مقدمة الطبعة الثانية
لكتاب الكنز المرصود في قواعد التلمود
بقلم المرحوم العلامة الجليل الشيخ مصطفى الزرقاء
لما كنا أطفالاً في مدينة حلب موطني الأول من بلاد الشام (سورية) كنا نسمع الأمهات يمنعن أولادهن الصغار من الخروج خارج البيوت وحدهم، ويحذّرنهم بأن اليهود يخطفون الأطفال خِفية، ويأخذونهم إلى حيث يستنزفون دماءهم!
وفي يفوعتنا كنا نتلقى التوصيات بأن لا يمر أحد في حارة اليهود منفرداً (وهي حارة طويلة متعرجة) وأنه إذا مر فيها أحد منا فدعاه يهودي لدخول بيته لإيقاد النار لهم بحجة أنهم لا يمسون النار يوم السبت، فيجب أن لا يدخل حذراً من أن يغدروا به فيقتلوه باستنزاف دمه!
فلما كبرنا ووعينا وتثقفنا كنت أتذكر هذه التخويفات، التي كنا نتلقاها في طفولتنا الأولى وفي يفوعتنا، وانتقدها وأعدها من الجهالات في أساليب التربية التي درسنا قواعدها الحديثة وأصولها، ومن قبيل إساءة الظن بمواطنين من الأقلية الصغار المساكين!!!(1/1)
ثم لما برزت المشكلة الفلسطينية، وذر قرن الصهيونية اليهودية، بدأنا نسمع عن اليهود وعقائدهم الخطيرة وأفاعيلهم المذهلة، ومكرهم العالمي، ومؤامراتهم الخبيثة وخطرهم على البشرية جمعاء ما جعلنا نعيد النظر في الصورة المنطبعة في أذهاننا عن مسكنتهم المصطنعة، ولكن بقيت قضية خطف الأشخاص واستنزاف دمائهم في نظرنا خرافة لا تصدق، حتى وقع إليّ منذ سنوات مجموعة الأستاذ أسد رستم (أستاذ التاريخ الشرقي في الجامعة الأمريكية ببيروت، الذي توفي من بضع سنوات)، التي جمع فيها بعض وثائق تاريخية تتعلق بتاريخ سورية في زمن إبراهيم باشا (ابن محمد علي) من سنة (1247 ـ 1255هـ) ونقلها عن سجلات المحكمة الشرعية بحلب وأنطاكية وحماة ودمشق في سنة 1927م فإذا به يفتح الجزء الخامس منها بقصة خطف اليهود في دمشق للقسيس الفرنسي الجنسية المسمى: الأب (البادري) توما وخادمه إبراهيم عمار، وذبحهم إياهما، وإرسال دمهما إلى كبير الحاخامين ليدخلوه في خبز الفطير الذي يوزعه الحاخامون على الأسر اليهودية في عيد الفصح السنوي. وينقل الأستاذ أسد رستم من سجلات المحكمة التي حاكمت الفاعلين من الحاخامين وسواهم محاضر جلساتها ووقائعها وينشرها في كتابه المذكور حرفيا، وتصويرها بصورة زنكوغرافية لأول هذه المحاضر بالخط المدون به في سجل المحكمة، وذلك في عهد احتلال جيش إبراهيم باشا المصري وحكمه في سورية. فقرأت القصة مذهولاً من التفاصيل التي فيها، وأنا أفرك عيني بين الحين والحين، خشية أن أكون في منام وأحلام!!! حتى إذا لم أجد في اليقظة شكاّ، رجعت إلى ذاكرتي عن أخبار الطفولة، ورأيت أن ما ظننته من تخويف الأمهات وتحذيرهن جهلاً بأصول التربية، أو إساءة ظن بمواطنين ذوي مسكنة، كان هو الحقيقة الواقعة وأن ظني هو الغرارة والجهالة!!(1/2)
وكان عندي أغرب من هذه الحادثة ـ التي تدمى لسماعها القلوب ولو كانت متحجرة ـ تلك القواعد التلمودية التي تم تنفيذ تلك الجريمة الفظيعة النكراء تطبيقاً لها، فقد نبشت محاكمة أولئك المجرمين، من الحاخامين الآمرين ومن بقية اليهود الذي قاموا بالتنفيذ، أنابيش من نصوص التلمود مذهلة يقف القارئ أمامها مشدوهاً لا مدهوشاً فقط !!!
يكاد الإنسان لا يصدق ـ لولا الوثائق والنصوص والوقائع التابعة ـ أن تكون ديانة القوم (بعدما تلاعب بأصولها وحرفتها أيدي أحبارهم تأمرهم أن يتعبدوا بشرب دماء البشر من غير اليهود، ولا سيما المسيحيين والمسلمين) وباستباحة أرواحهم، وأعراضهم، ووجوب خيانتهم، والغدر بهم، وغشهم واجتناب إغاثة أحد منهم، أو إنقاذه، أو مداواته إلا للتجربة أو للاضطرار أو ستراً للمقاصد والعقائد اليهودية السرية، إلى غير ذلك من العقائد المنكرة الخطيرة القائمة على الحقد العام والامتهان لبني البشر أجمعين، وتبرير ذلك نظرياً بأن كل الناس سوى اليهود ليسوا في الحقيقة سوى بهائم من الحيوان في صورة بشر، فليس لهم حرمة ولا ذمة، ولا يلتزم أحد من اليهود تجاهه بأي التزام إنساني أكثر مما
يلتزم تجاه بهيمة خلقت لمصلحته، يفعل بها ما يشاء ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ولا يخرج عن هذا السلوك المنكر إلا للتقية والتستر والخداع !! ومن هذه التقية التظاهر بالضعف والمسكنة أمام الأكثريات الأخرى من الناس.
نعم لقد كان في نظري هذه العقائد اليهودية التي نبشتها المحاكمة في حادثة مقتل القسيس الأب توما ـ وهو كما سيرى القارئ ممن قضوا حياتهم في الأعمال الإنسانية وإغاثة الملهوفين ـ أشد غرابة وفظاعة من الغاية التي دفعت إلى هذا القتل والتي ألبسوها ثوب الدين !!!(1/3)
ومنذ أن وقعت علي وقائع هذه الجريمة وملابساتها ومحاضر محاكمتها في مجموعة الأستاذ أسد رستم المذكورة بدأت أتتبع وأستقصي المعلومات عنها وعن أمثالها وعن نصوص التلمود اليهودي، ذلك لأن ما نقله الأستاذ أسد رستم عن هذه الحادثة التي وقعت في دمشق سنة 1840، هو محاضر جلسات المحاكمة وهذه تنتهي عند انتهاء المحاكمة الني كانت نتيجتها الحكم بالإعدام على عدد من الحاخامين المشتركين في ترتيب الجريمة، وعدد من اليهود الرعايا المنفذين لها، سوى الحاخام موسى أبي العافية الذي أعلن اعتناقه للدين الإسلامي وترجم نصوص التلمود، وسوى بعض المشتركين الذي وعدوا بالعفو حتى كشفوا التفاصيل، ودلوا على مكان تصريف الجثة بعد تقطيعها !!
عند هذا الموقف، وهو الحكم بالإعدام نتيجة التحقيق القضائي الذي جرى في المحكمة يقف ما نقله الأستاذ أسد رستم، مع ما تخلل ذلك من محاولة اليهود رشوة بعض المسؤولين الكبار في القضاء وفي الإدارة بمبالغ مغرية لطمس الجريمة، ذلك لأنه كما ذكرنا اقتصر على نقل محاضر جلسات المحاكمة وما تم فيها من تحقيقات وتفصيلات وملابسات ووقائع.
أما مصير الحكم بالإعدام نفسه فليس في مجموعة الأستاذ أسد رستم ما يدل عليه. فهو لم يتتبع هذا المصير، ولم يسجل عنه شيئاً. وقد بقي هذا النقص ثغرة في نفسي أتطلع دائماً لملئها بمعرفة ما تم بعد ذلك، حتى رأيت مرة بطريق المصادفة كتاباً لدى صديقي الأستاذ الشيخ ناصر الدين الألباني المحدث المعروف في دمشق، عنوانه (الكنز المرصود في قواعد التلمود)، فاسترعى انتباهي هذا العنوان، واستأذنت الأستاذ الألباني في أخذه أياماً لقراءته فأعارني إياه، وذهبت به وعكفت من فوري على قراءته فإذا فيه أمنيتي المنشودة !!
تعريف بكتاب الكنز المرصود(1/4)
كان هذا الكتاب ترجمة لكتابين فرنسيين ترجمهما الدكتور يوسف نصر الله من كبار مسيحي مصر: أحدهما كتاب للدكتور (روهلنج) بعنوان (اليهودي على حسب التلمود) وتكلم فيه عن مضامين التلمود ومنشئه وتكوينه ومخطوطاته وطبعاته المتعددة منذ القرن الخامس عشر الميلادي، وما فيه من عقائد خطيرة مذهلة تحير العقول، وخرافات عجيبة لا يكاد يصدق الإنسان أن تكون عقائد تعبدية لولا نصوصها المنقولة من التلمود. وفي كتاب الدكتور (روهلنج) هذا من المعلومات الهامة عن التلمود ما يصعب جداً على الباحث أن يستقصيه من مصادر أخرى.
وثانيهما كتاب للدكتور (اشيل لوران) بعنوان (تاريخ سورية لسنة 1840م) تكلم فيه عن حادثة ذبح اليهود للقسيس الأب توما وخادمه إبراهيم الآنفة الذكر في دمشق. وهذا الكتاب الثاني يتفق في جميع تفاصيل الحادثة وتحقيقاتها مع ما نقله الأستاذ أسد رستم، فكلاهما ينقل محاضر جلسات المحاكمة من نفسها ولكن هذا الكتاب يسد الثغرة التي بقيت فارغة في كتاب الأستاذ أسد رستم حيث يتتبع مؤلفه القضية، ويبين مصير الحكم بالإعدام على المتآمرين المجرمين القتلة، ذلك المصير المؤسف الذي خلاصته أن أناساً من كبار أغنياء اليهود المتنفذين في أوروبا تداعوا لإنقاذ المحكوم عليهم، وأرسلوا مندوبين اثنين من فرنسا إلى مصر (وهما كراميو، وموييز مونتيفيوري) فاتصلا بالخديوي( محمد علي باشا ) والد إبراهيم باشا الذي كان جيشه يحتل سورية في ذلك العهد) فأصدر (فرمانا) بالعفو عن القتلة المحكوم عليهم !!!(1/5)
وتبقى غامضة تلك الوسيلة التي استخدمها زعماء اليهود في أوروبا للتأثير على محمد علي باشا حتى استجاب للعفو عن هؤلاء القتلة المجرمين في أبشع صور الجريمة (وهي التآمر على خطف البشر الأبرياء الغافلين وذبحهم كالنعاج لشرب دمائهم) فهل كانت تلك الوسيلة التي استخلص بها يهود فرنسا من محمد علي باشا فرمان العفو بهذه السهولة ضغطاً سياسياً من بعض دول أوروبا ولا سيما فرنسا التي كان معروفاً أن محمد علي باشا يتلقى منها العون والتأييد في المجال الدولي، أو كانت تلك الوسيلة مبالغ مغرية من المال قدمها اليهود إلى محمد علي باشا وهو في حاجة إليها، (كما هو شأن اليهود المعروف في الاعتماد على الرشوات المذهلة في شراء ذوي النفوذ أو السلطان لتسوية أمورهم، وتمشية مقاصدهم، وتغطية جرائمهم مهما عظمت)، أو كانت تلك الوسيلة مركبة من الضغط السياسي الدولي والمال معاً ؟ كل هذا محتمل، ولا يعدوه الواقع.
والأغرب الأغرب أن محمد علي باشا لما جاءه هذان اليهوديان من فرنسا وطلبا منه الأمر بإعادة المحاكمة أجابهما بأنه سيفعل خيراً من ذلك، فأصدر فرمانا تضمن الأمر بالعفو عن المحكوم عليهم العشرة، الذين ثبت اشتراكهم في هذه الجريمة النكراء بالبينات القاطعة الدامغة، وباعترافاتهم الصادرة منهم بحضور بعض قناصل الدول الأجنبية (كقنصل بريطانيا، وقنصل فرنسا) في جلسات المحاكمة، وبدلالتهم على أشلاء وأشياء الضحايا التي بعد ذبحهم إياها واستنزافهم دماءهما، قطعوها وكسروا عظامها وقاموا بتصريفها !! ولكن اليهوديين المتشفعين (كراميو ومونتيفيوري) اعترضا على التعبير في الفرمان بلفظ (العفو) لأنه يُشعر بأن المعفو عنهم مذنبون، فغير لهم محمد علي باشا صيغة الفرمان إلى تعابير أخرى لا تدل على ثبوت ارتكاب الجرم !!!.(1/6)
هذان الكتابان الفرنسيان الأصليان (كتاب الدكتور روهلنج عن أصول وفصول التلمود، وكتاب الدكتور اشيل لوران عن تفاصيل حادثة ذبح القسيس الأب توما الكبوشي وخادمه إبراهيم عمار) أصبحا مفقودين لنفاد نسخهما المطبوعة في فرنسا منذ أكثر من ثمانين عاماً، كما أشار إليه المترجم. وسبب فقدانهما فيما يظهر هو سعي اليهود دائماً في جمع ما يدينهم ويفضحهم وإتلافه باستمرار.
وجدير بالذكر أنه منذ نحو أربعين عاماً قام القسيس الأب سمعان القراءلي في مدينة حلب بإصدار كتيب عن حادثة ذبح اليهود للأب توما الكبوشي وخادمه إبراهيم، وكان يطبعه ويوزع منه هدايا، ويضع بقية النسخ في المكتبات للبيع، فلا تمضي فترة من الزمن حتى ينفد الكتيب ولا يبقى له أثر، فيجدد طبعه فلا يلبث أن ينفد كذلك، لأن اليهود ـ فيما يظهر ـ يجمعونه ويتلفونه، حتى كرر طبعه عدة مرات في عدة سنوات. وفي كل طبعة كان يرسل منها مائة نسخة لسماحة مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، فيقوم سماحته بتوزيعها، وهو الذي حدثني عن نشاط الأب سمعان من حلب في نشر هذه الحادثة الإجرامية الشنعاء.
وقد لحظ المترجم المصري الدكتور يوسف نصر الله، بدلالة والده، أهمية ذينك الكتابين الفرنسيين، وأن نسخهما أصبحت نادرة في طريق النفاد، فأراد تعريف أبناء العربية بهما، فقام بترجمتهما إلى العربية، وجمعهما معاً في هذا الكتاب الذي أسماه (الكنز المرصود في قواعد التلمود)، طبعه بمصر سنة 1899، ولم يجدد طبعه للآن حتى أصبحت نسخه في حكم المخطوط النادر.(1/7)
وقد صدّر المترجم المشكور الدكتور يوسف نصر الله هذه المجموعة بمقدمة طويلة تكلم فيها عن حوادث مماثلة لذبح الأب توما وخادمه، منها حادثة أخرى خطف فيها اليهود طفلاً من دمشق أيضاً اسمه هنري عبد النور، واستنزفوا دمه بثقب في عرق النبض عند الرسغ، ثم اكتشفت الجريمة، واستخرجت جثة الطفل من بئر رموها فيها، وثبتت الجريمة بأدلة كالشمس في وضح النهار على الفاعلين، فاستخدم اليهود وسيلتهم المعهودة في شراء الحكام الذين طمسوا الجريمة عنوة بحجة الحفاظ على الأمن ودرء الفتنة !! وتركوا والد الطفل يتأوه ويذوب كمداً وحزناً، فصاغ آلامه في رسالة وقصيدة أسماها (صراخ البريء) !! ولم يكن لصراخه سامع، ولا لهؤلاء المجرمين قامع !!
بعد قراءتي لهذا الكتاب الهام (الكنز المرصود) الذي وجدت فيه ما أنشد من المعلومات المتكاملة عن التلمود، وعن حادثة ذبح الأب توما وخادمه، وما أضافه المترجم المصري الدكتور يوسف نصر الله أو أشار إليه من حوادث مماثلة أعدته إلى الأستاذ ناصر الألباني الذي أعارني إياه، وبدأت أبحث بنفسي وبالواسطة عن نسخة منه أشتريها في مكتبات مصر ودمشق قديمها وحديثها فأعياني البحث حتى غطاني اليأس، وتيقنت أن اليهود قد جمعوه كعادتهم ولا سيما أنه قد مضى على طبعته الوحيدة في مصر نحو سبعين عاماً.(1/8)
فلما أصدر الصديق القائد المجاهد السيد عبد الله التل كتابه العظيم الشأن الموسوم باسمه (خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية) وجدت في ثبت مصادره التي ذكرها في الختام هذا الكتاب (الكنز المرصود). ثم في أول لقاء اجتمعت فيه بالسيد عبد الله التل هذا العام (1968) في الكويت سألته عن هذا الكتاب الذي عده من جملة مصادر مؤلفه القيمة، فقال لي: إنه موجود عنده في مكتبته. فعرضت عليه أن يرسله إلى متى عاد إلى بلده لكي أقوم بتصحيح أغلاطه المطبعية الكثيرة، وأعلق عليه بعض التعليقات، وأضع له مقدمة تفيد القارئ، وأسلمه إلى إحدى الجهات العاملة في القضية الفلسطينية لتعيد نشر بطبعة أجود، فوافق السيد التل حفظه الله على ذلك، وبعد عودته بقليل كان الكتاب بيد يدي. وها أنا ذا أقدم الكتاب إلى الجهة التي ستعيد طبعه بعدما صححت أغلاطه المطبعية الكثيرة حتى هيأته لإخراج أجود من الطبعة السابقة السقيمة آملاً أن أكون بذلك قد أسهمت بقليل من الجهد فيما ينفع القضية الفلسطينية ليرى العالم، من كل مذهب ودين، ما آلت إليه اليهودية التي كانت في أصلها ديناً إلهياً إصلاحياً فأصيبت بتغيير المضلين المستغلين الكاذبين على الله تعالى، بالتحريف والتضليل واستباحت دماء البشر من غير اليهود وفي قضية الأب توما وخادمه التي سيقرؤها القراء في القسم الثاني من هذا الكتاب، وفي أخبار أمثالها الصورة الناطقة بكل ذلك.(1/9)
وإني أهيب بكل ذوي الغيرة، من مسلمين ومسيحيين، تجاه الخطر اليهودي المشترك، أن يحرص من يستطيع منهم على تحصيل بعض النسخ من الكتابين الفرنسيين كتاب الدكتور روهلنج، وكتاب الدكتور اشيل لوران اللذين هما أصل هذا الكتاب، ويقوموا بتجديد طبعهما ونشرهما على العالم، كما أهيب بهم أن ينشطوا لترجمة هذا الكتاب (الكنز المرصود) الجامع لهما إلى أهم اللغات الحية، ولا سيما الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية، وإلى بعض اللغات الأخرى الشرقية والإفريقية، لتعرف البلاد التي تغزوها الصهيونية بالتضليل الإعلامي والسياسي وتسخرها لمآربها: ما هي حقيقة الأساس الديني الرهيب الذي تقوم عليه الحركة الصهيونية، إذ لا سبيل إلى تعريف شعوب العالم بحقيقة جزاريه وسكاكينهم إلا باللغات التي يفهمونها.
وبهذه المناسبة أقول في ختام هذه المقدمة:
كنت في مجلس مع بعض أصدقائي من الشخصيات السياسية العربية، ممن كانوا في أوروبا حينما اندلعت نار الحرب العالمية الثانية، وظلوا هناك حتى وضعت الحرب أوزارها، وكنا نتحدث عما آلت إليه الحرب العربية اليهودية في فلسطين بمؤامرة الدول الاستعمارية التي وراء اليهود، فحدثتهم بقصة العقائد التلمود، وذبح اليهود للقس الأب توما وكنت حديث عهد بقراءتها في مجموعة الأستاذ أسد رستم السابقة الذكر، فلما بينت لهم أن قنصل فرنسا كان يحضر جلسات المحاكمة في دمشق، لأن الضحية المسكين البادري توما كان فرنسي الجنسية، وكان قنصل فرنسا يرسل عقب كل جلسة بتقرير عما تم إلى وزارة الخارجية الفرنسية ـ فإذا بأحد الأصدقاء السامعين ـ وكان ممن عاشوا ظروف الحرب بين ألمانيا وفرنسا ومن ذوي النشاط السياسي البارز في القضايا العربية عامة، يقول لي: الآن وقعت على تفسير أمر عجيب !! قلت وكيف ذلك ؟(1/10)
قال لما احتل الألمان باريس عاصمة فرنسا أوائل الحرب وأنا هناك وضع الألمان يدهم فوراً على موجودات وزارة الخارجية الفرنسية، فوجدوا بين إضباراتها القديمة إضبارة تشتمل على تقارير قنصل فرنسا في دمشق فيها تفصيل حادثة عجيبة خلاصتها أن اليهود خطفوا أحد القسس الفرنسيين وذبحوه وأخذوا دمه ليعجنوا به فطيراً يأكلونه تعبداً في بعض مناسبات دينية مقدسة عندهم، وتوجب عليهم عقيدتهم عجنه بدماء بشرية من غير اليهود.
فلما اطلعت السلطات الألمانية على هذه الإضبارة الغريبة، وكان هتلر يكافح اليهود، ويحاول تطهير الأرض منهم، وإراحة العالم من مكائدهم ومفاسدهم وجد الألمان في هذه الاضبارة مادة غزيرة لشن حرب دعائية تفضح عقائد اليهود الجهنمية وجرائمهم على الإنسانية جمعاء، ففكر الساسة الألمان بصنع فلم سينمائي يمثل قصة الأب توما وخادمه ويعرضها ماثلة وناطقة بالألوان الطبيعية أمام أنظار العالم، ووافق هتلر على هذه الفكرة وأمر بتنفيذها. فاختار المسؤولون الألمان لجنة فيها بعض الشخصيات العربية لترجمة الإضبارة إلى الألمانية وتهيئتها للإخراج السينمائي.
وقبل أن تتم هذه الترجمة والتهيئة بدأ الإرهاب الحربي يتسرب إلى الألمان وثقلت الوطأة عليهم بعد دخول أمريكا في الحرب ضدهم فشغلوا عن متابعة قضية إخراج القصة في شريط سينمائي. حتى فوجئوا أخيراً باستعادة الحلفاء مدينة باريس وبدأ الألمان يعانون الخسائر والانحدار، وتلاشت الفكرة.(1/11)
قال محدثي ـ وكان هو أحد العرب الذين طلبت منهم المعاونة في ذلك ـ لما اطلعت على مجمل الحادثة كنت لا أصدق ما أقرأ وكنت أستغرب اهتمام قنصلية فرنسا في دمشق بوقائع جلسات المحاكمة ووجود هذه الإضبارة في وزارة الخارجية الفرنسية مع أنها ليست من القضايا السياسية، بل من الجرائم العادية في اصطلاح القانون! ثم قال: فحين علمت منك الآن أن القسيس الضحية كان فرنسي الجنسية، وأن الامتيازات الأجنبية إذ ذاك حمت أحد المشتركين في القتل لأنه كان نمساوي الجنسية وموظفاً في قنصلية النمسا بدمشق وضحت لي الغوامض، وزال العجب من الناحية التي استغربتها، وبقي العجب العجاب في أصل الحادثة ومبناها الإجرامي في عقائد التلمود، وخطره على الإنسانية جمعاء.
مقدمة المترجم
الطبعة الأولى سنة 1899
لما عثرتُ على كتابين فرنساويين أحدهما (اليهودي على حسب التلمود) الذي ألفه الدكتور (روهلنج) والثاني (تاريخ سوريا لسنة 1840) الذي ألفه المؤرخ (إشيل لوران)، انتهزت الفرصة وترجمتهما إلى اللغة العربية وأردت أن أتحف بهما أبناء وطني، خصوصاً وأنهما من الكتب التي يتعسر الاستحصال عليها ولو ببذل الأصفر الرنان، مع أنهما يبحثان في مسائل تشتاق النفس إلى الإطلاع عليها: ألا وهي عوائد الأمة الإسرائيلية وأسرار ديانتها الخفية. غير أني ضربت صفحاً عن الجزء الأخير من كتاب الدكتور (روهلنج) المختص بمسألة قتل الأب توما، استغناء عنه بما ذكر مطولاً في كتاب (إشيل لوران) وهو ما سنذكره في القسم الثاني من كتابنا هذا إن شاء الله.
ولا تظن أيها القارئ اللبيب أن هذين الكتابين من عندياتي لأنهما ذكرا في كثير من الكتب المشهورة لدى العموم ككتاب (صراخ البريء) لصاحبه (حبيب أفندي فارس)، وكتاب (فرنسا اليهودية) لادوارد ريمون. ولكن تعذر، بالطبع، على القراء الاطلاع عليهما ومراجعتهما لكونهما لا يمكن الاستحصال عليهما بسهولة(1/12)
هذا ويا ليت قومي يعلمون أن مقصدي حسن، وغرضي هو فقط اطلاع الجمهور على ما قال هؤلاء المؤلفون بدون إبداء ملحوظة ولا فكرة من عندي. ولو اعترض عليَّ بأن هذه الكتب ليس منها ثمرة الآن لقلت:
تعلم السحر ولا تعمل به العلم بالشيء ولا الجهل به
فلا يتوهمن القارئ حينئذ أن مرادنا ظلم الأمة اليهودية، أو طلب استعمال القسوة معها، أو تحريم ديانتها، أو منعها من إقامة شعائر دينها، كلا ثم كلا، فإنا نعلم أن الديانة الإسرائيلية أصل الديانات المنزلة، وكل إنسان حرٌّ أن يعتنق الدين الذي يعتقد أنه الحقيقي، فإن الله خول له ذلك حيث لم تتعلق إرادته تعالى بجعل الناس أمة واحدة { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ - وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ } (يونس:99-100)
لكل امرئ شأن تبارك من برا وخص بما قد شاء كلا من الورى
ولو شاء كان الناس أمة واحدة ولم تلق يوماً منهم قط منكرا(1/13)
خلق الله الإنسان خاتمة خلقه، وسلطه على كل الخليقة، وجعلها خادمة له تقدم له من أنواع الخدمة بأسرها مما تتداوله الأيدي أو تنظره الأعين. ولكن ذهب الغرور بالتلموديين في الأعصر الخالية، فتصوروا أن أنفسهم من طينة أرفع من طينة باقي العالم، وأن بقية نوع الإنسان الذين لم يعتنقوا الديانة الإسرائيلية خدم لهم كغيرهم من الحيوانات الغير العاقلة. ولما كانوا يخفون تعاليمهم ومبادئهم، ولم يروا لهم ضداًّ ذا بال يردعهم عن أفعالهم الوحشية، طمحوا في تيه ضلالهم حتى خيل لهم أن ما في السماوات والأرض مخلوق لهم، ونصبوا أنفسهم آلهة، لأنهم كانوا يعتقدون أن لهم القدرة على تحليل يمين الله وعدم حنثه بها، وأنه (عز شأنه) جاء أمراً فريًّا لما جعل الأمة اليهودية تعيسة، وأنه يبكي وينوح حيث صرح بهدم بيت المقدس { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } (الإسراء:43) واستبدت الحاخامات فلا شريعة لهم سوى مرادهم، ولا قانون يردعهم سوى هواهم، فأمروا بسوء معاملة باقي الشعوب، وقتل أولادهم، واستنزاف دمهم وثروتهم، واعتبارهم بصفة حيوانات غير متفكرة. وبالجملة فكانوا يتصرفون فيهم تصرف المالك في ملكه، وسموهم: الأجانب، والوثنيين.
فاتبع بعض اليهود في ذلك الوقت هذه الخطة الوخيمة، وقست قلوبهم (فهي كالحجارة أو أشد قسوة، وإن من الحجارة لما يتفجر منها الأنهار، وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما يعملون).(1/14)
وإذا أردت بياناً وإيضاحاً أزيد من ذلك فأقول لك إنهم ارتكبوا جملة من الذبائح البشرية ليحصلوا على دم يدعون أنه نافع لهم، وتأمر ديانتهم باستعماله وقد جاء في التاريخ أنه تكرر ارتكاب هذا الفعل الفظيع حتى أنه في 24 يونيو (حزيران) سنة 1240 (هـ) صار عقد جلسة حافلة في سراي الملك لويس التاسع في باريس تحت رئاسة الملكة (بلانش). وكان القصد من هذه الجلسة الفحص عما ادُّعي به على اليهود من الأمور المنكرة. ومن جملتها استنزاف الدم البشري حملاً على اعتقاداتهم الدينية وما جاء في تلمودهم. وهنالك أعطيت الحرية المطلقة لبني إسرائيل بالمدافعة عن أنفسهم وعن تلمودهم. ولما لم يتمكنوا من إخفاء حقيقة ما نسب إليهم أقروا به، وقد تحصل وقتئذ من ترجمة نصوص تلمودهم ما يعتقدون به وهو:
(أن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين الزفت والنار، وأن أمه أتت به من العسكري (باندارا) بمباشرة الزنى، وأن الكنائس النصرانية بمقام قاذورات، وأن الواعظين فيها أشبه بالكلاب النابحة، وأن قتل المسيحي من الأمور المأمور بها، وأن العهد مع مسيحي لا يكون عهداً صحيحاً يلتزم اليهودي القيام به، وأنه من الواجب ديناً أن يلعن ثلاث مرات رؤساء المذهب النصراني وجميع الملوك الذين يتظاهرون بالعداوة ضد بني إسرائيل).
ورغماً عن كل ذلك لم تحكم الحكومة وقتئذ بإضرار اليهود، بل اكتفت بإتلاف وإحراق ما وجد من نسخ التلمود.(1/15)
أما الذبائح البشرية فقد ذكرت في جملة كتب: منها ما قاله المؤرخ اليهودي (يوسيفوس) الشهير المولود في سنة 37 مسيحية، وتوفي في رومية سنة 95 متكلماً عن (انطيوخيوس) الرابع الملقب (بابي غان) فاتح مدينة أورشليم والذي تبوأ تخت الملك سنة 174 قبل المسيح، قال إن هذا الملك اليوناني لما دخل المدينة المقدسة وجد في أحد محلات الهيكل رجلاً يونانياً كان اليهود قد ضبطوه وسجنوه بمكان وكانوا يقدمون له أفخر المأكولات حتى يأتي يوم يخرجون به لإحدى الغابات حيث يذبحونه، ويشربون دمه، ويأكلون شيئاً من لحمه، ويحرقون باقيه، وينثرون رماده بالفلاء. وكان هذا السجن لأجل أن يعملوا بشريعة لا يجوز عندهم مخالفتها، وهي أن يأخذوا في كل سنة يونانياً، وبعد أن يطعموه أفخر المآكل ليسمن يعدونه لإتمام الوصية، وأن هذا المسجون استرحم من الملك أن ينقذه فأنقذه.
وهذه الذبائح منها ما ارتكب في الشرق ومنها ما ارتكب في الغرب. وقد ذكرت بالتفصيل في كتاب (فرنسا اليهودية)، و(صراخ البريء) وجملة كتب أخرى نقل عنها مؤلف (صراخ البريء) فلنضرب عنها صفحاً لأنه ليس في الإعادة إفادة، ومن أراد مراجعتها فعليه بهذين الكتابين يرى عجائب وغرائب. غير أننا نخص بالذكر منها واقعة قتل (هنري عبد النور)، وواقعة قتل الأب توما وخادمه إبراهيم عمار، لأن الواقعة الأولى هي التي بسببها صار تأليف كتاب صراخ البريء، والثانية هي التي حصلت بسببها التحقيقات التي سنذكرها إن شاء الله.
ـ 1 ـ
جاء عن الواقعة الأولى في كتاب صراخ البريء ما يأتي:
فُقِدَ نهار الاثنين في سابع نيسان الساعة التاسعة ونصف بعد الظهر (هنري عبد النور) أحد أولاد الطائفة النصرانية من الأرمن الكاثوليك في دمشق، وله من العمر ست سنوات. وفي الحال أرسل أهله للتفتيش عليه في بيوت الأقارب والمعارف، وبعثوا من نشده في جميع أحياء المدينة سواد ليلتهم فلم يقفوا له على أثر.(1/16)
وفي الغداة توجهت أم الغلام ووالدتها إلى منزل والي الولاية (مصطفى عاصم باشا) واتهمت عنده بعض اليهود فأنكروا أن يكونوا فعلوا ذلك. وأمر معاونه، فسار إلى رئيس الشحنة وأخبره أن الوالي أمر بالتفتيش على الغلام المفقود. وبعد مضي أحد عشر يوماً زعموا أنهم قضوا في البحث والتنقيب أمر رئيس الشحنة معاونه أن يفتش في منزل الفقيد ففعل، وأنزل إلى بئر كان هناك مَن بحث فيه، وفي بئر أحد المنازل المجاورة. ثم انتقل فجأة وتخطى عدة بيوت إلى بئر مجهول في مأوى عجلات إلى جانب الثكنة الشاهانية عند فوهة حارة اليهود، ولما دخلوه تقدم أحد الشحنة إلى فم البئر وكان مغطى بلوح خشب عليه حجارة ضخمة ولا يقوي الرجل الواحد على حملها، واستروح رائحة وقال: يغلب على ظني أن الغلام في هذا البئر. ثم جاؤوا بمن نزل إليه، ولما وصل إلى نصفه صرخ فأطلعوه واستخبروه، فقال في البئر شيء لا أدري أغلام هو أم هرة ؟ فطيروا الخبر بذلك إلى طيار باشا وفوزي باشا رئيس الشحنة ومعاون المدعي العمومي (وكانوا في انتظارهم رجماً بالغيب وأخذاً بالوحي!!) فحضروا وأمروا بإخراج تلك (الهرة المنتنة) من البئر وأرسلوا فأخبروا والدة الفقيد وسألوها أولاً وثانياً: هل تعلم أن هذا الغلام غلامها ؟ ثم أحضروا معاون طبيب البلدة وقالوا له أن يدقق ليعلم إن كان الغلام وجد في البئر مختنقاً على أثر سقوطه أم لا ؟ قالوا والدليل على ذلك أن كان بجانب البئر عجلة صغيرة ففي غالب الظن أنه أراد ركوبها فسقط عنها في البئر (ولو كان مغطى كما ذكرنا ! ) ولما استفاض الخبر بوجدان الولد اجتمع خمسون رجلاً من اليهود وذهبوا يبشرون الوالي، ثم عادوا وأمروا في المساء أن تزين منازلهم. وأُلقي القبض على أصحاب مأوى العجلات، فأقروا بعد الاستنطاق (التحقيق) أنه حضر إليهم ليلتهم البارحة الساعة الثامنة نفر من اليهود معهم كيس زعموا أنه فيه زاداً لهم، وطلبوا إليهم عجلتين إلى دمّر (منتزه بعيد عن(1/17)
المدينة). قالوا ولما ذهبنا لإعداد العجلتين دخل بعضهم إلى حيث كان البئر، ثم خرجوا ورجعوا من حيث أتوا ادعاء أننا تأخرنا في الإعداد. فلما رأى أولياء الحكم أن في هذا الإقرار دليلاً كافياً لتأثيم بعض اليهود تَهددوهم إن لم ينكروا الأمر خيفة القلق، لحينما تصل الحكومة لمعرفة الصحيح تأكيداً، ففعلوا خشية ورهبة. وكان أهل الفقيد قد طلبوا أن تستدعى الأطباء إلى تشريح الجثة، فحضر منهم من نظر فيها وأمر بحفظها في المستشفى العسكري تحت الختم، وأجلت ساعة التشريح إلى الغد في 22 نيسان الساعة الرابعة.
وفي الغد قرأ الأطباء أسماء من عين منهم للتشريح وهم نحو العشرين طبيباً بين عسكريين وملكيين، وانصرف الباقون. ولما شرعوا في فحص الثياب وجدوا أن الحذاء اليمين كان في الرجل اليسرى وبالعكس، والرداء ناقصاً قبة العنق والأكمام، والسروال مقلوباً أمامه إلى الوراء وبالعكس، وكذا الصدرية، والتكة من فتيل المصباح وقد كانت من نسيج مطرز، ورباط أحد الجوربين تحت الركبة والآخر متدلياً إلى أسفل وكلاهما من نسيج أسود حال كونهما كانا من الأربطة ذوات الإبزيم. وهذه الفروقات ظهرت أيضاً عند مقابلة حلة الذبيح بحلة أمثاله من تلامذة الراهبات العازبات لأن الغلام كان من أولاد مدرستهن.(1/18)
وأما ما لوحظ في الجثة عند التشريح فقد وجد عند الصدغ وجانب الرأس جلف ممتد إلى قرب العين. وكانت العضلات التي تحته رخوة مملوءة دماً. وكان على الأسنان تراب وطين وكذلك على طرف اللسان وكان بارزاً من بين الثنايا قليلاً. ورأوا على العضدين والفخذين بقعاً منتفخة حمرة احمراراً خفيفاً وهي ناشئة عن العَصْب لما قبض على الولد ليمنع من الحركة عند الاستنزاف. وكان على طرف اليد اليمنى عند موصل الكف بالساعد جرح صغير عرضي بجانب ثقب واصل إلى العرق المعروف بالأُسيلم ومنه استنزف الدم. ولما وقع خلاف بين يهودي من الأطباء وسائرهم في شأن الجرح وزعم أنه (نخسة فارة) حقن بمحقنة فيها ماء ملون فسرى الماء في العرق صاعداً. وعند فتح الجمجمة لم يوجد فيها دم البتة، ولا أثر يقضي بخلاف الاستنزاف. وكذا في الرئتين والقلب. وكانت المعدة ملأى بأكل مختلف معه قطعة قضامى وجد مثلها في الحلق وفي الرئة أيضاً، وكانت خالية من الماء.
ولما علمت الحكومة بنتيجة هذا الفحص، وتأكد عندها أن الولد مستنزف دمه كما كانت تعلم. أمرت بكتم هذا الأمر، وأخفت أوراق الفحص، وأمرت الأطباء أن يقولوا أنهم لم يثبتوا في التشريح الاستنزاف، وأطلقوا بعد أن أوجبوا قطع اليد وحفظها للغد مراعاة (للخلاف الذي ذكرناه في الجرح). وفي الغد اجتمع العسكريون وحدهم وفتحوا الختم وغب أن تحققوا ثانية الاستنزاف من اليد طلبت أم الذبيح أن يدفعوها لها فأبوا وبادر صاحب (نخسة الفارة) المتطبب اليهودي، وقطعها بالسكين إرباً، وضمت إلى الجثة، ودفن الكل غلس يوم الخميس 24 نيسان خفية من الأهل والناس، وأقيم على القبر الخفر، ستة في النهار واثنا عشر في الليل حذار أن تسرق اليد. وكفى بهذه الخفارة دليلاً لصحة الاستنزاف إذا وهت بقية الدلائل.(1/19)
وفي هذا اليوم بعينه أرسل الوالي في طلب الأطباء (أيده الله) وقام فيهم خطيباً يذكرهم بما كتب على العلماء من وجوب إسعاف أولياء الحكم في كبح جماح الجهال وبث الراحة والسكينة، ثم نقم عليهم بما عزاه إليهم من إشاعة الاستنزاف، وأنكر انتدابهم للتشريح بعد أن كان قد دعاهم رسمياً، وتهددهم إن عادوا إلى مثل أقوالهم الملفقة !.
وهكذا انتهت هذه المذبحة البشرية وفصلت تلك الدعوى. وقد رثا صاحب صراخ البريء الفقيد بأشعار لا بأس من ذكرها وهي:
رثاء الذبائح
ولداه يا ولداه، بعدك بلوتي ما العيش غير تحسر وتندم
أخذ اليهود وحيد أحشائي وقد سفكوا دماه بجنح ليل مظلم
ولداه لما صرت تصرخ باكياً أهل القلوب عليك لم تتألم
ولداه لما صحت ويلي قائلاً: أماه، كيف ندا البري؟ لم يعلم
يا ظالمون، أما سمعتم قوله: أماه، لولا الظلم لم أتظلم
يا ظالمون، أما نظرتم خوفه وسقوط أدمعه بلون العندم
إن الصخور إذا رأت وجه البري …يتحول الصخر الأصم إلى فم
كي يندب المذبوح ندب تحسر ويقول يا ربي، لما لم تنقم؟
ولداه كأس الموت ذقت معذباً فلما بعدل حميدنا لم تحتم
أماه ما من سامع لتضرعي وخزوا يدي بآلة لم ترحم
فصرخت حين رأيت دمي سائلاً ولتي القساوة علة لم أعلم
يا أيها الحاخام، أرجعني إلى أمي وأهلي ليس ينفعكم دمي
لم يسمع القاسي الصراخ وإنما زاد العذاب بضرب سوط مؤلم
وتقدموا مثل الذئاب إلى خروف منهم قد ذاق طعم العلقم
ناديت يا ربي أزل عني عذا بهم، فمن قولي لقد سدوا فمي
سأموت يا ولدي عليك كآبة فالله يعلم حسرتي وتألمي
هنري حبيبي أين أنت لعلني أطفي غليلي ساعة بتكلم
قد غبت يا ولداه عن عيني فما لي بالحياة، ومن يزيل تظلمي؟
هل ألقي الحزن الذي ألقي على رأسي على جبل ولم يتحطم؟
لا ذاقت الحيّات مثل مصيبتي كلا ولا فهم وما لم يفهم
ـ 2 ـ(1/20)
أما ما كان من أمر الأب توما وخادمه إبراهيم عمار فإني رأيت الناس كثيراً ما يتطلعون لمعرفة تفصيلات هذه الواقعة، والتحقيقات التي جرت فيها. ولكوني اطلعت على كل ذلك في كتاب (إشيل لوران) سآتيك بالخبر اليقين. غير أني قبل ترجمة تلك التحقيقات أقص عليك شذرات منها لتقف عليها على سبيل الإجمال، ويكون عندك في الذهن ما يساعدك على فهم محاضر التحقيق إن شاء الله.
اعلم أن مسألة قتل الأب توما الكبوشي وخادمه هي أهم مسألة حصلت من هذا القبيل. ولد هذا الرجل في (كجلياري) من (سردينيا) في إيطاليا نحو سنة /1780/ وسمي فرنسوا انطوان. فدخل رهبنة الكبوشية إذ كان له من العمر ثماني عشرة سنة، وكان ذلك في 15 يناير (كانون الثاني) سنة 1807 وبارح رومة مرسلاً لدمشق الشام حيث بقي فيها إلى يوم ذبح اليهود له سنة /1840/ فيكون هذا المرسل اشتغل بعمل الخير مدة ثلاث وثلاثين سنة مساعداً للإنسانية، عالماً غيوراً أديباً عفيفاً. وكان من أسخى الناس، رحيماً بالخلق، متعطفاً عليهم، محبوباً لكبيرهم وصغيرهم، عطوفاً على شريفهم ووضيعهم، كريم الأخلاق حسن الصحبة. وكان قد تعلم فن الصيدلة (الإجزاجية) وطالع في الكتب الطبية فكان يعالج المرضى في دمشق الشام مجاناً، سواء كانوا من المسلمين أو النصارى أو اليهود. وكان على الخصوص ماهراً بصناعة التطعيم ضد الجدري. فخدم البشرية خدمة تليق أن يحفظ له ذكر على صفحات قلوب محبي الخير العام. وكان الناس يأتون إليه أفواجاً من الشام وجميع القرى المجاورة لها. وكان رحمه الله يميل جداً نحو الطائفة الإسرائيلية متأملاً استجلابها إلى الدين المسيحي كما كان يعرب عن أفكاره بذلك مراراً. وكان جميع الناس على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم وطبقاتهم يعتبرون هذا الرجل ويوقرونه ويكرمونه كثيراً. ومن جملة أفعاله المشكورة تمسكه بالحق. فإن رجلاً جاءه يوماً طالباً منه أن يعقد له زواجاً على امرأة، فعلم الأب توما بأن طلب الرجل غير(1/21)
قانوني فرفضه. فعاد الرجل إلى غرفته واستل سيفه، وطلب إلى الكبوشي أن يجيز له الزواج مع تلك المرأة وإلا يعدمه الحياة ! ففي الحال جثا الأب توما على ركبتيه، وأحنى عنقه للسيف قائلاً: الموت أفضل لي من مخالفة الناموس.. فأثر هذا الكلام بالرجل البربري، فترك القسيس وانطلق نادماً على ما فعل.
ولما حل وباء الهواء الأصفر في دمشق، وفتك بسكانها فتكاً ذريعاً كان الأب توما تقدم على المرضى، ويقدم لهم كل ما يحتاجون إليه من المساعدات الروحية والجسدية، فاكتسب محبة الجميع. حتى أن دولة الوالي شريف باشا وقتئذ أمر خدمه أن يسمحوا للأب توما بالدخول إلى دائرته في كل مرة يأتيها. بل وأجاز له الدخول إلى الحرم مع أن العوائد الشرقية لا تسمح بذلك. فهذا ما يثبت الثقة التي كان مستحصلاً عليها الأب توما في دمشق.(1/22)
وفي مساء اليوم الخامس عشر من شهر فبراير (شباط) سنة /1840/ طُلب الأب توما لحارة اليهود بقصد تطعيم ولد وقاية من الجدري فلبى الدعوة في الحال. ولما شاهد أن الولد المطلوب لأجله مريض وفي درجة الخطر لم ير إجراء التطعيم موافقاً، فرجع لديره. وكان بالقرب من بيت الولد المريض دار (داود هراري). وكان هذا الرجل معدوداً من أتقى اليهود في الشام. وكان النصارى يبالغون في اعتباره وتوقيره وإكرامه، حتى أنهم كانوا يقولون عنه يهودي نصراني صالح. وكان داود هراري صديقاً للأب توما فلما رآه ماراً أمام داره استدعاه للدخول فلبى الأب دعوته، ودخل فوجد هناك أخا داود، وعمه، واثنين من عظماء اليهود. فلما صار في إحدى الغرف أُغلق الباب، وانقض جميع الحاضرين عليه كالذئاب الكاسرة، ووضعوا على فمه منديلاً، وربطوا يديه ورجليه، ثم نقلوه إلى غرفة بعيدة عن مطل الشارع، وألقوه هناك إلى أن أظلم الليل، وأخذوا في الاستعدادات اللازمة لذبحه! فلما جاء حضرة الحاخام استدعوا حلاقاً اسمه سليمان، وأمروه أن يذبح القسيس. فخاف هذا الرجل وامتنع عن الإقدام على العمل. فجاء الرجل التقي بين اليهود، داود هراري صديق الأب توما نفسه، وأخذ السكين ونحره !!
ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب والناس بين مخاتل وموارب
يغشون بينهم المودة والصفا وقلوبهم محشوة بعقارب(1/23)
ولكن يد هذا الصديق أخذت ترتجف فتوقف عن إكمال العمل، فجاء في الحال أخوه هارون لمساعدته. ومن الغريب أن يكون هذا الأخ المساعد اسمه هارون، فإن هارون كان يساعد أخاه موسى في عمل الخير، وهارون هذا ساعد أخاه في عمل الشر، فقال موسى { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي } (القصص:34) ، أي يبين لهم عني ما أكلمهم به فإنه يفهم عني ما لا يفهمون. ولكن هذه سنة الله في عباده { مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } (لأعراف:178)
وكان سليمان الحلاق قابضاً لحية الأب توما. وكان الحاضرون يتناولون الدم في إناء ثم يضعونه في زجاجة بيضاء، أرسلت فيما بعد إلى الحاخام باشي يعقوب العنتابي.
وبعد أن تمت تصفية دم الذبيح على هذه الحالة نزعوا ثيابه عن جثته وأحرقوها، ثم قطعوا الجسد قطعاً، وسحقوا العظام بيد الهاون، وطرحوا الجميع في أحد المصارف المجاورة لمنزل موسى أبي العافية. وظنوا أنهم بهذه الواسطة قد دفنوا الحادثة في قبر عميق! ولكن الدم البريء يصرخ إلى الله كصراخ دم هابيل عندما قتله قايين (قابيل) أخوه. فلما طال وقت رجوع الأب توما إلى ديره قلقت أفكار خادمه إبراهيم عمار. وبما أنه كان عالماً بتوجه معلمه لحارة اليهود جاء إليها يسأل عنه، فدخل دار داود هراري وسأل من كان فيها عن سيده، فأدخلوه منزل بعض المتهمين، وذبحوه كما ذبحوا معلمه! وسيأتي عليك تفصيل ذلك إن شاء الله.
وكان الأب توما دعي لوليمة عند طبيب والي دمشق في /16/ فبراير (شباط) سنة /1840/ ولكنه لم يذهب في الميعاد المحدد لسبب فقده قبل ذلك اليوم وعدم رجوعه إلى الدير وجرى البحث عليه إذا ذاك بدون فائدة.(1/24)
أما كشف الحادثة فكان على الصورة الآتية وهو أنه في صباح اليوم الثاني /16/ فبراير جاء الذين كانت عادتهم الحضور لسماع قداس الأب توما. فمن حضر منهم أولاً ظن أنه نائم، ومن حضر أخيراً حسب أن القداس انتهى والقسيس خرج لأشغاله، مع ان بعضهم قرع الباب فلم يجاوبه أحد. وبعضهم قال أنه شاهد الأب توما عشية أمس متوجهاً لحارة اليهود. فقلقت أفكارهم فاعلموا الباقين بالأمر فوقع بين الشعب هيجان وسار البعض إلى سراي الحكومة وطلبوا الفحص والتدقيق عن هذا الأب.
واشتغل قنصل فرنسا بهذه القضية وأعطاها ما تستحقه من الأهمية، فظهر أثناء التحقيق أن الحلاق اليهودي دعي ليلاً عند التاجر اليهودي هراري، فنظر الأب توما مكتفاً ومطروحاً على الأرض، ثم جرى ما جرى كما سلف. وعند وجود الجثة عثر أيضاً على قطعة من الطاقية التي كان يلبسها الراهب وهي معروفة في كل دمشق، واعترف إذ ذاك سبعة من المتهمين قائلين: إنه قبل الواقعة بأيام أخبرهم الحاخام باشي (أي رئيس الحاخامين) أنه يلزم الاستحصال على دم بشري لاستعماله في عيد الفصح القريب، فأجابه داود هراري أنه سيستحصل على ذلك ولو كلفه من الأموال ما لا يعد. وكان المتهمون وقت اعترافهم محبوسين في حبس الانفراد واعترافاتهم جاءت مطابقة لبعضها، وبواسطتها صار الاستكشاف على الجثة وعلى بعض الملابس، ولم تستعمل القسوة معهم قبل الاعتراف كما زعم (بتشوتو) الذي هو أحد المتهمين المنتمي إلى دولة النمسا. وكان هذا الزعم لأجل تهديد السلطة الحاكمة والتخلص من التهمة التي كانت موجهة قبَله. كيف لا وأجوبته كلها كانت مبنية على هذا الزعم. وقد هدد أيضاً (بحري بك) الوالي المسيحي في أثناء التحقيق كما ستراه. وكل ما حصل من التهديدات لشريف باشا أثناء تحقيقه كان يسطر في محضر وعندما يتم أمر في ذلك يحيط به قنصل النمسا التابع له هذا المتهم.(1/25)
وبعد أن تمت التحقيقات ثبتت التهمة ضد المتهمين، وتوفي في أثناء المحاكمة اثنان منهم كما سنذكره، ونال العفو أربعة لأنهم أقروا بالحقيقة، وحكم على العشرة الباقين بالإعدام.
ومن ضمن الذين صدر عنهم العفو حاخام يسمى موسى أبو العافية اعتنق الدين الإسلامي وتلقب بمحمد أفندي.
وقد كاد أن ينفذ هذا الحكم لولا أن قنصل فرنسا رأى أن يعرض أوراق القضية على دولتلو المغفور له إبراهيم باشا الذي كان وقتئذ قائداً للجيوش المصرية لكي يصدق عليها. ففي أثناء تلك المدة هاج يهود أوروبا وماجوا واغتنموا الفرصة فضاعفوا الوسائط الفعالة، وبذلوا الدرهم الرنان لإطفاء نيران الحادثة، والتحصل على عفو عن المحبوسين، وقيل أنهم قدموا 20.000 قرش إلى وكالة فرنسا و 500.000 لأحد المحامين.
ولكن لما خاب مسعاهم وطاح عملهم وثبتت التهمة وصدر الحكم، سافر اثنان من عظمائهم هما (كراميو، ومويز مونتيفيوري)، منتدبان من قبل جمعية الاتحاد الإسرائيلي لإنقاذ المحكوم عليهم. فوصلا مصر ورفعا عريضة لصاحب الدولة المغفور له محمد علي باشا التمسا بموجبها إعادة النظر في الدعوى وتخليص المتهمين. فقبل دولته التماسهما مراعاة للظروف، وأصدر العفو عن المجرمين إجابة لاسترحام عموم الشعب الإسرائيلي كما سنذكره إن شاء الله في محله.
وكل ذلك نشأ عن المعاهدة التي بين اليهود في السراء والضراء وهي التي تكلم عنها إدوارد ريمون في كتابه فرنسا اليهودية حيث قال:(1/26)
(إن قوة اليهود حاصلة من المعاهدة التي بينهم: فكل اليهود متعاهدون طبقاً لشروط جمعية الاتحاد الإسرائيلي. وقد اتخذوا رمزاً يفيد ذلك الاتحاد وهو يدان مشتبكتان تحت إكليل. وكل اليهود محافظون على قواعد ذلك الاتفاق والاتحاد بكل دقة. فلا غرابة إذا من تسلط اليهود بواسطة هذه المعاهدة على المسيحيين المساكين الذين لا يعرفون غير محبة من والاهم. وإني ليعجبني هذه الصفة المتطبعة في ذهن المسيحي ألا وهي محبة الموالي، فهو لا يدري غيرها، ولأجلها يصرف دراهمه وأوقاته وقلبه وعقله محبة للغير بدون أن يطلب على ذلك أجرة ولا بديلاً.(
فينتج عن ذلك أن المسيحيين يفتحون ذراعيهم ويرحبون بالمنكوبين ويساعدونهم ويحبونهم. ولكنهم لا يجتمعون ولا يعقدون جمعيات اتحاد كجمعية الاتحاد الإسرائيلية. ولحسن طويتهم لم يصطفوا صفوفاً لمقاومة اليهود والمدافعة عن أنفسهم، فلا عجب إذا تغلب عليهم اليهودي بواسطة الهجوم على كل واحد منهم بمفرده, وهذا هو ما يفعلونه عادة، لأنهم لما يريدون أن ينهبوا أموال تاجر يتفقون على طريقة مؤدية لتفليس ذلك المسكين، وهي إما أن يتحصلوا على رفيقة يهودية تسلبه الأموال وتوصله إلى الدمار، وإما أن يحضر له أحد النصارى المنتمين لجمعياتهم ويستميله للاشتغال في الأمر الذي يقول له أنه يعود عليه بالنفقة، وهو يغشه في الأول ببعض من المكسب، لأنه كما قيل: بحسن السبك قد ينفي الزغل. ثم لا تمضي مدة إلا وينتهي ذلك إلى العار والخراب، ولا يقتصرون على ذلك بل ربما يتسلطون على كاتب من الكتاب بالسكر وارتكاب المنكر حتى ينتهي إلى الهلاك والجنون! فلو اجتمع هؤلاء المنكودو الحظ لمقاومة اليهود الذين اتفقوا على خرابهم، لخلصوا من هذه الورطة وقاوموا العدو، ولكنهم بغاية الأسف يهلكون ولم يشعروا بيد العدو التي تقبض على أرواحهم(1/27)
فبواسطة هذه المعاهدة التي بين اليهود حضر اثنان من عظمائهم كما ذكرنا ومنعا تنفيذ الحكم على المتهمين وهكذا انتهت هذه الواقعة أيضاً.
ولم يكفهم ذلك أنهم لما رأوا أن هذه القضية ستكون نقطة سوداء في تاريخ الشام أعدموا الكتاب المسطرة فيه هذه الوقائع وأرخوا عليها سدول الظلماء.
هذا ولما كتب المؤرخ لوران مسألة الأب توما قال في المقدمة ما معناه:
( إما أن يكون اليهود أبرياء مما اتهموا به من سفك الدماء في الأزمان الغابرة والمتأخرة، وإما أن تكون تلك التهمة ثابتة فلنصرخ صراخاً واحداً ولنقم قومة واحدة نحن المسيحيين والمسلمين واليهود الفلاسفة لنعدم هذه الاعتقادات الفاسدة ونسلق أهل التلمود بألسنة حداد).
وعلى أي الأحوال فخذ الكتاب أيها القارئ اللبيب واقرأ باسم ربك، وبعدها احكم بما يتراءى لك.
وقبل عرض مسألة قتل الأب توما وخادمه إبراهيم عمار عليك ابتدئ بترجمة بعض فصول من كتاب الدكتور روهلنج المسمى (باليهودي على حسب التلمود) كما وعدتك، لتعرف كيف كانت اعتقادات الأمة اليهودية، وتقف على تلمودها وعوائدها ومبادئها. وتفهم كيف ختم الله على قلوب هؤلاء القوم وجعل على أبصارهم غشاوة، حتى أنهم فتكوا بصاحبهم الرجل التقي البريء وهم لا يشعرون بفساد ما يفعلون.
وإني قد سلكت في ترتيب هذا الكتاب وتبويبه مسلكاً يقربه للفهم مع المحافظة على طريقة ترتيبه الأصلي لعدم ضياع الثمرة المقصودة.
هذا ولما كان الكتاب مشتملاً على أسماء أعجمية تشتمل على حروف ليست من لغة كتابنا ولا اصطلاح أوضاعنا اضطررنا إلى وضع تلك الأسماء بين هلالين لتسهيل قراءتها.
وهذا الكتاب الذي أردت نشره يشتمل على قسمين:
(القسم الأول) يختص بكتاب الدكتور روهلنج المسمى باليهودي على حسب التلمود.
والثاني يختص بقضية قتل الأب توما وخادمه إبراهيم عمار، وما فيها من التحقيقات، وهي مترجمة عن كتاب اشيل لوران المسمى بالمسائل التاريخية عما جرى في سورية سنة 1840.(1/28)
الدكتور يوسف نصر الله
مصر
القسم الأول
كتاب الدكتور (روهلنج) عن عقائد اليهود بحسب التلمود
تمهيد
جمع الدكتور روهلنج كتابه المسمى (اليهود على حسب التلمود) وبين فيه معتقدات بني إسرائيل بغاية التفصيل، وطبع في باريس بعد ترجمته باللغة الفرنساوية بمعرفة مارتيني.
أما الدكتور (روهلنج) فهو مدرس في مدرسة (براج). فمن قراءة هذا الكتاب يمكنك أن تقف أيها القارئ العزيز على كل ما يختص بالقواعد التلمودية وما كانوا يصفون به العزة الإلهية تعالى الله عما يشركون. ويمكنك أن تعرف منه سبب عدم تقدم هذه الأمة التعيسة وعدم تمدنها. فهي كما جاء عن أفرادها (1)[1] { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } فلا تراهم مشغولين إلا بنهب أموال العالم التي يقولون أنها تعلقهم ولهم الحق في استردادها بأي طريقة كانت، ولو بالنهب والسرقة وارتكاب المنكر، نعوذ بالله من الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، المبشرين بعذاب أليم { يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } .
الكتاب الأول
في معلومات عموميات
الفصل الأول
(التلمود)
شروحات التلمود ـ ما يحتوي عليه ـ حيل الحاخامات التي يستعملونها لإخفاء تعاليمهم عن المسيحيين ـ طبعات التلمود المختلفة.
__________
(1) يلحظ أن المترجم حقوقي ذو ميول أدبية. ومع أنه مسيحي كثيراً ما يستشهد بآيات قرآنية كما هنا. [1](1/29)
أخذ الربيون (1)[2] والحاخامات تعاليمهم ومبادئهم عن الفرّيسيين الذين كانوا متسلطين على الشعب أيام المسيح، يحضونه على اتباع ظواهر شريعة موسى، ويحفظون لأنفسهم تفسير التقليدات المتصلة إليهم.
وبعد المسيح بمائة وخمسين سنة خاف أحد الحاخامات المسمى (يوضاس) أن تلعب أيدي الضياع بهذه التعاليم، فجمعها في كتاب أسماه (المشنا).
وكلمة مشنا ، معناها الشريعة المكررة لأن شريعة موسى المرصودة في الخمسة كتب التي كتبها مكررة في هذا الكتاب. أما الغرض من المشنا فهو إيضاح وتفسير ما التبس في شريعة موسى، وتكملة الشريعة على حسب ما يدعون.
وقد زيد في القرون التالية على كتاب المشنا الأصلي شروحات أخرى صار تأليفها في مدارس فلسطين وبابل.
ثم علق علماء يهود على المشنا حواشي كثيرة، وشروحات مسهبة دعوها باسم (غاماراة). فالمشنا المشروحة على هذه الصورة مع الغاماراة كونت التلمود فكلمة التلمود معناها: كتاب تعليم ديانة وآداب اليهود.
وهذه الشروحات مأخوذة عن مصدرين أصليين:
(أحدهما) المسمى بتلمود أورشليم، وهو الذي كان موجوداً في فلسطين سنة /230/.
(وثانيهما) تلمود بابل، وهو الذي كان موجوداً فيها سنة /500/ بعد المسيح ولا يحتوي على أقل من أربع عشرة ملزمة. وهو تارة يكون بمفرده وأخرى مضافاً مع المشنا وتلمود بابل. وهو المتداول بين اليهود والمراد عند الإطلاق (2)[3]
__________
(1) الربيون جمع ربي أو رابي وهم المشتغلون بالدين من أحبار اليهود.
(2) وتلمود بابل هو الذي كتب في الأسر الكبير وفي زمن القهر وتسلط الآشوريين على اليهود وضياع الكثير من أصول التوراة ولذلك جاء محرفاً وناقماً على الإنسانية أجمع.(1/30)
ويوجد في نسخ كثيرة من التلمود المطبوع في المائة سنة الأخيرة (أي في القرن التاسع عشر) بياض أو رسم دائرة بدلاً عن ألفاظ سب في حق المسيح والعذراء والرسل (عليهم الصلاة والسلام أجمعين) كانت مذكورة في النسخ الأصلية. ومع ذلك لم تخل من طعن في المسيحيين. فإنه يستفاد من الشروحات أن كل ما جاء في التلمود بخصوص باقي الأمم غير اليهودية كلفظ (أميين، أو أجانب، أو وثنيين) المراد منها المسيحيون.
ولما اطلع المسيحيون على هذه الألفاظ هالهم الأمر، وتذمروا ضد اليهود فقرر المجمع الديني لليهود وقتئذ في مدينة بولونيا سنة 1631(م) أنه من الآن فصاعداً تترك محلات هذه الألفاظ على بياض أو تعوض بدائرة على شرط أن هذه التعاليم لا تعلم إلا في مدارسهم فقط فيشرحون للتلميذ مثلاً أن المسيحيين مجبولون على الخطايا ولا يجب استعمال العدل معهم ولا محبتهم أصلاً !!
وقال المحامي (هارت روسكي) أنه يوجد كثير من اليهود لم يطلعوا على التلمود ولم يعلموا ما فيه. ولكن من اطلع عليه منهم يعتقد أنه كتاب منزَّل (1)[4]، ويبذل الجهد في نشر قواعده المضرة بين أبناء جنسه، وهؤلاء يبجلونها ويستعملونها في الغالب.
__________
(1) وهكذا أحل الجهلة والمتعصبون هذه الشروحات التاريخية محل التوراة الأصلية التي وإن كان فيها هي الأخرى الكثير من التخريف إلا أن الأصل فيها هو أنها كتاب الله المنزل.(1/31)
وقد اعتني بطبع التلمود طبعات مختلفة. والمستعمل منها هي النسخ التي طبعت منها في مدينة البندقية وهي الطبعة الكاملة. أما ما طبع منها في مدينة (أمستردام) في سنة /1644/م، وفي (سلزباج) سنة /1769/م، وفي (فارسوفيا/ سنة /1863/م وفي مدينة (براغ) سنة /1839/م فكلها مشطورة وما لم يذكر من الألفاظ السالفة الذكر إلا في النسخ المطبوعة في مدينة البندقية يشيرون إليه في باقي النسخ بلفظ (بند)، أي ما هو محذوف في هذه النسخة موجود في النسخ المطبوعة في مدينة البندقية، فعليك بمراجعتها (1)[5] .
الفصل الثاني
التلمود هو من الكتب المنزلة عند اليهود
التلمود عند اليهود أفضل من التوراة ـ عصمة الحاخامات عن الخطأ ـ كل ما قالوه يعتبر كأقوال إلهية ـ حمار الحاخامات.
يعتبر اليهود التلمود من قديم الزمان كتاباً منزلاً مثل التوراة، ما عدا بعض المعاندين، فإنه لا يعتقد ذلك بالطبع. ولكن إذا أمعن الإنسان نظره في اعتقاداتهم يتحقق أنهم يعتبرونه أعظم من التوراة ! كيف لا وجاء في صحيفة من التلمود:
(إن من درس التوراة فعل فضيلة لا يستحق المكافأة عليها، ومن درس (المشنا) فعل فضيلة استحق أن يكافأ عليها، ومن درس (الغامارة) فعل أعظم فضيلة).
وجاء في كتاب (شاغيجا):
(من احتقر أقوال الحاخامات استحق الموت، دون من احتقر أقوال التوراة، ولا خلاص لمن ترك تعاليم التلمود واشتغل بالتوراة فقط لأن أقوال علماء التلمود أفضل مما جاء في شريعة موسى).
__________
(1) يريد المترجم أن يقول أن طبعة البندقية كانت هي الطبعة الكاملة ثم هذبت باقي الطبعات المطبوعة في القرون التالية فإذا وصلوا إلى مكان فيه عبارة تنال من غير اليهود وتحرجهم أمام الشعوب التي يعيشون بينها فإنهم قد تواطؤوا على حذف تلك العبارات وأن يضعوا مكانها الأحرف (بند) المختصرة من لفظة بندقية وهو تطوير لقرارهم السابق بأن يتركوا محل هذه الألفاظ بياضاً أو أن يضعوا دائرة.(1/32)
وقد جاءت أقوال الحاخامات وعلماء اليهود مطابقة لهذا المبدأ فقال العالم بشاي: (لا يلزم أن تختلط بمن يدرس التوراة والمشنا دون الغامارة).
وجاء في التلمود أن أشعيا النبي هو الذي قسم أبوابه وفصوله (أشعيا 6.33) وأن الحديث مساو لشريعة موسى
وجاء أيضاً:
(إن التوراة أشبه بالماء، والمشنا أشبه بالنبيذ، والغامارة أشبه بالنبيذ العطري، والإنسان لا يستغني عن الثلاثة كتب المذكورة كما أنه لا يستغني عن الثلاثة أصناف السالفة ذكرها. وبعبارة أخرى: شريعة موسى مثل الملح، والمشنا مثل الفلفل، والغامارة مثل البهار، فلا يمكن الإنسان أن يستغني عن واحد من هذه الأصناف).
وقال الحاخام (روسكي) المشهور: (التفت يا بني إلى أقوال الحاخامات أكثر من التفاتك إلى شريعة موسى).
وجاء في أحد كتبهم المسمى (الهمار) وهو شرح على التوراة:
(إن الإنسان لا يعيش بالخبز فقط والخبز هو التوراة بل يلزمه شيء آخر وهو أقوال الله كقواعد وحكايات التلمود).
وجاء في التلمود ما معناه:
(قد أعطى الله الشريعة على طور سينا، وهي التوراة، والمشنا، والغامارة، ولكنه أرسل على يد موسى الكليم التلمود شفاهياً، حتى إذا حصل فيما بعد تسلط أمة أخرى على اليهود يوجد فرق بينهم وبين باقي الوثنيين، وجاءت شريعة التلمود شفاهية لأنها لو كتبت لضاقت عنها الأرض).
ولكننا نستنتج مما جاء في التلمود وأقوال الحاخامات أنه ليس من الكتب المنزلة كما يعتبر اليهود ذلك، لجملة أسباب، منها:
أولاً ـ يثبت ذلك ما يحتويه من التعاليم. والحاخامات كلهم متساوون ولم يكونوا رسلاً مكلفين بتبليغ رسالة من قبل الله.
ثانياً ـ اليهود يعتقدون أن لكل الحاخامات سلطة إلهية، وكل ما قالوه يعتبر أنه صادر من الله.
يقول الرابي مناحم، كباقي الحاخامات:
(إن الله تعالى يستشير الحاخامات على الأرض عندما توجد مسألة معضلة لا يمكن حلها في السماء)!!
وذكر في التلمود:(1/33)
(إن الحاخامات المتوفين مكلفون بتعليم المؤمنين في السماء).
وجاء في كتاب يهودي اسمه (كرافت) مطبوع في سنة 1509:
(اعلم أن أقوال الحاخامات أفضل من أقوال الأنبياء. وزيادة على ذلك يلزمك اعتبار أقوال الحاخامات مثل الشريعة لأن أقوالهم هي قول الله الحي فإذا قال لك الحاخام أن يدك اليمنى هي اليسرى وبالعكس فصدق قوله ولا تجادله فما بالك إذا قال لك إن اليمنى هي اليمنى واليسرى هي اليسرى).
وقال أحد علماء اليهود المسمى (ميمانود) المتوفي في أوائل القرن الثالث عشر (مخافة الحاخامات هي مخافة الله).
وقد جاءت العبارات الآتية في التلمود، وهي:
(من يجادل حاخامه أو معلمه فقد أخطأ، وكأنه جادل العزة الإلهية)!!
وقال الحاخام مناحم في أقوال الحاخامات المتناقضة لبعضها :
(إنها كلام الله مهما وجد فيها من التناقض! فمن لم يعتبرها، أو قال إنها ليست أقوال الله فقد أخطأ في حقه تعالى).
وذكر في كثير من كتب اليهود :
(إن أقوال الحاخامات المناقضة لبعضها منزلة من السماء، ومن يحتقرها فمثواه جهنم وبئس المصير).
والحاخامات الذين ألفوا التلمود يأمرون بالطاعة العمياء لهم، ويدعون أن ما جاء في التلمود من التناقض بين أقوال الحاخام (هلال) والحاخام (شماي) صادر كله من الله ولو أن هذين الحاخامين لم يتفقا على لفظة مهمة أو غير مهمة. وقد حصلت مشاحنة يوماً ما بين حاخامين أحدهما يدعى الرابي (شايا) والثاني (بار كبارة)، وحلف كل منهما أن أحد الحاخامات قال كيت وكيت مما ادعوه، ولم يفصل في الخلاف الواقع بينهما. فجاء الحاخام (روسكي) وقال (إن الحاخامين المذكورين قالا الحق لأن الله جعل الحاخامات معصومين من الخطأ)!!
وجاء في التلمود (صفحة/74):(1/34)
)إن تعاليم الحاخامات لا يمكن نقضها ولا تغييرها ولو بأمر الله !! وقد وقع يوماً الاختلاف بين الباري تعالى وبين علماء اليهود في مسألة، فبعد أن طال الجدال تقرر إحالة فصل الخلاف إلى أحد الحاخامات الرابيين، واضطر الله أن يعترف بغلطه بعد حكم الحاخام المذكور)
وهذه العصمة لا تختص فقط بالحاخامات بل لكل ما بتعلق بهم أيضاً فقيل (إن حمار الحاخام لا يمكن أن يأكل شيئاَ محرماً)!!
وجاء في أحد كتبهم، حلا لمسألة مهمة، وهي حيث أنه يوجد في الكتب أقوال مناقضة لبعضها فكيف يعرف الإنسان الحقيقة ؟ فأجيب عن ذلك يما يأتي:
(كل هذه الأقوال هي كلام الله فافتح أذنيك مثل القمع واسمع، وليكن عندك قلب يفرق بين ما هو مباح لك وما هو محظور عليك تلك الأقوال معناها العربي: افعل ما شئت إذا تمكنت من ذلك. فإذا أراد أحد الربيين مثلاً أن يتمسك بالحقيقة والعدالة فلك أن تخالفه في قوله وتتبع قولاً آخر مناقضاً له، لأن الأقوال المناقضة لأقواله هي من كلام الله أيضاً. ولذلك ذكر في التلمود بأفصح عبارة: إن الإنسان مهما كان شريراً في الباطن وأصلح في ظواهره يخلص)!!
لنبحث الآن في أقوال الحاخامات الذين يعتبرون أنفسهم معصومين من كل خطأ وأن أقوالهم هي أقوال الله
---
الكتاب الثاني ـ فساد الدين
الفصل الأول
العزة الإلهية على حسب التلمود
ماذا يصنع الله في السماء ـ الحوت وزوجته ـ خطيئة الله وندمه وسبع الاي سبب الزلازل على الأرض ـ تخطئة القمر لله ـ نقائص أخرى لله.
قال التلمود:
(إن النهار اثنتا عشرة ساعة: في الثلاث الأولى منها يجلس الله ويطالع الشريعة. وفي الثلاث الثانية يحكم. وفي الثلاث الثالثة يطعم العالم. وفي الثلاث الأخيرة يجلس ويلعب مع الحوت ملك الأسماك).
وقال مناحم:
(إنه لا شغل لله في الليل غير تعلمه التلمود مع الملائكة ومع (اسموديه) ملك الشياطين في مدرسة في السماء ثم ينصرف (اسموديه) منها بعد صعوده إليها كل يوم).(1/35)
والحوت كبير جداً يمكن أن يدخل في حلقه سمكة طولها /300/ فرسخ بدون أن تضايقه. وبالنسبة لحجمه الكبير رأى الله أن يحرمه زوجته، لأنه إن لم يفعل ذلك لامتلأت الدنيا وحوشاً أهلكت من فيها. ولذلك حبس الله الذكر بقوته الإلهية. وقتل الأنثى، وملحها وأعدها لطعام المؤمنين في الفردوس.
ولم يلعب الله مع الحوت بعد هدم الهيكل، كما أنه من ذلك الوقت لم يمل إلى الرقص مع حواء بعد ما زينها بملابسها، وعقص لها شعرها. وقد اعترف الله بخطئه في تصريحه بتخريب الهيكل، فصار يبكي ويمضي ثلاثة أجزاء الليل يزأر كالأسد قائلاً:
(تباً لي لأني صرحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي. وشغل الله مساحة أربع سنوات فقط بعد أن كن ملء السماوات والأرض في جميع الأزمان! )
ولما يسمع الباري تعالى تمجيد الناس له يطرق رأسه ويقول:
(ما أسعد الملك الذي يمدح ويبجل مع استحقاقه لذلك. ولكن لا يستحق شيئاً من المدح الأب الذي يترك أولاده في الشقاء) (1)[1]
أما سبع (الاي) الذين يشبهون زئير الله بزئيره فهو سبع غابة (الاي) الذي أراد أن ينظره إمبراطور رومية، ولما أحضر إليه، ووصل على بعد أربعمائة فرسخ زأر مرة زئيراً حصل منه ضجة سقطت منها النساء الحبالى، وهدمت منها أسوار رومية، ولما وصل على بعد ثلاثمائة فرسخ زأر مرة أخرى فوقت أضراس أهل رومية، ووقع الإمبراطور على الأرض من فوق عرشه مغشياً عليه، وطلب بعد إفاقته أن يرد حالاً ذلك السبع إلى محله!!
يندم الله على تركه اليهود في حالة تعاسة حتى أنه يلطم ويبكي كل يوم فتسقط من عينيه دمعتان في البحر فيسمع دويهما من بدء العالم إلى أقصاه، وتضطرب المياه، وترتجف الأرض في أغلب الأحيان فتحصل الزلازل!!
__________
(1) يقصدون بالعبارة أنفسهم وأنهم الذين تركهم الله في الشقاء ولذلك حسب تعبيرهم تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً هو لا يستحق المدح(1/36)
وأما تخطئة القمر لله فإنه قال له: أخطأت حيث خلقتني أصغر من الشمس. فأذعن الله لذلك واعترف بخطئه، وقال: اذبحوا لي ذبيحة أكفر بها عن ذنبي لأني خلقت القمر أصغر من الشمس.
وليس الله على حسب ما جاء في التلمود معصوماً من الطيش، لأنه حالما يغضب يستولي عليه الطيش، كما حصل ذلك منه يوم غضب على بني إسرائيل وحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية. ولكنه ندم على ذلك بعد ذهاب الطيش منه، ولم ينفذ ذلك اليمين، لأنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة !!
وجاء في التلمود:
( إن الله إذا حلف يميناً غير قانونية احتاج إلى من يحله من يمينه وقد سمع أحد العقلاء من الإسرائيليين الله تعالى يقول: من يحللني من اليمين التي أقسمت بها ؟ ولما علم باقي الحاخامات أنه لم يحلله منها اعتبروه حماراً، لأنه لم يحلل الله من يمينه. ولذلك نصبوا ملكاً بين السماء والأرض اسمه (مي) لتحليل الله من أيمانه ونذوره عند اللزوم)!!
وكما حصل لله أن يحنث في يمينه فقد كذب أيضاً بقصد الإصلاح بين إبراهيم وامرأته سارة. وبناء عليه فيكون الكذب حسناً سائغاً لأجل الإصلاح.
وأن الله هو مصدر الشر كما أنه مصدر الخير، وأنه أعطى الإنسان طبيعة رديئة وسن له شريعة لولاها لما كان يخطئ، وقد جبر اليهود على قبولها فينتج من ذلك أن داود الملك لم يرتكب بقتله (لاوريا)، وبزناه بامرأته خطيئة يستحق العقاب عليها منه تعالى، لأن الله هو السبب في كل ذلك.
الفصل الثاني
الملائكة
أصل الملائكة ـ وظائفهم المختلفة ـ حسدهم لليهود
الملائكة قسمان: من لا يطرأ عليه الموت، وهو الذي خلق في اليوم الثاني. ومن يطرأ عليه الموت، وهو قسمان أيضاً:
من يموت بعد مكثه زمناً طويلاً قدر له فيه الحياة بأجله وهو الذي خلق في اليوم الخامس.
ومن يموت في يوم خلقه بعد أن يرتل لله، ويقرأ التلمود، ويسبح التسابيح، وهو الذي خلق من النار. وقد أهلك الله منهم جيشاً جراراً بواسطة إحراقه بطرف إصبعه الخنصر.(1/37)
ويخلق الله كل يوم ملكاً جديداً عند كل كلمة يقولها. فهؤلاء الملائكة يأتون إلى عالم الوجود بسرعة كما يخرجون منه.
أما وظائفهم فمنهم من وظيفته حفظ الأعشاب التي تنبت في الأرض، وهم واحد وعشرون ألفاً بعدد أنواع الأعشاب كل واحد يحفظ النوع الذي نيط به.
ومنهم الملك (جركيمو) للبرد. وميخائيل للنار وإنضاج الأثمار.
ويوجد جملة من الملائكة أخرى معروفة أسماؤهم لدى الحاخامات، بعضهم مخصص بالخير، وبعضهم بالشر وبعضهم لبث المحبة والصلح. وبعضهم لحفظ الطيور والأسماك والحيوانات المتوحشة. وبعضهم مختص بصناعة الطب، وبعضهم لمراقبة حركة الشمس والقمر والكواكب.
وقال الحاخام ميمانود (الأجرام السماوية هي صالحو الملائكة ولذلك تراهم يعقلون ويفهمون)!!
وتشتغل الملائكة ليلاً ببث النوم في الإنسان. وتصلي لأجله نهاراً، ولذلك يلزمنا أن نطلب منها ما نريد.
غير أن الملائكة لا تفهم اللغة السريانية ولا الكلدانية. فعلى من يطلب منها شيئاً أن لا يوجه إليها الخطاب بإحدى هاتين اللغتين.
وتجهل الملائكة هاتين اللغتين لسبب مهم وهو أنه يوجد لدى اليهود صلاة عديمة المثال يصلونها باللغة الكلدانية. وجاء في التلمود أن الملائكة يجهلون هذه اللغة حتى لا يحسدوا اليهود على صلاتهم.
وعلى حسب رواية أخرى تفهم الملائكة جميع اللغات غير أنها تكره هاتين اللغتين كراهية كلية، ولا تسمع من يطلب منها شيئاً بهما.
الفصل الثالث
تاريخ الشياطين
أصل الشياطين ـ علاقات آدم مع نساء الشياطين ـ وعلاقات حواء مع الشياطين الذكور ـ رؤساء الشياطين ـ وظائفهم وسكنهم على الأرض ـ شجر البندق وقرون الثور والجنازات الخ ـ التلمود والسحر
خلق الله الشياطين يوم الجمعة عندما خيم الغسق ولم يخلق لهم أجساداً ولا ملابس، لأن يوم السبت كان قريباً وما كان لديه الوقت الكافي ليعمل كل ذلك!!
وعلى حسب رواية أخرى لم يخلق لهم أجساداً عقاباً لهم، لأنهم كانوا يريدون أن يخلق الإنسان بدون جسد.(1/38)
والشياطين على جملة أنواع فبعضهم مخلوق من مركب مائي وناري، وبعضهم مخلوق من الهواء، وبعضهم من الطين. أما أرواحهم فمخلوقة من مادة موجودة تحت القمر لا تصلح إلا لصنعها.
وبعض الشياطين من نسل آدم لأنه بعد ما لعنه الله أبى أن يجامع زوجته حواء حتى لا تلد له نسلاً تعيساً، فحضر له اثنتان من نساء الشياطين فجامعهما فولدتا شياطين.
وجاء في التلمود: أن آدم كان يأتي شيطانة مهمة اسمها (ليليت) مدة 130 سنة فولد منها شياطين.
وكانت حواء لا تلد في هذه المدة إلا شياطين بسبب نكاحها من ذكور الشياطين. والشياطين على حسب التلمود يتناسلون ويأكلون ويشربون ويموتون مثله.
وأمهات الشياطين المشهورات أربع استخدمهن سليمان الحكيم بما كان له عليهن من السلطة، وكان يجامعهن.
قال التلمود: إن إحدى هؤلاء النسوة امرأة الشيطان المسمى (شماعيل) تذهب مع بناتها في مقدمة مائة وثمانين ألف شيطان بصفة رئيسة عليهم ليضروا الناس في ليلتي الخميس والسبت. و(ليليت) السابق ذكرها عصت آدم زوجها فعاقبها الله بموت أولادها، فهي تنظر كل يوم مائة من أولادها يموتون أمامها. ومن ذلك الحين تعهدت أن لا تقتل أحداً من الأطفال التي لها عليهم سلطة إذا تليت عليهم ثلاثة أسماء من أسماء الملائكة. هذا وهي دائماً تعوي كالكلاب ويصحبها مائة وثمانون ملكاً من الأشرار، ويوجد شيطانة أخرى من الأربع المذكورات دأبها الرقص بدون أن تستريح وهي تصحب معها مائة وتسعاً وسبعين روحاً شريرة.
وبحسب التلمود، يولد الآن من بني آدم كل يوم جملة من الشياطين ولكن لا نقص عليك تفصيل ذلك محافظة على الآداب.
ويقدر الإنسان في بعض الأحوال أن يقتل الشياطين إذا أجاد في صناعة فطير الفصح (1)[2]. وقد تسبب نوح في حياة بعضهم لأنه أخذهم معه في السفينة.
__________
(1) وهو الفطير الذي يدعون أنه يجب أن يصنع من دم غير يهودي مسيحي أو مسلم لإتمام نسكهم التعبدية !!(1/39)
أما محل سكن الشياطين فقال الحاخامات: إن بعضهم يسكن في الهواء، وهم الذين يسببون الأحلام للإنسان. وبعضهم يسكن في قاع البحر، وهم الذين يتسببون في خراب الأرض إذا تركوا وشأنهم. وبعضهم يسكن في أجسام اليهود المتعودين على ارتكاب الخطايا.
وعلى حسب التلمود يحب الشيطان الرقص بين قرون ثور خرج من المياه. وهو مغرم أيضاً بالرقص بين النسوة اللاتي يرجعن من دفن ميت.
ويحب (الشيطان)[5] أن يوجد بجانب الحاخامات، لأن الأرض الجافة تحتاج إلى المطر ويحب شجر البندق، والنوم تحت هذه الأشجار خطر لوجود شيطان على كل ورقة من أوراقها.
يسكن جبال الشرق المظلمة ثنتان من الشيطانات المشهورات اسمهما (آذا، وآذيل) وهما اللتان علمتا السحر (لبلعام، وأيوب، ويوترو) وكان يحكم الملك سليمان على الطيور والشياطين بواسطتهما وكانتا السبب في حضور بلقيس إليه.
وبسبب كثرة الشياطين لا ينبغي للإنسان أن ينفرد في المحلات البعيدة، بل يلزمه أن يجتنب الخروج مدة تزايد الهلال أو نقصانه. وعليه أن لا يحيي أحداً بتحية ليلاً، لأنه من المحتمل أن يكون قد وجه السلام لشيطان. وعلى كل شخص أن يغسل يديه في الفجر لأن الروح النجسة تستريح على الأيادي النجسة.
وساوس علماء التلمود التي من قبيل ما ذكرناه كثيرة فلا ننتهي منها إذا ذكرناها كلها. ويوجد عندهم كتب مخصوصة بهذه الوساوس. ويعتقدون أن التلمود من كتب السحر، وقال معلم السحر (اليفاس ليفي) اليهودي: (إن التلمود أول كتاب سحري). والآن فلنكتف بذكر بعض عبارات جاءت في التلمود تثبت ما قدمناه:
جاء في التلمود (سنهدرين ص / 2 ما): إن أحد مؤسسي ديانة التلمود كان في إمكانه أن يخلق رجلاً بعد أن يقتل آخر. وكان يخلق كل ليلة عجلاً عمره ثلاث سنوات بمساعدة حاخام آخر وكانا يأكلان منه معاً وكان أحد الحاخامات أيضاً يحيل القرع والشمام إلى غزلان ومعيز (سنهدرين ص/ 70).(1/40)
وكان الرابي (نياي) يحول الماء إلى عقارب وقد سحر يوماً ما امرأة وجعلها حمارة، وركبها ووصل عليها إلى السوق (سنهدرين 67.2).
وكان إبراهيم الخليل (عليه السلام وحاشاه) يتعاطى السحر ويعلمه. وكان يعلق في عنقه حجراً ثميناً يشفي بواسطته جميع الأمراض، فوصل هذا الحجر لبعض الحاخامات التلموديين، وكان بقوته هو وباقي رفقائه يقيمون الموتى!! وحصل أن أحد الحاخامات قطع مرة رأس حية ثم لمسها بالحجر المذكور فإذا هي حية تسعى. وقد لمس أيضاً به جملة أسماك مملحة فدبت فيها الروح بقوة السحر!!
الفصل الرابع
(الأسرار)
خلق آدم وحواء ـ الملك عوج ـ طوله وحادثته مع النمل ـ كيف مات وما صنع إبراهيم بعظامه.
قال الحاخام (فابيوس) المولود في مدينة ليون ( جنوب فرنسا) ضمن خطبة ألقاها على الشعب يوم عيد رأس السنة اليهودية سنة 1842:
(إن الدين اليهودي أفضل من جميع الأديان لأنه لا يحتوي على أسرار وكل تعاليمه معقولة، بخلاف الدين المسيحي فإن قواعده مبنية على الجنون).
وها قد طالعت أيها القارئ كثيراً من القواعد التلمودية المطابقة للعقل كما يدعى (فابيوس)!! ولكني سأزيد من ذلك وأوفي لك الكيل، وأشرح لك كيفية خلق آدم وحواء كما صورها التلمود، فأقول:
أخذ الله تراباً من جميع بقاع الأرض وكونه كتلة، وخلقها جسماً ذا وجهين، ثم شطره نصفين فصار أحدهما آدم والثاني حوّاء. وكان آدم طويلاً جداً فكانت رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، وإذا نام كان رأسه في المشرق ورجلاه في المغرب (سنهدرين ص38.2).
وصنع الله لآدم طاقة ينظر منها الدنيا من أولها لآخرها, ولما عصى آدم نقص طوله حتى صار كباقي الناس.(1/41)
أما الملك عَوْج الذي ذكر اسمه في التوراة فسبب تسميته بهذا الاسم مقابلته مع إبراهيم الخليل حالما كان يخبز فطير الفصح المسمى باللغة العبرانية (العجة). وتخلص هذا الملك من الغرق في زمن الطوفان لأنه مشى بجانب سفينة نوح حيث كان الماء بارداً. وأما في الجهات الأخرى فكان وصل إلى درجة الغليان.
وكان الملك عَوْج يتغدى كل يوم بألفي ثور، ومثلها من الطيور، ويشرب ألف صاع تقريباً من الماء!!
ومن أخباره أنه لما اقترب من عاصمة جيش وعلم أن جيش بني إسرائيل الجرار الذي يشغل مسافة ثلاثة فراسخ من الأرض اقتلع جبلاً مساحته ثلاثة فراسخ، وحمله على رأسه، وذهب لمقابلته! فسلط الله على الجبل نملاً كانت تقرضه بأسنانها حتى حفره حفراً موصلاً لرأس الملك، فسقط الجبل حول عنقه على هيئة طوق. فانتهز موسى الفرصة وأحضر معه بلطة طولها عشرة أذرع، وقفز في الهواء بعلوّ عشرة أذرع، وضرب الملك على عرقوبه فقضى عليه!!
وجاء مع ذلك في محل آخر من التلمود: أن الملك عَوْج صعد إلى السماء حياً. وذكر في صحيفة أخرى أن الرابي (يوحانان) وجد مرة عظمة ساق ميت، فمشى بجوارها ثلاث ساعات ولم ينته لآخرها، وكانت هذه عظمة ساق الملك عَوْج!
وجاء في التلمود أيضاً أن إبراهيم الخليل كان غداؤه مقدار غداء أربعة وسبعين شخصاً، وشربه بقدر شربهم، ولذلك كانت قوته قوة أربعة وسبعين شخصاً. وكان قصيراً بالنسبة إلى الملك عَوْج. ومما يحكى عن الملك عَوْج أنه خلع له ضرس، فأخذه إبراهيم واستعمله سريراً لينام عليه.
الفصل الخامس
(أرواح اليهود والنصارى)
أصل الأرواح ـ الفرق بين روح اليهودي وروح شخص آخر ـ تناسخ الأرواح والسبب الذي لأجله وجد.
خلقت كل الأرواح في الستة أيام الأولى للخليقة، ووضعها الله في المخزن العمومي للسماء، ويخرج منها عند اللزوم، أي كلما حملت امرأة ولداً.(1/42)
وخلق الله ستمائة ألف روح يهودية، كما جاء في التلمود، لأن كل فقرة في التوراة لها ستمائة ألف تأويل، وكل تأويل يختص بروح من هذه الأرواح!
وفي كل يوم سبت تتجدد عند كل يهودي روح جديدة على روحه الأصلية، وهي التي تعطيه الشهية للأكل والشرب. وتتميز أرواح اليهود عن باقي الأرواح بأنها جزء من الله كما أن الابن جزء من والده.
ومن ثم كانت أرواح اليهود عزيزة عند الله بالنسبة لباقي الأرواح، لأن الأرواح غير اليهودية هي أرواح شيطانية وشبيهة بأرواح الحيوانات.
وذكر في التلمود: أن نطفة غير اليهودي هي كنطفة باقي الحيوانات. وبعد موت اليهودي تخرج روحه وتشغل جسماً آخر، فإذا مات أحد الجدود مثلاً تخرج روحه وتشغل أجسام نسله الحديثي الولادة. وكان لقايين ثلاثة أرواح الأولى دخلت في جسد (قورش)، والثانية في جسد (جترو)، والثالثة في المصري الذي قتله موسى.
ودخلت روح (يافث) في جسد شمسون، وروح (ثار) في أيوب، وروح حواء في اسحاق، وروح رحاب القهرمانة في (هيبر)، وروح (صبائيل) في (هبلي)، وروح اشعيا في يسوع، كما قال الحاخام باشي (اباربانيل)، وذكر في التملود: أن اشعيا كان قاتلاً وزانياً.
أما اليهود الذين يرتدون عن دينهم بقتلهم يهودياً فإن أرواحهم تدخل بعد موتهم في الحيوانات أو النباتات، ثم تذهب إلى الجحيم وتعذب عذاباً أليماً مدة اثني عشر شهراً، ثم تعود ثانياً وتدخل في الجمادات، ثم في الحيوانات ثم في الوثنيين، ثم ترجع إلى جسد اليهود بعد تطهيرها.
أما هذا التناسخ فقد فعله الله رحمة باليهود، لأنه سبحانه وتعالى أراد أن يكون لكل يهودي نصيب في الحياة الأبدية.
---
الفصل السادس
(الجحيم والنعيم)
النعيم لليهود ـ ماذا يأكلون ويشربون هناك ـ الجحيم لباقي الأمم
قال التلمود: النعيم مأوى الأرواح الزكية. وقد وضع إلياس يوماً ما جبة أحد الحاخامات هناك فتعطرت من أوراق الشجر، وبقيت فيها تلك الرائحة العطرية، وبسببها كانت تساوي 300 فرنك!!(1/43)
ومأكل المؤمنين في النعيم هو لحم زوجة الحوت المملحة كما علمت (1)[1]. ويقدم لهم أيضاً على المائدة لحم ثور بري كبير جداً كان يتغذى بالعشب الذي ينبت في مائة جبل.
ويأكلون أيضاً لحم طير كبير لذيذ الطعم جداً، ولحم إوز سمين للغاية. أما الشراب فهو من النبيذ اللذيذ القديم المعصور ثاني يوم خليقة العالم!! (سنهدرين ص 8).
ولا يدخل الجنة إلا اليهود. أما الجحيم فهو مأوى الكفار ولا نصيب لهم فيه سوى البكاء لما فيه من الظلام والعفونة والطين. ويوجد في كل محل منه زيادة على ذلك: ستة آلاف صندوق، في كل صندوق منها ستة آلاف برميل ملأى من الصبر.
والجحيم أوسع من النعيم ستين مرة لأن الذين لا يغسلون سوى أيديهم وأرجلهم كالمسلمين (2)[2]، والذين لا يختنون كالمسيحيين الذين يحركون أصابعهم (يفعلون إشارة الصليب) يبقون هناك خالدين.
الفصل السابع
(المسيح وسلطان اليهود)
ماذا يعنون بهذه الكلمات ـ ماذا يعطي المسيح لليهود وماذا تصير باقي الأمم ـ أوصاف المسيح الحقيقي
ينتظر اليهود وبفارغ الصبر الزمن الذي سيظهر فيه المسيح. ولكن من هو هذا المسيح المنتظر؟
قال التلمود:
(لما يأتي المسيح تطرح الأرض فطيراً وملابس من الصوف وقمحاً حبه بقدر كلاوي الثيران الكبيرة. وفي ذلك الزمن ترجع السلطة لليهود، كل الأمم تخدم ذلك المسيح وتخضع له. وفي ذلك الوقت يكون لكل يهودي ألفان وثمانمائة عبد يخدمونه، وثلاثمائة وعشرة أعوان تحت سلطته!! ولكن لا يأتي المسيح إلا بعد انقضاء حكم الأشرار (الخارجين عن دين بني إسرائيل).
__________
(1) انظر ما تقدم في الفصل الأول من الكتاب الثاني تحت عنوان (فساد الدين).
(2) يظهر أن الحاخام الذي أدخل هذه الفرية في جملة خرافات التلمود لك يكن يعلم أن المسلمين يوجب عليهم دينهم أن يغتسلوا من الجنابة غسلاً عاماً لجميع البدن(1/44)
يجب على كل يهودي أن يبذل جهده لمنع استملاك باقي الأمم في الأرض حتى تبقى السلطة لليهود وحدهم، لأنه يلزم أن يكون لهم السلطة أينما حلوا، فإن لم يتيسر ذلك لهم يعتبروا بصفة منفيين وأسارى.
وإذا تسلط غير اليهود على أوطان اليهود حق لهؤلاء أن يندبوا عليها ويقولوا يا للعار ويا للخراب. ويستمر ضرب الذل والمسكنة على بني إسرائيل حتى ينتهي حكم الأجانب. وقبل أن تحكم اليهود نهائياً على باقي الأمم يلزم أن تقوم الحرب على قدم وساق ويهلك ثلثا العالم، ويبقى اليهود مدة سبع سنوات متوالية يحرقون الأسلحة التي اكتسبوها بعد النصر. وحينئذ تنبت أسنان أعداء بني إسرائيل بمقدار اثنين وعشرين ذراعاً، خارجاً عن أفواههم!!
وتعيش اليهود في حرب عوان مع باقي الشعوب منتظرين ذلك اليوم. وسيأتي المسيح الحقيقي ويحصل النصر المنتظر، ويقبل المسيح وقتئذ هدايا كل الشعوب، ويرفض هدايا المسيحيين.
وتكون الأمة اليهودية إذ ذاك في غاية الثروة لأنها تكون قد تحصلت على جميع أموال العالم. وذكر في التلمود أن هذه الكنوز ستملأ (سرايات) واسعة لا يمكن حمل مفاتيحها وأقفالها على أقل من ثلاثمائة حمار.
وترى الناس كلهم حينئذ يدخلون في دين اليهود أفواجاً ويقبلون كلهم ما عدا المسيحيين، فإنهم يهلكون لأنهم من نسل الشيطان.
(ويتحقق منتظر الأمة اليهودية بمجيء إسرائيل، وتكون تلك الأمة هي المتسلطة على باقي الأمم عند مجيئه).
هذا ما ينطق به التلمود. ولكن هذه الأوهام قلب لحقائق الأمور نشأ من تخيلاتهم الكاذبة، كما قلبوا الحقيقة في المسيح حال حياته، وآذوه بسبب تحمله. ومن سبهم فيه أنهم جعلوه صنماً، وتفوهوا بذلك علناً في البلاد المسيحية.
وإنه لمن الأمور المستغربة أن يباح لليهود في البلاد المسيحية وصفهم للمسيح علناً بأنه صنم ولد من الزنا!!
---
الكتاب الثالث
فساد الآداب
الفصل الأول
(القريب)(1/45)
قريب اليهودي هو اليهودي فقط ـ باقي الناس حيوانات في صورة إنسان هم حمير وكلاب وخنازير ـ يلزم بغضهم سراً ـ قاعدة النفاق الجائزة
جاء في التلمود: أن الإسرائيلي معتبر عند الله أكثر من الملائكة. فإذا ضرب أميٌّ (1)[1] إسرائيلياً فكأنما ضرب العزة الإلهية.
ويعتقد اليهود ما سطره لهم حاخاماتهم من أن اليهودي جزء من الله، كما أن الابن جزء من أبيه، { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِم } ، ولذلك ذكر في التلمود أنه: إذا ضرب أمي إسرائيلياً فالأمي يستحق الموت (سنهدرين ص 2 و 58)، وأنه لو لم يخلق الله اليهود لانعدمت البركة من الأرض، ولما خلقت الأمطار والشمس، ولما أمكن باقي المخلوقات أن تعيش.
والفرق بين درجة الإنسان والحيوان هو بقدر الفرق الموجود بين اليهود وباقي الشعوب!
وجاء في تلمود أورشليم ص (94) أن النطفة المخلوق منها باقي الشعوب الخارجين عن الديانة اليهودية هي نطفة حصان.!
وقال الرابي(كرونير):
(لا فرق بين الأجنبي والخارج عن دين اليهود على حسب التلمود. والغريب هو الذي لا يختتن ولا فرق بينه وبين الوثني.)
وجاء في التلمود أن اليهودي يتنجس إذا لمس القبور وفاقاً للتوراة ما خلا قبور من عداهم من الأمم، إذ كانوا يعدونهم بهائم لا أبناء آدم (بياموت البند 6).
ويعتبر التلمود أيضاً الأجانب بصفة كلاب لأنه مذكور في سفر الخروج (12،16) أن الأعياد المقدسة لم تجعل للأجانب ولا للكلاب.
وقد نقل الرابي موسى بن نعمان هذه العبارة في كتابه فقال ترتبت الأعياد لكم، وليست للأجانب ولا للكلاب (صحيفة 50.4).
__________
(1) يريدون بالأمي كل من ليس يهودياً. فالأمي والأممي والكافر والأجنبي والغريب والوثني في اصطلاحهم سواء وهم حيوانات في صورة بشر !!(1/46)
وذُكر مثل هذه العبارة أيضاً في كتاب الحاخام (رشي) بخصوص عبارة سفر الخروج (12) التي ذكرت في نسخة طبعت في مدينة البندقية. وأما النسخ المطبوعة في مدينة (امستردام) فلم يذكر فيها عبارة (وليست للكلاب) .
وذكر في كتب أخرى: إن الكلب أفضل من الأجانب، لأنه مصرح لليهودي في الأعياد أن يطعم الكلب، وليس له أن يطعم الأجانب، وغير مصرح له أيضاً أن يعطيهم لحماً، بل يعطيه للكلب لأنه أفضل منهم!! (1)[2]
والأمم الخارجة عن دين اليهود ليست فقط كلاباً بل حمير أيضاً، وقال الحاخام (اباربانيل):
[الشعب المختار (أي اليهود) فقط يستحق الحياة الأبدية وأما باقي الشعوب فمثلهم مثل الحمير].
ولا قرابة بين الأمم الخارجة عن دين اليهود، لأنهم أشبه بالحمير، ويعتبر اليهود بيوت باقي الأمم نظير زرائب للحيوانات.
ولما قدم بختنصر ابنته إلى ابن (سيرا) ليتزوجها قال له هذا الأخير: إني من بني آدم ولست من الحيوانات.
وقال الرابي مناحم:
(أيها اليهود إنكم من بني البشر لأن أرواحكم مصدرها روح الله. وأما باقي الأمم فليست كذلك، لأن أرواحهم مصدرها الروح النجسة).
وكان هذا رأي الحاخام (اريل)، لأنه كان يعتبر الخارجين عن دين اليهود خنازير نجسة تسكن الغابات. ويلزم المرأة أن تعيد غسلها إذا رأت عند خروجها من الحمام شيئاً نجساً، ككلب أو حمار، أو مجنون، أو أميّ، أو جمل، أو خنزير، أو حصان، أو مجزم . والخارج عن دين اليهود حيوان على العموم، فسمه كلباً أو حماراً أو خنزيراً. والنطفة التي هو منها هي نطفة حيوان.
__________
(1) قارن هذا اللؤم والحقد على سائر البشر بقول رسول الإسلام محمد عليه السلام (في كل كبد رطبة أجر). أي في كل ما تطعمه جائعاً ذا كبد ثواب لك من الله تعالى دون تمييز بين مسلم أو غير مسلم. لأنه عمل إنساني(1/47)
وقال الحاخام (اباربانيل) المرأة غير اليهودية هي من الحيوانات. وخلق الله الأجنبي على هيئة الإنسان ليكون لائقاً لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا لأجلهم، لأنه لا يناسب لأمير أن يخدمه ليلاً ونهاراً حيوان وهو على صورته الحيوانية. كلا ثم كلا فإن ذلك منابذ للذوق والإنسانية كل المنابذة. فإذا مات خادم ليهودي أو خادمة، وكانا من المسيحيين، فلا يلزمك أن تقدم له التعازي بصفة كونه فقد إنساناً، ولكن بصفة كونه فقد حيواناً من الحيوانات المسخرة له!!
وعلى اليهودي أن لا يبالغ في مدح المسيحيين، ولا يصفهم بالحسن والجمال، إلا إذا قصد أن يمدحهم كما يمدح الإنسان حيواناً، لأن الخارج عن دين اليهود يشابه الحيوان!!
وكان الحاخام (ناتاتسون) المتوفى في مدينة (لمبرج) من مدة ثلاث سنوات ينصح اليهود بالكيفية الآتية:
( أنصحكم أن لا تتوجهوا إلى محلات التشخيص (التياترات) خصوصاً عندما يوجد فيها رقص، لأن ملابس الراقصات تستميلكم إلى الزنا، وجمالهن يستميلكم إلى الإطناب في مدحهن، مع أن ذلك ممنوع ومحرم).
فبناء على هذه القواعد لا يعتبر اليهود باقي الأمم كأقارب لهم، لأنه لا يمكن اعتبار الحيوان بصفة قريب للإنسان ويعتبر التلمود أن يسوع المسيح (عليه السلام) ارتد عن الدين اليهودي وعَبَد الأوثان!
ويعتبر اليهود الوثني الذي لا يتهود، والمسيحي الذي يبقى على دين المسيح، عدوّ الله وعدوّهم. يعتبر اليهود كل خارج عن مذهبهم غير إنسان، ولا يصح أن تستعمل معه الرأفة. ويعتقدون أن غضب الله موجه إليه، وأنه لا يلزم أن تأخذ اليهود شفقة عليه.
وذكر في كتاب التلمود (سنهدرين 1،92) (غير جائز أن تشفقوا على ذي جنة!! ).
وقال الرابي (جرسون):
(ليس من الموافق أن الرجل الصالح تأخذه الشفقة على الشرير).
وقال الحاخام (اباربانيل):
(ليس من العدل أن يشفق الإنسان على أعدائه ويرحمهم).
وجائز لبني إسرائيل على حسب التلمود أن يغشّوا الكفار، لأنه مكتوب:(1/48)
(يلزم أن تكون طاهراً مع الطاهرين ودنساً مع الدنسين)!!
وقال الرابي (اليعازر): (يتميز اليهودي عن باقي الأمم بأفعاله الصالحة[6] كما يتميز المغربي عن باقي الأمم بشكله وزيه).
محظور على اليهود تلمودياً أن يحيوا الكفار بالسلام ما لم يخشوا ضررهم وعدوانهم. فاستنتج من ذلك الحاخام بشاي: (إن النفاق جائز وإن الإنسان (أي اليهودي) يمكنه أن يكون مؤدباً مع الكافر ويدعي محبته كاذباً إذا خاف وصول الأذى منه إليه).
وذكر التلمود أنه جائز استعمال النفاق مع الكفار وهؤلاء الكفار هم كل الخارجين عن الدين اليهودي.
والحسنة والصدقة الصادرة من بني إسرائيل ترفع شأنهم وهي مقبولة لديه تعالى. وأما الصدقة الصادرة من بقية الأمم فهي خطاياهم لأنهم لا يفعلونها إلا كبرياء (برابنداول ص 10)
ويعتبر التلمود كل من لا يختتن من الوثنيين الأشرار الذين ليس لهم عقيدة دينية. وأما اختتان المسلمين فلا يمنعهم أن يكونوا كالباقين، لأنه ليس الختان الحقيقي!!
مصرح لليهودي إذا قابل أجنبياً أن يوجه له السلام، ويقول له (الله يساعدك أو يباركك) على شرط أن يستهزئ به سراً ويعتقد أنه لا يمكنه أن يفعل خيراً أو شراً.
مصرح لليهود أن يزوروا مرضى المسيحيين ويدفنوا موتاهم إذا خافوا وصول الضرر والأذى إليهم منهم!
وكان الرابي (كهانا) تعود أن يسلم على الأجانب بقوله: (الله يساعدك) غير أن سلامه كان مضمراً لسيده أو لمعلمه وليس للأجنبي . (1)[3]
الفصل الثاني
التملك والتسلط العموميان
__________
(1) وكان اليهود في المدينة يحرفون لفظ السلام عند دخولهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون السام عليكم بدل السلام عليكم والسام في العربية تعني الموت وكان رسول الله يفطن لذلك فيرد عليهم بقوله وعليكم.وفطنت لذلك مرة السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت لهم (بل عليكم السام واللعنة) فنهاها الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت له أو ما سمعت ما قالوا قال بل سمعت وقلت وعليكم(1/49)
أعطى الله الأرض لليهود ـ من أين تستنتج هذه القاعدة التي تجوّز لهم السلب والسرقة ـ تطبيق غريب لهذه القاعدة
حيث أن اليهود يعتبرون أنفسهم مساوين للعزة الإلهية فتكون الدنيا بما فيها تعلقهم (تخصهم)، ولهم عليها حق التسلط. ولذلك جاء في التلمود صراحة إذا نطح ثور يهودي ثور أميّ فلا يلتزم اليهودي بشيء من الأضرار، ولكن إذا كان الأمر بالعكس يلتزم الأميّ بجميع قيمة الضرر الذي حصل لليهودي (ص 36 غامارة). وذلك لأنه ذكر في التوراة أن الله سلط اليهود على الأجانب لما نظر أن أولاد نوح لم يحافظوا على السبع وصايا المعاطاة لهم، فأخذ أموالهم وسلمها لليهود.
وأولاد نوح على حسب التلمود هم الخارجون عن دين اليهود. أما اليهود فإنهم أولاد إبراهيم. وقال الرابي (البو): (سلط الله اليهود على أموال باقي الأمم ودمائهم) وجاء شرح ذلك في التلمود بالكيفية الآتية:
(إذا سرق أولاد نوح (أي غير اليهود) شيئاً، ولو كانت قيمته طفيفة جداً، يستحقون الموت، لأنهم قد خالفوا الوصايا التي أعطاها الله لهم. وأما اليهود فمصرح لهم أن يضروا الأميّ، لأنه جاء في الوصايا (لا تسرق مال القريب).
وقال علماء التلمود مفسرين هذه الوصية: إن الأمي ليس بقريب وإن موسى لم يكتب في الوصية (لا تسرق مال الأميّ) فسلب ماله لم يكن مخالفاً للوصايا.
وجاء زيادة على ذلك: (لا تظلم الشخص الذي تستأجره لعمل ما إذا كان من إخوتك). أما الأجنبي فمستثنى من ذلك).
وقد ضرب الرابي (عشي) مثلاً لذلك فقال: إني نظرت كرماً حاملاً عنباً، فأمرت خادمي أن يستحضر لي منه إذا ظهر أنه تعلق أجنبي، وأن لا يمسه إذا ظهر أنه تعلق يهودي.
وقال (ممياند) مفسراً لقوله تعالى (أي في الوصايا) (لا تسرق): إن السرقة غير جائزة من الإنسان أي من اليهود، أما الخارجون عن دين اليهود فسرقتهم جائزة !!(1/50)
وهذه القاعدة مطابقة لما قيل من أن الدنيا هي تعلق اليهود، ولهم عليها حق التسلط. فالسرقة من الأجانب ليست سرقة عندهم بل استراداً لأموالهم. فإذا قال الحاخام التلمودي لا تسرق يكون الغرض من ذلك عدم سرقة اليهودي. وأما الأجنبي فسرقته جائزة لأنهم يعتقدون أن أمواله مباحة، ولليهودي الحق في وضع اليد عليها.
وجاء في كتاب (الروسيا اليهودية ـ ص 119):
(إن الحكام اليهود يبيعون للأفراد الحق في سلب أموال أشخاص معينين من المسيحيين. وبعد حصول البيع يكون المشتري دون غيره من اليهود له الحق في عمل الطرق اللازمة لوضع يده على أموال ذلك المسيحي. فأموال ذلك المسيحي التي كانت مباحة تصبح ملكاً لذلك المشتري من وقت عقد البيع.
ويجوز تداخل يهودي آخر مع الأول بصفة شريك ليتفقا معاً على اللازم إجراؤه لاسترداد ذلك المال، لأن أموال الأميين مباحة ولكل يهودي الحق في وضع يده عليها)!!
وعلى اليهوديين المذكورين أن يقتسما ما يتحصلا عليه من الأموال، لأنه إذا اشترك اثنان من اليهود في سرقة أو غش أو نهب أحد الأجانب فالقسمة بينهما واجبة.
وقال العالم (ففنكرن):
أموال المسيحيين مباحة عند اليهود كالأموال المتروكة، أو كرمال البحر، فأول من يضع يده عليها يمتلكها!!
وجاء في التلمود أن مثل بني إسرائيل كمثل سيدة في منزلها: يستحضر لها زوجها النقود فتأخذها بدون أن تشترك معه في الشغل والتعب.
---
الكتاب الثالث ـ فساد الآداب
الفصل الثالث
(الغش)
القاعدة المتبعة في القضايا بين اليهود وغيرهم ـ معنى هذه الكلمات: (يجدف باسم الله) ـ أمثال ضربتها الحاخامات ـ يوم السبت.
قال التلمود: (مسموح غش الأميّ، وأخذ ماله بواسطة الربا الفاحش، لكن إذا بعت أو اشتريت من أخيك اليهودي شيئاً فلا تخدعه ولا تغشه)!!(1/51)
إذا جاء أجنبي وإسرائيلي أمامك بدعوى فإذا أمكنك أن تجعل الإسرائيلي رابحاً فافعل وقل للأجنبي هكذا تقضي شريعتنا (إذا حصل ذلك في مدينة يحكم فيها اليهود). وإذا أمكنك ذلك وفقاً لشريعة الأجنبي فاجعل الإسرائيلي رابحاً، وقل للأجنبي هكذا تقضي شريعتك. فإذا لم تتمكن من كلا الحالين (بأن كان اليهود لا يحكمون البلد، والشريعة الأجنبية لا تعطي الحق لليهودي فاستعمل الغش والخداع في حق هذا الأجنبي حتى تجعل الحق لليهودي)
وقال الرابي إسماعيل طبقاً لتعاليم الحاخام (اكيبا):
(يلزم اليهودي أن لا يجاهر بقصده الحقيقي، حتى لا يضيع اعتبار الدين أمام أعين باقي الأمم).
وقالت الحاخامات:
(إن من يضبط متلبساً بجنحة السرقة أو الكذب يضر بالدين ضرراً بليغاً. )
وقال الحاخام (رشي):
(مصرح لك أن تغش مفتش الجمرك الخارج عن الديانة اليهودية، وتحلف له يميناً كاذبة على شرط أن تنجح في ما لفقته من الأكاذيب).
واعترض عليه الرابي إسماعيل من مدينة (ناربونيا) قائلاً:
كيف يكون الكذب والخداع جائزين مع أن الحاخام (اكيبا) حرمهما لعدم الضرر بالدين؟ وأجاب عن ذلك بأن غرض (اكيبا) أن يجتهد اليهودي في أن يغش الأجنبي بدون ما يكتشف هذا الأخير أنه أدخل عليه الغش.
وجاء في التلمود:
(أن الرابي (صموئيل) أحد الحاخامات المهمين كان رأيه أن سرقة الأجانب مباحة وقد اشترى هو نفسه من أجنبي آنية من الذهب كان يظنها الأجنبي نحاساً، ودفع ثمنها أربعة دراهم فقط، وهو ثمن بخس، وسرق درهماً أيضاً من البائع)
واشترى (الرابي كهاناً) مائة وعشرين برميلاً من النبيذ ولم يدفع للأجنبي إلا ثمن مائة منها فقط !!
وباع أحد الربيين لأجنبي شجراً معداً للكسر ثم نادى خادمهُ وأمرهُ أن يكسر بعضها ويسرقه، لأن المشتري وإن كان يعرف عددها لكنه يجهل حجم كل قطعة منها.
وقال الرابي موسى (ونظر في ذلك إلى عواقب الأمور):(1/52)
إذا غلط أجنبي في حسبة فعلى اليهودي أن لا يغشه بل يقول له (لا أعرف) لأنه من الجائز أن يكون الأجنبي فعل ذلك عمداً لامتحان اليهودي وتجربته.
وقال الرابي (برنز) في كتابه المسمى (بودنيلج):
يجتمع اليهود كل أسبوع بعدما يغشون المسيحيين ويتفاخرون على بعض بما فعل كل منهم من أساليب الغش، ثم يفضون الجلسة بقولهم: (يلزمنا أن ننزع قلوب المسيحيين من أجسامهم ونقتل أفضلهم).
الفصل الرابع
(الأشياء المفقودة)
ممنوع رد الأشياء المفقودة ـ سبب هذا المنع
جاء في التلمود:
إن الله لا يغفر ذنباً ليهودي يرد للأميّ ماله المفقود، وغير جائز رد الأشياء المفقودة من الأجانب (سنهدرين ص 67).
وقال الرابي موسى: غير جائز رد الأشياء المفقودة إلى الكفرة والوثنين وكل من اشتغل يوم السبت.
وإذا دل أحد اليهود على محل وجود يهودي آخر هارب لعدم دفع دين يطالبه به أجنبي فلا يحكم عليه بالإعدام كالمبلغ بأمر كاذب، لأن اليهودي مديون في الحقيقة، غير أن هذا البلاغ يعد كفراً من المبلِّغ، ومثل من يرد الأشياء المفقودة لأجنبي. فيلزم في هذه الحالة أن يدفع لليهودي المبلَّغ عنه قيمة الضرر الذي لحقه من ذلك البلاغ.
وقال الرابي (جريكام) :
إذا فقد أجنبي سنداً محرراً على يهودي بدين ما، ووجده يهودي، فيمتنع رده إليه لأن الدين يسقط بوجود السند تحت يد يهودي. وإذا قال من وجده إني أرده لصاحبه احتراماً لاسم الله وتأدية للحق فيلزم الرد عليه بما يأتي، وهو: (إذا أردت أن تحترم اسم الله فادفع الدين من مالك)!!
ومعنى احترام اسم الله لدى اليهود وتمجيده: السعي في علو شأن الديانة اليهودية بواسطة إصلاح الظواهر، ولو كانوا أشراراً في الباطن !!
وقال الحاخام (رشي) المشهور:(1/53)
من يرد شيئاً مفقوداً لأجنبي فقد اعتبره في درجة الإسرائيلي. وقال (ميمانود) بذنب اليهودي ذنباً عظيماً إذا رد للأميّ ماله المفقود، لأنه بفعله هذا يقوي الكفرة، ويظهر اليهودي بذلك أنه يحب الوثنيين، ومن أحبهم فقد أبغض الله !!
الفصل الخامس
(الربا)
قاعدة الاستعارة عند المسيحيين ـ تحريف الحاخامات لقاعدة التوراة ـ سوء قصدهم الظاهر ـ مثل الحاخامات ـ نفاق قواعدهم ومبادئهم ـ تربية أولادهم فيما يختص بالربا
تلزم شريعة موسى الغني أن يساعد الفقير بإعطائه بعضاَ من أمواله على سبيل الهبة أو مجرد عارية استهلاك (1)[1]. وعارية الاستهلاك هي أن المعير ينقل إلى المستعير ملكية شيء يلتزم المستعير بتعويضه بشيء آخر من عين نوعه ومقداره وصنفه بعد الميعاد المتفق عليه. وليس من العدل أن يسترد المعير من المستعير أكثر مما أعطاه، لأن الشيء المستعار لم يزد في أموال المستعير باستعماله. وليس للمعير الحق في طلب المزيد عما أعطاه، لأنه لو حصل ذلك منه يكون من قبيل الربا.
ولكن قد يحصل عادة للمعير بسبب منعه عن وضع يده مؤقتاً على الأشياء تعلقه (تخصه) وعدم استعمالها لمنفعته الخصوصية، أو تكون الأشياء المذكورة عرضة للخطر عند المستعير، أو يحرم صاحبها من الكسب بسببها، (ويحصل هذا الأمر الأخير إذا كانت الأشياء من الأشياء ذات الثمرة) ففي كل هذه الأحوال يسوغ للمعير أن يطلب زيادة عن قيمة ما أعطاه لأنه في الحقيقة أعطى زيادة عن الشيء المعطى. فإذا أعطى المستعير قيمة الضرر أو الحرمان الذي حصل من العارية تكون الفوائد قانونية، وإذا زادت عن ذلك فهي الربا.
__________
(1) عارية الاستهلاك في الاصطلاح القانوني هي القرض، ويقابلها (عارية الاستعمال) كإعارة الآلة أو الماعون لاستعماله ورده(1/54)
ولو اتبعنا الأصل الطبيعي في الأشياء لوجدنا أن النقود ليست من الأشياء التي جعلتها الطبيعة تنتج أثماراً، ألا أنه في حالة ما إذا حصل ضرر للمعير بسبب حرمانه من ماله مؤقتاً يجوز إعطاؤه فوائد في مقابل ذلك.
ولكن يلزم أن تكون الفوائد في الأحوال المذكورة قانونية ومناسبة وفي أصل الديانة يلزم معاملة اليهودي وغيره حال الاقتراض بالسوية. وقد صرح الله تعالى لبني إسرائيل عند دخولهم أرض كنعان أن يأخذوا من أهلها الأجانب زيادة عن قيمة الشيء المستعار ولو كانت العارية مجرد عارية استعمال. غير أن الله صرح بذلك في أحوال مخصومة، وأمر أن تكون الفوائد المطلوبة مناسبة لحالة الأجنبي ولقيمة الشيء المعطى إليه، وإلا لكان الأمر من قبيل انتهاز فرصة فقر القريب لسلب أمواله ونهبها بدون حق. ولكن حول الحاخامات هذا الجواز إلى الأمر، وعوضاً عن قولهم: إن موسى سمح بأخذ الفائدة إذا أقرض اليهودي الذميّ مالاً، قالوا يجب أن تأخذ تلك الفائدة !
وكتب (ميمانود) ما يأتي:
أمرنا الله بأخذ الربا من الذميّ وأن لا نقرضه شيئاً إلا تحت هذا الشرط (أي الربا). وبدون ذلك نكون ساعدناه مع انه من الواجب علينا ضرره ولو أنه هو قد ساعدنا في هذه الحالة (بأخذنا منه الفوائد والربا). أما الربا فمحرم بين الإسرائيليين بعضهم لبعض. وادعى أحد الحاخامات أن أقوال موسى بخصوص الربا بصيغة الأمر.
وجاء في التلمود:
(غير مصرح لليهودي أن يقرض الأجنبي إلا بالربا) وقرر ذلك أيضاً الحاخام (ليفي بن جرسون) وجملة من الحاخامات. ومع علم اليهود علم اليقين أن موسى لم يصرح إلا بالفوائد القانونية المناسبة للأحوال، فقد حرفوا أقواله وغيروها!!! وقرر العالم بشاي المشهور: (أن الحاخامات لا يصرحون بأخذ فوائد غير قانونية من اليهودي حتى يتمكن من المعيشة).
وقال عن الأميّ في موضع آخر، موجهاً أقواله لليهود:(1/55)
(حياته بين أيديكم فكيف بأمواله) أي مصرح لكم بزيادة قيمة الفوائد واستعمال الربا وارتكاب السرقة والنهب مع الأميّ لأن حياته وأمواله في أيديكم مباحة لكم!!
وجاء في التلمود :
أن (صموئيل) أجاز للحاخامات أن يطلبوا الربا من بعضهم وفي هذه الحالة يعتبر أن الربا كهدية يريد أحدهم إهداءها للآخر. ويتمسكون بإعارة ابن (اصي) لصموئيل مائة رطل من الفلفل على شرط أن يردها إليه مائة وعشرين رطلاً !!
وقال الرابي (يهوذا) أنه مصرح لليهودي أن يعير أولاده وأهل بيته بالربا ليذوقوا حلاوته ويقدروه حق قدره.
فيستنتج مما ذكر:
أولاً ـ أنه ليس الغرض مما جاء في العبارات السابقة الفوائد القانونية لأنه مذكورٌ فيها عبارة (الربا المحرم) على الكل، كما ثبت ذلك عن موسى النبي. إنما الغرض هو الربا المحرّم لأنها تنطبق على حالة استعمال الأشياء المستعارة البسيطة كما حصل ذلك في مسألة الفلفل.
ثانياً ـ أن فائدة عشرين في المائة تزيد عن الفوائد الاعتيادية المسموح بها.
ثالثاً ـ يوجد في العبارة المذكورة طريقة نفاق، ألا وهي عبارة الهدية لأن موسى النبي حرم الربا ما بين اليهود، سواء أكان بطريقة ظاهرة أو خفية، لأنه حرم الخطيئة من حيث هي ولم يحللها إذا كانت خفية.
فمن كل ذلك يمكنك أيها القارئ أن تفهم بسهولة طريقة الحاخامات في حفظ وتفسير التوراة !!
وقصارى الأمر أنه يؤخذ مما تقدم طريقة لتعليم الأولاد الربا، لأنه إذا استعمل الحاخام مع حاخام آخر فائدة غير قانونية، كعشرين في المائة، بصفة قانونية فيكون بالأولى عند هؤلاء الأولاد ميل غريزي لاستعمال الربا، خصوصاً نحو الأجانب.
وبواسطة هذا التعليم ربما زادوا عن عشرين في المائة كما حصل في مدينة (منشستر) أن إنساناً أقرض آخر سبعين ريالاً، وألزم المدين أن يمضي له سنداً بمائة ريال، واشترط عليه أن يدفع له عن هذا المبلغ الأخير فائدة على حساب ثمانية في المائة.(1/56)
وهذا الأمر لا يستوجب العجب لأن الحاخام (كرونر) يقول: إن هذه الطريقة غير قابلة للانتقاد، لأن أفكار الناس تختل الآن في مسائل الفوائد عما كانت من قبل.
وقال الحاخام (اباربانيل):
إن الشريعة تجوز ارتفاع الفوائد على حسب إرادة المقرض!! غير أنه استدرك أن هذه القاعدة لا تشمل المسيحيين، لأنهم لا يعدون أجانب عند الله. ولكن قال الحاخام المذكور بعد ذلك عندما كان وزير المالية في إسبانيا: أنه لم يستثن المسيحيين كما فعل إلا لحفظ السلام ولأجل ما يعيش اليهود في أمان بين المسيحيين!!
ومن هذا تعلم أيها القارئ أن (اباربانيل) درس قاعدة النفاق درساً متقناً!!
وكتب حاخام آخر ما يأتي بدون إخفاء شيء من أفكاره فقال: لقد أصابت عقلاؤنا عندما صرحوا لنا باستعمال الربا ضد المسيحيين والأجانب!!
وكل ما سبق مطابق لما قاله الحاخام (شواب) الذي ارتد عن الدين اليهودي من أنه إذا احتاج مسيحي لبعض نقود فعلى اليهودي أن يستعمل معه الربا المرة بعد الأخرى، حتى لا يمكنه من أن يدفع ما عليه إلا بتنازله عن جميع أمواله!! فإن تنازل فبها، وإلا طلب حقه أمام المحاكم، ووضع يده على أملاكه بواسطتها!!
---
الفصل السادس
حياة الأجانب وأشخاصهم
مباح قتل غير اليهود ـ القتل أمر واجب عند التمكن من إجرائه ـ الحفرة والنفاق الممكن استعماله ـ القواعد المنصوص عنها في هذا الفصل تشمل النصارى وباقي الأمم ـ حوادث تاريخية مذكورة في كتب اليهود
غير مصرَّح للكاهن أن يبارك الشعب باليد التي قتل بها شخصاً ولو حصل القتل خطأ أو ندم الكاهن بعد ذلك. ولكن قال الحاخام (شار): إنه يمكنه أن يبارك الشعب بتلك اليد إذا كان المقتول غير يهودي ولو حصل القتل بقصد وسبق إصرار.
فينتج من ذلك أن قتل غير اليهودي لا يعدّ جريمة عندهم، بل فعل يرضي اللهّ !!
وجاء في كتاب (بوليميك):(1/57)
إن لحم الأميين لحم حمير، ونطفتهم نطفة حيوانات غير ناطقة!! أما اليهود فإنهم تطهروا على طور سينا. والأجانب تلازمهم النجاسة لثالث درجة من نسلهم، ولذلك أمرنا بإهلاك من كان غير يهودي!!
ويقول التلمود:
(اقتل الصالح من غير الإسرائيليين، ومحرَّم على اليهودي أن ينجّي أحداً من باقي الأمم من هلاك، أو يخرجه من حفرة يقع فيها، لأنه بذلك يكون حفظ حياة أحد الوثنيين).
وجاء في صحيفة أخرى:
(إذا وقع أحد الوثنيين في حفرة يلزمك أن تسدها بحجر).
وزاد الحاخام (رشي) إنه: يلزم عمل الطرق اللازمة لعدم خلاص الوثني المذكور منها (أي من الحفرة).
وقال (ميمانود) :
الشفقة ممنوعة بالنسبة للوثني فإذا رأيته واقعاً في نهر، أو مهدداً بخطر، فيحرم عليك أن تنقذه منه، لأن السبعة شعوب الذين كانوا في أرض كنعان المراد قتلهم من غير اليهود لم يقتلوا عن آخرهم، بل هرب بعضهم واختلط بباقي أمم الأرض. ولذلك قال (ميمانود) إنه يلزم قتل الأجنبي، لأنه من المحتمل أن يكون من نسل السبعة شعوب. وعلى اليهودي أن يقتل من تمكن من قتله، فإذا لم يفعل ذلك يخالف الشرع.
هذا ومن ينكر شيئاً من الاعتقادات اليهودية يعتبر أنه كافر، ومن تلامذة الفيلسوف (ابيقور)،ويلزم بغضه واحتقاره وإهلاكه، لأنه جاء في الكتب: (كيف لا أبغض يا إلهي من يبغضك).
إذا قصد يهودي قتل حيوان فقتل شخصاً خطأ، أو أراد قتل وثني أو أجنبي فقتل يهودياً، فخطيئته مغفورة ملاحظة للقصد.
على أنه من المعلوم المقرران قتل اليهودي من الجرائم التي لا تغتفر، فيلزم أن يكون قتل الأجنبي عندهم من الفضائل حتى أنهم يسامحون القاتل في هذه الحالة.(1/58)
وقال التلمود: إنه جائز قتل من ينكر وجود الله، وإذا نظر أحد اليهود كافراً في حفرة فعليه أن لا يخرجه منها، وحتى ولو وجد فيها سلما يمكن الكافر أن يخرج بواسطته منها وجب على اليهودي نزعه محتجاً بأنه أخرجه حتى لا ينزل عليه قطيعه. وإذا وجد حجراً بجانب الحفرة وجب عليه وضعه عليها، ويقول أني أضع هذا الحجر ليمر عليه قطيعي.
وقال التلمود:
(من العدل أن يقتل اليهودي بيده كافراً، لأن من يسفك دم الكافر يقرب قرباناً إلى الله).
وجاء في التلمود أيضاً:
(إن الكافر كما قال الحاخام [اليعازر] هم يسوع المسيح ومن اتبعه.
وقال الرابي (يهوذكيا) إن هذه اللفظة تشمل الوثنيين على العموم.(
أما ما جاء من قوله تعالى: (لا تقتل) (يقصد في الوصايا العشر) فقال ميمانود: إنه تعالى نهى عن قتل شخص من بني إسرائيل.
ومن المفروض عندهم قتل كل من خرج عن دينهم، وخصوصاً الناصريين، لأن قتلهم من الأفعال التي يكافئ الله عليها. وإذا لم يتمكن اليهودي من قتلهم فمفروض عليه أنه يتسبب في هلاكهم في أي وقت أو على أي وجه كان، ويعدون ذلك من العدالة، لأن التسلط على بني إسرائيل سيدوم مادام واحد من الكفار. فلذلك جاء أن من يقتل مسيحياً أو أجنبياً أو وثنياً يكافأ بالخلود في الفردوس والجلوس هناك في السراي الرابعة. أما من قتل يهودياً فكأنه قتل العالم أجمع ومن تسبب في خلاص يهودي فكأنه خلص الدنيا بأسرها.
ولذلك قال (ميمانود): (يصفح عن الأمي إذا جدف على الله، أو قتل غير إسرائيلي، أو زنا بامرأة غير يهودية ثم تهود، لكنه لا يصفح عنه إذا قتل يهودياً أو زنا بامرأة يهودية ثم صار يهودياً. (سنهدرين ص 17).(1/59)
والذي يرتد عن الدين اليهودي يعامل معاملة الأجنبي، غير أنه إذا فعل ذلك لأجل أن يغشهم فلا خوف عليه ولا جناح، لأنه إذا أمكن اليهودي أن يغش أجنبياً ويوهمه أنه غير يهودي فهذا جائز. أما الذين تعمدوا واختلطوا بالنصارى، وعبدوا الأصنام مثلهم فيعتبرون كأنهم منهم، ويلقون في حفرة ولا يستخرجون منها.
وهذه التعاليم القاسية الصادرة عن النفاق معلومة لدى اليهود الحديثي العهد المدعين الفلسفة وحب القريب، وأفكارهم الحقيقية تظهر من وقت لآخر. وهكذا فقد مدح اليهودي (جراز) (برن رهين) الشهير الذي كان يغش الأجانب بالعبارة الآتية: (إنه في الحقيقة انفصل من الأمم اليهودية في الظاهر، ولكن مثله كمثل المحارب الذي يستولي على أسلحة العدو وراية العدو لأجل أن يتمكن من الفتك به وإهلاكه).
ووصف المعلم (جراز) المذكور ـ وهو خوجة في مجمع الحاخامات في مدينة (برزلو) ـ المسيحي بالعداوة، وقال: (إنه يجب إعدامه، ومدح الوسائط التي يمكن بها التوصل لهذا الغرض، ولو كانت صادرة عن نفاق أو خيانة !!)
هذا وحب سفك الدم البريء عند الحاخامات ثابت في التاريخ العام، لأنه جاء فيه: إن شاول خرج لمحاربة المسيحيين وهو لا يقصد إلا القتل والفتك بهم فتكاً ذريعاً. ومذكور في رسائل الرسل: أن اليهود كانوا يُهيِّجون سكان المدن التي يسكنونها ضد المسيحيين.
وقالت: اليهود في كتابهم المسمى: (سدرحا دوروت): إن الحاخامات تسببوا برومة في قتل جملة من النصارى !!
ومن الأمور المتفق عليها اتهام الإمبراطور (انطونين لبيو) ببغض المسيحيين ولكن في سنة 1781 اعترض العالم (هافز) على حقيقة الأمر العالي الصادر من هذا الإمبراطور لمنفعة المسيحيين. على انه إذا كان ذلك الأمر حقيقياً وأنه صدر لأجل أن يحمي النصارى من فتك الشعب بهم في بعض المدن ـ كما ادعى ذلك المؤرخ (ازيب) في كتابه (26.4) ـ فإن ذلك لا ينفي ما ذكر في كتاب (سدرحا دوروت) صحيفة 127 وهو ما يلي:(1/60)
(الحاخام الرباني يهوذا كان محبوباً لدى الإمبراطور، وأطلعه على حيل الناصريين قائلاً له: (إنهم سبب وجود الأمراض المعدية). وبناء على ذلك تحصل على الأمر بقتل كل هؤلاء الناصريين الذين كانوا يسكنون رومة في سنة 3915(عبرية) أي 155 بعد المسيح.
وجاء في الكتاب نفسه بعد هذه العبارة: (إن الإمبراطور (مارك اوريل) قتل جميع الناصريين بناء على إيعاز اليهود).
وقال في صحيفة 125 (أنه في سنة 3974 أي 214 بعد المسيح قتل اليهود مائتي ألف مسيحي في رومة وكل نصارى قبرص).
وذكر في كتاب (سفر يوكاسين) المطبوع في مدينة امستردام سنة 1717 في الملزمة 108 (أنه في زمن البابا [كليمان] قتل اليهود في رومة وخارجاً عنها جملة من النصارى (كرمال البحر، وأنه بناء على رغبة اليهود قتل الإمبراطور (ديو كليسيين) جملة من المسيحيين ومن ضمنهم الباباوات (كليس ومرسلينوس) وأخا (كليس) المذكور، وأخته روزا.
ومن المعلوم أنهم كانوا من المحبوبين عند الإمبراطور (نيرون). فيظهر لك جلياً أيها القارئ أن القاعدة المعلومة عند اليهود لم تكن مجرد خط مكتوب، وأنه كلما قدر اليهود على استعمال ذراعهم في القتل استعملوه ولم يدعوه في راحة.
الكتاب الثالث ـ الفصل السابع
(المرأة)
لا يخطئ اليهودي إذا اغتصب امرأة مسيحية ـ زواج المسيحيين هو من قبيل وطء الحيوانات لبعضها ـ تفسير الأحلام ـ مثل للحاخامات ـ النساء اليهوديات
قال موسى (لا تشته امرأة قريبك، فمن يزني بامرأة قريبه يستحق الموت) ولكن التلمود لا يعتبر القريب إلا اليهودي فقط فإتيان زوجات الأجانب جائز. واستنتج من ذلك الحاخام (رشي) أن اليهودي لا يخطئ إذا تعدى على عرض أجنبي، لأن كل عقد نكاح عند الأجانب فاسد، لأن المرأة التي لم تكن من بني إسرائيل كبهيمة، والعقد لا يوجد في البهائم، وما شاكلها. وقد أجمع على هذا الرأي الحاخامات (بشاي وليفي وجرسون) فلا يرتكب اليهودي محرماً إذا أتى امرأة مسيحية.(1/61)
وقال (ميمانود) أن لليهود الحق في اغتصاب النساء غير المؤمنات، أي غير اليهوديات!!
وقال الحاخام (تام) الذي كان في الجيل الثالث عشر بفرنسا: (إن الزنا بغير اليهود ذكوراً كانوا أو إناثاً لا عقاب عليه، لأن الأجانب من نسل الحيوانات.) ولذلك صرح الحاخام المذكور ليهودية أن تتزوج بمسيحي تهوَّد مع أنها كانت رفيقة له غير شرعية قبل الزواج، فاعتبر العلاقات الأصلية كأنها لم تكن لأنها أشبه شيء بنكاح الحيوانات!!)
وجاء في التلمود: (أن من رأى أنه يجامع والدته فسيؤتى الحكمة، بدليل ما جاء في كتاب الأمثال (213):
أن الحكمة تدعى (والدة). ومن رأى أنه جامع خطيبته فهو محافظ على الشريعة. ومن يرى أنه جامع أخته فمن نصيبه نور العقل. ومن رأى أنه جامع امرأة قريبه فله الحياة الأبدية.)
ناشدتك الله أيها القارئ إذا كانت تلك هي القواعد الأدبية أفلا يتمنى الإنسان بعد ذلك أن يرى تلك الأحلام حقيقة، وترقى من هذه إلى تلك لأنه إن كانت نتيجة الأحلام بالكيفية المشروحة فما بالك بالحقيقة ؟
وقال الرابي (كرونر): إن التلمود يصرح للإنسان (يعني اليهودي) أن يسلم نفسه للشهوات إذا لم يمكنه أن يقاومها، ولكنه يلزم أن يفعل ذلك سراً لعدم الضرر بالديانة!!
وذكر في التلمود عن كثير من الحاخامات كالرابي (راب، ونحمان): أنهم كانوا ينادون في المدن التي يدخلونها عما إذا كان يوجد فيها امرأة تريد أن تسلم نفسها لهم مدة أيام.
وجاء في التلمود أيضاً عن الرابي (اليعازر): أنه فتك بكل نساء الدنيا، وأنه سمع مرة أن واحدة تطلب صندوقاً ملآناً من الذهب حتى تسلم نفسها لمن يعطيها إياه، فحمل الصندوق وعدّى سبعة شلالات حتى وصل لها... (ولنضرب صفحاً عن باقي القصة لأنها مخلة بالآداب).
ومن الأمور المذمومة أنه جاء في آخر القصة أنه: (لما توفي هذا الحاخام صرخ الله من السماء قائلاً (تحصل الرابي [اليعازر] على الحياة الأبدية)!!(1/62)
وليس للمرأة اليهودية أن تبدي أدنى شكوى، على حسب التلمود، إذا زنى زوجها في المسكن المقيم فيه معها.
ولما قال الحاخم (يوحنان) أن اللواط بالزوجة غير جائز عارضوه في ذلك قائلين: إن الشرع لم يحرم هذا الأمر، بل قال لا يخطئ اليهودي مهما فعل مع زوجته، وأية طريقة اتبعها نحوها بأمر الزواج، فهي له بالنسبة للاستمتاع بها كقطعة لحمة اشتراها من الجزار، يمكنه أكلها مسلوقة أو مشوية على حسب رغبته. ويضربون لذلك مثلاً أن امرأة حضرت إلى الحاخام وشكت له أن زوجها يأتيها على خلاف العادة، فأجاب (لا يمكنني أن أمنعه عن هذه المسألة يا ابنتي، لأن الشرع قدمك قوتاً لزوجك).
ولا تظن أيها القارئ أن هذه القواعد لم تذكر إلا في التلمود القديم بل هي مرصودة أيضاً في النسخ الجديدة المطبوعة في مدن (امستردام) سنة 1644 و(سلزباج) سنة 1765 و(فرسوفيا) سنة 1864.
وذكر في كتاب سنهدرين (ص 85) أنه مصرح لليهودي أن يفعل ذلك بزوجته وليس بمصرح للأجنبي أن يفعله إلا بامرأة أجنبية عنهم، على حد قول الشاعر:
فإن لم تكونوا قوم لوط حقيقة فما قوم لوط منكم ببعيد!!
ويلزم أن يكون حاضراً في الكنيس عشرة أشخاص ذكور فإذا حضر تسعة فقط ومليون امرأة لم يكف هذا العدد في الإتيان بالواجب. لأن المرأة تحسب عندهم كصفر!
قال الرابي (كرونر) أنه لا يوجد بين اليهود أولاد غير شرعيين كما في باقي الأمم. واستنتج من ذلك أن الزنى قليل بينهم. ولكن ثبت من التعداد العمومي خلاف ذلك، ووجدت المومسات من اليهود في المدن الكبيرة بأوروبا أكثر من المومسات في النساء المسيحيات. وما عليك إلا أن تثبت من هذا الأمر بواسطة البحث في مدن (باريس، ولندره، وبرلين، وهمبرج، وفرسوفيا، وكراكوفي).(1/63)
وقد يجد الإنسان في المحلات العمومية اليهوديات أكثر من المسيحيات مع المحافظة على النسبة بين عدد الأمتين. وهذا من الأمور المحزنة لهم. ولكن عزت الصحف الأمة الإسرائيلية بوفاة امرأة مشخصة(ممثلة) منها تسمى الست (يوديت فاريرا) ذات وجه حسن وشيعت جنازتها على حسب الطقس الإسرائيلي، وأكدت تلك الصحف أنه غفر لها كل ما ارتكبته من الأفعال التي لابد أن يرتكبها كل إنسان يشتغل في فن التشخيص، وذلك لأنها ماتت على دين أهلها.
فينتج من ذلك أن كل ذنب عندهم مغفور إذا مات الإنسان محافظاً على دين اليهود!!
الفصل الثامن
(اليمين)
اليمين لا تلزم اليهودي أمام المسيحي ـ قاعدة الرجوع عن اليمين وتحويلها بالنية ـ نفاق الحاخامات ـ طريقة يمكن بها العدول عن اليمين
لا يعتبر اليمين التي يقسم بها اليهودي في معاملاته مع باقي الشعوب يميناً، لأنه كأنه أقسم لحيوان، والقسم لحيوان لا يعد يميناً، لأن اليمين إنما جعلت لحسم النزاع بين الناس ليس إلاّ. فإذا اضطر يهودي أن يحلف لمسيحي فله أن يعتبر ذلك الحلف كلا شيء!
على أنه لا معنى للنزاع القائم بين يهودي ومسيحي بخصوص الملكية، لأنه من المقرر أن أموال المسيحي ودمه من تعلقات اليهودي، وله التصرف المطلق فيها، وله الحق، طبقاً لقواعد التلمود، في استرجاع تلك الأموال. فإذا دعي يهودي لحلف يمين مختصة بشيء متنازع فيه فعليه أن يرفض ذلك، لأنه لا محل لليمين في هذه الحالة. وإذا خاف سلطة شخص أو ضرراً يصل إليه من عدم تأدية اليمين فعليه أن يحلف يما يريدون، غير أنه يلزم أن يكون معتقداً باطناً أن الأموال التي حصل بخصوصها اليمين هي في الحقيقة تعلقه، وله الحق في استرجاعها في أول فرصة.(1/64)
يجوز لليهودي الحلف زوراً، فلا يخطئ إذا حول اليمين لوجهة أخرى!! وقد حلف الرابي (يوحنان) يوماً لامرأة على أن لا يبوح بسرها قائلاً لها إني لا أبوح بهذا السر أمام الله، ففهمت المرأة أن الحاخام يحلف لها بالله على كتمان السر مطلقاً مع أنه حوله بالكيفية الآتية (احلف أن لا أبوح بهذا السر أمام الله، ولكني سأفشيه لبني إسرائيل)!!
ومن القواعد المقررة عند اليهود أن يستعملوا مثل هذا التأويل إذا كانت اليمين إجبارية، كما إذا كلفت الحكومة مثلاً أحد الأفراد بحلف يمين. ففي هذه الحالة يعتبر اليهودي نفسه أنه غير حرّ، وله الحق في الكذب!!
قالت الحاخامات إذا استشهد أمير يهودياً لأجل أن يعرف منه إذا كان فلان اليهودي زنا بامرأة، وحلفه اليمين ليعلم منه الحقيقة، ويحكم بالإعدام في الأحوال الجائز فيها ذلك قانوناً، فعلى الشاهد أن يعتبر تأدية اليمين جبرية، وأن يؤوله في سره بكيفية أخرى، وإذا أمر الحاكم أحد اليهود مثلاً أن لا يخرج من البلد فعليه أن يحلف له بذلك، ولكنه ينوي في سره أنه لا يخرج منه اليوم. وإذا خصص الحاكم الوقت وقال لليهودي: أن لا يخرج منه أبداً فعليه أن يحلف ولكنه يقصد في سره أنه على شرط كذا وكذا. ولكن كل ذلك غير جائز إذا عرفه الأجنبي واطلع عليه لعدم الضرر بالدين. ولذلك عوقب (سادسيساس) لأنه حلف يميناً كاذبة أمام بختنصر مع أن تلك اليمين كانت إجبارية.
فينتج من ذلك أنه يجوز لليهودي أن يؤدي يميناً كاذبة أمام حكام البلد كلما سئل على شيء لا يجوز له أن يقول طبقاً للشريعة اليهودية، وذلك نتيجة القاعدة العمومية التي مؤداها أن الإنسان مهما كان شريراً في الباطن وأصلح ظواهره يخلص!(1/65)
وإذا سرق يهودي أجنبياً وكلفت المحكمة اليهودي بحلف اليمين، فعلى باقي اليهود أن يسعوا في صالح أخيهم اليهودي عند الأجنبي حتى لا يحلف اليمين. ولكن إذا صمم الحاكم على تحليفه وأمكن المتهم أن يحلف زوراً بدون معرفة حقيقة الأمر لدى الأجانب فعليه أن يحلف!
وفي كل مدة يوجد في مجمع اليهود يوم للغفران العام الذي يمنح لهم، فيمحو كل ذنب ارتكبوه، ومن ضمنها اليمينات الزور. وليس على اليهودي أن يرد ما نهبه أو سرقه من الأجنبي لأجل التحصل على ذلك الغفران.
وعلى اليهودي أن يؤدي عشرين يميناً كاذبة ولا يعرض أحد إخوانه اليهود لضرر ما. ومن المقرر لديهم أن من يعرف شيئاً مضراً بصالح اليهودي ونافعاً لأميّ فعليه أن لا يعلم به السلطة الحاكمة، وإذا فعل ذلك ارتكب ذنباً عظيماً.
وأما يوم الغفران العمومي فهو اليوم الذي يصلي فيه اليهود صلاة يطلبون فيها الغفران عن خطاياهم التي فعلوها، واليمينات التي أدوها زوراً، والعهود التي تعهدوا بها فلم يقوموا بوفائها. وتقام هذه الصلاة في محفل عمومي ليلة عيد، وينطق بها الكاهن الخادم بمساعدة حاخامين، ويحصل ذلك في يوم واحد من كل سنة. ويمكن لليهود أن يتحصلوا على ذلك الغفران في أي وقت كان من حاخام واحد، أو ثلاثة شهود.
حقيقة يوجد يهود آخرون يدعون أن هذه القواعد ليست متبعة إلا بالنسبة لليمين والنذورات التي تصدر من الإنسان بسرعة وبدون تروّ، على شرط أن تكون مختصة بأشياء خصوصية لا تضر بمصالح الغير. ونحن نريد أن نصدقهم فيما ادعوه، ولكن ما يستعملونه في ليلة الغفران من الرسميات يجعلنا نشك في صحة هذا الادعاء.
ومما يقوي هذا الشك أن كثيراً من اليهود المرتدين عن دينهم شهدوا بأن الاعتذار من الأمة الإسرائيلية بالكيفية التي سلفت ليس إلا لأجل التخلص من الاعتراف بالحقيقة.(1/66)
ولا يخطر بفكرك عدم تصديق هؤلاء الأشخاص بسبب ارتدادهم عن دين اليهود لأنه من الواجب على كل إنسان أن يشهر علناً كل ما يظنه مضراً بالهيئة الاجتماعية.
ومن هؤلاء المرتدين (يوحنان شمير) الذي قال أن الحاخامات يدعون أن لهم الحق في أن يحللوا الله من أيمانه!! ووافقه (برنز، ودراك) على هذا الأمر بخصوص الأيمان لدى اليهود، مع أنهما من العلماء المعول على أقوالهم ولو أن اليهود أرادوا أن يحطوا من قدر الثاني منهما.
الكتاب الثالث ـ الفصل التاسع
(في المسيحيين)
ألفاظ (عابدي الأوثان) و(أجنبي) معناها يشمل النصارى ـ نفاق الحاخام ذ. ليفي ـ أدلة تثبت حقيقة هذا التفسير
ادعى اليهود أن اللعنات الموجودة في التلمود لا تشمل النصارى، بل الأمم الأخرى الغير يهودية كالصادوقيين. ويعترفون أنه مصرح لهم حقيقة بالتصرف في أموال (الكفرة، والوثنيين، والأجانب)، ولكن المسيحيين لا يدخلون تحت هذه الأسماء، أو ليس لهم فيها شأن.
ولكن نعرف أن اليهود مصرح لهم أن يحلفوا زوراً على أن كتبهم المقدسة خالية من الطعن في المسيحيين خوفاً من الضرر أو العداوة، وهم محافظون على هذه القاعدة، وأنهم يعتقدون أن المسيح إنسان لا إله (!!)، ويعتبرون المسيحيين بصفة وثنيين، لأنهم يعبدون مخلوقاً، ولا عبرة باختلاف كيفية عبادتهم عن شكل باقي الوثنيين، لأنه قد يحصل اختلاف في كيفية العبادة ويكون لأحد النحل شكل في العبادة أرقى من الآخرين، مع أنه مادامت العبادة لمخلوق فهي على أي حالة عبادة للأوثان، مثلاً فإن عبادة العجم القدماء كانت أقل شناعة من عبادة أهل كنعان في الشكل.(1/67)
فإذا اللعنات الموجودة في التلمود موجهة على جميع الأمم الخارجين عن مذهب اليهود، ومن ضمنهم المسيحيون غير أنهم يستعملون أسماء الشعوب التي تلاشت واندثرت لإخفاء مقاصدهم، وخوفاً من ضرر وعداوة المسيحيين لهم ومما يثبت ذلك أن الحاخام (ذوي) أراد مرة أن يقنع مسيحياً بأنه في ضلال مبين، حيث يعتقد أن اليهود يعنون بكلمة (جويم) المسيحيين. ولما لم يفلح في إثبات ما أراده ادعى أن هذه اللفظة ليست من ألفاظ الشتم ولا السب، ولكن ثبت أن الأمر بخلاف ما ادعاه، لأنه لما دعى بعض الإسرائيليين بهذه اللفظة غضب واعترض على وصفه بهذه الصفة.
ومما يثبت سوء قصدهم هو تغيير هذه الكلمة بكلمة أخرى في نسخة التلمود المطبوعة في فرسوفيا سنة 1862.
ويسمون الأمم الخارجة عن دينهم أيضاً (أكيم) لأنه قيل: (إذا صلى يهودي وتقابل في طريقه مع (أكيم) يحمل صليباً، وكان اليهودي وصل للنقطة الواجب الانحناء فيها فعليه أن لا يفعل ذلك ولو كان قصده موجهاً لله). (فالأكيم) الذي يحمل الصليب لا شك أنه المسيحي.
وقال (ميمانود) بصراحة أنه لا فرق بين المسيحي وباقي الوثنيين، لأن الناصريين الذين يتبعون أضاليل يسوع معدودون من باقي الوثنيين، ويجب أن يعاملوا معاملتهم. أما كلمة (جويم) فمعناها المسيحيون، لأنه قيل إن اليهود الذين يتعمدون يختلطون (بالجويم) فمحرم على غيرهم من اليهود أن يعيشوا معهم، ويدعوهم أخوة لهم، بل يحتم عليهم الشرع أن يلقوهم في الهاوية.
وكذلك الأمر بالنسبة لكلمتي (مين، وميم) اللتين يدعون بهما الكفار.
لدغ ثعبان مرة ابن (ضماّ) فتقدم أحد المسيحيين ليرقيه باسم سيده يسوع، فعارضه الرابي إسماعيل قائلاً: إنه ليس من الجائز أن يرقى الإنسان بواسطة أحد الكفرة.(1/68)
ثم إنهم يطلقون كلمة الأجانب على المسيحيين أيضاً لأن الرابي يعقوب الذي كان يعيش في فرنسا في القرن الثاني عشر، وجمع أموالاً كثيرة من الربا كان يقول: إن استعمال الربا جائز مع الأجانب. وكان يقصد بهذه الكلمة الفرنساويين الذين كان ينهب أموالهم، والفرنساويون مسيحيون كما هو معلوم. فلو أن التلمود أوجد فرقاً بين المسيحيين والوثنيين لكان كالفرق الموجود بين العجم والكنعانيين، مع أن الجميع عنده وثنيون.
وجاء في التلمود أنه: (من ضمن أيام أعياد الوثنيين أول الأسبوع المسمى بيوم الناصريين، يعني يوم الأحد عند المسيحيين. ويسمى التلمود الناصري: ابن النجار. وهذا مطابق لما كان يقوله اليهود للمسيح أيام حياته على الأرض (راجع إنجيل متى 55.13). ويسمى التلمود يسوع المسيح: تمثالاً. فينتج من ذلك أن المسيحي لديهم وثني، لأنه يعبد المسيح.
وجاء في التلمود (أن المسيح كان ساحراً، ووثنياً). فينتج أن المسيحيين وثنيون أيضاً مثله.
ويقول التلمود: أن المسيح كان مجنوناً. وهذا مطابق لما كان يعامله به (هيرودس) ومعاصروه الذين كانوا يصفونه بأنه ساحر ومتفق مع الشيطان.
ووصف التلمود المسيح بأنه: (كافر لا يعرف الله) فيستنتج من ذلك أن المسيحيين كفرة مثله.
وقد سبق أنه من المقرر عندهم أن يقتل اليهودي الوثني إذا قدر، فعليه حينئذ قتل المسيحي لأنه من ضمن الوثنيين.
وقال الحاخام (رشي) صراحة اقتل الصالح من المسيحيين.
وجاء في التلمود: (المسيحيون من عابدي الأصنام، غير أنه جائز أن يتعامل الإنسان معهم في أول يوم من الأسبوع الذي هو يوم عيد عندهم). وجاء بخصوص القداس والقسيسين والشموع والكؤوس: (إن كل ذلك من عبادة الأصنام).
وجاء أيضاً أنه يجوز لليهودي أن يسكن مع الوثنيين ويستأجر منهم منزلاً، لأنهم لا يستحضرون أصنامهم إلا إذا مات أحدهم.(1/69)
كل الشعوب ماعدا اليهود وثنيون، وتعاليم الحاخامات مطابقة لذلك. وقال الحاخام (رشي): (الناصري هو الذي يقبل تعاليم ذلك الرجل الذي أمر أصحابه بالاستراحة في أول يوم من الأسبوع).
وكتب (ميمانود) ما يأتي:
(المسيحيون الذين يتبعون أضاليل يسوع وثنيون، يلزم معاملتهم كمعاملة باقي الوثنيين، ولو أنه يوجد فرق بين تعاليمهم).
وقال أيضاً: (المسيحيون وثنيون، وأول يوم في الأسبوع عندهم يوم مقدس). وقال الحاخام (كمشي): (إن أهل ألمانيا من الكنعانيين،لأن أهل كنعان هربوا أمام يسوع، وذهبوا إلى ألمانيا. ولذلك اسم الألمانيين الآن كنعانيون). ومن المعلوم أن الكنعانيين عند اليهود من أشر الوثنيين، يدعون أيضاً أن المسيحيين وثنيون، لأنهم يجثون أمام الصليب. ويسمى التلمود المسيح يهودياً مرتداً.
وكتب (ميمانود) ما يأتي: (يلزم أن يقتل الإنسان بيده الكفرة، مثل يسوع الناصري وأتباعه، ويلقيهم في هاوية الهلاك).
وجاء في التلمود الجديد: (إن تعاليم يسوع كفر، وتلميذه يعقوب كافر، وإن الأناجيل كتب الكافرين).
وقال الحاخام (اباربانيل): (المسيحيون كافرون، لأنهم يعتقدون أن الله له لحم ودم).
وقال (ميمانود): (الكافر هو الذي يعتقد أن الله تجسد).
فينتج مما سلف أنه إذا ذكر في أحد كتب اليهود أو تعاليمهم الحاخامية أنه مفروض على اليهودي قتل الكافر، وأنه له الحق في إهلاكه يكون المقصود من ذلك ليس خصوص الأمم السالفة، بل إن المراد ما يعمها ويعم الأمم الموجودة الآن الخارجين عن مذهب اليهود.
الفصل العاشر
(الحرمان)
سبب الحرمان ـ الحرمان على درجتين ـ نص الحرمان العظيم
كل هيئة اجتماعية مرتبة تحافظ على ترتيبها النظامي، وتسن قوانين لمعاقبة من يخل بهذا النظام. فاليهود التلموديين سنواّ أيضاً عقوبات لهذا الغرض أهمها الحرمان ـ وأسباب الحرمان هي:
أولاً ـ احتقار الحاخامات ولو بعد وفاتهم.
ثانياً ـ احتقار أقوالهم أو احتقار الشريعة.(1/70)
ثالثاً ـ التسبب في إبعاد الناس عن الطريق المستقيم، والمحافظة على الشرع.
رابعاً ـ مبيع الحقول والغيطان (الأرض) لغير اليهودي.
خامساً ـ تأدية اليمين أمام محكمة غير يهودية ضد شخص يهودي.
وللحرمان ثلاث درجات: الأولى يسمونها (ندوى)، والثانية (شريما)، والثالثة غير مستعملة الآن فنضرب عنها صفحاً.
أما (الندوى) فنتيجتها انفراد المحروم عن مخالطة باقي الجماعة، ومعيشته منفصلاً عن باقي أبناء جنسه، لا يقرب أحد منه غير زوجته وأولاده وأهل منزله على بعد أربعة أذرع منه. وفي مدة حرمانه محظور عليه أن يغتسل ويحلق.
وإذا اجتمع تسعة أشخاص لتأليف الجمعية المقدسة فلا يكون المحروم العاشر. وإذا وجد فيهم يلزمه أن يجلس بعيداً عن الباقين عنه مسافة أربعة أذرع. وإن توفي قبل انتهاء مدة عقوبته يلزم أن يوضع على قبره حجر، علامة على أن الميت كان يستحق الرجم، لأنه مات بدون قصاص وهو محروم. وفي هذه الحالة لا تحزن عليه أهله، ولا يمشون خلف جنازته، ولو كانوا أخص أقاربه.
ومدة هذا الحرمان ثلاثون يوماً. فإذا تاب المجرم في خلال تلك المدة فبها، وإلا عاقبوه من ستين إلى تسعين يوماً.
فإذا لم ينفع ذلك لردعه يحرم بالحرمان الأكبر المسمى (شريما). ونتيجة هذا الحرمان أن يمنع المحروم من مخالطة الغير، ويمنع من التعليم والتعلم، والأكل والشرب مع أي شخص، ومحرم على أي شخص أن يؤدي له خدمة، كما أنه يحرم عليه تأدية الخدمة لأي شخص. إنما مصرح مبيع الطعام له ليس إلا لأجل ألا يموت جوعاً.
ويلزم أن يصدر هذا الحرمان من عشرة أشخاص على الأقل، ويكون صدوره في محفل رسمي، بخلاف الأول فإنه يمكن صدروه من شخص واحد من العوام.
وهاك نص الحرمان:
(بناء على حكم إلهنا إله الآلهة يُحرَم فلان بن فلان من المحكمتين: محكمة أول درجة، والمحكمة العليا، ومن القديسين والملائكة، ومن الجمعيات الكبيرة والصغيرة.
ويصاب بالقروح والأمراض الخبيثة كلها.
ويكون منزله مسكناً للجن.(1/71)
ويكون نجمه مظلماً في السماء، ومن المغضوب عليهم.
ويطرح جسده للوحوش المفترسة وللثعابين.
ويفرح أعداؤه ومن يريد له الشر. وتعطى أمواله من الذهب والفضة لغيره، وتسقط تلك الأموال تحت سلطة العدو.
ويلعن أولاده حياته.
ويكون ملعوناً من فم (عيد بريرون) و(عشتاريال) و(صندلفون) وعزرائيل و(عنسيل) و(باشتيل) وإسرافيل. و(سنجاسيل) وميخائيل وجبرائيل وروفائيل و(مسكارتيل).
ويكون محروماً من فم (زفرا) و(هاهاقيل) الإله الأكبر (1)[1]
وفم العشرة أسماء المعظمة ثلاث مرات، ومن فم (زرتاج) حامل الختم.
ويفرق مثل (كوريه) و(جيشه).
وتخرج روحه من جسده بخوف وجزع، ويحكم عليه الله بالموت.
ويخنق مثل (اشيتوفيل).
ويكون جذامه مثل جذام (جينري).
ويسقط ولا يقوم.
ويلفظ عن قبور بني إسرائيل.
وتعطى امرأته لغيره. ويميل إليها آخرون بعد موته.
ويسقط هذا الحرمان على فلان بن فلان ويكون من نصيبه.
أما أنا وبنوا إسرائيل فيكون لنا بركة الله وسلامه. آمين.
تنبيه
وجدنا في هذه المنثورات في آخر كتاب شارل لوران فترجمناها وجعلناها ملحقاً لكتاب روهلنج إتماماً للفائدة.
ملحق
إذا خالف أحد اليهود أقوال الحاخامات يعاقب أشد العقاب، لأن الذي يخالف شريعة موسى خطيئته مغفورة أما من يخالف التلمود فيعاقب بالقتل!!
يجب على كل يهودي أن يلعن كل يوم النصارى ثلاث مرات، ويطلب من الله أن يبيدهم، وينفي ملوكهم وحكامهم. وعلى كهنة اليهود أن يصلوا ثلاث مرات أيضاً في كنيسهم بغضاً للمسيح الناصري.
أمر الله اليهود بنهب أموال المسيحيين وأخذها بأي طريقة كانت، سواء استعملوا الحيلة أو السرقة أو الربا.
على اليهود أن يعتبروا المسيحيين حيوانات غير عاقلة، ويعاملوهم معاملة الحيوانات الدنيئة!!
على اليهود أن لا يفعلوا مع الوثنيين لا خيراً ولا شراً. وأما النصارى فليسفكوا دمهم ويطهروا الأرض منهم!
__________
(1) هذه الأسماء مما تتنافى وأصل الديانة القائمة على التوحيد(1/72)
حرام على اليهودي الخدمة عند الحاكم الوثني، وتغفر جريمته، وأما عند الحاكم المسيحي فغير جائزة أصلاً، وجريمته لا تغفر!!
كنائس المسيحيين كبيوت الضالين ومعابد الأصنام، فيجب على اليهود تخريبها!!
أناجيل النصارى عين الضلال والنقص، ويلزم تسميتها بكتب الظلم والخطايا. ويجب على اليهود إحراقها ولو كان اسم الله فيها!!
تم بحمد الله كتاب الكنز المرصود في قواعد التلمود المترجم من اللغة الفرنسية ترجمة الدكتور يوسف حنا نصر الله سنة 1899.
ويليه كتاب الفرنسي شارل لوران في حادثة قتل الأب توما وخادمه إبراهيم عمار في دمشق ومحاضر التحقيق في تلك الجريمة التاريخية المشهورة.
---
القسم الثاني
كتاب (شارل لوران)
في حادثة قتل الأب توما، وخادمه إبراهيم عمار
الكتاب الأول- مقتل الأب توما
التحقيقات التي جرت في قضية خطف اليهود للأب توما وذبحهم إياه لأخذ دمه
(راجع المقدمة)
في يوم الجمعة /4/ من ذي الحجة سنة /1255/ هجرية حضر الخواجه (بودن) ترجمان قنصولاتو دولة فرنسا بدمشق إلى ديوان الوالي العمومي، وقرر أنه في يوم الأربعاء /2/ الجاري سنة 1255 خرج الأب توما بعد العصر على حسب عادته، وتوجه نحو حارة اليهود لأجل أن يلصق على باب الكنيسة إعلاناً يفيد حصول مزاد في منزل أحد الأهالي المسمى (ترانوفا). ولما رأى الخادم أن سيده قد أبطأ ولم يرجع إلى الدير، وعند الغروب، ذهب ليبحث عليه في الحارة المذكورة فلم يرجعه هو أيضاً.
وفي المساء ذهب الخواجه (سانتي) الأجزجي (صيدلي) باسبتالية دمشق إلى الدير، وطرق الباب مدة طويلة فلم يفتح له أحد، وكان يريد إذ ذاك أن يرد كتاباً كان أخذه من القسيس المذكور على سبيل العارية. ولما رجع بخفي حنين، عرج على دير (تيرسانت) ليخبر الرهبان الذين هناك بما حصل. ولما سمع هؤلاء الخبر جزموا بأن الأب توما تأخر عند أحد المرضى لأنه كان يتعاطى صناعة الطب ولم يرتابوا في ذلك.(1/73)
وفي ثاني يوم الذي هو يوم الخميس /3 من ذي الحجة سنة 1255 (الموافق 6 من فبراير سنة /1840) حضر جملة من الأشخاص من الذين لهم عادة أن يحضروا للدير لسماع قداس الأب توما، ورجعوا بدون أن يتمكنوا من الدخول لأنهم رأوا الباب مغلقاً بخلاف العادة. وقد ظن بعضهم أنه حضر قبل الأوان وأن القسيس لم يزل نائماً، وظن البعض الآخر أنه تأخر، وأن القداس انتهى، وقفل القسيس بابه وذهب لأشغاله.
وزاد الترجمان الخواجه (بودن) في تقريره أنه في اليوم ذاته أعني في يوم الخميس، كان الأب توما مدعواً مع باقي الرهبان عند الدكتور (مساري)، وأن الجميع توجهوا ساعة الظهر لأنها الساعة التي كانت محددة لتناول الغداء ما عدا الأب توما، وبعد انتظار هذا الأخير مدة، استولى القلق والانزعاج على الحاضرين، فصاروا إلى قنصلاتو دولة فرنسا لإخطار أولي الأمر بالمسألة، لأن المفقود منتم للدولة المشار إليها. فقام عندئذ جناب القنصل وتوجه إلى الدير، فوجد الشارع مزدحماً بأجناس مختلفة من الأهالي يقولون إن الأب توما توجه أمس لحارة اليهود هو وخادمه، ولا شك في أنهما فقدا هناك.
وعند حضور جناب القنصل أمام الدير أمر أحد الحاضرين أن يتسلق على أحد الجدران بواسطة سلم، فتوصل المذكور بهذه الكيفية إلى الدخول إلى الدير المذكور، وفتح الباب الذي وجده مغلقاً من الداخل بالسقاطة فقط لا بالكيلون والقفل.
وعند الدخول في المطبخ وجد أكل الأب توما وخادمه بجانب الكانون، واستنتج من هذه المعاينة أنهما كانا يقصدان الرجوع إلى الدير عندما تركاه، وأنهما قتلا خارج الدير، وأن القتل لم يحصل طمعاً في أموالهما. ومما يثبت ذلك هو أن الأشياء تعلقهما التي كانت لهما في الدير وجدت مرتبة كما تركاها ولم يفقد منها شيء ما.(1/74)
هذا وكانت الشبهة تقوى من وقت إلى آخر، والشهود يؤكدون أنهم نظروا الأب توما، داخلاً حارة اليهود بعد العصر، ثم تبعه خادمه عند غروب الشمس، ولم يرهما أحد خارجين من تلك الجهة. على أن القس كان في دمشق أشهر من نار على علم، لأنه سكن في هذا البلد منذ ثلاثين سنة تقريباً، وكان يجري عملية تطعيم الجدري فيه (فلو خرج من الحارة بعد دخوله لنظره بعض الشهود على الأقل).
أمر جناب قنصل فرنسا بإرسال ذلك التقرير إلى سعادة شريف باشا والي دمشق لأجل أن تجري الحكومة اللازم في التفتيش على الأب توما وخادمه وتنكشف كيفية فقدهما.
وبناء على ذلك أمر سعادة شريف باشا فوراً أن تتخذ الإجراءات اللازمة الموصلة لظهور الحقيقة، وأمر التفتشجي باشا أن يذهب إلى حارة اليهود. وسلمه أمراً بتفتيش جميع المحلات التي يشتبه فيها. ولكن كان ذلك كله لدون فائدة، لأنهم لم يكتشفوا على شيء جديد.
غير أنه في أثناء ذلك حضر شخصان يونانيان يسمى أحدهما (ميخائيل كساب) والآخر (نماح كلام)، وقررا بأنهما مراّ في حارة اليهود في يوم الأربعاء الذي غاب فيه الأب توما، وعند وصولهما إلى أول الحارة بالقرب من شارع (طالح القبة) نظرا قبل غروب الشمس بربع ساعة خادم الأب توما داخلاً في الحارة بغاية السرعة، فسألاه إلى أين تذهب ؟ فأجابهما بأنه يفتش على سيده الذي دخل في حارة اليهود ولم يرجع!(1/75)
بعد سماع هذه الرواية تأكدت الشبهة في أن الأب توما وخادمه فقدا في حارة اليهود. ولعدم الاستدلال على شيء يذكر بعد تفتيش بعض المنازل. وضبط بعض المتهمين من اليهود، تقرر معاينة الإعلانات التي أخذها الأب توما عند خروجه من الدير، ولصقها في جملة محلات. فثبت من التحقيقات التي حصلت: انه قبل يوم الجمعة لم يكن يوجد شيء منها على باب الكنيس اليهودي، وبعد مضي يومين من ذلك التاريخ وجد أحد الإعلانات ملصقاً على المحل الظاهر من دكان حلاق إسرائيلي يدعى سليمان، وكان ساكناً بالقرب من باب الكنيس فضبط الشخص المذكور لحصر الشبهة فيه، واجتهد الوالي في الحصول على اعتراف صريح من هذا المتهم. ولكن لم يتحصل على أمنيته، لأن الحلاق اقتصر في دفاعه على أن الأب توما وضع الإعلان وذهب. ولما سئل عن كيفية إلصاق هذه الورقة بظاهر دكانه أجاب أنها ملصقة بواسطة برشانات.
وسئل عن لون هذه البرشانات فقال إن أحدهما أحمر، وثانيهما لون الليلك. سئل عن كيفية معرفة تلك الألوان مع أن البرشانات موضوعة تحت الورق، وعن سبب ارتفاع هذا الإعلان عن الأرض ارتفاعاً زائداً. وعن كيفية وصول الأب توما إلى ذلك الارتفاع (لان الإعلان كان مرتفعاً جداً عن الأرض) ؟ فقال أنه كان ينظر المارين يمسون الإعلان ويلعبون به، فخاف عليه من الضياع فأخذه من محله الأصلي ولصقه محل ما وجد. ثم استحضر الإعلان، وبالإطلاع عليه وجد أنه كان حقيقة ملصقاً ببرشانتين إحداهما حمراء والثانية لون الليلك. ثم صار الإطلاع على باقي الإعلانات المعلقة على الكنائس الفرنساوية فوجدت ملصقة بأربع قربانات من القربان المستعمل عند الرهبان، لأنهم كانوا لا يستعملون البرشان الاعتيادي!(1/76)
فأقوال الحلاق، وعدم مشابهة لون المشابك التي استعملت للصق الإعلانات والفرق الموجود بين كيفية تعليق الإعلان الذي وجد بحارة اليهود وباقي الإعلانات التي وجدت على كنائس الإفرنج، كل ذلك قوّى الشبهة وحصرها في سليمان الحلاق، وتأكد لدى المحقق أنه يعرف الحقيقة ويخفيها. ولذلك أمر بضربه بالكرباج، واستجوب بالكيفية الآتية:
يوم الجمعة /11/ ذي الحجة
سئل الحلاق بإلحاح بعدما كلف بأن يقول الحق، فصمم على الإنكار. فصدر الأمر بضربه بالكرباج، فاعترف بعد الضرب بأنه نظر القسيس المومى إليه مع الحاخامات (موسى بخور يودا)، و(موسى أبي العافية)، و(داود هراري)، وأخويه: (إسحاق وهارون)، و(يوسف لينيوده)، داخلين جميعاً في شارع التلاج بين الظهر والعصر (ما أمكن المتهم أن يعين الوقت بالضبط) في يوم الأربعاء الذي فقد فيه الأب توما، وأن القسيس المذكور كان معهم ـ وأضاف سليمان الحلاق على أقواله ما يأتي:
(يمكن الباشا أن يستحضرهم وأنا مستعد أن أعترف أمامهم. وقد مرّ من هنا (إسحاق بتشوتو)، وسألني هل اعترفت بشي ؟ ولما أجبته سلباً قال لي: إني سأتوسط في خلاصك، وتركني ومضى. ولو كنت أعلم قبل ضربي أن مواعيده مواعيد عرقوبية لكنت اعترفت).
عند ذلك استحضر الأشخاص المذكورون وسئل كل منهم بالانفراد فيما يختص باعتراف الحلاق فقالوا:
ـ يوسف لينيوده ـ كنت في منزلي ولم أخرج إلا يوم الخميس قرب الظهر لأن لي ابنة توفيت من خمسة عشر يوماً، وعادتنا أن لا نخرج من منازلنا مدة سبعة أيام عند وفاة أحد أقاربنا. وبناء على ذلك فإني لا أعلم شيئاً فيما أسأل عنه.
ـ إسحاق هراري ـ ليس لي معلومات البتة في هذه المسألة، وإني تاجر مشغول بتجارتي، وحاشى أن أرتكب فعلاً مثل هذا.
ـ داود هراري ـ لم أنظر الأب توما منذ شهرين أو ثلاثة وليس لي عادة في الاختلاط بهؤلاء الخواجات. واعترف أن منزلي حقيقة في شارع التلاج ولكني أجهل اجتماع هذه الجمعيات هناك من عدمه.(1/77)
ـ يوسف هراري ـ إن منزلي كائن في شارع التلاج. وبسبب تقدمي في السن لا أخرج إلا قليلاً، ولم أتقابل مع الأب توما منذ ثلاثة شهور، وإني ربيت ما بين المسيحيين، وينامون عندي وأنام عندهم .
ـ الحاخام موسى أبي العافية ـ إني متعود أن أدخل منزلي عند المغرب عند عودتي من السوق بواسطة المرور من شارع (الخزاطلية) وأما الشارع الآخر فإني لا أمر فيه إلا مرة في كل أسبوع ولم أختلط بأفراد هذه الجمعية، وأتذكر أني لم أقابل أحداً منهم من مدة ستة شهور ولكن حيث أن الحلاق يؤكد أنه نظرنا معاً فمن المحتمل أن نكون تقابلنا مرة ثم افترقنا، وكل منا ذهب إلى منزله. غير أني لا أتذكر ذلك والإنسان مطبوع على النسيان. أما من خصوص الأب توما فإني لم أنظره منذ شهر ونصف أو شهرين. وإني أجهل إذا كان باقي المتهمين اجتمعوا عليه أم لا.
ـ هارون هراري ـ إن منزلي مجاور لقنصلاتو إنكلترا، ولا أذهب عند إخوتي إلا نادراً. وقبل هذه الواقعة لم أتقابل مع الحلاق من منذ ثمانية أيام. وإني من الأشخاص ذوي السلوك الحميد، وإني أترك السوق قرب المغرب. ولا يعقل أننا نجتمع نحن السبعة المغرب في جمعية كهذه الجمعية المقول فيها ذلك. وهذه التهمة ملفقة ضدنا. وربما قال الحلاق ذلك مخافة من الضرب. على أنه إذا كان ذلك حصل حقيقة لكنت قلت إني وجدت في هذا الاجتماع، وإني نظرت كيت وكيت، ولكن لم يحصل شيء من ذلك.
ـ الحلاق ـ استحضر الحلاق وصار مواجهته مع باقي المتهمين فصمم على أنه نظرهم بالحالة التي ذكرها.
وعندئذ وجه كل منهم الكلام إليه قائلاً: كيف نظرتنا يا صاحبي، وهل يمكنك أن تصمم على ذلك؟ الأوفق أن تطلب من الله أن ينقذك مما أنت فيه.
ـ يوسف لينيوده ـ عندي ما يثبت وفاة ابنتي، ويشهد بذلك (يسي مكحول ومتى كبرين) اللذان كانا عندي يوم الأربعاء مساء.
ـ باقي المتهمين ـ صمموا على أن أقوال سليمان كاذبة، وأنهم لا يعودون من أشغالهم في الساعة التي قال عنها، ولكن قبل المغرب.(1/78)
ـ ثم أجاب موسى سلونكلي (الحاخام موسى بخور يودا) على الأسئلة التي توجهت إليه بأنه ليس لديه معلومات بالكلية في هذه المسألة، وأنه لم يوجد مع باقي المتهمين ولا يعلم أنهم اجتمعوا معاً أم لا وأنه لا يعود إلى منزله إلا من الساعة عشرة ونصف إلى الساعة إحدى عشر (عربي ) (1)[1]، وأنه لم يقابل الأب توما في اليوم المقول فيه ذلك.
هذا، وحيث أنه لم يظهر من التحقيقات التي حصلت شيء يعول عليه، ولكون التهمة لم تزل محصورة في المتهمين من أقوال الحلاق، تقرر لزوم استمرار حبسهم على ذمة القضية لأجل إظهار الحقيقة.
---
مقتل الأب توما
التحقيقات التي جرت في قضية خطف اليهود للأب توما وذبحهم إياه لأخذ دمه
يوم الأحد /13/ ذي الحجة
بالنسبة للشبهة المحصورة في الحلاق وما كان يظن فيه من أنه كتم الحقيقة صدر الأمر بتعذيبه بالضرب بالكرباج. ولكنه عندما سمع الأمر التمس أن يعافى من الضرب، وهو يقول الحق. وعندما صرح له بذلك قال:
(إن المتهمين السبعة الذي قلت عنهم أدخلوا الأب توما في منزل داود هراري، ودعوني بعد الغروب بنصف ساعة وقالوا لي قم فاذبح هذا القسيس! ووجدت الأب توما مربوط الذراعين فقلت لهم لا أقدر على ذبحه، فوعدوني بأنهم سيعطوني دراهم. فأخبرتهم بأن ذلك لا يهمني، فسلموني الإعلان الصغير وأمروني أن أعلقه على دكاني. والذي أعطاه لي هو هارون هراري. وقابلني داود هراري بعد ضبطي عندما كنت منقاداً إلى سراي الحكومة، فسألني هل اعترفت بشيء؟ ولما أجبته سلباً شجعني على الثبات، ووعدني بإعطائي نقوداً. والذي دعاني من الحانوت هو مراد الفتال خادم داود هراري)
ومن هنا أمر باستحضار مراد الفتال:
__________
(1) أي على أساس أن غروب الشمس يكون دائماً في الثانية عشرة.(1/79)
س ـ إلى الحلاق ـ قلت أمس كل هذا، واليوم أعدته. إنما يظهر أنك اتهمت باقي الأشخاص الذين قلت عنهم لأنك ضربت. فقل لنا الحق لأنه ليس القصد من التحقيق أنك تتهم أشخاصاً بالزور. فإذا كانت لديك أقوال أخرى فأبدها بدون خوف.
ج ـ الحق هو الذي قلته أصمم عليه أمامهم.
س ـ هل كان يوجد نساء معهم في المنزل.
ج ـ لا لم يوجد إلا هؤلاء السبعة. والخادم كان خارج المنزل.
س ـ من فتح الباب ؟
ج ـ داود هراري.
س ـ بعدما أمرك بقتل القسيس هل بقيت هناك أو انصرفت ؟
ج ـ لم أبق هناك بل رجعت لقفل حانوتي ثم دخلت منزلي.
س ـ هل كان يمكنك سماع صراخ القسيس إذا صرخ وهو في الغرفة التي كان فيها ؟
ج ـ المنزل محاط من كل جهة بمنازل اليهود، ولا يمكن أن يسمع صراخه من الخارج، مع أنهم كانوا يمنعونه من أن يصرخ.
س ـ هل كان خادمه معه ؟
ج ـ لا لم يكن معه، إنما الخادم قتل في محل آخر. والذين قتلوه كانوا متفقين على هذا الأمر مع من قتلوا الأب توما.
وحين حضر مراد الفتال خادم داود هراري سئل فأجاب:
إن سيدي أرسلني عند الحلاق سليمان بعد المغرب فقلت له اذهب إلى منزلنا لأن سيدي يدعوك، وتركته بعد ذلك ودخلت بيتي.
س ـ من كان عند سيدك ؟
ج ـ لم أنظر أحداً عنده، وكان مصاباً بنزلة في خده ولم يخرج. ثم استحضر داود هراري، وتليت عليه الإجابات السابقة فصمم على الإنكار.
وسئل قبل ذلك عن محل وجوده في يوم الأربعاء الذي حصلت فيه الواقعة فقال:
إني كنت في السوق، وتوجهت إلى الجمرك لاستلام جانب جوخ، ثم توجهت عند جرجس عنحوري، وبقيت في السوق لغاية الساعة إحدى عشرة (عربي).
استحضر جرجس عنحوري وسئل عن حقيقة ما ادعاه المتهم السابق فقال:
ج ـ حضر عندي هراري يوم الخميس لا يوم الأربعاء بعد العصر وقال لي: إن المسيحيين يتهموننا بقتل الأب توما فهل تصدق أننا نرتكب مثل هذا الأمر؟ فأجبته هم يزعمون ذلك..(1/80)
كتبت إفادة لمصلحة الجمرك للاستفهام منها عن حقيقة ما جاء بأقوال المتهم؟ فورد الرد من رئيس المصلحة يفيد: أن داود هراري لم يحضر إلى المصلحة البتة يوم الأربعاء، بل حضر مخزنجي من طرفه، واستلم جانباً من الجوخ.
يوم الثلاثاء /15/ ذي الحجة
حضر في هذا اليوم الخواجه بودين إلى سراي الوالي، وسأل الحلاق عمن أعطاه الإعلان الذي وجد على حانوته، فقال:
ج ـ هارون هراري هو الذي أعطاني هذه الورقة.
س ـ متى أعطاها لك، وفي أي محل؟
ج ـ أعطاها لي يوم الأربعاء بعد المغرب بنصف ساعة حينما كنت عند داود هراري.
س ـ من أين استحضرت البرشان؟
ج ـ هارون هراري أعطاه لي.
س ـ ومن أين استحضره ؟
ج ـ لا أعلم وهو الذي أعطاه لي مع الورقة.
س ـ هل أحد نظرك عندما كنت تعلق هذه الورقة على دكانك ؟
ج ـ لم ينظر أحد، لأني وضعتها يوم الخميس في الفجر.
س ـ هل أخبرت والدك أو زوجتك أو أحداً غيرهما بهذا الأمر ؟
ج ـ لم أخبر أحداً.
س ـ هل أعطاك نقوداً في كتمان السر ؟
ج ـ لم يعطني شيئاً بل وعدني بذلك.
س ـ من يقوم بأود عائلتك مدة وجودك في الحبس ؟
ج ـ وعدوني بأن يقوم بما يحتاج إليه عائلتي، ولكنهم لم ينفذوا ذلك الوعد.
س ـ كيف حصل ذلك الوعد ؟
ج ـ لما حضر يوم الأحد التفتشجي باشا أبو شهاب، وضبطني بعد العصر جاء داود هراري بالقرب مني، وقال لي: لا تخف، سنعطيك نقوداً.
س ـ هل يمكنك أن تحلف يميناً على حسب أصول ديانتك إذا طلب منك ذلك لتأييد ما قلت ؟
ج ـ إني أحلف بكل ما تريدون.
س ـ هل رجعت بعد يوم الأربعاء مساء عند داود هراري لتنظر ما حصل بالقسيس ؟
ج ـ لم يمكني الدخول في المنزل.
س ـ هل تعرف إذا كان الأب توما وضع إعلانات يوم الأربعاء أم لا ؟(1/81)
ج ـ نعم وضع إعلاناً، ولكني لم أنظره وقت وضعه، لأني ما كنت وقتئذ في الدكان، بل كنت عند الحاخام ميمون لأجل حجامة زوجته. ولما ذهبت عنده وجدت أن عملية الحجامة ليست ضرورية فرجعت إلى دكاني، ونظرت جملة من الأشخاص يقرأون الورقة، وأخبروني أن الأب توما لصقها على الحائط وأنها تختص بمزاد عمومي.
س ـ هل تعرف من نزع هذه الورقة ؟
ج ـ أنا لا أعلم ذلك، ولكن أظن أنه أحد عائلة هراري، لأنه إن لم يكن الأمر كذلك لم يعطوني ورقة أخرى لوضعها عوضاً عن الأولى.
يوم الأربعاء /16/ ذي الحجة
استدعي مراد الفتال وسئل:
س ـ أين كان سيدك عندما أرسلك لاستدعاء الحلاق؟
ج ـ كنت راجعاً من السوق وعند مروري أمام باب المنزل نظرت سيدي جالساً على العتبة، فقال لي: ادع الحلاق، فذهبت إليه وأخبرته بذلك، وذهبت لمنزلي.
س ـ سيدك أنكر إرسالك للحلاق فما قولك ؟
ج ـ أنا صناعتي الخدمة، فصدعت بما أمرت، واعترفت بما حصل.
س ـ إذا كان أَمَرك بذلك فلماذا ينكر ؟
ج ـ يمكن أن الحلاق اتهمه بشيء في هذه القضية،وهو خائف أن يعترف خلوصاً من المخاطرة بنفسه.
س ـ لا يعقل أنه كان جالساً على عتبة الباب وقت إرسالك إلى الحلاق، لأنه كان مريضاً ولا يمكن أن يعرض نفسه للهواء، فقل لنا على الحقيقة ولا تخف، لأنك خادم مأمور وليس لك دخل في هذه القضية.
ج ـ نعم سأقول الحق الآن، وكل ما قلته لا يعول عليه لأن الخوف ألجأني إلى تلفيقه: أما سيدي فلم يرسلني إلى الحلاق، وأنا لم أرسله إليه، وكل ذلك لم يحصل.
وحينئذ أّمر بضرب المتهم بالكرباج، ثم سئل فقال:
(أنتم استجوبتموني أمام المعلم رفائيل فارحي، فخفت منه لأنه زغر لي بعينه، فعدلت عن أقوالي الأولى).
س ـ كيف تخاف من رفائيل أكثر مني ؟
ج ـ لا شك أني أخاف من رفائيل أكثر، لأنه قادر أن يقتلني في الحارة إذا اعترفت. أما سعادتكم فغاية ما في الأمر أنكم تضربوني ثم تخلون سبيلي بعد ذلك.
يوم الجمعة /18/ ذي الحجة(1/82)
وجد قنصل فرنسا في منزل (سرازيتوم) اليهودي جارية سوداء اسمها (كيتا)، وسألها بعض أسئلة فلم تجبه بكيفية معقولة. فأرسلها للسراي لأجل استجوابها، ولكنه ظهر من استجوابها أن بها خللاً في قواها العقلية فأعيدت لسيدها.
يوم الجمعة /25/ ذي الحجة
حيث أن الشبهة قوية ضد الحلاق وأنها تتقوى من وقت إلى آخر، وأنه يظهر عليه انه يخفي الحقيقة في مسألة قتل الأب توما، وأن باقي المتهمين مصممون على الإنكار، رؤي أنه من الضروري استرجاع سليمان المذكور والتضييق عليه في الأسئلة، وأنه يسامح من العقاب إذا قال الحق في مسألة القتل. فبعد ما توقف قليلاً وأبدى حججاً باطلة اعترف بما يأتي:(1/83)
( إن داود هراري أرسل بعد المغرب بنصف ساعة خادمه ليدعوني من الحانوت. فحضرت عنده ووجدت هارون هراري، وإسحاق هراري، ويوسف هراري، ويوسف لينيوده، والحاخام موسى أبا العافية، والحاخام موسى بخور يودا سلونكلي، وداود هراري صاحب المنزل، والأب توما مربوطاً. فقال لي داود هراري وأخوه هارون. قم فاذبح القسيس، فقلت لهما لا أقدر. فقالا لي، اصبر، وقاما فأحضرا السكين، وألقيته أنا على الأرض، ومسكته مع البقية، ووضعت رقبته على طشت كبير، وأخذ داود السكين الكبير، وذبحه وأجهز عليه هارون أخوه، وحافظا على عدم سقوط نقطة من دمه خارج الطشت! وبعد ذلك جررناه من الأوضة التي ذبحناه فيها إلى التي فيها الخشب. ثم نزعنا ثيابه وأحرقوها. ثم حضر الخادم مراد الفتال ونظره عرياناً في المربع الذي فيه الخشب. فقال لي وللخادم السبعةُ المذكورون؛ قطعا القسيس إرباً إرباً فسألناهم أين ترمونه؟ فقالوا ارمياه في المصارف. فصرنا نقطعه إرباً إرباً، ونضعه في الكيس مرة بعد أخرى، ونحمله إلى المصرف. والمصرف الذي رميناه فيه عند أول حارة اليهود بجانب منزل الحاخام موسى أبي العافية. ثم رجعنا إلى بيت داود هراري،وعند انتهاء المأمورية قالوا للخادم أن يكتم السر، ووعدوه بأنهم يزوجونه من مالهم مكافأة له على ذلك، ولي أنهم سيعطوني دراهم. وتوجهت إلى منزلنا.
س ـ كيف عملتم بعظامه ؟
ج ـ كسرناها بيد الهاون.
س ـ ورأسه كيف عملتم به ؟
ج ـ كسرناه بيد الهاون أيضاً.
س ـ هل دفعوا لك شيئاً من النقود ؟
ج ـ وعدوني بأن يدفعوا لي دراهم إذا كتمت السرّ، وإذا بحت به يتهموني بالقتل. وأما الخادم فوعدوه بالزواج كما ذكرت.
س ـ كيف كان الكيس الذي وضعتم فيه الجثة، وهل كان كيساً واحداً أو اثنين، وإذا كان واحداً فهل حملته بمفردك، وإذا يوجد اثنان فهل كنت تحمل واحداً والخادم الآخر؟ وما كان لون هذا الكيس؟(1/84)
ج ـ الكيس مصنوعاً من القماش المستعمل عادة لتحزيم البضائع، وهو مثل أكياس البن، ولونه سنجابي، وكان يوجد كيس واحد، وكنا نحمله أنا والخادم بمساعدة بعضنا.
س ـ كيف كانت تلك المساعدة ؟
ج ـ كنا تارة نحمله معاً، وطوراً كل منا يحمله بمفرده.
س ـ وماذا فعلتم بذلك الكيس بعد نقل الجثة ؟
ج ـ تركناه عند داوه هراري.
س ـ من تقريرك ظهر أنكم حين ذبحتم الأب توما وضعتم دمه في طشت، ولم يذهب من دمه نقطة واحدة فبعد أن جررتموه إلى المربع الثاني هل خرج منه دم وأنتم تقطعونه ؟
ج ـ بسبب اضطرابي لم أنتبه لذلك.
س ـ المربع الذي قطعتموه فيه بأي شيء مفروش وهل هو مبلط أم لا ؟
ج ـ المربع خراب وفيه تراب وخشب فقط والتقطيع كان على التراب.
س ـ كيف عملتم بأحشائه وهل قطعتموها ؟ وماذا صنعتم بما في داخلها، وكيف حملتموها ؟
ج ـ أحشاؤه قطعناها وأخذناها في الكيس أيضاً وألقيناها في أحد المصارف.
س ـ هل كانت المواد التي وجدت داخل الأحشاء تنقط من الكيس ؟
ج ـ لا لأن أكياس البن لما تكون مبلولة لا ينقط منها شيء.
س ـ وقت تقطيع الأب توما كم كان عدد الذين قطعوه، وكم سكين كان معكم، وما هي أجناسها ؟
ج ـ كنت أنا والخادم نقطعه. والسبعة الذين ذكرتهم كانوا يعلموننا كيف نقطعه. وكان معنا سكين واحد أقطع بها أنا والخادم، فكلما تعب الواحد أخذها الآخر وجنسها من جنس السكاكين التي يستعملها الجزارون.
س ـ وماذا فعلتم بهذا السكين ؟
ج ـ تركناه في المنزل.
س ـ على أي بلاطة كسرتم العظام بعد تقطيع الأب توما ؟
ج ـ على بلاطة موجودة بين المربعين.
س ـ هل المحل بين الأوضتين مغطى ؟
ج ـ إنه مكشوف.
س ـ لما ذبح الأب توما هل كان الخادم مراد الفتال حاضراً ؟ وإذا كان غير حاضر فهل حضر فيما بعد، ومن الذي فتح له الباب ؟
ج ـ وقت الذبح لم يكن حاضراً، إنما حضر وقت نقل الأب توما من المربع الثاني، ونزع ملابسه عنه. والذي فتح له الباب أحد المتهمين.(1/85)
س ـ هل كان يوجد في المنزل غير المتهمين كنساء أو خلافهن؟
ج ـ لم أنظر غير هؤلاء السبعة والخادم.
س ـ في أي ساعة حصل القتل بالتقريب ؟ وتصفى الدم في كم من الزمن؟ وفي أي وقت نقلتموه إلى المربع الثاني؟ وفي أي وقت رجع الخادم ؟ وفي كم ساعة حصل القتل ؟ وبعد أخذ الدم ماذا فعلتم ؟
ج ـ أظن أن القتل حصل في العشاء أو بعد العشاء بقليل واستمر القسيس على الطشت مدة نصف ساعة أو ثلثي ساعة لغاية ما تصفى الدم بالكلية. ثم نقلناه في المربع الثاني بعد العشاء بساعة ونصف. وحضر الخادم وقتما كانت الجثة في الأوضة التي فيها الخشب. ولما تم كل شيء كانت الساعة ثمانية تقريبا (1)[1]ً. أم الدم فإنه بقي في الطشت في الأوضة المفروشة. ولا أعرف ما صنعوا به وعند خروجي تركت الخادم في المنزل.
س ـ في أي محل نزعت الملابس ومن الذي نزعها ؟
ج ـ نزعت الملابس في المربع الذي حصل فيه التقطيع. والذين نزعوها هم داود وهارون هراري، وباقي الحاضرين.
س ـ ما هو لون الملابس التي كانت على القسيس ؟ وما نوع ولون الحزام؟
ج ـ الملابس كانت سوداء والحزام حبل أبيض كالعادة.
س ـ المصرف الذي ألقيت فيه الجثة مغطى أو مكشوف؟ وإذا كان مغطى فكيف صنعتم في كشفه؟
ج ـ المصرف يوجد في أول سوق الفراخ بالقرب من منزل الحاخام (موسى أبي العافية). ويوجد هناك حجر مغطى به. فرفعناه وألقينا الجثة فيه.
(ملحوظة)
__________
(1) أي بعد غروب الشمس بثماني ساعات بالتقويم العربي.(1/86)
بعد استجواب الحلاق أرسل إلى حبس منفرد. واستحضر مراد الفتال، وسئل عما حصل وقت قتل الأب توما. ووُعد أن ينال العفو إذا قال الحق. فأجاب بأنه ما كان حاضراً وقت القتل بل حضر بعده، ووجد الجثة عارية من الملابس في المربع الخراب الموجود فيه التراب والخشب، وأنه قطعه بمساعدة الحلاق، وبحضور داود وهارون هراري، وإسحاق هراري، ويوسف هراري، ويوسف لينيوده، والحاخام موسى أبي العافية، والحاخام موسى بخور يودا المشهور بسالونكلي، وأن الجثة قطعت إرباً إرباً، وأنها رميت بمساعدة الحلاق في أحد المصارف،وأنهما نقلاها في كيس بن.
س ـ وماذا فعلتم بعظامه ؟
ج ـ سحقناها على البلاط بيد الهاون.
س ـ والرأس ؟
ج ـ كسرناه على البلاط أيضاً بالكيفية نفسها.
س ـ هل أخذتم أجرة على ذلك ؟
ج ـ وعدوني أن يزوجوني من مالهم، وقالوا للحلاق أنهم سيعطونه دراهم.
س ـ ما نوع القماش الذي كان مصنوعاً منه الكيس الذي نقلت فيه الجثة، وهل كان يوجد كيس واحد أو أكثر، وهل حملتموه معاً، أو كان الحلاق يحمل واحداً وأنت تحمل الآخر، وما لون الكيس ؟
ج ـ كان معنا كيس واحد وكنا نتساعد في حمله وأحياناً يحمله كل منا بمفرده. أما لونه فكان سنجابياً فاتحاً.
س ـ وماذا فعلتم بالكيس بعد النقل.
ج ـ لا أعرف ما صنعوا به.
س ـ ظهر من تقرير الحلاق أنه وقت ذبح الأب توما وضعوا دمه في طشت، ولم يذهب نقطة واحدة ولكن هل وقت تقطيع الجثة في المربع الثاني خرج منها دم ؟
ج ـ نعم قد بل الأرض وقتئذ، ولكن لم يؤخذ ذلك الدم في آنية من الأواني.
س ـ كيف عملتم بالأحشاء وهل قطعتموها، وماذا صنعتم بما في داخلها، وكيف حملتموها ؟
ج ـ قطعنا الأحشاء بما فيها، ووضعنا الكل داخل الكيس، ورميناه في المصرف.
س ـ هل كان ينقط شيء من الكيس ؟
ج ـ لا، لأن الكيس كان من القماش المتين القوي.
س ـ كم كان عدد الذين قطعوا الجثة، وكم سكين كان معكم، وما هي أجناسها ؟(1/87)
ج ـ كان معنا سكين واحد، وجنسها من جنس سكاكين الجزارين. وكنت أنا وسليمان نقطعه والباقون كانوا حاضرين فقط.
س ـ لما حضرت ووجدت الجثة عريانة هل سألت عن الملابس ؟
ج ـ سألت فقيل لي إنها حرقت.
س ـ بعد تقطيع القسيس كسرتم عظامه على أي بلاطة ؟
ج ـ على بلاطة بين المربعين وأمام أبوابهما، وهو محل مغطى بسقف في هذه النقطة.
س ـ لما كسر الرأس بالطبع خرج منه المخ فماذا صنعتم به ؟
ج ـ جمعنا العظام والمخ ورميناها معاً.
س ـ في أي وقت ابتدأتم في التقطيع ومتى انتهيتم ؟
ج ـ ابتدأنا الساعة ثلاثة ليلاً وانتهينا الساعة السابعة على الأكثر.
س ـ هل كان المصرف الذي ألقيتم فيه البقايا مكشوفاً أم لا، وإذا كان مغطى فكيف صنعتم ؟
ج ـ هذا المصرف هو بالقرب من منزل الحاخام موسى أبي العافية وكان مغطى بحجر فرفعناه ورمينا ما كان معنا فيه.
س ـ وأين توجه الحلاق ؟
ج ـ الحلاق ذهب إلى منزله.
س ـ وأنت إلى متى بقيت عند سيدك بعد ذلك ؟ واستيقظ هؤلاء الأشخاص في أي ساعة، وما الذي صنعوه، وأين نمت تلك الليلة ؟
ج ـ مكثت ساعة أو ساعة ونصفاً بعد خروج الحلاق. ولما خرجت من المنزل تركت فيه أناساً لا أعرف أمضوا ليلتهم هناك أم ذهب كل منهم إلى منزله. ولا أعلم ما فعلوه لأني ذهبت لأنام في منزلي بعد ما قدمت لهم بعض نرجيلات ملآنة من التنباك.
سؤال من قنصل فرنسا: ما منفعة الدم عندهم ؟
ج ـ يستعملونه في الفطير.
س ـ كيف تعلم ذلك.
ج ـ سمعت منهم أن الدم يستعمل للفطير.
سؤال من الأمير الاي حسن بك: بما أنك ما نظرت الدم فمن أين علمت أنه يستعمل للفطير ؟
ج ـ سألتهم لأي سبب أخذتم الدم ؟ فقالوا لي لأجل عيد الفطير(!!)
س ـ هل حصل قتل الأب توما لمسألة دينية، أو كان يوجد بينه وبين القاتلين ضغائن، وهل كانوا يريدون أن يسلبوا دراهمه ؟
ج ـ أنا لا أعلم السبب الحقيقي بالضبط.(1/88)
(ملحوظة) من الأمير الاي حسن بك ـ حيث أن اعتراف المتهمين لا يوجد فيه اختلاف فلنذهب مع الخواجه بودين والدكتور مساري لمعاينة المحل الذي حصل فيه تكسير العظام، لأنه من الجائز أن نجد آثار على البلاط. ثم نعاين ذلك المربع الذي صار تقطيع القسيس فيه، والمصرف الذي ألقيت فيه الجثة، ولنأخذ معنا المتهمين ليدلونا على هذه المحلات كل منهم على حدته. ولنبحث عن إمكان تحويل المياه الجارية في ذلك المصرف عن مجراها الأصلي بسهولة حتى يمكننا أن نجد البقايا التي رميت فيه.
بناء على ذلك توجه المذكورون ووصلوا إلى منزل داود هراري، وسئل سليمان الحلاق!
س ـ في أي محل ذبحتموه ؟
ج ـ في هذه الأوضة المفروشة، وكان مسطحاً في وسطها، ووضع الطشت تحت رقبته وذبح.
س ـ وأين صار تقطيعه ؟
ج ـ في هذا المربع الخراب الموجود فيه الخشب (هنا أشار سليمان أن التقطيع حصل تحت القبوة) بالقرب من باب المربع من جهة الغرب (شوهد وقت المعاينة آثار دم على حائط المربع المذكور).
س ـ أين صار تكسير العظام ؟
ج ـ في هذا المحل بين الأوضتين أمام الليوان (وجد البلاط منخفض في الجهة المعينة عن البلاط الموجود في باقي الأوضة). ثم صار استحضار يد الهاون، وعرفها المتهمون أنها هي التي استعملت في التكسير. ثم طلبت السكاكين فاستحضر ثلاثة منها. وعندما نظرها الحلاق قال: إن التي استعملت ليست بينها لأنها أكبر من هؤلاء وأحسن فطلبت سكاكين أخرى، وقيل أنه لا يوجد غير ما استحضر.
وبعد ذلك حبس الحلاق في الأوضة التي حصل فيها القتل واستحضر الخادم وسئل عن المحل الذي كان فيه القسيس عرياناً ؟ فعين المحل السابق بعد تعيينه من الحلاق.
س ـ أين صار تكسير العظام ؟
ج ـ (عين المحل الذي عينه الحلاق).(1/89)
ثم طلبت يد الهاون ونظرها فقال أنها هي نفسها التي استعملت. وعندما نظر السكاكين قال: إن السكين الذي استعمل في القتل ليس ضمن هؤلاء. ولما أرادوا معرفة المحل الذي ألقيت فيه الجثة دل المتهم على سوق الجمعة المسمى أيضاً بسوق الفراخ أمام منزل موسى أبي العافية،وعين المحل الذي فتح لرمي البقايا.
عند ذلك أُخذ مراد الفتال وأرسل إلى السراي، واستحضر الحلاق سليمان من منزل داود هراري، وعند وصوله إلى النقطة التي عينها المتهم الأول قال: ها هي وأشار بيده نحوها.
ثم فتح المصرف فوجد فيه آثار دم، قطع لحم. واستحضر بعض الشغالة ونزلوا في المصرف، واستخرجوا منه جملة قطع لحم، ورضفة (فلكة الركبة) وقطعة من القلب، والجمجمة، وبعض عظام، وقطعاً من طاقية القسيس. ووضع كل ذلك في سلة، وسلم إلى قنصل فرنسا لتوقيع الكشف عليه بمعرفة الأطباء بعدما نظره شريف باشا، واطلع المتهمون عليه.
ووصل بعد قليل جواب من قنصلاتو فرنسا مرفق بالأوراق الآتية وهي:
أولاً ـ شهادة من قنصل النمسا مؤرخة /3/ مارس (آذار)
ثانياً ـ تقرير من أربعة أطباء أورباويين.
ثالثاً ـ تقرير من ستة أطباء مسلمين ومعهم طبيب مسيحي من البلد.
رابعاً ـ شهادة من حلاق الأب توما الذي كان يحلق له عادة.
ثم استحضر إسحاق هراري، وسئل عن كيفية حصول قتل الأب توما، ولأي سبب قتل، فقال:
ج ـ حقيقة أحضرنا الأب توما عند داود باتفاقنا معاً، وقتلناه لأخذ دمه. وبعد أن وضعنا الدم في قنينة أرسلناه إلى الحاخام موسى أبي العافية. وكنا نصنع ذلك اعتقاداً بأن الدم ضروري لإتمام فروض ديانتنا.
س ـ هل الزجاجة التي كان فيها الدم سوداء أو بيضاء ؟
ج ـ الزجاجة كانت بيضاء.
س ـ من سلم الزجاجة للحاخام موسى أبي العافية ؟
ج ـ الحاخام موسى سلونكلي.
س ـ لماذا يستعمل الدم في ديانتكم ؟
ج ـ يصير استعماله لأجل خبز الفطير.
س ـ هل يوزع الدم على جميع اليهود.
ج ـ كلا إن ذلك غير ضروري إنما يحفظ عند الحاخام الكبير.(1/90)
س ـ كيف فعلتم لما استحضر الأب توما ؟
ج ـ موسى سلونكلي، وموسى أبي العافية، هما اللذان دبرا هذه الحيلة
س ـ أين قتلتموه ؟
ج ـ في الأوضة المفروشة على المسطبة.
س ـ من ذبحه ؟
ج ـ موسى أبي العافية وداود هراري.
س ـ وبعد الذبح أخذتم الدم في أي شيء ؟!
ج ـ في طشت من نحاس
س ـ وهل بقي بعد ذلك مدة طويلة في الأوضة ؟
ج ـ بقي نصف ساعة تقريباً.
س ـ في أي محل صار تقطيعه ؟
ج ـ في المربع الخراب.
س ـ من قطعه ؟
ج ـ كلنا تقريباً، وخصوصاً سليمان ومراد الفتال.
س ـ من رمى البقايا وفي أي شيء صار نقلها ؟
ج ـ نقلها الحلاق والخادم، ووضعت في كيس سنجابي من القماش المعد لحزم البضائع.
س ـ في أي ساعة حصل القتل وفي أي وقت تم ؟
ج ـ حصل الساعة واحدة ونصف، وانتهى الساعة الرابعة.
س ـ هل نمت في المنزل أم كل واحد ذهب إلى منزله.
ج ـ بعد انتهاء المسألة كل منا ذهب إلى منزله.
س ـ هل كان أحد من الحريم في المنزل ؟ وإذا كن حاضرات ففي أي أوضة ؟
ج ـ أظن أنهن كن في أوضة بحرية ولكني لم أنظرهن.
س ـ بالطبع اتفقتم على هذه المسألة قبل وقوعها بأيام، فقل لنا كيف حصل ذلك بينكم.
ج ـ اعتمدنا أن يستحضر القسيسَ موسى أبي العافية، وموسى سلونكلي بدعوى أنه يطعم لهما طفلاً بالجدري، وقد اتفقا على استحضاره بهذه الحيلة في منزل موسى أبي العافية من يومين أو ثلاثة قبل حصول الواقعة. ثم استحضرناه عند أخي داود هراري وذبحناه.
س ـ قلت إن الزجاجة موجودة عند موسى أبي العافية، فإذا استحضرناه أمامك وأنكر فهل لديك ما يثبت وجودها عنده ؟
ج ـ أنا متأكد أن موسى أبي العافية هو الذي أخذ الزجاجة، ولكني لا أعرف أين وضعها. فإذا أنكر أجادله.
س ـ عندما أخذ موسى أبي العافية الزجاجة هل وضعها في علبة أو في شيء آخر ؟
ج ـ لا لم يضعها داخل شيء، بل أخفاها تحت جبته وخرج بها.
---
مقتل الأب توما
التحقيقات التي جرت في قضية خطف اليهود للأب توما وذبحهم إياه لأخذ دمه(1/91)
يوم الأحد /13/ ذي الحجة
بالنسبة للشبهة المحصورة في الحلاق وما كان يظن فيه من أنه كتم الحقيقة صدر الأمر بتعذيبه بالضرب بالكرباج. ولكنه عندما سمع الأمر التمس أن يعافى من الضرب، وهو يقول الحق. وعندما صرح له بذلك قال:
(إن المتهمين السبعة الذي قلت عنهم أدخلوا الأب توما في منزل داود هراري، ودعوني بعد الغروب بنصف ساعة وقالوا لي قم فاذبح هذا القسيس! ووجدت الأب توما مربوط الذراعين فقلت لهم لا أقدر على ذبحه، فوعدوني بأنهم سيعطوني دراهم. فأخبرتهم بأن ذلك لا يهمني، فسلموني الإعلان الصغير وأمروني أن أعلقه على دكاني. والذي أعطاه لي هو هارون هراري. وقابلني داود هراري بعد ضبطي عندما كنت منقاداً إلى سراي الحكومة، فسألني هل اعترفت بشيء؟ ولما أجبته سلباً شجعني على الثبات، ووعدني بإعطائي نقوداً. والذي دعاني من الحانوت هو مراد الفتال خادم داود هراري)
ومن هنا أمر باستحضار مراد الفتال:
س ـ إلى الحلاق ـ قلت أمس كل هذا، واليوم أعدته. إنما يظهر أنك اتهمت باقي الأشخاص الذين قلت عنهم لأنك ضربت. فقل لنا الحق لأنه ليس القصد من التحقيق أنك تتهم أشخاصاً بالزور. فإذا كانت لديك أقوال أخرى فأبدها بدون خوف.
ج ـ الحق هو الذي قلته أصمم عليه أمامهم.
س ـ هل كان يوجد نساء معهم في المنزل.
ج ـ لا لم يوجد إلا هؤلاء السبعة. والخادم كان خارج المنزل.
س ـ من فتح الباب ؟
ج ـ داود هراري.
س ـ بعدما أمرك بقتل القسيس هل بقيت هناك أو انصرفت ؟
ج ـ لم أبق هناك بل رجعت لقفل حانوتي ثم دخلت منزلي.
س ـ هل كان يمكنك سماع صراخ القسيس إذا صرخ وهو في الغرفة التي كان فيها ؟
ج ـ المنزل محاط من كل جهة بمنازل اليهود، ولا يمكن أن يسمع صراخه من الخارج، مع أنهم كانوا يمنعونه من أن يصرخ.
س ـ هل كان خادمه معه ؟
ج ـ لا لم يكن معه، إنما الخادم قتل في محل آخر. والذين قتلوه كانوا متفقين على هذا الأمر مع من قتلوا الأب توما.(1/92)
وحين حضر مراد الفتال خادم داود هراري سئل فأجاب:
إن سيدي أرسلني عند الحلاق سليمان بعد المغرب فقلت له اذهب إلى منزلنا لأن سيدي يدعوك، وتركته بعد ذلك ودخلت بيتي.
س ـ من كان عند سيدك ؟
ج ـ لم أنظر أحداً عنده، وكان مصاباً بنزلة في خده ولم يخرج. ثم استحضر داود هراري، وتليت عليه الإجابات السابقة فصمم على الإنكار.
وسئل قبل ذلك عن محل وجوده في يوم الأربعاء الذي حصلت فيه الواقعة فقال:
إني كنت في السوق، وتوجهت إلى الجمرك لاستلام جانب جوخ، ثم توجهت عند جرجس عنحوري، وبقيت في السوق لغاية الساعة إحدى عشرة (عربي).
استحضر جرجس عنحوري وسئل عن حقيقة ما ادعاه المتهم السابق فقال:
ج ـ حضر عندي هراري يوم الخميس لا يوم الأربعاء بعد العصر وقال لي: إن المسيحيين يتهموننا بقتل الأب توما فهل تصدق أننا نرتكب مثل هذا الأمر؟ فأجبته هم يزعمون ذلك..
كتبت إفادة لمصلحة الجمرك للاستفهام منها عن حقيقة ما جاء بأقوال المتهم؟ فورد الرد من رئيس المصلحة يفيد: أن داود هراري لم يحضر إلى المصلحة البتة يوم الأربعاء، بل حضر مخزنجي من طرفه، واستلم جانباً من الجوخ.
يوم الثلاثاء /15/ ذي الحجة
حضر في هذا اليوم الخواجه بودين إلى سراي الوالي، وسأل الحلاق عمن أعطاه الإعلان الذي وجد على حانوته، فقال:
ج ـ هارون هراري هو الذي أعطاني هذه الورقة.
س ـ متى أعطاها لك، وفي أي محل؟
ج ـ أعطاها لي يوم الأربعاء بعد المغرب بنصف ساعة حينما كنت عند داود هراري.
س ـ من أين استحضرت البرشان؟
ج ـ هارون هراري أعطاه لي.
س ـ ومن أين استحضره ؟
ج ـ لا أعلم وهو الذي أعطاه لي مع الورقة.
س ـ هل أحد نظرك عندما كنت تعلق هذه الورقة على دكانك ؟
ج ـ لم ينظر أحد، لأني وضعتها يوم الخميس في الفجر.
س ـ هل أخبرت والدك أو زوجتك أو أحداً غيرهما بهذا الأمر ؟
ج ـ لم أخبر أحداً.
س ـ هل أعطاك نقوداً في كتمان السر ؟
ج ـ لم يعطني شيئاً بل وعدني بذلك.(1/93)
س ـ من يقوم بأود عائلتك مدة وجودك في الحبس ؟
ج ـ وعدوني بأن يقوم بما يحتاج إليه عائلتي، ولكنهم لم ينفذوا ذلك الوعد.
س ـ كيف حصل ذلك الوعد ؟
ج ـ لما حضر يوم الأحد التفتشجي باشا أبو شهاب، وضبطني بعد العصر جاء داود هراري بالقرب مني، وقال لي: لا تخف، سنعطيك نقوداً.
س ـ هل يمكنك أن تحلف يميناً على حسب أصول ديانتك إذا طلب منك ذلك لتأييد ما قلت ؟
ج ـ إني أحلف بكل ما تريدون.
س ـ هل رجعت بعد يوم الأربعاء مساء عند داود هراري لتنظر ما حصل بالقسيس ؟
ج ـ لم يمكني الدخول في المنزل.
س ـ هل تعرف إذا كان الأب توما وضع إعلانات يوم الأربعاء أم لا ؟
ج ـ نعم وضع إعلاناً، ولكني لم أنظره وقت وضعه، لأني ما كنت وقتئذ في الدكان، بل كنت عند الحاخام ميمون لأجل حجامة زوجته. ولما ذهبت عنده وجدت أن عملية الحجامة ليست ضرورية فرجعت إلى دكاني، ونظرت جملة من الأشخاص يقرأون الورقة، وأخبروني أن الأب توما لصقها على الحائط وأنها تختص بمزاد عمومي.
س ـ هل تعرف من نزع هذه الورقة ؟
ج ـ أنا لا أعلم ذلك، ولكن أظن أنه أحد عائلة هراري، لأنه إن لم يكن الأمر كذلك لم يعطوني ورقة أخرى لوضعها عوضاً عن الأولى.
يوم الأربعاء /16/ ذي الحجة
استدعي مراد الفتال وسئل:
س ـ أين كان سيدك عندما أرسلك لاستدعاء الحلاق؟
ج ـ كنت راجعاً من السوق وعند مروري أمام باب المنزل نظرت سيدي جالساً على العتبة، فقال لي: ادع الحلاق، فذهبت إليه وأخبرته بذلك، وذهبت لمنزلي.
س ـ سيدك أنكر إرسالك للحلاق فما قولك ؟
ج ـ أنا صناعتي الخدمة، فصدعت بما أمرت، واعترفت بما حصل.
س ـ إذا كان أَمَرك بذلك فلماذا ينكر ؟
ج ـ يمكن أن الحلاق اتهمه بشيء في هذه القضية،وهو خائف أن يعترف خلوصاً من المخاطرة بنفسه.(1/94)
س ـ لا يعقل أنه كان جالساً على عتبة الباب وقت إرسالك إلى الحلاق، لأنه كان مريضاً ولا يمكن أن يعرض نفسه للهواء، فقل لنا على الحقيقة ولا تخف، لأنك خادم مأمور وليس لك دخل في هذه القضية.
ج ـ نعم سأقول الحق الآن، وكل ما قلته لا يعول عليه لأن الخوف ألجأني إلى تلفيقه: أما سيدي فلم يرسلني إلى الحلاق، وأنا لم أرسله إليه، وكل ذلك لم يحصل.
وحينئذ أّمر بضرب المتهم بالكرباج، ثم سئل فقال:
(أنتم استجوبتموني أمام المعلم رفائيل فارحي، فخفت منه لأنه زغر لي بعينه، فعدلت عن أقوالي الأولى).
س ـ كيف تخاف من رفائيل أكثر مني ؟
ج ـ لا شك أني أخاف من رفائيل أكثر، لأنه قادر أن يقتلني في الحارة إذا اعترفت. أما سعادتكم فغاية ما في الأمر أنكم تضربوني ثم تخلون سبيلي بعد ذلك.
يوم الجمعة /18/ ذي الحجة
وجد قنصل فرنسا في منزل (سرازيتوم) اليهودي جارية سوداء اسمها (كيتا)، وسألها بعض أسئلة فلم تجبه بكيفية معقولة. فأرسلها للسراي لأجل استجوابها، ولكنه ظهر من استجوابها أن بها خللاً في قواها العقلية فأعيدت لسيدها.
يوم الجمعة /25/ ذي الحجة
حيث أن الشبهة قوية ضد الحلاق وأنها تتقوى من وقت إلى آخر، وأنه يظهر عليه انه يخفي الحقيقة في مسألة قتل الأب توما، وأن باقي المتهمين مصممون على الإنكار، رؤي أنه من الضروري استرجاع سليمان المذكور والتضييق عليه في الأسئلة، وأنه يسامح من العقاب إذا قال الحق في مسألة القتل. فبعد ما توقف قليلاً وأبدى حججاً باطلة اعترف بما يأتي:(1/95)
( إن داود هراري أرسل بعد المغرب بنصف ساعة خادمه ليدعوني من الحانوت. فحضرت عنده ووجدت هارون هراري، وإسحاق هراري، ويوسف هراري، ويوسف لينيوده، والحاخام موسى أبا العافية، والحاخام موسى بخور يودا سلونكلي، وداود هراري صاحب المنزل، والأب توما مربوطاً. فقال لي داود هراري وأخوه هارون. قم فاذبح القسيس، فقلت لهما لا أقدر. فقالا لي، اصبر، وقاما فأحضرا السكين، وألقيته أنا على الأرض، ومسكته مع البقية، ووضعت رقبته على طشت كبير، وأخذ داود السكين الكبير، وذبحه وأجهز عليه هارون أخوه، وحافظا على عدم سقوط نقطة من دمه خارج الطشت! وبعد ذلك جررناه من الأوضة التي ذبحناه فيها إلى التي فيها الخشب. ثم نزعنا ثيابه وأحرقوها. ثم حضر الخادم مراد الفتال ونظره عرياناً في المربع الذي فيه الخشب. فقال لي وللخادم السبعةُ المذكورون؛ قطعا القسيس إرباً إرباً فسألناهم أين ترمونه؟ فقالوا ارمياه في المصارف. فصرنا نقطعه إرباً إرباً، ونضعه في الكيس مرة بعد أخرى، ونحمله إلى المصرف. والمصرف الذي رميناه فيه عند أول حارة اليهود بجانب منزل الحاخام موسى أبي العافية. ثم رجعنا إلى بيت داود هراري،وعند انتهاء المأمورية قالوا للخادم أن يكتم السر، ووعدوه بأنهم يزوجونه من مالهم مكافأة له على ذلك، ولي أنهم سيعطوني دراهم. وتوجهت إلى منزلنا.
س ـ كيف عملتم بعظامه ؟
ج ـ كسرناها بيد الهاون.
س ـ ورأسه كيف عملتم به ؟
ج ـ كسرناه بيد الهاون أيضاً.
س ـ هل دفعوا لك شيئاً من النقود ؟
ج ـ وعدوني بأن يدفعوا لي دراهم إذا كتمت السرّ، وإذا بحت به يتهموني بالقتل. وأما الخادم فوعدوه بالزواج كما ذكرت.
س ـ كيف كان الكيس الذي وضعتم فيه الجثة، وهل كان كيساً واحداً أو اثنين، وإذا كان واحداً فهل حملته بمفردك، وإذا يوجد اثنان فهل كنت تحمل واحداً والخادم الآخر؟ وما كان لون هذا الكيس؟(1/96)
ج ـ الكيس مصنوعاً من القماش المستعمل عادة لتحزيم البضائع، وهو مثل أكياس البن، ولونه سنجابي، وكان يوجد كيس واحد، وكنا نحمله أنا والخادم بمساعدة بعضنا.
س ـ كيف كانت تلك المساعدة ؟
ج ـ كنا تارة نحمله معاً، وطوراً كل منا يحمله بمفرده.
س ـ وماذا فعلتم بذلك الكيس بعد نقل الجثة ؟
ج ـ تركناه عند داوه هراري.
س ـ من تقريرك ظهر أنكم حين ذبحتم الأب توما وضعتم دمه في طشت، ولم يذهب من دمه نقطة واحدة فبعد أن جررتموه إلى المربع الثاني هل خرج منه دم وأنتم تقطعونه ؟
ج ـ بسبب اضطرابي لم أنتبه لذلك.
س ـ المربع الذي قطعتموه فيه بأي شيء مفروش وهل هو مبلط أم لا ؟
ج ـ المربع خراب وفيه تراب وخشب فقط والتقطيع كان على التراب.
س ـ كيف عملتم بأحشائه وهل قطعتموها ؟ وماذا صنعتم بما في داخلها، وكيف حملتموها ؟
ج ـ أحشاؤه قطعناها وأخذناها في الكيس أيضاً وألقيناها في أحد المصارف.
س ـ هل كانت المواد التي وجدت داخل الأحشاء تنقط من الكيس ؟
ج ـ لا لأن أكياس البن لما تكون مبلولة لا ينقط منها شيء.
س ـ وقت تقطيع الأب توما كم كان عدد الذين قطعوه، وكم سكين كان معكم، وما هي أجناسها ؟
ج ـ كنت أنا والخادم نقطعه. والسبعة الذين ذكرتهم كانوا يعلموننا كيف نقطعه. وكان معنا سكين واحد أقطع بها أنا والخادم، فكلما تعب الواحد أخذها الآخر وجنسها من جنس السكاكين التي يستعملها الجزارون.
س ـ وماذا فعلتم بهذا السكين ؟
ج ـ تركناه في المنزل.
س ـ على أي بلاطة كسرتم العظام بعد تقطيع الأب توما ؟
ج ـ على بلاطة موجودة بين المربعين.
س ـ هل المحل بين الأوضتين مغطى ؟
ج ـ إنه مكشوف.
س ـ لما ذبح الأب توما هل كان الخادم مراد الفتال حاضراً ؟ وإذا كان غير حاضر فهل حضر فيما بعد، ومن الذي فتح له الباب ؟
ج ـ وقت الذبح لم يكن حاضراً، إنما حضر وقت نقل الأب توما من المربع الثاني، ونزع ملابسه عنه. والذي فتح له الباب أحد المتهمين.(1/97)
س ـ هل كان يوجد في المنزل غير المتهمين كنساء أو خلافهن؟
ج ـ لم أنظر غير هؤلاء السبعة والخادم.
س ـ في أي ساعة حصل القتل بالتقريب ؟ وتصفى الدم في كم من الزمن؟ وفي أي وقت نقلتموه إلى المربع الثاني؟ وفي أي وقت رجع الخادم ؟ وفي كم ساعة حصل القتل ؟ وبعد أخذ الدم ماذا فعلتم ؟
ج ـ أظن أن القتل حصل في العشاء أو بعد العشاء بقليل واستمر القسيس على الطشت مدة نصف ساعة أو ثلثي ساعة لغاية ما تصفى الدم بالكلية. ثم نقلناه في المربع الثاني بعد العشاء بساعة ونصف. وحضر الخادم وقتما كانت الجثة في الأوضة التي فيها الخشب. ولما تم كل شيء كانت الساعة ثمانية تقريبا (1)[1]ً. أم الدم فإنه بقي في الطشت في الأوضة المفروشة. ولا أعرف ما صنعوا به وعند خروجي تركت الخادم في المنزل.
س ـ في أي محل نزعت الملابس ومن الذي نزعها ؟
ج ـ نزعت الملابس في المربع الذي حصل فيه التقطيع. والذين نزعوها هم داود وهارون هراري، وباقي الحاضرين.
س ـ ما هو لون الملابس التي كانت على القسيس ؟ وما نوع ولون الحزام؟
ج ـ الملابس كانت سوداء والحزام حبل أبيض كالعادة.
س ـ المصرف الذي ألقيت فيه الجثة مغطى أو مكشوف؟ وإذا كان مغطى فكيف صنعتم في كشفه؟
ج ـ المصرف يوجد في أول سوق الفراخ بالقرب من منزل الحاخام (موسى أبي العافية). ويوجد هناك حجر مغطى به. فرفعناه وألقينا الجثة فيه.
(ملحوظة)
__________
(1) أي بعد غروب الشمس بثماني ساعات بالتقويم العربي.(1/98)
بعد استجواب الحلاق أرسل إلى حبس منفرد. واستحضر مراد الفتال، وسئل عما حصل وقت قتل الأب توما. ووُعد أن ينال العفو إذا قال الحق. فأجاب بأنه ما كان حاضراً وقت القتل بل حضر بعده، ووجد الجثة عارية من الملابس في المربع الخراب الموجود فيه التراب والخشب، وأنه قطعه بمساعدة الحلاق، وبحضور داود وهارون هراري، وإسحاق هراري، ويوسف هراري، ويوسف لينيوده، والحاخام موسى أبي العافية، والحاخام موسى بخور يودا المشهور بسالونكلي، وأن الجثة قطعت إرباً إرباً، وأنها رميت بمساعدة الحلاق في أحد المصارف،وأنهما نقلاها في كيس بن.
س ـ وماذا فعلتم بعظامه ؟
ج ـ سحقناها على البلاط بيد الهاون.
س ـ والرأس ؟
ج ـ كسرناه على البلاط أيضاً بالكيفية نفسها.
س ـ هل أخذتم أجرة على ذلك ؟
ج ـ وعدوني أن يزوجوني من مالهم، وقالوا للحلاق أنهم سيعطونه دراهم.
س ـ ما نوع القماش الذي كان مصنوعاً منه الكيس الذي نقلت فيه الجثة، وهل كان يوجد كيس واحد أو أكثر، وهل حملتموه معاً، أو كان الحلاق يحمل واحداً وأنت تحمل الآخر، وما لون الكيس ؟
ج ـ كان معنا كيس واحد وكنا نتساعد في حمله وأحياناً يحمله كل منا بمفرده. أما لونه فكان سنجابياً فاتحاً.
س ـ وماذا فعلتم بالكيس بعد النقل.
ج ـ لا أعرف ما صنعوا به.
س ـ ظهر من تقرير الحلاق أنه وقت ذبح الأب توما وضعوا دمه في طشت، ولم يذهب نقطة واحدة ولكن هل وقت تقطيع الجثة في المربع الثاني خرج منها دم ؟
ج ـ نعم قد بل الأرض وقتئذ، ولكن لم يؤخذ ذلك الدم في آنية من الأواني.
س ـ كيف عملتم بالأحشاء وهل قطعتموها، وماذا صنعتم بما في داخلها، وكيف حملتموها ؟
ج ـ قطعنا الأحشاء بما فيها، ووضعنا الكل داخل الكيس، ورميناه في المصرف.
س ـ هل كان ينقط شيء من الكيس ؟
ج ـ لا، لأن الكيس كان من القماش المتين القوي.
س ـ كم كان عدد الذين قطعوا الجثة، وكم سكين كان معكم، وما هي أجناسها ؟(1/99)
ج ـ كان معنا سكين واحد، وجنسها من جنس سكاكين الجزارين. وكنت أنا وسليمان نقطعه والباقون كانوا حاضرين فقط.
س ـ لما حضرت ووجدت الجثة عريانة هل سألت عن الملابس ؟
ج ـ سألت فقيل لي إنها حرقت.
س ـ بعد تقطيع القسيس كسرتم عظامه على أي بلاطة ؟
ج ـ على بلاطة بين المربعين وأمام أبوابهما، وهو محل مغطى بسقف في هذه النقطة.
س ـ لما كسر الرأس بالطبع خرج منه المخ فماذا صنعتم به ؟
ج ـ جمعنا العظام والمخ ورميناها معاً.
س ـ في أي وقت ابتدأتم في التقطيع ومتى انتهيتم ؟
ج ـ ابتدأنا الساعة ثلاثة ليلاً وانتهينا الساعة السابعة على الأكثر.
س ـ هل كان المصرف الذي ألقيتم فيه البقايا مكشوفاً أم لا، وإذا كان مغطى فكيف صنعتم ؟
ج ـ هذا المصرف هو بالقرب من منزل الحاخام موسى أبي العافية وكان مغطى بحجر فرفعناه ورمينا ما كان معنا فيه.
س ـ وأين توجه الحلاق ؟
ج ـ الحلاق ذهب إلى منزله.
س ـ وأنت إلى متى بقيت عند سيدك بعد ذلك ؟ واستيقظ هؤلاء الأشخاص في أي ساعة، وما الذي صنعوه، وأين نمت تلك الليلة ؟
ج ـ مكثت ساعة أو ساعة ونصفاً بعد خروج الحلاق. ولما خرجت من المنزل تركت فيه أناساً لا أعرف أمضوا ليلتهم هناك أم ذهب كل منهم إلى منزله. ولا أعلم ما فعلوه لأني ذهبت لأنام في منزلي بعد ما قدمت لهم بعض نرجيلات ملآنة من التنباك.
سؤال من قنصل فرنسا: ما منفعة الدم عندهم ؟
ج ـ يستعملونه في الفطير.
س ـ كيف تعلم ذلك.
ج ـ سمعت منهم أن الدم يستعمل للفطير.
سؤال من الأمير الاي حسن بك: بما أنك ما نظرت الدم فمن أين علمت أنه يستعمل للفطير ؟
ج ـ سألتهم لأي سبب أخذتم الدم ؟ فقالوا لي لأجل عيد الفطير(!!)
س ـ هل حصل قتل الأب توما لمسألة دينية، أو كان يوجد بينه وبين القاتلين ضغائن، وهل كانوا يريدون أن يسلبوا دراهمه ؟
ج ـ أنا لا أعلم السبب الحقيقي بالضبط.(1/100)
(ملحوظة) من الأمير الاي حسن بك ـ حيث أن اعتراف المتهمين لا يوجد فيه اختلاف فلنذهب مع الخواجه بودين والدكتور مساري لمعاينة المحل الذي حصل فيه تكسير العظام، لأنه من الجائز أن نجد آثار على البلاط. ثم نعاين ذلك المربع الذي صار تقطيع القسيس فيه، والمصرف الذي ألقيت فيه الجثة، ولنأخذ معنا المتهمين ليدلونا على هذه المحلات كل منهم على حدته. ولنبحث عن إمكان تحويل المياه الجارية في ذلك المصرف عن مجراها الأصلي بسهولة حتى يمكننا أن نجد البقايا التي رميت فيه.
بناء على ذلك توجه المذكورون ووصلوا إلى منزل داود هراري، وسئل سليمان الحلاق!
س ـ في أي محل ذبحتموه ؟
ج ـ في هذه الأوضة المفروشة، وكان مسطحاً في وسطها، ووضع الطشت تحت رقبته وذبح.
س ـ وأين صار تقطيعه ؟
ج ـ في هذا المربع الخراب الموجود فيه الخشب (هنا أشار سليمان أن التقطيع حصل تحت القبوة) بالقرب من باب المربع من جهة الغرب (شوهد وقت المعاينة آثار دم على حائط المربع المذكور).
س ـ أين صار تكسير العظام ؟
ج ـ في هذا المحل بين الأوضتين أمام الليوان (وجد البلاط منخفض في الجهة المعينة عن البلاط الموجود في باقي الأوضة). ثم صار استحضار يد الهاون، وعرفها المتهمون أنها هي التي استعملت في التكسير. ثم طلبت السكاكين فاستحضر ثلاثة منها. وعندما نظرها الحلاق قال: إن التي استعملت ليست بينها لأنها أكبر من هؤلاء وأحسن فطلبت سكاكين أخرى، وقيل أنه لا يوجد غير ما استحضر.
وبعد ذلك حبس الحلاق في الأوضة التي حصل فيها القتل واستحضر الخادم وسئل عن المحل الذي كان فيه القسيس عرياناً ؟ فعين المحل السابق بعد تعيينه من الحلاق.
س ـ أين صار تكسير العظام ؟
ج ـ (عين المحل الذي عينه الحلاق).(1/101)
ثم طلبت يد الهاون ونظرها فقال أنها هي نفسها التي استعملت. وعندما نظر السكاكين قال: إن السكين الذي استعمل في القتل ليس ضمن هؤلاء. ولما أرادوا معرفة المحل الذي ألقيت فيه الجثة دل المتهم على سوق الجمعة المسمى أيضاً بسوق الفراخ أمام منزل موسى أبي العافية،وعين المحل الذي فتح لرمي البقايا.
عند ذلك أُخذ مراد الفتال وأرسل إلى السراي، واستحضر الحلاق سليمان من منزل داود هراري، وعند وصوله إلى النقطة التي عينها المتهم الأول قال: ها هي وأشار بيده نحوها.
ثم فتح المصرف فوجد فيه آثار دم، قطع لحم. واستحضر بعض الشغالة ونزلوا في المصرف، واستخرجوا منه جملة قطع لحم، ورضفة (فلكة الركبة) وقطعة من القلب، والجمجمة، وبعض عظام، وقطعاً من طاقية القسيس. ووضع كل ذلك في سلة، وسلم إلى قنصل فرنسا لتوقيع الكشف عليه بمعرفة الأطباء بعدما نظره شريف باشا، واطلع المتهمون عليه.
ووصل بعد قليل جواب من قنصلاتو فرنسا مرفق بالأوراق الآتية وهي:
أولاً ـ شهادة من قنصل النمسا مؤرخة /3/ مارس (آذار)
ثانياً ـ تقرير من أربعة أطباء أورباويين.
ثالثاً ـ تقرير من ستة أطباء مسلمين ومعهم طبيب مسيحي من البلد.
رابعاً ـ شهادة من حلاق الأب توما الذي كان يحلق له عادة.
ثم استحضر إسحاق هراري، وسئل عن كيفية حصول قتل الأب توما، ولأي سبب قتل، فقال:
ج ـ حقيقة أحضرنا الأب توما عند داود باتفاقنا معاً، وقتلناه لأخذ دمه. وبعد أن وضعنا الدم في قنينة أرسلناه إلى الحاخام موسى أبي العافية. وكنا نصنع ذلك اعتقاداً بأن الدم ضروري لإتمام فروض ديانتنا.
س ـ هل الزجاجة التي كان فيها الدم سوداء أو بيضاء ؟
ج ـ الزجاجة كانت بيضاء.
س ـ من سلم الزجاجة للحاخام موسى أبي العافية ؟
ج ـ الحاخام موسى سلونكلي.
س ـ لماذا يستعمل الدم في ديانتكم ؟
ج ـ يصير استعماله لأجل خبز الفطير.
س ـ هل يوزع الدم على جميع اليهود.
ج ـ كلا إن ذلك غير ضروري إنما يحفظ عند الحاخام الكبير.(1/102)
س ـ كيف فعلتم لما استحضر الأب توما ؟
ج ـ موسى سلونكلي، وموسى أبي العافية، هما اللذان دبرا هذه الحيلة
س ـ أين قتلتموه ؟
ج ـ في الأوضة المفروشة على المسطبة.
س ـ من ذبحه ؟
ج ـ موسى أبي العافية وداود هراري.
س ـ وبعد الذبح أخذتم الدم في أي شيء ؟!
ج ـ في طشت من نحاس
س ـ وهل بقي بعد ذلك مدة طويلة في الأوضة ؟
ج ـ بقي نصف ساعة تقريباً.
س ـ في أي محل صار تقطيعه ؟
ج ـ في المربع الخراب.
س ـ من قطعه ؟
ج ـ كلنا تقريباً، وخصوصاً سليمان ومراد الفتال.
س ـ من رمى البقايا وفي أي شيء صار نقلها ؟
ج ـ نقلها الحلاق والخادم، ووضعت في كيس سنجابي من القماش المعد لحزم البضائع.
س ـ في أي ساعة حصل القتل وفي أي وقت تم ؟
ج ـ حصل الساعة واحدة ونصف، وانتهى الساعة الرابعة.
س ـ هل نمت في المنزل أم كل واحد ذهب إلى منزله.
ج ـ بعد انتهاء المسألة كل منا ذهب إلى منزله.
س ـ هل كان أحد من الحريم في المنزل ؟ وإذا كن حاضرات ففي أي أوضة ؟
ج ـ أظن أنهن كن في أوضة بحرية ولكني لم أنظرهن.
س ـ بالطبع اتفقتم على هذه المسألة قبل وقوعها بأيام، فقل لنا كيف حصل ذلك بينكم.
ج ـ اعتمدنا أن يستحضر القسيسَ موسى أبي العافية، وموسى سلونكلي بدعوى أنه يطعم لهما طفلاً بالجدري، وقد اتفقا على استحضاره بهذه الحيلة في منزل موسى أبي العافية من يومين أو ثلاثة قبل حصول الواقعة. ثم استحضرناه عند أخي داود هراري وذبحناه.
س ـ قلت إن الزجاجة موجودة عند موسى أبي العافية، فإذا استحضرناه أمامك وأنكر فهل لديك ما يثبت وجودها عنده ؟
ج ـ أنا متأكد أن موسى أبي العافية هو الذي أخذ الزجاجة، ولكني لا أعرف أين وضعها. فإذا أنكر أجادله.
س ـ عندما أخذ موسى أبي العافية الزجاجة هل وضعها في علبة أو في شيء آخر ؟
ج ـ لا لم يضعها داخل شيء، بل أخفاها تحت جبته وخرج بها.
---
مقتل الأب توما
التحقيقات التي جرت في قضية خطف اليهود للأب توما وذبحهم إياه لأخذ دمه(1/103)
يوم السبت /26/ ذي الحجة
استُحضر الحاخام موسى أبو العافية وسئل:
س ـ عند من دم الأب توما الذي وضع في الزجاجة ؟
ج ـ الدم بقي عند داود هراري.
س ـ هل نظرته بعينك ؟
ج ـ نعم نظرته بعيني.
س ـ هل هارون هراري عنده علم بذلك ؟
ج ـ نعم إنه يعرف ذلك بالطبع، لأن الدم عند هارون هراري.
س ـ سئل هارون هراري بخصوص هذا الدم، فقال:
ج ـ موسى أبو العافية أخذ الدم عنده.
س ـ أخذه في أي شيء.
ج ـ في زجاجة بيضاء.
س ـ هل كان موسى سلونكلي معكم ؟
ج ـ نعم كان معنا وكنا سبعة.
س ـ قل لنا عن أسمائهم ؟
ج ـ الأسماء هي التي ذكرتها سابقاً.
سئل موسى أبي العافية عما يختص بموسى سلونكلي، فقال:
ج ـ نعم كان معنا وكنا سبعة.
سؤال ـ إلى هارون هراري ـ ما الذي تم في الدم ؟
ج ـ اتفقنا نحن السبعة على أن موسى أبا العافية يأخذه وقد سلمه إليه بالفعل موسى سلونكلي.
سؤال ـ إلى داود هراري ـ أين دم الأب ؟
ج ـ أخذه موسى سلونكلي وسلمه إلى موسى أبي العافية بحضورنا، وكان داخل زجاجة بيضاء يمكن وضع أربع أُقات فيها.
سؤال ـ إلى هارون هراري ـ كان الدم في أي شيء قبل وضعه في الزجاجة ؟
ج ـ كان في طشت.
(داود هراري صادق على ذلك)
سؤال إلى داود هراري ـ في أي محل سلمته الدم ؟
ج ـ في المربع الخراب.
س ـ لماذا لم تحفظ الدم عندك في البيت ؟
ج ـ لأن العادة توجب وجود الدم عند الحاخام.
سؤال إلى داود هراري ـ هل موسى سلونكلي كان موجوداً وقت القتل.
ج ـ نعم كنا جميعاً حاضرين وقت ذبح الأب توما.
سؤال إلى موسى أبي العافية ـ موسى سلونكلي كان معكم ؟
ج ـ نعم كان معنا.
سئل موسى سلونكلي عن الدم فقال:
ج ـ أنا لا أعلم شيئاً بخصوص ذلك، ولا سمعت عنه.
سؤال إلى إسحاق هراري ـ أين زجاجة الدم ؟
ج ـ عند الحاخام موسى أبي العافية.
س ـ لأي سبب ينكر اخوتك هذا الأمر ؟
ج ـ ينكرون ذلك مخافة من الضرب أو القتل.
س ـ ألستم أنتم السبعة الذين قتلتم الأب توما ؟
ج ـ نعم قتلناه سوية.(1/104)
س ـ مثبوت أن القتل حصل بدون شك، لكن قل لنا أين الدم ؟
ج ـ عند موسى أبي العافية والذي سلمه إليه موسى سلونكلي داخل زجاجة.
سؤال إلى داود هراري ـ لماذا قتلتموه ؟
ج ـ لأخذ دمه، وكنا في اضطرار لهذا الدم إتماماً لفروض طقس ديانتنا.
(أجاب إسحاق بمثل هذه الإجابة أيضاً)
سؤال إلى هارون هراري ـ لماذا، عوضاً عن إرسالكم الدم إلى الحاخام لم تحفظوه في منزل أخيك داود، خصوصاً وأن القتل حصل هناك ؟
ج ـ صار تسليم الدم إلى الحاخام موسى أبي العافية بواسطة موسى سلونكلي، لأن العادة عندنا أن يصير حفظ الدم عند الحاخامات !!
يوم الاثنين /28/ ذي الحجة
سؤال إلى الحاخام موسى أبي العافية ـ قال إسحاق وهارون هراري إن الذي أعطاك الدم هو موسى سلونكلي فما قولك.
ج ـ الحاخام يعقوب العنتابي كان اتفق مع عائلة هراري وغيرهم لأجل الحصول على قناني دم بشري له وكان الهراريون وعدوه بأنهم يأخذون له ذلك الدم ولو كلفهم مائة كيس. ثم مررت بعد ذلك على منزل داود هراري، فأخبرت أنهم استحضروا شخصاً لقتله وأخذ دمه، وقالوا لي خذ هذا الدم وسلمه إلى الحاخام يعقوب العنتابي، لأنك أعقلنا. فأجبتهم: كلفوا موسى سلونكلي بهذه المأمورية، فأبوا وسلموه لي لأني الأعقل. وحصل الذبح حقيقة عند داود هراري.
س ـ لماذا ينفع الدم، وهل يوضع في الفطير، وهل يعطى لكل الشعب ؟
ج ـ ينفع الدم لوضعه في الفطير الذي لا يعطى عادة إلا للأتقياء من اليهود !!
وكان يرسل بعض اليهود دقيقاً إلى الحاخام يعقوب العنتابي، وهو يعجنه بنفسه، ويضع فيه الدم سراّ بدون أن يعلم أحد بالأمر، ثم يرسل من الفطير لكل الذين كانوا يرسلون الدقيق !!
س ـ هل سألت الحاخام يعقوب العنتابي عما إذا كان يرسل من هذا الدم إلى الحاخامات، أو يبقيه لأهل الشام فقط ؟
ج ـ قال لي الحاخام يعقوب العنتابي أنه ملزوم أن يرسل من هذا الدم إلى بغداد.
س ـ هل جاء كتابات من بغداد بطلب ذلك الفطير ؟(1/105)
ج ـ الحاخام يعقوب قال لي بأنه حضر لي كتابات بذلك.
س ـ أحقيق بأنكم قطعتم الأب توما إرباً إرباً ؟
ج ـ أنا أخذت الزجاجة وخرجت ولم أعلم أن قصدهم يقطعونه، بل كان قصدهم أن يدفنوه. وقال لي داود هراري أنه يوجد مخبأ تحت سلالم منزله، وأنه يمكن أن يدفنوه هناك، وأظن أنهم كسروا العظام وألقوها في المصرف لما وجدوا أن خبر القتل انتشر.
س ـ أحقيق بأن سليمان الحلاق كان قابضاً على الأب توما عند ذبحه ؟
ج ـ إنني نظرتهم كلهم حول الأب توما. وعندما صار ذبحه كانوا مسرورين لأنهم كانوا يتممون فرضاً دينياً !!
س ـ لما سلمت الزجاجة إلى الحاخام يعقوب هل كان معه أحد نظرك لما سلمتها إليه ؟
ج ـ لم يعلم بحصول ذلك إلا شركائي في الجريمة، لأني أخذت الزجاجة ليلاً، وسلمتها إليه حالما كان في المكتبة تعلقه. ثم ذهبت إلى منزلي.
س ـ هل كان القصد قتل راهب مخصوص، أو قتل أي مسيحي كان ؟
ج ـ كانوا قاصدين أخذ دم أي مسيحي كان، ولكنهم قد انتخبوا الأب توما لأنه هو الذي وقع بين أيديهم بالصدفة. وقبل أن يذبحوه قلت لهم: اتركوه يذهب لأنه يصير التفتيش عليه. فما سمعوا قولي وذبحوه.
س ـ هل تعلم من ذبح خادمه ؟
ج ـ أنا لا أعرف سوى ما يختص بمسألة الأب توما.
س ـ أقتل الأب وخادمه في منزل داود هراري ؟
ج ـ نعم، ولكنهم ذبحوا القسيس أولاً، ووجدت شخصاً آخر غيره مربوطاً في أوضة أخرى، وأظن أنه هو الخادم.
س ـ هل يمكنك تعيين محل وجود جثة الخادم حتى يمكن تصديق أقوالك ؟
ج ـ مسألة إخفاء الجثث كلف بها الخادم أما أنا فلا أعرف شيئاً بخصوصها.
س ـ لأي سبب قلت أمس أن الدم عندك في أحد الدواليب. ولما ذهبنا عندك ولم نجده قلت أنك سلمته إلى الحاخام يعقوب العنتابي ؟(1/106)
ج ـ لم أقل الحقيقة أمس لأني كننت خائفاً من اليهود، وقصدي من توجهي معكم في الحارة هو لأجل أن أريهم حالة انحطاطي وذلي، حتى يعذروني إذا اعترفت بالحقيقة في هذه المسألة المختصة بالدين !! على أني ما كنت أقدر أن اعترف بشيء في أول الأمر، لأن الاعتراف في مثل هذه الأحوال خطيئة عظيمة إن لم يحصل بها العذاب الأليم.
ـ ثم أنكر إسحاق هراري ما كان اعترف به أولاً. فسئل لأي سبب حصل منه ذلك الإنكار، فأجاب بأن أقواله الأولى هي الحقيقة، وأنه أنكر فقط من خوفه. ثم زاد بأنه يعرف أن الدم استلمه موسى أبو العافية من موسى سلونكلي.
سئل هارون هراري عن دم الأب توما فقال:
ج ـ الدم عند موسى أبي العافية. وأما دم الخادم فلا أعلم محل وجوده.
سئل داود هراري السؤال نفسه، فقال:
ج ـ إن الحاخام يعقوب العنتابي قال لنا نحن السبعة في الكنيس: يلزمنا دم بشري لأجل عيد الفطر. ولذلك يلزم أن نستدعي الأب توما بأي طريقة ونقتله ونأخذ دمه، لأنه يوجد في الحارة في أغلب الأحيان. واستحضرنا بعد ذلك بأيام قليلة الأب توما بعدما أوهمناه أن حضوره لأجل عملية الجدري. ولما حضر عندي بعد المغرب قتلناه. وموسى سلونكلي أخذ الدم، وسلمه إلى موسى أبي العافية. وهذا الأخير أعطاه إلى يعقوب العنتابي.
س ـ من نزع عنه ملابسه ؟
ج ـ نحن الجميع.
س ـ وخادمه ؟
ج ـ خادمه لم يكن معه.
(هنا قال داود هراري أن مشروع قتل الأب توما تقرر في كنيس الفرنج بمعرفة الحاخام يعقوب العنتابي قبل الواقعة بأربعة أو خمسة أيام، وأنه كان يطلب سابقاً دماً بشرياً لاستعماله في الفطير، فذبحوا القسيس لهذا الغرض، وأرسلوا دمه إليه مع موسى أبي العافية).
يوم الثلاثاء /7/ محرم سنة /1256هـ/
طلب الحاخام أبو العافية أن يعتنق الديانة الإسلامية. وبعد قبوله تسمى باسم محمد أفندي. ورفع حينئذ تقريره خطاً إلى شريف باشا بالكيفية الآتية(1/107)
أتشرف بأن أبدي لسعادتكم تفصيل واقعة قتل الأب توما. وحيث أني الآن أمنت على حياتي بمعونة الله والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فأنني ملزم بأن أقر بالحقيقة؛ إن الحاخام يعقوب العنتابي قال لي قبل الواقعة بعشرة أيام، أو خمسة عشر يوماً بأنه محتاج لدم بشري لإتمام ما تأمر به الديانة، وأنه تكلم مع عائلة هراري بخصوص ذلك. فاتفقوا بأن يكون القتل عندهم، وأن حضوري هناك أمر لازم. فأجبته بأن نظر الدم يرعبني. فقال لي حضورك أنت وموسى سلونكلي، ويوسف لينيوده ضروري، ولو أنكم تقعدون في الخارج. فوعدته أني سأذهب لتصوري أن عائلة هراري لا يوافقون على هذا الأمر.
وفي يوم الأربعاء أول آذار(مارس) عند اليهود كنت خارجاً من منزلي للتوجه إلى الكنيس فقابلت في الطريق داود هراري فقال لي: احضر لأني محتاج إليك، فأجبته بأني ذاهب للصلاة أولاً، وأني سأحضر بعد ذلك عنده. فقال لي تعال معي لأقص عليك مسألة ثم أخبرني بأن الأب توما عنده، وأنهم سيقتلونه عندما يرخي الليل سدوله. فسألته: هل الحاخام أمر بقتل هذا الرجل، أو أنه قال فقط أنه محتاج لدم بشري لإتمام ما تأمر به الديانة؟ فأجابني بأن هذا الرجل هو الذي أوقعه القدر بين أيديهم، وطمنني أني لا أخاف، لأنهم كلهم سيكونون حاضرين.
فذهبت معه ووجدتهم جالسين في المربع المفروش، ووجدت الأب توما مشدود الوثاق، ونقلوه في أوضة أخرى غير مفروشة بين المغرب والعشاء، وذبحه داود وأجهز عليه هارون. ثم استنزف الدم في طشت من نحاس، ووضع في زجاجة بيضاء، أخذتها فأوصلتها إلى الحاخام يعقوب العنتابي الذي كان ينتظرني في منزله في الحوش الخارج. ولما نظرني توجه نحو المكتبة فأعطيته الزجاجة، فوضعها خلف الكتب، وتركته وذهبت إلى منزلي.(1/108)
أما الجثة والأشياء تعلق الأب توما فلا أعلم ما تم فيها، لأني لما خرجت من عندهم ما كانوا فعلوا بها شيئاً. ولما تقابلت بعد ذلك مع داود هراري وإخوته، وأخبرتهم بأننا ارتكبنا الشطط بقتلنا هذا الرجل لأنهم سيبحثون عليه، ويتسبب لنا ضرر من ذلك، أجابوني أنه لا يمكن اكتشاف شيء مما حصل، لأن الملابس أحرقت، والبقايا سترمى في المصرف بمعرفة الحاخام حتى لا يبقى منها أثر يذكر.
وزاد هارون أنه عنده مخبأ يمكنه أن يضع فيه جسم القتيل مؤقتاً لحين رميه في المصرف رويداً رويداً، وعلى ذلك يلزمني أن أتشجع ولا أخاف !!
أما ما يختص بالخادم فأني أشهد الله أني لا أعلم شيئاً بخصوصه، غير أني نظرت ثاني يوم (الذي هو يوم الخميس) داود، وإسحاق، ويوسف هراري، واقفين قبل الظهر أمام خمارة صغيرة، وسمعت إسحاق يسأل داود كيف تمت المسألة ؟ فأجاب لا تفكر في ذلك لأنها قد تمت على أحسن حال، وقد قتلنا الآخر أيضاً. ثم استمر الحديث بينهم بصوت منخفض فتركتهم وذهبت لقضاء أشغالي على أني، كما قلت لسعادتكم سابقاً، ما كنت متعوداً على الاختلاط مع أشراف القوم، وعائلة هراري هي من هذه الطبقة، ولهم ليالي سرور وحفلات لم أحضرها.
أما منفعة الدم عند اليهود فأنه يستعمل لوضعه في الفطير، كما أخبرت سعادتكم شفاهياً (وكم من المرار ضبطتهم الحكومات يرتكبون هذه الأفعال !!)
ومما يثبت حقيقة ذلك عبارة مرصودة في أحد كتبهم المسمى (سادات ارارهوت) فهذه العبارة يؤخذ منها صريحاً أن اليهود يرتكبون أفعالاً مثل التي ذكرتها. ولو أن المؤلف يدفع فيه لليهود التهمة بقوله: إن هذا الأمر من جملة الأكاذيب المنسوبة لليهود باطلاً.
هذا ما أعلمه بخصوص الأب توما وما تم نحوه وعبدكم الآن يصلي لله ونبيه سيدنا محمد، ويرجو العفو عنه .
الإمضاء
محمد أفندي (أبو العافية)(1/109)
يتبع ذلك إقرار من المعلم روفائيل فارحي يشهد فيه: أن محمد أفندي الذي أسلم قرر أن الخط المحرر به اعترافه هو خطه، وللمعلومية وضع روفائيل المذكور إمضاءه وختمه.
التحقيقات التي جرت في قضية خطف اليهود للأب توما وذبحهم إياه لأخذ دمه
يوم الثلاثاء /14/ محرم سنة /1256 هـ/
استحضر محمد أفندي أبو العافية وصار سؤاله بحضرة صاحب الدولة شريف باشا، وقنصل فرنسا، والمسيو بودين شبلي، ويعقوب العنتابي:
س ـ ماذا يوجب التلمود بما يتعلق بمن ليسوا من اليهود ؟
ج ـ يقولون إن جميع الخارجين عن اليهود هم حيوانات ووحوش، لأن إبراهيم عندما أخذ ولده إسحاق ليقدمه ذبيحة، وكان يصحبه خدمه، قال لهم امكثوا هنا أنتم والحمار بينما أنا وولدي نذهب للأمام. فمن هذه العبارة استنتج التلمود بأن كل من لا يكونون يهوداً حمير!!
سئل الحاخام يعقوب العنتابي عن هذه العبارة: أهي صحيحة ؟ فأجاب إنها صحيحة، لأنه عندما نظر إبراهيم وجه الله سأل الخادمَين اللذين كانا معه أنظراه أيضاً ؟ فأجاباه سلباً. فقال لهما: اجلسا هنا أنتما والحمار. واستنتج التلمود من ذلك أنهما شبيهان بالحيوانات غير العاقلة !!
حينئذ صار استحضار جملة كتب مكتوبة باللغة العبرانية من مكتبة محمد أفندي (موسى أبي العافية)، فتناول الحاخام يعقوب العنتابي منها كتاباً لأجل قراءة عنوانه وترجمته إلى شريف باشا. ولكن قال عند ذلك محمد أفندي: إن غرض الحاخام يعقوب من قراءة عنوان هذا الكتاب هو الإيهام بأن ما ذكر في الكتاب لا يختص بالأمم التي تعترف بوجود الله، ولكنه يختص بالشعوب الذين كانوا في الأزمان السالفة ولا يعتقدون بوجوده تعالى.
ـ إلى محمد أفندي ـ لماذا يكتبون ذلك ؟
ج ـ لإخفاء الحقيقة، وللتمكن من طبع هذه الكتب في أوروبا بسهولة. ولذلك تعود المؤلفون لهذه الكتب على ترك الكتابة في مواضع أثناء عباراتها وسطورها.(1/110)
س ـ إلى الحاخام يعقوب العنتابي ـ يظهر أن في هذه الكتب حقيقة مواضع على بياض، فلماذا تركت هذه المحلات بدون كتابة ؟
ج ـ لأجل ذكر اسم المسيح وكل ما يتعلق به من سب وشتم !!
س ـ قلت أمس: أنه عند ظهور الله لبني إسرائيل على طور سينا آمنوا به، فيلزم قتل من لم يؤمن به بعد ذلك من نسلهم، أو من يتركون الديانة اليهودية، أهذا الأمر حقيقي؟
ج ـ نعم هذا الأمر حقيقي لأن من لم يؤمن يستحق القتل.
س ـ هل مسموح ديانة قتل من لم يقدس يوم السبت ؟
ج ـ نعم إن كان يهودياً.
هنا قال محمد أفندي: ومسموح أيضاً قتل من لم يكونوا يهوداً، لأنهم معتبرون نظير حيوانات غير ناطقة، فلا يلزم أن يستريحوا يوم السبت، وعليهم أن يشتغلوا ليلاً ونهاراً. وهذا مذكور في التلمود في فصل سنهدرين صفحة 58: (من لم يكن يهودياً، ويقدس يوم الأحد يلزم قتله بدون استجوابه. والتوراة تختص باليهود فقط. وأما كتب الأمم الأخرى فيلزم إتلافها وإحراقها ولو كان فيها ذكر اسم الله. وإذا كتب الأمي لفظ الجلالة على التوراة يلزم إحراقها، لأنه كتب فيها بيد غير يهودية.
س ـ إلى محمد أفندي (موسى أبي العافية): سئل عنا يختص بسلب أموال الغير؟
ج ـ ذلك جائز عند اليهود ضد الشعوب الذين خالفوا السبع وصايا، وهي:
أولاً ـ لا تعبد النجوم، ولا الكواكب الخ..
ثانياً ـ لا تزن
ثالثاً ـ لا تقتل
رابعاً ـ لا تسرق
خامساً ـ لا تتغذ بلحم الخروف حياً
سادساً ـ لا تَخْصِ أحداً من نسل إبراهيم، ولا أي حيوان
سابعاً ـ لا تنكح أي جنس من أجناس الحيوانات
فلما وجد الله أن الأمم خالفوا هذه الوصايا حلل أموالهم لليهود.
س ـ إلى يعقوب العنتابي ـ هل عندك ملحوظات على هذه الأقوال ؟
ج ـ قد نزل هذا الأمر وقت خروج بني إسرائيل من أرض مصر، ولم يحافظ باقي الشعوب على السبع وصايا. ثم جاء التلمود بعد ذلك وقرر هذا المبدأ.(1/111)
س ـ إلى محمد أفندي (موسى أبي العافية) هل الشعوب الذين لا يعتقدون بالتوراة ملزمون بالمحافظة على هذه الوصايا ؟
ج ـ نعم، لأنها أعطيت لكل الأمم، فمن لم يحافظ على واحدة منها يعد أجنبياً.
س ـ من شبلي إلى محمد أفندي (موسى أبي العافية) ـ قلت إنهم أخذوا الدم لأجل الفطير، مع أن الدم عند اليهود محرم، وهو رجس ولو كان دم حيوان. فكيف هذا التناقض ؟ فسر لنا ذلك، إن كنت من الصادقين.
ج ـ بموجب التلمود: دمان مقبولان عنده تعالى: دم الفصح، ودم الطهور. (فصادق الحاخام يعقوب العنتابي على هذا التفسير).
س ـ إن جوابك لا يظهر جلياً كيف يحل استعمال الدم البشري ؟
ج ـ هذا من أسرار الحاخامات الكبار، كما أن كيفية استعمال الدم هي من أسرارهم أيضاً !!
س ـ من الباشا إلى محمد أفندي (موسى أبي العافية) ـ ماذا تحكم الشريعة على اليهودي الذي يقول شيئاً يضر بطائفته ؟
ج ـ كل يهودي يرتكب الزنى أو أي أمر مخل بالديانة يستحق القتل. غير أنه الآن يكتفى بحرمانه بالنسبة لانحطاط قوة اليهود. أما من يقول شيئاً مضراً بطائفته فمن الواجب قتله ولا صفح له، لأن التلمود لا يصفح عنه، والتلمود هو أساس الديانة، وهذا الأمر متبع أيضاً في فرنسا حيث قوة اليهود في زيادة الانحطاط. وعليه لم يكن قط في إمكاني أن أوضح الحقيقة حتى صرت مسلماً.
سئل الحاخام يعقوب العنتابي عما يقرره بما يتعلق بهذا الشأن، فوافق على صحتها وقال: نعم إننا نبذل الجهد لإعدام ذلك اليهودي فإذا لم يتم ذلك بواسطة الحكومة، فنجري الأمر رأساً إذا مكنتنا الظروف، لأن بذلك إتمام الشريعة.
س ـ هنا سأله محمد أفندي (موسى أبو العافية) ـ وإذا كانت لا ترضى القوة الحاكمة بقتله لسبب من الأسباب فماذا تفعلون؟
ج ـ نبذل الجهد في قتله بأي طريقة، لأننا نعتقد أن قتله واجب.
يوم الجمعة /24/ محرم(1/112)
أرسل قنصل فرنسا كتاباً إلى دولة شريف باشا يطلب فيه حضور اليهودي المسمى شهادة لزبون لاستجوابه عن مسألة قتل الأب توما (لأنه كان من ضمن الذين حضروا إلى القنصلاتو، وقرروا أن يدفعوا مكافأة قدرها 50000 خمسون ألف قرش لمن يكشف حقيقة القتل) وكان طلب القنصل من الشخص المذكور بواسطة شريف باشا لأجل استجوابه، لأنه من ضمن مستخدمي الحكومة. فأمره شريف باشا بالتوجه. وبعدها أرسل القنصل المحضر الآتي باستجوابه:
سؤال من القنصل ـ إنك حضرت أمامي مع باقي اليهود، ومنهم هراري واخوته، وماهر فارحي، ومراد يوسف فارحي، وهارون اسلامبولي، ووعدتم أن تدفعوا /50000/ خمسين ألف قرش مكافأة، لمن وجد جثة الأب توما وخادمه. فظهر أنهما قتلا في حارة اليهود، ويلزم أن يكون بلغك أن الجثة وجدت، وأن الأب توما وخادمه قتلا عند داود هراري باتفاقه مع الأشخاص السابق ذكرهم. وقد بلغني أنك دفعت ما يخصك من هذا المبلغ عند اكتشاف مسألة القتل. ولكن هل عندك شك في أن التحقيقات التي أجريت غير قانونية.
ج ـ من شهادة (لزبون) تحرر بخطه ـ
التحقيق قانوني ولا يوجد شك في كونه قانونياً، لأنه عمل بمعرفة شريف باشا وجناب القنصل. أما من خصوص مبلغ المكافأة فكل منا دفع ما يخصه على حسب الوعد.
س ـ أريد أن تجيبني بدون خوف، لأنه ليس الغرض من أسئلتي مسألة المكافأة، ولكن أريد أن أعرف إذا كان حصل في التحقيقات شيء غير قانوني فأخبرني عن الحقيقة بدون مبالاة ؟
ج ـ يظهر أنها كلها قانونية على حسب ما سمعت.
س ـ يظهر أنك تقول لي الحق. ويلزم أن تكون سمعت شيئاً في مسألة قتل الأب توما وخادمه خصوصاً قبل ضبط عائلة هراري بليلة واحدة كنت مع هؤلاء المتهمين. فأخبرني بالحديث الذي حصل بينهم ومن كان حاضراً غيرك ؟
ج ـ لما اشتغلنا بهذه القضية توجهنا إلى بحري بك، والتمسنا منه المساعدة، فأجابنا بأنه لا يتداخل في هذه المسألة، وكانت زيارتنا له في أول الليل.(1/113)
فلما رأينا ذلك توجهنا عند داود هراري، فوجدناه هناك ومعه يعقوب أبو العافية، وبتشوتو، وأخوه هراري المذكور فجلسنا معاً لغاية الساعة الرابعة ليلاً. وفي أثناء طلبه إسحاق بتشوتو للتوجه عند مراد فارحي طلب منه الباقون قبل انصرافه أن يرسل لهم خبراً بالاتفاق الذي سيحصل لأجل اطمئنانهم. فأرسل بتشوتو بعد برهة يقول لهم لا تفكروا في المسألة. وكانت الساعة وقتئذ أربعة. وحصلت هذه المسألة قبل ضبط إخوان هراري بليلة واحدة أو اثنين على ما أظن.
سؤال من شبلي ـ لماذا أعطيتني مبلغ الخمسمائة قرش الموجودة أمامك في هذه الورقة، وما القصد من ذلك ؟
ج ـ أعطيتك ذلك المبلغ لأجل أن لا أسأل في القضية.
س ـ هل طلب منك أحد ذلك المبلغ، أو قدمته من تلقاء نفسك، وما سبب خوفك من استجوابك ؟
ج ـ لم يطلب مني أحد شيئاً إنما المبلغ كان معي، فأردت أن أوفر على نفسي مؤونة السؤال خصوصاً، وأنه ليس لي دخل في هذه القضية.
سؤال من القنصل ـ طلبناك من الباشا لأجل سؤالك على الحادثة المعهودة لأنه ظهر من الاستجوابات التي حصلت أنك كنت في ليلة الواقعة عند إخوان هراري، وكنت ضمن الذين وعدوا بدفع المكافأة إذا صار الاكتشاف على كيفية حصول القتل، وحصوله في حارة اليهود. فيظهر من كل ذلك، ومن دفعك ما يخصك في المكافأة، ومن علمك بالاجتماع الذي حصل ليلاً، ومن تقديمك نقوداً لأجل أن لا تسأل في القضية، أن عندك معلومات أخرى فيها تريد إخفاءها. فقل لنا الحقيقة بدون خوف، وإلا تعرض نفسك للشبهة.
ج ـ لم يحصل يا جناب القنصل سوى ما قلت في الليلة المذكورة، وإني كنت أجهل أنه إذا كان المتهمون ارتكبوا هذا القتل من عدمه، لأنهم لم يطلعوني على هذا السر. وها أنا الآن أمامكم، فإذا قال أحد إني كنت حاضراً أو إني أعلم شيئاً غير ما قلته، فإني مستعد للدفاع عن نفسي. وقصارى الأمر فإني لا أعلم شيئاً غير ما قلته وما كتبته بخطي.
الإمضاء: شهادة لزبون
مقتطفات من التلمود(1/114)
ترجمة عبارات من التلمود بمعرفة محمد أفندي (موسى أبي العافية)
وكان الحاخام يعقوب العنتابي يصادق على التعريب
سنهدرين ص/58 ـ (يقتل الوثني إذا ضرب إسرائيلياً، لأنه يكون قد ضرب القدرة الإلهية، ولذلك قتل موسى مصرياً لأنه ضرب يهودياً).
صادق الحاخام يعقوب العنتابي على هذا التعريب.
يقتل الأمي الذي يستريح في يوم من أيام الأسبوع، لقوله سبحانه وتعالى (لا يستريحوا الليل ولا النهار). ويلزم أيضاً أن يعاقب بهذا العقاب لو استراح يوماً غير يوم السبت. والوثني الذي يقرأ التوراة يستحق القتل، لأن التوراة مختصة باليهود، فمن أخذها سراً يقتل).
صادق على هذه الترجمة يعقوب العنتابي.
سنهدرين ص/63 ـ (حرم في التلمود اشتراك اليهود مع الوثني لأنه يعرض نفسه في هذه الحالة للحلف بالأصنام).
صادق على هذا التعريب يعقوب العنتابي.
سنهدرين ص/57 ـ كل من كان خارجاً عن الديانة اليهودية يسمى (ولد نوح) لأن بني إسرائيل انفصلوا عن هؤلاء القوم، وآمنوا بالله من وقت ظهور إبراهيم لغاية إسرائيل. ويقتل الأمي من أولاد نوح على يد ديان واحد، وشهادة شاهد واحد، ولو كان قريباً له. ويقتل أيضاً إذا ضرب امرأة حاملاً وقتل حملها. وأما الإسرائيلي فلا يقتل لذلك، بل يدفع دية الولد. ولا يقتل أيضاً في الأحوال التي توجب القتل إلا على يد عشرين دياناً وشاهدين).
سنهدرين ص/71 ـ (إذا سب اسم الجلالة أحد من أولاد نوح ثم دخل في دين اليهود عوفي من القتل. وكذلك الأمر بالنسبة لمن قتل آخر، أو زنى بامرأة من طائفته. وأما من قتل يهودياً أو زنى بامرأة يهودية فيستحق الموت بدون رحمة).
أقر الحاخام يعقوب العنتابي بصحة ذلك.
كومارات كوماه ص/39 ـ (إن الله حلل أموال باقي الأمم لبني إسرائيل لما رآهم قد خالفوا السبع وصايا المختصة بعبادة الأوثان، والزنا، والقتل، والسرقة، وأكل لحم الحيوانات الغير مذبوحة، وخصاء الإنسان وإيلاد الحيوان من غير جنسه).(1/115)
صادق الحاخام يعقوب العنتابي على ذلك التفسير
عابورة زاده ص/4 ـ ( إن ثبت في الآخرة أن اليهود أتموا الوصايا في هذه الدنيا يصير عرض أفعالهم أمام الأميين لعلهم يخجلون).
راجع الحاخام يعقوب العنتابي هذه الترجمة وأقر بصحتها.
عابوره زاده ص/8 ـ (حرم في التلمود على اليهود أن يسكنوا خلاف البلاد المقدسة وهي (أوشليم، والخليل، وصفد، وطبريا) لأنهم يعدون كعابدي الأصنام ومحرم عليهم قبول دعوة باقي الأمم، والأكل من مأكولاتهم ولو كان صانعاً يهودياً. فإذا دعا أجنبي يهودياً في فرح، وأكل هذا الأخير من مأكولاته، فكأنه يأكل من ميتة !! ويأثم اليهودي أيضاً إذا ذهب عند الأجنبي في فرح ولو قبل الاحتفال بثلاثين يوماً، سواء حصل ذلك في فرح زوجية، أو في دعوة أخرى).
صادق على هذا التعريب الحاخام يعقوب العنتابي.
عابوره زاده ص/20 ـ (يجب على اليهودي أن يبذل مجهوده لمنع استملاك باقي الأمم للعقارات، وأن لا يمدحهم، ولا يصفهم بالحسنات والجمال،ولا يهبهم شيئاً بدون ثمنه).
صادق على هذا التفسير الحاخام يعقوب العنتابي.
عابوره زاده ص/22 ـ (ولا يجوز ربط بهائم بني إسرائيل في خان أمي خشية أن يفتعل بها، لأن الأمم الخارجين عن اليهود فساق يحبون الفسق بالحيوانات أكثر من نسائهم !! وهم فتاك طبعهم الرداءة والخيانة من وقت اجتماع حواء بإبليس عندما اتخذ صورة حية !! وقد كان بنو إسرائيل كذلك لولا تغير أطوارهم بالحسنات من حين وقوفهم على طور سينا. وبناء على ذلك ممنوع جلوس المرأة اليهودية مع الأجانب، وممنوع ذلك لليهودي أيضاً مخافة أن يقتل).
صادق على ذلك الحاخام يعقوب العنتابي.(1/116)
عابوره زاده ص/25 ـ (على اليهودي إن صادف أمياً على جنبه سيف أن يجعله يسير على يمينه. وإذا كان حاملاً عصا فعلى شماله حتى إذا سحب السيف على اليهودي تمكن من إمساك يده. وإذا كان في مرتقى أو منحدر يبقى اليهودي أمام الأمي، ولا يحني رأسه لئلاً يقتله الأمي. فإذا سأله عن محل ذهابه فليطل عليه الطريق لكي يتهامل الأمي في قتله، ويتمكن هو من الفرار والخلاص).
صادق على هذا التفسير الحاخام يعقوب العنتابي.
عابوره زاده ص/29 ـ (محرم على اليهودي مشترى النبيذ والخل من عند أمي، لأنهم يدعون أن الخمر كان يستعمل قرباناً للأوثان. وكذلك إذا لمس الأمي (مسيحياً كان، أو مسلماً، أو وثنياً) إناء اليهودي الذي فيه النبيذ، فعلى الإسرائيلي أن يريق النبيذ على الأرض، ويغسل الإناء جيداً).
صادق على هذا التفسير الحاخام يعقوب العنتابي وزاد: (إنه جائز بيع النبيذ في هذه الحالة لأمي عوضاً عن إراقته).
عابروه زاده ص/35 ـ (يحرم على اليهودي تزوج نساء باقي الأمم، لأنهن يعتبرن كأنهن دائماً في حالة الحيض منذ نعومة أظفارهن. وحرمت التوراة على بني إسرائيل نكاح بنات الأمم السبعة التي كانت تسكن الأرض الموعود بها. وجاء في التلمود: إن التحريم الذي جاء في التوراة لا يشمل الحيض الحقيقي، لأن هؤلاء النساء لا يعددن من البشر، بل من البهائم، فهي لا تحيض. إنما اختار الحكماء هذه الحيلة لقمع شهوات اليهود، لأنهم كان يمكنهم أن يستنتجوا من عدم نجاسة المرأة الأجنبية عدم نجاسة اليهودية التي تكون في هذه الحالة، فلا يعرفون الفرق بين من هي معدودة من البشر، وبين من هي معدودة من الحيوانات الغير الناطقة. فيستنتج من ذلك أن الخارجين عن اليهود من البهائم)
وافق على ذلك الحاخام يعقوب العنتابي(1/117)
(يقتل أبناء نوح إذا سرقوا ولو شيئاً يساوي فلساً واحداً، لأنهم خالفوا إحدى الوصايا التي أعطاها الله لهم. ولا يعفى من القتل من رد منهم الأشياء المسروقة، لأن الله لا يغفر بالرد سوى ذنب الإسرائيليين).
براخوت في الكتاب الأول ص/58 ـ (ضرب أحد علماء اليهود موسوياً لكونه زنى بامرأة مصرية من غير ملته. فشكاه الموسوي للحاكم، فقال العالم للحاكم: أنا ضربته لكونه افتعل بحمارة، واستحضر إيليا النبي شاهداً على ذلك. فقال له الحاكم لماذا لم تقتله ؟ فقال له: لأنه لم يؤذن لنا بذلك، فافعلوا به أنتم ما تشاؤون. ثم لما خرجنا قال اليهودي للعالم: (قد كذبت وأعانك إيليا على ذلك فأجابه العالم: كلاّ، ألا تعلم أن الخارجين عن اليهود هم بهائم. فرجع اليهودي. ولما خاف العالم من أن يرفع ذلك للحاكم ضربه فقتله. وهكذا فواجب قتل من يفشي سراً للحاكم، ويكاشفه به، لأنه يبوح بسر من أسرار الديانة).
صادق على هذا التفسير يعقوب العنتابي.
بياموت البند/6 ـ (يتنجس اليهودي إذا لمس القبور، طبقاً للتوراة. ولكن الغرض من ذلك قبور اليهود. أما ما عداهم من الأمم فليست قبورهم نجسة، لأنهم معدودون من البهائم لا من أبناء آدم).
صادق على هذا التفسير الحاخام يعقوب العنتابي.
يترابد أول ص/10 ـ (إن الحسنة والصدقة الصادرة من بني إسرائيل ترفع شأنهم وهي مقبولة عنده تعالى. وأما الصدقة الصادرة من بقية الأمم فهي خطاياهم، لأنهم لا يفعلونها إلا كبرياء. فإذا قال اليهودي إن الصدقة التي يفعلها هي لحفظ أولاده واكتساب الجنة فهي مقبولة منه، ولا تقبل في هذه الحالة من الأجنبي).
صادق على هذا التفسير يعقوب العنتابي، وقال: (إن ذلك يحصل إذا أعطيت الصدقة بقصد المباهاة والتفاخر).(1/118)
براخوت ص/58 ـ يجب على اليهودي الذي يمر على قبور اليهود أن يقول تبارك الله الذي خلقنا بالشرع. وأحيانا ويميتنا بالشرع، وسيبقينا بواسطة الشرع، تبارك من يحصي عددنا،و يحي الأموات بقدرته. وعلى من يمر على قبور الأجانب أن يقول: تباً لوالدتكم، وسحقاً لمن حملت بكم، لأن آخرة هؤلاء الأمم عقيمة كالصحراء).
صادق على هذا التعريب الحاخام يعقوب العنتابي
ـ وقال محمد أفندي (موسى أبو العافية): إن كل ما ذكر في التلمود بخصوص الأجانب والوثنيين الغرض منه جميع الأمم الخارجون عن الديانة اليهودية. والشواهد على ذلك كثيرة. منها ما يختص بمسألة النبيذ، فإنه مذكور فيها لفظة وثني، ولكن المقصود منها كل أجنبي.
وكذلك الأمر بخصوص سلب أموال الغير. فعلى اليهودي أن لا يرد للأمي ماله المفقود ولو كان عارفاً أنه صاحبه. وإذا ترك أمي شيئاً عند يهودي فمصرحلهذا الأخير عدم رده إليه والانتفاع به.
وبالجملة فأنه يحل لليهودي اختلاس أموال باقي الأمم وسرقتها لولا مخافة الحكام !!
صادق على هذا التفسير الحاخام يعقوب العنتابي.
(إذا ترافع يهوديان تعين عليهما أن يترافعا أمام حكامهما. فإذا أراد أحدهما أن يرفع الدعوى أمام محكمة أجنبية يكون كافراً ومجدفاً ومحروماً من الديانة اليهودية، ولو حكمت المحكمة المذكورة طبقاً للشريعة اليهودية. وعلى الحاخام الأكبر أن يبذل في عقاب هذا المفتري، ويتسبب في تضييع حقه ولو بشهود زور).
كل هذه القواعد لم تذكر في التوراة، ولكنها مذكورة في التلمود.
ويعتبرون الإسلام (المسلمين) من الأجانب أيضاً، ولو أنهم كانوا غير موجودين وقت نزول التوراة.
أقر على صحة هذا التفسير الحاخام يعقوب العنتابي، وزاد (أن إقامة الدعاوي أمام المحاكم الأجنبية من الخطايا التي لا تغفر، وعلى من يتسبب في ضرر مثل هذا لأخيه أن يصلح ذلك الضرر).
مقتل الأب توما
التحقيقات التي جرت في قضية خطف اليهود للأب توما وذبحهم إياه لأخذ دمه(1/119)
في 4 صفر سنة /1256/هـ
جواب من جناب قنصل فرنسا إلى شريف باشا تحت نمرة /28 دمشق في 22 /أبريل سنة 1840/ ميلادية
أخبرت دولتكم بإفادتي نمرة /22/ بأنه جاري دسائس خفية بخصوص اليهود المحبوسين. وقد علمت اليوم أن اثنين يهوديين أحدهما يدعى الياهو نحماد من حلب، والآخر صاحب إسحاق بتشوتو، وعدا خليل صيدناوي وكيل محمد التلى أن يعطياه مبلغاً لأجل أن يقول أقوالاً مخالفة لما جاء في أقوال المتهمين لغاية الآن. وقد وعدوه ببعض آلاف من الريالات، وحماية قنصلية، واقتضى تحريره الخ...
الإمضا
الكونت ده راتي مانتون
إفادة أخرى من جناب القنصل
إلى الباشا تحت نمرة /22/ مكررة
دولتلو أفندم
من الواجب أن أضيف على كل ما ذكرته بتحريري السابق نمرة /22/ المتعلق بمداخلات اليهود ودسائسهم، بأن أحدهم طلب من أحد المنتمين لدولة أخرى غير الدولة الفرنساوية أن يجتمعا مع شبلي[1] أفندي ليتداولوا في قضية مهمة. فصرحت بهذا الاجتماع حبا للوصول لمعرفة السبب الذي ألجأ إليه، فقدم اليهودي هذه الطلبات الأربعة وهي:
أولاً ـ التوقف عن ترجمة الكتب العبرية، لأن ذلك مخل بحقوق الأمة اليهودية !!
ثانياً ـ أن لا يصير وضع هذه الترجمة، أو أي شيء آخر يختص باليهود، في دوسية القضية، بل يلزم إعدام أو إتلاف كل ما ترجمه موسى أبو العافية.
ثالثاً ـ أن يصير التوسط لدي لكي أستحصل من دولتكم على الإفراج عن أحد المتهمين المعلم روفائيل فارحي.
رابعاً ـ أن تجري الوسائط لإبدال جزاء الإعدام المحكوم به على المتهمين بأي عقوبة أخرى.
وبعد انتهاء ما تقدم ذكره يصير دفع خمسمائة ألف قرش منها مائة وخمسون ألفاً وقت التصريح بالرضا، والباقي أي الثلاثمائة والخمسون ألف قرش عند نهاية القضية. وأن شبلي مفوضاً في توزيع هذا المبلغ حسبما يراه موافقاً.(1/120)
وفي ثاني يوم ذهب هذا اليهودي وتقابل مع شبلي ومعه كيس داخله نقود مرسلة من عائلة ماهر فارحي الذين قتل عندهم خادم الأب توما. وقال حامل هذه النقود أنه لا يعرف الغرض من إرسالها، وأنها تبلغ خمسة آلاف قرش (ظهر أن هذا المبلغ الذي وعد به ماهر فارحي شبلي كما علم ذلك لدولتكم في حينه، وذلك لأجل أن يساعده شبلي المذكور في المسألة التي كان مهتماً بها) وقد وضع هذا الكيس بصفة أمانة لغاية صدور أمر جديد بخصوصه، وسأل الخواجه شبلي ذلك اليهودي كيف أمكنه أن يتحصل على الخمسمائة ألف قرش، ومن هم الأشخاص الذين اشتركوا في دفعها فأجابه: إن بعض الحاخامات، وتحصيلجي صندوق الأمة قرروا أخذ هذا المبلغ من صندوق الكنيس المسمى للفقراء، وأنه لا يخاف من انتشار هذا الخبر، لأنه لم يدفع أحد شيئاً من عنده ولا يعلم به أحد !!
أما هذه الطلبات فقد رفضت بالطبع.
ثم إن أحد النصارى المعتبرين جاء فعرض على الخواجه بودين، من قبل اليهود، مائة وخمسين ألف قرش، لكي يمنع بقدر الإمكان عن الطائفة اليهودية التهمة الموجهة ضدها. وإن لم يكف هذا المبلغ أمكنت زيادته.
فهذه هي الوقائع التي أمكنني الوقوف عليها لغاية الآن:
أتشرف الخ
الإمضاء
الكونت دي راتي مانتون
بناء على هاتين الإفادتين استدعي سيد محمد التلي، وخليل صيدناوي، لاستجوابهما. فحضر الأول، ولم يحضر الثاني. فتأجل التحقيق لليوم التالي لحين حضور الثاني أيضاً.
يوم الخميس /21 صفر سنة 1256 هـ/
سئل خليل صيدناوي فأجاب:
(إني مستأجر خمارة في حارة اليهود بجوار منزل الياهو نحماد. وبينما كنت في خمارتي يوم الاثنين الموافق /16 الجاري/ نادى عليّ الياهو المذكور حالما كان واقفاً على عتبة منزله. فدخلت عنده فقال لي ما هذه المسألة ؟ فقلت له أي مسألة ؟
فقال عندما كنت في الحبس قالت زوجتك أنها ستظهر الأب توما لأنهم أجروا ضربك.(1/121)
فأجبته بأن زوجتي لا يمكنها أن تبدي أقوالاً مثل هذه، خصوصاً وأنها لا تعلم شيئاً في مسألة القسيس المذكور.
فقال لي هل تريد أن تكسب بعض نقود، وتتحصل على حماية عوضاً عن توجهك إلى إسكندرية، وتحملك العذاب ومشاق الاستجواب في هذه القضية ؟ فإذا رضيت بذلك سأفعل معك خيراً، لأنك سكنت مدة في حارة اليهود، وعملت لهم بعض خدمات. فأخبرت بأن القضية سيعاد النظر فيها بإسكندرية أمام قنصل دولة النمسا العمومي (1)[1]، ولا دخل لقنصل فرنسا فيها الآن.
فعندما تطلب أنت، وتلي، ومنصور طيان، وموسى صدقة، وشبلي أيوب، وفرنسيس سليمة، يضرب أحدكم (تلي) فيقول: إن ديمتري بولاد، وحنا عبده لقناه الشهادة التي شهد بها. وعليك أن تقول بعد ضربك أن تلي أمرك برمي العظام في المصرف. ثم يضرب الحلاق فيقول: إن تلي هو الذي أوعز إليه أن يتهم اليهود.
وقد اتفقنا على إنهاء هذه المسألة بالكيفية التي أوضحتها. وإني أحلف لك بصدق أقوالي على المسيح والعذراء اللذين تعتقد بهما. وإن لم تصدقني فأحلف لك (بالتفلين) !! (2)[2]
ثم حلف لي أنه لا يحصل لي ولا لهؤلاء الأشخاص أدنى ضرر. ثم أعقب أقواله بلفظة: قل لي: فأجبته وماذا أقول ؟ فقال لي: أراك مرتبكاً لغاية الآن ! فهلم معي حتى أطلعك على صورة العفو عن المتهمين، وعلى النقود.
__________
(1) لأن أحد المتهمين موظف في القنصلية النمساوية، وجنسيته نمساوية وهو إسحاق بتشوتو ومعلوم أن البلاد إذ ذاك في عهد لدولة العثمانية كانت ترزح تحت نير الامتيازات الأجنبية
(2) التفلين عند اليهود لباس يلبسه الحاخام على ذراعيه وقت التقديس، وهو من الأشياء المقدسة التي يعتبرها اليهودي غاية الاعتبار، كما يعتبر المسيحي الإنجيل والصليب، أو كما يعتبر المسلم القرآن.(1/122)
فذهبت معه إلى قنصلاتو النمسا، وجلست على كرسي. وكان هناك القنصل، والياهو نحماد، وترجمان القنصل. وكان الخواجه بتشوتو يترجم بيني وبين القنصل ما حدث من الحديث. فقالوا لي أخبرنا بصراحة عن مقصودك حتى تنال المال والحماية ؟ فأجبتهم ماذا تريدون مني ؟ فقالوا لي لماذا حضرت حينئذ ؟ فقلت أن الياهو نحماد أحضرني حتى أقول ما تريدون. فاكتبوا ما أردتم وأنا مستعد للتصديق عليه. فقال لي بتشوتو: تكلم بعد أن وضع يده في جيبه، إشارة على أنه مستعد لدفع المبلغ. فقلت له: إن جيبه صغير جداً ولا يحتمل أن يكون فيه كل المبلغ المتفق عليه. فقال: وماذا يهمك إذا كان هذا المبلغ سيعطى إليك من أي شخص كان ؟ فطلبت منهم ميعاد ثلاثة أيام لأجل أن أتفكر جيداً في المسألة. فقالوا وهل نحن أمامك نساء وأطفال ؟ وأن من يمكنه أن يتكلم بعد ثلاثة أيام يمكنه أن يتكلم حالاً. ثم أخبروني أن جناب القنصل مستعد أن يحلف أمامي بشرفه أني سأبقى معه دائماً مع عائلتي، أو يرسلني إلى الإسكندرية، أو إلى حلب بصفة ترجمان إذا أردت. ويمكنه أيضاً إرسالي إلى بيروت أو إلى أي جهة انتخبها. فطلبت منهم أن يبقوا هذه المسألة إلى الغد. ثم كلموني بأقوال كثيرة لا أتذكرها. فقلت لهم إن الليل أرخى سدوله، وكلام الليل يمحوه النهار. والأوفق الانتظار للغد. فأجابوني أنهم سيعطوني مسافة ستة أيام، على شرط أنه عند حضوري بعد هذه المدة تكون أقوالي بالإيجاب والقبول !!(1/123)
وفي ثاني يوم والذي هو يوم الثلاثاء توجهت عند نحماد فسألني عن شريكي الذي أريد أن أستشيره، فأخبرته أنه محمد التلي. فأجابني أن ما يعرفه التلي أعرفه أنا. فقلت له إني أخافه. فقال لا تخف من أحد. فقلت له إني سمعت أنك توجهت عنده وعرضت عليه أربعة آلاف دوقة هولاندية[5]. فأجابني بأنه ذهب حقيقة عنده ولكنه غير واثق به. وعلى أي حال فأنه سيخبره بأن يقابلني لأجل المداولة معاً في هذا الموضوع كما أرغب، فلا يكون عندي خوف ولا ارتياب.
ثم أردت الذهاب إلى التلي لأقص عليه ما جرى وذهب نحماد لاستحضار النقود. فلما سمع التلي هذه المسألة توجه إلى القنصلاتو، واستدعاني جناب القنصل يوم الأربعاء، وسألني عن معلوماتي، فأجبته بما أخبرت الآن به دولتكم. فأمرني أن أذهب وأستحصل على كتابة منهم بخط يدهم وأن أستلم المبلغ منهم، وأستحضره لجنابه حتى يرسلني مع هذه الأدلة بعد هذه إلى دولتكم. فتركته وذهبت عند الياهو نحماد، وأخبرته أن التلي رضي بما اقترحته عليه فما عليه إلا أن يستحضر النقود ويتوجه عنده معي لإعطائها له. فقيل لي أن أوجد شخصاً يستلم النقود، أو أترك المبلغ داخل صندوق في قنصلاتو النمسا يعطوني مفتاحه مؤقتاً لحينما أشهد بما وعدت بأن أشهد به، وبعدها استلم المبلغ نهائياً، وورقة الحماية. فأجبتهم بأني لا أعرف غير دكاني وجيبي فلا أرضى بوضع المبلغ إلا عندي أو عند التلي. ثم اتفقنا أني أحضر بعد المغرب مع التلي المذكور. فذهبت عند التلي ولم أجده في منزله. فأخبرتهم بذلك فحلفوني بشرف زوجتي أن أقول لهم الحق، وأنه يلزم أن أصدقهم لأننا أكلنا خبزاً وملحاً سوية، وأنهم علموني أن التلي المذكور طلب لدي شريف باشا. وسألوني عن سبب طلبه فأجبتهم بأني لا أعلم ذلك، غير أني سأستحضره أمامكم وإني متأكد أنه لا يبوح بالسر.(1/124)
ثم ذهبت بعد ذلك إلى التلي، وقابلته في الطريق وهو راجع إلى منزله، وأخبرته بقلق الجماعة عندما علموا أنني توجهت إلى السراي، وأنهم يريدون أن تتوجه معي. فأجابني إذا عيل صبرهم فليحضروا ومعهم المبلغ. فذهبت إلى نحماد، وأخبرته بذلك. فاسترجعني لاستحضاره. ولما رجعت إليه وجدته في منزل حنا الطويل. فأخبرته بضرورة توجهه معي عند نحماد. وفي الأثناء طرق الباب شخص يدعى جورجي الحماني، وأخبرنا أنه حضر إلى منزل التلي جماعة من اليهود يطلبونه. فخرجنا إليهم ووجدنا الياهو نحماد، وخادماً معه. فسألنا جورجي عن اليهودي الآخر الذي كان معه ؟ فقال لنا إنه منتم لدولة أوروباوية واسمه إسحاق زلطة. وذهب مع اثنين أو ثلاثة من أبناء طائفته نحو باب حارة اليهود. ثم دخلنا في منزل التلي، وكلمه نحماد في المسألة التي حضر بخصوصها.
استحضر السيد محمد التلي وتليت عليه أقوال رفيقه المذكور، فقرر أن أقوال صيدناوي مطابقة للواقع.(1/125)
ثم وجه الخطاب إلى دولتلو باشا قائلاً: وما يثبت ذلك هو أني فيما سبق أخطرت دولتكم بهذا الأمر، وإنهم كانوا متفقين على إعطائنا المبلغ أمس مساء. وإني كنت مستعداً أن أحضر اليوم وأقص على مسامعكم ما يتم. وأزيد الآن أن الياهو نحماد كان يريد أن يأخذني إلى منزله (كما يعلم بذلك جورجي ومحمد البواب) ولكنه غير فكره وتوجه نحو حارة اليهود لما علم من إسحاق زلطة أني حاضر من منزل حنا الطويل. ولما دخل الياهو قال لي: إننا كنا اتفقنا معك حقيقة في أول الأمر ولكنا الآن لا نثق بك. غير أني حضرت الآن عندك بسبب الوداد القديم الذي بيننا، ولأجل نفعك، فلا تخف وأعتقد أن جناب قنصل النمسا يريد أن يحميك حماية كلية. إلا أني سمعت أن أشخاصاً آخرين وعدوك بمبلغ /خمسين ألف قرش/ فهل وجدت منهم غير الكذب والأقوال الفارغة ؟ وقد غشوك وأضاعوك. أما نحن فعادتنا الدفع فوراً. فعليك أن لا تعدنا بشيء كتابة إلا إذا وجدت المال داخل كيسك هذا. والخواجا بتشوتو يهنئك ويرجوك أن تصفح عما حصل بينك وبينه، ويريد لك كل الخير، فعليك أن تصدقني فيما قلت، وإلا فهلم إلى جناب القنصل،وهو يؤكد لك ذلك بشرفه،ويحلف إسحاق بتشوتو أمامك بما لا يجعلك مرتاباً في أقواله. فأجبته بأني أصدقه، وأحافظ على الوعد إذا كان يدلني على ما أفعله، لأني اتفقت على ذلك مع خليل صيدناوي.
وبعد هذه الحادثة طلبت أن يستحضر لي المبلغ مع من يريد، ولو مع أحد من القنصلاتو، إذا كان يخاف من إنكاره، وعليه أن يحرر مسودة بما يريد، وأنا أنسخها وأختمها بختمي وإمضائي.(1/126)
فأجابني بأنه ليس لديه مسودات، وأنه يريد أن أكتبها أنا. فأجبته أني لا أعلم في مسألة الأب توما غير الحقيقة الظاهرة للجميع كالشمس في رابعة النهار. فإذا كان لديكم طريق آخر لا يعود علي وعليكم بالضرر فعليكم أن تعلموني به وأنا أتبعه. فأجابني أريد منك أن تقول الحق، لأنه إذا كان لدينا طريقة أخرى كالتي تقول عنها لما كنا احتجنا إليك. فأجبته وأنا أيضاً إذا كنت أعلم غير ما قلته لكنت أخبرت به. فقال نحماد: إن صيدناوي طلب منه مبلغاً وهو يدله على محل وجود الأب توما. ويظهر من عدم توجهي معه لدى القنصل أني لا أثق به. فإذا يلزمني أن أدعه يذهب من حيث أتى.
فقلت له: إني لا أعرف شيئاً، وأنه كان صيدناوي أخبره بشيء ما فها هو حاضر. فعندئذ توجه المذكور خطابه إلى صيدناوي قائلاً: ألم تقل لي ذلك فأجابه: نعم قلت، وسأقول ذلك، فأعطني النقود،وأنا أخبرك بمحل وجود الأب توما. وبعد هذه الحادثة انسحب السيد محمد التلي.
سؤال من القنصل إلى صيدناوي: كيف تؤكد لهم أنك ستخبرهم بمحل وجود الأب توما ؟
ج ـ نعم أؤكد ذلك، لأني أعلم بمحل وجود عظامه كما تعلمون جنابكم أيضاً بذلك. وكان قصدي أن آخذ الدراهم وأقول الحق. وإذا حصلت مشاحنة أو مشاجرة بيني وبينهم بخصوص ذلك أحضر أمام الباشا وهو يفصل في القضية.
انتهى تحقيق قضية الأب توما
---
حادثة الخادم إبراهيم
التحقيقات التي جرت في قضية قتل إبراهيم عمار
يوم السبت 26 ذي الحجة سنة 1255 هجرية
سئل مراد الفتال خادم داود هراري عن كيفية قتل خادم الأب توما، وما حصل بين المتهمين بخصوص هذه الواقعة، فقال:
ج ـ في يوم الخميس، أي ثاني يوم قتل الأب توما، حضر عند سيدي داود هراري الساعة ثلاثة صباحا تقريباً هارون اسلامبولي، وإسحاق بتشوتو، ومراد فارحي، وأصلان ابن المعلم رفائيل فارحي، وهارون وإسحاق هراري أخوه، وموسى أبو العافية، ويوسف لينيوده، وجلسوا عنده حتى الساعة الخامسة تقريباً.(1/127)
س ـ ماذا كانوا يقولون لبعضهم ؟
ج ـ لم أتذكر ذلك لأني كنت مشغولاً في خدمتهم وكنت أقدم لهم النرجيلة. غير أني سمعت ماهر فارحي يسأل سيدي واخوته: كيف صنعوا بالقسيس، وكم من الزمن احتاجوا لإتمام المسألة ؟ فأجابه داود: إن كل شيء انتهى ما بين الساعة الخامسة والسادسة.
ثم أن هارون اسلامبولي سأله عن الدم فأجاب هارون هراري، وأخوه إسحاق، بأن الحاخام موسى سلونكلي ملأ منه زجاجة، وأعطاها للحاخام موسى أبو العافية لتسليمها إلى يعقوب العنتابي. ثم سأل مراد فارحي عن كيفية إخفاء الجثة ؟ فقيل له إني أخفيتها بمساعدة الحلاق سليمان في أحد المصارف المجاورة لمنزل الحاخام موسى أبو العافية.
س ـ قلت أنك ذهبت لتدعو الحلاق بعد المغرب، وإنك لم ترجع إلى المنزل إلا بعد العشاء، أي بعد قتل الأب توما،و نزع ملابسه، ونقله إلى المقعد الخرب. فأين أمضيت باقي الزمن ؟
ج ـ ذهبت لشخص أكلفه بكتابة المصروف.
س ـ ما هو المصروف الذي استدعى استغراق هذا الوقت في كتابته، ومن هو الشخص الذي كتبه لك ؟ قل لنا الحق ولا تخف. لأننا نعلم أنك مأمور ولست مداناً. وقد طُلب من الوالي العفو عنك. فإذا طلبت الورقة وظهر كذبك تكون كالباحث على حتفه بظلفه.
ج ـ لماذا يريد الباشا الاطلاع على ورقة المصرف ؟
(صار تفهيمه: إن ذلك لأجل التأكد من صحة أقواله بخصوص الزمن الذي يقول أنه صرفه في الخارج) فقال:
ج ـ الحقيقة هي أن سيدي أرسلني إلى ماهر فارحي، ومراد فارحي، وهارون اسلامبولي، لأخبرهم بمراقبة خادم الأب توما، لأجل أن يقبضوا عليه !!
س ـ ذهبت عند من منهم أولاً ؟ وفي أي محل وجدتهم، وماذا حصل منهم بعد تأدية مأموريتك ؟
ج ـ ذهبت أولاً إلى منزل مراد فارحي. فوجدته في منزله مع إسحاق بتشوتو. فأخبرتهم بما قال سيدي. ففهم مني الغرض إسحاق بتشوتو، وقال لي اذهب لأشغالك.(1/128)
ثم عرجت على هارون اسلامبولي، فوجدته يتناول الطعام في أوضته، فأخبرته بما قال سيدي، فأجابني مثل الأول، ولكنه سألني أيضاً عن المحلات التي ذهبت إليها قبل حضوري ؟ فأخبرته بها.
ثم ذهبت عند ماهر فارحي، وفوجدته على عتبة باب منزله، ومعه أصلان ابن رفائيل فارحي. فأخبرتهما بأوامر سيدي فأجابني ماهر: بأنه عازم على عدم الحراك من محله[1]. ولما انتهت مأموريتي ذهبت لكتابة المصروف في الحارة عند شخص يدعى: يوسف فريج. ثم بقيت أقتل الوقت في الطريق لغاية العشاء، حيث رجعت إلى المنزل، فوجدت أن الأب توما قتل كما قررت سابقاً.
س ـ قلت يا مراد أن سيدك أخبر مراد فارحي، وهارون اسلامبولي، وماهر فارحي، أن يراقبوا حضور الخادم. فغير معقول انك لا تعرف أين ضبطوه، وأين أخفوه، خصوصاً وأنك ذهبت من طرف سيدك لأخبار الثلاثة أشخاص المذكورين بأن يقتلوا الخادم، وكان إرسالك يوم إشاعة الأمر. فيلزم أن يكون الخادم قتل أيضاً كما قتل سيده. فقل لنا الحق إذا أردت أن يعفى عنك ؟
ج ـ سمعت ماهر فارحي يوم الخميس يقول للأشخاص الذين كانوا مجتمعين عند سيدي: أنه نظر الخادم يسأل عن سيده، وأنه كان واقفاً على باب منزله مع هارون اسلامبولي، ومراد فارحي، وأصلان ابن رفائيل فارحي، وإسحاق بتشوتو، فتقدم نحوهم الخادم، وسأل عن سيده الأب توما فأجابوه أنه داخل المنزل يطعِّم طفلاً، ودعوه إلى الدخول فدخل.
س ـ لا بد أن تكون عالماً بما حصل به، وبالذي استماله إلى الدخول في البيت لذبحه ؟
ج ـ لسبب مشغوليتي بخدمة الخاواجات ما أمكنني أن أسمع حديثهم كلمة بكلمة. ولكنني فهمت أنهم فعلوا بالخادم كما فعلوا بسيده، وأنهم ألقوه في مرحاض الحوش الموصل إلى المصرف !!
س ـ كيف قال ماهر فارحي ومن كان معه: أنهم فعلوا بالخادم مثلما حصل لسيده، من أين علموا بما حصل للأب توما ؟(1/129)
ج ـ سأل أحدهم وهو في المجلس عما تم بالأب توما ؟ فقصوا عليه الخبر كما قلت سابقاً. ولما سمع المعلم ماهر ذلك قال: إنهم فعلوا بالخادم مثلما فعلوا بسيده، وألقوا الجثة في مراحيض الحوش الخارج.
س ـ هل كان حاضراً وقتها أحد غير الخمسة أشخاص الذي ذكرتهم وما اسم خادم ماهر فارحي ؟
ج ـ لا أعرف غير الخمسة أشخاص المذكورين الذين اشتركوا في قتل خادم الأب توما، ولا أدري هل خادم ماهر فارحي يعلم تفصيلات هذه المسألة أم لا؟ واسمه أبو الفقه، وهو ليس له ذقن[2] وعمره اثنتا عشرة سنة تقريباً.
س ـ هل يعلم سليمان الحلاق شيئاً في مسألة خادم الأب توما ؟
ج ـ لا، لأني لما ذهبت إليه أمرني سيدي أن لا أخبره بمسألة الأب توما، ولا بما أمرت به بخصوص خادمه. ولذلك أظن أنه لا يعلم هذه المسألة.
سؤال من الخواجا بودين ـ في أي ساعة توجهت إلى مراد فارحي، وفي أي محل وجدته ؟
ج ـ دخلت عند مراد بعد المغرب قبل دخول الليل، ووجدته يتمشى في الحوش مع إسحاق بتشوتو، فأخبرته باللازم بخصوص خادم الأب توما.
سؤال من شريف باشا ـ كيف عرف سيدك أن خادم الأب توما سيحضر في الحارة ؟
ج ـ هو قال إن عادة الأب توما أن يخبر خادمه بالمحلات التي في عزمه الذهاب إليها، وأنه يظن بناء على ذلك أن الخادم سيحضر لأجل التفتيش على مخدمه. فكلفني بتأدية المأمورية التي ذكرتها.
يوم الجمعة /3 محرم سنة 1256 هـ /
بناء على أقوال خادم داود هراري بخصوص مسألة الأب توما، وما ظهر من توجه مراد الفتال لينبه بضبط خادمه، كما هو مدون في المحضر المؤرخ /26 من الشهر الماضي سنة /1255/ أمر قنصل النمسا بحضور الخواجا إسحاق بتشوتو لاستجوابه، فحضر بعد الساعة الثامنة من يوم تاريخه مصحوباً بالخواجه يوسف هارون، وسئل فأجاب:(1/130)
ج ـ في يوم الأربعاء الذي فقد فيه الأب توما كنت أتنزه مع جناب قنصل النمسا. وقبل المغرب بربع ساعة صاحبني وكيل القنصلاتو إلى منزلي. ولما لم أجد زوجتي هناك ذهبت إلى حارة اليهود، وهو تركني هناك. فدخلت منزل المعلم رفائيل فارحي، وجلست مع أولاده نصف ساعة تقريباً. ثم رجعت إلى منزلي وتناولت العشاء وأخذت زوجتي عند الخواجا مقصود. وجلسنا عنده لغاية الساعة التاسعة ليلاً. ثم رجعنا إلى المنزل ولا أعلم شيئاً مما قال مراد الفتال في حقي.
س ـ قال مراد الفتال إنك توجهت عند مراد فارحي لا عند رفائيل فارحي، فما هي الحقيقة ؟
ج ـ الحقيقة أن لمنزلي بابين أحدهما بشارع الخراب أمام الخمارة، والآخر بشارع الحوض الأسود. فدخلت من الباب الأول مع وكيل القنصلاتو الذي كان معي، وخرجت من الثاني معه أيضاً وتوجهنا إلى أول حارة اليهود ومن هناك ذهب هو لسبيله، وأنا قصدت المعلم رفائيل فارحي. فإذا كان قصدي الذهاب عند مراد فارحي ما كان فيه ضرورة إلى أن أصنع هذه اللفة ثم أرجع على أعقابي، بل كان يمكنني اتخاذ طريق أقصر. وهذا مما يدل دلالة واضحة على أني لم أتوجه في هذه الليلة عند مراد فارحي.
طلب حينئذ مراد الفتال، وسئل عما قاله بحضور إسحاق بتشوتو ؟ فأجاب بأنه نظره حقيقة وهو يتمشى أمام البستان الصغير. فقال إسحاق بتشوتو عند سماعه ذلك منه:
ـ هذا اختلاق محض.
فاستمر مراد الفتال قائلاً وزيادة على ذلك: إن إسحاق بتشوتو حضر عند داود هراري في ثاني يوم مع مراد فارحي، وماهر فارحي، وأصلان ابن المعلم رفائيل فارحي، وهارون اسلامبولي، وكانوا يتحادثون معاً فيما يختص بهذه المسألة. وكان ذلك الساعة ثلاثة ونصف تقريباً صباحاً.
س ـ من الباشا ـ وماذا كانوا يقولون ؟
ج ـ كانوا يستفهمون من بعضهم عما حصل بالأب توما ؟ فقال بعضهم ما قررته سابقاً.(1/131)
فأراد أن يعرف البعض الآخر ما حصل بالخادم، فأجيب بأنهم كانوا مجتمعين في الشارع أمام منزل ماهر فارحي، فمر الخادم وسأل على سيده. فأجابوه بأنه في المنزل، ودعوه للدخول أيضاً. ولما دخل قفلوا الباب عليه بالأقفال، وفعلوا به كما حصل للأب توما، ورموه في المراحيض التي تمر تحت منزل ماهر. وكان ذلك يوم الخميس. وبقوا معاً مدة خمس ساعات تقريباً.
هنا قال بتشوتو ـ قد أوضحت محل وجودي يوم الأربعاء. وأما يوم الخميس فقد أرسل جناب قنصل النمسا وكيله الساعة ثلاثة تقريباً لإنهاء مسألة تختص بأحد حاخامات بيروت. فتوجهت معه عند (شهادة اسلامبولي) لأجل أن يحضر النقود اللازمة لهذه المسألة. فلم نجده لأنه كان ذهب عند أصلان فارحي ابن يوسف. فوقفت في الطريق مع صاحبي ثم تركته ودخلت منزل إحدى بنات المعلم سليمان، المسماة استير، لأعودها لأنها كانت مريضة. وبعد نصف ساعة رجع لي الوكيل المذكور، واستحضرنا (شهادة) وكلمناه في المسألة التي حضرنا لأجلها. وبعد تناول الغداء معاً توجهنا إلى السوق نحو الساعة السادسة من النهار تقريباً.
س ـ من شريف باشا إلى مراد ـ لا تتهم أحداً زوراً، وقل الحق، لأني لا أريد غير الحق.
ج ـ أنا متأكد أن الخمسة أشخاص كانوا حاضرين. وأما ما قاله بتشوتو عن حصوله في الساعة الرابعة والخامسة فليس معي ساعة حتى أعلم الساعات بالضبط. ولكن الذي أعلم هو أن هؤلاء المتهمين حضروا وقت الظهر، وجلسوا معاً مدة من الزمن، ثم ذهبوا.
عندئذ انسحب بتشوتو.
ثم سئل مراد الفتال: الساعة إحدى عشرة أكانت المراحيض موصلة مباشرة إلى المصرف، أو يوجد طريق آخر يوصلها به ؟ فقال :
ج ـ المراحيض موصلة مباشرة إلى المصرف.
ثم انتقل من هذا الموضوع إلى موضوع آخر، فقال:(1/132)
كيف ينكر إسحاق بتشوتو أني نظرته بعد المغرب مع مراد فارحي؟ هل قصده بهذا الإنكار أن يتخلص من التهمة.. ولكن نسيت أن أجادله، وأقول له: هل ينكر أنه في يوم الخميس مساء قبل ضبط المتهمين بيوم واحد، كان عند داود هراري، وأنه أرسل عمه (والد زوجته) عند الحاخام موسى أبي العافية، وأنهم بقوا هناك لغاية الساعة الخامسة ليلاً، وأنه قال في الليلة المذكورة لهؤلاء الخواجات: أظن أن الحلاق اتهمكم اليوم، وأنه سيصير ضبطكم باكراً. وفي أثناء الحديث حضر خادم مراد فارحي، وأخبره أن سيده يطلبه. فخرج معه وترجاه الحاضرون في أن يرسل لهم خادم مراد ليخبرهم بما يحصل. فلماذا طلب بتشوتو للحضور عند مراد ؟ ولماذا أرسل بتشوتو خادمه يقول لهم: كونوا مطمئنين لأنه لا داعي للانزعاج ؟
وزيادة على ذلك فإن هارون هراري ذهب يوم الجمعة، واختفى عند بتشوتو مدة ساعتين أو ثلاثة. حتى أن اخوته افتكروا أنه ضبط، وأخبروه بقلقهم عند عودته، فأجابهم أنه كان عند إسحاق بتشوتو. ثم صار ضبط اخوة هراري الثلاثة في منزل داود وكانوا معاً.
س ـ ما اسم خادم بتشتو الذي كلف بتأدية هذه المأمورية ؟
ج ـ الشخص الذي حضر هذه الليلة من طرف مراد فارحي لطلب بتشوتو يسمى (شهادة) وهو خادم مراد المذكور، وهو شاب ليس له لحية.
وأما خادم إسحاق بتشوتو الذي أرسله للاطمئنان فاسمه (يحيى بازينه) وهو شاب قصير ابتدأ شعر ذقنه في الظهور، ويسكن عند اسحاق بتشوتو.
يوم الثلاثاء الموافق/ 7 محرم
أقوال أصلان فارحي ابن المعلم رفائيل التي حررها قنصلاتو فرنسا:
أنا الواضع اسمي فيه أدناه، أصلان فارحي، أقول:(1/133)
أنه في يوم الأربعاء الذي فقد فيه الأب توما كنت في منزلي، وكان معي أخي ماهر بعد العصر. وجلست على (بنك) مرفوع أمام الصالة الكبرى، ثم ذهبت بين المغرب والعشاء عند شقيقتي (بوليتزا)، فوجدت هناك أصلان (بيريس) وتحادثنا معاً بخصوص قضية مرفوعة أمام المحكمة، ولم أخرج في هذه الليلة، ولم أنظر وصول بتشوتو عندما كنت في (الحوش). وبعدما خرجت من بيت أختي لم يحضر بتشوتو عندي ولا عندها، ويمكن أن يكون عندها وأنا هناك. وأما أخي ماهر فقد تركته في (الحوش) المغرب، ولا أعلم أنه أمضى ليلته عندها أو عند غيرها. وليس لبتشوتو عادة في أن يحضر عندي، ولا أن أذهب عنده، لأن علاقاتنا ليست على ما يرام من الوداد بسبب نسائنا. وهذا ما كتبته بدون خوف في قنصلاتو فرنسا.
الإمضاء: أصلان رفائيل فارحي
أقوال الست بوليتزا بنت رفائيل فارحي
حضر عندي يوم الأربعاء الذي فقد فيه الأب توما أصلان وماهر إخوتي، وكان ذلك قرب العصر، وطلع أصلان عندي إلى الدور الأعلى ما بين المغرب والعشاء. وكان قد طلع مرة قبلها ومكث أكثر من ساعتين، وكان معنا أصلان بيريس وكانا يتحادثان معاً في قضية مرفوعة أمام المحكمة. وأظن أنه لم يخرج بعد دخوله المنزل. وإني متأكدة أن الخواجا بتشوتو لم يحضر، لأن العلاقات الودية بينه وبين أخي ليست كما يجب بسبب نسائهما. وكذلك الأمر ما بينه وبين أمي بسبب أقوال قالها شهادة اسلامبولي.
(كتبت هذه الشهادة بخط إبراهيم اسكنازي لعدم معرفتها الكتابة ولا القراءة، وحضر الياهو سلامة بصفة شاهد أيضاً).
(أقر وأعترف بأن ما قالته ابنتي هو الحقيقة. وأقر زيادة على ذلك أن المعلم رفائيل فارحي زوجي لم يبرح المنزل بعد دخوله. وأن الخواجه بتشوتو لم يحضر عندنا وأنا لم أنظره.
(كتب ذلك بخط الشاهد السالف الذكر وبحضور الياهو معه).
أقوال الست اليوكا بنت هارون اسلامبولي وزوجة ماهر فارحي ابن المعلم رفائيل:(1/134)
لما دخلت المنزل طلعت غرفتي لتطبيق البرقع، ثم نزلت إلى (الحوش) فوجدت الخواجا بتشوتو داخلاً، فسألني: من عندكم؟ فأخبرته بأنه يوجد أبي وعمي (والد زوجي)، وأولاده. وفي أثناء المحادثة مرت الخادمة خاتون ومعها نرجيلة، فأخذها منها بتشوتو، وشد نفساً وتركها ومضى.
(كتب ذلك أيضاً بخط الكاتب السابق ذكره وبحضور الشاهد معه)
وقرر خادم الست بوليتزا: أنه لا يتذكر إذا كان بتشوتو حضر في هذا اليوم من عدمه.
ملحوظة:
بعد تحرير هذه المحاضر صار إرسالها إلى شريف باشا بمعرفة قنصل فرنسا.
حادثة الخادم إبراهيم
التحقيقات التي جرت في قضية قتل إبراهيم عمار
يوم السبت 18 محرم سنة / 1256 هـ
حضر بتشوتو مصحوباً بيوسف زنانيري ومعه تذكرة من قنصل النمسا تفيد لزوم الاستمرار في استجواب المتهم المذكور عن مسألة خادم الأب توما. فسئل بالكيفية الآتية:
سؤال من الباشا ـ لما حضرت في /16 محرم/ لاستجوابك في مسألة قتل خادم الأب توما دعينا خادمك أمامك، وشهد أنه في الليلة التي ذهبت فيها عند جرجس مقصود كان ذلك بعد العشاء بنصف ساعة تقريباً، وأبواب الحارات كانت مقفلة، وفتحت لك. وبعد هذه النقطة انصرفت قائلاً أنه ليس عندك أجوبة أخرى ورجعت إلى القنصل بدون إتمام التحقيق. وها قد حضرت الآن فهل تريد أن تجاوب عما قاله خادمك أمامك ؟
بتشوتو ـ ولو أني لست ملزماً بأن أجاوب عن شهادة صارت من خادمي ولكني أجاوب لأوضح الاختلافات الموجودة في أقواله لتنوير رؤسائي الغائبين عن دمشق ولا ينظرون ما يجري في هذه القضية، فأقول:
إن الخادم قرر أني ذهبت بعد العشاء بنصف ساعة أو بساعة وربع. وفي المرة الثانية قال أنه ذلك كان بعد العشاء بنصف ساعة فقط. ولكن الخادم معذور، لأنه وضع في السجن قبل استجوابه، وباب الخوف طويل وعريض، والحياة ثمينة.(1/135)
وقال جرجس مقصود: إننا وصلنا عنده قبل حضور أحد بعد المغرب بساعة وشهد الصوابيني أننا وصلنا عند جرجس مقصود الساعة اثنين ونصف أو ثلاثة ليلاً.
ويستنتج من شهادة بطرس جاهل أنه حضر الساعة اثنين ونصف فوجدنا هناك.
وشهد جرجس مقصود في مواجهة الصوابيني أننا وصلنا الساعة واحدة تقريباً، وأنه أرسل خادمه بعد وصولنا ببرهة ليدعو (ميخائيل صالة)، ولما رجع الخادم وجد عنده (شهادة ندافيت) والمعلم (إبراهيم أيوب)، وقال أنه غير ممكنه الحضور فأرسل له مقصود رسولاً آخر لتجديد الدعوة. ثم ذهب الصوابيني وحضر بعد خروجه بطرس جاهل الساعة اثنين ونصف على حسب ما قال.
فجميع الوقت الذي مضى بعد مجيئنا ينحصر في لحظة مضيناها عند مقصود وفي المسافة التي لزمت الخادم للتوجه عند (صالة) ورجوعه وإرسال الصوابيني. فشهادة مقصود المؤداة بعد مسألة قتل الأب توما بعشرة أو اثني عشرة يوماً أثبتت كذب شهادة الصوابيني. ومع ذلك فهذا الأخير معلوم لدى الخاص والعام بالكذب. وإذا وافقتم فأحضروا مقصود ودعوه أن يشهد في مواجهته.
الباشا ـ يستنتج في ذلك أنك تشك في شهادة الخادم لأنها تأدت بعد حبسه. ومع ذلك فإن الشخص لم يحبس إلا بعد أن قال مراد الفتال أنه قبل ضبط عائلة هراري بليلة واحدة توجهت أنت عندهم، ثم طلبت مراد فارحي، فذهبت عنده بعد انتهاء العزومة، وأنه بعد وصولك أرسلت خادمك يخبر داود هراري بأنه لا لزوم للخوف لأنه لا موجب لذلك.
ثم سألنا الخادم عن الوقت الذي توجهت فيه عند مقصود، وحبسناه لمواجهتك به وإتمام استجوابه، وقد علمت بعد ذلك أن حنا بولاد وإبراهيم غورا تقابلا معك في الطريق عندما كنت متوجهاً عند مقصود، فاستحضرتهما أمس يوم الجمعة ورصدت شهادتهما في المحضر، وسأطلعك عليها. أما من خصوص طلبك مقصود وصوابيني لإعادة شهادتهما فلا نرى مانعاً من إجراء ذلك. وسأستحضرهما مع حنا بولاد وإبراهيم غورا لتسمع ما يقولون.(1/136)
استحضر حنا بولاد وإبراهيم غورا فشهدا بما قالاه قبل.
ثم حضر مقصود، وسئل بناء على طلب بتشوتو عما حصل في ليلة الخميس وعن الوقت الذي حضر فيه بتشوتو، وكان ذلك بحضور صوابيني، فأجاب: مقصود ـ أنا ما كنت محافظاً على الساعة في يدي حتى أعلم وقت وصول بتشوتو. ولما سألني جناب قنصل إنكلترا عن هذه المسألة من خمسة عشر يوماً أخبرته أن مجيء بتشوتو كان بعد المغرب بثلثي ساعة أو أكثر. ولكن في يوم الأربعاء /15/ الجاري تقابلت مع حنا فريج في خان أسعد باشا، فقال لي: يوجد أربعة شهود مهمين يشهدون أنهم نظروا إسحاق بتشوتو وهو متوجه عندي قبل العشاء، وأحدهم يسمى إبراهيم غورا.
ثم توجهت إلى السوق وتقابلت مع يوسف عيروط، وأخبرته بما قال حنا فريج، فقال لي: إن أقوال حنا فريج المذكور حقيقية. ففهمت حينئذ من أقوالهما أنهما يريدان أن أصمم على أقوالي. وعلى أي الأحوال قد أخبرت بما أعلم وما معصوم من الغلط إلا الله.
وأجاب الصوابيني أن وصول بتشوتو عند مقصود كان ما بين الساعة اثنين ونصف وثلاثة. وعندما توجه (أي الصوابيني المذكور) إلى ميخائيل صالة كانت الساعة ثلاثة ونصفاً تقريباً.
إسحاق بتشوتو ـ أما من خصوص شهادة فارحي فإني أبديت ملحوظاتي عنها. أما شهادة بولاد وغورا فإنه لا يخفى أن بعض الأشخاص يريدون هلاك الأمة اليهودية، ويبذلون الجهد لتحقيق أمنيتهم. وأظن أن سمو الوالي الأكبر الخديوي وقائد العسكر، عالمان بذلك. ورؤسائي سيطلعون على هذه الشهادات، ونظرهم يكفي.
الباشا ـ ظهر من التحقيق أنك كنت معزوماً في حارة من حارات المسيحيين ومررت في الساعات السابق تعيينها، ونظرك من شهد، فقلت إن هذه الشهادات لا يعول عليها لأنها تأدت لأغراض خصوصية. ثم قلت إن قصد بعض الناس هلاك الأمة اليهودية، وأن سمو الوالي الأكبر الخيدوي محمد علي باشا وسعادة قائد العسكر يعلمان بذلك، فأخبرني كيف علمت هذا الأمر ؟(1/137)
ثم شهد بعض الشهود، كمراد الفتال خادم داود هراري، والمعلم أصلان فارحي، وخادمك الذي عين الساعة التي ذهبت فيها إلى الخواجا مقصود، فلم تقبل أيضاً شهادتهم. فقل لنا عن الذين تريد سماعهم في هذه القضية ؟
بتشوتو ـ يظهر لي أن هذه التهمة سببها خبث النية والكراهة الزائدة.
وأما ما قلته من أن سمو الوالي الأكبر الخديوي، وقائد العسكر، يعلمان بقصد من يريد هلاك اليهود فإني لم أقل ذلك على سبيل الجزم بل عن طريق الظن إذ من المحتمل أنهما يجهلونه.
وأما من خصوص رفض شهادات اليهود والمسيحيين فإني أجبت في المحضر المؤرخ في 16 الجاري عما يختص بأقوال أصلان فارحي.
والآن أبدي ملحوظاتي بخصوص ما قاله مراد الفتال خادم داود هراري فأقول: إن هذا الخادم رأى أن يتهمني زوراً وبهتاناً بعدما حبس /15/ يوماً، وعذب بالضرب فقال إنه نظرني عند مراد فارحي لما ذهب إليه من طرف مخدمه، ليخبره عما حصل بخادم الأب توما. وقال أيضاً إني ذهبت ثاني يوم، أي يوم الخميس، عند سيده داود هراري الساعة ثلاثة صباحاً تقريباً وكان هناك أصلان فارحي ومراد فارحي وهارون اسلامبولي ويحي ماهر فارحي، ولكنه كذاب فيما قاله وقد دافعت عن نفسي بكيفية صريحة، وعينت محل وجودي من يوم الأربعاء لغاية ظهر يوم الخميس. وزيادة على ذلك فإن أصلان فارحي كذب أمامكم مراد الفتال خادم داود هراري فيما قاله بخصوص وجودي عند داود هراري يوم الخميس التالي ليوم فقد الأب توما، وأكد أني لم أذهب هناك. ومن ذلك يظهر لكم جلياً كذب الخادم المذكور، لأني إذا كنت ذهبت حقيقة عند داود هراري الساعة الثالثة كما قال مراد الفتال ما كان مراد فارحي ينكر ذلك. وقد زاد مراد الفتال رواية أخرى بعد عشرة أيام وهي أني توجهت عند ماهر فارحي وكنت حضرت وقت قتل الأب توما، فأظن أن أقوال هذا الخادم لا يعول عليها خصوصاً وأنها صدرت منه بعد أربعين يوماً أمضاها في الحبس قاسى الضرب والعذاب الأليم.(1/138)
أما شهادات الشهود المسيحيين فأنها تأدت بسوء نية لأنهم يقولون أني ذهبت عند مقصود الساعة اثنين مع أني كنت هناك الساعة الواحدة.
هنا عمل شريف باشا بعض ملحوظات باللغة التركية إلى بحري بك، وكلفه أن يأمر الكاتب أن يكتبها باللغة العربية في المحضر، فأبى بتشوتو، وقال لبحري بك سعادة الباشا هو الذي له الحق في أن يضع الأسئلة لا أنت. فكف وقتئذ بحري بك عن العمل، وتعطل التحقيق لغاية انتهاء الباشا من أشغاله مع الكاتب التركي الذي كان حضر إليه.
صورة إفادة من شريف باشا إلى قنصل النمسا
بتاريخ 18 محرم سنة /1256/ هجرية
(وصلني اليوم جوابكم المؤرخ في 18 الجاري المذكور فيه سبب رجوع بتشوتو إلى مكتب الوكالة مصحوباً بيوسف زنانيري، ووصول صورة إليكم من التحقيق الذي حصل. وذكرتم أنه سبب إتمام التحقيق ترسلون بتشوتو للاستمرار في استجوابه، وأنكم فهمتم من الأوراق أن خادم بتشوتو يحي بازينا سجن بدون علمكم، وأقد أخذتم مذكرة بذلك. لكل ما جاء بهذه الإفادة صار معلوماً، وأفيد جنابكم أن صورة التحقيقات التي قلتم أنها وصلتكم عند رجوع بتشوتو وزنانيري إليكم لم نرسلها معهما، ومن المحتمل أن يكون زنانيري أخذها من تلقاء نفسه.
وقد حضر اليوم بتشوتو وسئل، ولكن عند إعطائه آخر جواب اشتغلت بمسألة مع الكاتب التركي، وأبديت بعض ملحوظات لصاحبي المحترم بحري بك باللغة التركية حتى يترجمها ويرصدها في المحضر، فغضب بتشوتو ووجه الخطاب لصاحبي قائلاً له: هل أنت الذي لك الحق في وضع الأسئلة أو الباشا ؟ فكف صاحبي المذكور عن استجوابه وليست هذه الملحوظة من بتشوتو تليق بمقام رجل مثل بحري بك حتى ولو كان محقاً. وعلى أي حال فقد تعطل التحقيق لغاية انتهاء المسألة التي كنت مشغولاً بها. وأني أجهل سبب حصول هذا التعدي من بتشوتو، وهل حصل ذلك من تلقاء نفسه أو بإذن منكم ؟ أرجوكم الإفادة.(1/139)
أما من خصوص حبس الخادم الذي تدعون أنكم تجهلونه وأخذتم عنه ملحوظة، فأجيبكم بأنه لدي مكتوب منكم مؤرخ في 18 ذي الحجة سنة /1255/ مذكوراً فيه ما نصه (إذا لزم من الآن فصاعدا استجواب أي شخص منتم لدولة النمسا أو التوسكان بخصوص هذه القضية (وهي قضية الأب توما وخادمه) فإني أصرح بأن تستحضرونه لاستجوابه وإذا لزم الحال لحبسه فلا مانع) هذا ما ذكر في تلك الإفادة بالحرف الواحد بخصوص المنتمين (1)[1] مع أن هذا الخادم من رعايا الحكومة المحلية، وحبس لأن مراد الفتال قال: بتشوتو كان عند إخوان هراري قبل ضبطهم بليلة، وأن الذي دعاه هو مراد فارحي، وبعد وصوله هناك أرسل خادمه لعائلة هراري يخبرهم بأنهم لا يلزم أن يكونوا خائفين لأنه لا موجب لذلك. فاستحضرته لاستجوابه عن هذه الوقائع فأقر بحصولها. ثم سئل عن الوقت الذي توجه فيه عند مقصود فقال أنه توجه بعد العشاء بنصف ساعة أو أكثر فترآى لي أنه من الضروري حجزه لمواجهته مع معلمه، ولذلك حبسته ولا ضرر من بقائه، خصوصاً أنه من رعايا الحكومة المحلية، مع أنه لدي الإفادة التي تصرح لي بضبط كل منتم لدولة النمسا أو التوسكان إذا انحصرت فيه الشبهة، ويظهر أن جنابكم نسيتم هذه الإفادة.
يوم الأحد /19 محرم سنة 1256/ هجرية
__________
(1) أي المتجنسين بالجنسية النمساوية من موظفي القنصلية.(1/140)
انتقل شريف باشا إلى حارة اليهود، مع علي أفندي (نائب أميرالاي بقسم الطوبجية السواري) وعلي آغا تفتشجي باشا دمشق، وجملة من الضباط التابعين له، وأخذوا معهم المعلم أصلان فارحي، ومراد الفتال خادم داود هراري ولكنهم لم يمكنوهما من المحادثة معاً. ولما وصلوا أمام منزل ماهر فارحي استحضر المعلم أصلان فارحي، وسئل فأجاب: بأنه لما حضر الخادم مراد الفتال وتحدث مع ماهر فارحي كانوا واقفين أمام الباب. ثم دخل شريف باشا إلى المنزل وسأل أصلان فارحي عن المحل الذي قتل فيه الخادم، وكيف كان موضوعاً على الديوان، فقال أصلان: (إن الخادم كان موضوعاً على هذا الديوان (وأشار على الديوان الصغير الذي في الحوش)، وكان ممدداً وقت ذبحه، وكان اسحاق بتشوتو ماسكاً إحدى رجليه، وأنا الأخرى. وبعد ذلك وضع أصلان فارحي في محل آخر، واستحضر مراد الفتال، وسئل عن الأسئلة نفسها، فقرر مثل الأول بالحرف الواحد بدون اختلاف.
يوم الاثنين /20 محرم سنة 1256 هـ/
لما انتهى شريف باشا من أشغاله أمر أن تكتب الأسئلة الآتية لتوجيهها إلى بتشوتو.
أولاً ـ قلت أنك وجدت هنا سوء نية، ولم توضح من الذي استعملها معك، ولا كيفية حصولها، وماذا تعني بقولك هنا ؟
ثانياً ـ قلت أيضاً أنك أجبت سابقاً على شهادة أصلان فارحي. على أن ما قلته لا ينفي تلك الشهادة كما أوضحنا لك ذلك سابقاً.(1/141)
ثالثاً ـ قلت إن شهادة مراد الفتال لم يؤيدها إلا بعد حبسه ثلاثين يوماً وبعد ضربه وتعذيبه، وأنه شهد ضدك زوراً. ومع ذلك فأنه قرر من أول ما سئل أنه ذهب ليدعو الحلاق من طرف سيده، ووافق سليمان الحلاق على ذلك الكلام. وعندما قال ذلك لم يحبس ولم يهدد ولم يهان، بل بعد إقراره ومصادقة الحلاق عليه خلى سبيله. ثم تراءى لنا إعادة سؤاله عن المحل الذي ذهب إليه بعد تأدية المأمورية التي كان مكلفاً بها نحو الحلاق. فلما حضر صادق على وجود رفائيل فارحي. فأنكر الخادم المذكور ما كان اعترف به فضرب على رجليه. وظهر بعد ذلك أن سبب إنكاره نظرة توجهت إليه من المعلم رفائيل فارحي، وقال أنه خاف من المعلم رفائيل المذكور لئلا يتسبب في هلاكه إذا رجع إلى الحارة. ولم يحصل ضرب ذلك الشاهد سوى هذه المرة.
أما سبب اعترافه بعد ثلاثين يوماً فلأني كنت مشغولاً تلك المدة في اكتشاف الوقائع المختصة بقتل الأب توما، ولم نر استجوابه عن مسألة الخادم ضرورياً. فلما تم تحقيق قضية القسيس ابتدأت في تحقيق قضية الخادم، وسألت حينئذ مراد الفتال فشهد ضدك بما سمعت. ثم إنك قررت أن اعترافه يخالف ما قاله أصلان، لأنه قال: إن أصلان أنكر ذلك الأمر بالكلية. وعلى حسب فكري حيث أن أقوال هذين الشخصين وجدت مطابقة لبعضها فيما يختص بوقائع قتل خادم الأب توما في منزل ماهر فارحي وحضورك مع الجانيين، حيث كنت ماسكاً إحدى رجليه وأصلان ماسكاً الرجل الأخرى، كل ذلك يكفي لاعتبار هذه الشهادات حقيقية ولو أن فيها بعض اختلاف فيما يختص بوجود أصلان ثاني يوم الواقعة في منزل هراري. على أنه لا يلزم التمسك بجزء من الاعترافات وطرح الجزء الآخر منها ظهرياً. بل إذا اعتبرت أن إقرار أصلان حقيقي يلزم أن تقبله بأجمعه، فلا يصح أن تعتبر ما هو في صالحك وتترك ما يضرك.(1/142)
رابعاً ـ قلت: إن شهادة الشهود مزورة، وأنك أثبت وجودك في محلات عينتها من يوم الأربعاء إلى يوم الخميس الظهر طبقاً لما قررته في المحضر المؤرخ يوم الجمعة 3 /محرم سنة/1256. وجاء في أقوالك أنه: (في ليلة فقد الأب توما توجهت عند جرجس مقصود قبل العشاء، وصادق مقصود على ذلك، وارتكنت أنت على شهادته بقولك أنها أهم من شهادات الصوابيني وخادمك. ولكني استحضرت بعد ذلك (غورا، وبولاد) فقررا أنهما تقابلا معك في شارع (كوكاساي) وأنت متوجه عند مقصود بعد العشاء الساعة اثنتين تقريباً ليلاً. وهؤلاء الشهود مشهورون بالشرف والذمة، وأهم من مقصود الذي تتمسك بشهادته. على أني استحضرت مقصود ثانياً بناء على طلبك لمواجهته مع الصوابيني، فقرر كما هو مثبت في المحضر بأن فريجاً وعيروطاً قد غشاه في شهادته الأولى. وحيث أن شهادته الثانية جاءت منافية للأولى فيوجد عندي شك في كل ما قاله، واستبعد شهادته.
وحيث أنه ثبت من جهة أخرى بشهادة شهود معتبرين أنك توجهت عند مقصود الساعة اثنتين ليلاً تقريباً، ويظهر من شهادة أصلان فارحي، والخادم مراد الفتال أنك كنت من ضمن القاتلين لخادم الأب توما الذي ذبح بين المغرب والعشاء، فإنكارك بعد ذلك وادعاؤك إنك كنت عند مقصود في هذه الليلة لا يبرآنك من التهمة.
قلت من جهة أخرى أنك متأكد من وصولك عند مقصود قبل الساعة واحدة ليلاً واستنتجت من ذلك أن شهادة (بولاد، وغورا) صادرة عن سوء نية، ولكنك معذور فيما قلت، لأنك لو قبلت هذه الشهادات على علاتها تضر بمصالح الدفاع عن نفسك.
يوم الخميس /23 محرم سنة 1256هـ/
تجديد استجواب بتشوتو:
طلب إسحاق بتشوتو للإطلاع على الأسئلة السابقة وإبداء ملحوظاته فأطلع عليها، وقال:(1/143)
بتشوتو ـ إني مصمم على إنكاري، وأقول: إني لا أعلم بمسألة قتل الأب توما وخادمه. أما أسماء الأشخاص ذوي النية السيئة بالنسبة لي فسيطلع رؤسائي على هذه القضية، ويثبتون سوء النية. وهذا كافٍ. والإجابة التي صدرت مني بخصوص ما قاله أصلان فارحي كافية، وسيطلع رؤسائي عليها وعلى شهادة مراد الفتال، ويميزون الغث من السمين، خصوصاً وأن هذه الشهادة تأدت بعد تعذيبه.
قلتم دولتكم: (إنه يلزم أن اعتبر شهادة أصلان فارحي كما هي وبأجمعها مع أنها مضادة لما قاله مراد الفتال خادم داود هراري بخصوص عدم حضور أصلان يوم الخميس ثاني يوم قتل الأب توما في منزل هراري)، فحاشا لله أن أوافق على ذلك. ولكن الذين أغووا أصلان على الاعتراف نسوا أن يعلموه شهادة موافقة لأقوال الخادم مراد الفتال. ومن ذلك يظهر أن هذه الشهادات كاذبة، ونظر رؤسائي كافٍ لاكتشاف خفايا التهمة الزور التي توجهت نحوي. يظهر أن قصد دولتكم استبعاد شهادة مقصود أنه حضر يوم السبت لإعادة شهادته أمام الصوابيني وقال أن فريجاً وعيروطاً غشاه في شهادته الأولى. ولكن قد شهد مقصود المذكور أمام قنصل انكلترا بعد عشرين يوماً على الأكثر، وكانت تلك الشهادة حقيقية، فلا يمكن استبعادها والحالة هذه.
أما ما أبداه من أن فريجاً وعيروطاً غشاه بعد خمسة عشر يوماً فهذا لا يهمني، وعلى رؤسائي أن يميزوا هذه الشهادة وغيرها. قلتم أيضاً (إن ادعائي بوجودي عند مقصود في هذه الليلة لا ينفي عني التهمة) والحقيقة أني كنت هناك في تلك الليلة قبل الساعة واحدة ليلاً كما يعلم الله.
أما باقي الشهادات فهي مبنية على سوء النية كما سيظهر ذلك أمام رؤسائي. وحاشا أن تسمح الحكومة النمساوية بأن يذهب أحد رعاياها ضحية لسوء نية الآخرين.
وأختم أقوالي بأني لا أعلم شيئاً، وأسأل الله أن يساعدني لصالح الحقيقة.(1/144)
الباشا ـ قد سئلت عن مسألة قتل خادم الأب توما لا عن مسألة القسيس فلا يلزم أن تذكر هذه المسألة الأخيرة ضمن أجوبتك. وقلت (أن كل من شهد ضدك شهد بسوء نية). على أن هذا التعليل ليس له معنى ومن الضروري أن تثبت لنا بأدلة قاطعة وجود سوء النية وكيفيتها لأجل أن ننظر في ذلك. ولكن مجرد إدعاء أن الشهادات كاذبة ومبنية على سوء النية لا يعول عليه.
ثم ذكرت أن أصلان فارحي لم يشهد بما قال من تلقاء نفسه بل أغري على ذلك، فأخبرنا من هم الذين أغروه، وقل لنا عن أسمائهم إن كنت من الصادقين.
بتشوتو ـ قلتم: (إن الأسئلة الموجهة لي تختص بمسألة الخادم لا بمسألة القسيس). ولكني ذكرت ذلك لأن مراد الفتال شهد بأني عالم بالمسألتين. فالتزمت أن أقرر بعبارة صريحة عدم علمي بمسألة الأب توما ولا بمسألة خادمه.
وقلتم أيضاً: (أن مجرد ادعائي أن الشهادات مزورة لا يعول عليه) فأجيب بأني عينت محل وجودي في أيام الواقعة ساعة بساعة وذلك من ظهر يوم الأربعاء الذي فقد فيه الأب توما إلى يوم الخميس الظهر. ولكني ما كنت أعلم أني سأتهم في هذه القضية حتى كنت أستحضر شهوداً تصاحبني أينما أذهب، غير الشهود الذين كنت عندهم. ولكن رؤسائي سيقدرون شهادة جرجس مقصود وشهادة باقي الشهود حق قدرها.
طلبتم أن أعين أسماء من أغروا أصلان فارحي، فأقول: (إنه لا لزوم لذلك، لأن كذب هذه الشهادة سيظهر أمام رؤسائي بدون أدنى عناء).
الباشا ـ أجبت عما يختص بمسألة اتهامك بقتل خادم الأب توما (التي قال فيها خادم داود هراري أنك كنت حاضراً مع المتهمين) بأنك تجهل مسألة قتل القسيس والخادم معاً. ومع ذلك لم يتهمك خادم هراري بقتل الأب توما، وأنا لم أوجه إليك سؤالاً بخصوصها. فأستنتج من أقوالك أنك تريد مجرد الإنكار بدون إبداء أدنى دليل.(1/145)
وقلت من جهة أخرى: (إنك عينت الجهات التي كنت فيها من يوم الأربعاء إلى ظهر يوم الخميس، وأنك كنت تجهل اتهامك في قضية مثل هذه حتى كنت تصحب معك شهوداً غير الذين كنت عندهم) ولكن ذلك الدفاع لا يجدي نفعاً لأنك لم تثبت لغاية الآن أين كنت في الساعة التي فقد فيها خادم الأب توما، ولم يشهد من كنت معه في صالحك.
أما مقصود فليست شهادته مهمة في الدعوى، لأنه قال أنه لم ينظر الساعة وقت حضورك حتى يعرف متى حضرت بالضبط. وقد حضر شهود آخرون، وكذبوه في شهادته، ثم حضر مقصود المذكور ثاني مرة، بناء على طلبك، وشهد بما يخالف شهادته الأولى.
فيستنتج من ذلك أن أقوالك كلها غير حقيقية.
ومن الغريب أنك تذكر رؤساءك أثناء التحقيق وترتكن على أنهم سيميزون بين الغث من السمين في هذه القضية، مع أنهم غير حاضرين الآن، ولا يمكنهم استحضار من يلزم لتنوير الدعوى.
وقد لاحظت أنك تذكر لفظة (رؤسائي) جملة مرات في التحقيق. فيظهر أن لديك قصداً خفياً فقل لي عنه.
بتشوتو ـ قلتم دولتكم: (أني لم أُسأل عن قتل الأب توما، ولم يتهمني الخادم مراد الفتال بذلك، مع أني ذكرت في هذه المسألة في جوابي، فيظهر أن قصدي مجرد الدفاع عن نفسي بالإنكار) فأقول بأن أول كذبة لفقها ضدي الخادم ادعاؤه بأني كنت حاضراً عند مراد فارحي لما ذهب من طرف معلمه داود هراري ليخبره بما حصل في مسألة الأب توما. وزاد أيضاً على ذلك (أني وجدت عنده ثاني يوم أي يوم الخميس صباحاً، وأن المتهمين بقتل القسيس كانوا يسألوني كيف صنعت بالخادم فأجبتهم كما صنعتم أنتم بمعلمه).
وقد سئلت في أول مرة عندما حضرت أمامكم عن مسألة فقد الأب توما بناء على ما اتهمني به الخادم المذكور، فأنكرت علمي بهذه المسألة.
وأزيد الآن: إني ما كنت عند مراد فارحي، ولم أذهب في ثاني يوم عند داود هراري، وكل ما قيل ضدي غير حقيقي.(1/146)
قلتم أيضاً: (لم أوضح الوقت الذي عينته من يوم فقد الأب توما أي يوم الأربعاء إلى يوم الخميس بعد الظهر بنصف ساعة). على أني عند حضوري في أول مرة في يوم الجمعة /3 محرم سنة /1256/ صرحت بما يلزم أن أقوله، وليس في الإعادة إفادة.
أما من خصوص ما رأيتموه في شهادة مقصود فهذا أمر ليس من شأني المعارضة فيه، ورؤسائي الذين سيحاكموني سينظرون إذا كانت شهادته يعول عليها أو لا !!
وأما من خصوص قولكم (إن رؤسائي غير حاضرين) فمن المعلوم أنهم مع عدم حضورهم سيدققون النظر في هذه القضية بالنسبة لي، مع أنهم سيحكمون فيها طبقاً لما هو مدون في المحضر، وتقارير وكيلهم الحاضر هنا.
الباشا ـ قد اكتفيت بملحوظاتك التي أبديتها بخصوص مسألة قتل الأب توما، وبالأجوبة المأخوذة في /3 محرم/ مع ما قلته سابقاً في التحقيق. فكل ذلك مع المعاينة التي حصلت في /19 محرم سنة 1256/، وما صار رصده في المحضر المحرر في ذلك اليوم، يثبت التهمة قبلك. ولكنك لم تجاوب عما سألتك بخصوص ذكر رؤسائك في كل لحظة. فقل لي عن هذا الأمر أيضاً حتى يكون كل شيء مرصوداً في محضر التحقيق، لأنه من المعلوم أنه بعد قفل المحضر لا يعول على ما يقال فيما بعد، ولا يكون مرصوداً في ذلك المحضر. وها قد أفهمتك بالأدلة التي تثبت التهمة قبلك وفعلت الواجب عليّ.
هنا صار تلاوة المحضر الذي تحرر في محل المعانة على بتشوتو.
بتشوتو ـ تدعون أن الأدلة التي في القضية كافية لإدانتي فهذا الأمر لا شأن لي فيه، بل هو من اختصاص رؤسائي الذي سينظرون إذا كانت تلك الأدلة كافية أو لا.
وأما من خصوص شهادة أصلان فارحي ومراد الفتال فإني مصمم على أنها شهادات كاذبة، وأفتكر أنه لا يعول عليها بالنسبة للمنتمين لدولة النمسا. ومع ذلك فإن من له السلطة له الإرادة أيضاً.
يوم الجمعة /26 محرم سنة /1256هـ
أسئلة موجهة للمتهم ماهر فارحي:
(لم يضبط هذا المتهم إلا في يوم 24 محرم أو قبل ذلك بيوم واحد فقط)(1/147)
سئل المتهم ماهر فارحي:
الباشا ـ قل لنا ماذا فعلتم بخادم الأب توما في منزلك، لأنه ثبت من وقائع الدعوى، واعتراف مراد الفتال خادم هراري، والمعلم أصلان فارحي الذي كان وقتها معك، أنك كنت حاضراً وقت القتل. فالأوفق أن تقول الحق ولا تلزمنا بضربك أو تعذيبك.
ماهر فارحي ـ لا أعلم شيئاً في هذه القضية. وغاية ما وصلني هو أني كنت يوم الجمعة مع فرنسيس وفرعون لمشترى بعض من اللآلي، فأخبرني عن فقد الاب توما وخادمه. ولا أعلم خلاف ذلك.
الباشا ـ إذا حضر أصلان فارحي، ومراد الفتال خادم هراري، وشهدا بذلك أمامك ماذا تقول ؟
ماهر فارحي ـ أقول: إنهما مجنونان وليس عندهما من العقل مثقال ذرة !!
استحضر مراد الفتال وقيل له إن ماهراً حضر وأنكر.
الباشا ـ يقول ماهر: إنك مجنون، فما قولك ؟
مراد الفتال ـ لو كنت مجنونا لاختلفت في أقوالي التي قلتها منذ أربعين يوماً وأنا في الحبس !! وحيث أني لم أغير شيئاً من أقوالي فهذا الزعم منه غير حقيقي.
ثم قص مراد الفتال وقائع الدعوى أمام ماهر فارحي. وعندما وصل إلى النقطة التي يقول فيها (أرسلني معلمي إلى مراد فارحي وهارون اسلامبولي وماهر فارحي) زاد ما يأتي مخاطباً ماهراً: (وقد وجدتك مع أصلان وكنت متكئاً على العامود من جهة اليمين وهو على الشمال)
ماهر فارحي ـ أين كان ذلك، أعند الباب ؟
مراد الفتال ـ نعم.
(تفطن ماهر هذا السؤال الموجه منه للشاهد يدل على صحة أقوال مراد الفتال).
ثم استمر مراد المذكور في قصته، وعندما وصل إلى النقطة التي قال فيها: (إن الدم وضع في الطشت ونقل بعد ذلك في زجاجة) قال له ماهر فارحي: هل أنت مطلع على أسرار الديانة حتى تعلم كل ذلك بدون أن يخفى عليك حرف واحد.
الباشا إلى ماهر فارحي ـ إذا لمن تسلم عادة هذه الأسرار ؟
ماهر فارحي ـ ليس لمثل هذا الرجل تسلم الأسرار، وهو لا يعرف شيئاً في حادثة الأب توما ولا خادمه.(1/148)
ثم استحضر أصلان فارحي واعترف أمام ماهر فارحي، فقال هذا الأخير: الأمر في يد من له السلطة، وأنا لا أعلم شيئاً.
الباشا ـ لا تتكلم بسرعة لأن الكاتب لا يمكنه أن يتبع حديثك.
ولكن قل لي الآن: كيف عرف أصلان فارحي ما قاله أمامك، وهل أوصى إليه حتى أنه لما حضر أعاد ما قاله مراد الفتال بالحرف الواحد ؟!
ماهر فارحي ـ لا أعرف.
الباشا ـ لنفرض أنك لم تقتل الأب توما، وأنك لا تعلم بهذه القضية، فقل لنا أين كنت في الساعة اثنتين وربع ؟
ماهر فارحي ـ كنت في الكنيس، لأن ذلك الوقت ميعاد الصلاة.
الباشا ـ من كان بجوارك في الكنيس ؟
ماهر فارحي ـ لا أتذكر !!
هنا ألح عليه الباشا لأجل أن يجاوب عن هذا السؤال فعجز، وقال إذا قلت عن شخص، وسأله الباشا، وقرر أنه لم يكن حاضراً، ماذا تكون النتيجة ؟
الباشا ـ لنفرض أن كل ما جاء في التحقيقات غير حقيقي، فقل لي أين كنت في هذا الوقت، ومن كان معك ؟
ماهر فارحي ـ (لم يزد شيئاً على ما قاله من قبل)
الباشا ـ إني أتذكر من كان معي في صلاة الجمعة من أسبوعين أو ثلاثة، ولو أني كنت لا أتوهم وقتها أني سأسأل عن أسمائهم. فكيف أنت مع التهمة الموجهة قبلك لا تفتكر من الذين كانوا بجوارك لأجل أن تدافع عن نفسك ؟ فإذا لم تثبت لنا صحة أقوالك تكون أقوال (أصلان، ومراد) هي الحقيقة.
ماهر فارحي ـ لا أتذكر من كان معي، لكن نظرني في الكنيس رفائيل دوك، وموسى أبو العافية.
الباشا ـ ماذا تقول إذا استحضروا وأنكروا وجودهما هناك ؟
ماهر فارحي ـ من المحتمل أنهما لم ينتبها لوجودي، أو يكونا نسيا ذلك.
الباشا ـ في أي جهة من الكنيس كنت جالساً، أفي جهة الشرق، أو الغرب، أو الجنوب، أو الشمال ؟
ماهر فارحي ـ لا أعرف في أي جهة كنت جالساً.
استحضر رفائيل دوك، وسئل ما إذا كان يذهب كل ليلة إلى الكنيس ؟(1/149)
رفائيل دوك ـ إذا سمحت لي أشغالي بذلك ذهبت، وإلا فلا. وفي الصباح إذا ذهبت لأشغالي مبكراً اعرج على الكنيس. وإني أذهب إليه مرتين أو ثلاثة في كل أسبوع.
الباشا ـ هل كنت هناك في ليلة فقد الأب توما ؟
رفائيل دوك ـ في هذه الليلة كان يوسف لينيوده حزيناً على وفاة ابنته، ولم يخرج من منزله. فذهبت عنده لتعزيته وقت آذان المغرب، ووجدت معه (متّى خبرين)، وشخصاً آخر لا أعرفه. وصلينا عند يوسف لينيوده تحت المصطبة. وجلست عنده لقرب العشاء. ثم رجعت إلى منزلي، ولم أذهب إلى الكنيس. وبعد تأدية الصلاة شربت القهوة، ودخنت في الشبق.
استحضر محمد أفندي (موسى أبو العافية) ـ وسئل عما إذا كان يصلي كل ليلة في الكنيس أو في منزله ؟ فقال:
موسى أبو العافية ـ كنت أصلي تارة في الكنيس المسمى بكنيس الفرنج، وتارة في منزلي أو في الخان.
الباشا ـ قيل أنك كنت في الكنيس ليلة فقد الأب توما ؟
موسى أبو العافية ـ لا، لم أذهب إلى الكنيس، بل كنت عند داود هراري.
الباشا ـ في أي وقت حضر لينيوده محل ما كنتم ؟
موسى أبو العافية ـ المغرب أو بعد المغرب بربع ساعة.
(استحضر ماهر فارحي) ـ وتليت عليه أقوال الشهود، فقال:
ماهر فارحي ـ لا أتذكر الآن من كان هناك ؟
الباشا ـ كيف ذكرت بحضور هذين الشخصين هناك، مع أنهما لم يوافقاك على أنهما نظراك في الكنيس ؟
ماهر فارحي ـ ماذا أقول ؟.. افتكرت أنهما كانا هناك، ولهذا السبب قلت عنهما.
الباشا ـ قلت إنك لا تعلم بهذه القضية، وإنك لم تكن في منزلك، فقل لي أين كنت ؟
ماهر فارحي ـ لا أتذكر ومن الجائز أني أتذكر أسماء الذين كانوا معي من الآن لغاية باكراً.
يوم الاثنين /27 محرم سنة / 1256هـ
استحضر ماهر فارحي، وانتظر الباشا أن يعين له المحل الذي كان فيه في ليلة قتل الأب توما).
الباشا ـ يلزم أن تخبرني بعبارة صريحة عما حصل في هذه الليلة، وفي أي وقت حصل قتل خادم[3] الأب توما في منزلك، وأين كنت في ذلك الوقت ؟(1/150)
ماهر فارحي ـ قلت سابقاً أن اثنين نظراني في الكنيس. ولما سئلا أنكرا ذلك أمام دولتكم. فماذا أقول الآن ؟ وإذا أخبرت عن أسماء أشخاص آخرين فمن المحتمل أني لا أصدق.
على أني كنت أجهل في ذلك الحين أني سأتهم في هذه القضية حتى كان يمكني أن ألتفت لمن كان حاضراً، وأطلبه بصفة شاهد عند الحاجة.
الباشا ـ يظهر من ذلك حينئذ عجزك عن إثبات وجودك في الكنيس.
ماهر فارحي ـ لا أتذكر من كان هناك حتى أني كنت أخبر عنه.
انتهى تحقيق قضية إبراهيم عمار خادم الأب توما
الخلاصة، والنتيجة القضائية وكيفية صدور العفو
اتهم ستة عشر شخصاً في قتل الأب توما وخادمه إبراهيم عمار، منهم ثمانية في قتل الأب توما، وهم: داود هراري، وهارون هراري، وإسحاق هراري، ويوسف هراري، ويوسف لينيوده، والحاخام موسى أبو العافية، والحاخام موسى بخور يودا المشهور بسلونكلي، وسليمان الحلاق. والباقون اتهموا في قتل الخادم، وهم: ماهر فارحي، ومراد فارحي، وهارون اسلامبولي، وإسحاق بتشوتو، وأصلان فارحي، ويعقوب أبو العافية، ويوسف مناحم فارحي، ومراد الفتال.
وفي أثناء التحقيق توفي من المتهمين اثنان، وهما: يوسف هراري، ويوسف لينيوده.
وأربعة منهم نالوا العفو، لأنهم أقروا بالحقيقة، وهم: موسى أبو العافية المسمى الآن بمحمد أفندي، وأصلان فارحي، وسليمان الحلاق، ومراد الفتال.
والعشرة الباقون حكم عليهم بالإعدام، وهم: داود هراري، وهارون هراري، وإسحاق هراري، والحاخام موسى بخور يودا المشهور بسلونكلي، وماهر فارحي، ومراد فارحي، وهارون اسلامبولي، وإسحاق بتشوتو، ويعقوب أبو العافية، ويوسف مناحم فارحي. وكاد ذلك الحكم أن ينفذ لو لم يفكر قنصل فرنسا في أن يعرض الحكم على دولتلو إبراهيم باشا لكي يجري المصادقة عليه.(1/151)
ففي أثناء تلك المدة اغتنم اليهود الفرصة، ووكلوا اثنين من عظمائهم في فرنسا وهما: كراميو، ومويز مونتيفيوري، فجاء كلاهما من فرنسا إلى الاسكندرية، مرسلين من قبل الاتحاد الإسرائيلي، وقدما عريضة لصاحب الدولة محمد علي باشا يلتمسان بموجبها إعادة النظر في الدعوى. فقال لهما: إني أفعل معكما أحسن من ذلك، وهو: أني أخلي سبيل المحبوسين وأأمر بإرجاع الهاربين إلى أوطانهم. وأظن أن ذلك أفضل من إعادة النظر في القضية، لأن إعادة النظر مما يتسبب عنها استمرار الضغائن بين المسيحيين واليهود، وهذا أمر لا أوده. وسأخبر القناصل بإرادتي، وأرسل أوامري الليلة إلى شريف باشا. وإني احب اليهود، لأنه شعب مطيع يحب الشغل وإني سأظهر لكم ما يفيد ميلي إليه بكل ممنونية.
ثم سلمهما فرمان العفو، فكتب هذا الفرمان وذكر فيه هذه الألفاظ لشريف باشا، وهي: اعف عن المسجونين..
فذهب المندوبان حينئذ إلى سمو الوالي وأظهرا له تأثرهما من كلمة (اعف) التي تضمنتها عبارة الفرمان، لأن كلمة اعف تثبت الذنب، مع أن المتهمين بريئون مما نسب إليهم !!
فأمر الوالي بحذف هذه الكلمة وسلم لهما فرماناً آخر هذا نصه:
أنه من التقرير المرفوع إلينا من الخواجات مويز مونتيفيوري، وكراميو اللذين أتيا لطرفنا مرسلين من عموم الأوروباويين التابعين لشريعة موسى اتضح لنا أنهم يرغبون الحرية والأمان للذين صار سجنهم من اليهود، والذين ولّوا الأدبار هرباً من تهمة حادثة الأب توما الراهب الذي اختفى في دمشق الشام في شهر ذي الحجة سنة 1255 للهجرة مع خادمه إبراهيم.(1/152)
وبما أنه بالنظر لعدد هذا الشعب الوفير لا يوافق رفض طلبهما، فنحن نأمر بالإفراج عن المسجونين، وبالأمان للهاربين من القصاص عند رجوعهم. ويترك أصحاب الصنائع في أشغالهم، والتجار في تجارتهم، بحيث أن كل إنسان يشتغل في حرفته الاعتيادية. وعليكم أن تتخذوا كل الطرق المؤدية لعدم تعدي أحد عليهم أينما كانوا، وليتركوا وشأنهم من كل الوجوه. (هذه هي إرادتنا) !!!
بصمة ختم محمد علي .
فعند وصول هذا الفرمان إلى شريف باشا أخلى سبيل المتهمين في 5 سبتمبر (أيلول) سنة 1840 ميلادية.
بيان ثروة اليهود المتهمين في قتل الأب توما وخادمه :
مراد فارحي 5000 كيس 625000 فرنك.
داود هراري 0500 كيس 062500 فرنك.
إسحاق هراري 0500 كيس 062500 فرنك.
هارون هراري 5000 كيس 625000 فرنك.
يوسف هراري 0200 كيس 025000 فرنك.
يوسف لينيوده 0100 كيس 012500 فرنك.
موسى أبو العافية 0050 كيس 006250 فرنك.
موسى سلونكلي 0500 كيس 062500 فرنك.
أصلان فارحي 0050 كيس 006250 فرنك.
يوسف فارحي 2000 كيس 250000 فرنك.
يحي ماهر فارحي 0300 كيس 037500 فرنك.
يعقوب أبو العافية 0100 كيس 012500 فرنك (لم يتهم).
هارون اسلامبولي 2000 كيس 250000 فرنك (لم يتهم).
يعقوب العنتابي حاخام يعيش على نفقة الأهالي وضبط بصفة محرك لارتكاب الجريمة.
الكيس يساوي /500 قرش أو 125 فرنكاً
---
مصطفى الزرقاء
الكويت(1/153)