عنوان الكتاب:
حكم من لم يحكم بكتاب الله
تأليف:
عطية محمد سالم
الناشر:
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
السنة السادسة - العدد الرابع - ربيع الثاني 1394هـ - ابريل 1974م
ص -30- حكم من لم يحكم بكتاب الله
بقلم الشيخ عطية محمد سالم القاضي بالمحكمة الكبرى بالمدينة
تقدم في أول مبحث من له حق الحكم والتشريع ومن المستحق للسمع والطاعة والإذعان والانقياد لأوامره. وأنه هو الله تعالى وحده. وبيان موجز بأن من شرع ما لم يأذن به الله فقد نصب نفسه شريكا مع الله ومن أطاعهم في تشريعهم واستحله فهو مشرك شرك الطاعة المعروف. وفي هذا المقام نورد تفصيل ذلك مما ورد في مجموع نصوص صريحة:
أولا_ لما قال تعالى:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك} إلى آخر الآية. جاء بعدها في السياق {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}. فجعلهم شركاء تشريع بتشريعهم ما لم يأذن به الله؛ لأن التشريع حق لله ولا يملك هذا الحق إلا الله.
ثانيا_ لما حرم الله الميتة جاء الشيطان لأوليائه من كفار مكة فأوحى إليهم بما
ص -31- يحاولون به في تحريمها ويدعون إلى تحليلها فقال لهم: قولوا لمحمد : الشاة الميتة من قتلها فقال لهم: الله قتلها فقال قولوا لهم ما قتله الله يكون حراما وما قتلتموه أنتم يكون حلالا فذبيحتكم إذا أحسن من ذبيحة الله التي ذبحها بسكين من ذهب بيده الكريمة.. فأنزل الله قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}.(1/1)
وقد بيّن فضيلة والدنا الشيخ محمد الأمين في أضواء البيان فيما يكتبه حفظه الله للجزء السابع وسمح بالنقل عنه أوسع بيان في ذلك. فقد ساق هذه القصة ببيانه المفصل وختمه بقوله تعليقا على الآية بقوله: وقوله تعالى: {لَفِسْقٌ} أي خروج عن طاعة الله واتباع لتشريع الشيطان. {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} أي بقولهم: ما ذبحتموه حلال وما ذبحه الله حرام. فأنتم إذاً أحسن من الله وأحل تذكية. ثم بيّن الفتوى السماوية من رب العالمين في الحكم بين الفريقين في قوله: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} فهي فتوى سماوية من الخالق جل وعلا، ثم صرح فيها بأن متبع تشريع الشيطان المخالف لتشريع الرحمن مشرك بالله.
وهذه الآية الكريمة مثل بها بعض علماء العربية لحذف اللام الموطئة للقسم.لحذف الفاء من الجواب وعدم اقترانه بها. وساق فضيلته مناقشة عربية في ذلك. ثم ذكر بعدها الآيات المتعلقة بالموضوع فقال: ومن الآيات الدالة على ما دلت عليه آية الأنعام قوله تعالى: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}. فصرح بتوليهم للشيطان أي باتباع ما يزين لهم من الكفر والمعاصي مخالفا لما جاءت به الرسل.. ثم صرح بأن ذلك إشراك به في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}. وصرح أن الطاعة في ذلك الذي يشرعه الشيطان لهم ويزينه عبادة للشيطان. ومعلوم أن من عبد الشيطان فقد أشرك بالرحمن. قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ. وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ..} ويدخل فيهم متبعوا نظام الشيطان دخولا أوليا: (ولعل مما يشهد لأولية هذا(1/2)
ص -32- الدخول ما سبق تقديمه من قوله تعالى فيمثل هذا المقام: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً}. ثم يبين المصير الأخير لمن كان يعبد الشيطان في دار الدنيا في قوله: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
وقال تعالى عن نبيه إبراهيم: {يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً} فقوله: لا تعبد الشيطان أي باتباع ما يشرعه من الكفر والمعاصي مخالفا لما شرعه الله.
وقال تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً}. فقوله وإن يدعون إلا شيطانا يعني وما يعبدون إلا شيطانا مريدا.
وقوله: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ. قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} فقوله تعالى: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} أي يتبعون الشياطين ويطيعونهم فيما يشرعون ويزينون لهم الكفر والمعاصي على أصح التفسيرين.(1/3)
والشيطان عالم بأن طاعتهم له المذكورة إشراك به كما صرح بذلك وتبرأ منه في الآخرة كما نص الله عليه في سورة إبراهيم في قوله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} إلى قوله: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} فقد اعترف بأنهم كانوا مشركين به من قبل أي في دار الدنيا ولم يكفر بشركهم إلا يوم القيامة. وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى الذي بيناه في الحديث لما سأله عدي بن حاتم رضي الله عنه عن قوله تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ}. كيف اتخذوهم أربابا وأجابه صلى الله عليه وسلم "أنهم أحلوا لهم ما حرّم الله وحرموا عليهم ما أحل الله" فاتبعوهم وبذلك الاتباع اتخذوهم أرباباً. ومن أصرح الأدلة في هذا أن الكفار إذا أحلوا شيئا يعلمون أن الله حرمه وحرّموا شيئا يعلمون أن الله أحله فإنهم يزدادون كفراً جديداً بذلك مع كفرهم الأول وذلك في قوله تعالى:
ص -33- {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه} أي بالقتال وما لا يجوز في الأشهر الحُرم إلى قوله تعالى: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.
وعلى كل فكل من أطاع غير الله في تشريع مخالف لما شرعه الله فقد أشرك به مع الله كما يدل لذلك قوله:
{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ}. فسماهم شركاء لما أطاعوهم في قتل الأولاد وقوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}. فقد سمى تعالى الذين يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله شركاء.(1/4)
ومما يزيد ذلك إيضاحا أن ما ذكره الله عن الشيطان يوم القيامة من أنه يقول للذين كانوا يشركون في دار الدنيا {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُْ} أن ذلك الإشراك المذكور ليس فيه شيء زائد على أن دعاهم إلى طاعته فاستجابوا له كما صرح بذلك في قوله: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي}.. الآية . وهو واضح كما ترى.
فتحصل من هذا السياق الوافي والبيان الكافي وقد زاده إيضاحا قوله حفظه الله في مطلع هذا البحث بقوله: "فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته؛ قال في حكمه: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً}. وفي قراءة ابن عامر من السبعة {ولا يشركْ في حكمه أحدٌ} بصيغة النهي وقال في الإشراك به في عبادته: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}, فالأمران سواء". اهـ.
وقد سيق إيراد النصوص التي جمعت الحكم والعبادة والحكم والولاية معا.
ولعلنا بهذا العرض وهذا الإيراد لما ذكره فضيلة والدنا الشيخ محمد الأمين في هذا المبحث نكون قد أعطينا الضوء الكافي لمن أراد أن يبصر طريق الحق إلى مطلع النور والهدى والحكم بما أنزل الله من كتاب وحكمة.
ص -34- ومن عجب كل العجب أن يعرض الإنسان عن شرع ربه وخالقه ومحييه ومميته وكادح إليه فملاقيه وموقفه بين يديه يأتونه فرادا كما خلقهم أول مرة في يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لا ملجأ من الله إلا إليه قد شرع له ما يصلح دنياه ويسعد آخرته.(1/5)
وهو مع هذا يعرض ويتولى. وما ذلك إلا ضياع منه لنفسه ونسيان لحظه وتمرد على ربه: {أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ, وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ}. نسي خلقه من نطفة مخلقة فمضغة حتى إذا كان يافعا فتيا ناصب ربه العداء وشرع لخلق الله ما أراد.
وخير ما نختتم به هذا البحث الإنذار من الله لخلقه {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}. وإن حقيقة الإسلام لا تتحقق إلا بكمال الاستسلام كما قيل:
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخرا ثقالا
دحاها فلما استوت شدها سواء وأرسى عليها الجبالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا
إذا هي سيقت إلى بلدة أطاعت فصبت عليها سجالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الريح تصرف حالا فحالا
ومن أبرز النصوص في موضوع من لم يحكم بما أنزل الله ما جاء متتاليا في سورة المائدة ثلاث مرات {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} والثانية {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وفي الثالثة {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
وجميع المفسرين والكتاب وعلماء الكلام فيهم الطحاوي يتناولون هذه النصوص بالبحث من وجهات علمية ثلاث تتلخص فيمن نزلت؟, وبمن اختصت؟,(1/6)
ص -35- وعلامَ دلَّت؟. واتفقوا أنها نزلت في اليهود والنصارى أما بمن اختصت. فالبعض يخصها بمن نزلت فيهم والأكثرون يعمون بها على أساس أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وأن شرع من قبلنا شرع لنا. وأنها ما ذكرت لنا في شرعنا إلا من أجلنا لنحذر مما حذرت منه. أما مدلولها فالبعض أيضا على أن الألفاظ الثلاثة قد تكون مترادفة المعنى وكلها تأتي بمعنى الشرك وبمعنى العصيان وعليه هل هذا الكفر والظلم والفسق مخرجة من الملة أم هي كفر دون كفر وفسق عصيان وظلم في الفروع؟.
وقد بحث هذا الموضوع شارح الطحاوية بما نصه: قال : "وهنا أمر يجب أن يتفطن له وهو: أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفرا ينقل عن الملة وقد يكون معصية كبيرة أو صغيرة. ويكون كفرا. إما مجازيا وإما كفرا أصغر على القولين المذكورين. وذلك بحسب حال الحاكم: فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب, وأنه مخير فيه, واستهان به مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر. ون اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله وعلمه في هذه الواقعة وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق العقوبة. فهذا عاص. ويسمى كافرا كفرا مجازيا أو كفرا أصغر. وإن جهل حكم الله فيها مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأه, فهذا مخطئ، له أجر على اجتهاده وخطؤه مغفور" هـ..
فقد أوجز الحكم على من حكم بغير ما أنزل الله بناء على اعتبارات مختلفة في نفس الحاكم من اعتقاده أو غير وجوبه وعلمه وجهالته ونحو ذلك.
وقد بحث هذه النصوص الثلاثة فضيلة والدنا الشيخ محمد الأمين في أضواء البيان في الجزء الثاني على قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} في سورة المائدة قد استوفى البحث مما يغني عن أقوال جميع المفسرين. الموضوع نسوقه بتمامه لتمام فائدته. ثم نعرض وجهة نظر في الموضوع إن شاء الله.(1/7)
قال حفظه الله: " قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}. اختلف العلماء في هذه الآية الكريمة هل هي في المسلمين أو في الكفار؟, فرُوي عن الشعبي أنها في المسلمين. وروي عنه أنها في اليهود. وروي عن
ص -36- طاوس أيضا أنها في المسلمين. وأن المراد بالكفر فيها كفر دون كفر. وأنه ليس في الكفر المخرج من الملة. وروي عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال: "ليس الكفر الذي تذهبون إليه". رواه عنه ابن أبي حاتم والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. قاله ابن كثير. قال بعض العلماء والقرآن العظيم على أنها في اليهود لأنه تعالى ذكر فيما قبلها أنهم يحرفون الكلم من بعض مواضعه وأنهم يقولون {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا} يعني الحكم المحرف الذي هو غير حكم الله فخذوه. وإن لم تؤتوه أي المحرف بل أوتيتم حكم الله الحق فاحذروه. فهم يأمرون بالحذر من حكم الله الذي يعلمون أنه الحق. وقد قال تعالى بعدها {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآية .. تدل على أن الكلام فيهم.
وممن قال بأن الآية في أهل الكتاب كما دل عليه ما ذكر (البراء بن عازب_ وحذيفة بن اليمان، وابن عباس، وأبو مجلز، وأبو رجاء العطاردي، وعكرمة، وعبيد الله بن عبد الله، والحسن البصري وغيرهم. وزاد الحسن وهي علينا واجبة. نقله عنهم ابن كثير. ونقل نحو قول الحسن عن إبراهيم النخعي. وقال _ القرطبي_ في تفسيره {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ _ والظَّالِمُونَ _ و الْفَاسِقُونَ} : "نزلت كلها في الكفار. ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث البراء. وقد تقدم وعلى هذا المعظم.
فأما المسلم فلا يكفر وإن ارتكب كبيرة. وقيل فيه: (أي ومن لم يحكم بما أنزل الله) رداً للقرآن وجحدا لقول الرسول صلى الله وعليه وسلم فهو كافر قاله ابن عباس ومجاهد.(1/8)
فالآية عامة على هذا. قال ابن مسعود والحسن: هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفار. أي معتقدا ذلك ومستحلاً له. فأما من فعل ذلك_ وهو معتقداً أنه مرتكب محرما فهو من فساق المسلمين, وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
وقال ابن عباس في رواية {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} فقد فعل فعلا
ص -37- يضاهي أفعال الكفار. وقيل أي ومن لم يحكم بجميع ما أنزل الله فهو كافر. فأما من حكم بالتوحيد, ومن لم يحكم ببعض الشرائع فلا يدخل في هذه الآية. والصحيح الأول, إلا أن الشعبي قال: هي في اليهود خاصة. واختاره النحاس قال: ويدل على ذلك ثلاثة أشياء:
منها أن اليهود ذكروا قبل هذا في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ هَادُوا} فعاد الضمير عليهم. وفيها أن سياق الكلام يدل على ذلك ألا ترى أن بعده {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ}. فهذا الضمير لليهود بالاجماع. وأيضا فإن اليهود هم الذين أنكروا الرجم والقضاء. فإن قال قائل (من) إذا كانت للمجازاة فهي عامة إلا أن يقع دليل على تخصيصها, قيل له (من) هنا بمعنى (الذي) مع ما ذكرناه من الأدلة والتقرير, واليهود الذين لم يحكموا بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون. فهذا من أحسن ما قيل في هذا.
ويروى أن حذيفة سئل عن هذه الآيات أي في بني إسرائيل فقال: نعم هي فيهم ولنسلكن سبيلهم حذو النعل بالنعل _ وقيل : {الْكَافِرُونَ} للمسلمين, و{الظَّالِمُونَ} لليهود, و{الْفَاسِقُونَ} للنصارى. وهذا اختيار أبي بكر بن العربي. قال: لأنه ظاهر الآيات.
وهو اختيار ابن عباس وجابر بن زيد وابن أبي زائدة وابن شبرمة والشعبي أيضا. قال طاووس وغيره: "ليس بكفر ينقل عن الملة. ولكنه كفر دون كفر". وهذا يختلف إن حكم ما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر، وإن حكم به هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة الخ.. الغفران للمذنبين.(1/9)
قال القشيري: "وقد ذهب الخوارج أن من ارتشى وحكم بغير حكم الله فهو كافر". وعزا هذا إلى الحسن والسدي. وقال الحسن أيضا: أخذ الله على الحكام ثلاثة أشياء :
ص -38- 1_ ألا يتبعوا الهوى. 2_ وأن لا يخشوا الناس ويخشوه. 3_ وأن لا يشتروا بآياته ثمنا قليلا". انتهى كلام القرطبي.
قال مقيدة عفا الله عنه: الظاهر المتبادر من سياق الآيات: أن آية {هُمُ الْكَافِرُونَ} نازلة في المسلمين؛ لأنه تعالى قال قبلها مخاطبا لمسلمي هذه الأمة {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً}. ثم قال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}.
فالخطاب للمسلمين كما هو ظاهر متبادر من سياق الآية. وعليه فالكفر إما كفر دون كفر وإما أن يكون فعل ذلك مستحلا له، أو قاصدا به جحد أحكام الله وردها مع العلم بها.
أما من حكم بغير حكم الله وهو عالم أنه مرتكب ذنبا, فاعلا قبيحا, وإنما حمله على ذلك الهوى فهو من سائر عصاة المسلمين. وسياق القرآن ظاهر أيضا في أن آية {هُمُ الظَّالِمُونَ} في اليهود لأنه قال قبلها: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
فالخطاب لهم لوضوح دلالة السياق عليه كما أنه ظاهر أيضا مع أن آية: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} في النصارى لأنه قال قبلها {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.(1/10)
واعلم أن تحرير المقام في هذا البحث أن الكفر والظلم والفسق كل واحد منها ربما أطلق في الشرع مراد به المعصية تارة, والكفر المخرج من الملة تارة أخرى.
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} معارضة للرسول صلى الله عليه وسلم وإبطالا لحكم الله. فظلمه وفسقه وكفره كلها مخرج عن الملة. ومن لم يحكم بما أنزل الله معتقدا أنه مرتكب حراما فاعل قبيحا فكفره وظلمه وفسقه غير مخرج عن الملة. وقد
ص -39- عرفت أن ظاهر القرآن يدل على أن الأولى في المسلمين, والثانية في اليهود, والثالثة في النصارى. والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب. وتحقيق أحكام الكل هو ما رأيت. والعلم عند الله تعالى ". اهـ من الأضواء بلفظه قبل طبعه.
وبعد هذا العرض من كلام شارح الطحاوية الموجز وكلام الأضواء المفصل, فإني أورد وجهة نظر في هذه النصوص الثلاثة مما توحي الآيات بسياقها:
أولا _ الآية الأولى: جاءت تبعا لسباق مكتمل عن اليهود, بدأ من التحذير منهم, {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} إلى قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُم} إلى قوله:{وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّه} إلى قوله:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ..} وإلى هنا كله في اليهود.. وفي عموم التوراة يحكم بها النبيون ثم جاء في السياق {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} وهنا خطاب للأمة, ثم جاء بعد هذا مباشرة {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ..}(1/11)
ولكن بالنظر إلى ما أعقبه من قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} .. فإن {عَلَيْهِمْ} راجع لليهود قطعا, و{فِيهَا} راجع للتوراة قطعا.. وقوله: {بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} مجمل بالنسبة إلى القرآن أو التوراة، فيكون عطف عليهم فيها في السباق أقرب إلى اعتبار ما أنزل الله هو التوراة. وهذا على الأقل يرجح أن قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} يعني اليهود: أي نزلت فيهم.. أما حكمها عامة أو خاصة فهذا مبحث آخر..
أما الثانية: {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}: تصريح النص والسياق إنها في اليهود لقوله تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} إلى آخر: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
ص -40- وكذلك الثالثة: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} لقوله: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} إلى قوله: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. فهذه في النصارى لذكر الإنجيل.
ومن ناحية أخرى: إننا لو نظرنا إلى لفظتي (كافرون) و (فاسقون), لوجدناهما جاءتا بعد ذكر الكتابين التوراة والإنجيل, أو عموم ما أنزل الله أي أنها في الحكم على من لم يحكم حكما عاما ويأخذ بعموم التشريع بما فيه العقائد والعبادات وتحكيمه ككل لا كجزء.
أما لفظة: (الظالمون) فجاءت عقب تفصيل جزئي في تشريع جانبي خاص بحق الإنسان أي في حق خاص لا في حق عام..
والحق الخاص مبني على القصاص, وهو المساواة أو التسامح, فإن أسقط الإنسان حقه سقطت فيه المطالبة, فمن تصدق به فهو كفارة له.. بخلاف العقائد والعبادات فهي لازمة لا يملك المكلف إسقاطها ولا التصدق بشيء منها.(1/12)
فهي حق دائر بين المسامحة والمطالبة,{فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَه}, و{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ..} ومن طالب بحقه فلا بدّ فيها كلها من القصاص والمماثلة. {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ..} إلى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}. وإذا لم ينفذ هذا ويحكم بمقتضاه كان الظلم لا محالة؛ لأنه إذا أخذت اليد بالعين والسن بالأنف لم تقع المساواة, وإن أخذت عروض وأموال في أحدها..
والحال أن الجاني معتد فإن الظلم لم يرتفع؛ لأن المال عوض العضو وبقي حق الاعتداء, فأي عقوبة بغير القصاص ستكون ظلما؛ لأنها إما زائدة عن العضو فيظلم الجاني, وإما ناقصة فيظلم المجني عليه ولا يرتفع الظلم إلا بالمقاصة. {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. وهذا أيضا يجعل هذا الوصف وإن كان خاصا في اليهود إلا أنه عام في كل أمة, إذا لم ينفذ حكم القصاص في النفس والأطراف والجروح فهي ظالمة. ولا تكون بذلك
ص -41- وحده كافرة, أي أن هذا جور في الحكم وحيف في الحق وهذا من المعاصي وليس من الكفر والشرك.
وذلك مع اعتبار ما قاله شارح الطحاوية من معتقد الحاكم المتقدم تفصيله وبالله التوفيق.. وهذا ما يتعلق بالمسلمين حاكمين ومحكومين.
أما المواطنين غير المسلمين فإنهم لا يكون إلا محكومين ولكنهم يكونون متساوين مع المسلمين في التقاضي من العدالة والمساواة والإنصاف وضمان الحقوق, قياما لله بالحق{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله.
حق المواطنين غير المسلمين في التحاكم:(1/13)
لقد رأينا في المقدمة ما كان عليه حال البلاد المسلمة حينما كانت تحت حكم الاستعمار وما كان عليه حال المستعمرين من تمييز وحماية ثم اختصاص بمحاكم خاصة في ظل الغلبة والقوة.
أما الإسلام فليس فيه شيء من ذلك في نشر العدالة وميزان الحكم كما في قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً} أي لأنهم أضعف من ذلك. ومع هذا الضعف {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} أي ولو كان المحكوم عليه أو له عدو مخالف. وهكذا يعامل المسلم وغير المسلم على حد سواء. وفي قصة عمر بيان شاف لماّ تحاكم يهودي ومنافق فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد لعلمه أنه لا يأخذ الرشوة. وقال المنافق: نتحاكم إلى فلان, وأخيرا تحاكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فحكم لليهودي ولكن المنافق لم يقبل, فذهب به إلى أبي بكر رضي الله عنه فحكم بما حكم به صلى الله عليه وسلم فلم يقبل وذهب به إلى عمر رضي الله عنه فسبقه اليهودي بالقول وأخبره بما كان من حكمين سابقين فاستمهلهما ودخل فأتى بسيفه وقتل من لم يرضَ بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان الحكم لليهودي..(1/14)
ص -42- وفي قصة شريح في قضية علي بن أبي طالب مع اليهودي في الدرع أعظم مثَلٍ للقضاء والمتقاضين والحكم النزيه. افتقد عليٌ درعَه سقط عن بعيره فأخذه يهودي فادعاه به فلم يعطه وقال درعي وفي يدي فاحتكما إلى شريح فطلب شريح من عليٍ البينة فقال: ليس عندي إلا الحسن والخادم. فقال له أما الحسن فولدك ولا تقبل شهادته لك, فقال علي: ويحك ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة", قال: بلى والله أعلم, ولكن لا بد لك من شاهد آخر, فقال: ليس عندي, فقال لليهودي: انطلق بالدرع, فلما خرج قال: واعجباً والله قاضي المسلمين وإمامه أمير المؤمنين ولم يقبل شهادة ولده له وهو ابن بنت رسول الله, هذا والله هو العدل, يا علي هذا الدرع لك سقط عن بعيرك فأخذته ولكن أردت أن أنظر ماذا سيصنع قاضيك لك وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, ففرح علي وقال: خذ الدرع فهو لك وخذ هذه مائتا درهم لك.
هذه هي عدالة الإسلام ومساواته بين جميع المواطنين في الحقوق أمام القضاء مما لم يعرف له العالم مثيلاً, لا قديما ولا حديثا.
وقد وضع الفقهاء أبوابا لأهل الذمة في تآليفهم لبيان ما لهم في ظل الإسلام وتحت حكم المسلمين. وقضية الجيش في سمرقند وقضاؤه فيها بأمر أمير المؤمنين الخليفة عمر بن عبد العزيز أعظم شاهد على ذلك وسيأتي التنبيه على محاسن الشريعة ومساوئ القوانين فيما بعد إن شاء الله.(1/15)