كتاب
تنزيه الشريعة عن الألفاظ الشنيعة ******
من تأليف
العالم العامل ، والأستاذ الفاضل ، الشيخ سليمان بن سحمان
من علماء نجد الأعلام
أثابه الله تعالى ونفع به
آمين
****
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
…من سليمان بن سمحان ، إلي جناب عالي الجناب ، الأخ المكرم الا حشم الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع سلمه الله تعالي وهداه وحفظة وتولاه وجعله من حزبه وأولياء ، الذين يغضبون لغضبه ويرضون لرضاءه ، آمين ،
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأزكي وأشرف تحياته(1/1)
…( أما بعد ) فأني أحمد الله الذي لا أله الا هو وهو للحمد أهل وهو علي كل شىء قدير ، على ما أولاه من نعمة وصرف عنا من نقمه ، والخط الشريف وصل وصلك الله إلى خيري الدنيا والأخرى ، وما ذكرته كان معلوما خصوصا ما ذكرته من جهة المرزوقي فاعلم يا أخي انه قد تبينت لنا حاله ، فلا يروج علينا فى الأخوان ما لفقه قاله ، فلا يهمنك أمره ، وقد اجتمعنا بك فى البحرين ولم نسمع منك الا ما يسرنا من حسن العقيدة ومحبة هذه الدعوة وأهلها والسعي فى نشر ما ذكره ألفه شيخ الإسلام ، وقدوة العلماء الإعلام ، الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، اجزل الله له الأجر والثواب ، فلا نقبل بعد ذلك الا ما تحققناه وبان كالشمس فى نحر الظهيرة . والقول السديد والكواكب الذرية وصلت ألينا فلما قرثت علي ديباجة الكواكب الذرية ومر بسمعي قولك : وقد كنت قرأت فى تراجم بعض الأفاضل من الحنابلة ، كالشيخ العلامة حسن الشطي والشيخ الأمام محمد بن علي سلوم ، لم تسمح نفسي بسماعها ، بعد أن ذكرت هذين الرجلين ، لانه قد كان من المعلوم عندنا لما تحققناه عن مشايخنا ، أن محمد بن علي بن سلوم ليس هو من أئمة أهل الإسلام ، ولا من الأفاضل الأعلام ، بل كان ممن شرق بهذا الدين ولم يرفع به رأسا ، بل عاداه وعادى أهله واتبع غير سبيل المؤمنين ، وكان من المعلوم أيضا عندنا أن آل الشطي من أئمة الضلال وممن يدعون إلى دعاء الأنبياء والأولياء والصالحين ، ويجزون الاستغاثة بهم في المهمات والملمات ، ومن كان هذا سبيله فليس هو عندنا من الأئمة الأعلام ولا من أفاضل أهل الإسلام ، وان كانوا من الحنابلة .(1/2)
ثم أنى بعد برهة من الزمان أشرفت علي ورقة اعترض صاحبها على أشياء مما في هذين الكتابين مما يخالف ما ذكره المحققون من أهل السنة والجماعة الذين هم الأسوة وبهم القدوة ، وقد ذكرت لي أنى إن عثرت على شيء مما يذكره المعارضون لها مما يخلف الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة وائتها أني أبيز ذلك وانك ترجع فى ذلك إلي الحق والصواب مما قاله السلف الصالح رضوان الله عليهم وهذا هو الحق على من كان مقصوده طلب الحق والأنصاف ، وترك التعصب والاعتاد ، فلما تأصلت ما في هذه الورقة وقابلتها بما في هذين الكتابين من الأشياء المخالفة لما عليه المحققون من أهل السنة والجماعة أحببت أن أنبهك على ذلك فمن ذلك ما ذكره الشارح على قوله
* ثم الصلاة والسلام سرا مدا قال الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن غيرهم التضرع والدعاء بخير . وهذا خطاء والصواب ما ذكره البخاري في صحيحة عن أبي العالية قال : صلاة الله ثناؤه علي عبده في الملأ الأعلى . واذا كان هذا هو الصواب في المسئلة فلا ينبغي للعالم أن يترك ما هو الراجح المقطوع به ويذكر القول المرجوح الذي لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا ذكره المحققون من أهل العلم وان كانت هذه المسئلة أخف مما بعدها والله المستعان .
……ومنها ما ذكره في الكواكب في صفحة أربعة وعشرين قال في معني الاستواء (( استواء منزها عن المماسة والتمكن والحلول )) فاعلم أن هذا هو القول قول مبتدع مخترع لم يذكره أحد من أهل العلم من سلف هذه الأمة وأئمتها الذين لهم قدم صدق في العالمين ، وقد تقرر أن مذهب السلف وأئمة الإسلام عدم الزيادة والمجاوزة لما في الكتاب والسنة وأنهم يقفون وينتهون حيث وقف الكتاب والسنة وحيث انتهينا .(1/3)
قال الأمام أحمد رحمه الله تعالي : لا يوصف الله تعالي إلا بما وصف به نفسة ووصفة به رسوله صلي الله عليه وسلم أنتهي وذلك لعلمهم بالله وعظمته في صدورهم وشده هيبتهم له وعظيم جلاله ولفظ المماسة لفظ مخترع مبتدع ، لم يفله أحد ممن يقتدي به ويتبع ، فان أريد به نفي ما دلت عليه النصوص من الاستواء والعلو والارتفاع والفوقية فهو قول باطل ضال قائله مخالف للكتاب والسنة ولا جماع سلف الأمة مكابر للعقول الصحيحة والنصوص الصريحة وهو جهمي لا ريب من جنس ما قبله ، وإن لم يرد هذا المعني بل اثبت الملو والفوقية والارتفاع الذي دل عليه لفظ الاستواء فيقال فيه هو مبتدع ضال قال في الصفات قولا مشتبها موهما فهذا اللفظ لا يجوز نفيه ولا إثباته والواجب في هذا الباب متابعة الكتاب والسنة والتغبير بالعبارات السلفية الإيمانية وترك المتشابه . هذا ما ذكره شيخنا الشيخ عبد الرحمن بن حسن في جوابه علي بعض الجهمية .(1/4)
…وأما قول الشارح في صفحة خمس وعشرين منه : فمذهب السلف الصالح أن الله تعالي مستو علي عرشه حقيقة من غير مماسة فقوله من غير مماسة ، قول علي السلف بلا علم ولا برهان كما قدمنا بيانه اللهم الا أن يكون من قول بعض من ينتسب إلي السلف من أهل الكلام الذين لا يعتد بقولهم ولا يعول عليه في هذا الباب لان هذا اللفظ لم يرد في كتاب ولا سنة ولا قول صاحب ولا قول أحد من الأئمة ومن زعم هذا فعليه الدليل . والدليل علي بطلان هذه الزيادة ما قاله الأمام عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون وهو أحد أئمة المدينة الثلاثة الذين هم مالك بن أنس وابن الماجشون وابن أبي ذئب وقد سئل عما جحدت الجمهمية : (( أما بعد فقد فهمت ما سألت فيما تتابعت الجهمية ومن خالفها في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير وكلت الألسن عن تفسير صفته ، وانحسرت العقول دون معرفة قدره ، وردت عظمته فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وهي حسيرة ، وانما أمروا بالنظر والتفكير فيما خلق بالتقدير وانما يقال (( كيف )) لمن لم يكن مرة ثم كان ، فلما الذي لا يحول ولا يزول وليس له مثل فانه لا يعلم كيف هو الا هو ، وكيف يعرف قدر من لم يعد من لم يمت ولا يبلي ، وكيف يكون لصفة شيء منه حد آو منتهى يعرفه عارف أو يحد قدره واصف ، علي انه الحق المبين لا حق احق منه ولا شيء أبين منه ، الدليل علي عجز العقول عن تحقيق صفته ، عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه ، لا تكاد تراه صغرا يحول ويزول ولا يري له سمع ولا بصر لما يتقلب به ويحتال من عقله أعضل بك واخفي عليك لما ظهر من سمعه وبصره فتبارك الله احسن الخالقين وخالقهم ، وسيد السادة وربهم ( ليس كمثله شيء وهو السميع العليم ) اعرف رحمك الله غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها ، إذا لم تعرف قدر ما وصف منها فما تكلفك علم ما لم يصف ؛ هل تستدل بذلك علي شيء من طاعته ، أو تنزجر به عن شيء من(1/5)
معصيته ، فأما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكلفا قد استهوته الشياطين في الأرض حيران ، فصار يستدل بزعمه علي جحد ما وصف الرب وسمي من نفسه بان قال لابد أن كان له كذا من أن يكون له كذا فعمي عن البين بالخفي ويجحد ما سمي الرب بصمت الرب عن ما لم يسم منها )) - إلي آخر كلامه رحمه الله .
…والمقصود من ذلك قوله : اعرف رحمك الله غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها ، إذا لم تعرف قدر ما وصف فما تكلفك علم ما لم يصف ؛ وقوله ويجحد ما سمي الرب من نفسه بصمت الرب عن ما لم يسم منها والله سبحانه تعالي لم يصف نفسه في كتابه ولا وصفه رسوله صلي الله عليه وسلم في سنته بأنه استوي علي العرش استواء منزها ولنمكن والحلول وقد ذكرت بعد هذا ما ذكره الأمام ربيعة بن عبد الرحمن والأمام مالك والأمام الشافعي والأمام أحمد وأمام الأئمة محمد بن خزيمة رحمهم الله تعالي ولم يذكر أحد منهم هذا القول المخترع المبتدع ولو كان هذا مذهب السلف لذكره أئمتهم المذكورون فعلم أن هذا ليس هو مذهب السلف الصالح والله اعلم ( ومنها ) ما ذكره في الكواكب أيضا علي قوله
وليس ربنا بجوهر ولا
عرض ولا جسم تعالي ذو العلا(1/6)
فاعلم وفقني الله وإياك للعلم النافع والعمل الصالح أن لفظ الجوهر والعرض والجسم ألفاظ مبتدعة مخترعة لم يرد بنفيها ولا إثباتها كتاب ولا سنه ولا قول صاحب ولا أحد من أئمة التابعين ولا من بعدهم من الأئمة المهتدين الذين يعتد بقولهم في هذا الباب فإذا تحقت ذلك فهذه الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها لا تطلق حتى ينظر فى مقصود قائلها فان كان معني صحيحا قبل لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص دون الألفاظ المجملة الا عند الحاجة مع قرائن تبين المراد مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه أن لم يخاطب بها ونحو ذلك ، فإذا تبين هذا فالواجب علي من منحه الله العلم والمعرفة أن ينظر في هذا الباب أعني باب الصفات فما أثبته الله ورسوله أثبته وما نفاه الله ورسوله نفاه . والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي ، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني وننفي ما نفته نصوصها من الألفاظ والمعاني . واما كون شيخ الإسلام ابن تيميه قدس الله روحه وتلميذه ابن القيم ما لا إلي انه لا وجود للجوهر لفرد فحق ولكن المقصود بذلك الرد علي من اثبت الجوهر الفرد وانه لا حقيقة لوجوده ولا يلزم من ذلك إذا رده ونفاه انه يري أن إطلاق هذه الألفاظ علي الله نفيا وإثباتا جائز فقد ذكر رحمه الله في بعض أجوبته ما نصه : فان ذكر لفظ الجسم في أسماء الله تعالي وصفاته بدعة لم ينطق بها كتاب ولا سنة ولا قالها أحد من سلف الأمة وأئمتها ولم يقل أحد منهم أن الله تعالي جسم ولا أن الله تعالي ليس بجسم ولا أن الله تعالي جوهر ولا أن الله تعالي ليس بجوهر انتهي ، وكما صرح بذلك فيما ذكرناه عنهما وفي بعض مواضع أخر خلافا لما ذكره الناظم وأقره الشارح .(1/7)
إذا تقرر هذا فلابد من ذكر كلام أئمة أهل الإسلام علي هذه الألفاظ المبتدعة المخترعة التي ادخلها بعض المنتسبين إلى السنة من آهل الكلام وغيرهم في العقائد ونسبها بعضهم إلى مذهب السلف رضوان الله عليهم وذلك مثل لفظ الجوهر والجسم والأعراض والابعاض والحدود والجهات وحلول الحوادث وغيرها قال شيخ الإسلام ابن تيميه قدس الله روحه : وكانت المعتزلة تقول أن الله منزه عن الأعراض والابعاض والحوادث والحدود ومقصود هم نفي الصفات ونفي الأفعال ونفي مباينتة للخلق وعلوه علي العرش وكانوا يعبرون عن مذهب أهل الإثبات أهل السنة بالعبارات المجملة التي تشعر الناس بفساد المذهب فانهم إذا قالوا أن الله منزه عن الأعراض لم يكن في ظاهر العبارات ما بنكر لان الناس يفهمون من ذلك انه منزه عن الاستحالة والفساد كالأعراض التي تعرض لبنى آدم من الأمراض والأسفام ولا ريب أن الله منزه عن ذلك ولكن مقصو دهم انه ليس له علم ولا قدرة ولا حياة ولا كلام قائم به ولا غير ذلك من الصفات التي يسمونها هم أعراضا - وكذلك إذا قالوا : أن الله منزه عن الحدود والاحياز والجهات ، اوهموا الناس بان مقصو دهم بذلك انه لا تحصره المخلوقات ، ولا تحوزه المصنوعات ، وهذا المعنى صحيح ومقصو دهم به انه ليس مباينا للخلق ولا منفصلا عنه ، وانه ليس فوق السموات رب ولا علي العرش إله ، وان محمدا لم يعرج به إليه ولم ينزل منه شيء ، ولا يصعد إليه شيء ، ولا يقترب إليه بشيء ، ولا ترفع الأيدي إليه في الدعاء ، ولا غيره ، ونحو ذلك من معاني الجهمية . واذا قالوا انه ليس بجسم اوهموا الناس انه ليس من جنس المخلوقات ولا مثل أبدان الخلق وهذا المعني صحيح ولكن مقصو دهم بذلك انه لا يري ولا يتكلم بنفسه ولا تقوم به صفه ولا هو مباين للخلق وأمثال ذلك ؛ واذا قالوا لا تحله الحوادث اوهموا الناس أن مرادهم انه لا يكون محلا للتغيرات والإستحالات ونحو ذلك من الأحداث التي تحدث للمخلوقين فتحيلهم(1/8)
وتفسدهم ، وهذا المعني صحيح ولكن مقصو دهم بذلك انه ليس له فعل اختياري يقوم بنفسه ولا له كلام ولا فعل يقوم به يتعلق بمشيئته وقدرته وانه لا يقدر علي استواء ؟أو نزول أو آتيان أو مجيء ، وأن المخلوقات التي خلقها الله لم يكن منه عند خلقها فعل أصلا بل عين المخلوقات هي الفعل ليس هناك فعل ومفعول وخلق ومخلوق بل المخلوق والمفعول عين الفعل ونحو ذلك انتهي .
…وقال ابن القيم رحمه الله تعالي في ( الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ) ويقولون نحن ننزه الله تعالي عن الأعراض والأغراض والابعاض والحدود والجهات وحلول الحوادث ، فيسمع الغر المخدوع هذه الألفاظ فيتوهم منها انهم ينزهون الله عما يفهم من معانيها عند الإطلاق من العيوب والنقائص والحاجة فلا يشك انهم يمجدونه ويعظمونه ، ويكشف الناقد البصير ما تحت هذه الألفاظ فيري تحتها الإلحاد وتكذيب الرسل وتعطيل الرب تعالي عما يستحقة من كماله - فننزيههم عن الأعراض هو جحد صفاته كسمعه وبصره وحياته وعلمه وكلامه أرادته فان هذه الأعراض له عندهم لا تقوم الا بجسم فلو كان متصفلها لكان جسما وكانت أعراضا له وهو منزه عن الأعراض .
…وأما الاغراض فهي الغاية والحكمة التي لاجلها يخلق ويفعل ويأمر وينهي ويثبت ويعاقب وهي الغايات المحمودة المطلوبة من أمره ونهيه وفعله فيسمونها أغراضا منه وعللا ينزهونه عنها .
…وأما الإبغاض فمرادهم بتنزيهه عنها انه ليس له رجه ولا يدان ولا يمسك السموات علي إصبع والأرض علي إصبع والشجر علي إصبع والماء علي إصبع فان ذلك كله إبغاض والله منزه عن الإبغاض .(1/9)
…وأما الحدود والجهات فمرادهم بتنزيهه عنها انه ليس فوق السموات رب العرش إله ولا يشار إليه بالأصابع الي فوق كما أشار إليه اعلم الخلق به ولا ينزل منه شيء ولا يصعد إليه شيء ولا تعرج الملائكة والروح إليه ولا رفع المسيح إليه ولا عرج برسوله محمد صلي الله عليه وسلم إليه اذ لو كانوا كذلك لزم إثبات الحدود والجهات وهو منزه عن ذلك .
…وأما حلول الحوادث فيريدون به انه لا يتكلم بقدرته ومشيئته ولا ينزل كل ليلة الى سماء الدنيا ولا يأتي يوم القيامة ولا يجيء ولا يغضب بعد أن كان راضيا ولا يرضي بعد أن كان غضبانا ولا يقوم به فعل البتة ولا أمر مجدد بعد أن لم يكن مريدا له فلا يقول له كن حقيقة ولا استوي علي عرشه بعد أن لم يكن مستويا ولا يغضب يوم القيامة غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولا ينادي عباده يوم القيامة بعد أن لم يكن مناديا لهم ولا يقوم للمصلى إذا قال ( الحمد لله رب العالمين ) حمدني عبدي فإذا قال ( الرحمن الرحيم ) قال اثني علي عبدي فإذا قال ( مالك يوم الدين ) قال مجدني عبدي ، فان هذه كلها حوادث وهو منزه عن حلول الحوادث .
…الي أن قال واعلم أن لفظ الجسم لم ينطق به الوحي إثباتا فيكون له الإثبات ولا نفيا فيكون له النفي فمن اطلقة نفيا وإثباتا سئل عما أراد فان قال أردت بالجسم معناه في لغة العرب وهو البدن الكثيف الذي لا يسمي في اللغة جسم سواه فلا يقال للهواء جسم لغة ولا للنار ولا للماء فهذه اللغة وكتبها بين أظهرنا فهذا المعني منفي عن الله عقلا وسمعا .(1/10)
وإن ارتم به المركب من المادة والصور والمركب من الجواهر الفردة فهذا منفي عن الله قطعا والصواب نفيه عن الممكنات أيضا فليس جسم المخلوق من هذا ولا من هذا ، وان ارتم بالجسم ما يوصف بالصفات ويري بالأبصار ويتكلم ويكلم ويسمع ويبصر ويرضي ويغضب فهذه المعاني ثابتة لله تعالي وهو موصوف بها فلا ننفيها عنه بتسميتكم للموصوف بها جسما - الي أن قال : وان ارتم بالجسم ما يشار إليه إشارة حسية فقد أشار اعرف الخلق به بإصبعه رافعا بها الي السماء بمشهد الجمع الأعظم مستشهدا له لا للقبلة وان أردتم بالجسم ما يقال له أين فقد سال اعلم الخلق به عنه باين منبها علي علوه علي عرشه وسمع السؤال باين و أجاب عنه ولم يقل هذا السؤال إنما يكون عن الجسم وانه ليس بجسم ، وان أردتم بالجسم ما يلحقه ( من ) و ( الي ) فقد نزل جبرائيل من عنده وعرج برسوله إليه ، واليه يصعد الكلام الطيب ، وعبده المسيح رفع إليه . وان أردتم بالجسم ما يتميز منه أمر غيره أمر سبحانه موصوف بصفات الكمال جميعا من السمع والبصر والعلم والقدرة والحياة وهذه صفات متميزة متغايرة ومن قال إنها صفة واحدة فهو بالمجانين أشبه منه بالعقلاء وقد قال اعلم الخلق به " أعوذ برضاك من سخطك " الحديث - قال واما استعاذته صلي الله عليه وسلم به منه باعتبارين مختلفين فان الصفة المستعاذ بها والصفة المستعاذ منها صفتان لموصوف واحد ورب واحد فالمستعيذ بإحدى الصفتين من الأخرى مستعيذ بالموصوف بهما منه - وان أردتم بالجسم ماله وجه ويدان وسمع وبصر فنحن نؤمن بوجه ربنا الأعلى وبيديه وبسمعه وبصره وغير ذلك من صفاته التي أطلقها علي نفسه ؛ وان أردتم بالجسم ما يكون فوق غيره ومستويا علي غيره فهو سبحانه فوق عباده مستو علي عرشه .(1/11)
…وكذلك أن أردتم بالتشبيه والتركيب هذه المعاني التي دل عليها الوحي والعقل فنفيكم لها بهذه الألقاب المنكرة خطا في اللفظ والمعني وجناية علي ألفاظ الوحي أما الخطأ اللفظي فتسميتكم الموصوف بذلك جسما مركبا مؤلفا مشبها بغيره وتسميتكم هذه الصفات تركيبا وتجسيما وتشبيها فكذيتم علي القرآن وعلي الرسول وعلي اللغة ووضعتم لصفاته ألفاظ منكم بدأت واليكم تعود ، واما خطأكم في المعني فنفيكم وتعطيلكم لصفات كماله بواسطة هذه التسمية والألقاب فنفيتم المعني الحق وسميتموه بالاسم المنكر .
…الي أن قال : وكذلك إذا قال الفرعوني لو كان علي السموات رب او علي العرش اله لكان مركبا ، قيل له لفظ المركب في اللغة هو الذي ركبة غيره في محله كقوله تعالي ( في أي صورة ما شاء ركبك ) وقولهم ركبت الخشبة والباب وما يركب من أخلاط أجزاء بحيث كانت أجزاؤه مفرقة فاجتمعت وركبت حتى صار شيئا واحد كقولهم ركبت الدواء من كذا وكذا وان أردتم بقولكم لو كان فوق العرش كان مركبا هذا التركيب المعهود وانه كان متفرقا فاجتمع فهو كذب وفرية وبهت علي الله وعلي الشرع وعلي العقل ، وان أردتم انه لو كان فوق العرش لكان عاليا علي خلقة بائنا منهم مستويا علي عرشه ليس فوقه شيء فهذا المعني حق فكأنك قلت لو كان فوق العرش فنفيت الشيء بتغبير العبارة وقبلها الي عبارة أخرى وهذا شانكم فى اكثر مطالبكم .
…وان أردتم بقولكم كان مركبا انه يتميز منه شيء عن شيء فقد وصفته أنت بصفات يتميز بعضها من بعض فهل كان عندك هذا تركيبا ؟ فان قلت هذا لا يقال لمن اثبت شيئا من الصفات فأما أنا فلا اثبت له صفه واحدة فرارا من التركيب ، قيل لك العقل لم يدل علي نفي المعني الذي سميته أنت مركبا وقد دل الوحي والعقل والفطرة علي ثبوته أتنفيه بمجرد تسميتك الباطلة ؟ فان التركيب يطلق وير أدبه خمسة معان(1/12)
…( 1 ) تركيب الذات من الوجود والماهية عند من يجعل وجودها زائدا علي ماهيتها فإذا نفيت هذا جعلته وجودا مطلقا إنما هو في الأذهان لا وجود له في الأعيان .
( الثاني ) تركيب الماهية من الذات والصفات فإذا نفيت هذا التركيب جعلته ذاتا مجردة عن كل وصف لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم ولا يقدر ولا يريد ولا حياة له ولا مشيئة ولا صفة أصلا فكل ذات في المخلوقات من هذه الذات ، فاستفدت بهذا التركيب كفرد بالله وجحدك لذاته ولصفاته وأفعاله .
…( الثالث ) تركيب الماهية الجسيمية من الهيولى والصورة كما يقوله الفلاسفة .
…( الرابع ) التركيب من الجواهر الفردة كما يقوله كثير من أهل الكلام .
…( الخامس ) تركيب الماهية من أجزاء كانت متفرقة فاجتمعت وتركبت فان أردت بقولك لو كان فوق العرش لكان مركبا كما يدعيه الفلاسفة والمتكلمون قيل لك جمهور العقلاء عندهم أن الأجسام المحدثة المخلوقة ليست مركبة لا من هذا ولا من هذا فلو كان فوق العرش جسم مخلوق محدث لم يلزم أن يكون مركبا بهذا الاعتبار فكيف ذلك في حق خالق الفرد والمركب الذي يجمع المتفرق ويفرق المجتمع ويؤلف بين الأشياء فيركبها كما يشاء ؟ والعقل إنما دل علي إثبات اله واحد ورب واحد لا شريك له ولا شبيه له لم يلد ولم يولد ، ولم يدل علي أن ذلك الرب الواحد لا اسم له ولا صفة ولا وجه ولا يدين ولا هو فوق خلقه ولا يصعد إليه شيء ولا ينزل منه شيء ، فدعوى ذلك علي العقل كذب صريح عليه كما هي كذب صريح علي الوحي وكذلك قولهم ننزهه عن الجهة أن أردتم انه منزه عن جهة وجودية تحيط به وتحويه إحاطة الظرف بالمظروف فنعم هو اعظم من ذلك واكبر واعلي ، ولكن لا يلزم من كونه فوق عرشه هذا المعني .(1/13)
…وان أردتم بالجهة أمرا يوجب مباينة الخالق للمخلوق وعلوه علي خلقه واستواءه علي عرشه فنفيكم بهذا المعني باطل وتسميته جهة وقلتم منزه عن الجهات وسميتم العرش حيزا وقلتم ليس بمتحيز وسميتم الصفات أعراضا وقلتم الرب منزه عن الأعراض ، وسميتم كلامه بمشيئته ونزوله الي سماء الدنيا ومحبيئه يوم القيامة لفصل القضاء بمشيئته أرادته المقارنة لمرادها وإدراكه المقارن لوجود المدرك وغضبه إذا عصي ورضاه إذا أطيع وفرحه إذا اتاب إليه العباد ونداءه لموسى حين أتى الشجرة ونداءه للأبوين حين أكلا من الشجرة ونداءه لعباده يوم القيامة ومحبته لمن كان يبغضه حال كفره ثم صار يحبه بعد إيمانه وربو بيته التي هو كل يوم في شان " حوادث " وقلتم هو منزه عن حلول الحوادث وحقيقة هذا التنزيه انه متنزه عن الوجود وعن الربوبية وعن الملك وعن كونه فعالا لما يريد بل عن الحياة والقومية .
…فانظر ماذا تحت تنزيه المعطلة النفاة بقولهم ليس بجسم ولا بجوهر ولا مركب ولا تقوم به الأعراض لا يوصف بالإبغاض ولا يفعل بالأغراض ولا تحله الحوادث ولا تحيط به الجهات ولا يقال في حقه أين وليس بمتحيز كيف كسوا حقائق أسمائه وصفاته وعلوه علي خلقه واستوائه علي عرشه وتكليمه لخلقه ورؤيتهم له بالأبصار في دار كرامته هذه الألفاظ ثم توسلوا الي نفيها بواسطتها وكفروا وضللوا من أتثبتها واستحلوا منه ما لم يستحلوه من أعداء الله من اليهود والنصارى ، فالله الموعد واليه التحاكم ، وبين يديه التخاصم
نحن وإياهم نموت ولا
افلح يوم الحساب من ندما انتهي(1/14)
…وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالي في رسالته الي عبد الله بن سحيم وقد طلب منه أن يذكر له شيئا من معني كتاب الموليس فقال رحمه الله في الجواب بعد كلام له وذلك أن كتابه مشتمل علي الكلام في ثلاثة أنواع من العلوم ( الاول ) علم الأسماء والصفات الذي يسمي علم آصال الدين ويسمي أيضا العقائد ( والثاني ) الكلام علي التوحيد والشرك ( والثالث ) الاقتداء بأهل العلم واتباع الأدلة وترك ذلك .
…أما الاول فانه أنكر علي أهل الوشم إنكارهم علي من قال ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض وهذا الإنكار جمع بين اثنين إحداهما انه لم يفهم كلام ابن عيدان وصاحبه ( الثانية ) انه لم يفهم صورة المسئلة وذلك أن مذهب الأمام احمد وغيره من السلف انهم لا يتكلمون في هذا النوع الا بما تكلم به الله ورسوله فما أثبته الله لنفسه أثبته رسوله أثبتوه مثل الفوقية والاستواء والكلام المجيء وغير ذلك وما نفاه الله عن نفسه ونفاه عنه رسوله صلي الله عليه وسلم نفوه مثل المثل والند والسمي وغير ذلك ، واما ما لا يوجد عن الله ورسوله إثباته ولا نفيه مثل الجوهر والعرض والجهة وغير ذلك لا يثبتونه فمن نفاه مثل صاحب الخطبة التي أنكرها ابن عبدان وصاحبه فهو عند احمد والسلف مبتدع ، ومن أثبته مثل هشام بن الحكم وغيره فهو عندهم مبتدع والواجب عندهم السكوت عن هذا النوع اقتداء بالنبي صلي الله عليه وسلم واصحابه - الي أن قال وأنا اذكر لك كلام الحنابلة في هذه المسئلة .(1/15)
قال الشيخ تقي الدين بعد كلام له علي من قال انه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ككلام صاحب الخطبة قال رحمه الله تعالي : فهذه الألفاظ لا يطلق إثباتها ولا نفيها كلفظ الجوهر والجسم والتحيز والجهة ونحو ذلك من الألفاظ ولهذا لما سئل ابن سريج عن التوحيد فذكر توحيد المسلمين وقال واما توحيد أهل الباطل فهو الخوض في الجواهر والأعراض وانما بعث الرسول صلي الله عليه وسلم بإنكار ذلك وكلام السلف والائمة في ذم الكلام و أهله مبسوط في غير هذا الموضع . والمقصود أن الأئمة كأحمد وغيره إذا ذكر لهم أهل البدع الألفاظ المجملة كلفظ الجسم والجوهر والحيز لم يوافقوهم لا علي إطلاق الإثبات ولا علي إطلاق النفي انتهي كلام الشيخ تقي الدين .
إذا تدبرت هذا عرفت أن إنكار ابن عبدان وصاحبه علي الخطيب الكلام في هذا هو عين الصواب وقد اتبعا في ذلك أمامهما احمد بن حنبل وغيره في إنكارهم ذلك علي المبتدعة ففهم صاحبكم انهما يريدان إثبات ضد ذلك وان الله جسم وكذا وكذا تعالي الله علي ذلك ، وظن أيضا أن عقيدة أهل السنة هي نفي انه لا جسم ولا جوهر ولا كذا ولا كذا وقد تبين لكم الصواب أن عقيدة أهل السنة هي السكوت ، من اثبت بدعوة ، ومن نفي بدعوة ، فالذي يقول ليس بجسم ولا ولا هم الجهمية والمعتزلة والذين يثبتون ذلك هو هشام واصحابه والسلف بريئون من الجميع من اثبت بدعوة ومن نفي بدعوة ، فالموليس لم يفهم كلام الأحياء ولا كلام الأموات ، وجعل النفي الذي هو مذهب الجهمية والمعتزلة مذهب السلف وظهر أن من أنكر النفي انه يريد الإثبات كهشام واتباعه ولكن العجب من ذلك استدلاله علي فهمه بكلام احمد المتقدم .
…ومن كلام أبي الوفاء بن عقيل قال أنا اقطع أن أبا بكر وعمر ماتا وما عرفا الجوهر والعرض فان رأيت أن طريقة أبي علي الجباني او أبي هشام خير لك من طريقة أبي بكر وعمر فبئس ما رأيت انتهي .(1/16)
…وصاحبكم يدعي أن الرجل لا يكون من أهل السنة حتى يتبع أبا علي وأبا هشام بنفي الجوهر والعرض فمن أنكر الكلام فيهما مثل أبي بكر وعمر فهو عنده علي مذهب هشام الرافضي ، فظهر بما قررناه أن الخطيب الذي يتكلم بنفي العرض والجوهر أخذه من مذهب الجهمية والمعتزلة وان ابن عبدان وصاحبه أنكر ذلك مثل ما أنكره احمد والعلماء كلهم علي أهل البدع انتهي .
…فتأمل رحمك الله ما تحت إطلاق هذه الألفاظ المبتدعة المخترعة التي خالف من وضعها سلف الأمة وأئمتها واغتر بها من حسن ظنه بهؤلاء الذين قلدوا من ابتدعها من المتكلمين ، الذين ليس لهم قدم صدق في العالمين حيث أرادوا بها التنزيه ، ووقعوا في التعطيل والتشبيه ، فساروا علي مناهجهم من غير دليل ولا برهان من الكتاب والسنة ، ولا كلام أحد من الأئمة فالله المستعان .
…وتأمل ما ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب حيث قال فمن نفاه - مثل صاحب الخطبة التي أنكرها ابن عيدان وصاحبه - فهو عند احمد والسلف مبتدع والواجب عندهم السكوت عن هذا النوع اقتداء بالنبي صلي الله عليه وسلم واصحابه - الي أن قال : وقد تبين لكم الصواب أن عقيدة أهل السنة هي السكوت من اثبت بدعوة ومن نفي بدعوة ، فالذي يقول ليس بجسم ولا ولا هم الجهمية والمعتزلة والذين يثبتون ذلك هو هشام واصحابه والسلف بريئون من الجميع ، من اثبت بدعوة ومن نفي بدعوة الي آخر كلامه رحمه الله تعالي ( ومنها ) ما ذكره الناظم بقوله
وان ما جاء مع جبريل
كلامه سبحانه قديم
من محكم القرآن والتنزيل
اعيا الورى بالنص يا عليم(1/17)
…فقوله " كلامه سبحانه قديم " هو من حنس ما قبله من الألفاظ المبتدعة المخترعة التي لم ينطق بها سلف الأمة وأئمتها والذي عليه أهل السنة والجماعة المخالفون لاهل البدع أن كلام الله سبحانه وتعالي حادث الا حاد قديم النوع ، وانه يتكلم بمشيئة وقدرته إذا شاء لا يمتنع عليه شيء أراده وان لله تعالي متصف بالأفعال الاختيارية القائمة به فهو سبحانه قد تكلم في الأزل بما شاء ويتكلم فما لم يزل بقدرته ومشيئته بما أراد وهو الفعال لما يريد ( إنما آمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) أهل البدع المخالفون للسلف ينفون ذلك ويسمون هذه الأفعال الاختيارية القائمة به سبحانه وتعالي حلول الحوادث والله لا يكون محللا للحوادث ويريدون بهذا أن لا يتكلم بقدرته ومشيئته ولا ينزل كل ليلة الي سماء الدنيا ولا يأتي يوم القيامة ولا يجيء ولا يغضب بعد أن كان راضيا ولا يرضي بعد أن كان غضبانا ولا يقوم به فعل البتة ولا أمر مجدد بعد أن لم يكن ولا يريد شيئا بعد أن لم يكن مريدا له فلا يقول له كن حقيقة ولا استوي علي عرشه بعد أن لم يكن مستويا ولا يغضب غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولا ينادي عباده يوم القيامة بعد أن لم يكن مناديا ولا يقول للمصلي إذا قال ( الحمد لله رب العالمين ) حمدني عبدي فإذا قال ( الرحمن الرحيم ) قال اثني علي عبدي فإذا قال ( مالك يوم الدين ) قال مجدني عبدي فان هذه كلها حوادث وهو منزه عن حلول الحوادث كما تقدم بيان هذا وايضاحة في كلام ابن القيم رحمه الله وقال في الكافية الشافية لما ذكر أقوال أهل البدع المخالفين لاهل السنة
والآخرون أولو الحديث كأحمد
قد قال أن الله حقا لم يزال
جعل الكلام صفات فعل قائم
وكذاك نص علي دوام الفعل بالا
وكذا ابن عباس فراجع قوله
وكذاك جعفر الأمام الصادق ال
قد قال لم يزل المهيمن محسنا
ذاك ابن حنبل الرضي الشيباني
متكلما أن شاء ذو إحسان
بالذات لم يفقد من الرحمن(1/18)
حسان أيضا في مكان ثان
لما أجاب مسائل القرآن
مقبول عند الخلق ذو العرفان
برا جوادا عند كل أوان
…الي آخر كلامه فانه قد أجاد فيه أفاد فراجعه فيها واما ما ذكره في القول السديد في الآبيات التي نسبها لشيخ الإسلام قدس الله روحه أن صح النقل بذلك عنه حيث قال
أقول في القرآن ما جاءت به
آياته فهو القديم المنزل
…فهذا القول أن صح لا ينافي كونه سبحانه يتكلم فيما يزل بقدرته ومشيئته كما هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا لاهل الكلام من المبتدعة وغيرهم والله اعلم
…( ومنها ) ما ذكره في صفحة أربع وعشرين وهو أخف مما قبله خطرا لما ذكره المهدي وانه قد ورد فيه أحاديث كثيرة لم يثبت منها حديث واحد ، فاعلم يا آخي انك ذكرت هذا القول جازما به من غير علة ذكرتها تقدح في هذه الأحاديث عن عالم من علماء أهل الجرح والتعديل الذين يعتد يهم في هذا الباب وقد ذكر هذه الأحاديث أبو عيسي الترمذي في جامعه وهو أمام فاضل من أئمة أهل الجرح والتعديل فقال رحمه الله تعالي
( باب ما جاء في المهدي )(1/19)
حدثنا عبيد بن أسباط بن محمد القرشي أنبأنا أبي أنبأنا سفيان الثوري عن عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد الله قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطيء اسمه اسمي " وفي الباب عن علي وأبى سعيد وآم سلمة وأبى هريرة هذا حديث حسن صحيح ، حدثنا عبد الجبار بن العلاء العطار أنبأنا سفيان بن عينية عن عاصم عن زر عن عبد الله عن النبي صلي الله عليه وسلم قال " يلي رجل من أهل بيتي يواطيء اسمه اسمي " قال عاصم وأنبأنا أبو صالح عن أبى هريرة قال : لو لم يعبق من الدنيا الا يوما لطول الله ذلك اليوم حتى يلي ، هذا الحديث حسن حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر أنبأنا شعبة قال سمعت زيدا العمي قال سمعت أبا الصديق الناجي يحدث عن أبى سعيد الخدري قال أن يكون بعد نبينا حدث فسألنا نبي الله صلي الله عليه وسلم قال " أن في أمتي المهدي يخرج يعيش خمسا او سبعا او تسعا " زيد الشاك قال قلنا وما ذاك ؟ قال " سنين " قال فيجيء إليه الرجل فيقول يا مهدي اعطني قال فيحثيء له في ثوبه ما استطاع أن يحمله " هذا حديث حسن وقد روى من غير وجه عن أبى سعيد عن النبي صلي الله عليه وسلم وأبو الصديق الناجي اسمه بكر ابن عمر ويقال بكر بن قيس . فهذا ما ذكره الأمام أبو عيسي الترمذي جازما بصحة هذه الأحاديث وأنت لم تذكر لأحاديث المهدي علة عن أحد العلماء علي عدم ثبوتها الا مجرد الدعوى من غير برهان ولا دليل والمثبت مقدم علي النافي واذا صح الخبر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وجزم بذلك أمام من أئمة أهل الحديث وجب علينا التصديق به والإيمان به وانه حق كائن لا مجالة وأحاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم الثابتة عنه اجل في صدورنا من أن نعارضها بما يذكره ابن خلدون وامثاله ونعارض ما صححه الأمام الترمذي بأمثال ابن خلدون من لا يؤبه له ولا يعد من العلماء الأفاضل والائمة الامائل بل ذكر لي بعض لاخوان انه أخباري(1/20)
صاحب تاريخ قد شحن مقدمته بالطلاسم (1) وأخبار المنجمين هذا ما حدثني به من لا اتهمه في حديثه وأنا ما رأيت شيئا من كتبه ولا اعرفها والله اعلم ، وقد ذكر أبو داود هذه الأحاديث في سنته ولم يذكر لها علة ولا جرحها بشيء من الأمور التي تقدح فيها ( ومنها ) ما ذكره في صفحة تسع وسبعين في الأبيات التي ذكر فيها مفاخرة علي رضي الله عنه قال ومما نسب الي علي رضي الله عنه
محمد النبي أخي وصهري
وجعفر الذي يمشي ويضحي
وبنت محمد سكني وعرسي
وسبطا أحمد آيتاي منها
سبقكم الي الإسلام طرا
وحمزة سيد الشهداء عمي
يطير مع الملائكة ابن أمي
مبسوط لحمها بدمي ولحمي
فأبكم له سهم كسهمي
غلاما ما بلغت أوان حلمي(1/21)
…فهذه المفاخرة التي ذكرها الشارح لم يذكرها عن علي رضي الله عنه بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف ولا عزاها الي شيء من المكتب المعتمد ولا ذكرها عن أحد من أئمة أهل الحديث ولا غيرهم فالاشبه بها أن تكون من أوضاع الرافضة . والصحابة ( لم يكن من هديهم واخلافهم التفاخر بينهم بالاحساب والأنساب بل كان السلف رضوان الله عليهم ينهون عن الفخر والخيلاء والاستطالة علي الخلق بحق أو بغير حق كما هو مذكور في عقائد أهل السنة والجماعة ، وعلي رضي الله عنه اخشي لله ولتقي له من أن يفتخر بهذه المفاخرة علي أحد من الصحابة ( علي ما ذكره الرافضي انه افتخر بذلك علي أهل الشورى أو علي معاوية لما بلغته مفاخرته كما ذكره السفا ريني وقد قال تعالي ( تلك أمة قد خلت لهاما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون ) وانما كانوا يتفاضلون ويذكون بالتقوى كما قال تعالي ( يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، أن أكرمكم عند الله اتقاكم ) واذا كان من المعلوم أهم ما كانا يتفاخرون باحسابهم وبأنسابهم بل كان ذلك من أمر الجاهلية وقد اذهب الله ذلك بالإسلام كما في الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه وفيه " أن الله اذهب عنكم عيبه الجاهلية وفخرها بالآباء إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي ، الناس من آدم و آدم خلق من تراب " وعن عياض بن حمار مرفوعا " أن الله تعالي أوحى الي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد علي أحد " رواه مسلم فإذا تبين لك هذا ففضائل علي رضي الله عنه ومناقبه مشهورة مذكورة لا تخفي علي أهل العلم فالعدول عنها الي هذه المفاخرة التي لم تذكر في شيء عن الكتب المتعمدة من الغفلة التي لا ينبغي لمن تصح نفسه و أراد نجاتها أن تنسب إليه ويذكر بها فالله المستعان . ثم أنى بعد ما حررت هذه الكلمات رأيت ما ذكره شيخ الإسلام ابن تميمة قدس الله روحه في منهاج السنة علي اصل هذه الأبيات التي وضعها بعض الكذابين فنظمها من نظمها(1/22)
ونسبها لعلي رضي الله عنه فقال رحمه الله تعالي .
( الفصل الحادي عشر )
…قال الرافضي وعن عامر بن واثلة قال كنت مع علي وهو يقول لهم لاحتجن عليكم بما لا يستطيع عربتكم ولا عجميكم تغير ذلك ثم قال أنشدكم بالله أيها النفر جميعا أفيدكم أحد وحدة الله تعالي قبلي ؟ قالوا اللهم لا : قال أنشدكم بالله هل فيكم أحد له أخ مثل آخي جعفر الطيار في الجنة مع الملائكة غيري ؟ قالوا اللهم لا : قال فانشدكم بالله هل فيكم أحد له عم مثل عمي حمزة أسد الله أسد رسوله سيد الشهداء غيري ؟ قالوا اللهم لا : قال فانشدكم بالله هل فيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت محمد سيدة نساء أهل الجنة غيري ؟ قالوا اللهم لا : قال فانشدكم بالله هل فيكم من له سبطان مثل سبطي الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة غيري ؟ قالوا اللهم لا ( وذكر أشياء آخر غير هذا اقتصرنا منها علي ما ذكره منها صاحب النظم )(1/23)
فقال شيخ الإسلام في جوابه أما قوله عن عامر بن واثلة وما ذكره يوم الشورى فهذا كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث ولم يقل علي رضي الله عنه يوم الشورى شيئا من هذا ولا يشابهه ( ثم ذكر كلاما الي أن قال ) وفي هذا الحديث الذي ذكره هذا الرافضي أنواع من الأكاذيب التي نزه الله تعالي عليا عنها مثل احتجاجه بأخيه وعمه وزوجته ، وعلي رضي الله عنه افضل من هؤلاء وهو يعلم أن اكرم الخلق عند الله اتقاهم ولو قال العباسي هل فيكم أحد مثل آخي حمزة ومثل أولاد آخي أي محمد وعلي وجعفر لكانت هذه الحجة من جنس تلك بل احتجاج الإنسان بني اخوته اعظم من احتجاجه بعمه ولو قال عثمان هل فيكم من تزوج بنتي لكان من جنس قول القائل هل فيكم من زوجته مثل زوجتي وكانت فاطمة قد ماتت قبل الشورى كما ماتت زوجتا عثمان فأنها ماتت بعد موت النبي صلي الله عليه وسلم بسته اشهر ، وكذلك قوله هل فيكم أحد له ولد كولدي وفيه أكاذيب متعددة - الي آخر ما ذكر رحمه الله تعالي هذا ملخص ما ذكره الشيخ في المناهج في الجزء الثالث في خمسة عشر ولكن العجب كل العجب انك لما ذكرت أحاديث المهدي ذكرت انه لم يثبت فيها حديث واحد وقد تقدم ما ذكره حفاظ أهل الحديث كابي داود وآبي عيسي الترمذي من تحسن أحاديث المهدي وتصحيحها وذكرت ما ذكرت من انه لا يحب اعتقاد مجيء هذا المهدي ولا ندين الله به ، ثم ذكرت هذه المفاخرة المكذوبة الموضوعة التي لا اصل فذكرتها في فضائل علي ومناقبه وافررتها فكان الحق والواجب علي مثلك أن لا تذكر هذه الأبيات الموضوعة المكذوية وان لا تذكر في أحاديث المهدي الا ما ذكره أهل الحديث الذين هم القدرة وبهم الأسوة وحسبك السير علي مناهجهم فانهم كانوا علي الصراط المستقيم ، والمنهج القويم ، ومن أعداهم من أهل الكلام ، الذين فارقوا به أئمة أهل الإسلام فإنما يأخذون بمقاييس عقولهم وآرائهم ، وقد تبعوا في ذلك أهواء قوم قد ضلوا من قبل أضلوا كثيرا وضلوا عن سواء(1/24)
السبيل .
…واعلم يا آخي أني ما كتبت لك الا ما قاله المحققون من آهل العلم الذين هم أئمة هذا الشان من سادات الحنابلة وأئمتهم الذين ينفون عن دين الله تحريف الغاليين ، وانتحال المبطلين ، ليتبين لك طريقة السلف الصالح والصدر الاول ، فمض عليه بالنواجذ ولا يكن في صدرك حرج منه ، فانه الحق ، وقد تركت أشياء مما ذكره المعترض في ورقته أما لسوء فهمه او لعدم معرفته واطلاعه وأمورا أخرى لم ارفع بها رأسا ولم اكتبلك الا ما وقفت عليه مز بورا في الشرح فاعلم ذلك وبالله التوفيق وبه الصمت والعصمة.
( فصل )
إذا تبين لك ما قدمته لك من كلام علماء المحققين وكان المقصود هو ظهور الحق وبيانه فهنا أشياء أخرى يجب التنبيه عليها ولا ينبغي السكوت عنها ( منها ) قوله في الصفحة الثمانية عشرة قول الشارح : فيجب علي كل مكلف أن يعرف الله تعالي بصفات الكمال ويجرم بأنه سبحانه واحد لا يتجزأ ولا ينقسم ، أحد ، لا من عدد ، فرد صمد ، الي أخر قوله وبالله التوفيق .
اعلم أن قول القائل ويجزم بأنه سبحانه وتعالي واحد لا يتجزأ ولا ينقسم قول مبتدع مخترع لم يقله أحد من السلف رضوان الله عليهم وليس مذكورا في عقائد أهل السنة والجماعة بل هو من جنس ما يذكره أهل البدع من قولهم ليس بجوهر ولا عرض ولا جسم وليس له أعراض ولا أغراض ولا ابعاض الي غير ذلك مما خالفوا به سلف الأمة وأئمتها .
قال شيخ الإسلام ابن تميمة قدس الله روحه في كتابه المسمي بالعقل او النقل الذي قال ابن القيم رحمه الله تعالي فيه
واذكر كتاب العقل والنقل الذي
ما في الوجود له نظير ثان(1/25)
قال بعد كلام له : وكثير من أهل الكلام يقول التوحيد له ثلاث معان وهو : واحد في ذاته لا قسيم له ولا جزء له ، وواحد في صنياته لا شبيه له ، وواحد في أفعاله لا شريك له ، وهذا المعني الذي تتناوله هذه العبارة فيها ما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم وفيها ما يخالف ما جاء به الرسول - فذكر كلاما حسنا الي أن قال - فانهم إذا قالوا لا قسيم له ولا جزء له ولا شبيه له فهذا الفظ وان كان يراد به معني صحيح فان الله ليس كمثله شيء وهو سبحانه لا يجوز عليه أن يتفرق ولا يفسد ولا يستحيل بل هو أحد صمدو الصمد الذي لا جوف له وهو السيد الذي كمل سؤدده فانهم يدرجون في هذه نفي علوه علي خلقه ومباينته لمصنوعاته ونفي ما ينفونه من صفاته ويقولون أن إثبات ذلك يقتضي أن يكون مركبا منقسما وان يكون له شبيه . أهل العلم يعلمون أن مثل هذا لا يسمي في لغة العرب التي نزل بها القرآن تركيبا وانقساما ولا تمثيلا وهكذا الكلام في مسمي الجسم والعرض والجوهر والتحيز وحلول الحوادث وأمثال ذلك فان هذه الألفاظ يدخلون في مسماة الذي ينفونه أمورا مما وصف به نفسه ووصفه به ورسوله فيدخلون فيها علمه وقدرته وكلامه ويقولون أن القرآن مخلوق لم يتكلم الله به وينفون بها رؤيته لاذ رؤيته علي لصطلاحهم لا تكون إلا لمتحيز في جهة وهو جسم ، ثم يقولون والله منزه عن ذلك فلا تجوز رؤيته ، ولذلك يقولون المتكلم لا يكون إلا جسما متحيزا و الله ليس بجسيم متحيزا ، فلا يكون متكلما ، يقولون لو كان فوق العرش لكان جسما متحيزا والله سبحانه وتعالي ليس بجسم متحيز فلا يكون فوق العرش ، وأمثال ذلك الي آخر كلامه وهو في صفحة ثلاث وثلاثين ومائة .
والمقصود أن قول أهل البدع في الواحد انه الذي لا ينقسم ولا يتجرأ قول مبتدع مخترع لم يقل به أحد من سلف الأمة وأئمتها بل هو من كلام من ينتسب الي أهل السنة والجماعة من المتكلمين وغيرهم .(1/26)
واما قول الشارح في الأحد انه اجدلا من عدد ، فهو كلام لا طائل تحته ولا يفيد شيئا من المعاني بل الذي ينبغي آن يقال ما قاله فيه شيخ الإسلام ابن تميمة قدس الله روحه حيث قال ( قل هو الله أحد * الله الصمد ) فادخل اللام في الصمد ولم يدخلها في أحد لانه ليس في الموجودات ما يسمي أحدا في الإثبات مفردا غير مضاف بخلاف النفي وما في معناه كالشرط والاستفهام فانه يقال هل عندك أحدا أكرمته وانما استعمل في العمل المطلق وقال أحد اثنان ويقال أحد عشر وفي أول الأيام يقال يوم الأحد الي آن قال والمقصود هنا آن لفظ الأحد لم يوصف به شيء من الأعيان الا بالله وحده وانما يستعمل في غير الله في النفي قال آهل اللغة تقول لا أحد في الدار ولا تقل فيها أحد ولهذا لم يجيء في القرآن الا في غير الموجب كقوله تعالي ( فما منكم من أحد عنه حاجزين ) وكقوله ( لستن كأحد من النساء ) وقوله ( وان أحد من المشركين استجارك فاجره ) وفي الإضافة كقوله تعالي ( فابعثوا أحدكم ) ( وجعلنا لاحدهما جنتين ) والله اعلم ( ومنها ) ما ذكره الشارح في الكواكب في صفحة ثلاثة عشر
فكل ما جاء من الآيات
من الأحاديث نمرة كما
اوصح في الأخبار عن ثقات
قد جاء فاسمع من نظامي واعلما
قوله فكل ما جاء أي عن الله تعالي من الآيات القرآنية اوصح مجيئه في الأخبار بالأسانيد بخلاف الضعيفة فان وجودها كعدمها فلا بد من آن تكون الأخبار عن رواة ثقات في النقل من الأحاديث والآثار فما هو يوهم تشبيها فهو من المتشابه الذي لا يعلمه الا الله نؤمن به وبأنه من عند الله ونمرة كما قد جاء عنه تعالي او عن رسوله فمذهب السلف عدم الخوض في هذا والسكوت عنه ونفوض علمه الي الله قال ابن عباس هذا من المكتوم الذي لا يفسر وكذا قال غيره من الصحابة والتابعين واما آهل التأويل فآبوا الا يفسروا ويؤولوا حتى خالفوا سلف الآمة وأئمتها وابتدعوا في ذلك وكل بدعة ضلالة انتهي .(1/27)
فاقول اعلم وفقك الله آن هذا الكلام الذي أوردته في هذا المقام لا ينبغي آن يؤخذ علي إطلاقه ونسبته الي مذهب آهل السنة والجماعة من السلف رضوان الله تعالي عليهم بل فيه ما هو حق من كلام السلف وفيه ما هو من بعض أقوال المتكلمين الذين ينتسبون الي آهل السنة ممن كثر في باب أسماء الله وصفاته اضطرابهم وكثف عن معرفته حجابهم فان السلف رضوان الله تعالي عليهم لا يدخلون أسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة في المتشابه الذي لا يعلم تاويله الا الله نعم فيه ما ذكر عن السلف انهم يمون آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت وسيأتي بيان معني ذلك فيما بعد آن شاء الله تعالي شيخ الإسلام ابن تميمة قدس الله روحه في الرسالة المسماة بالإكليل في المتشابه والتأويل .
( فصل )(1/28)
واما إدخال أسماء الله وصفاته او بعض ذلك في المتشابه الذي لا يعلم تاويله الا الله او اعتقاد آن ذلك هو المتشابه الذي استأثر الله بعلم تاويله كما يقول كل واحد من القولين طوائف من أصحابنا وغيرهم فانهم وان أصابوا في كثير مما يقولونه ونجوا من بدع وقع فيها غيرهم فالكلام علي هذا من وجهين الاول من قال آن هذا من المتشابه وانه لا يفهم معناه فنقول آما الدليل علي ذلك فاني ما اعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة لا احمد بن حنبل ولا غيره انه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية ونفي أحد آن يعلم معناه وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم ولا ي قالوا آن الله ينزل كلاما لا يفهم أحد معناه وانما قالوا كلمات لها معان صحيحة قالوا في أحاديث الصفات تمر كما جاءت ونهوا عن تأويلات الجهمية وردوها و أبطلوها التي مضمونها تعطيل النصوص عن عماد لت عليه ونصوص احمد اجمد والائمة قبله بينة في انهم كانوا يبطلون تأويلات الجهمية ويقرون النصوص علي ما دلت عليه من معناها ويفهمون منه للبعض ما دلت عليه كما يفهمون ذلك في سائر نصوص الوعد والوعيد والفضائل وغير ذلك واحمد قد قال في غير أحاديث الصفات تمر كما جاءت في أحاديث الوعيد مثل قوله " من غشنا فليس منا " وأحاديث الفضائل ومقصودة آن الحديث لا يحرف كلمة عن مواضيعه كما يفعله من يحرفه ويسمي تحريفه تاويلا بالصرف المتأخر فتأويل هؤلاء المتأخرين عند الأئمة تحريف باطل وكذلك نص احمد في كتاب الرد علي الزنادقة و الجهمية انهم تمسكوا بمتشابه القرآن وتكلم احمد علي ذلك المتشابه وبين معناه وتفسيره بما يخالف تاويل الجهمية وجري في ذلك علي سنن الأئمة قبله فهذا اتفاق من الأئمة علي انهم يعملون معني هذا المتشابه وان لا يسكت عن بيانه وتفسيره بل يبين ويفسر فاتفاق الأئمة من غير تحريف له عن مواضعه او الحاد في أسماء الله وآياته انتهي .(1/29)
…فتأمل ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله حيث قال فهذا اتفاق من الأئمة علي انهم يعملون معني هذا المتشابه وان لا يسكت عن بيانه وتفسيره بل يبين ويفسر فاتفاق الأئمة من غير تحريف له عن مواضعه او الحاد في أسماء الله وآياته . ثم تأمل الشارح بقوله فمذهب السلف عدم الخوض في هذا والسكوت عنه فانه يخالف ما ذكره شيخ الإسلام عن اتفاق الأئمة علي انهم يعلمون معني هذا المتشابه وان لا يسكت عن بيانه في تفسيره فتبين آن هذا ليس هو مذهب السلف وانه من القول عليهم بلا علم ولا برهان يدل علي ذلك .
…ثم قال شيخ الإسلام ومما يوضح لك ما وقع هنا من الاضطراب آن آهل السنة متفقون علي أبطال تأويلات الجهمية ونحوهم من المحرفين الملحدين ، والتأويل المردود هو صرف الكلام عن ظاهرة الي ما يخالف ظاهرة فلو قيل آن هذا هو التأويل المذكور في الآية وانه لا يعلمه الا الله وليس هذا مذهب السلف والائمة وانما مذهبهم نفي هذه التأويلات وردها لا التوقف عنها وعندهم قراءة الآية والحديث تفسيرها وتمر كما جاءت دالة علي المعاني لا تحرف ولا يلحد فيها . وذكر كلاما طويلا أجاد فيه أفاد ، وبلغ غاية المراد ، فمن أراد الوقوف عليه فهو في الرسالة المسماة بالإكليل في المتشابه والتأويل ، وانما لم نذكره خوف الإطالة اذ المقصود التنبيه علي هذه الورطات .(1/30)
واما قول الشارح فمذهب السلف عذم الخوض في هذا والسكوت عنه وتفويض علمه الي الله فاعلم يا آخى آن شيخ الإسلام ابن تميمة ذكر في العقل والنقل أقوال آهل التفويض فنذكر من ذلك ما يدل علي بطلانه وانه من شر أقوال آهل البدع والإلحاد قال شيخ الإسلام قدس الله روحه في صفحة خمسة عشر ومائه في الوجه السادس عشر واما التفويض فمن المعلوم آن الله تعالي امرنا آن نتدبر القرآن وحصنا علي عقله وفهمه فكيف يجوز مع ذلك آن ير أدمنا الأعراض عن فهمه ومعرفته وعقله ؟ فذكر أقوال الفلاسفة ثم قال و الجهمية والمعتزلة وامثالهم يقولون انه أراد آن يعتقدوا الحق علي ما هو عليه مع علمهم بأنه لم يتبين ذلك في الكتاب والسنة بل النصوص تدل علي نقيض ذلك فأولئك يقولون أراد منهم اعتقاد الباطل وامرهم به ، وهؤلاء يقولون أراد اعتقاد ما لم يداهم الا علي نقيضه ، والمؤمن يعلم بالاضطرار آن كلا القولين باطل ولا به للنفاة آهل التأويل من هذا او هذا ، واذا كان كلاهما باطلا كان تاويل النفاة للنصوص باطلا فيكون نقيضه حقا وهو افرار الأدلة الشرعسة علي مدلولاتها ومن خرج عن ذلك لزمه من الفساد ما لا يقوله الا آهل الإلحاد ، وما ذكرناه من لوازم قول آهل التفويض هو لازم لقولهم الظاهر المعروف بينهم اذ قالوا آن الرسول كان يعلم معاني هذه النصوص المشكلة المتشابهة ولكن لم يبين للناس مراده بها ولا اوضحة إيضاحا يقطع به النزاع . واما علي قول أكابرهم آن معاني هذه النصوص المشكلة المتشابهة لا يعلمه الا الله وان معناها الذي أراده الله بها هو ما يوجب صرفها عن ظواهرها - فعلي قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما انزل الله عليهم من هذه النصوص الملائكة ولا السابقون الأولون وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن او كثير مما وصف به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه بل يقولون كلاما لا يعقلون معنله ، وكذلك نصوص المثبتين للقدر عند طائفة والنصوص المثبتة(1/31)
للآمر والنهي والوعد والوعيد عند طائفة والوعيد والنصوص المثبتة للمعاد عند طائفة ، ومعلوم آن هذا قدح في القرآن والأنبياء اذ كان الله انزل القرآن واخبر انه جعله هدي للناس ، أمر الرسول آن يبلغ البلاغ المبين وان يبين للناس ما نزل إليهم أمر بقدير القرآن وعقله ومع هذا فاشرف ما فيه وهو ما اخبر به الرب عن صفاته او عن كونه خالقا لكل شيء وهو بكل شيء عليم او عن كونه آمر ونهي ووعد وتوعد او عما اخبر به عن اليوم الآخر لا يعلم أحد معناه فلا يعقل ولا يتدبر ولا يكون الرسول بين للناس ما نزل إليهم ولا بلغ البلاغ المبين ، وعلي هذا التقدير فيقول كل ملحد ومبتدع : الحق في نفس الآمر ما علمته برأيي وعقلي وليس في النصوص ما ينافي ذلك لان تلك النصوص مشكلة متشابهة ولا يعلم أحد معناها وما لا يعلم أحد معناه لا يجوزان يستدل به فيبقي هذا الكلام سدا لباب الهدي والبيان من جهة الأنبياء وفتحا لباب من يعارضهم ويقول آن الهدي والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء لانا نحن نعلم ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية والأنبياء لم يعلموا ما يقولون فضلا عن آن يبينوا مرادهم فتبين آن قول آهل التفويض الذين يزعمون انهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال آهل البدع والإلحاد الي آخر كلامه رحمة الله .
واما قول الشارح قال ابن عباس هذا من المكتوم الذي لا يفسر وكذا قال غيره من الصحابة والتابعين ، واما آهل التأويل فآبوا الا آن يفسروا ويؤولوا حتى خالفوا سلف الآمة وأئمتها وابتدعوا في ذلك وكل بدعة ضلاله انتهي .(1/32)
فاعلم يا آخى آن هذا القول الذي نسبه الشارح الي ابن عباس رضي الله عنه وغيره من الصحابة آن كان صحيحا ثابتا فليس معنادما وهمه الشارح من آن نصوص الكتاب والسنة الواردة في أسماء الله وصفاته (2) مما يوهم تشبيها فيكون من المتشابه الذي لا يعلمه الا الله ، وانه مما لا يعقل معناها وأنها لا تفسر وقد تقدم بيان ذلك في معني التفويض ونزيد ذلك إيضاحا بما قاله شيخ الإسلام ابن تميمة قدس الله روحه في هذا الكتاب حيث قال : واما تاويل ما اخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر فهو نفس الحقيقة التي اخبر عنها وذلك في حق الله هو كنه ذاته وصفاته التي لا يعلمها غيره . ولهذا قال مالك و ربيعة وغيرهما : الاستواء معلوم والكيف مجهول 0 وكذلك قال ابن الماجشون واحمد بن حنبل وغيرهما من السلف يقولون آنا لا نعلم كيفية ما اخبر الله عن نفسه وان علمنا تفسيره ومعناه 0 ولهذا رد احمد بن حنبل علي الجهمية والزنادقة فيما طعنوا فيه من متشابه القرآن وتاولوه علي غير تاويلة فرد علي من حمله علي ما أريد به وفسر هو جميع الآيات المتشابهة وبين المراد به 0 وكذلك الصحابة والتابعون فسروا جميع القرآن وكانوا يقولون آن العلماء يعلمون تفسيره وما أريد به وازلم يعلمون كيفية ما اخبر الله به عن نفسه وكذلك لا يعلمون كيفيات الغيب فان ما أعده الله لأوليائه من النعم ما لا عين رأته ولا آذن سمعته ولا خطر علي قلب بشر ، فذاك الذي اخبر به لا يعلمه الا الله بهذا المعني فهذا حق 0 واما من قال آن التأويل الذي هو تفسيره وبيان المراد به لا يعلمه الا الله فهذا ينازعه فيه عامة الصحابة والتابعين الذين فسروا القرآن كله وقالوا انهم يعلمون معناه كما قال مجاهد عرضت المصحف علي ابن عباس من فاتحته الي خاتمته اقف عند كل آية و أساله عنها ، وقال ابن مسعود في كتاب الله آية الا و آنا اعلم فيم أنزلت وقال الحسن البصري ما انزل الله آية الا وهو يحب آن يعلم ما أراد بها 0 ولهذا(1/33)
كانوا يجعلون القرآن يحيط بكل ما يطلب من علم الدين كما قال مسروق ما نسال أصحاب محمد عن شيء الا وعلمه في القرآن ولكن علمنا قصر عنه 0 وقال الشعبي ما ابتدع قوم بدعة الا في كتاب الله بيانها ، وامثال ذلك من الآثار الكثيرة المذكورة بالأسانيد الثابتة مما ليس هذا موضع بسطة انتهي0
فهذا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تميمة قدس الله روحه من علم الكيفية عما اخبر الله به عن نفسه وكذلك لا يعلمون كيفيات الغيب فان ما أعده الله لأوليائه من النعيم مما لا عين رأته ولا آذن سمعته ولا خطر علي قلب بشر فذاك الذي اخبر الله به لا يعلمه الا الله بهذا المعني فهذا الذي ذكره شيخ الإسلام هو الذي يحمل عليه قول ابن عباس وغيره من الصحابة آن كان النقل بذلك ثابتا عنهم وقد تقدم آن السلف رضوان الله عليهم كانوا يقولون آنا لا نعلم كيفية ما اخبر الله عن نفسه وان علمنا تفسيره ومعناه فكان من المعلوم آن ابن عباس وغيره من الصحابة وأئمة السلف كانوا يفسرون ما تش به من القرآن يعلمون معني ذلك ولم يسكتوا عن بيان ذلك 0
…( واما قول الشارح ) : واما آهل التأويل فآبوا الا آن يفسروا ويؤولوا حتى خالفوا سلف الآمة وأئمتها وابتدعوا في ذلك وكل بدعة ضلالة انتهي 0(1/34)
…فاعلم يا آخى آن التأويل المردود الذي سلكه الجهمية ومن تبعهم من المتكلمين هو صرف الكلام عن ظاهرة الي ما يخالف ظاهرة فلو قيل آن هذا هو التأويل المذكور في الآية وانه لا يعلمه الا الله لكان في هذا تسليم الجهمية آن للآية تاويلا يخالف دلالتها لكن ذلك لا يعلمه الا الله وليس هذا مذهب السلف والائمة وانما مذهبهم نفي هذه التأويلات وردها لا التوقف عنها ، وعندهم قراءة الآية والحديث تفسيرها وتمر كما جاءت دالة علي المعاني لا تحرف ولا يلحد فيها ، فكان من المعلوم آن السلف الذي قالوا لا يعلم تاويله الا الله كانوا يتكلمون بلغتهم المعروفة بينهم ولم يكن لفظ التأويل عندهم يراد به معني التأويل الاصطلاحي الخاص وهو صرف اللفظ عن المعني المدلول عليه المفهوم منه الي معني يخالف ذلك فان تسمية هذا المعني وحده تاويلا إنما هو اصطلاح طائفة من المتأخرين من الفقهاء والمتكلمين وغيرهم ليس هو عرف السلف من الصحابة والتابعين والائمة الأربعة وغيرهم كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تميمة قدس الله روحه والله اعلم إذا تبين لك هذا فاعلم آن مراد من قال من السلف ( انه لا يفسر يعنون انه لا يؤول ويحرف فيصرف عن ظاهرة الي ما لا يدل عليه ظاهرة كما أولوا الاستواء وفسروه بأنه الاستيلاء وكما فسروا اليد بالنعمة وهذا هو الذي نهي السلف عن تفسيره وتأويله بهذا المعني والله اعلم 0
( فصل )
ومنها ما ذكره في الواجه الرابع والعشرين علي قول الناظم
سبحانه قد استوي كما ورد
من غير كيف قد تعالي آن يحد
فقال : تعالي الله آن يحد وفيه الرد علي من زعم آن يلزم من كونه مستويا علي عرشه آن يحد تعالي الله عن ذلك اذ المحدود محدث والمحدث مفتقر للخالق والخالق سبحانه ( هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ) الاول من غير بداية ، والآخر من غير نهاية ، والظاهر من غير تحديد ، والباطن من غير تخصيص ، موجود بالوجود القديم من غير تشبيه ولا تكييف .(1/35)
فاقول اعلم وفقك الله آن هذا الكلام الذي أورده الشارح في هذا المقام من الألفاظ لمجملة الموهمة المطلقة المتحملة لمعنيين حق وباطل فلا ينفصل النزاع الا بتفصيل تلك العاني وتنزيل ألفاظها عليها كما قل ابن القيم رحمة الله تعالي علي هذه الألفاظ المبتدعة المخترعة التي لم ينطق بها سلف الآمة وأئمتها ، ويقولون نحن ننزه الله تعالي عن الأعراض الاغراض والابعاض والحدود والجهات وحلول الحوادث ، فيسمع الغر المخدوع هذه الألفاظ فيتوهم منها لهم ينزهون الله عما يفهم من معانيها عند الإطلاق من العيوب والنقائص والحاجة فلا يشك لهم يمجدونه ، ويعظمونه ويكشف الناقد البصير ما تحت هذه الألفاظ فيري تحتها لإلحاد وتكذيب الرسل وتعطيل الرب تعالي عما يستحقة من كماله - الي آخر كلامه 0 وقد تقدم 0
وقال شيخ الإسلام قدس الله روحه : وكذلك إذا قالوا آن الله منزه عن الحدود والاحياز والجهات اوهموا الناس بان مقصو دهم بذلك انه لا تحصره المخلوقات ولا تحوزه المصنوعات وهذا المعني صحيح ، مقصو دهم انه ليس مباينا للخلق ولا منفصلا عنه ، وانه ليس فوق السموات رب ولا علي العرش اله ، وان محمدا لم يعرج به إليه ولم ينزل منه شيء ولا يصعد إليه شيء ولا يتقرب إليه بشيء ولا ترفع الأيدي إليه في الدعاء ولا غيره ونحو ذلك من معاني الجهمية انتهي 0(1/36)
فإذا تبين لك هذا فاعلم آن قول الشارح علي هذه اللفظة المحتملة الموهمة المطلقة حيث قال : تعالي الله آن يحد وفيه الرد علي من زعم انه يلزم من كونه مستويا علي عرشه آن يحد ، تعالي الله عن ذلك ، اذ المحدود محدث والمحدث مفتقر للخالق الي آخر كلامه هو من كلام آهل البدع من الجهمية وغيرهم ممن نحا نحوهم من المتكلمين فإذا كان هذا هو المفهوم من كلام الناظم والشارح قطعا ولا محيد عنه لإطلاقه ألفاظا لم ينطق بها الكتاب والسنة ولا نطق بها أئمة السلف رضوان الله عليهم بل المتكلم بها من هؤلاء المبتدعة يوهمون الناس آن مقصو دهم بذلك انه لا تحصره المخلوقات ولا تحوزه المصنوعات ، وهذا المعني صحصح ، ولكن مقصو دهم هو ما تقدم بيانه عنهم من كلام شيخ الإسلام آنفا واذا كان ذلك كذلك فنحن نسوق كلام أئمة السلف رضوان الله تعالي عليهم في هذا المقام ليتبين لك خطأ الناظم الشارح 0(1/37)
قال شيخ الإسلام ابن تميمة قدس الله روحه في العقل والنقل بعد آن ذكر كلاما طويلا قال : وقال حنبل في مواضع آخر عن احمد قال ( ليس كمثله شيء ) في ذاته كما وصف به نفسه قد اجمل تبارك وتعالي بالصفة لنفسه فحد لنفسه ليس يشبه شيء فنعبد الله بصفاته غير محدودة ولا معلومة الا بما يوصف به نفسه قال فهو سميع بصير بلا حد و لا تقدير ولا يبلغ الواصفون صفته وصفاته منه وله ولا نتعدى القرآن والحديث ، فنقول كما قال ونصفه كما وصف نفسه ولا نتعدى ذلك ولا تبلغه صفة الواصفين ؛ نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهة ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت وما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوه بعبده يوم القيامة ووضعه كنفه عليه هذا يدل علي آن الله تبارك وتعالي يري في الآخرة والتحديد في هذا كله بدعة والتسليم لله بآمره بغير صفة ولا حد الا ما وصف به نفسه ، سميع بصير لم يزل متكلما عالما غفورا ، عالم الغيب والشهادة علام الغيوب 0 فهذه صفات وصف بها نفسه لا تدفع ولا ترد ، وهو علي العرش بلا حد كما قال تعالي ( ثم استوي علي العرش ) كيف شاء ، المشيئة إليه عز وجل والاستطاعة ليس كمثله شيء وهو خالق كل شيء وكما وصف نفسه سميع بصير بلا حد ولا تقدير 0 قال إبراهيم لأبيه ( يا آبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ) فنثبت آن الله سميع بصير صفاته منه لا نتعدي القرآن والحديث ، والخبر " يضحك الله " ولا نعلم كيف ذلك الا بتصديق الرسول وبتثبيت القرآن لا يصفه الواصفون ولا يحده أحد تعالي الله عما تقول الجهمية والمشبهة ( قلت ) والمشبهة ما يقولون ؟ قال من قال بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي فقد شبه الله بخلقه وهذا يحده - وهذا كلام سوء وهذا محدود والكلام في هذا لا احبه 0(1/38)
وقال محمد بن مخلد قال احمد : نصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله 0 وقال يوسف بن موسى آن آبا عبد الله قيل له ولا يشبه ربنا شيئا من خلقه قال نعم ( ليس كمثله شيء ) فقول احمد انه ينظر إليهم ويكلمهم كيف شاء واذا شاء وقوله وهو علي العرش بلا حد كما قال ( ثم استوي علي العرش ) كيف شاء المشيئة إليه والاستطاعة له ليس كمثله شيء يبين آن نظره وتكليمه وعلوه علي العرش واستواءه علي العرش مما يتعلق بمشيئته واستطاعته ، وقوله بلا حد ولا صفة يبلغها واصف او يحده أحد - نفي به إحاطة علم الخلق به وان يحدوه او يوصفوه علي ما هو عليه الا بما اخبر به عن نفسه ليتبين آن عقول الخلق لا تحيط بصفاته ، كما قال الشافعي في خطبة الرسالة : الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصف به خلقه (3) ولهذا قال احمد لا تدركه الأبصار 0 بحد ولا غاية 0 فنفي آن يدرك له حد او غاية 0 فهذا اصح القولين في تفسير الادرك وقد بسط الكلام علي شرح هذا الكلام في غير هذا الموضع 0(1/39)
وما في هذا الكلام من نفي تحديد الخلق وتقديرهم لربهم وبلوغهم صفته لا ينافي ما نص عليه احمد وغيره من الأئمة كما ذكره لخلال أيضا قال حدثنا آبو بكر المروذي قال سمعت آبا عبد الله لما قيل له : روى علي ابن الحسن بن شقيق عن ابن مبارك انه قيل كيف نعرف الله عز وجل ؟ قال علي العرش بحد 0 قال قد بلغني ذلك عنه و أعجبه ثم قال آبو عبد الله ( هل ينظرون الا آن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) ثم قال ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) قال الخلال وأنبانا محمد بن علي الوراق حدثنا آبو بكر الاثرم حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال لاحمد بن حنبل يحكي عن ابن المبارك وقيل له نعرف ربنا ؟ قال : في السماء السابعة علي عرشه بحد فقال احمد هكذا هو عندنا واخبرني حرب بن إسماعيل قال قلت لاسحق يعني ابن راهويه هو علي العرش بحد قال نعم بجد ، وذكر عن ابن المبارك قال هو علي عرشه بائن من خلقه بجد ، قال واخبرني المروذي قال : قال اسحق ابن إبراهيم بن راهويه قال الله تبارك وتعالي ( الرحمن علي العرش استوي ) إجماع آهل العلم انه فوق العرش استوي ويعلم كل شيء في اسفل الأرض السابعة وفي قعور البحار ورؤس الآكام وبطون الأدوية وفي كل موضع كما يعلم علم ما في السموات السبع وما فوق العرش ، أحاط بكل شيء علما فلا تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات البر والبحر الا وقد عرف ذلك كله و أحصاه ؛ فلا تعجزه معرفة شيء عن معرفة غيره 0 فهذا بينوا آن ما اثبتوا له من الحد لا يعلمه غيره ، كما قال مالك وربيعه وغيرهما : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، فتبين آن كيفية استوائه مجهولة للعباد فلم ينفوا ثبوت ذلك في نفس الآمر ولكن نفوا علم الخلق به ، وكذلك مثل هذا في كلام عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون وغير واحد من السلف والائمة ينفون علم الخلق بقدره وكفيته ، وبنحو ذلك قال عبد العزيز بن عبد الله بن آبى سلمة الماجشون في كلامه المعروف وقد ذكره ابن بطة في(1/40)
الإبانة وآبو عمر الطلمنكي في كتابة الأصول ورواء آبو بكر الاثرم قال حدثنا عبد الله بن صالح عن عبد العزيز بن عبد الله بن آبى سلمه انه قال : آما بعد فقد فهمت ما سالت عنه فيما تتابعت فيه الجهمية ومن خافها في صفات الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير وكلت الألسن عن تفسير صفته ، وانحسرت العقول عن معرفة قدرة ، الي آن قال فانه لا يعلم كيف هو الا هو ، وكيف يعرف قدر من لا يموت ولا يبلي ؟ وكيف يكون لصفة شيء منه حد او منتهى يعرفه عارف ، او يحد قدره واصف ، الدليل علي عجز العقول عن تحقيق صفته ، عجزها عن تحقيق صفة اصغر خلقه ، - الي آن قال : اعرف رحمك الله غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها ، إذا لم تعرف ما وصف فما نكلفك علم ما لم يصف ؟ هل تستدل بذلك علي شيء من طاعته ، او تنزجر عن شيء من معصيته ؟ وذكر كلاما طويلا الي آن قال : فآما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكلفا قد استهوته الشياطين في الأرض حيران فصار يستدل بزعمه علي جحد ما وصف الرب وسمي من نفسه بان قال لا بد الألسن كان له من الألسن يكون له كذا ، فعمي عن البين بالخفي بجحد ما سمي الرب من نفسه ويصف الرب بما لم يسم فلم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قول الله تعالي ( وجوه يومئذ ناضرة * الي ربها ناظرة ) فقال لا يراه أحد يوم القيامة ، فجحد والله افضل كرامة الله التي اكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر في وجهه ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) قد قضي انهم لا يموتون فهم بالنظر إليه ينضرون 0 وذكر كلاما طويلا كتب في غير هذا الموضع ثم ذكر بعد هذا كلام الأمام عثمان بن سعيد الدرامي في كتابه الذي سماه ( رد عثمان بن سعيد ، علي الكافر العنيد ، فيما افتراه على الله في التوحيد ) فقال :
{ باب الحد والعرش }(1/41)
…قال أبو سعيد وادعى المعارض أيضاً أنه ليس لله حد ولا غاية ولا نهاية ، قال وهذا هو الأصل الذي بني عليه جهم جميع ضلالاته ، واشتق منها جميع أغلوطاته ، وهي كلمة لم يبلغنا أنه سبق جهماً إليها من أحد من العالمين فقال له قائل ممن يحاوره قد علمت مرادك أيها الأعجمي تعني أن الله لا شيء لأن الخلق كلهم قد عملوا أنه ليس شيء يقع عليه اسم شيء إلا وله حد وغاية وصفه ، وأن لاشيء ليس له حد ولا غاية ولا صفة ، فالشيء أبداً موصوف لا محالة ، ولاشيء يوصف بلا حد ولا غاية ، وقولك لا حد له تعني أنه لاشيء ، قال أبو سعيد والله تعالى له حد لا يعلمه أحد غيره ولا يجوز لا حد أن يتوهم غاية في نفسه ، لكن يؤمن بالحد وبكل علمه انتهى .
…إذا فهمت هذا وتحققته تبين لك منافاه ما قاله الناظم والشارح لكلام أئمة السلف رضوان الله عليهم لأن مرادهم في قولهم بلا حد كما قال أحمد وهو على العرش بلا حد ، وقوله : وكما وصف نفسه سميع بصير بلا حد ، وقوله لا يصفه الواصفون ولا يحده أحد . فمرادهم بقوله بلا حد معناه ما ذكره شيخ الإسلام قدس الله ورحمه بقوله بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد نفى به إحاطة علم الخلق به وأن يحدوه أو يصفوه على ما هو عليه إلا بما أخبر به عن نفسه ليتبين أن عقول الخلق لا تحيط بصفاته كما قال الشافعي في خطبة الرسالة : الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصفه به خلقه . ولهذا قال أحمد لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية فنفى أن يدرك له حد أو غاية وكذلك ما ذكره الإمام عبد العزيز بن عبدالله ابن أبي سلمة الماجشون حيث قال وكيف يكون لصفة شيء منه حداً ومنتهى يعرفه عارف أو يحد قدره واصف إلى آخر كلامه .(1/42)
…فهذا ما ذكره أئمة السلف رضوان الله عليهم في معنى قولهم بلا حد وهو خلاف ما فهمه الشارح في معنى قولهم بلا حد فإنه قال وفيه الرد على من زعم أنه يلزم من كونه مستوياً على عرشه أن يحد تعالى الله عن ذلك إذ المحدود محدث والمحدث مفتقر للخالق وهذا يوافق ما قاله أهل البدع من أهل الكلام وغيرهم ممن أخذ بانوال الجهمية المنكرين لعلوه على عرشه ومباينته لمخلوقاته كما ذكر ذلك عنهم الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في رده على بشر المريسي حيث قال وادعى المعارض أيضاً أنه ليس لله حد ولا غاية ولا نهاية قال وهذا هو الأصل الذي بني عليه جهم جميع ضلالاته واشتق منها جميع أغلوطاته وهي كلمة لم يبلغنا أنه سبق جهماً إليها أحد من العالمين فقال له قائل ممن يحاوره قد علمت مرادك أيها الأعجمي تعني أن الله لا شيء لأن الخلق كلهم قد علموا أنه ليس شيء يقع عليه اسم الشيء إلا وله حد وغاية أو صفه وأن لاشيء ليس له حد ولا غاية ولا صفة فالشيء أبداً موصوف لا محالة ولا شيء يوصف بلا حد ولا غاية وقولك لا حد له تعني أنه لاشيء قال أبو سعيد والله تعالى له حد لايعلمه أحد غيره ولا يجوز لا حد أن يتوهم لحده غاية في نفسه ولكن يؤمن بالحد وبكل علم انتهى(1/43)
…فإذا كان ذلك كذلك تعين ما ذكره أئمة السلف حيث قالوا : كيف نعرف الله عز وجل ، قال : على العرش بحد كما رواه على بن الحسين بن شقيق عن عبدالله بن المبارك رضي الله عنه ، وكما رواه الخلال باسناده إلى الإمام أحمد أنه قيل له يحكي عن ابن المبارك وقيل له : كيف تعرف ربنا ؟ قال : على عرشه بحد قال أحمد : هكذا هو عندنا وذكر أيضاً عنه حرب بن إسماعيل قال : قلت لاسحق يعني ابن راهوية هو على العرش بحد قال : نعم بحد . وذكر عن ابن المبارك قال : هو على عرشه بائن من خلقه بحد . ثم قال شيخ الاسلام بعد أن ذكر أقوال أئمة السلف : أنه بحد قال رحمه الله بينوا أن ما أثبتوه له من الحد لا يعلمه غيره كما قال مالك وربيعة وغيرهما : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول . فبين أن كيفية استوائه مجهولة للعباد فلم ينفوا ثبوت ذلك في نفس الأمر ، ولكن نفوا على الخلق به واعلم أني إنما أعدت هذا الكلام وكررته ليتبين لك ما بين اللفظتين من قوله : بلا حد ومن قوله : بحد لتعلم الفرق بين هاتين اللفطتين كما بينه شيخ الاسلام فيما تقد والله أعلم (4) .
…وأما قول الشارح : والخالق هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ، الأول من غير بداية والآخر من غير نهاية والظاهر من غير تحديد ، والباطن من غير تخصيص ، إلى آخر كلامه .(1/44)
فاعلم وفقك الله أن في هذا الكلام ألفاظ لم يقل بها أحد من أئمة السلف رضي الله عنهم كقوله : الظاهر من غير تحديد ن والباطن من غير تخصيص ، فلنسلم معنى ما ذكره من هذه الألفاظ لما تقدم بيانه ، والذي ذكره أئمة السلف هو ما ذكره ابن القيم رحمه الله في سفر الهجرتين حيث قال : وقد فسر أعلى الخلق بربه هذه الآية قوله تعالى ( هو الأول والآخر والباطن وهو بكل شيء عليم ) بأنه هو الأول الذي ليس قبله شيء ، والآخر ليس بعده شيء ، والظاهر الذي ليس فوقه شيء ، والباطن الذي ليس دونه شيء ، فهذا تفسير أعلم الخلق بربه ولا حاجة بنا إلى تفسير من لا عصمة في قوله . وقد بينا فيا تقدم أن هذا من كلام أهل البدع وإنهم يوهمون الناس أن مقصودهم بذلك أن لا تحصره المخلوقات ، ولا تجوزه المصنوعات ، وهذا المعنى صحيح . ومقصودهم أنه ليس مباينا للخلق ولا منفصلاً عنه ، وأنه ليس فوق السموات رب ، ولا على العرش غله . وقد تقدم هذا في كلامه شيخ الاسلام بتمامه .
…وأما قوله : والباطن من غير تخصيص - فهو أيضاً من كلام أهل البدع كما ذكره شيخ الإسلام عن ابن التومرت الذي يسمونه المهدي وهو من نفاة الصفات . والجواب عما ذكره ابن التومرت مذكور في العقل والنقل في صفحة سبع ومائتين في المجلد الأخير في الجزء الثالث فمن أراد الوقوف عليه فليراجعه هناك والله أعلم .
…ومنها ما ذكره الشارح في صفحة سبع وعشرين على قوله ( ونهجه ) أي نهج اليد والوجه ونحوهما أي كل ما ورد من الأوصاف من الرجل والقدم والصورة فأقول :(1/45)
…اعلم أن ما ذكره الشارح من قوله والصورة أن أراد به ما أخبر به صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح كما في البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( إن الله خلق آدم على صورته )) ورواه الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ولفظه (( خلق آدم على صورة الرحمن )) قال شيخ الاسلام : ورواه الاعمش مسنداً ، وكما رود في الحديث (( فيأتيهم على الصورة التي يعوفونها فيقول أنا ربكم )) فما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فهو الحق الذي لا ريب فيه . ولكن لا نقول إلا ما ورد به النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز لا حد أن يطلق على الله أن صورة لان ذلك لم يرد في الكتاب ولا في السنة لا نفياً ولا إثباتاً ، ولا سمى الله به نفسه . فإطلاق هذه الالفاظ على الله من أقوال أهل البدع التي تلقاها من خلف منهم عمن سلف .
…قال ابن القيم رحمه الله في المدارج بعد ان ذكر كلاماً سبق : إن الفعل أوسع من الاسم ، ولهذا أطلق على نفسه أفعالاً لم يتسم منها بأسماء الفاعل كأراد وشاء وأحدث ، ولم يسم بالمريد والمشيء والمحدث كما لم يسم نفسه بالصانع والفاعل والمتقن وغير ذلك من الأسماء التي أطلق أفعالها على نفسه فباب الأفعال أوسع من باب الاسماء وقد أخطأ اقبح خطأ من اشتق له من كل فعل اسماً وبلغ بأسمائه زيادة على الالف فسماه الماكر والخادع والفاتن والكائد ونحو ذلك وكذلك باب الاخبار عنه بالاسم أوسع من تسميته به فإنه يخبر عنه بأنه شيء موجود ومذكور ومعلوم ومراد ولا يسمي بذلك انتهى .(1/46)
…فإذا تبين لك هذا فأعلم أن من أدخل اسم الصورة في أسماء الله أخطأ أقبح خطأ لأن باب الأفعال والاخبار عن الله أوسع من باب الاسماء ولفظ الصورة لم يذكره أحد من علماء أهل السنة والجماعة في عقائدهم وإنما ذكر ذلك بعض من ينسب إلى أهل السنة فمن اشتق من أفعال الله سبحانه وتعالى أسماء وأوضافاً لم يذكرها الله ولا رسوله إلا على سبيل الاخبار فنقول في ذلك ما قاله الله ورسوله وأخبر به في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا نتجاوز القرآن والحديث والله أعلم . وقد تقدم التنبيه على أن السلف رضوان الله عليهم قد فسروا آيات الصفات وأحاديثها وبينوا معانيها ونهوا عن تأويلات الجمهمية وذكرنا ما ذكره شيخ الاسلام من أن مذهب أهل التفويض اشر المذاهب وأخبثها ونسبة ذلك إلى السلف من الكذب عليهم والله أعلم .
…( ومنها ) ما ذكره في صفحة ثمان وسبعين على قول الناظم
فسائر الصفات والافعال
قديمة لله ذي الجلال
…قال الشارح وسائر الافعال من الاستواء أو النزول والاتيان والمجيء والتكوين ونحوها قديمة عند سلف الامة وأئمتها لله ذي الجلال والاكرام ليس منها شيء محدث وإلا لكان محلا للحوادث وما حلت به الحوادث فهو حادث تعالى الله عن ذلك انتهى .
…فأقول اعلم أنا قد قدمنا فيما قبل من كلام شيخ الاسلام ابن اتيمية وكلام تلميذه ابن القيم الذين هم سادات الحنابلة وأئمتهم ما فيه الكفاية ولكن لا بد من التنبيه على بعض ذلك ليتبين لك أن نسبة ذلك إلى سلف الامة وأئمتها من الكذب عليهم وإنما هو كلام سلف أئمة أهل البدع والضلال الذين ينتسبون إلى مذهب أهل السنة والجماعة . فمن ذلك أن شيخ الاسلام ابن تيمية وابن القيم ذكرا أن مذهب السلف وأئمتها أن أفعال الله سبحانه وتعالى قديمة النوع حادثة الآحاد وأن الله سبحانه لم يزل متكلماً إذا شاء أو لم نزل الارادات والكلمات تقوم بذاته شيئاً بعد شيء ونحو ذلك .(1/47)
فإذا عرفت هذا تبين لك أن قول الشارح في أفعال الله الاختيارية : ليس منها شيء محدث والا كان محلاً للحوادث وما حلت به الحوادث فهو حادث تعالى الله عن ذلك- ليس هو من كلام السلف وأئمتها بل هو من كلام أهل البدع المخالفين للسلف كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى . وأما حلول الحوادث فيريدون به أنه لا يتكلم بقدرته ومشيئته ولا ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا ولا يأتي يوم القيامة ولا يجيء ولا يغضب بعد أن كان راضياً ولا يرضى بعد أن كان غضبان ولا يقوم به فعل البتة ولا أمر مجدد بعد أن لم يكن ولا يريد سيئاً بعد أن لم يكن مريداً له فلا يقول له كن حقيقة ولا استوى على عرشه بعد أن لم يكن مستوياً ولا يغضب يوم القيامة غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولا ينادي عباده يوم القيامة بعد أن لم يكن منادياً ولا يقول للمصلي إذا قال ( الحمد لله رب العالمين ) حمدني عبدي فإذا قال ( الرحمن الرحيم ) قال ( أثنى على عبدي ) فإذا قال ( ملك يوم الدين ) قال مجدني عبدي )) فإن هذه كلها حوادث وهو منزه عن حلول الحوادث انتهى ، وقد تقدم كلام شيخ الاسلام وفيه الكفاية .
ثم إن ممن المملوم عند من له إلمام بالمعارف والعلوم أن نزول الله سبحانه وتعالى إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر وكذلك مجيئه لفصل القضاء بين العباد يوم القيامة لم يكن قديماً قبل أن يخلق السموات والأرض في الازل بل ذلك فيما لم يزل إلى يوم القيامة بمشيئته وقدرته وإرادته كما يشاء أن ينزل وكما يشاء أن يجيء ويأتي على ما يليق بعظمته وجلاله ومن تأمل كلام شمس الدين ابن القيم حق التأمل تبين له ما قاله أئمة السلف وتبين له أيضاً وتبين له ايضاً ما يقوله أئمة أهل البدع وما تحت ألفاظهم المحملة التي لم ينطق بها كتاب ولا سنة ولم يتكلم بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا التابعون ولا من بعدهم من الأئمة المهتدين والله أعلم .(1/48)
وكذلك ما قاله الشارح بعد هذا قال سفيان بن عيينة كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره قراءته والسكوت عنه ليس لا حد أن يفسره إلا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . فأقول قد تقدم الكلام على ذلك وإنما مقصود السلف بذلك تأويله وصرفه عن ظاهره . وأما قوله وسمع الامام أحمد رحمه الله شخصاً يروي حديث النزول ويقول ينزل بغير حركة ولا انتقال ، ولا تغير حال ، فانكر الامام أحمد عليه ذلك وقال قل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كان اغير على ربه منك . فاقول نعم قد كان أحمد ينكر هذه الألفاظ التي لم يأت بها كتاب ولا سنة ولا نطق بها أصحاب رسول الله عليه وسلم ولا من بعدهم من التابعين وكان يحب السكوت عن ذلك كما قدمنا ذلك عنه في الحد .
ولأئمة السلف ومنهم أحمد كلام في الحركة والانتقال فنذكر من ذلك ما تبين به صحة مذهب السلف وبطلان ما خالفهم من كلام أهل البدع . قال شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه في العقل والنقل بعد كلام طويل قال فيه : والفعل صفة كمال لا صفة نقص كالكلام والقدرة وعدم الفعل صفة نقص كعدم الكلام وعدم القدرة فدل العقل على صحة ما دل عليه الشرع وهو المطلوب . وكان الناس قبل ابي محمد بن كلاب صنفين فأهل السنة والجماعة يثبتون ما يقوم بالله تعالى من الصفات والأفعال التي يشاؤها ويقدر عليها والجهمية من المعتزلة وغيرهم تنكر هذا .(1/49)
وهذا فاثبت ابن كلاب قيام الصفات اللازمة به ونفى أن يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها ووافقه على ذلك ابو العباس القلانسي وأبو الحسن الأشعري وغيرهما وأما الحارث المحاسبي فكان ينتسب إلى قول ابن كلاب ولهذا أمر أحمد بهجره وكان أحمد يحذر عن ابن كلاب واتباعه ثم قيل عن الحادث أنه رجع عن قوله وقد ذكر الحارث في كتاب فهم القرآن عن أهل السنة في هذه المسألة قولين ورجع قول ابن كلاب وذكر ذلك في قوله تعالى ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) وأمثال ذلك .(1/50)
وأئمة السنة والحديث على إثبات النوعين وهو الذي ذكره عنهم من نقل مذهبهم كحرب الكرمائي وعثمان بن سعيد الدرامي وغيرهما بل صرح هؤلاء بلفظ الحركة وان ذلك هو مذهب ائمة السلف والحديث من المتقدمين والمتأخرين وذكر حرب الكرمائي قول من لقيه من أئمة السلف كأحمد بن حنبل واسحق بن راهوية وعبدالله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وقال عثمان بن سعيد وغيره : أن الحركة من لوازم الحياة فكل حي متحرك وجعلوا نفي هذا من أقوال الجهمية نفاة الصفات الذين اتفق السلف والأئمة على تضليلهم وتبديعهم ، وطائفة أخرى من السلفين كنعيم بن حماد الخزاعي والبخاري صاحب الصحيح وأبي بكر بن خزيمة وغيرهم كأبي عمر بن عبد البر وأمثاله يثبتون المعنى الذي يثبته هؤلاء ويسمون ذلك فعلاً ونحوه لكن يمنعون عن إطلاق لفظ الحركة لكونه غير مأثور وأصحاب أحمد منهم من يوافق هؤلاء كأبي بكر عبد العزيز وأبي عبدالله بن بطة وأمثالهما ومنهم من يوافق الأولين كأبي عبد الله بن حامد وأمثاله - ثم ذكر كلاماً - طويلاً إلى أن قال : وقال أبو محمد حرب بن إسماعيل الكرماني في مسائله المعروفة التي نقلها عن أحمد وإسحق وغيرهما وذكر معهما من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة وغيرهم ما ذكر - إلى أن قال : وادركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب أوطعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق وهو مذهب أحمد وإسحق وإبراهيم بن مخلد وعبدالله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم وذكر الكلام في الإيمان والقدر والوعيد والإمامة وما أخبر به الرسول من اشراط الساعة وأمر البرزخ والقيامة وغير ذلك إلى أن قال : وهو سبحانه بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان ولله عرش وللعرش حملة يحملونه ، وله حد الله أعلم بحده والله على عرشه عز ذكره وتعالى جده ولا إله(1/51)
غيره والله تعالى سميع لا يشك ، بصير لا يرتاب ، عليم لا يجهل ، جواد لا يبخل حليم لا يعجل ، حفيظ لا ينسى ، يقظان لا يسهو رقيب لا يغفل ، يتكلم ويتحرك ويسمع ويبصر وينظر ويقبضض ويبسط ويحب ويكره ويبغض ويرضى ويسخط ويغضب ويرحم ويعفو ويغفر ويعطي ويمنع وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا كيف شاء وكما شاء ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) إلى أن قال : ولم يزل منكلما عالما ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) اهـ .
والمقصود أن ذكر عن أئمة السلف في أفعال الله الاختيارية التي تتعلق بمشيئته وقدرته الحركة فليس لنا أن نعدل عن قولهم ونأخذ بمذاهب أهل البدع وآرائهم .(1/52)
وقال شيخ الاسلام أيضاً في العقل والنقل : وقال عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه المعروف ( بنقص عثمان بن سعيد ، علي المريسي الجهمي العنيد ، فيما افترى على الله في التوحيد ) قال : وادعى المعارض أيضاً أن قول النبي صلى الله عليه وسلم (( إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل فيقول هل من مستغفر هل من تائب هل من داع )) قال : وادعى أن الله لا ينزل بنفسه إنما ينزل أمره ورحمته وهو على العرش وبكل مكان من غير زوال لأنه الحي القيوم بزعمه من لا يزول ( قال ) فيقال لهذا المعارض وهذا أيضاً من حجج النساء والصبيان ، ومن ليس عنده بيان ، ولا لمذهبه برهان ، لأن أمر الله ورحمته ينزل في كل ساعة ووقت وأوان ، فمال بال النبي صلى الله عليه وسلم يحد لنزوله الليل دون النهار ويوقت من الليل شطره والاسحار ، أفأمره ورحمته يدعوان العباد إلى الاستغفار ، أو يقدر الامر والرحمة أن يتكلما دونه فيقولا (( هل من داع فأجيبه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من سائل فاعطيه ؟ )) فإن أقررت مذهبك لزمك أن تدعى أن الرحمة والامر هما اللذان يدعوان العباد إلى الاجابة والاستغفار بكلامه دون الله وهذا محال عند السفهاء فكيف عند الفقهاء ؟ قد علمتم ذلك ولكن تكابرون ؟ وما بال رحمته وأمره ينزلان من عنده شطر الليل ثم يمكثان إلى طلوع الفجر ثم يرفعان لأن رفاعة راوية يقول في حديثه (( حتى ينفجر الفجر )) قد علمتم إن شاء الله تعالى أن هذا التأويل باطل ، ولا يقبله إلا ساهل ، وأما دعواك أن تفسير القيوم الذي لا يزول عن مكانه ولا يتحرك فلا يقبل منكم هذا التفسير إلا بأثر صحيح مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن بعض أصحابه أو التابعين لأن الحي القيوم يفعل ما شاء ويتحرك إذا شاء ويهبط ويرتفع إذا شاء ، ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء ، لأن أمارة ما بين الحي والميت التحرك . كل حي متحرك لا محالة كل ميت غير متحرك لا محالة . ومن يلتفت إلى(1/53)
تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبي الرحمة ، ورسول رب العزة ؟ إذ فسر نزوله مشروعاً منصوصاً ، ووقت لنزوله وقتاً مخصوصاً ، ولم يدع لك ولاصحابك فيه لعباً ولا عويصاً . انتهى والله أعلم .
( ومنها ) ما ذكره الشارح في صفحة الثلاثين على قول الناظم
وكل ما يفعله العباد
لربنا من غير ما اضطرار
من طاعة أو ضدها مراد
منه لنا فافهم ولا تمار
قال الشارح وكل ما أي فعل يفعله العباد من طاعة وهي متعلق المدح في العاجل ، والثواب في الآجل ، أو ضدها أي وكل ما يفعله من ضد الطاعة وهي المعصية يعني ما فيه ذم في العاجل ، وعقاب أو لوم في الآجل مراد لربنا تعالى داخل تحت أرادته ومشيئته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهو على كل شيء قدير انتهى .
فأقول اعلم وفقك الله تعالى أن الشارح والناظم اطلقا لفظ الارادة من غير تفصيل ولا بيان وهو كلام مجمل موهم من جنس ما تقدم من الالفاظ التي نبهنا عليها من كلام أهل البدع فإن الظاهر من هذا اللفظ الذي أطلقه الشارح والناظم إنما يراد به الارادة الكونية القدرية في المسألة تفصيل قد ذكره المحققون من أهل العلم لأن الارادة إرادتان إرادة كونية قدرية وإرادة دينية شرعية .(1/54)
وبيان ذلك بما ذكره شيخ الاسلام بن تيمية قدس الله روحه في منهاج السنة حيث قال ( الوجه الثالث ) طريقة الائمة الفقهاء وأهل الحديث وكثير من أهل النظر وغيرهم أن الارادة في كتاب الله نوعان إرادة تتعلق بالامر وإرادة تتعلق بالخلق فالارادة المتعلقة بالامر ان يريد من العبد فعل ما أمر به ، وأما إرادة الخلق فإن يريد ما يفعله هو فإرادة الامور هي المتضمنة للمجة والرضا وهي الارادة الدينية ، والارادة المتعلقة بالخلق هي المشيئة وهي الارادة الكونية القدرية ، فالاولى كقوله تعالى ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) وقوله ( يريد الله ليبين لكم ) إلى وقوله ( يريد الله ان يخفف عنكم ) وقوله ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ) الآية وقوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) الآية الثانية كقوله تعالى ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام من يرد ان يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً ) وقوله ( ولا ينفعكم نصحى أن أردت أن انصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ) ومن هذا النوع قول المسلمين : ما شاء الله وكان وما لم يشاء لم يكن ومن الاول كقولهم لمن يفعل القبائح هذا يفعل ما لا يريده الله منه فإذا كان كذلك فالكفر والفسوق والعصيان ليس مراداً للرب عز وجل بالاعتبار الاول والطاعة موافقة لتلك الارادة وموافقة للامر المستلزم لتلك الارادة فأما موافقة مجرد النوع الثاني فلا يكون به مطيعاً وحينئذ فالنبي يقول له أن الله يبغض الكفر ولا يحبه ولا يرضاه لك أن تفعله ولا يريده بهذا الاعتبار والنبي صلى الله عليه وسلم يأمره بالايمان الذي يحبه الله ويرضاه له ويريده بهذا الاعتبار . ثم ذكر كلاماً طويلاً في منهاج السنة في الجزء الثاني من المجلد الاول في صفحة اثنين وعشرين فمن أراد الوقوف عليه فيراجعه في محله .(1/55)
وقال أيضاً رحمه الله تعالى في موضع آخر وقد قسم الارادة أربعة أقسام فقال رحمه الله : ( الاول ) ما تلقت به الارادتان وهو ما وقع في الوجود من الاعمال الصالحة فإن الله تعالى ارادها إرادة دين وشرع فأمر به وأحبه ورضيه وأراده إرادة كون فوقع ولولا ذلك لما كان ( الثاني ) ما تعلقت به الارادة الدينية فقط وهو ما أمر الله به من الاعمال الصالحة فعصى ذلك الامر الكفار والفجار فتلك كلها إرادة دين وهو يحبها ويرضاها لو وقعت ولم تقع ( الثالث ) ما تعلقت به الارادة الكونية فقط وهو ما قدره وشاءه من الحوادث التي لم يأمر بها كالمباحات والمعاصي فإنه لم يأمر بها ولم يرضها ولم يحبها إذ هو لا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر ولولا مشيئته وقدرته وخلقه لما كانت ولما وجدت فإن ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن ( الرابع ) من أقسام الإرادة الذي لم تتعلق به هذه الارادة ولا هذه فهذا ما لم يكن من أنواع المباحات والمعاصي انتهى .(1/56)
إذا تبين لك هذا فاعلم أن قول الناظم والشارح يوافق ما قالته القدرية الجبرية حين ردوا ما قالته القدرية النفاة لما أنكروا القدرو زعموا أن الأمر أنف فقابلهم أولئك بالقول بالجبر (5) وانهم لا يخرجون عن قدره وقضائه نظراً منهم إلى الأمر كائن بمشيئته الله وقدره وإن ما شاء كان وما لم يشاء لم يكن وأنه تعالى خالق كل شيء وربه ومليكه ولا يكون في ملكه شيء إلا بقدرته وخلقه ومشيئته كما قال تعالى ( أنا كل شيء خلقناه بقدر - وما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله - ولو شاء ربك ما فعلوه - وما تشاؤن إلا أن يشاء الله ) ونحو ذلك من الآيات ولا ريب أن هذا أصل عظيم من أصول الايمان لا بد منه في حصول الايمان وبانكاره ضلت القدرية النفاة وخالفوا جميع الصحابة وأئمة الاسلام لكن لا بد معه من الايمان بالارادة الشرعية الدينية التي نزلت بها الكتب الايمانية ودلت عليها النصوص النبوية وأئمة المسلمين قد أثبتوا هذه وهذه وذكروا الجمع بينهما وآمنوا بكلا من الاصلين فتفطن فهذا الموضع يزيل عنك اشكالات كثيرة والله سبحانه وتعالى اعلم .
( فصل )
ومنها ذكر الشارح في صفحة خمس وثلاثين على قول الناظم .
وجاز للمولى يعذب الورى
من غير ما ذنب ولا جرم جرى
إلى آخره .
…قال الشارح : وجاز للمولى جل جلاله - وهو رب العالمين - يعذب الورى أي الخلق من غير ما ذنب أي اثم ولا جرم هو بمعنى ما قبله وعطفه عليه لزيادة البيان جرى من العدم إلى قوله حتى إثابة العاصي وعقوبة المطيع إلى قوله لأنه تعالى لو عذبهم بعدله الخالص من شائبة الظلم لأنه تعالى تصرف في ملكه ، والعدل وضع الشيء في محله من غير اعتراض على الفاعل عكس الظلم - إلى آخر كلامه .(1/57)
فأقول اعلم وفقك الله أن هذا الكلام الذي قاله الناظم ، والشارح يخالف ما قاله المحققون من أهل العلم ، بل هو من كلام أهل البدع الذين قابلوا باطلاً بباطل المخالفين لأئمة السلف رضوان الله تعالى عليهم . قال شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه بعد كلام له سبق : وهذه النصوص النافية للظلم تثبت العدل في الجزاء وأنه لا يبخس عاملاً عمله ، وكذلك قوله قيمن عاقبهم ( وما ظلمناهم ولن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء ) وقوله ( وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ) بين أن عقاب المجرمين عدلاً لذنوبهم لا لأنا ظلمناهم بغير ذنب . والحديث الذي في السنن (( لو عذب الله أهل سمواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ، ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيراً من أعمالهم )) يبين ان العذاب لو وقع لاستحقاقهم ذلك لا لكونه بغير ذنب . وهذا يبين أن من الظلم المنفي من لم يذنب . وكذلك قوله ( وقال الذي آمن ياقوم إني أخاف عليكم مثل يوم الاحزاب * مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلماً للعباد ) يبين أن هذا العقاب لم يكن ظلماً بل لاستحقاقهم ذلك وأن الله لا يريد الظلم . والامر الذي لا يمكن القردة عليه لا يصلح أن يمدح الممدوح بعدم إرادته ، وإنما يكون المدح بترك الافعال إذا كان الممدوح قادراً عليها فعلم أن الله قادر على ما نزه نفسه عنه من الظلم وأنه لا يفعله وبذلك يصح قوله (( إني حرمت الظلم على نفسي )) وأن التحريم هو المنع . وهذا لا يجوز أن يكون فيما هو ممتنع لذاته فلا يصلح أن يقال حرمت على نفسي أو منعت نفسي من خلق مثلي أو جعل المخلوقات خالقة ونحو ذلك من المجالات وأكثر ما يقال في تأويل ذلك ما يكون معناه إني أخبرت عن نفسي بأن ما لايكون مقدوراً لا يكون مني وهذا المعنى مما يتقين المؤمن أنه ليس مارد الرب وأنه يجب تنزيه الله ورسوله عن إرادة مثل هذا المعنى الذي لا يليق الخطاب بمثله إذ(1/58)
هو مع كونه شبه التكرير وإيضاح الواضح ليس فيه مدح ولا ثناء ولا ما يستفيده المستمع فعلم أن الذي حرمه على نفسه هو أمر مقدور عليه لكنه لا يفعله لأنه حرمه على نفسه وهو سبحانه منزه مقدس عنه يبين ان ما قاله الناس في حدود الظلم يتناول هذا دون ذلك كقول بعضهم : الظلم وضع الشيء في غير موضعخ كقولهم : من اشبه ابه فما ظلم فما وضع الشبه غير موضعه . ومعلوم أن الله سبحانه حكم عدل لا يضع الاشياء الا مواضعها ، ووضعها غير مواضعها ليس ممتنعا لذاته بل هو ممكن لكنه لا يفعله لانه لا يريده بل يكرهه ويبغضه إذ قد حرمه على نفسه .
وكذلك من قال : الظلم اضرار غير مستحق ، فان الله لا يعاقب أحداً بغير حق . وكذلك من قال هو نقص الحق ، وذكر أن اصله النقص كقوله ( كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً ) وأما من قال هو التصرف في ملك الغير ، فهذا ليس بمطرد ولا منعكس فقد يتصرف الانسان في ملك غيره بحق ولا يكون ظالماً ، وقد يتصرف في ملكه بغير حق فيكون ظالماً . وظلم العبد نفسه كثير في القرآن . وكذلك من قال: فعل المأمور خلاف ما أمر به ونحو ذلك . أتسلم صحة مثل هذا الكلام ؟ فالله سبحانه قد كتب على نفسه الرحمة وحرم على نفسه الظلم فهو لا يفعل خلاف ما كتب ولا يفعل ما حرم . وليس هذا الجواب موضع بسط هذه الأمور التي نبهنا عليها فيه ، وغنما نشير إلى النكت .(1/59)
وبهذا تبين القول المتوسط وهو : أن الظلم الذي حرمه الله على نفسه مثل أن يترك حسنات المحسن فلا يجزيه بها ويعاقب البرئ على ما لم يفعل من السيئات ويعاقب هذا بذنب غيره أو يحكم بين الناس بغير القسط ونحو ذلك من الأفعال التي ينزه الرب عنها لقسطه وعدله وهو قادر عليها ، وإنما استحق الحمد والثناء لانه ترك هذا الظلم وهو قادر عليه . وكما أن الله منزه عن صفات النقص والعيب فهو أيضا منزه عن افعال النقص والعيب وعلى قول الفريق الثاني ما ثم فعل يجب تنزيه الله عنه أصلا ، والكتاب والسنة وإجماع سلف الامة وأئمتها يدل على خلاف إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى فمن أراد الوقوف عليه فهو في المجلد الاول من الفتاوى في صفحة اثنين وأربعين وثلاث مئة إذا تحققت ، هذا وتبين لك من شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً من عباده بغير ذنب لأنه نزه نفسه عن ذلك فلا يريده بل يكرهه ويبغضه لأنه حرمه على نفسه وغن كان قادراً عليه فتبين بهذا خطأ الناظم والشارح حيث توهما أن ذلك جائز بغير ذنب ولا جرم استحق به العقاب والعذاب فإن هذا هو حقيقة قول الفريق الثاني الذين قابلوا باطلاً بباطل حيث قالوا ما ثم فعل يجب تنزيه الله عنه أصلاً .(1/60)
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في شفاء العليل في مناظرة جرت بين سني وجبري قال السني في جواب الجبري ، وصرحت بأنه يجوز عليه أن يعذب أشد العذاب لمن لم يعصه طرفة عين فإن حكمته ورحمته لا تمنع ذلك بل هو جائز عليه ولولا خبره عن نفسه بأنه لا يفعل ذلك لم تنزهه عنه وقلت عن تكليفه عباده بما كلفهم به منزلة تكليف الاعمى للكتابة والزمن للطيران عن فبغضت الرب إلى من دعوته إلى هذا الاعتقاد ونفرته عنه وزعمت أنك تقرر بذلك توحيده وقد قلعت شجرة التوحيد من أصلها وأما منافاة الجبر للشرائع فأمر ظاهر لاخفاء به فإن مبني الشرائع على الامر والنهي وأمر الآمر لغيره بفعل نفسه لا بفعل المأمور ونهيه عن فعله لا فعل المنهي عبث ظاهر فان متعلق الامر والنهي فعل العبد وطاعته ومعصيته فمن لا فعل له كيف يتصوران يوقمه بطاعته أو معصيته وإذا ارتفعت حقيقة الطاعة والمعصية ارتفعت حقيقة الثواب والعقاب وكان ما يفعله الله بعباده يوم القيامة من النعيم والعذاب أحكاماً جارية عليهم لمحض المشيئة والقدرة لا انها باسباب طاعتهم ومعاصيهم . بل هاهنا أمر آخر وهو أن الجبر مناف للخلق كما هو مناف للامر فان الله سبحانه له الخلق والامر وما قامت السموات إلا بعدله فالخلق قام بعدله وبعدله ظهر كما أن الامر بعدله وبعدله وجد ، فالعدل سبب وجود الخلق والامر وغايته فهو عليه الفاعليه الغائية والجبر لا يجامع العدل ولا يجامع الشرع والتوحيد انتهى .
والمقصود من هذا انه نفى تجويز عذاب الله عباده على ما لم يفعلوه من الذنوب والجرائم وقد نزه الله نفسه عن ذلك لأنه لا يريده بل يكرهه ويبغضه والله سبحانه وتعالى أعلم .(1/61)
وقال أيضاً رحمه الله في عدة الصابرين على قوله سبحانه ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً ) كيف يجد في ضمن هذا الخطاب أن شكره تعالى يأبى تعذيب عباده سدى بغير جرم كما يأتي إضاعة سعيهم باطلاً فالشكور لا يضيع أجر محسن ولا يعذب غير مسيء وفي هذا رد لقول من زعم أنه يكلف عبده ما لا يطيقه ثم يعذبه على ما لا يدخل تحت قدرته ، تعالى الله عن الظن الكاذب والحسبان الباطل علواً كبيراً فشكره سبحانه اقتضى أن لا يعذب المؤمن الشكور ولا يضيع عمله وذلك من لوازم هذه الصفة فهو منزه عن خلاف ذلك كما تنزه عن سائر العيوب والنقائص التي تنافي كماله وغناه وحمده انتهى .
وأما قول الشارح واستدل بقوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام ( أن تعبهم فانهم عبادك ) فأقول هذه الآية لا تدل على ما توهمه الشارح من أنه جائز لله أن يعذب عباده من غير ذنب ولا جرم استحقوا به بل الآية تدل على خلافه كما تقدم بيانه مبيناً مفصلاً .(1/62)
وقال ابن القيم رحمة الله تعالى في مدارج السالكين على هذه الآية في صفحة مائتين واحدى عشر : وهذا من أبلغ الادب مع الله في مثل هذا المقام أي شأن السيد رحمة عبيده والاحسان إليهم وهؤلاء عبيدك ليسوا عبيداً لغيرك فإذا عذبتهم مع كونهم عبيدك فلولا أنهم عبيد سوء من أنجس العبيد واعتاهم على سيدهم واعصاهم له لم يعذبهم لأن قربة العبودية تستدعي احسان السيد إلى عبده ورحمته له فلماذا يعذب أرحم الراحمين وأجود الاجودين واعظم المحسنين احساناً عبيده لولا فرط عتوهم وإبائهم عن طاعته وكما استحقاقهم للعذاب وقد تقدم قوله ( إنك انت علام الغيوب ) أي هم عبادك وأنت أعلم بسرهم وعلانيتهم فإذا عذبتهم عذبتهم على علم منك لما تعذبهم عليه فهم عبادك وأنت أعلم بما جنوه واكتسبوه فليس في هذا استعطاف لهم كما يظنه الجهال ولا تفويض إلى محض المشيئة والملك المجرد عن الحكمة كما تظنه القدرية وإنما هو إقرار واعتراف وثناء عليه بحكمته وعدله وكمال علمه بحالهم واستحقاقهم للعذاب إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى .
( فصل )
( ومنها ) ما ذكره في القول السديد على قوله ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله ) فقال ومعنى الايمان بالله أن تعتقد إنه هو الاله المعبود الذي لا يستحق العبادة أحد سواه ومعني الكفر بالطاغوت ان تعتقد بطلان عبادة غير الله إلى آخر كلامه .
فأقول اعلم وفقك الله أنه لا يكفي في الايمان بالله مجرد الاعتقاد بالقلب فقط فإن هذا هو مذهب الجهمية ومن تبعهم من أهل الكلام بل لا بد مع ذلك من مطق اللسان واعتقاد الجنان والعمل بالاركان فإن اعتقاد القلب وحده لا يكفي في النجاة بل هو مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة وأئمة الحديث وغيرهم .(1/63)
قال شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه في كتاب الايمان : ومن هذا الباب اقوال السلف وأئمة السنة في تفسير الايمان فتارة يقولون هو قول وعمل وتارة يقولون هو قول وعمل ونية وتارة يقولون قول وعمل ونية وأتباع السنة وتارة يقولون باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح وكل هذا صحيح فإذا قالوا قول وعمل فإنه يدخل في القول قول القلب واللسان جميعاً وهذا هو المفهوم من لفظ والكلام ونحو ذلك - إلى أن قال : والمقصود هنا ان من قال من السلف الايمان قول وعمل أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح ومن أراد أن لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر أو خاف ذلك فزاد الاعتقاد بالقلب ومن قال قول وعمل ونية قال القول يتناول ذلك ومن زاد اتباع السنة فلان ذلك كله لا يكون محبوباً لله إلا باتباع السنة وأولئك لم يريدوا كل قول وعمل وإنما أرادوا ما كان مشروعاً من الاقوال والاعمال ولكن كان مقصودهم الرد على المرجئة الذين جعلوه قولا فقط ، فقالوا بل هو قول وعمل ، والذين جعلوه أربعة فسروا مرادهم كما سئل سهل بن عبدالله التستري عن الايمان ما هو فقال قول وعمل ونية وسنة لأن الايمان إذا كان قولاً بلا عمل فهو كفر وإذا كان قولاً وعملاً بلا نية فهو نفاق وإذا كان قول وعمل ونية بلا اتباع سنة فهو بدعة .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الصلاة وههنا أصل آخر وهو أن حقيقة الايمان مركبة من قول وعمل قسمان قول القلب وهو الاعتقاد وقول اللسان وهو التكلم بكلمة الاسلام والعمل قسمان عمل القلب وهو نية وإخلاص وعمل الجوارح فإذا زالت هذه الأربعة زال الايمان بكماله وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الاجزاء فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة إلى آخر كلامه رحمه الله إذا المقصود بهذا التنبيه فمن أراد الكلام بتمامه فليراجعه هناك .(1/64)
وقال شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كشف الشبهات ما ذكره بقوله ولنختم الكلام عن شاء الله بمسئلة مهمة جداً - فذكر كلاماً ثم قال : فنقول لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فان احتفل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً فان عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما إلى أن قال : فان عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه فهو منافق وهو شر من الكافر الخالص إلى آخر كلامه وكذلك الكفر بالطاغوت لا يكفي في ذلك مجرد اعتقاد القلب فقط كما قال شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد :
باب ما جاء أن بعض هذه الامة يعبد الاوثان وقول الله تعالى ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ) قال في المسائل في معنى الطاغوت ( الرابعة ) وهي من أهمها ما معنى الايمان بالجبت والطاغوت ؟ هل هو اعتقاد القلب أو هو موافقة أصحابها مع بعضها ومعرفة بطلانها ؟ انتهى
فإذا تبين هذا لك فاعلم أن اعتقاد بطلان عبادة غير الله لا يكفي في النجاة وحده بل لا بد مع ذلك من تكفيرهم والبراء منهم ومن دينهم والتصريح لهم بذلك وإظهار العداوة والبغضاء لهم كما قال شيخنا الشيخ عبد الرحمن بن حسن على ما ذكر شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب بقوله : أصل الاسلام وقاعدته أمران ( الاول ) الامر بعبادة الله وحده لا شريك له والتحريض على ذلك الموالاة فيه وتكفير من تركه ( الثاني ) الانذار عن الشرك في عبادة الله والتفليط في ذلك والمعاداة فيه وتكفير من فعله ن فذكر كلاماً طويلاً ثم قال رحمه الله تعالى .(1/65)
وقد وسم أهل الشرك بالكفر فيما لا يحصى من الآيات فلا بد من تكفيرهم وأيضاً هذا هو مقتضى لا إله إلا الله الاخلاص فلا يتم معناها إلا بتكفير من جعل لله شريكاً في عبادته كما في الحديث الصحيح (( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله )) فقوله وكفر بما يعبد من دون الله - تأكيد للنفي فلا يكون معصوم الدم والمال الا بذلك فلو شك أو تردد لم يعصم دمه وماله فهذه الأمور هي تمام التوحيد لأن لا إله إلا الله قيدت في الاحاديث بقيود ثقال بالعلم والاخلاص والصدق واليقين وعدم الشك فلا يكون المرءا موحداً إلا باجتماع هذا كله واعتقاده وقبوله ومحبته والمعاداة فيه والموالاة انتهى .
ثم إني بعد ما حررت هذه الكلمات وقفت على ما ذكره في القول السديد أن أركان الايمان ثلاثة قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالاركان
فقلت من التعجب ليت شعري
أأيقاظ أمية أم نيام
فإذا كان هذا هو الحق وتعتقد أنها أركان الايمان فكيف ساغ لك أن تذكر أن معنى الايمان بالله أن تعتقد أنه هو الاله المعبود الذي لا يستحق العبادة أحد سواه وقد ذكر شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كشف الشبهات أنه لا خلاف أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً وأنت لم تذكر في معنى الايمان بالله في هذا الموضع إلا ركناً واحداً وهو الاعتقاد فقط وقد علمت أنه لا بد من الركنين الآخرين لأنه لا يكون الرجل مسلماً إلا بالقيام بهذه الاركان الثلاثة وقد تقدم أن مذهب الجهمية هو التصديق فقط وتقدم أقوال أئمة السلف في معنى الايمان فلا بد من المصير إلى ما ذكروه وقرروه وكذلك ما ذكرته في معنى الطاغوت أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وقد كان من المعلوم أنه لا بد مع ذلك من تكفير من فعل الشرك والبراءة منه والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء فتأمل ذلك والله الموفق للصواب .(1/66)
ومنها ما ذكره في الكواكب في صفحة العشرين حيث قال في البصر ولا على سبيل تأثر حاسة
فأقول أعلم أن هذه اللفظة من جملة الالفاظ المخترعة المبتدعة التي لم ينطق بها السلف رضوان الله عليهم لا نفياً ولا إثباتاً فاعلم ذلك .
وذلك ما ذكره الشارح بقوله في السمع والبصر إنهما صفتان زائدتان على الذات وهذا القول الذي ذكره الشارح من أقوال أهل البدع كالاشاعرة وغيرهم وكما ذكره شيخ الاسلام عن ابن رشد وغيره وإذا كان من المعلوم بالاضطرار أن السمع والبصر من الصفات اللازمة القائمة بذات الرب سبحانه وتعالى فكيف يجوز أن يقال إنهما صفتان زائدتان على الذات وهذا من أمحل المحال وأبطل الباطل فإن ما كان من الصفات زائداً على الذات لا يكون منها بل يكون مفارقاً لها ومن المعلوم أن ما كان مفارقاً للذات لا يكون من الصفات القائمة بذاته بل يكون مخلوقاً من مخلوقاته تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .
وقد قال الشيخ الامام عبدالله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في رده على الزيدية لما أثبت الصفات اللازمة القائمة بذات الله .(1/67)
قال الزيدي فإن ترد انها تدل على صفات زائدة على الذات لزمك ما لزم الاشاعرة وهو أن يكون مع الله قدماء وهي المعاني التي لحقت ذاته تعالى بالوصف ونحن نبرأ من هذا نحن وأنت ، قال الشيخ عبد الله في جوابه فيقال أهل السنة والجماعة يقولون إن الله تبارك وتعالى موجود كامل بجميع صفاته فإذا قال القائل دعوت الله أو عبدت الله كان اسم الله متناولاً للذات المتضمنة لصفاتها ليس اسم الله اسما لذات مجردة عن صفاتها اللازمة لها وحقيقة ذلك أنه لا يكون نفسه إلا بنفسه ولا تكون ذاته إلا بصفاته ولا يكون نفسه إلا بما هو داخل في مسمى اسمها ولكن قول القائل غنه يلزم أن يكون مع الله قدماء ، تلبيس - فإن ذلك يشعران مع الله قدماء منفصلة عنه وهذا لا يقوله إلا من هو من أكفر الناس وأجهلهم بالله كالفلاسفة لأن لفظ الغير يراد به ما كان مفارقاً له بوجود أو زمان أو مكان ويراد به ما أمكن العلم به دونه فالصفة لا تسمى غيراً له فعلى المعنى الاول يمتنع أن يكون معه غيره وأما المعنى الثاني فلا يمتنع أن يكون وجوده مشروطاً بصفات وأن يكون مستلزماً لصفات لازمة له وإثبات المعاني القائمة التي يوصف بها الذات لا بد منها لكل عاقل ولا خروج عن ذلك إلا بجحد وجود الموجودات مطلقاً وأما من جعل وجود المسلم هو وجود القدرة ووجود القدرة هو وجود الارادة فطرد هذه المقالة يستلزم أن يكون وجود كل شيء هو عين وجود الخالق تعالى وهذا ممنتهي الاتحاد وهو مما يعلم بالحس والعقل والشرع أنه في غاية الفساد ن ولا مخلص من هذا إلا باثبات الصفات ، مع نفي مماثلة المخلوقات وهو دين الذين آمنوا وعملوا الصالحات - ثم ذكر كلاماً طويلاً تركناه خشية الاطالة .(1/68)
وقال المام أحمد في الرد على الزنادقة : فقالت الجهمية لنا - لما وصفنا الله : هذه الصفات أن زعمتم أن الله ونوره والله وعظمته وقدرته فقد قلتم بقول النصارى حين زعمتم أن الله لم يزل ونوره ولم يزل وقدرته فقلنا لا نقول عن الله لم يزل وقدرته ونوره ولكن لم يزل بقدرته وبنور لا متى قدر ولا كيف قدر ؟ وقالوا لا تكونوا موحدين أبداً حتى تقولوا كان الله ولا شيء فقلنا نحن نقول كان الله ولا شيء ، ولكن إذا قلنا إن الله لم يزل بصفاته كلها أليس انما نصف غلها واحداً بجميع صفاته وضربنا لهم في ذلك مثلاً فقلنا : اخبرونا عن هذه النخلة أليس لها جذوع وكرب وليف وسعف وخوص وجمار واسمها اسم شيء واحد نخلة سميت نخلة بجميع صفاتها فكذلك الله سبحانه وتعالى وله المثل الأعلى بجميع صفاته إله واحد ، ولا نقول أنه كان في وقت من الاوقات ولا قدرة حتى خلق القدرة والذي ليس له قدرة هو عاجز ، ولا نقول أنه كان في وقت من الاوقات ولا علم له حتى خلق العلم والذي لا يعلم هو جاهل ولكن نقول لم يزل الله عالماً قادراً مالكاً لا متى ولا كيف ، وقد سمى الله رجلاً كافراً اسمه الوليد بن المغيرة المخزومي فقال ( ذرني ومن خلقت وحيداً ) وقد كان هذا الذي سماه الله وحيداً وله عينان واذنان ولسان وشفتان ويدان ورجلان وجوارح كثيرة فقد سماه الله وحيداً بجميع صفاته تعالى وله المثل لا على هو بجميع صفاته إله واحد انتهى .
فتبين بما ذكره الامام أحمد أن الله سبحانه وتعالى إله واحد بجميع صفاته اللازمة القائمة بذاته ولم يقل عن هذه الصفات زائدة على ذاته كالسمع والبصر كما أن النخلة بجذوعها وكربها وليفها وسعفها وخوصها وجمارها نخلة واحدة هذه الصفات لها ولا يمكن في العقل ان السعف والليف زائدن على مسمى النخلة إذ جعل هذه المسميات من مسمى واحد وليس منها شيء زائد على ذاته والله أعلم .(1/69)
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في بدائع الفوائد بعد كلام سبق : حلوا لنا شبة من قال باتحادهما ليتم الدليل فانكم أقمتم دليلاً وعليكم الجواب عن المعارض فمنها أن الله وحده هو الخالق وما سواه مخلوق فلو كانت أسماؤه غيره لكانت مخلوقة وللزم الا يكون له اسم في الازل ولا صفة لأن اسماءه صفات وهذا هو السؤال الاعظم الذي قاد متكلمي الاثبات إلى ان يقولوا الاسم هو المسمى فما عندكم في دفعه ؟
والجواب أن منشأ الغلط في هذا الباب من اطلاق الفاظ مجملة محتملة لمعنيين حق وباطل فلا ينفصل النزاع إلا بتفصيل تلك المعاني وتنزيل الفاظها عليها ولا ريب أن الله تبارك وتعالى لم يزل ولا يزال موصوفاً بصفات الكمال المشتقة اسماؤه منها فلم يزل واسمائه وهو إله واحد له الاسماء الحسنى والصفات العلى وصفاته واسماؤه داخلة في مسمى اسمه وان كان لا يطلق على الصفة وحدها انها اله يخلق ويرزق فليست صفاته واسماؤه غيره وليست هي نفس الاله . وبلاء القوم من لفظة الغير فإنها يراد بها معنيين أحدهما المغاير لتلك الذات المسماة بالله وكل ما غاير الله مغايرة محضة بهذا الاعتبار فلا يكون إلا مخلوقاً ويراد به مغايرة الصفة للذات إذا جردت عنها . فإذا قيل علم الله وكلام الله غيره بمعنى أنه غير الذات المجردة عن العلم والكلام كان المعنى صحيحاً ولكن الاطلاق باطل فإذا أريد أن العلم هو الكلام ( ؟ ) المغاير لحقيقته المختصة التي امتاز بهما عن غيره كان باطلاً لفظاً ومعنى وبهذا أجاب أهل السنة والمعتزلة القائلين بخلق القرآن قالوا كلامه تعالى داخل في مسمى اسمه فالله تعالى اسم للذات الموصوفة بصفات الكمال ومن تلك الصفات صفة الكلام كما أن علمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره غير مخلوق ولا يقال أنه غير الله فكيف يقال أن بعض ما تضمنه وهو اسمائه مخلوقة وهي غيره فقد حصحص الحق بحمد الله وانحسم الاشكال وان اسماءه الحسنى التي في القرآن من كلامه وكلامه غير مخلوق ولا(1/70)
يقال هو غيره ولا هو هو وهذا المذهب مخالف لمذهب المعتزلة الذين يقولون اسماؤه تعالى غيره وهي مخلوقة ولمذهب من رد عليهم ممن يقول اسماؤه نفس ذاته ولا غيره وبالتفصيل تزول الشبهة ويتبين الصواب والحمد لله انتهى .
إذا تبين هذا فقد كان معلوماً بالاضطرار ان اسماء الله وصفاته من الله وإنها داخلة في مسمى اسمه لا مغايرة له ولا منفصلة عنه . وقال الشيخ عبد الله ابن شيخ الاسلام محمد أيضاً في رده الزيدية بعد كلام ذكره عن أهل البدع في لفظ الغير : ولهذا اطلق كثير من مثبتة الصفات عليها انها اغيار للذات وقالوا يقولون ( ؟ ) انها غير الذات ولا يقول انها غير الله فان لفظ الذات لا يتضمن الصفات بخلاف اسم الله فانه يتناول الصفات ولهذا كان الصواب على قول أهل السنة أن لا يقال في الصفات انها زائدة على اسم الله بل من قال ذلك فقد غلط عليهم ، وإذا قيل هل هي زائدة على الذات أم لا ؟ كان الجواب أن الذات الموجودة في نفس الامر مستلزمة للصفات فلا يمكن وجود الذات مجردة عن الصفات بل ولا يوجد شيء من الذوات مجرداً عن جميع الصفات بل لفظ تأنيث ( ذو ) ولفظ ( ذو ) مستلزم للاضافة وهذا اللفظ مولد ان يقال ذات علم وذات قدرة وذات سمع كما قال الله تعالى ( فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم ) ويقال فلانة ذات مال وجمال ثم لما علموا أن نفس الرب ذات علم وقدرة وسمع وبصر رداً وعلى من نفى صفاتها عرفوا لفظ الذات وصار التعريف يقوم مقام الاضافة بحيث إذا قيل لفظ الذات فهو ذات كذا فالذات لا يكون إلا ذات علم قدرة ونحوه من الصفات لفظاً ومعنى وإنما يريد محققو أهل السنة بقولهم الصفات زائدة على الذات أنها زائدة على ما اثبته نفاة الصفات من الذات فانهم أثبتوا ذاتاً مجردة لا صفات لها فاثبت اهل السنة الصفات زائدة على ما أثبته هؤلاء فهي زيادة في العلم والاعتقاد والخبر لا زيادة على نفس الله جل جلاله بل نفسه المقدسة متصفة بهذه الصفات لا يمكن أن تفارقها(1/71)
ولا توجد الصفات بدون الذات ولا الذات بدون الصفات والمقصود هنا بيان بطلان كلام هذا المعترض .
إذا تأملت هذا فاعلم أن ما قاله محققو أهل السنة حيث قالوا أن الصفات زائدة على الذات إنما مرادهم بذلك انها زائدة على ما أثبته نفاة الصفات من الذات فانهم أثبتوا ذاتاً مجردة لا صفات ومقصود أهل السنة انها زائدة على ما أثبته هؤلاء النفات فهي زيادة في العلم والاعتقاد والخبر لا زيادة على نفس الله جل جلاله بل نفسه المقدسة متصفة بهذه الصفات لا يمكن أن تفارقها ولا توجد الصفات بدون الذات ولا الذات بدون الصفات كما تقدم بيانه .
إذا تحققت هذا فتخصيص الشارح السمع والبصر بانهما صفتان زائدتان على الذات تخصبص لا أدري ما مقصوده بذلك وأهل السنة أطلقوا لفظ الصفات ولم يخصوا السمع والبصر فتأمل ذلك مع ان الاجمال والاطلاق في هذا الموضع وغيره تفصيل ولا تبيين لما أرادوه من إثبات الصفات الزائدة على ما ثبته النفاة من الذات يوهم من لا معرفة له بكلام أهل السنة رضوان الله عليهم أن المقصود بذلك انها زائدة على نفس الله جل جلاله وهذا من أبطل الباطل وأمحل والمحال وقد قال ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية
فعليك بالتبيين والتفصيل فالـ
كما أفسدا هذا الوجود وخبطا الـ
إطلاق والاجمال دون بيان
آراء والاذهان كل زمان
ثم لا يخفي عن المحب أن أهل السنة لم يقولوا أن الصفات زائدة على الذات فقط كما توهمه الشارح وإنما قالوا انها زائدة على ما أثبته النفاة من الذات لأنهم إنما أثبتوا ذاتاً مجردة عن الصفات فتأمل ذلك والله أعلم .
وهذا آخر ما أردنا من التنبيه على هذه الورطات التي لا مخلص منها إلا باتباع مذهب السلف من أهل السنة المحضة الذين هم الاسوة وبهم القدوة في مسائل هذا الباب وغيره .(1/72)
إذا تحققت هذا فنحن لم نذكر في هذا التنبيه إلا ما ذكره أئمة الحنابلة وساداتهم الذين أخذوا بأقوال سلف هذه الأمة وأئمتها وهذا الذي ذكرناه عن الأئمة هو الذي ندين الله به وهو الحق والصواب ، الذي لا شك فيه ولا ارتياب ، وما خالقا فهو من كلام أهل البدع المخالفين لأهل السنة والجماعة . و ( الحمد لله الذي هدنا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ) وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين .
(1) كذا في الأصل ، ولعله يسر الأستاذ المؤلف نفع الله به أن نخبره عن معرفة بان ابن خلدون ليس مؤرخا نقالا للأخبار علي علاتها كأكثر المؤرخين بل هو محقق في التاريخ ومحدث وفقيه وليست مقدمة تاريخه مشحوبة بالطلمسات وأخبار المنجمين كما قال له الثقة عنده بل تذكر فيها الطلمسات في فصل الكلام علي السحر وهو يذمه ويقول فيه ما قال فقهاء أصحابه المالكية وغيرهم . وله فصل آخر في المقدمة عنوانه ( أبطال صناعة النجوم وضعف مداركها وفساد غايتها ) واما كلامه في لمهدي فهو يذكر من أحاديث الترمذي مع ما ذكره أئمة الجرح والتعديل في تضعيف رواتها كتضعيفهم لعاصم بن بهدلة في الحديث دون القراءة ولكن من جهة سوء حفظة وكونه تغير في آخر عمره . واما زيد العمي فكلامهم في ضعفه كثير ويعلم المؤلف حفظه الله أن الترمذي كان يتساهل في التصحيح فلا يعتد بتصحيحه لما خالفه غيره فيه من الأئمة .
(2) كذا في النسخة فلما آن تكون " انه " هنا تأكيدا لانه في أول الجملة واما آن تكون سبق قلم فان ما بعدها خبر لانه الأولى ، وحاصل المعني آن النصوص المذكورة ليست من المتشابه الذي لا يعقل كما توهم الشارح(1/73)
(3) كذا وقد سقط من عبارة الشافعي كلام بين الحمد وهذا وهذا الوصف يحتمل آن يكون عمدا للاختصار وان يكون سهوا - ومنه قوله قتل محل الشاهد هنا : ولا يبلغ الواصفون كنه عظمته ، الذي هو وصف نفسه وفوق ما يصفه به حلقه آهل 0
(4) قال الحافظ الذهبي في ترجمة الحافظ محمد بن حبان أبي حاتم البستي من الميزان ما نصه : قال أبو إسماعيل الهروي شيخ الإسلام سألت يحيى بن عمار عن أبي حاتم بن حبان فقال رأيته ونحن أخرجناه من سجستان كان له علم كثير ولم يكن له كبير دين : قدم علينا فأنكر الحد لله فأخرجناه . قلت انكاره الحد واثباتكم نوع من فضول الكلام والسكوت عن الطرفين أولى إذ لم يأت نص بنفي ذلك ولا أثباته والله تعالى ( ليس كمثله شيء ) فمن أثبته قال له خصم جعلت لله حداً برأيك ولا نص معك بالحد . والمحدود مخلوق ، تعالى الله عن ذلك . وقال هو للنافي ساويت ربك بالشيء المعدوم إذ المعدوم لا حد له . فمن نزه الله وسكت سلم وتابع السلف اهـ .
(5) اقتصر المؤلف وفقنا الله وإياه على رد الجبرية على القدرية ولم يذكر مذهب أهل الحديث ومتبعي السلف في الرد على الفريقين للجمع بين النصوص المثبتة لافعال العبد بمشيئة الله تعالى إذ عليها مدار صحة التكليف وقد أثبته وأوضحه المحقق ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه شفاء الغليل بما لم يأت بمثله أحد ، وقول المؤلف وانهم لا يخرجون عن قدره إلخ يقوله الاثريون أيضا لا الجبرية وحدهم .
??
??
??
??(1/74)