تسفيه أدعياء التنزيه
تصنيف عبدالله بن فهد الخليفي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه
ثم أما بعد
فقد اطلعت على كتاب (( دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه )) للحافظ ابن الجوزي_ رحمه الله _بتحقيق الحسن بن علي السقاف_ هداه الله _
والكتاب سيء وتحقيقه أسوأ ، لذا رأيت أن من واجبي أن أكتب رداً على هذا الكتاب وتحقيقه يكون مشتملاً على نقض عامة أباطيل الأصل والتحقيق
عملاً بقوله تعالى ((وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ ))
فالبيان لضلال من ضل في أصول الدين واجبٌ على من يعلمه
وهو من أعظم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وقد قسمت الرد إلى أربعة أقسام
القسم الأول : نقض شبهات ابن الجوزي والسقاف حول مذهب السلف في الصفات
القسم الثاني : نقض شبهات السقاف حول الإحتجاج بأخبار الآحاد في مسائل العقيدة
القسم الثالث : نقض شبهات السقاف وأمثاله من المفتونين حول الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان
القسم الرابع : نقض شبهات ابن الجوزي والسقاف حول نصوص الصفات
نقض شبهات ابن الجوزي والسقاف حول مذهب السلف في الصفات
الشبهة الأولى
زعم السقاف في ص15 أن النضر بن شميل قد أول صفة القدم معتمداً على حكاية أوردها البيهقي
قال البيهقي في الأسماء والصفات ص352 (( وفيما كتب إلي أبو نصر بن قتادة من كتاب أبي الحسن بن مهدي الطبري حكاية أن النضر بن شميل قال إن معنى حديث : " حتى يضع الجبار فيها قدمه " أي من سبق في علمه أنه من أهل النار ))
قلت هذا معضل فابن مهدي من تلاميذ الأشعري والنضر بن شميل من شيوخ إسحاق بن راهوية ( شيخ البخاري ) وليس بهذه الأسانيد تثبت عقائد الأئمة
الشبهة الثانية(1/1)
وذكر السقاف في ص15 في محاولته البائسة لإثبات التأويل عن السلف ما حكاه أبو عبيد الهروي عن الحسن البصري أنه قال: القدم: هم الذين قدمهم الله تعالى من شرار خلقه وأثبتهم لها
قلت وهذا معضل لم يخجل السقاف من إيراده للإحتجاج
الشبهة الثالثة
احتج السقاف في ص218 بقوله تعالى (( نسوا الله فنسيهم )) على وجوب التأويل
والجواب عن هذا أن صفة النسيان لا تقاس على غيرها من الصفات الثبوتية لرب العالمين كالوجه واليد وغيرها من وجوه ثلاثة
الأول أن صفة النسيان صفة نقص بيد أن بقية الصفات صفات كمال ( على الأقل في حق المخلوق وهذه نقطة متفق عليها )
الثاني أنها سيقت سياق المقابلة بينما فقوله تعالى (( نسوا الله فنسيهم)) فيه مقابلة الله تعالى لنسيانهم بنسيان بينما سيقت بقية الصفات مساق الإخبار
الثالث أن صفة النسيان جاء نفيها تفصيليا فقد قال تعالى (( وما كان ربك نسيا )) فما تركنا ظاهر تلك الآية إلا لظاهر هذه الآية بينما يزعم المعطلة أن بقية الصفات التي ينفونها جاء نفيها إجمالا في قوله تعالى (( ليس كمثله شيء )) وقد بينا بطلان هذا القيل فيما تقدم فيحتاج المعطلة لنفي تفصيلي لصفة اليد مثلا لكي يستقيم لهم قياسها على صفة النسيان
ومن معاني النسيان في اللغة الترك فيحمل عليها الإثبات ويحمل النفي على النسيان المعروف جمعاً بين النصوص
ولا يوجد في السياق ما يدل على بطلان حمل النسيان في هذه الآية على الترك بل إن له نظائره في الكتاب كقوله تعالى (( فنسي آدم ولم نجد له عزما )) والله الموفق
ومثل هذا يقال في حديث (( يا ابن آدم مرضت ولم تعدني ...)) رواه مسلم
فالحديث فيه تفسير
حيث يقول العبد (( كيف أعودك وأنت رب العالمين ))
فيأتي الجواب (( عبدي مرض فلو عدته لوجدتني عنده ))
فالحديث فسر نفسه بنفسه فلا تقاس عليه النصوص الأخرى التي تركت دون تأويل
والمرض صفة نقص في المحدثات فكيف تقاس على صفات الكمال(1/2)
وهل يستطيع المعطلة أن يقفوا على المنابر ويحدثوا بأحاديث الصفات دون إردافها بالتأويلات كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟!!
وينبغي التنبه لأمر مهم وهو أن ثبوت صحة تأويل من التأويلات لا يدل على صحتها جميعاً فالأشاعرة أنفسهم يردون تأويلات المعتزلة للسمع والبصر والمعتزلة يردون تأويلات المرجئة لنصوص دخول الأعمال في مسمى الإيمان وهكذا
من هذا يعلم أن السقاف في مقدمته هذه إنما يرقم على الماء
الشبهة الرابعة
واحتج السقاف في ص11 بما ورد عن ابن عباس وغيره من السلف من حمل قوله تعالى (( يوم يكشف عن ساق )) على الشدة على مشروعية التأويل
والجواب أن التأويل تعريفه صرف اللفظ من معنى راجح إلى معنى مرجوح لقرينة
وهذا لا ينطبق على الآية إذ ظاهرها لا يدل على الصفة فالساق لم تأتِ مضافة لرب العالمين
وقراءة ابن عباس (( يوم تكشف عن ساق )) فالقراءة تفرض عليه ذلك وحتى لو كانت القراءة موافقة لقراءة الجمهور فهذا ليس بتأويل
السيوطي هذا الخبر في (( الدر المنثور ))(6/255) وقال : (( وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن منده من طريق : عمرو ابن دينار ، قال : كان ابن عباس يقرأ : { يوم يكشف عن ساق } – بفتح التاء - . قال أبو حاتم السجستاني : أي تكشف الآخرة عن ساقها
ومثله قوله تعالى (( وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )) فمن حملها على القوة بناءً على أن الأيد مصدر آد يئيد أيداً ليس مؤلاً إذ أن الأيد لم تأت مضافة لرب العالمين
وقد ثبت عن ابن عباس آثار عديدة في إثبات الصفات لم يرفع القوم بها رأساً من أشهرها قوله (( الكرسي موضع القدمين )) (وقد خرجته في الدفاع عن حديث الجارية )
وقد ثبت إثبات صفة الساق عن الصحابي الجليل ابن مسعود(1/3)
رواه حنبل بن إسحاق في الفتن حديث رقم 44 حدثنا قبيصة ومحمد بن كثير واللفظ لقبيصة حدثنا سفيان بن سعيد الثوري عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء قال:تذاكرنا الدجال عند عبد الله ( يعني ابن مسعود ) فقال ((
تفترقون أيها الناس لخروجه على ثلاث فرق: فرقة تتبعه، وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشيح، وفرقة تأخذ شط الفرات، يقاتلهم ويقاتلونه، حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام، فيبعثون إليهم طليعة، فيهم فارس على فرس أشقر وأبلق.
قال: فيقتتلون، فلا يرجع منهم بشر.
قال سلمة:
فحدثني أبو صادق، عن ربيعة بن ناجذ:
أن عبد الله بن مسعود قال: فرس أشقر.
قال عبد الله: ويزعم أهل الكتاب أن المسيح ينزل إليه.
قال: سمعته يذكر عن أهل الكتاب حديثا غير هذا.
ثم يخرج يأجوج ومأجوج، فيمرحون في الأرض، فيفسدون فيها.
ثم قرأ عبد الله: {وهم من كل حدب ينسلون} [الأنبياء: 96].
قال: ثم يبعث الله عليهم دابة مثل هذا النغف، فتلج في أسماعهم ومناخرهم، فيموتون منها، فتنتن الأرض منهم، فيجأر إلى الله، فيرسل ماء يطهر الأرض منهم.
قال: ثم يبعث الله ريحا، فيها زمهرير باردة، فلم تدع على وجه الأرض مؤمنا إلا كفته تلك الريح.
قال: ثم تقوم الساعة على شرار الناس، ثم يقوم الملك بالصور بين السماء والأرض، فينفخ فيه.
والصور: قرن، فلا يبقى خلق في السماوات والأرض إلا مات، إلا من شاء ربك.
ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، فليس من بني آدم خلق إلا منه شيء.
قال: فيرسل الله ماء من تحت العرش، كمني الرجال، فتنبت لحمانهم وجثمانهم من ذلك الماء، كما ينبت الأرض من الثرى.
ثم قرأ عبد الله: {والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا، فسقناه إلى بلد ميت، فأحيينا به الأرض بعد موتها، كذلك النشور} [فاطر: 9].
قال: ثم يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض، فينفخ فيه، فينطلق كل نفس إلى جسدها حتى يدخل فيه، ثم يقومون، فيحيون حياة رجل واحد، قياما لرب العالمين.(1/4)
قال: ثم يتمثل الله -تعالى- إلى الخلق، فيلقاهم، فليس أحد يعبد من دون الله شيئا إلا وهو مرفوع له يتبعه.
قال: فيلقى اليهود، فيقول: من تعبدون؟
قال: فيقولون: نعبد عزيرا.
قال: هل يسركم الماء؟
فيقولون: نعم، إذ يريهم جهنم كهيئة السراب.
قال:
ثم قرأ عبد الله: {وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا} قال: ثم يلقى النصارى، فيقول: من تعبدون؟
فيقولون: المسيح.
قال: فيقول: هل يسركم الماء؟
قال: فيقولون: نعم.
قال: فيريهم جهنم كهيئة السراب.
ثم كذلك لمن كان يعبد من دون الله شيئا.
قال:
ثم قرأ عبد الله: {وقفوهم إنهم مسؤولون}
قال: ثم يتمثل الله -تعالى- للخلق، حتى يمر على المسلمين.
قال: فيقول: من تعبدون؟
فيقولون: نعبد الله، ولا نشرك به شيئا.
فينتهرهم مرتين أو ثلاثا، فيقول: من تعبدون؟
فيقولون: نعبد الله، ولا نشرك به شيئا.
قال: فيقولون: هل تعرفون ربكم؟
قال: فيقولون: سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه.
قال: فعند ذلك يكشف عن ساق، فلا يبقى مؤمن إلا خر لله ساجدا، ويبقى المنافقون ظهورهم طبقا واحدا، كأنما فيها السفافيد.
قال: فيقولون: ربنا.
فيقول: قد كنتم تدعون إلى السجود وأنتم سالمون.
قال: ثم يأمر بالصراط فيضرب على جهنم، فيمر الناس كقدر أعمالهم زمرا كلمح البرق، ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، ثم كأسرع البهائم، ثم كذلك، حتى يمر الرجل سعيا، ثم مشيا، ثم يكون آخرهم رجلا يتلبط على بطنه.
قال: فيقول: أي رب، لماذا أبطأت بي؟
فيقول: لم أبطأ بك، إنما أبطأ بك عملك.
قال: ثم يأذن الله -تعالى- في الشفاعة.
فيكون أول شافع: روح القدس جبريل - عليه الصلاة والسلام -، ثم إبراهيم خليل الله، ثم موسى، ثم عيسى -عليهما الصلاة والسلام-.
قال: ثم يقوم نبيكم رابعا، لا يشفع أحد بعده فيما يشفع فيه، وهو المقام المحمود الذي ذكره الله -تبارك وتعالى-: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [الإسراء: 79].(1/5)
قال: فليس من نفس، إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة، أو بيت في النار.
قال: وهو يوم الحسرة.
قال: فيرى أهل النار البيت الذي في الجنة.
ثم يقال: لو عملتم.
قال: فتأخذهم الحسرة.
قال: ويرى أهل الجنة البيت في النار.
فيقال: لولا أن منَّ الله عليكم.
قال: ثم يشفع الملائكة، والنبيون، والشهداء، والصالحون، والمؤمنون، فيشفعهم الله.
قال: ثم يقول الله: أنا أرحم الراحمين، فيخرج من النار أكثر مما أخرج من جميع الخلق برحمته.
قال: ثم يقول: أنا أرحم الراحمين.
قال:
ثم قرأ عبد الله: {ما سلككم في سقر، قالوا: لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين، وكنا نخوض مع الخائضين، وكنا نكذب بيوم الدين} [المدثر: 42- 45].
قال: فعقد عبد الله بيده أربعا، ثم قال:
هل ترون في هؤلاء من خير؟ ما ينزل فيها أحد فيه خير.
فإذا أراد الله -عز وجل- أن لا يخرج منها أحد، غير وجوههم وألوانهم.
قال: فيجيء الرجل فينظر، ولا يعرف أحدا.
فيناديه الرجل، فيقول: يا فلان، أنا فلان.
فيقول: ما أعرفك.
فعند ذلك يقول: {ربنا أخرجنا منها، فإن عدنا فإنا ظالمون}.
فيقول عند ذلك: {اخسئوا فيها، ولا تكلمون} [المؤمنون: 107- 108].
فإذا قال ذلك، أطبقت عليهم، فلا يخرج منهم بشر
قلت قبيصة في روايته عن الثوري كلام ولكنه توبع في هذا الإسناد
وتوبع عند الحاكم حيث قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزاهد الأصبهاني،حدثنا الحسين بن حفص، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء فذكره
وأبو الزعراء هذا وثقه ابن حبان والعجلي وابن سعد وصحح له الحاكم وقال البخاري لا يتابع على حديثه فعلى هذا هو حسن الحديث والحسين بن حفص ثقة نبيل
قلت وبهذا يثبت هذا الأثر وفيه إثبات ابن مسعود لصفة الساق إذ أن الأثر صريح في أن الكشف عن الساق خاص بالمؤمنين وأدعياء الإيمان أما شدة الخطب فتقع على جميع الناس فتأمل(1/6)
والأثر صريح في أن الكشف عن الساق هي العلامة التي يعرف بها المؤمنون ربهم وهذا لا يمكن أن ينطبق على شدة الخطب فشدة الخطب تقع على جميع الناس ولا اختصاص لهذه الأمة بها
ثم إن شدة الخطب ليست علامة يعرف بها المؤمنون ربهم
ومن هذا يعلم أن سواء كان اللفظ الراجح في الحديث المرفوع ساق أو ساقه فصفة الساق ثابتة
الشبهة الخامسة
زعم السقاف في ص16 أن السلف يثبتون العلو المعنوي لا الحسي محتجاً بما جاء في تفسير ابن جرير (1 / 192) من قوله (( والعجب ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله : (ثم استوى إلى السماء) الذي هو بمعنى : العلو والارتفاع . هربا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه إذا تأوله بمعناه المفهوم ، كذلك أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر ، ثم لم يبج مما هرب منه ، فيقال له : زعمت أن تأويل قوله : (استوى) : أقبل ، أفكان مدبرا عن السماء فأقبل إليها ؟ فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل ولكنه إقبال تدبير ، قيل له : فكذلك فقل : علا عليها علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال ))
قلت وكلمة ابن جرير الأخيرة إنما قالها للإلزام وإلا فهو قد قال في بداية كلامه (( قال أبو جعفر: الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه: منها انتهاء شباب الرجل وقوته، فيقال إذا صار كذلك: قد استوى الرجل، ومنها استقامة ما كان فيه أود من الأمور والأسباب، يقال منه: استوى لفلان أمره: إذا استقام له بعد أود. ومنه قول الطرماح بن حكيم:
طال على رسم مهدد أبده وعفا واستوى به بلده
يعني: استقام به.(1/7)
ومنها الإقبال على الشيء بالفعل، كما يقال: استوى فلان على فلان بما يكرهه ويسوءه بعد الإحسان إليه. ومنها الاحتياز والاستيلاء كقولهم: استوى فلان على المملكة، بمعنى احتوى عليها وحازها. ومنها العلو والارتفاع، كقول القائل: استوى فلان على سريره، يعني به علوه عليه. وأولى المعافي بقول الله جل ثناؤه: {ثم استوى إلى السماء فسواهن} علا عليهن وارتفع فدبرهن بقدرته وخلقهن سبع سموات ))
قلت هذا واضح في أنه اختار معنى العلو والإرتفاع ومثاله علو الرجل على سريره وهذا لا يكون معنوياً فقط كما لا يخفى وقد بتر السقاف هذا الجزء لئلا ينتقض غزله
ولفظة الإرتفاع تدل على العلو الحقيقي
إذ لا يمكن التعبير بها عن العلو المعنوي
قال في اللسان (( ويقال: ارْتَفَعَ الشيءُ ارْتِفاعاً بنفسه إذا عَلا))
والرفعة غير الإرتفاع
وابن جرير من مثبتي العلو
قال ابن جرير في تفسيره لسورة الملك (( {أم أمنتم من في السماء} وهو الله ))
وقال في تفسير سورة المعارج (( يقول تعالى ذكره: تصعد الملائكة والروح، وهو جبريل عليه السلام إليه، يعني إلى الله جل وعز ))
قلت ولا يمكن حمل هذا على العلو المعنوي فيكون المعنى تصعد الملائكة في المكانة إلى مكانة الله والعياذ بالله
وقال في تفسير سورة الأنعام (( {واستكبروا عنها} يقول: وتكبروا عن التصديق بها وأنفرا من اتباعها والانقياد لها تكبرا، لا تفتح لهم لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم أبواب السماء، ولا يصعد لهم في حياتهم إلى الله قول ولا عمل، لأن أعمالهم خبيثة. وإنما يرفع الكلم الطيب والعمل الصالح، كما قال جل ثناؤه: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه))
وقال في تفسير سورة فاطر (( يقول تعالى ذكره: إلى الله يصعد ذكر العبد إياه وثناؤه عليه {والعمل الصالح يرفعه} يقول: ويرفع ذكر العبد ربه إليه عمله الصالح، وهو العمل بطاعته، وأداء فرائضه، والانتهاء إلى ما أمر به ))
قلت وثبت هذا المعنى عن ابن عباس(1/8)
فقد قال ابن جرير حدثني علي، ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} قال: الكلام الطيب: ذكر الله، والعمل الصالح: أداء فرائضه؛ فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه، حمل عليه ذكر الله فصعد به إلى الله
قلت والسقاف يحتج بما في صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس _ انظر ص11_ ولا يمكن حمل كلام ابن عباس على العلو المعنوي فيكون الكلم الطيب يصعد في المكانة إلى مكانة الله والعياذ بالله
وهذا يبطل افتراء السقاف على السلف في أنهم كانوا مفوضة او مؤولة
ولقطع دابر المفترين إليك هذا الأثر الثابت
قال البيهقي في كتابه الأسماء والصفات (2/310)
: أنبأنا الحاكم ،حدثنا الأصم ، حدثنا محمد بن الجهم حدثنا يحيى بن زياد الفراء قال: "وقد قال عبد الله بن عباس: {ثُمّ اسْتَوَى} صعد، وهو كقولك للرجل كان قاعدا فاستوى قائماً، وكان قائمًا فاستوى قاعدًا، وكل في كلام العرب جائز"
قلت إسناده صحيح ومحمد بن الجهم وثقه الدارقطني كما ((تاريخ بغداد)) (2/161)
والفراء إمام في العربية وهو أعلى طبقة من جرير
وهذا يبطل زعم السقاف في أن السلف كانوا يحملون الإستواء على العلو المعنوي فقط
الشبهة السادسة
أخذ السقاف في ص12 ينسب للإمام أحمد بن حنبل التأويل زاعماً أنه أول المجيء بمجيء الثواب
وقد ورد ذلك عن الإمام في رواية حنبل بن إسحاق فقد ذكر ذلك ابن كثير في " البداية والنهاية " (10 / 327)
وهي معلولة بتفرد إسحاق وبمخالفتها للثابت المشهور عن الإمام أحمد فإن إسحاق مع وثاقته له أغاليط وأوهام فيما ينقله عن أحمد
قال الحافظ الذهبي – رحمه الله – في (( السير)) (13/51) : (( له مسائل كثيرة عن أحمد ، ويتفرد ، ويغرب )) .(1/9)
ونقل العليمى في (( المنهج الأحمد )) (1/245) عن أبي بكر الخلال قوله : (( قد جاء حنبل عن أحمد بمسائل أجاد فيها الرواية ، وأغرب بشيء يسير ، وإذا نظرت في مسائله شبهتها في حسنها وإشباعها وجودتها بمسائل الأثرم ))
ونقل الحافظ ابن رجب في فتح الباري (9/279) عن ابن حامد قوله : رأيت بعض أصحابنا حكى عن أبي عبدالله الإتيان ، أنه قال : تأتي قدرته ، قال : وهذا على حدَّ التوهم من قائله ، وخطأ في إضافته إليه
وقد أنكر إسحاق بن شاقلا هذه الرواية كما نقل ذلك شيخ الإسلام في الفتاوى
وقد ثبت عن الإمام أحمد إثبات صفة المجيء
نقل القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات ورقة 85 من المخطوط ( مستفاد من تحقيق بيان تلبيس الجهمية ) (( وقد قال أحمد في رواية أبي طالب وقول الله عز وجل (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة )) (( وجاء ربك والملك صفاً صفاً )) فمن قال أن الله لا يرى فقد كفر ))
وقد ثبتت عن الإمام أحمد آثار عديدة تدل على أنه كان من مثبتة الصفات
أذكر منها ما جاء في رواية الميموني للمسائل ( 27 ) (( من زعم أن يديه نعمتاه فكيف يصنع بقوله : { خلقت بيدي } مشددة )) وما جاء في رواية أبي طالب للمسائل (( قلب العبد بين أصبعين ، وخلق أدم بيده ، وكل ما جاء الحديث مثل هذا قلنا به ))
عن يوسف بن موسى البغدادي أنه قيل لأبي عبدالله أحمد بن حنبل : الله عز وجل فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه ، وقدرته وعمله في كل مكان ؟ قال : نعم على العرش ، وعلمه لا يخلو منه مكان
قلت رواه الخلال كما أفاد بذلك الذهبي في العلو ( ص130) وابن القيم في اجتماع الجيوش ( ص200) وإسناده قوي(1/10)
وقد روى النجاد في ( ق : 87 / ب ) (( الرد على من يقول القرآن مخلوق )) عن عبد الله بن أحمد قوله سألت أبي – رحمة الله – عن قوم يقولون : لما كلم الله عز وجل موسى لم يتكلم بصوت ، فقال أبي : ، بلى ، إن ربك عز وجل تكلم بصوت ، هذه الأحاديث نرويها كما جاءت ))
ويدل هذا الأثر على أن معنى قول السلف (( أمروها كما جاءت )) هو أثبتوها كما جاءت
وسيأتي معنا إثبات الإمام أحمد لصفة النزول وغيرها من الصفات
وعلى فرض أن الإمام أحمد أول صفة المجيء فقد ثبت عمن هم أعلى طبقة منه إثباتها
قال ابن أبي حاتم الرازي في تفسيره برقم 1995 حدثنا أبو زرعة حدثنا الحسن بن عون البصري حدثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة في قوله تعالى (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) وذلك يوم القيامة
وفي هذا الأثر إثبات أن السلف كانوا مثبتة ولم يكونوا مفوضة ولم يؤخذ على قتادة إلا القول بالقدر
وروى أيضا برقم 1997 عن حجاج بن حمزة ( قال عنه أبوزرعة (( شيخ مسلم صدوق )) كما في ترجمته في تاريخ الإسلام ) ثنا شبابة ثناورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (( قوله (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) كان يقول هو غير السحاب ولم يكن لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا وهو الذي يأتي الله فيه الله يوم القيامة
وقد احتج السقاف براويةورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لإثبات التأويل عن مجاهد في مقدمة تحقيقه لدفع الشبه
وقال ابن جرير في تفسيره برقم 3672 من طريق محمد بن عمرو ثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح فذكره
وروى أيضا برقم 1998 عن أبيه ثنا محمد بن الوزير الدمشقي ثنا الوليد سألت زهير بن محمد عن قول الله (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) قال ظلل من الغمام منظوم بالياقوت مكلل بالجواهر والزبرجد ))(1/11)
وهذا برهان آخر على كذب من زعم أن السلف كانوا مفوضة ويستفاد من هذه الآثار أنه لم ينعقد إجماع على تفويض أو تأويل صفة المجيء بل على العكس الإجماع منعقد على إثباتها
وقد أثبت ابن جرير الطبري صفة المجيء
حيث قال في تفسيره (( وقوله: ((وجاء ربك والملك صفا صفا))
يقول تعالى ذكره: وإذا جاء ربك يا محمد وأملاكه صفوفا صفا بعد صف **
وقد قال القرطبي ( وهو من أهل التأويل ) في تفسيره (( والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون: يجيء وينزل ويأتي. ولا يكيفون لأنه "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" ))
وقوله ولا يكيفون يدل على أنهم يثبتون المعنى ولكن أشاعرة اليوم يعتبرون هذا القول من أقوال أهل التجسيم والتشبيه
الشبهة السابعة
واحتج السقاف بما أورده ابن كثير في البداية والنهاية (10 / 327) عن الإمام أحمد من طريق أبي الحسن الميموني ، عن أحمد بن حنبل أنه أجاب الجهمية حين احتجوا عليه بقوله تعالى (( وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون )) قال : يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث ، لا الذكر نفسه هو المحدث ، وعن حنبل ، عن أحمد أنه قال : يحتمل أن يكون ذكراً آخر غير القرآن
قلت والجواب أن هذا الأثر لا نعرف له طريقاً صحيحاً عن الإمام أحمد وابن كثير علقه (وهو غير موجود في بعض النسخ )
الثاني أنه حتى لو ثبت فالحامل للإمام أحمد على هذا القول هو تلك النصوص القطعية الدالة على أن القرآن كلام الله
وقد أجاب الباقلاني على احتجاج المعتزلة بالآية السابقة على خلق القرآن بجول سديد في كتابه الإنصاف(1/12)
قال الباقلاني (( فإن احتجوا بقوله تعالى: "ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث" فوصفه بالحدث والحدث هو الخلق الجواب من ثلاثة أوجه: أحدها: أن الآية حجة عليهم، لأنها تدل على أن من الذكر ما ليس بمحدث، لأنه لم يقل ما يأتيهم من ذكر إلا كان محدثاً. فثبت أن من الذكر ما هو قديم ليس بمحدث، فيجب أن يكون القرآن؛ لأن الإجماع قد وقع على أن كل ذكر غيره مخلوق، فلم يبق ذكر غير مخلوق. غير كلامه، سبحانه وتعالى ))
والحق أن يقال إن كان المقصود بالحدوث وقوع الفعل من الله عز وجل بعد إن لم يكن واقعاً فهذا معنى صحيح
وأفعال الله عز وجل تسمى حوادث بهذا الإعتبار وليست بمخلوقة لأن أصلها قديم وهي واقعة قبل خلق المخلوقات
ومن زعم أن أفعال الله كلها قديمة فقد ناقض المعقول والمنقول
فالله عز وجل تقع منه أفعال بعد إن لك تكن واقعةً فعلى سبيل المثال الله عز وجل يجيء يوم القيامة لفصل القضاء بين العباد وهو سبحانه لا يجيء قبل ذلك
الشبهة الثامنة
ثم قال السقاف : (تأويل آخر عن الإمام أحمد : قال الحافظ الذهبي في (( سير أعلام النبلاء ))(10/578) : (( قال أبو الحسن عبد الملك الميموني : قال رجل لأبي عبدالله – أحمد بن حنبل:- ذهبت إلى خلف البزار أعظه ، بلغني أنه حدث بحديث عن الأحوص ، عن عبدالله بن مسعود ، قال : ما خلق الله شيئاً أعظم من آية الكرسي .. وذكر الحديث . فقال أبو عبدالله – أحمد بن حنبل -: ما كان ينبغي أن يحدث بهذا في هذه الأيام – يريد زمن المحنة – والمتن : (( ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي ((وقد قال أحمد بن حنبل لما أوردوا عليه هذا يوم المحنة : إن الخلق واقع هاهنا على السماء والأرض وهذه الأشياء ، لا على القرآن))
قلت الجواب على هذا من وجهين(1/13)
الأول قال الترمذي( 3045 )حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان بن عيينة – في تفسير حديث عبد الله بن مسعود قال : ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي – قال سفيان : لأن آية الكرسي هو كلام الله ، وكلام الله أعظم من خلق الله ، من السماء والأرض . وسنده صحيح
فهذا التفسير من سفيان ليس تأويلاً فهو لم يصرف الكلام عن ظاهره فظاهر الكلام أن آية الكرسي أعظم من السموات والأراضي
وظاهر النص يدل على أن الخلق واقع على السموات والأرضين لا على آية الكرسي لأنها ليست سماءً ولا أرضاً فتنبيه
فأحمد إنما أخذ هذا من ظاهر النص كما لا يخفى
الثاني أن النص يحتاج لإثبات عن أحمد فإن الذهبي قد علقه
الشبهة التاسعة
وقال السقاف في ص14 (( روى الخلال بسنده ، عن حنبل ، عن عمه الإمام أحمد بن حنبل أنه سمعه يقول : احتجوا على يوم المناظرة ، فقالوا : (( تجيء يوم القيامة سورة البقرة ... )) الحديث . قال : فقلت لهم : إنما هو الثواب . فتأمل في هذا التأويل الصريح ))
قلت والجواب على هذا من وجوه
الأول أن حنبل قد تفرد بهذا الأثر وقد تقدم القول فيما يتفرد فيه
الثاني الواسطة بين حنبل والخلال مجهولة
الثالث أن حمل الحديث على الثواب هو المتعين لما ورد في حديث النواس بن سمعان مرفوعاً : (( يأتي القرآن وأهله الذين يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران ... الحديث )).
قال الإمام الترمذي في (( الجامع ))(5/148) : (( ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم هذا الحديث أو ما يشبه من هذه الأحاديث أنه يجيء ثواب قراءة القرآن . وفي حديث النواس عن النبي ما يدل على ما فسروا ، إذ قال النبي : وأهله الذين يعملون به في الدنيا ، ففي هذا دلالة أنه يجيء ثواب العمل ))
قلت فهذا مأخوذ من ظاهر النص وليس تأويلاً كما يزعم السقاف
الشبهة العاشرة(1/14)
وذكر السقاف في ص18 التأويل المنسوب إلى الإمام مالك رضي الله عنه (( قال ابن عدي : حدثنا محمد بن هارون بن حسان ، حدثنا صالح بن أيوب ، حدثنا حبيب بن أبي حبيب ، حدثني مالك ، قال : (( يتنزل ربنا تبارك وتعالى : أمره ، فأما هو فدائم لا يزول )) . قال صالح ، فذكرت ذلك ليحيى بن بكير ، فقال : حسن والله ، ولم أسمعه من مالك . قلت – ( القائل هو السقاف ) - : ورواية ابن عبد البر من طريق أخرى فتنبه ))
والسند فيه حبيب بن أبي حبيب
قال أحمد : (( ليس بثقة ، . . كان يكذب ))
وقال أبو داود (( كان من أكذب الناس ))
وقال أبو أحمد الحاكم: (( روى أحاديث شبيهة بالموضوعة عن مالك، وابن ابي ذئب، وهشام بن سعد ))
وقال أبو داود في رواية ((يضع الحديث ))
وصالح بن أيوب مجهول كما في الميزان للذهبي
وأما الطريق الأخرى التي فرح بها السقاف
فأورده ابن عبد البر في (( التمهيد ))(7/143) وقال : (( وقد روى محمد بن علي الجبلي – وكان من ثقات المسلمين بالقيروان – قال : حدثنا جامع بن سوادة بمصر ، قال : حدثنا مطرف ، عن مالك بن أنس ، أنه سئل عن الحديث (( إن الله ينزل في الليل إلى سماء الدنيا )) فقال مالك : يتنزل أمره ))
جامع بن سوادة ضعيف ضعفه الدارقطني
وقال الذهبي في الميزان (( جامع بن سوادة: عن آدم بن أبي إياس بخبر باطل في الجمع بين الزوجين كأنه آفته ))
ثم إن الواسطة بين ابن عبد البر والجبلي مجهولة
وقد ثبت عن الإمام مالك إثبات العلو
رروى أبو داود في المسائل (ص263) بسند صحيح عن عبدالله بن نافع عن الامام مالك أنه قال (( الله في السماء وعلمه في كل مكان ))(1/15)
وعبدالله بن نافع هذا هو الصائغ وقد عده ابن معين من الأثبات في مالك وقال عنه ابن سعد (( لزم مالك لزوما شديدا )) وقال أحمد (( كان أعلم الناس برأي مالك وحديثه )) وقال أبوداود (( كان عبدالله عالما بمالك )) وقال أحمد بن صالح (( أعلم الناس بمالك وحديثه )) وعلى فرض أنه بن ثابت فهو ثقة أيضاً ( انظر تهذيب التهذيب
وعلى فرض أنه بن ثابت فهو ثقة أيضاً
وهذا الأثر لا يمكن حمله على العلو المعنوي لقول مالك (( وعلمه في كل مكان )) فدل ذلك على أنه يرد على الجهمية الذي يقولون بأن الله في كل مكان
والجهمية لم ينكروا العلو المعنوي
وكما علم الله في كل مكان حقيقة فهو في السماء حقيقة
وأما قوله (( أمروها كما جاءت بلا كيف )) في نصوص الصفات فهو دليل على الإثبات لوجهين أولها أنه لا يقال (( بلا كيف )) إلا بعد الإثبات إذ ما لا يثبت أصلا لا يحتاج الى نفي الكيف عنه أو نفي العلم بكيفيته
وقد نقل الترمذي عن السلف هذه العبارة بلفظ آخر وهي (( ولا يقال كيف ))
فنفي السؤال عن الكيف يدل على ثبوت المعنى فنفي السؤال عن كيفية المعدوم عبث محض
والثاني أن الإمام مالك ثبت عنه إثبات العلو فهذا دليل على أنه كان يعني الإثبات
الشبهة الحادية عشر
من الأكاذيب التي يكررها السقاف مراراً وتكراراً _ منها في 102 من الكتاب المنتقد _ زعمه أن شيخ الإسلام أثبت لله صفة الحركة وإليك نص كلام شيخ الإسلام لتعلم أي كذاب هذا العلوي!(1/16)
قال شيخ الإسلام في درء التعارض (2 / 4) (( وأمثال ذلك وأئمة السنة والحديث على إثبات النوعين وهو الذي ذكره عنهم من نقل مذهبهم كحرب الكرماني وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما بل صرح هؤلاء بلفظ الحركة وان ذلك هو مذهب أئمة السنة والحديث من المتقدمين والمتأخرين وذكر حرب الكرماني انه قول من لقيه من أئمة السنة كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بين منصور وقال عثمان بن سعيد وغيرة أن الحركة من لوازم الحياة فكل حي متحرك وجعلوا نفي هذا من أقوال الجهمية نفاة الصفات الذين اتفق السلف والأئمة على تضليلهم وتبديعهم ))
ثم قال (( وطائفة اخرى من السلفيه كنعيم بن حماد الخزاعي والبخاري صاحب الصحيح وابي بكر بن خزيمة وغيرهم كأبي عمر بن عبد البر وأمثاله يثبتون المعنى الذي يثبته هؤلاء ويسمون ذلك فعلا ونحوه ومن هؤلاء من يمتنع عن إطلاق لفظ الحركة لكونه غير مأثور
وأصحاب احمد منهم من يوافق هؤلاء كأبي بكر عبد العزيز وابي عبد الله بن بطة وامثالهما ))
قلت فهذا شيخ الإسلام ينقل أقوالاً في المسألة ولم يرجح وقد رجح في مواطن أخرى
وقد صرح شيخ الإسلام بان لفظ الحركة مجمل حيث قال في الفتاوى(5/566) (( وَقَبْلَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ لَفْظَ الْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ وَالتَّغَيُّرِ وَالتَّحَوُّلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ))
ومذهب شيخ الإسلام في الألفاظ المجملة ألا يطلق القول بإثباتها أو نفيها كما صرح بذلك في التدمرية والحموية
وقد نفى شيخ الإسلام عن الإمام أحمد القول بإثبات الحركة في كتاب الإستقامة حيث قال(1/73) (( والمنصوص عن الإمام أحمد إنكار نفي ذلك ولم يثبت عنه إثبات لفظ الحركة ))(1/17)
قال (( وقد نقل في رسالة عنه إثبات لفظ الحركة مثل ما في العقيدة التي كتبها حرب بن اسماعيل وليست هذه العقيدة ثابتة عن الإمام أحمد بألفاظها فإنى تأملت لها ثلاثة أسانيد مظلمة برجال مجاهيل والألفاظ هي ألفاظ حرب بن إسماعيل لا ألفاظ الإمام أحمد ولم يذكرها المعنيون بجمع كلام الإمام أحمد كأبي بكر الخلال في كتاب السنة وغيره من العراقيين العالمين بكتاب أحمد ولا رواها المعروفون بنقل كلام الإمام لا سيما مثل هذه الرسالة الكبيرة وإن كانت راجت على كثير من المتأخرين ))
وقدد صرح شيخ الإسلام في مواطن عديدة أنه على عقيدة أحمد من أشهرها مناظرته على العقيدة الواسطية
الشبهة الثانية عشر
وزعم السقاف في ص9 أن إثبات الأشاعرة لصفة السمع والبصر لا يقاس على إثبات السلفيين للمجيء والنزول وغيرها
وذلك لأنهم أثبتوا السمع والبصر دون إثبات الجارحة
والجواب عن هذا
أن وجه القياس هو إثبات معنى الصفة دون تعيين كيفيتها فكيفية البصر هي انطباع صورة المرأي في الشبكية
وهذه الكيفية لا تثبت في حق رب العالمين
فكما أثبت الأشاعرة لله معنى الصفة دون تعيين الكيفية ولم يلزمهم التشبيه أو التجسيم
فكذلك نحن نثبت لله الصفة دون تعيين الكيفية ولا يلزمنا التشبيه والتجسيم
وأما إقحام السقاف لأداة الصفة في المسألة فلا وجه له فأداة الصفة شيء وكيفيتها شيء آخر
ووما كان للسقاف أن يخوض في هذه المسائل فهو ضعيف في علم الكلام فهو يقيس كما في كتابه تنقيح الفهوم العالية عدم تعلق القدرة بالمعدوم لذاته ( كخلق الله لشيء أقوى منه والعياذ بالله ) على تعلق القدرة بأفعال الإله( كالمجيء والنزول)
ويجعل انتفاء الأول دليلاً على انتفاء الثاني متناسياً ان النصوص اثبتت الثاني دون الأول بل الأول منتفي إجماعاً
وهذا من أفسد ما وقفت عليه من القياس
الشبهة الثالثة عشر(1/18)
وزعم السقاف في ص18 أن سفيان الثوري مؤول بحجة أنه حمل المعية في قوله تعالى (( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم )) على معية العلم
والجواب عن هذا
أن يقال أن هذا ليس بتأويل لأن المعية في لغة العرب لا تستلزم الممازجة فالعرب تقول مشينا ومعنا القمر وهو ليس ممتزج معهم فآيات المعية لا تعارض آيات العلو
فمنها قوله تعالى (( إنني معكما أسمع وأرى )) فذكر السمع والرؤية المستلزمان للعلم دليل على أن المعية بالعلم
ومنها قوله تعالى (( ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم )) الآية فذكر النجوى دليل على أن المقصود بالمعية معية العلم ويؤيد ذلك قوله تعالى في بداية الآية (( ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض )) وقوله تعالى في آخر الآية (( إن الله بكل شيء عليم ))
ومنها قوله تعالى (( وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير )) فذكر صفة البصر دليل على أن المعية بالعلم ويؤيد ذلك قوله تعالى في نفس الآية (( يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها )) الآية
فهذا مأخوذ من ظاهر النص لا صرف للفظ عن ظاهره
وزعم السقاف أنه لا يمكن حمل قوله تعالى (( والله معكم)) على معية العلم لأن الله علم على الذات لا الصفة فأقول جواباً على هذا الهراء أن العرب قد تطلق الموصوف وتريد إحدى صفاته كقولهم فلان مع فلان دائما ويقصدون بذلك أنه يؤيده دائما ولا يخفى أن التأييد صفة
فالمعية بين المخلوقات لا تستلزم المحايثة فضلاً عنها بين الخالق والمخلوق والسلف أعلم باللغة من هذا الجهول وقد أجمعوا على تفسير المعية بمعية العلم
ومثله قوله تعالى (( لا تحزن ان الله معنا ))
وتقول العرب فلان مع فلان دائما ويقصدون بذلك أنه يؤيده دائما ولا يخفى أن التأييد صفة
الشبهة الرابعة عشر(1/19)
وحاول السقاف في ص 16 أن يلصق التأويل بسفيان بن عيينة بحجة أنه حمل قوله صلى الله عليه وسلم (( وإن آخر وطأة وطئها الله بوج ))
على أنها آخر غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم
والجواب عن هذا من وجهين
الأول أن هذا الحديث( وهو في مسند أحمد ومعجم الطبراني الكبير من رواية عمر بن عبد العزيز عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها
ورواية عمر عن خولة مرسلة كما نص على ذلك الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمة خولة بنت حكيم رضي الله عنها
والمرسل ضعيف والتأويل لا يكون إلا للخبر الصحيح إذ أن التأويل فرع عن القبول كما هو معلوم فلا يلزمنا ما ذهب إليه سفيان
الثاني أن ما ذهب إليه سفيان ليس تأويلاً بل هو المتعين إذ أن تسمية النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الموطن من الطائف وهو (وج)
مع كون غزوة الطائف آخر غزاة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم في جزيرة العرب لم يدع مجالاً لأي تفسير آخر
فهذا هو المعنى الراجح لا المرجوح
الشبهة الخامسة عشر
نقل السقاف في ص21 قول الترمذي (4 / 692) (( والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء ثم قالوا تروى هذه الأحاديث ونؤمن بها ولا يقال كيف وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه)) باتراً أوله و آخره ليثبت زعمه في أن هذا تفويض
وأول الكلام الذي بتره السقاف فقوله (( وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم روايات كثيرة مثل هذا ما يذكر فيه أمر الرؤية أن الناس يرون ربهم وذكر القدم وما أشبه هذه الأشياء )) فكلامه يدل على الإثبات إذ لم يفرق بين الرؤية والقدم(1/20)
وقوله (( ولا يقال كيف )) دليل على إثبات المعنى ومثال ذلك لو قلت لك أفي بيتكم حديقة ؟ فإذا قلتَ لا لم يجز لي أن أسألك عن الكيفية ولم يجز لك نهيي عن ذلك
ولكن لو قلت لي نعم في بيتنا حديقة ولكن لا تسألني عن الكيفية لاستقام كلامك فما لم يثبت أصله لم يحتاج المتكلم إلى نفي العلم بكيفيته أو النهي عن السؤال عن كيفيته
وأما آخر الكلام الذي بتره السقاف (( ومعنى قوله في الحديث فيعرفهم نفسه يعني يتجلى لهم ))
فهذا نص صريح في إثبات صفة التجلي وهي صفة فعليه فأين التفويض ؟!!!
وللترمذي كلام آخر في الصفات صريح في الإثبات
قال الترمذي (9/185) (( وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان وهو على العرش كما وصف في كتابه ))
وهذا صريح في إثبات العلو الحسي وليس معناه العلو المعنوي لأن الترمذي كان في صدد نفي كون الله في الأرض كما هو ظاهر الحديث المنكر الذي كان الترمذي يتكلم عنه (( لو أنكم دليتم رجلا بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله ))(1/21)
وله كلام آخر صريح في إثبات الصفات وهو قوله (3/50_51) (( وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف هكذا روي عن مالك وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم وقالوا إن الله لم يخلق آدم بيده وقالوا إن معنى اليد هاهنا القوة و قال إسحق بن إبراهيم إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثل سمع فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيها وهو كما قال الله تعالى في كتابه (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) ))
وهذا كلام صريح في الإثبات لوجوه
الأول عدم تفريقه بين اليد والسمع والبصر بل أثبتها جميعاً
الثاني قوله (( وفسروها على غير ما فسرها أهل العلم )) مما يدل أن لأهل العلم تفسير لهذه الآيات والأحاديث وقد تقدم ذكر الكثير منها ومنها تفسير الترمذي الذي ذكرناه للتو
الثالث نفي السؤال عن الكيفية وقد تقدم شرحه
الرابع إثبات الترمذي لصفة العلو
الخامس نفيه للتوهم وإنما يحصل توهم التشبيه والتجسيم لمن يثبت الصفات أما المعطلة فذلك منتفي في حقهم
وما نقله الترمذي عن إسحاق حق لا مرية فيه فلو كان الإتفاق باللفظ يقتضي الإتفاق في المعنى أو التشابه لكانت يد الجمل كيد الباب ويد النملة كيد الفيل وساق النبات كساق الإنسان والأمثلة على ذلك كثيرة(1/22)
وهذه من النقاط التي لا يقرها السقاف ولا المعطلة عموماً فكيف يزعم أن الترمذي يوافقه على التعطيل
الشبهة السادسة عشر
وزعم السقاف في ص21 أن الإمام أحمد وقع في التفويض محتجا بقوله في أحاديث الصفات (( نمرها كما جاءت بلا كيف ولا معنى )) أو كما قال رحمه
وهذا الأثر تفرد به حنبل بن إسحاق وقد تقدم الكلام على تفرداته
وعلى فرض صحتا فإن المعنى المنفي هو المعنى الذي يتوهمه الجهمية بدليل أن السائل سأله عن أحاديث الرؤية أيضاً
وقد ثبت عن الإمام أحمد ثبوتا يقرب التواتر إثباته للرؤية
قال الخلال في السنة أخبرني موسى بن محمد الوراق قال عبيد الله بن أحمد الحلبي سمعت أبا عبد الله وحدثني بحديث جرير بن عبد الله في الرؤية فلما فرغ قال على الجهمية لعنة الله
وفي (( مسائل إسحاق بن إبراهيم النيسابوري )) (2/152/1850) قال : (( سمعت أبا عبدالله يقول : من لم يؤمن بالرؤية فهو جهمي ، والجهمي كافر ))
وقد تقدم ذكر الآثار الصحيحة عن أحمد في إثبات الصفات
الشبهة السابعة عشر
وزعم السقاف أن السلف المفوضة بزعمه كفار عند شيخ الإسلام إذ أنه يقول في التفويض في منهاج السنة (1/ 180)(( فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والالحاد ))
فيجاب على هذا الكذاب الأثيم بأن يقال
أثبت العرش ثم انقش فلم يثبت عن السلف أنهم كانوا مفوضة
ثم إنه لو ثبت لا يلزم شيخ الإسلام تكفيرهم فهو يفرق بين الحكم على الفعل والحكم على المعين(1/23)
صرح ابن تيمية، رحمه الله تعالى، بمذهبه هذا في العديد من كتاباته، فقال في «مجموع الفتاوى» (2/229): «هذا مع أني دائمًا –و من جالسني يعلم ذلك مني- أني من أعظم الناس نهيًا عن أن ينسب معين إلى تكفير و تفسيق و معصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرًُا تارة و فاسقًا تارة أخرى و عاصيًا أخرى. و إني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، و ذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية و المسائل العملية».
فهو لا يكفر المؤول والمفوض إذا لم تقم عليهم الحجة
وقال أيضاً (3/371) (( و أنا و الله من أعظم الناس معاونة على إطفاء كل شر فيها و في غيرها و إقامة كل خير. و ابن مخلوف لو عمل مهما عمل و الله ما أقدر على خير إلا و أعمله معه و لا أعين عليه عدوه قط، و لا حول و لا قوة إلا بالله، هذه نيتي و عزمي مع علمي بجميع الأمور، فإني أعلم أن الشيطان ينزغ بين المؤمنين و لن أكون عونًا للشيطان على إخواني المسلمين ))
فلم يكفر ابن مخلوف مع كونه من مخالفيه في مسائل الإعتقاد
وقال أيضاً (5/254) (( و هذا يبين أن كل من أقر بالله فعنده من الإيمان بحسب ذلك، ثم من لم تقم عليه الحجة بما جاءت به الأخبار لم يكفر بجحده، و هذا يبين أن عامة أهل الصلاة مؤمنون بالله و رسوله، و إن اختلفت اعتقاداتهم في معبودهم و صفاته، إلا من كان منافقًا يظهر الإيمان بلسانه و يبطن الكفر بالرسول فهذا ليس بمؤمن ))
ولا يخفى أن نصه هذا يدخل فيه الأشاعرة والماتردية مؤولهم ومفوضهم(1/24)
وقال أيضاً ( 7/617) ((و بيان هذا الموضوع مما يزيل الشبهة، فإن كثيرًا من الفقهاء يظن أن كل من قيل هو كافر فإنه يجب أن تجري عليه أحكام المرتد ردة ظاهرة، فلا يرث و لا يورث و لا يناكح، حتى أجروا هذه الأحكام على من كفروه بالتأويل من أهل البدع. و ليس الأمر كذلك، فإنه قد ثبت أن الناس كانوا ثلاثة أصناف؛ مؤمن و كافر مظهر للكفر و منافق مظهر للإسلام مبطن للكفر. و كان في المنافقين من يعلمه الناس بعلامات و دلالات، بل لا يشكون في نفاقه، و من نزل القرآن ببيان نفاقه كابن أُبَي و أمثاله. و مع هذا فلما مات هؤلاء ورثهم ورثتهم المسلمون. و كان إذا مات لهم ميت آتوهم ميراثه، و كانت تعصم دماؤهم، حتى تقوم السنة الشرعية على أحدهم بما يوجب عقوبته))
ولنقلب السحر على الساحر ونلزم السقاف بتكفير السلف الذين أثبتوا الصفات وقد تقدم الكثير من نصوصهم
ولنلزم السقاف بتكفير أبي عمران الجوني المتفق على علمه وفضله
فقد جاء عنه أثر رواه عبدالله بن أحمد في السنة، قال:
حدثني محمد بن أبي بكر بن علي المقدمي، وسويد بن سعيد الهروي، قالا: حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عمران الجوني: {ولتصنع على عيني} قال: «يربى بعين الله»، وإسناده صحيح كلهم ثقات إلا سويد بن سعيد الهروي فيه كلام ولكنه متابع هنا
والأثر رواه أيضاً ابن أبي حاتم في تفسيره وأبو نعيم في الحلية
واعلم أن الشيخ أحمد الغماري يوثق سويد بن سعيد الهروي وقد بنى رسالته (( درء الضعف عن حديث من عشق فعف )) على هذا التوثيق
وهو متعقب فيما ذهب إليه ولكني ذكرت هذا للإلزام فالغماري هو الحافظ الذي لا يبارى عند السقاف
الشبهة الثامنة عشر
نقل السقاف في ص71 قول الإمام مالك (( و لا يقال كيف وكيف عنه مرفوع )) محتجاً به على التعطيل وقد قدمنا أن نفي المعرفة بالكيف أو النهي عن السؤال عن الكيفية دليلٌ على الإثبات ولكن لي وقفتان مع السقاف
وقد السقاف بتر نص مالك(1/25)
فالأثر كما نقله الحافظ ابن حجر الذي ينقل عنه السقاف
عن عبد الله بن وهب قال كنا عند مالك فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله " الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ فأطرق مالك فأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال: الرحمن على العرش استوى وصف به نفسه ولا يقال كيف، وكيف عنه مرفوع
والسقاف بتر ما تحته خط ولا يخفى على اللبيب سبب هذا البتر
فالسائل كما ترى سأل عن كيفية الإستواء والسؤال عن كيفية الشيء تدل على معرفة معنى الشيء وإثبات أصله
إذ لا يسأل عن كيفية المعدوم
وقد يسأل عن كيفية الشيء وقصده التشكيك
فأجابه مالك بقوله (( استوى كما وصف نفسه ))
ومن شم رائحة اللغة يدرك يقيناً دلالة هذه العبارة على الإثبات
فلو قال قائل فلان ذكي كما وصف نفسه
فهو قطعاً يثبت له صفة الذكاء
وهو قطعاً يعرف معنى الذكاء
الشبهة التاسعة عشر
ونقل السقاف في صفحة 19 من مقدمته المتهافته في أثناء محاولته إثبات أن السلف كانوا مفوضة قول الأشعري في الإبانة صفحة 21 من طبعة فوقية حسين (( وأن الله تعالى استوى على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده ، استواء منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال ، لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ، ومقهورون في قبضته ، وهو فوق العرش وفوق كل شئ إلى تخوم الثرى ، فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسماء ، بل هو رفيع الدرجات عن العرش كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى وهو مع ذلك قريب من كل موجود وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد وهو على كل شئ شهيد))
نقل السقاف هذا النص ليثبت أن الأشعري كان مفوضاً في إبانته وجوابه من وجوه
الأول ان السقاف بتر الجزء الذي يدل على الإثبات من كلام الأشعري وهو قوله بعد نصه السابق مباشرةً (( وأن له سبحانه وجها بلا كيف كما قال تعالى (( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ))(1/26)
وأن له سبحانه يدين بلا كيف كما قال سبحانه (( يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )) وكما قال تعالى (( بل يداه مبسوطتان))
أن له سبحانه عينين بلا كيف كما قال سبحانه (( تجري بأعيننا )) أ.ه
الثاني أن الأشعري قد أبان عن عقيدته في الإستواء في نفس الكتاب حيث قال (( إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء ؟
قيل له: نقول: إن الله عز وجل يستوي على عرشه استواء يليق به من غير طول استقرار، كما قال: (الرحمن على العرش استوى)، وقد قال تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)، وقال تعالى: (بل رفعه الله إليه)، وقال تعالى: (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه)، وقال تعالى حاكيا عن فرعون لعنه الله: (يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا)، كذب موسى عليه السلام في قوله: إن الله سبحانه فوق السماوات .
وقال تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) صفحة 115
فالسماوات فوقها العرش، فلما كان العرش فوق السماوات قال: (أأمنتم من في السماء) ... لأنه مستو على العرش الذي فوق السماوات، وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السماوات، وليس إذا قال: (أأمنتم من في السماء) يعني جميع السماوات، وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات، ألا ترى الله تعالى ذكر السماوات، فقال تعالى: (وجعل القمر فيهن نورا)، ولم يرد أن القمر يملأهن جميعا، وأنه فيهن جميعا، ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء؛ لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات، فلولا أن الله عز وجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش، كما لا يحطّونها إذا دعوا إلى الأرض ))
قلت وهذا كلام صريح في الإثبات
الثالث أن النص الذي نقله السقاف مشكوك في نسبته للأشعري لأمور
الأول أنه انفردت به طبعة الدكتورة فوقية وقد اعترف السقاف بهذا(1/27)
الثاني أن ابن عساكر في تبيين كذب المفتري نقل هذا المقطع من الإبانة دون ذكر الكلام المتوسع عن الإستواء وإليك ما نقله ابن عساكر في تبيين كذب المفتري صفحة 57 (( قائل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون قيل له قولنا الذي به تقول وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان عليه أحمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون ولمن خالف قوله قوله مجانبون لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق عند ظهور الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم وكبير مفهم وعلى جميع أئمة المسلمين وجملة قولنا أن نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرد من ذلك شيئا وأن الله إله واحد صمد لا إله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن الله استوى على عرشه كما قال (( الرحمن على العرش استوى)) وأن له وجها كما قال (( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام )) وأن له يدا كما قال (( بل يداه مبسوطتان )) وقال (( لما خلقت بيدي )) وان له عينا بلا كيف كما قال ((تجري بأعيننا )) وأن من زعم أن اسم الله غيره كان ضالاً ))
فابن عساكر لم ينقل سوى الإثبات عن الأشعري وبهذا يتسق النص ويكون نسقه واحداً
الثالث أني وجدت النص الذي نقله السقاف من نسخة الدكتورة فوقية في كتاب (( قواعد العقائد )) للغزالي في باب التنزيه
ويظهر على النص أنه من كلام المتأخرين ويبدو أنه تم إدخاله من أحد النساخ على الإبانة للأشعري
الشبهة العشرون(1/28)
وذكر السقاف في ص20 تأويل الأشعري لصفتي الرضا والغضب في رسالته إلى أهل الثغر حيث نقل قول الأشعري (( وأجمعوا على أنه عز وجل يرضى عن الطائعين له وأن رضاه عنهم إرادته لنعيمهم.. وأنه يحب التوابين.. ويسخط على الكافرين ويغضب عليهم وأن غضبه إرادته لعذابهم ))
والجواب على هذا من وجوه
الأول أن هذا الإجماع منقوض بقاعدة السلف الكلية (( أمروها كما جاءت بلا كيف ))
الثاني أن ابن جرير الطبري قال في تفسيره لقوله تعالى (( غير المغضوب عليهم))
قال (( وقال بعضهم: غضب الله على من غضب عليه من عاده ذم منه لهم ولأفعالهم، وشتم منه لهم بالقول. وقال بعضهم: الغضب منه معنى مفهوم، كالذي يعرف من معاني الغضب. غير أنه وإن كان كذلك من جهة الإثبات، فمخالف معناه منه معنى ما يكون من غضب الآدميين الذين يزعجهم ويحركهم ويشق عليهم ويؤذيهم؛ لأن الله جل ثناؤه لا تحل ذاته الآفات، ولكنه له صفة كما العلم له صفة، والقدرة له صفة على ما يعقل من جهة الإثبات ))
قلت فانظر كيف جعل صفة الغضب كصفة العلم وصفة القدرة تثبت على وجه لا يشبه نعوت المخلوقات وهذا ينقض الإجماع المزعوم
وقال ابن جرير أيضاً في تفسير قوله تعالى (( رضي الله عنهم ورضوا عنه ))
قال (( يقول: هذا الذي أعطاهم الله من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها، مرضيا عنهم، وراضين عن ربهم، هو الظفر العظيم ))
قلت ففرق بين الرضا والإنعام
الثالث ان الأشعري نقل في هذه الرسالة إجماعات على الإثبات حيث قال في ص236 من رسالة الثغر التي حققها الجنيدي
((وأجمعوا على وصف الله بجميع ما وصف به نفسه ووصفه به نبيه من غير اعتراض فيه ولا تكيف له وأن الإيمان به واجب وترك التكييف له لازم))
قلت ترك التكييف دليل على الإثبات إذ ان المعدوم لا يمكن تكييفه
فالنهي عن تكييف المعدوم محض لغو
وقال في ص69 من رسالة الثغر التي حققها الجليند :(1/29)
أجمعوا على أنه عز وجل يسمع ويرى وأن له تعالى يدين مبسوطتين وأن الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه من غير أن يكون جوازاً وأن يديه تعالى غير نعمته وقد دل على ذلك تشريفه لآدم عليه السلام حيث خلقه بيده ، وتقريعه لإبليس على الاستكبار عن السجود مع ما شرفه به بقوله : (( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ))
الشبهة الحادية العشرون
واحتج السقاف لمذهب التفويض يقوله تعالى (( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ))
والجواب على هذا من وجوه
الأول أننا لو فوضنا معاني آيات الصفات فإننا سنعمم ذلك على جميعها بما فيه آيات السمع والبصر وإلا مالدليل على التفريق بينها وبين الصفات الأخرى وقد قدمنا أن السلف يسوون بين صفة اليد وصفتي السمع والبصر وهنا يظهر تناقض القوم
الثاني أننا قد قدمنا الأدلة على براءة السلف من التفويض بما لا يدع مجالاً لمرتاب وهذا يؤكد أن جعل معاني الصفات من المتشابه الذي لا يعلمه إلا بدعة شنيعة
الثالث أن جماعة من أهل العلم قرأوا الآية بالوصل أي بعطف الراسخين بالعلم على الله عز وجل حيث يكون معنى الآية أن الله والراخين بالعلم يعلمون تأويله
اختار هذا مجاهد
قال ابن جرير في تفسيره لهذه الآية حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. {والراسخون في العلم} يعلمون تأويله ويقولون آمنا به
قلت وإسناده حسن ويعله البعض بالإنقطاع بين ابن أبي نجيح ومجاهد
والجواب أن ابن أبي نجيح أخذ تفسير مجاهد من كتاب القاسم بن بزة كما ذكر ذلك ابن حبان في الثقات فعلى هذا لا يضر الإنقطاع لمعرفتنا بالواسطة
قال ابن حبان في (الثقات) : (7-331) وفي (مشاهير علماء الأمصار):(146)
((ماسمع التفسير عن مجاهد أحد غير القاسم بن أبي بزة, نظر الحكم بن عتيبة وليث بن أبي سليم وابن نجيح وابن جريج وابن عيينة في كتاب القاسم ونسخوه ثم دلسوه عن مجاهد))(1/30)
وأما إعلاله بتدليس ابن أبي نجيح فمن العجائب إذ أنه لم يسمع من مجاهد أصلاً ومن شروط التدليس أن التلميذ المدلس قد ثبت أصل سماعه من الشيخ
والمتشابه الذي ذكره مجاهد محمول عندي على المجمل الذي فصل في موضع آخر والمنسوخ والعام الذي خصص في موضع آخر فهذه مزلة قدم للعامة وأما الراسخون فلا تزل أقدامهم
وقد اختار النووي قول مجاهد حيث قال في شرحه لصحيح مسلم عند كلامه على حديث (( إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّىَ اللَّهُ، فَاحْذَرُوهُمْ ))
قال رحمه الله (( والأصح الأول، وأن الراسخين يعلمونه لأنه يبعد أن يخاطب الله عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته، وقد اتفق أصحابنا وغيرهم من المحققين على أنه يستحيل أن يتكلم الله تعالى بما لا يفيد ))
قلت هذا الكلام في غاية التحرير وقد قال تعالى (( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ))
فالله عز وجل أنزل علينا القرآن لنتبدبره لا لنفوضه
وللإنصاف هذا ما يذهب إليه السقاف الآن فهو الآن يعترف بضعف مذهب النفويض
الرابع أن معنى التأويل في الآية ما يؤول إليه الأمر أو حقيقته كما في قوله تعالى (( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ))
وهذا من الغيب الذي لا ينازع أحد بانفراد الله عز وجل بعلمه
الشبهة الثانية والعشرون
وزعم السقاف أن الذهبي قد تراجع عن عقيدة ابن تيمية في الصفات وأن ذلك يتضح في كتابه (( سير أعلام النبلاء )) فهو يؤول أحياناً ويفوض أحياناً انظر هذه الدعوى في صفحة 61
أقول وهذه مجازفة من السقاف
فأما زعمه أن الذهبي يؤول فكذب بل إن الذهبي صرح في عدة مواطن من السير أن مذهب السلف ترك التأويل ومفهوم هذا بدعية التأويل(1/31)
واما ما نقله عن أحمد من تأويل المجيء فقد يكون حمله على الإلزام لأنه صرح بالنهي عن تأويل المجيء
فقال في (20 /320) من السير (( ومسألة النزول فالإيمان به واجب، وترك الخوض في لوازمه أولى، وهو سبيل السلف، فما قال هذا: نزوله بذاته، إلا إرغاماً لمن تأوله، وقال: نزوله إلى السماء بالعلم فقط. نعوذ بالله من المراء في الدين.
وكذا قوله: "وجاء ربُّك" الفجر ونحوه، فنقول: جاء، وينزل، وننهى عن القول: ينزل بذاته، كما لا نقول: ينزل بعلمه، بل نسكت ولا نتفاصح على الرسول صلى الله عليه وسلم بعبارات مبتدعة، والله أعلم ))
ونقل قول القصاب في (16/213_214) (( كل صفة وصف الله بها نفسه أو وصفه بها رسوله فليست صفة مجاز ولو كانت صفة مجاز لتحتم تأويلها ولقيل: معنى البصر كذا ومعنى السمع كذا ولفسرت بغير السابق إلى الأفهام فلما كان مذهب السلف إقرارها بلا تأويل علم أنها غير محمولة على المجاز وإنما هي حق بين ))
قلت أقر الذهبي هذه العبارة وهي صريحة في أن السلف لم يكن مذهبهم التأويل
ونقل الذهبي قول السجزي في (17/656) وأئمتنا كسفيان، ومالك، والحمادين، وابن عيينة، والفضيل، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، متفقون على أن الله سبحانه فوق العرش، وعلمه بكل مكان، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا، وأنه يغضب ويرضى، ويتكلم بما شاء))
قلت أقر الذهبي هذه العبارة وهي صريحة بالإثبات وهي متأخرة عن العبارة التي يزعم السقاف أن صريحة بالتفويض
ونقل الذهبي قول ابن أبي حاتم في (13/84) ((أدركنا العلماء في جميع الأمصار فكان من مذهبهم أن الله على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه بلا كيف أحاط بكل شي علماً))
ووصف الذهبي الحافظ ابن عبد البر أنه في أصول الديانة على مذهب السلف في (18 _161 ) من السير
ونصوص ابن عبد البر في إثبات الصفات أشهر من أن يدلل عليها(1/32)
وقال الذهبي في ترجمة أبي ذر الهروي (17 /558_559) (( وقد ألف كتاباً سماه: الإبانة، يقول فيه: فإن قيل: فما الدليل على أن لله وجهاً ويداً ؟ قال: قوله: "وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ" الرحمن وقوله: "ما مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ" فأثبت تعالى لنفسه وجهاً ويداً. إلى أن قال: فإن قيل: فهل تقولون: إنه في كل مكان ؟ قيل: معاذ الله ! بل هو مستو على عرشه كما أخبر في كتابه. إلى أن قال: وصفات ذاته التي لم تزل ولا يزال موصوفاً بها: الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والوجه واليدان والعينان والغضب والرضى. فهذا نص كلامه. وقال نحوه في كتاب التمهيد له، وفي كتاب الذب عن الأشعري وقال: قد بينا دين الأمة وأهل السنة أن هذه الصفات تمر كما جاءت بغير تكييف ولا تحديد ولا تجنيس ولا تصوير.
قلت: فهذا المنهج هو طريقة السلف، وهو الذي أوضحه أبو الحسن وأصحابه، وهو التسليم لنصوص الكتاب والسنة، وبه قال ابن الباقلاني، وابن فورك، والكبار إلى زمن أبي المعالي، ثم زمن الشيخ أبي حامد، فوقع اختلاف وألوان، نسأل الله العفو ))
قلت هذا تصريحٌ من الذهبي في أن مذهب السلف هو الإثبات وأما نصوصه الموهمة للتفويض
فإما أن يقال أنها محمولة على الجهل بكيفية الصفة أو المعنى الحقيقي على ما هي عليه
أو يقال أن الذهبي قال بالتفوض برهةً من الزمن ثم عاد للإثبات
وقال الذهبي عن تفسير ابن جرير في (14/280) ((وهذا تفسير هذا الإمام مشحون في آيات الصفات بأقوال السلف على الإثبات لها لا على النفي والتأويل وأنها لا تشبه صفات المخلوقين أبداً))
فأين السقاف عن كل هذه النصوص حتى يزعم أن الذهبي كان يؤول ويفوض ومفهوم ذلك أنه لا يثبت(1/33)
وقال الذهبي في (13 _ 299) (( أراد أن الصفات تابعة للموصوف فإذا كان الموصوف تعالى:" ليس كمثله شيء"- الشورى:11- في ذاته المقدسة فكذلك صفاته لا مثل لها إذ لا فرق بين القول في الذات والقول في الصفات وهذا هو مذهب السلف))
قلت فهل يقال أن الذهبي يفوض وجود الذات !!! كما يفوض الصفات!!!
وقد أثنى الذهبي على كتاب السنة للخلال حيث قال في (11_ 291) (( ومن نظر في كتاب السنة لأبي بكر الخلال رأى فيه علماً غزيراً ونقلاً كثيراً وقد أوردت من ذلك جملة في ترجمة أبي عبد الله في تاريخ الإسلام وفي كتاب العزة للعلي العظيم فترني عن إعادته هنا عدم النية فنسأل الله الهدى وحسن القصد ))
قلت هذا يدل على أنه لم يتراجع عما كتب في كتاب (( العلو للعلي العظيم )) الذي تحرف في المطبوعة إلى ((العزة للعلي العظيم )) وليس للذهبي كتاباً بهذا الإسم
وأما السقاف فيحذر من كتاب السنة للخلال كما في صفحة 75 من مقدمته على دفع شبه التشبيه
الشبهة الثالثة والعشرون
قال السقاف في حاشية صفحة 70 (( ومن عجيب التناقضات أن الشيخ المتناقض !!_ يعني الألباني _ لا يقبل رواية أبي مطيع للفقه الأكبر وبزعم أنها لا تصح لأن في متن الفقه الأكبر ما يخالف عقيدته ومشربه ))
قلت بل هو من عجيب كذبك وتدليسك يا ابن السقاف
فمن أين لك أن الشيخ الألباني يقبل رواية أبي مطيع عن أبي حنيفة في إثبات العلو
ودونك كلام الشيخ في مختصر العلو 136 (( قلت أبو مطيع هذا من كبار أصحاب أبي حنيفة وفقهائهم ، قال المؤلف في الميزان
(( كان بصيراً بالرأي علامة كبير الشأن ولكنه واهٍ في ضبط الأثر ، وكان ابن المبارك يعظمه ويجله لدينه وعلمه ، قال ابن معين ليس بشيء ))
قلت ها أنت ترى أن الشيخ الألباني قد نقل كلام الذهبي في جرح أبو مطيع وهذا تضعيف ضمني للأثر كما لا يخفى على صغار الطلبة(1/34)
وقال الشيخ في الصفحة التي بعدها (( قلت والقصة المشار إليها تأتي قريباً في ترجمة أبي يوسف إن شاء الله تعالى
وفيها دلالة على أن أصحاب أبي حنيفة الأول كانوا مع السلف في الإيمان بعلوه تعالى على خلقه ، وذلك مما يعطي بعض القوة لهذه الروايات المروية عن أبي حنيفة ، ومن ذلك تصريح الإمام أبي جعفر الطحاوي الحنفي في عقيدته بأن الله تعالى مستغنٍ عن العرش وما دونه ، محيطٌ بكل شيء وفوقه ))
قلت قول الشيخ (( يعطي بعض القوة ))
لا يعني بالضرورة القوة التي توصلها إلى درجة الإحتجاج
وحتى لو كانت القوة التي توصلها لدرجة الإحتجاج ، فالشيخ لم يحتج برواية أبي مطيع بمفردها كما أوهم الأفاك
وليعلم أننا لا نعدم الفائدة من إيرادنا الأثر المنقول عن أبي حنيفة في إثبات العلو من طريق ابي مطيع البلخي
لأن الجمع الغفير من الحنفية يقبلون رواية أبي مطيع فيكون ذلك على سبيل الإلزام لهم
وزعم السقاف أن عنده شريطاً للشيخ الألباني يقول فيه أن رواية أبي مطيع مقبولة عن أبي حنيفة فقط
والسقاف ليس بثقة ولا مأمون
فلا بد من متابع وإلا الرد
وكلام الشيخ الألباني المسطور يخالف هذا وهو العمدة في معرفة مذهبه في المسألة
الشبهة الرابعة والعشرون
وزعم السقاف الأفاك في صفحة 75 أن ابن خزيمة قد ندم على تصنيف كتاب التوحيد وأن البيهقي نقل ذلك في صفحة 267من كتاب الأسماء والصفات
وهذا كذبٌ صريح
وإليك نص الروايتين اللتين يتكيء عليهما الأفاك(1/35)
قال البيهقي وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ الْعَبَّاسِ الضَّبِّيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْفَضْلِ الْبَطَايينِيَّ ، وَنَحْنُ بِالرِّيِّ يَقُولُ ـ وَكَانَ أَبُو الْفَضْلِ يَحْجُبُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ إِذَا رَكِبَ ـ قَالَ : خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ يَوْمًا قُرْبَ الْعَصْرِ مِنْ مَنْزِلِهِ فَتَبِعْتُهُ وَأَنَا لَا أَدْرِي أَيْنَ مَقْصِدُهُ ، إِلَى أَنْ بَلَغَ بَابَ مَعْمَرٍ ، فَدَخَلَ دَارْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ خَرَجَ وَهُوَ مُنْقَسِمُ الْقَلْبِ ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمَرْبَعَةَ الصَّغِيرَةَ وَقَرُبَ مِنْ خَانِ مَكِّيٍّ وَقَفَ وَقَالَ لِمَنْصُورٍ الصَّيْدَلَانِيِّ : تَعَالَ . فَعَدَا إِلَيْهِ مَنْصُورٌ ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لَهُ : مَا صَنْعَتُكَ ؟ قَالَ : أَنَا عَطَّارٌ . قَالَ : تُحْسِنُ صَنْعَةَ الْأَسَاكِفَةِ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : تُحْسِنُ صَنْعَةَ النَّجَّارِينَ ؟ قَالَ : لَا . فَقَالَ لَنَا : إِذَا كَانَ الْعَطَّارُ لَا يُحْسِنُ غَيْرَ مَا هُوَ فِيهِ ، فَمَا تُنْكِرُونَ عَلَى فَقِيهٍ رَاوِي حَدِيثٍ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الْكَلَامَ وَقَدْ قَالَ لِي مُؤَدِّبِي ـ يَعْنِي الْمُزَنِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ غَيْرَ مَرَّةٍ : كَانَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْهَانَا عَنِ الْكَلَامِ .(1/36)
قُلْتُ : أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا كَانَ مُعْتَزِلِيًّا أَلْقَى فِي سَمِعِ الشَّيْخِ شَيْئًا مِنْ بِدْعَتِهِ وَصَوَّرَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ ، يُرِيدُ أَبَا عَلِيٍّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ ، وَأَبَا بَكْرِ بْنَ إِسْحَاقَ الصِّبْغِيَّ ، وَأَبَا مُحَمَّدِ بْنَ يَحْيَى بْنِ مَنْصُورٍ الْقَاضِي ، وَأَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي عُثْمَانَ الْحِيرِيَّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ ، أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَتَكَلَّمُ بَعْدَمَا تَكَلَّمَ فِي الْأَزَلِ ، حَتَّى خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَطَالَتْ خُصُومَتُهُمْ ، وَتَكَلَّمَ بِمَا يُوهِمُ الْقَوْلَ بِحُدُوثِ الْكَلَامِ ، مَعَ اعْتِقَادِهِ قِدَمَهُ ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ الْفَقِيهَ أَمْلَى اعْتِقَادَهُ وَاعْتِقَادَ رُفَقَائِهِ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ ، وَعَرَضَهُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فَاسْتَصْوَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَارْتَضَاهُ وَاعْتَرَفَ فِيمَا حَكَيْنَا عَنْهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَتَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يُحْسِنِ الْكَلَامَ ، وَكَانَ فِيمَا أَمْلَى مِنِ اعْتِقَادِهِمْ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ عَنْ نُسْخَةِ ذَلِكَ الْكِتَابِ : مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ ذِكْرُهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ إِلَّا مَرَّةً وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا مَا تَكَلَّمَ بِهِ ثُمَّ انْقَضَى كَلَامُهُ كَفَرَ بِاللَّهِ ، بَلْ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا ، وَلَا يَزَالُ مُتَكَلِّمًا ، لَا مِثْلَ لَكَلَامِهِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ ، نَفَى اللَّهُ تَعَالَى الْمِثْلَ عَنْ كَلَامِهِ ، كَمَا نَفَى الْمِثْلَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَنَفَى النَّفَادَ عَنْ كَلَامِهِ كَمَا نَفَى الْهَلَاكَ عَنْ(1/37)
نَفْسِهِ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ وَقَالَ تَعَالَى : قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي فَكَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرُ بَائِنٍ عَنِ اللَّهِ لَيْسَ هُوَ دُونَهُ وَلَا غَيْرُهُ وَلَا هُوَ هُوَ ، بَلْ هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتٍ كَعِلْمِهِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ ، لَمْ يَزَلْ رَبُّنَا عَالِمًا ، وَلَا يَزَالُ عَالِمًا ، وَلَمْ يَزَلْ يَتَكَلَّمُ ، وَلَا يَزَالُ يَتَكَلَّمُ ، فَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِالصِّفَاتِ الْعُلَى ، وَلَمْ يَزَلْ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ ذَاتِهِ وَاحِدًا وَلَا يَزَالُ ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ . وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ : الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِهِ خَلْقًا وَلَا مَخْلُوقًا ، وَلَا فِعْلًا وَلَا مَفْعُولًا ، وَلَا مُحْدِثًا وَلَا حَدَثًا وَلَا أَحْدَاثًا
قلت هذه الرواية ليس فيها أي كلام عن كتاب التوحيد
بل ليس فيها إلا الخلاف حول صفة الكلام وكتاب التوحيد لابن خزيمة لم يتكلم فيه عن الكلام فقط بل تكلم فيه عن صفة العلو والوجه واليدان والضحك وغيرها من الصفات
غير أن هذه الرواية تحتاج إلى إثبات
فالبطاييني هذا لم أتمكن من الوقوف على ترجمةٍ له
وأما الثانية(1/38)
فيقول فيها البيهقي وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا الحسن علي بن أحمد الزاهد البوشنجي يقول : دخلت على عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي بالري فأخبرته بما جرى بنيسابور بين أبي بكر بن خزيمة وبين أصحابه ، فقال : ما لأبي بكر والكلام ؟ إنما الأولى بنا وبه أن لا نتكلم فيما لم نتعلمه . فخرجت من عنده حتى دخلت على أبي العباس القلانسي فقال : كان بعض القدرية من المتكلمين وقع إلى محمد بن إسحاق فوقع لكلامه عنده قبول . ثم خرجت إلى بغداد فلم أدع بها فقيها ولا متكلما إلا عرضت عليه تلك المسائل ، فما منهم أحد إلا وهو يتابع أبا العباس القلانسي على مقالته ، ويغتم لأبي بكر محمد بن إسحاق فيما أظهره . قلت : القصة فيه طويلة ، وقد رجع محمد بن إسحاق إلى طريقة السلف وتلهف على ما قال
قلت البيهقي أورد هذه القصة بعد السابقة مباشرةً فالمقصود فيها الفتنة المذكورة في القصة الأولى وهي الخلاف حول مسألة الكلام فأين الندم على تصنيف كتاب التوحيد ؟!!
بل لا يمكن للخساف ان يثبت أن هذه القصة حدثت بعد تصنيف كتاب التوحيد
وهذه القصة تحتاج إلى إثبات أيضاً فعلي بن أحمد البوشنجي لم أتمكن من الوقوف على ترجمةٍ له
الشبهة الخامسة والعشرون
قال السقاف في صفحة 75 (( وكتاب السنة المنسوب لابن أحمد والذي في سنده الخضر بن المثنى وهو مجهول ))
قلت هذا كذب صريح فإن إسناد كتاب السنة لعبد الله بن أحمد ليس فيه الخضر بن المثنى(1/39)
وقد وجدت نصاً للخطيب البغدادي يثبت فيه نسبة هذا الكتاب لعبدالله بن أحمد وذلك في تاريخ بغداد (3/204) حيث قال (( وحدثنا عنه عبد الله بن أحمد في كتاب الرد على الجهمية حدثنا محمد بن عبد الواحد حدثنا محمد بن العباس قال: قرئ على بن المنادي وأنا أسمع في ذكر من مات سنة ثمان وستين ومائتين. قال: فمنهم بمدينتنا محمد بن محمد بن العطار يوم الأحد لأربع خلون من صفر مات فجأة كان عنده التفسير عن سنيد بن داود. وكتاب أحمد بن شبويه عن بن المبارك في الأخبار))
قلت وكتاب الرد على الجهمية هو كتاب السنة فقد أسماه الذهبي كتاب السنة والرد على الجهمية و ذلك في كتاب العرش ولا يعرف لعبد الله بن أحمد كتاباً مسنداً في الرد على الجهمية غير كتاب السنة
وقد أثبت نسبته الذهبي في العرش بعد روايته له بإسناده مما يدل انه يوثق رجاله
قال الذهبي (( رواه عبد الله بن أحمد في كتاب "السنة" الذي أجازه لي غير واحد منهم ابن أبي الخير.، عن أبي زرعة الكفتواني ، أنبأنا أبو عبد الله الخلال ، أنبأنا أبو المظفر بن شبيب ، أنبأنا أبو عمر السلمي ، أنبأنا أحمد بن محمد اللنباني عنه))
وقد ذكر محقق كتاب العرش الشيخ محمد بن خليفة التميمي تراجم هؤلاء الرواة وجميعهم ثقات
و أثبت الحافظ ابن حجر نسبة الكتاب إلى عبدالله بن أحمد في الإصابة حيث قال (( وقال البغوي سكن الكوفة وقال أبو أحمد الحاكم ذكره إبراهيم بن عبد الله الخزاعي فيمن غلبت عليهم الكنى من الصحابة وأخرج بن السكن وابن أبي خيثمة والبغوي وعبد الله بن أحمد في كتاب السنة له والطبراني من طريق إسرائيل عن ثوير بن أبي فاختة سمعت رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له أبو الخطاب وسئل عن الوتر فقال أحب الي أن أوتر إذ أصلي إلى نصف الليل "إن الله يهبط إلى السماء الدنيا في الساعة السابعة فيقول: هل من داع"- الحديث-))(1/40)
والحافظ ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة حيث قال (( قال عبد اللّه ابن الإمام أحمد في كتاب السنة "سألت أبي عن قوم يقولون: لما كلم اللّه موسى لم يتكلم بصوت. فقال أبي: بلى، تكلم بصوت، هذه الأحاديث نرويها كما جاءت". والمقصود ههنا: الإِشارة إلى ما وقع في حق الحافظ، من التحامل عليه، والتعصب.
وقرأت بخط الإِمام الحافظ الذهبي- رداً على ما نقل الإِجماع على تكفيره- أما قول "أجمعوا" فما أجمعوا، بل أفتى بذلك بعض أئمة الأشاعرة ممن كفروه، وكفرهم هو، ولم يبد من الرجل أكثر مما يقوله خلق من العلماء الحنابلة والمحدثين: من أن الصفات الثابت محمولة على الحقيقة، لا على المجاز، أعني أنها تجري على مواردها، لا يعبر عنها بعبارات أخرى، كم فعلته المعتزلة، أو المتأخرون من الأشعرية. هذا مع أن صفاته تعالى لا يماثلها شيء))
الشبهة السادسة والعشرون
وزعم السقاف في صفحة 74 أنه لا يثبت عن أحمد إثبات العلو لعدم ثبوت كتاب الرد على الجهمية ونقل السقاف كلام الذهبي في إنكاره نسبة الكتاب للإمام أحمد
والجواب على ذلك من وجهين
الأول أن رسالة الرد على الجهمية ثابتة عن الإمام أحمد رضي الله عنه
قال الإمام ابن القيم في كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية (( قال الخلال: كتبت هذا الكتاب من خط عبد اللّه، وكتبه عبد اللّه من خط أبيه، واحتج القاضي أبو يعلى في كتابه إبطال التأويل بما نقله منه عن أحمد، وذكر ابن عقيل في كتابه بعض ما فيه عن أحمد، ونقله عن أصحابه قديماً وحديثاً، ونقل منهم البيهقي، وعزاه إلى أحمد، وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية عن أحمد، ولم يُسْمَع عن أحد من متقدمي أصحابه ولا متأخريهم طعنٌ فيه))
قلت فالحنابلة أعلم بإمام مذهبهم من الذهبي الشافعي
وقول الخلال (( كتبت هذا الكتاب من خط عبد اللّه، وكتبه عبد اللّه من خط أبيه))
يكفي لإثبات نسبة الكتاب عن الإمام أحمد فالخلال من تلاميذ عبد الله بن أحمد فهو أعلم بخط شيخه(1/41)
وإذا كان من دفع له هذا الكتاب هو الخضر بن المثنى فجزم الخلال بكون هذا الخط خط عبدالله هو توثيق ضمني للخضر
ومن أراد المزيد حول نسبة هذا الكتاب للإمام أحمد فلينظر مقدمة شيخنا دغش بن شبيب العجمي على كتاب الرد على الجهمية والزنادقة
ورسالة الشيخ حماد الأنصاري في إثبات نسبة هذا الكتاب للإمام أحمد
وهي مطبوعة في مقدمة تحقيق الشيخ خالد بن عثمان المصري لكتاب الرد على الجهمية والزنادقة
الثاني هو أنه ثبت عن الإمام أحمد نصوص أخرى في إثبات العلو
قال يوسف بن موسى القطان : "وقيل لأبي عبد الله : الله فوق السماء السابعة على عرشه، بائن من خلقه، وعلمه وقدرته بكل مكان؟ قال: نعم".
رواه الخلال في السنة عن يوسف وقد تقدم تخريج هذا الأثر
وقول السائل ((بائن من خلقه )) يؤكد أنه يقصد العلو الحسي لا المعنوي
والعلو المعنوي ليس محل نزاع حتى ينبه عليه الأئمة ويسألة عنه الناس
الشبهة السابعة والعشرون
وتكلم السقاف عن عقيدة الإمام الشافعي وتكلم في جرح الهكاري والعشاري وعبدالغني المقدسي وذلك في صفحة 72 من مقدمته سيئة الذكر
وأقول لسنا بحجاة لرواية هؤلاء الثلاثة فقد ثبت إثبات عن الشافعي من غير طريقهم
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (13/418) الطبعة السلفية (( وأخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى سمعت الشافعي يقول: لله أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر، فثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه ))
قلت هذا سندٌ صحيح فلا عشاري هنا ولا هكاري ولا حتى مقدسي
وكتاب مناقب الشافعي لابن أبي حاتم من مرويات الحافظ في معجمه المفهرس (183)
وليس في سنده العشاري أو الهكاري أو المقدسي(1/42)
ونفي الشافعي للتشبيه يدل على أنه يثبت الصفات _ كما صرح بذلك _ إذ أن المفوض لا يثبت شيئاً فلا يرد عليه استلزام التشبيه _الذي يتصوره أصحاب العقول المريضة_
الشبهة الثامنة والعشرون
وقال السقاف في الصفحة المشار إليها (( اما ابو محمد المقدسي فهو ممن اباح العلماء دمه كما يجد ذلك من طالع ترجمته لكونه مجسما صرفا انظر كتاب الذيل على الروضتين المسمى ايضا تراجم رجال لقرنين للحافظ ابي شامة المقدسي ص 46 - 47 ))
قلت أبو محمد المقدسي هذا هو الحافظ عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي صاحب الكمال في أسماء الرجال وعمدة الأحكام
وما طعن به السقاف عليه ساقط
قال الذهبي في تاريخ الإسلام رداً على من نقل الإجماع على تكفيره (الورقة 273 _أحمد الثالث )
(( قوله وإجماع الفقهاء على الفتيا بتكفيره كلام ناقص، وهو كذب صريح، وإنما أفتى بذلك بعض الشافعية الذين تعصبوا عليه، وأما الشيخ الموفق وأبو اليمن الكندي شيخا الحنفية والحنابلة فكانا معه. ولكن نعوذ بالله من الظلم والجهل ))
قلت والإحالة السابقة مستفادة من تحقيق سير أعلام النبلاء
وترجمة المقدسي في سير أعلام النبلاء في (21/443_ 456) راجعها لرؤية كلام العلماء في الثناء على عبد الغني المقدسي
وجاء فيها قول الذهبي (( وَذَكَرَ أَبُو المُظَفَّرِ الوَاعِظ فِي (مِرَآة الزَّمَانِ)، قَالَ: كَانَ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ يَقرَأُ الحَدِيْث بَعْد الجُمُعَة، قَالَ: فَاجْتَمَعَ القَاضِي مُحْيِي الدِّيْنِ، وَالخَطِيْب ضِيَاء الدِّيْنِ، وَجَمَاعَة، فَصعدُوا إِلَى القَلْعَة، وَقَالُوا لوَالِيهَا: هَذَا قَدْ أَضلّ النَّاس، وَيَقُوْلُ بالتّشبيه.(1/43)
فَعقدُوا لَهُ مَجْلِساً، فَنَاظرهُم، فَأَخذُوا عَلَيْهِ موَاضِع، مِنْهَا: قَوْلُهُ: لاَ أُنزهه تَنزِيهاً يَنفِي حَقِيْقَة النُّزَول، وَمِنْهَا: كَانَ اللهُ وَلاَ مَكَان، وَلَيْسَ هُوَ اليَوْم عَلَى مَا كَانَ، وَمِنْهَا: مَسْأَلَة الحرف وَالصّوت، فَقَالُوا: إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا كَانَ، فَقَدْ أَثْبَت لَهُ المَكَان، وَإِذَا لَمْ تنزهه عَنْ حقِيْقَة النُّزَول، فَقَدْ جوزت عَلَيْهِ الانتقَالَ، وَأَمَّا الحرف وَالصّوت فَلَمْ يَصحَّ عَنْ إِمَامك، وَإِنَّمَا قَالَ إِنَّهُ كَلاَم اللهِ، يَعْنِي غَيْر مَخْلُوْق.
وَارتفعت الأَصوَات، فَقَالَ وَالِي القَلْعَة الصَّارم برغش: كُلّ هَؤُلاَءِ عَلَى ضلاَلَة وَأَنْت عَلَى الحَقِّ؟ ))(1/44)
ثم قال الذهبي بعدها بسطور ((قُلْتُ: قَدْ بلوتُ عَلَى أَبِي المُظَفَّرِ المجَازفَة وَقِلَّة الوَرَع فِيمَا يُؤرّخه -وَاللهُ الموعدُ -وَكَانَ يَترفّض، رَأَيْت لَهُ مُصَنّفاً فِي ذَلِكَ فِيْهِ دَوَاهٍ، وَلَوْ أَجْمَعت الفُقَهَاء عَلَى تَكفِيره -كَمَا زَعَم- لَمَا وَسعهُم إِبقَاؤُه حيّاً، فَقَدْ كَانَ عَلَى مقَالَته بِدِمَشْقَ أَخُوْهُ الشَّيْخ العِمَاد وَالشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ، وَأَخُوْهُ القُدْوَةُ الشَّيْخ أَبُو عُمَرَ، وَالعَلاَّمَة شَمْس الدِّيْنِ البُخَارِيّ، وَسَائِر الحَنَابِلَة، وَعِدَّة مِنْ أَهْلِ الأَثر، وَكَانَ بِالبَلَدِ أَيْضاً خلق مِنَ العُلَمَاءِ لاَ يُكفّرُوْنَهُ، نَعم، وَلاَ يُصرّحُوْنَ بِمَا أَطْلَقَهُ مِنَ العبَارَة لَمَّا ضَايقوهُ، وَلَوْ كَفّ عَنْ تِلْكَ العبَارَات، وَقَالَ بِمَا وَردت بِهِ النّصوص لأَجَاد وَلسلم، فَهُوَ الأَوْلَى، فَمَا فِي تَوسيع العبَارَات المُوهِمَة خَيْر، وَأَسوَأ شَيْء قَالَهُ: أَنَّهُ ضلل العُلَمَاء الحَاضِرِيْنَ، وَأَنَّهُ عَلَى الحَقِّ، فَقَالَ كلمَة فِيْهَا شَرّ وَفسَاد وَإِثَارَة لِلبلاَء، رَحِمَ اللهُ الجَمِيْع وَغفر لَهُم، فَمَا قصدهُم إِلاَّ تَعَظِيْم البَارِي- عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الطّرفِيْن، وَلَكِنَّ الأَكمل فِي التعَظِيْم وَالتنزِيه الوُقُوْف مَعَ أَلْفَاظ الكِتَاب وَالسّنَّة، وَهَذَا هُوَ مَذْهَب السَّلَف -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ))
قلت لا يمكن الجزم بأن عبدالغني المقدسي أطلق تلك الألفاظ لأن الناقل لهذه القصة مطعونٌ فيه كما صرح الذهبي
وقد قال عبد الغني المقدسي في كتابه الإقتصاد في الإعتقاد (( فمن السنة اللازم السكوت عما لم يرد به نص عن الله أو رسوله أو يتفق المسلمون على إطلاقه وترك التعرض له بنفي أو إثبات ))
نقلت هذا من مخطوطة الإقتصاد ورقة 12(1/45)
قال الحافظ ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة(2/24) (( وقرأت بخط الإِمام الحافظ الذهبي- رداً على ما نقل الإِجماع على تكفيره- أما قول "أجمعوا" فما أجمعوا، بل أفتى بذلك بعض أئمة الأشاعرة ممن كفروه، وكفرهم هو، ولم يبد من الرجل أكثر مما يقوله خلق من العلماء الحنابلة والمحدثين: من أن الصفات الثابت محمولة على الحقيقة، لا على المجاز، أعني أنها تجري على مواردها، لا يعبر عنها بعبارات أخرى، كم فعلته المعتزلة، أو المتأخرون من الأشعرية. هذا مع أن صفاته تعالى لا يماثلها شيء))
قلت وهذا كافٍ لإبطال هراء السقاف
الشبهة التاسعة والعشرون
وأكثر السقاف من نعت القاضي أبي يعلى بالمجسم
وهذا في الواقع غير صحيح
وأخذٌ بلازم المذهب ولازم المذهب ليس بلازم
فما بالك إذا نفى المُلزم التزامه بما أُلزم به
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي في إبطال التأويلات _ط النجدي_ (1/83) (( فإن قيل صفوه بجسم لا كالأجسام
قيل: لا نصفه بذلك لأن الشرع لم يرد بذلك ))
قلت وما بالك إذا صرح المُلزم بنقيض ما أُلزم به
قال القاضي في إبطال التأويلات (2/395) (( لأنه ليس بجسمٍ ولا جوهر ))
قلت وهذا يجعلنا نجزم ببراءة القاضي من تهمة التجسيم إلى أننا لا نوافقه على نفي الجسمية وغيرها مما لم يرد نفيه ولا إثباته في النصوص
وقد أكثر القاضي ابو يعلى في إبطال التأويلات من نفي بعض الأمور التي لم ترد النصوص بنفيها ولا إثباتها
فقد أثبت النزول بدون إنتقال ولا شغل مكان في (1/130)
وأثبت القبضة على غير معنى الجارحة والعضو والبعض في (1/169)
وأثبت قدماً على غير معنى الجارحة والأبعاض في (1/196)
وغيرها من المواطن في إبطال التأويلات
وهذا كله خلاف منهج أهل السنة والجماعة الذين يسكتون عن هذه الألفاظ فلا يثبوتنها ولا ينفونها
كما أن القاضي قد وقع في التفويض في عدة مواطن من إبطال التأويلات(1/46)
فقد قال أثناء كلامه على حديث الشاب الأمرد ( 1/149) (( فهذا حد الفراش في الشاهد فأما الفراش المذكور في الخبر فلا نعقل معناه كغيره من الصفات ))
وأوغل في التفويض في (1/218) حيث قال (( بل نثبت ذلك كما أثبتنا الوجه واليدين والسمع والبصر وإن لم نعقل معناه ))
قلت السمع والبصر حتى الأشاعرة يثبتون معانيها ولعل القاضي قال ذلك تنزلاً
فإنه قد اثبت معاني السمع والبصر في (2/338) حيث قال (( وإنما المراد تحقيق السمع والبصر الذي في إثباته المقصود أن الله عز وجل يرى المرئيات برؤيته ويسمع المسموعات بسمعه ))
قلت ونفى القاضي في نفس الصفحة أن يكون المقصود بالسمع والبصر العلم
وهذا هو عين الإثبات فقد ذكر متعلقات الصفة ونفى عنها التأويلات
ونحن نقول مثل هذا في صفة اليدين
فنقول (( اليد صفة لله كتب بها التوراة وخلق بيديه آدم وغرس الجنة بيده كلتاهما يمين يقبض بيده ويبسط وهما غبر القدرة والنعمة قطعاً ))
وبهذا نوافق السلف ونباين المؤولة والمفوضة
وهذا منهجنا في جميع الصفات
وخلاصة القول في القاضي أبو يعلى
ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في درء التعارض (7/34) (( ونوع ثالث سمعوا الأحاديث والآثار وعظموا مذهب السلف وشاركوا المتكلمين الجهمية في بعض أصولهم الباقية ولم يكن لهم من الخبرة بالقرآن والحديث والآثار ما لأئمة السنة والحديث لا من جهة المعرفة والتمييز بين صحيحها وضعيفها ولا من جهة الفهم لمعانيها وقد ظنوا صحة بعض الأصول العقلية للنفاة الجهمية ورأوا ما بينهما من التعارض
وهذا حال أبي بكر بن فورك والقاضي أبي يعلى وابن عقيل وأمثالهم ))
الشبهة الثلاثون
واحتج السقاف بما جاء عن الإمام مالك (( الإستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول )) على نفي الكيف ويريد بذلك التعطيل _ انظر مقدمته ص71_
والجواب أن معنى غير معقول أي لا يدرك بالعقل(1/47)
قال الذهبي في العلو (ص104) وقال: "هذا ثابت عن مالك، وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول أهل السنة قاطبة أن كيفية الاستواء لا نعقلها، بل نجهلها، وأن الاستواء معلوم كما أخبر في كتابه، وأنه كما يليق به، لا نتعمق، ولا نتحذلق، ولا نخوض في لوازم ذلك نفيا ولا إثباتا، بل نسكت ونقف كما وقف السلف، ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إلى بيانه الصحابة والتابعون، ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه، ونعلم يقينا مع ذلك أن الله جل جلاله لا مثل له في صفاته، ولا في استوائه، ولا في نزوله، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا"
وقال الدرامي _ المجسم عند السقاف_ في الرد على الجهمية ( فقرة 105) قال أبو سعيد رحمه الله وصدق مالك لا يعقل منه كيف ولا يجهل منه الاستواء والقرآن ينطق ببعض ذلك في غير آية ))
ومما يقوي هذا التفسير إثبات الإمام مالك لصفة العلو حيث قال (( الله في السماء وعلمه في كل مكان ))
أخرجه أبو داود في مسائل الإمام أحمد (ص263)، ط:دار المعرفة.
وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/106-107، برقم11، و1/280، برقم532). والآجري في الشريعة 1077، برقم652-653). وابن بطة في الإبانة (-تتمة الرد على الجهمية ، ح110). وابن مندة في التوحيد (3/307، برقم893). واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/401). وابن عبد البر في التمهيد (7/138). والقاضي عياض في ترتيب المدارك (2/43). وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/53)، وفي درء تعارض العقل والنقل (6/262)، وقال: "كل هذه الأسانيد صحيحة". وأورده الذهبي في العلو (ص103)، وفي سير أعلام النبلاء (8/101)، وأورده في الأربعين في صفات رب العالمين (ص59، برقم39) و (ص63، برقم45). وأورده ابن القيم كما في مختصر الصواعق (2/213) وقال: "ذكره الطلمنكي وابن عبد البر وعبد الله بن أحمد وغيرهم". وصححه الألباني في مختصر العلو (ص140).(1/48)
استفدت هذا التخريج من تحقيق الشيخ محمد بن خليفة التميمي لكتاب العرش للذهبي
الشبهة الحادية والثلاثون
وقال السقاف في ص 75 وهو يعدد الكتب التي تحتوي على عقائد فاسدة _ بزعمه _ (( كتب ابن تيمية فإن جميعها لا يخلو من تشبيه ))
قلت شيخ الإسلام بريءٌ من هذه الفرية ، ومفهوم التشبيه عند السقاف غير مفهوم التشبيه عند السلف
قال إسحاق بن راهويه (( إنما يكون التشبيه إذا قال : يدٌ كيدي ، أو سمعٌ كسمعي ، فهذا تشبيه ))
انظر سنن الترمذي (3/42) وقد أقر الترمذي هذا الكلام
ولا يلزمنا مفهوم السقاف للتشبيه كما أن الأشاعرة لا يلزمهم مفهوم المعتزلة للتشبيه
قال القونوي الحنفي (( حتى بعض المفسرين كعبد الجبار والزمخشري وغيرهما يسمون كل من أثبت شيئاً من الصفات أو قال برؤية الذات مشبها ))
انظر شرح القاري على الفقه الأكبر ص25 واستفدت هذا النقل من كتاب (( أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة )) للشيخ محمد الخميس
وبناءً على النقل السابق يكون السقاف وأسلافة مشبهةً عند المعتزلة !!!! علماً بأن السقاف لا يثبت الرؤية ولكنه يثبت بعض الصفات
وأختم بنقلٍ مهم عن شيخ الإسلام في هذه المسألة
قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (2/111) (( مذهب سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل يثبتون لله ما أثبته من الصفات وينفون عن مماثلة المخلوقات يثبتون له صفات الكمال وينفون عنه ضروب الأمثال ينزهونه عن النقص والتعطيل وعن التشبيه والتمثيل إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل (( ليس كمثله شيء رد على الممثلة وهو السميع البصير )) (سورة الشورى: 11 )رد على المعطلة
ومن جعل صفات الخالق مثل صفات المخلوق فهو المشبه المبطل المذموم ))(1/49)
وقال أيضاً ( 2/105_ 106 ) (( وأما من لا يطلق على الله اسم الجسم كأئمة أهل الحديث والتفسير والتصوف والفقه مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم وشيوخ المسلمين المشهورين في الأمة ومن قبلهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فهؤلاء ليس فيهم من يقول إن الله جسم وإن كان أيضا ليس من السلف والأئمة من قال إن الله ليس بجسم ولكن من نسب التجسيم إلى بعضهم فهو بحسب ما اعتقده من معنى الجسم ورآه لازما لغيره
فالمعتزلة والجهمية ونحوهم من نفاة الصفات يجعلون كل من أثبتها مجسما مشبها ومن هؤلاء من يعد من المجسمة والمشبهة من الأئمة المشهورين كمالك والشافعي وأحمد وأصحابهم كما ذكر ذلك أبو حاتم صاحب كتاب الزينة وغيره لما ذكر طوائف المشبهة فقال ومنهم طائفة يقال لهم المالكية ينتسبون إلى رجل يقال له مالك بن أنس ومنهم طائفة يقال لهم الشافعية ينتسبون إلى رجل يقال له الشافعي
وشبهة هؤلاء أن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى ويقولون إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق ويقولون إن الله يرى في الآخرة
هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم ))
الشبهة الثانية والثلاثون
ذكر السقاف في ص 78 الكتب التي ينصح بها لتعلم العقيدة الصحيحة _ على زعمه _
فبدأ بكتاب (( الأسماء والصفات )) للإمام البيهقي
والحق أن عقيدة البيهقي غير عقيدة السقاف بل يلزم السقاف اتهام البيهقي بالتجسيم
قال البيهقي في فصلٍ عقده لإثبات صفة اليدين (2/118) ط الحاشدي (( اليدين صفتين لا من حيث الجارحة ))
قلت هذا هو عين مذهب القاضي أبو يعلى _ المجسم عند السقاف _ انظر إبطال التأويلات (1/169)
ولو كان إثبات اليد يقتضي التجسيم _ كما هو مذهب السقاف _ لكان البيهقي جامعاً بين النقيضين علماً بأننا لا ننفي الجارحة لعدم ورود ذلك في النصوص وعدم وروده عن السلف ولكننا هنا في مقام إلزام
وقال البيهقي (2/114) (( العين صفة لا من حيث الحدقة ))(1/50)
قلت والحدقة جارحة وقد أثبت القاضي أبو يعلى عينين ليستا بجارحتين في إبطال التأويلات (2/347)
وابن الجوزي لا يرتضي هذا فقد قال معلقاً على إثبات القاضي أبو يعلى لصفة الأصابع دون إثبات الجوارح في دفع شبه التشبيه ص207(( وهذا كلام مخبط لأنه إما أن يثبت الجوارح وإما أن يتأولها ))
قلت وهذا ينطبق على إثبات البيهقي لليدين والعين فيلزم الأشاعرة الذين يقرون ابن الجوزي على كلامه _ ومنهم السقاف _ أن يقولوا في كلام البيهقي (( هذا كلامٌ مخبط فإما إثبات الجوارح أو التأويل ))
وبهذا يظهر التباين بين عقد البيهقي وعقد متأخري الأشاعرة
وبناءً على ما تقدم ليستيقظ أفراخ الجهمية يكفوا عن التمسح بالإمام البيهقي
ويمكن للمعتزلي أن يرد على كلام الأشاعرة السابق بقوله في إثبات الأشاعرة للرؤية (( هذا كلامٌ مخبط فإما إثبات الجهة والصورة وإما التأويل ))
وقال البيهقي أيضاً (2/330) (( ومعنى قوله في هذه الأخبار (( من في السماء )) أي فوق السماء على العرش كما نطق به الكتاب والسنة ))
قلت وهذا إثباتٌ صريحٌ للعلو لا يرتضيه أفراخ الجهمية
الشبهة الثالثة والثلاثون
وذكر السقاف شرح كتاب التوحيد من فتح الباري على أنه من الكتب التي ينصح بها لتعلم العقيدة الصحيحة _ انظر ص79_
قلت عقيدة الحافظ ابن حجر غير عقيدة السقاف
وإليك البراهين
البرهان الأول : قال الحافظ في الفتح (13/410) (( قال ابن بطال اختلف الناس في الاستواء المذكور هنا فقالت المعتزلة معناه الاستيلاء بالقهر والغلبة واحتجوا بقول الشاعر: قد استوى بشر على العراق من غير ودم مهراق وقالت الجسمية معناه الاستقرار.(1/51)
وقال بعض أهل السنة معناه ارتفع، وبعضهم معناه علا، وبعضهم معناه الملك والقدرة ومنه استوت له الممالك، يقال لمن أطاعه أهل البلاد، وقيل معنى الاستواء التمام والفراغ من فعل الشيء، ومنه قوله تعالى (ولما بلغ أشده واستوى) فعلى هذا فمعنى استوى على العرش أتم الخلق، وخص لفظ العرش لكونه أعظم الأشياء وقيل إن " على " في قوله على العرش بمعنى: إلى، فالمراد على هذا انتهى إلى العرش أي فيما يتعلق بالعرش لأنه خلق الخلق شيئا بعد شيء، ثم قال ابن بطال: فأما قول المعتزلة فإنه فاسد لأنه لم يزل قاهرا غالبا مستوليا، وقوله "ثم استوى " يقتضي افتتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن، ولازم تأويلهم أنه كان مغالبا فيه فاستولى عليه بقهر من غالبه، وهذا منتف عن الله سبحانه، وأما قول المجسمة ففاسد أيضا، لأن الاستقرار من صفات الأجسام ويلزم منه الحلول والتناهي، وهو محال في حق الله تعالى، ولائق بالمخلوقات لقوله تعالى (فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك) وقوله (لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه) قال وأما تفسير استوى: علا فهو صحيح وهو المذهب الحق، وقول أهل السنة لأن الله سبحانه وصف نفسه بالعلي))
قلت في هذا النص فوائد
الفائدة الأولى اعتبار تفسير الإستواء بالعلو من أقوال أهل السنة وهذا ما لا يرتضيه السقاف ولا أشاعرة الحواشي
الفائدة الثانية جعل تفسير الإستواء بالإستيلاء من أقوال المعتزلة _ وهو كذلك _ وهو جمهور مؤولة الأشاعرة وهذا يثبت أن الأشاعرة يتابعون المعتزلة في العديد من بدعهم التي أنكرها عليهم السلف ، بل وجماعة من متقدمي الأشاعرة(1/52)
البرهان الثاني : قال الحافظ (13/372) (( الذي يظهر من تصرف البخاري في " كتاب التوحيد " أنه يسوق الأحاديث التي وردت في الصفات المقدسة فيدخل كل حديث منها في باب ويؤيده بآية من القرآن للإشارة إلى خروجها عن أخبار الآحاد على طريق التنزل في ترك الاحتجاج بها في الاعتقاديات، وإن من أنكرها خالف الكتاب والستة جميعاً ))
قلت في هذا النص فوائد
الأولى هي أن البخاري عقد كتاب التوحيد لإثبات الصفات ولا يخفى على المتابع لتبويباته أن عقد باباً في الإستواء وآخر في صفة اليد وآخر في صفة الوجه
الثانية هي إثبات الحافظ أن مذهب البخاري الإحتجاج بأخبار الآحاد في العقيدة غير أنه يتنزل مع الجهمية المنكرين لذلك
البرهان الثالث :قال الحافظ في الفتح (13/314) (( وقال الكرماني قيل المراد بالوجه في الآية والحديث الذات أو الوجود أو لفظه زائد أو الوجه الذي لا كالوجوه، لاستحالة حمله على العضو المعروف، فتعين التأويل أو التفويض.
وقال البيهقي: تكرر ذكر الوجه في القرآن والسنة الصحيحة، وهو في بعضها صفة ذات كقوله: إلا رداء الكبرياء على وجهه وهو ما في صحيح البخاري عن أبي موسى، وفي بعضها بمعنى من أجل كقوله (إنما نطعمكم لوجه الله) وفي بعضها بمعنى الرضا كقوله (يريدون وجهه) ، (إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) وليس المراد الجارحة جزما والله أعلم))
قلت انظر كيف أقر البيهقي على كلامه وجعله آخر ما يختم به الكلام على صفة الوجه وقد تقدم الكلام على إثبات البيهقي للوجه وما يلحقه من الزاماتٍ للأشاعرة
البرهان الرابع :نقل الحافظ في (13/401) عن البيهقي قوله (( قال ولأهل الكلام في هذه الصفات كالعين والوجه واليد ثلاثة أقوال: أحدها أنها صفات ذات أثبتها السمع ولا يهتدي إليها العقل، والثاني أن العين كناية عن صفة البصر، واليد كناية عن صفة القدرة، والوجه كناية عن صفة الوجود، والثالث إمرارها على ما جاءت مفوضا معناها إلى الله تعالى.(1/53)
وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي في كتاب العقيدة له، أخبر الله في كتابه وثبت عن رسوله الاستواء والنزول والنفس واليد والعين، فلا يتصرف فيها بتشبيه ولا تعطيل، إذ لولا إخبار الله ورسوله ما تجاسر عقل أن يحوم حول ذلك الحمى، قال الطيبي: هذا هو المذهب المعتمد وبه يقول السلف الصالح.
وقال غيره لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه من طريق صحيح التصريح بوجوب تأويل شيء من ذلك ولا المنع من ذكره، ومن المحال أن يأمر الله نبيه بتبليغ ما أنزل إليه من ربه وينزل عليه (اليوم أكملت لكم دينكم) ثم يترك هذا الباب فلا يميز ما يجوز نسبته إليه مما لا يجوز مع حضه على التبليغ عنه بقوله " ليبلغ الشاهد الغائب " حتى نقلوا أقواله وأفعاله وأحوله وصفاته وما فعل بحضرته، فدل على أنهم اتفقوا على الإيمان بها على الوجه الذي أراده الله منها، ووجب تنزيهه عن مشابهة المخلوقات بقوله تعالى (ليس كمثله شيء) فمن أوجب خلاف ذلك بعدهم فقد خالف سبيلهم وبالله التوفيق ))
قلت في هذا النص فوائد
الفائدة الأولى المباينة بين مذهب الإثبات والتفويض واعلم البيهقي قد اختار المذهب الأول
الفائدة الثانية اقرار الحافظ للإجماع الذي نقله الطيبي على اثبات الصفات
الفائدة الثالثة اقرار الحافظ لمن يقول ببدعية التأويل(1/54)
البرهان الخامس : قال الحافظ (13/469) (( وقالت الأشاعرة كلام الله ليس بحرف ولا صوت وأثبتت الكلام النفسي، وحقيقته معنى قائم بالنفس وإن اختلفت عنه العبارة كالعربية والعجمية، واختلافها لا يدل على اختلاف المعبر عنه، والكلام النفسي هو ذلك المعبر عنه، وأثبتت الحنابلة أن الله متكلم بحرف وصوت، أما الحروف فللتصريح بها في ظاهر القرآن، وأما الصوت فمن منع قال إن الصوت هو الهواء المنقطع المسموع من الحجرة، وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر، وصفات الرب بخلاف ذلك فلا يلزم المحذور المذكور مع اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه، وأنه يجوز أن يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه، وقد قال عبد الله بن أحمد ابن حنبل في كتاب السنة سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت، فقال لي أبي: بل تكلم بصوت، هذه الأحاديث تروى كما جاءت وذكر حديث ابن مسعود وغيره))
قلت في هذا النص فوائد
الأولى نقض شبهة منكر صفة الصوت
الثانية اظهار التباين بين عقد الأشاعرة وعقد الإمام أحمد
الثالثة عدم وصف الحافظ لمثبت الحرف والصوت بالتجسيم(1/55)
البرهان السادس قال الحافظ في الفتح (13/405) (( قال ابن بطال: في هذه الآية إثبات يدين لله، وهما صفتان من صفات ذاته وليستا بجارحتين خلافا للمشبهة من المثبتة، وللجهمية من المعطلة، ويكفي في الرد على من زعم أنهما بمعنى القدرة، أنهم أجمعوا على أن له قدرة واحدة في قول المثبتة ولا قدرة في قول النفاة، لأنهم يقولون إنه قادر لذاته ويدل على أن اليدين ليستا بمعنى القدرة أن في قوله تعالى لإبليس (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) إشارة إلى المعنى الذي أوجب السجود فلو كانت اليد بمعنى القدرة لم يكن بين آدم وإبليس فرق لتشاركهما فيما خلق منهما به وهي قدرته، ولقال إبليس وأي فضيلة له علي وأنا خلقتني بقدرتك كما خلقته بقدرتك، فلما قال خلقتني من نار وخلقته من طين) دل على اختصاص آدم بأن الله خلقه بيديه، قال ولا جائز أن يراد باليدين النعمتان، لاستحالة خلق المخلوق بمخلوق، لأن النعم مخلوقة ولا يلزم من كونهما صفتي ذات أن يكونا جارحتين ))
قلت في هذا النص فوائد
الأولى انكار التزام مثبت اليدين باثبات الجوارح وبالتالي لا يلزمه الجسيم
الثانية نقض تأويل اليد بالنعمة أو القدرة
وهذه النصوص كلها أتيت بها ن شرح كتاب التوحيد من فتح الباري الذي ينصح به السقاف وهناك نصوص أخرى تركتها بغية الإختصار
واعلم أن هذا لا يعني أننا ننكر أن الحافظ قد وقع في زلاتٍ عقدية ولكنه كان معتدلاً في انحرافه عن الحق ومختلفاً عن الأشاعرة المعاصرين
الشبهة الرابعة والثلاثون
قال ابن الجوزي في ص 100وهو يعدد الأقوال التي يستنكرها على ابن حامد والقاضي وابن الزاغوني (( وقالوا ما سمعنا بذكر الرأس
وقالوا ويجوز أن يمس أو يمس ويدني العبد من ذاته ))
قلت لا وجه لاستنكار هذا عليهم فقولهم (( ما سمعنا بذكر الرأس )) صحيح إذ أنه لا يوجد في النصوص إثبات الرأس ولا نفيه
وقولهم بدنو العبد من ربه ففيه حديثٌ صحيح(1/56)
قال البخاري في صحيحه 5745 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ : كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى ؟ قَالَ : " يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ ، فَيَقُولُ : عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ ، وَيَقُولُ : عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا ، فَيَقُولُ : نَعَمْ ، فَيُقَرِّرُهُ ، ثُمَّ يَقُولُ : إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ "
الشبهة الخامسة والثلاثون
نقل السقاف في ص98 قول القاضي أبي بكر بن العربي في العواصم ( 2/283) (( أخبرني من أثق به من مشيختي أن القاضي أبا يعلى الحنبلي كان إذا ذكر الله سبحانه يقول يقول فيما ورد من هذه الظواهر في صفاته تعالى :"ألزموني ما شئتم فإني ألتزمه إلا اللحية والعورة ))
قلت هذا كذب على القاضي أبي يعلى وشيخ ابن العربي ولو كان ثقةً عنده فقد يكون متهماً عند غيره وقد يكون أندلسياً مثل تمليذه _ ابن العربي _ ولم يدخل بغداد إلا بعد وفاة القاضي أبي يعلى الحنبلي البغدادي فيكون الخبر منقطعاً _ وهذه الإحتمالات كلها واردة لأن الراوي مبهم _
الشبهة السادسة والثلاثون
قال ابن الجوزي وهو يعدد الأوجه التي غلط فيها من صنف في الصفات في ص 104 (( أحدها أنهم سموا سموا الأخبار أخبار صفات وإنما هي اضافات وليس كل إضافة صفة فإنه قال سبحانه (( ونفخت فيه من روحي )) الحجر : 29 وليس لله صفة تسمى روحاً ))
قلت هذا من تخاليط ابن الجوزي رحمه الله إذ لو طردنا كلامه لكان اضافة السمع والبصر لله مجرد اضافة وليس صفةً
والإضافات إلى الله على قسمين
الأول اضافة ذات قائمة بنفسها إلى الله وهذه تكون اضافة تشريف مثل بيت الله وناقة الله(1/57)
الثاني اضافة ما لا يقوم بذاته إلى الله مثل اضافة العلم والقدرة والسمع والبصر واليد والوجه إليه سبحانه فهذه تكون اضافة صفات
فمن سوى بين اضافة الذات القائمة بنفسها لله سبحانه وتعالى واضافة الصفة لله تعالى فقد هذى وخلط
الشبهة السابعة والثلاثون
وزعم السقاف في ص96 أن الله عز وجل لا كيف له
وهذه بدعة قبيحة فهمها الجاهل من قولهم (( بلا كيف )) ومعناها بلا تكييف يتضح هذا لمن جمع النصوص ولم ينتقي
وهذه العبارة قيلت في أخبار الصفات ولم تقل في الذات
وهذه البدعة القبيحة لو نزلناها على أصول القوم لأدت إلى اعدام الإله فنقول لهم لا نعقل موجوداً بلا كيفية
فإن قالوا نحن نعقل هذا
قلنا ونحن نعقل لله يداً لا تشبه أيدي المخلوقات
ونسألهم هل العلم والسمع والبصر وغيرها من الصفات التي تثبتونها لها كيف أم ليس لها كيف
فإن قالوا لها كيف شهدوا على نفسهم بمخالفة مذهب السلف _ على فهمهم السقيم _ لأن قول السلف (( أمروها كما جاءت بلا كيف )) يشمل جميع أخبار الصفات
وإن قالوا ليس لها كيف
قلنا فأنتم تعقلون صفات ليس لها كيف ولا أعرف أحداً من العالمين قال بهذا ولو قسنا الشاهد على الغائب _ على طريقتهم _
لقلنا لهم كلامكم هذا غير معقول فكل موجود له حقيقة وماهية تسمى الكيف
والخلاصة أن اجماع العقلاء منعقد على أن كل موجود له حقيقة وماهية اسمها الكيف
وقد تقدم عن بعض السلف قولهم (( والكيف مجهول )) ولم ينكر عليهم أحدٌ من السلف هذا القيل لأن نفي الكيف هو نفي للوجود أصلاً
وأما من يعقل موجوداً بلا كيف فقد كابر الحس والعقل والفطرة ولزمه اثبات الصفات فعلى مذهبه لا محظور من اثبات الصفات إذ لا كيفية فلا تجسيم ولا تشبيه
وقد جاءت السنة الصحيحة بإثبات الكيف لصفات الله عز وجل
قال الإمام الترمذي
2226 - حَدَّثَنَا هَنَّادٌ أخبرنا معاويةُ عن الأعمشِ عن أبي سُفيانَ عن أنسٍ قال:(1/58)
كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلِيهِ وسَلَّم يُكثرُ أنْ يقول: يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّتْ قَلبي على دينِكَ فقلتُ يا نبيَّ اللهِ آمنَّا بكَ وبما جئتَ بهِ فهلْ تخافُ علينا؟ قال: نعمْ إنَّ القُلوبَ بينَ أصبُعينِ من أصابعِ اللهِ يُقلِّبها كيفَ شاءَ .
وفي البابِ عن النوَّاسِ بنِ سمعانَ وأمِّ سَلَمَةَ وعائشةَ وأبي ذرٍّ هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وهكذا روى غيرُ واحدٍ عن الأعمشِ عن أبي سُفيانَ عن أنسٍ وروى بعضهُمْ عن الأعمشِ عن أبي سُفيانَ عن جابرٍ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلِيهِ وسَلَّم وحديثُ أبي سُفيانَ عن أنسٍ أصحُّ.
وقال النووي في شرح صحيح مسلم (( فمعنى الحديث أنه سبحانه وتعالى متصرف في قلوب عباده وغيرها كيف شاء ))
قلت والتقليب من أفعاله سبحانه وأفعاله من صفاته وما زال العلماء يدخلون أخبار الأفعال في أخبار الصفات وعليه فأفعاله سبحانه داخلة في عموم قول السلف (( أمروها كما جاءت بلا كيف ))
وقوله (( كيف شاء )) اثبات صريح لوجود الكيفية
وفي الحديث الصحيح عند مسلم (( إذا أم أحدكم الناس فليخفف. فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض. فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء ))
والصلاة لها كيفية قطعاً
ولا فرق بين صفات الله عز وجل في هذا ومن فرق فعليه الدليل ونصوص السلف عامة والمحذور
وبهذا ينهدم بنيان التفوض
هذه بعض النقولات عن السلف و الأئمة الأجلاء رحمهم الله _ استفدتها من الأخ المقدادي _ :
قال الإمام حماد بن بي حنيفة (ت:176): ((قلنا لهؤلاء أرأيتم قول الله عز وجل ((وجاء ربك والملك صفاً صفا))(1/59)
قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفاً صفاً وأما الرب فإنا لا ندري ما عني بذلك ولا ندري كيف مجيئة . فقلت لهم: إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئة ، أرأيتم إن أنكر أن الملائكة تجيء صفاً صفا ما هو عندكم!؟ قالوا: كافر مكذب. قلت: فكذلك من أنكر أن الله سبحانه يجيء فهو كافر مكذب)) رواه أبو عثمان الصابوني ص64 وسنده صحيح.
وكلامه بين في اثبات الكيف ولا نعلم مخالفاً من السلف فهو لا يكلفهم بمعرفة الكيفية وعدم التكليف بمعرفة المعدوم محض هذيان
و قال الامام الترمذي في سننه لما روى حديث أبي هريرة "إن الله يقبل الصدقة، ويأخذها بيمينه فيربيها" :
"هذا حديث صحيح روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث، وما يشبهه من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا: قد ثبتت الروايات في هذا، ونؤمن به، ولا نتوهم، ولا يقال كيف
هكذا روي عن مالك، وابن عيينة، وابن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف.
وهكذا قول أهل العلم، من أهل السنة والجماعة.
وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه، وفسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وإنما معنى اليد ها هنا النعمة، وقال إسحاق بن راهويه: إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد، أو مثل يد، وسمع كسمع))
تنظر كيف فسر قول السلف (( أمروها كما جاءت بلا كيف )) بقولهم (( ولا يقال كيف ))
والنهي عن السؤال عن كيفية الشيء دليل وجوده
فلو سألتك (( أعندكم حديقة ))
فقلت (( لا ولا تسأل عن كيفيتها ))
لكان كلامك مختلاً ولأضحكت العقلاء عليك
ولكن لوقلت (( نعم ولا تسألني عن كيفيتها ))
لكان الكلام متزناً(1/60)
و سئل الإمام أبو جعفر الترمذي - و هو غير صاحب السنن - عن نزول الرب فقال: (( النزول معقول ، والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعه.)) ) تاريخ بغداد (1/365) ، سير أعلام النبلاء (13/547) ، أقاويل الثقات(201) ، تاريخ الإسلام ، حوادث ووفيات (291-300) (ص245) ، مختصر العلو (ص231) ، وقال الألباني : إسناده صحيح.
و قال الإمام الحافظ الذهبي معلقاً أثر الإمام أبو جعفر الترمذي في النزول : (( صدق فقيه بغداد وعالمها في زمانه ، إذ السؤال عن النزول ماهو ؟ عيٌّ ، لأنه إنما يكون السؤال عن كلمةٍ غريبةٍ في اللغة ، وإلا فالنزول والكلام والسمع و البصر والعلم والاستواء عباراتٌ جليلةٌ واضحةٌ للسَّامع ، فإذا اتصف بها من ليس كمثله شيء فالصفة تابعةٌ للموصوف وكيفية ذلك مجهولة عند البشر وكان هذا الترمذي من بحور العلم والعُباد الورعين مات سنة 295 هـ )) أهـ . العلو ص 156
و بالمناسبة : هذا كلام ابن العربي المالكي :
(( وذهب مالك رحمه الله أن كل حديث منها - اي احاديث الصفات - معلوم المعنى ولذلك قال للذي سأله الاستواء معلوم والكيفية مجهولة )) عارضة ا لاحوذي (3/166)
وابن العربي أشعري المذهب وفهمه لمذهب السلف يناقض فهم السقاف فتأمل
وممن نسب إلى أهل الحديث إثبات الكيف أبو الحسن الأشعري(1/61)
قال أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين (ص290-297). (( ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث، وجملة قولهم: الإقرار بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبما جاء عن الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا يردون من ذلك شيئاً". إلى أن قال: "وأن الله على عرشه، كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وأن له يدين بلا كيف، كما قال تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، وأن أسماء الله لا يقال إنها غير الله، كما قالت المعتزلة والخوارج، وأقروا أن لله علماً كما قال: { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} ، {وَمَا (ق68/ ب) تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} ، وأثبتوا السمع والبصر، ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة، وقالوا إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله، وأن الأشياء تكون بمشيئة الله، كما قال ربنا: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ } ".
إلى أن قال: "ويقولون إن القرآن كلام الله غير مخلوق، ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن الله ينزل إلى سماء الدنيا فيقول: "هل من مستغفر" ، كما جاء الحديث، ويقرون أن الله يجيء يوم القيامة كما قال: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} ، وأن الله يقرب من خلقه كيف شاء ، كما قال:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ))
قلت تأمل قوله (( ويقرب من خلقه كيف شاء )) تجد ضالتك
الشبهة الثامنة والثلاثون(1/62)
قال ابن الجوزي في ص107 (( فإن قال قائل ما الذي دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتكلم بألفاظ موهمة للتشبيه ؟ قلنا: إن الخلق غلب عليهم الحس فلا يكادون يعرفون غيره ، والسبب المجانسة لهم في الحديث فعبد قومٌ النجوم وأضافوا إليها المنافع والمضار ، وعبد قومٌ النور وأضافوا إليه الخير أضافوا الشر إلى الظلمة .....)) إلى أن قال (( فلو جاءت الشرائع بالتنزيه المحض جاءت بما يطابق النفي فلما قالوا صف لنا ربك نزلت (( قل هو الله أحد )) ولو قال لهم ليس بجسم ولا عرض ولا جوهر ولا طويل ولا عريض ولا يشغل الأمكنة ولا تحويه جهة من الجهات الست وليس بمتحرك ولا ساكن ولا يدركه الإحساس لقالوا : حد لنا بأن تميز لنا بين ما تدعونا إلى عبادته عن النفي وإلا فأنت تدعو إلى العدم
فلما علم الحق سبحانه ذلك جاءهم بأسماء من السمع والبصر ......إلى أن قال ابن الجوزي (( لأن المقصود الإثبات فهو أهم عند الشرع من التنزيه ولهذا قال للجاية أين الله وقيل له أيضحك ربنا ؟ قال نعم فلما أثبت وجوده بذكر الحسيات نفى خيال التشبيه بقوله (( ليس كمثله شيء ))
قلت هذا الكلام دليل على استحكام شبه الفلاسفة في عقل ابن الجوزي
فمفاد هذا الكلام أن الشارع خدع العامة ليؤمنوا بالله لأنهم لا يفهمون التنزيه ولا يفرقون بينه وبين العدم
ونلزم ابن الجوزي ومن يدعو لدعواه ألا يعلم العامة عقيدة التنزيه _ عندهم_ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم
فلا يعقل أن يكون العامة في عصرنا أفقه من العامة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم
ثم لنسأل هل كان في الصحابة من يفهم التنزيه ؟
فإن قيل لا
قلنا أفجهل الصحابة الذين أثنى الله عليهم في القرآن وأنتم علمتم
وإن قيل نعم
قلنا فلما لم يعلموا التنزيه للنابهين من التابعين كما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم للنايهين من أصحابه
وقول ابن الجوزي مجرد تخرص وجزم بأن الرسول يظهر خلاف ما يبطن دون دليل
الشبهة التاسعة والثلاثون(1/63)
قال ابن الجوزي في ص 111 (( وكان الإمام يقول أمروا الأحاديث كما جاءت وعلى هذا كبار أصحابه كإبراهيم الحربي وأبو الحسن التميمي ))
قلت هنا يشهد ابن الجوزي على نفسه بمخالفة الإمام أحمد لأنه أكثر من التأويل في كتابه دفع شبه التشبيه
والتميميون الذي أثنى ابن الجوزي على أحدهم _ واعتقادهم واحد_ يخالفون ابن الجوزي في الإعتقاد
قال الإمام عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث التميمي في ((اعتقاد الإمام أحمد)): (( وكان يقول : إن لله تعالى يدين ، وهما صفة في ذاته ليستا بجارحتين وليستا بمركبتين ، ولا جسم ، ولا جنس من الأجسام ، ولا صفة من جنس المحدود والتركيب والأبعاض والجوارح ، ولا يقاس على ذلك ، ولا مرفق ، ولا عضد ، و فيما يقتضي ذلك من إطلاق قولهم يد ، إلا ما نطق القرآن به ، أوصح عن رسول الله ? فيه . قال الله تعالى : { بل يداه مبسوطتان } . وقال رسول الله ? : (( كلتا يديه يمين )) . وقال الله عز وجل : { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } . وقال : { والسموات مطويات بيمينه } . ويفسد أن تكون يد : القوة والنعمة ، والفضل ، لأن جمع يد ايد ، وجمع تلك أياد ، ولو كان اليد عنده القوة لسقطت فضيلة آدم ، وثبت حجة إبليس )) .
قلت هذا الكلام فيه إثبات اليدين لله كما يثبتها القاضي أبو يعلى مع التحفظ على السلوب التي ذكرها إذ أنها لم تثبت على الإمام أحمد وهي بدعة
الشبهة الأربعون
وقال ابن الجوزي في ص132 (( أخبرنا علي بن محمد بن عمر الدباس قال أنبأنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي قال كان أحمد بن حنبل يقول الإستواء صفة مسلمة وليست بمعنى القصد وليست بمعنى الإستعلاء
قال وكان أحمد لا يقول بالجهة للباري لأن الجهات تخلى عما سواها))
قلت هذا كذب على أحمد ورزق الله التميمي بينه وبين الإمام أحمد مفاوز فهذا السند معضل إعضالاً شديداً ( انظر ترجمة رزق الله في سير أعلام النبلاء (18/609) ط الرسالة )(1/64)
والإمام أحمد يثبت العلو لله عز وجل
روى الخلال في السنة عن يوسف بن موسى القطان قوله قيل لأبي عبدالله : الله فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وعلمه وقدرته في كل مكان قال نعم
قلت هذا سند حسن وهو خير من ذاك المعضل
وهذا الأثر نقله عن كتاب السنة للخلال ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص116، برقم95). وأورده الذهبي في العلو (ص130)، وفي الأربعين في صفات رب العالمين (ص65، برقم 50). وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/496). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (200) وعزاه للالكائي
ولفظ الجهة من الألفاظ المجملة التي لم يتكلم بها السلف بنفي أو إثبات
الشبهة الحادية والأربعون
يكثر ابن الجوزي من القول أن المثبتين للصفات قد حملوها على مقتضى الحس
وهذا غير صحيح
فلو قالوا هذا لشبهوا صفات الله بصفاتهم
بل بعض الذين يرد عليهم ابن الجوزي يصرحون بأن لله يد ليست بجارحة
فكيف يكونون قد حملوها على مقتضى الحس والمعروف من المخلوقات وهو يقولون ليست بجارحة (مع التحفظ على هذا النفي )
ثم إن المعتزلي بإمكانه أن يلزم ابن الجوزي وغيره بكلامهم فيقول (( إثباتكم للسمع والبصر هو حملٌ منكم للنصوص على مقتضى الحس ))
فإن قالوا إنما حملناه على مقتضى اللغة منزهين رب العالمين عن مشابهة المخلوقات
قلنا وهذا مذهبنا في الصفات كلها
الشبهة الثانية والأربعون
قال السقاف في ص127 ((يقولون : استوى على العرش بذاته ، فمن أين جاءوا بلفظة " المبتدعة يقولون : لا نصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه ))
قلت وأي صفةٍ جديدة ثبتت لله عز وجل بكلمة ( بذاته ) هذه اللفظة إنما فيها تثبيت صفة و
قالها السلف لأن الجهمية يقولون بأن الله فوق العرش بعلمه وقدرته فقال السلف هذه اللفظة لدفع ذاك التوهم ولم يثبتوا بهذه اللفظة صفةً جديدة فلا تناقض قولهم (( لا نثبت إلا ما جاء في الكتاب والسنة ))(1/65)
فهم إنما عبروا عما ثبت في الكتاب والسنة بلفظٍ يدفع الإيهام كمثل قولهم (( القرآن كلام الله غير مخلوق ))
قالوا : غير مخلوق لئلا يفهم من قولهم (( كلام الله )) إضافة المخلوق للخالق كقولنا (( ناقة )) بل أرادوا إضافة الصفة للموصوف كقولنا (( علم الله ))
وقفة في الدفاع عن الألباني
وزعم السقاف في صفحة 25من مقدمته على دفه الشبه أن الشيخ الألباني كان صحفياً ( أي أنه لم يتلقَ العلم على مشايخ وإنما أخذه من الكتب )
وفي إطلاق هذا القول ظلم للشيخ الألباني _ وهذا غير مستغرب من السقاف _
إذ أن الشيخ الألباني قد حفظ القرآن وتعلم التجويد والصرف والفقه الحنفي على والده
كما تلقى بعض العلوم الدينية والعربية على بعض الشيوخ من أصدقاء كالشيخ سعيد البرهاني إذ قرأ عليه كتاب (( مراقي الفلاح )) وبعض الكتب الحديثة في في علوم البلاغة
انظر كتاب (( الإنتصار للحق وأهل العلم الكبار )) للشيخ أحمد بن أبي العينين صفحة 23
ولم يكتفِ السقاف بهذا البهتان
حتى زعم _ في نفس الصفحة _ أن الألباني لا يعرف في العقيدة إلا كتب ابن تيمية
ويا ليت شعري من حقق السنة لابن أبي عاصم
واختصر العلو للذهبي
وحقق الإيمان لابن أبي شيبة
بل إن الشيخ مطلع على كتب المبتدعة كالكوثري والغماري والقضاعي وإلا كيف كتب تلك الردود عليهم وهو لا يقرأ كتبهم
وقفة أخرى
وقال السقاف متحدثاً عن مقدمة الشيخ الألباني لمختصره لكتاب العلو في صفحة 76 (( ووصف الله بما لم يرد في كتاب و لا في سنة كلفظ الجهة ))
قلت هذا كذبٌ صريحٌ على الشيخ رحمه الله
قال الشيخ الألباني في صفحة 69 من مختصر العلو (( ومنه يتبين أن لفظ الجهة غير وارد في الكتاب والسنة وعليه فلا ينبغي إثباتها ولا نفيها ))
هذا مذهب الشيخ الألباني في الجهة فقارنه مع افتراه كذاب البلقاء
نقض شبهات السقاف حول الإحتجاج بأخبار الآحاد في مسائل العقيدة
الشبهة الأولى(1/66)
ثم بدأ السقاف في ص27 بالتشغيب على أخبار الآحاد حيث أنها لا تصلح حجة في مسائل الإعتقاد ونقل لتأييد قوله نص الخطيب في الفقيه والمتفقه
قال الحافظ الخطيب البغدادي في " الفقيه والمتفقه " (1 / 132) : " باب القول فيما يرد به خبر الواحد : . . . . وإذا روى الثقة المأمون خبرا متصل الاسناد رد بأمور : أحدها : أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه ، لان الشرع إنما يرد بمجوزات العقول وأما بخلاف العقول فلا .
والثاني : أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ . والثالث : يخالف الاجماع فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له . . . والرابع : أن ينفرد الواحد برواية ما يجب على كافة الخلق علمه فيدل ذلك على أنه لا أصل له لانه لا يجوز أن يكون له أصل وينفرد هو بعلمه من بين الخلق العظيم . الخامس : أن ينفرد برواية ما جرت العادة بأن ينقله أهل التواتر فلا يقبل لانه لا يجوز أن ينفرد في مثل هذا بالرواية "
قلت والجواب عن هذا أنه ليس فيه دلالة أن ما يصلح حجة في الأحكام لا يصلح حجة في الإعتقاد كما هو مذهب السقاف بل هو حجة عليه فكل الأمور السابقة تشترك فيها أحاديث الأحكام مع أحاديث العقائد فقوله
((أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه ))
تشترك فيه أحاديث الأحكام مع أحاديث الإعتقاد بل وحتى الوقائع التاريخية تشترك في هذا مع أحاديث العقائد
فحديث تعدد حادثة الكسوف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ردها جماعة من العلماء لمخالفتها للواقع
وقول الخطيب (( موجبات العقول )) يعني البديهيات وليست الأمور التي تختلف فيها العقول فتقبله عقول الأئمة الأكابر كمالك والشافعي ومسلم
ويأتي من يردها لمخالفتها لما في عقل الكوثري
وقوله (( أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة ))
قلت هذا يشمل نصوص الأحكام والإعتقادات ثم إنه خارج محل النزاع فنحن نتحدث عن الحديث الصحيح وهذه صفة الحديث الشاذ(1/67)
وقوله (( يخالف الاجماع فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له ))
قلت وهذا خاص بالأحكام فالعقائد لا تنسخ
والقول بالنسخ يدل على القبول
ولا يكاد يوجد إجماع إلا وهو يعتمد على نص فبناء عليه تكون هذه صفة الحديث الشاذ وهو خارج محل النزاع
وقوله (( أن ينفرد الواحد برواية ما يجب على كافة الخلق علمه ))
هذا شامل في الأحكام والعقائد وفيه نظر فقد بنى جماعة من الفقهاء القول بالوجود في العديد من مسائل الطهارة والصلاة وغيرها مما ينبغي على مسلم تعلمه بخبر الواحد وهذا مما لا يخالف فيه السقاف
والخطيب البغدادي يعتقد أن هذه الشروط لا تنبق على أحاديث الصفات وإليك الدليل
قال الذهبي في كتاب العرش أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، أنبأنا عبد الله بن أحمد المقدسي سنة سبع عشرة وستمائة، عن المبارك بن علي الصيرفي ، أنبأنا أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني ، أنبأنا أبو بكر الخطيب قال: "[أما] الكلام في الصفات، فأما ما روي منها في السنن الصحاح، فمذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيف والتشبيه عنها ، والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ونحتذي في ذلك حذوه ومثاله، وإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فكذلك إثبات صفاته فإنما هو إثبات وجود (ق87/أ) لا إثبات تحديد وتكييف، فإذا قلنا: يد وسمع وبصر، فإنما هو إثبات صفات أثبتها الله لنفسه، ولا نقول إن معنى اليد: القدرة، ولا نقول: إن معنى السمع والبصر: العلم، ولا نقول: إنها جوارح وأدوات الفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها، لقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ، وقوله {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ }
قلت وإسناده صحيح فشيخ الذهبي(1/68)
قال عنه محقق كتاب العرش الشيخ محمد بن خليفة التميمي (( إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمرو، أبو الفداء المرداوي ثم الصالحي الحنبلي الفراء المعروف بابن المنادي، شيخ صالح، ولد سنة (610هـ) وتوفي سنة (700هـ). معجم شيوخ الذهبي (1/175)،
وشيخه عبد الله بن أحمد قال عنه (( عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم السعدي المقدسي، أبو محمد الصالحي الحنبلي، المحدث، الرحال، مفيد الطلبة، توفي سنة (658هـ) وله أربعون سنة. السير (23/375)، ذيل طبقات الحنابلة (2/268)
وشيخه أبو طالب (( أبو طالب المبارك بن علي الصيرفي، وفي ذيل تاريخ بغداد (15/337، ت1239): "وكان ثقة، توفي في ذي الحجة سنة اثنتين وستين وخمسمائة فجأة".
وشيخه محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق بن محمد البغدادي، أبو الحسن الزعفراني، الحلاّب، الشافعي، ولد سنة (442هـ) وكان تاجراً، جوّالاً، فقيهاً، محدثاً، ثبتاً، صالحاً، مات ببغداد سنة (517هـ). السير (19/471)، شذرات الذهب (4/76)
ووجه الدلالة في قول الخطيب (( "[أما] الكلام في الصفات، فأما ما روي منها في السنن الصحاح، فمذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها))
فلم يفرق بين أخبار الآحاد والمتواتر وهو هنا يصرح بلفظ الإثبات والإجراء على الظاهر مما لا يدع مجالاً لزعم التفويض
وخصوصاً أنه نفى الكيف والتشبيه وهذه التحرزات لا تكون مع إثبات المعنى
ثم قرر أن الكلام في الثفات فرع عن الكلام في الذات
وليس لقائل أن الخطيب يفوض وجود الله !!والعياذ بالله
الشبهة الثانية
وأطلق السقاف القول بظنية أخبار الآحاد في ص26 وبنى على ذلك عدم حجيتها في مسائل الإعتقاد
والجواب عن ذلك
أن أخبار الآحاد تفيد العلم إذا احتفت بها القرائن ومن تلكم القرائن
إجماع الحفاظ على تصحيحها كأحاديث الصحيحين التي لم ينتقدها الأكابر كالدارقطني والغساني(1/69)
والإجماع حجة قطعية باعتراف السقاف حيث ذكر أن حجية الإجماع قطعية عند كلامه على ظنية أخبار الآحاد
وهذا مذهب الكوثري حيث قال في كتابه نظرة عابرة ص(109) (( فخبر الآحاد الذي تلقته الأمة بالقبول يقطع بصدقه ))
قلت استفدت هذا النص من كتاب موسوعة أهل السنة لعبد الرحمن الدمشقية (529)
والناس تبع للأئمة النقاد في هذا الشأن ( أعني التصحيح والتضعيف )
وقال الإسفراييني كما في النكت على ابن الصلاح (1/377 ) (( أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها مقطوع بها عن صاحب الشرع ))
قلت يخرج من هذا الإجماع الأحاديث التي انتقدها الدارقطني وغيره من الأئمة النقاد _ يخرج من ذلك المتهوكين من المتأخرين_ ويدخل فيه كل حديث انفق الأئمة على تصحيحه وإن لم يكن في الصحيحين
قال أبو المظفر السمعاني (( إن الخبر إذا صح عن النبي ورواه الأئمة الثقات وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقته الأمة بالقبول فإنه يوجب العلم ))
راجع موسوعة أهل السنة للدمشقية
ومثال ذلك حديث (( فيأتيهم الجبَّار في صورة غير صورته التي رأوه فيها ))
فقد اتفق الشيخان على تصحيحه وصححه الدارمي ولم يتعرض له شراح الصحيحين بتضعيف بل أولوه والتأويل فرع عن القبول
ومن تناقضات السقاف والكوثري أنهما يضعفان هذا الحديث
القرينة الثانية تعدد الطرق بما يحصل به الإطمئنان لصدق الحديث وإن لم يبلغ درجة التواتر
خصوصاً إن يضعف الحديث معتبر فلو وجدنا حديثاً في اقل طبقة من طبقاته ثلاثة كلهم عدول لجزمنا بعدم وجود الكذب لأنهم عدول
وإذا كانوا ضباطاً لجزمنا بعدم وجود الخطأ فهم ضباط بل حتى لو كان اثنان منهم ضباط والثالث ضعيف الضبط
وهذا أمرٌ معلوم من الحس
ومثال ذلك حديث الكشف عن ساق
فقد روي في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري(1/70)
وقد رواه جماعة كعبد الله بن أحمد في السنة والطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن مسعود
وأخرجه الدارمي في سننه من حديث أبي هريرة
وأسانيده قوية
فهذا يقطع بثوته عن النبي ولا يلتفت لكونه آحاداً
الشبهة الثالثة
وزعم السقاف في ص27 أن مسائل (أصول) الإعتقاد لا تثبت إلا بالعلم أي أنه لا يكفي فيها الظن الغالب
وأخبار الآحاد دلالتها ظنية ( وقد سبق نقد هذا الإطلاق )
وهذا هو الأصل الثاني الذي بنى عليه السقاف قوله في اخبار الآحاد والجواب عليه من وجهين
الأول أنه لا دليل على التفريق بين مسائل الإعتقاد ومسائل الأحكام من حيث التلقي فإذا قلنا في خبر الواحد لا نأخذ به في مسائل الإعتقاد لأنه يجوز على الواحد الخطأ
جاز للمعتزلي أن يقول لا أستحل أن أحكم في الدماء والأعراض بخبر الواحد لأنه يجوز عليه الخطأ
وسنجيبه بأن الله عز وجل أمرنا بالرجوع إلى الكتاب والسنة عند الإختلاف
قال تعالى (( فإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول))
والأخبار المتواترة معظمها محل إجماع فيمتنع أن يأمرنا الله عز وجل بالرجوع إلى ما لا يصلح حجة
وخصوصاً أن لفظ الآية من ألفاظ العموم
بل قد تعهد سبحانه وتعالى بحفظ الدين قال تعالى (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ))
ثم إن إجماع الصحابة منعقد على الأخذ بأخبار الآحاد في مسائل الفروع
فقد أخذوا بخبر الواحد في تحول القبلة
الثاني أن الأحكام العملية تتضمن إعتقاداً فالذي يصلي الضحى يصليها معتقداً أن الله يحب هذا العمل وعليه فقس
وبهذا يبطل ذلك التفريق المحدث
الثالث ان الظن الغالب معتبر شرعاً بل وسماه رب العالمين علماً قال تعالى (( فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ))
قلت والمقصود بالعلم هنا الظن الغالب إذ لا يعلم ما في القلوب إلا الله
فهذا يدل على استواء العلم والظن الغالب في الحكم(1/71)
وقال تعالى (( ولا تقف ما ليس لك به علم ))
وهذا عام في العقائد والأحكام وما زال الصحابة ومن بعدهم يقفون أخبار الآحاد في الأحكام فدل على أنها علم
وبهذا يتم نسف أصل السقاف الثاني في مسألة أخبار الآحاد
الشبهة الثالثة
وزعم السقاف أن معاذ بن جبل لم يبعث إلى اليمن وحده وإنما كان ضمن جماعة واحتج بما رواه أحمد في مسنده من حديث بريدة (( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب وعلى الآخر خالد بن الوليد فقال: إذا التقيتم فعلي على الناس وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده قال: فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك فلما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم دفعت الكتاب فقرئ عليه فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا مكان العائذ بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما أرسلت به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي وإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي ))
وحسن السقاف سنده
قلت وهذا منها وقد ارتكب السقاف خيانة علمية حين بتر نص الحديث فلم يورد منه إلا قول بريدة ((بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب ))
ولم يكمل الآخر لأنه فيه دليل على أن معاذ لم يكن أميراً على أحد البعثين فما وجه تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم له بالوصية وقد كان الولى بها علي أو خالد
فهذا يدل على نكارة المتن أو أن بعث معاذ غير بعث علي وخالد رضي الله عنهم فتفطن السقاف لذلك فبتر الحديث(1/72)
وخصوصاً أن السقاف قد قرر أن تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة بالوصية عند إرساله إنما يكون لأنه أمير الجيش لا لأنه يذهب وحده حيث قال في ص32 (( وأزيد مؤكدا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث إلى ناحية من النواحي رجلا واحدا وإنما كان يبعث بعثا - عددا من الصحابة - وإنما كان يسمى الرجل الواحد لانه أمير ذلك البعث بدليل ما رواه الامام أحمد في مسنده (5 / 356) أثناء قصة عن بريدة قال : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلى اليمن ، على أحدهما علي بن أبي طالب . . . " وإسناده حسن ))
وقد ثبت في صحيح البخاري أن البعثين كانا لأخذ الخمس لا للدعوة
قال البخاري 4093 حدثني محمد بن بشار: حدثنا روح بن عبادة: حدثنا علي بن سويد بن منجوف، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه قال:
بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليا، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال: (يا بريدة أتبغض عليا). فقلت: نعم، قال: (لاتبغضه له في الخمس أكثر من ذلك )
قلت وفي سند رواية أحمد أجلح الكندي وهو متكلم فيه واختار الحافظ ابن حجر كونه صدوقاً
وخالفه هنا من هو أوثق منه
ولهذه الرواية عند البخاري شواهد أوردها البخاري فهذا لا ينافي
ومما يدل دلالة واضحة على أن معاذ بن جبل قد دعا جماعة من أهل اليمن إلى الإسلام عقيدة وفقهاً وحده أنه لم يذكر أحد من أهل السير أنه كانت هناك غزوة لليمن أميرها معاذ بن جبل بل ثبت في الصحيح ما ينفي ذلك
وهو قوله (( لَنْ أَوْ لَا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ يَا أَبَا مُوسَى أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ إِلَى الْيَمَنِ ثُمَّ اتَّبَعَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ))(1/73)
فهذا يدل على أن أبا موسى قد أرسل ابتداءً لوحده ولو كان مرسلاً لقوم مؤمنين يعلمهم أمور دينهم لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ (( إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم شهادة أن لا إله إلا الله ))
فهذا يبطل زعم السقاف أنه لو كان النبي يبعث الصحابة فرادى فإنه يبعثهم ليعلموا الناس الذين أسلموا أمور دينهم
وقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح (( وكان عمل معاذ النجود وما تعالى من بلاد اليمن، وعمل أبي موسى التهائم وما انخفض منها، فعلى هذا فأمره صلى الله عليه وسلم لهما بأن يتطاوعا ولا يتخالفا محمول على ما إذا اتفقت قضية يحتاج الأمر فيها إلى اجتماعهما ))
قلت فهذا يؤكد أن الذين يدعوهم أبو موسى غير الذين يدعوهم معاذ
ولوسلمنا باتفاقهما في المدعوين فهذا لا ينافي أن خبرهما خبر آحاد فخبر الإثنين من جملة أخبار الآحاد
وقد قدمنا ان بعث خالد بن الوليد وعلي يختلف في الماهية والمضمون عن بعث أبي موسى ومعاذ
الشبهة الرابعة
وزعم السقاف في ص31 أن معاذ بن جبل لو كان قد سافر لليمن وحده لكان مخالفاً لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سفر الرجل لوحده
وقد أتي السقاف هنا من جهله بالأحكام
فقد ثبت في صحيح البخاري 2835 أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ندب النَّاسَ قَالَ صَدَقَةُ أَظُنُّهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَ النَّاسَ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَ النَّاسَ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ
قال الحافظ في شرح هذا الحديث (( وفيه جواز سفر الرجل وحده، وأن النهي في السفر وحده إنما هو حيث لا تدعو الحاجة إلى ذلك، وسيأتي مزيد بحث في ذلك في أواخر الجهاد في " باب السير وحده" ))
الشبهة الخامسة(1/74)
وزعم السقاف في ص31 أن أهل اليمن الذين ذهب إليهم معاذ بن جبل كانوا قد عرفوا أصل التوحيد والعقيدة من الأشعريين حيث قال (( فهؤلاء بعض من كان مع سيدنا معاذ حين بعثه صلى الله عليه وسلم إلى اليمن من المسؤولين ما عدا الآخرين الذين كانوا أيضا بصحبته ، والمترددين من أهل اليمن بين بلادهم والمدينة ممن نقل أصل الدعوة وأصول التوحيد والعقيدة إلى تلك البلاد كالاشعريين الذين منهم أبو موسى الاشعري وأصحابه ))
قلت هذا زعم ساقط فإن النبي قال لمعاذ بن جبل (( إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله ))
فهذا يدل على أنهم لم يتعلموا التوحيد
ولو كانوا قد تم دعوتهم قبل هذه المرة لأشار النبي إلى ذلك
ولو ثبت ذلك لم ينفِ كون خبر معاذ خبر آحادي
أي أنهم سيتعلمون أصول الدين من رجل واحد بعد أن يشهدوا الشهادتين
إذ أن أصول الدين غير محصورة بالشهادتين
ولكن بداية الدعوة تكون للشهادتين فإن أقر المدعو بهما
دعي لبقية أحكام الدين العقدية والعملية إلا إذا كان في اعتقاده ما ينافي التوحيد ابتداءً كاعتقاد أن المسيح ابن الله فإنه يطالب بالتبرؤ من هذه العقيدة مع إقراره بالشهادتين
الشبهة السادسة
واحتج السقاف في ص31 برواية ساقطة على كون معاذ لم يذهب إلى اليمن لوحده وهي ما رواه ابن جرير(2 / 247) في تاريخه عن عبيد بن صخر بن لوذان الأنصاري وكان ممن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مع عمال اليمن سنة عشر بعدما حج حجة التمام : وقد مات باذام ، فلذلك فرق عملها بين شهر بن باذام ، وعامر بن شهر الهمداني ، وعبد الله بن قيس أبي موسى الاشعري ، وخالد بن سعيد بن العاص ، والطاهر بن أبي هالة ، ويعلي بن أمية ، وعمرو بن حزم ، وعلى بلاد حضرموت زياد بن لبيد البياضي وعكاشة بن ثور بن أصغر الغوثي . . ومعاوية بن كندة ، وبعث معاذ بن جبل معلما لأهل البلدين : اليمن وحضرموت "(1/75)
قلت ذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمة عبيد بن صخر بن لوذان أن ابن جرير الطبري روى هذا الخبر من طريق سيف بن عمر عن سهل بن يوسف بن سهل عن أبيه عن عبيد بن صخر بن لوذان
قلت سيف بن عمر متهم بالزندقة والوضع
ويوسف بن سهل لم أعرفه وفي سماعه من عبيد بن صخر نظر
وحتى إن ثبت فهو حجة على السقاف فإن فيه أن معاذاً بعث معلماً لأهل اليمن
وحضرموت وهذا يعني أنهم يأخذون منه أصول دينهم وفروعه
فلو مات أحدهم ولم يرَ النبي لكان إسلامه صحيحاً بلا خلاف على ما تلقاه من معاذ
وأما هذا الخبر فهو منكر فالحديث في صحيح البخاري يفيد بعث معاذ وأبي الأشعري فقط
الشبهة السابعة
واحتج السقاف في ص32 على إفادة خبر الآحاد للظن بقصة ذي اليدين المروية في صحيح (فتح 1 / 566) ومسلم (1 / 403 برقم 573) ولفظها عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ((صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَكْثَرُ ظَنِّي الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ فَقَالَ لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ قَالَ بَلَى قَدْ نَسِيتَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ ))
ووجه الدلالة أن النبي لم يقبل خبر الواحد إلا عندما انضم إليه جماعة
والجواب(1/76)
أن الحديث حجة على السقاف وذلك أنه قرر أن أخبار الآحاد التي تفيد الظن تصلح حجة في المسائل العملية فإنها تفيد العمل دون العلم
فلماذا لم يعمل النبي بخبر ذي اليدين ؟!
هذا الإشكال لم يستطع السقاف على جوابه ولو كنت أشعرياً ودهمني معتزلي بهذا الإشكال لما استطعت أن أجيبه
وأما نحن معاشر أهل السنة فمنهجنا متسق وعندنا جواب مقنع على هذا الإشكال
وهو أن النبي لم يرد خبر ذي اليدين لأنه واحد وإنما رده لتعارضه مع ظنه الغالب حيث قال لذي اليدين (( لم تقصر ولم أنسَ )) أي أنه قد استقر في نفسه أنه قد أتم الصلاة
فهنا تعارض خبران فلا بد من الترجيح
والخبر الصحيح الذي هو محل التنازع هو الخبر الصحيح السالم من العلة
أي أنه حتى لو كان له معارض فهو أرجح من معارضه
وهناك قرينة أخرى تشكك في رواية ذي اليدين
ألا وهي سكوت علية القوم كأبي بكر وعمر عن الإنكار
وتقدم ذي اليدين _ وهو دونهما في العلم والفضل _ للإنكار
الشبهة الثامنة
وزعم أن السقاف في صفحة 32 أن البخاري يرى أن من أخبار الآحاد الصحيح ما هو مقبول ومنه ما هو غير ذلك
بحجة أنه أورد خبر ذي اليدين في كتاب أخبار الآحاد من صحيحه والجواب على ذلك من وجوه
الأول أننا قد قدمنا أن خبر ذي اليدين إنما وقع في مسألة عملية والبخاري يعمل بخبر الآحاد في المسائل العملية ولا شك فقد اكتظ صحيحه بأخبار في كتب الأحكام سواءً كان ذلك في باب العبادات أو في باب المعاملات والسقاف يقر بهذا بل هو مذهبه
الثاني أننا قدمنا أن خبر ذي اليدين قد تعارض مع ما استقر في نفس النبي صلى الله عليه وسلم
فلا نسلم أن خبره من أخبار الآحاد التي يعمل بها دون توقف لوهلة للترجيح
ومن المستقر عند المحدثين أن خبر الراوي عند تعارضه مع خبر من هو في مثل حفظه أو أقوى منه فإنه يبحث له عن عاضد فإن لم يوجد حُكِم على حديثه بالإضطراب أو الشذوذ(1/77)
الثالث أن البخاري قد أثبت صفة الصوت بخبر آحادي كما قدمنا مما يدل على أنه يأخذ بأخبار الآحاد في مسائل الإعتقاد وذلك في كتابه خلق أفعال العباد
الرابع أن البخاري قد احتج بأخبار الآحاد في مسائل الإعتقاد حتى في صحيحه وإليك مثالاً واحداً يكفي المنصف والمتجرد للحق
قال البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه
باب: ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله.
وقال خُبَيب: وذلك في ذات الإله، فذكر الذات باسمه تعالى
حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزُهري: أخبرني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي، حليف لبني زهرة، وكان من أصحاب أبي هريرة: أن أبا هريرة قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة، منهم خُبَيب الأنصاري، فأخبرني عبيد الله بن عياض: أن ابنة الحارث أخبرته: أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحدُّ بها، فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه قال خُبَيب الأنصاري:
ولست أبالي حين أقْتَلُ مسلماً * على أي شِقٍّ كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ * يبارك على أوصال شِلْوٍ ممزَّع
فقتله بن الحارث، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم يوم أصيبوا . انتهى
فانظر رحمني الله وإياك كيف بهذا الخبر الآحادي في مسألة من مسائل الإعتقاد ولم يورد حديثاً غيره تحت هذا الباب فتأمل
الشبهة التاسعة
واحتج السقاف في ص32 على ظنية أخبار الآحاد بإنكار السيدة عائشة لحديث (( إن الميت ليعذب ببكاء أهله )) على عمر وابن عمر رضي الله عنهما والجواب على ذلك من وجوه ( انظر صحيح البخاري (فتح 3 / 151 - 152) ومسلم (2 / 638)
الأول أن السقاف قد قرر أن خبر الواحد يؤخذ به في فروع العقيدة _ وهذا منها _ فلماذا لم تأخذ السيدة عائشة بهذا الخبر ؟!!
وإلا فإن السقاف يعتقد أن النبي تعرض عليه أعمال الأمة ويحتج لذلك بخبر آحادي والمسألة عقدية ولكن السقاف يصنفها في _ فروع الإعتقاد_(1/78)
وكذلك يعتقد أن لله ملائكة سياحين يبلغون النبي عن أمته السلام ويحتج لذلك بخبر آحادي فما منع السيدة عائشة أن تؤمن كما آمن السقاف
لا يكاد السقاف يحتج بشيء في هذا الباب إلا وهو حجة عليه وهذا يدل على ضعفه في علم الأصول وبلادته
ثانياً أن السيدة عائشة حكمت بالوهم على رواية عمر لتعارضها مع ما روته ومع فهمها للقرآن فالرواية كما في الصحيح فلما أصيب عمر، دخل صهيب يبكي، يقول: وا أخاه، وا صاحباه، فقال عمر رضي الله عنه: يا صهيب، أتبكي علي، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما مات عمر رضي الله عنه، ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها، فقالت: رحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه). وقالت حسبكم القرآن: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}.
قلت فالسيدة عائشة أنكرت على عمر تنزيله لهذا الحديث على نفسه لعلمها بزيادة تفيد تقييد ذلك بالكافر والحكم للزيادة
والخلاصة أن الحديث خارج محل النزاع إذ اننا لا نخالف في أن خبر الآحاد المطلق إذا روي ما يقيده لم يجز العمل به على إطلاقه
ولو فرضنا أن رواية عائشة تتعارض مع رواية عمر فالحديث أيضاً خارج محل النزاع
فنحن إنما نتكلم عن الحديث الصحيح السالم من الشذوذ والعلة
وهذا معلول بالمخالفة
وقد روى البخاري من حديث عائشة أنها قالت إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكي عليها أهلها، فقال: (إنهم يبكون عليها، وإنها لتعذب في قبره).
قلت يبدو لي أنها أخذت التوجيه السابق من هذا الحديث
ونقض السقاف غزل نفسه بنفسه حين احتج بانكار السيدة عائشة لخبر بول النبي قائماً لأنها لم تره يفعل ذلك قط
والسؤال هنا هذه مسألة عملية فلماذا لم تأخذ السيدة بخبر الواحد(1/79)
أجاب السقاف بأن ذلك مخالف لليقيني عندها
فيقال هذا خارج محل النزاع فحتى أحاديث الفضائل والسير ترد إذا ورد ما يخالفها
واحتج أيضاً بإنكارها رضي الله عنها لرؤية النبي لربه في المعراج
وبحثي في هذه المسألة أفادني العديد من الفوائد
الأولى أن الإمام أحمد يأخذ بأخبار الآحاد في مسائل العقيدة
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3 / 151 - 152) (( وممن أثبت الرؤية لنبينا صلى الله عليه وسلم الإمام أحمد فروى الخلال في " كتاب السنة " عن المروزي قلت لأحمد إنهم يقولون إن عائشة قالت " من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية " فبأي شيء يدفع قولها؟ قال: بقول النبي صلى الله عليه وسلم رأيت ربي، قول النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من قولها ))
الثانية أن الحافظ ابن حجر قد نفى التعارض بين ما ورد عن ابن عباس وما ورد عن عائشة (( وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب ))
قلت وتقييد ابن عباس للرؤية بالقلب موجود في صحيح مسلم والسيدة عائشة إنما أنكرت الرواية المطلقة التي تنافي الآية عندها
وقد قدمنا مراراً وتكراراً أن الحديث المخالف لحديث أقوى منه فهو شاذ وهو خارج محل النزاع
ولكن ينبغي الجمع بين النصوص ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً
قال الإمام مسلم حدثني زهير بن حرب. حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن داود، عن الشعبي، عن مسروق؛ قال:(1/80)
كنت متكئا عند عائشة. فقالت: يا أبا عائشة! ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية. قلت: ما هن؟ قالت: من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. قال وكنت متكئا فجلست. فقلت: يا أم المؤمنين! أنظريني ولا تعجليني. ألم يقل الله عز وجل: {ولقد رآه بالأفق المبين} [81/التكوير/ الآية-23] {ولقد رآه نزلة أخرى} [53/النجم/ الآية-13] فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "إنما هو جبريل. لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين
قلت فالسبب في إنكار السيدة عائشة لتفسير ابن عباس سماعها لما يخالفه عن النبي
فالحديث خارج محل النزاع
وتابع السقاف الحافظ ابن حجر في قوله وروى ابن خزيمة بإسناد قوي عن أنس قال " رأى محمد ربه"
قلت وليس كذلك فالسند ضعيف فإن فيه عبد الرحمن بن عثمان البكراوي وهو ضعيف بل ذكر ابن عدي أن له غرائب عن شعبة وهذا من أحاديثه عن شعبة
والعجيب أن الحافظ ابن حجر قد حكم عليه بالضعف في التقريب
الشبهة العاشرة
قال السقاف في صفحة 36 (( أنكرت السيدة عائشة على أبي هريرة في حديث آخر أيضا : روى ابو داود الطيالسي في مسنده (ص 199) بسند صحيح على شرط مسلم عن علقمة قال كنا عند عائشة فدخل عليها أبو هريرة فقالت يا أبا هريرة أنت الذي تحدث أن امرأة عذبت في هرة لها ربطتها لم تطعمها ولم تسقها فقال أبو هريرة سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة : أتدري ما كانت المرأة ؟ ! قال : لا ، قالت : إن المرأة مع ما فعلت كانت كافرة ، إن المؤمن أكرم على الله من أن يعذبه في هرة ، فإذا حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فانظر كيف تحدث . وفي هذا الانكار بيان صريح بأن خبر الواحد يحتمل الخطأ فكيف يبنى عليه أصل الدين ؟))
قلت لي على كلامه مآخذ(1/81)
الأول أن سند أبي داود الطيالسي ليس على شرط مسلم فإن فيه صالح بن رستم لم يرو له مسلم إلا تعليقاً كما ذكر ذلك الألباني في تحذير الساجد
وقال محمود سعيد ممدوح الصوفي المحترق صديق السقاف في كتابه التعريف ( 5/12)
(( وأبو عامر الخزاز هو صالح بن رستم الزني البصري وهو مختلف فيه ، وقد استشهد به البخاري ومسلم في صحيحيهما وهو حسن الحديث ))
قلت مفهوم هذا أنهما لم يحتجا به
استفدت النقلين السابقين من كتاب (( براءة الذمة بنصرة السنة )) لعمرو عبد المنعم سليم صفحة 184 وصفحة 189
الثاني أنه ليس بصحيح بل حده الأقصى الحسن فقط لأن صالح بن رستم ضعفه جمع
قال عباس عن بن معين ضعيف
وقال إسحاق بن منصور عن يحيى لا شيء
قلت هذا جرح شديد
وقال الأثرم عن أحمد صالح الحديث
وقال العجلي جائز الحديث
قال بن أبي حاتم عن أبيه شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به
ووثقه أبو داود السجستاني وأبو داود الطيالسي وابن حبان و أبو بكر البزار ومحمد بن وضاح
وقال الدارقطني ليس بالقوي
وقال بن عدي عزيز الحديث وقال روى عنه يحيى القطان مع شدة استقصائه وهو عندي لا بأس به ولم أر حديثا منكرا جدا
قلت هذا لا ينفي وجود حديث منكر
وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالقوي عندهم
وقال الحافظ في التقريب (( صدوق كثير الخطأ ))
واختار الذهبي في ميزان الإعتدال قول الإمام أحمد فيه
قلت فإذا عرفت هذا عرفت أن تصحيح السقاف لحديثه وهذا يعني إطلاق القول بتوثيقه تساهل مفرط فيه
وليت أن السقاف يثبت على قدم
فتارة نجده يتساهل بشكل مفرط وأخرى نجده يتعنت
فقد حكم في كتابه تنقيح الفهوم العالية على هلال بن أبي ميونة بأنه صدوق على الرغم من أنه لم يضعفه أحد واحتج به أصحاب الصحاح ومالك في الموطأ ووثقه جمع وقال أبو حاتم (( شيخ ))
وقال النسائي (( لا بأس به )) فإذا كانت التعديلات المنخفضة من المتشددين كالنسائي وأبو حاتم(1/82)
تستحق أن تنزل من مرتبة الراوي المحتج به في الصحاح _ وهذا ما لا يقول به محدث على حد علمي_ فالجروح من باب أولى
فهل يستقيم حكمه على صالح بن رستم مع حكمه على هلال _ راوي حديث الجارية _ أم أنه التطفيف؟!!
الثالث لمَ لم تأخذ السيدة عائشة بخبر أبي هريرة في صاحبة الهرة على الرغم من أنه ليس في أصول الإعتقاد وقد أصل السقاف أن خبر الآحاد يؤخذ في الفضائل والأحكام وفروع الإعتقاد
وهكذا يسير السقاف متعثراً في احتجاجاته فلا يحتج بخبر هو حجة علينا وإنما يحتج بما هو حجة عليه إذا لم يأخذ بتوجيهنا
الرابع أن أبا هريرة لم يخطيء وإنما تفردت عنه السيدة عائشة بزيادة
وقد قلنا أن الحكم للزيادة في جميع الأخبار
الخامس على فرض وجود التعارض فإحدى الروايتين شاذة لمخالفتها للرواية الأقوى والشاذ خارج محل النزاع فالنزاع حول الحديث الصحيح السالم من الشذوذ والعلة
الشبهة الحادية عشر
قال السقاف في صفحة 37 (( قال الحافظ الذهبي في " تذكرة الحفاظ " (1 / 2) : " وكان - أبو بكر - أول من احتاط في قبول الاخبار ، فروى ابن شهاب عن قبيصة بن ذويب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث فقال : ما أجد لك في كتاب الله شيئا وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لك شيئا ، ثم سأل الناس فقام المغيرة فقال : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيها السدس ، فقال له : هل معك أحد ؟ ! فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه أبو بكر رضي الله عنه ))
ثم خرج الحديث بقوله (( رواه أحمد في المسند (4 / 225) وابن الجارود في المنتقى (959) وعبد الرزاق))
قلت الجواب عليه من وجوه
الأول أنه كان ينبغي على الصديق الأخذ برواية الواحد _ على مذهب السقاف _ لأن المسألة ليست من مسائل أصول الإعتقاد
الثاني أن الرواية مرسلة فقد نص الحافظ ابن حجر في التهذيب أن رواية قبيصة عن الصديق مرسلة
الثالث أنه ثبت عن عمر بن الخطاب أخذه الآحاد في مسائل الأموال(1/83)
قال الشافعي في الرسالة أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب كان يقول: الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً. حتى أخبره الضّحّاك بن سفيان أن رسول الله كتب إليه: أن يُوَرِّث امرأة أَشْيَمَ الضِّبَابيِّ من ديته، فرجع إليه عمر
قلت سنده صحيح والحديث رواه رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه
وقال الترمذي (( هذا حديث حسن صحيح ))
قلت واحتج به الشافعي في الأم والرسالة
فهل عمر بن الخطاب غير محتاط ؟!
الشبهة الثالثة عشر
وقال السقاف في صفحة 36 _37 (( وأنكرت السيدة عائشة أيضا على أبي هريرة رضي الله عنه في حديث آخر : روى أبو داود الطيالسي (ص 215) عن مكحول قيل لعائشة إن أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشؤم في ثلاث في الدار والمرأة والفرس " فقالت عائشة : لم يحفظ أبو هريرة لانه دخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قاتل الله اليهود يقولون إن الشؤم في ثلاث في الدار والمرأة والفرس سمع آخر الحديث ولم يسمع أوله . قلت : مكحول لم يسمع من السيدة عائشة كما في " الفتح " (6 / 61) إلا أن لهذا الاثر أو الحديث متابع قال الحافظ هناك : روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان : أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا : إن أبا هريرة قال : إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : " الطيرة في الفرس والمرأة والدار " فغضبت غضبا شديدا وقالت : ما قاله ! وإنما قال : " إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك " انتهى النقل
قلت والجواب عليه من وجوه
الأول لو صحت الرواية لكانت خارج محل النزاع لأن السيدة عائشة قد حفظت زيادة لم يحفظها أبو هريرة وربما لم يسمعها فعليه يكون الحكم للزيادة وقد قدمنا أن هذا عام في العقائد والأحكام والفضائل ولا يلزم من أخذ الزيادة طرح الرواية المزيد عليها وإنما تؤخذ مع الزيادة(1/84)
الثاني أن مذهب السقاف الأخذ بأخبار الآحاد في مسائل فروع الإعتقاد _ على تصنيفه _ فلماذا لم تأخذ السيدة عائشة بما رواه أبو هريرة
فإن قال لم تأخذ لأنها روت ما يخالفه _ وهذا ظاهر الرواية _ قلنا فعليه تكون رواية أبي هريرة شاذة والخلاف حول خبر الآحاد الصحيح فهذا خارج محل النواع
الشبهة الرابعة عشر
قال السقاف (( خبر الواحد يفيد الظن دون العلم عند سيدنا عمر رضي الله عنه أيضا : قال الحافظ الذهبي في ترجمة سيدنا عمر رضى الله عنه في تذكرة الحفاظ (1 / 6) ما نصه : " وهو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل وربما كان يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب ، فروى الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن أبا موسى سلم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات فلم يؤذن له فرجع فأرسل عمر في أثره فقال : لم رجعت ؟ ! قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يجب فليرجع " . قال : لتأتيني على ذلك ببينة أو لافعلن بك ، فجاءنا أبو موسى منتقعا لونه ونحن جلوس ، فقلنا : ما شأنك ؟ فأخبرنا وقال : فهل سمع أحد منكم ؟ فقلنا : نعم كلنا سمعه فأرسلوا معه رجلا منهم حتى أتى عمر فاخبره حب عمر أن يتأكد عنده خبر أبي موسى بقول صاحب آخر ، ففي هذا دليل على أن الخبر إذا رواه ثقتان كان أقوى وأرجح مما انفرد به واحد ، وفي ذلك حض على تكثير طرق الحديث لكي يرتقي عن درجة الظن إلى رجة العلم ، إذ الواحد يجوز عليه النسيان والوهم ولا يكاد يجوز ذلك على ثقتين لم يخالفهما أحد " اه* كلام الحافظ الذهبي . فالحافظ الذهبي أيضا ممن يقول أن خبر الواحد يفيد الظن وأن الخبر كلما إزداد رواته ارتقى إلى درجة العلم أكثر وقرب منها . 8) خبر الواحد ينبغي التثبت منه ولو كان راويه صحابياً ))
قلت الجواب عليه من وجوه(1/85)
الأول أن حديث أبي موسى الأشعري في الفضائل والفضائل يجوز فيها العمل بالظن الغالب إتفاقاً بل زعم الإتفاق على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال وهو دون الظن الغالب ولشيخ السقاف عبد الله الغماري رسالة في إثبات حجية الحديث الضعيف في فضائل الأعمال
فلماذا لم يأخذ عمر بخبر أبي موسى ؟
لا بد من قرينة وإلا لكان الحديثص حجة على السقاف وشيخه الغماري
الثاني هو أن عمر قد قبل خبر الإثنين وهو غير متواتر فيبقي خبره خارج محل النزاع بل حجة لنا
الثالث أنه ثبت عن عمر أخذه بخبر الواحد في مسائل الأموال وهي أخطر من الفضائل اتفاقاً وينبغي الإحتياط فيها أكثر من الفضائل
قال الشافعي في الرسالة أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب كان يقول: الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً. حتى أخبره الضّحّاك بن سفيان أن رسول الله كتب إليه: أن يُوَرِّث امرأة أَشْيَمَ الضِّبَابيِّ من ديته، فرجع إليه عمر
قلت سنده صحيح والحديث رواه رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه
وقال الترمذي (( هذا حديث حسن صحيح ))
قلت واحتج به الشافعي في الأم والرسالة
الرابع أن عمر إنما أنكر ذلك من الأشعري لأنه لم يسمعه من النبي مع كثرة جلوسه معه وورود المناسبة لذكره
فهذه هي القرينة
الخامس أن الذهبي قد قرر أن خبر الإثنين الثقات لا يكاد يجوز عليهم الخطأ _ إن لم يخالفا_ وهذا يعني أن خبرهما يفيد العلم
والذهبي يرى حجية أخبار الآحاد في مسائل الإعتقاد ولا أدل ذلك
من كتاب العلو
وكتاب العرش
وكتاب الأربعين في صفات رب العالمين
وكتاب إثبات صفة اليد
وغيرها من كتبه وهي مليئة بالإحتجاج بأخبار الآحاد
الشبهة الخامسة عشر(1/86)
قال السقاف في صفحة 39 (( ويفيد الظن عند الامام علي رضي الله عنه : روى الامام أحمد في المسند (1 / 10) بإسناد صحيح عن أسماء بن الحكم الفزاري قال : سمعت عليا قال : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله به بما شاء أن ينفعني منه ، وإذا حدثني غيري عنه استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، وحدئني أبو بكر وصدق أبو بكر قال : قال رسول الله : " ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الطهور ثم يصلي ركعتين فيستغفر الله تعالى إلا غفر الله له " ثم تلا : (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) الآيات آل عمران : 136 . أقول : لو كان خبر الواحد يفيد العلم ولا يفيد الظن لاكتفى سيدنا علي عليه السلام ورضي الله عنه بسماع خبر الواحد ولما استحلفه لانه باستحلافه يؤكد خبره ))
قلت الجواب عليه من وجوه
الأول أن نقول إلزاماً للسقاف لو كان خبر الآحاد حجة في الأحكام والفضائل لما استحلف علياً من يحدثه فالحديث حجة على السقاف لا له
الثاني أن علياً لم يفرق بين الأحكام والعقائد مما يدل على أن التعامل معهما واحد كما هو مذهبنا
فالحديث حجة لنا أيضاً وخصوصاً أن المثال الذي ذكره علي في فضائل الأعمال التي يرى الغماري أن الحديث الضعيف حجة فيها
الثالث أن هذا الفعل خاص بعلي ولم يرد عن أحد من السلف أنهم كانوا يستحلفون مما يدل على حجية خبر الواحد عندهم دون استحلاف وقد قدمنا أن أبا هريرة قد أخذ بخبر عائشة وأن عمر أخذ بخبر الضحاك بن سفيان
الرابع أن الحلف لا يجعل خبر الواحد يصبح خبر اثنين فهو خبر واحد بحلف أو غير حلف وخبر علي يدل على أن الرواي لو أقسم على سماعه لخبر في العقيدة وكان وحده وجب أخذه وهذا لم يقل به أحد ممن يرد أخبار الآحاد في العقيدة(1/87)
الخامس أن ذكر الإستحلاف في الحديث قد تفرد به أسماء بن الحكم وقد تفرد بتوثيقه العجلي واستنكر البخاري والعقيلي ذكر الإستحلاف في الحديث وهذا مما يوهن أمره
قال الحافظ ابن حجر في التهذيب في ترجمة أسماء هذا (( وقال البخاري لم يرو عنه إلا هذا الحديث وحديث آخر لم يتابع عليه وقد روى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وآله وسلم بعضهم عن بعص ولم يحلف بعضهم بعضاً ))
ثم ذكر أن المزي قد تعقب البخاري بذكر متابعات لأسماء بن الحكم
وأجاب الحافظ ابت حجر عن هذه المتابعات بقوله (( قلت والمتابعات التي ذكرها لا تشد هذا الحديث شيئاً لأنها ضعيفة جداً ))
وقال أيضاً (( وتبع العقيلي البخاري في إنكار الاستحلاف فقال قد سمع علي من عمر فلم يستحلفه))
وقال أيضاً (( قلت وجاءت عنه رواية عن المقداد وأخرى عن عمار ورواية عن فاطمة الزهراء رضي الله عنهم وليس في شيء من طرقه أنه استحلفهم وقال ابن حبان في الثقات يخطىء وأخرج له هذا الحديث في صحيحه وهذا عجيب لأنه إذا حكم بأنه يخطىء وجزم البخاري بأنه لم يرو غير حديثين يخرج من كلاهما أن أحد الحديثين خطأ ويلزم من تصحيحه أحدهما انحصار الخطأ في الثاني ))
قلت هذا يقضي بضعف السند لا صحته فالإستحلاف هو زيادة موصوف بالخطأ على من هو أوثق منه فعليه تكون زيادته من أخطائه
وأفاد الشيخ عمرو عبد المنعم في كتابه (( دفاعاً عن السلفية )) أن العقيلي ، فنقل في (( الضعفاء )) ( 1 / 107 ) كلام شيخه السابق _ البخاري _ ، ثم قال : (( وحدثني عبدالله بن الحسن ، وعن علي بن المديني ، قال : قد روى عثمان بن المغيرة أحاديث منكرة من حديث ابي عوانة))
كذا في الضعفاء ، والصواب : ( من حديث علي بن ربيعة ) كما في (( التهذيب ))
قلت هذا يقتضي ضعف رواية ابن المغيرة عن علي بن ربيعة وهذا الحديث من أحاديثه
لذا فإن تصحيح السقاف للسند تساهل مفرط ولو حسنه فقط لالتمسنا له العذر
الشبهة السادسة عشر(1/88)
قال السقاف في صفحة 40(( قال سيدنا الامام الشافعي رحمة الله عليه ورضوانه : " الاصل القرآن والسنة وقياس عليهما ، والاجماع أكبر من الحديث المنفرد " اه* رواه عنه : أبو نعيم في " الحلية " (9 / 105) وأبو حاتم في " آداب الشافعي " (231 و 233) والحافظ البيهقي في " مناقب الشافعي " (2 / 30)) انتهى النقل
قلت وهو صحيح
والجواب على احتجاج السقاف به من وجوه
الأول أن معارضة خبر الواحد للإجماع تجعله شاذاً لأن حجية الإجماع مستمدة من آيات صريحة وأحاديث صحيحة
فالمسألة في جوهرها تعارض بين الأدلة يقتضي الترجيح وقد قدمنا مراراً أن الشاذ خارج محل النزاع
الثاني أن السقاف قد بتر بقية نص الشافعي لأنه يخالف طريقته حيث أن الشافعي قال (( والحديث على ظاهره وإذا احتمل الحديث معاني فما أشبه ظاهره ))
قلت ما رأي السقاف أن نطبق هذا على أحاديث الصفات !!
الثالث أن هذا مما تتفق فيه أحاديث العقيدة والأحكام والفضائل
وقد قدمنا المطالبة بالدليل على التفريق بين أحاديث العقائد والأحكام من حيث القبول والرد
خصوصاً أن أحاديث الأحكام تتضمن عقيدة
وأن الظن الغالب أن قد سماه رب العالمين علماً وقد قال سبحانه (( ولا تقف ما ليس لك به علم ))
مما يدل على أن الظن الغالب علم وإلا لما قفاه السلف كما قدمنا والآية عامة في العقائد والأحكام بل و في الفضائل أيضاً
الرابع أن الشافعي قد عقد باباً في الرسالة لإثبات حجية خبر الواحد
قال الشافعي (( فقال لي قائل: احْدُدْ لي أقلَّ ما تقوم به الحجة على أهل العلم، حتى يَثْبَتَ عليهم خبرُ الخاصَّة.
فقلت: خبرُ الواحد عن الواحد حتى يُنْتَهَى به إلى النبي أو مَنْ انتهى به إليه دونه
ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يَجْمَعَ أُموراً:(1/89)
-منها أن يكون مَنْ حدَّثَ به ثِقَةً في دينه، معروفاً بالصِّدق في حديثه، عاقِلاَ لِمَا يُحَدِّثُ به، عالمِاً بما يُحيل مَعَانِيَ الحديث مِنَ اللفظ، وأن يكون ممن يُؤَدِّي الحديث بحروفه كما سَمِعَ، لا يحدث به على المعنى، لأنه إذا حدَّث على المعنى وهو غيرُ عالمٍ بما يُحِيلُ به معناه: لم يَدْرِ لَعَلَّهُ يُحِيل الحَلاَلَ إلى الحرام، وإذا أدَّاه بحروفه فلم يَبْقَ وجهٌ يُخاف فيه إحالتُهُ الحديثَ، حافظاً إن حدَّث به مِنْ حِفْظِه، حافظاً لكتابه إن حدَّث مِنْ كتابه. إذا شَرِكَ أهلَ الحفظ في حديث وافَقَ حديثَهم، بَرِيًّا مِنْ أنْ يكونَ مُدَلِّساً، يُحَدِّثُ عَن من لقي ما لم يسمعْ منه، ويحدِّثَ عن النبي ما يحدث الثقات خلافَه عن النبي.
ويكونُ هكذا مَنْ فوقَه ممَّن حدَّثه، حتى يُنْتَهَى بالحديث مَوْصُولاً إلى النبي أو إلى مَنْ انْتُهِيَ به إليه دونه، لأنَّ كلَّ واحد منهم مثْبِتٌ لمن حدَّثه، ومثبت على من حدَّث عنه، فلا يُسْتَغْنَى في كل واحد منهم عمَّا وصفْتُ ))
قلت فهذا خبر الواحد المحتج به عند الشافعي
ولاحظ أن الشافعي لم يفرق بين أحاديث العقيدة وأحاديث الأحكام
وقال الشافعي أيضاً ((فإن قال قائل: اذكر الحجة في تثبيت خبر الواحد بنصِّ خبر أو دلالةٍ فيه أو إجماعٍ.(1/90)
فقلت له أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي قال: "نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها، فرُبَّ حاملِ فقهٍ غيرِ فقيه ورُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاثٌ لا يَُغِلُّ عليهن قلبُ مسلم: إخلاصُ العمل لله، والنصيحةُ للمسلمين، ولزوم، جماعتهم، فإنّ دعوتهم تحيط من روائهم" فلما نَدَب رسول الله إلى استماع مقالته وحفظِها وأدائها امرأً يؤديها، والامْرُءُ واحدٌ: دلَّ على أنه لا يأمر أن يُؤدَّى عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه؛ لأنه إنما يُؤدَّى عنه حلال وحرام يُجتَنَب، وحدٌّ يُقام، ومالٌ يؤخذ ويعطى، ونصيحة في دينٍ ودنيا.
ودل على أنه قد َححمل الفقهَ غيرُ فقيه،يكون له حافظاً، ولا يكون فيه فقيهاً ))
قلت هذا استدلال رائق والحديث عام في العقائد والأحكام
والحمد لله معز الإسلام بنصره
الشبهة السادسة عشر
وقال السقاف في صفحة 40(( قال الحافظ ابن عبد البر في " التمهيد " (1 / 7) : " واختلف أصحابنا وغيرهم في خبر الواحد العدل هل يوجب العلم والعمل جميعا ، أم يوجب العمل دون العلم ؟ والذي عليه كثر أهل العلم منهم - أي المالكية - أنه يوجب العمل دون العلم ، وهو قول الشافعي وجمهور أهل الفقه والنظر ولا يوجب العلم عندهم إلا ما شهد به على الله وقطع العذر بمجيئه قطعا ولا خلاف فيه . وقال قوم من أهل الاثر وبعض أهل النظر إنه يوجب العلم الظاهر والعمل جميعا ، منهم الحسين الكرابيسي وغيره ، وذكر ابن خوازمنداد أن هذا القول يخرج على مذهب مالك ، قال أبو عمر - ابن عبد البر - : الذي نقول به إنه يوجب العمل دون العلم كشهادة الشاهدين والاربعة سواء وعلى ذلك أكثر أهل الفقه والاثر " انتهى كلامه
قلت لم ينتهي كلام ابن عبد البر ولكن السقاف بتره
وإليك بقية كلام ابن عبد البر لتعلم أي فاسق هو السقاف
(((1/91)
وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعا ودينا في معتقده، على ذلك جماعة أهل السنة، ولهم في الأحكام ما ذكرنا. وبالله توفيقنا ))
هذه بقية كلام ابن عبد البر التي بترها السقاف
والسقاف مع ضعفه في العلم ضعيف الديانة فاسق
ولتجلية موقف ابن عبد البر حول أخبار الآحاد أنقل هذا النص
قال ابن عبد البر في التمهيد(1: 8): "ليس في الاعتقاد كله في أسماء الله وصفاته إلا ما جاء منصوصا في كتاب الله أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أجمعت عليه الأمة. وما جاء في أخبار الآحاد في ذلك كله يسلم له ولا ينظر فيه"
ولشدة حنق السقاف على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يخالف البديهيات حيث أنه يقول في صفحة 39 (( فكيف بسند فيه خمسة رجال مثلا ، ليس جميعهم صحابة : ؟ ! ألا يفيد ذلك الظن ))
قلت بل يفيد العلم فلو كان فيهم اثنين عدول ضباط والبقية عدول فقط لأفاد العلم لأن اتفاقهم على الكذب مستحيل لأنهم عدول
واتفاقهم على الوهم مستحيل لأنهم ضباط اعتضدوا بخفيفي ضبط
وقد قدمنا نص الذهبي الذي نقله السقاف نفسه في أنه إذا اتفاق اثنين من الثقات على رواية فإنه يقرب من المستحيل وقوع وهم
الشبهة السابعة عشر
قال السقاف في صفحة 41 - 42 (( روى البخاري (فتح 6 / 612) ومسلم (2917) وأحمد في المسند (2 / 301) حديث : " يهلك أمتي هذا الحي من قريش قالوا ما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم " .
قال عبد الله بن الامام أحمد هناك في المسند عقب هذا الحديث مباشرة : " قال أبي في مرضه الذي مات فيه اضرب على هذا الحديث فإنه خلاف الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني قوله : " اسمعوا وأطيعوا واصبروا " . قلت : الاحاديث التي فيها " اسمعوا واطيعوا واصبروا " أفادت عند الامام أحمد القطع أو ما قارب العلم ، وحديث " لو أن الناس اعتزلوهم " ظني عارض الثابت فأسقطه الامام أحمد )) انتهى كلامه(1/92)
قلت وهذا خارج محل النزاع فالشاذ _ وهو الحديث المخالف للحديث الأصح منه _ ليس من أخبار الآحاد الصحيحة
وخلافنا حول أخبار الآحاد الصحيحة
وهذا الترجيح سيفعله أحمد في حديثين متخالفين في الأحكام _ فلا اختصاص لأحاديث الإعتقاد _
وهذه المسألة _ الخروج على الولاة _ لا أدري أين سيصنفها السقاف
ولكنها قطعاً ليست في أصول الإعتقاد وقد قدمنا أن أحمد قد أخذ بأخبار الآحاد في مسألة صفة الصوت ومسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المعراج وكلاهما من مسائل الإعتقاد
مما يدل حجية أخبار الآحاد _ الصحيحة _ عنده في مسائل الإعتقاد
وقد نقض السقاف غزله بقوله مباشرة بعد هذا الكلام (( ولو أفاد العلم أو غلب على ظنه أنه صح لاوله كما أول حديث مسلم : " تأتي البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان " فقال : " إنما هو الثواب " كما تقدم في نقل تأويلاته ولم يأمر بالضرب عليه ))
قلت هذا الخبر الذي ذكره السقاف آحادي فلماذا تأوله أحمد _ على زعم السقاف _ ولم يضرب عليه
لأنه خبر آحادي
وتأمل معي قول السقاف (( أو غلب على ظنه ))
هذه قاصمة الظهر له لأن الأحاديث الصحيحة التي لم تحتف بها القرائن تفيد الظن الغالب
فإذا كان الظن الغالب حجة في الإعتقاد عند أحمد
فمذهب السقاف غير مذهب أحمد
وهذا هو المطلوب إثباته في هذا المقام
وانظر رحمني وإياك كيف جوز السقاف أن يفيد هذا الخبر الآحادي العلم عند أحمد
مما من شأنه أن ينسف كل من بناه لتأييد زعمه في أن أخبار الآحاد كلها تفيد الظن
ومن المضحكات المبكيات قول السقاف في صفحة 42 (( أحاديث الصحيحين لا تفيد إلا الظن عند أحمد ويمكن الضرب على بعضها إذا تبين فيها خلل كما فعل هو في مسنده المتواتر عنه ))
قلت المسند الموجود بين أيدينا لم يتواتر عن أحمد بل تفرد بروايته ابنه عبد الله عنه
الشبهة الثامنة عشر(1/93)
وقال السقاف في ص43 (( قال الامام الحافظ النووي في " شرح مسلم " (1 / 131) : " وأما خبر الواحد فهو ما لم يوجد فيه شروط المتواتر سواء كان الراوي له واحدا أو أكثر ، واختلف في حكمه فالذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الاصول أن خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع يلزم العمل بها ويفيد الظن ولا يفيد العلم ))
قلت يقابل ما ذكره النووي الإجماع الذي نقله الإسفراييني كما في النكت على ابن الصلاح (1/377) (( أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها مقطوع بها عن صاحب الشرع ))
وقال أبو المظفر السمعاني (( إن الخبر إذا صح عن النبي ورواه الأئمة الثقات وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقته الأمة بالقبول فإنه يوجب العلم ))
ومما يدل على أن السلف لم يكونوا يفرقون بين خبر آحادي ومتواتر في مسائل الإعتقاد
ما نقله وقال الوليد بن مسلم : "سألت الأوزاعي ، ومالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، والليث بن سعد ، عن هذه الأحاديث التي فيها الصفة؟ فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف"(1/94)
قال محمد بن خليفة التميمي في تحقيقه على كتاب العرش (( أخرجه أبو بكر الخلال في السنة (1/259، برقم313). وأخرجه الآجري في الشريعة (3/1146، رقم720). وأخرجه الدارقطني في الصفات (ص44، برقم67). وأخرجه ابن بطة في الإبانة (تتمة كتاب الرد على الجهمية)، (3/241-242، برقم183). وأخرجه ابن مندة في التوحيد (3/307، برقم894). وأخرجه اللالكائي في السنة (930). والصابوني في عقيدة السلف (ص70، برقم90). وأورده أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/47، برقم16). وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/377)، وفي الإعتقاد (ص118)، وسننه (3/2). وابن عبد البر في التمهيد (7/149، 158). وأورده الذهبي في العلو (ص104، و105)، بسنده من طريق الدارقطني، وأورده في سير أعلام النبلاء (8/105)، وأورده في الأربعين في صفات رب العالمين (ص82، برقم82). وقال قبله: "صح عن الوليد"، وعلق بعده بقوله: "قلت: مالك في وقته إمام أهل المدينة، والثوري إمام أهل الكوفة، والأوزاعي إمام أهل دمشق، والليث إمام أهل مصر، وهم من كبار أتباع التابعين". وأورده السيوطي في الأمر بالإتباع والنهي عن الإبتداع (ص206، برقم326 ))
ووجه الدلالة أنهم لم يفرقوا بين أخبار الآحاد و الأخبار المتواترة في التعامل
قال الذهبي في كتاب العرش وهو يتحدث عن خبر مجاهد في المقام المحمود (( وممن أفتى المروزي بأن الخبر يسلم كما جاء و لا يعارض: أبو داود صاحب السنن ، وعبد الله بن الإمام أحمد ، وإبراهيم الحربي ، ويحيى بن أبي طالب وأبو جعفر الدقيقي ، ومحمد بن إسماعيل السلمي الترمذي ، وعباس بن محمد الدوري ، ومحمد بن بشر بن شريك بن عبد الله النخعي ))
قلت كل هؤلاء أخذوا بخبر آحادي في مسالة إعتقادية
فإما أنهم يعتقدون أن الظن كافي في مسائل الإعتقاد
أو أنهم يرون أنها تفيد العلم
وعلى الحالتين هم يخالفون السقاف
ولم يذكر أن أحداً من أهل السنة اعترض على الخبر بأنه آحادي(1/95)
ولنقف وقفة مع قول النووي (( واختلف في حكمه فالذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الاصول أن خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع يلزم العمل بها ويفيد الظن ))
أين قال الصحابة أن خبر الآحاد يفيد الظن ويلزم العمل دون العلم ؟!!
وكل الأدلة التي احتج بها القوم في تزوير مذهب الصحابة في المسألة ليست بحجة كما فصلناه سابقاً
بل لو أردنا أن نسلك مسلكم في الإستلال باطراد ودون تحكم لعاد بنا الأمر إلى مذهب المعتزلة _ المنقوض بالكتاب والسنة وآثار الصحابة
والنووي نفسه نقض هذا حيث قال قال في شرحه على صحيح مسلم عند شرحه لحديث بعث معاذ إلى اليمن (1/197) (( وفي هذا الحديث: قبول خبر الواحد ووجوب العمل به.
وفيه: أنَّ الوتر ليس بواجب، لأنَّ بعث معاذ إلى اليمن كان قبل وفاة النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بقليل بعد الأمر بالوتر والعمل به.
وفيه: أنَّ السُّنَّة أنَّ الكفار يدعون إلى التَّوحيد قبل القتال ))
فانظر كيف جعل حديث معاذ دليل على وجوب العمل بخبر الواحد
مع إقراره أن معاذاً كان يدعو كفاراً _ أي أنه سيعلمهم أصول الدين كما سيعلمهم فروعه _
وها هو ابن عباس يأخذ بخبر آحادي في مسألة غيبية _ وإن شئت قل اعتقادية _
وهي أن موسى صاحب الخضر هو عينه موسى بني إسرائيل
روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن سعيد بن جبير أنه قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى ليس بموسى بني إسرائيل، إنما هو موسى آخر؟ فقال: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث وفيه قول الخضر لموسى موسى بني إسرائيل؟ قال موسى: نعم
وهذا ثابت البناني وهو من أفاضل التابعين يجزم بنسبة الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم بخبر أنس فقط
قال أحمد حدثنا أبو المثنى معاذ بن معاذ العنبري قال حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك:(1/96)
-عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل قال قال هكذا يعني أنه أخرج طرف الخنصر قال أبى أرانا معاذ قال فقال له حميد الطويل ما تريد إلى هذا يا أبا محمد قال فضرب صدره ضربة شديدة وقال من أنت يا حميد وما أنت يا حميد يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم فتقول أنت ما تريد إليه ))
فانظر كيف أخذ الأثر عن أنس واستحل بموجبه الإشارة الحسية الدالة على حقيقة الصفة على وجه يليق بالله ولا يشبه الخلق
ومثله ما رواه أبو داود 4728 حدثنا عليّ بن نصر، ومحمد بن يونس النسائي، المعنى قالا: أخبرنا عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا حرملة -يعني: ابن عمران- حدثني أبو يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة قال:
سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} إلى قوله تعالى: {سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء: 58].
قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه.
قال أبو هريرة: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرؤها ويضع إصبعيه.
قال ابن يونس: قال المقري: يعني: إن الله سميعٌ بصير -يعني: أن للّه سمعاً وبصراً-.
قال أبو داود: وهذا ردّ على الجهمية
قلت واحتجاج أبو داود به يدل على تصحيحه له
فانظر كيف احتج به أبو داود على الجهمية وهو خبر آحادي
فأين هم هؤلاء الجمهور المزعوم الذين يرون أن أخبار الآحاد تفيد الظن وتفيد العمل دون العلم ؟!
هذه هي عادة المتكلمين ومن يتابعهم يختارون المذاهب الشاذة ثم يلصقونها بالسلف
علماً بأن احتجاج السلف بهذه الأخبار في العقيدة لا يدل بالضرورة على القول بأن أخبار الآحاد تفيد العلم لأنهم قد يرون أنها تفيد الظن الغالب وتصلح في العقيدة
ولكن احتجاجهم لا يدل بالضرورة أيضاً على أنهم يقولون بظنيتها
الشبهة الثامنة عشر(1/97)
قال السقاف في صفحة 43 _44 (( الحافظ ابن حجر العسقلاني يرى أيضا أن حديث الآحاد يفيد الظن ولا يفيد العلم وكذلك علي القاري في شرح النخبة : قال الحافظ ابن حجر الشافعي في شرح نخبة الفكر وعلي القاري الحنفي في شرحه عليها ص (37) ما نصه وما بين الاقواس وبالاسود الواضح كلام الحافظ ابن حجر : ((وفيها أي في الآحاد) أي في جملتها خاصة . . . (المقبول وهو ما يوجب العمل به عند الجمهور) احتراز عن المعتزلة فإنهم أنكروا وجوب العمل بالآحاد بدليل ما نقل عنهم من استدلال بخبر الواحد (وفيها) أي أحاديث الآحاد (المردود وهو الذي لم يرجح صدق المخبر به لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها دون الاول) أي القسم الاول وهو المتواتر (فكله) ضميره راجع إلى المتواتر (مقبول) أي قبولا قطعيا لا ظنيا (لافادته) أي الخبر المتواتر (القطع بصدق مخبره بخلاف غيره من أخبار الآحاد)) اه* من شرح القاري على شرح النخبة لابن حجر ، وانظر نزهة النظر شرح النخبة للحافظ أيضا ص (25 – 26) ))
قلت هذا كلام السقاف نقلته بحروفه ليعلم العقلاء أي مدلس هذا الرجل فالحافظ ابن حجر يرى أن خبر الآحاد إذا احتفت به القرائن أفاد العلم النظري
قال الحافظ في النزهة ((وقد يَقعُ فيها ؛ أي: في أَخْبارِ الآحادِ المُنْقَسِمَة إِلى مَشْهورٍ وعَزيزٍ وغَريبٍ ؛ مَا يُفيدُ العِلْمَ النَّظريَّ بالقَرائِنِ ؛ عَلى المُختارِ ؛ خِلافاً لِمَنْ أَبى ذلك .
والخِلافُ في التَّحْقيقِ لَفْظيٌّ ؛ لأنَّ مَنْ جَوَّزَ إِطلاقَ العِلْمِ قَيَّدَهُ بِكونِهِ نَظَريّاً ، وهُو الحاصِلُ عن الاسْتِدلالِ ، ومَنْ أَبى الإِطلاقَ ؛ خَصَّ لَفْظ العِلْمِ بالمُتواتِرِ ، وما عَداهُ عِنْدَهُ كُلُّهُ ظَنِّيٌّ ، لكنَّهُ لا يَنْفِي أَنَّ ما احْتفَّ بالقرائِنِ أَرْجَحُ ممَّا خَلا عَنها .
والخَبَرُ المُحْتَفُّ بالقَرائِن أنواعٌ :(1/98)
•مِنْها مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخانِ في صَحيحَيْهِما ممَّا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ المتواتِرِ ، فإِنَّهُ احْتُفَّتْ بِهِ قرائِنُ ؛ منها :
جَلالتُهُما في هذا الشَّأْنِ .
وتَقَدُّمُهُما في تَمْييزِ الصَّحيحِ على غيرِهما .
وتَلَقِّي العُلماءِ كِتابَيْهِما بالقَبُولِ ، وهذا التَّلقِّي وحدَهُ أَقوى في إِفادةِ العلمِ مِن مُجَرَّدِ كَثْرَةِ الطُّرُقِ القاصرةِ عَنِ التَّواتُرِ .
إِلاَّ أَنَّ هذا مُخْتَصٌّ بِمَا لَمْ يَنْقُدْهُ أَحدٌ مِنَ الحُفَّاظِ مِمَّا في الكِتابينِ ، وبِما لَمْ يَقَعِ التَّجاذُبُ بينَ مَدْلولَيْهِ مِمَّا وَقَعَ في الكِتابينِ ، حيثُ لا تَرْجيحَ لاستِحالَةِ أَنْ يُفيدَ المُتناقِضانِ العِلْمَ بصِدْقِهِما من غيرِ ترجيحٍ لأحدِهِما على الآخرِ .
وما عَدا ذلك ؛ فالإِجماعُ حاصِلٌ على تَسْليمِ صِحَّتِهِ .
فإِنْ قِيلَ : إِنَّما اتَّفَقوا على وُجوبِ العَمَلِ بِهِ لا عَلى صِحَّتِهِ ؛ مَنَعْنَاهُ .
وسَنَدُ المَنْعِ أَنَّهُمْ مُتَّفِقونَ عَلى وُجوبِ العَمَلِ بِكُلِّ مَا صَحَّ ولوْ لَمْ يُخْرِجْهُ الشَّيْخانِ ، فلمْ يَبْقَ للصَّحيحينِ في هذا مَزيَّةٌ ، والإِجماعُ حاصِلٌ على أَنَّ لهُما مَزِيَّةً فيما يَرْجِعُ إِلى نَفْسِ الصِّحَّةِ .
ومِمَّن صَرَّحَ بإِفادَةِ مَا خَرَّجَهُ الشَّيْخانِ العِلْمَ النَّظَرِيَّ : الأسْتاذُ أَبو إِسْحاقَ الإِسْفَرايِينِيُّ ، ومِن أَئِمَّةِ الحَديثِ أَبو عبدِ اللهِ الحُمَيْدِيُّ ، وأَبو الفَضْلِ بنُ طاهِرٍ وغيرُهُما .
ويُحْتَمَلُ أَنْ يُقالَ : المَزِيَّةُ المَذْكُورَةُ كَوْنُ أَحادِيثِهِما أَصَحَّ الصَّحيحِ .
•ومِنها : (( المَشْهورُ )) إِذا كانَتْ لهُ طُرُقٌ مُتبايِنَةٌ سالِمَةٌ مِنْ ضَعْفِ الرُّواةِ ، والعِلَلِ .
وممَّن صَرَّحَ بإِفادَتِهِ العِلْمَ النَّظَرِيَّ الأسْتاذُ أَبو مَنْصورٍ البَغْدادِيُّ ، والأسْتاذُ أَبو بَكْرِ بنُ فُورَكٍ وغيرُهُما .(1/99)
•ومِنها : (( المُسَلْسَلُ بالأئمَّةِ الحُفَّاظِ المُتْقِنينَ ، حيثُ لا يكونُ غَريباً ؛ كالحَديثِ الَّذي يَرْويهِ أَحمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مَثلاً ويُشارِكُهُ فيهِ غَيْرُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ ، ويُشارِكُهُ فيهِ غيرُهُ عنْ مالِكِ بنِ أَنسٍ ؛ فإِنَّهُ يُفيدُ العِلْمَ عندَ سَامِعِهِ بالاستِدْلالِ مِن جِهَةِ جَلالَةِ رُواتِهِ ، وأَنَّ فيهِمْ مِنَ الصِّفاتِ اللاَّئِقَةِ المُوجِبَةِ للقَبولِ مَا يقومُ مَقامَ العَدَدِ الكَثيرِ مِنْ غَيْرِهِم .
ولا يَتَشَكَّكُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُمارَسَةٍ بالعِلْمِ وأَخْبارِ النَّاسِ أَنَّ مالِكاً مَثلاً لو شافَهَهُ بخَبَرٍ أَنَّهُ صادِقٌ فيهِ ، فإِذا انْضافَ إِليهِ مَنْ هُو في تِلْكَ الدَّرَجَةِ ؛ ازْدَادَ قُوَّةً ، وبَعُدَ عَمَّا يُخْشَى عليهِ مِنَ السَّهْوِ .
وهذهِ الأنْواعُ الَّتي ذكَرْناها لا يَحْصُلُ العلمُ بصِدْقِ الخَبرِ منها إِلاَّ للعالِمِ بالحَديثِ ، المُتَبَحِّرِ فيهِ ، العارِفِ بأَحوالِ الرُّواةِ ، المُطَّلِعِ عَلى العِلَلِ
وكَوْنُ غيرِهِ لا يَحْصُلُ لهُ العِلْمُ بصِدْقِ ذلك لِقُصورِهِ عن الأوْصافِ المَذكورَةِ لا يَنْفي حُصولَ العِلْمِ للمُتَبَحِّرِ المَذْكورِ ، واللهُ أَعلمُ .
ومُحَصّلُ الأنْواعِ الثَّلاَثَةِ الَّتي ذَكَرْناها :
أنَّ الأوَّلَ : يَخْتَصُّ بالصَّحيحينِ .
والثاني : بِما لَهُ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ .
والثَّالِثُ : بِما رواهُ الأئمَّةُ .
ويمكِنُ اجْتماعُ الثَّلاثةِ في حَديثٍ واحِدٍ ، فلا يَبْعُدُ حينئذٍ القَطْعُ بصِدْقِهِ ، واللهُ أَعْلمُ ))
هذا كلام الحافظ في النزهة التي اطلع عليها السقاف ولا شك فهو يعزو إليها
نعوذ بالله من قلة الحياء وقلة الدين
الشبهة التاسعة عشر(1/100)
قال السقاف في صفحة 44-45 (( اعتراف ابن تيمية الحراني في " منهاج سنته " ان خبر الآحاد لا يبنى عليه أصل الاعتقاد : لقد اعترف الشيخ ! ! الحراني ! ! في " منهاج سنته " (2 / 133) بذلك فقال : " الثاني : أن هذا من أخبار الآحاد فكيف يثبت به أصل الدين الذي لا يصح الايمان إلا به ؟ ))
قلت هذا من البراهين الواضحة على بلادة السقاف _ أو هواه وقد يجتمعان - فهو لا يفرق بين ما قيل على سبيل الإلزام وما قيل على سبيل التقرير
فابن تيمية إنما يلزم الرافضي بما ذهب إليه من ان أخبار الآحاد لا تصلح في العقيدة وإلا فابن تيمية مذهبه معروف في أخبار الآحاد واقرأ إن شئت الفتوى الحموية أو العقيدة الواسطية ومناظرته عليها وسترى إحتجاجه بأخبار الآحاد في مسائل العقيدة
وإليك نص كلام ابن تيمية كاملاً
قال شيخ الإسلام (( وقوله روى ان الجوزي بإسناده إلى ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في اخر الزمان رجل من ولدي إسمه كاسمي وكنيته كنيتب يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا فذلك هو المهدي
فيقال الجواب من وجوه
أحدها أنكم لا تحتجون بأحاديث أهل السنة فمثل هذا الحديث لا يفيدكم فائدة وإن قلتم هو حجة على أهل السنة فنذكر كلامهم فيه
الثاني إن هذا من أخبار الاحاد فكيف يثبت به أصل الدين الذي لا يصح الإيمان إلا به ))
ثم إن ابن تيمية لا يقر التقسيم المحدث لمسائل الإعتقاد إلى أصول إعتقاد وفروع اعتقاد
فهذا التقسيم لم أرَ أحداً يقسمه قبل السقاف وهو تقسيم ساقط فيه خرق للإجماع
والسبب في هذا التقسيم أن السقاف يعتقد بعض العقائد التي لم تأتِ إلا بطريق الآحاد كعقيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم تعرض عليه أعمال أمته
وأن ملائكة سياحين يبلغونه عن أمته السلام
فقسم هذا التقسيم ليسلم من التناقض وأنى له(1/101)
وقد نقل السقاف قول الامام الاستاذ أبو منصور عبد القاهر البغدادي المتوفى (429) في كتابه " أصول الدين " ص (12) ما نصه : " وأخبار الآحاد متى صح اسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل كانت موجبة للعمل بها دون العلم " محتجاً به وهو حجة عليه
إذ أنه قرر أن أخبار الآحاد تفيد العمل دون العلم
والمسائل الإعتقادية الفرعية -على تقسيم السقاف_ علمية صرفة
فهي تجتمع مع المسائل الإعتقادية الأصلية في العلة التي من أجلها نزل السقاف كلام العلماء في تقسيم أخبار الآحاد على أخبار أصول الإعتقاد
الشبهة التاسعة عشر
قال السقاف في حاشية صفحة 45 (( واما ما يستدل به بعض المبتدئين والسطحيين في التفكير الذين لا غور لهم في فهم أدلة الشرع
على حجية خبر الواحد في العقائد بقوله تعالى (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل
فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) فلا
علاقة لها بموضوعنا هذا . وذلك لان هذه الطائفة مؤمنة بنص الآية وقد حصل لديها وللفرقة
التي نفرت منها الايمان بأصول الدين والعقائد قبل ذلك . والمطلوب منها هو التفقه في دقائق
الشرع ليعرفوا فرقتهم بالاحكام التفصيلية التي لا يشترط فيها التواتر بل يكفي فيها خبر
الواحد ، فإذا علم ذلك فلا ضير في اعتبار الطائفة واحدا أو أكثر ، على أننا لا نسلم البتة بأن
الطائفة هي واحد ، وقوله في الآية (لينذروا) دليل واضح على أنهم جماعة ))
قلت لو كان السقاف جاهلاً فقط لهان الأمر
ولكنه مع جهله بليد أو صاحب هوى
ومع هذا كله طويل اللسان وكذاب فاسق
وأما الجواب على توجيهه الركيك
فهو أننا نسلم أنالفرقة مؤمنة كما دل عليه ظاهر الآية
ولكن هل الصحابة الذين نزلت فيهم الآية تعلموا جميع العقائد في الأسماء والصفات والقدر والإيمان والغيبيات دفعةً واحدة ؟
قطعاً لا
إذاً فالعقائد التي تتعلمها الطائفة المؤمنة داخلة في عموم الآية(1/102)
ثم إن هذه الفرقة عندها علم بالأحكام فالآية في أحكام الجهاد والجهاد فرض بعد العديد من الأحكام ومع معرفتهم هذه فهم محتاجون إلى معرفة الأحكام الجديدة
فكما أن الأحكام ليست حكماً واحداً
فالعقائد أيضاً ليست عقيدة واحدة
فإن قال السقاف هذه هي فروع الإعتقاد لا الأصول
قلنا هذا تقسيم حادث لم تأتِ عليه بدليلٍ من كتاب أو سنة
بل لم تأتِ بسلفٍ لك من العلماء المعتبرين
وأما قوله أن (( وقوله في الآية (لينذروا) دليل واضح على أنهم جماعة ))
قلنا وهل كل جماعة تفيد التواتر ؟
قطعاً لا لأن العزيز والمشهور والمشهور المسفيض يعد من أخبار الآحاد مع كونه من رواية جماعة
وجاء في لسان العرب في مادة طوف (( قال مجاهد: الطائفةُ الرجل الواحد إلى الأَلف، وقيل: الرجل الواحد فما فوقه، وروي عنه أَيضاً أَنه قال: أَقَلُّه رجل، وقال عطاء: أَقله رجلان ))
قلت الآية عامة في حجية خبر الطائفة فتشمل حتى الإثنين
وفي توجيه السقاف للآية السابقة تحكم واضح
إذ أنه حصر الإيمان في مسائل العقيدة
حيث اعتبر وصفه تعالى للفرقة المذكورة بالإيمان دليل على إيمانهم بأصول الدين
وهذا مسلم ولكن الإيمان قول وعمل واعتقاد
فالأعمال داخلة في مسمى الإيمان
قال تعالى في صلاة المؤمنين إلى بيت المقدس (( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ))
فعليه يكون وصفهم بالإيمان يدل على عملهم بالأحكام _ والآية عامة في جميع المؤمنين قوي الإيمان وضعيف الإيمان _
فإذا أصر السقاف على أنهم لا يحتاجون إلى تعلم أصول الدين
لزمه أيضاً أن يقول أنهم لا يحتاجون إلى تعلم الأحكام العملية
أو أن يقر بأن العقائد متعددة كما أن الأحكام متعددة
وبالتالي يلزمه القول بأن تعلمهم لبعض العقائد لا يعني أنهم مستغنون عن تعلم بقيتها كما هو الحال في الأحكام
ومما يدل على أن الآية عامة في العقائد والأحكام بأن قوله تعالى (( ليتفقهوا في الدين))
والدين يشمل العقائد والأحكام
الشبهة العشرون(1/103)
قال السقاف في صفحة 55 (( وقد أطال الحافظ ابن حجر في " النكت على ابن الصلاح " محاولا إثبات ذلك ، ولكنه لم يقنع ولم يأت هنالك بجديد أو دليل يبت ويقطع في المسألة والادلة التي سقناها تنفي ذلك ، ثم رجع واستثنى الاحاديث المنتقدة ولا طائل وراء ذلك وكلامه في باقي كتبه المحررة يفيد خلاف ذلك))
قلت الجواب عليه من وجوه
الأول فليأتنا السقاف بواحد من هذه الكتب المحررة وقد قدمنا كلام في النزهة واحتجاج البخاري بخبر آحادي في مسألة عقدية وقد أقره الحافظ في الفتح فتأمل
الثاني حجة الحافظ على إفادة أخبار الآحاد في الصحيحين اليقين أنها قد انعقد الإجماع عليها واجتماع الأمة المعصومة من الخطأ على أن الراوي لم يخطيء ولم يهم يجعلنا نجزم بصحة حديثه _ وأشك في أن السقاف فهم هذه الحجة _ واستثنى الحافظ الأحاديث التي انتقدها الأئمة الحفاظ لعدم انطباق هذه العلة عليها
واعلم أن جميع الأحاديث التي أوردها السقاف لتعقب الحافظ كلها مما استثناه الحافظ !!!
وهي حديث خلق التربة يوم السبت وهو صحيح مسلم وقد انتقده البخاري وابن المديني
انظر هذا كله في صفحة 50 -51 من مقدمة السقاف
وحديث فضائل أبي سفيان في صحيح مسلم وقد انتقده ابن حزم وابن الجوزي والذهبي كما ذكر السقاف نفسه
في صفحة 52 -53
والحديث الثالث حديث أنس في القراءة في صحيح البخاري وقد قال السقاف في صحة 54 أن جميع الحفاظ قد مثلوا للحديث المعلول في كتب المصطلح بحديث أنس هذا ف
و حديث (( من مات وعليه صوم ، صام عنه وليه )) الذي استنكره أحمد كما ذكر السقاف في صفحة 54(1/104)
فقد جعل السقاف هذا كله حجةً على ابن حجر حيث قال في صفحة 55 (( وأما المسألة الثانية وهي : أن الحديث الصحيح سواء كان في الصحيحين أو في غيرهما لا يفيد إلا الظن . فجميع ما قدمناه ودللنا عليه مع الامثلة العملية الواقعية يثبت ذلك بلا شك ، وما ذهب إليه بعضهم من أن أحاديث الصحيحين تفيد العلم قول ضعيف لا يؤيده الواقع البتة ، وقد أطال الحافظ ابن حجر في " النكت على ابن الصلاح " محاولا إثبات ذلك ، ولكنه لم يقنع ولم يأت هنالك بجديد أو دليل يبت ويقطع في المسألة والادلة التي سقناها تنفي ذلك ، ثم رجع واستثنى الاحاديث المنتقدة ولا طائل وراء ذلك ))
فانظر رحمني وإياك إلى هذا البليد كيف يحتج على ابطال القاعدة التي ذكرها الحافظ بإيرادات ما استثناه الحافظ من هذه القاعدة وهذا من أعجب ما وقفت عليه من الإستدلالات
وإليك كلام الحافظ ابن حجر في النكت
قال الحافظ (( وقال النووي : خالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون . فقالوا : يفيد الظن ما لم يتواتر ، وقال في شرح مسلم : لا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه من كلام النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
[ رد الحافظ على النووي وابن عبد السلام : ]
أقول : أقر شيخنا هذا من كلام النووي ، وفيه نظر وذلك أن ابن الصلاح لم يقل : إن الأمة أجمعت على العمل ( بما فيهما ) ، وكيف يسوغ له أن يطلق ذلك والأمة لم تجمع على العمل بما فيهما لا من حيث الجملة ولا من حيث التفضيل ، لأن فيهما أحاديث ترك العمل بما دلت عليه لوجود معارض من ناسخ أو مخصص .
وإنما نقل ابن الصلاح أن الأمة أجمعت على تلقيهما بالقبول من حيث الصحة ويؤيد ذلك أنه قال في شرح مسلم ـ ما صورته :
(( ما اتفقا عليه مقطوع بصدقه لتلقي الأمة له بالقبول وذلك يفيد العلم النظري وهو في إفادة العلم كالمتواتر إلا أن المتواتر يفيد العلم الضروري وتلقي الأمة بالقبول يفيد العلم النظري )) .(1/105)
ثم حكى عن إمام الحرمين مقالته المشهورة أنه لو اختلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في (( كتاب البخاري ومسلم )) مما حكا بصحته من قول النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لما ألزمته الطلاق ولا حنثته لإجماع علماء المسلمين على صحتهما .
فهذا يؤيد ما قلنا أنه ما أراد أنهم اتفقوا على العمل وإنما اتفقوا على الصحة . وحينئذ فلا بد لاتفاقهم من مزية ، لأن اتفاقهم على تلقي خبر غير ما في الصحيحين بالقبول ، ولو كان سنده ضعيفاً يوجب العمل بمدلوله . فاتفاقهم على تلقي ما صح سنده ماذا يفيد ؟
فأما متى قلنا يوجب العمل فقط لزم تساوي الضعيف والصحيح فلا بد للصحيح من مزية . وقد وجدت فيما حكاه إمام الحرمين في البرهان عن الأستاذ أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك ما يصرح بهذا التفضيل الذي أشرت إليه فإنه قال في الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول مقطوع بصحته .
ثم فصل ذلك فقال : إن اتفقوا على العمل به لم يقطع بصدقه وحمل الأمر على اعتقادهم وجوب العمل بخبر الواحد .
وإن تلقوه بالقبول قولاً وفعلاً حكم بصدقه قطعاً . وحكى أبو نصر القشيري عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه بيم في (( كتاب التقريب )) أن الأمة إذا اجتمعت أو أجمع أقوام لا يجوز عليهم التواطؤ على الكذب من غير أن يظهر منهم ذلك التواطؤ على أن الخبر صدق ـ كان ذلك دليلاً على الصدق . قال أبو نصر وحكى إمام الحرمين عن القاضي أن تلقي الأمة لا يقتضي القطع بالصدق .
ولعل هذا فيما أذا تلقته بالقبول ، ولكن يحصل على تصديق الخبر فهذا وجه الجمع بين كلامي القاضي . وجزم القاضي أبو نصر عبد الوهاب المالكي في (( كتاب الملخص )) بالصحة فيما إذا تلقوه بالقبول . قال : وإنما اختلفوا فيما إذا أجمعت على العمل بخبر المخبر هل يدل ذلك على صحته أم لا ؟ على قولين :
قال : وكذلك إذا عمل بموجبه أكثر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وأنكروا على من عدل عنه فهل
يدل على صحته وقيام الحجة به ؟(1/106)
ذهب الجمهور إلى أنه لا يكون صحيحاً بذلك . وذهب عيسى بن أبان إلى أنه يدل على صحته ، انتهى .
فقول الشيخ محي الدين النووي : (( خالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون )) . غير متجه . بل تعقبه شيخنا شيخ الإسلام في محاسن الاصطلاح فقال : (( هذا ممنوع فقد نقل المتأخرين عن جمع من الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة أنهم يقطعون بصحة الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول )) .قلت : وكأنه عني بهذا تقي الدين ابن تيمية فإني رأيت فيما حكاه عنه بعض ثقات أصحابه ما ملخصه : الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له وعملاً بموجبه أفاد العلم عند جماهير العلماء من السلف والخلف وهو الذي ذكره جمهور المصنفين في أصول الفقه كشمس الأئمة السرخسي وغيره من الحنفية والقاضي عبد الوهاب وأمثاله من المالكية .
والشيخ أبي حامد الاسفرائيني والقاضي أبي الطيب الطبري والشيخ أبي إسحاق الشيرازي وسليم الرازي وأمثالهم من الشافعية . وأبي عبد الله ابن حامد والقاضي أبي يعلى وأبي الخطاب وغيرهم من الحنبلية وهو قول أكثر أهل الكلام من الأشاعرة وغيرهم كأبي إسحاق الاسفرائيني وأبي بكر بن فورك وأبو منصور التميمي وابن السمعاني وأبي هاشم الجبائي وأبي عبد الله البصري قال : وهو مذهب أهل الحديث قاطبة وهو معنى ما ذكره ابن الصلاح في مدخله إلى علوم الحديث ـ فذكر ذلك استنباطاً وافق فيه هؤلاء الأئمة وخالفه في ذلك من ظن أن الجمهور على خلاف قوله لكونه لم يقف إلا على تصانيف من خالف في ذلك كالقاضي أبي بكر الباقلاني والغزالي وابن عقيل وغيرهم ، لأن هؤلاء يقولون إنه لا يفيد العل مطلقاً وعمدتهم أن خبر الواحد لا يفيد العلم بمجرده . والأمة إذا عملت بموجبه فلوجوب العمل بالظن عليهم وأنه لا يمكن جزم الأمة بصدقه في الباطن ، لأن هذا جزم بلا علم .(1/107)
والجواب : إن إجماع الأمور معصوم عن الخطأ في الباطن .. وإجماعهم على تصديق الخبر كإجماعهم على وجوب العمل به والواحد منهم وإن جاز عليه أن يصدق في نفس الأمر من هو كاذب أو غالط فمجموعهم معصوم عن هذا الواحد من أهل التواتر يجوز عليه بمجرده الكذب والخطأ ومع انضمامه إلى أهل التواتر ينتفي الكذب والخطأ عن مجموعهم ولا فرق . ( انتهى كلامه )
وأصرح من رأيت كلامه في ذلك ممن نقل الشيخ تقي الدين عنه ذلك فيما نحن بصدده ـ الأستاذ أبو إسحاق الاسفرائيني فإنه قال : (( أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بها عن صاحب الشرع وإن حصل الخلاف في بعضها فذلك خلاف في طرقها ورواتها)) .
كأنه يشير بذلك إلى ما نقده بعض الحفاظ . وقد احترز ابن الصلاح عنه . وأما قول الشيخ محي
الدين : (( لا يفيد العلم إلا إن تواتر )) فمنقوض بأشياء :
1- أحدها : الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم النظري وممن صرح به إمام الحرمين والغزالي ، والسيف الآمدي وابن الحاجب ومن تبعهم .
2- ثانيها : الخبر المستفيض الوارد من وجوه كثيرة لا مطعن فيها يفيد العلم النظري للمتبحر في هذا الشأن . وممن ذهب إلى هذا الإسناد أبو إسحاق الاسفرائيني والأستاذ أبو منصور التميمي والأستاذ أبو بكر بن فورك .
وقال الأيباري ـ شارح البرهان ـ بعد أن حكى عن إمام الحرمين أنه ضعف هذه المقالة : (( بأن العرف وإطراد الاعتبار لا يقتضي الصدق قطعاً بل فصاراه غلبة الظن لغلبة الإسناد )) . أراد أن النظر في أحوال المخبرين من أهل الثقة والتجربة يحصل ذلك ومال إليه الغزالي . وإذا قلنا أنه يفيد العلم فهو نظري لا ضروري وبالغ أبو منصور التميمي في الرد على من أبى ذلك فقال : المستفيض وهو الحديث الذي له طرق كثيرة صحيحة لكنه لم يبلغ مبلغ التواتر ، يوجب العلم المكتسب ولا عبرة بمخالفة أهل الأهواء في ذلك .(1/108)
3- ثالثها : ما قدمنا نقله عن الأئمة في الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول . ولا شك أن إجماع الأمة على القول بصحة الخبر أقوى من إفادة العلم من القرائن المحتفة ومن مجرد كثرة الطرق .
ثم بعد تقرير ذلك كله جميعاً لم يقل ابن الصلاح ولا من تقدمه أن هذه الأشياء تفيد العلم القطعي كما يفيده الخبر المتواتر لأن المتواتر يفيد العمل الضروري الذي لا يقبل التشكيك وما عداه مما ذكر يفيد العلم النظري الذي يقبل التشكيك . ولهذا تختلف إفادة العلم عن الأحاديث التي عللت في الصحيحين ـ والله أعلم . وبعد تقرير هذا فقول ابن الصلاح (( والعلم اليقيني النظري حاصل به )) لو اقتصر على قوله العلم النظري لكان أليق بهذا المقام .
أما اليقيني فمنعناه القطعي ، فلذلك أنكر عليه من أنكر ، لأن المقطوع به لا يمكن الترجيح بين آحاده وإنما يقع الترجيح في مفهوماته . ونحن نجد علماء هذا الشأن قديماً وحديثاً يرجحون بعض أحاديث الكتابين على بعض بوجوه من الترجيحات النقلية فلو كان الجميع مقطوعاً به ( ما بقي للترجيح مسلك وقد سلم ابن الصلاح هذا القدر فيما مضى ) لما رجح بين صحيحي البخاري ومسلم ، فالصواب الاقتصار في هذه المواضع على أنه يفيد العلم النظري كما قررناه ـ والله أعلم ))
قلت هذا كلام الحافظ وقد بين فيه أن جمهور الأشاعرة على مذهبه في المسألة
وقد تعقب كلام النووي الذي احتج به السقاف
والنووي قد أخطأ في نقل مذاهب العلماء وتعقبه الحافظ
والسقاف قد وقف على التعقب ومع ذلك أصر على إقرار كلام النووي في نقل مذاهب العلماء ولا حول ولا قوة إلا بالله
الشبهة الحادية والعشرون(1/109)
قال السقاف في صفحة 54 -55 (( وهذا حديث سيدنا أنس في البسملة الذي في " صحيح مسلم " والذي فيه : " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم أو القراءة ولا آخرها " حديث معلول ، لان جملة : " لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم أول القراءة ولا آخرها " ليست من حديث أنس رضي الله عنه ولا من كلامه ، وقد مثل جميع الحفاظ للحديث المعلول في كتب المصطلح بحديث أنس هذا ، لا سيما وقد ثبت في صحيح البخاري أن سيدنا أنسا سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
" كانت مدا يمد ببسم الله وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ ))
قلت الجواب عليه من وجوه
الأول ان هذا الحديث معلول _ عند السقاف _ والنزاع في أخبار الآحاد الصحيحة ومن شروط الصحيح السلامة من العلة
واعلم رحمك الله أن الأصل في حديث الثقة الصحة
فإن هذا هو مدلول قول المحدثين عنه (( ثقة ))
فإنهم لم يقولوا هذا إلا بعد سبرٍ لمروياته
واخراج حديث من أحاديثه عن هذا الأصل يحتاج إلى قرينة تؤكد أنه لم يحفظ هذا الحديث وهذه القرينة تسمى العلة
إذا فهمت هذا علمت مدى فساد استلال السقاف بهذا الخبر المعلول عنده على وجوب رد الخبر الصحيح السالم من العلة في مسائل الإعتقاد _ أي أنه لا توجد قرينة تدل على أن الراوي لم يحفظ فيبقى الحديث على الأصل _
وهذا استلال باطل للفرق الواضح بين الحالتين
بل إنه يجعل رد الأئمة للحديث المعلول الذي قامت قرينة على أن الراوي لم يحفظه
دليلاً على رد الأحاديث التي انضمت إليها قرينة تدل على أن الراوي قد حفظ الحديث كالإتفاق على تصحيح حديثه أو كونه من أثبت الناس في شيخه أو كونه قد توبع على حديثه
وهذا إن دل فإنما يدل على عدم تأهل السقاف للخوض في المسائل العلمية
الثاني هذا الخبر في الأحكام والسقاف يفرق بين الأحكام والعقائد(1/110)
الثالث أن الحافظ ابن حجر قج نازع في إعلال هذا الخبر
وإليك نص كلامه في النكت على ابن الصلاح
قال (( وكيف يحكم على رواية عدم الجهر بالشذوذ وفي رواتها عن قتادة مثل شعبة ؟
قال أحمد في مسنده ثنا وكيع . ثنا شعبة عن قتادة عن أنس بلفظ : فكانوا (( لا يجهرون بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) )).
وكذا أخرجه مسلم وابن خزيمة في صحيحه من طريق غندر ، عن شعبة ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ولفظه : (( إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهر بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) )) . ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان رضي الله عنهم .
وقا لابن حبان في صحيحه : ثنا الصوفي وغيره . ثنا علي بن الجعد . ثنا شعبة وشيبان ، عن قتادة : سمعت أنس بن مالك يقول : (( صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وعثمان رضي الله عنه فلم أسمع أحداً منهم يجهر بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . ورواهن الدار قطني ، عن البغوي عن علي بن الجهد بهذا .
وبوب عليه ابن حبان في صحيحه (( باب الخبر المدحض )) قول من زعم أن هذا الخبر لم يسمعه قتادة من أنس رضي الله عنه . وكذا رواه جماعة من أصحاب قتادة عنه ورواه آخرون عنه بلفظ الافتتاح ، ورواه عن شعبة جماعة حفاظ أصحابه هكذا ورواه آخرون عنه بلفظ الافتتاح ، فيظهر أن قتادة كان يرويه على الوجهين وكذلك شعبة ومن أدل دليل على ذلك أن يونس بن حبيب رواه في مسند أبي داود الطيالسي عنه عن شعبة بلفظ الافتتاح . ورواه محمد بن المثنى ويحيى بن أبي طالب عنه بلفظ عدم الجهر فالله أعلم ))
ثم ذكر شواهداً لخبر أنس وله كلام طويل في الدفاع هذا الحديث من أراده فيراجعه هناك
رابعاً أن الحديث الذي أورده لمعارضة خبر أنس قد جمع الحافظ ابن حجر بينه وبين الحديث المذكور(1/111)
قال الحفظ في الفتح (9/710 ) من طبعة دار الريان (( تنبيه : استدل بعضهم بهذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، ورام بذلك معارضة حديث أنس أيضا المخرج في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يقرؤها في الصلاة، وفي الاستدلال لذلك بحديث الباب نظر، وقد أوضحته فيما كتبته من النكت على علوم الحديث لابن الصلاح، وحاصله أنه لا يلزم من وصفه بأنه كان إذا قرأ البسملة يمد فيها أن يكون قرأ البسملة في أول الفاتحة في كل ركعة، ولأنه إنما ورد بصورة المثال فلا تتعين البسملة، والعلم عند الله تعالى))
الشبهة الثانية والعشرون
قال السقاف في صفحة 50 -51 (( أحاديث حكم عليها بعض الحفاظ بالصحة بالنظر لاسانيدها وهي معلولة أو شاذة متنا : 1 - روى مسلم في صحيحه 2149 برقم 2789) عن أبي هريرة مرفوعا :(1/112)
" خلق الله عزوجل التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الاحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الاربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل " . ففي هذا الحديث إثبات أن الله خلق السموات والارض في سبعة أيام ، وهذا مخالف للقرآن وذلك لان الله تعالى أخبر أنه خلق السموات والارض في ستة أيام ، قال الله تعالى : (إن ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة أيام) الاعراف : 53 . فإن قال قائل : هذا الحديث لا يعارض الآية السابقة ، وإنما يفصل كيفية تطور الارض وما خلق فيها وحدها ، وأن ذلك كان في سبعة أيام وهي غير الايام الستة المذكورة في الآية أو نحو هذا الكلام كما صرح به متناقض ! ! عصرنا . قلنا في جوابه : لا ، ليس كذلك وكلامك باطل من وجوه عديدة أذكر لك ثلاثة منها : الاول : أن سيدنا آدم المذكور في الحديث لم يخلق على الارض إنما خلقه الله في الجنة ثم أهبط بعد مدة إلى الارض ، فهذا الحديث لا يتكلم إذن بما حصل على الارض خاصة ، ثم قوله فيه : (وخلق النور يوم الاربعاء) ليس خاصا أيضا بالارض لان النور الموجود على الارض بشكل عام مصدره من الشمس التي هي في السماء ، فهذا الحديث فيه ذكر ما في الارض وما في السماء . وكذلك قوله المكروه في الحديث لا يفهم معناه ! ! والمكروه يعم أشياء(1/113)
كثيرة ، والمعروف أن المكروه أو الشر يخلقه الله عزوجل في وقته الذي يحصل فيه ، وهذا الحديث فيه هذه الجمل الركيكة التي تدل على أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نطق به . الثاني : أن القران يرد ذلك أيضا بصراحة قال تعالى : (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين) فصلت : 9 - 10 . فهذا صريح في أن الله خلق الارض في يومين وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام ومجموع ذلك ستة أيام ، فأين الايام السبعة من ذلك ؟ ! الثالث : أن بعض أئمة المحدثين الذين أدركوا هذا الشذوذ في متن الحديث طعنوا فيه . قال ابن كثير في تفسيره (1 / 99 طبعة الشعب) : " هذا الحديث من غرائب صحيح مسلم ، وقد تكلم عليه ابن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ وجعلوه من كلام كعب الاحبار ، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الاحبار ، وقد اشتبه على بعض الرواة فجعله مرفوعا " . قلت : وقد ذكر ذلك البخاري في كتابه " التاريخ الكبير " وغيره ، حتى أن الشيخ ! ! الحراني ! ! نقل طعن الحفاظ فيه في " فتاواه " (1) (17 / 236) ))
قلت الجواب عليه من وجوه
الأول أن هذا الحديث معلول عند ابن المديني والبخاري فهو خارج محل النزاع إذ أننا نتحدث عن حجية الأحاديث الآحادية الصحيحة في مسائل الإعتقاد فيقال فيه ما قيل في سابقه
الثاني هذا الخبر محل خلاف بين الحفاظ فلا يصلح لتعقب من قال أن أحاديث الصحيحين المجمع عليها تفيد القطع _ وهذا هو حال معظم أحاديث الصحيحين _
الثالث أن اعتراض السقاف على توجيه الألباني بأن آدم خلق في الجنة مردود(1/114)
لأن توجيه الألباني مبني على كون هذه الأيام السبعة غير الأيام الستة التي خلقت فيها السماوات والأرض ولا يمتنع أن يكون آدم خلق بعد خلق السماوات والأرض سواءً كان خلقه في الأرض أو الجنة وكون الحديث لا يتكلم عما حصل في الأرض خاصة لا ينفي أصل التوجيه الذي ذكره الشيخ لأنه لا يمتنع أن يكون الحديث يتحدث عن أحداث حصلت في السماوات والأرض بعد خلقهما
الرابع أن اعتراضه على الشيخ بأن الشمس في السماء يقال فيه مثل ما قيل في خلق آدم من عدم امتناع تأخر خلقها عن خلق السماوات والأرض
الخامس اعتراضه على لفظ المكروه غير متجه فقد يكون اللفظ قد خرج مخرج اطلاق العام وإرادة الخاص فيكون المقصود به الشيطان
السادس اعتراضه بذكر تقدير الأقوات يجاب عليه بأن معنى الأقوات أي الأرزاق كما ورد ذلك عن بعض السلف وهذا لا يعارض ظاهر الحديث وأما ذكر الجبال في الآية فقد يكون خرج مخرج الصفة للأرض لا على وجه ترتيب الأحداث
أما إعلال ابن المديني للحديث فهو قوله _كما ذكر القرطبي في التفسير _(( وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا الأمر إلا من إبراهيم بن أبي يحيى ))
هذا الإعلال كما ترى لا علاقة له بالمتن بل هو متعلق بالسند إذا فهمت هذا عرفت أن قول السقاف (( أن بعض أئمة المحدثين الذين أدركوا هذا الشذوذ في متن الحديث طعنوا فيه )) محض تخرص
وقد خالف الإمام مسلم الإمام ابن المديني وحكم على الحديث بالإتصال وكذلك فعل ابن خزيمة إذ أنه أخرج الحديث في صحيحه برقم 1636
وكذلك فعل تلميذه ابن حبان والحديث عنده برقم 6267
وقد صحح هذا الحديث شيخ السقاف عبدالله الغماري في الكنز الثمين وهو أول من حرر مسألة الشذوذ في المتن عند السقاف كما في صفحة 49 من مقدمته
و إعلال البخاري للحديث لفظه (( وقال بعضهم عن أبي هريرة عن كعب وهو أصح ))(1/115)
قلت وهذا الإعلال متعلق بالسند دون المتن وهذا يبين لنا كذب السقاف في زعمه أن بعض كبار المحدثين _ ويعني ابن المديني والبخاري _ قد أدركوا شذوذ المتن
و البعض الذين رووا الحديث عن أبي هريرة عن كعب لم أقف عليهم ولم أجد من وقفهم عليهم لهذا لا تثريب على من تابع مسلماً وابن خزيمة وابن حبان في تصحيحهم للحديث
ولا تثريب على من تابع ابن المديني والبخاري في إعلالهم للحديث
هذا والله الموفق
الشبهة الثالثة والعشرون
قال السقاف في صفحة 54 (( وقد استنكر الامام أحمد أيضا حديث " من مات وعليه صوم ، صام عنه وليه " وهو في الصحيحين انظر " سير أعلام النبلاء " (6 / 10) ))
قلت الجواب عليه أن هذا خبر في الأحكام فإذا كنا سنرد الأخبار في الأحكام لاحتمال وهم الراوي عاد بنا الأمر إلى مذهب المعتزلة الذي تقدم نقضه
وقد قدمنا أنه لا فرق بين العقائد والأحكام في مسألة قبول الأخبار والرد وأن التفريق بدعة حادثة
قال الذهبي في ترجمة عبيد الله بن أبي جعفر (( وقد قال أحمد بن حنبل مرة: ليس بالقوي واستنكر له حديثاً ثابتاً في الصحيحين في: "من مات وعليه صوم صام عنه وليه))
قلت هذا ما عزى إليه السقاف ويظهر جلياً أن سبب استنكار أحمد هو تضعيفه للراوي _ والجمهور على تويثقه وهو المختار _
فهل يقاس على هذا الراوي الذي ضعفه أحمد الراوي المتفق على توثيقه
وهل يقاس عليه الحديث المتفق على تصحيحيه
أو الحديث التي احتفت به قرينة تعدد الطرق فكان مشهوراً مستفيضاً
قطعاً لا للفرق الواضح بين الحالات
إذاً لماذا يحتج السقاف بهذا الخبر الخارج عن محل النزاع على إسقاط الأخبار الصحيحة في مسائل الإعتقاد(1/116)
ومثل هذا يقال في حديث فضائل أبي سفيان عند مسلم ولفظه عن ابن عباس قال : كان المسلمون لا ينظرون إلى أبى سفيان ولا يقاعدونه ، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا نبي الله ! ثلاث أعطينهن ؟ قال " نعم " . قال : عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان ، أزوجكها ؟ قال : " نعم " . قال : ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك ؟ قال : " نعم " (1) . قال : وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين ؟ قال : " نعم " . قال أبو زميل ؟ ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه ذلك ، لانه لم يكن يسأل شيئا إلا قال : " نعم "
فقد استنكر العلماء قول أبي سفيان (( عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان )) لاتفاق أهل السير على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج أم حبيبة قبل إسلام أبي سفيان رضي الله عنهما
قال ابن الجوزي كما نقل السقاف في صفحة 53((هو وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد ، وقد اتهموا به عكرمة بن عمار راوي الحديث ))
أي اتهموه بالوهم فهو المتفرد بهذا الحديث فيقال للسقاف في هذا مثل له في الحديث السابق
هل يقاس على هذا الراوي المتفق على توثيقه
وهل يقاس عليه الحديث المتفق على تصحيحيه
أو الحديث التي احتفت به قرينة تعدد الطرق فكان مشهوراً مستفيضاً
قطعاً لا للفرق الواضح بين الحالات
إذاً لماذا يحتج السقاف بهذا الخبر الخارج عن محل النزاع على إسقاط الأخبار الصحيحة في مسائل الإعتقاد _ والحديث المذكور في الفضائل _
واعلم رحمك أن أحاديث الصفات لا تعارض آيات التنزيه
فقوله تعالى (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ))
فيه نفي التشبيه المسبوق بالكاف وهذا واضح من قوله (كمثله )
وأما التشبيه الذي اخترعه المعطلة وهو التشبيه عن الناتج عن الإتفاق باللفظ فالآية ترده فقد أسمى نفسه بالسميع البصير ونعت الإنسان بالسميع البصير وليس السمع كالسمع ولا البصر كالبصر(1/117)
من هنا تعرف مدى عمق فقه السلف في قولهم (( إنما التشبيه أن تقول سمع كسمعي وبصر كبصري ويد كيدي ))
الشبهة الثالثة والعشرون
نقض شبهات السقاف وأمثاله من المفتونين حول الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان
الشبهة الأولى
قال السقاف في التعليق على الحديث السابق في فضائل أبي سفيان في صفحة 52 ((من هذا الحديث استدل النواصب على أن معاوية كان كاتبا للوحي وليس كذلك كما بين ذلك الحافظ في ترجمته في " الاصابة " والذهبي في " سير أعلام النبلاء " ووضحناه في التعليق على هذا الكتاب " دفع شبه التشبيه " رقم (181) فانظره هناك ))
قلت هذا كذب مزدوج على الحافظين الذهبي و ابن حجر
فنص كلام الحافظ في الإصابة ((وقال المدائني: كان زيد بن ثابت يكتب الوحي وكان معاوية يكتب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما بينه وبين العرب ))
ولننظر من هو هذا المدائني
قال الذهبي في تاريخ الإسلام ((عبد الله بن المسور، بن عون بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي أبو جعفر. نزيل المدائن.
عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً وعن محمد بن الحنفية.
وعنه عمرو بن مرة وخالد بن أبي كريمة.
ولم يكن بثقة ولا مأمون.
روى جرير عن رقبة بن مصقلة ان أبا جعفر الهاشمي المدائني كان يضع الحديث.
وروى جرير عن مغيرة قال: كان عبد الله بن مسور يفتعل الحديث.
وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه قال: كان يكذب.
وقال أبو حاتم: حدث بمراسيل لا يوجد لها أصل ))
هذا هو المدائني الذي لم يستحِ السقاف من الإحتجاج بخبره
وأما الحافظ ابن حجر فهو حافظ كبير لا يظن بمثله أن يحتج بأخبار المدائني ولكنه أورد كلامه على عادة أهل السير في إيراد كل ما بين أيديهم في المسألة
وأما الذهبي فإليك نص كلامه في السير ((ونقل المفضل الغلابي عن أبي الحسن الكوفي قال كان زيداً ابن ثابت كاتب الوحي وكان معاوية كاتباً فيما بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين العرب.(1/118)
عمرو بن مرة: عن عبد الله بن الحارث عن زهير بن الأقمر عن عبد الله بن عمرو قال: كان معاوية يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
أبو عوانة: عن أبي حمزة عن ابن عباس قال: كنت ألعب مع الغلمان فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "ادع لي معاوية" وكان يكتب الوحي ))
فأنت ترى أن الذهبي كما نقل القول بأن معاوية لم يكتب الوحي كذلك نقل رواية أنه كتب الوحي
فلماذا ينسب إليه الأفاك أنه نفى كون معاوية كان كاتباً للوحي وهذا واضح من قوله ((كذلك كما بين ذلك الحافظ في ترجمته في " الاصابة " والذهبي في " سير أعلام النبلاء " ))
نعوذ بالله من قلة الحياء وقلة الدين
والرواية التي نقلها الذهبي عن أبي الحسن الكوفي _ وأحسبه العجلي _ معضلة والعجلي قد تساهل في مواطن ليست بالقليلة فقد يكون اعتمد على رواية أحد الرواة الذين انفرد عن الجمهور بتوثيقهم
قال الخلال في السنة برقم 663 أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، أَنَّ أَبَا الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ قَالَ : وَجَّهْنَا رُقْعَةً إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ : مَا تَقُولُ رَحِمَكَ اللَّهُ فِيمَنْ قَالَ : لَا أَقُولُ إِنَّ مُعَاوِيَةَ كَاتَبُ الْوَحْيِ ، وَلَا أَقُولُ إِنَّهُ خَالُ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّهُ أَخَذَهَا بِالسَّيْفِ غَصْبًا ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : هَذَا قَوْلُ سَوْءٍ رَدِيءٌ ، يُجَانَبُونَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ ، وَلَا يُجَالَسُونَ ، وَنُبَيِّنُ أَمْرَهُمْ لِلنَّاسِ
قلت وإسناده صحيح
وقد روى روى الطيالسي (4/465) وأحمد (1/291 و335) والآجري (1937) والبيهقي في الدلائل (6/243) وغيرهم بسند جيد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اذهب فادعُ لي معاوية"، قال ابن عباس: وكان كاتِبَه.
وصححه ابن عساكر (59/106) والذهبي في تاريخ الإسلام (4/309)،
استفدت هذا من رسالة (( من فضائل معاوية )) للشيخ محمد زياد تكلة(1/119)
ولفظ كلام الذهبي (( وذكر المفضل الغلابي: أن زيد بن ثابت كان كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معاوية كاتبه فيما بينه وبين العرب. كذا قال.
وقد صح عن ابن عباس قال: كنت ألعب، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "ادع لي معاوية" وكان يكتب الوحي ))
فهذا كلام الذهبي بعيداً عن تزويرات السقاف
والحديث الذي ذكره الذهبي وإن كان الذهبي وهم في لفظه فلفظه _ وكان كاتباً له _ رجاله ثقات متفق عليهم إلا أبو حمزة القصاب
واسمه عمران بن أبي عطاء
روى عنه شعبة وهو لا يروي إلا عن ثقة
ووثقة ابن معين وابن حبان
وضعفه أبو داود
وقال أبو حاتم والنسائي (( ليس بالقوي ))
ولا يخفى تشددهما
قال ابن خلفون عن ابن نمير أنه وثقه
وقال أبو زرعة: بصري لين
قلت وهذا جرح هين
وقال أحمد: ليس به بأس صالح الحديث
قلت إذا أضفنا إلى ذلك احتجاج مسلم به في صحيحه و تصحيح ابن عساكر والذهبي لحديثه خرجنا بنتيجة أنه صدوق حسن الحديث
وأبو عوانة انفرد بذكر الكتابة من دون شعبة
قال عفان كان أبو عوانة صحيح الكتاب ، كثير العجم والنقط ، كان ثبتا ، وأبو عوانة في جميع حاله أصح حديثا عندنا من شعبة
وعفان من رواة هذا الحديث عن أبي عوانة فتفطن فالزيادة صحيحة ولا شك
وتصحيح أحمد لكون معاوية كاتب الرسول يدل على أنه يصحح هذه الزيادة فهذا الحديث أمثل شيء في الباب
وكذلك تصحيح ابن عساكر والذهبي يدل على ثبوت الزيادة
ومن المعلوم أن العرب إذا أطلقت اسم فاعل لفعل يحتمل الوقوع على مفعولين فإن يحمل على أكثر المفعولين استعمالاً وأكثر ما كان يكتب آنذاك هو الوحي
وأما ما كان يكتبه بعض الصحابة من الحديث فإنهم يكتبونه لأنفسهم لا للنبي صلى الله عليه وسلم فتأمل
إذا فهمت هذا عرفت أن جزم الروافض الإناث بأن معاوية لم يكتب آية محض مجازفة
ولا شك أن كاتب الرجل من بطانته
وقد قال تعالى (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالاً ))(1/120)
واتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية كاتباً يدل على صدقه وأمانته
وهذا يقال في حقه حتى ولو لم يكتب الوحي وكتب الرسائل إلى العرب فقط
فإن هذا لا ينفي كونه من أهل الصدق والأمانة بل يؤكده
وكونه من بطانة النبي صلى الله عليه وسلم
فإن قال قائل هناك من كتب الوحي وارتد
فنقول وهناك من جاهد مع النبي صلى عليه وسلم وارتد
فهل ستلغي فضيلة الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟
ثم إن هذا من أفسد القياس فكيف يقاس المسلم على المرتد
الشبهة الثانية
وقال السقاف في صفحة 239 -240 (( . وأما حديث : " اللهم علم معاوية الكتاب ، وقه العذاب " فلا يصح حتى يلج الجمل في سم الخياط ، وهذا الدعاء : " اللهم علمه الكتاب " هو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس كما في البخاري في مواضع منها (الفتح 1 / 169) فقلبه النواصب لمعاويه ، ومعاوية لا يؤثر أنه كان عالما بالكتاب البتة ، وانما العالم بالكتاب هو ابن عباس ، كما إمتلات كتب التفسير من أقواله في فهم الكتاب . وهذا الحديث المقلوب الموضوع " اللهم علم معاوية الكتاب وقه العذاب " رواه أحمد في المسند (4 / 127) والطبراني (18 / 252) وابن عدي في(1/121)
الكامل في الضعفاء (6 / 2402) . قلت : وفي سنده : الحارث بن زياد وهو شامي ناصبي لا تقبل روايته لمثل هذا الحديث الذي يؤيد بدعته ولم يرو عنه إلا يونس بن سيف الكلاعي قال الحافظ في ترجمته في " التهذيب " (2 / 123) : " قال الذهبي في الميزان (1/433)مجهول ، وشرطه أن لا يطلق هذه اللفظة إلا إذا كان أبو حاتم الرازي قالها " ثم قال : " نعم قال أبو عمرو بن عبد البر فيه مجهول : وحديثه منكر " قلت : وفي سنده : يونس بن سيف : حمصي ومعاوية بن صالح : حمصي ناصبي : قال عنه الحافظ في " التقريب " صدوق له أوهام ، قلت : وفي ترجمته في " التهذيب " (10 / 189) : ما ملخصه في أقوال من جرحه : كان يحيى بن سعيد القطان لا يرضاه ، وفي رواية عن ابن معين ليس بمرضى ، وقال أبو إسحق الفزاري : ما كان بأهل أن يروى عنه ، وقال ابن أبي خيثمه : يغرب بحديث أهل الشام جدا . وحكم الذهبي على المتن من بعض طرقه في " الميزان " (1 /388) بأنه : " منكر بمرة " وفي الطريق مجهول ورجل لا يعرف . وفي طريق أخرى ذكرها الذهبي في الميزان (3 / 47) : من طريق اسحاق بن كعب ، حدثنا يونس بن ميسرة عن عطاء عن ابن عباس به . وعثمان بن عبد الرحمن هو الوقاصي كما قال الذهبي في " الميزان " (3/47) في ترجمة الجمحي ، وهو متروك كما قال البخاري وكذبه ابن معين كما في الميزان (3 / 43) . وضعفه المبتدع المتناقض في تعليقه على " صحيح ابن خزيمة " (3 /214) فأنى تقوم لهذا الحديث قائمة ؟ ! ! ولذلك أورده ابن الجوزي في " العلل المتناهية في الاحاديث الواهية " (1 / 272) ))
قلت في كلامه أغاليط وبلايا
أولها زعمه أن الحارث بن زياد كان ناصبياً وهذا كذب فلم يذكر أحدٌ من العلماء أنه ناصبي ومجرد كونه شامي لا يعني أنه ناصبي ففي الشام علماء من أهل السنة اتفاقاً كالأوزاعي وأبو زرعة الدمشقي فلما لا يكون هذا ممن هم على عقيدتهم(1/122)
ثانيها زعمه أن الحارث بن زياد لا يحتج به والصواب خلاف ذلك فقد ذكره ابن حبان في الثقات وقال وقال: أدرك أبا أمامة
قلت فهذا يؤكد أنه عرفه وأنه ليس من المجاهيل الذين يدخلهم في كتابه
وقد احتج به ابن خزيمة في صحيحه وكذلك فعل ابن حبان كما ذكر مغطاي في الإكمال
أفاد ذلك الشيخ محمد زياد تكلة في كتابه (( من فضائل وأخبار معاوية بن أبي سفيان ))
ثالثها بتره لنص الحافظ ابن حجر فقد قال الحافظ في ترجمته في " التهذيب " (2 / 123) : " قال الذهبي في الميزان (1/433)مجهول ، وشرطه أن لا يطلق هذه اللفظة إلا إذا كان أبو حاتم الرازي قالها " إلى هنا نقل السقاف وبتر تعقب الحافظ للذهبي
حيث قال الحافظ (( والذي قال: أبو حاتم أنه مجهول آخر غيره فيما يظهر لي )
وأما ابن عبد البر فقد خالفه ابن خزيمة، وابن حبان اللذان صححا الحديث، وابن عساكر في تاريخه (59/106)، وابن كثير في البداية والنهاية (11/409)، وقال الجورقاني: "هذا حديث مشهور، رواه عن معاوية بن صالح جماعةٌ، منهم: بشر بن السري، والليث بن سعد، وعبد الله بن صالح، وأسد بن موسى، وغيرهم"، وأخرجه ضمن الأحاديث الضدّية للأباطيل والمناكير، وقال ابن عساكر: حسن غريب. (معجم الشيوخ 2/1041 رقم 1341)، وحسّنه ابنُ القطّان. (الإكمال لمغلطاي(3/290)
كل هذا مستفاد من رسالة التكلة المشار إليها
غير أني أشك أن هناك وهماً في النقل عن ابن عبد البر فالذي وقفت عليه في الإستيعات هو قوله (( إلا أن الحارث بن زياد مجهول لا يعرف بغير هذا الحديث ))
ولم أرَ للنكارة ذكراً
رابعها زعمه أن معاوية بن صالح ناصبي وهذه والله جريمة فإن معاوية على شهرته بين أهل العلم لم يصفه أحدٌ بالنصب
خامسها اقتصاره على نقل الجرح دون التعديل
والعجيب أنه كتابه الإغاثة نقل عن عبد الحي الكتاني قوله في ابن عبد الهادي أنه عارف بالجرح دون التعديل وهو أولى بهذه الصفة من ابن عبد الهادي(1/123)
وإليك التعديلات التي كتمها الأفاك
قال أبو طالب عن أحمد : خرج من حمص قديماً وكان ثقة
قلت هذا يفيد أن ثقافته تكونت خارج الشام فاتهامه بالنصب غير متجه
قال علي وكان عبد الرحمن بن مهدي يوثقه
وقال العجلي والنسائي: ثقة
قلت والنسائي متشدد
وقال أبو زرعة: ثقة محدث وقال ابن سعد: كان بالأندلس قاضياً لهم وكان ثقة كثير
وقال يعقوب بن شيبة قد حمل الناس عنه ومنهم من يرى أنه وسط ليس بالثبت ولا بالضعيف ومنهم من يضعفه
وقال ابن خراش : صدوق
وقال البزار ليس به بأس وقال أيضاً : ثقة
ولعل مما يقوي شأن هذا الحديث أنه من رواية عبد الرحمن بن المهدي عنه وهو من المتثبتين وممن يجتنبون رواية المناكير ( انظر ترجمة معاوية في التهذيب )
وأما كونه يغرب عن أهل الشام فقد احتج مسلم بما انفرد عن أهل الشام(1/124)
قال مسلم 234 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ رَبِيعَةَ يَعْنِي ابْنَ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ . ح ، وَحَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، قَالَ : كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الْإِبِلِ فَجَاءَتْ نَوْبَتِي فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ " قَالَ فَقُلْتُ : مَا أَجْوَدَ هَذِهِ فَإِذَا قَائِلٌ بَيْنَ يَدَيَّ يَقُولُ : الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ قَالَ : إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ جِئْتَ آنِفًا ، قَالَ : " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أَوْ فَيُسْبِغُ - الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ " .(1/125)
وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابُِ ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ ، وَأَبِي عُثْمَانَ ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرِ بْنِ مَالِكٍ الْحَضْرَمِيِّ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَذَكَرَ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ تَوَضَّأَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ "
لا أعرف لمعاوية متابعاً وشيخه شامي
وأما يونس بن سيف: وثقه ابن حبان (الثقات 5/550 و555 ومعرفة التابعين من الثقات للذهبي 4196)، والدارقطني (سؤالات البرقاني 564)، وقال البزار: "صالح الحديث، وقد رُوي عنه"، وقال ابن سعد: "كان معروفا له أحاديث )الطبقات 7/458)، وروى عنه جمع من الثقات
فهو صدوق حسن الحديث
والحديث حسن
ورواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة (2/913) بسند قوي عن شُريح بن عُبيد مرسلا
وقد سمع شريح بن عبيد من معاوية وفضالة بن عبيد كما ذكر الحافظ في التهذيب عن ابن ماكولا
ولكنه أكثر الإرسال عن الصحابة فمراسيله عن النبي صلى الله عليه وسلم معضلات عندي _ والله أعلم _
ولكن القوم يقوون بمراسيل من هو مثل شريح فنلزمهم
وأحسب أن هذا المرسل صالحٌ لتقوية الحديث
وأما طعنه في علم معاوية فمردود
فقد قال عمر رضي الله عنه قُبيل وفاته: "اللهم إنّي أُشهدك على أمراء الأمصار، وإنّي إنّما بعثتُهُم عليهم لِيَعدلوا عليهم، ولِيُعلّموا الناسَ دينَهم وسُنَّةَ نبيّهم صلى الله عليه وسلم، ويَقسموا فيهم فَيْئَهُم، ويَرفَعوا إلَيَّ ما أشكلَ عليهم مِن أَمرِهم".
رواه مسلم (567) في صحيحه، وقد توفي عمر ومعاوية أمير الشام(1/126)
أفترى أن عمر يرسل رجلاً ليس له علم بالكتاب ليعلم الناس
- وروى البخاري في كتاب فضائل الصحابة من صحيحه (3765) من طريق أخرى عن ابن عباس أنه قال عن معاوية: إنه فقيه.
وفي رواية قبلها (3764): إنه قد صَحِبَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
فهذه شهادة ترجمان القرآن في علم معاوية
ومن فضائل خال المؤمنين التي طوى السقاف عنها كشحاً
قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن (( إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ )) رواه البخاري وابن حبان بلفظ (( إِنَّهُ رَيْحَانَتِي مِنَ الدُّنْيَا ، إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ )) وفي سنده المبارك بن فضالة وهو مدلس وقد عنعن
وقد أجمع أهل التواريخ على أن هاتين الفئتين جيش معاوية وجيش الحسن
وثناء النبي على هذا الصلح يدل على أن ما ترتب عليه هذا الصلح صحيح
وقد ترتب على الصلح أن معاوية أصبح أمير المؤمنين
ولو كانت الخلافة ستؤول إلى منافق أو مرتد او شخص يموت على الكفر لما أثنى النبي على هذا الصلح
ولعل مما يستأنس به في هذا المقام الحديث الثابت في الصحيح (( لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش ))
فهذا الحديث يدل على صحة خلافة معاوية لعد النبي صلى الله عليه وسلم له مع الخلفاء
وقد حمل الروافض هذا الحديث على أئمتهم الإثني عشر
وهذا من فرط بلادتهم إذ أن معظم أئمتهم لم يحكموا
وقد جاء في لفظ صحيح لهذا الحديث تسمية النبي صلى الله عليه وسلم للخلفاء الإثني عشر بالأمراء
ثم إنهم يزعمون أن أئمتهم كانوا مضطدين من قبل بني أمية ويحملون الروايات التي جاءت عن أئمتهم و لا توافق هواهم على التقية
فأي عزةٍ هذه ؟!!(1/127)
ثم إن النبي لو كان يقصد الأئمة الإثني عشر لوصفهم بوصف لا يشركهم فيه أحد كأن يقول كلهم من بني هاشم أو كلهم من بني عبد المطلب أو كلهم من أهل بيتي وأما القرشية فصفة يشركهم فيها غيرهم
إذا فهمت هذا فارعِ سمعك لهذا الحديث الذي يدل دلالةً صريحة على كون معاوية من أهل الجنة
روى البخاري في صحيحه عن أم حَرَام الأنصارية رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أولُ جيشٍ من أُمَّتي يَغزون البحر قد أَوجَبوا". قالت أم حَرَام: قلت: يا رسول الله، أنا فيهم؟ قال: "أنتِ فيهم". ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أولُ جَيشٍ من أُمَّتي يَغزون مدينة قَيصرَ مغفورٌ لهم". فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: "لا".
ونقل ابنُ حجر والبدر العيني في شرحهما عن المُهلَّب بن أبي صُفْرَة الأندلسي (ت 435) أنه قال: "في هذا الحديث منقبةٌ لمعاوية، لأنه أول من غزا البحر، ومنقبةٌ لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينةَ قيصر".
قلت كلاهما فضيلةٌ لمعاوية لأنه هو من أرسل يزيد إلى مدينة قيصر مع جمع من الصحابة
ولو كانت خلافة معاوية باطلة لما جاهد الصحابة ولما ترتبت على ذلك فضيلة
إذ أن ما بني على باطل فهو باطل
وقال ابنُ حجر وغيرُه: معنى أَوجَبوا: أي فعلوا فِعلاً وَجَبَتْ لهم به الجنّة.
إذا فهمت سهل عليك
توجيه حديث(( ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ))
والبغي ليس كفراً
قال تعالى ((وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ))
فجمع بين البغي والإيمان مما يدل على أنه ليس كفراً(1/128)
ولا تعارض بين الوعد بالجنة والوعيد بما هو دون الكفر كما لا يخفى على صغار الطلبة
ونصوص الوعيد بما هو دون الكفر أحكام عامة يمتنع تنزلها على الأعيان
لأسباب
أولها مغفرة الله عز وجل قال تعالى (( إن الله لا يغفر أن يشرك ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ))
ويضاف إليه عفو الخصم في مسائل الحقوق
ثانيها شفاعة النبي صلى عليه وسلم وقد حصلت لمعاوية في الدنيا قبل الآخرة فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقيه الله من العذاب
والحديث ثابت وإن رغمت أنوف الروافض الإناث
ثالثها وقوع التأويل وقد يدعو الإنسان إلى النار من حيث يظن أنه يدعو للجنة فإن تبعه من انتفى التأويل في حقه كان من أهل النار وإن كان هو نفسه متأولاً ترجى له الرحمة
وعلى هذا يحمل حديث عمار السابق
ويسهل عليك فهم قول النبي لعلي (( لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ))
فقد حمله البعض على النفاق العملي وحمله آخرون على البغض العاري عن التأويل
ولا تعارض بينها
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكفر من قاتل علياً بل سماهم بغاة وسماهم بالمؤمنين في حديث أبي بكرة المتقد وصحح خلافة معاوية وعلي لم يكفر من قاتله والحسن صالح
فبناءً على كل ما سبق يجب على كل مسلم أن يعرف لمعاوية سابقته ويشهد له بالجنة ويتولاه
الشبهة الثالثة(1/129)
وقال السقاف في صفحة238 _ 239 (( وأما حديث الترمذي (3842) من طريق سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبي عميرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاوية : " اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به " فحديث ضعيف ومضطرب لا تقوم به حجة ، لا سيما واسحاق بن راهويه يقول : " لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل معاوية شئ " قلت : سعيد بن عبد العزيز اختلط كما قال أبو مسهر الراوي عنه في هذا الحديث ، وكذا قال أبو داود ويحيى بن معين كذا في " التهذيب " (4 / 54) للحافظ ابن حجر . وكذا عبد الرحمن ابن أبي عميرة ، لم يسمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم كما في " علل الحديث " للحافظ ابن أبي حاتم (2/368) نقلا عن أبيه الحافظ أبي حاتم الرازي . فهذا حديث معلول بنص الحافظ السلفي أبي حاتم . قلت : ولو ثبت لابن أبي عميرة صحبة فهذا الحديث بالذات نص أهل الشأن على أنه لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في " علل الحديث " لابن أبي حاتم . وقد نص ابن عبد البر أن عبد الرحمن هذا : " لا تصح صحبته ، ولا يثبت إسناد حديثه " كما في " تهذيب التهذيب " (6 / 220 دار الفكر) . وأما قول الترمذي فيه " حسن غريب " فقد قدمنا أن الحافظ ابن حجر قال في " النكت على ابن الصلاح " إن الترمذي يعني بالحسن الغريب : الضعيف . قلت : ومن الغريب العجيب أن محدث الصحف والاوراق ! ! ! المتناقض ادعى في " صحيحته " (4 / 615 - 618) أن هذا الحديث صحيح لان سعيد بن عبد العزيز متابع فيه ، ولم يصدق ! ! فقد أورده من أربعة طرق كلها فيها سعيد بن عبد العزيز ، فهي لا تغني ولا تسمن من جوع ، لانها عادت طريقا واحدا لا غير تنصب فيها العلل التي قدمناها ، ثم زاد في نغمة طنبوره ! ! فقال ذاك المتناقض ! ! ! بعد أن ذكر طريقا أخرى يرويها عمرو بن واقد(1/130)
وسكت عن عمرو واقتصر على قول الترمذي فيه : " يضعف " ثم قال ذاك المتناقض ! ! عقب ذلك : " وبالجملة فالحديث صحيح ، وهذه الطرق تزيده قوة على قوة " ! ! اه* . قلت : كيف تزيده قوة على قوة وفيه ظلمات بعضها فوق بعض منها : أولا : كيف تقول طرق وماله إلا طريق سعيد بن عبد العزيز التي قدمنا ضعفها وانقطاعها ؟ ! ! ثانيا : كيف تقول " تزيده قوة على قوة " وتسكت عن عمرو بن واقد الذي استشهدت بطريقه لتصحيح هذا الحديث الموضوع وهو كذاب وإليك أقوال الحفاظ فيه كما هي في " تهذيب التهذيب " (8 / 102) : " قال أبو مسهر : كان يكذب . . . . وقال البخاري وأبو حاتم ودحيم ويعقوب بن سفيان : ليس بشئ . . . وكان مروان يقول : عمرو بن واقد : كذاب . . . وقال النسائي والدارقطني والبرقاني : متروك الحديث . . . وقال ابن حبان : يقلب الاسانيد ويروي المناكير عن المشاهير واستحق الترك . . . " اه* . فهل طرق مثل هذا الكذاب مما تقوي الحديث عندك أيها المتناقض ؟ ! ! فعليك أن تنقل هذا الحديث إن كنت تعي إلى " الموضوعة " ! ! ولذلك أورد الحديث الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى في العلل المتناهية ))
قلت في كلامه طوام وبلايا نوضح طرفاً منها
أولها إعلاله للخبر باختلاط سعيد بن عبد العزيز وهذا إعلالٌ ساقط لأن ممن روى هذا الحديث عنه أبو مسهر وقد احتج مسلمٌ برواية أبي مسهر عن سعيد بن عبد العزيز مما يدل على أن روايته عنه قبل الإختلاط وأبو مسهر إمام وعادة الأئمة اجتناب الرواية عن أهل الإختلاط
ثم إن سعيد لم يحدث حال اختلاطه
قال الدوري عن ابن معين: اختلط قبل موته وكان يعرض عليه فيقول : لا أجيزها لا أجيزها
نقل ذلك الحافظ في تهذيب التهذيب
ثانيها إعلاله للحديث بالإضطراب وليس هناك ثمة اضطراب فإن الحديث قد رواه أربعة عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد(1/131)
قال الشيخ محمد زياد تكلة في كتابه من فضائل وأخبار معاوية بن أبي سفيان )) رواه البخاري في التاريخ (5/240) والترمذي (3842) وابن سعد (7/418) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/358 رقم 1129) والبغوي في معجم الصحابة (4/491) والترقفي في جزئه (45/أ) والطبراني في مسند الشاميين (1/190) والآجري في الشريعة (5/2436-2438 أرقام 1914-1917) وابن بطة في الإبانة وابن منده واللالكائي (8/1441 رقم 2778) وأبونعيم في الصحابة (4/1836 رقم 4634) والخطيب في تاريخه (1/207) وفي تلخيص المتشابه (1/406) وفي تالي تلخيص المتشابه (2/539) والجورقاني في الأباطيل (1/193) وابن عساكر (6/62 و59/81-82) وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/274 رقم 442) وابن الأثير في أسد الغابة (3/313 و4/386) والذهبي في السير (8/34) من طريق أبي مُسهر.
ورواه البخاري في التاريخ (7/327) وابن أبي عاصم (2/358) والبغوي (4/490) وأبوالشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (2/343) وأبونعيم في أخبار أصبهان (1/180) وابن عساكر (59/80-81) والمزي في تهذيب الكمال (17/322) من طريق مروان بن محمد الطاطري.
ورواه ابن قانع (2/146) والخلال في السنة (2/450 رقم 697) وابن عساكر (59/86) من طريق عمر بن عبد الواحد. (وفي حديثه قصة)
ورواه ابن عساكر (59/83) من طريق محمد بن سليمان الحراني.
أربعتهم عن سعيد بن عبد العزيز، نا ربيعة بن يزيد، نا عبد الرحمن بن أبي عَمِيرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر معاوية، وقال: "اللهم اجعله هاديا مهديا، واهد به ))
قلت والإختلاف إنما وقع على الوليد بن مسلم وهو مع تدليسه ليس بأوثق من أبي مسهر فكيف وقد تابع أبا مسهر من تابعه من الثقات
ثالثها طعنه في صحبة عبد الرحمن بن أبي عميرة معتمداً على كلام ابن عبد البر وحده
وقد ضرب بكلام الأئمة الذين أثبتوا صحبته عرض الحائط(1/132)
قال الشيخ محمد زياد تكلة (( ذكَره في الصحابة: ربيعة بن يزيد، وابنُ سعد، ودُحيم، وسليمان بن عبد الحميد البهراني، وأحمد، والبخاري، وبقي بن مخلد (مقدمة مُسنده رقم 355)، والترمذي (تسمية الصحابة رقم 388)، وأبوحاتم، وابن السكن (الإصابة)، وابن أبي عاصم، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (1/287 وانظر 1/238)، وأبوالقاسم البغوي في معجم الصحابة (4/489)، وابن أبي حاتم (الجرح 5/273)، وابن حبان في الثقات (3/252)، وأبوبكر بن البرقي في كتاب الصحابة، وأبوالحسن بن سميع في الطبقة الأولى من الصحابة، وأبوبكر عبد الصمد بن سعيد الحمصي في تسمية من نزل حمص من الصحابة، وابن منده، وأبونعيم، والخطيب في تالي تلخيص المتشابه (2/539)، وابن عساكر، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات (2/407)، والمِزّي، والذهبي في تاريخ الإسلام (4/309)، وفي التجريد (1/353) ))
وأفاد الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة أن سعيد حكم على عبد الرحمن بأنه من الصحابة
وسعيد بن عبد العزيز من علماء الشام وسواه أحمد بالأوزاعي
قال الألباني (( أخرجه الترقفي في " حديثه " ( ق 45 / 1 ) : حدثنا أبو مسهر حدثنا سعيد بن عبد
العزيز عن ربيعة بن يزيد عن # عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني # - قال سعيد :
و كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
في معاوية ... فذكره ))
رابعها اعتماده على قول أبي حاتم أن عبد الرحمن لم يسمع الحديث من النبي صصص
وهذه علة غير قادحة لأن مراسيل الصحابة صحيحة وأبو حاتم نفسه أثبت صحبة عبد الرحمن
كما في الإصابة (6/308)، وكما قال ابنُه عبد الرحمن (الجرح والتعديل 5/273)
والذي يختاره العبد الفقير إثبات أن عبد الرحمن سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم(1/133)
قال ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 1025 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ ، نا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَأَبُو مُسْهِرٍ قَالَا : نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمِيرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مُعَاوِيَةَ : " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِهِ وَاهْدِ بِهِ "
قال الذهبي في تاريخ الإسلام (( قال ابن عديّ: محمد بن عوف عالم بحديث الشّام، صحيحاً وضعيفاً.
وكان عليه إعتماد ابن جوصا، ومنه يسأل، وخاصة حديث أهل حمص.
قلت: وقد أثنى عليه غير واحد من الكبار، ووصفوه بالحفظ والتَّبحر ))
ولم ينفرد هذا الحافظ الكبير بذكر السماع
قال الآجري 1854في الشريعة وَأَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ قَالَ ابْنُ نَاجِيَةَ , وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رِزْقِ اللَّهِ الْكَلْوَذَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عُمَيْرَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو لِمُعَاوِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِهِ وَاهْدِ بِهِ وَلَا تُعَذِّبْهُ "
ابن ناجية له ترجمة في تاريخ الإسلام
قال الذهبي (( وكان ثقة ثبتاً، عارفاً ممتعاً بإحدى عينيه ))
ومحمد بن رزق الله الكلوذاني قال عنه الذهبي في تاريخ الإسلام (( وكان صدوقاً ))(1/134)
وهذا لوحده كافٍ للرد على من نفى صحبة عبد الرحمن
وقال الطبراني في مسند الشاميين 323 حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ ( هو الدمشقي ) ، ثنا أَبُو مُسْهِرٍ ، ثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمِيرَةَ الْمُزَنِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِمُعَاوِيَةَ " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِهِ وَاهْدِ بِهِ "
خامسها زعمه أن الألباني قال أن سعيد بن عبد العزيز قد توبع ثم أورد متابعات ليس فيها متابعة له
وعندما راجعت كلام الشيخ وجدته يعني أن أبا مسهر قد توبع وليس سعيد بن عبد العزيز وإليك كلام الشيخ
قال الشيخ (( و قد قال أبو حاتم : " كان أبو مسهر يقدم سعيد بن عبد العزيز على الأوزاعي " .
قلت : أفتراه يقدمه على الإمام الأوزاعي و هو يروي عنه في اختلاطه ? ! . و قد
تابعه جمع : 1 - رواه ابن محمد الدمشقي أخبرنا سعيد أخبرنا ربيعة بن يزيد سمعت
عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في
معاوية بن أبي سفيان : فذكره . أخرجه البخاري في " التاريخ " و ابن عساكر .
2_ الوليد بن مسلم مقرونا بمحمد بن مروان - و لعله مروان بن محمد - قالا :
أخبرنا سعيد بن عبد العزيز به مسلسلا بالسماع . أخرجه ابن عساكر , و أخرجه أحمد ))
وذكر بقية الطرق فالهاء في قوله ( وقد تابعه ) عائدة على أقرب مذكور وهو أبو مسهر
إذا علمت هذا بان لك ما في قول السقاف (( ومن الغريب العجيب أن محدث الصحف والاوراق ! ! ! المتناقض ادعى في " صحيحته " (4 / 615 – 618) أن هذا الحديث صحيح لان سعيد بن عبد العزيز متابع فيه ، ولم يصدق ! ! فقد أورده من أربعة طرق كلها فيها سعيد بن عبد العزيز )) من الإفك المبين(1/135)
وفي كلامه كذبة أخرى وهي زعمه أن الألباني صحح الحديث بالمتابعة وهذا واضحٌ من قوله ((في " صحيحته " (4/615) أن هذا الحديث صحيح لان سعيد بن عبد العزيز متابع فيه )) وهذا كذبٌ صريح فالشيخ صحح السند لذاته على شرط مسلم ثم بين أنه لا وجه لإعلاله باختلاط سعيد بأدلةٍ علميةٍ مقنعة
قال الشيخ ((و قال الترمذي : " حديث حسن غريب )) .
و أقول : رجاله كلهم ثقات رجال مسلم , فكان حقه أن يصحح , فلعل الترمذي اقتصر
على تحسينه لأن سعيد بن عبد العزيز كان قد اختلط قبل موته , كما قال أبو مسهر
و ابن معين , لكن الظاهر أن هذا الحديث تلقاه عنه أبو مسهر قبل اختلاطه , و إلا
لم يروه عنه لو سمعه في حالة اختلاطه , لاسيما و قد قال أبو حاتم : " كان أبو
مسهر يقدم سعيد بن عبد العزيز على الأوزاعي " .
قلت : أفتراه يقدمه على الإمام الأوزاعي و هو يروي عنه في اختلاطه )) ؟!
ولما كان السقاف صاحب هوى لم يذكر كلام الشيخ في الدفاع عن رواية أبي مسهر عن سعيد
سابعها زعمه أن الترمذي يعني بقوله (( حسن غريب )) الحديث الضعيف
وهذا فيه نظر فقد أطلق الترمذي هذا اللفظ في بعض الأحاديث الصحيحة(1/136)
قال الترمذي حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ، وَيَحْيَى بْنُ مُوسَى ، قَالُوا : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، " " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ ، وَرَفَعَ إِصْبَعَهُ الَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ يَدْعُو بِهَا ، وَيَدُهُ اليُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ بَاسِطَهَا عَلَيْهِ " " ، وَفِي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، وَنُمَيْرٍ الخُزَاعِيِّ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَبِي حُمَيْدٍ ، وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ ، " " حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ
قلت والحديث في صحيح مسلم ولا يخفى على الباحث قوة إسناده
قال الترمذي حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، " " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُتَلَقَّى الجَلَبُ ، فَإِنْ تَلَقَّاهُ إِنْسَانٌ فَابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ فِيهَا بِالخِيَارِ إِذَا وَرَدَ السُّوقَ " " : " " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ(1/137)
وقال الترمذي 1150 حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ ، عَنْ الحَجَّاجِ الصَّوَّافِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " " إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ ، وَالمُؤْمِنُ يَغَارُ ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ المُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ " " وَفِي البَاب عَنْ عَائِشَةَ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ . : " " حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ " " وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الحَدِيثُ . " " وَكِلَا الحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ
فانظر كيف صحح حديث أبي هريرة بعد أن قال حسن غريب
استفدت هذين المثالين من كتاب (( القول الحسن في شبهات حول الإحتجاج بالحديث الحسن )) للشيخ أحمد بن أبي العينين
الشبهة الرابعة(1/138)
وقال الأفاك في صفحة 326 (( . قال الحافظ الذهبي في " سير أعلام النبلاء " (5 / 147) : " قال ابن سعد : أخبرنا علي بن محمد ، عن لوط بن يحيى قال : كان الولاة من بني أمية قبل عمر بن عبد العزيز يشتمون رجلا رضي الله عنه ، فلما ولي هو - عمر بن عبد العزيز - أمسك عن ذلك ، فقال كثير عزة الخزاعي : وليت فلم تشتم عليا ولم تخف بريا ولم تتبع مقالة مجرم تكلمت بالحق المبين وإنما تبين آيات الهدى بالتكلم فصدقت معروف الذي قلت بالذي فعلت فأضحى راضيا كل مسلم " وكان معاوية بن أبي سفيان هو الذي سن للناس لعن الخليفة الراشد ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنابر يوم الجمعة ، فجعل لعنه كأنه أحد أركان الخطبة ، ففي صحيح مسلم (4 / 1874 برقم 2409) عن سيدنا سهل بن سعد رضي الله عنه قال : " استعمل على المدينة رجل من آل مروان . قال فدعا سهل بن سعد . فأمره أن يشتم عليا . قال فأبى سهل . فقال له : أما إذا أبيت فقل : لعن الله أبا تراب . . . " ولم يمتثل لامره سهل رضي الله عنه قلت : ولما ولى معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة قال له : " ولست تاركا إيصاءك بخصلة : لا تترك شتم علي وذمه " انتهى من الكامل (3 / 472) ))
قلت كلامه ظلماتٌ بعضها فوق بعض
أما الرواية الأولى وهي رواية لوط بن يحيى قال : كان الولاة من بني أمية قبل عمر بن عبد العزيز يشتمون رجلا رضي الله عنه ، فلما ولي هو - عمر بن عبد العزيز - أمسك عن ذلك
فلوط بن يحيى هذا رافضي دجال
قال الذهبي في الميزان (( إخباري تالف لا يوثق به تركه أبو حاتم وغيره وقال الدارقطني: ضعيف وقال يحيى بن معين: ليس بثقة وقال مرة: ليس بشيء وقال ابن عدي: شيعي محترق صاحب أخبارهم قلت: روى عن الصعق بن زهير وجابر الجعفي ومجالد روى عنه المدايني وعبد الرحمن بن مغراء ومات قبل السبعين ومائة ))
هذا الرافضي يحتج السقاف بأخباره بينما يتهم معاوية بن صالح بالنصب ويسقط روايته في فضائل معاوية(1/139)
قاتل الله الهوى وأهله
وأما الرواية التي بعدها وهي قصيدة كثير عزة الخزاعي فهي أيضاً من أخبار لوط بن يحيى
وأما رواية (( ولست تاركا إيصاءك بخصلة : لا تترك شتم علي وذمه ))
فقد ذكرها ابن الأثير في الكامل بدون إسناد فهي معضلة وهي من إختلاقات الروافض ولا شك
وأما رواية الرجل من آل مروان الذي أمر بسب علي
فلا يجوز تعميم ذلك على كل بني أمية
كيف ذلك ورب العزة يقول (( لا تزر وازرة وزر أخرى ))
وهذا لم يحصل في زمن معاوية قطعاً فإن والي المدينة في زمن معاوية هو مروان بن الحكم نفسه
وسهل بن سعد هو آخر من مات من الصحابة في المدينة فقد عاش بعد معاوية طويلاً
وليس من العدل أن نحاسب معاوية بفعل سفيه جاء بعده بسنين طوال
وليس من العدل أن نحاسب بني أمية بفعل رجلٍ منهم
إذا علمت هذا تبين لك أن ما يردده الروافض الإناث من أن بني أمية كانوا يسبون علياً على المنابر من الإفك المبين
فمثل هذا من شأنه أن ينتشر
كيف لا؟ ودولة الإسلام كانت مترامية الأطراف في عهد بني أمية
فانفراد أفاكٍ كلوط برواية هذا يدل على أنه من اختلاقه ولا شك
ومما يتصل في مسألة سب علي رضي الله عنه وأرضاه تخريج حديث (( من سب علياً فقد سبني )) يحتج به بعض القوم على كفر من سب علي
والحديث رواه أحمد والنسائي في الكبرى والحاكم في المستدرك وغيرهم من طريق أبي إسحاق السبيعي عن أبي عبد الله الجدلي عن أم سلمة به
وأبو إسحاق مدلس وقد عنعن
بل إني أخشى أن يكون أبي إسحاق لم يسمع من أبي عبد الله أصلاً
فقد طعنوا في سماعه من جمع التابعين الذين أدركهم وأمكنه اللقيا بهم ( انظر ترجمته في تهذيب التهذيب )(1/140)
قال عبد العزيز الغماري _ وهو مشايخ القوم _ في كتابه (( بيان نكث الناكث )) المطبوع بتحقيق السقاف (( عنعنة المدلس لا يقبلها احد من أهل العلم مطلقا ، لا عند المحدثين ولا عند غيرهم . وأبو إسحاق السبيعى ذكره الحافظ - رحمه الله تعالى - في المرتبة الثالثة ، من " طبقات المدلسين " : 14 وقال : مشهور بالتدليس . بل نقل الحافظ في " تهذيب التهذيب (8/66) عن الجوزجاني : أنه قال : كان قوم من اهل الكوفة لا تحمد مذاهبهم - يعني التشيع - هم رؤوس محدثي الكوفة : أبو إسحاق ، والاعمش ، ومنصور ، وزبيد ، وغيرهم من اقرانهم ، احتملهم الناس على صدق السنتهم في الحديث ، ووقفوا عندما ارسلوا ، لما خافوا ان لا تكون مخارجها صحيحة . فأما أبو إسحاق ، فروى عن قوم لا يعرفون ، ولم ينتشر عند أهل العلم الا ما حكى ابو إسحاق عنهم . وهذا الكلام الذي قاله الجوزجاني - وان كان مردودا من جهة الطعن بالتشيع - فإنه اخبر فيه بأن أبا إسحاق يروي عمن لا يعرف ، ويرسل عنهم . فيجب على قوله هذا ترك عنعنته - كما هو معلوم - لاحتمال أنه أخذه عمن لا يعرف . ولهذا قال معن : أفسد حديث أهل الكوفة الاعمش وأبو إسحاق للتدليس))(1/141)
وقد جاء في جزء علي بن محمد الحميري حديث رقم 26 رواية الحديث من طريق عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، قَالَ : حَجَجْتُ وَأَنَا غُلَامٌ ، فَمَرَرْتُ بِالْمَدِينَةِ ، فَرَأَيْتُ النَّاسَ عُنُقًا وَاحِدًا ، فَأَتْبَعْتُهُمْ فَأَتَوْا أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبَيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَمِعْتُهَا وَهِيَ تَقُولُ : يَا شَبِيبَ بْنَ رِبْعِيٍّ ، فَأَجَابَهَا رَجُلٌ جِلْفٌ جَافٍ لَبَّيْكِ يَا أُمَّهْ ، فقَالَتْ : أَيُسَبُّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَادِيكُمْ ؟ ، فَقَالَ : إِنَّا نَقُولُ شَيْئًا نُرِيدُ عَرَضَ هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، فَقَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " مَنْ سَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ سَبَّنِي ، وَمَنْ سَبَّنِي سَبَّهُ اللَّهُ "
قلت وهذه الطريق معلولة باختلاط أبي إسحاق فإني لم أرَ من ذ كر ابن مسهر في الرواة عن أبي إسحاق قبل الإختلاط
ولا تصلح لتقوية الطريق الأولى لأنها هي الطريق الأولى نفسها وهذا يعد اضطراباً من أبي إسحاق في السند
وله شاهد من حديث ابن عباس عند الآجري في الشريعة حديث رقم (1494 )وفي سنده جعفر بن إدريس القزويني ضعفه الداراقطني كما في لسان الميزان و محمد بن زكريا الغلابي اتهمه الدارقطني بالوضع ووثقه ابن حبان كما في لسان الميزان
قلت فمثله لا يفرح بمتابعته
وقد وقع بين علي ومعاوية ما هو أشد من السباب وهو القتال ومع ذلك لم ينفِ النبي صلى الله عليه وسلم صفة الإيمان عمن قاتل علياً بل شهد لهم بالإيمان كما في حديث ابي بكرة في الصحيح وصحح خلافة معاوية كما شرحت سابقاً
الشبهة الخامسة(1/142)
قال السقاف في صفحة 237 (( وقد قتل معاوية أناسا من الصالحين من الصحابة والفضلاء من أجل السلطة ومن أولئك أيضا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد قال ابن جرير في " تاريخه " (3 / 202) وابن الاثير في الكامل (3 / 453) واللفظ له : " وكان سبب موته - عبد الرحمن بن خالد بن الوليد - أنه كان قد عظم شأنه عند أهل الشام ومالوا إليه لما عنده من آثار أبيه ولغنائه في بلاد الروم ولشدة بأسه ، فخافه معاوية وخشي منه وأمر ابن أثال النصراني أن يحتال في قتله وضمن له أن يضع عنه خراجه ما عاش وأن يوليه جباية خراج حمص ، فلما قدم عبد الرحمن من الروم دس إليه ابن أثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه ، فشربها ، فمات بحمص ، فوفى له معاوية بما ضمن له " اه* قلت : فهل يجوز قتل المسلم والله تعالى يقول في كتابه العزيز : (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) النساء : 93 ؟ ! وهل معاوية مستثنى من مثل هذه الآية ))
قلت لم يثبت هذا
فقد قال ابن جرير وكان السبب في ذلك ما حدثني عمر ( هو ابن شبه وهو ثقة )، قال: حدثني علي ( هو بن محمد أبو الحسن المدائني وهو ثقة )، عن مسلمة ابن محارب؛ أن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد كان قد عظم شأنه بالشأم وذكر بقية القصة
ومسلمة بن محارب لم أرَ فيه جرحاً ولا تعديلاً وهو عادة يروي عن معاوية بواسطة
فقد روى الطبراني في المعجم الكبير حديث 15588حديثاً من طريق مسلمة عن أبيه عن معاوية وهو حديث (( إِنَّ الْعَدُوَّ لَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْمٍ إِذَا هُمْ ))
والحديث موجودٌ في مصادر أخرى بهذا السند ولم أرى في والده جرحاً ولا تعديلاً
فعليه تكون روايته هنا منقطعة
ومثل هذا الأمر لا يطلع عليه إلا الخاصة
ومسلمة لم نعرفه حتى نتبين أكان من الخاصة أو العامة
وبهذا تظهر براءة خال المؤمنين من دم ابن سيف الله خالد بن الوليد(1/143)
وليتنبه القاريء لحذف السقاف للإسناد واعتماده على رواية ابن الأثير دون رواية ابن جرير رغم أن الأخير أعلى سنداً
وانظر كيف جعل عبد الرحمن بن خالد من الصالحين
ليجعل جرم معاوية أعظم
رغم أنه في ميزان السقاف ينبغي أن يكون ناصبياً
لأنه حارب مع معاوية في صفين
وإذا كان السقاف يجعل من البعض نواصب لمجرد أنهم من أهل الشام
فما بالك بمن قاتل مع معاوية ؟!
هذا كله إلزام فليتنبه
الشبهة السادسة
وقال السقاف 362 (( وقد قتل معاوية الصحابي الجليل حجر بن عدي عندما أنكر على عمال معاوية وولاته سب سيدنا علي رضي الله عنه ، وهذا شئ مشهور ، قال الحافظ ابن حجر في " الاصابة " (1 / 314) في ترجمته : وقتل بمرج عذراء بأمر معاوية ))
قلت زعم السقاف أن حجر بن عدي قتل بسبب إنكاره سب علي على المنابر كذبٌ صريح ولم يرد ذلك إلا في مرويات لوط بن يحيى وهشام الكلبي وكلاهما رافضيٌ متروك
وأما السبب في قتل حجر فقد جاء أنه شق عصا الطاعة
ويبدو أن معاوية قد تأول حديث (( إنه ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة ، وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان )) رواه مسلم من حديث عرفجة
والله اعلم بحقيقة الحال
وأما جعله حجر بن عدي صحابياً جليلاً مع كونه ينكر صحبة عبد الرحمن بن أبي عميرة فمن دلائل هواه وتلونه
فالأكثر على أن حجراً تابعي
قال الشيخ محمد زياد تكلة في رسالته المشار إليها (( ذكره في التابعين: يحيى بن معين، والبخاري، وأبوحاتم، وخليفة بن خياط، وابن سعد في موضع، وابن حِبّان، والدارقطني، وغيرهم، وقال أبوأحمد العسكري: أكثر أهل الحديث لا يصححون له صحبة. وقال ابن الجوزي: لم يثبت له صُحبة. انظر تاريخ دمشق (12/210) والبداية والنهاية (11/228) والإصابة (2/217) والإنابة لمغلطاي (1/155) ))
قلت وعده الحاكم من الصحابة في مستدركه وأثبت الذهبي صحبته في تاريخ الإسلام
ولم أقف على دليلٍ يثبت صحبته
الشبهة السابعة(1/144)
وقال السقاف في صفحة [ 237 ] (( ولذلك قال في حقه الحسن البصري رحمه الله تعالى كما في " الكامل " (3 / 487) : " أربع خصال كن في معاوية ، لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الامة بالسيف حتى أخذ الامر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة ، واستخلافه بعده ابنه سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير ، وادعاؤه زيادا ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " وقتله حجرا وأصحاب حجر ، فيا ويلا له من حجر ! ويا ويلا له من أصحاب حجر ))
قلت حاشا الحسن أن يقول مثل هذا الكلام بل إنه من اختلاق رافضي بغيض
وقد وجدته في تاريخ ابن جرير
من رواية هشام بن محمد الكلبي عن أبي مخنف: عن الصقعب بن زهير، عن الحسن
وهشام بن محمد له ترجمة حافلة في الميزان واللسان
قال الحافظ ناقلاً لكلام الذهبي (( هشام بن محمد بن السائب الكلبي أبوالمنذر الإخباري النسابة العلامة: روى عن أبيه أبي النضر الكلبي المفسر وعن مجالد وحدث عنه جماعة قال أحمد بن حنبل: إنما كان صاحب سمر ونسب ما ظننت أن أحداً يحدث عنه وقال الدارقطني وغيره متروك وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة بن الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما "وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً" قال "أسر إلى حفصة أن أبا بكر ولي الأمر من بعده وأن عمر واليه من بعد أبي بكر" فأخبرت بذلك عائشة رواه البلاذري في تاريخه وهشام لا يوثق به وقيل إن تصانيفه أزيد من مائة وخمسين مصنفا مات سنة أربع ومائتين انتهى
_ هنا يبدأ كلام الحافظ _
ومن الرواة عنه محمد بن سعيد وولده العباس بن هشام وكان واسع الحفظ جداً ومع ذلك ينسب إلى غفلة وقرأت في كتاب البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي عن الماهاني قال دخلت على هشام بن الكلبي فأطعمني وقال في كلام دار بيننا لما مات أبي ندم الخليفة أشد ندم.(1/145)
فقلت: أكان ضربه قال لا قلت: أكان حبسه قال لا ولكن كذا أخبرني سعيد غلامنا وهذا تحامل على بن الكلبي لاحتمال أن يكون ندمه لتفريطه في كثرة الأخذ عنه والاستفادة منه ونحو ذلك وذكره بن أبي طي في الإمامية وقص له قصة مع جعفر الصادق رحمه الله تعالى ولا أظن صحتها ونقله عن ابن معين أنه وقفه وليس كما قال ونقل أبو الفرج الأصبهاني عن أبي يعقوب الخزيمي قال كان هشام بن الكلبي علامة نسابة ورواية للمثالب عليه فإذا رأى الهيثم بن عدي ذاب كما يذوب الرصاص وذكر في ترجمة دريد بن الصمة عدة أخبار ثم ختمها بأن قال وهذه الأخبار التي ذكرها عن ابن الكلبي موضوعة كلها والتوليد في أشعارها ظاهر إلى أن قال ولعل هذا من أحاديث بن الكلبي وقال يحيى بن معين: غير ثقة وليس عن مثله يروى الحديث وقال أبو حاتم: هو أحب إلي من أبيه.
قلت: واتهمه الأصمعي وذكره العقيلي وابن الجارود وابن السكن وغيرهم في الضعفاء وبلغت كتبه كما عدها بن النديم في الفهرست مائة وأربعة وأربعين كتاباً ))
ولوط تقدم الكلام عليه
الشبهة الثامنة
قال السقاف في صفحة 238 (( وفي مسند الامام أحمد (5 /347) بسند رجاله رجال مسلم عن عبد الله بن بريدة قال : " دخلت أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفرش ثم أتينا بالطعام فأكلنا ثم أتينا بالشراب فشرب معاوية ، ثم ناول أبي ثم قال : ما شربته منذ حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . ))
قلت يريد السقاف بهذا إثبات أن معاوية كان يشرب الخمر
والرواية معلولة باضطراب زيد بن الحباب في متنه
فقد قال أحمد حدثنا زيد بن الحباب حدثني حسين بن واقد حدثنا عبد الله بن بريدة فذكره(1/146)
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة 29966 حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ : قَالَ : دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى مُعَاوِيَةَ ، فَأَجْلَسَ أَبِي عَلَى السَّرِيرِ وَأَتَى بِالطَّعَامِ فَأَطْعَمَنَا ، وَأَتَى بِشَرَابٍ فَشَرِبَ ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : " مَا شَيْءٌ كُنْتُ أَسْتَلِذُّهُ وَأَنَا شَابٌّ فَآخُذُهُ الْيَوْمَ إِلَّا اللَّبَنَ ، فَإِنِّي آخُذُهُ كَمَا كُنْتُ آخُذُهُ قَبْلَ الْيَوْمِ " وَالْحَدِيثُ الْحَسَنُ
قلت وهذا اللفظ يدل دلالةً صريحةً على أن معاوية كان يشرب اللبن لا غير
ولكن زيد بن الحباب مع و عدالته وضبطه نص الإمام أحمد على أنه كثير الخطأ ( انظر ترجمته في تهذيب التهذيب )
فجعل الحمل عليه في هذا الإضطراب في اللفظ أولى من توهيم أحمد أو ابن أبي شيبة وكلاهما حافظٌ كبير
الشبهة التاسعة
قال السقاف 237 (( وثبت في صحيح مسلم (2 / 1114 برقم 1480 أن النبي قال عنه لما شاورته في الزواج منه فاطمة بنت قيس : " صعلوك لا ماله " ))
قلت ليس في هذا الحديث أي مثلبة لمعاوية
بل هي منقبةٌ له
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم في دينه بشيء
بل غاية ما أخذ عليه الفقر
وقد كان جمعٌ من أكابر الصحابة فقراء
بل إن الله عز وجل وصف المهاجرين بالفقراء
وهذا يدل على أن معاوية لم يكن ممن يتألفهم النبي صلى الله عليه وسلم بإعطائهم المال
وقد ارتكب السقاف الأفاك خيانةً علميةً
حيث أورد الحديث على غير وجهه الصحيح
فالحديث تقول فيه فاطمة (( أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه. وأما معاوية فصعلوك لا مال له. انكحى أسامة بن زيد" فكرهته. ثم قال: "انكحى أسامة" فنكحته. فجعل الله فيه خيرا، واغتبطت))(1/147)
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال هذا عن معاوية في معرض المقارنة بينه وبين غيره
ولا خلاف بين العقلاء أن الحكم على الرجل مطلقاً يختلف عن الحكم على الرجل مقارنةً بغيره
والسقاف تنبه لهذا فبتر الحديث من سياقه
أو أنه لم يتنبه ولبلادته بتر الحديث من سياقه
ولم يدرك ما في ذلك من الخطورة
الشبهة العاشرة
قال السقاف في صفحة [ 242 ] (( . وأما قولك (وكاتب وحي رب العالمين) فليس بصحيح أيضا ، وذلك لان معاوية أسلم عام الفتح ، وهو وأبوه من الطلقاء وقد أسلم في أوقات قد فرغ فيها نزول الوحي ووصل عند قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) فماذا سيكتب معاوية بعد هذا ))
هذه من إتحافات سليل الأشراف العلامة المحدث حسن السقاف التي لا تجدها عند غيره
فهو يزعم أن الوحي انقطع عام الفتح عند إسلام معاوية وأبيه
ولو كان هذا الغر تتلمذ على علماء معتبرين
لما تفوه بهذا القيل الذي يجعل منه أضحوكةً لصبيان الكتاتيب
فإن الآية التي ذكرها قد ثبت في الصحيح أنها نزلت في حجة الوداع
قال البخاري4145 حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان الثوري، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب: أن أناسا من اليهود قالوا: لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، فقال عمر: أية آية؟ فقالوا: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}. فقال عمر: إني لأعلم أي مكان أنزلت، أنزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة
فهل يعرف هذا المهرطق كم بين عام الفتح وحجة الوداع
أفكر في إقامة درسٍ في السيرة لبعض الصبيان فإذا أراد السقاف أن يلتحق بالحلقة فليراسلني
لعله يعوض بعض النقص الذي عنده في جانب السيرة ويجد الإجابة على هذا السؤال مع فوائد أخرى
وهل يحفظ السقاف القرآن ؟
أشك في ذلك
لأنه لو كان يحفظه لاستحضر قوله تعالى (( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ))
وغزوة حنين كانت بعد الفتح وكذلك غزوة تبوك(1/148)
وقد نزلت آيات في الغزوتين
فكان مما نزل في غزوة تبوك قوله تعالى (( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ))
وقصة الثلاثة الذين خلفوا التي حدثت إثر هذه الغزوة مشهورة
و قد نزل على إثرها قوله تعالى (( وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ))
فبعد كل هذا
هل يصح أن يقال أن معاوية لم تكن عنده فرصةٌ لكتابة شيء من الوحي ؟
قاتل الله الأفاكين
واحتج السقاف بعد بقصة الذي كتب الوحي وارتد
وقد تقدم الجواب على هذا القياس الفاسد
الشبهة الحادية عشر
وقال السقاف في الصفحة نفسها (( وليكن معلوما أنه أيضا ما كتب للنبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاث رسائل . ثم ليعلم علما أكيدا أن كتابة معاوية للوحي على فرض أنها صحيحة كما يزعم ابن كثير ليست عاصمة له مما وقع فيه مما قدمنا بعضه وسنذكر تمامه في بحث علمي مستقل إن شاء الله تعالى ))
قلت ما هو الدليل على أن معاوية لم يكتب إلا ثلاث رسائل فقط
إن هي إلا من أكاذيب هذا الأفاك
وقد أتي من قلة علمه وبلادته
وأما بحثه العلمي المستقل
فقد عرف حاله من حال طليعته
وأما قوله أن هذه الفضيلة لا تعصمه مما ذكر
فأقول اثبت العرش ثم انقش
والفضائل لا تعصم من الأخطاء
كما أن الأخطاء لا تنفي الفضائل
وقد ثبت لمعاوية فضائل أعظم من هذه
وإنما تذكر كتابته للوحي للتدليل على أنه لم يكن منافقاً
وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد استأمنه على الوحي
الشبهة الثانية عشر(1/149)
وقال أيضاً في ص243 (( وأما من احتج بحديث : " الله الله في أصحابي لو انفق احدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " فنقول له : جاءت في صحيح مسلم وغيره من طرق مناسبة هذا الحديث حتى يعرف معناه وهو ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : كان بين خالد وعبد الرحمن بن عوف خصومة فسب خالد عبد الرحمن فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك : " دعوا لي أصحابي أو أصيحابي ، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا لم يدرك . مد أحدهم ولا نصيفه " . قال عنه الهيثمي في المجمع (10 / 15) " رجاله رجال الصحيح غير عاصم بن أبي النجود وقد وثق " اه* . قلت : وأخرجه مسلم برقم (2540) . فاصطلاح الصحابي عند الصحابة والسلف كان لمن له سابقة في الاسلام . ولنا رسالة طويلة الذيل في هذه المسألة استقصينا فيها البحوث المتعلقة بها بأدلتها سنطبعها بعون الله تعالى قريب ))
قلت إذا كان مسمى الصحابة لا يطلق إلا على من له سابقه في الإسلام
فلماذا جعلت حجر بن عدي صحابياً جليلاً ؟!
أم أنك كنت تلزمنا ؟
والجواب على هذا الإحتجاج
أن معنى الحديث أي لا تسبوا أصحابي الذين سبقوكم في الصحبة
وهذا لا ينفي صحبة خالد
ومثله حديث أبي الدرداء قال:
(((1/150)
كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه، حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما صاحبكم فقد غامر). فسلم وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى علي، فأقبلت إليك، فقال: (يغفر الله لك يا أبا بكر). ثلاثا، ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أثم أبو بكر، فقالوا: لا، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر، حت أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم، مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدق. وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي). مرتين، فما أوذي بعدها )) رواه البخاري 3461
فهل معنى هذا أن عمر لم يكن صحابياً ؟!
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له (فهل أنتم تاركوا صاحبي لي )
كما قال لخالد ( لا تسبوا أصحابي )
ومما يجلي لك المسألة ويوضحها علمك بأن خالداً قد ثبتت صحبته في القرآن الكريم
قال تعالى (( لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ))
ومعنى قوله تعالى ( منكم ) أي من الصحابة وهنا تكمن الدلالة فجعل سبحانه وتعالىمن أسلم قبل الفتح وقاتل من جنس من أنفق بعده وقاتل
مع كونهم متفاضلين
واختلف المفسرون في الفتح
هل هو صلح الحديبية ؟
أم فتح مكة
وسواءً كان المعنى هذا أو ذاك فإن خالداً داخلٌ في الآية لأنه أسلم بعد صلح الحديبية
والحسنى هي الجنة
قال تعالى (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ))
وهذا تعديلٌ ما بعده تعديل
فإذا كان الحديث لا يدل على نفي صحبة خالد والحديث جاء في حقه(1/151)
فهو لا يدل على نفي صحبة غيره من باب أولى
وقد ثبت عن ابن عباس أنه شهد لمعاوية بالصحبة فقال (( إنه قد صَحِبَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ))
رواه البخاري في جامعه الصحيح
وهذا يبين لك كذب السقاف في قوله (( فاصطلاح الصحابي عند الصحابة والسلف كان لمن له سابقة في الاسلام ))
وليعلم أن السبب في نهي النبي صلى الله عليه وسلم لخالد عن سب عبد الرحمن رضي الله عنهما
هو أن لعبد الرحمن رضي الله عنه سابقه
وظاهر الحديث يدل على هذا
وهذا ينطبق علينا تجاه خالد ومن أسلم بعده من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم
فهم نقلة الدين لنا ولهم سابقتهم
فينبغي أن نعف ألسنتنا عن الكلام فيهم
فوالله وبالله وتالله
لا نضر إلا أنفسنا بهذا الصنيع
الشبهة الثالثة عشر
قال السقاف في صفحة [ 237 ] (( وقد ثبت في صحيح مسلم برقم 2604) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم . قال له : " إذهب وادع لي معاوية " قال : فجئت فقلت : هو يأكل فقال صلى الله عليه وسلم : " لا أشبع الله بط))
قلت ليس في الحديث مثلبة لمعاوية بل منقبة فدعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليه نحسبه كفارةً له
عن أنس رضي الله قال :
" كانت عند أم سليم يتيمة و هي أم أنس , فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم
اليتيمة , فقال : آنت هي ? لقد كبرت لا كبر سنك فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي
فقالت أم سليم : ما لك يا بنية ? فقالت الجارية : دعا علي نبي الله صلى الله
عليه وسلم أن لا يكبر سني أبدا , أو قالت : قرني , فخرجت أم سليم مستعجله تلوث
خمارها حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ما لك يا أم سليم ? فقالت يا نبي الله , أدعوت على يتيمتي ? قال :
و ما ذاك يا أم سليم ? قالت : زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها , و لا يكبر قرنها
قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم قال :(1/152)
" يا أم سليم ! أما تعلمين أن شرطي على ربي ? أني اشترطت على ربي فقلت : إنما
أنا بشر أرضى كما يرضى البشر , و أغضب كما يغضب البشر , فأيما أحد دعوت عليه
من أمتي بدعوة ليس لها بأهل , أن يجعلها له طهورا و زكاة و قربة يقربه بها منه
يوم القيامة " .
رواه مسلم
فقل لي بربك ما الفرق الجوهري بين (لا أشبع الله بطنه ) و ( لا كبر سنك )
خصوصاً إذا علمنا أن من دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( لا أشبع الله بطنه)
قد دعا له بأن يقيه الله من العذاب
وهو ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد ( أوجبوا )
الشبهة الرابعة عشر
ومما يحتج به القوم
الحديث الذي رواه البلاذري ص 126 في أنساب الأشراف حدثني إسحاق وبكر بن الهيثم قالا حدثنا عبد الرزاق بن همام انبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت على غير ملتي، قال: وكنت تركت أبي قد وضع له وضوء، فكنت كحابس البول مخافة أن يجيء، قال: فطلع معاوية فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هو هذا
قلت وهذا السند واهي
فإن عبد الرزاق قد عمي وادخلت عليه أحاديث وقد أنكر العلماء أحاديث رواها في المناقب والمثالب
قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يُسأل عن حديث النار جبار فقال : هذا باطل ، ليس من هذا شيء . ثم قال : ومن يحدث به عن عبد الرزاق ؟ قلت : حدثني أحمد بن شبويه . قال : هؤلاء سمعوا بعدما عمي ، كان يُلقَّن فلقُِّنه ، وليس هو في كتبه ، وقد أسندوا عنه أحاديث ليست في كتبه كان يلقنها بعدما عمي
قلت هذا يعني أن روايته بعدما عمي واهية لاحتمال أن تكون مما أدخل عليه فتنبه(1/153)
وقال ابن عدي (( وقد روى أحاديث في الفضائل مما لا يوافقه عليه أحد من الثقات ، فهذا أعظم ما ذموه من روايته لهذه الأحاديث ، ولما رواه في مثالب غيرهم ، وأما في باب الصدق فإني أرجو أنه لا بأس به ، إلا أنه قد سبق منه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير ))
قلت والمنكر شديد الضعف
قال الذهبي في المغني في الضعفاء (( قلت كان يتشيع وقد قال أحمد إنه عمي في آخر عمره وكان يلقن فيتلقن فسماع من سمع منه بعد العمى لا شيء ))
وهذا غاية التحقيق ومعنى لا شيء أي شديدة الضعف لا يعتبر بها ولفظة (( ليس بشيء ))
من الجروح الشديدة عن أهل العلم
وقال أبو زرعة : أتينا عبد الرزاق قبل المئتين وهو صحيح البصر ، ومن سمع منه بعدما ذهب بصره ، فهو ضعيف السماع
قلت والرواة عنه هنا بكر بن الهيثم وهو مجهول
وإسحاق إما أن يكون ابن أبي إسرائيل إلى أننا لا ندري هل سمع من عبد الرزاق قبل أن يفقد بصره أم بعده
ولكن هناك ما قد يشكل وهو أن إسحاق بن أبي إسرائيل سمع هشام بن يوسف القاضي الصنعاني وقد مات في سنة سبع وتسعين ومائة و تغير عبد الرزاق كان في المائتين، فدل هذا على أن إسحاق رحل إلى صنعاء قديما وسماعه بها قديم
ويدفع هذا الإشكال بأن يقال يحتمل أن يكون له أكثر من رحلة إلى صنعاء ولا ندري في أي منها سمع عبدالرزاق ويحتمل أن يكون سمع منه قبل وبعد الإختلاط
ثم إن العلماء قد استنكروا على عبدالرزاق الأخبار في مناقب أهل البيت ومثالب غيرهم مطلقاً وبعض الحفاظ يرجعها إلى اختلاطه
ولهذا السند علة خفية
في منتخب العلل للخلال عن مهنا : [136- وسألت أحمد، عن حديث شريك، عن ليث، عن طاوس، عن عبدالله بن عمرو، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "يطلع عليكم رجل من أهل النار"، فطلع معاوية.
قال الخلال: رواه عبدالرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، قال: سمعت فرخاش يحدث هذا الحديث عن أبي، عن عبدالله ابن عمرو ))(1/154)
وأعله البخاري في « التاريخ الأوسط » (71) قال رحمه الله :ويروى عن معمر عن بن طاوس عن أبيه عن رجل عن عبدالله بن قال: إنما ابن طاوس، عن أبيه، عن عبدالله بن عمرو أو غيره، شك فيه عمرو رفعه في قصته وهذا منقطع لا يعتمد عليه ))
قلت وفرخاش هذا معتزلي من تلاميذ عمرو بن عبيد لم يوثقه أحد
ولعل ذكره سقط من نسخة أنساب الأشراف فإن نسخته المطبوعة رديئة
ثم قال البلاذري وحدثني عبد الله بن صالح حدثني يحيى بن آدم عن شريك عن ليث عن طاووس عن عبد الله بن عمرو قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت يوم يموت على غير ملتي، قال: وكنت تركت أبي يلبس ثيابه فخشيت أن يطلع، فطلع معاوية
قلت عبد الله بن صالح كاتب الليث فيه غفلةٌ شديدة فقد كان له جارٌ وضاع يضع في كتابه وهو يحدث بها بسلامة صدر
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سألت أبي عنه ، فقال : كان أول أمره متماسكًا ثم فسد بأخرة ، وليس هو بشيء . قال : وسمعت أبي ذكره يومًا فذمَّه وكرهه ، وقال : إنه روى عن الليث عن ابن أبي ذئب كتابا أو أحاديث وأنكر أن يكون الليث سمع من ابن أبي ذئب شيئًَا
قال صالح جزرة كان بن معين يوثقه كان يكذب في الحديث
قلت لم يكن من أهل الكذب ولكن كان من أهل الغفلة
قال أبو حفص بن شاهين: في كتاب جدي عن ابن رشدين - يعني أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد - قال : سمعت أحمد بن صالح يقول في عبد الله بن صالح : متهم ليس بشيء . وقال فيه قولًا شديدًا
وقال البردعي قلت لأبي زرعة رأيت بمصر أحاديث لعثمان بن صالح عن بن لهيعة يعني منكرة فقال لم يكن عثمان عندي ممن يكذب ولكن كان يسمع الحديث مع خالد بن نجيح وكان خالد إذا سمعوا من الشيخ أملى عليهم ما لم يسمعوا قبلوا به وبلي به
قال أحمد بن يحيى التستري عن أبي زرعة في حديث الفضائل وزاد وكان خالد يضع في كتب الشيوخ ما لم يسمعوا ويدلس لهم(1/155)
قلت في هذا كفاية لطالب الحق والليث ضعيف
وهذا الحديث مع شدة ضعفه وسقوطه من طريقيه
فقد وردت له علة
قال أحمد في مسنده 6361 حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ ذَهَبَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَلْبَسُ ثِيَابَهُ لِيَلْحَقَنِي ، فَقَالَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ : " لَيَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ لَعِينٌ " فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ وَجِلًا ، أَتَشَوَّفُ دَاخِلًا وَخَارِجًا ، حَتَّى دَخَلَ فُلَانٌ ، يَعْنِي الْحَكَمَ
قلت وإسناده قوي
وهذا الحديث هو الوجه المحفوظ لذاك الحديث المنكر
فإن مخرج الحديثين واحد
وقد ورد في الروايتين ما يدل على انهما رواية واحدة
وهو تخوف عبد الله بن عمرو
من أن يكون هذا الرجل هو أبوه
والإختلافات في الروايتين إنما جاءت من الوضاعين
هذا والله الموفق
وأما بالنسبة للبلاذري فقد ورد في ترجمته ما يدل على أن في عدالته نظر
قال الصفدي في الوافي بالوفيات (( وكان مع ذلك كثير الهجاء بذيء اللسان آخذاً لأعراض الناس))
قال عنه في السير (( العلامة الأديب المصنف ))
وهذا لا يعني أنه عدلٌ ضابط
فقد وصف الذهبي هشام بن محمد بن السائب بأنه علامة نسابة ثم جرحه بعدها
وذكروا أنه كان نسابةً متقناً
وعلم الأنساب والرواية شيء آخر
فهذا هشام بن محمد كان نسابة ولكنه متروكٌ في الرواية
وقولهم عن كتبه جياد
لا يعني تعديله في الرواية
لأنهم قد يعنون بجودتها جودة ضبطه لأسماء والأنساب
وإلا لو أردنا تنزيل هذه الألفاظ على المادة الحديثية للزمنا تجويد الموضوعات التي في كتبه
الشبهة الخامسة عشر(1/156)
ومن حججهم ما رواه الطبراني في الكبير(3/ 72) عن أبي مجلز قال: قال عمرو بن العاص ووالمغيرة بن شعبة لمعاوية: إن الحسن بن علي رجل عَيِيٌّ وإن له كلاما ورأيا وإنا قد علمنا كلامه فنتكلم كلامه فلا يجد كلاما، قال: لا تفعلوا، فأبوا عليه، فصعد عمروبن العاص المنبر فذكر عليا ووقع فيه ثم صعد المغيرة بن شعبة فحمد الله وأثنى عليه ثم وقع في علي ثم قيل للحسن بن علي: اصعد، فقال: لا أصعد ولا أتكلم حتى تعطوني إن قلتُ حقا أن تصدقوني وإن قلتُ باطلا أن تكذبوني، فأعطوه، فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه فقال: أنشدك بالله يا عمرو بن العاص ويا مغيرة أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لعن الله السائق والراكب) أحدهما فلان - أي معاوية - قالا: اللهم بلى، قال أنشدك بالله يا معاوية ويا مغيرة أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لعن عمرا - ابن العاص - بكل قافية قالها لعنة)، قالا: اللهم بلى، قال: أنشدك بالله يا عمرو بن العالص ويا معاوية بن أبي سفيان أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لعن قوم هذا) - أي المغيرة ابن شعبة - قالا: بلى، قال الحسن: فإني أحمد الله الذي وقعتم فيمن تبرأ من هذا) قال يعني الهيثمي: وذكر الحديث، رواه الطبراني عن شيخه زكريا بن يحيى الساجي قال الذهبي أحد الأثبات ما علمت فيه جرحا أصلا وقال ابن القطان مختلف فيه في الحديث وثقه قوم وضعفه آخرون وبقية رجاله رجال الصحيح).
قلت الرواية ضعيفة لأنها من رواية أبي مجلز عن الحسن بن علي
وقد نص ابن معين على أن رواية أبي مجلز عن الحسن مرسلة _كما في ترجمة أبي مجلز في التهذيب _
وقال بن أبي خيثمة سئل بن معين عن حديث التيمي عن أبي مجلز أن بن عباس والحسن بن علي مرت بهما جنازة فقال مرسل
ولا يعزب عن ذهنك أن موت الحسن قد تقدم على موت ابن عباس
كما أن الهيثمي لم يصحح الحديث كما زعم البعض فقوله (( رجاله رجال الصحيح ))(1/157)
لا يستلزم التصحيح لأن من رجال الصحيح من هو مدلس روى له أصحاب الصحيح صرح فيه بالتحديث كالوليد بن مسلم
ومنهم من هو ليس مدلس ولكنه مختلط وأصحاب الصحيح رووا له ما كان قبل الإختلاط كسعيد بن أبي عروبة
ومنهم من هو ضعيف في بعض شيوخه _ وإن كانوا هم من رواة الصحيح _ كمعمر بن راشد فروى له أصحاب الصحيح ما رواه عن شيوخه الذين أتقن حديثهم
ومنهم من روى عن شيوخ لم يسمعهم كيحيى بن أبي كثير فروى له أصحاب الصحاح ما رواه عن شيوخه الذين سمعهم وهذا هو حال أبي مجلز
الشبهة السادسة عشر(1/158)
ومن حججهم على ثلب معاوية ما جاء في ( المسند للشاشي) الحديث رقم :1196 حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني نا محمد بن عباد نا يحيى بن سليم عن ابن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه أن عبادة بن الصامت : مرت عليه قطارة وهو بالشام تحمل الخمر فقال: ما هذه؟ أزيت؟ قيل: لا بل خمر تباع لفلان ـ قال الرافضي أي معاوية كما جاء مرصحا به في الروايات الأخرى ــــ فأخذ شفرة من السوق فقام إليها ولم يذر منها راوية إلا بقرها وأبو هريرة إذ ذاك بالشام فأرسل فلان ــ قال الرافضي أي معاوية ــ إلى أبي هريرة فقال: ألا تمسك عنا أخاك عبادة بن الصامت: إما بالغدوات فيغدو إلى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم وإما بالعشي فيقعد بالمسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا فأمسك عنا أخاك فأقبل أبو هريرة يمشي حتى دخل على عبادة فقال: يا عبادة ما لك ولمعاوية؟ ذره وما حمل فإن الله يقول: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم) قال: يا أبا هريرة لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن نقول في الله لا تأخذنا في الله لومة لائم وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب فنمنعه ما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا ولنا الجنة ومن وفى وفى الله له الجنة بما بايع عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، فلا يكلمه أبو هريرة بشيء، فكتب فلان ـ أي معاوية ـ إلى عثمان بالمدينة أن عبادة بن الصامت قد أفسد علي الشام وأهله فإما أن يكف عنا عبادة بن الصامت وإما أن أخلي بينه وبين الشام فكتب عثمان إلى فلان ـ أي معاوية ـ أدخله إلى داره من المدينة فبعث به فلان ـ أي معاوية ـ حتى قدم المدينة فدخل على عثمان الدار وليس فيها إلا رجل من السابقين بعينه ومن التابعين الذين أدركوا القوم متوافرين فلم(1/159)
يهم عثمان به إلا وهو قاعد في جانب الدار فالتفت إليه فقال: ما لنا ولك يا عبادة؟ فقام عبادة قائما وانتصب لهم في الدار فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا القاسم يقول: (سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى الله فلا تضلوا بربكم) فوالذي نفس عبادة بيده إن فلانا لمن أولئك فما راجعه عثمان بحرف ))
قلت الرواية مرسلة فإن الحادثة حدثت في الشام وعبيد بن رفاعة تابعي مدني كما ذكر ذلك العجلي في ثقاته
فلا بد من واسطة
وخصوصاً أنه لا تعرف له رواية عن عبادة ولا عن أبي هريرة
والرواية فيها أن الذين كانوا يبيعون الخمر ويشترونه هم أهل الذمة
وهذا واضح من قول معاوية (( إما بالغدوات فيغدو إلى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم ))
مما احتج القوم لتدعيم رواية بيع معاوية للخمر ما جاء في (المستدرك على الصحيحين) للحاكم الحديث رقم: 5541 : عن عبد الرحمن بن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر عن عبادة بن الصامت أنه دخل على عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( سيليكم أمراء بعدي يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فمن أدرك ذلك منكم فلا طاعة لمن عصى الله) .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد رواه زهير بن معاوية ومسلم بن خالد الزنجي عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم بزيادات فيه: أخبرني عبد الله بن محمد بن موسى العدل ثنا علي بن الحسين بن الجنيد ثنا المعافى بن سليمان الحراني ثنا زهير عن إسماعيل بن عبيد بنحوه
قلت فيه محمد بن كثير المصيصي وهو صدوق كثير الخطأ وقد خولف في السند والمتن فالرواية السابقة في مسند الشاشي _ وهي أصح _ فيها أن الحديث قاله عبادة وليس في هذه الرواية ذكر لمعاوية كما ترى(1/160)
وجاء في (مصنف ابن أبي شيبة) الحديث رقم: 37054 عن أزهر بن عبد الله قال أقبل عبادة بن الصامت حاجا من الشام فقدم المدينة فأتى عثمان بن عفان فقال: يا عثمان ألا أخبرك شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى قلت: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ستكون عليكم أمراء يأمرونكم بما تعرفون ويعملون ما تنكرون فليس لأولئك عليكم طاعة).
في سنده أزهر بن عبدالله قال أبو حاتم لا أدري من هو وذكره ابن حبان في الثقات كما في اللسان للحافظ
ولا ندري أسمع من عبادة أم لم يسمع وفي سنده الأعشى بن عبد الرحمن انفرد ابن حبان بذكره في الثقات وقال الحافظ في التقريب (( مقبول )) أي حين يتابع وغلا فلين كما بين ذلك في مقدمته على التقريب
وهذه الرواية ليس فيها ذكر لمعاوية رضي الله عنه
الشبهة السابعة عشر
ومن حججهم على ثلب معاوية
ما رواه البلاذري في أنساب الأشراف حدثني خلف بن هشام البزاز حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "معاوية في تابوت مقفل عليه في جهنم".
قلت هذا مرسل سالم بن أبي الجعد تابعي وقد طعنوا في سماعه من جمع من الصحابة فضلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقال الذهلي عن أحمد لم يسمع سالم من ثوبان ولم يلقه بينهما معدان بن أبي طلحة وليست هذه الأحاديث بصحاح
قلت فما بالك بما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال أبو زرعة سالم بن أبي الجعد عن عمر وعثمان وعلي مرسل قال علي لم يلق بن مسعود ولا عائشة وقال أبو حاتم أدرك أبا أمامة ولم يدرك عمرو بن عبسة ولا أبا الدرداء ولا ثوبان وقال البخاري لا يعرف لسالم من جابان سماع وقال البخاري في التاريخ الصغير لا أرى سالماً سمع زياداً يعني بن لبيد
انظر هذا كله في ترجمته في التهذيب
والبلاذري قد تقدم الكلام عليه وانفراده بمثل هذا عن أبي عوانة عن الأعمش
منكر
الشبهة الثامنة عشر(1/161)
ومن حججهم ما رواه في (معرفة الصحابة) لأبي نعيم الحديث رقم: 4810 : عن نصر بن عاصم، عن أبيه، قال: دخلتُ مسجد المدينة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: نعوذ بالله من غضب الله ورسوله، قال: قلتُ: مم ذاك؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب آنفا، فقام رجلٌ فأخذ بيد أبيه، ثم خرجا، - هو معاوية وأبوه: أبو سفيان - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله القائد والمقود، ويل لهذه الأمة من فلان ذي الاستاه).
وجاء في(المعجم الكبير) للطبراني الحديث رقم: 114593: عن نصر بن عاصم الليثي، عن أبيه، قال: دخلتُ مسجد المدينة فإذا الناس يقولون: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله قال: قلت: ماذا قالوا؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على منبره فقام رجل فأخذ بيد ابنه فأخرجه من المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله القائد والمقود، ويل لهذه يوما لهذه الأمة من فلان ذي الاستاه).
وجاء في( الآحاد والمثاني) لابن أبي عاصم الحديث رقم: 858 : عن نصر بن عاصم الليثي، عن أبيه قال: دخلتُ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقولون: نعوذ بالله عز وجل من غضب الله ورسوله، قلت: ما شأنكم؟ قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله القائد والمقود به).
قلت هذا الخبر إسناده غريب فقد رواه سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ الطَّاحِيُّ ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ
ولم أقف على رواية لسعيد عن نصر إلا في هذا الحديث
وهذا هو حديث عاصم الليثي الوحيد
وله علة قد تخفى على الكثير وهي الإنقطاع بين نصر وأبيه
فإن قال قائل كيف هذا ؟
قلنا كثيرٌ من الرواة لم يسمعوا من أبائهم لأنهم ماتوا عنهم وهم صغار
ولا نعرف تاريخ ولادة نصر ولا تاريخ وفاة أبيه فهذا الإحتمال وارد
والرواية لا تقتضي السماع كما لا يخفى على صغار الطلبة
ثم إن هذه الرواية ليس فيها التصريح بكون المقصود هو معاوية(1/162)
إنما جاء ذلك في رواية ابن سعد في الطبقات
قال ابن سعد أخبرت عن أبي مالك كثير بن يحيى البصري قال حدثنا غسان بن مضر قال حدثنا سعيد بن يزيد عن نصر بن عاصم الليثي عن أبيه قال دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله قلت ما هذا قالوا معاوية مر قبيل أخذ بيد أبيه ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخرجان من المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما قولا
إبهام الواسطة بين ابن سعد و كثير بن يحيى واضح
فلا يصح الإعتماد على هذه الرواية لتبيين المبهم
واعتمدوا على رواية أخرى في تعيين المبهم
قال الروياني في مسنده 333 نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، أنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، نا سَلَمَةُ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : مَرَّ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَاوِيَةُ خَلْفَهُ وَرَسُولُ اللَّهِ فِي قُبَّةٍ ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا مُسْتَهًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِصَاحِبِ الْأُسْتَهِ "
فقالوا هذا صريحٌ بتسمية معاوية
والجواب أن هذه الرواية معلولة بعنعنة ابن إسحاق إذ أنه مدلس
ثم إن هذه الرواية تختلف في المتن تماماً عن الرواية السابقة
فالرواية السابقة فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب
على خلاف هذه الرواية
في تلك يقول (( ويل لهذه الأمة من فلان ذي الاستاه ))
وفي هذه يقول (( اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِصَاحِبِ الْأُسْتَهِ ))
والعجيب أن منهم من عضد هذه الروايات الساقطة برواية الحسن السابقة التي ينقل فيها الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (( لعن الله السائق والراكب )) يعني معاوية وأبيه(1/163)
والمتن غير المتن كما ترى
هذا مع التنبه لضعف رواية الحسن
فهذه بضاعة القوم كما ترى روايات ضعيفة مضطربة
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن دعا لمعاوية بأن يقيه الله من العذاب
فهذا مما يؤكد نكارة هذه الروايات
واحتجوا لتعضيد رواية الروياني السابقة بما جاء في المعجم الأوسط للطبراني ج: 4 ص: 208
3994 حدثنا علي بن سعيد الرازي قال نا عبد الرحمن بن سلم الرازي قال نا سلمة بن الفضل عن محمد بن اسحاق عن سلمة بن كهيل عن إبراهيم بن البراء عن البراء بن عازب قال: مر أبو سفيان ومعاوية خلفه وكان رجلا مستها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( اللهم عليك بصاحب الأستاه).
قلت وإسناد الروياني كان عن محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن البراء عن البراء
أما هذا فعن محمد بن إسحاق عن سلمة بن كهيل عن إبراهيم بن البراء عن البراء
فكان ماذا ؟
العلة ما زالت قائمة وهي عنعنة ابن إسحاق ولا يقبل منه إلا ما صرح به بالتحديث
قال أحمد بن حنبل : كان ابن إسحاق يدلس إلا أن كتاب إبراهيم بن سعد إذا كان سماع قال : حدثني ، وإذا لم يكن قال : قال . وقال أبو عبد الله : قدم محمد بن إسحاق إلى بغداد فكان لا يبالي عن من يحكي عن الكلبي وغيره
ونقل الذهبي في الميزان عن أحمد أنه قال: هو كثير التدليس جدا
وقال ابن المديني أن حديث بن إسحاق ليتبين فيه الصدق يروي مرة حدثني أبو الزناد ومره ذكر أبو الزناد وهو من أروى الناس عن سالم أبي النضر وروى عن رجل عنه وهو من أروى الناس عن عمرو بن شعيب وروى عن رجل عن أيوب عنه
الشبهة التاسعة عشر(1/164)
واحتجوا بما أخرج محمد بن يعقوب البسوي في (المعرفة والتاريخ)3/318 وابن أبي شيبة في (المصنف)6/ 187 وابن سعد في (الطبقات الكبرى) القسم الضائع الطبقة الرابعة من الصحابة1/117-118، وابن عساكر في (تاريخ دمشق)16/719،: عن سعيد بن سويد قال: صلَّى بنا معاوية الجمعة بالنخيلة في الضحى ثم خطبنا فقال: (ما قاتَلتُكُم لتصلُّوا ولا لتصُومُوا ولا لتحُجُّوا ولا لتُزَكُّوا وقد عرفتُ أنَّكم تفعلُون ذلك، ولكن إنما قاتلتُكُم لأتأمَّر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كَارِهُون)
قلت سويد بن سعيد هو الكلبي هذا قال عنه البخاري لا يتابع في حديثه وانفرد بتوثيقه ابن حبان فهو مجهول الحال
ولا يحتمل منه التفرد بمثل هذا
واعلم ان العزو للمصادر السابقة من المعترض
الشبهة العشرون
ومما احتجوا به على ثلب معاوية ما جاء في (المعرفة والتاريخ) للبسوي3/353 وغيره : (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (خلافة النبوة ثلاثون عاماً ثم يؤتي الله ملكه من يشاء) فقال معاوية : رضينا بالملك)(!!!).
وقال ابن عبد البر في (جامع بيان العلم وفضله)2/1174: أخبرنا عبد بن أحمد إجازة حدثنا أحمد بن عبدان ثنا عبد الله بن سليمان ثنا إبراهيم بن الحسن المقسمي ثنا حجاج بن محمد حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: (وفدتُ مع أبي على معاوية، أوفَدنا إليه زياد، فدخلنا على معاوية فقال: حدِّثنا يا أبا بكرة، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (الخلافة ثلاثون ثم يكون الملك) قال: فأمَرَ بنا فَوُجِئَ في أقفائنا حتى أُخرِجنا)(!!!).(1/165)
وجاء في (مسند أحمد)5/50: (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: وفدنا مع زياد إلى معاوية بن أبي سفيان وفينا أبو بكرة فلما قدمنا عليه لم يعجب بوفد ما أعجب بنا فقال يا أبا بكرة حدثنا بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الرؤيا الحسنة ويسأل عنها، فقال ذات يوم: (أيكم رأى رؤيا)؟ فقال رجل: أنا رأيتُ كأن ميزاناً دلّى من السماء فوزنتَ أنت وأبو بكر فرجحتَ بأبي بكر، ثم وزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر بعمر، ثم وزن عمر بعثمان فرجح عمر بعثمان، ثم رفع الميزان. فاستاء لها ـ وقد قال حماد أيضاً: فساءه ذاك ـ ثم قال: (خلافة نبوَّة ثم يؤتي الله تبارك وتعالى الملك من يشاء) قال: فزخَّ في قفائنا(!!!) فأخرجنا(!!!)، فقال زياد: لا أبا لك(!!!)، أما وجَدتَ غير ذا؟(!!!) حدِّثه بغير ذا.(!!!) قال: لا والله، لا أحدِّثه إلا بذا حتى أفارقه(!!!) فتركنا. ثم دعا بنا فقال: يا أبا بكرة حدِّثنا بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فبكعه به(!!!) فزخَّ في قفائنا(!!!) فأخرجنا(!!!) فقال زياد: لا أبا لك أما تجد غير ذا (!!!) ؟ حدِّثه بغير ذا ؟!! فقال: لا والله، لا أحدِّثه إلا به حتى أفارقه(!!!)، قال: ثم تركنا أياماً، ثم دعا بنا، فقال: يا أبا بكرة حدِّثنا بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فبكعه به!!! فقال معاوية: أتقول المُلك؟ فقد رضينا بالمُلك )؟!!!(1/166)
وجاء في (مسند الطيالسي)1/116 و(مصنف ابن أبي شيبة)6/352: (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: وفدنا إلى معاوية مع زياد ومعنا أبو بكرة فدخلنا عليه فقال له معاوية: حدِّثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عسى الله أن ينفعنا به، قال: نعم كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الرؤيا الصالحة ويسأل عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: (أيكم رأى رؤيا)؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله إني رأيتُ رؤيا، رأيتُ كأن ميزاناً دُلِّيَ من السماء فوزنتَ أنت وأبو بكر فرجحتَ بأبي بكر، ثم وزن أبو بكر بعمر فرجح أبو بكر بعمر، ثم وزن عمر بعثمان فرجح عمر بعثمان، ثم رُفِعَ الميزان، فاستاء لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء) فغَضبَ معاوية(!!!) فزخَّ في قفائنا(!!!) وأخرجنا(!!!) فقال زياد لأبي بكرة: أما وجَدتَ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً غير هذا؟!! قال: والله لا أحدِّثه إلا به حتى أفارقه(!!!) قال: فلم يزل زياد يطلب الإذن حتى أذن لنا، فأُدخِلنا فقال معاوية: يا أبا بكرة حدِّثنا بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله أن ينفعنا به، قال: فحدَّثه أيضاً بمثل حديثه الأوَّل، فقال له معاوية: لا أبا لك(!!!) تخبرنا أنا ملوك(!!!) فقد رضينا أن نكون مُلوكاً)(!!!).
قال في (لسان العرب)3/20: (زَخَّ في قفاه يَزُخُّ زَخّاً دفع... ومنه حديث أبي بكرة ودخولهم على معاوية قال: فزَخَّ في أقفائنا أي: دُفِعنا وأُخرِجنا)
وفي (غريب الحديث) لابن قتيبة2/140، و(النهاية في غريب الحديث)2/298: (زُخَّ في قفا فلان حتى أخرج من الباب... ومنه حديث أبى بكرة حين حدَّث معاوية بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خلافة نبوة ثم يؤني الله الملك من يشاء) قال: فزخَّ في أقفائنا).(1/167)
وفي (النهاية في غريب الحديث) (1/149 )بكعت الرجل بكعاً إذا استقبلته بما يكره، وهو نحو التقريع، ومنه حديث أبي بكرة ومعاوية رضي الله عنهما فبكعه به فزخَّ في أقفائنا.
وفي (لسان العرب)8/19 )و بَكَّعَه و بَكَعَه بَكْعاً: استقبله بما يكره وبكَّته وفي حديث أبي موسى قال له رجل: ما قلت هذه الكلمة ولقد خشيتُ أن تبكعني بها، البكع والتبكيت: أن تستقبل الرجل بما يكره، ومنه حديث أبي بكرة ومعاوية)
قلت التعجب من المعترض _ وهو غير السقاف _ وهذه طريقته في سرد الأدلة وهي طريقة فيها تطويل لا داعي له والإنتقاد هنا على معاوية أخلاقي أيضاً إذ كيف يفعل هذا بأبي بكرة
والواقع أن الحديث ضعيف لا حجة فيه
فقد تفرد به علي بن زيد بن جدعان
قال ابن سعد ولد وهو أعمى وكان كثير الحديث وفيه ضعف ولا يحتج به
وقال عبد الله بن أحمد سئل أبي سمع الحسن من سراقة فقال لا هذا علي بن زيد يعني يرويه كأنه لم يقنع به وقال أحمد ليس بشيء
وقال بن أبي خيثمة عن يحيى ضعيف في كل شيء
وفي رواية الدوري ليس بحجة وقال مرة ليس بشيء
الله وقال العجلي كان يتشيع لا بأس به وقال مرة يكتب حديثه وليس بالقوي
قلت معنى يكتب حديثه يعني للإعتبار
هو وقال الجوزجاني واهي الحديث ضعيف وفيه ميل عن القصد لا يحتج بحديثه
وقال أبو زرعة ليس بقوي وقال أبو حاتم ليس بقوي يكتب حديثه ولا يحتج به وهو أحب إلي من يزيد بن زياد وكان ضريراً وكان يتشيع
وقال بن خزيمة لا أحتج به لسوء حفظه
قلت كلمات الأئمة تكاد تكون مطبقة على عدم الإحتجاج به مما يدل أنهم يقصدومن بقولهم عنه ضعيف أي لا يحتج به
ولم يفرق الأئمة بين مروياته بل إن ابن معين ضعفه في كل أحواله
وسيأتي أن أنكر أحاديثه كان من رواية حماد بن سلمة عنه
فالتشبث بعد ذلك بقول الترمذي (( صدوق إلا أنه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره ))
لا معنى له
وقال البزار (( صدوق ))
فقال بعضهم أن البزار بصري وعلي بن زيد بصري فهو أعلم به(1/168)
وهذا فيه نظر شديد
فإن أعيان تلاميذ علي بن زيد قد جرحوه
وقال معاذ بن معاذ عن شعبة حدثنا علي بن زيد قبل أن يختلط وقال أبو الوليد وغيره عن شعبة ثنا علي بن زيد وكان رفاعاً
وهذا الإختلاط أنكره يحيى بن معين وشعبة أعلم بشيخه
وقال سليمان بن حرب عن حماد بن زيد ثنا علي بن زيد وكان يقلب الأحاديث وفي رواية كان يحدثنا اليوم بالحديث ثم يحدثنا غدا فكأنه ليس ذلك
وقال أبو معمر القطيعي عن بن عيينة كتبت عن علي بن زيد كتاباً كثيراً فتركته زهداً فيه
ثم إن البزار لم يعاصر علي
فسبيله في الحكم عليه سبر المرويات كغيره من الأئمة
وقال بن حبان يهم ويخطئ فكثر ذلك منه فاستحق الترك وقال غيره أنكر ما روى ما حدث به حماد بن سلمة عنه عن أبي نضرة عن أبي سعيد رفعه إذا رأيتم معاوية على هذه الأعواد فاقتلوه
قلت كما أنه كان متشيعاً بل اتهمه يزيد بن زريع بالرفض
وليعلم أن هذا الحديث فيه حجةٌ على الغلاة الذين يتهمون معاوية بالنفاق
إذ كيف يعده النبي صلى الله عليه وسلم من ملوك المسلمين وهو منافق ؟!
الشبهة الثانية والعشرون
جاء في (معرفة الصحابة) لأبي نعيم:
4111 حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا إسماعيل بن موسى السدي ثنا أبو تميلة يحيى بن واضح عن محمد بن إسحاق عن بردة بن سفيان عن محمد بن كعب القرظي قال: غزا عبد الرحمن بن سهل الأنصاري في زمان عثمان ومعاوية أمير على الشام فمرَت به روايا خمر تُحمَل لمعاوية فقام إليها عبد الرحمن برمحه فنقر كل راوية منها فناوشه غلمانه حتى بلغ مثأنة (شأنه: صح) معاوية فقال: دعوه فإنه شيخ قد ذهب عقله فقال: كذب والله ما ذهب عقلي ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندخل بطوننا وأسقيتنا ـ خمرا ـ وأحلف بالله لئن أنا بقيت حتى أرى في معاوية ما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبقرن بطنه ولأموتن دونه)
وهذه الرواية يحتجون بها على بيع معاوية للخمر(1/169)
وفي السند محمد بن كعب القرظي لم يدرك الحادثة لأنه ولد في آخر خلافة علي كما نص على ذلك يعقوب بن شيبة ونقله عنه الحافظ في التهذيب
وأما قول قتيبة بأنه ولد في عصر النبي صلى الله عليه وسلم
فقال الحافظ (( وما تقدم نقله عن قتيبة من أنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا حقيقة له وإنما الذي ولد في عهده هو أبوه فقد ذكروا أنه كان من سبي قريظة ممن لم يحتلم ولم ينبت فخلوا سبيله حكى ذلك البخاري في ترجمة محمد ))
قلت وقتيبة لم يجزم بشيء بل قال (( بلغني ))
وعنعنة ابن إسحاق علةٌ أخرى
ثم إن في السند بردة بن سفيان لم أقف على ترجمة له ولم أجد له حديثاً غير هذا
الشبهة الثالثة والعشرون
وجاء في (مسند أبي يعلى)12/139-140: حدثنا إسماعيل بن موسى بن بنت السدي حدثنا سعيد بن خثيم الهلالي عن الوليد بن يسار الهمداني عن علي بن أبي طلحة مولى بني أمية قال:حجَّ معاوية بن أبي سفيان وحجَّ معه معاوية بن حُدَيج وكان مِن أَسَب النَّاس لِعَلِي!!! قال: فمرَّ في المدينة وحَسَن بن علي ونفَرٌ مِن أصحابه جالسٌ، فقيل له: هذا معاوية بن حُدَيج السَّاب لعَلِي، قال: عَلَيَّ بالرَّجل، قال: فأتاه رسولٌ فقال: أجِبهُ، قال: مَن؟ قال: الحسَن بن علي يدعُوك إليه، فقال له الحسَن: أنتَ معاوية بن حُدَيج؟ قال: نعم، قال: فردَّ ذلك عليه، قال: فأنتَ السَّاب لِعَلِيٍّ؟!! قال: فكأنه استحيا فقال له الحسَن: أما والله لئن وردتَ عليه الحوض وما أراك ترِده لتَجِدَنَّه مشمراً الإزار على ساق يذود عنه رايات المنافقين ذَود غريبة الإبل، قول الصَّادِق المصدُوق، وقد خاب مَن افترى).(1/170)
وقال الحاكم في (المستدرك على الصحيحين)3/148: أخبرني علي بن عبد الرحمن بن عيسى السبيعي بالكوفة ثنا الحسين بن الحكم الجيزي ثنا الحسين بن الحسن الأشقر ثنا سعيد بن خثيم الهلالي عن الوليد بن يسار الهمداني عن علي بن أبي طلحة قال: حججنا فمرَرنا على الحسَن بن علي بالمدينة ومعنا معاوية بن حُدَيج فقيل للحسَن: إنَّ هذا معاوية بن حُدَيج السَّاب لعَلِيٍّ!!! فقال: عَلَيَّ به، فأُتِيَ به، فقال: أنتَ السَّاب لِعَلِيٍّ؟ فقال: ما فعلتُ!!! فقال: والله إن لقيتَه وما أحسبُك تلقاه يوم القيامة لتجِدنَّه قائماً على حوض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذود عنه رايات المنافقين بيده عصا من عوسج، حدَّثَنِيه الصَّادق المصدُوق صلى الله عليه وآله وسلم، وقد خاب مَن افترى) قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه).
وقال الطبراني في (المعجم الكبير)3/91: حدثنا علي بن إسحاق الوزير الأصبهاني ثنا إسماعيل بن موسى السدوسي ثنا سعيد بن خثيم الهلالي عن الوليد بن يسار الهمداني عن علي بن أبي طلحة مولى بني أمية قال:حجَّ معاوية بن أبي سفيان وحجَّ معه معاوية بن حديج وكان مِن أَسَب النَّاس لِعَلِيٍّ!!! فمرَّ في المدينة في مسجد الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحسَن بن علي جالِس في نفَر مِن أصحابه فقيل له: هذا معاوية بن حُدَيج السَّاب لِعَلِيٍّ رضي الله عنه، فقال: عَلَيَّ بالرَّجل، فأتاه الرسول فقال: أجِب، قال: مَن؟ قال: الحسَن بن علي يدعُوك إليه، فقال له الحسَن بن علي رضي الله عنه: أنتَ معاوية بن حُدَيج؟ قال: نعم، فرَّد عليه ثلاثاً، فقال له الحسَن: السَّاب لِعَلِيٍّ؟!! فكأنه استَحيىَ، فقال له الحسنَ رضي الله عنه: أمَّا والله لئِن وردتَ عليه الحوض وما أراك أن ترِدَه لتجدَنَّه مشمِّراً الإزار على ساق يذُود المنافقين ذَود غريبة الإبل، قول الصَّادق المصدُوق صلى الله عليه وآله وسلم، وقد خاب مَن افترَى).(1/171)
احتجوا بهذه القصة على أن معاوية كان يحرض الناس على سب علي ويصحب من يسب علياً ويقدمه
والرواية لا تصح
فالوليد بن يسار الهمذاني لم أقف له على ترجمة
إنما وجدت ترجمة لسمي له خزاعي
ولم أرى فيه جرحاً ولا تعديلاً
وعلي بن أبي طلحة مولى بني امية لم يعرفه الهيثمي ولم أقف له على ترجمة
ولا يعرف هل أدرك هذه الحادثة أم لم يدركها
ورواية الحاكم التي فيها التصريح بأنه كان معهم
فيها شيخ الحاكم علي بن عبد الرحمن بن عيسى السبيعي
لم أقف له على ترجمة
والحسين بن الحكم ترجمه الذهبي في تاريخ الإسلام ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً
الشبهة الرابعة والعشرون
وقال الطبراني في (المعجم الكبير)3/81: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ح وحدثنا عبد الرحمن بن سلم الرازي قالا: ثنا عباد بن يعقوب الأسدي ثنا علي بن عابس عن بدر بن الخليل أبي الخليل عن أبي كبير قال: (كُنتُ جالساً عند الحسَن بن علي رضي الله عنه فجاءه رجُلٌ فقال: لقد سُبَّ عند معاوية علياً رضي الله عنه سباً قبيحاً رجل يقال له معاوية يعني بن حُدَيج!!! قال: تعرفه؟ قال: نعم، قال: إذا رأيتَه فائتِني به، قال: فرآه عند دار عمرو بن حريث فأراه إيَّاه، قال: أنتَ معاوية بن حُدَيج؟ فسكَتَ فلم يُجِبه ثلاثاً، ثم قال: أنتَ السَّاب علياً عند ابن آكلة الأكباد؟ - معاوية - أما لئِن ورَدتَ عليه الحوض وما أراك ترِده لتجِدنَّه مُشَمِّراً حاسِراً ذراعيه يذُودُ الكفَّار والمنافِقين عن حوض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما تُذَاد غريبة الإبل عن صاحبها، قول الصَّادِق المصدُوق أبي القاسم صلى الله عليه وآله وسلم ).
قلت هذه الرواية ساقطة فعباد بن يعقوب(1/172)
قال أبو أحمد بن عدي : سمعت عبدان يذكر عن أبي بكر بن أبي شيبة أو هناد بن السري ، أنهما أو أحدهما فسقه ونسبه إلى أنه يشتم السلف . قال ابن عدي : معروف في أهل الكوفة ، فيه غلو في التشيع ، وروى أحاديث أنكرت عليه في فضائل أهل البيت ، وفي مثالب غيرهم ( انظر ميزان الإعتدال )
علي بن عابس ضعيف ضعفه ابن معين وابن حبان وابن عدي
وبدر بن الخليل لا أدري أسمع من أبي كبير أم لم يسمع
وأبو كبير هذا لم أعرفه
قلت وهذه الرواية مع سقوطها وشدة ضعفها منقطعة
واحتمال كون الساقط في هذه الرواية هو الساقط في الرواية وارد لكون السقط في نفس الطبقة تقريباً وهي طبقة الراوي عمن شاهد الحادثة
فيرجع الأمر إلى كونهما رواية واحدة
الشبهة الخامسة والعشرون
جاء في (مصنف ابن أبي شيبة)6/366: حدثنا أبو معاوية عن موسى بن مسلم عن عبد الرحمن بن سابط عن سعد قال: قدم معاوية في بعض حجَّاته فأتاه سعد فذكَروا علياً فنال منه معاوية فغضب سعد فقال: تقول هذا لرجل سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول له ثلاث خصال لأن تكون لي خصلة منها أحب إليَّ من الدنيا وما فيها، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه)، وسمعتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)، وسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لأعطينَّ الرَّاية رجلاً يحب الله ورسوله).(1/173)
جاء في (سنن ابن ماجه)1/45: حدثنا علي بن محمد ثنا أبو معاوية ثنا موسى بن مسلم عن ابن سابط وهو عبد الرحمن عن سعد بن أبي وقاص قال: قدِم معاوية في بعض حاجَّاته فدخل عليه سعد فذكرُوا علياً فنال منه ـ معاوية ، كما في رواية ابن أبي شيبة في المصنف ـ !!! فغضب سعد وقال: تقول هذا لرجل سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه)، وسمعته يقول: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)، وسمعته يقول: (لأعطينَّ الرَّاية اليوم رجلاً يحب الله ورسوله).
قلت هذا أصرح ما عند القوم في سب معاوية لعلي
وعبد الرحمن بن سابط لم يسمع من سعد بن أبي وقاص
قال الحافظ في التهذيب قيل ليحيى بن معين سمع عبد الرحمن بن سعد بن أبي وقاص قال لا قيل من أبي أمامة قال لا قيل من جابر قال لا هو مرسل
قلت فالرواية منقطعة لا حجة فيها كعامة بضاعة القوم
وقد حصل بين الصحابة الكرام ما هو أشد من السباب وهو القتال
ولم ينفِ النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الطائفتين بل أثبته
وجاء في مسند زيد بن علي - حدثني زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام أنه أتاه رجلٌ فقال: ((يا أمير المؤمنين أكفر أهل الجمل وصفين وأهل النهروان؟ قال: لا، هم إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم حتى يفيئوا إلى أمر الله عز وجل)).
بحار الأنوار المجلسي ج 23 ص 324 عن ابن طريف عن ابن علوان عن جعفر عن أبيه عليه السلام :" كان يقول لأهل حربه انا لم نقاتلهم على التكفير لهم و لم نقاتلهم على التكفير لنا و لكنا رأينا انا على حق و رأوا أنهم على حق " .
ففي هذه الرواية عدم تكفير علي حتى لمن كفره من الخوارج الذين قاتلوه في النهروان
وقد رأيت جواباً لمحمود سعيد ممدوح _ وهو من مشايخ القوم _ يصحح فيه نسبة مسند زيد بن علي لمصنفه !!!!!(1/174)
- و في سائل الشيعة ج 15 ص 83 عن جعفر ابن محمد عن ابيه عن علي عليه السلام انه قال:" القتل قتلان قتل كفارة و قتل درجة و القتال قتالان قتال الفئة الباغية حتى يفيؤا و قتال الفئة الكافرة حتى يسلموا " .
- وجاء في " جواهر الكلام الشيخ الجواهري " ج12 ص 338 عن جعفر عن ابيه عليه السلام:" أن عليا عليه السلام لم يكن ينسب أحدا من أهل البغي إلى الشرك و لا إلى النفاق و لكن كان يقول إخواننا بغوا علينا "
: ابن طريف عن ابن علوان عن جعفر عن أبيه أن عليا ( عليه السلام ) كان يقول لاهل حربه : إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم ولم نقاتلهم على التكفير لنا ولكنا رأينا أنا على حق ورأوا أنهم على حق .
رواه الحميري رحمه الله في الحديث : " 297 و 302 " من كتاب قرب الاسناد ، ص 45 ط 1
بحار الانوار: 32
الباب الثامن : حكم من حارب عليا أمير المؤمنين صلوات الله عليه
(330) (321)
علي رضي الله عنه قال : (( وكان بدء أمرنا أن إلتقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء ))
نهج البلاغة جـ3 ص (648)
ـ عبدالله بن جعفر الحميري (20032) في ( قرب الإسناد ) عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن زياد ، عن جعفر ، عن أبيه ان عليا ( عليه السلام ) لم يكن ينسب أحدا من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق ، ولكنه كان يقول : هم إخواننا بغوا علينا .
قرب الإسناد : 45 .
كتاب وسائل الشيعة ج 15 ص69 ـ ص87(1/175)
الإمام علي رضي الله عنه : ( لم وددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم أخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلا منهم يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث واثنين صم ذوو أسماع ، وبكم ذوو كل عمي ذوو أبصار لا أحرار صدق عند اللقاء ولا إخوان ثقة عند البلاء ، تربت أيديم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها ، كلما جمعت من جانب تفرقت من جانب آخر000) نهج البلاغة 1/188
الشبهة السادسة والعشرون
جاء في (المستدرك على الصحيحين)3/520: (عن مقسم : أن أبا أيوب أتى معاوية فذكر له حاجة، قال: ألستَ صاحب عثمان قال؟ أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أنه سيصيبنا بعده أثرة، قال: وما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نرد عليه الحوض، قال: فاصبِرُوا(!!!) قال: فغضب أبو أيوب وأقسم أن لا يكلِّمه أبداً(!!!) ثم إن أبا أيوب أتى عبد الله بن عباس فذكر له، فخرج له عن بيته كما خرج أبو أيوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيته، وقال: أيش تريد؟ قال: أربعة غلمة يكونون في محلي، قال: لك عندي عشرون غلاماً) هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
احتجوا بهذه الرواية على سوء علاقة معاوية مع الأنصار
ولا تصح
ففي سند الحديث الحكم يروي عن مقسم
قال الحافظ في التهذيب قال أحمد لم يسمع الحكم من مقسم إلا أربعة أحاديث وأما غير ذلك فأخذها من كتاب
وقال الحافظ: قال أحمد وغيره لم يسمع الحكم حديث مقسم كتاب إلا خمسة أحاديث وعدها يحيى القطان حديث الوتر والقنوت وعزمة الطلاق وجزاء الصيد والرجل يأتي امرأته وهي حائض رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه عن علي بن المديني عن يحيى
ومما يدل أن العلماء يضعفون رواية الحكم عن مقسم في غير ما سمعه منه
أن البخاري ذكر مقسم في الضعفاء ولم يذكر فيه قدحاً بل ساق حديث شعبة عن الحكم عن مقسم في الحجامة وقال إن الحكم لم يسمعه منه
ذكر ذلك الحافظ في التهذيب(1/176)
ما أن في السند الأعمش وهو مدلس وقد عنعن وفي قبول عنعنته خلاف ليس هذا محل بسطه
وقد انفرد بزيادة إقسام أبي أيوب على ترك الكلام مع معاوية عن الرواية التالية
جاء في (المستدرك على الصحيحين)3/522: (عن ابن عباس: (أن أبا أيوب خالد بن زيد الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في داره غزا أرض الروم فمرَّ على معاوية فجفاه معاوية(!!!) ثم رجع من غزوته فجفاه ولم يرفع به رأساً قال أبو أيوب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنبأنا أنا سنرى بعده أثرة، قال معاوية: فبما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر، قال: فاصبروا إذاً(!!!) فأتى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بالبصرة وقد أمَّره علي رضوان الله عليه عليها فقال: يا أبا أيوب إني أريد أن أخرج لك من مسكني كما خرجتَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أهله فخرجوا، وأعطاه كل شيء كان في الدار، فلما كان وقت انطلاقه قال: حاجتك؟ قال: حاجتي: عطائي، وثمانية أعبد يعملون في أرضي، وكان عطاؤه أربعة ألف فأضعفها له خمس مراراً وأعطاه عشرين ألفاً وأربعين عبداً). قد تقدم هذا الحديث بإسناد متصل صحيح وأعدته للزيادات فيه بهذا الإسناد.
في سنده مسعود بن سليمان ( واسمه في الرواية مسعود بن سليم وهو خطأ صححته من ترجمته في الميزان ) مجهول العين انفرد عنه فردوس الأشعري ولم أرَ فيه توثيقاً
ونص على جهالته الذهبي في الميزان وأقره الحافظ في اللسان
والراوي عنه فردوس الأشعري لم أتمكن من الوقوف على جرحٍ أو تعديلٍ فيه
ولعل هذا من قصور بحثي
وهذه الرواية تختلف عن السابقة في المتن فهذه فيها أن ابن عباس أعطى أبا أيوب أربعين عبداً
والسابقة فيها أنه أعطاه عشرين عبداً
وسؤال أبي أيوب في الرواية الأولى يختلف عن سؤاله في الرواية الثانية
فهذا اضطراب يمنع من الإعتضاد
هذا مع سقوط الرواية الثانية(1/177)
وعن أنس قال: قدم معاوية فأبطأت الأنصار عن تلقِّيه فلم يصنع بهم شيئاً فقال أبو أيوب صدق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: (ستصيبكم بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني)، قال معاوية: فاصبِروا إذاً قال أبو أيوب: نصبر كما أُمِرنا والله لا يضلكها(. قال الهيثمي: (رواه الطبراني وفيه يعقوب بن حميد بن كاسب وهو ضعيف وقد وُثِّقَ)
قلت في سنده احمد بن عمرو بم مسلم الخلال شيخ الطبراني ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً فهو مجهول الحال
وهذه الرواية لا تشهد للروايات السابقة لأنه في الروايات السابقة غضب أبي أيوب من معاوية حين قال له فاصبروا وإقسامه على هجره
وأما هذه الرواية ففيها أنه قال (( نصبر كما أمرنا ))
فهذا إختلاف يمنع من الإعتضاد
وسبب ورود الحديث ايضاً مختلف ففي رواية ابن عباس انه قال ذلك حين جاء يطلب من معاوية
وأما في هذه الرواية ففيها أنه قال الحديث عندما لم يفعل معاوية شيئاً عندما عنه الأنصار
الشبهة السابعة والعشرون
جاء في (مجمع الزوائد)10/38: (عن عبادة بن الصامت أن معاوية قال لهم : يا معشر الأنصار ما لكم لم تلقوني مع إخوانكم من قريش؟ قال عبادة : الحاجة(!!!) قال: فهلاَّ على النواضح؟ قال: أنضينا يوم بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أجابه، فقال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنها ستكون عليكم أثرة بعدي) قال معاوية: فما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نلقاه، قال: فاصبروا إذاً حتى تلقوه(!!!) قال الحافظ الهيثمي: (رواه الطبراني وفيه راو لم يُسمَّ وعطاء بن السائب اختلط)
قلت احتجوا بهذه الرواية على سوء علاقة معاوية مع الأنصار وعدم إكرامه لهم
ولاتصح
فقد وقفت على هذه هذه الرواية وقفت في مسند الشاشي حديث رقم 1121
وفيها عطاء يروي عنه سليمان بن طرخان لم أرى له ذكراً فيمن روى عن عطاء قبل الإختلاط
فالأظهر أنه روى عنه بعده(1/178)
وعطاء يروي هم ابن لعبادة بن الصامت ولم يسمه
ووجدتها عند الحاكم أيضاً 5531 ومخرجه متفق مع مخرج الشاشي
الشبهة الثامنة والعشرون
وجاء في (مسند أبي يعلى)2/509-510: (قال أبو سعيد الخدري: قال رجل من الأنصار لأصحابه : أما والله لقد كنت أحدثكم أنه لو قد استقامت له الأمور قد آثر عليكم غيركم، قال: فردُّوا عليه رداً عنيفاً، قال: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فجاءهم فقال لهم أشياء لا أحفظها، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: كنتم لا تركبون الخيل؟ قال: كلما قال لهم شيئاً قالوا: بلى يا رسول الله، فلما رآهم لا يردون عليه شيئاً قال: أفلا تقولون: قاتلك قومك فنصرناك، وأخرجك قومك فآويناك؟ قالوا: نحن لا نقول ذلك يا رسول الله أنت تقوله، قال: فقال: يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وأنتم تذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: يا معشر الأنصار ألا ترضون أن الناس لو سلكوا وادياً وسلكتم وادياً لسلكتُ وادي الأنصار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: لولا الهجرة لكنتُ امرأ من الأنصار، الأنصار كرشي وأهل بيتي عيبتي التي آوي إليها اعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم. قال أبو سعيد: فما علم ذلك بن مرجانة عدو الله، قال أبو سعيد: قلتُ لمعاوية أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدَّثنا أنا سنرى بعده إثرة، قال معاوية: فما أمركم؟ قال: قلتُ: أمرنا أن نصبر، قال: فاصبروا إذاً)
وحجتهم في هذا الحديث كحجتهم في سابقه وهو في مسند أحمد
وفي سنده عطية بن سعد العوفي وهو ضعيف
قال البخاري قال لي علي عن يحيى عطية وأبو هارون وبشر بن حرب عندي سوي وكان هشيم يتكلم فيه
وقال مسلم بن الحجاج قال أحمد وذكر عطية العوفي فقال هو ضعيف الحديث ثم قال بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي ويسأله عن التفسير وكان يكنيه بأبي سعيد فيقول قال أبو سعيد وكان هشيم يضعف حديث عطية(1/179)
قلت جرح الإمام أحمد متكون من شقين شقٌ متعلقٌ بضعف عطية وشقٌ متعلقٌ بتدليسه
ولا يلزم من التدليس الضعف أو من الضعف التدليس فتأمل
وقال أبو زرعة لين
وقال أبو حاتم ضعيف يكتب حديثه وأبو نضرة أحب إلي منه
احتج بعض المبتدعة بالشق الثاني من كلام ابي حاتم على تعديل عطية بحجة أنه حبيب إليه
وهذا تخليط إذ أن المعترض لو أبصر الشق الأول من كلامه وهو صريحٌ بتضعيف عطية
لعرف أن صيغة التفضيل لا تقتضي انطباق الصفة على المفضول
وقال النسائي ضعيف
وقال بن عدي قد روى عن جماعة من الثقات ولعطية عن أبي سعيد أحاديث عدة وعن غير أبي سعيد وهو مع ضعفه يكتب حديثه
وقال الدوري عن بن معين صالح ووثقه في روايةٍ أخرى
قلت وقد ضعفه ابن معين في سؤالات ابن الجنيد وهذا يسقط التعديل أو يجعلنا نحمل التعديل على العدالة دون الضبط
ومثل هذا يقال في ابن شاهين الذي ذكر عطية في ثقاته وذكره في ضعفائه
ووثقه ابن سعد
وقال الساجي ليس بحجة وكان يقدم علياً على الكل
وعن عبد الله بن أحمد، عن أبيه، قال: كان سفيان الثوري يضعف حديث عطية، وسمعت أبي وذكر حديث عطية العوفي، قال: هو ضعيف الحديث
ونقل أبو عبيد الآجري عن أبي داود قوله:
" ليس بالذي يعتمد عليه "
ذكره المنذري – رحمه الله – في الرواة المختلف فيهم في آخر كتابه: "الترغيب والترهيب " (4/575)، وقال:
" وأخرج حديثه ابن خزيمة في "صحيحه"، وقال: في القلب من عطية شيء؟.
وقال الدارقطني:"العلل" (4/6): "مضطرب الحديث".
وقال في "السنن" (4/39): "ضعيف"
قال البيهقي في "السنن الكبرى" (2/126 و6/30 و7/66 و 8/126):
" لا يُحتج به".
وضعفه ابن جزم في المحلى وقال عنه (( هالك ))
وقال عبد الحق الإشبيلي فيما نقله عنه الحافظ الزيلعي في "نصب الراية" (4/51)، وعزاه إلى "الأحكام"، قال:
" عطية العوفي لا يُحتج به، وإن كان الجلة قد رووا عنه".
وضعفه الجوزقاني في الأباطيل والمناكير(1/180)
فعطية كما ترى الأئمة مطبقون على تضعيفه عدا ابن سعد
والراوي عنه فضيل بن مرزوق
قال ابن حبان في الضعفاء كان يخطئ على الثقات ويروي عن عطية الموضوعات
قلت هذا يقتضي ضعف روايته عن عطية خاصة
قال أحمد بن صالح فيما نقله ابن شاهين في الضعفاء حديث فضيل عن عطية عن أبي سعيد حديث الله الذي خلقكم من ضعف ليس له عندي أصل ولا هو بصحيح وقال ابن رشدين لا أدري من أراد أحمد بن صالح بالتضعيف أعطية أم فضيل بن مرزوق
الشبهة التاسعة والعشرون
جاء في( مسند أحمد)5/304، و(مجمع الزوائد)10/31-32: (عن عبد الله بن محمد يعني ابن عقيل قال: قدم معاوية المدينة فتلقَّاه أبو قتادة فقال: أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما إنكم ستلقون بعدي أثرة، قال: فبما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر، قال: اصبروا إذاً(!!!) قال الحافظ الهيثمي: (رواه أحمد وعبد الله بن محمد بن عقيل حسن الحديث وبقية رجاله رجال الصحيح).
وفي (الجامع) لمعمر بن راشد11/59، و(شعب الإيمان)6/57، عن معمر عن عبد الله بن محمد ابن عقيل بن أبي طالب: (أن معاوية لما قدم المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري: فقال: تلقَّاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار فما منعكم أن تلقوني؟ قال: لم تكن لنا دواب(!!!) قال معاوية: فأين النواضح؟ قال أبو قتادة: عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر، قال: ثم قال أبو قتادة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: (إنا لنرى بعده أثرة) قال معاوية: فما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نلقاه، قال: فاصبِروا حتى تلقوه قال: فقال عبد الرحمن بن حسان حين بلغه ذلك :
ألا أبلغ معاوية بن حرب **** أمير المؤمنين لنا كلام
فإنا صابرون ومنظروكم **** إلى يوم التغابن والخصام ))
قلت عبد الله بن محمد بن عقيل مختلفٌ فيه وسيأتي الكلام عليه عند الكلام على صفة الصوت
ولكن العلة المحققة هي أنه لا يعرف له سماع من معاوية ولا من أبي قتادة الأنصاري(1/181)
وقد توفي عبدالله عام 142
وذكر مسعود السجزي عن الحاكم أنه عمر
وتوفي أبو قتادة الأنصاري سنة 54
فهذه الفترة الطويلة بين وفاتيهما تؤكد دعوى الإرسال
ثم إن أبا قتادة مات بالكوفة وعبد الله مدني
وهذا أيضاً يؤكد أنه لم يدرك الحادثة
وقال الحاكم أبو أحمد عن أبي قتادة الأنصاري يقال كان بدريا ولا يصح
ذكر ذلك الحافظ في التهذيب
وهذا يؤكد نكارة المتن
الشبهة الثلاثون
قال البلاذري: حدَّثني عبد الله بن صالح العِجلي عن ابن عوانة عن أبيه قال: دعا معاوية عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث الزهري فقال: اِذْهَب فاقتُل حُجراً وأصحابه فقال: أمَا وجَدتَ رجُلاً أجهَل بالله وأعمَى عن أمره منِّيفدَعا هُدبَة بن الفيَّاض الأعوَر فأعطاه سيفاً، وسرَّحَ معه عِدَّة، وأمَرَه أن يعرضهم على البراءة مِن عليٍّ فإن فعلوا وإلاَّ قتَلَهم، وبعث معه بأكفانٍ وأمَرَ أن يُقبَروا، فعرضَ عليهم ما أمَرَ به معاوية، فلم يُجيبُوا، فقُتِلُوا وذُبِحَ حُجر ذَبحاً وبلغَ ذلك أمَّه فشهقت وماتت.
قلت ابن عوانة لم أتمكن من تعيينه
وعوانة يبدو أنه عوانة بن الحكم اليشكري وقد قيل أنه كان يضع الحديث لبني أمية
كما ذكر الحافظ اللسان
وهو يروي عن التابعين
فهو لم يدرك القصة قطعاً
ولا يعرف له سماع من عبد الرحمن أيضاً
الشبهة الحادية والثلاثون
وقال أبو نعيم في (حلية الأولياء)5/322: حدثنا محمد بن علي ثنا الحسين بن محمد بن حماد ثنا عمرو بن عثمان ثنا خالد بن يزيد عن جعونة قال: كان لا يقُوم أحَدٌ مِن بني أميَّة إلا سَبَّ علياً، فلم يسُبَّه عمر بن عبد العزيز، فقال كثير عزة:
وليتَ فلم تشتُم علياً ولم تخف *** بريئاً ولم تتبع سجيَّة مجرم
وقلت فصدقت الذي قلت بالذي *** فعلت فأضحي راضياً كل مسلم
قلت الحسين بن محمد بن حماد لم أقف له على ترجمة
وخالد بن يزيد لم أتمكن من تعيينه
وجعونة ترجم له البخاري في التاريخ ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً(1/182)
ولم يدرك كل بني أمية قطعاً فالخبر فيه انقطاع
وقد تقدم ذكر شاهدٍ ساقطٍ لهذه الرواية
الشبهة الثانية والثلاثون
وقال ياقوت الحموي في (معجم البلدان)4/346: (فإن عَقِب أسَد بن كَرز كانوا شَّر عَقِب، وإنه جَد خالد بن عبد الله القسري ولم يكُن أضَر على الإسلام منه فإنه قاتل علياً رضي الله عنه في صفِّين ولَعَنَه على المنَابِر عِدَّة سنين).
قلت وجه الحجة أن أسد بن كرز كان ممن يوالي معاوية فهو من عماله
ولا يصح سبه لعلي
فبين ياقوت ووقعة صفين مفاوز فالخبر معضل ولا يعتمد عليه واتهام صحابي بهذا الإتهام الخطير يحتاج لسندٍ قوي _ فأسد بن كرز صحابي وخالد لم يدرك علياً حتى يقاتله _
بل إن ياقوت لم يدرك خالداً القسري ولكنه ثبت أنه ناصبي
ولكن هل كان ممن يسب علياً على المنابر ؟
لم أقف على رواية ثابتة في ذلك
الشبهة الثالثة والثلاثون
وقال ياقوت في (معجم البلدان)3/191 متحدثاً عن سجستان: قال الرهني: (وأجَلُّ من هذا كله: أنه لُعِن علي بن أبي طالب رضي الله عنه على منَابِر الشَّرق والغرب ولم يُلعَن على مِنبَرها إلاَّ مرَّة، وامتنعَُوا على بني أميَّة حتى زادوا في عهدهم أن لا يُلعَن على مِنبَرهم أحَدٌ... وأيُّ شَرف أعظَم مَِن امتناعهم مِن لَعن أخي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مِنْبرهم وهو يُلعَن على منَابِر الحرمَيْن مكَّة والمدينَة)
الرهني هذا ذكر الباباني في هدية العارفين أنه شيعي
ولا نعرف تاريخ ميلاده أو وفاته حتى نحدد هل سمع منه ياقوت أم لم يسمع والذي يظهر أنه لم يسمع منه
وقد ترجم له ياقوت في معجم البلدان وجاء في ترجمته قول ياقوت ((قال شيخنا رشيد الدين: كان لقناً حافظاً يذاكر بثمانية آلاف حديث غير أنه كثر حفظه، وتتبع الغرائب فعمر، ومن طلب غرائب الحديث كذب ))
قال ابن النحاس في كتابه قال بعض أصحابنا: إنه كان في مذهبه ارتفاع وحديثه قريب من السلامة، ولا أدري من أين قيل(1/183)
وهل أدرك تلك الحقبة الزمنية _ يعني حكم بني أمية _ أم لم يدركها ؟
والذي يظهر أنه لم يدركها فقد ذكر ياقوت أنه يروي في كتابه النحل: أخبرني ابن المحتسب ببغداد في درب عبدة بالحربية قال: أخبرنا أحمد بن الحارث الخزاز قال: أخبرني المدائني علي بن محمد بن أبي سيف عن سلمة بن سليمان المغني فذكر خبراً
قلت فالذي يروي عن أبي الحسن المدائني بواسطتين
لم يدرك حكم بني أمية بلا شك
ولم يدرك معاوية جزماً
فالخبر حتى إن ثبت _ وأنى ذلك _ فهو فيمن جاء بعد معاوية
الشبهة الرابعة والثلاثون
وقال ابن الأثير في (الكامل)3/278: (سنة اثنتين وأربعين، ذِكر استعمال المغيرة بن شعبة على الكُوفة... ولمَّا وَلِيَ المغيرة الكُوفة استعمَل كثير بن شهاب على الرِّي وكان يُكثِر سَب علي على مِنبَر الرِّي، وبقيَ عليها إلى أن وَلِيَ زياد الكُوفة)
قلت هذا الخبر يحتاج إلى إسناد
فقد يكون من أكاذيب لوط بن يحيى أو هشام الكلبي أو غيرهما
الشبهة الخامسة والثلاثون
جاء في (سير أعلام النبلاء) للذهبي3/100: (قال حميد بن هلال: سأل عقيل علياً وشكى حاجته، قال: اصبر حتى يخرج عطائي فألحَّ عليه فقال: انطلق فخُذ ما في حوانيت الناس، قال: تريد أن تتخذني سارقاً؟ قال: وأنتَ تريد أن تتخذني سارقاً؟ وأُعطيك أموال الناس؟ فقال: لآتينَّ معاوية، قال: أنت وذاك، فسار إلى معاوية فأعطاه مئة ألف، وقال: اصعَد على المنبر فاذكُر ما أَوْلاَك علي وما أوليتُك، فصعد وقال: يا أيها الناس إني أردتُ علياً على دينه فاختار دينه عليَّ، وأردتُ معاوية على دينه فاختارني على دينه فقال معاوية: هذا الذي تزعم قريش أنه أحمق؟!! وقيل: أن معاوية قال لهم : هذا عقيل وعمُّه أبو لهب فقال: هذا معاوية وعمَّته حمَّالة الحطَب)
قلت هذه الرواية منقطعة فمعاوية كان في الشام وحميد بن هلال بصري
كما أن حميد بن هلال مطعونٌ بسماعه من جمع من الصحابة
ولا يعرف له سماع من عقيل و معاوية(1/184)
وهو لم يسمع علياً قطعاً إذ انه يروي عن بعض من لم يسمع علي كأبي صالح السمان
وقد طعنوا في سماعه من أبي رفاعة العدوي وهشام بن عامر وأبي ذر
ونص ابن سيرين على أنه يأخذ عن كل أحد
انظر هذا في ترجمته في التهذيب
الشبهة السادسة والثلاثون
قال الرافعي في (التدوين في أخبار قزوين)3/47- 48: (وحدَّث أبو سليمان الخطابي في (أعلام الحديث) ثنا بحر بن نصر الخولاني ثنا ابن وهب أخبرني سفيان بن عيينة عن عمر بن سعيد أخي سفيان بن سعيد الثوري عن أبيه عن عباية قال: ذُكِرَ قَتل كعب بن الأشرف عند معاوية، فقال ابن يامين: كان قتله غدراً فقال محمد بن مسلمة: يا معاوية أيُغَدَّر عندك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم لا تُنكِر واللّه لا يُظِلُّني وإيَّاك سقف بيتٍ، ولا يخلُو لي دَم هذا إلاَّ قتلتُه).
قال الإمام أبو سليمان الخطابي: أبعَد اللّه ابن يامين، كان كعب يهجو رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ونقض العهد، وأعلن بمعاداة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، واستحقَّ القتل لـ(غدره) و(نقضه العهد) مع (الكفر) انتهى.
قلت لا حجة في هذه الرواية لإنقطاعها فعباية بن رفاعة لا يعرف له سماع من معاوية
وهو مدني ومعاوية كان يحكم في الشام فحتى لو ثبتت المعاصرة فاللقيا متعذرة
ومحمد بن مسلمة مات في الشام فالإنقطاع متحقق
الشبهة السابعة والثلاثون
وقال ابن تغري بردي في (النُّجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة)1/222-223: (السنة الثانية من ولاية قرَّة بن شريك على مصر وهي سنة إحدى وتسعين... وكان محمد هذا عامِل صنعَاء وكان يسُبُّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه على المنَابِر، ولهذا كان يقول عمر بن عبد العزيز: الحجَّاج بالعراق، وأخوه محمد باليمَن، وعثمان بن حيَّان بالحجاز، والوليد بالشَّام، وقرَّة بن شريك بمصر: امتلأت بلاد الله جوراً).
هذا ما نقله المعترض
ولا علاقة لمعاوية بكل هذا
فهذا حصل في عصر الوليد بن عبد الملك(1/185)
وقد قال تعالى (( ولا تزر وازرة وزر أخرى ))
الرواية عن عمر بن عبد العزيز تحتاج لسند
وقد ذكرها الذهبي في تاريخ الإسلام من رواية ابن شوذب عنه
وابن شوذب يبدو أنه عبد الله بن عمر بن شوذب وهو لم يدرك عمر
وكون محمد بن يوسف الثقفي كان يسب علياً يحتاج إلى إثباتٍ بسندٍ صحيح
فالإتهام بمثل هذا الإتهام الخطير لا يكتفى فيه بقول مؤرخ جماع لم يدركه
وقد عرف المؤرخون بقلة انتقائهم لما يروون
والرواية التي فيها أنه أمر حجراً المدري بسب علي
ذكرها الذهبي في تاريخ الإسلام
في سندها عبد الملك بن خشك لم أعرفه
ولا نعرف أسمع من حجر أم لم يسمع
وفي سندها همام بن نافع والد عبد الرزاق
انفرد ابن حبان بذكره في الثقات
وقال العقيلي حديثه غير محفوظ
ذكر ذلك الحافظ في التهذيب
فمثله لا يحتج به على جلالة ابنه
الشبهة الثامنة والثلاثون
ونقل المعترض قول القلقشندي في (مآثر الإنافة في معالم الخلافة)1/143: ((وكان قبله خلفاء بني أميَّة يسبُّون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه على المنَابِر من حين خَلَعَ الحسَن نفسه في سنة إحدى وأربعين إلى أن وَلِيَ عمر بن عبد العزيز فأبطل ذلك وكتب إلى نوَّابه بإبطاله وجعل بدلَه الآية، فاستمرَّ قوله تعالى: إلى الآن، ومدحه(إن الله يأمُر بالعدل والإحسان...(الخُطبَاء على ذلك كثير الشَّاعر بقوله:
وليتَ فلم تشتُم علياً ولم تخف *** بريئاً ولم تتبع سجيَّة مجرم
وقلت فصدقت الذي قلت بالذي *** فعلت فأضحي راضياً كل مسلم ))
قلت هذه الرواية معضلة وقد تقدم نقد أسانيدها وبيان سقوطها
ويبدو أن القلقشندي قد اعتمد على تلك الروايات التي تقدم نقدها
الشبهة التاسعة والثلاثون(1/186)
قال ابن العديم في (بغية الطلب في تاريخ حلب)5/2321 ) :أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو عبد الله يحيى بن الحسن بن البناء إجازة إن لم يكن سماعاً قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال: أخبرنا أبو طاهر المخلِّص قال: أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: وكان عبد الملك بن مروان قد غضب غضبة له فكتب إلى هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة وهو عامله على المدينة وكانت بنت هشام بن إسماعيل زوجة عبد الملك وأم ابنه هشام فكتب إليه أن أقِم آل علي يشتُمون علي بن أبي طالب، وأقِم آل عبد الله بن الزبير يشتُمون عبد الله بن الزبير، فقدِم كتابه على هشام فأبى آل علي وآل عبد الله بن الزبير وكتبوا وصاياهم فركبَت أخت لهشام إليه وكانت جزلة عاقلة فقالت: يا هشام أتراك الذي يهلك عشيرته على يده، راجِعْ أمير المؤمنين، قال: ما أنا بفاعل، قالت: فان كان لا بدَّ من أمرٍ: فمُرْ آل علي يشتُمون آل الزبير، ومُرْ آل الزبير يشتُمون آل علي، قال: هذه أفعلها، فاستبشَر النَّاس بذلك وكانت أهوَن عليهم، فكان أوَّل مَن أُقِيم إلى جانب المرمَر: الحسَن بن الحسَن وكان رجلاً رقيق البشرة عليه يومئذ قميص كتان آل الزبي،ر فقال: إن لآل الزبير رَحِماً(رقيقة فقال له هشام: تكلَّم بسَب يا قوم مالي أدعُوكم إلى(أبلها ببلالها وأربها بربابها فقال هشام لِحَرَسِيٍّ عندَه: النجاة وتدعُونني إلى النَّار اضرب فضربه سَوطاً واحِداً مِن فوق قميصه فخلص إلى جلده فشرَخَه حتى سالَ دمه تحت قدمَيه في المرمَر، فقام أبو هاشم عبيد الله بن محمد بن علي فقال: أنا دونه أكفيك أيها الأمير، فقال في آل الزبير وشتَمهم، ولم يحضر علي بن الحسَين كان مريضاً أو تمارَض ولم يحضر عامر بن عبد الله بن الزبير فهمَّ هشام أن يُرسِل إليه فقيل له: إنه لا يفعَل أفتقتله؟ فأمسَك عنه، وحضر مِن آل الزبير مَن كفاه، وكان عامر يقول: إن الله لم يرفَع شيئاً(1/187)
فاستطاع النَّاس خفضه انظروا إلى ما يصنَع بنو أميَّة يخفضون ويُغرُون بشَتمه وما يزيده الله بذلك إلاَّ رِفعَة)اهـ.
قلت لا علاقة لمعاوية بهذا
فإن هذا حدث بعده
والزبير بن بكار لم يدرك هذا فهو من تلاميذ أبي الحسن المدائني وشيوخ ابن ماجة
فهو لم يدرك حقبة حكم بني أمية بأكملها فشيخه يروي أخبار بني أمية بوسائط
والبناء لم أتمكن من الوقوف على ترجمته
الشبهة الأربعون
قال المسعودي رحمه الله تعالى في (مروج الذهب)3/53، ـ والبلاذري في (أنساب الأشراف)5/27 مع اختلاف في اللَّفظ والإسناد ـ: حدَّث أبو الهيثم قال: حدثني أبو البشير محمد بن بشر الفزاري عن إبراهيم بن عقيل البصري قال: قال معاوية يوماً ـ وعنده صعصعة بن صوحان وكان قدم عليه بكتاب من علي عليه السلام وعنده وجُوه الناس الأرض لله وأنا خليفة الله فما أخذت من مال الله فهو لي(!!!) وما تركته كان جائزاً لي) ، فقال له صعصعة:
تمنيك نفسك ما لا يكو **** ن جهلاً معاوي لا تأثم
قلت إبراهيم بن عقيل البصري لم أقف له على ترجمة
ولا أدري إن كان عاصر معاوية أو لم يعاصره
وحتى إن عاصره فقد نسب بصرياً
فهل سافر إلى الشام حيث كان يحكم معاوية أم لم يسافر ؟
محمد بن بشر الفزاري لم أتمكن من معرفته
وهذا هو سند المسعودي
وأما سند البلاذري ففيه الواقدي المتهم
يروي عن يزيد بن عياض وهو متروك متهم بالكذب
فانظر الله رحمني وإياك كيف أن المعترضين الذين امتلأت صدورهم حقداً على أصحاب رسول الله لم يستحوا من الإحتجاج بمثل هذه الرواية الساقطة على ثلب معاوية
الشبهة الحادية والأربعون
جاء في (أنساب الأشراف) للبلاذري5/260-267: (وجَدَّ زياد في أمر أصحاب حُجر وطلبهم أشَدَّ الطَّلَب فأُتِيَ برِبعِي بن حراش العبسي بأمانٍ فقال: والله لأجعَلَنَّ لك شُغلاً بنفسك عن تلقيح الفتَن ودَعَاه إلى الوقيعة في علي فأبَى، فحبسه ثُمَّ كُلِّم فيه فأخرجه.(1/188)
هذه الرواية من مرويات الكلبي المتهم ولم يذكر الكلبي إسناده لهذه القصة
الشبهة الثانية والأربعون
قال المعترض _ وهو غير السقاف _ ((ونقل ابن عبد البر والمسعودي في (مروج الذهب)3/6 وغيرهما: أن امرأة الحسن جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي سقته السم، وقد كان معاوية دسَّ إليها: (إنك إن احتلتِ في قتل الحسَن وجَّهتُ إليك بمائة ألف درهم وزوَّجتك يزيد) فكان ذلك الذي بعثها على سمه، فلما مات وفَّى لها معاوية بالمال وأرسل إليها: (إنا نحب حياة يزيد ولولا ذلك لوفَّينا لك بتزويجه ) ))
هذه الفرية الشنيعة ذكرها المسعودي بلا إسناد
وأما ابن عبد البر فقد قال في كتابه الإستيعاب (( وقال قتادة وأبو بكر بن حفص سم الحسن بن علي سمته امرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي
وقالت طائفة كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها من ذلك وكان لها ضرائر والله أعلم ))
كذا قال والرواية بلا إسناد ورواية ابن عبد البر تختلف عن رواية المسعودي وقد كذب المعترض على ابن عبد البر حين جعل روايته كرواية المسعودي
والخلاصة أنها رواية معضلة
فهل يصح الإعتماد على مثل هذه الرواية المعضلة
في اتهام معاوية بهذه الجريمة النكراء
نعوذ بالله من قلة الورع
الشبهة الثالثة والأربعون
قال المعترض ((فهذا زياد بن سمية عليه اللَّعنة يلعَن ويسب سيدنا علياً بن أبي طالب عليه السلام على المنبر!!! فيقبض حُجر بن عدي رضي الله عنه على الحصباء ثم يرسلها، ويحصب مَن حولَه زياداً، فكتب زياد إلى معاوية يقول: إن حِجراً حصبني وأنا على المنبر، فكتب إليه معاوية: أن يحمل إليه حِجراً، فلما قرب من دمشق بعث من يتلقاهم فالتقى معهم بعذراء فقتلهم (المعرفة والتاريخ) ليعقوب بن سفيان البسوي3/415-416، (دلائل النبوة) للبيهقي 6/456، (البداية والنهاية) لابن كثير6/225-226.
قلت هذه الرواية معضلة فقد قال يعقوب بن سفيان قال أبو نعيم فذكر القصة(1/189)
وأبو نعيم يبدو أنه الفضل بن دكين _ وهو كوفي منسوب للتشيع _ وكبار شيوخه هم صغار التابعين
فهو لم يدرك معاوية قطعاً
الشبهة الثالثة والأربعون
وقال المعترض (( وجاء رجل من بني شيبان إلى زياد فقال له: إن امرءاً منا يقال له صَيْفيّ بن فشيل من رؤساء أصحاب حُجر بن عدي وهو أشد الناس عليك، فبعث إليه فأُتِيَ به فقال: يا عَدُو الله ما تقول في أبي تراب؟ قال: ومَن أبو تراب؟ قال: ما أَعرَفَك به، أما تعرِف علي بن أبي طالب؟ قال: الذي كنتَ عامِلَه؟!! ذاك أبو الحسَن والحسَين، فقال له صاحِب شُرَطه:يقول لك الأمير أبو تراب وتقول: لا؟ قال: أكذِبُ إن كذبَ الأمير وأشهدُ بالباطل كما شهد؟ فقال زياد: ما قولُك في عليٍّ؟ فقال: أحسَنُ قولٍ أقولُه في أحَدٍ من عباد الله، أقولُ مثلً قولكَ فيه قبل الضَّلال، قال: اضرُبوا عاتقَه بالعصا حتى يلصق بالأرض فضُرِبَ حتى لصق بالأرض ثمَّ قالوا: أقلِعوا عنه، ما قولك في علي؟ قال: لو شرَّحتني بالمَواسي والمُدَى ما زُلتُ عما سمِعتَه منِّي، قال: لَتَلْعَنَنَّه أو لأضرِبَنَّ عُنُقَك قال: إذاً تَضربها قبلَ ذلك، فألقوه في السِّجن ))
هذه الرواية مأخوذة من أنساب الأشراف وهي كسابقتها من أكاذيب هشام بن محمد بن السائب الكلبي فقد نقلها البلاذري عنه وهو ذكرها بلا إسناد
الشبهة الرابعة والأربعون
وقال المعترض (( واجتمع في سجن زياد من الشيعة أربعة عشر رجلاً(!!!) وهم: حجر بن عدي الأدبر ـ الصحابي الذي قتله معاوية ـ ، الأرقم بن عبد الله الكندي، شريك بن شدَّاد الحضرمي، صيفي بن فشيل الشيباني، قبيصة بن ضُبَيْعة بن حرملة العَبسي، كريم بن عفيف الخثعمي، عاصم بن عوف البَجَلي، وقاء بن سُمّي البَجَلي، كدام بن حيَّان العَنَزي، وأخوه عبد الرحمن بن حيَّان من بني هُمَيْم ومُحرِز بن شهاب المِنقَري، وعبد الله بن حَويَّة الأعرجي، وعُتبة بن الأخنَس من بني سعد بن بكر، وسعيد بن ننمران الناعطي من هَمْدان...(1/190)
*** ـ وبعدَ أن أُخِذَ السالف أسماءهم إلى معاوية لنَستَمِع إلى ما حصل لهم، والكلام لا زال للبلاذري ـ وبعث معاوية إلى مَن بقيَ منهم بأكفانٍ وحَنوطٍ مع رجل من أهل الشام ليُرعِبَهم بذلك، وأمَرَه أن يدعوهم إلى البراءة من عليٍّ(!!!) وإظهار لعنه(!!!) ويَعِدُ مَن فعل ذلك أن يترُكَه(!!!) فإن لم يفعَل قُتِلَ(!!!)... وعرَضوا على الباقين البراءة من عليٍّ رضي الله تعالى عنه(!!!) فقال كَريم بن عفيف وعبد الرحمن بن حيَّان: انطلقوا بنا إلى معاوية فنحنُ نقول بقوله، فعزلوهما وأبى الآخَرون...
*** وجِيءَ بكَريم بن عَفيف الخَثعَمي وعبد الرحمن بن حيَّان إلى معاوية، فأما الخَثعَمي فقال له: ما تقول في عليٍّ؟ قال: مقالَتك، أنا أبرَأُ مِن دين عليّ الذي يدينُ به(!!!) فحَبَسَه شهراً ليستبرِئَ أمرَه(!!!!!!!) فكلَّمَه فيه شمِر بن عبد الله الخَثعَمي فخَلَّى سبيله على أن لا يدخُل الكوفة(!!!) فأتى الموصل فأقام بها ومات قبل معاوية بشهرٍ
*** وأما ابن حيَّان فقال له : ما تقول في عليٍّ؟ قال: كان من الذَّاكرين كثيراً، والآمرين بالحقِّ سِرّاً وجهراً، فلا تسألني عن غير هذا فهو خيرٌ لك، فبَعَث به إلى زياد وقال له: اقتُله شر قتلة(!!!) فبُعِثَ إلى قُسّ النَّاطف ـ موضع قريب من الكوفة على شاطئ الفرات الشرقي ـ فدُفِنَ حياً ))
قلت هذه الروايات ذكرها البلاذري في أنساب الأشراف بلا سند فكلها معضلة لا حجة فيها
الشبهة الخامسة والأربعون
ومن حجج القوم حديث الدبيلة
وهو ما رواه مسلم 2779 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا أسود بن عامر. حدثنا شعبة بن الحجاج عن قتادة، عن أبي نضرة، عن قيس قال:(1/191)
قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا الذي صنعتم في أمر علي، أرأيا رأيتموه أو شيئا عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس كافة. ولكن حذيفة أخبرني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "في أصحابي اثنا عشر منافقا. فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط. ثمانية منهم تكفيكهم الدبيلة وأربعة" لم أحفظ ما قال شعبة فيهم
قلت لا حجة في هذا الخبر على ثلب معاوية وذلك أن عمار بن ياسر ذكر الحديث جواباً على سؤال من سأله عن اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم لهم بشيء
وينسف استدلالهم من أصله أن معاوية لم يمت بمرض الدبيلة ولا أحد من شيعته مات بهذا المرض
وقد قدمنا الأدلة على صحة خلافة معاوية وكلها تدل على إسلامه
ومن الأدلة التي فاتنا ذكرها
ما روى البخاري في صحيحه ( 6536)
" حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمن عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة..."
قال ابن حجر في فتح الباري (13/85):
" وأما قوله " حتى تقتتل فئتان " الحديث تقدم في كتاب الرقاق أن المراد بالفئتين علي ومن معه ومعاوية ومن معه , ويؤخذ من تسميتهم مسلمين من قوله دعوتهما واحدة الرد على الخوارج ومن تبعهم في تكفيرهم كلا من الطائفتين"
ويؤكد ذلك أيضا ما جاء في مسلم بشرح النووي (7/168):
" و حدثني محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن سليمان عن أبي نضرة عن أبي سعيد(1/192)
أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحالق قال هم شر الخلق أو من أشر الخلق يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق قال فضرب النبي صلى الله عليه وسلم لهم مثلا أو قال قولا الرجل يرمي الرمية أو قال الغرض فينظر في النصل فلا يرى بصيرة وينظر في النضي فلا يرى بصيرة وينظر في الفوق فلا يرى بصيرة
قال قال أبو سعيد وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق"
قال النووي
" قوله صلى الله عليه وسلم : ( يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق ) , وفي رواية : ( أولى الطائفتين بالحق ) , وفي رواية : ( تكون أمتي فرقتين فتخرج من بينهما مارقة تلي قتلهم أولاهما بالحق ) . هذه الروايات صريحة في أن عليا رضي الله عنه كان هو المصيب المحق , والطائفة الأخرى أصحاب معاوية رضي الله عنه كانوا بغاة متأولين , وفيه التصريح بأن الطائفتين مؤمنون لا يخرجون بالقتال عن الإيمان ولا يفسقون , وهذا مذهبنا ومذهب موافقينا ."
فهذا هو التأويل الصحيح لـ((يدعوهم الى الجنة...))
وحديث (( لا يزال الإسلام إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش ))
وحديث (( إن ابني هذا سيد عسى الله أن يصلح به بين طائفتين من المؤمنين عظيمتين ))
ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية أن يقيه الله من العذاب
ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بأن يقيه الله من العذاب
وشهادة ابن عباس له بالصحبة
كل ذلك وغيره مما تقدم ذكره يؤكد براءة معاوية من النفاق
الشبهة السادسة والأربعون
جاء في مصنف ابن أبي شيبة ج: 3 ص: 195
13384 حدثنا أبو بكر قال حدثنا ابن علية عن أيوب قال لا أدري سمعته من سعيد بن جبير أو حدث عنه قال أتيت على ابن عباس في عرفة وهو يأكل رمانا فقال أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة وسقته أم الفضل لبنا فشربه وقال لعن الله فلانا عمدوا إلى أيام الحج فمحو زينته وقال زينة الحج التلبية(1/193)
هذا الأثر معلول بتردد أيوب فهو لا يدري أسمع هذا الأثر من سعيد أو أنه حدث عنه
الشبهة السابعة والأربعون
وفي سنن البيهقي الكبرى ج: 5 ص: 113
9230 أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أنبأ عبد الله بن محمد بن الحسن بن الشرقي ثنا علي بن سعيد النسوي ثنا خالد بن مخلد ثنا علي بن صالح عن ميسرة بن حبيب النهدي عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال: كنا عند بن عباس بعرفة فقال يا سعيد مالي لا أسمع الناس يلبون فقلتُ يخافون معاوية فخرج بن عباس من فسطاطه فقال: لبيك اللهم لبيك وإن رغم أنف معاوية اللهم العنهم فقد تركوا السنة من بغض علي رضي الله عنه
وفي صحيح ابن خزيمة ج: 4 ص: 260
2830 ثنا علي بن مسلم ثنا خالد بن مخلد ثنا علي بن صالح عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال كنا مع بن عباس بعرفة فقال لي يا سعيد ما لي لا أسمع الناس يلبون فقلت يخافون من معاوية قال فخرج بن عباس من فسطاطه فقال لبيك اللهم لبيك فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي).
وفي المستدرك على الصحيحين ج: 1 ص: 636
1706أخبرنا إسحاق بن محمد بن خالد الهاشمي بالكوفة ثنا أحمد بن حازم بن أبي عزرة الغفاري ثنا خالد بن مخلد القطواني وأخبرني أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد المؤذن ثنا محمد بن إسحاق الامام ثنا علي بن مسلم ثنا خالد بن مخلد ثنا علي بن مسهر عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال كنا مع بن عباس بعرفة فقال لي يا سعيد ما لي لا أسمع الناس يلبون فقلت يخافون من معاوية قال فخرج بن عباس من فسطاطه فقال لبيك اللهم لبيك فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي رضي الله عنه) هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وفي السنن الكبرى للنسائي ج: 2 ص: 419 ، و سنن النسائي (المجتبى) ج: 5 ص: 253 ، وفي الأحاديث المختارة ج: 10 ص: 378(1/194)
3993 أنبأ أحمد بن عثمان بن حكيم الكوفي الأودي عن خالد بن مخلد قال حدثنا علي بن صالح عن ميسرة عن حبيب عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال كنا مع بن عباس بعرفات فقال مالي لا أسمع الناس يلبون فقلت يخافون من معاوية فخرج بن عباس من فسطاطه فقال لبيك اللهم لبيك فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي
قلت في سنده خالد بن مخلد القطواني وهو مختلفٌ فيه
وقد ذكر الحافظ في التهذيب عن الإمام أحمد قوله (( له أحاديث مناكير ))
وأرى أن القول الفصل فيه
ما ذكره ابن رجب الحنبلي في شرح العلل ( 2/775) ((ذكر الغلابي في تاريخ
القطواني يؤخذ عنه مشيخه المدينة ، وابن بلال فقط يريد سليمان بن بلال
ويعني بهذا أنه لا يؤخذ عنه إلا حديثه عن أهل المدينة ، وسليمان ابن بلال منهم ، لكنه أفرده بالذكر ))
قلت مفهوم هذا أن روايته عن أهل الكوفة فيها نظر والحديث المذكور من روايته عن أهل الكوفة
وقد اضطرب في زيادة اللعن فتارة يذكرها وأخرى لا يفعل
وقد ثبت عن ابن عباس ثناؤه على معاوية بالفقه والصحبة كما قدمنا
الشبهة الثامنة والأربعون
ومن احتجاجاتهم الواهية احتجاجهم بما رواه مسلم 2404 من طريق عامر بن سعد، عن أبيه قال: أمر معاوية سعداً فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ قال: أما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وخلف علياً في بعض مغازيه، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أتخلفني مع النساء والصبيان1 قال: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي".
وجه بعض أهل العلم هذا الخبر أنه للإستفهام وليس للأمر بالسب
ويمكننا أن نقول أن معاوية انتفع بموعظة سعد فلم يسب علياً بعدها
وحتى لو ثبت فقد حصل بين الصحابة ما هو أشد من السباب وهو القتال(1/195)
ولم ينفِ النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الطائفة التي قاتلت علياً
بل أثبته لها
وبهذا يكون انتهى الكلام عن مناقب معاوية ومثالبه
والخلاصة أنه قد تعاضدت الأدلة على إسلامه وإيمانه ولم يثبت شيء في كفره ونفاقه
وأثبت ابن عباس له الصحبة
فهو داخلٌ في أحاديث النهي عن سب الصحابة
وأهل السنة مجمعون على فضله وأنه لا يجوز سبه ومن خالف في ذلك فهو من أهل البدع
وأما يروى في مثالبه فعامته لا يثبت
والخلل عند الطاعنين جاء من جانبين
الأول الهوى والإنتقائية فهم لا يرون في الكتب إلا مثالب معاوية ويغضون الطرف عن مناقبه وقد ذكروا له مثالباً اسانيدها واهية لمعاوية مناقب أصح منها _ سواءً كانت صحيحة أو ضعيفة _
فلو انصفوا لذكروها ولكنهم أهل أهواءٍ بحق
وهم انتقائيون حتى في منهج النقد فلو اتيتهم بحديثٍ في فضائل معاوية أو الصفات لجهدوا في إعلاله مما يدل أنهم لا يجهلون قواعد النقد
بينما نجدهم يحتجون بالغث والسمين في ثلب معاوية
الثاني ضعف التأصيل العلمي فالإحتجاج برواية واهية لإثبات أن فلاناً قتل فلاناً يخالف ابجديات أصول البحث العلمي النزيه
بل وأبجديات الورع
والإحتجاج ببعض الروايات في الباب وغض الطرف عن الروايات الأخرى في نفس الباب أمرٌ قبيحٌ عند الأصوليين بل وعند كل أهل البحث الجاد
أما هؤلاء فيلعبون
وقد وقفت على بحثٍ لحسن السقاف اسمه (( أقوال النبي صلى الله عليه وسلم في معاوية ))
اصل مادته لا يخرج عما تقدم نقده
وقد وقعت منه أخطاء علمية فادحة_ وقد اعتدنا على ذلك منه _ عسى الله عز جل أن يقيض من يرد عليه من أهل السنة
نقض شبهات ابن الجوزي والسقاف حول نصوص الصفات
النص الأول
سأبدأ هذا القسم بمناقشة المحقق في حكمه على حديث (( رأيت ربي في أحسن صورة )) بالوضع _ وذلك في ص 148(1/196)
قال ابن أبي عاصم (ص202) في السنة ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا إبراهيم بن طهمان ثنا سماك بن حرب عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (( إن الله تعالى تجلى لي في أحسن صورة ))
قلت هذا سند حسن وسماك تغير بآخره والتغير شيء والإختلاط شيء آخر
وقال الترمذي (5 / 369) حدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن هانيء حدثنا جهضم بن عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام ( واسمه ممطور) عن عبد الرحمن بن عائش أنه حدثه مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل عن النبي به
ورواه أحمد عن أبو سعيد مولى بني هاشم عن جهضم به وصرح يحيى بالتحديث
قلت وسنده صحيح متصل
وإنما حصل الإضطراب في رواية خالد بن اللجلاج عن عبد الرحمن بن عائش
قال الترمذي(5 / 369) حدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس فذكره
قلت لم يسمع قتادة من أبي قلابة كما قال عمرو بن علي في ترجمة قتادة في التهذيب
الترمذي حدثنا سلمة بن شبيب وعبد بن حميد حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس
قلت وأبو قلابة مطعون بسماعه من ابن عباس وأيوب بصري ورواية معمر عن البصريين ضعيفة
قال أحمد حدثنا أبو عامر ( عبد الملك بن عمرو ) حدثنا زهير بن محمد عن يزيد بن يزيد يعني ابن جابر عن خالد بن اللجلاج عن عبد الرحمن بن عائش عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عنه
قلت وهذه الرواية معلولة بخالد بن اللجلاج فلم يوثقه إلا ابن حبان وروى عنه جمع من الثقات وهو من كبار التابعين فهو صدوق وروايته غير صالحة لإعلال رواية ممطور الثقة فالحكم على الحديث بالإضطراب أو الوضع ساقط ولا يساوي شيئاً في ميزان العلم والتحقيق(1/197)
وقد زعم السقاف في ص148 أن الإمام أحمد قد ضعف حديث الصورة وهو كاذب في زعمه فقد نقل قول أحمد (( ليس بشيء )) زاعماً أنه قاله في متن الحديث والحق أن الإمام أحمد قال هذه الكلمة في طريق من طريق الحديث مع ترجيحه لطريق أخرى وإليك نص كلامه _ في ترجمة خالد في التهذيب _
((وقال أبو زرعة الدمشقي قلت لأحمد إن بن جابر يحدث عن بن اللجلاج عن عبد الرحمن بن عائش حديث رأيت ربي في أحسن صورة ويحدث به قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن بن عباس قال هذا ليس بشيء والقول ما قال بن جابر ))
قلت فالإمام أحمد يرى أن الرواية المحفوظة عن خالد بن اللجلاج هي رواية ابن جابر لا رواية قتادة عن أبي قلابة وهذا هو الحق
وقال ابن عدي في نفس الصفحة (( الحديث له طرق وقد صحح أحمد طريق يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده ))
وقد كتم السقاف هذه الحقيقة لئلا ينتقض غزله
ولم يكتف السقاف بالكذب على أحمد حتى التفت إلى الترمذي فزعم أن حكمه على الحديث قد اختلف بين التصحيح والتحسين وأن الراجح أن الترمذي قال (( حسن غريب )) وهذا لفظ بفيد التضعيف عند جماعة من المحققين وأن الترمذي على فرض تصحيحه للحديث فقد انفرد بهذا الحكم ولم يوافقه الحفاظ
قلت وكلامه ظلمات بعضها فوق بعض فالترمذي لم يختلف حكمه بل إنه روى الحديث من طريق أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس
وقال عقبه (( هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وفي الباب عن معاذ بن جبل وعبد الرحمن بن عائش ))
ثم اخرج طريق معاذ بن جبل وقال عقبها هذا حديث حسن صحيح سألت محمد بن إسماعيل عنه فقال (( هذا حديث حسن صحيح ))
ومثل هذا الكلام في العلل للترمذي والخلاصة أن السقاف قد كذب ثلاث كذبات
الأولى زعمه اختلاف حكم الترمذي وقد بتر قول (( حسن غريب من هذا الوجه )) فحذف قول الترمذي (( من هذا الوجه )) لأنه يفيد أن للحديث وجه آخر يختلف عنه في الحكم
الثانية زعمه أنه يحتمل تضعيف الترمذي للحديث(1/198)
الثالث زعمه تفرد الترمذي بهذا الحكم وكتم موافقة البخاري رضي الله عنه لتلميذه الترمذي رحمه الله
وقد كذب السقاف على كل من ابن الجوزي والسيوطي حين زعم انهما ذكرا حديث اختصام الملأ الأعلى ( وهو حديث رأيت ربي في أحسن صورة ) في الموضوعات
وهذا كذب لا يصدر إلا فاجر فاسق كالسقاف فهما إنما ذكرا حديث (( رأيت ربي في صورة شاب أمرد )) وهو غير حديث اختصام الملأ الأعلى سنداً ومتناً
انظر الموضوعات (1 / 125) واللاليء للسيوطي ((1 / 317
وزعم السقاف في نفس الصفحة أن الذهبي قد حكم على حديث اختصام الملأ الأعلى بالنكارة حيث قال (( أنبأنا عبد الرحمن بن محمد الفقيه أخبرنا أبو الفتح المندائي أخبرنا عبيد الله بن محمد بن أحمد أخبرنا جدي أبو بكر البيهقي في كتاب الصفات له أخبرنا أبو سعد الماليني أخبرنا عبد الله بن عدي أخبرني الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن رافع حدثنا اسود بن عامر حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" رأيت ربي يعني في المنام". وذكر الحديث وهو بتمامه في تأليف البيهقي وهو خبر منكر نسأل الله السلامة في الدين فلا هو على شرط البخاري ولا مسلم وراته وإن كانوا غير متهمين فما هم بمعصومين من الخطأ والنسيان فأول الخبر قال رأيت ربي وما قيد الرؤية بالنوم وبعض من يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج يحتج بظاهر الحديث والذي دل عليه الدليل عدم الرؤية مع إمكانها فنقف عن هذه المسألة فإن من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه فإثبات ذلك أو نفيه صعب والوقوف سبيل السلامة الله أعلم وإذا ثبت شيء قلنا به ولا نعنف من أثبت الرؤية لنبينا في الدينا ولا من نفاها بل نقول الله ورسوله أعلم بلى نعنف ونبدع من أنكر الرؤية في الآخرة إذ رؤية الله في الأخرة ثبت في بنصوص متوافرة ))(1/199)
قلت وهذا الحديث الذي قال فيه الذهبي ما قال ليس هو حديث اختصام الملأ الأعلى بل هو حديث الشاب الأمرد وبإمكان أي منصف أن يراجع كتاب الأسماء والصفات للبيهقي ليرى هذا الحديث ويكتشف خيانة السقاف
ويا ليت شعري حديث اختصام الملأ الأعلى موجود في مسند أحمد وسنن الترمذي وغيرها فما الذي يجعل الذهبي يعزوه للبيهقي فقط
ولا يفوتني أن أذكر أن ابن عبد البر قد حسن حديث اختصام الملأ الأعلى في التمهيد وصححه ابن العربي في أحكام القرآن
وتحامق السقاف في ص150 على الألباني حيث قال (( ثم نظرت في سنة أبن أبي عاصم ص (204) فإذا الحديث هناك . وقد أخطأ المعلق أو المخرج له ! المتناقض ! حيث صححه مع اعترافه هناك بضعف عبد الله بن صالح ، وجهالة أبي يحيى ، وعدم توثيق غيلان ابن أنس ابو يزيد الكلبي عند أي حافظ ، مع قوله عنه في " صحيحته " (1 / 40) المليئة بالاخطاء والتخبطات - : " مجهول الحال . . . " . وأما باقي رجاله فنقول : أبو سلام ممطور الاسود لم يسمع من ثوبان كما قال أبن معين وابن المديني ، وقال أحمد : ما أراه سمع منه وكذا قال أبو حاتم أن روايته عن ثوبان مرسلة ))
قلت لا وجه لتعقب الألباني فقد ضعف هذه الطريق باعتراف السقاف ولكنه صحح متن الحديث بشواهده كما قال هناك (( صحيح بشواهده ))
وقد روى ابن أبي عاصم هذه الشواهد ولكن السقاف بليد لا يفرق بين الحكم على أحد أسانيد الحديث وبين الحكم على متن الحديث
وتحامق مرة أخرى حين زعم أن الألباني قد صحح حديث الشاب الأمرد وهو كاذب فالألباني يحكم على الحديث بالنكارة كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الثاني
ولكن ابن أبي عاصم روى حديث أم الطفيل بلفظ مختصر (( رأيت ربي في أحسن صورة )) وذكر الحديث
فعلق الألباني (( حديث صحيح بما قبله واسناده ضعيف مظلم ))
وسبب تعليق الألباني أنه لم يطلع على الألفاظ المنكرة في الحديث فقد طواها ابن أبي عاصم وصحح موطن الشاهد(1/200)
ونقل السقاف في ص210 عن عبد القاهر البغدادي الإجماع على عدم وصف الله عز وجل بالصورة ثم نقل عن الشافعي أن الإجماع مقدم على حديث الواحد
يريد بذلك الطعن في حديث (( رأيت ربي في أحسن صورة ))
قلت إن كان عبد القاهر البغدادي يعني بالإجماع إجماع الأشاعرة فهذا حق وليس حجة علينا فقد جاء إثبات الصورة عن الأئمة قبل أن يولد الأشعري
فقد أثبت عثمان بن سعيد الدارمي صفة الصورة في رده على المريسي ودافع عن الحديث المتفق عليه (( فيأتيهم الجبَّار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة ))
واستقر رأي ابن قتيبة في مختلف الحديث على إثبات الصورة حيث قال
((والذي عندي والله تعالى أعلم أن الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن ونحن نؤمن بالجميع ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد ))
قلت فنفيه الكلام بالكيفية يدل أنه يثبت المعنى إذ ما لم يثبت أصله لم نحتج إلى نفي فروعه والقول بالكيفية فرع عن إثبات الوجود
ويلزم الأشاعرة إثبات الصورة
ذلك انهم يثبتون الرؤية والرؤية معناها إنطباع صورة المرأي في الشبكية
فإن قالوا نثبت الرؤية ولا نخوض بكيفيتها فلا يلزمنا شيء
قلنا ونحن نثبت الصورة ولا يلزمنا التشبيه والتجسيم لأننا لم نخض في الكيفية وكما أننا نثبت لله وجود لا كوجودنا نثبت له صفات لا كصفاتنا
وإن قالوا بل نعطل الرؤية
قلنا كذبتم النبي صلى الله عليه وسلم وأصبحتم معتزلة وخالفتم مذهب إمامكم الأشعري
النص الثاني(1/201)
وأورد ابن الجوزي في ص157 حديث (( يجمع الله الناس فيقول : من كان يعبد شيئا فليتبعه ، فيتبعون ما كانوا يعبدون ، وتبقى هذه الامة فيها منافقوها ، فيأتيهم الله عزوجل في غير الصورة التي كانوا يعرفون فيقول : أنا ربكم . فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا . فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم في الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم . فيقولون : أنت ربنا . . ؟ ))
وهو متفق عليه
فزعم السقاف أنه شاذ مورداً عليه ثلة من الإعتراضات السمجة
الأول فيه أن الله يتشكل فيأتي أحيانا بصورته الحقيقية المزعومة وأحيانا بغير صورته ! !
والجواب أن جماعة من السلف كالدارمي وغيره حملوا ذلك على أن الله عز وجل يغير أبصارنا وهو لا يتغير عن عظمته وحمله جماعة على ظاهره ولم يروا في ذلك إشكالاً إذ أننا لو فتحنا باب الإلزامات لخرجنا إلى الوسوسة وقد تقدم إلزام المعطلة بإثبات الصورة
الثاني فيه إثبات الصورة لله تعالى وذلك محال
قلت محال في عقل السقاف جائز عندنا ولقائل أن يقول إثبات الرؤية بدون إثبات صورة محال
( مع العلم أن السقاف ينفي الرؤية الآن )
الثالث فيه أن المنافقين يرون الله تعالى ، وهذا معارض لقوله سبحانه : (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)
قلت الآية في الكفار لا المنافقين وقد يكون حجب المنافقين بعد الرؤية فيكون أشد تقريعاً
الرابع فيه أنهم يرونه سبحانه في أرض المحشر مع أن الاحاديث الصحيحة تثبت أن الرؤيا هي الزيادة الواردة في قوله تعالى : (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) وذلك يتم لهم في الجنة . وفي هذا الحديث أن الرؤيا قبل الصراط وهذا باطل بلاشك
قلت والجواب أن الرؤية رؤيتان رؤية قبل الصراط ورؤية في الجنة كما جاءت به الأحاديث الصحاح
الخامس إن لفظ الصورة لم يثبت في جميع روايات الصحيحين ، ففي رواية البخاري في الاذان
قلت هذه مكابرة فلفظ الصورة ثابت في الصحيحين(1/202)
السادس أين رأوه سبحانه قبل ذلك حتى يصح ما ورد في هذا الحديث قوله : " فيأتيهم بغير الصورة التي يعرفون "
قلت ليس معنى (( فيأتيهم بغير الصورة التي يعرفون )) أنه رأوه قبلها ولكن معناه أنهم لم يروا العلامة التي يعرفون بها ربهم وهي الكشف عن الساق كما رود في الأحاديث الصحيحة
وأما الرواية التي فيها (( فيأتيهم بصورة غير صورته التي رأوها أول مرة ))
فتعني أنه يأتيهم في صورته الحقيقية وأول مرة هي المرة التي لم يتعرفوا فيها عليه وإليك الرواية المؤيدة لما قررته في صحيح البخاري
((فيأتيهم الجبَّار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه، فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ))
وقد صحح هذا الحديث كل من البخاري ومسلم وعثمان الدارمي والنووي وابن كثير و ابن حجر وغيرهم
فمن السقاف أمام هؤلاء الجبال ؟!!
والآن نقف مع حديث الصورة من ناحية الدراية فقد أورد عليه ( البعض ) تأويلات عديدة
أولها تأويل الخطابي للمجيء بالكشف عن الحجاب وتابعه ابن الجوزي على هذا التأويل
ويرد هذا التأويل قوله (( فيأتيهم الجبَّار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه، فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ))
فالكشف وقع بعد المجيء وهذا ينفي كونهما شيء واحد
الثاني تأويل الصورة على أنها الصفة كما يقال (( صورة الأمر كذا ))
قلت واللفظ السابق يسقط هذا التأويل فلم تظهر للمؤمنين الصفة التي عرفوا بها ربهم إلا بعد مجيئهم على صورة غير الصورة الأولى
ثم إن إطلاق الصورة بمعنى الصفة إنما يقع في حق المعاني كقولك (( صورة الأمر كذا )) ولا تقع في حق الأحياء فتقول (( صورة فلان أنه بصير ))(1/203)
الثالث تأويلهم لمجيء الرب بمجيء الأهوال أو الملائكة
وهذا ساقط فالمؤمنون لا يسجدون للأهوال أو الملائكة
والأهوال تقع على جميع الناس لا هذه الأمة فقط
ثم إن الملائكة والأهوال لا تقول (( أنا ربكم ))
فصفة الصورة ثابتة إن رغمت أنوف المعطلة والكلام في كون الصورة تستلزم التشبيه والتجسيم تقدم الجواب عليه
النص الثالث
واحتج السقاف في ص 193 على تأويل صفة النزول بما رواه النسائي في الكبرى (486 )من طريق عمر بن حفص بن غياث عن أبيه ثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن سمعت أبو هريرة وأبو سعيد يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر منادياً ينادي يقول هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر له هل من سائل يعطى ))
قلت وهذا الرواية شاذة أو منكرة فقد خولف حفص بن غياث خالفه محاضر بن الورع وهو ثقة عند ابن خزيمة في التوحيد برقم ( 151) وسنده صحيح عن الأعمش بهذا الطريق بلفظ (( إن الله يمهل حتى يذهب شطر الليل الأول ثم ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر فأغفر له ؟
هل من سائل فأعطيه ؟ هل من تائب فأتوب عليه ))
قلت ومعلوم أن هذا لا يقوله إلا فلا يغفر الذنوب إلا هو
وخولف حفص بن غياث من قبل مالك بن سعير فقد رواه الآجرى (ص:309) من طريق : مالك بن سعير ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي مسلم الأغر ، عن أبي هريرة مرفوعاً: (( إن الله عز وجل يمهل حتى إذا كان شطر الليل نزل تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا ، فقال : هل من مستغفر ... ... ... الحديث )) . وسنده صحيح إلى مالك وهو صدوق وروايته صالحة لترجيح رواية محاضر على رواية حفص
وقد في ترجمة حفص بن غياث في التهذيب قول يعقوب (( ثقة ثبت إذا حدث من كتابه ويتقي بعض حفظه ))
وقال أبو زرعة ساء حفظه بعد ما استقضي فمن كتب عنه من كتابه فهو صالح وإلا فهو كذا
وقال: داود بن رشيد حفص كثير الغلط(1/204)
قلت هذا جرح مفسر لا يرد ويستفاد منه أن حفص لا يصمد عند المخالفة
وعلى فرض أن الرواية محفوظة عن الأعمش فقد خالفه الثقات الأثبات فرووه بلفظ ينزل ربنا وهم
1_شعبة بن الحجاج : أخرجه الإمام أحمد (3/34) ، ومسلم ، وابن خزيمة (1146) ، والآجرى في ((الشريعة )) (ص:310).
2_ سفيان الثوري : أخرجه الآجرى (ص:309) .
3_ أبو عوانة : أخرجه أحمد (2/383) ، والرامهرمزى في (( المحدث الفاصل ))(55).
4_معمر : أخرجه عبد الرزاق (19654) .
5_إسرائيل : أخرجه الآجرى (ص:310) .
6_شريك : أخرجه الآجرى (ص:310) .
7_منصور بن المعتمر : أخرجه مسلم (1/523) ، والنسائي في (( اليوم والليلة ))(485)
8_ وابن شهاب الزهري عند المروذي في قيام الليل حديث رقم (79)
والراوي عنه الإمام مالك فأين حفص بن غياث من مالك
ولهذه الرواية الشاذة شاهد منكر
قال الشيخ عمرو عبد المنعم في كتابه دفاعاً عن السلفية (( ورد هذا الحديث من طريقين عن عثمان بن أبي العاص :
الأول : من رواية على بن زيد بن جدعان ، عن الحسن ، عن عثمان باللفظ المذكور . أخرجه أحمد ( 4/22و217) ، والبزار ( 4/44:كشف ) .وهذا الإسناد معلول بعلتين :
? الأولى : ضعف علي بن زيد بن خدعان .
? والثانية : الانقطاع ، فالحسن لم يسمع من عثمان بن أبي العاص كما في ترجمته من (( تهذيب التهذيب )) (2/231)
والثاني : من رواية هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن عثمان بن أبي العاص به . أخرجه الطبراني في (( الكبير ))(9/51) : حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ، حدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحى ، حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار ، عن هشام بن حسان به .(1/205)
قلت : وقد اختلف في هذا الإسناد على داود بن عبد الرحمن . فأخرجه البيهقي في (( الشعب ))(7/418/3555) ، وفي (( فضائل الأوقات)) ()25 من طريق : جامع بن الصبيح الرملي ، حدثنا مرحوم بن عبد العزيز عن داود بن عبد الرحمن ، عن بن حسان ، عن الحسن ، عن عثمان مرفوعاً بلفظ : (( إذا كان ليلة النصف من شعبان ، نادى مناد ، هل من مستغفر فأغفر له ، هل من سائل فأعطيه ، فلا يسأل الله عز وجل أحد شيئاً إلا أعطاه إلا زانية بفرجها أو مشرك )) .
وجامع بن صبيح هذا ترجمه ابن أبي حاتم في (( الجرح والتعديل )) (2/1/530) وسكت عنه ، وضعفه لأزدى كما في (( لسان الميزان ))(2/93) .
ولكن تابعه على هذه الرواية راو ثقة وهو محمد بن بكار بن الزبير ، فرواه عن مرحوم به .
أخرجه الخرائطي في (( مساوئ الأخلاق ))(رقم :490) : حدثنا عبدالله بن أحمد بن إبراهيم الدورقى ، حدثنا محمد بن بكار ، عن مرحوم به .
قلت : وهذا سند صحيح إلى مرحوم بن عبد العزيز . ومرحوم بن عبد العزيز أثبت من مخالفة داود بن عبد الرحمن . فالأول : وثقة أحمد ، وابن معين ، والنسائي ، والبزار ، ويعقوب بن سفيان ، وابو نعيم ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وأخرج له الستة .
وأما الثاني : فقال أبو حاتم : (( صدوق )) ومثله نقل عن صالح جزرة ، وذكره ابن حبان في (( الثقات )) ، وأخرج له مسلم . فالأصح رواية مرحوم من حديث الحسن عن عثمان في فضل ليلة النصف من شعبان . وهي معلولة بالانقطاع بين الحسن وعثمان كما تقدم والله أعلم ))
قلت وعلى فرض تسليمنا بتأويل حديث النزول في الثلث الأخير من الليل فقد ثبت ذكر النزول في مواطن أخرى ولا يمكن تأويلها بتأويل سائغ
الموضع الأول ما رواه الدارمي في الرد على الجهميه عن موسى بن إسماعيل وعلي بن عثمان اللاحقي قالا ثنا أبو عوانة عن مغيرة عن عاصم بن أبي نجود قال قالت أم سلمة رضي الله عنها (( نعم اليوم يوم عرفة ينزل فيه رب العزة إلى السماء الدنيا ))(1/206)
قلت إسناده حسن وله شاهد عند اللالكائي من طريق محمد بن أحمد بن علي بن حامد الطبري أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ثنا أبو سعيد الأشج حدثني عقبة ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أم سلمة
ورواه الصابوني في عقيدة أصحاب الحديث بسند آخر حسن
الثاني ما رواه ابن أبي الدنيا في الأهوال (حديث رقم 27 ) حدثني المثنى بن معاذ بن معاذ العنبري ثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت أبي قال ثنا أبو نضرة عن ابن عباس قال ((
ينادي مناد بين يدي الصيحة: يا أيها الناس، أتتكم الساعة، قال فيسمعها الأحياء والأموات، قال وينزل الله إلى السماء الدنيا، فينادي مناد: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار))
قلت إسناده صحيح وهو صريح في إثبات ابن عباس لصفة النزول
ورواه عبد الله بن أحمد في السنة ( حديث رقم 179) حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي عن معتمر به
والآن نذكر من أثبت صفة النزول من السلف
فأولهم إسحاق بن راهوية
وقال أحمد بن سلمة : "سمعت إسحاق بن راهويه يقول: جمعني وهذا المبتدع -يعني إبراهيم بن أبي صالح- مجلس الأمير عبد الله ابن طاهر ، فسألني الأمير عن أخبار النزول فسردتها.قال ابن أبي
صالح: كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء. فقال: آمنت برب يفعل ما يشاء" .
أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة(3/452) برقم(774).
والبيهقي في الأسماء والصفات (2/375-376، برقم951). وأورده الذهبي في العلو (ص131)، وفي السير (11/376)، وفي تاريخ الإسلام في حوادث وفيات (231-240، ص89)، وأورده في الأربعين (ص71، برقم59) وقال: "رواها الحاكم بإسناد صحيح عنه"( هذا مستفاد من تحقيق كتاب العرش )
والثاني أحمد بن حنبل(1/207)
وقال إسحاق بن منصور الكوسج – رحمه الله - : قلت لأحمد – يعني ابن حنبل((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة ، حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى سماء الدنيا ((، أليس تقول بهذه الأحاديث ؟ و ((يراه أهل الجنة )) ، يعني ربهم عز وجل . و)) لاتقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته )) . و (( اشتكت النار إلى ربها عز وجل حتى وضع فيها قدمه )) . و (( إن موسى لطم ملك الموت )) . قال أحمد : كل هذا صحيح . قال إسحاق : هذا صحيح ، ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي
رواه الآجري (306) بسند صحيح فتامل سؤال إسحاق لأحمد أليس تقول بهذه الأحاديث ومن بينها حديث الرؤية و قد كفر أحمد من لم يؤمن بالرؤية فهذا يدل انه يثبت النزول كما يثبت الرؤية وليس لقائل أن أحمد يفوض حديث الرؤية أو حديث لطم موسى للملك !!
وثالثهم الترمذي
وقال [الترمذي] (3/50-51): لما روى حديث أبي هريرة "إن الله يقبل الصدقة، ويأخذها بيمينه فيربيها" : "هذا حديث صحيح روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث، وما يشبهه من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا: قد ثبتت الروايات في هذا، ونؤمن به، ولا نتوهم، ولا يقال كيف هذا
وروي عن مالك، وابن عيينة، وابن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف.
وهكذا قول أهل العلم، من أهل السنة والجماعة.
وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه، (60/أ) وفسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وإنما معنى اليد ها هنا النعمة، وقال إسحاق بن راهويه: إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد، أو مثل يد، وسمع كسمع))
قلت وقوله ولا يقال كيف إثبات للصفة إذ ما لم يثبت معناه لم نحتج نفي العلم بكيفيته أو السؤال عن كيفيته ووما على أن الترمذي أراد الإثبات أنه لم يفرق بين صفات السمع والبصر واليد(1/208)
ومما يؤكد أنه أراد الإثبات إثباته لصفة العلو في موضع آخر من سننه
الرابع الدارمي صاحب السنن حيث بوب في سننه ( باب في شأن الساعة ونزول الرب تعالى )
الخامس ابن أبي عاصم النبيل صاحب كتاب السنة فقد باباً في النزول في كتابه السنة
السادس عثمان بن سعيد الدارمي ولم ينكر عليه أحد من السلف إثباته للصفات بل أثنى أبو زرعة على تصنيفه
السابع ابن أبي داود حيث قال في منظومته
وقل ينزل الجبار في كل ليلة بلا كيف جل الواحد المتمدح
وقال بعد منظومته (( هذا قولي، وقول أبي، وقول شيوخنا، وقول من لقيناهم من أهل العلم، وقول العلماء ممن لم نرهم كما بلغنا عنهم، فمن قال غير ذلك فقد كذب))
وقد قدمنا إثبات كل من ابن عباس وام سلمة رضي الله عنهما لصفة النزول وإنما قصدنا هنا ذكر من أثبت صفة النزول من غير الصحابة
وممن أثبت صفة النزول من السلف أبو جعفر الترمذي ( ولد عام 201 وتوفي عام 295)
قال الخطيب البغدادي (1/365) في تاريخه حَدَّثَنِي الحَسن بن أَبِي طالِب قال نبأنا أبو الحَسَن مَنْصُور بن مُحَمَّد بن مَنصُور القزاز: وذكر أن مولده سنة سبع وتسعين ومائتين. قال: سَمِعت أبا الطيَب أحمد بن عُثمَان السّمسَار والد أَبِي حَفص بن شَاهِين يقول: حضرت عند أَبي جَعفَر الترمذي فسأله. سائل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى ينزل إلى سماء الدُّنيَا. فالنزول كيف يكون يبقى فوقه علو؟ ".
فقال أبو جَعْفَر الترمذي: النزول معقول، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة
قلت إسناده صحيح
والسائل كما ترى يثبت العلو ويستشكل النزول مع إثبات العلو فيسأل ( هو يبقى في علوه ) أي عند النزول
فأجابه الثقة الفاضل أبو جعفر الترمذي
بأن النزول معقول
قلت إذا اتفق العقل والنقل وجب الإثبات
والكيف مجهول
ولم يقل معدوم فتنبه
والإيمان به واجب
يعني النزول
والسؤال عنه بدعة
وهذا مذهب السلف في هذه المسألة
وينبغي التنبه لأمرين(1/209)
الأول أنه لم يتكلم أحد في عقيدة أبو جعفر الترمذي
الثاني ان الترمذي لم ينكر على السائل إثباته للعلو
ولا يمكن حمل هذا على العلو المعنوي
إذ أنه لا يتوهم تعارض بين العلو المعنوي والنزول
ولم يتأول أحد النزول أنه نزول في المكانة والعياذ بالله
وممن أثبت النزول أبو العباس السراج ( ولد عام 217 وتوفي عام 313 )
قال الذهبي في سير اعلام النبلاء (14/396) أخبرنا إسماعيل بن إسماعيل في كتابه: أخبرنا أحمد بن تميم اللبلي ببعلبك أخبرنا أبو روح بهراة أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن محمد الخفاف حدثنا أبو العباس السراج إملاء قال: من لم يقر بأن الله تعالى يعجب ويضحك وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول:" من يسألني فأعطيه" فهو زنديق كافر يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين
قلت وإسناده صحيح
شيخ الذهبي إسماعيل بن إسماعيل بن جوسلين أبو الفداء عماد الدين
قال اليونيني ذيل مرآة الزمان (( كان إماماً عالماً فاضلاً ورعاً عاملاً ))
وأحمد بن تميم حافظ معروف
وأبو روح اسمه عبد المعز بن محمد له ترجمه في تاريخ الإسلام
قال الذهبي (( عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل بن أحمد بن أسعد بن صاعد. الشيخ المعمَّر، حافظ الدين أبو رَوْح الساعدي، البزّاز، الهَرَوي، الصوفي، مسند العصر بخُراسان.
ولد في ذي العَقْدة سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة بهَراة ))
وشيخه محمد بن إسماعيل بن الفُضيل
له ترجمة في الأنساب للسمعاني
قال السمعاني (( محمد بن إسماعيل بن الفضيل الفضيلي من أهل هراة، كان مشهوراً بالعدالة والتزكية عالماً باللغة، سمع الحديث الكثير وكان من بيت الحديث )) ثم ذكر ولايته للأوقاف
وأما المليحي فله ترجمة في الأنساب للسمعاني
قال السمعاني (( محدث هراة في وقته ومسندها ))(1/210)
وأما شيخه الخفاف فقد ذكر السمعاني ( كما نقل الألباني في مختصر العلو ) في الأنساب أن سماعاته من أبي العباس السراج صحيحة
والأثر واضح وهو والذي قبله فيهما رد على من زعم أن السلف كانوا مفوضة
والآن نتحدث عن حديث النزول دراية فقد أورد المعطلة على مثبتي النزول إيرادات عديدة
الأول قولهم يلزم من إثبات النزول إثبات الحلول
قلت وهذا الإلزام ناتج تشبيههم لنزول الخالق بنزول المخلوق فلم يعقلوا من نزوله سبحانه إلا ما فهموا من نزول المخلوق وهذا التشبيه تصريح بالكيفية ولا يلزمنا لأننا نقول بأن الكيف مجهول فكما نثبت لله وجوداً لا نعقل كيفيته فكذلك نثبت الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية ولو فتحنا باب الإلزام لألزمناهم بإثبات القلب لأنهم يثبتون الإرادة فمعنى الإرادة ميل القلب
الثاني قولهم يلزم من إثبات النزول نفي العلو
والجواب على هذا كالجواب على سابقه أن هذا كلام في الكيفية والكيف مجهول وصفة العلو ذاتية وصفة النزول فعلية فلا تعارض بينهما
الثالث قولهم ثلث الليل الأخير يختلف من بلد لآخر فكيف تقولون أن الله (( ينزل في الثلث الأخير من الليل ))
والجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قال ذلك
وإلزامكم ناتج عن تشبيهكم لنزول الخالق بنزول المخلوق فكما أن المخلوق إذا نزل في زمان أو مكان امتنع أن ينزل في زمان أو مكان آخر في نفس الوقت فكذلك الخالق عندهم
والله عز وجل (( ليس كمثله شيء ))
النص الرابع
روى الإمام مسلم في صحيحه 898 عن أنس أنه قال : أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ ، قَالَ : فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ ، حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا ؟ قَالَ : " لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى " *(1/211)
احتج بهذا الحديث جماعةٌ من العلماء على إثبات صفة العلو كالدارمي في الرد على الجهمية والذهبي في كتاب العلو
ووجه الدلالة في الحديث أنه لما كان السحاب في العلو كان أقرب إلى ربه
فلهذا كان حديث عهد بربه
فيكون معنى قوله (( حديث عهد بربه )) (( حديث عهد بالقرب من ربه ))
وليس وجه الدلالة _ على قولنا _ أن السحاب ملتصق بالله كما ظن السقاف الجاهل
فالسحاب في السماء الدنيا والله عز وجل على العرش فوق السماء السابعة
والسقاف بنى على فهمه السقيم لوجه الدلالة بعض الإنتقادات و الإلزامات السخيفة
فمنم ذلك قوله في صفحة 57 (( وهذا المجسم صاحب كتاب (( الرحمن على العرش استوى )) ما زال يعيش كبقية إخوانه من المشبهة بعقلية العصر الفرعوني الحجري فيظن أن قول النبي صلى الله عليه وسلم في المطر أنه (( حديث عهد بربه )) يؤيد عقيدته الفاسدة التي تقول أن المطر كان يسكن عند الله في السماء وفي السحاب وأن المطر إذا نزل فغنه يكون قد فارق الرب من وقت قصير جداً ))
قلت هذا كذب ناتجٌ عن فهمه السقيم لوجه الدلالة
وانظر إلى قلة ورعه كيف افترى علينا _ إذ نحن المشبهة عنده _ وزعم أننا نقول أن المطر يسكن عند الله
ويواصل كلامه ببعض الإلزامات السمجة فيقول في صفحة 58 (( ومتى ركب المجسم الطائرة فوق السحاب صار فوق ربه ))
قلت هذا أيضاً كذب فإن أهل السنة لا يقول أحدٌ منهم أن الله في السماء الدنيا واستدلالهم بهذا الحديث لا يدل على ذلك ووجه الدلالة في هذا الحديث على صفة العلو على ما بينته سابقاً
وأما قول بعض العلماء أن معنى قوله ((حديث عهد بربه ))
أي حديث عهد بتكوين ربه له
ففيه نظر لأن الزرع الذي يخرج من الأرض أيضاً حديث عهدٍ بتكوين ربه له ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم فيه ما قال في المطر
وزعم السقاف في صفحة 57 أن النبي صلى الله عليه وسلم إظهاراً للإفتقار لرحمة الله
وهذا من كيسه وليس في ظاهر الحديث ما يدل على ذلك(1/212)
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بعلة الفعل ولم يترك مجالاً لمتهوك كالسقاف أن يتقول عليه فقال (( إنه حديث عهد بربه )) ولم يقل فعلت ذلك لإظهار الإفتقار إلى رحمة ربي
النص الخامس
قال تعالى ((وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً ))
هذه الآية احتج بها جماعة من العلماء على إثبات صفة العلو _ منهم الدارمي في الرد الجهمية وابن خزيمة في التوحيد والأشعري في الإبانة _
ووجه الدلالة أن موسى أخبر فرعون أن له إلهاً في السماء
لذلك أراد فرعون أن يطلع إليه ومع ذلك فقد كذب موسى في خبره فقال (( وإني لأظنه كاذباً ))
أما المعطلة ومنهم السقاف فزعموا أن فرعون مشبه مجسم لذلك أثبت العلو
وهذا القول من السخافة بمكان وذلك أن فرعون كان يسأل عن رب العالمين سؤال مستنكر
حيث قال (( وما رب العالمين ))
فكيف آمن بوجود هذا الرب الذي ينكر وجوده ثم خمن أين هو ؟!!
بل إنه قال أنا ربكم الأعلى وهذا تأكيدٌ لإنكاره
وقوله تعالى (( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ))
يدل على أنهم لم يتلفظا بما ظاهره الإيمان
وقول فرعون بعد أمره لهامان عن موسى (( وإني لأظنه كاذباً))
دليل على أن موسى أخبره بأن له إلهاً في السماء
واختار ما ذهبنا إليه إمام المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره (20 / 49 ) يقول ((: وإني لأظن موسى كاذبا فيما يقول ويدعي من أن له في السماء ربا أرسله إلينا ))
ثم يأتي بعد ذلك من يزعم أن السلف مفوضة لا يتكلمون في آيات الصفات
وأن ابن جرير يثبت العلو المعنوي دون الحسي وهذا النص يبين كذب الدعوتين
وأما السقاف فقد كان خطبه مع هذه الآية جليلاً
حيث زعم في صفحة 58 أن فرعون كانت عقيدته التجسيم لأنه أمر قارون بأن يبني له صرحاً يطلع فيه إلى الله(1/213)
وفرعون لم يكن يؤمن بوجود هذا الإله حتى يجسمه ألا ترى لقوله (( وإني لأظنه كاذباً )) وقوله (( أنا ربكم الأعلى ))
ونسأل السقاف من أين لفرعون أن الله في السماء وهو كان يستفهم عن رب العالمين فيقول (( وما رب العالمين ))
فيكف عرف أين رب العالمين وهو يستفهم عنه ؟!
إن لم يكن موسى أخبره بذلك _ كما أخبره ابتداءً عن وجوده _
فإن قلت قادته فطرته لذلك
قلنا الفطرة لا تناقض العقيدة الصحيحة
وإن قلت خمن ذلك تخميناً _ كما هو مقتضى مذهب القوم _
قلنا هذا بعيد إذ كيف يستفهم عن وجود إله ثم يعرف أين هو بدون سؤال
ولكان البحث في الأرض أهون عليه وآكد لدعواه في أنه الرب الأعلى
بل إن السقاف كذب على جمع من المفسرين حيث قال في صفحة 58 (( والمفسرون متفقون على أن معنى قوله (( وإنه لأظن كاذباً في أن له إلهاً غيري ))
قلت ونص ابن جرير السابق يبين كذب السقاف وبتره لنصوص العلماء
بل إن السقاف كذب على جمع من المفسرين حيث قال في صفحة 58 (( والمفسرون متفقون على أن معنى قوله (( وإنه لأظن كاذباً في أن له إلهاً غيري )) ))
قلت ونص ابن جرير السابق يبين كذب السقاف وبتره لنصوص العلماء
بل إن جماعةً من المفسرين _ منهم ابن كثير _ قالوا أن قول فرعون (( وإني لأظنه كاذباً )) في أن له إلهاً أرسله
وهذا لا يناقض قولنا البتة بل إنه داخل في كلام ابن جرير
والسقاف الأفاك كذب على كلا الفريقين
وأما قول السقاف أن موسى لم يخبر فرعون بان الله في السماء ولا في آية واحدة
فنقول هذه الآية دليل على أنه أخبره وموسى أنكر على فرعون جحد الإله وجحد الرسالة ولم ينكر عليه إثبات العلو _ وهو لم يثبته بل صرح بالجحود ولكني ألزمهم بمقالتهم _
بل زعم السقاف في صفحة 58 أن موسى أخبر فرعون أن الله ليس في السماء ولا في الأرض ولكنه رب السماوات والأرض
وهذا كذب فإن موسى عندما سأله فرعون عن رب العالمين(1/214)
قال (( قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ))
ولم يذكر صفة الكلام والإرادة والسمع والبصر
فهل معنى هذا أن موسى أخبر فرعون أن الله ليس له هذه الصفات !!!
فكذلك العلو مثلها لم يذكر في هذا وذكر في مقامٍ آخر
النص السادس
ومن حجج أهل السنة على إثبات صفة العلو لله عز وجل قول أم المؤمنين زينب بنت جحش (( وزوجني الرحمن من فوق سبع سماوات )) رواه البخاري
ووجه الدلالة واضح وحرف الجر من إذا جاء قبل كلمة فوق دل ذلك على أن الفوقية حقيقة فلم يأتي هذا التركيب في القرآن إلا وكان المقصود الفوقية الحسية
من ذلك قوله تعالى (( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ ))
وقوله تعالى (( قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ))
وقوله تعالى (( يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ))
وقوله تعالى (( وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ))
وغيرها من الآيات الكريمة
وقد أجاب السقاف على هذا الإستدلال بأن معنى الحديث أن تزويج زينب موجود في القرآن الذي نزل من فوق سبع سماوات انظر صفحة 60 من مقدمته
قلت ونحن لا نخالف في هذا بل هو عين استدلالنا لأن القرآن كلام الله ونزل من لدن الله
قال تعالى (( الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ))(1/215)
وقال تعالى (( وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ))
فنعم القرآن نزل من فوق سبع سماوات لأنه كلام الله المستوي على عرشه فوق سبع سماوات
فانظروا إلى السقاف البليد كيف ثبت حجتنا وهو يظن أنه ينقضها
وعول السقاف كثيراً على الرواية التي تقول فيها زينب (( أنا التي نزل تزويجي من السماء )) كما في صفحة 60 من مقدمته والرواية في تفسير ابن جرير
وهي ضعيفة جداً ففي سندها المعلى بن عرفان وهو متروك وله ترجمة في لسان الميزان
ولم يستحِ السقاف من الإحتجاج بمثل هذه الرواية
ومن جهالات السقاف قوله في صفحة 59 (( وأما قوله _ يعني عبد الله السبت _ (( ذكره الحافظ في الفتح ( 13 / 348) من مرسل الشعبي وقال أخرجه الطبري وأبو القاسم الطحاوي في كتاب الحجة والبيان له فلا قيمة له لأنه مرسل والمرسل من أقسام الضعيف كما يعرفه المبتدئون من الطلبة في هذا الفن ))
قلت نعم هذا ما يعرفه المبتدئون الجهلة من أمثالك ممن لا يعرفون الفرق بين القاعدة والإستثناء
ومراسيل الشعبي استثناء
قال العجلي كما في التهذيب للحافظ (( ولا يكاد الشعبي يرسل إلا صحيحاً ))
وقال الآجري عن أبي داود مرسل الشعبي أحب إلي من مرسل النخعي _ نقله الحافظ في التهذيب_
قلت ومراسيل النخعي محل خلاف ويستثنى مما تقدم مراسيل الشعبي عن علي فهي محل خلاف
ولكني لا أدري إن صح السند إلى الشعبي أم لم يصح فقد وقفت عليه في مستدرك الحاكم ولفظه (( زوجنيك الرحمن من فوق سبع سماوات ))
وفي سنده علي بن عاصم وهو ضعيف
النص السابع
ومن أدلة أهل السنة على إثبات صفة العلو ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر في الحج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس "اللهم ! اشهد اللهم ! اشهد"
ووجه الدلالة أن المستشهِد يشير إلى المستشهَد والنبي صلى الله عليه وسلم كان يستشهد رب العالمين(1/216)
وأجاب السقاف عن هذا الإستدلال بهذا الحديث بقوله في صفحة 62بعد أن نفى دلالة الحديث على صفة العلو (( وإنما جرت عادة الناس في خطاباتهم حتى فيما بينهم _ كذا _ يقول في خطابه _ كذا!!_ أيها الناس اشهدوا على كذا فإنه يشير بإصبعه رافعاً إياها ))
قلت النبي صلى الله عليه وسلم لم يستشهد الناس وإنما استشهد رب العالمين فقال (( اللهم اشهد ))
وبهذا يكون في كلام السقاف تثبيتٌ لحجتنا
ومن القبيح في حق آحاد الناس _ فضلاً عن الأنبياء _ أن يستشهد الشخص أحداً ثم يشير إلى غيره وهو يستشهده !!!!
النص الثامن
ومن أدلة اهل السنة على إثبات صفة العلو حديث (( الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك و تعالى , ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ))
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2 / 630 :
رواه أبو داود ( 4941 ) و الترمذي ( 1 / 350 ) و أحمد ( 2 / 160 ) و الحميدي
(591) و الحاكم ( 4 / 159 ) و صححه و وافقه الذهبي و الخطيب في " التاريخ "
(3/560) و أبو الفتح الخرقي في " الفوائد الملتقطة " ( 222 - 223 ) كلهم
عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن # أبي قابوس مولى عبد الله بن عمرو #
مرفوعا . و قال الترمذي : " هذا حديث حسن صحيح " . و صححه الخرقي أيضا .
قلت : و رواه العراقي في " العشاريات " ( 59 / 1 ) من هذا الوجه مسلسلا بقول
الراوي : " و هو أول حديث سمعته منه " ثم قال : " هذا حديث صحيح " .
و صححه أيضا ابن ناصر الدين الدمشقي في بعض مجالسه المحفوظة في ظاهرية دمشق ))
قلت وأفاد الشيخ الألباني في الإستدراك رقم 11 في المجلد الثاني من السلسلة الصحيحة أن الحافظ قد صحح الحديث في كتابه (( الإمتاع ))
وصححه كذلك الشيخ أحمد بن الصديق الغماري في كتابه فتح الوهاب
وأخوه عبد الله في الكنز الثمين _ أفاد ذلك الشيخ الألباني في المصدر السابق _
وعليه فالحديث مع شهرته قد تلقاه الحفاظ بالقبول وهذا كافٍ لتصحيحه ورد قول السقاف في تضعيفه له(1/217)
والحديث مروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص وفي سنده ابو قابوس مولى عبد الله
صحح الترمذي والحاكم حديثه وأفاد الحافظ في التهذيب أن البخاري ذكره في الضعفاء الكبير
فعلى مذهب من يرى أن الترمذي لم يكن متساهلاً السند حسن
وعلى مذهب من يرى أنه كان متساهلاً فالسند ضعيف
وقد حاول السقاف أن يسقط هذه الرواية فأورد عليها رواية (( ارحموا ترحموا واغفروا يغفر الله لكم ويل لأقماع القول ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعملون ))
رواه أحمد من حديث حبان الشرعبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم
فيكون هذا هو الوجه المحفوظ لتلك الرواية
وليس كذلك فهذه الرواية معلولة إذ أن حبان بن زيد الشرعبي لا ندري إن كان سمع من عبد الله بن عمرو بن العاص أم لم يسمع
ولم أقف على روايةٍ له يصرح فيها بالتحديث من عبد الله
وهو حمصي كما جاء تراجمه في تهذيب الكمال وفروعه
وعبد الله بن عمرو بن العاص لم يسكن حمص فيما أعلم
ولرواية أبي قابوس عن عبد الله بن عمرو شاهدٌ من حديث عبد الله بن مسعود عند الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك 7631 ولفظه (( ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء ))
قال الحافظ في الفتح (( رجاله ثقات ))
وذلك في شرحه لحديث (( من لا يرحم لا يرحم ))
ولكنه منقطع لأن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه
ولكن هذا الشاهد صالح للإعتبار وبه يثبت الحديث _ والله أعلم_
وبعضهم يقوي حديث أبي عبيدة عن أبيه لأنه أعرف بحديث أبيه من غيره
انظر شرح العلل لابن رجب (1/298)
وزعم السقاف كما في صفحة 64 أن هذا الحديث على فرض صحته فهو مؤول وأحال إلى فيض القدير للمناوي (1/ 473)
ولفظ المناوي (( (يرحمكم من في السماء) أي من رحمته عامة لأهل السماء الذين هم أكثر وأعظم من أهل الأرض أو المراد أهل السماء ))(1/218)
قلت هذا التأويل ساقط لأن رحمة الله وسعت السماوات والأرض فلا وجه لتخصيص أهل السماء بالرحمة
والأصل في الكلام عدم وجود محذوف مقدر ومن ادعى وجوده فعليه البينة
ووجه الإشارة إلى الناس في الحديث وهي في قوله _ وينكتها إلى الناس _ أنهم هم المشهود عليهم
ولو يقصد بالإشارة الأولى استشهاد الناس لما كان للإشارة الثانية معنى
خصوصاً وهو يقول (( اللهم اشهد ))
النص التاسع
ومن أدلة أهل السنة على إثبات صفة العلو قوله صلى الله عليه وسلم (( ألا تأمنوني ؟ وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء ))
ووجه الدلالة واضح من هذا الحديث
وقد حاول السقاف تأويل هذا الحديث بعلو المكانة
واحتج لذلك بقول الشاعر
علونا السماء مجدنا وجدودنا ***وإنا لنبغي فوق ذلك مظهر وظاهر _ وذلك في صفحة 66 _
والجواب عليه
أن الأصل في الكلام عدم وجود محذوف مقدر _ وهي هنا لفظة المكانة _
والبقاء على الأصل هو المتعين عند عدم تعذر الحقيقة
ثم إن هذا يقتضي تشبيه مكانة الله بمكانة الخلق
فيكون هروب من تشبيه _ مزعوم _ إلى تشبيه محقق
ثم إننا لا ندري إن كان هذا الشعر أصيل أو مولد
مما يدل على أنه لا يثبت عندهم أن هذا من خصائص الله
فإن قال قائل حمل المعنى على الحقيقة متعذر لأنه يستلزم المكان والجهة والتجسيم
قلنا لا نسلم بلزوم هذا
والذي يلزم من فوقية بعض المخلوقات على بعضها
لا يلزم من فوقية الخالق على خلقه
إذ أن الفوقية المطلقة لا تقاس على الفوقيات المقيدة
والحق أن هذه الألفاظ لا نطلق نفيها ولا إثباتها
وكما وسعكم إثبات إرادة لا تستلزم ميل القلب
ووسعكم أيضاً إثبات أن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولم يلزمكم إعدامه بذلك
فإنه يسعنا إثبات علو بدون استلزام ما تقدم ذكره
وقفة ثالثة في الدفاع عن الألباني
من الأحاديث الضعيفة في إثبات صفة العلو حديث قتادة بن النعمان في الإستواء وله لفظان(1/219)
اللفظ الأول (( إن الله عز وجل لما قضى خلقه استلقى , و وضع إحدى رجليه على الأخرى و قال :
لا ينبغي لأحد من خلقه أن يفعل هذا ))
وهذا اللفظ حكم عليه الشيخ الألباني بالنكارة وقال رواه أبو نصر الغازي في جزء من " الأمالي " ( 77 / 1 )
انظر ذلك في سلسلة الأحاديث الضعيفة حديث رقم 755
اللفظ الثاني (( لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه ))
ذكر الذهبي في العلو وقال (( رواته ثقات رواه أبو بكر الخلال في كتاب السنة له ))
انظر ذلك في صفحة 98 من مختصر العلو ونقل الألباني حكم ابن القيم على سند الخلال أنه على شرط الشيخين
والشيخ الألباني لم يقف على سند الخلال وله العذر في ذلك
لأنه لا يوجد في النسخة المطبوعة من السنة للخلال ولم يذكر الذهبي في العلو سند الخلال وكذلك ابن القيم
فاكتفى الشيخ الألباني بنقل حكم الذهبي وابن القيم لاحتمال أن يكون سند الخلال غير سند الرواية الأولى فالإختلاف في المتن من مظان الإختلاف في السند _ والواقع أن السند هو هو _
ولما كان السقاف جاهلاً حقوداً لم يتفهم هذا التصرف الدقيق من الشيخ الألباني فأخذ يتهمه بالتناقض لأنه حكم على اللفظ الأول بالضعف وسكت على حكم الذهبي وابن القيم على اللفظ الثاني بل أوهم أن اللفظين واحد وذلك كله في صفحة 67 _ والرواية ذكرها السقاف ونسبها للخلال تجمع بين اللفظين والشيخ الألباني لم يقف إلا على ما ذكره الذهبي وابن القيم من ذكر الإستواء دون الإستلقاء _
والخلاصة أن الشيخ لم يتناقض بل حكم على السند الذي رآه بالضعف واكتفى بنقل أحكام أهل العلم على السند الذي لم يره والإختلاف في المتنين يؤيد صنيع الشيخ
وهذا التصرف غاية في الدقة والورع والله الموفق
النص العاشر
وزعم السقاف أن معنى الإستواء هو الإستيلاء وزعم أن الإستيلاء لا يستلزم المغالبة لأن رب العالمين يقول (( والله غالبٌ على أمره )) ولم يفد ذلك مغالبة وذلك في حاشية صفحة 65
والجواب على ذلك من وجوه(1/220)
الأول أن الغلبة غير المغالبة والغالب اسم فاعل لمصدر الغلبة وأما المغالبة فاسم فاعلها مغالب
والسقاف لجهله باللغة لم يفرق بين اللفظين
الثاني أن السلف لم يقولوا بأن الإستواء هو الإستيلاء
بل قال بشر بن عمر الزهراني سمعت غير واحد من المفسرين يقولون (( الرحمن على العرش استوى )) على العرش ارتفع
رواه اللالكائي في السنة 662 وإسناده صحيح
وأورد البخاري في صحيحه التفسير المنقول عن مجاهد وهو قوله استوى علا والتفسير المنقول عن أبي العالية وهو قوله استوى ارتفع ولم ينقل عن أحد من السلف تفسير الإستواء بالإستيلاء
الوجه الثالث أن أئمة اللغة فسروا الإستواء بالعلو وأنكروا تفسيره بالإستيلاء
قال ابن عرفة في كتاب الرد على الجمهية :
حدثنا داود بن علي قال : كنا عند ابن الأعرابي فأتله رجل فقال : ما معنى قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) ؟ قال : هو على عرشه كما أخبر , فقال : يا أبا عبد الله إنما معناه استولى فقال : اسكت ! لا يقال استولى على الشيء و يكون له مصادقا , إذا غلب أحدهما قيل : استولى كما قال النابغة :
ألا لمثلك أو من أنت سابقه .............. سبق الجواد إذا استولى على الأمد .
وأفاد الشيخ الألباني في مختصر العلو صفحة 196 أن هذا الأثر رواه الخطيب في تاريخ بغداد ( 5/283 _284) وكذا البيهقي في الأسماء والصفات 415
وسنده صحيح
وقد تقدم ذكر أثر الفراء للإستواء بالصعود
قال الأزهري في كتاب ( التهذيب ) له في قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) .
قال الأخفش : استوى أي : علا ؛ يقال : استويت فوق الدابة و على ظهر الدابة و على ظهر البيت أي : علوته
قلت نقل ذلك ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية
ثم يأتي بعد ذلك من يزعم أن السلف كانوا مفوضة
ألا لعنة الله على الكاذبين
وأورد السقاف بيتاً يحتج به لمقالته وهو قول الشاعر
إذا ما علونا واستوينا عليهم *** جعلناهم مرعى لنسرٍ وطائر(1/221)
قلت أولاً هل هذا البيت مولد أم أصيل
ثانياً هو حجةٌ لنا إذ ان معنى المغالبة في البيت ظاهر
وهناك أدلةٌ أخرى على إبطال تفسير الإستواء بالإستيلاء بسطها ابن القيم في الصواعق المرسلة فمن أراد الإستزادة فليراجعها
ومن عجائب السقاف أنه تأول قول أبي العالية في تفسير الإستواء بالإرتفاع (( وفي البخاري تأويل أبي العالية الاستواء بالارتفاع فإن كان يريد إرتفاع الربوبية على رتبة العبودية بعلو الملك والسلطان والقهر والعظمة كما يقول الحافظ ابن جرير السلفي فتأويل مقبول لا ترفضه قواعد الشريعة ولا لغة العرب ))
قلت بل هذا هراء مردود لأنه لو كان هذا القصد فلما يخصص العرش بالذكر
ثم إن في الآية قوله (( ثم استوى )) فهل معناه ثم ارتفع بالربوبية عن العبودية ؟!!
وكلام أبي العالية يبقى على ظاهره إذا ثبت عنه
وما نقله عن ابن جرير افتراء قد تقدم نقضه
وقد حاول السقاف رد استلزام الإستيلاء للمغالبة بالإحتجاج بقوله تعالى (( لمن الملك اليوم ))
فقال (( ألم تعلم أن الله تعالى يخبرنا عن يوم القيامة فيقول لنا في كتابه العزيز : (لمن الملك اليوم ؟ !) فنقول لك : هل كان الملك قبل ذلك اليوم لغير الله تعالى ؟ ! ! الجواب : لا قطعا . إذن لم يلزم من قول الله تعالى : (لمن الملك اليوم) أن الملك قبل ذلك اليوم كان لغيره سبحانه ، وكذلك قولنا : استوى معناه : قهر واستولى ، ولا يلزم منه أنه لم يكن مستوليا أو قاهرا قبل ذلك والله الموفق والهادي للصواب ))
وهذا كلام سخيف لأنه قوله تعالى (( لمن الملك اليوم ))
المقصود به نفي كل ملك وذلك أن البشر لهم ملك جزئي في الدنيا ولكنه يتقوض يوم القيامة
بل إن قوله تعالى (( لمن اليوم اليوم ))
لا ينفي كون الأيام الأخرى ملكه سبحانه وتعالى
بخلاف ذكر الإستيلاء فإنه مستلزم للمغالبة كما قرر ذلك أهل اللغة وكل الأبياء التي يحتجون بها فيها ذكر المغالبة
مثل(1/222)
قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف ودم مهراق
ومن عجائب السقاف احتجاجه ببعض المرويات في مسند الربيع بن حبيب الأزدي البصري
مثل هذا الأثر
قال وحدثنا اسماعيل ابن ابراهيم قال حدثنا ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن عبد الله بن عمر انه سئل عن الصخرة التي كانت في بيت المقدس فقال له ان ناسا يقولون فذكر قولهم سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا فارتعد ابن عمر فرقا وشفقا حين وصفوه بالحدود والانتقال فقال ابن عمر ان الله أعظم وأجل أن يوصف بصفات المخلوقين هذا كلام اليهود أعداء الله انما يقولون (الرحمن على العرش أستوى) أي استوى أمره وقدرته فوق بريته
قلت ليث ضعيف مختلط لا يجوز الإحتجاج به في أحاديث الطهارة فكيف احتج به الخساف هنا ؟
النص الحادي عشر
ونقل ابن الجوزي في ص 163 حديث (( إن الله بعث إبليس فأخذ من أديم الأرض فخلق منها آدم ))
فخرج السقاف الحديث قائلاً (( رواه ابن سعد (1/26) مطولاً من حديث عبدالله بن مسعود موقوفاً عليه بسندٍ حسن في غير العقائد ))
قلت بل سنده منقطع
فقد رواه ابن سعد من طريق سعيد بن جبير عن عبدالله بن مسعود
والناظر في ترجمة سعيد بن جبير في تهذيب التهذيب يرى أنه كثير الإرسال
وقد ذكر الحافظ ابن حجر عن أبي القاسم الطبري أن وفاته كانت عام سنه 95 وله من العمر 49
وهذا يعني أنه ولد عام 46
وإذا نظرت في ترجمة عبدالله بن مسعود في تهذيب التهذيب ستجد أنه توفي عام 32 أو 33
وهذا يعني أن الإنقطاع متحقق وأما السقاف فقد تسرع وحسن السند
النص الثاني عشر
ذكر ابن الجوزي في ص270 الحديث الذي رواه الترمذي2437 (( وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب ، مع كل ألف سبعون ألفا ، وثلاث حثيات من حثيات ربي ))
فعلق السقاف بعد أن خرجه قائلاً (( يحتمل أن تكون لفظة الحثيات من تصرفات الرواة على العادة ))(1/223)
قلت هذا التعليل يفتح باب الزندقة على مصراعيه فكل من لا تعجبه لفظة في حديث قال (( يحتمل أن تكون من تصرف الرواة ))
وهكذا تهدم السنة
ثم تأول الحديث قائلاً (( وعلى كل لو ثبت المراد بها الكثرة لا غير ))
قلت لو كان هذا المراد فما وجه إضافة الحثية إلى رب العالمين في قوله (( حثيات ربي ))
هل معناها (( كثرة ربي ))
فإن قيل (( معناها الكثرة الذين يدخلهم ربي الجنة ))
قلت الألف الذين يدخلون مع كل سبعين ألف كثرة ما وجه تخصيص هؤلاء بلفظ الحثية
ثم إن هذا القول يجمع بين التأويل وتقدير محذوف وهذا ثقيل لا يصار إليه بسهولة
اذ أن في مثل هذا التصرف نستطيع مسخ دلالة عشرات النصوص
واعلم أن لفظة الحثيات ليست بأعجب من لفظة القبضة الثابتة في الأحاديث الصحيحة
وقد أورد ابن أبي عاصم هذا الحديث في كتاب السنة حديث رقم 589
اشارةً منه إلى اختلاف طريقة أهل السنة في التعامل مع هذا الحديث عن طريقة أهل البدع
وهذا الحديث داخلٌ في أصل السلف الكلي (( أمروها كما جاءت بلا كيف ))
فتأويله بدعة
وقد تأوله ابن الجوزي بقوله (( المراد التقريب بما يعقل لا حقيقة الحثية ))
قلت الأصل في الكلام الحقيقة وتوهم التشبيه من هذه النصوص تم نقضه وكذلك توهم التجسيم
ثم إن التقريب يكون لمعنىً من المعاني فما هو المعنى المراد تقريبه
فإن قيل (( كثرة الناس ))
قلنا إنما يصار للمعنى التقريبي إذا تعذر افهام المستمع
وما المتعذر في التعبير عن كثرة فيمكن أن يقال (( خلقٌ كثير لا يحصيهم إلا الله )) أو (( فئام من الناس كثير ))
أليس هذا أفضل من استخدام لفظٍ يوهم التجسيم أو التشبيه _ على زعم القوم_
والنبي صلى الله عليه وسلم يحضر مجلسه الأعرابي والجافي والنصراني حديث العهد بتجسيم النصارى وغيرهم
وبهذا يظهر أن مآل قول المعطلة إلى انتقاص النبي صلى الله عليه وسلم واتهامه بقلة النصح للأمة
النص الثالث عشر(1/224)
وتكلم ابن الجوزي في ص273 على حديث ((إذا رأيتم الريح فلا تسبوها فإنها من نفس الرحمن))
فعلق السقاف بما مفاده أن لفظ (( نفس الرحمن )) شاذة ولا أخالفه في هذا غير أنه زعم انها من تصرف الرواة ولو اكتفى بطريقة اهل العلم في وصف هذا بالشذوذ بدلاً من طريقته السمجة لكان خيراً له
ثم ذكر ابن الجوزي حديث أبي هريرة (( وأجد نفس ربكم من قبل اليمن )) رواه أحمد ( 2/541)_ هذا تخريج السقاف _
وقال العراقي في تخريج الإحياء (( ورجاله ثقات ))
قلت وهذا الحكم صحيح ولكن في قلبي شيء من اتصاله وذلك أن شبيب بن نعيم الحمصي يرويه عن أبي هريرة
وشبيب هذا أخطأ من عده في الصحابة كما ذكر ذلك الحافظ في تقريب التهذيب
بل الذي يظهر أنه تأخر عن زمانهم فإن الرواة عنه هم من كانت جل روايتهم عن التابعين
لذا فأنا في شك من سماعه من أبي هريرة ولا نعرف له تاريخ ميلاد حتى نعرف ما إذا كان معاصراً لأبي هريرة أو غير معاصر
لذا أجدني مضطراً للحكم على هذا السند بعدم ثبوت الإتصال
غير أن الطبراني أخرج له شاهداً قوياً في معجمه الكبير من حديث سلمة بن نفيل (7/52 برقم 6358) _ وهذه الإحالة من السقاف _
وهذا لفظ الخبر ((قال سلمة بن نفيل دنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كادت ركبتاي تمسان فخده فقلت يا رسول الله تركت الخيل وألقي السلاح وزعم أقوام أن لا قتال فقال كذبوا الآن جاء القتال لا تزال من أمتي أمة قائمة على الحق ظاهرة على الناس يزيغ الله قلوب قوم قاتلوهم لينالوا منهم وقال وهو مول ظهره إلى اليمن إني أجد نفس الرحمن من ههنا ولقد أوحى إلي مكفوت غير ملبث وتتبعوني أفنادا والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها ))
قلت سياق الخبر يبين لنا معنى (( نفس الرحمن )) وهو الفرج ومثله حديث (( من نفس عن مؤمن كربة من كربات الدنيا نفس الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ))
رواه مسلم (2699)(1/225)
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم عن الطائفة المنصورة الظاهرة على الحق والتي بها يتم حفظ الدين
وتركنا للتأويل لا يعني أننا لا نعتبر السياق في فهم الخبر ولا نعتبر النصوص الأخرى المعينة على فهم الخبر
ولم أجد عالماً سلفياً ذكر هذا الخبر في أخبار الصفات
النص الرابع عشر
وذكر ابن الجوزي حديث الأطيط في في ص 266 وأعله بمحمد بن إسحاق ويعقوب بن عتبة
فأضاف السقاف عدة علل
حيث الخبر بوهب بن جرير حيث قال (( وهذا إسنادٌ معلول لما يأتي
قال فيه ابن حبان (( كان يخطيء وكان عفان يتكلم فيه وغمزه أحمد وعرض فيه مع أنه من رجال الستة))
انظر رحمني الله وإياك إلى هذا الكلام الساقط فقد اكتفى بنقل كلام الجارحين وهذا اجتزاء ولا نستغربه من السقاف إذ أن الشيء من معدنه لا يستغرب
وهب بن جرير روى عنه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني
وقال العجلي بصري ثقة
قال سليمان بن داود القزاز قلت لأحمد أريد البصرة عمن اكتب قال عن وهب بن جرير وأبي عامر العقدي وقال عثمان أحب إلي منهما وهب صالح الحديث
وقال بن سعد مات سنة ست ومائتين قلت وقال كان ثقة
وأما كلام أحمد وعفان فيه فكان من أجل روايته عن شعبة خاصة
قال أحمد ما روى وهب قط عن شعبة ولكن كان وهب صاحب سنة حدث زعموا عن شعبة بنحو أربعة آلاف حديث
قال عفان هذه أحاديث عبد الرحمن الرصاصي شيخ سمع من شعبة كثيرا ثم وقع إلى مصر وقال وهب بن جرير كتب لي أبي إلى شعبة فكتب أبي إليه فسأله
قلت وهذا لا يقدح فيه فإذا كان أرسل عن شعبة فقد أرسل الكثير من العلماء فهذا هشام بن حسان أرسل عن الحسن وغيره كثير غير أن البخاري أثبت سماع وهب من شعبة في تاريخه
ثم أعل السقاف حديث الأطيط بجرير بن حازم حيث قال في نفس الصفحة (( له أوهام واختلط ))
قلت لا يضر اختلاطه لأنه لم يحدث في حال اختلاطه(1/226)
قال الحافظ في تهذيب التهذيب (( وقال أحمد بن سنان عن بن مهدي جرير بن حازم اختلط وكان له أولاد أصحاب حديث فلما احسوا ذلك منه حجبوه فلم يسمع أحد منه في حال اختلاطه شيئ))
وأما أوهامه فلا تسقط حديثه فقد احتج به أصحاب الصحاح
ولعل أوهامه فيما يرويه عن قتادة خاصة
قال الحافظ في تهذيب التهذيب (( وقال عبد الله بن أحمد سألت بن معين عنه فقال ليس به بأس فقلت إنه يحدث عن قتادة عن أنس أحاديث مناكير فقال ليس بشيء هو عن قتادة ضعيف ))
وقال بن عدي وقد حدث عنه أيوب السختياني والليث بن سعد وله أحاديث كثيرة عن مشائخه وهو مستقيم الحديث صالح فيه إلا روايته عن قتادة فإنه يروي عنه أشياء لا يرويها غيره
ولعل بقية أوهامه فيما روى عنه أهل مصر
قال الحافظ في تهذيب التهذيب (( وقال الأزدي جرير صدوق خرج عنه بمصر أحاديث مقلوبة ولم يكن بالحافظ حمل رشدين وغيره عنه مناكير ))
ونقل أيضاً عن أحمد أنه قال (( جرير بن حازم حدث بالوهم بمصر ولم يكن يحفظ ))
وهذا الحديث ليس من أحاديثه عن قتادة ولا مما يرويه عنه أهل مصر
وقال الحافظ ((قال علي عن بن مهدي جرير بن حازم أثبت عندي من قرة بن خالد))
وقال عثمان الدارمي عن بن معين ثقة
وقال العجلي بصري ثقة
وقال النسائي ليس به بأس
وقال أبو حاتم صدوق صالح
وكان شعبة يقول ما رأيت أحفظ من رجلين جرير بن حازم وهشام الدستوائي
قلت من هذا تعلم تسرع السقاف في اعلاله لهذا الخبر بجرير بن حازم
فيكون الكلام على رواية وهب عن شعبة بالذات لا على روايته بصفة عامة كما أوهم السقاف
وقال أحمد بن منصور الرمادي تذاكرت أنا وابن وارة أيما أثبت وهب أو أبو النضر فقال هو أبو النضر وقلت أنا وهب
وأما كلام ابن حبان فلا يسقط حديث وهب مع توثيق بقية الأئمة له وقد وصف العلماء حديث عبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد بالخطأ بل ضعفه جمع كما ذكرته في الإسعاف من إغاثة السقاف(1/227)
ومع ذلك هو ثقة عند السقاف!!!!!! كما في الإغاثة _ ص11_
وهذا تناقضٌ قبيح من هذا الجهول
النص الرابع عشر
وذكر ابن ابن الجوزي في ص264 حديث (( إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته )) رواه البخاري في كتاب الرقاق باب التواضع
فعلق السقاف عليه وأعله بخالد بن مخلد القطواني وشريك بن عبدالله
وقد اقتصر على ذكر الجرح في خالد بن مخلد دون التعديل
فنقل قول أحمد (( له مناكير ))
والجواب على هذا من وجهين الأول اخراج هذا البخاري للحديث نص منه على أنه ليس من مناكيره
الثاني أن هذا الحديث من أحاديثه عن سليمان بن بلال وقد أثنى الغلابي على حديثه عن سليمان بن بلال
قال ابن رجب الحنبلي في شرح علل الترمذي (2/775) (( ذكر الغلابي في تاريخه قال يؤخذ عنه مشيخة المدينة وسليمان بن بلال فقط ))
وسليمان بن بلال مدني ذكره خاصة من باب عطف الخاص على العام لبيان أهميته
وأما قول أبو حاتم (( لا يحتج به ))
فيقابله قول من وثق القطواني مطلقاً مثل العجلي وصالح جزرة وابن حبان وعثمان بن أبي شيبة
وبعضهم عدله تعديلات منخفضة وبعضهم ضعفه وعى كل حال حديثه عن سليمان بن بلال حالة خاصة
وأما شريك فهو بن عبدالله بن أبي نمر
ولا ينبغي اعلال الحديث به وذلك لأنه صدوقٌ حجة والجروح التي جاءت فيه لا تسقط حديثه عن درجة الإحتجاج
قال ابن معين والنسائي ليس به بأس
وقال النسائي أيضا ليس بالقوي
وقال بن سعد كان ثقة كثير الحديث
وقال بن عدي إذا روى عنه ثقة فلا بأس برواياته
وقال الآجري عن أبي داود ثقة(1/228)
وذكره بن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ
وهذا الحديث ليس من بأخطائه لأن البخاري أخرجه في صحيحه وهذا كالنص على عدم خطئه
وهذا ما نقلته من تهذيب التهذيب
وقال أحمد (( صالح الحديث ))
كذا في العلل رواية المروزي ص 205
ووثقه العجلي _ انظر تاريخ الثقات 217_
وقال الدارقطني (( لا بأس به )) كما في سؤالات ابن بكير
وروى عنه مالك وهو معروف بانتقائه في شيوخه
فعليه حديثه صالح للإحتجاج
من هذا تعرف خطأ السقاف في قوله ((والخلاصة أن حديث التردد صحيح إلا أن لفظ التردد لا يثبت لاحتمال أن يكون من تصرف الرواة وخصوصاً وأن فيه ضعفاء ))
قلت قد تبين لك أنه لا ضعفاء في السند ولو فتحنا باب الإحتمالات لأسقطنا المئات من الأحاديث
ملحوظة كل الأقوال التي أنقلها من خارج تهذيب التهذيب مأخوذة من التذييل على تهذيب التهذيب
واعلم رحمك الله أن الشيخ الألباني استقصى طرق حديث (( من عادى لي ولياً )) في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم 1640 فراجعه غير مأمور
وأما معنى التردد في الحديث
فقال ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه ص266 (( وأما التردد خطاب لنا بما نعقل ))
وهذا الجواب ساقط وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان ليعلم أمته ما لا يليق بالله عز وجل تنزلاً معهم
وإلا لفتحنا الباب للزنادقة فحملوا كل ما لا يوفق هواهم على أنه للتنزل
وبهذه الشبهة يسقط الجهمي نصوص إثبات السمع والبصر والكلام وغيرها
بعد أن أفسدنا قول المؤولة في التردد إليك قول أهل السنة
قال شيخ الإسلام ( 10 / 58 - 59 ) في الفتاوى (( فبين سبحانه أنه يتردد لأن التردد تعارض
إرادتين , فهو سبحانه يحب ما يحب عبده , و يكره ما يكرهه , و هو يكره الموت , فهو يكرهه كما قال : " و أنا أكره مساءته " و هو سبحانه قد قضى بالموت فهو يريد أن يموت , فسمى ذلك ترددا . ثم بين أنه لابد من وقوع ذلك ))
قلت وهذا حسن ومتناسب مع ظاهر النص وسياقه
النص الخامس عشر(1/229)
وذكر ابن الجوزي في ص163 حديث (( إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك ))
فخرجه السقاف وصححه غير أنه زعم لفظة (( من قبضة قبضها )) من تصرف الرواة محتجاً برواية الحاكم ولفظها (( خلق الله آدم من أديم الأرض كلها، فخرجت ذريته على حسب ذلك، منهم: الأبيض، والأسود، والأسمر، والأحمر، ومنهم: بين بين ذلك، ومنهم: السهل، والخبيث، والطيب))
قال فلم يذكر القبضة
قلت والجواب أن سند الحاكم فيه كلام فالحاكم يرويه في المستدرك (2 / 261) من طريق إسحاق بن إبراهيم، أنبأ عبد الرزاق، أنبأ معمر، أخبرنا عوف العبدي، عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى الأشعري
وعوف العبدي بصري وفي رواية معمر عن البصريين كلام
قال الحافظ في ترجمته في تهذيب التهذيب (( وقال بن أبي خيثمة سمعت يحيى بن معين يقول إذا حدثك معمر عن العراقيين فخالفه إلا عن الزهري وابن طاوس فإنه حديثه عنهما مستقيم فأما أهل الكوفة وأهل البصرة فلا وما عمل في حديث الأعمش شيئا قال يحيى وحديث معمر عن ثابت وعاصم بن أبي النجود وهشام بن عروة وهذا الضرب مضطرب كثير الأوهام ))
وقد رواه عن عوف كل من محمد بن جعفر ويحيى بن سعيد عند أحمد في المسند ( 4 /400و 406)
ويزيد بن زريع عند أبي داود (4693)
وغيرهم في غيرها من مصادر السنة بذكر القبضة
من هذا يعرف أن رواية معمر المختصرة منكرة ورواية القبضة هي المحفوظة وهي رواية الأكثر والأحفظ
فاعجب ممن يعل رواية الثقات برواية الضعيف!! ويجعلها هي المحفوظة وروايتهم الشاذة !!
وزعم ابن الجوزي أن معنى القبضة في الحديث السابق فبضة المخلوق المأمور من الله كقوله تعالى (( فطمسنا أعينهم )) واحتج لذلك بخبر تقدم اعلاله
والجواب
أن النصوص تظافرت على أن الله عز وجل خلق آدم بيديه(1/230)
وأظهرها قوله تعالى (( مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ))
فالزعم أن أن مخلوق من المخلوقات هو الذي قبض من الأرض زعمٌ باطل يخالف ظواهر النصوص ولا دليل ثابت عليه
النص السادس عشر
وذكر ابن الجوزي في ص 200 حديث (( إِنَّ اللَّه لاَ ينام، ولا ينبغي لَهُ أَن ينام، يخفض القسط ويرفعه. حجابه النور. لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره ))
وحاول السقاف إعلاله بعنعنة الأعمش عن عمرو بن مرة
وهذا الإعلال وإن كان غير متجه إلى أنني سأتنزل مع السقاف وأقول لقد توبع الأعمش من قبل المسعودي عند ابن ماجة في سننه
والمسعودي مختلط إلى أن الراوي عنه وكيع بن الجراح وهو كوفي ورواية أهل الكوفة عن المسعودي مستقيمة
قال الحافظ في تهذيب التهذيب (( وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه سماع وكيع من المسعودي قديم وأبو نعيم أيضا وإنما اختلط المسعودي ببغداد ومن سمع منه بالكوفة والبصرة فسماعه جيد ))
قلت وعليه فالمتابعة ثابتة وبها يثبت الحديث
ولم ينفرد وكيع عن المسعودي بل تابعه من قبل أبي نعيم ومحمد بن عبيد عند ابن خزيمة في التوحيد (31 )
ولم ينفرد الأعمش والمسعودي بهذه الرواية عن عمرو بن مرة بل تابعهما العلاء بن مسيب عند ابن خزيمة في التوحيد (28)
وكذلك تابعهما سفيان الثوري عند ابن خزيمة ( 30)
وبهذه الطرق تثبت زيادة (( حجابه النور لو كشفه عنه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره ))
وقلت زيادة لأن شعبة روى هذا الخبر عن عمرو بن مرة بدون ذكر هذا الحرف
ورواية وكيع عن المسعودي موجودة في المسند للإمام أحمد (19240) وعند أبي يعلى في المسند من طريق ابن أبي شيبة عنه ( 7103)
ونأتي للكلام على متن الحديث
فقد علق ابن الجوزي على متنه عدة تعليقات
أولاً قال (201) (( حجابه النور ينبغي أن هذا الحجاب للخلق عنه لأنه لا يجوز أن يكون محجوباً لأن الحجاب يكون أكبر مما يستره ))(1/231)
قلت هذا هو محل الخلل عند المعطلة فهم يقيسون الشاهد على الغائب فقد ظن أن حجاب الله مثل حجاب خلقه الذين لا يحجبهم إلا ما هو أكبر منهم وهذا لا يلزم في حق رب العالمين لأنه (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ))
وقد أضاف النبي الحجاب لربه سبحانه فهو حجابه عن مخلوقاته لا حجاب المخلوقات عنه
ثم قال ابن الجوزي _ بعد كلام لا داعي لذكره _ (( وإنما المراد أن الخلق محجوبون عنه كما قال سبحانه وتعالى (( كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون )) ))
قلت هذه الآية تتحدث عما سيحصل في الآخرة والحديث يتكلم عن الحال في الدنيا لذا لا يصلح أن تجعل الآية مفسرة لما في الحديث فالآية فيها حجب الكفار عن ربهم سبحانه وتعالى وبمفهومه يدل على أن المؤمنين يرون ربهم حين يكشف الحجاب كما جاء في حديث صهيب عند مسلم (298)
ثم تأول ابن الجوزي ذكر السبحات على أنه خطاب للناس بما يعرفون
وقد قدمت أن التنزل مع الناس في الخطاب يكون في حالة إذا ما كان إيصال المعنى المراد إليهم متعذراً بالخطاب المألوف المفهوم
فما هو المعنى المراد إيصاله من ذكر السبحات؟
هل معناه بيان عظمة الله ؟
هذا المعنى يمكن إيصاله بالألفاظ المألوفة المفهومة بدون استخدام لألفاظ توهم التجسيم والتشبيه _ على زعم المعطلة _
النص السادس عشر
ذكر ابن الجوزي في ص250 حديث البخاري (13/453من الفتح) ومسلم (379) (( يَقُولُ اللَّهُ يَا آدَمُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ فَيُنَادَى بِصَوْتٍ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ ))
ثم طعن ابن الجوزي بذكر الصوت في الحديث بحجة أن حفص بن غياث انفرد به عن الأعمش من دون وكيع وجرير وغيرهما(1/232)
فعلق السقاف مؤيداً ابن الجوزي فنقل عن الحافظ قوله في الفتح (13/460) (( وفي رواية أبي ذر بفتحها على البناء للمجهول ولا محذور في رواية الجمهور، فإن قرينة قوله " إن الله يأمرك " تدل ظاهرا على أن المنادي ملك يأمره الله بأن ينادي بذلك))
قلت وقد بتر السقاف كلام الحافظ الذي يتضمن الرد على ابن الجوزي
قال الحافظ (( وقد طعن أبو الحسن بن الفضل في صحة هذه الطريق، وذكر كلامهم في حفص بن غياث، وأنه انفرد بهذا اللفظ عن الأعمش، وليس كما قال فقد وافقه عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة له عن أبيه عن المحاربي، واستدل البخاري في كتاب خلق أفعال العباد على أن الله يتكلم كيف شاء وأن أصوات العباد مؤلفة حرفا حرفا فيها التطريب - بالهمز - والترجيع، بحديث أم سلمة ثم ساقه من طريق يعلى بن مملك بفتح الميم واللام بينهما ميم ساكنة ثم كاف، أنه سأل أم سلمة عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته فذكر الحديث، وفيه ونعتت قراءته فإذا قراءته حرفا حرفا وهذا أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما، واختلف أهل الكلام في أن كلام الله هل هو بحرف وصوت أو لا، فقالت المعتزلة: لا يكون الكلام إلا بحرف وصوت والكلام المنسوب إلى الله قائم بالشجرة.(1/233)
وقالت الأشاعرة كلام الله ليس بحرف ولا صوت وأثبتت الكلام النفسي، وحقيقته معنى قائم بالنفس وإن اختلفت عنه العبارة كالعربية والعجمية، واختلافها لا يدل على اختلاف المعبر عنه، والكلام النفسي هو ذلك المعبر عنه، وأثبتت الحنابلة أن الله متكلم بحرف وصوت، أما الحروف فللتصريح بها في ظاهر القرآن، وأما الصوت فمن منع قال إن الصوت هو الهواء المنقطع المسموع من الحجرة، وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر، وصفات الرب بخلاف ذلك فلا يلزم المحذور المذكور مع اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه، وأنه يجوز أن يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه، وقد قال عبد الله بن أحمد ابن حنبل في كتاب السنة سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت، فقال لي أبي: بل تكلم بصوت، هذه الأحاديث تروى كما جاءت وذكر حديث ابن مسعود وغيره))
انظر رحمني الله وإياك لرد الحافظ على شبهة الأساعرة العقلية في نفي الصوت
وتصريحه بأن اعتقادهم يخالف اعتقاد البخاري وأحمد وأن ظاهر النصوص مع الحنابلة في إثبات الحروف في كلام الله عز وجل
وفي كلامه أيضاً الرد زعم ابن الجوزي أن حفص بن غياث انفرد بذكر الصوت عن الأعمش وذكر متابعة المحاربي له
غير أن المحاربي كان يدلس كما في التقريب
والحديث اتفق عليه الشيخان فهو ثابت ولا عبرة بطعن ابن الجوزي
والحديث يدل على أنهم المتكلم بصوت هو الله إذ أن الفعل النداء لم يذكر فاعله واستتاره إنما حصل لقرب العهدج بالفاعل وهو الله عز وجل
وكلام الله عن عز وجل عن نفسه بغير صيغة المتكلم أمرٌ مألوف وهذا هو القرآن كلامه سبحانه في كلام الله عن نفسه بصيغة المتكلم وبغيرها
النص السابع عشر(1/234)
ثم تكلم السقاف على حديث عبدالله بن أنيس الذي أخرجه الإمام أحمد ( 3 / 1495 ) ، والبخاري في (( الأدب المفرد )) ( 999 ) ، والحاكم في (( المستدرك )) ( 4 / 574 ) ، والخطيب في (( الرحلة في طلب الحديث )) ( 31 ) وصححه الحاكم
وقد طعن السقاف في اثنين من رواته
الأول القاسم بن عبدالواحد
وسأكتفي بنقل كلام عمرو بن عبدالمنعم في كتابه (( دفاعاً عن السلفية )) (( قوله في القاسم بن عبدالواحد ( ص : 30 ) : ( قال عنه أبو حاتم : لا يحتج به كما في الحرج والتعديل بمعناه ( 7 / 114 )) . فاحتاط لنفسه بقوله : ( بمعناه ) لئلا يتعقب ، والذي في (( الجرح والتعديل )) . قال ابن أبي حاتم : (( سألته عنه ، فقال : يكتب حديثه ، قلت يحتج بحديثه ؟ قال : يحتج بحديث سفيان وشعبه )) . وشتان بين هذا النقل ، وبين ما حرفه ذلك المؤول من قول أبي حاتم ، فإن هذا الوصف مشعر بأنه عنده من أهل الصدق والعدالة ، بل إن هذا الوصف يدل على تشدد أبي حاتم ، إذ قال : (( يحتج بحديث سفيان وشعبه )) ، أي أن القاسم هذا لم يصل إلى درجة الحافظ المحتج بحديثه دون سبر كسفيان وشعبة ، وهذا لا يمنع من كونه ثقة محتجاً به عند غير أبي حاتم ، فلا شك أن هذا الراوى أعلى درجة ممن يقول فيه أبو حاتم : (( لا يحتج به )) . وقد أورده أبن حبان في (( الثقات )) ( 7 / 337 ) ، وذكره الحافظ الذهبي في (( الميزان )) ( 3 / 375 ) ، وقال : (( راوى حديث الصوت ، ولم ينكره عليه ، مع أنه ذكر له حديثاً عدة من مناكيره (( . وهو ما اخرجه النسائي في (( عشرة النساء )) ( 256 ) ، والذهبي في (( الميزان )) (3/375) من طريق : محمد بن محمد بن نافع ، حدثني القاسم بن عبدالواحد ، قال حدثني عمر بن عروة ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : فخرت بمال أبي في الجاهلية ، وكان قد ألف ألف وقية ، فقال النبي ? : (( أسكتى يا عائشة ، فإنى كنت لك كأبي زرع لأم زرع )) .(1/235)
ثم نشأ رسول الله يحدث : (( إن إحدى عشرة امرأة اجتمعن في الجاهلية وذكر ... الحديث بطوله )) . قال الذهبي – وقد وقع في روايته : (( وكان ألف ألف وقية )) (( قلت : ألف الثانية باطلة قطعاً ، فإن ذلك لا يتهيأ لسلطان العصر )) . قلت : إن كان هذا هو وجه النكارة في هذا الحديث ، فهو مردود بما فسرته رواية النسائي وبينته : (( قد ألف ألف وقية )) . فليست هناك ثمة ألف ثانية ، بل الظاهر أنها تصحفت على الذهبي ، فخففها والصواب أنها بلام مشددة . وإن كان وجه النكارة قوله : (( ثم أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث : ... الحديث )) – إذ المحفوظ أن الذي حدثت بهذا الحديث هي عائشة – فالأولى الحمل فيه على من هو دون القاسم بن عبد الواحد ، وهو محمد بن نافع ، فقد قال فيه الذهبي نفسه في (( الميزان )) ( 4/25) : (( لا يكاد يعرف )) . وقد تفرد بالرواية عنه عبد الملك الجدي ، فالحمل عليه أولى في رواية هذا الخبر . وبهذا يتضح لك القاسم بن عبد الواحد ثقة محتج به ، لا سيما وقد ثبت البخاري له هذا الحديث كما سوف يأتي ذكره ))
قلت لقد ذكره ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار
وقال (( يهم في الشيء بعد الشيء ))
لذا في نفسي شيء من انفراده
وتكلم على عبدالله بن محمد بن عقيل والراجح عندي أنه ضعيف ولكن السقاف ضعفه جداً وهذا تعنت
إذ أن الأئمة في عبدالله بن محمد بن عقيل على أربعة أقوال
أولها من يضعفه جداً
قال ابن سعد كان منكر الحديث لا يحتجون بحديثه وكان كثير العلم
وقال بشر بن عمر كان مالك لا يروي عنه
وقال علي بن المديني وكان يحيى بن سعيد لا يروي عنه
قلت ذكر الفلاس أن يحيى بن سعيد وعبدالرحمن بن المهدي حدثا عنه والمثبت مقدم على النافي
وقال يعقوب بن شيبة عن بن المديني لم يدخله مالك في كتبه قال يعقوب وابن عقيل صدوق وفي حديثه ضعف شديد جدا زكان بن عيينة يقول أربعة من قريش يترك حديثهم فذكره فيهم
وقال حنبل عن أحمد منكر الحديث(1/236)
قلت جاء عن أحمد الإحجتاج بحديث ابن عقيل فلعله قصد التفرد أو تغير اجتهاده
القول الثاني قول من ضعفه تضعيفاً محمتلاً
وهم ابن معين وابن المديني وأبو حاتم حيث قال (( لين الحديث ليس بالقوي ولا ممن يحتج بحديثه وهو أحب إلي من تمام بن نجيح يكتب حديثه ))
وابن خزيمة حيث قال (( لا أحتج به لسوء حفظ))
و ضعفه أبو أحمد الحاكم وابن عدي والساجي والعقيلي
القول الثالث قول من حكم عليه بأنه متوسط أو صدوق
قال العجلي مدني تابعي جائز الحديث
وقال الترمذي صدوق وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه
وقال محمد بن إسماعيل البخاري وهو مقارب الحديث
القول الرابع قول من احتج بحديثه
قال البخاري كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديث بن عقيل
وقال أبو أحمد الحاكم كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه يحتجان بحديثه
هذه الأقوال انظرها كلها في تهذيب التهذيب ( 3/246) ط المعرفة
وقال الدارقطني (( ليس بقوي )) كما في سننه (1/83))
وقال أحمد كما في سؤالات أبي داود (361) (( في نفسي منه شيء ))
وقال الذهبي في الميزان (( حديثه في مرتبة الحسن ))
وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/155) ((ابن عقيل سيء الحفظ يصلح للمتابعات فأما إذا انفرد فيحسن ))
وقد رجح الجوزقاني ضعفه في الأباطيل والمناكير (2/73)
وقد ذهب الغماري في (( الرد المحكم المتين على كتاب القول المبين )) ( ص : 180 ) إلى أن حديث ابن عقيل حسن
وعليه فالسند ضعيف قريب من الحسن وليس ضعيفاً جداً كما اختار السقاف المتهور
وللحديث طريقٌ أخر ضعفه محتمل
وإليك كلام عمرو بن عبد المنعم في دفاعه عن هذا الطريق
قال عمرو (( أما الطريق الثاني :(1/237)
فأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (156) ، وتمام الرازي في ((فوائده)) (928) من طريق : عثمان بن سعيد الصيداوي ، عن سليمان بن صالح – وعند تمام : سليم بن صالح – عبد الرحمن بن ثابت بن ثروان ، عن الحجاج بن دينار ، عن محمد بن المنكدر عن جابر به . قال الحافظ في الفتح (1/141) : (( إسناده صالح )) . وأما السقاف فرد حكم الحافظ عليه (ص :31) ، فقال : ( كيف يقبل – أي عمر محمود – هو وسادته قول الحافظ ابن حجر : وإسناده صالح هنا ، مع أن إسناده غير صالح لوجود المجاهيل في طريق الطبراني في مسند الشاميين ، وتمام ) . حتى قال : ( فعثمان الصيداوى الذي في سند الطبراني في مسند الشاميين وشيخه سليمان بن صالح مجهولان ، وشيخ الثاني : وهو عبد الرحمن بن ثابت : صدوق يخطئ رمى بالقدر تغير باخرة كما في التقريب ) .
قلت : وهذا الكلام يُظهر جهله من وجهين :(1/238)
الأول : قوله بجهالة عثمان الصيداوي وسليمان بن صالح ، فكأنه لم يقف لهما على تراجم . فأقول له : أما الأول : فترجمه ابن عساكر في تاريخ دمشق (ج11/ق:99) فقال : (( عثمان بن سعيد بن محمد بن بشير أبو بكر الصفراوى ، من أهل صيدا ، الصيداوى ، من ساحل دمشق ، روى عن محمد بن شعيب وسليم بن صالح ، ومحمد بن عبدك الرازي . روى عنه : الحسن بن جرير الصورى ، ومحمد بن المعافى الصيداوي ، وأحمد بن بشر بن حبيب ، وأبو جعفر أحمد بن عمر بن أبان الصورى الأصم ، وأبو عبد الملك بن عبدوس الصورى . . . )) . وأما سليمان بن صالح فهو نفسه سليم بن صالح كما في رواية تمام ، وقد ذُكر في شيوخ الصيداوى باسم سليم ، وله ترجمة في تاريخ دمشق ولكن في الجزء المفقود منه. دل على ذلك أن ابن منظور أورد ترجمته في (( مختصر تاريخ دمشق ))(10/205) ، فقال : (( سليم بن صالح أبو سفيان العنسى سكن جبلة حدثنا عبد الرحمن بن ثابت ابن ثوبان . . الحديث )) . وأما قول الذهبي فيه في (( الميزان )) : (( لا يعرف )) فمتعقب بما ذكرناه ، فإن ترجمته في (( تاريخ دمشق )) ونسبته وموطن سكنه ترفع عنه جهالة العين . وأما عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان فمع ما فيه من اللين إلا أنه عند ابن حجر ممن يتابع على حديثه ، فهؤلاء الثلاثة ضعفهم محتمل ، فمن أجل ذلك وصف الحافظ هذا الإسناد بأنه صالح ، أي أنه يقوي سابقه – وهو طريق ابن عقيل - .
والوجه الثاني :أنه ذكر ضعف عبد الرحمن بن ثابت على سبيل القدح فيه ، لكي يغلط الحافظ ابن حجر في حكمه على إسناد الحديث من هذا الطريق ، فكأنه ظن أن حكمه على الإسناد بالصلاح يعنى أنه محتج به ، أو أنه مثل الحسن في الرتبة ، والصواب أنه يدل على ضعف الإسناد ، إلا أن هذا الضعف محتمل غير شديد . فتدبر وتأمل ))
قلت وهذا كلام جيد وبهذا الطريق مع سابقه يثبت الحديث
وقد ذكر السقاف أن البخاري قد علق الحديث بصيغة التمريض(1/239)
وأنا أقول نعم لقد فعل ولكنه علقه بصيغة الجزم في موطن آخر في كتاب الإيمان باب الخروج في طلب العلم
وأما قول الحافظ في توجيه تصرف البخاري يتعليقه للخبر بالتمريض تارة والجزم تارة أخرى بقوله في الفتح ( 1/174) (( ونظر البخاري أدق من أن يعترض عليه بمثل هذا فإنه حيث ذكر الارتحال فقط جزم به لأن الإسناد حسن وقد اعتضد.
وحيث ذكر طرفا من المتن لم يجزم به لأن لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طريق مختلف فيها ولو اعتضدت))
قلت هذا ينقضه ما ذكره الحافظ نفسه من أن البخاري يثبت لله صفة الصوت وأورد هذا الحديث في خلق افعال العباد بصيغة الجزم محتجاً به
فإن قال قائل لماذا قبلتم رواية حفص بن غياث في الصوت ولم تقبلوها في حديث النزول الذي فيه أن الذي ينادي هو ملك ؟
قلنا أولاً رواية الصوت قد اتفق الشيخان على تخريجها ولم ينتقدها أحد من الأئمة المعتبرين لذا فهي داخلة في الإجماع الثابت على تثبيت أحاديث الصحيحين الغير منتقدة
ثانياً روايته في النزول فيها مخالفة صريحة على ما قدمناه سابقاً أما روايته هنا لو لم يذكر الصوت لفهمناه ضمناً فالكلام المسموع _ وهو النداء المذكور في الحديث _لا يكون إلا بصوت
بل إنك لو عرفت الصوت فلن تعرفه بأبلغ من قولك (( هو الكلام المسموع ))
فزيادة حفص تأكيد للمعنى اللغوي فقط
فعليه زيادة حفص ليس فيها إثبات شيء جديد وهذا النوع من الزيادات هو أهون أنواع الزيادة لذا قبلها الشيخان ولم ينتقدها الدارقطني
والنداء لا يكون إلا بصوت _ والصوت يكفي في إثباته حديث عبدالله بن أنيس _
فإن قالوا لا نسلم بأن الكلام المسموع لا يكون إلا بصوت
قلنا إنكم لم تعقلوا يداً ليست بجارحة _مع أن أئمتكم عقلوا _
ولم تعقلوا علواً بدون تحيز وجهة وجودية
فكيف تعقلون الآن كلاماً مسموعاً لا يكون بصوت ؟(1/240)
هذا تناقض قد سلمنا منه والأحاديث التي صححها الأئمة تؤيد قولنا
وسيكونون بذلك قد خالفونا باللفظ ووافقونا بالمعنى
النص الثامن عشر
وتأول الحافظ ابن الجوزي آيات العلو على العلو المعنوي وذلك في ص131
وهذا مخالفٌ لما كان عليه السلف وابتداعٌ في الدين
ولنأخذ آيةً واحدةً من آيات العلو يستحيل حملها على العلو المعنوي بل لا بد من استفادة اثبات العلو الحسي منها
وهي قوله تعالى (( يخافون ربهم من فوقهم ))
لفظ (فوق ) إذا سبقها حرف الجر (من) لم تفد إلا العلو الحقيقي
وهذا أمرٌ مطرد في نصوص الوحيين وفي لغة العرب
وإليك بعض الأدلة على مقصودنا
قال تعالى ((وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ ))
وليس لقائلٍ أن يقول أن المقصود أن الطعام فوقكم بالقدر!!!
وقال تعالى ((قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ))
وقال تعالى ((هُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ))
وقال تعالى ((مَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ))
وقال تعالى ((وْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ))
وفي هذا القدر كفاية لطالب الحق(1/241)
ولن يجد المعطلة في النصوص أو في لغة العرب ما يؤيد بدعتهم
النص التاسع عشر
وأول السقاف في ص 132 قوله تعالى (( تعرج الملائكة والروح إليه )) الآية بأن معناه تعرج الملائكة إلى المكان الذي هو محلهم في السماء
قلت وهذا تأويل مبتدع مخالف لما كان عليه السلف وصرفٌ للفظ عن ظاهره بدون قرينة
قال ابن جرير ففي تفسيره(12/226) ط دار الكتب العلمية ((يقول تعالى ذكره: تصعد الملائكة والروح، وهو جبريل عليه السلام إليه، يعني إلى الله جل وعز؛ والهاء في قوله: {إليه} عائدة على اسم الله {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ))
وقال البغوي(8/220) ((تعرج الملائكة"، قرأ الكسائي يعرج بالياء، وهي قراءة ابن مسعود، وقرأ الآخرون تعرج بالتاء، "والروح"، يعني جبريل عليه السلام، "إليه"، أي إلى الله عز وجل، "في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة))
في هذا رد على من زعم أن التفويض هو مذهب السلف
ولسنا بآثمين إذا بقول هذين المفسرين الكبيرين وأثبتنا العلو
وأما قوله تعالى عن إبراهيم (( إني ذاهب إلى ربيسيهدين )) ( الصافات :99)
فقد عرفنا أن مقصود إبراهيم ( إلى المكان الذي أمرني ربي أن أذهب إليه ) لقرينة الحال
فقد علمنا من حاله أنه هاجر من قريته إلى المكان الذي أمره ربه _ عز وجل _ أن يهاجر إليه
وهذه القرينة مفقودة هنا لذا فتبقى الآية على ظاهرها كما هو مذهب كبار مفسري السلف
النص العشرون
قال ابن الجوزي في ص 113(( قال الله تعالى : (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام) الرحمن : 27 . قال المفسرون : معناه يبقى ربك ، وكذا قالوا في قوله : (يريدون وجهه) الانعام : 52 أي يريدونه . وقال الضحاك وأبو عبيدة في قوله : (كل شئ هالك إلا وجهه) القصص : 88 ، أي إلا هو ))
قلت تقدم بيان بطلان تأويل الوجه بالذات في عدد من النصوص ولكن المراد هنا بيان أن ما نقله ابن الجوزي عن السلف لا ينافي إثبات الصفة(1/242)
فقد حملوا الآية على أنها من باب إطلاق الخاص وإرادة العام ولا يلزم من هذا نفي الخاص بل هو يؤكد وجوده
كمثل قول إخوة يوسف (( اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ ))
فالمراد يقولهم وجه أبيكم شخص أبيكم ولكنهم أطلقوا الخاص وأرادوا العام فلم ينفِ وجود الخاص
وتعميم ابن الجوزي غير صحيح فليس جميع المفسرين ذهبوا لما نقل
قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله في «تفسيره» على قوله تعالى: ]كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ[ الرحمن : الآيتان 26:
«يقول تعالى ذكره: كل من على ظهر الأرض من جن وإنس؛ فإنه هالك، ويبقى وجه ربك يا محمد ذو الجلال والإكرام، و]ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ[ من نعت الوجه؛ فلذلك رفع ]ذو))
وابن الجوزي نفسه رد على هذا التأويل حيث قال في كتابه «مجالس ابن الجوزي» يرد على من أوَّل الوجه بالذات: «وقول المعتزلة: إنه أراد بالوجه الذات؛ فباطل؛ لأنه أضافه إلى نفسه، والمضاف ليس كالمضاف إليه؛ لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه
النص الحادي والعشرون
وقد أنكر السقاف أن يكون آدم قد اختصه الله بأن خلقه بيده واحتج لذلك بقوله تعالى (( أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون))
وهذا من جهله باللغة فإن قوله تعالى (( مما عملت أيدينا )) من باب إطلاق وإرادة العام
كمثل قوله تعالى (( ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ))
ولا شك أن العبد يفعل الذنوب بيديه ورجليه ولسانه وعينيه فيكون هذا من باب إلاق الخاص وإرادة العام
ومثله قوله تعالى (( تبت يدا أبي لهب ))
فالخسران يقع على ذاته ولكن هذا لم يقل إلا ولأبي لهب يدان حقيقةً فتأمل(1/243)
وأما قوله تعالى (( مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ )) (ص:75)
فاتصال الباب بذكر اليد يدل على مباشرة اليد للفعل
ولا تجد في اللغة ذكراً لليد متصلةً بالباء إلا والمراد بها مباشرة اليد للفعل
فيكون الإطلاق هنا خاصاً وهو المراد أيضاً
النص الحادي والعشرون
قال ابن الجوزي في ص140(( ومنها قوله تعالى : (فنفخنا فيه من روحنا) التحريم : 12 . قال المفسرون : أي من رحمتنا وإنما نسب الروح إليه ، لانه بأمره كان ))
قلت نقل هذا عن المفسرين غلطٌ عليهم فإن أكابر المفسرين لم يقولوا بهذا التأويل البعيد
قال ابن جرير (( فنفخنا فيه في جيب درعها، وذلك فرجها، من روحنا من جبرئيل، وهو الروح ))
ولا يقال بأن هذا تأويل فإن المراد من الروح مبينٌ في القرآن واقرأ ذلك في سورة مريم
(( فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً ))
فهذا تفسيرٌ للنصوص ببعضها وهذا لا ينكره أحد من أهل السنة
ثم قال ابن جرير((( أثر رقم 26719 )حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة {فنفخنا فيه من روحنا} فنفخنا في جيبها من روحنا.
{وصدقت بكلمات ربها} ))
النص الثاني والعشرون
قال ابن الجوزي في ص 140(( ومنها قوله تعالى : (يؤذون الله) الاحزاب 57 . قلت : أي يؤذون أولياءه ))
قلت هذا القول فيه نظر لأمرين
الأول أنه لم يقل به أحد من السلف
قال الحافظ ابن جرير الطبري في تفسيره (10/330) ط دار الكتب العلمية (( {إن الذين يؤذون الله} إن الذين يؤذون ربهم بمعصيتهم إياه، وركوبهم ما حرم عليهم. وقد قيل: إنه عنى بذلك أصحاب التصاوير، وذلك أنهم يرومون تكوين خلق مثل خلق الله ))
قلت فانظر كيف لم يورد القول البعيد الذي اختاره ابن الجوزي
ثم روى ابن جرير بسنده عن عكرمة قوله (( الذين يؤذون الله ورسوله هم أصحاب التصاوير))(1/244)
قلت ورجاله ثقات فيهم سلمة بن الحجاج ليس من رجال الستة وقد وثقه أبو زرعة كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (4/158 ترجمة رقم 697) ط دار الفاروق
الأمر الثاني الذي يرد لأجله تفسير ابن الجوزي أن أذية أولياء قد ذكرت الآية التي بعدها
في قوله تعالى (( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ))
والمؤمنون الأتقياء هم أولياء الله
النص الثالث والعشرون
وقال ابن الجوزي في ص141 (( وقد روى عبيد الله بن أبي سلمة قال : بعث ابن عمر إلى عبد الله بن عباس يسأله هل رأى محمد ربه ؟ فأرسل إليه أن نعم قد رآه . فرد الرسول إليه كيف رآه ؟ قال : رآه على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة في صورة رجل . قلت : وهذا الحديث تفرد به ابن إسحاق وكذبه جماعة من العلماء ))
قلت ما ذهب إليه ابن الجوزي من جرح ابن إسحاق خلاف مذهب مذهب الجمهور كما لا يخفى
ومذهبهم أن أن ما صرح به ابن إسحاق بالتحديث فهو حجة
راجع كتاب (( دفاعاً عن السلفية )) للشيخ عمرو بن عبدالمنعم
وأما السقاف فسار على خطى ابن الجوزي وزاد عليه
فقال معلقاً على الحديث
(((1/245)
قلت هذا الحديث المكذوب الموضوع على ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما مما سود به صاحب كتاب " السنة " المنسوب لابن الامام أحمد كتابه ، وشأنه به ، واليك الحديث من صحيفة (42) من طبعة دار الكتب العلمية - بيروت ورقمه (208) قال : حدثنا يونس بن بكير عن ابن اسحاق قال فحدثني عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش عن عبد الله بن أبي سلمة قال : بعث عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن العباس يسأله هل رأى محمد ربه ؟ فبعث إليه : أن نعم قد رآه . فرد رسوله إليه وكيف رآه ؟ فقال : رآه على كرسي من ذهب يحمله أربعة : ملك في صورة رجل ، وملك في صورة أسد ، وملك في صورة ثور ، وملك في صورة نسر ، في روضة خضراء دونه فراش من ذهب . علل هذا الاسناد : (1) يونس بن بكير قال عنه أبو داود : ليس هو عندي بحجة كان يأخذ كلام ابن اسحق فيوصله بالاحاديث . كذا في " تهذيب التهذيب " (11 / 383) وفي " الميزان " (4 / 477) . قلت : وهذا الحديث قال فيه كما في كتاب " السنة " المنسوب لابن أحمد (عن ابن اسحق قال فحدثني) مع أن الرواية المضبوطة عند الحافظ البيهقي في " الاسماء والصفات " ص (443) : (عن ابن اسحق عن عبد الرحمن بن الحارث) فابن اسحق معنعن فيها ، وما في " السنة " تحريف للتضليل ، فتنبه . وقال النسائي عن يونس هذا : " ضعيف " وقال قرة : " ليس بالقوي " . قلت : فجرح من جرحه مفسر وهو مقدم على توثيق من وثقه لاسيما في هذا الحديث ))
قلت إعلاله للخبر بيونس بن بكير لا شيء
فقد توبع من قبل سلمة بن الفضل عند ابن خزيمة في التوحيد (1/483-484، رقم275)
وتوبع أيضاً من قبل بكر بن سليمان عند الآجري في الشريعة (3/1543 برقم 1034، و1035)
وسند الآجري صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث وسنده دائرٌ بين الضعف المحتمل والحسن
ففيه محمد بن عباد بن آدم روى عنه جماعة من الثقات منهم النسائي وهذا يقوي شأنه
واحتج به ابن خزيمة في صحيحه (حديث رقم 848)(1/246)
وذكره ابن حبان في الثقات (9/114) وقال (( يغرب ))
فمثله صدوق حسن الحديث
وشيخه هو بكر بن سليمان روى عنه ثلاثة من العدول
وقال عنه أبو حاتم كما في الجرح والتعديل (2/387) (( مجهول ))
وذكره ابن حبان في الثقات (5/95) وقال عنه الذهبي في الميزان (1/345) (( لا بأس به إن شاء الله ))
وما استظهره الذهبي سديد إذ أنه لا مناكير له وروى عنه جماعة وذكره ابن حبان في الثقات
وبهذا نكون قد انتهينا من السند إلى ابن إسحاق وهو دائرٌ بين الحسن والضعف المحتمل
ومثله السند بعد ابن إسحاق
ففيه عبدالرحمن بن الحارث بن عياش قال فيه الحافظ في التقريب (( صدوق له أوهام ))
قلت فمثله يحسن حديثه
وبقي الكلام على علة ذكرها البيهقي في الأسماء والصفات ولا وجه لها حيث قال في (2/361-362، رقم934) "هذا حديث تفرد به محمد بن إسحاق بن يسار، وقد مضى الكلام في ضعف ما يرويه إذا لم يبين سماعه فيه، وفي هذه الرواية انقطاع بين ابن عباس وبين الراوي عنه، وليس بشيء من هذه الألفاظ في الروايات الصحيحة عن ابن عباس"
قلت ولا وجه لما ذكره من الإنقطاع عبدالله بن أبي سلمة _ الراوي عن ابن عباس وابن عمر _ من أواسط التابعين وسماعه من ابن عمر ثابت (انظر التقريب (ص512)
وعليه فلا وجه لما ذكره البيهقي من الإعلال ويكون السند دائراً بين الحسن والضعف المحتمل ولا وجه للحكم على الخبر بالوضع
النص الرابع والعشرون
وقال ابن الجوزي في ص141(( ومنها قوله تعالى : (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) البقرة 210 ، أي بظلل ))
قلت هذا التأويل بدعة لم يقل به أحدٌ من السلف
قال ابن جرير الطبري في تفسيره (( : {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة}
يعني بذلك جل ثناؤه: هل ينظر المكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به، إلا أن يأتيهم الله في ظلل من
الغمام والملائكة ))(1/247)
قلت انظر كيف أثبت المجيء ومع هذا ينسبونه وبقية السلف إلى التفويض _ فض الله أفواههم _
ثم قال 3206 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} قال: هو غير السحاب لم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا، وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة
وقال 3207 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتاده: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} قال: يأتيهم الله وتأتيهم الملائكة عند الموت
ثم قال (( ثم اختلف في صفة إتيان الرب تبارك وتعالى الذي ذكره في قوله: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله} فقال بعضهم: لا صفة لذلك غير الذي وصف به نفسه عز وجل من المجيء والإتيان والنزول، وغير جائز تكلف القول في ذلك لأحد إلا بخبر من الله جل جلاله، أو من رسول مرسل. فأما القول في صفات الله وأسمائه، فغير جائز لأحد من جهة الاستخراج إلا بما ذكرنا.
وقال آخرون: إتيانه عز وجل نظير ما يعرف من مجيء الجائي من موضع إلى موضع وانتقاله من مكان إلى مكان.
وقال آخرون: معنى قوله: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله} يعني به: هل ينظرون إلا أن يأتيهم أمر الله، كما يقال: قد خشينا أن يأتينا بنو أمية، يراد به حكمهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: هل ينظرون إلا أن يأتيهم ثوابه وحسابه وعذابه، كما قال عز وجل: {بل مكر الليل والنهار} [سبأ: 33] وكما يقال: قطع الوالي اللص أو ضربه، وإنما قطعه أعوانه.
وقد بينا معنى الغمام فيما مضى من كتابنا هذا قبل فأغني ذلك عن تكريره، لأن معناه ههنا هو معناه هنالك.
فمعنى الكلام إذا: هل ينظر التاركون الدخول في السلم كافة والمتبعون خطوات الشيطان إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام، فيقضي في أمرهم ما هو قاض ))(1/248)
قلت انظر كيف رجح الإثبات في النهاية وحتى المؤولون في عصر ابن جرير لم يذهبوا إلى ما ذهب إليه ابن الجوزي
وقال ابن أبي حاتم في تفسيره ( أثر رقم 1999) - حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَوْنٍ الْبَصْرِيُّ، ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ،"فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} , وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
قلت هذا يعضد المنقول سابقاً عن قتادة
وقد قال ابن أبي حاتم (أثررقم 2005 ) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ، أنبأ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنبأ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ،"فِي قَوْلِهِ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} , قَالَ: يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ، وَتَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ".
وقال بعد ذلك ( أثر رقم 2001) - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ حَمْزَةَ، ثنا شَبَابَةُ، ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،"قَوْلُهُ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} , قَالَ: كَانَ مُجَاهِدٌ، يَقُولُ: هُوَ غَيْرُ السَّحَابِ، وَلَمْ يَكُنْ إِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فِي تِيهِهِمْ حِينَ تَاهُوا، وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي اللَّهُ فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
ثم قال قال بعدها 2002- حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَزِيرِ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا الْوَلِيدُ، قَالَ: سَأَلْتُ زُهَيْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ،"عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} , قَالَ: ظُلَلٌ مِنَ الْغَمَامِ، مَنْظُومٌ بِالْيَاقُوتِ، مُكَلَّلٌ بِالْجَوَاهِرِ وَالزَّبَرْجَدِ".
قلت وهذا إسنادٌ صحيح(1/249)
فهذا مذهب السلف في هذه الآية ولا شك أنهم أعلم من ابن الجوزي بكتاب الله عز وجل
النص الخامس والعشرون
قال ابن الجوزي في ص 170 (( الحديث الحادي عثسر روى البخاري ومسلم في الصحيحين (99) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول : هل من مزيد . . ؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض فتمتلئ " . قلت : الواجب علينا أن نعتقد أن ذات الله تعالى لا تتبعض ولا يحويها مكان ولا توصف بالتغير ولا بالانتقال (100) . وقد حكى أبو عبيد الهروي عن الحسن البصري أنه قال : القدم : هم الذين قدمهم الله تعالى من شرار خلقه وأثبتهم لها))
قلت هذا التأويل المنقول عن الحسن البصري لا يثبت عنه وإلا فأين إسناده ؟
وهو تأويل ساقط إذ أنه لو كان المقصود بالقدم المجموعة من الناس فلمن يضيفهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى رب العالمين فيقول (( قدمه ))
ثم كيف يتأخر دخول شرار الخلق للنار عن دخول من هم أقل منهم شراً ؟(1/250)
وعلق السقاف على قول ابن الجوزي بقوله (( رواه البخاري في مواضع منها (الفتح 8 / 594) ومسلم (4 / 2188) وغيرهما . وقد أورد هذا الحديث سيدنا الامام ابو الفضل الغماري في كتابه : " الفوائد المقصودة في بيان الاحاديث الشاذة المردودة " وهو مصيب فيه جدا لان الله عز وجل متنزه عن القدم وسيأتي بيان ذلك ان شاء الله تعالى ، وقد نص الامام الغماري هنالك على أن " الحديث صحيح " لكن لفظ وضع القدم لا يجوز ان ينسب صفة لله تعالى . (100) قلت : وهذه اللفظة " حتى يضع قدمه " الزائدة عما في القرآن الكريم فيها إثبات التبعيض ، أي أن الله يضع بعض جسمه الذي تتخيله المجسمة وهو قدمه في النار حتى تسكت ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (ليس كمثله شئ) وفيها إثبات أن بعض أجزائه سبحانه تحل في خلقه إذ أن النار بعض خلقه . وفيه أن الله أو بعضه ينتقل من مكان إلى مكان وهذا محال جدا ، لان المكان مخلوق لله تعالى ، فهذه الاشياء مما يحكم بها على شذوذ ونكارة لفظة " حتى يضع فيها قدمه " الواردة في هذا الحديث الصحيح الاسناد ))
قلت الحديث مروي من طريق أنس وقد خرجه السقاف
وهو أيضاً مروي من طريق أبي هريرة رواه البخاري (7449) ومسلم (2846)
فهو من الأحاديث المجمع على صحتها
وكونه فيه زيادة على القرآن فهو لا يعله بشيء
فقد قال جمهور الفقهاء بوجوب تغريب الزاني مع عدم وجوده في القرآن وغنما ورد في أحاديث
والحنفية الذين خالفوا الجمهور في هذه المسألة قد قالوا بتحريم لحم كل ذي ناب من السباع مع عدم ورود تحريمه في القرآن مع المحرمات
وأما كون الحديث يقتضي التشبيه على مذهب السقاف وشيخه
فهذا متوفرٌ في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث التي يوافقوننا على صحتها
وليس في الحديث أن القدم تدخل في النار وإنما فيه أن الله يضع قدنه عليها وفرق بين اللفظتين
النص السادس والعشرون(1/251)
قال ابن الجوزي في ص 200 (( الحديث الحادي والعشرون روى البخاري (11 / 102 فتح) ومسلم (4 / 2102 / 4) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لله أشد فرحا بتوبة عبده إذا تاب ، من أحدكم براحلته إذا وجدها " . قلت : من كان مسرورا بشئ راضيا به قيل له فرح ، والمراد الرضا بتوبة التائب ، ولا يجوز أن يعتقد في الله تعالى التأثر الذي يوجد في المخلوقين ، فإن صفات الحق قديمة فلا تحدث له صفة ))
قلت هذا محض تخليط
فلو كان المقصود بالفرح الرضا لعبر النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الرضا ولما استخدم لفظاً موهماً للكفر _ على زعمهم _
ثم إن ضرب المثال بالرجل الذي فلتت راحلته ثم وجدها فهذا شعوره الفرح
وما أورده ابن الجوزي على صفة الفرح يرد على الرضا
فهي صفة حادثة _ وليست مخلوقة _ وقعت بعد إن لم تكن على إثر فعلٍ حادثٍ من العبد وهو التوبة فقول ابن الجوزي (( فإن صفات الحق قديمة فلا تحدث له صفة )) ينقضه بنفسه ونحن وإن كنا نسلم بهذا لا نسلم يتنزيله على هذا
فصفاته سبحانه قديمة ولكنه سبحانه له أفعال تقع بعد إن لم تكن مثل الرضا عن التائب والفرح بتوبته
ثم انظر إلى تخليطه بقوله (( من كان مسروراً بشئ راضيا به قيل له فرح ))
ما الفرق بين السرور والفرح ؟!!
والتعبير عن الرضا بالفرح لا يعرف بلغة العرب ومن زعم ذلك فليأتِ ببينة
فالرضا عكسه السخط
والفرح ضده الحزن
فإن قيل يلزمك من هذا إثبات الحزن
قلنا لا نثبت إلا بنص ووصف الله عز وجل بالصفة لا يلزم منه وصفه بضدها فهو سبحانه موصوف بالقدرة والقوة والعدل والعلم
وينفى عنه اضدادها
وله صفات يثبت له أضداداها فهو سبحانه يرضى عن الأتقياء ويسخط على الأشقياء
النص السابع والعشرون(1/252)
ذكر ابن الجوزي في ص 161 الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (2 / 1136 برقم 17) من حديث المغيرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا شخص أغير من الله ، ولا شخص أحب إليه العذر من الله ، ولا شخص أحب إليه المدحة من الله "
فعلق السقاف قائلاً (( وذكره البخاري في صحيحه معلقا (الفتح 13 / 399) وعقد عليه بابا في التوحيد هناك . وقد ورد هذا الحديث أيضا بلفظ : " لا أحد . . . " بدل لا شخص انظر البخاري (الفتح 8 / 296) حيث ورد هناك حديث بلفظ : " لا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا شئ أحب إليه المدح من الله . . . " وارجع إلى شرح الحديث في الفتح ، وفي كتاب المحدث أبي الفضل الغماري : " فتح المعين " ص (24 - 25) . (91) ذكره الترمذي في سننه (5 / 161) وانظر " سير أعلام النبلاء " (10 / 578) ))
قلت وهذا طعنٌ منه برواية (( لا شخص أغير من الله ))
ورواية لا أحد أغير من الله إنما وقعت في شرح ابن بطال على البخاري ولم تقع مسندة في الصحيح من حديث المغيرة فلا ترجح على رواية مسلم المسندة
وقد وجدت رواية (( لا أحد أغير من الله )) مسندة من حديث عائشة لا المغيرة بسياقٍ مختلف
فقد روى البخاري في صحيحه 997 ومسلم 901 عن عائشة أنها قالت:(1/253)
خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى، ثم انصرف، وقد انجلت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله، وكبروا وصلوا وتصدقوا). ثم قال: (يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا).
ووجدته أيضاً مسنداً من حديث عبدالله بن مسعود عند البخاري (4358 )ومسلم (2760) ولفظ البخاري (( ما من أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش، وما أحد أحب إليه المدح من الله ))
وحديث عائشة وحديث ابن مسعود مختلفان عن حديث المغيرة لذا لا يصلحان لإعلاله
النص الثامن والعشرون
قال ابن الجوزي في ص110 (((ولتصنع على عيني) طه : 39 أي بمرأى منا ))
قلت لا ننازع في أن هذا هو معنى الآية غير هذه اللفظة لا تطلق إلا في حق من كانت له عينٌ حقيقةً
وقد تقدم إثبات صفة العين عن أبي عمران الجوني وهو من أفاضل التابعين
وحديث (( إن ربكم ليس أعور )) رواه البخاري (2892) ومسلم
يدل على أن لله عزوجل عينان
وذلك أن البصير بعين واحدة يسمى أعوراً
فنفي هذا مع ثبوت صفة العين لله عز وجل دل على أنه بصير بعينين
إذ لم يبقى إلا احتمال كونه بصيراً بأعين كثيرة ولم يقل به أحد
النص التاسع والعشرون
روى البخاري (فتح 11 / 3) ومسلم (4 / 2017 برقم 115) في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( لا تقبحوا الوجه فإن الله خلق آدم على صورته ))(1/254)
تكلم ابن الجوزي في ص144 على هذا الحديث وذكر أوجهاً في تأويله
فأقواها والذي اختاره السقاف أن الهاء عائدة على آدم
قال السقاف ((لا تقبح الوجه فإن الله خلق آدم على صورة أبيهم سيدنا آدم عليه السلام وهو نبي مرسل ))
قلت هذا القول مردود فلو كانت الهاء عائدة على آدم لكان تقدير الكلام (( إن الله خلق آدم على صورة آدم )) وهذا بديهي لا يحتاج إلى توضيح
وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلق ؟!!
ثم إن حمل الضمير على أنه عائد على آدم يلزم منه أن تكون أعضاء بني آدم على يجوز ضربها فلا اختصاص للوجه بأنه خلق على صورة آدم
ولم يقل أحدٌ بهذا
ولا يلزم من جعل الضمير عائداً إلى الله عز وجل التشبيه
فهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم ((أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر)) متفق عليه
فقال : (( على صورة القمر )) ولم تكن وجوههم أقماراً حقيقية متكونة من الصخور والتراب وغيرها
النص الثلاثون
ومن الأحاديث الصحيحة الثابتة في إثبات صفة الضحك لرب العالمين ما رواه الإمام مالك في الموطأ عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يضحك الله إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر، يدخلان الجنة: يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل، فيستشهد).
ومن طريقه البخاري 2671 ومسلم 1890 في صحيحهما وغيرهما كثير
وقدم تشبث السقاف بما رواه النسائي 3165 عن محمد بن منصور حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
-إن الله عز وجل يعجب من رجلين يقتل أحدهما صاحبه وقال مرة أخرى ليضحك من رجلين يقتل أحدهما ثم يدخلان الجنة)) للطعن في هذه الرواية وليس في رواية النسائي كما ترى نفي للضحك وقد حذف السقاف الجزء المتعلق بالضحك _ وذلك في تعليقه على دفع شبه التشبيه ص178 وهذه من تدليساته الكثيرة فهو ( مدالس موالس )(1/255)
فهي محض زيادة تردد فيها الراوي والجازم مقدم على المتردد
وشيخ النسائي وإن كان ثقة إلا أنه قد انفرد التردد
فقد روى هذا الخبر الإمام أحمد 7322 عن سفيان عن أبي الزناد به
وكذا رواه الحميدي في المسند برقم 1071 عن سفيان به
وقال مسلم في صحيحه حدثنا محمد بن أبي عمر المكي حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة ) فقالوا كيف ؟ يا رسول الله قال ( يقاتل هذا في سبيل الله عز و جل فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيقاتل في سبيل الله عز و جل فيستشهد )
( 1890 ) - وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو كريب قالوا حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي الزناد بهذا الإسناد مثله
129 - ( 1890 ) حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبدالرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر أحاديث منها
وبهذا يبطل إرجاف السقاف
واعلم رحمني الله وإياك أن حمل الضحك في هذا الحديث على الرحمة متعذر وذلك لأن الرحمة سبب في دخول الجنة أما الضحك في هذا الحديث فهو حاصل لدخولهما الجنة فهو نتيجة وليس سبباً في ذلك وفرق بين السبب والنتيجة
تنبيه
ومما يبطل هذا التأويل ما قررناه آنفاً من أن الرحمة لازم الضحك ولازم الشيء غيره
النص الحادي والثلاثون
ذكر ابن الجوزي في ص 139 الحديث الذي رواه أحمد مسنده (4/11-12) الترمذي (3109) وحسنه وابن ماجة في سننه، المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية (1/64) من حديث وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين العقيلي قال قلت يا رسول أين كان ربنا قبل أن يخلق ؟ قال (( كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء وخلق عرشه على الماء ))
وأعله السقاف بوكيع بن حدس وهذا إعلال ساقط(1/256)
فقد ذكره ابن حبان في كتاب مشاهير علماء الأمصار( ص124) وقال انه من الأثبات وقال عنه الجورقاني في كتابه الأباطيل و المناكير والصحاح المشاهير (1/232) صدوق صالح الحديث وصحح له الترمذي وابن خزيمة _ كما في التذييل على كتب الجرح والتعديل ص125 _
والجوزقاني هذا صنفه التهانوي مع المتشددين في كتابه (( قواعد في علم الحديث )) ص191 وأقره المحقق عبدالفتاح أبو غدة
وقد صحح هذا الحديث ابن جرير الطبري في تاريخه (1/19)
وأما مطاعن السقاف في حماد بن سلمة فقد نقضها الأخ عمرو عبد المنعم في كتابه (( دفاعا عن السلفيه ))
قال عمرو بن عبد المنعم سليم في "لا دفاعا عن الألباني فحسب بل دفاعا عن السلفية" : طعن السقاف وشيخه عبدالله الغماري في حماد بن سلمة للطعن في أحاديث الصفات : وقد سلك السقاف وشيخه عبدالله بن الصديق الغماري مسلك أهل البدع قبلهم في الطعن في أحاديث الصفات بالطعن في حماد بن سلمة – رحمه الله – الثقة الرضي لأنه روى جملة كبيرة من أحاديث الصفات ، حتى قالوا : أن شيطاناً ألقاها إليه ليضل بها أهل الحق ، ونسبوا هذا القول إلى إبراهيم بن عبد الرحمن ابن مهدي .
وأصل هذه القصة : وما أخرجه ابن عدي في (( الكامل ))(2/676) : عن الدولابي قال : حدثنا أبو عبدالله محمد بن شجاع بن الثلجي ، أخبرني إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي ، قال : كان حماد بن سلمة لا يُعرف بهذه الأحاديث حتى خرج خرجة إلى عبادان ، فجاء وهو يرويها ، فلا أحسب إلا شيطاناً خرج إليه في البحر فألقاها إليه . وهذه قصة موضوعة ملفقة ، وضعها أبن الثلجي الكذاب ، فهو جهمي ضال خرب القلب ، كان يضع الحديث .
قال ابن عدي : (( كذاب ، وكان يضع الحديث ويدسه في كتب أصحاب الحديث بأحاديث كفريات )) .
وكان يفعل ذلك ليثلبهم ، ويلحق بهم في النقص .
والعدل والقسط في الحكم على أحاديثه التي رواها في الصفات ما ذكره شيخنا الجديع – حفظه الله - ، قال (23) :
(((1/257)
ما صح سنده إليه وجب قبوله والإيمان به إن أسنده بالسند الصحيح ، وأهل البدع يجهلون طرق الحديث والمعرفة برواته ، ويتبعون الشبهات ، ولو أنهم علموا وتثبتوا وأخلصوا في النية لبان لهم أن ما ورد به الخبر الصحيح موافق لما ورد به القرآن ، ويحتذي فيه حذوه ، ولكن القوم عموا وصمّوا ، وتمكنت منهم الأهواء )) .
قلت : وقد صرح عبدالله الغماري بالطعن في في حماد بن سلمة في كتابه (( فتح المعين ))(ص:20) حيث قال :
(حماد بن سلمة وإن كان ثقة ، فله أوهام ، كما قال الذهبي ، ولم يخرج له البخاري ، ومن أوهامه ما رواه عن عكرمة ، عن ابن عباس : (( رأيت ربي جعداً أمرداً عليه حلة خضراء )) وروى عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن محمداً رأى ربه في صورة شاب أمرد دونه ستر في لؤلؤ ، قدميه أو رجليه في خضرة ، قال الذهبي في الميزان ، فهذا من أنكر ما أتى به حماد بن سلمة وهذه الرؤية منام إن صحت ) .
وقد علق السقاف على كلام شيخه هذا في الحاشية بقوله :
( وأقول : حماد بن سلمة إمام ثقة ، لكن لا ينبغي أن تقبل أخباره في الصفات البتة ، لأن ربيبيه كانا يدسان في كتبه ما شاءا ، وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (7/452) : إلا أنه طعن في السن ساء حفظه ... فالاحتياط أن لا يحتج به فيما يخالف الثقات أ . هـ كلام الذهبي.
قلت : فما بالك برواياته التي يخالف بها نصوص التنزيه في الكتاب والسنة !! فتدبر ) .
قلت : أما كون البخاري لم يخرج لحماد بن سلمة فقد أخذ عليه ذلك ، فقد أخرج عن قوم دونه في الضبط والإتقان .
قال الحافظ الذهبي في (( الميزان ))(1/594) :
(( نكت ابن حبان على البخاري ، ولم يسمه حيث يحتج عبد الرحمن بن عبدالله بن دينار ، وبابن أخي الزهرى ، وبابن عياش ، ويدع حماداً)) .
قلت : والأصح أن يُقال : إن البخاري لم يمتنع عن إخراج حديثه مطلقاً ، بل له حديث عند البخاري في (( الصحيح )) .(1/258)
قال الحافظ الذهبي في ترجمة حماد بن سلمة من (( السير ))(7/446) : (( تحايد البخاري إخراج حديثه ، إلا حديثاً خرجه في الرقاق ، فقال : قال أبو الوليد : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس عن أبُي )) .
وعدم إخراج البخاري له كما زعم شيخ السقاف فليس بقادح فيه ، فالبخاري لم يشترط أن يخرج حديث الثقات جميعاً كما يعلم المبتدئ من طلاب العلم ، فإقحام مثل هذا القول عند الكلام على حماد بن سلمة دون ذكر الجواب عنه إنقاص من قيمته ، وإنزال من رتبته ، وهو من هو من الحفظ والضبط والإتقان ، وأقوال أهل العلم شاهدة على ذلك .
وأما قول السقاف : (حماد بن سلمة إمام ثقة ، لكن لا ينبغي أن تقبل أخباره في الصفات ألبتة ، لأن ربيبيه كانا يدسان في كتبه ماشاءا ) .
فمتناقض ... فكيف تقبل أحاديثه في غير الصفات ، وترد أحاديثه في الصفات مستدلاً على نحو ذلك بخبر موضوع وحكاية ملفقة .
إنما مستندك في ذلك :
ما رواه ابن عدي في (( الكامل ))(2/676) بالسند السابق ذكره إلى ابن الثلجي ، قال : سمعت عباد بن صهيب ، يقول : إن حماد بن سلمة كان لا يحفظ ، فكانوا يقولون ، إنها دست في كتبه ، وقد قيل : إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه ، فكان يدس في كتبه هذه الأحاديث .
وابن الثلجي كذاب كما مر ذكره .
وأما الأحاديث التي أوردها الغماري من رواية حماد بن سلمة في الرؤية ، ليطعن بها فيه ، فليس فيها ما يدل على أن الحمل عليه فيها ، فهو لم يتفرد برواية هذه الأحاديث من جهة :
قال الحافظ أبو أحمد بن عدي في (( الكامل ))(2/678) عقب روايته أحاديث الرؤية من طريق حماد :
(( هذه الأحاديث التي رويت عن حماد بن سلمة في الرؤية ، وفي رؤية أهل الجنة خالقهم ، قد رواها غير حماد بن سلمة ، وليس حماد بمخصوص به فينكر عليه )) .
ومن جهة أخرى فهي غير محفوظة عنه باللفظ المذكور .
وأما قول الذهبي : (( فهذا من أنكر ما أتى به حماد بن سلمة )) .
فالجواب عنه من وجوه :(1/259)
الأول : أن الحديث بهذا التمام الذي ذكره الذهبي منكر ، غير محفوظ عن حماد بن سلمة ، فالآفة فيه من غيره .
تفصيل ذلك :
أن الحديث صحيح من حديث حماد ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ : (( بلفظ ربي عز وجل )) .
فقد أخرجه بهذا اللفظ :
الإمام أحمد ( 1/285) : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، بإسناده ومتنه .
وأخرجه من طريقه : أبو القاسم الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة ))(1/509) . وقد اختلف في متنه على أسود بن عامر .
فرواه ابن عدي في (( الكامل ))(2/677) من طريق : النضر بن سلمة شاذان ، حدثنا الأسود بن عامر ، بسنده ، بلفظ : (( أن محمداً رأى ربه في صورة شاب أمرد من دونه ستر من لؤلؤ ، قدميه ، أو قال : رجليه في خضرة )) .
وهذا سند واه بمرة ، آفته النضر بن سلمة – شاذان – قال أبو حاتم : (( كان يفتعل الحديث )) .
وقال عبدان : سألنا عباس العنبري عن النضر بن سلمة ، فأشار إلى فمه ، قال ابن عدي : (( أراد أنه يكذب )) .
ولكن رواه ابن عدي في (( الكامل ))(2/677) ، والدار قطنى في (( الرؤية ))(300) كلاهما عن الحسن بن علي بن عاصم ، حدثنا إبراهيم بن أبي سويد الذراع ، حدثنا حماد بن سلمة بإسناده .
ولفظه عند ابن عدي : (( رأيت ربي جعداً أمرد عليه حلة خضراء )) .
ولفظه عند الدار قطنى : (( رأيت ربي في أحسن صورة )) .
قلت : وهذا إسناد تالف ، آفته الحسن بن علي بن زكريا بن صالح بن عاصم ، وله ترجمة في (( تاريخ بغداد ))(7/382) .(1/260)
قال ابن عدي : (( أبو سعيد الحسن بن علي العدوي يضع الحديث ، ويسرق الحديث ، ويلزقه على قوم آخرين ، ويحدث عن قوم آخرين ، ويحدث عن قوم لا يعرفون ، وهو متهم فيهم ، وإن الله لم يخلقهم ، وعامة ما حدث به – إلا القليل – موضوعات ، وكنا نتهمه بل نتيقنه أنه هو الذي وضعها )) ، وقال الدار قطنى : (( متروك )) ، وقال ابن حبان : (( لعله قد حدث عن الثقات بالأشياء الموضوعات ما يزيد على ألف حديث )) .
ورواه ابن عدي من طريق : محمد بن رزق الله موسى ، حدثنا السود ابن عامر ... .. بسنده وبلفظ :
(( رأيت ربي في صورة شاب أمرد جعد عليه حلة خضراء )) .
قلت : ومحمد بن رزق الله بن موسى هذا قد أطلت البحث عنه فلم أعرفه ، ولا أظنه الذي ترجمه الخطيب في (( تاريخ بغداد ))(5/27) باسم محمد بن رزق الله الكلوذاني .
ورواه ابن عدي من طريق محمد بن رافع ، حدثنا الأسود بن عامر بسنده وبلفظه حديث الحسن بن علي بن عاصم .
ومن طريقه البيهقي في (( الأسماء والصفات ))(ص:444) .
ومن طريق الذهبي في (( السير ))(10/113) ، وقال :
(( وهو خبر منكر )) .
قلت : لاشك في ذلك ، والحمل فيه على محمد بن رافع ، فهذه الزيادة في هذا الحديث قد تفرد بها عن الأسود ، وخالفه الإمام أحمد فرواه عن الأسود من غير زيادة ، ومحمد بن رافع وإن كان ثقة إلا أنه دون الإمام أحمد في الحفظ والضبط والإتقان ، فهذه الزيادة منكرة كما ترى.
فإن قيل : ولكن رواه غيره عن الأسود بهذه الزيادة ؟
فالجواب : إن الطرق ضعيفة إلى الأسود كما سبق أن ذكرنا بل بعضها تالفة واهية .
وقد رواه غير الأسود عن حماد ، فلم يذكر هذه الزيادة ، مما يدل على أن حماداً لم يحدث بهذا الحديث على هذا الوجه المنكر .(1/261)
فالحديث قد أخرجه الآجرى في (( الشريعة ))(ص :494) حدثنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : حدثنا الحسين بن كثير العنبري ، قال : حدثنا أبي ، قال :حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مرفوعاً :
(( رأيت ربي عز وجل )) .
وسنده صحيح .
رواه الإمام أحمد (1/290) ، وابن أبي عاصم في (( السنة )) (433) وابن عدي (2/677) من طريق : عفان ، حدثنا عبد الصمد بن كيسان ، حدثنا حماد بن سلمة بالسند والمتن السابق.
ولكن رواه الخطيب في (( تاريخه ))(11/214) من طريق : عمر ابن موسى ابن فيروز ، حدثنا عفان ، فذكره بإسناده ولكن زاد :
(( صورة شاب أمرد عليه حلة حمراء )) .
قلت : وهذه زيادة منكرة ، تفرد بها عمر بن موسى بن فيروز التوزى ، وهو مستور ، ذكره الخطيب في ((تاريخه ))(11/214) ولم يورد فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وقد خالف كلاً من الإمام أحمد بن حنبل ، وحنبل بن إسحاق ، وفضل ابن سهل ، فرووه من غير هذه الزيادة .
ولكن في هذا الإسناد عبد الصمد بن كيسان ، قال الحافظ في ((تعجيل المنفعة))(ص:26): (( عبد الصمد بن كيسان : عن حماد بن سلمة ، وعنه عفان ، فيه نظر ، قلت : أظنه الأول ، تصحف اسمه )) .
يقصد بذلك عبد الصمد بن حسان ، وهو صدوق حسن الحديث كما يظهر من ترجمته في (( التعجيل )) ، فقد وثقه ابن سعد ، وقال أبو حاتم : ((صالح الحديث ، صدوق)) ، وقال الذهبي : (( صدوق إن شاء الله )) .
فهذا يدلك على أن ما ورد في المتن من نكارة إنما هو من قلة ضبط من روى الحديث عن الأسود بن عامر ، وليس هو بمحفوظ بهذا المتن المنكر عن حماد بن سلمة ، وإنما المحفوظ عنه من حديثه لفظ :
(( رأيت ربي عز وجل )) .
وهذا الحديث قد صححه جماعة من الحفاظ منهم الإمام أحمد بن حنبل ، وأبو زرعة الرازي ، وغيرهما .
ففي (( رسالة عبدوس بن مالك العطار عن الإمام أحمد )) رحمه الله (ص:58) ، قال :
(((1/262)
أصول السنة عندنا : ... ... والإيمان بالرؤية يوم القيامة كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحاح ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه ، فإنه مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صحيح ، رواه قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، ورواه الحكم ابن أبان ، عن عكرمة عن ابن عباس ، ورواه علي بن الزيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس )) .
وقال عبدالله بن الإمام أحمد في (( السنة ))(584) :
(( رأيت أبي رحمه الله يصحح هذه الأحاديث أحاديث الرؤية ويذهب إليها وجمعها في كتاب وحدثنا بها )) .
وروى الضياء في (( المختارة )) عن أبي زرعة الرازي ، قال (24) :
(( وحديث قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس صحيح ، ولا ينكره إلا معتزلي )) . يعتني باللفظ المختصر .
ولا يتوهم – كما يحاول أن يبث السقاف في روع القراء – أن أهل السنة والجماعة يثبتون الحديث بهذه الزيادة المنكرة الواردة فيه ، والتي سبق أن بينا أن الحمل فيها على من هو دون حماد بن سلمة وليست الآفة منه .
والوجه الثاني : أن قول الذهبي هذا مجمل ، وليس بحجة على أن الحمل في هذا الخبر عند الذهبي على حماد بن سلمة لأنه لما روي هذا الحديث في ((السير))(10/113)، قال : (( خبر منكر نسأل الله السلامة في الدين فلا هو على شرط البخاري ، ولا مسلم ، ورواته وإن كانوا غير مهتمين ، فما هم بمعصومين من الخطأ والنسيان )) .
والوجه الثالث : أننا لو سلمنا بصحة أسانيد هذا الخبر – بهذه الزيادة – إلى حماد بن سلمة ، فكيف تغاضى السقاف عن عنعنة قتادة بن دعامة السدوسي وهو عنده وعند شيوخه مدلس ، ولو تغاضى عن هذه العلة فاين من أعل هذه الرواية بعكرمة ؟!
قال البيهقي في (( الأسماء والصفات )) : (( وقد حمل غيره من أهل النظر في هذه الرواية على عكرمة مولى ابن عباس )) .(1/263)
قلت : ونحن لا نحاول دفع التهمة عن حماد ، لنصيب بها غيره ، وإنما غايتنا أن السقاف إنما تغاضى عن بيان هذه العلل كلها حتى يسلم له اتهام حماد بن سلمة ، كما هو الحال عند أسلافه من المعتزلة .
والسقاف متناقض ..
فتارة يوثق حماد بن سلمة في غير أحاديث الصفات ، فيقول – كما مر ذكره - : ( حماد بن سلمة إمام ثقة ، لكن لا ينبغي أن تقبل أخباره في الصفات ألبتة ) .
ثم يأتي في موضع آخر من قراطيسه – وهو تعليقه على (( دفع شبه التشبيه ))(ص :19) – فتدفعه عقيدته الاعتزالية إلى الطعن فيه بشدة فيقول : ( نحن نغمز حماد بن سلمة أشد الغمز ، خصوصاً في أحاديثه في الصفات ).
وتراه يتعالم بخبث طوية ، فيقول (ص : 178-179) : ( حماد بن سلمة ضعفه مشهور ، وإن كان من رجال مسلم ، وقد تحايده البخاري ، كما في (( الميزان ))(1/594) في ترجمته ) .
فلا أدري كيف يقول في موضع : (( إمام ثقة )) ، ثم يتناقض نفسه في موضع آخر فيقول : (( ضعفه مشهور )) .
والأغرب من ذلك أن يعل حديث أبي رزين العقيلي مرفوعاً : (( كان في عماء ما تحته هواء ، وما فوقه هواء ، ثم خلق عرشه على الماء )) بحماد بن سلمة وفيه من هو أوهي منه .
قال (ص : 189) : (وهذا حديث ضعيف لأجل حماد بن سلمة ، ولا تقبل أخباره في الصفات ألبتة ، وكذلك يضعف هذا الحديث بوكيع بن عدس ، لأنه مجهول لم يرو عنه إلا يعلى بن عطاء) .
قلت : فقدم إعلال الحديث بحماد مع أن فيه من هو أضعف منه – وهو وكيع – ووكيع هذا قد حدث بالحديث قبل حماد ، فالآفة فيه منه ، وليست من حماد ، ولكن دفعه إلى ذلك مادفع المعتزلة من قبله إلى الطعن في حماد .
ولن أكلف نفسي الجهد في جمع أقوال أهل العلم في تعديل وتوثيق حماد ابن سلمة فهي كثيرة جداً ، ومبسوطة في ترجمته في كتب الرجال و((السير)) للذهبي ، حتى عُد حبه من علامة اتباع السنة ، وبغضه والوقيعة فيه من علامة البدعة ))(1/264)
قلت فإن قيل أن الحافظ في التهذيب نقل أن البيهقي أن حماد بن سلمة ساء حفظه لما كبر
قلنا لأن هذا غير مسقط لحديثه عن درجة الإحتجاج وقد تقدم قول من صحح هذا الحديث من أهل العلم وخصومنا يحتجون بروايته لحديث الأعمى إذا تكلموا في مسألة التوسل
وأقول أيضاً
وقد روي من طرق عن حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عن أبي رزين به
قد روى هذا الحديث جمعٌ غفير عن حماد منهم
1- أبو داود الطيالسي كما في مسنده برقم 1176
2_ يزيد بن هارون كما رواه أحمد في المسند برقم15931و يزيد شيخ أحمد تابع أحمد كل من أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن الصباح عند ابن ماجة (وهما شيخان لابن ماجة ) برقم 181 وتابعه أيضا أحمد بن منيع ( وهو شيخ الترمذي) عند الترمذي برقم 3181
3-بهز بن أسد العمي وهو ثقة ثبت عند أحمد في المسند برقم 15945
4_ حجاج بن منهال عند ابن أبي عاصم في السنة برقم 497من طريق محمد بن المثنى عن الحجاج به
وأكتفي بهذا القدر ولا يعقل أن يكون هؤلاء وإخوانهم جميعاً قد رووا هذا الخبر عن حماد بعد التغير
وتأول ابن الجوزي هذا الحديث على أن الله عز وجل فوق السحاب بالتدبير والقهر
وهذا ساقط إذ أن السائل لم يسأل عن هذا وقد سأل عن الله عز وجل قبل أن يخلق الخلق والسحاب من الخلق
والذي يظهر أن (ما ) في قوله (( ما فوقه هواء )) ما النافية
النص الثاني والثلاثون
روى أحمد في مسنده (3 / 125) من حديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم
تعالى : (فلما تجلى ربه للجبل) الاعراف : 143 . قال : قال هكذا ، يعني أنه أخرج طرف الخنصر ، فقال حميد الطويل لثابت : ما تريد إلى هذا يا أبا محمد ، قال فضرب صدره ضربة شديدة . فقال : من أنت من أنت يا حميد ، وما أنت يا حميد . فحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله وفي لفظ : " فأومأ بخنصره فساخ الجبل وخر موسى صعقا ))
ذكر ابن الجوزي هذا الخبر في ص211
فأعله السقاف باختلاط ثابت بن أسلم(1/265)
وهذا مردود فثابت من الأئمة الأثبات
وقال أبو بكر البرديجي ثابت عن أنس صحيح عن من حديث شعبة والحمادين وسليمان بن المغيرة فهؤلاء ثقات ما لم يكن الحديث مضطربا
فهذا نص على أن ر واية حماد عنه صحيحه وهذا يرد على السقاف
وقفة مع احتجاج السقاف بالربيع بن حبيب
واحتج السقاف بعدة أخبار من مسند الربيع بن حبيب الإباضي
وإليك نص كلامه في ص 125 ((ودللنا عليه وتعضده منها : ما روى الامام الربيع بن حبيب الازدي(1/266)
البصري في " جامعه الصحيح " وهو كتاب محفوظ منقول بالاعتناء عند أهل مذهبه ككتب الفقه المنقولة عن الائمة المقتدى بهم ففيه (3 / 35) ما نصه : وأخبرنا أبو ربيعة زيد بن عوف العامري البصري قال أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أبي عثمان النهدي ان أبا موسى الاشعري قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر لما دنونا من المدينة كبر الناس ورفعوا أصواتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إن الذي تدعونه بينكم وبين أعناق ركابكم " ثم قال صلى الله عليه وسلم : " يا أبا موسى هل أدلك على كنز من كنوز الجنة " قال قلت وما هو يا رسول الله قال " لا حول ولا قوة إلا بالله " قال جابر ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم عندنا " ان الذي تدعونه بينكم وبين أعناق ركابكم " وذلك ان الله تعالى يقول : (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا) وقال (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) والتشبيه والتحديد لا يكون الا لمخلوق لان المخلوق إذا قرب من موضع تباعد من غيره وإذا كان في مكان عدم من غيره لان التحديد يستوجب الزوال والانتقال والله تعالى عز عن ذلك . قال جابر بن زيد حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يوشك الشرك أن ينتقل من ربع إلى ربع ومن قبيلة إلى قبيلة " قيل يا رسول الله وما ذلك الشرك قال " قوم يأتون بعدكم يحدون الله حدا بالصفة " . قال جابر بن زيد سئل ابن عباس عن قوله تعالى (الرحمن على العرش أستوى) فقال ارتفع ذكره وثناؤه على خلقه لا على ما قال المنددون ان له أشباها وأندادا تعالى الله عن ذلك .(1/267)
قال وحدثنا اسماعيل ابن ابراهيم قال حدثنا ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن عبد الله بن عمر انه سئل عن الصخرة التي كانت في بيت المقدس فقال له ان ناسا يقولون فذكر قولهم سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا فارتعد ابن عمر فرقا وشفقا حين وصفوه بالحدود والانتقال فقال ابن عمر ان الله أعظم وأجل أن يوصف بصفات المخلوقين هذا كلام اليهود أعداء الله انما يقولون (الرحمن على العرش أستوى) أي استوى أمره وقدرته فوق بريته ))
قلت لم يخجل السقاف هذه الأخبار التي عامتها مناكير في مسند هذا المجهول الذي جعله إماماً بجهله
ويزعم بعض الإباضية أنه له ترجمة في كتب أهل السنة أنه معروف وهذا من التدليس والتلبيس
وبيانه بأن يقال الذين اسمهم الربيع بن حبيب البصري في كتب التراجم اثنان
الأول الربيع بن حبيب الحنفي وهو مترجم في تهذيب الكمال وفروعه للتمييز وهو غير الربيع بن حبيب صاحب المسند لأن الإباضي أزدي وهذا حنفي
الثاني الربيع بن حبيب البصري سمع الحسن وابن سيرين وروى عنه موسى البصري ( انظر التاريخ الكبير للبخاري (3/277)
وقد جعلهما ابن أبي حاتم رجلاً واحداً كما في الجرح والتعديل (3/457)
وتابعه على هذا المزي في تهذيب الكمال
وأما ابن حبان ففرق بينهما كما في الثقات (3/349)
وعلى مذهب التفريق يكون الربيع بن حبيب الثاني مجهولاً إذ لا جرح فيه ولا تعديل
وهو غير الربيع بن حبيب الإباضي قطعاً
لأن الإباضي أكبر شيوخه جابر بن زيد وهذا لا يذكر جابر بن زيد في شيوخه
والإباضي لا يروي عن الحسن وابن سيرين مباشرةً كما يتضح للناظر في مسنده
بخلاف هذا المذكور هنا فهما شيخاه المباشران
زد على ذلك أن التسوية بين الإباضي والربيع بن حبيب الثاني ليست أولى من التسوية بين الربيع بن حبيب الحنفي والربيع بن حبيب الثاني كما فعل ابن أبي حاتم
فجميعهم من البصرة وفي نفس الطبقة تقريباً
الخاتمة(1/268)
وبهذا أكون قد انتهيت من نقض الكتاب المذكور سائلاً المولى عز وجل أن ينفع المسلمين بما كتبت وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مالٌ ولا ينون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك(1/269)