهم منه اعتزال جميع بدنها فلا يباشره الرجل بشيء من بدنه بغير حائل، وإن لم يعتزل فراشها، وقد يفهم منه اعتزال الفرج الذي هو موضع "الأذى" الذي علل به الأمر بالاعتزال، وقد يفهم منه اعتزال جزء معين من البدن -ما بين السرة والركبة مثلا- فالذي يحدد المراد من ذلك هو السنة القولية والعملية (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم).
ونحمد الله أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل شيئا ليخفيه عن الناس، بل كانت حياته الخاصة والعامة ملك الأمة جميعا، وما فعله في ليله ونهاره، في خلوته أو جلوته، فقد نقله نساؤه صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين من بعده، لأنه تشريع لهم، ولهم فيه أسوة حسنة.
ومن ذلك علاقته بهن في فترة الحيض، فهي التي تفسر الآية كما يفسرها ما ورد عنه من أقوال في ذلك.
وجاءت أحاديث عائشة وميمونة وغيرهما من أمهات المؤمنين مبينة لما أراد الله باعتزال النساء في المحيض، فليس هو اعتزال اليهود الذي كانوا يهجرون نساءهم في الحيض ولا يساكنونهن في البيوت، وقد تأثر بهم الأنصار بحكم المجاورة سنين طوالا، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عما يحل وما يحرم في هذا الأمر، فنزلت الآية وفسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله.
وكانت أمهات المؤمنين حريصات على تبليغ المسلمين هدى رسولهم في كل أحواله وعلاقاته وتصحيح كل خطأ أو غلو يخرج عن سنة الرسول ويعلمن به.(2/59)
روي عن بدرة مولاة ابن عباس قالت: (بعثتني ميمونة بنت الحارث، وحفصة بنت عمر -وهما من أمهات المؤمنين- إلى امرأة ابن عباس رضي الله عنهم وكانت بينهما قرابة من جهة النساء، فوجدت فراشه معتزلا فراشها، فظننت أن ذلك عن الهجران فسألتها، فقالت: إذا طمثت "حضت" اعتزل فراشي، فرجعت فأخبرتها بذلك فردتني إلى ابن عباس وقالت: (تقول لك أمك: أرغبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام مع المرأة من نسائه، وإنها حائض وما بينها وبينه إلا ثوب ما يجاوز الركبتين) (أحكام القرآن لابن العربي جـ1، ص163).
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر نساءه بالاتزار أثناء الطمث، فإنه لم يلزم أصحابه بذلك، وصح أنه أباح الاستمتاع بالبدن كله ما عدا موضع الأذى "الفرج" فدل على أن الأمر بالاتزار للاستحباب، لأخذ الحذر والاحتياط.
ففي صحيح مسلم عن أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن (أي ساكنوهن) في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي فأنزل الله تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) إلى آخر الآية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح). فبلغ ذلك اليهود فقالوا… ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه. فجاء أسيد بن الحضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا… أفلا نجامعهن؟ (أي مخالفة لليهود) فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم… وقال القرطبي… قال علماؤنا: "كانت اليهود والمجوس تجتنب الحائض، وكانت النصارى يجامعوهن في الحيض، فأمر الله بالقصد بين هذين" (تفسير القرطبي جـ3، ص81).
وبهذا التفسير النبوي للآية، والتطبيق العملي لها، تأكدت وسطية الإسلام واعتداله وسماحته بين المغالين والمفرطين، وبين المقصرين والمفرطين من أصحاب الملل والنحل، فهل يجوز لمسلم أو منصف بعد ذلك أن يزعم التعارض بين الآية الكريمة وبين حديث البخاري عن عائشة وميمونة رضي الله عنهما، وينسب إلى الجامع الصحيح اشتماله على أحاديث مناقضة لما أنزل الله في محكم كتابه. ويحكم على هذا الحديث المتفق على صحته بأنه منكر ومفترى.
يا عجبا. كأن الكاتب الذي تربع على منصة الإفتاء ظلما وزورا يظن أن البخاري وغيره من أئمة السنة كانوا متسولين يأخذون الحديث عن كل من هب ودب، فكل من قال لهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم… قالوا له: صدقت، هات ما عندك وفرحوا به، كما يفرح الصبي بقطعة الحلوى!!
لا يا مفتي "العربي" لقد كانوا لا يقبلون قولا حتى يعلموا أصله ومصدره، ولهذا اشترطوا الإسناد الذي تفردت به هذه الأمة عن غيرها من الأمم.
قال ابن سيرين: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم". وقال غيره: طالب علم بلا إسناد كحاطب بليل. ونظر الشافعي في تفسير اشتمل على قصص وعبر، فقال: يا له من علم لو كان له إسناد!!
ولم يكونوا يقبلون أي إسناد يذكر، بل يضعون كل راو من رواة السند على مشرحة التحليل، يسألون عنه… عن عقله ودينه… وخلقه وسيرته، وعن شيوخه وتلامذته، فمن اشتبهوا فيه أسقطوه، وردوا حديثه، ومن قامت الدلائل على صدقه وحفظه وعدالته وضبطه رووا عنه وقبلوه، وقد كان من ثمرات هذه البحوث المتشعبة المستفيضة علمان جليلان من علوم السنة هما… علم رجال الحديث وعلم الجرح والتعديل.
وكانوا يجوبون الآفاق، ويذرعون الأرض، طلبا للحديث ممن سمعه بأذنيه، قال سعيد بن المسيب: (إنا كنا نسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد).
وسأل رجل الشعبي عن مسألة فأفتاه فيها ثم قال: (خذها بغير شيء وإن كنا نسير فيما دونها من الكوفة إلى المدينة).
ولنأخذ لذلك مثلا… حديث عائشة الذي رده الصحفي المفتي، وزعم أنه منكر ومفترى (ونعوذ بالله من ذلك) إن سند هذا الحديث -عند من له أدنى ذوق بهذا العلم- نير كضوء الشمس. فقد رواه البخاري عن شيخه قبيصة بن عقبة، قال حدثنا سفيان، عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، ورجال هذا السند كلهم كوفيون، تلقى بعضهم عن بعض، خلفا عن سلف فهم تلاميذ المدرسة الكوفية التي أسسها الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود، وخرجت أساطين العلم، وأعلام الهدى في الحديث والفقه، وفي العلم والسلوك، أمثال الأسود وعلقمة وإبراهيم وحماد بن سليمان وسفيان الثوري، وأبي حنيفة النعمان وغيرهم من عظماء الإسلام.
ورواة هذا الحديث الشريف… سفيان الثوري ومنصور بن المعتمر، وإبراهيم النخعي والأسود النخعي، كل واحد منهم جبل من جبال العلم، وبحر من بحور الرواية وإمام من أئمة الدين، لا ترقى ذرة من شك إلى أمانتهم أو علمهم… أو وعيهم، حتى يأتي مفتي "العربي" في آخر الزمان فيتهمهم بخيانة الأمة وتضليل أجيالها وتحريف دينها، والكذب على رسولها باختراع الأحاديث المفتراة المنكرة (سبحانك هذا بهتان عظيم).(2/60)
ومع هذا لم يرو البخاري هذا الحديث بهذا السند وحده، وعن هذا الطريق فحسب -وإن فيه لغناء وكفاية- بل روى معناه عن عائشة بأكثر من طريق.
ولم يرو ذلك عن عائشة وحدها من نساء النبي صلى الله عليه وسلم بل روى البخاري ذلك عن ميمونة أيضا، وليس البخاري وحده هو الذي روى حديثي عائشة وميمونة رضي الله عنهما، بل خرجتهما جميع كتب السنة ودواوينها المتقدمة منها والمتأخرة لإجماع أهل العلم على صحتهما وتلقيهما بالقبول.
ولعمري لئن كان مثل حديث عائشة -بسنده الذي ذكرناه- منكرا ومفترى كما يزعم هذا الزاعم الجريء، لكان هذا الدين باطلا، وكانت السنة كلها وهما، وكان تاريخ هذه الأمة زورا، وكان تراث هذه الأمة خرافة كبيرة، وكان أئمة هذا الدين وهذه الأمة أكبر دجاجلة عرفهم تاريخ الأديان والشعوب.
ولقد زعم الكاتب في مستهل كلامه أنه لا يتهم أبا هريرة ولا البخاري بصنع الأحاديث. والحق أنه لم يتهمهما وحدهما، بل اتهم معهما سائر علماء الإسلام وحملة رسالته، في القرون الأولى التي هي خير القرون، واتهم الأمة كلها بالغباوة والغفلة والجهل، حيث تقبلت هذه الأحاديث بضعة عشر قرنا بقبول حسن. وأثنت على رواتها، وخلعت عليهم وصف الإمامة في الدين، حتى جاء الكاتب النحرير، فوصفهم بما يستحي من ذكره.
لقد سئل القاضي أبو يوسف: أتقبل شهادة رجل يسب السلف الصالح؟ فقال: لو عرفت رجلا يسب جيرانه ما قبلت شهادته، فكيف بمن يسب أفاضل الأمة؟
أقول: فكيف بمن يسب الأمة كلها، ليأتي على دينها من القواعد، لتقر أعين المبشرين والمستشرقين والشيوعيين؟! اللهم لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا.
ولندع حديث عائشة إلى الحديث الثاني الذي استند إليه الكاتب في الطعن على الإمام البخاري وجامعه الصحيح. ساقه كما يلي. قال:
يقول الله تعالى في سورتي النساء والمائدة في حكم الطهارة من الجنابة: (… أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) إلى آخر الآية. ويقول البخاري: إن رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء. فقال له عمر: لا تصل. ولو احترم الأستاذ أمانة العلم واحترم عقول الأمة التي تنشر فيها هذه المجلة ما اجترأ على هذا الادعاء، فإن الحديث بهذا اللفظ الذي ذكره لم يروه البخاري في صحيحه قط مع أن عبارته… (ويقول البخاري… الخ) تشعر أنه قرأ الحديث في البخاري فأي كذب على الحقيقة، وتزوير على الناس أكثر من هذا؟
ومع هذا نرخي العنان للكاتب المتعالم، ونتطوع بالجواب عن الحديث، فقد رواه إمام آخر لا يقل عن البخاري في علمه وفضله ودينه هو مسلم في صحيحه.
والخطأ الكبير الذي سقط فيه مفتي "العربي" هنا بتعجله واقتحامه وتحيزه، زعمه أن آية (… أو لامستم النساء… ) الخ نص في حكم الطهارة من الجنابة، فإذا أورد البخاري عن عمر ما يخالفها كان ذلك حديثا منكرا ومفترى.
ولو تريث الأستاذ وتبين -لو كان من هدفه التبين- لعلم أن الملامسة "كالمباشرة" ليست نصا في الجماع، بل تدل عليه بطريق الكناية والمجاز لا الحقيقة اللغوية. وقد اختلف الصحابة ومن بعدهم في ذلك، فإن ابن عباس يرى أن الملامسة في الآية معناها الجماع، وقد أخذ بمذهبه أبو حنيفة وأصحابه. وعمر وابنه عبد الله وابن مسعود يفسرون الآية على ظاهرها وحقيقتها اللغوية، وقد أخذ بمذهبهم من يقول بأن لمس المرأة ينقض الوضوء. قال ابن كثير: وهو قول الشافعي وأصحابه، ومالك، والمشهور عن ابن حنبل. ولكل من الفريقين أدلة ليس هذا موضع ذكرها إنما الذي يهمنا هنا أن الآية ليست نصا في حكم الجنابة كما أوهم الكاتب المتقول بما لا يعلم.
وقول عمر لمن أجنب ولم يجد الماء (لا تصل) اجتهاد منه، وهو مخطئ في اجتهاده، ومعذور، بل مأجور أجرا واحدا، وليس عمر بالمعصوم من الخطأ، وليس هو أول من أخطأ من الصحابة في اجتهاده، وليست هذه أول خطأة له، فقد عد له ابن حزم جملة أحكام أخطأ فيها أو نسي ما ورد فيها من سنة حتى يذكره غيره من الصحابة، فيتذكر أو لا يتذكر.
فهل يعيب البخاري، أو مسلما، أن يسجل لنا في صحيحه رأيا لعمر -وإن ظهر خطؤه- فينقل لنا بأمانة العالم صورة صحيحة للاجتهاد الإسلامي في ذلك العصر المبكر؟
أما أن هذا والله لمأثرة تحمد للبخاري ومسلم، لا مأخذ يعابان به، ويذمان عليه. وما أحسن ما قال البحتري:
إذا محاسني اللاتي أدل بها كانت ذنوبي، فقل لي كيف أعتذر؟
ولا يفوتني أن أسجل هنا على الكاتب المتهجم أمرا معيبا حقا، فقد قال في فاتحة حديثه "لست أقول عن حديث ما، إنه ضعيف أو موضوع، لمجرد أنه لا يتفق مع العقل والمنطق فحسب بل لأن ذلك رأي كثير من الأئمة والفقهاء القدماء والمحدثين على السواء أمثال ابن تيمية، والقسطلاني، والذهبي، والبيهقي، والطبراني، والدارقطني، والهيثمي، والعراقي، والسيوطي، والعسقلاني، وغيرهم".(2/61)
ثم طعن في أحاديث متفق على قبولها، مجمع على صحتها، ولم يطعن في ثبوتها عالم قط من هؤلاء الذين ذكرهم، ولا غيرهم، فليت شعري لم أوهم الأستاذ بذكر أسماء هؤلاء الأعلام الذين يبدو -من ترتيبه لهم- إنه لم يعرفهم ولم يقرأ آثارهم، ولم يرجع إليها فيما انتقده على البخاري، وزعم أنه مفترى بل منكر.
(جعل الكاتب المنكر أشد من المفترى، وليس الأمر كذلك لغة ولا اصطلاحا فليس هناك أسوأ من المفترى).
أما حديث أبي طلحة الأنصاري وأكله البرد في الصوم فلم يروه البخاري ولا مسلم ولا أحد من الكتب الستة، ولهذا لا نطيل بالرد عليه، والجزء الموقوف فيه على أبي طلحة صحيح من حيث سنده، ولكن لا حجة فيه، لأنه اجتهاد صحابي انفرد به في فهم النص وخالفه سائر الصحابة، فلا عبرة به، ولهذا مات في مهده، ولم يقل به أحد طوال القرون الماضية. وأما الجزء المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فغير صحيح. كما قرره علماء الحديث.
ولو كان هذا الصحفي يقدر أمانة القلم الذي في يمينه، ويحترم العقول التي في رؤوس الناس، ما جشم نفسه ذكر هذا الحديث، فإن ميدان المعركة بينه وبين الأخ العالم العراقي الذي اتخذ لنفسه لقب "جابر عثرات الكرام" (وكان أولى أن يسمى: كاشف سوءات اللئام) هو: صحيحا البخاري ومسلم وغيرهما من الصحاح، فليس لإيراد هذا الحديث معنى في هذا المقام إلا الادعاء والتطاول، والتكثر بالباطل، والتمويه الذي لا تنفق سوقه إلا عند البسطاء وضعاف العقول.
وبعد:
فإن الحملة على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست بنت اليوم، فإن وراءها جهات ومؤسسات تغذيها وتمدها، ولم يزل المبشرون والمستشرقون والشيوعيون يقودون المعركة ضدها، ويرمون لها بالوقود الدائم لتظل مستعرة الأوار، وليس من الضروري أن يظهروا بأنفسهم على المسرح، فقد يوغر ظهورهم الصدور، ويثير الشكوك، ففي تلامذتهم
-المخدوعين منهم والخادعين- الكفاية كل الكفاية. وما أكثر الذين تحركهم مؤسسات التبشير والاستشراق والإلحاد الأحمر، ليحطبوا في حبلهم وهم لا يشعرون، بل وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وما أكثر المأجورين الذين يشترون بدينهم ثمنا قليلا، أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار.
ألا وإن هذه الحملات لا تزيدنا إلا استمساكا بالحق، وثباتا عليه، واعتصاما بسنة الرسول العظيم التي بدونها لا يفهم القرآن ولا تستبين معالم الدين وحدوده وقد قال صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي).
والذي نأسف له حقا أن تكون الحملة اليوم من منبر شبه رسمي لدولة عربية مسلمة هي الكويت، فلعل المسئولين فيها ينتبهون إلى هذا الخطر الذي يخلق البلبلة والحيرة، ويجر إلى الاضطراب والصراع، فالخراب والدمار، وبالله نستعيذ ونعتصم وهو تعالى من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
===========
دفاع عن صحيحي البخاري ومسلم
يقول السائل : ما قولكم فيمن يزعم أن كون الحديث في الصحيحين لا يكفي للحكم بصحته ؟
الجواب : كثرت السهام التي توجه للإسلام وللقضايا المسلَّمة عند جماهير علماء الأمة في هذا الزمان وهذه الهجمات ليست جديدة ولا يستبعد أن تكون هنالك أيدٍ خفيةً تحرك مثل هذه الدعوات المغرضة لتشكيك المسلمين عامة وطلبة العلم الشرعي خاصة في قضايا صارت من القطعيات في دين الإسلام كقول بعض من ينسب للعلم الشرعي إن السنة ليست مصدراً للتشريع ويجب الاكتفاء بما في القرآن الكريم ، وكقول بعضهم إنه لا يوجد حديث واحد قاله النبي صلى الله عليه و سلم بلفظه بل كل ما ورد إنما هو بالمعنى ، وكقول بعضهم إن أصول الفقه بدعة وإنه لا قياس في الشرع ونحو ذلك من الترهات والخزعبلات . وقد تصدى العلماء للرد على هذه القضايا وأمثالها قديماً وحديثاً ولا يتسع المقام لكل ذلك فلعلي أذكر شيئاً يسيراً في إبطال الفرية المذكورة في السؤال فأقول :
اتفق علماء الأمة قديماً وحديثاً على أن صحيح الإمام البخاري وصحيح الإمام مسلم هما أصح كتابين بعد كتاب الله عز وجل وأن الأحاديث المسندة المتصلة المذكورة فيهما أحاديث صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم .
قال الإمام النووي :[ اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم وتلقتهما الأمة بالقبول . وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة . وقد صح أن مسلماً كان ممن يستفيد من البخاري ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث ] شرح النووي على صحيح مسلم 1/24 .
وقال الإمام النسائي:[ ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب البخاري ] المصدر السابق .
وقال ابن الصلاح:[ أول من صنف في الصحيح ، البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري ومسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه فإنه يشارك البخاري في كثير من شيوخه وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز ] هدي الساري ص12 .(2/62)