تقديم الأستاذ
الشيخ محمد شقره
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى.
أما بعد
فإنّ مِن أعظم الفِتَن ضراً وسوءاً، تِلْكُم التي تنشأ من علوق القلوب بحُبِّ إنسان إما بصلاحه وإما بعلمه، وإما بهما معاً.
ولقد أَمْرَرْتُ بأهل العلم وطلابه بصري فأحزنني ما أبصرت من حالهم، فما أُبْتُ إلا بما يزداد به طالب العلم الناصح العاقل إيماناً أن العلم لا يصلح إلا لأهله وبأهله.
عرفت من أولئك واحداً منذ ما يزيد عن الثلاثين عاماً فما انتقص في وَفَاء وما جيء من خلُقه بريبة، وما أعطى من نفسه إلا بسخاء، يصل من غير طمع، ويقطع من لا يرغب إلا أن يكون رحى فتنة، ويحسن لمن يسيء إليه، يرعى حرمة أخيه في غيبته، ويحوطه من ورائه، ويحفظ عليه ضيعته، وينصره في شدته، ولا يُقبل عليه في رخاء ليدبر عنه في بلاءٍ، شديد المراس في حقه، غيور على دينه، ولا أدَلَّ على ذلك من موقفه القويّ الثابت الذي وقفه، نافح فيه عن عقيدة السلف(1) وانتصر فيها لإخوان له نيل منهم في دينهم وعلمهم، وأظهر فيه الحق وبصَّر به ودعا إلى نصرته، إنه: الأخ العزيز المحبّ أبو حذيفة الدكتور محمد أبو رّحيِّم، أحسَنَ الله عاقبَتَهُ في الأمور كلها.
ولا زالت ذكرى المناظرة التي كانت بينه وبين علي حلبي أظهره الله فيها عليه، بما أوتي من حجة دامغة وأسلوب هادئ رصين، ما علا له فيها صوت، ولا انتفخ له ودج، ولا اهتزّ له بطن.
وإني لأشهد شهادة ألقى الله بها أني ما قضيتُ لأبي حذيفة إلا لظهور حجته وقوة عارضته ودقة علمه.(2)
وقدْ منَّ الله على (أبي حذيفة) بالاستقامة على الأمر فلم يعرف عنده سرقة أو نهبة أو غول طمع أو تزوير وتدليس فيما يكتب أو سيكتب إن شاء الله، ورسالته هذه خير شاهدٍ على ما نقول.(1/1)
فهو أبيٌّ ولا يرضى له دينه أن يتكسب بالعلم المنهوب صنيع من لا يحسن في العلم إلا السَّفح، والسَّفك، والسَّكب ثم يقول مفاخِراً: إنه كاتب نحرير، ومؤلِّف خطير، ولعله صار على علم أنّ الناس يعرفون كل ما حوى جرابه من منهوب العلم، وقد جاءت رسالة الأخ (أبو حذيفة) هذه كاشِفَةً مُوضِّحَةً مُبَيِّنَةً ما كان عليه الشيخ ناصر -رحمه الله- من مُعْتَقِدٍ، وارتَحَلَ معه والناسُ مختلِفونَ فيه.
لقد تناول الأخ (أبو حذيفة) بقلمه الأمين -جزاه الله خيراً- طرفاً من مسألة الإيمان مما رضيه الشيخ لنفسه منها بأدب وصراحة ووضوح، وأحسبه أنه ما كان يريد ذلك لولا ما أسفرت به وجوه الذين بَغَوا في الأرض وسَعوا فيها فساداً، وأرضخوا دينهم لهواهم عن سعار الشهوة وعرامة الإثم.
وماذا يضير الشيخ -رحمه الله- أنْ يُظْهَرَ خَطَؤُهُ في الناس إن أخطأ، فالعلم دائر بين الخطأ وبين الصواب، وكان -رحمه الله- يَرُدُّ على نفسه بنفسه حين يعلم من نفسه أنه أخطأ، وهذا خُلُق العدْلِ في العدْلِ، أما أنْ يدّعي نفر ممن لم يكن يحسن إلا الصمت أمامه في دروسه العامة فيقول: لقد رَدَدْتُ على الشيخ وخالفته في مئات المسائل ويقول آخر:
-لو حلفت أني ما رأيته مع الشيخ إلا مرتين أو ثلاثاً- كم رددنا على الشيخ وخالفناهُ، فإنه والله الكذب الصّراح بعينه، ولسوف تُبدي الأيام للناس ما كان خافياً مما ألَّغوا فيه وأوغلوا.
ولسنا بالموفّين الأخ (أبو حذيفة) حقَّه في انتصاره لعقيدة السلف، التي قاد فُلْكها أكابرُ الأمة من العلماء النُّبلاء، إلا بالدعاء له، فجزاه الله جزاء الخير وخير الجزاء.
والصلاة والسلام على نبي الهدى، ومعلم الناس الخير، ولله الأمر من قَبْل ومن بعد، وهو نعم المولى ونعم الوكيل.
وكتب
أبو مالك
محمد إبراهيم شقره
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلْق محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:(1/2)
فقد رحل الشيخ الألباني -رحمه الله- تاركاً وراءه جدلاً حول موقفه من مسائل الإيمان رغم وضوحه، فسأَلَني بعضُ الأخوة تحريرَ ذلك تبرئة للشيخ مما افترى عليه أدعياء المنهج والتلمذة، ووضعاً للأمور في مواضعها اللائقة بها، فجمعت أقواله -رحمه الله- مقدماً منطوقها على مفهومها، ومبيَّنِها على مجملها من غير زيادة أو نقصان. وقد كنت أبديتُ بعضاً منها في حياته -رحمه الله- وقبل وفاته بعامين تقريباً ولم يُؤثَر عنه ردٌّ مسموع أو مكتوب خلافاً لعادته، ولا أريد قَفْوَ ما ليس لي به علم بخرص أسباب ذلك، بل يكفي أنَّ الله مَنَّ عليَّ بعدمِ ردِّه، إلا ما كان منه من ملاحظات عامة في الذبّ الأحمد على ما سيأتي ذكره بنصِّه.
جاء هذا البحث في هيئة ثلاثة مباحث -غير الحديث عن حياة الشيخ رحمه الله-، الأول منها: تعريف الشيخ للإيمان، والثاني: ثمرات هذا التعريف، والثالث: قيوده
-رحمه الله- على الكفر المخرج من الملَّة، ثم ختمتُ البحث بكلمة عن أصاغر الأدعياءِ في الأردن.
أرجو أن أكون قد وُفِّقتُ في بيان الحقّ بتوضيح موقف الشيخ -رحمه الله- كما هو، وما فاتني من سهو أو خطأ فمن نفسي ومن الشيطان.
سائلاً المولى عز وجل أن يجعل عملي خالصاً صواباً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
محمد أبو رّحيِّم
18 جمادى الأولى 1422
8 آب 2001
حياة الشيخ
-رحمه الله-
حياة الشيخ الألباني -رحمه الله-
1- اسمه ونسبه ونسبته:
هو محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي بن آدم، ويُكنَّى بأبي عبد الرحمن، واشتهر بالألباني، نسبة إلى ألبانيا إحدى الولايات الإسلامية في البلقان.
2- ولادته ووفاته:(1/3)
وُلِدَ -رحمه الله- في مدينة (اشقودره) عاصمة ألبانيا حينئذ سنة 1333ه الموافق 1914م وهاجر بصحبة والده إلى دمشق ونشأ فيها، وتوفي في عمان - عصر يوم السبت 22 جمادى الآخرة 1420ه الموافق 2 تشرين الأول 1999م، ودفن في مقبرة جبل هملان، وقد شهد جنازته جمع غفير، وكنتُ على يمين صاحبه وصفيه الأخ الشيخ محمد إبراهيم شقره الذي أَمّ المصلِّينَ عليه يومئذ.
3- دراسته وشيوخه:
نشأ -رحمه الله- في دمشق وتلقى تعليمه الابتدائي فيها ثم أخرجه والده من التعليم النظامي واعتنى به ودرَس عليه القرآن والفقه الحنفي، ثم عزز ما تلقاه عن والده بما تلقاه عن الشيخ سعيد البرهاني، وقدم الشيخ محمد راغب الطباخ وثيقة "الأنوار الجلية في مختصر الأثبات الحلبية" وإجازته للشيخ الألباني في علم الحديث.
لقد اعتنى الشيخ الألباني -رحمه الله- بهذا المجال فأنشأ نفسه بنفسه وهو في العشرين من عمره متأثراً بأبحاث مجلة المنار للشيخ محمد رشيد رضا حتى عُدَّ بحق عمدة أهل الحديث في زمانه.(3)
4- تلاميذه:
لقد سمع الشيخ -رحمه الله- خلق كثير وأما الذين تتلمذوا على يديه فأخذوا عنه أخذاً مباشراً -في دمشق- فيعدون على أصابع اليد الواحدة منهم الأخ الشيخ عيد عباسي والأخ الشيخ علي الخشّان، كما تتلمذ عليه في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة مجموعة من طلبة العلم حين كان -رحمه الله- مدرساً فيها.
وأما في عَمَّان الأردن فطالما سمعتُ من الأخ الشيخ محمد شقره أنه كان يطلب من الشيخ -رحمه الله- أن يجعل للبعض درساً يقرأون عليه كتاباً أو كتباً في علم الحديث فيقول الشيخ -رحمه الله-: "ما بقي من الشجر غير الحطب، وليس عندي ما يتسع من الوقت لغير مشاريعي العلمية".
وبذلك يستوي في الأخذ عنه من كان في مشارق الأرض ومغاربها، لأن جُلَّ وسائل الأخذ عنه كان بالأشرطة المسجلة والمؤلفات المنشورة، وهذا يُعدُّ من الوجادة وليس من السماع والتلقي المباشر.(1/4)
ومن ادعى من أهل الأردن أنه أخذ عن الشيخ -رحمه الله- العلم مباشرة أو أجيز منه فهي دعوى كاذبة تكَسُّبيَّة وإلا فليطلع الناس على الإجازة التي سعد بها من الشيخ!!!(4)
ولربما كانت الإجازة عن الشيخ -رحمه الله- بالسرقات المنهوبة من بعضهم ويصعب عدُّ أولئك ومعرفتهم لكن اشتُهِر من بينهم عصابة عرفوا بهذا الخلُق الرديء، وتباهى أردؤهم بأنه قدّم للشيخ -رحمه الله- على حين غفلة منه، وقد جرت العادة العلمية أن يقدم الأعلى للأدنى وليس العكس، فكيف يكون مثل هذا التباهي المقلوب من ذياك المتسلل!!
وأما دعواه قراءة الشيخ -رحمه الله- بعض كتبه وقوله: قرأه وتمتّع به، وزادك الله توفيقاً فهي دعوى لا تساوي ذكرها لكثرة ما عرفها الناس عليه من الكذب على الشيخ ولما فيها من أخطاء علمية عقدية، وإلا كان اتهاماً منه للشيخ -رحمه الله- بأنه على هواه الإرجائي المذموم.
أما صحبتي الشيخَ -رحمه الله- فقد تجاوزت ربع القرن(5) بخمس سنين وكنت فيها كسائر خواص إخوانه وأصحابه، بل تخللها مواقف مشهودة كان أهمها: شهوده زواجي من أمِّ حُذَيفةَ -زادها الله توفيقاً- اختارتها لي زوجته الفاضلة خديجة قادري، وشهد لي بمتابعة الدراسة العالية في جامعة أم القرى شهادة مكتوبة بخط يده حفظت في ملفي الشخصي.
وقبل انسدال المشهد الأخير من حياة الشيخ -رحمه الله- دفعني الشوق إلى عيادته في مرض موته مع جمع من أهل العلم والفضل منهم الأخ الشيخ محمد شقره والأخ الشيخ علي الخشان، فرأيت جسداً قد علته صفرة الرحيل وغلبة النحول وتمكن داء الهرم، قبَّلت يده ورأسه فردّ بصوت خافت هادئ ينبئ عن ذهن حاضر لم يختلط، حمّل بعضنا أمانة إبلاغ سلامه إلى أحبابه، وما هي إلا أيام معدودات حتى فاضت روحه فأدركته يوم الدفن وانسدل الستار على جسد إمام من أئمة المسلمين ليلحق بمن سبقه من علماء الأمة العاملين.(6)
حقيقة الإيمان عند الشيخ
-رحمه الله-
المبحث الأول(1/5)
تعريف الإيمان عند الشيخ الألباني
-رحمه الله-
حقيقة الإيمان عند الشيخ
-رحمه الله-
المبحث الأول:
1- تعريف الإيمان عند الشيخ الألباني -رحمه الله-
1-1 تمهيد
بعد تتبعي أقوال الشيخ -رحمه الله- خرجت بنتيجة لا يختلف عليها اثنان وهي أن للشيخ قولين اثنين في تعريف الإيمان وإن اختلفا في اللفظ والتعبير، فقد اتفقا في المعنى والتأصيل.
ولتحديد وجه الاختلاف والاتفاق لا بد من تقديم منطوق كلامه -رحمه الله- على مفهومه، ومبيّنه على مجمله وإفراد كلّ قول بنصِّه ثم التأصيل بذكر حقيقة الإيمان عند الشيخ ولوازمه مُقَابَلاً بأقوال مَنْ وافقه أو خالَفَه في هذه الحقيقة أصلاً وفرعاً.
1-2 قولا الشيخ -رحمه الله- في تعريف الإيمان
القول الأول:
الإيمان؛ قول (لا إله إلا الله) معرفة وإذعاناً.
قال الشيخ -رحمه الله-: "... فإن الإيمان تسبقه المعرفة ولا تكفي وحدها، بل لا بد أن يقترن مع المعرفة الإيمان والإذعان، لأن المولى -عز وجل- يقول في محكم التنزيل: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ( وعلى هذا، فإذا قال المسلم: لا إله إلا الله، فعليه أن يضمّ إلى ذلك معرفة هذه الكلمة بإيجاز ثم بالتفصيل، فإذا عرف وصدّق وآمن فهو الذي يصدُق عليه تلك الأحاديث التي ذكرتُ بعضها آنفاً ومنها قوله (: "من قال لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره"(7).
وقال -رحمه الله-: "... لأن قوله: لا إله إلا الله لا ينفعه ما دام لم يوجد في قلبه شيء من الإيمان إلا على مذهب المرجئة الغلاة الذين لا يشترطون مع القول الإيمان القلبي"(8).
التأصيل:
إن المتأمل في منطوق القول الأول للشيخ -رحمه الله- يخرج بالحقائق التالية:
أولاً: أن تعريف الإيمان عند الشيخ -رحمه الله- هو: قول: (لا إله إلا الله) معرفة وإذعاناً، ولو صغنا ذلك بعبارة أخرى فقلنا: قول واعتقاد لما اختلف المعنى.(1/6)
ثانياً: لم يعتد الشيخ -رحمه الله- بالمعرفة المجردة، بل أضاف إليها الإذعان القلبي (قول القلب وعمله).
ثالثاً: أما عمل الجوارح فسيأتي موقف الشيخ منه بعد قليل -إن شاء الله-.
اعتراض مقبول:
قد يشكل ما تقدم من تأصيل على بعضهم ويصعب عليهم قبول هذه الحقيقة وهي؛ قيام الإيمان عند الشيخ -رحمه الله- على ركنين اثنين هما: القول والاعتقاد فقط. وعندهم ما يبرر هذا الإشكال، من ذلك:
أولاً: إن الشيخ -رحمه الله- عدّ من أخرج العمل عن ماهية الإيمان من المرجئة، وأنه مخالف للسلف حقيقة وليس صورياً.
ثانياً: إن الشيخ -رحمه الله- بيَّن في مواضع كثيرة فساد قول المرجئة بتقريره؛ زيادة الإيمان ونقصانه، وجواز الاستثناء فيه، وأنه ليس شيئاً واحداً.
وحتى ننصف الشيخ -رحمه الله- ونعدل في قضية طال الجدل فيها في حياته -رحمه الله- وامتدت بعد وفاته لا بُدّ من ذِكر النصوص التي أثارت الإشكال وأن نقابلها مع منطوق القول الأوّل.
القول الثاني للشيخ -رحمه الله- في تعريف الإيمان (الإيمان: قول واعتقاد وعمل).
قال الشيخ -رحمه الله- معلِّقاً على قول الطحاويّ
-رحمه الله-: "والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان"(9).
قلت (أي الشيخ -رحمه الله-): "هذا مذهب الحنفية والماتريدية خِلافاً للسلف وجماهير الأئمة كمالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم فإن هؤلاء زادوا على الإقرار والتصديق: العمل بالأركان وليس الخلاف بين المذهبين اختلافاً صورياً كما ذهب إليه الشارح -رحمه الله- بحجة أنهم جميعاً اتفقوا على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان وأنه في مشيئة الله إن شاء عذّبه، وإن شاء عفا عنه، فإن هذا الاتفاق وإن كان صحيحاً فإن الحنفية لو كانوا غير مخالفين للجماهير مخالفة حقيقية -في إنكارهم أن العمل من الإيمان- لاتفقوا معهم على أن الإيمان يزيد وينقص وأن زيادته بالطاعة ونقصه بالمعصية مع تضافر أدلة الكتاب والسُّنة والآثار السلفية على ذلك.(1/7)
ولكن الحنفية أصرُّوا على القول بخلاف تلك الأدلة الصريحة في الزيادة والنُّقصان، وتكلَّفوا في تأويلها تكَلُّفاً ظاهراً؛ بل باطلاً، ذكَر الشارِح (ص385) نموذجاً منها؛ بل حَكى عن أبي المعين النَّسفي أنه طَعَن في صحة حديث "الإيمان بضعٌ وسبعون شُعبة.." مع احتجاج كلّ أئمة الحديث به، ومنهم البخاري ومسلم في (صحيحيهما)(10) وما ذلك إلا لأنه صريح في مخالفة مذهبهم!
ثم؛ كيف يصح أنْ يكون الخِلاف المذكور صُورِياً، وهم يُجيزون لأَفْجَرِ واحدٍ منهم أنْ يقول: إيماني كإيمان أبي بكر الصِّديق! بل كإيمان الأنبياء والمرسَلين، وجبريل وميكائيل -عليهم الصلاة والسلام-؟!
كيف وهم -بناءً على مذهبهم هذا- لا يُجيزون لأحدهم -مهما كان فاسِقاً فاجراً- أن يقول: أنا مؤمن -إن شاء الله تعالى-، بل يقول: أنا مؤمن حقاً! والله
-عز وجل- يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً( [الأنفال: 2-4]، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً( [النساء: 122].
وبناءً على ذلك -كُلِّه- اشتطّوا في تعصّبهم؛ فذكروا أنّ من استثنى في إيمانه فقد كفَر! وفرَّعوا عليه أنه لا يجوز للحَنَفيّ أن يتزوج بالمرأة الشافعية! وتسَامح بعضُهم
-زعموا- فأجاز ذلك دون العكْس! وعلَّل ذلك بقوله: تنْزيلاً لها منزلة أهل الكتاب!!
وأعرِف شخصاً من شيوخ الحنفية خطب ابنتَه رجلٌ من شيوخِ الشافعية، فأبى قائلاً: لولا أنَّك شافعيٌّ!
فهل بعد هذا مجال للشك في أن الخلاف حقيقيٌّ؟!
ومَن شاء التَّوسُّع في هذه المسألة فليرْجِع إلى كتاب شيخ الإسلام ابنِ تيمية: "الإيمان"؛ فإنه خيرُ ما أُلِّفَ في هذا الموضوع"(11).(1/8)
وقال -رحمه الله- في معرض ردّه على الطّاعن في مسند الإمام أحمد -رحمه الله-: "إن الرجل حنفي ماتريديّ المعتقد، ومن المعلوم أنهم لا يقولون بما جاء في الكتاب والسُّنة وآثار الصحابة من التصريح بأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأعمال من الإيمان وعليه جماهير العلماء سلَفاً وخلَفاً ما عدا الحنفية؛ فإنهم لا يزالون يصرّون على المخالفة، بل إنهم ليصرحون بإنكار ذلك عليهم، حتى إن منهم من صرّح بأن ذلك رِدَّة وكفر -والعياذ بالله تعالى- فقد جاء في (باب الكراهية) من البحر الرائق -لابن نُجيم الحنفي- ما نصُّه (8/205): "والإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأن الإيمان عندنا ليس من الأعمال"(12).
قال الشيخ معلِّقاً في الهامش ص33: "وهذا يخالف
-صراحة- حديث أبي هريرة أن رسول الله ( سئل: أيُّ العمل أفضل؟ قال: "الإيمان بالله ورسوله.." الحديث أخرجه البخاري وغيره، وفي معناه أحاديث أخرى ترى بعضها في الترغيب (2/107)، وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية وجه كون الإيمان من الأعمال وأنه يزيد وينقص -بما لا مزيد عليه- في كتابه الإيمان فليراجعه من شاء البسط.
أقول (والقول للشيخ -رحمه الله-): "هذا ما كنتُ كتبته منذ أكثر من عشرين عاماً مقرراً مذهب السلف وعقيدة أهل السُّنة -ولله الحمد- في مسائل الإيمان، ثم يأتي -اليوم- بعض الجهلة الأغمار والناشئة الصغار فيرموننا بالإرجاء!! فإلى الله المشتكى من سوء ما هم عليه من جهالة وضلالة وغثاء".
التأصيل:
إن المتأمل في منطوق كلام الشيخ -رحمه الله- يخرج بما يلي:
أ- أن حقيقة الإيمان عنده هي: قول واعتقاد وعمل.
ب- أن العمل داخل في مُسَمَّى الإيمان.
ج- أن من أخرج العمل من حقيقة الإيمان مخالف لجماهير السلف.
د- أن الإيمان ليس شيئاً واحداً.
ه- أنه يجوز الاستثناء في الإيمان.
الجمع بين القولين:(1/9)
عندما نتحدث عن حقيقة الإيمان عند السلف فإن المتبادر إلى الذهن من أقوالهم، قولهم بركنية كل من القول والاعتقاد والعمل في مسمّى الإيمان.
وإن المتبادر من منطوق كلام الشيخ -رحمه الله- في القول الأول قوله بركنية القول والاعتقاد، وأما قوله الثاني فيفهم منه قوله بركنية كل من القول والاعتقاد والعمل.
وأقدّم منطوق كلامه -رحمه الله- على مفهومه لما يلي:
أولاً: لم يترك الشيخ -رحمه الله- مجالاً لحمل مجمل كلامه على مبينه ولا تقديم مفهومه على منطوقه، بل وضَّحَ موقفه من العمل في مسمى الإيمان كما يلي:
أ- أنَّ العمل داخل في مُسمّى الإيمان حقيقة، ثم رتّب على ذلك قوله زِيادة الإيمان ونقصانه.
ب- أن العمل وإن كان داخلاً حقيقة في مسمى الإيمان فهو لا يعدو أن يكون شرط كمال فيه وليس ركناً كالقول والاعتقاد يستوي عنده جنس العمل وآحاده.
ج- أن ثمرة ذلك شاملة لما عندنا ولما عند الله -جل وعلا- فمن أقرّ بـ"لا إله إلا الله" معرفة وإذعاناً حكم بإسلامه وأجريت عليه الأحكام في الدنيا وبالنجاة له يوم القيامة ولو لم يعمل مطلقاً -كما سيأتي بيانه بنصّ أقوال الشيخ -رحمه الله-.
أقواله -رحمه الله- المؤيدة لذلك
أ- أكتفي بذكر أقواله المدونة في كتبه -رحمه الله-، أما ما سُجِّل له بصوته فأعرض عنه رغم موافقتها لما ثبت عنه كتابةً.(13)
ب- أما أقواله المكتوبة فمنها:
قوله -رحمه الله-: ".. ومنها قوله (: "من قال لا إله إلا الله، نفعته يوماً من دهره"؛ أي: كانت هذه الكلمة الطيبة -بعد معرفة معناها- منجية له من الخلود في النار
-وهذا ما أكرره لكي يرسخ في الأذهان- وقد لا يكون قد قام بمقتضاها من كمال العمل الصالح والانتهاء عن المعاصي ".(14)
وقال أيضاً: "فإنَّ الأعمال الصالحة كلها شرط كمال عند أهل السُّنة، خلافاً للخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد أهل الكبائر في النار مع تصريح الخوارج بتكفيرهم.(1/10)
فلو قال قائل بأن الصلاة شرط لصحة الإيمان وأن تاركها مخلّد في النار فقد التقى مع الخوارج في بعض قولهم هذا، وأخطر من ذلك أنه خالف حديث الشفاعة هذا كما تقدم بيانه".(15)
ووافق الشيخ -رحمه الله- على تعليق علي حلبي في هامش كتاب الشيخ (حكم تارك الصلاة) وقوله: انظر لزاماً فتح الباري (1/46).
وأما ما جاء في فتح الباري فتعليق ابن حجر
-رحمه الله- على قول السلف: "اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان" قال -رحمه الله-: "وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله ومن هنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقصان".(16)
الخلاصة:
لو حاولنا أنْ نَخرُج بتعريف موحَّد من قولي الشيخ -رحمه الله- لما استعصى ذلك علينا وبكل يسر نستطيع أن نقول:
الإيمان عند الشيخ -رحمه الله- (قول واعتقاد وعمل والعمل شرط في كماله)(17).
هذا هو تعريف الإيمان عند الشيخ الألباني -رحمه الله- الذي لا مَحيد عنه عند من يعقل العربية ويعرف كلام العرب.
ولنا مع تعريف الشيخ هذا وِقْفَةٌ مِن ثلاثة جوانب:
الأول: من وافق الشيخ -رحمه الله- في العمل في مسمى الإيمان.
الثاني: مقابلة تعريف الشيخ -رحمه الله- بأقوال السلف.
الثالث: من أين أُتي الشيخ -رحمه الله-؟
الجانب الأول:
من وافق الشيخ -رحمه الله-؟
لم أجد أقرب لفهم الشيخ -رحمه الله- للعمل في مُسمّى وأنه شرط في كماله غير فهم الحافظ ابن حجر
-رحمه الله- من قول أبي عذبة الحسن بن عبد المحسن، حيث قال: "اعلم أن العمل ليس من أركان الإيمان خلافاً للوعيدية وليس ساقطاً بالكلية حتى لا تضر المؤمن معصيته خلافاً للمرجئة".(18)
وبيّن البيجوري؛ أن المختار عند أهل السُّنة والجماعة (وهم عنده الأشاعرة) في الأعمال الصالحة أنها شرط كمال الإيمان.(19)
الجانب الثاني:
مقابلة تعريفه -رحمه الله- بأقوال السلف.
لقد تنوعت عبارات السلف في تعريف الإيمان، ومع ذلك لم يُنقل عن أحدهم القول إنّ الإيمان قول واعتقاد وعمل والعمل شرط في كماله.(1/11)
فمِن السَّلف من قال: الإيمان: قول وعمل، ومنهم من قال: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، ومنهم من قال: قول وعمل ونية، ومنهم من قال: قول وعمل ونية وعمل بالسُّنة. فأين نجد قولاً واحداً عن أئمة السلف أن الإيمان: قول واعتقاد وعمل، والعمل شرط في كماله؟!
ولقد وضَّح شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- المقصود من عبارات السلف السابقة فقال: "إن من قال من السلف الإيمان: قول وعمل؛ أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح، ومن زاد الاعتقاد رأى أن لفظ القول لا يُفهَمُ منه إلا القول الظاهر، أو خاف ذلك فزاد الاعتقاد بالقلب، ومن قال: قول وعمل ونية قال: القول يتناول الاعتقاد وقول اللسان، وأما العمل فقد لا يفهم منه النية فزاد ذلك، ومن زاد اتباع السُّنة؛ فلأن ذلك كله لا يكون محبوباً لله إلا باتباع السُّنة وأولئك لم يريدوا كل قول وعمل، إنما أرادوا ما كان مشروعاً من الأقوال والأعمال، ولكن كان مقصودهم الردّ على "المرجئة" الذين جعلوه قولاً فقط، فقال: بل قول وعمل، والذين جعلوه: أربعة أقسام فسّروا مرادهم كما سئل سهل بن عبدالله التستري عن الإيمان ما هو؟ فقالوا: قول وعمل ونية وسُنَّة. لأن الإيمان إذا كان قولاً بلا عمل فهو كفر، وإذا كان قولاً وعملاً بلا نية فهو نفاق، وإذا كان قولاً وعملاً ونية بلا سُنُّة فهو بدعة"!!(20)
والسلف مع قولهم بركنية العمل في مسمّى الإيمان لا يجعلون ذلك متعلقاً بآحاده وأفراده كما هو الشأن عند الخوارج والمعتزلة(21) وإنما حصروا ذلك بجنسه وأما آحاده وأفراده فقد فصَّلوا القول فيها؛ فمنها ما هو شرط في صحة الإيمان ومنها ما هو شرط في كماله والفيصل في ذلك نصوص الكتاب والسُّنة وفهم السلف أنفسهم.
مما تقدم نقرر الحقائق التالية:
أولاً: إن للشيخ -رحمه الله- منهجاً مستقلاً في فهم العمل في مسمى الإيمان مغايراً لفهم السلف.(1/12)
ثانياً: إن موافقة الشيخ -رحمه الله- للسلف في القول بدخول العمل في مسمى الإيمان لا تعدو اللفظ المجرّد، أما في الحقيقة والثمرة فالخلاف قائم لما يلي:
أ- إن القول بدخول العمل في مسمى الإيمان حقيقة لازمه أن يكون جزءاً من الماهية وركناً فيه، وقد التزم السلف ذلك ولم يلتزم به الشيخ -رحمه الله-.
ب- إن القول بالشرطية لازمه أن يكون العمل خارجاً عن الماهية، لكن الشيخ -رحمه الله- لم يلتزمه، بل قال بدخوله (حقيقة) دخول شرط كمال، وهذا مخالف لتعريف الشرط.
ج- إن الشيء إما أن يكون ركناً في ماهية شيء ما وإما أن يكون شرطاً له، فإن كان ركناً فلا يمكن أن يكون شرطاً لذات الشيء الذي هو ركن فيه، وكذا لو كان شرطاً له فلا يمكن أن يكون جزءاً من ذلك الشيء الذي هو شرط له لأن الشرط خارج عن الماهية.
اعتراض مقبول ولكن...
قد يقول قائل: إن الشيخ -رحمه الله- وافق السلف في زيادة الإيمان ونقصانه.
فيقال له: هذا حق؛ فقد قال -رحمه الله- في تعليقه وشرحه على العقيدة الطحاوية راداً على الحنفية الماتريدية: "فإن الحنفية لو كانوا غير مخالفين للجماهير حقيقة في إنكارهم أن العمل من الإيمان، لاتفقوا معهم على أن الإيمان يزيد وينقص وأن زيادته بالطاعة ونقصانه بالمعصية.(22)
لكن ينبغي أنْ يُتَفَطَّن إلى أصل المسألة؛ فإن مبنى القول بالزيادة والنقصان عند الشيخ -رحمه الله- يختلف عن مبنى القول ذاته عند السلف؛ لأن قول كل منهما ناشئ عن فهم العمل في مسمى الإيمان.
إن القول بالزيادة والنقصان من لوازم القول بركنية العمل في مسمى الإيمان، كما أنه لازم من لوازم القول بشرطيته (شرط كمال).(1/13)
لقد التزم السلف ذلك كما التزم القائلون بشرط الكمال هذا اللازم، ها هو البيجوري يقول بعدما عدّ الأعمال الصالحة من شرط الكمال: "فالتارك لها أو لبعضها من غير استحلال أو عناد للشارع أو شك في مشروعيته فهو مؤمن لكن فوّت على نفسه الكمال، والآتي بها ممتثلاً محصلٌ لأكمل الخصال".(23)
فقوله -رحمه الله-: "...فهو مؤمن لكن فوّت على نفسه الكمال والآتي بها ممتثلاً محصل لأكمل الخصال" يؤكد ما قلناه.
ثم اقرأ قول الحافظ -رحمه الله- في الفتح (1/46): "اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان فأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله، ومن هنا نشأ القول بالزيادة والنقص".
الجانب الثالث:
من أين أُتِي الشيخ -رحمه الله-؟
يرى بعضهم أن الشيخ -رحمه الله- في قوله إن الأعمال شرط في كمال الإيمان قد تأثر بما ورد عن الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في فتح الباري (1/112) وبما ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله- في كتابه الإيمان ص66 حيث قال: "فالأمر الذي عليه السُّنة عندنا ما نَصَّ عليه علماؤنا، مما اقتصصنا في كتابنا هذا، أن الإيمان بالنية والقول والعمل جميعاً، وأنه درجات بعضها فوق بعض، إلا أن أولها وأعلاها الشهادة باللسان كما قال رسول الله ( في الحديث الذي جعله فيه بضعة وسبعين جزءاً، فإذا نطق بها القائل، وأقرّ بما جاء من عند الله لزمه اسم الإيمان بالدخول فيه بالاستكمال عند الله، ولا على تزكية النفوس، وكلما ازداد لله طاعة وتقوى ازداد به إيماناً".
أما ما ورد عن ابن رجب -رحمه الله- فقوله: "ومعلوم أنّ الجنة إنما يستحق دخولها بالتصديق بالقلب على شهادة اللسان، وبهما يخرج من يخرج من أهل النار فيدخل الجنة"(24).
قلت: والأظهر عندي تأثر الشيخ -رحمه الله- بفهم الحافظ ابن حجر -رحمه الله- لقول السلف في الإيمان: "اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان"، قال -رحمه الله-: "وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله".(1/14)
وسبب هذا الترجيح يعود إلى:
أ- أن الرأي الأول يقوم على الفهم والاحتمالية.
ب- أن منطوق كلام الشيخ -رحمه الله- يطابق منطوق كلام الحافظ ابن حجر -رحمه الله-.
ج- ثم لمكانة الحافظ ابن حجر -رحمه الله- عند الشيخ في قواعده وأصوله الحديثية.
فهم الحافظ ابن حجر في الميزان:
مهما يكن من أمر فإن فهم الحافظ ابن حجر -رحمه الله- للعمل في مسمى الإيمان ليس فيصلاً في المسألة للاعتبارات التالية:
أ- لمعارضة فهم الحافظ -رحمه الله- فهم السلف فإنهم يرون ركنية العمل في مسمى الإيمان لا شرطيته، ومع قولهم هذا فإنهم لا يجعلون ذلك متعلقاً بأحاده وأفراده كما هو الشأن عند الخوارج والمعتزلة وإنما حصروا ذلك بجنسه، أما آحاده وأفراده فقد فصل السلف القول فيه. فمنها ما هو شرط في صحة الإيمان ومنها ما هو شرط في كماله والفيصل في ذلك نصوص الكتاب والسُّنة وفهم السلف أنفسهم.
ب- ولما عُرِف عن ضبط الحد المنطقي للمحدود بأركانه المميزة له عن غيره لا بشروطه. فأركان البيت في المحسوسات، والإيجاب والقبول في البيع في المشروعات(25)، والقول والعمل في الإيمان -عند السلف- في الاعتقادات.
ج- لما عهد عن شرّاح الحديث المتأخرين عدم تحريرهم -غالباً- لمسائل الاعتقاد على منهج السلف الصالح.
جدول رقم (1)
العمل في مسمى الإيمان
السلف
الشيخ
البيجوري ومن معه
الماتريدية
العمل داخل في مسمى الإيمان حقيقة.
العمل داخل في مسمى الإيمان حقيقة.
العمل من الإيمان.
العمل خارج عن مسمى الإيمان.
العمل ركن في مسمى الإيمان، أو شرط صحة.
العمل شرط في كمال الإيمان.
العمل شرط في كمال الإيمان.
العمل ليس ركناً وليس شرطاً في مسمى الإيمان.
فرقوا بين جنس العمل وآحاده فجنس العمل ركن وفصلوا في أحاده.
لم يفرق بين جنس العمل وآحاده، فكل منهما شرط في كمال الإيمان.
لم يفرقوا بين جنس العمل وآحاده، فكل منهما شرط في كمال الإيمان.(1/15)
لم يفرقوا بين جنس العمل وآحاده، فكل منهما خارج عن مسمى الإيمان.
الإيمان يزيد وينقص.
الإيمان يزيد وينقص.
الإيمان يزيد وينقص.
الإيمان لا يزيد ولا ينقص.
المبحث الثاني
ترك المأمور وفعل المحظور
عند الشيخ -رحمه الله-
المبحث الثاني
ترك المأمور وفعل المحظور
عند الشيخ -رحمه الله-
2-1 تمهيد
بعد أن وقفنا على تعريف الإيمان عند الشيخ
-رحمه الله- وتبين لنا -بنصِّ أقواله -رحمه الله- استقلاله بتعريف مغاير تعريف السلف يجدر بنا أن نذكر ثمرة هذا التعريف على الواقع من حيث الحكم على تارك المأمور وفاعل المحظور.
2-2 ترك المأمور
تمهيد:
لم يفرق الشيخ -رحمه الله- بين ترك العمل بالكلية وبين ترك آحاده الواجبة أو المستحبة، بل الكل عنده سواء من حيث أثر ذلك على الإيمان.
فمن ترك المأمور مطلقاً أو العمل مطلقاً أو ترك واحداً من آحاد العمل الواجبة فهو مؤمن ناقص الإيمان -كلٌّ بحَسْبه- وهذه الثمرة تلتقي مع كون العمل عنده -رحمه الله- شرطاً كمالياً في الإيمان وليس ركناً فيه.
وموقفه هذا يقابل موقف الماتريدية الذين يرون تمام إيمان من ترك العمل مطلقاً.
وإذا كان ترك العمل بالكلية -عند الشيخ -رحمه الله- لا يؤثر على مطلق الإيمان فينقضه فليس عنده من آحاده ما يرقى إلى شرط الصحة فيبطل مطلق الإيمان بتركه، كترك الصلاة، أما القيود التي اعتدّ بها الشيخ -رحمه الله- حتى تكون حاكمة على من قامت فيه بالكفر فسنذكرها في المبحث الثالث -إن شاء الله تعالى-.
أقواله -رحمه الله- في ذلك:
أ- ترك العمل مطلقاً عند الشيخ -رحمه الله-نقص في الإيمان:
استدل الشيخ -رحمه الله- على إثبات مطلق الإيمان لمن ترك العمل بالكلية ونجاته يوم القيامة بحديث أبي سعيد الخدري ( قال: قال رسول الله (: "إذا خلص المؤمنون من النار وأمنوا، والذي نفسي بيده ما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد من مجادلة المؤمنين لربِّهم في إخوانهم الذين أُدخِلوا النار.(1/16)
قال: يقولون: ربّنا! إخواننا كانوا يُصَلّون مَعَنا، ويَصومون معنا، ويحجُّون معنا ويجاهدون معنا، فأدخلتهم النار!
قال: فيقول: اذهبوا، فأَخرِجوا مَن عرفتم منهم.
فيأتونهم؛ فيعرفونهم بصورهم، لا تأكلُ النَّارُ صورَهم، لم تَغشَ الوجهَ، فمنهم من أخَذَته النار إلى أنصافِ ساقيه، ومنهم من أخذَتهُ إلى كَعبيه، [فيُخرِجونَ منها بَشَراً كَثيراً]، فيقولون: ربَّنا! قد أخرجنا من أمرتنا.
قال: ثمّ يَعودونَ فيتكلمون فيقول: أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينارٍ من الإيمان.
فيخرجون خلْقاً كثيراً ثم يقولون: ربَّنا لم نذَر فيها أحداً ممن أمرتنا.
ثم يقول: ارجِعوا فمن كان في قلبه وزنُ نصف دينار فأخرجوه، فيُخرِجون خلْقاً كثيراً، ثم يقولون: ربَّنا لم نذَر فيها ممن أمَرتنا.. حتى يقول: أخرجوا من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرّةٍ فيخرجون خلقاً كثيراً.
قال أبو سعيد: فمَن لم يُصدِّق بهذا الحديث فليقرأ هذه الآية: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً(.
قال: فيقولون: ربَّنا أخرَجنا من أمَرتنا، فلم يبْقَ في النارِ أحدٌ فيه خيرٌ!
قال: ثم يقولُ الله: شَفَعتِ الملائكة، وشفَعَت الأنبياءُ، وشفَعَ المؤمنون، وبَقِيَ أرحمُ الراحمين.
قال: فيقبضُ قبضةً من النار - أو قالَ: قبضتين- ناساً لم يعملوا لله خيراً قط، قد احترقوا حتى صاروا حِمَماً.
قال: فيُؤتى بهم إلى ماءٍ يُقال له (الحياة)، فيُصبُّ عليهم، فيَنبُتون كما تنبت الحبَّةُ في حميلِ السَّيلِ، قد رأيتموها إلى جانب الصَّخرة، وإلى جانب الشجرة، فما كان إلى الشَّمس منها كان أخضر، وما كان منها إلى الظِّل كان أبيض.
قال: فيخرجون من أجسادهم مثل اللؤلؤ، وفي أعناقهم الخاتم، (وفي رواية: الخواتم)، عُتَقاءُ الله.(1/17)
قال: فيقالُ لهم: ادْخلوا الجنَّةَ؛ فما تَمَنَّيتُم ورأيتم من شيء لهو لكم ومثله معه، فيقول أهل الجنّة: هؤلاء عُتقاءُ الرَّحمن، أدخَلَهم الجنَّة بغير عملٍ عَملوهُ ولا خير قدَّموه.
قال: فيقولون: ربَّنا! أعطيتنا ما لم تُعطِ أحداً من العالمين!
قال: فيقول: فإنَّ لكم عندي أفضلَ منه!
فيقولون: ربَّنا! وما أفضلُ من ذلك؟
قال: فيقول: رضائي عنكم، فلا أسخطُ عليكم أبداً"(26)
قال -رحمه الله- بعد تخريجه هذا الحديث: "في هذا الحديث فوائد جمة عظيمة منها: شفاعة المؤمنين الصالحين في إخوانهم المصلين الذين أدخلوا النار بذنوبهم، ثم بغيرهم ممن هم دونهم على اختلاف قوة إيمانهم.
ثم تفضَّل الله تبارك وتعالى على من بَقِي في النار من المؤمنين، فيُخرجهم من النار بغير عمَل عملوه، ولا خيرٍ قدَّموه.
ولقد توهَّم بعضهم أنَّ المرادَ بالخير المنفيِّ تجويزُ إخراج غير الموحِّدين من النار!
قال الحافظ في "الفتح" (13/429): "ورُدّ ذلك بأنّ المراد بالخير المنفيِّ ما زادَ على أصلِ الإقرار بالشهادتين كما تدلُّ عليه بقيَّة الأحاديث".
قلت: منها قوله ( في حديث أنس الطَّويل في الشفاعة أيضاً: "فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقُل تُسمَع، وسَل تُعطَ، واشفع تُشَفَّع.
فأقول: يا ربِّ ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله.
فيقول: وعزَّتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرِجَنَّ منها من قال: لا إله إلا الله"(27)
وفي طريقٍ أخرى عن أنس: "... وفَرَغ الله من حساب النّاس، وأدخل من بَقِيَ من أمَّتي في النار، فيقول أهلُ النار: ما أغنى عنكم أنَّكم كنتم تعبُدون الله عزّ وجلّ(28) لا تُشركون به شيئاً؟، فيقول الجبار عز وجلّ: فبِعزتي لأُعتِقَنَّهم من النار.
فيُرسلُ إليهم، فيَخرجونَ وقد امتُحِشوا، فيَدخلون في نهر الحياة، فينبتون.." الحديث.(29)(1/18)
وفي الحديث ردٌّ على استنباط ابن أبي جمرة من قوله ( فيه: "لم تَغْشَ الوَجْه "، ونحوُهُ الحديثُ الآتي بعدهُ: "إلا داراتِ الوجوه ": أنَّ من كانَ مُسلماً ولكنَّه كان لا يُصَلّي لا يَخرجُ من النار إذ لا عَلامةَ له!.
ولذلك تعَقَّبه الحافظ بقوله (11/457): "لكنه يُحملُ على أنَّه يَخرجُ في القبضةِ، لعموم قوله: "لم يعملوا خيراً قَط، وهو مذكورٌ في حديث أبي سعيد الآتي في (التوحيد)".
يعني هذا الحديث.
وقد فات الحافظ -رحمه الله- أنّ في الحديث نفسه تعقُّباً على ابن أبي جمرة من وجهٍ آخر، وهو أنّ المؤمنين لما شفَّعهم الله في إخوانهم المصلِّين والصائمين وغيرهم في المرّة الأولى، فأخرجوهم من النَّارِ بالعَلامة، فلما شُفِّعوا في المرات الأخرى وأخرجوا بشراً كثيراً، لم يكُن فيهم مُصلّون بداهةً، وإنَّما فيهم من الخيرِ كلٌّ حسبَ إيمانهم.
وهذا ظاهرٌ لا يَخفى على أحدٍ إن شاء الله.(30)
التأصيل
بالنظر في منطوق تعليق الشيخ -رحمه الله- على حديث أبي سعيد الخدري ( نخرج بالحقائق التالية:
أولاً: أن شهادة أنْ لا إله إلا الله معرفة وإذعاناً (القول والاعتقاد) تثبت الإيمان لقائلها، كما تقدم بيانه في المبحث الأول.
ثانياً: أن هذه الشهادة تكفي وحدها لإخراج من نطق بها خالصاً بها قلبه من النار ولو لم يعمل خيراً قط.
ثالثاً: أن الناجين بالقبضة: لم يعملوا خيراً قط ولم يكن فيهم مصلّون.
رابعاً: أن من فاته العمل كلّه مؤمن ناقص الإيمان.
مَنْ وافق الشيخ -رحمه الله- ؟
بيَّن البيجوري أن المختار عند أهل السُّنة والجماعة (وهم عنده الأشاعرة) في الأعمال الصالحة أنها شرط كمال الإيمان، فالتارك لها أو لبعضها من غير استحلال أو عناد للشارع أو شكٌّ في مشروعيته(31) فهو مؤمن لكنه فوّت على نفسه الكمال، والآتي بها متمثلاً محصل لأكمل الخصال"(32).
من خالف الشيخُ -رحمه الله-؟!(1/19)
خالف الشيخُ -رحمه الله- في هذه المسألة السلف والماتريدية والمعتزلة والخوارج، أما الماتريدية فالفرق بينهم وبين الشيخ -رحمه الله- أنهم يقولون بتمام إيمان تارك العمل مطلقاً ونجاته يوم القيامة، ويرى الشيخ
-رحمه الله- نقص إيمانه وتأثيمه بهذا الترك ونجاته يوم القيامة من الخلود في النار.
ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن من يقول بتمام إيمان التارك للعمل مطلقاً مخالف لمنهج السلف حقيقة وليس صورياً، فقال -رحمه الله-: "من قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات سواء جعل فعل الواجبات لازماً له، أو جزءاً منه -فهذا نزاع لفظي- كان مخطئاً خطئاً بيّناً، وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف، والصلاة هي أعظمها وأعمّها وأولها وأجلُّها"(33)
قلت: وكذا من يقول بنقص إيمان من لا يعمل مطلقاً، فإنّ الخلاف بينه وبين السلف حقيقياً وليس لفظياً لما يلي:
أولاً: أن المسلمين منهم الظالم لنفسه ومنهم المقتصد ومنهم السابق بالخيرات قال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ( [فاطر: 32].
قال ابن كثير: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ( المفرِّط في فعل بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرَّمات... عن ابن عباس قال: "... فظالمهم يُغفَر له..".(34)
وقال شيخ الإسلام: "وأما الظالم لنفسه من أهل الإيمان ففيه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه، كما معه من ضد ذلك بقدر فجوره..." وقال في موضع آخر: "هو العاصي بترك مأمور وفعل محظور".(35)
ثانياً: إن أهل السُّنة والجماعة لا يتصورون وجود إيمان في الباطن ولا شيء منه في الظاهر، وأقوالهم في ذلك كثيرة منها:(1/20)
قال أبو ثور -رحمه الله- ملزماً المرجِئَة: "أرأيتم لو أنَّ رجُلاً قال: أعملُ ما أمر الله به ولا أُقِرُّ به، أيكون مؤمناً؟ فإن قالوا: لا، قيل لهم، فإن قال: أُقِرُّ بجميع ما أمر الله به ولا أعمل منه شيئاً أيكون مؤمناً؟ فإن قالوا: نعم، قيل لهم: ما الفرق! وقد زعمتم أن الله عزّ وجلّ أراد الأمرين جميعاً، فإنْ جاز أنْ يكون بأحدهما مؤمناً إذا تَرَك الآخر جازَ أن يكون مؤمناً إذا عمِل ولم يقرّ لا فرق بين ذلك"(36).
ثالثاً: قضت أقوال أئمة السَّلَف بتكفير من تَرَك العمل بالكلية، وقد تضافرت أقوال أئمة السَّلف في هذا، منها:
قال الآجري -رحمه الله-: "فالأعمال -رحمكم الله تعالى- بالجوارح، تصديق للإيمان بالقلب واللسان، فمن لم يصدق الإيمان بعمل جوارحه، مثل الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد وأشباه هذا، ورضِيَ من نفسه بالمعرفة والقول لم يكُن مؤمناً، ولم تنفعه المعرفة والقول، وكان تركه العمل بما ذكرنا تصديقاً منه لإيمانه.. إن الإيمان لا يكون إلا بالعمل.. خلاف ما قالت المرجِئة الذي لعب بهم الشيطان".(37)
أما الخوارج فمع قولهم تكفير تارك العمل مطلقاً وخلوده في النار فقد فارَقوا أهل السُّنة والجماعة بتكفيرهم مرتكب الكبيرة، وكذا المعتزلة في قولهم بالمنزلة بين المنزلتين، وسيأتي ذِكر ذلك بعد قليل -إن شاء الله تعالى-.
ب- ترك أركان الإسلام أو تركُ واحدٍ منها عند الشيخ -رحمه الله-:
تمهيد:
ليس عند الشيخ -رحمه الله- من آحاد العمل ما يَرقى إلى شرط الصِّحة، يستوي عنده في هذا ترك أركان الإسلام أو ترك بعضها، بل تأوَّل -رحمه الله- إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة -مع إقراره صحة هذا الإجماع- على أنه كفر عمل لا كفر اعتقاد.
أقواله -رحمه الله- في ذلك:(1/21)
قال الشيخ -رحمه الله- معلقاً على حديث حذيفة بن اليمان ( قال: قال رسول الله (: "يدرُسُ الإسلامُ كما يَدرُسُ وَشيُ الثَّوْبِ، حتى لا يُدرى ما صيامٌ، ولا صلاةٌ، ولا نُسُك، ولا صَدَقةٌ، ولَيُسرى على كتاب الله عزّ وجلّ في ليلةٍ، فلا يَبقى منه آيةٌ، وتَبقى طوائفُ من الناس: الشَّيخُ الكبير، والعَجوز؛ يقولون: أدرَكنا آباءَنا على هذه الكلمة: "لا إله إلا الله"، فنَحنُ نَقولُها".
قال -رحمه الله- : "هذا وفي الحديث فائدةٌ فقهية هامةٌ، وهي أنَّ شهادة أنْ لا إله إلا الله تُنجي قائلَها من الخلودِ في النَّار يومَ القيامةِ ولو كان لا يَقومُ بشيء من أركان الإسلام الخمسةِ الأخرى كالصَّلاة وغيرها".(38)
وقال -رحمه الله-: "ومن المعلوم أن العلماء اختلفوا في حكم تارك الصلاة خاصة مع إيمانه بمشروعيتها، فالجمهور على أنه لا يَكْفُر بذلك(39) بل يفسق، وذهب أحمد [فيما ذكر عنه] إلى أنه يَكْفُر وأنه يقتل ردّة لا حداً.
وقد صحّ عن الصحابة: أنهم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. [رواه الترمذي والحاكم].
وأنا أرى -أي الشيخ رحمه الله- أن الصواب رأيُ الجمهور وأن ما ورد عن الصحابة ليس نصاً على أنهم كانوا يريدون بـ(الكفر) هنا الكفر الذي يخلد صاحبه في النار ولا يحتمل أن يغفر الله له، كيف ذلك وحذيفة بن اليمان -وهو من كبار أولئك الصحابة- يردّ على صِلَة بن زُفر وهو يكاد (أي صِلة) يفهم الأمر على نحو فهم أحمد له فيقول: "ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة.." فيجيبه حذيفة بعد إعراضه عنه: "يا صِلة تنجيهم من النار" ثلاثاً.
فهذا نصٌّ من حذيفة ( على أن تارك الصلاة -ومثلها بقية الأركان- ليس بكافر، بل هو مسلم ناجٍ من الخلود في النار يوم القيامة، فاحفظ هذا فإنك قد لا تجده في غير هذا المكان.(40)(1/22)
وقال -رحمه الله- في موضع آخر: فلو قال قائل: بأن الصلاة شرط لصحة الإيمان وأن تاركها مخلد في النار فقد التقى مع الخوارج في بعض قولهم هذا وأخطر من ذلك أنه خالف حديث الشفاعة هذا كما تقدم بيانه.(41)
التأصيل:
إن منطوق كلام الشيخ -رحمه الله- يؤكد الحقائق التالية:
أولاً: أن ترك أركان الإسلام بالكُلِّية -عمداً أو كسَلاً- لا يُبطل الإيمان عند الشيخ، بل يُنْقِصه.
ثانياً: أن ترك الصلاة بخاصة -عمداً أو كَسَلاً- بالكلية لا يُبطل الإيمان عند الشيخ، بل يُنقِصه.
ثالثاً: أن التارِك ناجٍ يوم القيامة مع تأثيمه.
رابعاً: أقرَّ -رحمه الله- صحة ما ورَد عن الصَّحابة عن الصلاة بخاصة لكنه تأوَّله.
من وافق الشيخ -رحمه الله-؟
لقد سبَق ذِكر كلام البيجوري في تحفة المريد بموافقته، فلا داعي للإعادة.(42)
أما السَّلف فقد خالَفوا الشيخ -رحمه الله- في ذلك، وتضافرت أقوالهم بتكفير تاركِ أركان الإسلام بَلْه تكفيرهم لتارِك الصلاة، وإليك بعضاً من النُّصوص المؤيِّدة لذلك.
قال حنبل: حدَّثنا الحميدي: أُخبِرتُ أنّ ناساً يقولون: إن من أقرَّ بالصلاة، والزكاة، والصوم، أو الحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت، ويصلي مستدبر القِبلة حتى يموت، فهو مؤمن -ما لم يكن جاحِداً- إذا علم أن ترك ذلك فيه إيمانه، وإذا كان مُقِراً بالفَرض واستِقبال القِبلة، فقلت: هذا الكفر بالله الصراح.(43)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"فأما من كان مُصِراً على تركها -يعني الصلاة- لا يصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلماً، لكن أكثر الناس يصلون تارةً ويتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد.."(44)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
فتوى رقم (1727)(1/23)
س: يقول رجل: لا إله إلا الله محمداً رسول الله، ولا يقوم بالأركان الأربعة؛ الصلاة، والزكاة، والصِّيام، والحجّ، ولا يقوم بالأعمال الأخرى المطلوبة في الشريعة الإسلامية، هل يستحق هذا الرجل شفاعة النبي ( يوم القيامة بحيث لا يدخل النار ولو لِوَقت محدود؟
ج: من قال لا إله إلا الله محمداً رسول الله وترك الصلاة والزكاة والحجّ جاحداً لوجوب هذه الأركان الأربعة أو لواحدٍ منها بعد البلاغ فهو مرتدٌّ عن الإسلام يُستتاب، فإن تابَ قُبِلت توبتُه وكان أهلاً للشفاعة يوم القيامة إن ماتَ على الإيمان، وإنْ أصرَّ على إنكاره قتَلَه وليُّ الأمر لكفره ورِدَّتهِ ولا حظَّ له في شفاعة النبي ( ولا غيره يوم القيامة، وإنْ تَرَك الصلاة وحدَها كسَلاً وفتُوراً فهو كافِرٌ كُفْراً يَخرُجُ به من مِلَّة الإسلام في أصحّ قولي العلماء، فكيف إذا جمع إلى تركها ترك الزكاة، والصيام وحجّ بيت الله الحرام، وعلى هذا لا يكون أهلاً لشفاعة النبي ( ولا غيره إن مات على ذلك، ومَن قال مِن العلماء إنه كافرٌ كُفراً عملياً لا يخرجه عن حظيرة الإسلام بتركه لهذه الأركان يرى أنه أهل للشفاعة فيه وإنْ كان مرتكباً لما هو من الكبائر إنْ ماتَ مؤمناً.(45)
بيانٌ شافٍ:
وأجدُ حَسَناً نقْلَ قولِ شيخ الإسلامِ ابن تيميةَ في هذا المقام لِما فيهِ مِن بَيانٍ شافٍ حول مسألة التَّرك هذه.
قال -رحمه الله-:(1/24)
"وأما الظالم لنفسه(46) من أهل الإيمان ففيه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه، كما معه من ضد ذلك بقدر فجوره: فالشخص الواحد قد تجتمع فيه الحسناتُ المقتضية للثواب، والسيئاتُ المقتضية للعقاب حتى يمكن أن يثاب ويعاقب. وهذا قول جميع أصحاب رسول الله ( أئمة الإسلام وأهل السُّنة والجماعة الذين يقولون: إنه لا يَخْلُد في النار من في قلبه مثقالُ ذرة من إيمان. وأما القائلون بالتخليد كالخوارج أو المعتزلة القائلين إنه لا يخرج من النار من دخلها من أهل القِبلة، وإنه لا شفاعة للرسول ولا لغيره في أهل الكبائر، لا قبل دخول النار ولا بعده، فعندهم لا يجتمع في الشخص الواحد ثوابٌ وعقاب، وحسنات وسيئات، بل من أُثيب لا يعاقب، ومن عوقِب لم يُثَب، ودلائل هذا الأصل من الكتاب والسُّنة وإجماع سلف الأمة كثير ليس هذا هو موضعه، وقد بسطناه في مواضعه.
وينبني على هذا أمور كثيرة، ولهذا من كان معه إيمان حقيقي فلا بد أن يكون معه من هذه الأعمال بقدر إيمانه وإن كان له ذنوب، كما روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب (: "أن رجلاً كان يسمى حماراً وكان يُضحك النبي ( وكان يشرب الخمر، ويجلده النبي (، فأتى به مرة فقال رجل: لعنه الله! ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي (! فقال النبي (: لا تلعنْه؛ فإنه يحب الله ورسوله".
فهذا يبين أن المذنب بالشراب وغيره قد يكون محباً لله ورسوله، وحبُّ الله ورسوله أوثق عرى الإيمان.(1/25)
كما أن العابد الزاهد قد يكون -لما في قلبه من بدعة ونفاق- مسخوطاً عند الله ورسوله من ذلك الوجه كما استفاض في الصحاح وغيرها من حديث أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب وأبي سعيد الخدري عن النبي ( أنه ذكر الخوارج فقال: "يَحْقِر أحدُكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يَمْرُقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية. أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم. لئن أدركتُهم لأقتلنَّهم قتل عاد". وهؤلاء قاتلهم أصحاب رسول الله ( مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بأمر النبي (. وقال النبي ( فيهم في الحديث الصحيح: "تمرُق مارقة على خير فرقة من المسلمين، يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق"(47)
قلتُ: إن قول شيخ الإسلام ابن تيمية هذا فيه بيان شافٍ ودفع لشبهة الخارجية عن السلف لجعلهم العمل شرطاً في صحة الإيمان بَلْه بعض آحاده كالصلاة، والقارئ لكلام الشيخ الألباني -رحمه الله- يعلم أنه قد رمى القائلين بذلك بالخارجية فقال: "فلو قال قائل: بأن الصلاة شرط لصحة الإيمان، وأن تاركها مخلد في النار فقد التقى مع الخوارج في بعض قولهم هذا، وأخطر من ذلك أنه خالف حديث الشفاعة"(48)
وقد سبق منه هذا الوصف لمن زعم أن الطحاوي في مسائل الإيمان على مذهب المرجئة.(49)
وكلام الشيخ -رحمه الله- تصوير غير دقيق لحقيقة منهج السلف، إذ لا يلزم من اشتراط السلف العمل في صحة الإيمان تكفير العصاة وأصحاب الكبائر كما فعل الخوارج، وإنما لازم قولهم؛ أن الإيمان لا يتحقق إلا بالعمل لركنيته في مسمى الإيمان، أما آحاده ففيها تفصيل.
فهناك فَرْق بين ترك الفرائض وركوب المحارم كما أن هناك فرقاً بين مأمور ومأمور، وفعل محظور ومحظور.
فمَن ترك الصلاة بالكُلِّية ليس كمن ترك غيرها ومن شتم الإله أو ذبح لغيره ليس كمن زنى وسرق غير مستحل لذلك.(1/26)
أما الخوارج فلم ينضبطوا بهذه الضوابط، فكيف يمكن أنْ يقال: "فقد التقى مع الخوارج في بعض أقوالهم"؟!
جدول رقم (2)
ترك العمل مطلقاً
السلف
الشيخ
البيجوري ومن معه
الماتردية
كافِرٌ مخلد في النار
مؤمن ناقص الإيمان، آثم بتركه، ناجٍ من الخلود في النار تحت المشيئة
مؤمن ناقص الإيمان، آثم بتركه، ناجٍ من الخلود في النار تحت المشيئة.
مؤمن كامل الإيمان من عَمِل كمن لم يعمل ومن أساء كمن أحسن ناجٍ من النار
المبحث الثالث
قيود الشيخ -رحمه الله-
على الكفر المخرج من المِلَّة
المبحث الثالث
قيود الشيخ -رحمه الله-
على الكفر المخرج من المِلَّة
1-1 تمهيد:
يرتبط هذا المبحث ارتباطاً وثيقاً بضبط تعريف الشيخ -رحمه الله- للإيمان وأثره على العمل، والمشهور عنه
-رحمه الله- تقسيمه الكفر إلى اعتقادي وعملي، والمخرج عنده من الملة هو القلبي، وحتى نقف على مفصل هذه القضية المهمة لإتمام بحثنا هذا يحسن بنا أن نأتي على أقوال الشيخ -رحمه الله- ذات التعلق المباشر واستنباط ما يمكن استنباطه منها، وجمع الحاصل مع خلاصة المبحث الأول والثاني من غير إفراط ولا تفريط.
الذنب والمعصية عند الشيخ -رحمه الله-:
لقد مضى تقرير مذهب الشيخ -رحمه الله- زيادة الإيمان ونقصانه -يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية-(50) وكلاهما عمل، وإذا كان أثر العمل الظاهر عند الشيخ -رحمه الله- على الباطن يظهر في صورة زيادة الإيمان ونقصانه، فهل له أثر في نقض الإيمان بالذنب؟ قبل الإجابة على ذلك نقرر الحقائق التالية:
أولاً: الذنوب كفر عملي:
يرى الشيخ -رحمه الله- أن الذنوب -كل الذّنوب- من الكفر العملي:
أ- قال الشيخ -رحمه الله-: "إن الذنب -أي ذنب كان- هو كفر عملي لا اعتقادي"(51)
ب- وقال أيضاً: "فمن قام من المسلمين بشيء من هذه المعاصي نكفره كفر عمل أي أنه يعمل عمل الكفار..."(52).(1/27)
ج- وقال أيضاً: "الكفر الاعتقادي ليس له علاقة بالعمل له علاقة بالقلب"، وفي التحذير: "الكفر الاعتقادي ليس له علاقة أساسية بمجرد العمل، وإنما علاقته الكبرى بالقلب"(53).
ثانياً: محل الكفر العملي الجوارح
أ- قال الشيخ -رحمه الله-: "والعملي محلّه الجوارح"(54).
ب- وقال أيضاً: "وآخر لا يخرج من الملَّة (كفر عملي) يعود إلى الاستحلال العملي"(55).
ثالثاً: الذنوب التي عدَّها الشيخ -رحمه الله- من الكفر العملي:
إن ذكر هذه الأمثلة يسهل علينا فهم موقف الشيخ
-رحمه الله- من حدّ الكفر العملي، ولمعرفة ذلك نضع الأسئلة التالية:
هل الذنوب التي مثَّل لها الشيخ -رحمه الله- من الكفر العملي من فعل المحظور أو من ترك المأمور أو منهما جميعاً؟ وهل فعل المحظور عام أو خاص ببعضه دون البعض الآخر؟
قال الشيخ -رحمه الله-: "إن الكفر قسمان: اعتقادي وعملي. فالاعتقادي مقرّه القلب. والعملي محلّه الجوارح. فمن كان عمله كفراً لمخالفته للشرع، وكان مطابقاً لما وقر في قلبه من الكفر به، فهو الكفر الاعتقادي، وهوالكفر الذي لا يغفره الله، ويخلد صاحبه في النار أبداً. وأما إذا كان مخالفاً لما وقَرَ في قلبه، فهو مؤمن بحكم ربه، ولكنه يخالف بعمله، فكفره كفرٌ عملي فقط، وليس كفراً اعتقادياً، فهو تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذّبه، وإنْ شاء غفرَ له، وعلى هذا النوع من الكفر تُحمَلُ الأحاديثُ التي فيها إطلاق الكفر على من فعل شيئاً من المعاصي من المسلمين، ولا بأس من ذكر بعضها:
1- "اثنتان في الناس هما بهم كفر، الطعن في الأنساب، والنياحةُ على الميت" رواه مسلم.(56)
2- "الجدال في القرآن كفر".(57)
3- "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".(58)
4- "كفر بالله تبرؤ من نسب وإنْ دقْ".(59)
5- "التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر".(60)
6- "لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض". [متفق عليه].(61)(1/28)
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي لا مجال الآن لاستقصائها. فمن قام من المسلمين بشيء من هذه المعاصي، فكفرُه كفر عملي؛ أي إنه يعمل عمل الكفار، إلا أن يستحلَّها، ولا يرى كونَها معصية فهو حينئذ كافرٌ حلال الدم، لأنه شارك الكفار في عقيدتهم أيضاً، والحكم بغير ما أنزل الله، لا يخرج عن هذه القاعدة أبداً، وقد جاء عن السلف ما يدعمها، وهو قولهم في تفسير الآية: "كفر دون كفر"، صح ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس (، ثم تلقّاه عنه بعض التابعين وغيرهم(62)، ولا بُدَّ من ذِكر ما تيسر لي عنهم لعل في ذلك إنارة للسبيل أمام من ضلّ اليوم في هذه المسألة الخطيرة، ونحا نحو الخوارج الذين يكفِّرون المسلمين بارتكابهم المعاصي، وإن كانوا يصلون ويصومون!(63)
رابعاً: متى يخرج من الملة من قام به الكفر العملي؟!
يرى الشيخ -رحمه الله- أن ذلك متعلق بالاعتقاد (استحلال اعتقادي، جحد اعتقادي، تكذيب اعتقادي، إنكار اعتقادي...).
أ- قال الشيخ -رحمه الله-: "فمن قام من المسلمين بشيء من هذه المعاصي فكفره كفر عملي، أي أنه يعمل عمل الكفار إلا أن يستحلها..."(64)
ب- وقال أيضاً: "إن تكفير الموحِّد بعمل يصدر منه غير جائز حتى يتبين منه أنه جاحد لبعض ما شرع الله"(65)
ج- وقال في معرض تعليقه على قول الطحاوي: "ولا نكفِّر أحداً من أهل القِبلة بذنب ما لم يستحلّه".(1/29)
قلتُ -أي الشيخ رحمه الله-: "يعني استحلالاً قلبياً اعتقادياً، وإلا فكل مذنب مستحل لذنبه عملياً أي مرتكب له، ولذلك فلا بد من التفريق بين المستحل اعتقاداً فهو كافر إجماعاً، وبين المستحل عملاً لا اعتقاداً فهو مذنب يستحق العذاب اللائق به إلا أن يغفر الله له، ثم ينجيه إيمانه خِلافاً للخوارج والمعتزلة الذين يحكمون عليه بالخلود في النار وإن اختلفوا في تسميته كافراً أو منافقاً، وقد نبتت نابتة جديدة اتبعوا هؤلاء في تكفيرهم جماهير المسلمين رؤوساً ومرؤوسين، اجتمعتُ بطوائف منهم في سوريا ومكة وغيرها، ولهم شبهات كشبهات الخوارج مثل النصوص التي فيها من فَعل كذا وكذا فقد كفَر، وقد ساقَ الشارح -رحمه الله تعالى- طائفة منها هنا، ونقل عن أهل السُّنة القائلين بأن الإيمان قولٌ وعملٌ، يزيد وينقص أن الذنب أي ذنب كان؛ هو كفر عملي لا اعتقادي، وأنّ الكفر عندهم على مراتب: كفر دون كفر، كالإيمان عندهم".(66)
د- وأقرَّ -رحمه الله- الطحاوي حين قال: "ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه".
قال -رحمه الله-: قال الشارح: "يشير الشيخ (أي الطحاوي) إلى الرد على الخوارج في قولهم بخروجه من الإيمان بارتكاب الكبيرة".
قلتُ -أي الشيخ رحمه الله-: وأمثال هؤلاء اليوم الذين يحكمون على مسلمي البلاد الإسلامية كلها بدون استثناء بالكفر، ويوجبون على أتباعهم مباينتهم ومفاصلتهم، تماماً كما فعلت الخوارج من قبلهم..."(67).
ه- ووافق -رحمه الله- علي حلبي في قوله: الحكم على المتروكات وفق قاعدة الترك الاعتقادي المبني على الجحود والإنكار أو التكذيب أو الاستحلال لا على التحرك المجرد وإلا كان هذا قول الخوارج بعينه"(68).
التأصيل:
من منطوق ما تقدم من كلام الشيخ -رحمه الله- نخرج بالحقائق التالية:
أولاً: إن الكفر عند الشيخ -رحمه الله- قسمان: عملي محله الجوارح غير مخرج من الملّة، واعتقادي محله القلب مخرج من الملّة.(1/30)
ويُعدُّ هذا التقسيم مِن أهم النقاط التي انطلق منها الشيخ -رحمه الله- لتحديد موقفه من الأعمال التركية والفعلية.
ثانياً: أنّ الاعتقاد هو مدار التكفير المخرِج من الملَّة عند الشيخ -رحمه الله-.
ثالثاً: لم يُفرِّق الشيخ -رحمه الله- بقيده السابق بين ترك الفرائض وركوب المحارم.
رابعاً: أنّ الذّنوب التي عدّها الشيخ -رحمه الله- من الكفر العملي: منها ما يقع تحت فعل المحظور، ومنها ما يقع تحت ترك المأمور.
ولنا مع هذا وِقْفَة مِن عِدَّة جوانِب:
الأول: إنّ تقسيم الشيخ -رحمه الله- الكفر إلى عمليّ واعتقادي مؤسَّسٌ على الفصل التام بينهما: ها هو يقول: "الكفر الاعتقادي ليس له علاقة بالعمل، له علاقة بالقلب"(69).
وفي التحذير: "...ليس له علاقة أساسية بمجرد العمل وإنّما علاقته الكبرى بالقلب"(70).
وقوله -رحمه الله- مبنيٌّ على عدّ الكفر العملي غير مخرج من الإسلام، وهذا خلاف ما عليه أهلُ السُّنة والجماعة فقد أجمعوا على أنَّ الكفر يكونُ بالقول أو الفعل أو الاعتقاد أو الشك أو الترك.(71)
اعتراض مقبول
قد يقول قائل: لقد ثبت عن الشيخ -رحمه الله- قوله: "إن من الأعمال أعمالاً قد يكفر بها صاحبها كفراً اعتقادياً لأنها تدل على كفره دلالة قطعية يقينية بحيث يقوم فعله هذا مقام إعرابه بلسانه عن كفره كمثل من يدوس المصحف مع علمه وقصده له"(72).
أقول: لو أن شخصاً صرَّح أنه لم يقصد الكفر بفعله مع علمه، هل تتخلف هذه الدلالة؟!
المشهور عن الشيخ -رحمه الله- أنه لا يكفر إلا إذا قصد الكفر، وقد نَسب الحلبي هذا المذهب للشيخ -رحمه الله- فقال: "وللأمانة العلمية: ورد في شيء من كلام شيخنا أحياناً عبارة قصد الكفر، لكن مراده فيها لزاماً قصد الفعل"(73).
أما أهل السُّنة والجماعة فيرون دوْسَ المصحف من الأفعال المكفِّرة بذاتها، فمن قَصَدَه بالفعل فقد كفَر.(1/31)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "... من قال أو فعَل ما هو كُفرٌ، كَفَر بذلك، وإنْ لم يقصد أن يكون كافِراً، إذْ لا يقصُد أحدٌ الكفر إلا ما شاء الله"(74).
وقال في موضع آخر: "إنَّ سبَّ الله وسبَّ رسوله كفَرَ ظاهراً وباطناً، سواء كان السابُّ يعتقد أن ذلك محرَّم أو كان مُستحلاً، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السُّنة القائلين بأن الإيمان قولٌ وعمَلٌ"(75)
وفي معرض التعليق على قول الطحاوي: "ولا يَخْرُج العبدُ مِن الإيمان إلا بجحودِ ما أدخله فيه".(76)
قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "هذا الحصْر فيه نظر فإن الكافر يدخل في الإسلام بالشهادتين. إذا كان لا ينطق بهما فإن كان ينطق بهما دخل الإسلام بالتوبة مما أوجب كفره، وقد يخرج من الإسلام بغير الجحود لأسباب كثيرة بينها أهل العلم في باب حكم المرتد من ذلك طعنه في الإسلام أو في النبيّ ( أو استهزاؤه بالله ورسوله أو بكتابه أو بشيء من شرعه سبحانه لقوله سبحانه: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ( [التوبة: 65، 66], من ذلك عبادته للأصنام أو الأوثان أو دعوته الأمواتَ والاستغاثة بهم وطلبه منهم المدد والعوْن ونحو ذلك؛ لأنّ هذا يناقض قول لا إله إلا الله لأنها تدلّ على أن العِبادة حق لله وحده، ومنها الدعاء والاستغاثة والركوع والسجود والذبح والنذْر ونحو ذلك، فمن صَرَف منها شيئاً لغير الله من الأصنام والأوثان والملائكة والجنّ وأصحاب القبور وغيرهم من المخلوقين فقد أشرك بالله ولم يحقق قول لا إله إلا الله، وهذه المسائل كلها تخرجه من الإسلام بإجماع أهل العلم وهي ليست من مسائل الجحود، وأدلتها معلومة من الكتاب والسُّنة، وهناك مسائل أخرى كثيرة يكفر بها المسلم وهي لا تُسمى جحوداً، وقد ذكرها العلماءُ في بابِ حكْمِ المرتدّ فراجِعْها إنْ شئتَ وبالله التوفيق".(1/32)
ثانياً: أمّا المعاصي التي عدَّها الشيخ من كفر العمل وكان بها موافقاً للسلف -عدا الحكم بغير ما أنزل الله- فهي:
الطعن في الأنساب، النياحة، قتال المسلم المسلم، التبرؤ من النسب، ترك التحدث بنعمة الله... (77)
وفي معرض التعليق على قول الطحاوي: "ولا نُكَفِّر أحداً مِن أهل القِبلة بذنب لم يستحله".
قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "مراده -رحمه الله- أنَّ أهْلَ السُّنة والجماعة لا يكفرون المسلم الموحّد المؤمن بالله واليوم الآخر بذنب يرتكبه، كالزنا وشرب الخمر والرِّبا وعقوق الوالدين وأمثال ذلك ما لم يستحل ذلك، فإن استحلَّه كفر لكونه مكذباً بالله ورسوله خارجاً عن دينه.
أما إذا لم يستحل ذلك فإنه لا يكْفُر عند أهل السُّنة والجماعة، بل يكون ضعيف الإيمان، وله حكم ما تعاطاه من المعاصي في التفسيق وإقامة الحدود وغير ذلك حسبما جاء في الشرع المطهر، وهذا هو قول أهل السُّنة والجماعة خلافاً للخوارج والمعتزلة ومن سَلَك مسلكهم الباطل، فإن الخوارج يكفرون بالذنوب والمعتزلة يجعلونه في منزلة بين المنزلتين يعني بين الإسلام والكفر في الدنيا، وأما في الآخرة فيتفقون مع الخوارج بأنه مخلد في النار وقول الطائفتين باطل بالكتاب والسُّنة وإجماع الأُمَّة.(78)
ثالثاً: أما الحكم بغير ما أنزل الله فقد اجتمع فيه ترك مأمور وفعل محظور وتقييده بالاستحلال الاعتقادي مخالف لمنهج أهل السُّنة والجماعة، لهذا لم يلق هذا القيد قبولاً عند الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-، فقد قال -رحمه الله- معلِّقاً على قول الشيخ الألباني: "إذاً الكفر الاعتقادي ليس له علاقة أساسية بمجرد العمل، إنما علاقته الكبرى بالقلب"(79)(1/33)
قال -رحمه الله-: "كلام الشيخ الألباني هذا جيد جداً لكنّا نخالفه في مسألة أنه لا يحكم بكفرهم (بكفر من حكم بغير من أنزل الله) إلا إذا اعتقدوا حلّ ذلك! هذه المسألة تحتاج إلى نظر؛ لأننا نقول: من حكم بحكم الله وهو يعتقد أن حكم غير الله أولى فهو كافر -وإن حكم بحكم الله- وكفْرُه كفْرُ عقيدة، لكنَّ كلامنا عن العمل. وفي ظني أنه لا يمكن لأحد أن يطبق قانوناً مخالفاً للشرع يحكم فيه في عباد الله إلا وهو يستحله ويعتقد أنه خير من القانون الشرعي فهو كافرٌ، هذا هو الظاهر وإلا من الذي حمله على ذلك"(80)
إلا أنَّ الشيخَ الألباني -رحمه الله- أكَّد أن تعلّق المسألة بالقلب فقال: "لم يظهر لي وجه احتمالية هذه المخالفة، إذ أنني أقول: لو أنَّ أحداً من الناس -ولو من غير الحكام- رأى أن حكم غير الإسلام أولى من حكم الإسلام، ولو حكم بالإسلام عمَلاً فهو كافِرٌ... إذ لا اختلاف؛ لأن المرجع أصلاً إلى ما في القلب"(81).
قلتُ: في حال إثبات هذا الحكم على الشخص المعيَّن لا بُدَّ من توافر الشروط وانتفاء الموانع، هذا محل اتفاق بين أهل السُّنة والجماعة، أما جعل الحكم بغير ما أنزل الله معصية كباقي المعاصي شُرْبُ الخمر، والزِّنا، واشتراط الاستحلال الاعتقادي فيه حتى يكون كُفْراً مخرجاً من الملة فهذا فيه نظَر كما بين فضيلة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- بل للعلماء تفصيل جيِّد ودقيق في هذه المسألة فليرجع إليها من شاء التوسع والبسط.
رابعاً: لم يفرِّق الشيخ -رحمه الله- بقيد الاعتقاد أو الاستحلال الاعتقادي.. بين ترك الفرائض وركوب المحارم، فكلاهما عنده سواء، وهذا لا يلتقي مع مذهب أهل السُّنة والجماعة لا من قريب ولا من بعيد وإن شئت فاقرأ قول سفيان بن عيينة، قال -رحمه الله-: "المرجئة سموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم وليس سواءً لأن ركوب المحارم متعمداً من غير استحلال معصية، وترك الفرائض من غير جهلٍ ولا عُذْر كُفْر(82).(1/34)
وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل -رحمهما الله-: حدثنا سويد بن سعيد الهروي؛ قال: سألنا سفيان بن عيينة عن الإرجاء فقال: يقولون الإيمان قول، ونحن نقول: الإيمان قول وعمل، والمرجئون أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مُصِراً بقلبه على ترك الفرائض، وسموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم وليس سواءً؛ لأن ركوب المحارم من غير الاستحلال معصية وترك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر هو كفر.. فركوب المحارم مثل ذنب آدم وغيرهم من الأنبياء، أما ترك الفرائض جحوداً فهو مثل كفر إبليس، وتركها على معرفة من غير جحود فهو مثل كفر علماء اليهود"(83).
جدول رقم (3)
الكفر المخرِج من المِلَّة
السلف
الشيخ
يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد أو الشَّكّ أو التَّرك.
يكون بالاعتقاد القلبي.
فرّقوا بين ترك الفرائض وركوب المحارم.
لم يفرِّق بين ترك الفرائض وركوب المحارم.
ترْك الفرائض عمداً من غير جهل ولا عُذْرٍ كفرٌ.
ترْكُ الفرائض عمداً لا يُعدُّ كفْراً إلا إذا صاحبه الجحد الاعتقادي.
ركوب المحارم لا يكفُرُ فاعلها إلا بالاستحلال.
ركوب المحارم لا يكفُرُ فاعلها إلا بالاستحلال.
الخاتمة
كلمة عن أصاغر الأدعياء في الأردن
لقد وقفتُ على موقف الشيخ -رحمه الله- في مسائل الإيمان منذ عرفته، وما لمستُ فيه أنه لبس فتنة في المسائل التي خالف فيها غيره من العلماء، فقد عقلت منه: "قل كلمتك وامشِ". لأنه ما كان يصدر عن هوى أو غرض آني وضيع؛ بل عن قناعة وصل إليها من الدليل.(1/35)
بيْد أن بعض من لا خلاق له من أصاغر الأدعياء في الأردن أبى إلاّ أن يتولّى كبر إثارة فتنة الإرجاء، فأجلب ومن معه بخيلهم ورجلهم ودعوا إلى زقومها جاعلين من أنفسهم ألعوبة بيد أهل الأهواء الباطلة والنِّحَل الفاسدة، يقومون على إنفاذ رغباتهم لإفساد هذا الدِّين، وتفريق أنصار هذه الدعوة متخذين من الشيخ سلَّما يظهرون عليه لإشهار أنفسهم، وكثرة الارتحال للتسوُّل باسمه.
ثم أكرَموا الشيخ على طريقتهم؛ فجعلوا اسمه يترنَّح على ضجيج أنغام صالات الأفراح وفي صخبها اللعين، رغم تحريم الشيخ -رحمه الله- سماع الأغاني وآلات اللهو والطرب وكتبه ما وصل إليه اجتهاده في ذلك.(84)
وكأني بواحد من هؤلاء المتسلقين يستحضر صورته يوم أن كان ينقر بأصابعه المحترفة طَبْلَته لهزّ الخصر والأرداف.
إن أصابعه لا زالت هي أصابعه، لكن نَقْرها في هذه الأيام لأمرٍ غيرِ ما مضى من حاله، بل لخلخلة جذْع شجرة الدعوة السلفية وإسقاط ثمرها والعبث فيه خاب وخسر.
هذه حال بعض من كتب عن الشيخ -رحمه الله- وزعم لنفسه أنه من أبرز تلاميذه!!(85)
قد يقول قائل ما دام أن الأدعياء يسيرون على خُطى الشيخ -رحمه الله- في مسائل الإيمان فلماذا شددتم عليهم وحْدَهم؟!
أقول: يرحمك الله؛ إن قولك هذا مساواة بين الثرى والثريا، ذلك أن الشيخ -رحمه الله- من أهل العلم والفضل وموقفه صادر عن عِلْمٍ، لم يؤْثَر عنه تحريف ولا تبديل ولا سرقة ولا طلب عون أهل الباطل لنصرة ما وصل إليه اجتهاده على غيره!
وأما أولئك فكبيرهم جاهل مقلِّد، ومحرِّف متفنن، ومبدِّل كاذب، وسارق غير متفنِّن(86)، بل جمعت في شخصه أعظم أسباب البِدَع والاختلاف المذموم، فهو رأس فتنة الإرجاء ومروِّجها حتى عُدَّ بحق؛ الأوّل فيها بلا منازع، ولم يتورع عن الاستعانة بأهل الباطل لتثبيتهم ونشْرِ باطله، ولم يكتفِ بما صنَع فعلَّم غيره كيف يمشي متقَبِّعاً الإثم على ضلالته.(87)(1/36)
هؤلاء هم سلفية الإِرْجاء والأَرْحاء والإِرخاء، حاضرهم كماضيهم وماضيهم كحاضرهم، فكيف يؤتمن هؤلاء على دين الله أو على شباب المسلمين وأئمتهم؟!
فهرست الموضوعات
الموضوع…الصفحة
تقديم الأستاذ محمد شقرة …5
المقدّمة…10
حياة الشيخ رحمه الله…12
اسمه ونسَبه ونسْبَته…13
ولادتُه ووفاتُه…13
دراسته وشيوخُه…14
تلاميذه…15
هكذا يعبِّر بعضهم عن حبِّه للشيخ باسم التلمذة …16
صحبتي الشيخ تجاوزت ربع القرن بخمس سنين…18
علي حلبي يكذب بادعائه التلمذة وبقوله "إنني كنتُ آخر من تكلم مع الشيخ ودعا له وصافحه والتقاه…19
حقيقة الإيمان عند الشيخ رحمه الله…20
المبحث الأول: تعريف الشيخ للإيمان…21
للشيخ قولان:
القول الأول: قول لا إله إلا الله معرفة وإذعاناً…22
تدليس وكذب من حلبي على ابن القيم والشيخ رحمهما الله…23
التأصيل: الإيمان عند الشيخ يقوم على ركنين هما القول والاعتقاد…24
الموضوع…الصفحة
اعتراض مقبول…24
القول الثاني: قول واعتقاد وعمل …26
تعليق الشيخ على الطحاوية…26
في الهامش: تعارض تعليق الشيخ مع ما ثبت عنه في جوابه سؤال سائل…29
التأصيل: الإيمان عند الشيخ يقوم على ركنين القول والاعتقاد ويفهم منه قوله بركنية العمل…33
العمل عند الشيخ ليس ركناً في مسمى الإيمان، بل شرط كمال…35
أقواله المؤيّد لذلك…36
الخلاصة بعد الجمع بين القولين…38
الإيمان عند الشيخ قول واعتقاد وعمل، والعمل شرط في كماله…39
في الهامش ادعاء كاذب من علي حلبي بموافقة الشيخ الألباني لأئمة السلف في تعريفه للإيمان…39
من وافق الشيخ في تعريفه للإيمان؟…40
مقابلة تعريف الشيخ بأقوال السلف…41
حقائق…44
إن للشيخ منهجاً مستقلاً في فهم العمل في مسمى الإيمان…44
الموضوع…الصفحة
موافقة الشيخ للسلف في القول بدخول العمل في مسمى الإيمان لا تعدو اللفظ المجرد، أما في الثمرة والحقيقة فالخلاف قائم…44
اعتراض مقبول…45(1/37)
قول الشيخ بالزيادة والنقصان مبني على فهمه للعمل في مسمى الإيمان…46
من أين أُتِي الشيخ رحمه الله؟…47
يرى بعضهم أنه تأثر بقول ابن رجب وقول أبي عبيد القاسم ابن سلام والأظهر عندي تأثره بفهم الحافظ ابن حجر…47
فهم الحافظ في الميزان…49
جدول رقم (1) العمل في مسمى الإيمان…52
المبحث الثاني: ترك المأمور وفعل المحظور عند الشيخ…53
لم يفرق الشيخ بين ترك العمل بالكلية وبين ترك آحاده الواجبة والمستحبة من حيث أثر ذلك على الإيمان كل بحسْبه…54
أقواله المؤيدة لذلك…56
ترك العمل مطلقاً…56
هامش/ نصّ في رواية أخرى تثبت أن الخارجين بالقبضة
من أهل الصلاة…61
التأصيل: الشهادة تكفي وحدها لإخراج من نطق بها خالصاً بها قلبه من النار…63
الموضوع…الصفحة
من وافَقَ الشيخ رحمه الله؟…63
من خالفَ الشيخ رحمه الله؟…64
الخلاف بين الشيخ والسلف خلاف حقيقي وليس لفظياً…65
تفصيل ذلك…65
ترك أركان الإسلام أو ترك واحدٍ منها عند الشيخ رحمه الله…68
تأويل الشيخ إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة…71
التأصيل…72
من وافق الشيخ رحمه الله…73
من خالف الشيخ رحمه الله - من أقوال أئمة الإسلام…73
أقوال أئمة السلف…73
بيان شافٍ لشيخ الإسلام في دفع شبهة الخارجية عند السلف لجعلهم العمل ركناً وشرط صحة في الإيمان…76
جدول رقم (2) ترك العمل مطلقاً…81
المبحث الثالث: قيود الشيخ رحمه الله على الكفر المخرِج من الملة…82
الذنب والمعصية عند الشيخ رحمه الله…84
الذنوب كفر عملي…84
محل الكفر العملي…85
الذّنوب التي عدَّها الشيخ من كفر العمل…86
متى يخرج من الملة من قام به الكفر العملي…90
التأصيل: الكفر عند الشيخ كفران عملي واعتقاد…93
الموضوع…الصفحة
مدار الكفر المخرج من الملة على الاعتقاد…94
اعتراض مقبول: ثبت عن الشيخ تكفيره لمن داس المصحف…96
هامش مناقضة علي حلبي للشيخ الألباني…97
الفرق بين موقف الشيخ وموقف السلف…97(1/38)
كلام طيب للشيخ ابن باز للرّد على من حصر الكفر بالجحود…98
موافقة الشيخ رحمه الله للسلف…100
كلام طيب للشيخ ابن باز في ذلك…100
الحكم بغير ما أنزل الله موقف الشيخ، وردّ الشيخ ابن عثيمين عليه…101
هامش: محاولة علي حلبي الجمع بين القولين المتضادين تدل على ضلاله وعماه وجهله…103
لم يفرق الشيخ -بقيد الاعتقاد- بين ترك المأمور وفعل المحظور…104
كلام طيب لسفيان بن عيينة…105
جدول رقم (3) الكفر المخرج من الملّة…106
كلمة عن أصاغر الأدعياء في الأردن…108
أبو ذنيب دعِي جديد ظهر بعد غياب في سراديب النفاق…112
(1) لقد أُسيء إلى كلمة (السلف) إساءة بالغة بانتساب الجمِّ الغفير إليها، بِظَنٍّ منهم أنها ترفع من شأنهم وتلحقهم بالسابقين الأولين، وهم على غير إلف لمعناها، ولا احتراز مما ينافي فحواها وزيد من الإساءة إليها حين أُتبعت بكلمة (الأثري) -التي كان يقول فيها الشيخ ناصر -رحمه الله-: "إنها موضة العصر، ولو علم الواصفون أنفسهم ثِقل تبعتها لتبرءوا منها" وكان حقاً على الشيخ -رحمه الله- أن يحذِّر من النسبة إلى (السلف) حتى لا تكون فتنة مفاخرة واستلاب وغرور، وهي في ظني أشد فتنة من النسب إلى (الأثر) لكثرة المنتسبين إليها.
(2) وفرْقٌ شاسع بين علم يُجمَعُ لصاحبه بالإجازات وهو الذي يصدق في أبي حذيفة وبين علم يُجْمَع لصاحبه بالإهالات؟!
(3) انظر الألباني حياته وآثاره للشيخ محمد الشيباني، مقالات الألباني نور الدين طالب، كوكبة من أئمة الهدى. د. عاصم قريوتي (185-279).
(4) وقد تبين في مواطن عدّة بأن نفراً قد ادعوا أنهم من أبرز تلاميذ الشيخ-رحمه الله- وإثباتاً لدعواهم هذه أسسوا مركزاً باسم الألباني واستأجروا له طابقاً في عمارة فيها صالة أفراح، مدخلهما واحد، ثم احتفلوا في الصالة بهذه المناسبة، وفي الخارج يشاهد الناظر لوحة الإعلان عن الصالة وقد علت لوحةَ الإعلان عن المركز، وفي الجوار مطعم: طنّة ورنّة !!!(1/39)
بهذه الصورة يعبر أولئك عن عميق حبهم للشيخ -رحمه الله-، وقد أحسن القائل:
دُفٌّ ومزمار ونغمة شاهدٍ
ثَقُلَ الكتابُ عليهم لمَّا رأوا
فمتى شُهِدت عبادة بملاهي
تقييدَه بأوامرٍ ونواهِي
مدارج السالكين (1/523)
كما استباح أحدهم الكذب على الشيخ وأساء له كثيراً في مقدمته لرسالة "حكم تارك الصلاة" وفي كتابيه "التحذير من فتنة التكفير، وصيحة نذير" اللذين صدر بحقهما فتوى اللجنة الدائمة رقم (21517) تاريخ 14/6/1421ه الملحقة بهذا الكتاب.
(5) وهي المدة التي زعم الأدعياء أنهم قضوها في صحبة الشيخ، ودعواهم هذه تصدق - وهي كاذبة- لو أنهم بلغوا هذه السن قبل أن يعرفوا الشيخ -رحمه الله-
(6) قال علي حَلبي في كتيِّبه "مع شيخنا ناصر السُّنة والدِّين في شهور حياته الأخيرة": "ولئنْ تُوُفي الشيخُ ودُفِن وأنا بعيدٌ عنْهُ.. فقد كانت سلواي أنَّني كنتُ آخر من تكلَّم مع الشيخ ودعا له وصافحه والتقاه.." قُلْتُ: صَدَق حلَبي في قولِه "تُوُفِّي الشيخُ ودفن وأنا بعيدٌ عنه.." ولم يصدق في قوله: "إنني كنتُ آخر من تكلَّم مع الشيخِ....." لأنّ وفاة الشيخِ كانت بعدَ سفرِ حَلَبي إلى السّعودية بأيَّام، ولأنّ آخر من صافح الشيخ -من غير أهله وذويه- أخٌ من البحرين على ما أفاد ولَدُ الشيخ عبد اللطيف.
قال عاصم بن محمد شقره في "الردود العلمية السُّنية" ح: "لعَمري.. هل أصبح (أي علي حَلَبي) من الصُّوفية الذين يحضرون في مكانين معاً ؟!".
(7) التوحيد أولاً يا دعاة الإسلام للشيخ -رحمه الله- 16- 17.
(8) سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/101).
وانظر: التعريف والتنبئة ص54 حيث زعم علي حلبي أن قول الشيخ -رحمه الله- هذا: تلخيص متين قوي من الشيخ -رحمه الله- لما حرَّره ابن القيِّم -رحمه الله- في كتاب الصلاة وقوله (أي ابن القيِّم): "وها هنا أصل آخر وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل..."(1/40)
فانظر أخي القارئ إلى هذا التدليس الفاضح والكذب الواضح، إن الشيخ -رحمه الله- يتحدث عن علاقة قول اللسان مع قول القلب وعمله، ولم يتطرق الشيخ -رحمه الله- إلى عمل الجوارح البتة، فكيف يكون قوله -رحمه الله- السابق تلخيصاً لكلام ابن القيم الذي عدّ عمل الجوارح ركناً في مسمّى الإيمان كقول القلب وعمله وقول اللسان؟! وهو نقيض قول الشيخ -رحمه الله-؟!!.
(9) العقيدة الطحاوية بشرح وتعليق الشيخ -رحمه الله- (62-63).
(10) وهو مخرج في الصحيحة 1369.
(11) إن تعليق الشيخ -رحمه الله- وشرحه وتقريره مخالفة الطحاوي في مسائل الإيمان للسلف الصالح يتعارض مع ما ثبت عنه -رحمه الله- في وصفه بمشابهة الخوارج كل من قال إن مسائل الإيمان في الطحاوية تمثل عقيدة الإرجاء، وقد أظهرتُ هذا التعارض في كتابي حقيقة الخلاف (36-38) في حياة الشيخ -رحمه الله- على هيئة انتصار منه لعقيدة الإرجاء وقول جديد مخالف لما كان عليه سابقاً.
ولولا أني قرأت للشيخ -رحمه الله- ما جاء في الذبّ الأحمد
(32-33) وهو متأخر على جوابه سؤال سائل الذي فهمت منه مخالفته لقلت: إن الشيخ -رحمه الله- قد تبنى ما جاء في الطحاوية في أواخر أيامه، وأن هذا التوجه الجديد يلغي ما كان منه -رحمه الله- من نقد وتعليق على مسائل الإيمان التي ورد ذكرها منه على العقيدة الطحاوية.
إلا أنني وبعد وفاته -رحمه الله- وجدتُ في كتابه الذبّ الأحمد ما دفع فهمي السابق وأكد بقاء الشيخ -رحمه الله- على موقفه من الطحاوية، ولكن لِمَ عنَّف الشيخ -رحمه الله- ووصف بمشابهة الخوارج كل من قال: إن الطحاوي في مسائل الإيمان على مذهب الإرجاء؟ هذا ما لم أجد له جواباً في حياته -رحمه الله-!! وحتى يقف الجميع على أطراف المسألة أعود إلى سؤال السائل وجواب الشيخ -رحمه الله-.(1/41)
فقد سُئِل -رحمه الله- السؤال التالي: "ظهرت بعض الكتب التي تبحث في مسائل التكفير وأوردوا نصوصاً من كتاب الطحاوي وشرحه لابن أبي العز الحنفي وقالوا: هذه عقيدة المرجئة في مسائل الإيمان فما هو ردّكم على هذه الشبهة وجزاكم الله خيراً؟
فأجاب -رحمه الله-: نقول أولاً: إن الخلاف بين أهل السُّنة والمرجئة هو خلاف جذري في ناحيتين:
الأولى: إن أهل السُّنة يعتقدون أن الأعمال الصالحة من الإيمان، أما المرجئة فلا يعتقدون ذلك، ويصرحون أن الإيمان إنما هو إقرار باللسان وتصديق بالجنان (وهو القلب)، أما الأعمال فليست من الإيمان ولذلك فإنهم يردون نصوصاً كثيرة لا حاجة إلى ذكرها.
الناحية الثانية: وهي متفرعة عن النقطة الأولى وهي: أن أهل السُّنة يقولون: بزيادة الإيمان ونقصانه، وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، أما المرجئة فينكرون هذه الحقيقة الشرعية حتى رووا عن أحد كبارهم أنه كان يقول: إيماني كإيمان جبريل عليه السلام! وفي ذلك مخالفة لكتاب الله تعالى، وذلك لأنه يعتقد أن الإيمان ليس له علاقة بالصلاة والصيام والعبادات والتقوى، وإنما هو مجرد الاعتقاد الذي لا يقبل الزيادة والنقصان لأنه إن نقص عن اليقين دخله الريب والشك، وحينذاك لا يفيد مثل هذا الإيمان، لكن الحقيقة أن الإيمان لا يقبل الجمود فهو كالنور تماماً يتسع ويتسع إلى ما لا حدّ له، فاتهام الذين أشرت إليهم لأهل السُّنة بالإرجاء في مسألة الإيمان يدل دلالة قاطعة على أحد أمرين أحلاهم مُرّ:
إما أنهم يجهلون هذه الحقيقة، وإما أنهم يتجاهلونها، وإلا فكيف يتهمون من يقول: إن الإيمان يشمل العمل الصالح، وأنه يزيد وينقص بأنهم مرجئة؟!(1/42)
ويبدو أن هؤلاء كالخوارج: يكفرون من ارتكب كبيرة من الكبائر مخالفين في ذلك نصوصاً كثيرة جداً من الكتاب والسُّنة فيتهمون جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين وأتباعهم الذين شهد لهم رسول الله ( أنهم خير القرون، يتهمونهم بأنهم مرجئة، مخالفين بذلك نصوص الكتاب والسُّنة، وهذه في ظني لا تحتاج إلى التوسع أكثر من ذلك" انتهى كلام الشيخ -رحمه الله-، وقد جرى تفريغ كلامه -رحمه الله- ضمن الفتاوى العقدية برقم494.
(12) الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد 32-33.
(13) انظر مثلاً كتاب كشف الشبهات (1) عقيدة السلفيين في ميزان أهل السُّنة والجماعة، محمد بوالنيت حيث قام بتفريغ بعض هذه الأشرطة ثم ناقشَها.
(14) التوحيد أولاً يا دعاة الإسلام 16-17.
(15) حكم تارك الصلاة 42-43.
(16) وقد احتج مراد شكري في كتابه "إحكام التقرير" ص61 بفهم الحافظ ابن حجر هذا وعدّه حُجَّة له في جعل العمل شرط كمال في الإيمان، قرأ هذا الكتاب علي حلبي وطبعه ثم روَّج له، وقد كان موضع فتوى هيئة كبار العلماء برقم (20212) بتاريخ 7/2/1419.
(17) لقد زعم علي حلبي في التعريف والتنبئة ص29-40 أن الشيخ -رحمه الله- قد وافق السلف في تعريفه للإيمان وخصّ بالذكر منهم: ابن قتيبة الدينوري وابن مندة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن عبد الهادي معلقاً على نصٍ نقله عن شيخ الإسلام، وابن عثيمين في الأسئلة القطرية معلِّقاً على كلامٍ آخر لشيخ الإسلام.
قال علي حلبي بعد أن ذكر أقوال هؤلاء الأئمة في "بيان حقيقة الإيمان العلمية عند السلف": "وهذا عين ما يقوله شيخنا (هكذا يسوِّق نفسه) الألباني -رحمه الله- كما في رسالته: التوحيد أولاً يا دعاة الإسلام ص16-17 حيث قال: "... فإن الإيمان تسبقه المعرفة ولا تكفي وحدها بل لا بدّ أن يقترن مع المعرفة الإيمان والإذعان... وقد لا يكون قد قام بمقتضاها من كمال العمل الصالح والانتهاء عن المعاصي، ولكنه سلم من الشرك الأصغر...".(1/43)
أليس ادعاء الموافقة هذه من التدليس والكذب، وماذا يضير الشيخ -رحمه الله- لو وضعنا أقواله في موضعها اللائق بها كما أرادها هو قبل موته -رحمه الله- !!!
(18) الروضة البهية فيما بين الأشاعرة والماتريدية، ص40.
(19) تحفة المريد، ص47.
(20) مجموع الفتاوى (7/171) والإيمان (151-153).
(21) انظر كلام الشيخ في حكم تارك الصلاة ص42-43 وحديثه عن الخوارج والمعتزلة.
(22) الطحاوية ص62، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/152).
(23) تحفة المريد ص47.
(24) انظر: المنهج السلفي عند الشيخ الألباني. عمرو عبد المنعم سليم ص193.
(25) بدائع الصنائع (1/312)
(26) حكم تارك الصلاة (27-28) وصحح الشيخ -رحمه الله- إسناده فقال: "وإسناده صحيح على شرط الشيخين".
(27) متفق عليه، وهو مخرَّجٌ في "ظلال الجنة" (2/296).
(28) قلتُ: وفي هذا دلالةٌ على أنّ الذين يخرُجُون من النار بالقبضة من أهْلِ الصَّلاة، وليس كما فهمَ الشيخ -رحمه الله- إذ لا يُعْقَل أنَّهم يعبدون الله وهم لا يُصَلُّون، من هُنا أُتِي الشيخ -رحمه الله- فانظر وتأمَّل.
(29) أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح، وهو مخرّج في "الظلال" تحت الحديث (844)، وله فيه شواهد (842-843) وفي "الفتح" (11/455) شواهد أخرى.
(30) حكم تارك الصلاة (32-34).
(31) سنأتي على موقف الشيخ -رحمه الله- الضابط للتكفير في المبحث الثالث إن شاء الله تعالى.
(32) تحفة المريد، ص47.
(33) مجموع الفتاوى (7/621).
(34) تفسير القرآن العظيم (3/554-555).
(35) التحفة العراقية في الأعمال القلبية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص9-11، اعتنى به محمد علي محمد بحري، الدار الدمشقية.
(36) أصول اعتقاد أهل السُّنة والجماعة (3/851).
(37) الشريعة (120- 121).
(38) انظر: الصحيحة رقم87 (1/130-132)، حكم تارك الصلاة، المقدِّمة.(1/44)
(39) قول الشيخ -رحمه الله- (فالجمهور على أنه لا يكْفُر) فيه نظر؛ فإن قصد الأئمة الأربعة غير أحمد فحق -إن صحّ ذلك عنهم- وإن قصد جمهور السلف فقوله -رحمه الله- مجازفة لأنهم على النقيض من ذلك!!
(40) الصحيحة رقم 87 (1/130-132)، حكم تارك الصلاة (16-17).
(41) انظر: حكم تارك الصلاة ص43.
(42) انظر ص46-47.
(43) الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية (183).
(44) مجموع الفتاوى (22/49).
(45) انظر أيضاً: فتوى رقم (6899).
(46) وهو العاصي بترك مأمور وفعل محظور كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية.
(47) التحفة العراقية في الأعمال القلبية، لشيخ الإسلام ابن تيمية 9-11 اعتنى به محمد علي محمد بحري، الدار الدمشقية.
(48) حكم تارك الصلاة 42-43.
(49) انظر ص29-30
(50) ص45-47.
(51) الطحاوية، ص60.
(52) الصحيحة (6/1/113).
(53) فتنة التكفير والحاكمية، ص38، والتحذير من فتنة التكفير، ص70.
(54) الصحيحة (6/1/112).
(55) التحذير، ص68.
(56) تخريج "الطحاوية"، ص298.
(57) صحيح الجامع الصغير، (3/83/3101).
(58) تخريج "الإيمان" لأبي عبيد، ص86، وتخريج "الحلال" رقم341.
(59) الروض النضير، رقم587.
(60) الأحاديث الصحيحة، رقم667.
(61) الروض النضير، رقم797، والأحاديث الصحيحة، رقم1974.
(62) وقد ضعَّفَ هذا الأثر جماهير العلماء. انظر: القول المبين للباحث حسَّان عبد المنان.
(63) سلسلة الأحاديث الصحيحة، 6 ق1، دار المعارف، الرياض، وانظر: الطحاوية، ص60-61.
(64) الصحيحة، 6 ق1 ص113.
(65) حكم تارك الصلاة، ص61.
(66) الطحاوية، ص60، وللشيخ ابن باز تعليق قيِّم سيأتي ص.
(67) الطحاوية، ص62.
(68) التحذير، ص27.
(69) فتنة التكفير والحاكمية، ص83.
(70) التحذير، ص70.
(71) انظر: التوسُّط والاعتقاد، علوي السقاف، قرأه وقرّظه وأوصى بطبعه الإمام ابن باز -رحمه الله-.
(72) التحذير ص70.(1/45)
(73) تأمل قول حلبي في التعريف والتنبئة ص94 "للأمانة العلمية" !! وقوله: "شيخنا" !! وتأمّل تحريفه مراد الشيخ بقوله: "قصده له" ثم تأمل قوله في صيحته ص64: "ومن زعم بعد هذا كله أن الأعمال الظاهرة كلها أو بعضها تقوم مقام الاعتقاد قطعاً وتدل على الباطن من كُرْه أو جحود جزماً... فقد حمل ثقلاً وساء فعلاً".
تأمل هذا التناقض بين الشيخ -رحمه الله- وبين من يزعم أنه تلميذ له!! إنه تناقض ليس له إلا الصبر والاسترجاع!
(74) الصارم المسلول، ص178.
(75) المصدر السابق، ص513.
(76) انظر مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ج2 - ص83 ، وقول الشيخ الألباني في تعليقه على قول الطحاوي ص90 وقابل بين التعليقين!!
(77) انظرها في قوله -رحمه الله-، ص85 وأما الحكم بغير ما أنزل الله فسيأتي الحديث عنه بعد قليل.
(78) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، ص82.
(79) التحذير، ص70.
(80) التحذير، ص72-73.
(81) التحذير، ص72-73، هذا ما أثبته حلبي في التحذير وقد عزاه إلى الشيخ -رحمه الله-. قلتُ: أراد علي حلبي وهو يجمع بين قولي الشيخين أن يظهر التوافق بينهما في حين أن القولين متضادان متنافران، وإلا فكيف يمكن الجمع بين قول الشيخ ابن عثيمين الذي يؤكد فيه أن مَنْ حكَم بغير ما أنزل الله يكْفُر من غير قيد الاعتقاد إلا بعُذرٍ وبين قول الشيخ الذي يثْبِت فيه إبراء مَنْ لم يَحْكُم بما أنزل الله مِن الكُفْر ما لم يعتقد. أليس في هذا ما يثبت ضلال الحلبي وعماه وجهله؟
(82) جامع العلوم والحكم، ص39.
(83) السُّنة لعبد الله بن أحمد، ص100.
(84) لقد سبَق الإشارة إلى تأسيسهم مركزاً باسم الألباني وجعله لصقاً لصالة أفراح، ص16.
(85) إنّ المعني بهذا الوصف لم يتغير حاله وإن تاب ظاهره من معصيته، لكنه لم يتُب من جريمة تحريف وتبديل أقوال أئمة السّلف والكذب عليهم، والمقابلة بين حالتيه للتأكيد على أن طبعه غلب تطبعه.(1/46)
قال شيخ الإسلام في التحفة العراقية ص12-13: "قال أئمة السلف كسفيان الثوري: إن البدعة أحبّ إلى إبليس من المعصية؛ لأنّ البدعة لا يُتاب منها والمعصيةَ يُتاب منها.
ومعنى قولهم إنّ البدعة لا يُتاب منها: أن المبتدع الذي يتخذ ديناً لم يشرعه الله ورسوله قد زُيِّن له سوء عمله فرآه حسَناً فهو لا يتوب ما دام يراه حسَناً لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيئ ليتوب منه، أو أنه ترك حسَناً مأموراً به أمر إيجاب أو أمر استحباب ليتوب ويفعله، فما دام يرى فعله حسَناً وهو سيئ في نفس الأمر فإنه لا يتوب، ولكن التوبة ممكنة وواقعة بأن يهديه الله ويرشده حتى يتبين له الحق كما هدى سبحانه وتعالى من هدى من الكفار والمنافقين وطوائف من أهل البِدَع والضَّلال، وهذا يكون بأن يتبع من الحق ما علمه؛ "مَنْ عَمِلَ بما عَلِم أورَثَه الله عِلْمَ ما لَمْ يَعْلَم" أ.ه.
قلتُ: إنَّ من أسوأ من يعنيه شيخ الإسلام بكلامه هذا من زَعَم أنَّه ألَّفَ كِتاباً في أصول البِدَع وهو غاطِسٌ في وَحْلِها!!!
(86) كان آخر سرقاته كتاب النهاية في غريب الحديث بتحقيق الدكتور محمود الطناحي ورفيقه التي اكتشفها وأظهرها الأستاذ الراجحي.
(87) واحد من أولئك من حملة درجة الدكتوراة، درس في المدينة المنورة، وعمل مدرساً في احدى جامعات الرياض، أتقن النفاق بين يدي كبار العلماء حيناً من الدَّهر حتى إذا غادرهم بلا عودة أو بلا (بسمة) -ولو جئت باسم الفاعل لأصبت اسمه-، وحلَّ في بُقعته أو بَقْعَتِهِ ضرب مستنقع فتنته فعكرها فوق عَكَرها، وامتدت يده الآثمة ليكتب ما يملي عليه شيطانه افتراءً وكذباً وتحريضاً بحق اللجنة الدائمة التي يشرف هو وأمثاله بذكرهم وبحق الأستاذ الشيخ محمد إبراهيم شقره وراقِم هذه السطور.
فعل ما فعل لأنه كما قال لي -بفيه المائل ولسانه المعوج-؛ سئلت عنكم فأجبتُ، ولما سألْتُه لِمَ قُمتَ بتوزيع ذلك على الناس؟ قال: لم أفعله، بل فعله..... !!(1/47)
قلت: يأْبى الله إلا أن يعجِّل عقوبة هذا الآثم بفضحه من مأمَنه، وهو الآن ينعمُ بعاجِل خُبْث صنيعه!!
كان حِواري معه في مجلس الأستاذ محمد شقره وبشهادة ستةٍ من لصقائه وثلاثةٍ آخرين من غيرهم.
ثم أسعدنا شقيقه إذْ أصدر كتيّباً مليئاً بما هو لائق به من ردودات علمية رفيعة، وروايات عنعنية سماعية وثيقة، وفرز للأشخاص والهيئات يخدم أهدافه بدقة متناهية. وددنا معها أن لو تفضل علينا بتوكيلنا بتوزيعه حتى يفرح معنا من لم يفرح بالوقوف على أحوال أفراخ المرجئة وقد انتقلوا في مراحلهم الأخيرة من العمل في السّر الى الجهر به، شعارهم : "وتعاونوا على البر والتقوى... " .
??
??
=
??
??
1
-17-(1/48)