مقدمة الطبعة الثالثة
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فمما منّ الله به عليّ ويسّر لي تأليف "الشّفاعة"، فقرّت بها أعين إخواننا أهل السّنة، وغص بها المبتدعة، وقد وفقني الله لذكر الأحاديث بأسانيدها والفضل في هذا لله، فإنّ الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، كما قال عبدالله بن المبارك رحمه الله ورضي عنه.
والكتاب يعدّ ردًّا على المبتدعة ففي المقدمة الجمع بين الآيات وبيان الشفاعة المقبولة والشفاعة غير المقبولة، وفي أثناء الكتاب أيضًا رد على الذين يطلبون الشفاعة من غير من يملكها كالصوفية والغلاة من الشيعة والرافضة من أهل البيت وغيرهم.
وقد يسّر الله قراءة "الشفاعة" في (دار الحديث) بدمّاج، فأبدى إخواننا الأفاضل -وأخص بالذكر منهم مدرّسهم الشيخ يحيى بن علي الحجوري- ملاحظاتهم وفوائدهم القيّمة، فأضيفت إلى الكتاب، فجزاهم الله خيرًا.
والله أسأل أن يجزي الأخوين الفاضلين: سعيد بن عمر حبيشان وحسين ابن محمد مناع اللذين قاما برص الكتاب، وكذا الأخ الفاضل محمد بن عبدالله السّيّاغي خيرًا، وأن يدفع عنّا وعنهم كل سوء ومكروه وأن يعيذنا وإياهم من الحزبية المسّاخة... إنه على كل شيء قدير.
أبوعبدالرحمن مقبل بن هادي الوادعي
تنبيه:
قد أذن لنا الشيخ في تقديم وتأخير بعض الأحاديث إلى مواضعها الأليق بها في هذه الطبعة، وكتبنا هذا التنبيه لئلا يظنّ أن هناك سقطًا في الكتاب.
تقديم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{ياأيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون}(1/1)
{ياأيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفْس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيرًا ونساءً واتّقوا الله الّذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيبًا}
{ياأيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وقولوا قولاً سديدًا، يصلحْ لكم أعْمالكم ويغفرْ لكم ذنوبكم ومنْ يطع الله ورسوله فقدْ فاز فوزًا عظيمًا}
أما بعد:
فإن ضلال الصوفية وأتباعهم من الجهلة يتّهمون أهل السّنة بعدم حبّهم لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكون أهل السّنة يثبتون على سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا يوافقونهم على غلوهم في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهم يدّعون حبّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بألسنتهم، ويخالفون طريقته في اعتقادهم وسلوكهم، حتى وصل بغلاتهم إلى دعاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والاستغاثة به، واتّخاذه واسطة بينهم وبين الله عزّ وجلّ فيما يطلبونه من الله عزّ وجلّ، وهذا هو الشرك الذي كان عليه أهل الجاهلية الأولى، قال الله عزّ وجلّ: {والّذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى إنّ الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إنّ الله لا يهدي من هو كاذب كفّار}.
وقال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قلْ أتنبّئون الله بما لا يعلم في السّموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عمّا يشركون} ومع ذلك فهم يدّعون حبّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وكذلك غيرهم من أهل البدع يخرجون عن هدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويدّعون حبّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومما ضل فيه أهل البدع شفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكثير من أهل البدع ينكرون بعض أنواع شفاعة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.(1/2)
فالخوارج ينكرون شفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأهل الكبائر من أمته في خروجهم من النّار، لأنّهم يرون أنّ مرتكب الكبيرة كافر مخلد في النار لذلك فهم يجدون أن إثبات هذه الشفاعة يخالف معتقدهم الفاسد، فهم ينكرونها.
وكذلك المعتزلة تابعوا الخوارج على القول بتخليد أهل الكبائر من الموحدين في النار، وتابعهم الشيعة على ذلك أيضًا.
وإثبات هذه الشفاعة فيه ردّ على المرجئة أيضًا، لأن غلاة المرجئة يقولون: إنه لا يضرّ مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وهذه الفرق المذكورة وغيرها موجودة في أيامنا هذه، فالشيعة موجودون بكثرة لا كثّرهم الله، وهذه دولتهم إيران التي تدّعي أنّها (الجمهورية الإسلامية) تعلن أن مذهبها هو المذهب الإثنا عشري الجعفري، فهم رافضة من غلاة الشيعة، وقد أخذوا كثيرًا من مذاهب المعتزلة.
وكذلك الخوارج لهم أفراخ موجودون وهم الذين يكفرون عصاة المسلمين، وإن كانت شوكتهم قد انكسرت، وكثير منهم قد تراجعوا ورجعوا إلى الحق، إلا أنه لا يزال منهم من هو عاضّ على هذه العقائد الضّالة، ويظنون أن هذه الجموع التي قد تراجعت قد فتنوا، وأنّهم هم القابضون على الجمر وهم الطّائفة المنصورة! ومع أن هؤلاء كما قلنا قد أصبحوا قلة قليلة لا يقدرون على مواجهة صغار طلبة العلم الذين قد تعلموا شيئًا من عقائد السلف، إلا أننا لا نأمن أن يظهروا مرة أخرى هنا أو هناك.(1/3)
وأمّا المرجئة فكثير من عوام المسلمين عقيدتهم هي عقيدة المرجئة فهم يظنون أنّهم لمجرد انتسابهم للإسلام سوف يدخلون الجنة من أوسع أبوابها، ولا يعملون للعمل والطاعات حسابًا؛ حتى أهم الأعمال وهي الصلاة كثير منهم يتركونها، ومع ذلك فهم أهل الجنة وهم أبعد الناس عن النار! أين هؤلاء مما حكاه ابن أبي مليكة حيث يقول: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كلهم يخشى على نفسه النفاق. فما أبعد هؤلاء عن فهم سلفنا واعتقادهم، وما أقربهم من المرجئة المبتدعة واعتقادهم.
لذلك فدراسة عقيدة أهل السنة والجماعة ومعرفة عقائد الفرق الضّالة من أهمّ ما يكون، بل هو أهمّ شيء في دين الله عزّ وجلّ، نقول هذا ونحن نعلم أن هناك ممن ينتسب إلى الدعوة إلى الله من يقول: إن هذا من فضول القول، وإن هذه الفرق قد عفا عليها الدهر، فلا داعي لإضاعة الأوقات في معرفتها ودراسة مناهجها ومعتقداتها. ونقول: إن هؤلاء ما قالوا ذلك إلا بسبب جهلهم وبعدهم عن العلم النّافع، فنجد كثيرًا من هؤلاء يعتبرون إيران الدولة المسلمة الوحيدة على وجه الأرض، ولايدري هؤلاء أن بها مدينة (قم) المقدسة عندهم! ولماذا هي مقدسة عندهم؟ لأن بها المشاهد التي يعبدونها، وكذلك فهم يكفّرون الصحابة إلا نفرًا يسيرًا وغير ذلك من عقائدهم الفاسدة. ولكن القوم لا يعنيهم أمر العقيدة فالشيء المهم أن يسير المرء معهم ويوافقهم على الاشتغال بالسياسة، وأن يلبس كلّ شيء ثوب الإسلام: سينما إسلامية، مسرح إسلامي، فن إسلامي، وهكذا. أما تعلّم العقيدة الإسلامية الصحيحة عقيدة السلف الصالح، وتعلّم العلوم الشرعية فهذا عندهم من إضاعة الأوقات، نسأل الله السلامة والعافية.
وكما قلنا إن الشفاعة والإيمان بها من أهم معتقدات أهل السنة والجماعة، وفي معرفتها والإيمان بها ردّ على كثير من الفرق الضالة كما بيّنا وتصحيح لعقائد المسلمين.(1/4)
وقد قام شيخنا مقبل حفظه الله بجمع كل ما يتعلق بالشفاعة، سواء كانت الشفاعة العظمى، أو الشفاعة لأهل الكبائر، وشفاعة المؤمنين بعضهم لبعض، وما يجوز من الشفاعة وما لا يجوز، وقد بيّن الصحيح من الأحاديث في ذلك من الضعيف مع بيان سبب الضعف، فهو مفيد جامع في بابه لا يستغني عنه عالم ولا طالب علم ولا عامّي، فلا نكون مبالغين -إن شاء الله- إذا قلنا: ينبغي ألا يخلو منه بيت.
وشيخنا مقبل بن هادي الوادعي حفظه الله غني عن التعريف، فكتبه وعلمه منتشران في كل مكان، وإن كنت أرى أنه لم يأخذ حظه كأقرانه أو من هم دونه من أهل العلم، فإن اليمن تعتبر بلدًا معزولة إلى حدّ كبير، ومع هذا فقد نفع الله عز وجل به أناسًا كثيرين في جميع البلدان وأما في اليمن فهو حفظه الله يعتبر مجددًا للدين في اليمن وناصرًا للسنة، فقد نشر الله عز وجل به السنة وقمع به البدعة. وأصبح غلاة الشيعة مدحورين، أمرهم إلى زوال إن شاء الله تعالى، بعد أن كانت اليمن معقلاً كبيرًا من معاقل الشيعة في العالم. ومنطقته التي يحل بها (صعْدة) تعتبر أكثر شيعة اليمن غلوًا وتعصبًا لأن بها مسجد (الهادي) الذي يعتبر مركز الشيعة باليمن.
ولذلك فقد تعرّض الشيخ حفظه الله لبلاء كثير في التمسك بالسنة والدعوة إليها وسط هؤلاء. كما سمعنا من أقربائه عندما كنا هناك وكما حكى هو في ترجمته التي قمنا بطباعتها، وعلى سبيل المثال لما لاقاه الشيخ من المعاناة في مواجهة الشيعة المبتدعة، في أول نزوله لليمن ذهب إلى مسجد الهادي بصعدة ليدعوهم إلى الله فقاموا عليه، وأرادوا قتله في المسجد فأسند ظهره للجدار فقام رجال من قبيلته ودافعوا عنه، ثم جاء آخرون ممن كانوا خارج المسجد فاجتمعوا حوله وخلّصوه من أيديهم.(1/5)
ونحن قد رأينا مدى تعصب هؤلاء القوم بأنفسنا عندما ذهبنا إلى بعض المناطق النائية من (لواء صعدة) التي لم تكن الدعوة مألوفة عند أهلها في تلك الأيام من نحو أكثر من اثني عشر عامًا، عندما دخلنا مسجدًا من مساجد القوم في صلاة المغرب، فلما قرأ الإمام الفاتحة فأمّنّا جهرًا. فحدثت فوضى في مؤخر المسجد وخرج بعضهم من الصلاة، وبعد انتهاء الصلاة قام أحد إخواننا ليتكلم فقطعوا التيار الكهربائي، وحدثت فوضى كبيرة، وكادت تحدث مضاربة في المسجد فخرجنا وانصرفنا من تلك القرية.
حدث هذا معنا مع أننا غرباء ويعلمون أن مذهبنا يخالف مذهبهم، فما بالك بمن هو منهم وترك مذهبهم وانتحل مذهب أهل السنة والجماعة، لا شك أنّهم سيكونون له أشدّ عداوةً وحربًا، فتحمّل شيخنا كل هذه الصعاب والمحن من غير إثارة فتنة ولا قلاقل حتى انتشرت السنة وقمعت البدعة بفضل الله عزّ وجلّ، فجزاه الله خيرًا.
فمن أراده بسوء فلا وفّقه الله، ومن أعانه بخير فجزاه الله خيرًا، وأسأل الله عزّ وجلّ أن يمدّ في عمر شيخنا وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، وأن يغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنّا وما هو أعلم به منا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أبوعبدالله أحمد بن إبراهيم بن أبي العينين
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{ياأيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون}
{ياأيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيرًا ونساءً واتّقوا الله الّذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيبًا}(1/6)
{ ياأيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وقولوا قولاً سديدًا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا}
أما بعد:
فلما كان موضوع الشّفاعة من المواضيع التي يزداد المؤمن بقراءتها حبًّا لرسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، رأيت أن أكتب ما عثرت عليه من الأحاديث مبيّنًا بعون الله صحيحها من سقيمها، ومعلولها من سليمها، بحسب الاستطاعة حتى يستفيد مما أكتبه طلبة العلم وغيرهم، فربّ حديث قد شاع وذاع واشتهر على ألسنة العامّة، وهو لا يثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، ولست أعني أني آت بما لا تستطيع الأوائل، ولكني أستفيد من كتبهم، وأحذو حذوهم، فهم رحمهم الله قد قاموا بجهود ليس لها نظير في خدمة السّنة المطهرة، فجزاهم الله عن الإسلام خيرًا.
وإن مما دفعني على اختيار الكتابة في هذا الموضوع، أن هناك بعض مقامات الشّفاعة قد أنكرها بعض ذوي الأهواء، فمن ثمّ أدرج الشّفاعة أهل السّنة رحمهم الله في كتب العقيدة، فقلّ أن تجد مؤلفًا يؤلف في العقيدة إلا وقد عقد كتابًا أو فصلاً في كتابه للشّفاعة، بيانًا للحق، وقمعًا للباطل، ونصرةً للعقيدة الحقّة، فجزاهم الله عن الإسلام خيرًا.
وهؤلاء المنكرون لبعض مقامات الشّفاعة وهي الشّفاعة لأهل الكبائر، والشّفاعة في خروج الموحدين من النار، قد أخبر عنهم عمر رضي الله عنه، وهو المحدّث(1)[1]، فقد روى الإمام أحمد في "مسنده" (ج1 ص23) من طريق علي بن زيد(2)[2] عن يوسف بن مهران عن ابن عبّاس قال: خطب عمر رضي الله عنه ... -وفي الخطبة-: وإنّه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرّجم وبالدّجال وبالشّفاعة وبعذاب القبر، وبقوم يخرجون من النّار بعد ما امتحشوا.(1/7)
ولمّا كان من أعظم شبههم الباطلة أن أحاديث الشّفاعة أخبار آحاد، وأنه لا يؤخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة جمعت ما استطعت الوقوف عليه حتى تبطل شبهتهم، ويعلموا أن أحاديث الشّفاعة متواترة عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، على أنّي أعلم أن شبهة كون أخبار الآحاد لا يؤخذ بها في العقيدة دسيسة من قبل أعداء السّنة حتى يبطلوا سنّة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وقد أحسن الردّ عليهم الإمام الشافعي رحمه الله في "الرّسالة"، والإمام البخاري في "صحيحه"، وعقد كتابًا في صحيحه أسماه: (كتاب أخبار الآحاد)، وممن تولى الردّ عليهم ابن حزم في "الأحكام"، وابن القيم في "الصواعق المرسلة"، ولو لم يكن إلا عموم {وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (1)[3] وعموم قوله تعالى: {فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}(2)[4] والنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يرسل الرسول ويأمره أن يعلم الناس العقائد والعبادات وما يحتاجون إليه كما هو معلوم من سيرته، ومما أستحضره الآن الحديث المتفق عليه من حديث ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال لمعاذ بن جبل: ((إنّك ستأتي قومًا من أهْل الكتاب فليكن أوّل ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمدًا رسول الله ...)) الحديث، وقال عمر رضي الله عنه: إنّي لم أرسل عمالي إليكم ليأخذوا أموالكم، ولا ليضربوا أبشاركم، ولكن ليعلموكم دينكم. رواه أحمد في "مسنده"(3) } - { .(1/8)
أولئك المنكرون لبعض مقامات الشفاعات في جانب، وبعض الجهلة من المسلمين في جانب آخر، وهم الذين يظنون أن لرسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وللصالحين أن يدخلوا الجنة من شاءوا، ويخرجوا من النار من شاءوا، وهكذا يظنون أن لهم التصرف المطلق في الدنيا، وكلتا الطائفتين مجانبة للصواب، والحقّ وسط أنّ الرسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم والصالحين سيشفعون في الآخرة لكن بشروط ستأتي في الجمع بين الآيات المثبتة للشّفاعة والآيات النّافية، وهكذا لهم في حياتهم أن يشفعوا عند الله لكن فيما يقدرون عليه، وقد شفع النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم للمشركين عند الله أن يسقوا كما في "الصحيحين" من حديث ابن مسعود رضى الله عنه.
فمذهب أهل السّنة رحمهم الله وسط بين الغالي والجافي، لأنّهم رحمهم الله يجمعون بين الأدلة، وبقية الطوائف تأخذ بجانب من الأدلة وتترك الجانب الآخر، فمن ثمّ تخبّطوا وتعسّفوا في دحض الأدلّة التي لا توافق أهواءهم، فتارة يتجرأون ويطعنون في الصحابي الراوي للسّنة، وتارة يقولون: أخبار آحاد. وتارة يؤولون الأدلة بحيث يعطلونها عمّا تدلّ عليه، ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره، ويظهر حجته، فلم يزل بحمد الله في كل بلد من بلاد المسلمين من يقيم عليهم الحجة، وصدق رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إذ يقول: ((لا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتّى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك)) متفق عليه بهذا المعنى.
وإنّ من أحسن الكتب فيما اطلعت عليه في تزييف أباطيلهم كتاب "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة رحمه الله، فقد أبطل رحمه الله جلّ شبهاتهم حول سنة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فجزاه الله خيرًا.
الشّفاعة في اللغة:(1/9)
قال ابن الأثير في "النهاية": قد تكرر ذكر الشّفاعة في الحديث فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة، وهي: السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم بينهم، يقال: شفع يشفع شفاعةً فهو شافع وشفيع، والمشفّع: الّذي يقبل الشّفاعة، والمشفّع: الّذي تقبل شفاعته. اهـ
وفي "القاموس" و"تاج العروس": والشّفيع: صاحب الشّفاعة، والجمع: شفعاء، وهو: الطالب لغيره يتشفّع به إلى المطلوب.
وفيهما أيضًا: وشفّعته فيه تشفيعًا حين شفع -كمنع- شفاعةً، أي قبلت شفاعته كما في "العباب"، قال حاتم يخاطب النعمان:
فككت عديًّا كلّها من إسارها ... ... فأفضلْ وشفّعني بقيس بن جحْدر
وفي حديث الحدود: (( إذا بلغ الحدّ السلطان فلعن الله الشافع والمشفّع))(1)[6].
وفي حديث ابن مسعود: ((القرآن شافع مشفّع، وماحل(2)[7] مصدّق )) (3)[8].
أي من اتبعه وعمل بما فيه فهو شافع مقبول الشّفاعة من العفو عن فرطاته، ومن ترك العمل به تمّ على إساءته، وصدّق عليه فيما يرفع من مساويه، فالمشفّع: الذي يقبل الشّفاعة، والمشفّع: الذي تقبل شفاعته، ومنه حديث: ((اشْفع تشفّع))، واستشفعه إلى فلان: أي سأله أن يشفع له إليه، وأنشد الصغاني للأعشى:
تقول بنتي وقدْ قرّبت مرتحلاً ... ... يا ربّ جنّبْ أبي الأوصاب والوجعا
واستشفعتْ من سراة الحيّ ذا شرف(4)[9] ... ... فقدْ عصاها أبوها والّذي شفعا
يريد: والذي أعان وطلب الشّفاعة فيها، وأنشد أبوليلى:
زعمتْ معاشر أنّني مستشفع ... ... لمّا خرجت أزوره أقلامها
قال: زعموا أني أستشفع أقلامهم في الممدوح أي بكتبهم. اهـ مختصرًا.
وذكر الزمخشري في "أساس البلاغة" بعض ما تقدم، ثم قال: وقال آخر:
مضى زمن والنّاس يستشفعون بي ... ... فهل لي إلى ليلى الغداة شفيع
والمعاني الشرعية موافقة للمعاني اللغوية. فمن الشّفعاء من يشفع ابتداءً، ومنهم من يشفع بعد الطلب، كما سيأتي إن شاء الله بيانه في الأحاديث.(1/10)
فصل الآيات الواردة في الشّفاعة والجمع بينها
... وبما أنّها قد وردت آيات تنفي الشّفاعة والشفيع، وآيات تثبتهما رأيت أن أذكر الآيات التي تنفي الشّفاعة والشّفيع، والآيات التي تثبتهما ثم أذكر الجمع بين هذه الآيات حسبما جمع بينها أهل العلم رحمهم الله.
الآيات الواردة في نفي الشّفاعة والشفيع:
... قال الله تعالى: {واتّقوا يومًا لا تجْزي نفس عن نفس شيئًا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل(1)[10] ولا هم ينصرون}(2)[11].
... وقال تعالى:{ياأيها الّذين آمنوا أنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلّة(3)[12] ولا شفاعة والكافرون هم الظّالمون}(4)[13].
... وقال تعالى حاكيًا عن بعض الصالحين:{أأتّخذ من دونه آلهةً إن يردن الرّحمن بضرّ لا تغن عنّي شفاعتهم شيئًا ولا ينقذون}(5)[14].
... في هذه الآيات نفي الشّفاعة.
... وقال تعالى:{وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم ليس لهم من دونه وليّ ولا شفيع لعلّهم يتّقون}(6)[15].
... وقال تعالى:{وذر الّذين اتّخذوا دينهم لعبًا ولهوًا وغرّتْهم الحياة الدّنيا وذكّر به أن تبسل(7)[16] نفس بما كسبت ليس لها من دون الله وليّ ولا شفيع وإن تعدل كلّ عدل لا يؤخذ منها أولئك الّذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون}(8)[17].
... وقال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبّئون الله بما لا يعلم(9)[18] في السّموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عمّا يشركون}(10)[19].
... وقال تعالى حاكيًا عن أهل النار:{فما لنا من شافعين(11)[20]، ولا صديق حميم، فلو أنّ لنا كرّةً فنكون من المؤمنين}(12)[21].
... ومعنى حميم : قريب، وكرّة: رجعة إلى الدنيا.(1/11)
... وقال تعالى: {الله الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّام ثمّ استوى على العرش (1)[22] ما لكم من دونه من وليّ ولا شفيع أفلا تتذكّرون}(2)[23].
... وقال تعالى: {أم اتّخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئًا ولا يعقلون، قل لله الشّفاعة جميعًا له ملك السّموات والأرض ثمّ إليه ترجعون}(3)[24].
... وقال تعالى: {وأنذرهم يوم الآزفة(4)[25] إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظّالمين من حميم ولا شفيع يطاع}(5)[26].
... في هذه الآيات نفي الشفيع.
الآيات في إثبات الشّفاعة والشفيع:
... قال الله تعالى:{من ذا الّذي يشفع عنده إلا بإذنه}(6)[27].
... وقال تعالى:{ما من شفيع إلا من بعد إذنه}(7)[28].
... وقال تعالى:{وقالوا اتّخذ الرّحمن ولدًا سبحانه بل عباد مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون(8)[29]}(9)[30].
... فهي هذه الآيات إثبات الشفيع بشروط وستأتي إن شاء الله.
... وقال الله تعالى: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربّي نسفًا، فيذرها قاعًا صفصفًا(10)[31]، لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا، يومئذ يتّبعون الدّاعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرّحمن فلا تسمع إلا همسًا(11)[32]، يومئذ لا تنفع الشّفاعة إلا من أذن له الرّحمن ورضي له قولاً}(12)[33].
... وقال تعالى: {ولا يملك الّذين يدعون من دونه الشّفاعة إلا من شهد بالحقّ وهم يعلمون}(13)[34].
... قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: {ولا يملك الّذين يدعون من دونه} أي: من الأصنام والأوثان {الشّفاعة} أي: لا يقدرون على الشّفاعة لهم {إلا من شهد بالحقّ وهم يعلمون} هذا استثناء منقطع، أي: لكن من شهد بالحقّ على بصيرة وعلم فإنه تنفع شفاعته عنده بإذنه له. اهـ(1/12)
... وقال تعالى:{وكم من ملك في السّموات لا تغني شفاعتهم شيئًا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى}(1)[35].
هذه الآيات تدل على الشّفاعة المثبتة بشروط ستأتي إن شاء الله.
الجمع بين الآيات المثبتة والآيات النافية:
... يتحصل من هذا أن النفي مقصود به الشّفاعة التي تطلب من غير الله، كما قال تعالى: {قل لله الشّفاعة جميعًا} (2)[36] والشّفاعة المثبتة لا تقبل إلا بشروط:
1- قدرة الشافع على الشّفاعة كما قال تعالى في حق الشافع الذي يطلب منه وهو غير قادر على الشّفاعة: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبّئون الله بما لا يعلم في السّموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عمّا يشركون} (3)[37]، وقال تعالى: {ولا يملك الّذين يدعون من دونه الشّفاعة إلا من شهد بالحقّ وهم يعلمون} (4)[38] فعلم من هذا أن طلب الشّفاعة من الأموات طلب ممن لا يملكها، قال تعالى: {والّذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبّئك مثل خبير} (5)[39] وقال تعالى: {قل ادعوا الّذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرّة في السّموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير، ولا تنفع الشّفاعة عنده إلا لمن أذن له}(6)[40].
2- إسلام المشفوع له، قال الله تعالى : {ما للظّالمين من حميم ولا شفيع يطاع} (7)[41]، والمراد بالظالمين هنا: الكافرون، بدليل الأحاديث المتواترة في الشّفاعة لأهل الكبائر، وستأتي إن شاء الله في موضعها. قال الحافظ البيهقي رحمه الله في "الشعب" (ج1 ص205): فالظالمون هاهنا هم الكافرون، ويشهد لذلك مفتتح الآية إذ هي في ذكر الكافرين. اهـ(1/13)
... وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: أي ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله من قريب منهم ينفعهم، ولا شفيع يشفع فيهم، بل قد تقطعت بهم الأسباب من كل خير. اهـ
... ويستثنى من المشركين أبوطالب، فإن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يشفع له حتى يصير في ضحضاح من نار كما سيأتي في الأحاديث في مواضعها إن شاء الله.
3- الإذن للشافع، كما قال تعالى: {من ذا الّذي يشفع عنده إلا بإذنه}(1)[42].
4- الرّضا عن المشفوع له كما قال تعالى: {وكم من ملك في السّموات لا تغني شفاعتهم شيئًا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} (2)[43] وقال تعالى:{ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}(3)[44].
... وبهذا تنتهي المقدمة، ونستعين بالله في الشروع في ذكر الأحاديث بأسانيدها مع العزو إلى بقيّة المخرجين بحسب الاستطاعة، فإن في ذكر الحديث بسنده طمأنينةً لطالب علم الحديث، وحذف الأسانيد خسارة كبيرة، إذ الإسناد من الدين، وما كان سلفنا رحمهم الله يقبلون من محدث حديثًا حتى يسنده، وينظروا في رجاله رجلاً رجلاً، كما هو معروف من سيرهم رحمهم الله.
... وأما التخريج فهو يعين طالب العلم على جمع طرق الحديث، والحديث كلما كثرت طرقه ازداد قوة، والتخريج أيضًا يعين طالب العلم على الوقوف على شروح الحديث، في الكتب التي قد شرحت، فربّ حديث يكون عامًا قد خصّص، أو يكون منسوخًا، أو يكون مطلقًا قد قيّد، من أجل هذا فإنه لا غنى لنا عن الرجوع إلى الشروح غير مقلدين لأصحابها، ولكن مستفيدين من جهودهم التي بذلوها في خدمة السنة، فجزاهم الله عن الإسلام خيرًا.(1/14)
... هذا ويستفاد من التخريج وجمع الطرق أنّ الحديث ربّما يكون ظاهره الصحة، وبجمع الطرق تظهر فيه علّة من اضطراب أو انقطاع أو إرسال أو وقف أو غيرها مما يعلّ بها الحديث. فمن ثمّ يقول علي بن المديني: إن الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبيّن خطؤه. وإليك مثالاً على ذلك: حديث جابر في "صحيح البخاري" فيمن يقول مثل ما يقول المؤذن، ثم يقول: ((اللّهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامة، والصّلاة القائمة، آت محمّدًا [ وفي "معاني الآثار" للطحاوي: آت سيّدنا محمدًا] الوسيلة والفضيلة، وابعثْه مقامًا محمودًا الذي وعدته))، وفي "سنن البيهقي" زيادة: ((إنّك لا تخلف الميعاد))، فبسبب جمع الطرق علم أنّ هاتين الزيادتين شاذتان كما سيأتي إن شاء الله، في (أسباب الشّفاعة).
... هذا وقد أذكر بعض الأحاديث الشديدة الضعف والموضوعة لبيان حالها لا للاحتجاج بها، فإنّ بعض الأحاديث الموضوعة تستغلها بعض الطوائف المنحرفة لترويج باطلها، وإليك مثالاً على ذلك وهو ما قرأناه في "العقد الثمين في معرفة رب العالمين"(1) } - - { ونحن بصعدة(2)[46]: ((ليست شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)) فهذا حديث ليس له أصل، إنّما هو من أباطيل المعتزلة، كما في "أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب".
... مثال آخر: حديث ((ثلاثة أنا شفيع لهم يوم القيامة: الضارب بسيفه أمام ذريتي، والقاضي لهم حوائجهم عندما اضطروا إليه، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه)) ولا يخفى على القارئ ما هو مقصد(3)[47] واضع هذا الحديث، وسيأتي إن شاء الله الكلام على هذا الحديث الباطل في (أعمال متفرقة من أسباب الشّفاعة).
تنبيه:(1/15)
... قاعدتي في الحكم على الحديث أنّني أبحث في كتب المحدثين، فإن وجدت حكمًا لمحدث نقلته، ثم نظرت في رجال السّند فإن ظهر لي خلاف ذلك الحكم من تصحيح أو تضعيف عقّبت به على حكمه، وإلا أقررته كما هو، وأعتقد أنّ هذه الطريقة أسلم، فقد يظن الباحث أنّ السند صحيح ويكون قد اطلع العلماء على علّة فيه، وقد يصححه متساهل، فيتناقله من بعده معتمدين على تصحيحه، من أجل هذا ألزمت نفسي بالجمع بين البحث عمّا قاله العلماء، والنظر في السند، وأيضًا النّاس يطمئنون إلى تصحيح المتقدمين لعلمهم أنّهم أوسع علمًا من المتأخرين. فإذا لم أجد لهم كلامًا حكمت على الحديث بظاهر السّند. والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
اعتذار:
... اطلعت على أحاديث في "كنْز العمّال" وفي "مجمع الزوائد" و"المطالب العالية" تعزى إلى مصادر ليست في متناولي فتركتها ولم تطمئن النفس إلى نقلها بدون أسانيد، وقد أخرجت في الغالب ما يغني عنها، وهكذا في الرجال فقد أبحث عن بعضهم فلا أجد له ترجمة في المصادر لديّ، فأتوقف في الحكم على الحديث خشية أن يكون الراوي موثقًا في مصدر لم أطلع عليه، أو يكون تصحّف فما أكثر التصحيف في الكتب المطبوعة التي لم يشرف عليها من هو أهل للإشراف.
... هذا، وقد أعرضت عن جدل أهل البدع وذكر أقوالهم والردّ عليها، وسقت الأحاديث كما هي، ففي الأدلة غنية عن فلسفة أهل علم الكلام، وفي الأدلة قمع لبدعهم(1)[48] فعسى الله أن يوفق المسلمين إلى الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله اللّذين هما أمان من الضلال والزّيغ، وهما عصمة من الاختلاف الذي مزّق الأمّة الإسلامية وجعلهم شيعًا وأحزابًا، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
... ((اللّهمّ ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السّموات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم))(2)[49].(1/16)
الشّفاعة العظمى
1- قال البخاري رحمه الله (ج8 ص395): حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبدالله(1)[50] أخبرنا أبوحيان التيمي عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم بلحم، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه فنهس منها نهسةً ثم قال: ((أنا سيّد النّاس يوم القيامة، وهل تدرون ممّ ذلك؟ يجمع الله النّاس الأوّلين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر، وتدنو الشّمس، فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول النّاس: ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس لبعض: عليكم بآدم. فيأتون آدم عليه السّلام فيقولون له: أنت أبوالبشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّه قد نهاني عن الشّجرة فعصيته، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح إنّك أنت أوّل الرّسل إلى أهل الأرض(2)[51]، وقد سمّاك الله عبدًا شكورًا، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إنّ ربّي عزّ وجلّ قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبيّ الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّي قد كنت كذبت ثلاث كذبات- فذكرهنّ أبوحيان في الحديث- نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنت رسول الله، فضّلك الله(1/17)
برسالته وبكلامه على النّاس، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّي قد قتلت نفسًا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلّمت النّاس في المهد صبيًّا" اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول عيسى إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله -ولم يذكر ذنبًا- نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. فيأتون محمّدًا، فيقولون: يا محمّد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدًا لربّي عزّ وجلّ، ثمّ يفتح الله عليّ من محامده وحسن الثّناء عليه شيئًا لم يفتحه على أحد قبلي، ثمّ يقال: يا محمّد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفعْ تشفّعْ. فأرفع رأسي فأقول: أمّتي يا ربّ، أمّتي يا ربّ(1)[52]. فيقال: يا محمّد أدخل من أمّتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنّة، وهم شركاء النّاس فيما سوى ذلك من الأبواب. -ثم قال- والّذي نفسي بيده إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة كما بين مكّة وحمير، أو كما بين مكّة وبصرى )).
الحديث أخرجه مسلم (ج1 ص184)، والترمذي (ج4 ص43)، وأحمد (ج2 ص435)، وابن خزيمة(2)[53] ص(242)، وأبوعوانة (ج1 ص171)، وعندهم كلهم إلا البخاري وأبا عوانة: ((ما بين مكّة وهجر)).(1/18)
2- قال البخاري رحمه الله (ج13 ص392): حدثني معاذ بن فضالة حدثنا هشام(1)[54]عن قتادة عن أنس أن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يجمع الله المؤمنين(2)[55] يوم القيامة كذلك، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربّنا حتّى يريحنا من مكاننا هذا. فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم أما ترى النّاس؟ خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلّمك أسماء كلّ شيء، اشفع لنا إلى ربّك، حتّى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم -ويذكر لهم خطيئته التي أصاب- ولكن ائتوا نوحًا فإنّه أوّل رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتون نوحًا، فيقول: لست هناك -ويذكر خطيئته التي أصاب- ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرّحمن. فيأتون إبراهيم، فيقول: لست هناكم -ويذكر لهم خطاياه التي أصابها- ولكن ائتوا موسى عبدًا آتاه الله التّوراة، وكلّمه تكليمًا. فيأتون موسى، فيقول: لست هناكم -ويذكر لهم خطيئته التي أصاب- ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمته وروحه. فيأتون عيسى، فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمّدًا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم عبدًا غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. فيأتونني فأنطلق فأستأذن على ربّي، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيت ربّي(3)[56] وقعت له ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثمّ يقال لي: ارفع محمّد، قل يسمعْ، وسل تعطه، واشفعْ تشفّعْ. فأحمد ربّي بمحامد علّمنيها، ثمّ أشفع فيحدّ لي حدًّا فأدخلهم الجنّة، ثمّ أرجع فإذا رأيت ربّي وقعت ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثمّ يقال: ارفع محمّد، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفّع. فأحمد ربّي بمحامد علّمنيها، ثمّ أشفع فيحدّ لي حدًّا فأدخلهم الجنّة، ثمّ أرجع فإذا رأيت ربّي وقعت ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثمّ يقال: ارفع محمّد، قل يستمع، وسل تعطه، واشفع تشفّع. فأحمد ربّي بمحامد علّمنيها، ثمّ أشفع فيحدّ لي حدًّا فأدخلهم الجنّة، ثمّ أرجع فأقول: يا ربّ ما بقي في النّار(1/19)
إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود(1)[57])).
فقال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يخرج من النّار من قال لا إله إلاّ الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثمّ يخرج من النّار من قال لا إله إلاّ الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برّةً، ثمّ يخرج من النّار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرّةً)).
الحديث أعاده البخاري ص(422)، وأخرجه مسلم (ج1 ص180)، وأبوعوانة (ج1 ص178-179) وابن ماجة (ج2 ص1442)، وأحمد (ج3 ص116، 244، 247)، والطيالسي (ج2 ص227) من "ترتيب المسند" من رواية همام عن قتادة به.(1/20)
3- قال البخاري رحمه الله (ج13 ص473): حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد حدثنا معبد بن هلال العنزي قال: اجتمعنا ناس من أهل البصرة، فذهبنا إلى أنس بن مالك، وذهبنا معنا بثابت البناني إليه يسأله لنا عن حديث الشّفاعة، فإذا هو في قصره، فوافقناه يصلي الضحى فاستأذنا فأذن لنا وهو قاعد على فراشه. فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أوّل من حديث الشّفاعة. فقال: يا أبا حمزة هؤلاء إخوانك من أهل البصرة جاءوك يسألونك عن حديث الشّفاعة. فقال: حدثنا محمّد صلى الله عليه وعلى آله قال: ((إذا كان يوم القيامة ماج النّاس في بعض، فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا إلى ربّك. فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم(1)[58] فإنّه خليل الرّحمن. فيأتون إبراهيم، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى فإنّه كليم الله. فيأتون موسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى فإنّه روح الله وكلمته. فيأتون عيسى، فيقول: لست لها ولكن عليكم بمحمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. فيأتوني فأقول: أنا لها فأستأذن على ربّي فيؤذن لي، ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخرّ له ساجدًا، فيقال: يا محمّد ارفعْ رأسك وقلْ يسمعْ لك، وسلْ تعط، واشفعْ تشفّعْ. فأقول: يا ربّ أمّتي أمّتي. فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان. فأنطلق فأفعل ثمّ أعود فأحمده بتلك المحامد ثمّ أخرّ له ساجدًا، فيقال: يا محمّد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط، واشفع تشفّع. فأقول: يا ربّ أمّتي أمّتي. فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرّة أو خردلة من إيمان. فأنطلق فأفعل، ثمّ أعود فأحمده بتلك المحامد ثمّ أخرّ له ساجدًا، فيقال: يا محمّد ارفع رأسك، وقلْ يسمعْ لك، وسل تعط، واشفعْ تشفّعْ. فأقول: يا ربّ أمّتي أمّتي. فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال حبّة خردل من إيمان فأخرجه من النّار من النّار من النّار. فأنطلق(1/21)
فأفعل)).
فلما خرجنا من عند أنس، قلت لبعض أصحابنا: لو مررنا بالحسن وهو متوار في منزل أبي خليفة فحدّثنا بما حدّثنا أنس بن مالك. فأتيناه فسلّمنا عليه، فأذن لنا فقلنا له: يا أبا سعيد جئناك من عند أخيك أنس بن مالك، فلم نر مثل ما حدّثنا في الشّفاعة. فقال: هيه. فحدّثْناه بالحديث فانتهى إلى هذا الموضع، فقال: هيه. فقلنا: لم يزدْ لنا على هذا. فقال: لقد حدّثني وهو جميع(1)[59] منذ عشرين سنة، فلا أدرى أنسي أم كره أن تتكلوا. فقلنا: يا أبا سعيد فحدّثْناه. فضحك وقال: خلق الإنسان عجولاً، ما ذكرته إلاّ وأنا أريد أحدّثكم، حدّثني كما حدثكم به، قال: ((ثمّ أعود الرّابعة فأحمده بتلك المحامد ثمّ أخرّ له ساجدًا، فيقال: يا محمّد ارفعْ رأسك وقلْ يسمعْ وسلْ تعط واشفع تشفّع. فأقول: يا ربّ ائذن لي فيمن قال لا إله إلاّ الله. فيقول: وعزّتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجنّ منها من قال: لا إله إلاّ الله)).
الحديث أخرجه مسلم (ج1 ص182) وفيه قال -أي معبد بن هلال-: فأشهد على الحسن أنه حدّثنا أنه سمع أنس بن مالك أراه قبل عشرين سنة وهو جميع. وأخرجه أبوعوانة (ج1 ص183-184) مختصرًا.(1/22)
4- قال مسلم رحمه الله (ج1 ص186): حدثنا محمد بن طريف بن خليفة البجلي حدثنا محمد بن فضيل حدثنا أبومالك الأشجعي(1)[60] عن أبي حازم عن أبي هريرة، وأبومالك عن ربعي عن حذيفة قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يجمع الله تبارك وتعالى النّاس فيقوم المؤمنون حتّى تزلف لهم الجنّة، فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنّة. فيقول: وهل أخرجكم من الجنّة إلاّ خطيئة أبيكم آدم؟ لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله. قال: فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك إنّما كنت خليلاً من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى صلّى الله عليه وسلّم الّذي كلّمه الله تكليمًا. فيأتون موسى صلّى الله عليه وسلّم، فيقول: لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه فيقول عيسى صلّى الله عليه وسلّم: لست بصاحب ذلك. فيأتون محمّدًا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فيقوم فيؤذن له، وترسل الأمانة والرّحم فتقومان جنبتي الصّراط يمينًا وشمالاً، فيمرّ أوّلكم كالبرق)). قال: قلت: بأبي أنت وأمّي أيّ شيء كمرّ البرق؟ قال: ((ألم تروا إلى البرق كيف يمرّ ويرجع في طرفة عين؟ ثمّ كمرّ الرّيح، ثمّ كمرّ الطّير، وشدّ الرّجال(2)[61]، تجري بهم أعمالهم، ونبيّكم قائم على الصّراط يقول: ربّ سلّم سلّم. حتّى تعجز أعمال العباد، حتّى يجيء الرّجل فلا يستطيع السّير إلاّ زحفًا، قال وفي حافتي الصّراط كلاليب معلّقة مأمورة بأخذ من أمرتْ به، فمخدوش ناج، ومكدوس في النّار)) والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنّم لسبعون خريفًا.
الحديث أخرجه ابن خزيمة ص(245)، وأبوعوانة (ج1 ص174-175) مختصرًا، والحاكم (ج4 ص589) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، كذا قال، وقد أخرجه مسلم. وسعد بن طارق أبومالك الأشجعي من رجال مسلم، وروى له البخاري تعليقًا، فالحديث على شرط مسلم، لكنه قد أخرجه فلا معنى لاستدراكه.(1/23)
5- قال الإمام أحمد رحمه الله(ج1 ص4): ثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال: حدثني النضر بن شميل المازني قال: حدثني أبونعامة(1)[62] قال: حدثني أبوهنيدة البراء بن نوفل عن والان العدوي عن حذيفة عن أبي بكر الصديق رضى الله عنه قال: أصبح رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ذات يوم فصلّى الغداة، ثم جلس حتى إذا كان من الضّحى ضحك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم جلس مكانه حتى صلّى الأولى والعصر والمغرب، كل ذلك لا يتكلم حتى صلّى العشاء الآخرة ثم قام إلى أهله، فقال النّاس لأبي بكر: ألا(2)[63] تسألْ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ما شأنه، صنع اليوم شيئًا لم يصنعه قط. قال: فسأله، فقال: ((نعم، عرض عليّ ما هو كائن من أمر الدّنيا وأمر الآخرة، فجمع الأوّلون والآخرون بصعيد واحد، ففظع النّاس بذلك حتّى انطلقوا إلى آدم عليه السّلام، والعرق يكاد يلجمهم، فقالوا: يا آدم أنت أبو البشر وأنت اصطفاك الله عزّ وجلّ، اشفع لنا إلى ربّك. قال: لقد لقيت مثل الّذي لقيتم، انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم إلى نوح {إنّ الله اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} قال: فينطلقون إلى نوح عليه السّلام فيقولون: اشفع لنا إلى ربّك، فأنت اصطفاك الله واستجاب لك في دعائك ولم يدعْ على الأرض من الكافرين ديّارًا. فيقول: ليس ذاكم عندي انطلقوا إلى إبراهيم عليه السّلام فإنّ الله عزّ وجلّ اتّخذه خليلاً، فينطلقون إلى إبراهيم فيقول ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى موسى عليه السّلام، فإنّ الله عزّ وجلّ كلّمه تكليمًا. فيقول موسى عليه السّلام: ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى عيسى ابن مريم، فإنّه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى(3)[64]. فيقول عيسى: ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى سيّد ولد آدم، فإنّه أوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة، انطلقوا إلى محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فيشفع لكم إلى(1/24)
ربّكم عزّ وجلّ. قال: فينطلق فيأتي جبريل عليه السّلام ربّه فيقول الله عزّ وجلّ: ائذن له وبشّره بالجنّة. قال: فينطلق به جبريل فيخرّ ساجدًا قدر جمعة، ويقول الله عزّ وجلّ: ارفعْ رأسك يا محمّد، وقلْ يسمعْ واشفعْ تشفّعْ. قال: فيرفع رأسه فإذا نظر إلى ربّه عزّ وجلّ خرّ ساجدًا قدر جمعة أخرى، فيقول الله عزّ وجلّ: ارفعْ رأسك وقلْ يسمعْ واشفعْ تشفّعْ. قال: فيذهب ليقع ساجدًا فيأخذ جبريل عليه السّلام بضبعيه، فيفتح الله عزّ وجلّ عليه من الدّعاء شيئًا لم يفتحه على بشر قطّ، فيقول: أي ربّ خلقتني سيّد ولد آدم ولا فخر، وأوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر. حتّى إنّه ليرد عليّ الحوض أكثر ممّا بين صنعاء وأيلة، ثمّ يقال: ادعوا الصّدّيقين فيشفعون. ثمّ يقال: ادعوا الأنبياء. قال: فيجيء النّبيّ ومعه العصابة، والنّبيّ ومعه الخمسة والسّتّة، والنّبيّ وليس معه أحد، ثمّ يقال: ادعوا الشّهداء فيشفعون لمن أرادوا. وقال: فإذا فعلت الشّهداء ذلك، قال: يقول الله عزّ وجلّ: أنا أرحم الرّاحمين، أدخلوا جنّتي من كان لا يشرك بي شيئًا. قال: فيدخلون الجنّة. قال: ثمّ يقول الله عزّ وجلّ: انظروا في النّار، هل تلقون من أحد عمل خيرًا قطّ. قال: فيجدون في النّار رجلاً، فيقول له: هل عملت خيرًا قطّ؟ فيقول: لا غير أنّي كنت أسامح النّاس في البيع والشّراء. فيقول الله عزّ وجلّ: أسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي. ثمّ يخرجون من النّار رجلاً فيقول له: هل عملت خيرًا قطّ؟ فيقول: لا غير أنّي قد أمرت ولدي إذا متّ فأحرقوني بالنّار ثمّ اطحنوني حتّى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر، فاذروني في الرّيح، فوالله لا يقدر عليّ ربّ العالمين أبدًا. فقال الله عزّ وجلّ: لم فعلت ذلك؟ قال: من مخافتك. قال: فيقول الله عزّ وجلّ: انظر إلى ملْك أعظم ملك فإنّ لك مثله وعشرة أمثاله. قال: فيقول: لم تسخر بي وأنت الملك؟ قال: وذاك الّذي ضحكت منه من(1/25)
الضّحى)).
الحديث أخرجه ابن خزيمة ص(310)، وأبوعوانة (ج1 ص175)، وابن حبان كما في "موارد الظمآن" ص(642) وأبوبكر أحمد بن علي الأموي في "مسند الصديق" ص(48)، وأشار إليه البخاري في "التاريخ" (ج8 ص185)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج10 ص375): رواه أحمد وأبويعلى بنحوه والبزّار ورجالهم ثقات. ورمز الهندي في "كنْز العمال" (ج14 ص631) لضعفه، وقال الدارقطني في "العلل": (والان) مجهول. والحديث غير ثابت كما في "الكنْز".
قال أبوعبدالرحمن: (والان) وثّقه ابن معين كما في "تعجيل المنفعة"، وروى عنه اثنان كما في "التوحيد" لابن خزيمة ص(312) فحديثه يصلح في الشواهد والمتابعات، وما انفرد به توقف فيه، وقد انفرد هنا بالسجود مرتين قدر جمعة، وبقوله: ((ادعوا الصّدّيقين))، وتقديمهم على الأنبياء، وبقصة الذي أوصى بأن يحرق، وقصة الوصية بالإحراق في "الصحيحين" في غير حديث الشّفاعة ومن غير هذه الطريق، والله أعلم.(1/26)
6- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص281): ثنا عفّان ثنا حمّاد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي نضرة(1)[65] قال: خطبنا ابن عباس على منبر البصرة فقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّه لم يكن نبيّ إلاّ له دعوة قد تنجّزها في الدّنيا، وإنّي قد اختبأت دعوتي شفاعةً لأمّتي، وأنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، آدم فمن دونه تحت لوائي ولا فخر، ويطول يوم القيامة على النّاس، فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر، فليشفع لنا إلى ربّنا عزّ وجلّ، فليقض بيننا. فيأتون آدم صلّى الله عليه وسلّم فيقولون: يا آدم أنت الّذي خلقك الله بيده وأسكنك جنّته وأسجد لك ملائكته، اشفع لنا إلى ربّنا فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم، إنّي قد أخرجْت من الجنّة بخطيئتي، وإنّه لا يهمّني اليوم إلاّ نفسي، ولكن ائتوا نوحًا رأس النّبيّين. فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح اشفع لنا إلى ربّنا فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم، إنّي دعوت بدعوة أغرقت أهل الأرض، وإنّه لا يهمّني اليوم إلاّ نفسي، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الله. فيأتون إبراهيم عليه السّلام فيقولون: يا إبراهيم اشفع لنا إلى ربّنا فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم، إنّي كذبت في الإسلام ثلاث كذبات. -[ والله إن حاول بهنّ إلاّ عن دين الله](2)[66] قوله:{إنّي سقيم} وقوله:{بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون} وقوله لامرأته حين أتى على الملك: أختي.(3)[67] - وإنّه لا يهمّني اليوم إلاّ نفسي، ولكن ائتوا موسى عليه السّلام الّذي اصطفاه الله برسالته وكلامه. فيأتونه فيقولون: يا موسى أنت الّذي اصطفاك الله برسالته وكلّمك، فاشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننا. فيقول: لست هناكم إنّي قتلت نفسًا بغير نفس، وإنّه لا يهمّني اليوم إلاّ نفسي، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته. فيأتون عيسى(1/27)
فيقولون: يا عيسى اشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم إنّي اتّخذت إلهًا من دون الله، وإنّه لا يهمّني اليوم إلاّ نفسي، ولكن أرأيتم لو كان متاع في وعاء مختوم عليه أكان يقدر على ما في جوفه حتّى يفضّ الخاتم؟ قال: فيقولون: لا. قال: فيقول: إنّ محمّدًا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم خاتم النّبيّين، وقد حضر اليوم وقد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: فيأتوني فيقولون: يا محمّد اشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننا. فأقول: أنا لها. حتّى يأذن الله عزّ وجلّ لمن شاء ويرضى، فإذا أراد الله تبارك وتعالى أن يصدع بين خلقه نادى مناد: أين أحمد وأمّته؟ فنحن الآخرون الأوّلون، نحن آخر الأمم وأوّل من يحاسب، فتفرج لنا الأمم عن طريقنا فنمضي غرًّا محجّلين من أثر الطّهور، فتقول الأمم: كادت هذه الأمّة أن تكون أنبياء كلّها. فنأتي باب الجنّة فآخذ بحلقة الباب فأقرع الباب، فيقال: من أنت؟ فأقول: أنا محمّد. فيفتح لي فآتي ربّي عزّ وجلّ على كرسيّه أو سريره -شكّ حماد- فأخرّ له ساجدًا فأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي وليس يحمده بها أحد بعدي، فيقال: يا محمّد ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفّع. فأقول: أي ربّ أمّتي أمّتي. فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا. -لم يحفظ حمّاد- ثمّ أعيد فأسجد فأقول ما قلت، فيقال: ارفع رأسك وقلْ تسمعْ واشفعْ تشفّعْ. فأقول: أي ربّ أمّتي أمّتي. فيقول: أخرجْ من كان في قلبه مثقال كذا وكذا دون الأوّل. ثمّ أعيد فأسجد فأقول مثل ذلك فيقال لي: ارفعْ رأسك وقلْ تسمعْ وسلْ تعطه واشفعْ تشفّعْ. فأقول: أي ربّ أمّتي أمّتي. فيقال: أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا دون ذلك)).(1/28)
الحديث أعاده ص(295) فقال: ثنا حسن(1)[68] ثنا حماد بن سلمة به. وأخرجه أبوداود الطيالسي (ج2 ص226) من "ترتيب المسند"، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج1 ص373): رواه أبويعلى وأحمد وفيه علي ابن زيد وقد وثّق على ضعفه، وبقية رجالهما رجال الصحيح.
قال أبوعبدالرحمن: علي بن زيد صالح في الشواهد والمتابعات، وهو هنا في الشواهد، ويستنكر في هذا الحديث قول عيسى: ((إنّي اتّخذت إلهًا من دون الله)) ففي الصحيح أنه لم يذكر ذنبًا، على أن هذا لا يعدّ ذنبًا لعيسى والله أعلم(2)[69].
7- قال الإمام عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي رحمه الله في "سننه" (ج2 ص327): حدثنا عبدالله بن يزيد حدثنا عبدالرحمن بن زياد ثنا دخين الحجري عن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((إذا جمع الله الأوّلين والآخرين فقضى بينهم وفرغ من القضاء، قال المؤمنون: قد قضى بيننا ربّنا فمن يشفع لنا إلى ربّنا؟ فيقولون: انطلقوا إلى آدم فإنّ الله خلقه بيده وكلّمه. فيأتونه فيقولون: قمْ فاشفعْ لنا إلى ربّنا. فيقول آدم: عليكم بنوح. فيأتون نوحًا فيدلّهم على إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيدلّهم على موسى، فيأتون موسى فيدلّهم على عيسى، فيأتون عيسى فيقول: أدلّكم على النّبيّ الأمّيّ. قال: فيأتوني فيأذن تعالى لي أن أقوم إليه، فيثور مجلسي أطيب ريح شمّها أحد قطّ حتّى آتي ربّي فيشفّعني ويجعل لي نورًا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي، فيقول الكافرون عند ذلك لإبليس: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم، فقم أنت فاشفع لنا إلى ربّك فإنّك أنت أضللتنا. قال: فيقوم فيثور مجلسه أنتن ريح شمّها أحد قطّ ثمّ يعظم(3)[70] لجهنّم، فيقول عند ذلك: {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ الله وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم} إلى آخر الآية.(1/29)
الحديث أخرجه ابن جرير(ج13 ص201) مختصرًا، وقال الهيثمي في "المجمع" (ج10 ص376): رواه الطبراني وفيه عبدالرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف. قلت: لكنه يصلح في الشواهد والمتابعات. والألفاظ التي لا شواهد لها ((يجعل لي نورًا من شعر رأسي إلى قدميّ))، وقول إبليس.
8- قال البخاري رحمه الله (ج8 ص399): حدثنا إسماعيل بن أبان(1)[71] حدثنا أبوالأحوص عن آدم بن علي قال: سمعت ابن عمر رضى الله عنهما يقول: إنّ النّاس يصيرون يوم القيامة جثًا كلّ أمّة تتبع نبيّها يقولون: يا فلان اشفع يا فلان اشفع. حتّى تنتهي الشّفاعة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود.
هذا الحديث موقوف، لكنه قد جاء رفعه عند ابن جرير (ج15 ص146) من حديث محمد بن عبدالله بن عبدالحكم قال: ثنا شعيب بن الليث قال: ثني الليث عن عبيدالله بن أبي جعفر أنه قال: سمعت حمزة بن عبدالله يقول: سمعت عبدالله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذكر الحديث. الحديث رجاله رجال الصحيح، وقال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج10 ص371) بعد أن ذكر الحديث: هو في الصحيح باختصار من قوله: فيقضي الله بين الخلق إلى آخره. رواه الطبراني في الأوسط عن مطلب بن شعيب عن عبدالله بن صالح وكلاهما قد وثّق على ضعف فيه، وبقية رجاله رجال الصحيح.
9- قال الإمام مسلم رحمه الله (ج4 ص1782): حدثني الحكم بن موسى أبوصالح حدثنا هقل يعني ابن زياد عن الأوزاعي حدثني أبوعمار(2)[72] حدثني عبدالله بن فروخ حدثني أبوهريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة، وأوّل من ينشقّ عنه القبر، وأوّل شافع وأوّل مشفّع)).
الحديث أخرجه أبوداود (ج5 ص54)، وأحمد (ج2 ص540).(1/30)
10- قال الترمذي رحمه الله (ج4 ص365): حدثنا أبوكريب(1)[73] حدثنا وكيع عن داود بن يزيد الزعافري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في قوله {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} سئل عنها قال: ((هي الشّفاعة)).
هذا حديث حسن، وداود الزعافري هو داود الأودي ابن يزيد بن عبدالرحمن، وهو عم عبدالله بن إدريس.
الحديث أخرجه أحمد (ج2 ص441، 444، 528)، وابن جرير (ج15 ص145)، وأبونعيم في "الحلية" (ج8 ص372)، وفي "أخبار أصبهان" (ج2 ص368)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (ج1 ص207-208).
والحديث حسّنه الترمذي، وهو حسن لغيره لأن داود بن يزيد ضعيف كما في التقريب، ووالده يزيد مجهول الحال فقد قال الحافظ في التقريب: مقبول. يعني إذا توبع وإلا فليّن.
11- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص2): ثنا هشيم ثنا علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل شافع يوم القيامة ولا فخر)).
الحديث أخرجه ابن ماجه (ج2 ص1440) وزاد فيه: ((ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر))، ورواه الترمذي مختصرًا، وقال: وفي الحديث قصة وهذا حديث حسن.
قلت: وهو حسن لغيره لأنّ الراجح هو ضعف علي بن زيد.
12- قال أبونعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني رحمه الله في "دلائل النبوة" (ج1 ص13): حدثنا عبدالله بن جعفر قال: حدثني الحسن بن علي الطوسي قال: ثنا محمد بن يحيى بن ميمون العتكي قال: ثنا عبدالأعلى قال: ثنا سعيد عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض، وأوّل شافع، لواء الحمد معي وتحته آدم ومن دونه ومن بعده من المؤمنين)).
رجال الإسناد:(1/31)
عبدالله بن جعفر بن أحمد بن فارس: ترجم له أبونعيم في "تاريخ أصبهان"، وذكره الذهبي في "تذكرة الحفاظ" ص(862) في المتوفين سنة ست وأربعين وثلاثمائة، فقال: ومسند بلاد العجم أبومحمد عبدالله بن جعفر ابن فارس الأصبهاني وذكره أيضًا في "العبر" (ج2 ص272).
والحسن بن علي الطوسي ترجمته في "لسان الميزان" (ج2 ص232) وهو حافظ تكلّم فيه ودافع عنه الحاكم وترجم له أبونعيم في "أخبار أصبهان" (ج1 ص262) فقال: كان صاحب أصول، سمع "الأنساب"(1) } - - { من الزبير بن بكار والقرآن عن أبي حاتم، و"مسائل أحمد بن حنبل وإسحاق" عن إسحاق الكوسج.
وعبدالأعلى هو ابن عبدالأعلى السامي من رجال الجماعة.
وبقية السند معروفون مشهورون إلاّ محمد بن يحيى بن ميمون العتكي فلم أجد له ترجمة. وقد قال الهيثمي في "المجمع" (ج10 ص308): لم أعرفه.
13- قال الترمذي رحمه الله (ج5 ص248): حدثنا علي بن نصر بن علي أخبرنا عبيدالله بن عبدالمجيد حدثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ينتظرونه، قال: فخرج حتّى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم، فقال بعضهم: عجبًا إنّ الله عزّ وجلّ اتّخذ من خلقه خليلاً اتّخذ إبراهيم خليلاً. وقال آخر: ماذا بأعجب من كلام موسى كلّمه تكليمًا؟ وقال آخر: فعيسى كلمة الله وروحه. وقال آخر: آدم اصطفاه الله. فخرج عليهم فسلّم، وقال: ((قد سمعت كلامكم وعجبكم، إنّ إبراهيم خليل الله وهو كذلك، وموسى نجيّ الله وهو كذلك، وعيسى روح الله وكلمته وهو كذلك، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل شافع وأوّل مشفّع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل من يحرّك حلق الجنّة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأوّلين والآخرين ولا فخر)).
هذا حديث غريب.(1/32)
الحديث أخرجه الدارمي (ج1 ص26)، وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في "التفسير" (ج1 ص560): وهذا حديث غريب من هذا الوجه ولبعضه شواهد في الصحاح.
قال أبوعبدالرحمن: الحديث في سنده زمعة بن صالح وهو ضعيف كما في "التقريب"، وسلمة بن وهرام: وقد قال أحمد: روى أحاديث مناكير أخشى أن يكون ضعيفًا. وقال أبوداود: ضعيف. وسرد له ابن عدي عدة أحاديث ثم قال: أرجو أنه لا بأس به، وقد وثّقه ابن معين في رواية الكوسج، وأبوزرعة. اهـ مختصرًا من "الميزان".
ومما يدل على ضعف هذا الحديث أنّ في الصحيح: ((إنّ الله قد اتّخذني خليلاً كما اتّخذ إبراهيم خليلاً)).
14- قال مسلم رحمه الله (ج1 ص561): حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير حدثنا أبي حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عبدالله بن عيسى بن عبدالرحمن ابن أبي ليلى عن جده عن أبيّ بن كعب قال: كنت في المسجد فدخل رجل يصلّي فقرأ قراءةً أنكرتها عليه، ثمّ دخل آخر فقرأ قراءةً سوى قراءة صاحبه، فلمّا قضينا الصّلاة دخلْنا جميعًا على رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فقلت: إنّ هذا قرأ قراءةً أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه. فأمرهما رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقرآ، فحسّن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم شأنهما، فسقط في نفسي من التّكذيب ولا إذْ كنت في الجاهليّة، فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضْت عرقًا، وكأنّما أنظر إلى الله عزّ وجلّ فرقًا، فقال لي: ((يا أبيّ أرسل إليّ: أن اقرأ القرآن على حرف. فرددْت إليه: أن هوّن على أمّتي. فردّ إليّ الثّانية: اقرأْه على حرفين. فرددْت إليه: أن هوّنْ على أمّتي. فردّ إليّ الثّالثة: اقرأْه على سبعة أحرف، فلك بكلّ ردّة رددْتها مسألة تسألنيها. فقلت: اللهمّ اغفر لأمّتي اللّهمّ اغفر لأمّتي. وأخّرت الثّالثة ليوم يرغب إليّ الخلق كلّهم حتّى إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم)).(1/33)
الحديث أخرجه أحمد (ج5 ص127، 129)، وابن حبان (ج2 ص83-84) من "ترتيب الصحيح"، وابن جرير (ج1 ص27، 38، 41) بتخريج أحمد شاكر، وفيه: ((واختبأت الثّالثة شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)).
قال الحافظ ابن كثير في "فضائل القرآن" ص(17) بعد أن ساق الحديث بسند ابن جرير: إسناد صحيح.
15- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص137): ثنا أبوعامر ثنا زهير يعني ابن محمد عن عبدالله بن محمد عن الطفيل بن أبيّ بن كعب عن أبيه عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيّين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر)).
قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك النّاس واديًا أو شعبًا لكنت مع الأنصار)).
وقال رحمه الله: ثنا أبوأحمد الزبيري(1)[75] ثنا شريك عن عبدالله بن محمد ابن عقيل عن الطفيل بن أبيّ بن كعب عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إذا كان يوم القيامة كنت إمام النّاس وخطيبهم وصاحب شفاعتهم ولا فخر)).
الحديث أخرجه عبدالله بن أحمد في "زوائد المسند" (ج5 ص138) فقال: ثنا هاشم بن الحارث ثنا عبيدالله بن عمرو عن عبدالله بن محمد بن عقيل به.
وقال عبدالله أيضًا: حدثنا عبيدالله بن عمر القواريري حدثنا محمد بن عبدالله بن الزبير ثنا شريك عن عبدالله بن محمد بن عقيل به.
وقال الإمام أحمد ص(138): ثنا زكريا بن عدي وأحمد بن عبدالملك الحراني ثنا عبيدالله بن عمرو عن عبدالله بن محمد بن عقيل به.
الحديث أخرجه الترمذي (ج5 ص247) وقال: حسن صحيح غريب، وابن ماجة (ج2 ص1443) وابن صاعد في "زوائد الزهد لابن المبارك" ص(562)، والحاكم (ج1 ص71) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه لتفرد عبدالله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، ولما نسب إليه من سوء الحفظ، وهو عند المتقدمين من أئمتنا ثقة مأمون. وأخرجه أيضًا (ج4 ص87) وقال: صحيح الإسناد.(1/34)
16- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص199): ثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا يزيد بن أبي حبيب عن عبدالرحمن بن جبير عن أبي الدرداء قال: قال رسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا أوّل من يؤذن له بالسّجود يوم القيامة، وأنا أوّل من يؤذن له أن يرفع رأسه فأنظر إلى بين يديّ فأعرف أمّتي من بين الأمم، ومن خلفي مثل ذلك، وعن يميني مثل ذلك، وعن شمالي مثل ذلك)) فقال له رجل: يا رسول الله كيف تعرف أمّتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمّتك؟ قال: ((هم غرّ محجّلون من أثر الوضوء ليس أحد كذلك غيرهم، وأعرفهم أنّهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم يسعى بين أيديهم ذرّيّتهم)).
وقال: حدثنا يعمر(1)[76] ثنا عبدالله أنبأنا ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير أنه سمع أبا ذر وأبا الدرداء قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا أوّل من يؤذن له في السّجود)) فذكر معناه.
الحديث ضعيف بهذا السند لأنه من رواية ابن لهيعة، وكون الراوي عنه في الرواية الثانية عبدالله وهو ابن المبارك فليس قولاً واحدًا للمحدثين: أنه إذا روى عنه أحد العبادلة وهم: عبدالله بن المبارك، وعبدالله بن وهب، وعبدالله بن يزيد المقرئ. ليس قولاً واحدًا أنه يكون مقبولاً، فهذا ابن خزيمة وقد روى حديثًا في "كتاب التوحيد" ص(291) من طريقه والراوي عنه ابن وهب، يقول: وأنا أبرأ إلى الله من عهدته. ويقول: ليس ابن لهيعة رحمه الله من شرطنا ممن يحتج به، وفي "الميزان": قال ابن معين: هو ضعيف قبل أن تحترق كتبه وبعد احتراقها.
وقال أبوحاتم وأبوزرعة: أمره مضطرب يكتب حديثه للاعتبار، انتهى المراد من "الميزان". فعلى هذا فهذا الحديث حسن لغيره لكثرة شواهده.(1/35)
17- قال الدارمي رحمه الله (ج1 ص26): حدثنا سعيد بن سفيان عن منصور بن أبي الأسود عن ليث عن الربيع بن أنس عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا أوّلهم خروجًا وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا وأنا مشفّعهم إذا حبسوا، وأنا مبشّرهم إذا أيسوا، الكرامة والمفاتيح يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربّي، يطوف عليّ ألف خادم كأنّهم بيض مكنون أو لؤلؤ منثور)).
الحديث أخرجه الترمذي (ج5 ص245)، وأبونعيم في "دلائل النبوة" (ج1 ص13)، وسنده ضعيف من أجل ليث بن أبي سليم، لكنه يستشهد به كما في مقدمة "صحيح مسلم".
18- قال الدارمي رحمه الله (ج1 ص27): أخبرنا عبدالله بن عبدالحكم ثنا بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن صالح -هو ابن عطاء بن خباب مولى بني الدّئل- عن عطاء بن أبي رباح(1)[77] عن جابر بن عبدالله أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((أنا قائد المرسلين ولا فخر، وأنا خاتم النّبيّين ولا فخر، وأنا أوّل شافع وأوّل مشفّع ولا فخر)).
قال المناوي في "فيض القدير": قال الصدر المناوي: رجاله وثقهم الجمهور.
قال أبوعبدالرحمن: صالح بن عطاء مجهول، ذكره البخاري في "تاريخه" (ج4 ص284)، وذكر الحديث ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً. وأفاد المعلق على "التاريخ"، أن ابن حبان ذكره في "الثقات".(1/36)
19- قال البخاري رحمه الله (ج1 ص435): حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا هشيم (ح) قال: وحدثني سعيد بن النضر قال: أخبرنا هشيم قال: أخبرنا سيار قال: حدثنا يزيد -هو ابن صهيب الفقير- قال أخبرنا جابر بن عبدالله أن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((أعطيت خمسًا لم يعطهنّ أحد قبلي: نصرت بالرّعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة فليصلّ، وأحلّت لي المغانم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشّفاعة(1)[78]، وكان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّةً وبعثت إلى النّاس عامّةً)).
الحديث أعاده البخاري ص(533)، وأخرجه مسلم (ج1 ص370)، والنسائي (ج1 ص172)، والدارمي (ج1 ص322-323)، وأبونعيم في "الحلية" (ج8 ص316).
20- قال الحميدي رحمه الله في "مسنده" (ج2 ص421): ثنا سفيان قال: ثنا الزهري عمن سمع أبا هريرة إما سعيد وإما أبوسلمة، وأكثر ذلك يقوله عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((أعطيت خمسًا لم يعطهنّ أحد قبلي: جعلت لي الأرض كلّها مسجدًا وطهورًا، ونصرت بالرّعب، وأحلّت لي المغانم، و أرسلت إلى الأحمر و الأسود، وأعطيت الشّفاعة)).
الحديث رجاله رجال الصحيح، ولا يضره تردد الزهري في شيخه أهو سعيد أم أبوسلمة لأن كليهما ثقة.
21- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص456): ثنا يزيد بن عبدربه قال: حدثني محمد بن حرب قال: حدثني الزبيدي(2)[79] عن الزهري عن عبدالرحمن ابن عبدالله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يبعث النّاس يوم القيامة فأكون أنا وأمّتي على تلّ(3)[80]، ويكسوني ربّي تبارك وتعالى حلّةً خضراء، ثمّ يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذاك المقام المحمود)).(1/37)
الحديث أخرجه ابن جرير (ج15 ص146-147)، والحاكم (ج2 ص363) وقال: صحيح على شرط الشيخين وسكت عليه الذهبي، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج10 ص377): رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وأحد إسنادي "الكبير" رجاله رجال الصحيح.
قال أبوعبدالرحمن: قد اختلف في سماع عبدالرحمن من جده كعب، ولا يضر هنا لأنه في الشواهد وللحديث شاهد موقوف:
قال ابن جرير رحمه الله (ج15 ص146): حدثنا ابن بشار قال: ثنا أبوعامر قال: ثنا إبراهيم بن طهمان عن آدم بن(1)[81] علي قال: سمعت ابن عمر يقول: إنّ الناس يحشرون يوم القيامة، فيجيء مع كلّ نبيّ أمّته، ثمّ يجيء رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في آخر الأمم هو وأمّته، فيرقى هو وأمّته على كوم فوق النّاس، فيقول: يا فلان اشفع، ويا فلان اشفعْ. فما زال يردّها بعضهم على بعض، يرجع ذلك إليه، وهو المقام المحمود الّذي وعده الله إيّاه.
الحديث رجاله رجال الصحيح.(1/38)
22- قال الترمذي رحمه الله (ج4 ص370): حدثنا ابن أبي عمر(1)[82] أخبرنا سفيان عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبيّ يومئذ آدم فمن سواه إلاّ تحت لوائي، وأنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض ولا فخر، قال: فيفزع النّاس ثلاث فزعات، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبونا آدم فاشفع لنا إلى ربّك. فيقول: إنّي أذنبت ذنبًا أهبطت منه إلى الأرض، ولكن ائتوا نوحًا. فيأتون نوحًا فيقول: إنّي دعوت على أهل الأرض دعوةً فأهلكوا، ولكن اذهبوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم فيقول: إنّي كذبت ثلاث كذبات -ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ما منها كذبة إلاّ ما حلّ بها عن دين الله- ولكن ائتوا موسى. فيأتون موسى فيقول: إنّي قد قتلت نفسًا، ولكن ائتوا عيسى. فيأتوا عيسى فيقول: إنّي عبدت من دون الله(2)[83] ولكن ائتوا محمّدًا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. قال: فيأتونني فأنطلق معهم)) قال ابن جدعان: قال أنس: فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((فآخذ بحلقة باب الجنّة فأقعقعها فيقال: من هذا؟ فيقال: محمّد. فيفتحون لي ويرحّبون، فيقولون: مرحبًا. فأخرّ ساجدًا فيلهمني الله من الثّناء والحمد، فيقال لي: ارفعْ رأسك، وسلْ تعط، واشفع تشفّعْ، وقلْ يسمعْ لقولك. وهو المقام المحمود الّذي قال الله: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا ))}
قال سفيان ليس عن أنس إلاّ هذه الكلمة: ((فآخذ بحلقة باب الجنّة فأقعقعها(3)[84])).
هذا حديث حسن، وقد روى بعضهم هذا الحديث عن أبي نضرة عن ابن عباس، الحديث بطوله.
الحديث تقدم تخريجه مختصرًا في الحديث الحادي عشر. وأما حديث ابن عباس الذي أشار إليه الترمذي فقد تقدم أيضًا رقم (6).(1/39)
23- قال ابن جرير رحمه الله (ج15 ص144): حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا عبدالرحمن قال: ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة قال: يجمع النّاس في صعيد واحد، فيسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر حفاة عراةً كما خلقوا قيامًا، لا تكلّم نفس إلاّ بإذنه، ينادى: يا محمّد، فيقول: لبّيك وسعديك، والخير في يديك، والشّرّ ليس إليك، والمهديّ من هديت، عبدك بين يديك، وبك وإليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، تباركْت وتعاليت، سبحانك ربّ البيت. فهذا المقام المحمود الّذي ذكره الله تعالى.
حدثنا محمد بن المثنى قال ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة قال: يجمع النّاس في صعيد واحد فلا تكلّم نفس، فأوّل ما يدعو محمّدًا(1)[85] النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فيقول محمّد النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: لبّيك. ثم ذكر مثله.
وذكره ص(145) من طريق أبي إسحاق به.
الحديث رواه الطيالسي (ج2 ص21) من "ترتيب المسند"، والحاكم (ج2 ص363) وقال: صحيح على شرط الشيخين. وسكت عنه الذهبي، وأبونعيم في "الحلية" (ج1 ص278) وقال: رفعه عن أبي إسحاق جماعة، وقال الهيثمي (ج10 ص377): رواه البزّار موقوفًا ورجاله رجال الصحيح.
- قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج4 ص349): حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن وأحمد بن السندي قالا: حدثنا أبوشعيب الحراني(2)[86] قال: حدثنا جدي أحمد بن أبي شعيب قال: ثنا موسى بن أعين عن ليث عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إنّي سيّد النّاس يوم القيامة يدعوني ربّي فأقول: لبّيك وسعديك، والخير بيديك، تباركْت وتعاليت، لبّيك وحنانيك والهادي من هديت، عبدك بين يديك، لا منجا منك إلا إليك، تباركْت وتعاليت -وقال:- إنّ قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة)).
غريب من حديث أبي إسحاق عن صلة تفرد به موسى عن ليث.(1/40)
وقال الهيثمي (ج10 ص377): رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه ليث ابن أبي سليم وهو مدلس.
قال أبوعبدالرحمن: ومختلط كما في الميزان، فالأشبه أنه موقوف والله أعلم. وقد تابع ليث بن سليم عبدالله المختار كما في كتاب اللالكائي (ج6 ص1113) ولكن الوقف أصحّ. والله أعلم.
24- قال ابن جرير رحمه الله (ج15 ص144): حدثنا سليمان بن عمر(1)[87] ابن خالد الرقي قال: ثنا عيسى بن يونس عن رشدين بن كريب عن أبيه عن ابن عباس: قوله { عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} قال: المقام المحمود مقام الشّفاعة.
الحديث في سنده رشدين بن كريب، قال أحمد: منكر الحديث، وقال ابن المديني وجماعة: ضعيف، وقال البخاري: منكر الحديث وأخوه محمد فيه نظر. اهـ من "الميزان". وسليمان بن عمر ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، وذكر أنه روى عن جماعة، وأنّ أباه كتب عنه.
25- قال ابن خزيمة رحمه الله ص(385): حدثنا عبدالله بن محمد الزهري قال: ثنا سفيان قال: حدثني معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: اللّهم تقبّلْ شفاعة محمّد الكبرى، وارفعْ درجته العليا، وأعطه سؤله في الآخرة والأولى كما آتيت إبراهيم وموسى.
الأثر أخرجه إسماعيل القاضي في "فضل الصلاة على النبي" ص(52) وعبدالرزاق (ج2 ص211)، وقال السخاوي في "القول البديع" ص(46): رواه عبد بن حميد في "مسنده" وعبدالرزاق وإسماعيل القاضي وإسناده جيد قوي صحيح. وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (ج3 ص513): إسناده جيد قوي صحيح.
قال أبوعبدالرحمن : هو على شرط الشيخين.(1/41)
26- قال ابن أبي شيبة في "كتاب الإيمان" ص(12): حدثنا أبومعاوية عن عاصم(1)[88] عن أبي عثمان عن سلمان قال: يقال له: سلْ تعطه -يعني النبي صلى اله عليه وعلى آله وسلم- واشفعْ تشفّع، وادع تجبْ. قال: فيرفع رأسه فيقول: ربّ أمّتي أمّتي مرتين أو ثلاثًا -قال سلمان:- فيشفع في كلّ من كان في قلبه مثقال حبة حنطة من إيمان -أو قال: مثقال شعيرة من إيمان، أو قال: مثقال حبة خردل من إيمان- فقال سلمان: فذلكم المقام المحمود.
الأثر أخرجه ابن جرير (ج15 ص144)، وهو على شرط الشيخين وسيأتي إن شاء الله أطول من هذا رقم (35).
27- قال ابن حبان رحمه الله كما في "الموارد" ص(523): أنبأنا أحمد بن علي بن المثني حدثنا عمرو بن محمد الناقد حدثنا عمرو بن عثمان الكلاعي(2)[89] حدثنا موسى بن أعين عن معمر بن راشد عن محمد بن عبدالله ابن أبي يعقوب عن بشر بن شغاف عن عبدالله -يعني ابن سلام- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأوّل من تنشق عنه الأرض، وأوّل شافع بيدي لواء الحمد، تحته آدم فمن دونه)).
الحديث في سنده عمرو بن عثمان الكلابي وقد تركه النسائي وليّنه العقيلي، وقال أبوحاتم: يتكلمون فيه يحدث من حفظه بمناكير، وقال ابن عدي: روى عنه ثقات وهو ممن يكتب حديثه. اهـ من "ميزان الاعتدال".
فالحديث حسن لغيره لكثرة شواهده.(1/42)
28- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص398): ثنا عارم بن الفضل(1)[90] ثنا أبوسعيد ثنا ابن زيد ثنا علي بن الحكم البناني عن عثمان عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن ابن مسعود قال: جاء ابنا مليكة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقالا: إنّ أمّنا كانت تكرم الزّوج، وتعطف على الولد -قال: وذكر الضّيف- غير أنّها كانت وأدت في الجاهليّة. قال: ((أمّكما في النّار)) فأدبرا والشّرّ يرى في وجوههما، فأمر بهما فردّا فرجعا والسّرور يرى في وجوههما، رجيا أن يكون قد حدث شيء، فقال: ((أمّي مع أمّكما)) فقال رجل من المنافقين: وما يغني هذا عن أمّه شيئًا ونحن نطأ عقبيه. فقال رجل من الأنصار -ولم أر رجلاً قطّ أكثر سؤالاً منه-: يا رسول الله هل وعدك ربّك فيها أو فيهما؟ قال: فظنّ أنّه من شيء قد سمعه، فقال: ((ما سألته ربّي وما أطمعني فيه، وإنّي لأقوم المقام المحمود يوم القيامة)) فقال الأنصاريّ: وما ذاك المقام المحمود؟ قال: ((ذاك إذا جيء بكم عراةً حفاةً غرلاً، فيكون أوّل من يكسى إبراهيم عليه السّلام، يقول: اكسوا خليلي. فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما، ثمّ يقعد فيستقبل العرش، ثمّ أوتى بكسوتي فألبسها فأقوم عن يمينه مقامًا لا يقومه أحد غيري، يغبطني به الأوّلون والآخرون، قال: ويفتح نهر من الكوثر إلى الحوض))، فقال المنافقون: فإنّه ما جرى ماء قطّ إلاّ على حال أو رضراض. قال: يا رسول الله على حال أو رضراض؟ قال: ((حاله المسك ورضراضه التّوم))، قال المنافق: لم أسمع كاليوم قلّما جرى ماء قطّ على حال أو رضراض إلاّ كان له نبتة. فقال الأنصاريّ: يا رسول الله هل له نبت؟ قال: ((نعم قضبان الذّهب))، قال المنافق: لم أسمع كاليوم، فإنّه قلّما نبت قضيب إلاّ أورق، وإلاّ كان له ثمر. قال الأنصاريّ: يا رسول الله هل من ثمر؟ قال: ((نعم ألوان الجوهر وماؤه أشدّ بياضًا من اللّبن وأحلى من العسل، إنّ من شرب منه مشربًا لم يظمأ بعده، وإن(1/43)
حرمه لم يرو بعده)).
الحديث أخرجه الدارمي (ج2 ص325)، وابن جرير (ج15 ص146)، والطبراني في "الكبير" (ج10 ص98)، والحاكم (ج2 ص364) وقال: صحيح الإسناد، وعثمان بن عمير هو ابن(1)[91] اليقظان، فتعقبه الذهبي فقال: لا والله، فعثمان ضعفه الدارقطني، والباقون ثقات.
وقال الحافظ ابن كثير في "النهاية" (ج2 ص24): تفرد به أحمد وهو غريب جدًا. وقال الهيثمي في "المجمع" (ج1 ص362): رواه أحمد والبزار والطبراني وفي أسانيدهم كلهم عثمان بن عمير وهو ضعيف.
قال أبوعبدالرحمن: عثمان بن عمير رديء المذهب كان يؤمن بالرجعة(2)[92] كما في "الميزان" و"تهذيب التهذيب"، فمثل هذا لا يصلح في الشواهد والمتابعات لاسيما وقد قال الدارقطني: متروك.
29- قال الحاكم رحمه الله (ج4 ص570): أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني(3)[93] ثنا جدي ثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري ثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن علي بن حسين عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((تمدّ الأرض يوم القيامة مدًّا لعظمة الرّحمن، ثم لا يكون لبشر من بني آدم إلاّ موضع قدميه، ثم أدعى أوّل النّاس فأخرّ ساجدًا ثم يؤذن لي فأقوم فأقول: يا ربّ أخبرني هذا، لجبريل وهو عن يمين الرّحمن، والله ما رآه جبريل قبلها قطّ، إنّك أرسلته إليّ. قال: وجبريل ساكت لا يتكلّم حتّى يقول الله: صدق، ثمّ يؤذن لي في الشّفاعة فأقول: يا ربّ عبادك عبدوك في أطراف الأرض فذلك المقام المحمود)).
هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد أرسله يونس بن يزيد ومعمر بن راشد عن الزهري. ثم ذكره الحاكم رحمه الله مرسلاً من حديث يونس عن الزهري عن علي بن الحسين أن رجلاً من أهل العلم، ولم يسمّه، ومن حديث معمر عن الزهري عن علي بن الحسين قال: قال رسول الله.(1/44)
الحديث أخرجه البيهقي في "الشعب" (ج1 ص208) عن علي بن الحسين حدثني رجل من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم به، وفي سنده الكديمي، هو محمد بن يونس كذّاب، لكن قال البيهقي: رواه جماعة عن إبراهيم بن سعد. وأخرجه ابن جرير (ج15 ص146) من حديث معمر عن الزهري عن علي بن الحسين مرسلاً.
وقال الحافظ في "الفتح" (ج11 ص427): وعن جابر عند الحاكم من رواية الزهري عن علي بن الحسين عنه، واختلف فيه على الزهري، فالمشهور عنه أنه من مرسل علي بن الحسين، كذا أخرجه عبدالرزاق عن معمر، وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري عن علي عن رجال من أهل العلم، أخرجه ابن أبي حاتم، وحديث جابر في ذلك عند مسلم من وجه آخر عنه . اهـ
ثم وجدت الحديث في "الحلية" (ج3 ص145)، قال أبونعيم رحمه الله: حدثنا أبوبكر بن خلاد ثنا الحارث بن محمد ثنا محمد بن جعفر الوركاني ثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن علي بن الحسين أخبرني رجل من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال، وذكر الحديث، ثم قال أبونعيم: صحيح، تفرد بهذه الألفاظ علي بن الحسين، لم يروه عنه إلا الزهري، ولا عنه إلا إبراهيم بن سعد، وعلي بن الحسين هو أفضل وأتقى من أن يروه عن رجل لا يعتمده فينسبه إلى العلم، ويطلق القول به. اهـ
أقول: نسبته إلى العلم لا تكفي كما هو معروف في المصطلح من شروط الصحيح.
فصل في أثر موقوف عن ابن مسعود يخالف ما تقدم في أن نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم أول شافع(1/45)
30- قال الحاكم رحمه الله (ج4 ص496): أخبرنا أبوعبدالله محمد بن عبدالله الزاهد الأصبهاني ثنا الحسين بن حفص ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء قال: كنا عند عبدالله بن مسعود رضي الله عنه -وذكر حديثا طويلاً، وفيه ص(498)-: فيكون أوّل شافع روح القدس جبريل عليه الصّلاة والسّلام، ثمّ إبراهيم خليل الله، ثمّ موسى ثمّ عيسى عليهما الصّلاة والسّلام، قال: ثمّ يقوم نبيّكم رابعًا لا يشفع أحد بعده فيما يشفع فيه، وهو المقام المحمود الّذي ذكره الله تبارك وتعالى: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} الحديث.
وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ثم أعاده الحاكم ص(598)، وقال صحيح على شرط الشيخين، وسكت عنه الذهبي في الموضع الأول، وتعقبه في الثاني فقال: قلت: ما احتجا بأبي الزعراء. اهـ
وقال المناوي في "فيض القدير" (ج3 ص42): إن البخاري ضعّف هذا الحديث.
وقال البخاري في ترجمة أبي الزعراء: عبدالله بن هانئ، روى عن ابن مسعود، وذكر الحديث ثم قال: والمعروف عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أنا أوّل شافع)) ولا يتابع في حديثه.
وقال الهيثمي (ج10 ص330): رواه الطبراني(1)[94]وهو موقوف مخالف للحديث الصحيح، وقول النّبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أنا أوّل شافع)).
فصل في شفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمته في دخول الجنة وكونه أول شفيع
تقدم في الحديث الأول أنه يقال : ((يا محمّد أدخل من أمّتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن، وهم شركاء النّاس فيما سوى ذلك من الأبواب)).
وتقدم في الحديث الثاني أنّه صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يشفع، فيشفعه الله ويحد له حدًا فيدخلهم الجنة.
وفي الحديث السادس أنه يقرع باب الجنة فيقال: من أنت؟ فأقول: ((أنا محمّد)).(1/46)
31- قال مسلم رحمه الله (ج1 ص188): حدثنا قتيبة بن سعيد وإسحاق ابن إبراهيم، قال قتيبة: حدثنا جرير عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا أوّل النّاس يشفع في الجنّة وأنا أكثر الأنبياء تبعًا)).
- وحدثنا أبوكريب محمد بن العلاء حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن مختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا أكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة وأنا أوّل من يقرع باب الجنّة)).
- وحدثنا أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن المختار بن فلفل قال: قال أنس بن مالك: قال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا أوّل شفيع في الجنّة، لم يصدّق نبيّ من الأنبياء ما صدّقت وإنّ من الأنبياء نبيًّا ما يصدّقه من أمّته إلاّ رجل واحد)).
وأخرجه ابن خزيمة في "كتاب التوحيد" ص(255)، والدارمي (ج1 ص27) الجملة الأولى.
- وقال مسلم رحمه الله: وحدثني عمرو الناقد وزهير بن حرب قالا: حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((آتي باب الجنّة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمّد. فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك)).
الحديث أخرجه أحمد (ج3 ص36).(1/47)
32- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص247): ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت عن أنس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يطول يوم القيامة على النّاس، فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر، فيشفع لنا إلى ربّنا عزّ وجلّ، فليقض بيننا. فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت الّذي خلقك الله بيده وأسكنك جنّته، فاشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم، ولكن ائتوا نوحًا رأس النّبيّين. فيأتونه فيقولون: يا نوح اشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الله عزّ وجلّ. فيأتونه فيقولون: يا إبراهيم اشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم، ولكن ائتوا موسى الّذي اصطفاه الله عزّ وجلّ برسالاته وبكلامه: قال فيأتونه فيقولون: يا موسى اشفع لنا إلى ربّك عزّ وجلّ فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى اشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم، ولكن ائتوا محمّدًا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فإنّه خاتم النّبيّين فإنّه قد حضر اليوم، وقد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. فيقول عيسى: أرأيتم لو كان متاع في وعاء قد ختم عليه، هل كان يقدر على ما في الوعاء حتّى يفضّ الخاتم؟ فيقولون: لا. قال: فإنّ محمّدًا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم خاتم النّبيّين. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: فيأتوني فيقولون: يا محمّد اشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننا. قال: فأقول: نعم. فآتي باب الجنّة فآخذ بحلقة الباب فأستفتح، فيقال: من أنت؟ فأقول: محمّد. فيفتح لي فأخرّ ساجدًا، فأحمد ربّي عزّ وجلّ بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد كان بعدي، فيقول: ارفع رأسك، وقل يسمع منك، وسلْ تعطه، واشفعْ تشفّعْ. فيقول: أي ربّ أمّتي أمّتي. فيقال: أخرج من كان في قلبه مثقال(1/48)
شعيرة من إيمان. قال: فأخرجهم ثمّ أخرّ ساجدًا، فأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد كان بعدي، فيقال لي: ارفعْ رأسك، وسلْ تعطه، واشفعْ تشفّعْ. فأقول: أي ربّ أمّتي أمّتي. فيقال: أخرج من كان في قلبه مثقال برّة من إيمان. قال: فأخرجهم، قال: ثمّ أخرّ ساجدًا فأقول مثل ذلك، فيقال(1)[95]: من كان في قلبه مثقال ذرّة من إيمان. قال: فأخرجهم)).
الحديث أخرجه ابن خزيمة ص(253) من حديث الحسن بن محمد الزعفراني ثنا عفان بن مسلم به، و ص(300) من حديث حميد الطويل عن أنس نحوه، وسيأتي إن شاء الله رقم (104).
33- قال ابن خزيمة رحمه الله ص(245): حدثنا أبوزرعة عبيدالله بن عبدالكريم قال: ثنا سعيد بن محمد الجرمي قال ثنا عبدالواحد بن واصل، قال: ثنا محمد بن ثابت البناني عن عبدالله بن عبدالله بن الحارث بن نوفل عن أبيه عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((للأنبياء منابر من ذهب فيجلسون عليها، قال: ويبقى منبري لا أجلس عليه ولا أقعد عليه، قائم بين يدي الله ربّي مخافة أنْ يبعث بي إلى الجنّة، وتبقى أمّتي بعدي، فأقول: يا ربّ أمّتي أمّتي. فيقول الله عزّ وجلّ: يا محمّد ما تريد أن نصنع بأمّتك؟ فيقول: يا ربّ عجّل حسابهم. فيدعى بهم فيحاسبون، فمنهم من يدخل الجنّة برحمة الله، ومنهم من يدخل الجنّة بشفاعتي، فما أزال أشفع حتّى أعطى صكاكًا برجال قد بعث بهم إلى النّار، وحتّى أنّ مالكًا خازن النّار يقول: يا محمّد ما تركت للنّار لغضب ربّك في أمّتك من نقمة)).
الحديث أخرجه الحاكم (ج1 ص65-66) وقال: صحيح الإسناد غير أن الشيخين لم يحتجا بمحمد بن ثابت البناني وهو قليل الحديث يجمع حديثه والحديث غريب في أخبار الشفاعة. فتعقبه الذهبي فقال: قلت: ضعفه غير واحد، والحديث منكر.(1/49)
وقال الهيثمي (ج10 ص380): رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وفيه محمد بن ثابت البناني وهو ضعيف.
قال أبوعبدالرحمن: الحديث منكر كما قال الذهبي، فقد قال البخاري: في محمد بن ثابت نظر. وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال النّسائي: ضعيف. اهـ من "الميزان".
34- قال الحميدي رحمه الله (ج2 ص206): ثنا سفيان قال ثنا ابن جدعان عن أنس بن مالك أنّه ذكر عند النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم الشّفاعة، فقال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((فآخذ بحلقة الجنّة فأقعقعها)).
الحديث في سنده علي بن زيد بن جدعان لكنه في الشواهد، وقد تقدم.
35- قال ابن خزيمة رحمه الله ص(294): حدثنا يوسف بن موسى قال: ثنا أبومعاوية قال: ثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال: يأتون النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فيقولون: يا نبيّ الله أنت الّذي فتح الله بك وختم بك، وغفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر، فاشفع لنا إلى ربّك، فيقول: ((نعم، أنا صاحبكم)) فيخرج يحوش النّار(1)[96] حتّى ينتهي إلى باب الجنّة، فيأخذ بحلقة في الباب من ذهب، فيقرع الباب، فيقال: من هذا؟ فيقال: محمد. قال: فيفتح له. قال: فيجيء حتى يقوم بين يدي الله فيستأذن في السّجود فيؤذن له، قال: فيفتح الله له من الثّناء والتّحميد والتّمجيد ما لم يفتحْه لأحد من الخلائق، فينادى: يا محمّد ارفعْ رأسك، وسلْ تعطه، وادع يجبْ. قال: فيرفع رأسه، فيقول: ((ربّ أمّتي أمّتي ))ثمّ يستأذن في السّجود فيؤذن له، فيفتح له من الثّناء والتّحميد والتّمجيد ما لم يفتحْ لأحد من الخلائق، فينادى: يا محمّد، ارفعْ رأسك، سلْ تعطه، واشفعْ تشفّعْ، وادع تجب، قال: يفعل ذلك مرتين أو ثلاثًا، فيشفع لمن كان في قلبه حبّة من حنطة، أو مثقال شعيرة، أو مثقال حبّة من خرذل من إيمان. قال سلمان: فذاك المقام المحمود.(1/50)
تقدم رقم (26) أنه أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير، وقال الهيثمي (ج10 ص372): رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وقال الحافظ في "المطالب العالية" (ج4 ص388): صحيح موقوف. وقال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (ج4 ص43): رواه الطبراني بإسناد صحيح.
36- قال ابن خزيمة رحمه الله ص(296): أخبرني محمد بن عبدالله بن عبدالحكم أن أباه وشعيب بن الليث أخبراه قالا: أخبرنا الليث عن ابن الهاد(1)[97] عن عمرو وهو ابن أبي عمرو عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((إنّي لأوّل النّاس تنشقّ الأرض عن جمجمته يوم القيامة ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخر، وأنا سيّد النّبيين يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل من يدخل الجنّة يوم القيامة ولا فخر، سآتي باب الجنّة فيفتحون لي، فأسجد لله تعالى فيقول: ارفع رأسك يا محمّد وتكلّمْ يسمعْ لك، وقلْ يقبلْ منك، واشفعْ تشفّعْ. فأرفع فأقول: أمّتي أمّتي يا ربّ، فيقول: اذهب إلى أمّتك فمن وجدْت في قلبه مثقال حبة من شعيرة من إيمان فأدخله الجنّة، فأقبل بمن وجدْت في قلبه ذلك فأدخلهم الجنّة، وآتي الجبّار فأسجد له فيقول: ارفع رأسك يا محمّد، وتكلّم يسمعْ منك وقلْ يقبلْ قولك، واشفعْ تشفّعْ. فأقول: أمّتي أمّتي. فيقول: اذهبْ إلى أمّتك فمن وجدْت في قلبه مثقال نصف حبّة من شعير من الإيمان فأدخلْه الجنّة. فأذهب فمن وجدْت في قلبه مثقال ذلك فأدخله الجنّة، قال: فآتي الجبّار فأسجد له، فيقول: ارفعْ رأسك يا محمّد، وتكلّم يسمعْ منك، واشفعْ تشفّعْ، فأرفع رأسي، فأقول: أمّتي أمّتي أي ربّ. فيقول: اذهبْ فمن وجدْت في قلبه مثقال حبّة من خرذل من إيمان، فأدخلْه الجنّة. فأذهب فمن وجدت في قلبه مثقال ذلك فأدخلهم، وفرغ من الحساب، حساب النّاس)). وذكر الحديث.(1/51)
تمام الحديث كما في "مسند أحمد" (ج3 ص144): ((وأدخل من بقي من أمّتي النّار مع أهل النّار، فيقول أهل النّار: ما أغنى عنكم أنّكم كنتم تعبدون الله عزّ وجلّ لا تشركون به شيئًا، فيقول الجبّار عزّ وجلّ: فبعزّتي لأعتقنّهم من النّار. فيرسل إليهم فيخرجون وقد امتحشوا فيدخلون في نهر الحياة فينبتون فيه كما تنبت الحبّة في غثاء السّيل، ويكتب بين أعينهم: هؤلاء عتقاء الله عزّ وجلّ، فيذهب بهم فيدخلون الجنّة، فيقول لهم أهل الجنّة: هؤلاء الجهنّميون. فيقول الجبّار: بل هؤلاء عتقاء الجبّار عزّ وجلّ)).
الحديث رجاله رجال الصحيح، وأخرجه الدارمي (ج1 ص27-28).
37- قال أبونعيم في "دلائل النبوة" (ج1 ص13): حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا أحمد بن محمد بن سليمان(1)[98] قال: ثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف قال: حدثنا بدل بن المحبر قال: حدثنا عبدالسلام بن عجلان قال: سمعت أبا يزيد المدني يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((أنا أوّل من يدخل الجنّة ولا فخر، وأنا أوّل شافع وأوّل مشفّع، وأنا بيدي لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأوّل شخص يدخل عليّ الجنّة فاطمة بنت محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، ومثلها في هذه الأمّة مثل مريم في بني إسرائيل)).
الحديث في سنده عبدالسلام بن عجلان، قال الحافظ الذهبي في "الميزان": وقال أبوحاتم: يكتب حديثه. وتوقف غيره في الاحتجاج به عن بدل بن المحبر عن عبدالسلام بن عجلان عن أبي يزيد المدني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أوّل شخص يدخل الجنّة فاطمة(2)[99])). أخرجه أبوصالح المؤذن في "مناقب فاطمة". اهـ
زاد الحافظ في "اللسان": وذكره ابن حبان في "الثقات" فقال: يروي عن أبي عثمان وعبيدة الهجيمي، ثم قال: يخطئ ويخالف. اهـ(1/52)
قال أبوعبدالرحمن: هذه الزيادة منكرة وهي من قوله: ((أوّل شخص... الخ)) لتفرد عبدالسلام بها، ويؤيد بطلان هذه الزيادة أن مسلمًا قد أخرجه (ج4 ص1782)، وأبا داود (ج5 ص45)، وأحمد (ج2 ص540) من حديث أبي هريرة(1)[100]، وليست فيه هذه الزيادة. والله أعلم.
38- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص393): ثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا ابن هبيرة(2)[101] أنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول: أخبرني سعيد أنه سمع حذيفة ابن اليمان يقول: غاب عنّا رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يومًا، فلم يخرج حتّى ظننّا أنّه لن يخرج، فلمّا خرج سجد سجدة فظننّا أنّ نفسه قد قبضت فيها، فلمّا رفع رأسه قال: ((إنّ ربّي تبارك وتعالى استشارني في أمّتي ماذا أفعل بهم، فقلت: ما شئت أي ربّ هم خلقك وعبادك. فاستشارني الثّانية فقلت له كذلك، فقال: لا أحزنك(3)[102] في أمّتك يا محمّد. وبشّرني أنّ أوّل من يدخل الجنّة من أمّتي سبعون ألفًا، مع كلّ ألف سبعون ألفًا ليس عليهم حساب، ثمّ أرسل إليّ فقال: ادع تجب، وسلْ تعط. فقلت لرسوله: أو معطيّ ربّي سؤلي؟ فقال: ما أرسلني إليك إلاّ ليعطيك. ولقد أعطاني ربّي عزّ وجلّ ولا فخر، وغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر وأنا أمشي حيًّا صحيحًا، وأعطاني أن لا تجوع أمّتي ولا تغلب، وأعطاني الكوثر فهو نهر من الجنّة يسيل في حوضي، وأعطاني العزّ والنّصر والرّعب يسعى بين يدي أمّتي شهرًا، وأعطاني أنّي أوّل الأنبياء أدخل الجنّة، وطيّب لي ولأمّتي الغنيمة، وأحلّ لنا كثيرًا ممّا شدّد على من قبلنا، ولم يجعل علينا من حرج)).
الحديث في سنده ابن لهيعة وهو ضعيف.
الشّفاعة لأهل الكبائر(1/53)
تقدمت أحاديث تدل على الشّفاعة لأهل الكبائر منها: حديث أنس وهو الحديث الثاني: ((يخرج من النّار من قال لا إله إلاّ الله ... إلى آخره)) وهكذا الحديث الثالث، وكذا حديث ابن عباس وهو الحديث السادس ففيه: ((أخرجْ من كان في قلبه كذا وكذا))، وحديث أنس وهو الحديث الثاني والثلاثون وفيه: ((من كان في قلبه مثقال ذرّة من إيمان، قال: فأخرجهم)) وكذا حديث سلمان رقم (35).
39- قال البخاري رحمه الله (ج1 ص193): حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله قال: حدثني سليمان(1)[103] عن عمرو بن أبي عمرو عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه قال: قيل: يا رسول الله من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لقد ظننت يا أبا هريرة ألاّ يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلاّ الله خالصًا من قلبه أو نفسه)).
وأخرجه البخاري (ج11 ص418)، وأحمد (ج2 ص373)، والآجري في "الشريعة" ص(430).
- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص307): ثنا هاشم(2)[104] والخزاعي يعني أبا سلمة قالا: حدثنا ليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن سالم بن أبي سالم عن معاوية بن مغيث الهذلي عن أبي هريرة أنه سمعه يقول: سألت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ماذا ردّ إليك ربّك في الشّفاعة؟ فقال: ((والّذي نفس محمّد بيده لقد ظننت أنّك أوّل من يسألني عن ذلك من أمّتي، لما رأيت من حرصك على العلم، والّذي نفس محمّد بيده ما يهمّني من انقصافهم على أبواب الجنّة أهمّ عندي من تمام شفاعتي، وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلاّ الله مخلصًا يصدّق قلبه لسانه ولسانه قلبه)).
الحديث أخرجه أحمد (ج2 ص518)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (ج4 ص111)، وابن حبان كما في "الموارد" ص(645)، والحاكم (ج1 ص70) وقال: صحيح الإسناد وسكت عليه الذهبي.(1/54)
الحديث من طريق معاوية بن معتب أو مغيث وهو مستور الحال يصلح حديثه في الشواهد والمتابعات.
هذا الحديث وأمثاله من الأحاديث التي ليس فيها التصريح بالشّفاعة لأهل الكبائر، فمن قال لا إله إلا الله يشمل أهل الكبائر وغيرهم ممن لا يشرك بالله شيئا.
- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص454): ثنا حجاج(1)[105] قال: أنا ابن جريج قال: حدثني العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب عن ابن دارة مولى عثمان قال: إنّا لبالبقيع مع أبي هريرة إذ سمعناه يقول: أنا أعلم النّاس بشفاعة محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يوم القيامة. قال: فتداكّ النّاس عليه، فقالوا: إيه يرحمك الله؟ قال: يقول(2)[106]: ((اللّهمّ اغفر لكلّ عبد مسلم لقيك مؤمن بي لا يشرك بك)).
الحديث أخرجه أيضًا ص(499) وفي سنده ابن دارة، وترجمته في "تعجيل المنفعة" ص(349) وهو مستور الحال يصلح حديثه في الشواهد والمتابعات.
40- قال البخاري رحمه الله (ج11 ص96): حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((لكلّ نبيّ دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعةً لأمّتي في الآخرة)).
الحديث أخرجه مالك في "الموطأ" ص(214)، وابن خزيمة ص(257) وأحمد (ج2 ص486).
- قال البخاري رحمه الله (ج13 ص446): حدثنا أبواليمان أخبرنا شعيب عن الزهري حدثني أبوسلمة بن عبدالرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((لكلّ نبيّ دعوة، فأريد إن شاء الله أن أختبئ دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)).
الحديث أخرجه مسلم (ج1 ص188-189)، والدارمي (ج2 ص328)، وأحمد (ج2 ص381 و ص396)، والآجري في "الشريعة" ص(341).(1/55)
- قال مسلم رحمه الله (ج1 ص189): وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد ابن جارية الثقفي أخبره أن أبا هريرة قال لكعب الأحبار: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((لكلّ نبيّ دعوة يدعوها فأنا أريد إن شاء الله أن أختبئ دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة))، فقال كعب لأبي هريرة: أنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ قال أبوهريرة: نعم.
الحديث أخرجه ابن خزيمة ص(285)، والدارمي (ج2 ص328)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (ج1 ص400)، والآجري في "الشريعة" ص(341).
- وقال مسلم رحمه الله: حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة وأبوكريب واللفظ لأبي كريب قالا: حدثنا أبومعاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لكلّ نبيّ دعوة مستجابة فتعجّل كلّ نبيّ دعوته، وإنّي اختبأت دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمّتي لا يشرك بالله شيئًا)).
الحديث أخرجه الترمذي (ج5 ص238) وابن ماجه (ج2 ص1440)، وأحمد (ج2 ص426)، وابن خزيمة ص(258) و ص(260)، والآجري في "الشريعة" ص(340).
- وقال مسلم رحمه الله: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن عمارة وهو ابن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لكلّ نبيّ دعوة مستجابة يدعو بها فيستجاب له فيؤتاها وإنّي اختبأت دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)).
الحديث أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" ص(257).
- وقال مسلم رحمه الله: حدثنا عبيدالله بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا شعبة عن محمد وهو ابن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لكلّ نبيّ دعوة دعا بها في أمّته فاستجيب له، وإنّي أريد إن شاء الله أن أؤخّر دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)).(1/56)
الحديث أخرجه أحمد (ج2 ص409)، وابن خزيمة ص(260،261).
- وقال الإمام أحمد (ج2 ص312): حدثنا عبدالرزاق بن همام ثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبوهريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم وذكر أحاديث، وفي ص(313): وقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لكلّ نبيّ دعوة تستجاب له، وأريد إن شاء الله أن أؤخّر دعوتي شفاعةً لأمّتي إلى يوم القيامة)).
الحديث أخرجه ابن خزيمة ص(259)، وعبدالرزاق (ج11 ص413)، وقال الحافظ ابن كثير في "النهاية" (ج2 ص208): هذا إسناد على شرطهما ولم يخرجوه.
- قال الآجري في "الشريعة" ص(341): أخبرنا أبوجعفر محمد بن صالح بن ذريح(1)[107] قال: حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة يعني ابن سلمان عن محمد بن إسحاق عن موسى بن يسار(2)[108] عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لكلّ نبيّ دعوة دعا بها، وإنّي اختبأت دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)).
محمد بن إسحاق مدلس ولم يصرح بالتحديث، لكن الحديث في الشواهد والمتابعات فلا يضر.
- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص275): ثنا عبدالرزاق ثنا معمر عن الزهري قال: أخبرني القاسم بن محمد قال: اجتمع أبوهريرة وكعب فجعل أبوهريرة يحدّث كعبًا عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وكعب يحدّث أبا هريرة عن الكتب، قال أبوهريرة: قال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لكلّ نبيّ دعوة مستجابة وإنّي اختبأت دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)).
الحديث قال الحافظ ابن كثير في "التفسير" (ج4 ص15): رواه عبدالرزاق. وقال في "النهاية" (ج2ص207): تفرد به أحمد وإسناده صحيح على شرطهما ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه.(1/57)
41- قال البخاري رحمه الله (ج11 ص96): وقال لي خليفة(1)[109]: قال معتمر: سمعت أبي عن أنس عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((لكلّ نبيّ سأل سؤلاً -أو قال:- لكلّ نبيّ دعوة قد دعا بها فاستجيب، فجعلت دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)).
الحديث أخرجه مسلم (ج1 ص190)، وأحمد (ج3 ص219)، وابن خزيمة ص(260-261).
- قال مسلم رحمه الله (ج1 ص190): حدثني أبوغسان(2)[110] المسمعي، ومحمد بن المثنى وابن بشار حدثانا -واللفظ لأبي غسان- قالوا: حدثنا معاذ (يعنون ابن هشام) قال: حدثني أبي عن قتادة حدثنا أنس بن مالك أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((لكلّ نبيّ دعوة دعاها لأمّته، وإنّي اختبأت دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)).
الحديث أخرجه أحمد (ج3 ص92) وابن خزيمة ص(259،261).
وأخرجه أحمد (ج3 ص134، 258) من حديث همام عن قتادة به.
وأخرجه ص(208، 276)، والآجري ص(343)، من حديث شعبة عن قتادة به.
وأخرجه أحمد (ج3 ص118)، وابن خزيمة ص(262)، وأبونعيم (ج7 ص259) من حديث مسعر عن قتادة به.
42- قال مسلم رحمه الله (ج1 ص190): وحدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف حدثنا روح حدثنا ابن جريج قال: أخبرني أبوالزبير أنه سمع جابر بن عبدالله يقول: عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لكلّ نبيّ دعوة قد دعا بها في أمّته، وخبّأت دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)).
الحديث أخرجه أحمد (ج3 ص84)، وابن خزيمة ص(260).
وأخرجه أحمد (ج3 ص396)، وابن خزيمة من حديث الحسن عن جابر، والحسن لم يسمع من جابر كما في "تهذيب التهذيب" عن علي بن المديني وبهز بن أسد وأبي حاتم.(1/58)
43- قال ابن خزيمة رحمه الله ص(269): حدثنا محمد بن عمرو بن عثمان ابن أبي صفوان الثقفي قال: ثنا سليمان بن داود قال: ثنا علي بن البريد(1)[111] قال : ثنا عبدالجبار بن العباس الشيباني(2)[112] عن عون بن أبي جحيفة السوائي عن عبدالرحمن بن علقمة الثقفي عن عبدالرحمن بن أبي عقيل الثقفي قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في وفد ثقيف فعلقنا طريقًا من طرق المدينة حتى أنخنا بالباب، وما في النّاس رجل أبغض إلينا من رجل يولج عليه منه، فدخلنا وسلّمنا وبايعنا فما خرجنا من عنده حتى ما في الناس رجل أحبّ إلينا من رجل خرجنا من عنده، فقلت له: يا رسول الله، ألا سألت ربّك ملكًا كملك سليمان. فضحك وقال: (( فلعلّ لصاحبكم عند الله أفضل من ملك سليمان، إنّ الله لم يبعثْ نبيًّا إلاّ أعطاه الله دعوةً، فمنهم من اتّخذ بها دنيا فأعطيها، ومنهم من دعا بها على قومه فأهلكوا بها، وإنّ الله تعالى أعطاني دعوةً فاختبأتها عند ربّي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)).
الحديث أخرجه الحاكم (ج1 ص67-68)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (ج1 ص288)، وقال الحاكم: وقد احتج مسلم بعلي بن هاشم، وعبدالرحمن بن أبي عقيل صحابي قد احتج به أئمتنا في مسانيدهم، وأما عبدالجبار بن العباس فإنه ممن يجمع حديثه ويعد مسانيده في الكوفيين. اهـ
وقال الحافظ ابن كثير في "النهاية" (ج2 ص199): إسناد غريب قوي، وحديث غريب.
وقال الهيثمي في "المجمع" (ج10 ص371): رواه الطبراني والبزار ورجالهما ثقات.
قال أبوعبدالرحمن: الحديث في سنده عبدالجبار بن العباس وهو الشبامي، قال أبونعيم: لم يكن بالكوفة أكذب منه. وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه وكان يتشيّع. وقال أحمد بن حنبل: أرجو ألا يكون به بأس حدثنا عنه وكيع وأبونعيم، لكن كان يتشيّع. وقال أبوحاتم: ثقة. وقال الجوزجاني: كان غاليًا في سوء مذهبه، يعني في التشيع. اهـ(1/59)
فالرجل تالف إذ جرج مفسرًا، لكن الحديث له طريق أخرى.
قال البخاري في "التاريخ" (ج5 ص249): قال أحمد بن يونس: حدثنا زهير(1)[113] حدثنا أبوخالد الأسدي(2)[114] قال: ح(3)[115] عون بن أبي جحيفة به.
الحديث في سنده أبوخالد الأسدي وهو صالح في الشواهد والمتابعات.
44- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص75): ثنا معمر بن سليمان الرقي أبوعبدالله ثنا زياد بن خيثمة عن علي بن النعمان بن قراد عن رجل عن عبدالله بن عمر عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((خيّرت بين الشّفاعة أو يدخل نصف أمّتي الجنّة، فاخترت الشّفاعة لأنّها أعمّ وأكفى، أترونها للمتقّين؟ لا ولكنّها للمتلوّثين الخطّاؤون)).
قال زياد: أما إنها لحْن، ولكن هكذا حدثنا الّذي حدثنا.
الحديث في سنده مبهم، لكن قال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (ج4 ص448): رواه أحمد والطبراني واللفظ له وإسناده جيد. و قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج1 ص378): رواه أحمد والطبراني ... ورجال الطبراني رجال الصحيح غير النعمان بن قراد وهو ثقة.
قال أبوعبدالرحمن: قد اعتمد هذان الحافظان على توثيق ابن حبان للنعمان بن قراد وهو مجهول، فقد ذكره ابن أبي حاتم (ج8 ص446) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، ولم يذكر عنه الحافظ راويًا سوى زياد بن خيثمة فهو مجهول العين، وأما ابن حبان فإنه يوثّق المجهولين كما ذكره الحافظ في مقدمة "لسان الميزان".
45- قال ابن ماجة رحمه الله (ج2 ص1441): حدثنا إسماعيل بن أسد ثنا أبوبدر(4)[116] ثنا زياد بن خيثمة عن نعيم بن أبي هند عن ربعي بن حراش عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((خيّرت بين الشّفاعة وبين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة فاخترت الشّفاعة لأنّها أعمّ وأكفى، أترونها للمتّقين؟ لا ولكنّها للمذنبين الخطّائين المتلوّثين)).
قال المعلق في "الزوائد": إسناده صحيح ورجاله ثقات.(1/60)
- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص404): ثنا عفان ثنا حماد يعني ابن سلمة أنا عاصم(1)[117] عن أبي بردة عن أبي موسى أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كان يحرسه أصحابه، فقمت ذات ليلة فلم أره في منامه، فأخذني ما قدم وما حدث، فذهبت أنظر فإذا أنا بمعاذ قد لقي الّذي لقيت، فسمعنا صوتًا مثل هزيز الرّحا فوقفا على مكانهما، فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم من قبل الصّوت فقال: ((هل تدرون أين كنت؟ وفيم كنت؟ أتاني آت من ربّي عزّ وجلّ فخيّرني بين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة فاخترت الشّفاعة)). فقالا: يا رسول الله ادع الله عزّ وجلّ أن يجعلنا في شفاعتك. فقال: ((أنتم ومن مات لا يشرك بالله شيئًا في شفاعتي)).
الحديث أعاده الإمام أحمد ص(415) فقال: ثنا حسن بن موسى يعني الأشيب، قال: ثنا سكين بن عبدالعزيز قال: أخبرنا يزيد الأعرج -قال عبدالله(2)[118]: يعني أظنه الشّني- قال: ثنا حمزة بن علي بن مخفر(3)[119] عن أبي بردة به.
وأخرجه الطبراني في "الصغير" (ج2 ص8) فقال: حدثنا محمد بن أحمد ابن هارون الحلبي المصيصي بالمصيصة حدثنا عبدالله بن محمد المسندي حدثنا سهل بن أسلم العدوي حدثنا يونس بن عبيد عن حميد بن هلال عن أبي بردة به.
الحديث بأول سند رجاله رجال الصحيح.(1/61)
46- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج6 ص28): ثنا بهز قال: ثنا أبوعوانة قال: ثنا قتادة عن أبي مليح(1)[120] عن عوف بن مالك الأشجعي قال: عرّس رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ذات ليلة، فافترش كلّ رجل منّا ذراع راحلته، قال: فانتهيت إلى بعض الليل، فإذا ناقة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ليس قدّامها أحد، قال: فانطلقت أطلب رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فإذا معاذ بن جبل وعبدالله بن قيس قائمان، قلت: أين رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ قالا: ما ندري غير أنّا سمعنا صوتًا بأعلى الوادي. فإذا مثل هزيز الرّحل قال: امكثوا يسيرًا. ثمّ جاءنا رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقال: ((إنّه أتاني اللّيلة آت من ربّي فخيّرني بين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة، فاخترت الشّفاعة)) فقلنا: ننشدك الله والصّحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك. قال: ((فإنّكم من أهل شفاعتي)) قال: فأقبلنا معانيق(2)[121] إلى النّاس فإذا هم قد فزعوا وفقدوا نبيّهم، وقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّه أتاني اللّيلة من ربّي آت فخيّرني بين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة، وإنّي اخترت الشّفاعة)) قالوا: يا رسول الله ننشدك الله والصّحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك. قال: فلمّا أضبّوا(3)[122] عليه قال: ((فأنا أشهدكم أنّ شفاعتي لمن لا يشرك بالله شيئًا من أمّتي)).
الحديث رواه الترمذي (ج4 ص47)، والطيالسي (ج2 ص229)، وابن خزيمة ص(264، 265)، وابن حبان كما في "الموارد" ص(644، 645) والآجري في "الشريعة" ص(342)، والحاكم (ج1 ص67) وقال: حديث قتادة هذا صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. وقال الهيثمي (ج10 ص370): رواه الطبراني بأسانيد وبعض رجالها ثقات.(1/62)
- قال ابن ماجة رحمه الله (ج2 ص1444): حدثنا هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد ثنا ابن جابر(1)[123] قال : سمعت سليم بن عامر يقول: سمعت عوف بن مالك الأشجعي، يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أتدرون ما خيّرني ربّي اللّيلة)) قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: ((فإنّه خيّرني بين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة، فاخترت الشّفاعة)) قلنا: يا رسول الله ادع الله أن يجعلنا من أهلها. قال: ((هي لكلّ مسلم)).
الحديث أخرجه الآجري في "الشريعة" ص(343)، والحاكم (ج1 ص14) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ورواته كلهم ثقات على شرطهما جميعًا وليس له علّة، وليس في أخبار(2)[124] الشّفاعة: ((وهي لكلّ مسلم)).
وأخرجه أيضًا ص(66) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم فقد احتج بسليم بن عامر، وأما سائر رواته فمتفق عليهم ولم يخرجاه.
قال أبوعبدالرحمن: وقول الحاكم الأخير أنه على شرط مسلم أصحّ لأن سليم بن عامر من رجال مسلم وليس من رجال البخاري.
وأخرجه ابن خزيمة ص(263)، وقال ص(264): أخاف أن يكون قوله: (سمعت عوف بن مالك). وهْمًا وأنّ بينهما معدي كرب فإن أحمد ابن عبدالرحمن بن وهب قال: ثنا حجاج بن رشدين قال: حدثنا معاوية وهو ابن صالح عن أبي يحيى سليم بن عامر عن معدي كرب عن عوف بن مالك. فذكر نحو الحديث السابق غير أنه قال:((إنّ ربّي استشارني في أمّتي فقال: أتحبّ أن أعطيك مسألتك اليوم أم أشفّعك في أمّتك. قال: فقلت: بل اجعلْها شفاعةً لأمّتي)) قال عوف: فقلنا: يا رسول الله اجعلنا في أوّل من تشفع له الشّفاعة. قال: ((بل أجعلها لكلّ مسلم)).
قال أبوعبدالرحمن: حجاج بن رشدين ترجمته في "الجرح والتعديل" (ج3 ص160)، ذكر من مشايخه معاوية بن صالح. ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، وقال الحافظ الذهبي في "الميزان": ضعّفه ابن عدي.
وشيخ ابن خزيمة أحمد بن عبدالرحمن إلى الضعف أقرب فيما تفرد به عن عمه.(1/63)
لكن المعتمد في انقطاع الحديث على ما في "تهذيب التهذيب" في ترجمة سليم بن عامر، وقال ابن أبي حاتم في "المراسيل": روى عن عوف بن مالك مرسلاً ولم يلقه. اهـ وذكره العلائي في "جامع التحصيل" مقرًا له، ثم رأيت ما يؤيد ما خافه ابن خزيمة رحمه الله، قال يعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (ج2 ص337): حدثنا الوحاظي(1)[125] قال: حدثنا جابر بن غانم(2)[126] عن سليم بن عامر عن معد يكرب بن عبدكلال عن عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((أتاني جبريل، وإنّ ربّي خيّرني بين خصلتين: أن يدخل نصف أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة لأمّتي فاخترت الشّفاعة)).
وقال ابن أبي حاتم في "العلل" (ج2 ص213) عن أبيه: لم يسمعْ سليم ابن عامر من عوف بن مالك شيئًا بينه وبين عوف نفسان، فذكره.
- قال ابن خزيمة رحمه الله ص(267): حدثنا أبوبشر الواسطي(3)[127] قال: ثنا خالد -يعني ابن عبدالله- عن خالد يعني الحذّاء عن أبي قلابة عن عوف ابن مالك قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في بعض مغازيه، فانتهينا ذات ليلة فلم نر رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في مكانه وإذا أصحابنا كأنّ على رؤوسهم الصّخر، وإذا الإبل قد وضعت جرانها -يعني أذقانها- فإذا أنا بخيال فإذا هو أبوموسى الأشعري فتصدى لي وتصديت له، قال خالد: فحدّثني حميد بن هلال عن أبي بردة عن أبي موسى عن عوف بن مالك قال: سمعت خلف أبي موسى هزيزًا كهزيز الرّحل، فقلت: أين رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ قال: ورائي قد أقبل، فإذا أنا برسول الله، فقلت: يا رسول الله إنّ النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إذا كان بأرض العدوّ كان عليه جالسًا(4)[128]. فقال النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّه أتاني آت من ربّي آنفًا فخيّرني بين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة فاخترت الشّفاعة)).(1/64)
الحديث أخرجه عبدالرزاق (ج11 ص413) من طريق قتادة وأبي قلابة كلاهما عن عوف بن مالك، وابن حبان كما في "الموارد" ص(644)، والحاكم (ج1 ص67) وقال: هذا صحيح من حديث أبي قلابة على شرط الشيخين.
قال أبوعبدالرحمن: ينظر أسمع قتادة وأبوقلابة من عوف بن مالك فإنهما مدلّسان، وأبوقلابة يدلس عمن لحقهم وعمن لم يلحقهم كما في "الميزان"، لكن الحديث من طريق خالد عن حميد بن هلال عن أبي بردة عن أبي موسى عن عوف بن مالك به صحيح.(1/65)
- قال الحاكم رحمه الله (ج1 ص67): وقد روي هذا الحديث عن أبي موسى الأشعري عن عوف بن مالك بإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه: حدثنا أبوعلي الحسين بن علي الحافظ أنبأ الحسين بن عبدالله بن يزيد القطان الرّقي بالرّقة، ثنا محمد بن عبدالرحمن بن حماد أبوبكر الواسطي ثنا خالد بن عبدالله بن خالد الواسطي عن حميد بن هلال عن أبي بردة عن أبي موسى عن عوف بن مالك أنّهم كانوا مع النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في بعض مغازيه، قال عوف: فسمعت خلفي هزيزًا كهزيز الرّحا، فإذا أنا بالنّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فقلت: إنّ النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إذا كان في أرض العدوّ كان عليه الحرّاس. فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أتاني آت من ربّي يخيّرني بين أن يدخل شطر أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة، فاخترت الشّفاعة)) فقال معاذ بن جبل: يا رسول الله قد عرفت قوائي فاجعلْني منهم. قال: ((أنت منهم)) قال عوف بن مالك: يا رسول الله قد عرفْت أنّا تركنا قومنا وأموالنا راغبًا(1)[129] لله ورسوله فاجعلنا منهم. قال: ((أنت منهم)) فانتهينا إلى القوم وقد ثاروا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((اقعدوا)) فقعدوا كأنّهم لم يقم أحد منهم، قال: ((أتاني آت من ربّي فخيّرني بين أن يدخل شطر أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة فاخترت الشّفاعة)) فقالوا: يا رسول الله اجعلْنا منهم. فقال: ((هي لمن مات لا يشرك بالله شيئًا)).
سكت الذهبي عن قول الحاكم: أنّه على شرط الشيخين. وفي السند من ينظر في حاله، وهو بسند ابن خزيمة المتقدم صحيح.(1/66)
47- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص232): ثنا أسود بن عامر أخبرني أبوبكر بن عياش عن عاصم عن أبي بردة عن أبي مليح الهذلي عن معاذ بن جبل وعن أبي موسى قالا: كان رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: إذا نزل منْزلاً كان الّذي يليه المهاجرون، قال فنزلنا منْزلاً فقام(1)[130] النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ونحن حوله، قال: فتعاررْت من اللّيل أنا ومعاذ، فنظرنا(2)[131]، قال: فخرجنا نطلبه إذ سمعنا هزيزًا كهزيز الأرحاء إذ أقبل، فلمّا أقبل نظر قال: ((ما شأنكم؟)) قالوا: انتبهنا فلم نرك حيث كنت، خشينا أن يكون أصابك شيء جئنا نطلبك. قال: ((أتاني آت في منامي فخيّرني بين أن يدخل الجنّة نصف أمّتي أو شفاعةً، فاخترت لهم الشّفاعة)) فقلنا: فإنّا نسألك بحقّ الإسلام وبحقّ الصّحبة لما أدخلتنا الجنّة. قال: فاجتمع عليه النّاس فقالوا له مثل مقالتنا، وكثر النّاس، فقال: ((إنّي أجعل شفاعتي لمن مات لا يشرك بالله شيئًا)).
حدثنا روح حدثنا حماد يعني ابن سلمة ثنا عاصم بن بهدلة عن أبي بردة عن أبي موسى(3)[132] أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم كان يحرسه أصحابه.
الحديث قال الهيثمي (ج10 ص368): رواه أحمد والطبراني بنحوه، وفي رواية لأحمد... ورجالها رجال الصحيح غير عاصم بن أبي النجود وقد وثّق وفيه ضعف، ولكنّ أبا المليح وأبا بردة لم يدركا معاذ بن جبل. اهـ
قال أبوعبدالرحمن: الحديث من حديث معاذ، ومن حديث أبي موسى، فحديث معاذ منقطع وحديث أبي موسى متصل.(1/67)
48- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص413): ثنا حسن بن موسى ثنا عبدالله بن لهيعة ثنا أبوقبيل(1)[133] عن عبدالله(2)[134] بن ناشر من بني سريع قال: سمعت أبا رهم(3)[135] قاصّ أهل الشام يقول: سمعت أبا أيوب الأنصاري يقول: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم خرج ذات يوم إليهم فقال لهم: ((إنّ ربّكم عزّ وجلّ خيّرني بين سبعين ألفًا يدخلون الجنّة عفوًا بغير حساب، وبين الخبيئة عنده لأمّتي)) فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله أيخبّئ ذلك ربّك عزّ وجلّ؟ فدخل رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ثمّ خرج وهو يكبّر فقال: ((إنّ ربّي عزّ وجلّ زادني مع كلّ ألف سبعين ألفًا والخبيئة عنده)).
قال أبورهم: يا أبا أيّوب وما تظنّ خبيئة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ فأكله النّاس بأفواههم فقالوا: وما أنت وخبيئة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ فقال أبوأيّوب: دعوا الرّجل عنكم، أخبرْكم عن خبيئة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كما أظنّ بل كالمستيقن إنّ خبيئة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أن يقول: ((ربّ من شهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدًا عبده ورسوله مصدّقًا لسانه قلبه أدخله الجنّة)).
الحديث أخرجه أبونعيم في الحلية (ج1 ص362)، وقال الهيثمي (ج1 ص375): رواه أحمد والطبراني وفيه عباد بن ناشزة(4)[136] من بني سريع ولم أعرفه، وابن لهيعة ضعفه الجمهور.
قال أبوعبدالرحمن: عبدالله بن ناشر قد روى عنه أبوقبيل كما هنا ويحيى ابن أبي عمرو السّيباني(5)[137] فهو مستور الحال يصلح في الشواهد والمتابعات، وكذا ابن لهيعة يصلح في الشواهد والمتابعات.(1/68)
49- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص222): ثنا قتيبة بن سعيد ثنا بكر ابن مضر عن ابن الهاد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم عام غزوة تبوك قام من اللّيل يصلّي فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه حتّى إذا صلّى وانصرف إليهم فقال لهم: ((لقد أعطيت اللّيلة خمسًا ما أعطيهنّ أحد قبلي أمّا أنا فأرسلت إلى النّاس كلّهم عامّةً، وكان من قبلي إنّما يرسل إلى قومه، ونصرت على العدوّ بالرّعب ولو كان بيني وبينه مسيرة شهر لملئ منه رعبًا، وأحلّت لي الغنائم آكلها، وكان من قبلي يعظّمون أكلها كانوا يحرقونها، وجعلت لي الأرض مساجد وطهورًا أينما أدركتني الصّلاة تمسّحت وصلّيت، وكان من قبلي يعظّمون ذلك إنّما كانوا يصلّون في كنائسهم وبيعهم، والخامسة هي ما هي، قيل: لي سلْ فإنّ كلّ نبيّ قد سأل. فأخّرت مسألتي إلى يوم القيامة، فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلاّ الله)).
الحديث قال البيهقي (ج1 ص367): رواه أحمد ورجاله ثقات. وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (ج4 ص433): رواه أحمد بإسناد صحيح. وقال الحافظ ابن كثير في "التفسير" (ج2 ص255): إسناد جيد قوي ولم يخرجوه.
قال أبوعبدالرحمن: هذا الحديث بهذا السند صحيح لغيره، فإن عمرو بن شعيب إذا صح السند إليه فحديثه حسن كما أفاده الحافظ الذهبي في "الميزان".(1/69)
50- قال ابن حبّان رحمه الله كما في "موارد الظمآن" ص(523): أنبأنا أبويعلى حدثنا هارون بن عبدالله الحمال حدثنا ابن أبي فديك عن عبيدالله ابن عبدالرحمن بن موهب عن عباس بن عبدالرحمن بن ميناء الأشجعي عن عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((أعطيت أربعًا لم يعطهنّ أحد كان قبلنا، وسألت ربّي الخامسة فأعطانيها: كان النّبيّ يبعث إلى قومه ولا يعدوها وبعثت إلى النّاس، وأهيب منّا عدوّنا مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض طهورًا ومساجد، وأحلّ لنا الخمس ولم يحلّ لأحد كان قبلنا، وسألت ربّي الخامسة سألته ألاّ يلقاه عبد من أمّتي يوحّده إلاّ أدخله الجنّة فأعطانيها)).
الحديث في سنده عبيدالله بن عبدالرحمن بن موهب، قال الحافظ في "التقريب": ليس بالقوي. وفيه أيضًا عباس بن عبدالرحمن بن ميناء وقد قال الحافظ في "التقريب": مقبول. يعني إذا توبع وإلاّ فليّن، وما أرى عباسًا سمع من عوف بن مالك، فالحديث منقطع.
51- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص145): ثنا يعقوب(1)[138] ثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني سليمان الأعمش عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج عن عبيد بن عمير الليثي عن أبي ذرّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أوتيت خمسًا لم يؤتهنّ نبيّ كان قبلي: نصرت بالرّعب فيرعب منّي العدوّ عن مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد كان قبلي، وبعثت إلى الأحمر والأسود، وقيل لي: سل تعطه. فاختبأتها شفاعةً لأمّتي وهي نائلة منكم إن شاء الله من لقي الله عزّ وجلّ لا يشرك به شيئًا)). قال الأعمش: فكان مجاهد يرى أنّ الأحمر الإنس، والأسود الجنّ.
الحديث أعاده أحمد ص(148)، وأخرجه أبوداود الطيالسي من طريق شعبة عن واصل عن مجاهد عن أبي ذر به، ومن طريق جرير(2)[139] عن الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير عن أبي ذر به.(1/70)
وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (ج5 ص455) من طريق أبي عوانة عن سليمان وهو الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير عن أبي ذر رضي الله عنه به، ومن طريق شعبة عن واصل الأحدب عن مجاهد عن أبي ذرّ به.
وأخرجه أبونعيم في "الحلية" (ج3 ص277)، وقال: متن هذا الحديث في خصائص النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ثابت مشهور متفق عليه من حديث يزيد الفقير عن جابر بن عبدالله وغيره، وحديث عبيد بن عمير عن أبي ذر مختلف في سنده، فمنهم من يرويه عن الأعمش عن مجاهد عن أبي ذر، وتفرد جرير بإدخال عبيد بين مجاهد وأبي ذر عن الأعمش.
وأخرجه أبونعيم (ج5 ص117) عن مجاهد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. وسقطت منه جملة: ((وأعطيت الشّفاعة)).
فالحاصل أن الحديث قد جاء على ثلاثة أوجه: متصلاً ومنقطعًا ومرسلاً، وأرجحها الوصل إذ قد وصله ابن إسحاق وجرير وأبوعوانة وزهير بن معاوية(1)[140]، ولم يخالفهم من هو أرجح منهم، فالوصل زيادة يجب قبولها، وقول أبي نعيم رحمه الله: إنه تفرد جرير بإدخال عبيد بين مجاهد وأبي ذر. ليس بصحيح، فقد تابعه ابن إسحاق وأبوعوانة وزهير بن معاوية كما رأيت.
52- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص250): ثنا علي بن عاصم عن يزيد ابن أبي زياد عن مقسم ومجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أعطيت خمسًا لم يعطهنّ أحد قبلي، ولا أقوله فخرًا: بعثت إلى كلّ أحمر وأسود فليس من أحمر ولا أسود يدخل في أمّتي إلاّ كان منهم، وجعلت لي الأرض مسجدًا)) بقيّة الخمس كما في المسند (ج1 ص301): ((ونصرت بالرّعب مسيرة شهر وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشّفاعة فأخّرتها لأمّتي، فهي لمن لا يشرك بالله شيئًا)).
قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (ج2 ص255): إسناد جيد ولم يخرجوه.(1/71)
قال أبوعبدالرحمن: الحديث في سنده يزيد بن أبي زياد وهو القرشي الهاشمي مولاهم وهو ضعيف، والظاهر أن الإمام البخاري أشار في "تاريخه" (ج5 ص455) إلى أن لهذا الحديث علة حيث ذكر أن من الرواة من يرويه عن مجاهد عن عبيد بن عمير، ومنهم من يرويه عن مجاهد عن أبي ذر، ومنهم من يرويه عن مجاهد عن ابن عباس، وقد تقدم أن أرجحها مجاهد عن عبيد بن عمير عن أبي ذر، وهذه الرواية تعتبر منكرة لتفرد يزيد بن أبي زياد بذلك ومخالفته الثقات، والله أعلم.
53- قال البّزار رحمه الله كما في "كشف الأستار" (ج1 ص157): حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن سلمة بن كهيل(1)[141] ثنا أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أعطيت خمسًا لم يعطهنّ نبيّ قبلي، بعثت إلى النّاس كافةً الأحمر والأسود، ونصرت بالرّعب يرعب منّي عدوّي على مسيرة شهر، وأطعمت المغنم، وجعلتْ لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأعطيت الشّفاعة فأخّرتها لأمّتي يوم القيامة)).
قال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد.
وقد رواه يزيد بن أبي زياد عن مجاهد ومقسم عن ابن عباس.
قال الهيثمي (ج1 ص261): رواه البزار والطبراني، وفيه إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن كهيل وهو ضعيف، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: في روايته عن أبيه بعض المناكير.
54- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص416): ثنا حسين بن محمد(2)[142] ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أعطيت خمسًا: بعثت إلى الأحمر والأسود، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لمن كان قبلي، ونصرت بالرّعب شهرًا، وأعطيت الشّفاعة وليس من نبيّ إلاّ وقد سأل شفاعةً وإنّي أخبأت شفاعتي ثمّ جعلتها لمن مات من أمّتي لم يشرك بالله شيئًا)).(1/72)
الحديث قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (ج1 ص411): تفرد به أحمد، وقال (ج2 ص255): وهذا إسناد صحيح ولم أرهم خرجوه.
قال أبوعبدالرحمن: الحديث على شرط الشيخين.
55- قال الطبراني في "الأوسط" (ج8 رقم7435): حدثنا محمد بن أبان(1)[143] قال: حدثنا إبراهيم بن سويد الجذوعي قال: حدثنا أبوعامر(2)[144] بن مدرك قال: حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أعطيت خمسًا لم يعطها نبيّ قبلي: بعثت إلى الأحمر والأسود، وإنّما كان النبيّ يبعث إلى قومه، ونصرت بالرّعب مسيرة شهر، وأطعمت المغنم ولم يطعمْها(3)[145] أحد كان قبلي، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وليس من نبيّ إلاّ وقد أعطي دعوةً فتعجّلها، وإنّي أخّرت دعوتي شفاعةً لأمّتي، وهي بالغة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئًا)).
لم يرو هذا الحديث عن فضيل إلا عامر بن مدرك. اهـ
قال الهيثمي في "المجمع": رواه الطبراني في "الأوسط" وإسناده حسن. اهـ
عامر بن مدرك بن أبي الصفيراء ليّن الحديث، وعطية العوفي ضعيف ومدلس ولم يصرح بأن شيخه أبا سعيد هو الخدري، فالحديث ضعيف.
56- قال الترمذي رحمه الله (ج4 ص45): حدثنا العباس العنبري أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)).
وفي الباب عن جابر،وهذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
الحديث رواه ابن خزيمة ص(270)، وابن حبان كما في "الموارد" ص(645)، والحاكم (ج1 ص69) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، إنما أخرجا حديث قتادة عن أنس بطوله، ومن توهم أن هذه لفظة من الحديث فقد وهم، فإنّ هذه الشّفاعة فيها قمع المبتدعة المفرقة بين الشّفاعة لأهل الصغائر والكبائر. اهـ
وقال العجلوني في "كشف الخفاء": إن البيهقي قال: إن سنده صحيح. اهـ(1/73)
وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (ج1 ص487): إسناده صحيح على شرط الشيخين. اهـ
قال أبوعبدالرحمن: الحديث من رواية معمر عن ثابت، وفي "تهذيب التهذيب" عن ابن معين: معمر عن ثابت ضعيف، وفيه أيضًا قال يحيى: وحديث معمر عن ثابت وعاصم بن أبي النجود وهشام بن عروة وهذا الضّرب كثير الأوهام.
وقال الحافظ في ترجمة (معمر) من "مقدمة الفتح" ص(444): قلت: أخرج البخاري من روايته عن الزهري وابن طاوس، إلى أن قال: ولم يخرج من روايته عن قتادة ولا ثابت البناني إلا تعليقًا، ولا من روايته عن الأعمش شيئًا، ولم يخرج له من رواية أهل البصرة شيئًا إلا ما توبعوا عليه واحتج به الأئمة كلهم. اهـ
فعلى هذا فالحديث بهذا السند ضعيف، وليس على شرط الشيخين كما قال الحاكم وابن كثير.
ثم وجدت متابعًا لمعمر عن ثابت، قال ابن خزيمة رحمه الله ص(271): حدثنا محمد بن رافع قال: ثنا سليمان بن داود الطيالسي عن الحكم بن خزرج. وثنا علي بن مسلم قال: ثنا أبوداود قال: ثنا الحكم بن خزرج قال: ثنا ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((شّفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)).
الحديث أخرجه الخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (ج2 ص56) ورجاله بهذا السند رجال الصحيح إلا الحكم بن خزرج وقد وثقه ابن معين كما في "الجرح والتعديل" (ج3 ص116).
ومتابعين آخرين أحدهما: الخزرج بن عثمان عند البزار كما في "النهاية" لابن كثير (ج2 ص186)، وقال الهيثمي (ج10 ص378): رواه البزار والطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، وفيه الخزرج بن عثمان وقد وثقه ابن حبان، وضعفه غير واحد. اهـ
قلت: وفي "الميزان": قال الدارقطني: يترك.
والثاني: محمد بن عبيدالله العصري كما في "تاريخ البخاري" (ج1 ص170)، وقد ذكره البخاري ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً(1)[146].(1/74)
- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص213): ثنا سليمان بن حرب ثنا بسطام بن حريث عن أشعث الحدّاني(1)[147] عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)).
الحديث أخرجه أبوداود (ج5 ص106)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (ج2 ص126)، وابن خزيمة ص(271)، والآجري في "الشريعة" ص(338) وعنده سقط بين سليمان بن حرب وأشعث: بسطام بن حريث، والحاكم (ج1 ص69).
والحديث حسن بهذا الإسناد.
- قال ابن خزيمة رحمه الله ص(271): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا الخليل بن عمر.
وثنا يحيى بن السكن(2)[148] قال : ثنا الخليل بن عمر قال: قال عمر الأبح(3)[149] وهو عمر بن سعيد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((الشّفاعة لأهل الكبائر من أمّتي)) قال محمد بن يحيى(4)[150]: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)).
الحديث أخرجه الحاكم (ج1 ص69)، وهو ضعيف بهذا الإسناد لأن عمر بن سعيد قال فيه أبوحاتم: ليس بقوي. كما في "الجرح والتعديل". وقال البخاري: منكر الحديث. كما في "الميزان".
- قال الإمام أبوبكر محمد بن الحسين الآجري رحمه الله في "الشريعة" ص(338): حدثنا أبوجعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال: حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّما الشّفاعة لأهل الكبائر)).
وقال ص(339): أخبرنا أبوزكريا يحيى بن محمد الجبائي(5)[151] قال: حدثنا شيبان بن فروخ قال: حدثنا أبوأمية الحبطي عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)).(1/75)
الحديث في سنده يزيد وهو ابن أبان الرقاشي وقد تركه شعبة، وقال النسائي: إنه متروك، وقال أحمد: إنه منكر الحديث، وقال ابن معين في حديثه ضعف. اهـ مختصرًا من "الميزان".
وفيه أيضًا في السند الثاني أبوأمية الحبطي وهو أيوب بن خوط قال البخاري: تركه ابن المبارك وغيره، وروى عباس عن يحيى: لا يكتب حديثه، وقال النسائي والدارقطني وجماعة: متروك، وقال الأزدي: كذّاب. اهـ مختصرًا من الميزان.
هذا وقد جاء الحديث من طريقين آخرين إلى أنس: أحدهما: من حديث عاصم الأحول عنه كما في "المعجم الصغير" للطبراني (ج1 ص160) والسند إليه صالح، إلا شيخ الطبراني خير بن عرفة فينظر في حاله.
والثاني: عن يزيد الرّشْك عنه عند الطبراني في "الصغير" أيضًا (ج2 ص119)، وفيها روح بن المسيب، قال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة. وقال ابن معين: صويلح. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات، لا تحل الرواية عنه. اهـ من "الميزان". وشيخ الطبراني مورع بن عبدالله، وشيخه الحسن بن عيسي ينظر في حالهما.
57- قال الحكيم الترمذي(1)[152] في "نوادر الأصول" كما في "الحاوي للفتاوي" للسيوطي: حدثنا صالح بن أحمد بن أبي محمد حدثنا يعلى بن هلال عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إنّما الشّفاعة يوم القيامة لمن عمل الكبائر من أمّتي ثمّ ماتوا عليها وهم في البّاب الأوّل من جهنّم، لا تسودّ وجوههم)) الحديث.(1/76)
هذا حديث باطل لأن في آخره توقيت عمر الدنيا(1)[153]، وفي السند ليث ابن أبي سليم وهو مختلط، ومؤلف "النوادر" هو محمد بن علي، حافظ، كما في "تذكرة الحفاظ" للذهبي، وقد حمل عليه ابن العديم، وقال: إنه لم يكن من أهل الحديث، ولا رواية له، ولا علم له بطرقه وصناعته -إلى أن قال:- وملأ كتبه الفظيعة بالأحاديث الموضوعة، إلى آخر كلامه رحمه الله. وفي "أسنى المطالب" ص(269): وكذلك كتب الترمذي الحكيم فيها من جملة الموضوع، فلا يعتمد على ما انفرد به، قال ابن أبي جمرة وابن القيّم: إن الترمذي الحكيم شحن كتبه من الموضوع. هذا وأما شيخ الترمذي وشيخ شيخه فلم أجد ترجمتهما.
58- قال الترمذي رحمه الله (ج4 ص45): حدثنا محمد بن بشار أخبرنا أبوداود الطيالسي عن محمد بن ثابت البناني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)) قال محمد بن علي: فقال لي جابر: يا محمد من لم يكن من أهل الكبائر فما له وللشّفاعة.
هذا حديث غريب من هذا الوجه.
الحديث أخرجه ابن خزيمة ص(271)، وأبوداود الطيالسي (ج2 ص228) من "ترتيب المسند"، والآجري في "الشريعة" ص(338)، والحاكم (ج1 ص69)، وأبونعيم في "الحلية" (ج3 ص201) وقال: هذا حديث غريب من حديث جعفر ومحمد بن ثابت لم يروه عنه إلا أبوداود، رواه عن أبي داود عمرو بن علي والمتقدمون من طبقته.
قال أبوعبدالرحمن: الحديث في سنده محمد بن ثابت البناني، وقد قال البخاري: فيه نظر. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال النسائي: ضعيف. اهـ من الميزان.
- قال ابن خزيمة رحمه الله تعالى ص(271): حدثنا أحمد بن يوسف السلمي قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير وهو ابن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)).(1/77)
الحديث أخرجه ابن ماجه (ج2 ص1441): قال حدثني عبدالرحمن بن إبراهيم الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم ثنا زهير بن محمد به.
وأخرجه الحاكم (ج1 ص69) وقال: وله شاهد على شرط مسلم ثم ذكر الحديث، وقال: قد احتجا جميعًا بزهير بن محمد العنبري.
أخرجه أيضًا (ج2 ص382) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأشار الذهبي إلى أنّه على شرط مسلم، وهو كما قال الذهبي فإن جعفر بن محمد ليس من رجال البخاري، وقد قال الحاكم (ج1 ص69) إنه على شرط مسلم.
والحديث في سنده زهير بن محمد، والراوي له عند ابن خزيمة والحاكم (ج1 ص69) عمرو بن أبي سلمة، وقد قال الإمام أحمد: إن روايته عن زهير بواطيل. كما في "مقدمة الفتح" ص(43). والراوي له عن زهير عند ابن ماجة والحاكم (ج2 ص382) الوليد بن مسلم، والوليد شامي، ورواية الشاميين عن زهير ضعيفة كما في "تهذيب التهذيب"، فالحديث ضعيف بهذا السند، لكنه يصلح في الشواهد والمتابعات.
59- قال البزار رحمه الله كما في "تفسير ابن كثير" (ج1 ص511): حدثنا محمد بن عبدالرحمن(1)[154] ثنا شيبان بن أبي شيبة حدثنا حرب بن سريج عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : كنّا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا نبينا محمدًا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقرأ {إنّ الله لا يغفر أنْ يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وقال: ((أخّرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي يوم القيامة)).
قال الهيثمي (ج7 ص5): رواه أبويعلى ورجاله رجال الصحيح غير حرب بن سريج وهو ثقة. اهـ. كذا أطلق الهيثمي رحمه الله توثيق حرب، وفي "الميزان": وثّقه ابن معين وليّنه غيره، قال ابن حبان: يخطئ كثيرًا حتّى خرج عن حدّ الاحتجاج به إذا انفرد. وقال البخاري: روى عنه ابن المبارك، فيه نظر. ثم ذكر له الذهبي هذا الحديث.(1/78)
- قال الخطيب رحمه الله في "التاريخ" (ج8 ص11): قرأت في كتاب علي بن محمد النعيمي بخطه: حدثني القاضي أبوعبدالله الحسين بن أحمد بن سلمة الأسدي المالكي ببغداد حدثنا أبوالحسين أحمد بن عبدالله بن محمد الزيني البصري -بجيلان من كورة اسفيجاب- حدثنا الصديق بن سعيد الصوناخي -بصوناخ من كورة اسفيجاب- حدثنا محمد بن نصر المروزي المقيم بسمرقند عن يحيى بن يحيى عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر من أمّتي)).
في "فيض القدير": قال الترمذي في "العلل": سألت محمدًا -يعني البخاري- عن هذا الحديث فلم يعرفه. وفي "الميزان": رواه عن صديق من يجهل حاله أحمد بن عبدالله الزيني فما أدري من وضعه. وأعاده في محل آخر وقال: هذا خبر منكر. اهـ
60- قال الإمام محمد بن الحسين الآجري رحمه الله ص(338): وحدثنا أبوالعباس حامد بن شعيب البلخي(1)[155] قال: حدثنا محمد بن بكار(2)[156] قال: حدثنا عنبسة بن عبدالواحد القرشي(3)[157] عن واصل(4)[158] عن أبي عبدالرحمن(5)[159] عن الشعبي عن كعب بن عجرة قال: قلت: يا رسول الله الشّفاعة؟ فقال: ((الشفاعة لأهل الكبائر من أمّتي)).
الحديث رواه الخطيب (ج3 ص40) وقال: قال علي بن عمر: هذا حديث غريب من حديث الشعبي عن كعب بن عجرة تفرد به أميّ بن ربيعة الصيرفي عنه، وتفرد به واصل بن حيان عن أمي، ولا يعلم حدث به عنه غير عنبسة بن عبدالواحد. اهـ
قال أبوعبدالرحمن: رجال الإسناد معروفون، وقد اختلف في واصل أهو ابن حيان أم هو واصل مولى أبي عيينة، وكلاهما محتج به فلا يضر هذا الاختلاف، والله أعلم.(1/79)
61- قال أبوالقاسم الطبراني رحمه الله في "المعجم الكبير" (ج11 ص189): حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح وعبدالرحمن بن معاوية العتبي قالا: ثنا أبوالطاهر بن السرح قال ثنا موسى بن عبدالرحمن الصنعاني حدثني ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنّه قال ذات يوم: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)) قال ابن عباس: السابق بالخيرات يدخل الجنّة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنّة برحمة الله، والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنّة بشفاعة محمّد.
الحديث في سنده موسى بن عبدالرحمن الصنعاني قال الحافظ الذهبي في "الميزان": معروف ليس بثقة، فإن ابن حبان قال فيه: دجّال وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتابًا في التفسير، ثم ذكر الذهبي أنّ ابن عدي ذكر في ترجمته ثلاثة أحاديث، هذا أحدها، ثم قال: قال ابن عدي: هذه بواطيل.
62- قال الخطيب رحمه الله في "التاريخ" (ج1 ص416): أخبرنا الأزهري والقاضي أبوالعلاء محمد بن علي قالا: أنبأنا أبوالفتح محمد بن إبراهيم بن محمد بن يزيد الطرسوسي قال: نبأنا الحسن بن عبدالرحمن بن زريق بحمص قال: نبأنا محمد بن سنان الشيرازي قال: نبأنا إبراهيم بن حيان بن طلحة قال : نبأنا شعبة عن الحكم عن عبدالرحمن بن أبي ليلي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((شفاعتي لأهل الذنوب من أمّتي)) قال أبوالدرداء: وإن زنى وإن سرق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((نعم وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء)).
قال لي الأزهري: سمعت من أبي الفتح في سنة ست وسبعين وثلاثمائة سألت الأزهري عنه، فقال: ثقة. اهـ
الحديث في سنده محمد بن إبراهيم الطرسوسي قال الحاكم: كثير الوهم. ومحمد بن سنان الشيرازي، قال الذهبي في "الذيل": صاحب مناكير. اهـ "فيض القدير".(1/80)
63- قال الخطيب رحمه الله في "التاريخ" (ج2 ص146): أخبرنا أبومعاذ عبدالغالب بن جعفر الضراب قال: نبأنا محمد بن إسماعيل الوراق قال: حدثني محمد بن جعفر بن محمد بن الحسن بن جعفر العلوي قال: أنبأنا سليمان بن علي الكاتب قال: حدثني القاسم بن جعفر بن محمد بن عبدالله ابن عمر بن علي بن أبي طالب قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده محمد بن عمر عن أبيه عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((شفاعتي لأمّتي من أحبّ أهل بيتي وهم شيعتي)).
الحديث في سنده القاسم بن جعفر، قال الذهبي في "الميزان": روى عن آبائه نسخة أكثرها مناكير، قاله الخطيب. اهـ
64- قال ابن خزيمة رحمه الله ص(272): حدثنا بمسألة النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم للذي ذكرت علي بن سعيد النسائي قال: ثنا أبواليمان قال: ثنا شعيب وهو ابن أبي حمزة عن الزهري قال: ثنا أنس بن مالك عن أم حبيبة عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلم أنّه قال: ((أريت ما تلقى أمّتي بعدي، وسفك بعضهم دماء بعض، وسبق ذلك من الله كما سبق على الأمم قبلهم، فسألته أن يوليني شفاعةً يوم القيامة فيهم، ففعل)).
قال أبوبكر: قد اختلف عن أبي اليمان في هذا الإسناد فروى بعضهم هذا الخبر عن أبي اليمان عن شعيب عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي حسين، وقال بعضهم: عن الزهري.(1/81)
الحديث أخرجه الحاكم (ج1 ص68) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والعلّة عندهما فيه أن أبا اليمان حدّث مرتين، فقال مرّةً: عن شعيب عن الزهري عن أنس، وقال مرّةً: عن شعيب عن ابن أبي حسين عن أنس، وقد قدمنا القول في مثل هذا أنه لا ينكر أن يكون الحديث عند إمام من الأئمة عن شيخين فمرة يحدث به عن هذا ومرة عن ذاك، وقد حدثني أبوالحسن علي بن محمد بن عمر(1)[160] ثنا يحيى ابن محمد بن صاعد ثنا إبراهيم بن هانئ النيسابوري قال: قال لنا أبواليمان الحديث حديث الزهري، والذي حدثتكم عن ابن أبي الحسين غلطت فيه بورقة قلبْتها. قال الحاكم: هذا كالأخذ باليد فإن إبراهيم بن هانئ ثقة مأمون. اهـ وسكت عنه الذهبي.
وأخرجه الإمام أحمد (ج6 ص427-428) من حديث أبي اليمان أنا شعيب بن أبي حمزة عن ابن أبي حسين، وقال: أنا أنس بن مالك عن أم حبيبة، الحديث.
قال عبدالله -وهو ابن أحمد راوي "المسند" عن أبيه- فقلت لأبي ههنا قوم يحدثون به عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري، قال: ليس هذا من حديث الزهري إنما هو من حديث ابن أبي حسين.
قال أبوعبدالرحمن: الظاهر ترجيح طريق الزهري عن أنس لأن أبا اليمان اعترف أنه غلط كما رواه الحاكم عنه، وقد ساقه الحافظ ابن كثير في "النهاية" (ج2 ص209) من رواية البيهقي من طريق الزهري عن أنس ثم قال: قال البيهقي: هذا إسناد صحيح. وقال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (ج4 ص432): رواه البيهقي في "البعث" وصحّح إسناده.
قال أبوعبدالرحمن: ثم تراجعت عن ترجيح طريق الزهري لما اطلعت على كلام الذهبي في "السير" (ج10 ص323) حيث قال: تعين أن الحديث وهم فيه أبواليمان، وصمّم على الوهم لأن الكبار حكموا بأن الحديث ما هو عند الزهري، والله أعلم.(1/82)
65- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص347): ثنا الأسود بن عامر أنا أبوإسرائيل عن حارث بن حصيرة عن ابن بريدة عن أبيه قال: دخل عليّ معاوية فإذا رجل يتكلّم، فقال بريدة: يا معاوية فائذن لي في الكلام. فقال: نعم. وهو يرى أنّه سيتكلم بمثل ما قال الآخر، فقال بريدة: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((إنّي لأرجو أن أشفع يوم القيامة عدد ما على الأرض من شجرة ومدرة)) قال: أفترجوها أنت يا معاوية ولا يرجوها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا كما في "النهاية" لابن كثير (ج2 ص192)، وقال الهيثمي (ج10 ص378): رواه أحمد ورجاله وثّقوا على ضعف كثير في أبي إسرائيل الملائي. اهـ
قال أبوعبدالرحمن: أبوإسرائيل قال الحافظ الذهبي في "الميزان": ضعفوه، وقد كان شيعيًا بغيضًا من الغلاة الذين يكفرون عثمان رضي الله عنه. اهـ المراد من "الميزان".
وشيخه الحارث بن حصيرة قال الذهبي في "الميزان": قال أبوأحمد الزبيري: كان يؤمن بالرجعة(1)[161]. وقال يحيى بن معين: ثقة خشبي، ينسب إلى خشبة زيد بن علي لما صلب عليها. وقال النسائي: ثقة وهو من المنحرفين بالكوفة في التشيع. وقال زنيج(2)[162]: سألت جريرًا: أرأيت الحارث بن حصيرة؟ قال: نعم، رأيته شيخًا كبيرًا طويل السكوت يصرّ على أمر عظيم(3)[163]. اهـ المراد من "الميزان". فبما أن هذين الراويين غاليان في التشيع والحديث موافق لمذهبهما فالحديث ضعيف.(1/83)
66- قال الإمام أبوداود رحمه الله (ج3 ص217): حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبي فديك حدثني موسى بن يعقوب عن ابن عثمان -قال أبوداود: وهو يحيى بن الحسن بن عثمان- عن الأشعث بن إسحاق بن سعد عن عامر بن سعد عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم من مكّة نريد المدينة، فلمّا كنّا قريبًا من عزور(1)[164] نزل ثمّ رفع يديه فدعا الله ساعةً، ثمّ خرّ ساجدًا فمكث طويلاً ثمّ قام فرفع يديه فدعا الله ساعةً، ثمّ خرّ ساجدًا فمكث طويلاً، ثمّ قام فرفع يديه ساعةً ثمّ خرّ ساجدًا -ذكره أحمد ثلاثًا- قال: ((إنّي سألت ربّي وشفعت لأمّتي فأعطاني ثلث أمّتي، فخررت ساجدًا شكرًا لربّي، ثمّ رفعت رأسي فسألت ربّي لأمّتي فأعطاني ثلث أمّتي، فخررت ساجدًا لربّي شكرًا ثمّ رفعت رأسي فسألت ربّي لأمّتي، فأعطاني الثّلث الآخر فخررت ساجدًا لربّي)).
قال أبوداود: أشعث بن إسحاق أسقطه أحمد بن صالح حين حدثنا به، فحدثني به عنه موسى بن سهل الرملي.
قال الحافظ المنذري في "مختصر السنن" (ج4 ص86): في إسناده موسى ابن يعقوب الزمعي وفيه مقال.
وأقول: الحديث في سنده يحيى بن الحسن بن عثمان الزهري، قال الخزرجي في الخلاصة: عن أشعث بن إسحاق، وعنه موسى بن يعقوب الزمعي وثّقه ابن حبان. اهـ وابن حبان يوثّق المجهولين، ومن ثمّ يقول الحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال": لا يكاد يعرف حاله. ويقول في "الكاشف": وثّق. ولعله يعني توثيق ابن حبان.(1/84)
67- قال ابن خزيمة رحمه الله ص(279): حدثنا محمد بن أحمد بن زيد بعبّادان قال: ثنا عمرو بن عاصم قال: ثنا حرب بن سريج البزار قال: قلت لأبي جعفر محمد بن على بن الحسين: جعلت فداك أرأيت هذه الشّفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحقّ هي؟ قال: شفاعة ماذا؟ قال: شفاعة محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. قال: حقّ والله، إي والله لحدثني عمّي محمّد ابن علي ابن الحنفية عن علي بن أبي طالب أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((أشفع لأمّتي حتّى يناديني ربّي، فيقول: أرضيت يا محمّد)) ثمّ أقبل عليّ فقال: إنّكم تقولون معشر أهل العراق: أرجى آية في كتاب الله سبحانه وتعالى عزّ وجلّ: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم -قرأ إلى قوله- جميعًا} قلت: إنّا لنقول ذلك. قال: ولكنّا أهل البيت نقول: إنّ أرجى آية في كتاب الله تعالى: {ولسوف يعطيك ربّك فترضى}.
الحديث أخرجه أبونعيم في "الحلية" (ج3 ص179) وقال: هذا حديث لم نكتبه إلا من حديث حرب بن سريج(1)[165]، ولا رواه عنه إلا عمرو بن عاصم وهو بصري ثقة.
قال أبوعبدالرحمن: الحديث في سنده حرب بن سريج، قال الحافظ الذهبي في "الميزان": وثقه ابن معين وليّنه غيره، وقال ابن حبان: يخطئ كثيرًا حتى خرج عن حدّ الاحتجاج إذا انفرد. وقال البخاري: روى عنه ابن المبارك وفيه نظر. -إلى أن قال:- قال ابن عدي: في حديثه غرائب وإفرادات وأرجو أنه لا بأس به. اهـ
وقول البخاري: (فيه نظر) من أردى عبارات التجريح كما في "فتح المغيث" (ج1 ص344)، فعلى هذا فالحديث ضعيف جدًا.
وأما شيخ ابن خزيمة فيبحث عنه إن شاء الله، وهو في "الحلية" محمد بن أحمد بن يزيد وفي "النهاية" لابن كثير (ج2 ص199) بسند البزار: محمد ابن يزيد المداري، فلعله سقط اسم أبيه أو نسب إلى جده، والله أعلم.(1/85)
68- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص178): ثنا يونس بن محمد ثنا حرب بن ميمون أبوالخطاب الأنصاري عن النضر بن أنس عن أنس قال حدّثني نبيّ الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّي لقائم أنتظر أمّتي تعبر على الصّراط إذ جاءني عيسى فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمّد يشتكون -أو قال: يجتمعون- إليك ويدعون الله عزّ وجلّ أن يفرّق جمع الأمم إلى حيث يشاء الله لغمّ ما هم فيه، والخلق ملجمون في العرق وأمّا المؤمن فهو عليه كالزّكمة، وأمّا الكافر فيتغشّاه الموت، قال: قال: عيسى(1)[166] انتظر حتّى أرجع إليك. قال: فذهب نبيّ الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم حتّى قام تحت العرش، فلقي ما لم يلق ملك مصطفًى ولا نبيّ مرسل فأوحى الله عزّ وجلّ إلى جبريل: اذهب إلى محمّد، فقل: له ارفعْ رأسك سلْ تعط، واشفعْ تشفّع. قال: فشفّعت في أمّتي(2)[167] أن أخرج من كلّ تسعة وتسعين إنسانًا واحدًا. قال: فما زلت أتردّد على ربّي عزّ وجلّ فلا أقوم مقامًا إلاّ شفّعت، حتّى أعطاني الله عزّ وجلّ من ذلك أن قال: يا محمّد أدخل من أمّتك من خلق الله عزّ وجلّ من شهد أنّه لا إله إلاّ الله يومًا واحدًا مخلصًا ومات على ذلك)).
الحديث أخرجه ابن خزيمة ص(254)، وقال الحافظ ابن كثير في "النهاية" (ج2 ص191): وقد حكم الترمذي بالحسن لهذا الإسناد. اهـ
قال أبوعبدالرحمن: هو حديث حسن لأنّ حرب بن ميمون صدوق كما في "التقريب"، وبقية رجاله رجال الصحيح.(1/86)
69- قال مسلم رحمه الله (ج4 ص2301): حدثنا هارون بن معروف ومحمد بن عباد -وتقاربا في لفظ الحديث والسياق لهارون- قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحيّ من الأنصار قبل أن يهلكوا، فكان أوّل من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، إلى أن قال ص(2303): ثمّ مضينا حتّى أتينا جابر بن عبدالله في مسجده، إلى أن قال ص(2307): قال جابر فقمت فأخذت حجرًا فكسرته وحسرته فانذلق لي، فأتيت الشّجرتين فقطعت من كلّ واحدة منهما غصنًا ثمّ أقبلت أجرّهما حتّى قمت مقام رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، أرسلت غصنًا عن يميني وغصنًا عن يساري ثمّ لحقته، فقلت: قد فعلت يا رسول الله فعمّ ذاك؟ قال: ((إنّي مررت بقبرين يعذّبان فأحببت بشفاعتي أن يرفّه عنهما ما دام الغصنان رطبين)).(1/87)
هذا الحديث يصلح دليلاً على الشّفاعة لأهل الكبائر لو كان هو وحديث ابن عباس المتفق عليه قصة واحدة، إذ في حديث ابن عباس: ((إنّهما ليعذّبان في كبير، أمّا أحدهما فكان يمشي بالنّميمة، وأمّا الآخر فكان لا يستتر من بوله))، لكن قال الحافظ في "الفتح" (ج1 ص319): وأما ما رواه مسلم في حديث جابر الطويل المذكور في أواخر الكتاب أنه الذي قطع الغصنين فهو في قصة أخرى غير هذه (يعني القصة التي ذكرت في حديث ابن عباس) فالمغايرة بينهما من أوجه، منها: أن هذه كانت في المدينة وكان معه صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم جماعة، وقصة جابر كانت في السفر، وكان خرج لحاجته فتبعه جابر وحده، ومنها: أن في هذه القصة أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلّم غرس الجريدة بعد أن شقها نصفين كما في الباب الذي بعد هذا من رواية الأعمش، وفي حديث جابر أنه صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أمر جابرًا بقطع غصنين من شجرتين كان النّبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم استتر بهما عند قضاء حاجته، ثم أمر جابرًا فألقى الغصنين عن يمينه وعن يساره حيث كان النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم جالسًا، وأن جابرًا سأله عن ذلك فقال: ((إنّي مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أنْ يرفع(1)[168] عنهما ما دام الغصنان رطبين))، ولم يذكر في قصة جابر أيضا السبب الذي كانا يعذبان به، ولا الترجي الآتي في قوله: ((لعله)) فبان تغاير حديث ابن عباس وحديث جابر، وأنّهما كانا في قصتين مختلفتين، ولا يبعد تعدد ذلك. اهـ(1/88)
70- قال الطبراني رحمه الله في "المعجم الصغير" (ج2 ص95 رقم1011): حدثنا محمد بن عون السيرافي بالبصرة حدثنا أبوالأشعث أحمد بن المقدام حدثنا أصرم بن حوشب حدثنا قرة بن خالد عن أبي جعفر محمد بن علي ابن الحسين قال: قلت لعبدالله بن جعفر بن أبي طالب: حدثْنا شيئًا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم -فذكر الحديث وفيه- قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّكم بحبي، أترجون أنْ تدخلوا(1)[169] الجنّة بشفاعتي، ولا يدخلها بنو عبدالمطّلب)).
لم يروه عن قرة إلا أصرم، تفرد به أبوالأشعث.
الحديث أخرجه الحاكم (ج3 ص568)، وقال الذهبي في "التلخيص": أظنّه موضوعًا، فإسحاق متروك، وأصرم متهم بالكذب. اهـ وإسحاق هو شيخ أصرم عند الحاكم.
وقال في ترجمة أصرم في الميزان: هالك، وقال يحيى: كذّاب خبيث. وقال البخاري ومسلم والنسائي: متروك. إلى آخر أقوال الأئمة فيه. وإنما ذكرت الحديث لأبيّن حاله.
71- قال ابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" (ج4 ص16): حدثنا أبي حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبدالرحمن ابن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّ الله تبارك وتعالى خيّرني بين أنْ يغفر لنصف أمّتي وبين أن يجيب شفاعتي، فاخترت شفاعتي، ورجوت أن تكفّر الجمّ لأمّتي، ولولا الّذي سبقني إليه العبد الصّالح لتعجّلت فيها دعوتي، إنّ الله تعالى لمّا فرّج عن إسحاق كرب الذّبح، قيل له: يا إسحاق سلْ تعط. فقال: أما والّذي نفسي بيده لأتعجّلنّها قبل نزعات الشّيطان، اللّهم من مات لا يشرك بك شيئًا فاغفرْ له وأدخله الجنّة)).(1/89)
قال الحافظ ابن كثير: هذا حديث غريب منكر، وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف الحديث، وأخشى أنْ يكون في الحديث زيادة مدرجة، وهي قوله: ((إنّ الله تعالى لمّا فرّج عن إسحاق .. إلى آخره))، والله أعلم. اهـ
وهذا الحديث أيضًا كتبته لبيان ضعفه لا للاحتجاج به.
72- قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج1 ص219): حدثنا أبومحمد بن حيان حدثنا محمد بن الحسن الصوفي ثنا محمد بن منصور الطوسي ثنا حمزة ابن زياد الطوسي ثنا ثويب أبوحامد -قال: سألت عنه بقية فقال: هذا مرابط منذ ستين سنة- عن خالد بن معدان عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((نعْم الرّجل أنا لشرار أمّتي)) فقالوا: فكيف أنت لخيارهم؟ قال: ((أمّا خيارهم فيدخلون الجنّة بصلاحهم، وأمّا شرارهم فيدخلون الجنّة بشفاعتي)).
الحديث أعاده أبونعيم (ج10 ص219) سندًا ومتنًا، وأخرجه الطبراني في "الكبير" (ج8 ص115)، وقال الهيثمي (ج10 ص377): رواه الطبراني في "الكبير" وفيه جميع بن ثوب(1)[170] الرجبي -وهو بفتح الجيم وكسر الميم على المشهور، وقيل بالتصغير- قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن عدي: رواياته تدل على أنّه ضعيف. وبقية رجاله رجال الصحيح. اهـ
والحديث بسند أبي نعيم فيه أيضًا حمزة بن زياد الطوسي، قال الذهبي: تركه أحمد وغيره، وقال ابن معين: ليس به بأس. قال مهنّأ: سألت أحمد عن حمزة الطوسي، فقال: لا يكتب عن الخبيث. اهـ المراد من "الميزان" وليس هو عند الطبراني من طريقه.(1/90)
73- قال ابن خزيمة رحمه الله ص(289): حدثنا أبوحفص عمرو بن علي والعباس بن عبدالعظيم العنبري وعمر بن حفص الشيباني وأبوالأزهر حوثرة ابن محمد قالوا: ثنا حماد بن سلمة قال: ثنا عمران العمي عن الحسن عن أنس بن مالك عن النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال:((ما زلت اشفع إلى ربّي ويشفّعني حتّى قلت: أي ربّي شفّعْني فيمن قال: لا إله إلاّ الله. فقال: يا محمّد هذه ليستْ لك ولا لأحد، وعزّتي وجلالي ورحمتي لا أدع في النّار أحدًا قال: لا إله إلاّ الله)) هذا حديث عمرو بن علي، وقال عمر بن حفص: ((فقال إنّما ذلك لي، وعزّتي وجلالي ورحمتي لا أدع في النّار عبدًا قال: لا إله إلاّ الله)) وقال أبوالأزهر عن عمران العمي: وقال: ((ولا لأحد، هي لي فلا يبقى في النّار أحد قال: لا إله إلاّ الله إلاّ خرج منها)).
الحديث أخرجه البزار كما في "تفسير ابن كثير" (ج2 ص191)، وقال البزار: لا نعلمه يروى إلاّ بهذا الإسناد. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ورواه ابن أبي الدنيا عن أبي حفص الصيرفي(1)[171] عن حماد بن مسعدة به. اهـ ورواه أبونعيم في "أخبار أصبهان" (ج1 ص234).
والحديث ضعيف بهذا السند لأن في سنده عمران وهو ابن داور ولكنه يصلح حديثه في الشواهد والمتابعات.
تنبيه: في "كتاب التوحيد": حماد بن سلمة. وفي "البزار" كما في "تفسير ابن كثير": عمرو بن مسعدة. وفي "تفسير ابن كثير" وعزاه لابن أبي الدنيا: حماد بن مسعدة، وكذا في "أخبار أصبهان"، والظاهر أنه حماد بن مسعدة. والله أعلم.
74- في "زوائد الزهد لابن المبارك" ص(563): حدثنا الحسين(2)[172] أخبرنا أبومعاوية أخبرنا موسى بن عبيدة عن ابن عبدالرحمن عن ابن عياش(3)[173] الزرقي عن أنس بن مالك عن أم سلمة زوج النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم:(( أريت ما تعمل أمّتي بعدي، فأخّرت(4)[174] لهم الشّفاعة إلى يوم القيامة)).(1/91)
الحديث في سنده موسى بن عبيدة وهو الربذي ضعيف جدًا، قال أحمد: لا يكتب حديثه. وأما ابن أبي عياش فهو النعمان بن أبي عياش الزرقي، وابن عبدالرحمن هو محمد بن عبدالرحمن أبوالأسود الملقب بيتيم عروة، والله أعلم.
75- قال ابن عبدالبر رحمه الله في "التمهيد" (ج1 ص123): حدثنا أبوعثمان سعيد بن سيد قال: حدثنا أبوعيسى يحيى بن عبيدالله بن أبي عيسى قال: حدثنا أبوعثمان سعيد بن فحلون(1)[175] قال: حدثنا عبدالرحمن بن عبيد البصري قال: حدثنا ابن أبي الشوارب القرشي الأموي قال: أخبرنا عبدالقاهر بن السري السلمي قال: حدثنا ابن لكنانة(2)[176] بن عباس بن مرداس السلمي عن أبيه عن جده أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم دعا لأمّته عشية عرفة بالمغفرة فأجابه الله: إنّي قد فعلت، إلاّ ظلم بعضهم بعضًا. فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدّعاء فقال: ((يا ربّ إنّك قادر أنْ تثيب المظلوم خيرًا من مظلمته، وتعفو عن الظّالم)) فأجابه: إنّي قد فعلْت، ثم التفت إلينا رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم متبسمًا، فقلنا: يا رسول الله ما الّذي أضحكك؟ قال: ((إنّ إبليس عدوّ الله لمّا علم أنّ الله عزّ وجلّ قد شفّعني في أمّتي، أهوى يدعو بالويل والثبور، ويحثو التّراب على رأسه)).
الحديث أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (ج2 ص214) وقال ص(216): قال ابن حبان: كان(3)[177] منكرًا فلا أدري التخليط منه أو من ابنه، ومن أيّهما كان فقد سقط الاحتجاج به. اهـ
وقال الحافظ الذهبي في "الميزان": عبدالله بن كنانة بن العباس بن مرداس الأسلمي(4)[178] عن أبيه عن جده في الدّعاء عشية عرفة لأمته، وعنه عبدالقاهر ابن السري فقط، قال البخاري: لم يصحّ حديثه. اهـ
وحكم الحافظ في "التقريب" على عبدالله بن كنانة وأبيه أنّهما مجهولان.(1/92)
76- قال ابن عدي في "الكامل" (ج5 ص1801): حدثنا محمد بن أحمد ابن هارون ثنا أحمد بن الهيثم ثنا أبوقتادة عمرو بن مخرّم ثنا ابن عيينة عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أمه عن أم سلمة قالت: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يا أمّ سلمة اعملي ولا تتكلي فإنّ شفاعتي للهالكين من أمّتي)).
ثم أخرجه أيضًا من طريق أبي عروبة ثنا أبورفاعة ثنا أيوب بن سليمان بوادي القرى ثنا محمد بن دينار عن يونس عن الحسن به.
وقال: وهذا الإسناد عن ابن عيينة عن يونس بن عبيد باطل لا يرويه إلا عمرو بن المخرم هذا، وهذا الإسناد الثاني أيضًا وبهذا الحديث غير محفوظ أيضًا. اهـ من ترجمة (عمرو بن المخرم). والحديث ذكره الذهبي في "الميزان" في ترجمته.
قال أبوعبدالرحمن: وقال ابن عدي في "الكامل" عند ترجمة (عمرو بن المخرم): روى عن ابن عيينة وغيره بواطيل يكنى أبا قتادة. اهـ
خاتمة الفصل
قد يقدح بعض المتعصبة من ذوي الأهواء في هذه الأحاديث، ولو رجعوا إلى كتب أئمتهم لوجدوا فيها ما يؤيد ما في كتب السنة، ففي "أمالي أبي طالب" ص(443) وهو من أئمة الشيعة المبتدعة حديث أنس بسنده: ((لكلّ نبيّ دعوة وإنّي اختبأت دعوتي شفاعة لأمّتي يوم القيامة)).
وفيها أيضًا من حديث ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((ما من عبد مؤمن يسأل الله لي الوسيلة في الدّنيا إلاّ كنت له شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة)) في سنده موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف.
وفيها أيضًا من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من قال حين يسمع النّداء: اللّهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامة والصّلاة القائمة، آت محمّدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الّذي وعدته، حلّت له الشّفاعة)).(1/93)
فهذه الأحاديث بعمومها تشمل أهل الكبائر وغيرهم من المسلمين، وأما حديث: ((ليستْ شفاعتي لأهل الكبائرمن أمّتي)) الذي في "العقد الثمين"، ويلقن به أبناء الشيعة العقيدة المعتزلية، فهو حديث موضوع باطل، وفي "أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب" ص(122): أنه من أكاذيب المعتزلة.
فصل في شفاعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأناس قد أمر بهم إلى النار
77- قال الحافظ أبوبكر بن أبي الدنيا في "كتاب الأهوال" كما في "النهاية" لابن كثير (ج2 ص181): وثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة حدثني محمد ابن سلمة عن أبي عبدالرحيم(1)[179] حدثني زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن عبدالله بن الحارث عن أبي هريرة وذكر حديثًا عن أبي هريرة، ثم قال زيد بن أبي أنيسة كما في ص(182): ثم قال المنهال: حدثني عبدالله بن الحارث أيضًا أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((أمرّ بقوم من أمّتي قد أمر بهم إلى النّار، قال: فيقولون: يا محمّد ننشدك الشّفاعة، قال: فآمر الملائكة أن يقفوا بهم، قال: فأنطلق وأستاذن على الربّ عزّ وجلّ فيأذن لي فأسجد وأقول: يا ربّ قوم من أمّتي قد أمر بهم إلى النّار. قال: فيقول لي: انطلقْ فأخرجْ منهم. قال: فأنطلق وأخرج منهم من شاء الله أن أخرج، ثمّ ينادي الباقون: يا محمّد ننشدك الشّفاعة فأرجع إلى الرّبّ فأستأذن. فيؤذن لي فأسجد، فيقال لي: ارفع رأسك وسلْ تعطه واشفعْ تشفّعْ. فأثني على الله بثناء لم يثن عليه أحد، أقول: ثمّ قوم من أمّتي قد أمر بهم إلى النّار. فيقول: انطلق فأخرجْ منهم. قال: فأقول: يا ربّ أخرج منهم من قال: لا إله إلاّ الله، ومن كان في قلبه حبّة من إيمان؟ قال: فيقول: يا محمّد ليستْ تلك لك، تلك لي. قال: فأنطلق وأخرج من شاء الله أن أخرج، قال: ويبقى قوم فيدخلون النّار فيعيّرهم أهل النّار، فيقولون: أنتم كنتم تعبدون الله ولا تشركون به أدخلكم النّار، قال: فيحزنون لذلك، قال: فيبعث الله(1/94)
ملكًا بكفّ من ماء فينضح بها في النّار، ويغبطهم أهل النّار، ثمّ يخرجون ويدخلون الجنّة فيقال: انطلقوا فتضيّفوا النّاس. فلو أنّهم جميعهم نزلوا برجل واحد كان لهم عنده سعة ويسمّون المحرّرين)).
قال الحافظ ابن كثير: وهذا يقتضي تعداد هذه الشفاعة فيمن أمر بهم إلى النّار ثلاث مرات ألاّ يدخلوها، ويكون معنى قوله: ((أخرجْ)) أي أنقذ، بدليل قوله بعد ذلك: ((ويبقى قوم فيدخلون النّار))، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. اهـ
الحديث رجاله رجال الصحيح إلا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة وقد وثّقه الدارقطني، وقال الجعابي: يحدث عن ابن سلمة بعجائب. كما في "التهذيب" و"الميزان"، ويخشى أيضًا من إرساله، فيحتمل أن يكون عبدالله ابن الحارث سمعه من أبي هريرة، ويحتمل أن يكون أرسله، والله أعلم.
78- قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج4 ص108): حدثنا محمد بن المظفر بن موسى الحافظ ثنا أبوحفص أحمد بن محمد بن عمر بن حفص الأوصابي ثنا أبي ثنا ابن حمير ثنا الثوري ثنا الأعمش عن شقيق عن عبدالله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: {ليوفّيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} قال: ((أجورهم: يدخلهم الجنّة، ويزيدهم من فضله: الشّفاعة لمن وجبتْ له النّار ممن صنع إليهم المعروف في الدّنيا)).
غريب من حديث الأعمش، عزيز عجيب من حديث الثوري، تفرد به إسماعيل بن عبيد الكندي عن الأعمش، وعن إسماعيل بقية بن الوليد وحديث الثوري لم نكتبه إلاّ عن هذا الشيخ.
أما رجال الإسناد: فمحمد بن المظفر: حافظ كما وصفه أبونعيم، وله ترجمة في "تذكرة الحفاظ" (ج2 ص980)، وفي "تاريخ بغداد" (ج3 ص262).
وأحمد بن محمد: لم أقفْ على ترجمته، وقوله: ثنا أبي، الظاهر أنه يعني جده، فقد ذكر الحافظ في "تهذيب التهذيب" في ترجمة عمر بن حفص أنه روى عن محمد بن حمير.
وعمر: مستور الحال يصلح حديثه في الشواهد والمتابعات.(1/95)
وبقية رجال الإسناد من محمد بن حمير إلى عبدالله وهو ابن مسعود رضي الله عنه رجال الصحيح.
وسيأتي قول الحافظ ابن كثير رحمه الله: وهذا إسناد لا يثبت. وسيأتي هذا الحديث برقم (212).
فصل في شفاعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأناس يدخلون الجنة بغير حساب
79- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص6): ثنا هاشم بن القاسم قال: ثنا المسعودي قال: ثني بكير بن الأخنس عن رجل عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أعطيت سبعين ألفًا يدخلون الجنّة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر وقلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربّي عزّ وجلّ فزادني مع كلّ واحد سبعين ألفًا)) قال أبوبكر رضي الله عنه: فرأيت أنّ ذلك آت على أهل القرى ومصيب من حافّات البوادي.
الحديث ضعيف لأن في سنده مبهمًا. والمسعودي وهو عبدالرحمن بن عبدالله مختلط، وسماع أبي النضر هاشم بن القاسم منه بعد ما اختلط كما في "تهذيب التهذيب"(1) } - - - { .
80- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص197): ثنا عبدالله بن بكر السهمي ثنا هشام بن حسان عن القاسم بن مهران عن موسى بن عبيد عن ميمون ابن مهران عن عبدالرحمن بن أبي بكر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((إنّ ربّي أعطاني سبعين ألفًا من أمّتي يدخلون الجنّة بغير حساب)) فقال عمر: يا رسول الله فهلاّ استزدته. قال: ((قد استزدته فأعطاني مع كلّ رجل سبعين ألفًا)) قال عمر: فهلاّ استزدته. قال: ((قد استزدته فأعطاني هكذا)) وفرّج عبدالله بن بكر بين يديه، وقال عبدالله: وبسط باعيه وحثا عبدالله، و قال هشام: وهذا من الله لا يدرى ما عدده.
الحديث في سنده موسى بن عبيد وهو مجهول الحال يصلح في الشواهد والمتابعات، وبقية رجاله رجال الصحيح.(1/96)
81- قال الترمذي رحمه الله (ج4 ص540): حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد الألهاني قال: سمعت أبا أمامة يقول: سمعْت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((وعدني ربّي أنْ يدخل الجنّة من أمّتي سبعين ألفًا لا حساب عليهم ولا عذاب مع كلّ ألف سبعون ألفًا وثلاث حثيات من حثياته)).
هذا حديث حسن غريب.
الحديث أخرجه ابن ماجه (ج2 ص1433)، وأحمد (ج5 ص268)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص(329).
وهو حديث حسن كما قال الترمذي لأن شيخ إسماعيل بن عياش حمصي، ورواية إسماعيل عن أهل الشام مقبولة. وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (ج1 ص394): وهذا إسناد جيد.
وقال الحافظ ابن القيم في "حادي الأرواح" ص(100): وإسماعيل بن عياش إنما يخاف من تدليسه وضعفه، فأما تدليسه فقد قال الطبراني حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي والحسين بن إسحاق التسْتري قالا: حدثنا هشام ابن عمار قال: حدثنا إسماعيل بن عياش قال: أخبرني محمد بن زياد الألهاني قال: سمعت أبا أمامة فذكره.
وأما ضعفه فإنما هو في غير حديث الشاميين، وهذا من روايته عن الشاميين، وأيضًا فقد جاء من غير طريقه، ثم ذكره من طريق أبي اليمان الهوزني الآتي:(1/97)
- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص250): ثنا عصام بن خالد حدثني صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر الخبائري(1)[181] وأبي اليمان الهوزني عن أبي أمامة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((إنّ الله عزّ وجلّ وعدني أن يدخل من أمّتي الجنّة سبعين ألفًا بغير حساب)) فقال يزيد بن الأخنس السّلميّ: والله ما أولئك في أمّتك إلاّ كالذباب الأصهب في الذّبّان. فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((كان ربّي عزّ وجلّ قد وعدني سبعين ألفًا مع كلّ ألف سبعون ألفًا، وزادني ثلاث حثيات)) قال: فما سعة حوضك يا نبيّ الله؟ قال: ((كما بين عدن إلى عمان وأوسع وأوسع -يشير بيده- قال: فيه مثعبان(2)[182] من ذهب وفضّة)) قال: فما حوضك يا نبيّ الله؟ قال: ((أشدّ بياضًا من اللّبن وأحلى مذاقةً من العسل وأطيب رائحةً من المسك، من شرب منه لم يظمأ بعدها ولم يسودّ وجهه أبدًا)).
قال عبدالله: وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده وقد ضرب عليه، فظننت أنه قد ضرب عليه لأنه خطأ، إنما هو عن زيد عن أبي سلام عن أبي أمامة.
قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره": وهذا أيضًا إسناد حسن. وقال الحافظ الهيثمي (ج10 ص363): رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد وبعض أسانيد الطبراني رجال الصحيح.
فائدة: أبواليمان الهوزني، لم يذكر الحافظ في "تعجيل المنفعة" راويًا عنه سوى صفوان بن عمرو، وقال الحافظ الذهبي في "الميزان": عامر بن عبدالله ابن يحيي أبواليمان الهوزني عن أبي أمامة، ما علمت له راويًا سوى صفوان ابن عمرو، وثقه ابن حبان. اهـ
أقول: وقاعدة ابن حبان معروفة أنه يوثق المجهولين كما ذكره الحافظ في مقدمة "لسان الميزان"، والحافظ ابن عبدالهادي في "الصارم المنكي" ص(84 -85)، وذكر أمثلة لمن يوثقه ابن حبان ثم يقول: لا أدري من هو.(1/98)
ولا تضر الحديث جهالة أبي اليمان لأنه مقرون ومتابع كما في "مسند أحمد". وأخرجه الطبراني في "الكبير" (ج8 ص181) فقال: حدثنا بكر بن سهل ثنا عبدالله بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن سليم بن عامر عن أبي أمامة عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وذكر الحديث.
82- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص16): ثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء ابن يسار عن رفاعة الجهني قال: أقبلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم حتّى إذا كنّا بالكديد -أو قال: بقديد- فجعل رجال منّا يستأذنون إلى أهليهم فيأذن لهم، فقام رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: ((ما بال رجال يكون شقّ الشّجرة الّتي تلي رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أبغض إليهم من الشّقّ الآخر فلم نر عند ذلك من القوم إلاّ باكيًا)) فقال رجل(1)[183]: إنّ الّذي يستأذنك بعد هذا لسفيه. فحمد الله وقال حينئذ: ((أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله صدقًا من قلبه، ثمّ يسدّد إلاّ سلك في الجنّة)). قال: ((وقد وعدني ربّي عزّ وجلّ أن يدخل من أمّتي سبعين ألفًا لا حساب عليهم ولا عذاب، وإنّي لأرجو أن لا يدخلوها حتّى تبوّءوا أنتم ومن صلح من آبائكم وأزواجكم وذرّيّاتكم مساكن في الجنّة)). وقال: ((إذا مضى نصف اللّيل -أو قال: ثلثا اللّيل- ينْزل(2)[184] الله عزّ وجلّ إلى السّماء الدّنيا فيقول: لا أسأل عن عبادي أحدًا غيري، من ذا يستغفرني فأغفر له؟ من الّذي يدعوني أستجيب له؟ من ذا الّذي يسألني أعطيه؟ حتّى ينفجر الصّبح)).(1/99)
الحديث أخرجه الطيالسي (ج1 ص27) من "ترتيب المسند"، وابن خزيمة ص(132)، وابن المبارك في "الزهد" ص(548)، ويعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (ج1 ص318)، وابن حبان (ج1 ص253) من "ترتيب الصحيح"، والطبراني في "الكبير" (ج5 ص43).
والحديث على شرط الشيخين، ويحيى بن أبي كثير وإن كان مدلسًا فقد صرّح بالتحديث عند أحمد في بعض الطرق، وعند ابن خزيمة، ويعقوب الفسوي، وهذا الحديث من الأحاديث التي ألزم الدارقطنيّ البخاريّ ومسلمًا أن يخرجاها.
وقال الحافظ ابن كثير في "النهاية" (ج2 ص108): قال الحافظ الضياء: هذا عندي على شرط الصحيح.
83- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص359): حدثنا يحيى بن أبي بكير ثنا زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنّه قال: ((سألت ربّي عزّ وجلّ فوعدني أن يدخل من أمّتي سبعين ألفًا على صورة القمر ليلة البدر، فاستزدت فزادني مع كلّ ألف سبعين ألفًا، فقلت: أي ربّ إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمّتي. قال: إذن أكملهم لك من الأعراب)).
الحديث رجاله رجال الصحيح، وفي زهير بن محمد كلام إذا روى عنه أهل الشام، ويحيى بن أبي بكير كوفي ليس بشامي.
وقد رمز السيوطي في "الجامع الصغير" لحسنه، وقال المناوي: قال ابن حجر: سنده جيد.(1/100)
- قال الآجري رحمه الله في "الشريعة" ص(343): أخبرنا أبوجعفر محمد بن صالح بن ذريح قال: حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا أبومعاوية عن إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((سألت الله عزّ وجلّ الشّفاعة لأمّتي، فقال: لك سبعون ألفًا يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عذاب. قال: قلت: ربّ زدني. قال: فحثا(1)[185] بين يديه وعن يمينه وعن شماله)) فقال أبوبكر رضي الله عنه: حسبنا يا رسول الله. فقال عمر رضي الله عنه: يا أبا بكر دعْ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يكثر لنا كما أكثر الله عزّ وجلّ. فقال أبوبكر: إنّما نحن حفنة من حفنات الله عزّ وجلّ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((صدق أبوبكر)).
الحديث في سنده إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة، وقد قال البخاري: تركوه. ونهى أحمد عن حديثه، وقال الجوزجاني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا تحلّ الرواية عندي عن إسحاق بن أبي فروة. وقال أبوزرعة وغيره: متروك. اهـ من "الميزان".
فالحديث بهذا السند ضعيف جدًا.
84- قال الطبراني رحمه الله في "المعجم الكبير" (ج2 ص87 رقم1413): حدثنا عمرو بن إسحاق بن زبريق الحمصي ثنا محمد بن إسماعيل الحمصي حدثني أبي عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((إنّ ربّي عزّ وجلّ وعدني من أمّتي سبعين ألفًا لا يحاسبون مع كلّ ألف سبعون(2)[186] ألفًا)).(1/101)
الحديث في سنده محمد بن إسماعيل بن عيّاش وقد قال الحافظ في "التقريب": عابوا عليه أنّه حدث عن أبيه بغير سماع، وعمرو بن إسحاق بن زبريق لم أطلع على ترجمته بعد البحث في المصادر لديّ ولكن لا يضر الحديث محمد بن إسماعيل، وجهالتي لعمرو بن إسحاق لأنّه قد رواه أحمد (ج5 ص280) من طريق أبي اليمان ثنا إسماعيل بن عياش به، إلا أنه لم يذكر فيه شيخ شريح وهو أبوأسماء، وقد قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (ج1 ص392): لعل ذكر أبي أسماء هو المحفوظ، والله أعلم. اهـ
والحديث لم يتكلم عليه الهيثمي في "المجمع" (ج10 ص407) بشيء ولم يزد على أن عزاه لأحمد والطبراني.
85- قال الإمام أحمد بن عبدالله أبونعيم الأصبهاني رحمه الله تعالى في "الحلية" (ج2 ص344): حدثنا محمد بن أحمد بن مخلد قال: ثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي(1)[187] قال: ثنا سليمان بن حرب قال: ثنا أبوهلال عن قتادة عن أنس عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((وعدني ربّي عزّ وجلّ أن يدخل من أمّتي الجنّة مائة ألف)) فقال أبوبكر رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله زدْنا. قال: ((وهكذا)) -وأشار سليمان بن حرب بيده كذلك- قال: يا رسول الله زدْنا. فقال عمر: إنّ الله عزّ وجلّ قادر أنْ يدخل النّاس الجنّة بحفنة واحدة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((صدق عمر)).
هذا حديث غريب من حديث قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه، تفرد به أبوهلال، واسمه محمد بن سليم الراسبي ثقة(2)[188] بصري.
أما رجال الإسناد: فشيخ أبي نعيم الظاهر أنّه وقع فيه تصحيف، وأنه محمد بن أحمد بن مخزوم، فقد ذكروا من شيوخه إبراهيم بن الهيثم، وقد ضعّف، وقيل: كان يكذب، كما في "الميزان".
وإبراهيم بن الهيثم: ثقة تكلم فيه بكلام غير مؤثر كما في "الميزان" و"اللسان".
وبقية رجال السند من رجال "التقريب".(1/102)
ثم وجدت الحديث في "مسند أحمد" (ج3 ص193) من حديث بهز وهو ابن أسد عن أبي هلال عن قتادة عن أنس، فالحديث حسن لغيره، والحمد لله.
- قال الإمام أبوبكر أحمد بن الحسين البيهقي في "الأسماء والصفات" ص(329): أخبرنا أبوالحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبدالرزاق أنا معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّ الله عزّ وجلّ وعدني أنْ يدخل الجنّة من أمّتي أربعمائة ألف)) فقال أبوبكر: زدْنا يا رسول الله. قال: ((وهكذا -وجمع يديه-)) قال: زدنا يا رسول الله. قال: ((وهكذا)) فقال عمر رضي الله عنه: حسبك. فقال أبوبكر رضي الله عنه: دعْني يا عمر وما عليك أنْ يدخلنا الجنّة كلّنا؟ فقال عمر رضي الله عنه: إن شاء أدخل خلقه الجنّة بكف واحدة. فقال صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((صدق عمر)).
ورواه خلف بن هشام عن عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس أو عن النضر بن أنس عن أنس رضي الله عنه بالشك، أخبرناه أبوعبدالله الحافظ ثنا أبوالعباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق ثنا خلف ثنا عبدالرزاق فذكره.
ورواه معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة، مرّةً عن أبي بكر بن عمير عن أبيه ومرةً عن أبي بكر بن أنس عن أبي بكر بن عمير عن أبي عمير وقال: فقال عمر رضي الله عنه: إنّ الله تبارك وتعالى إن شاء أدخل النّاس الجنّة جملةً واحدةً. وقال في ابتدائه فقال: عمير، بدل: أبي بكر.
الحديث قال الحافظ ابن كثير (ج1 ص394): قال عبدالرزاق: أنبأنا معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس، وذكر الحديث، ثم قال: هذا الحديث بهذا الإسناد تفرد به عبدالرزاق.
قلت: وهو على شرط الشيخين.(1/103)
وقد أخرجه أحمد في "مسنده" (ج3 ص165) بهذا السند، وفيه الشك كما في حديث خلف عند البيهقي، أهو عن معمر عن قتادة عن أنس -أو عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس- ولا يضر هذا الاختلاف لأن قتادة قد سمع من أنس، وإن كان مدلّسًا فالحديث في الشواهد والمتابعات. وأما رواية معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة فسيأتي الكلام عليها إن شاء الله.
86- قال الطبراني رحمه الله في الكبير(ج17 ص64): حدثنا محمد بن صالح ابن الوليد النرسي ومحمد بن يحيى بن مندة الأصبهاني قالا: ثنا أبوحفص بن علي(1)[189] ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أبي بكر بن عمير عن أبيه عن النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((إنّ الله تعالى وعدني أنّ يدخل من أمّتي ثلاثمائة ألف الجنّة)) فقال عمير: يا نبيّ الله زدْنا. فقال عمر: حسبك يا عمير. فقال: ما لنا ولك يا ابن الخطّاب، وما عليك أن يدخلنا الله الجنّة؟ فقال عمر: إنّ الله جلّ وعزّ إنْ شاء أدخل النّاس الجنّة بحفنة أو بحثية واحدة. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((صدق عمر)).
الحديث ضعيف لأن في سنده أبا بكر بن عمير، قال الحافظ في "الإصابة" (ج3 ص38): لا أعرف من وثّقه.
قال أبوعبدالرحمن: وقد ذكره البخاريّ في "التاريخ الكبير" في (الكنى) وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، ولم يذكرا راويًا عنه سوى أبي بكر بن أنس، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً فهو مجهول العين، ثم إن الحافظ في "الإصابة" ذكر أن معمرًا قد خالف هشام بن أبي عبدالله الدستوائي فرواه معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس كما في "الإصابة"، وأيضًا معاذ ابن هشام كان لا يذكر في أول أمره أبا بكر بن أنس، وفي آخر أمره كان يزيده. اهـ مختصرًا من "الإصابة" بتصرف.
والحاصل أن هذا الحديث ضعيف لجهالة أبي بكر بن عمير، والله أعلم.
فصل في شفاعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رفع درجات بعض من يدخل الجنة فوق ما كان يقتضيه عمله(1/104)
87- قال البخاري رحمه الله (ج8 ص41): حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبوأسامة عن بريد بن عبدالله عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: لمّا فرغ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصّمّة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه، قال أبوموسى: وبعثني مع أبي عامر فرمي أبوعامر في ركبته رماه جشميّ بسهم فأثبته في ركبته، فانتهيت إليه فقلت: يا عمّ من رماك. فأشار إلى أبي موسى فقال: ذاك قاتلي الّذي رماني. فقصدت له فلحقته فلمّا رآني ولّى فاتّبعته وجعلت أقول له: ألا تستحيي ألا تثبت. فكفّ فاختلفنا ضربتين بالسّيف فقتلته، ثمّ قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك. قال: فانزعْ هذا السّهم. فنزعته فنزا(1)[190] منه الماء قال: يا ابن أخي أقرئ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم السّلام وقل له: استغفر لي. واستخلفني أبوعامر على النّاس فمكث يسيرًا ثمّ مات، فرجعت فدخلت على النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في بيته على سرير مرمّل(2)[191]، وعليه فراش قد أثّر رمال السّرير بظهره وجنبه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقال: قل له: استغفر لي. فدعا بماء فتوضّأ ثمّ رفع يديه فقال: ((اللّهمّ اغفر لعبيد أبي عامر)) ورأيت بياض إبطيه ثمّ قال: ((اللّهمّ اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من النّاس)) فقلت: ولي فاستغفر. فقال: ((اللهمّ اغفر لعبدالله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريمًا)) قال أبوبردة: إحداهما لأبي عامر والأخرى لأبي موسى.
الحديث أخرجه مسلم.(1/105)
88- قال مسلم رحمه الله (ج2 ص634): حدثني زهير بن حرب حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا أبوإسحاق الفزاري(1)[192] عن خالد الحذّاء عن أبي قلابة عن قبيصة بن ذؤيب عن أم سلمة قالت: دخل رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم على أبي سلمة وقد شقّ بصره فأغمضه ثمّ قال: ((إنّ الرّوح إذا قبض تبعه البصر)) فضجّ ناس من أهله فقال: ((لا تدعوا على أنفسكم إلاّ بخير فإنّ الملائكة يؤمّنون على ما تقولون)) ثمّ قال: ((اللّهمّ اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديّين، واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا ربّ العالمين، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه)).
الحديث أخرجه أحمد (ج6 ص297).
فصل في شفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمه أبي طالب في تخفيف العذاب عنه
89- قال البخاري رحمه الله (ج7 ص193): حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثنا عبدالملك حدثنا عبدالله بن الحارث حدثنا العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه قال للنّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ما أغنيت عن عمّك فإنّه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: ((هو في ضحضاح(2)[193] من نار، ولولا أنا لكان في الدّرك الأسفل من النّار)).
الحديث أخرجه البخاري (ج10 ص592) و(ج11 ص419)، ومسلم (ج1 ص194-195)، وأحمد (ج1 ص206، 207، 210).
90- قال البخاري رحمه الله (ج7 ص193): حدثنا عبدالله بن يوسف حدثنا الليث حدثني ابن الهاد عن عبدالله بن خباب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وذكر عنده عمّه فقال: ((لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النّار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه)).
الحديث أخرجه البخاري أيضًا (ج11 ص417)، ومسلم (ج1 ص195)، وأحمد (ج3 ص8-9).
هذان الحديثان يدلان على أنّ أبا طالب مات كافرًا، إذ لو كان مسلمًا لخرج من النّار مع الموحدين كما تواترت الأحاديث بخروج الموحدين من النار، وسيأتي إن شاء الله بعض الأحاديث في ذلك.(1/106)
ويؤيد دلالة هذين الحديثين على عدم إسلام أبي طالب ما رواه البخاري في "صحيحه" (ج3 ص465) -طبعة حلبية مع "الفتح"- فقال البخاري رحمه الله: حدثنا إسحاق أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثني أبي عن صالح عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه أنّه أخبره أنّه لمّا حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبدالله بن أبي أميّة بن المغيرة، قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لأبي طالب: ((يا عمّ قل: لا إله إلاّ الله كلمةً أشهد لك بها عند الله)) فقال أبوجهل وعبدالله بن أبي أميّة: يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبدالمطّلب. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتّى قال أبوطالب آخر ما كلّمهم: هو على ملّة عبدالمطّلب. وأبى أن يقول: لا إله إلاّ الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أما والله لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك)) فأنزل الله تعالى فيه: {ما كان للنّبيّ} الآية.
الحديث أخرجه في مواضع في "صحيحه" منها (ج8 ص194) وفيه: فنزلتْ: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أنْ يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم}، ونزلت: {إنّك لا تهدي من أحببْت}، و(ج9 ص411) و(ج10 ص124)، وأخرجه مسلم (ج1 ص214)، والنسائي (ج4 ص74)، وأحمد (ج5 ص433)، وابن جرير (ج11 ص41).
وما أخرجه مسلم في "صحيحه" (ج1 ص216) مع النووي، فقال رحمه الله: حدثنا محمد بن عباد وابن أبي عمر قالا: حدثنا مروان عن يزيد وهو ابن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لعمّه عند الموت: ((قل لا إله إلاّ الله أشهد لك بها يوم القيامة)) فأبى فأنزل الله {إنّك لا تهدي من أحببت} الآية.(1/107)
وأخرجه من طريق آخر ينتهي إلى يزيد بن كيسان، وفيه قال: لولا أنْ تعيرني قريش يقولون: إنّما حمله على ذلك الجزع، لأقررت بها عينك، فأنزل الله الآية.
الحديث أخرجه الترمذي (ج4 ص159) مع "التحفة" طبعة هندية، وأحمد (ج2 ص441)، وابن جرير (ج20 ص91)، والبيهقي في "شعب الإيمان" ص(54)، وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن كيسان.
وما أخرجه أبوداود في "سننه" (ج3 ص547) فقال رحمه الله: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني أبوإسحاق عن ناجية بن كعب عن علي عليه السّلام قال: قلت للنّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: إنّ عمّك الشّيخ الضّالّ قد مات. قال: ((اذهب فوار أباك ثمّ لا تحدثنّ شيئًا حتّى تأتيني)) فذهبت فواريته وجئته فأمرني فاغتسلت ودعا لي.
الحديث أخرجه النسائي (ج1 ص92) و(ج4 ص65)، وابن أبي شيبة (ج3 ص269)، وابن الجارود ص(192)، وأحمد (ج1 ص97)، والبيهقي (ج3 ص398). وفيه عند النسائي (ج1 ص92)، وأحمد (ج1 ص97) وابن الجارود: أنّه مات مشركًا.
الحديث رجاله رجال الصحيح إلا ناجية بن كعب، وقد قال الحافظ الذهبي في "الميزان": توقف ابن حبّان في توثيقه وقوّاه غيره، وذكره يحيى ابن معين فقال: صالح الحديث، وقال ابن المديني : لا أعلم أحدًا حدّث عن ناجية بن كعب سوى ابن(1)[194] إسحاق.
قال الذهبي رحمه الله متعقبًا كلام ابن المديني: قلت: بلى، وولده يونس ابن أبي إسحاق. وقال الجوزجاني في "الضعفاء": مذموم. وقال أبوحاتم: شيخ. اهـ
قال أبوعبدالرحمن: الظاهر أن حديثه لا ينْزل عن الحسن، وأما الحافظ إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني فهو شديد التحامل على أصحاب علي رضي الله عنه.
وللحديث طريق آخر يرتقي به إلى الصحة.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص103): ثنا إبراهيم بن أبي العباس ثنا الحسن بن يزيد الأصم قال: سمعت السّدي إسماعيل يذكره عن أبي عبدالرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه، وذكر الحديث.(1/108)
وقال عبدالله بن أحمد رحمه الله في "زوائد المسند" (ج1 ص129): ثنا زكريا بن يحيى زحمويه وثنا محمد بن بكار، وثنا إسماعيل أبومعمر وسريج ابن يونس قالوا: ثنا الحسن بن يزيد(1)[195] الأصم به.
وقال البخاري رحمه الله (ج3 ص450): حدثنا أصبغ قال: أخبرني ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنّه قال: يا رسول الله أين(2)[196] تنْزل في دارك بمكّة؟ فقال: ((وهل ترك عقيل من رباع أو دور؟)) وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرثه جعفر ولا عليّ رضي الله عنهما شيئًا لأنّهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين.
الحديث أخرجه مسلم (ج2 ص984).
وجه الاستدلال بهذا الحديث أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم)) أخرجه الستة من حديث أسامة بن زيد، فعليّ وجعفر لكونهما مسلمين لم يرثا أبا طالب لأنه مات كافرًا، ولا يرث المسلم الكافر، والله أعلم.
وإن كنت تريد المزيد من الردود على شبهات الشيعة حول إسلام أبي طالب، فراجع "الإصابة" (ج4 ص115)، و"المواهب في الرد على من يقول بإسلام أبي طالب" لأخينا الفاضل الشيخ أبي عبدالله قاسم التعزي فإنه أجاد وأفاد حفظه الله.
91- قال الإمام الخطيب في "التاريخ" (ج3 ص380): أنبأنا أبونعيم حدثنا محمد بن فارس قال حدثني خطاب بن عبدالدائم الأرسوفي بها حدثنا يحيى ابن المبارك عن شريك عن منصور عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((شفّعت في هؤلاء النّفر: في أبي وعمّي أبي طالب وأخي من الرّضاعة -يعني ابن السّعدية- ليكونوا من بعد البعث هباءً)).
ثم ذكر أنه باطل بهذا الإسناد.(1/109)
خطّاب: هو ابن عبدالدائم وهو ضعيف يعرف برواية المناكير عن يحيى ابن المبارك الشامي الصنعاني وهو مجهول. ثم قال: وقال فيه: عن منصور عن ليث ومنصور بن المعتمر لا يروي عن ليث بن أبي سليم(1)[197]. اهـ
وفيه أيضًا محمد بن فارس رافضي غال ضعيف الحديث. فالحديث ضعيف وهو موافق لبدعته أيضًا.
فصل
92- قال الخطيب البغدادي في "التاريخ" (ج2 ص412): أخبرنا علي بن أبي علي البصري أخبرنا محمد بن المظفر الحافظ -لفظًا- حدثنا أبوجعفر محمد بن سهل بن محمد بن أحمد بن سعيد الجمال حدثنا أبوالحسن محمد بن معاذ بن عيسى بن ضرار بن أسلم بن عبدالله بن جبير بن أسد بن هاشم بن عبدمناف حدثني أبي حدثنا إبراهيم بن هراسة عن سفيان الثوري عن أبيه عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت: أتى العبّاس بن عبدالمطلب رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: يا رسول الله إنّا لنعرف الضّغائن في أناس من قومنا من وقائع أوقعناها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أما والله إنّهم لا يبلغون خيرًا حتى يحبّوكم لقرابتي))، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((ترجو سلهب شفاعتي ولا يرجوها بنو عبدالمطّلب؟)).
لا أعلم ذكر فيه عائشة ومسروقًا عن الثوري غير ابن هراسة والمحفوظ عن أبي الضحى عن ابن عباس.
كذلك أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق أخبرنا أبوسهل أحمد بن محمد بن عبدالله القطان حدثنا محمد بن غالب بن حرب حدثنا أبوحذيفة حدثنا سفيان الثوري عن أبيه عن أبي الضحى عن ابن عباس قال: جاء العبّاس إلى النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقال: إنّك قد تركت فينا ضغائن منذ صنعت الّذي صنعت. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لا يبلغوا الخير -أو قال: الإيمان- حتّى يحبّوكم لله ولقرابتي، أترجو سلهم -حيّ من مراد- شفاعتي ولا يرجو بنو عبدالمطّلب شفاعتي؟)).
رواه أبونعيم عن الثوري فأرسله ولم يذكر فيه ابن عباس. اهـ كلام الخطيب.(1/110)
قال أبوعبدالرحمن: الراوي له في الطريق الأولى عن الثوري إبراهيم بن هراسة وهو متروك كما في "اللسان".
والراجح فيه الإرسال.
فصل في الشفاعة في خروج الموحدين من النار
الأحاديث الدالة على خروج الموحدين من النّار متواترة، وقد تقدم بعض الأحاديث الدالة على ذلك، منها: حديث أنس بن مالك رقم (2)، وحديثه أيضًا رقم (3)، وحديث أبي بكر رقم (5)، وحديث ابن عباس رقم (6)، وحديث أنس رقم (32)، وحديث ابن عباس رقم (33)، وأحاديث أخر، والأحاديث الآتية إن شاء الله.(1/111)
93- قال البخاري رحمه الله (ج2 ص292): حدثنا أبواليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبرهما أنّ النّاس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال: ((هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟)) قالوا: لا يا رسول الله. قال: ((فهل تمارون في الشّمس ليس دونها سحاب؟)) قالوا: لا. قال: ((فإنّكم ترونه كذلك، يحشر النّاس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئًا فليتّبع. فمنهم من يتّبع الشّمس، ومنهم من يتّبع القمر، ومنهم من يتّبع الطّواغيت، وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا، فإذا جاء ربّنا عرفْناه. فيأتيهم الله فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا. فيدعوهم فيضرب الصّراط بين ظهراني جهنّم، فأكون أوّل من يجوز من الرّسل بأمّته، ولا يتكلّم يومئذ أحد إلاّ الرّسل، وكلام الرّسل يومئذ: اللّهمّ سلّم سلّم. وفي جهنّم كلاليب مثل شوك السّعدان، هل رأيتم شوك السّعدان؟)) قالوا: نعم. قال: ((فإنّها مثل شوك السّعدان غير أنّه لا يعلم قدر عظمها إلاّ الله، تخطف النّاس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله ومنهم من يخردل ثمّ ينجو، حتّى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النّار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السّجود، وحرّم الله على النّار أن تأكل أثر السّجود(1)[198]، فيخرجون من النّار، فكلّ ابن آدم تأكله النّار إلاّ أثر السّجود، فيخرجون من النّار قد امتحشوا(2)[199] فيصبّ عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبّة في حميل السّيل، ثمّ يفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل بين الجنّة والنّار وهو آخر أهل النّار دخولاً الجنّة مقبل بوجهه قبل النّار، فيقول: يا ربّ اصرفْ وجهي عن النّار قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها. فيقول: هل عسيت إن فعل ذلك بك أن(1/112)
تسأل غير ذلك؟ فيقول: لا وعزّتك. فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق فيصرف الله وجهه عن النّار، فإذا أقبل به على الجنّة رأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثمّ قال: يا ربّ قدّمني عند باب الجنّة. فيقول الله له: أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الّذي كنت سألت؟ فيقول: يا ربّ لا أكون أشقى خلقك. فيقول: فما عسيت إن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره؟ فيقول: لا وعزّتك لا أسأل غير ذلك. فيعطي ربّه ما شاء من عهد وميثاق فيقدّمه إلى باب الجنّة، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النّضرة والسّرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول: يا ربّ أدخلني الجنّة. فيقول الله: ويحك يا ابن آدم ما أغدرك أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الّذي أعطيت. فيقول: يا ربّ لا تجعلني أشقى خلقك. فيضحك الله عزّ وجلّ منه، ثمّ يأذن له في دخول الجنّة فيقول: تمنّ. فيتمنّى حتّى إذا انقطع أمنيّته قال الله عزّ وجلّ: من كذا وكذا. أقبل يذكّره ربّه، حتّى إذا انتهت به الأمانيّ قال الله تعالى: لك ذلك ومثله معه)) قال أبوسعيد الخدريّ لأبي هريرة رضي الله عنهما: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((قال الله لك ذلك وعشرة أمثاله)) قال أبوهريرة: لم أحفظ من رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إلاّ قوله: ((لك ذلك ومثله معه)). قال أبوسعيد: إنّي سمعته يقول: ((ذلك لك وعشرة أمثاله)).
الحديث أخرجه البخاري أيضًا (ج11 ص444) و(ج13 ص419)، ومسلم (ج1 ص163-164)، والنسائي (ج2 ص181) مختصرًا، وأحمد (ج2 ص275، 293)، وأبوعوانة (ج1 ص159-160)، وعبدالرزاق (ج11 ص407).(1/113)
94- قال البخاري رحمه الله (ج13 ص420): حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد(1)[200] عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال: ((هل تضارون في رؤية الشّمس والقمر إذا كانت صحوًا؟)) قلنا: لا. قال: ((فإنّكم لا تضارون في رؤية ربّكم يومئذ إلاّ كما تضارون في رؤيتهما، -ثمّ قال:- ينادي مناد: ليذهب كلّ قوم إلى ما كانوا يعبدون. فيذهب أصحاب الصّليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كلّ آلهة مع آلهتهم، حتّى يبقى من كان يعبد الله من برّ أو فاجر وغبّرات من أهل الكتاب، ثمّ يؤتى بجهنّم تعرض كأنّها سراب فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنّا نعبد عزيرًا ابن الله. فيقال: كذبتم لم يكنْ لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا. فيقال: اشربوا. فيتساقطون في جهنّم، ثمّ يقال للنّصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنّا نعبد المسيح ابن الله. فيقال: كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا. فيقال: اشربوا. فيتساقطون في جهنّم، حتّى يبقى من كان يعبد الله من برّ أو فاجر فيقال: لهم ما يحبسكم وقد ذهب النّاس؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منّا إليه(2)[201] اليوم، وإنّا سمعنا مناديًا ينادي: ليلحق كلّ قوم بما كانوا يعبدون، وإنّما ننتظر ربّنا. قال: فيأتيهم الجبّار في صورة غير صورته الّتي رأوه فيها أوّل مرّة. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا. فلا يكلّمه إلاّ الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: السّاق. فيكشف عن ساقه فيسجد له كلّ مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياءً وسمعةً فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا، ثمّ يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنّم)) قلنا: يا رسول الله وما الجسر؟ قال: ((مدحضة مزلّة عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة(3)[202] لها شوكة(1/114)
عقيفاء تكون بنجد يقال لها السّعدان، المؤمن عليها كالطّرف وكالبرق وكالرّيح وكأجاويد الخيل والرّكاب فناج مسلّم، وناج مخدوش، ومكدوس في نار جهنّم، حتّى يمرّ آخرهم يسحب سحبًا، فما أنتم بأشدّ لي مناشدةً في الحقّ قد تبيّن لكم من المؤمن يومئذ للجبّار، وإذا رأوا أنّهم قد نجوا(1)[203] في إخوانهم يقولون: ربّنا إخواننا الّذين كانوا يصلّون معنا، ويصومون معنا ويعملون معنا. فيقول الله تعالى: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيْمان فأخرجوه. ويحرّم الله صورهم على النّار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النّار إلى قدمه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا ثمّ يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه. فيخرجون من عرفوا ثمّ يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرّة من إيمان فأخرجوه. فيخرجون من عرفوا)).
قال أبوسعيد: فإن لم تصدّقوني فاقرءوا { إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّة وإن تك حسنةً يضاعفها}.
((فيشفع النّبيّون والملائكة والمؤمنون، فيقول الجبّار: بقيت شفاعتي. فيقبض قبضةً من النّار فيخرج أقوامًا قد امتحشوا، فيلقون في نهر بأفواه الجنّة يقال له ماء الحياة، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبّة في حميل السّيل قد رأيتموها إلى جانب الصّخرة، وإلى جانب الشّجرة، فما كان إلى الشّمس منها كان أخضر، وما كان منها إلى الظّلّ كان أبيض، فيخرجون كأنّهم اللّؤلؤ فيجعل في رقابهم الخواتيم، فيدخلون الجنّة، فيقول أهل الجنّة: هؤلاء عتقاء الرّحمن، أدخلهم الجنّة بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه. فيقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه)).
الحديث أخرجه مسلم (ج1 ص167)، وأحمد (ج3 ص16)، وأبوعوانة (ج1 ص166، 181-182)، وابن خزيمة ص(307-308)، والطيالسي (ج2 ص222) من "ترتيب المسند".(1/115)
95- قال مسلم رحمه الله (ج1 ص172): وحدثني نصر بن علي الجهضمي حدثنا بشر -يعني ابن المفضل- عن أبي مسلمة(1)[204] عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أمّا أهل النّار الّذين هم أهلها فإنّهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النّار بذنوبهم -أو قال: بخطاياهم- فأماتهم الله إماتةً، حتّى إذا كانوا فحمًا أذن بالشّفاعة فجيء بهم ضبائر(2)[205] فبثّوا على أنْهار الجنّة، ثمّ قيل: يا أهل الجنّة أفيضوا عليهم. فينبتون نبات الحبّة تكون في حميل السّيل)) فقال رجل من القوم: كأنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قد كان بالبادية.
الحديث أخرجه ابن ماجة (ج2 ص1441)، وأحمد(ج3 ص78-79)، وابن خزيمة ص(279-280، 282، 283، 286)، والدارمي (ج2 ص331-332)، وأبوعوانة (ج1 ص186)، والآجري في "الشريعة" ص(145)، وحسين المروزي في "زوائد زهد ابن المبارك" ص(449).
- قال ابن خزيمة رحمه الله ص(283): حدثنا عبدالوارث بن عبدالصمد قال: حدثني أبي قال: ثنا حبان -يعني ابن علي- وقال: ثنا سليمان التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم خطب فأتى على هذه الآية: { منْ يأت ربّه مجرمًا فإنّ له جهنّم لا يموت فيها ولا يحيى، ومن يأته مؤمنًا قد عمل الصّالحات} يريد الآية كلّها، فقال النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أمّا أهلها الّذين هم أهلها فإنّهم لا يموتون ولا يحيون، وأمّا الّذين ليسوا من أهلها فإنّ النّار تميتهم إماتةً، ثمّ يقوم الشّفعاء فيشفعون، فيحصل ضبائر، فيؤتى بهم نهر(3)[206] يقال له: الحياة، أو الحيوان، فينبتون فيه كما تنبت الغثاء في حميل السّيل)).
الحديث رجاله رجال الصحيح إلا حبان بن علي وفيه كلام حاصله أنه يصلح في الشواهد والمتابعات، وهو هنا متابع تابعه معتمر بن سليمان وابن أبي عدي كما في "التوحيد" لابن خزيمة.(1/116)
- قال ابن خزيمة ص(282): حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا ابن أبي عدي عن سليمان التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أمّا أهل النّار الّذين هم أهلها فلا يموتون ولا يحيون، وأمّا من يريد الله بهم الرّحمة، فتميتهم النّار فيدخل عليهم الشّفعاء، فيأخذ الرّجل الضبارة(1)[207] فيبثهم على نهر الحياة -أو الحيوان أو الحيا، أو قال: نهر الجنّة- فينبتون نبات الحبّة في حميل السّيل))، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أو ما ترون الشّجرة تكون خضراء ثمّ تكون صفراء -أو قال: تكون صفراء ثمّ تكون خضراء)) فقال رجل: كأنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كان من أهل البادية.
الحديث أخرجه أحمد (ج3 ص5)، ورجاله رجال الصحيح.
- وقال ابن خزيمة أيضًا ص(283): حدثنا محمد بن عبدالأعلى قال: ثنا المعتمر عن أبيه قال: ثنا أبونضرة عن أبي سعيد الخدري قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم خطبةً أراه ذكر طولها، قال: ((أمّا أهل النّار الّذين هم أهلها لا يموتون ولا يحيون، وأمّا ناس يريد الله بهم الرّحمة فيميتهم فيدخل عليهم الشّفعاء فيحمل الرّجل منهم الضبارة فيبثهم -أو قال: فيبثّون- على نهر الحياة -أو قال: الحيوان أو نهر الحيا- فينبتون نبات الحبّة في حميل السّيل)) قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((ألم تروا إلى الشّجرة تكون خضراء، ثمّ تكون صفراء، ثمّ تكون خضراء)) قال: يقول القوم: كأنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كان بالبادية.
الحديث أيضًا رجاله رجال الصحيح.(1/117)
- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص11): ثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا محمد بن إسحاق قال: حدثني عبيدالله(1)[208] بن المغيرة بن معيقيب عن سليمان ابن عمرو بن عبد العتواري أحد بني(2)[209] ليث -وكان يتيمًا في حجر أبي سعيد- قال أبوعبدالرحمن: قال أبي: سليمان بن عمرو هو أبوالهيثم الذي يروي عن أبي سعيد قال: سمعت أبا سعيد يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((يوضع الصّراط بين ظهري(3)[210] جهنّم عليه حسك كحسك السّعدان، ثمّ يستجيز النّاس فناج مسلّم، ومجدوح به، ثمّ ناج ومحتبس به منكوس فيها، فإذا فرغ الله عزّ وجلّ من القضاء بين العباد يفقد المؤمنون رجالاً كانوا معهم في الدّنيا، يصلّون بصلاتهم ويزكّون بزكاتهم، ويصومون صيامهم، ويحجّون حجّهم، ويغزون غزوهم، فيقولون: أي ربّنا عباد من عبادك كانوا معنا في الدّنيا يصلّون صلاتنا، ويزكّون زكاتنا، ويصومون صيامنا، ويحجّون حجّنا، ويغزون غزونا، لا نراهم. فيقول: اذهبوا إلى النّار فمن وجدتم فيها منهم فأخرجوه. قال: فيجدونهم قد أخذتْهم النّار على قدر أعمالهم فمنهم من أخذته إلى قدميه، ومنهم من أخذته إلى نصف ساقيه، ومنهم من أخذته إلى ركبتيه، ومنهم من أزرته، ومنهم من أخذته إلى ثدييه، ومنهم من أخذته إلى عنقه ولم تغش الوجوه، فيستخرجونهم منها فيطرحون في ماء الحياة)) قيل: يا رسول الله وما الحياة؟ قال: ((غسل أهل الجنّة فينبتون نبات الزّرعة -وقال مرّة فيه: كما تنبت الزّرعة- في غثاء السّيل ثمّ يشفع الأنبياء في كلّ من كان يشهد أن لا إله إلاّ الله مخلصًا، فيخرجونهم منها، قال: ثمّ يتحنّن الله برحمته على من فيها، فما يترك فيها عبدًا في قلبه مثقال حبّة من إيمان إلاّ أخرجه منها)).(1/118)
الحديث أخرجه ابن خزيمة ص(325)، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (ج2 ص116)، وحسين المروزي في "زوائد الزهد لابن المبارك" ص(448)، والحاكم (ج4 ص585) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
كذا قال ولم يتعقبه الذهبي والحديث ليس على شرط مسلم فأبوالهيثم وعبيدالله بن المغيرة وابن إسحاق ثلاثتهم ليسوا من رجال مسلم، وما روى مسلم لابن إسحاق إلا قدر خمسة أحاديث في الشواهد والمتابعات، كما في "الميزان". والحديث بهذا السند حسن.
96- قال ابن حبان رحمه الله كما في "موارد الظمآن" ص(646): أخبرنا محمد بن الحسين(1)[211] بن مكرم حدثنا عبدالله بن عمر بن محمد بن أبان بن صالح حدثنا أبوأسامة عن أبي روق حدثنا صالح بن أبي طريف، قال: قلت لأبي سعيد الخدري: أسمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول في هذه الآية: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسْلمين}؟ فقال: نعم، سمعته يقول: ((يخرج الله أناسًا من المؤمنين من النّار بعد ما يأخذ نقمته منهم، قال: لمّا أدخلهم الله النّار مع المشركين قال المشركون: أليس كنتم تزعمون في الدّنيا أنّكم أولياؤه؟ فما لكم معنا في النّار؟ فإذا سمع الله ذلك منهم أذن في الشّفاعة فتشفع لهم الملائكة والنّبيون حتّى يخرجوا بإذن الله، فلمّا أخرجوا قالوا: يا ليتنا كنّا مثلهم فتدركنا الشّفاعة فنخرج من النّار. فذلك قول الله: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسْلمين} قال: فيسمّون الجهنّميين من أجل سواد في وجوههم، فيقولون: ربّنا أذهبْ عنّا هذا الاسم، فيغتسلون في نهر في الجنّة، فيذهب ذلك منهم(2)[212])).
الحديث أخرجه الطبراني كما في "تفسير ابن كثير" (ج2 ص546)، وفي "موارد الظمآن": صالح بن أبي طريف، وفي "تفسير ابن كثير": صالح ابن أبي شريف، وكلاهما لم أقف له على ترجمة(3)[213].(1/119)
97- قال البخاري رحمه الله (ج11 ص416): حدثنا أبوالنعمان(1)[214] حدثنا حماد عن عمرو عن جابر رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يخرج من النّار بالشّفاعة كأنّهم الثّعارير(2)[215])) قلت: ما الثّعارير؟ قال: الضّغابيس. وكان قد سقط فمه. فقلت لعمرو بن دينار: أبا محمّد سمعت جابر بن عبدالله يقول: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((يخرج بالشّفاعة من النّار))؟ قال: نعم.
الحديث أخرجه مسلم (ج1 ص178)، ويعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (ج2 ص212-213)، والطيالسي في "المسند" (ج2 ص229) من "ترتيب المسند".
98- قال مسلم رحمه الله (ج1 ص177): حدثني عبيدالله بن سعيد وإسحاق بن منصور كلاهما عن روح قال عبيدالله: حدثنا روح بن عبادة القيسي حدثنا ابن جريج قال: أخبرني أبوالزبير أنه سمع جابر بن عبدالله يسأل عن الورود، فقال: نجيء نحن يوم القيامة عن (كذا وكذا انظر أيّ ذلك فوق النّاس)(3)[216] قال: فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأوّل فالأوّل ثمّ يأتينا ربّنا بعد ذلك، فيقول: من تنظرون؟ فيقولون: ننظر ربّنا. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: حتّى ننظر إليك. فيتجلّى لهم يضحك، قال: فينطلق بهم ويتّبعونه، ويعطى كلّ إنسان منهم منافق أو مؤمن نورًا، ثمّ يتّبعونه وعلى جسر جهنّم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله، ثمّ يطفأ نور المنافقين، ثمّ ينجو المؤمنون، فتنجو أوّل زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفًا لا يحاسبون، ثمّ الّذين يلونهم كأضوإ نجم في السّماء، ثمّ كذلك، ثمّ تحلّ الشّفاعة ويشفعون حتّى يخرج من النّار من قال لا إله إلاّ الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرةً، فيجعلون بفناء الجنّة ويجعل أهل الجنّة يرشّون عليهم الماء، حتّى ينبتوا نبات الشّيء في السّيل، ويذهب حراقه ثمّ يسأل حتّى تجعل له الدّنيا وعشرة أمثالها معها.
الحديث أخرجه أحمد (ج3 ص283).(1/120)
99- وقال مسلم رحمه الله (ج1 ص179): وحدثنا حجاج بن الشّاعر حدثنا الفضل بن دكين حدثنا أبوعاصم -يعني محمد بن أبي أيوب- قال: حدثني يزيد الفقير قال: كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحجّ، ثم نخرج على النّاس، قال: فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبدالله يحدّث القوم جالس إلى سارية عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: فإذا هو قد ذكر الجهنّميّين، قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله ما هذا الّذي تحدّثون والله يقول: {إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته} و{كلّما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا} فما هذا الّذي تقولون؟ قال: فقال: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم. قال: فهل سمعت بمقام محمّد عليه السّلام -يعني الّذي يبعثه الله فيه-؟ قلت: نعم. قال: فإنّه مقام محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم المحمود الّذي يخرج الله به من يخرج. قال: ثمّ نعت وضع الصّراط ومرّ النّاس عليه، قال: وأخاف أن لا أكون أحفظ ذاك، قال: غير أنّه قد زعم أنّ قومًا يخرجون من النّار بعد أن يكونوا فيها، قال: يعني فيخرجون كأنّهم عيدان السّماسم، قال: فيدخلون نهرًا من أنْهار الجنّة، فيغتسلون فيه، فيخرجون كأنّهم القراطيس، فرجعنا قلنا: ويحكم أترون الشّيخ يكذب على رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ فرجعنا فلا والله ما خرج منّا غير رجل واحد -أو كما قال أبونعيم-.
الحديث أخرجه أبوعوانة (ج1 ص180)، وفي آخره: وقال عبدالواحد ابن سليم (وهو أحد رجال السند عند أبي عوانة) في آخر حديثه: قال جابر: الشّفاعة بيّنة في كتاب الله {ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلّين، ولم نك نطعم المسكين، وكنّا نخوض مع الخائضين، وكنّا نكذّب بيوم الدّين، حتّى أتانا اليقين، فما تنفعهم شفاعة الشّافعين}.(1/121)
- قال الإمام البخاري رحمه الله في "الأدب المفرد" ص(285): حدثنا موسى قال: حدثنا القاسم بن الفضل عن سعيد بن المهلب عن طلق بن حبيب قال: كنت أشدّ النّاس تكذيبًا بالشّفاعة فسألت جابرًا فقال: يا طليق سمعت النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((يخرجون من النّار بعد دخول)) ونحن نقرأ الّذي تقرأ.
الحديث أخرجه أبونعيم في "الحلية" (ج2 ص66)، وابن مردويه كما في "تفسير ابن كثير" (ج2 ص54)، وفي "النهاية" (ج2 ص194).
والحديث حسن لغيره لأنّ فيه سعيد بن المهلب، وقد قال فيه الذهبي: لا يعرف، وثّق. اهـ وذكر الحافظ في "تهذيب التهذيب" عنه راويين، وأنّه وثّقه ابن حبان. اهـ فهو صالح في الشواهد والمتابعات.
وأخرجه عبدالرزاق (ج11 ص412) عن معمر عن رجل عن طلق بن حبيب قال: قلت لجابر بن عبدالله: أرأيت هذه الآية {يريدون أن يخرجوا من النّار وما هم بخارجين منها} وأنت تزعم أنّ قومًا يخرجون من النّار؟ قال: أشهد أن هذه الآية نزلتْ على رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فآمنّا بها قبل أن تؤمن بها، وصدّقْنا بها قبل أن تصدّق بها، وأشهد أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول ما أخبرك: ((إنّ قومًا يخرجون من النّار)) فقال طلق: لا جرم والله لا أجادلك أبدًا.
الحديث في سنده مبهم، ولكنه لا يضر لما تقدم له من المتابعات.(1/122)
وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (ج1 ص219) فقال: أخبرنا علي ابن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا سعيد بن عثمان الأهوازي(1)[217] ثنا عاصم بن علي ثنا أيوب بن عتبة عن قيس بن(2)[218] طلق بن علي عن أبيه قال: كنت من أشدّ النّاس تكذيبًا بالشّفاعة، حتّى أتيت جابر ابن عبدالله، فقرأت عليه كلّ آية أقدر عليها في ذكر خلود أهل النّار، فقال لي: يا طلق أنت أعلم بكتاب الله منّي؟ وأعلم بسنة النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم منّي؟ إنّ الّذي قرأت لهم أهلها، ولكن هؤلاء أصابوا ذنوبًا فعذّبوا ثمّ أخرجوا منها ونحن نقرأ كما قرأت.
الحديث في سنده أيوب بن عتبة يحدث من حفظه فيغلط، ولكنه لا يضر لأنه في الشواهد.
100- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص325): ثنا أبوالنضر ثنا زهير(3)[219] ثنا أبوالزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إذا ميّز أهل الجنّة وأهل النّار فدخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار، قامت الرّسل فشفعوا فيقول: انطلقوا أو اذهبوا فمن عرفتم فأخرجوه. فيخرجونهم قد امتحشوا فيلقونهم في نهر أو على نهر يقال له الحياة قال: فتسقط محاشّهم على حافة النّهر ويخرجون بيضًا مثل الثّعارير، ثمّ يشفعون فيقول: اذهبوا أو انطلقوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قيراط من إيمان فأخرجوهم. قال: فيخرجون بشرًا ثمّ يشفعون، فيقول: اذهبوا أو انطلقوا فمن وجدتم في قلبه مثقال حبّة من خردلة من إيمان فأخرجوه. ثمّ يقول الله عزّ وجلّ: أنا الآن أخرج بعلمي ورحمتي. قال: فيخرج أضعاف ما أخرجوا وأضعافه فيكتب في رقابهم عتقاء الله عزّ وجلّ، ثمّ يدخلون الجنّة فيسمّون فيها الجهنّميّين)).
الحديث حسن لغيره لأن فيه أبا الزبير وهو مدلس ولم يصرح بالتحديث.(1/123)
101- قال البخاري رحمه الله (ج11 ص418): حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن الحسن(1)[220] بن ذكوان حدثنا أبورجاء حدثنا عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يخرج قوم من النّار بشفاعة محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فيدخلون الجنّة يسمّون الجهنّميّين)).
الحديث رواه أبوداود (ج5 ص107)، والترمذي (ج4 ص114)، وابن ماجه (ج2 ص1443)، وأحمد (ج4 ص434)، وابن خزيمة ص(276)، والآجري في "الشريعة" ص(344)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وأبورجاء العطاردي اسمه: عمران بن تيم، ويقال: ابن ملحان.
فائدة: هذا الحديث يدور على الحسن بن ذكوان وقد ضعفه أحمد وابن معين وأبوحاتم والنسائي وابن المديني كما في "مقدمة الفتح".
قال الحافظ في "مقدمة الفتح": روى له البخاري حديثًا واحدًا في كتاب الرقاق، وذكر له هذا الحديث بهذا السند، ثم قال: ولهذا الحديث شواهد كثيرة. اهـ المراد من "المقدمة".
102- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص400): حدثنا سليمان بن داود ثنا عبدالرحمن بن أبي الزناد(2)[221] قال: أخبرني صالح بن أبي صالح مولى التوءمة قال أخبرني أبوهريرة قال: قال: رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((ليتحمّدنّ الله يوم القيامة على أناس ما عملوا من خير قطّ فيخرجهم من النّار بعدما احترقوا، فيدخلهم الجنّة برحمته بعد شفاعة من يشفع)).
الحديث ضعيف لأن في سنده صالح بن أبي صالح مولى التوءمة، وهو صالح بن نبهان مختلط.(1/124)
103- قال الطبراني رحمه الله في "المعجم الصغير" (ج1 ص40-41): حدثنا أحمد بن محمد بن مقاتل الرازي ببغداد حدثنا الحسين بن عيسى بن ميسرة حدثنا أبوزهير عبدالرحمن بن مغراء حدثنا عيسى الجهني عن عبدالملك بن ميسرة الزراد عن مجاهد أنه سمع عبدالله بن عمرو(1)[222] يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يدخل من أهل هذه القبلة النّار من لا يحصي عددهم إلاّ الله بما عصوا الله، واجترءوا على معصيته، وخالفوا طاعته، فيؤذن لي في الشّفاعة فأثني على الله جلّ ذكره ساجدًا كما أثني عليه قائمًا)) وذكر الحديث. اهـ
تمام الحديث كما في "الترغيب والترهيب" (ج2 ص436-437): ((فيقال لي: ارفعْ رأسك، وسلْ تعطه، واشفعْ تشفّعْ)).
رجال الإسناد غير المشهورين:
1- أحمد بن محمد بن مقاتل: ترجم له الخطيب في "تاريخ بغداد" (ج5 ص98)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، وقال: إنّه حدّث ببغداد عن أبيه والحسين بن عيسى بن ميسرة وأحمد بن بكر بن سيف، روى عنه عبدالباقي ابن قانع وأبوالقاسم الطبراني والحسين بن مهدي المروزي.
2- الحسين بن عيسي بن ميسرة: صدوق كما في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم.
3- أما عيسى الجهني فهو تصحيف، وصوابه: موسى وهو ابن عبدالله وقيل ابن عبدالرحمن، ثقة عابد وهو يروي عن عبدالملك بن ميسرة وعنه أبوزهير هذا كما في "تهذيب الكمال".
وقد حسّن الحديث المنذري رقم (5325)، والهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج10 ص376) والله اعلم.(1/125)
104- قال ابن خزيمة رحمه الله ص(300): حدثنا الحسين بن الحسن قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: ((يلقى النّاس يوم القيامة من الحبس ما شاء الله أن يلقوه، فيقولون: انطلقوا بنا إلى آدم. فينطلقون إلى آدم فيقولون: يا آدم اشفعْ لنا إلى ربّك. فيقول: لست هناك، ولكن انطلقوا إلى خليل الله إبراهيم. فينطلقون إلى إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم اشفعْ لنا إلى ربّك. فيقول: لست هناك، ولكن انطلقوا إلى من اصطفاه الله برسالاته. فينطلقون إلى موسى، فيقولون: يا موسى اشفعْ لنا إلى ربّك. فيقول: لست هناك، ولكن انطلقوا(1)[223] إلى من جاء اليوم مغفورًا له، ليس عليه ذنب. فينطلقون إلى محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فيقولون: يا محمّد اشفعْ لنا إلى ربّك. فيقول: أنا لها، وأنا صاحبها. قال: فأنطلق حتّى أستفتح باب الجنّة، قال: فيفتح فأدخل، وربّي عزّ وجلّ على عرشه فأخرّ ساجدًا، وأحمده بمحامد لم يحمدْه بها أحد قبلي -وأحسبه قال: ولا أحد بعدي-، فيقال: يا محمّد ارفعْ رأسك، وقلْ يسمع، وسلْ تعطه، واشفعْ تشفّعْ، فأقول: يا ربّ يا ربّ. فيقول: أخرجْ من كان في قلبه مثقال شعيرة(2)[224] من الإيمان. قال: فأخرّ ساجدًا وأحمده بمحامد لم يحمدْه بها أحد قبلي -وأحسبه قال: ولا أحد بعدي-، فيقال: يا محمّد ارفع رأسك وقل يسمعْ، وسلْ تعطه، واشفعْ تشفعْ. فأقول: يا ربّ يا ربّ. فيقول: أخرجْ من النّار من كان في قلبه مثقال شعيرة من الإيمان. قال: فأخرّ ساجدًا، وأحمد بمحامد لم يحمدْه بها أحد قبلي -وأحسبه قال: ولا أحد بعدي- فيقال: يا محمّد ارفعْ رأسك قلْ يسمعْ، وسلْ تعط، واشفعْ تشفّع. فأقول: يا ربّ. فيقول: أخرجْ من كان في قلبه أدنى شيء فيخرج ناس من النّار يقال لهم الجهنّميون، وإنه لفي الجنّة))(1/126)
فقال له رجل يا أبا حمزة: أسمعت هذا من رسول الله صلّى عليه وعلى آله وسلّم قال: فتغيّر وجهه، واشتدّ عليه وقال: ليس كل ما نحدّث سمعناه من رسول الله صلّى عليه وعلى آله وسلّم ولكن لم يكن يكذّب بعضنا بعضًا.
الحديث رجاله رجال الصحيح إلا الحسين بن الحسن وهو ابن حرب السلمي. وقد قال أبوحاتم: إنه صدوق، ووثّقه ابن حبان ومسلمة كما في "تهذيب التهذيب". وحميد الطويل مدلس ولم يصرح بالتحديث، وقد قال شعبة: لم يسمع حميد من أنس إلا أربعة وعشرين حديثًا والباقي سمعها من ثابت، أو ثبّته فيها ثابت. وقال حماد: عامة ما يرويه حميد عن أنس سمعه من ثابت. كما في "تهذيب التهذيب".
لكن لا يضر الحديث هنا لأنه في الشواهد والمتابعات.(1/127)
- وقال ابن خزيمة رحمه الله ص(303): حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن رافع -وهذا حديث بندار قال: حدثنا حماد بن مسعدة قال: ثنا ابن عجلان عن حوثة(1)[225] بن عبيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يؤتى آدم عليه السّلام يوم القيامة فيقال: اشفعْ لذرّيتك. فيقول: لست بصاحب ذلك، ائتوا نوحًا فإنّه أوّل الأنبياء وأكبرهم. فيؤتي نوح فيقول: لست بصاحبه، عليكم بإبراهيم فإنّ الله اتخذه خليلاً. فيؤتي إبراهيم فيقول: لست بصاحبه عليكم بموسى فإنّ الله كلّمه تكليمًا. قال: فيؤتى موسى فيقول: لست بصاحبه، عليكم بعيسى فإنّه روح الله وكلمته. فيؤتى عيسى، فيقول: لست بصاحب هذا، ولكن أدلكم على صاحبه ولكن ائتوا محمّدًا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وعلى جميع الأنبياء. قال: فأوتى، فاستفتح فإذا نظرت إلى الرّحمن وقعْت له ساجدًا، فيقال لي: ارفعْ رأسك يا محمّد، وقل يسمعْ، واشفعْ تشفّعْ، وسل تعطه. فأقول: يا ربّ أمّتي. قال: فيقال: اذهبوا فلا تدعوا في النّار أحدًا في قلبه مثقال دينار إيمان إلاّ أخرجتموه. ويخرج ما شاء الله، ثمّ أقع الثّانية ساجدًا، قال: فيقال: ارفع يا محمّد، فقل يسمعْ، واشفعْ تشفّعْ، وسل تعطه. فأقول: أي ربّ أمّتي. قال: فيقال: اذهبوا فلا تدعوا في النّار أحدًا في قلبه نصف دينار إيمان إلاّ أخرجتموه. قال: فيخرج بذلك ما شاء الله، قال: ثمّ أقع الثّالثة ساجدًا، قال: فيقال: ارفعْ رأسك يا محمّد، وقل يسمع لك، واشفع تشفّعْ، وسلْ تعطه. قال: فأقول: يا ربّ أمّتي، فيقول: اذهبوا فلا تدعوا في النّار أحدًا في قلبه مثقال ذرّة إيمان إلاّ أخرجتموه. فلا يبقى إلاّ من لا خير فيه)).(1/128)
جوثة بن عبيد ترجمه البخاري في "التاريخ الكبير" (ج2 ص253)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (ج2 ص549)، وابن ماكولا في "الإكمال" (ج2 ص196)، ولم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلاً، لكنّهم ذكروا جماعة من الرواة عنه فهو مستور الحال يصلح حديثه في الشّواهد والمتابعات، وينظر في قوله في الحديث: ((إنّ نوحًا أوّل الأنبياء)) هل توبع عليها فإن المعروف أن أول الأنبياء آدم، وأول الرسل نوح(1)[226] والله أعلم.
فائدة: في "تاريخ البخاري" من الرواة عن (جوثة): (عياش) مهمل -أي: غير منسوب-، وفي "الجرح والتعديل" و"الإكمال" لابن ماكولا و"الثقات" لابن حبان: (عياش بن عباس)، وفي "التوحيد" لابن خزيمة ص(305): (عياش بن عقبة)، وترجمتهما في "تهذيب التهذيب"، فهل رويا عنه كلاهما، أم الصواب أحدهما، أما عياش بن عقبة فقد ذكر الحافظ في "تهذيب التهذيب" من شيوخه جوثة بن عبيد، وليس هناك ما يمنع من أن يكونا قد رويا عنه فهما متقاربا الطبقة مصريان وجوثة مصري، والله أعلم.
105- قال الإمام أحمد (ج5 ص43): ثنا عفان ثنا سعيد بن زيد(2)[227] قال: سمعت أبا سليمان العصري(3)[228] حدثني عقبة بن صهبان قال: سمعت أبا بكرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يحمل النّاس على الصّراط يوم القيامة، فتقادع بهم جنبة الصّراط تقادع الفراش في النّار، قال: فينجي الله تبارك وتعالى برحمته من يشاء، قال: ثمّ يؤذن للملائكة والنّبيّين والشّهداء أن يشفعوا فيشفعون ويخرجون، ويشفعون ويخرجون، ويشفعون ويخرجون -وزاد عفّان مرّة فقال أيضًا: ويشفعون ويخرجون- من كان في قلبه ما يزن ذرّةً من إيمان)).
الحديث أخرجه البخاري في "التاريخ" (ج9 ص37)، والطبراني في "الصغير" (ج2 ص57)، وقال الهيثمي (ج10 ص359): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في "الصغير" و"الكبير" بنحوه، ورواه البزار أيضًا ورجاله رجال الصحيح.(1/129)
106- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص325): ثنا الحكم بن نافع ثنا إسماعيل بن عياش عن راشد بن داود الصنعاني عن عبدالرحمن بن حسان عن روح بن زنباع عن عبادة بن الصامت قال: فقد النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ليلةً أصحابه، وكانوا إذا نزلوا أنزلوه أوسطهم، ففزعوا وظنّوا أنّ الله تبارك وتعالى اختار له أصحابًا غيرهم، فإذا هم بخيال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فكبّروا حين رأوه، وقالوا: يا رسول الله أشفقنا أن يكون الله تبارك وتعالى اختار لك أصحابًا غيرنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لا، بل أنتم أصحابي في الدّنيا والآخرة، إنّ الله تعالى أيقظني فقال: يا محمّد إنّي لم أبعث نبيًّا ولا رسولاً إلاّ وقد سألني مسألةً أعطيتها إيّاه، فاسأل يا محمّد تعط. فقلت: مسألتي شفاعتي لأمّتي يوم القيامة)). فقال أبوبكر: يا رسول الله وما الشّفاعة؟ قال: ((أقول يا ربّ شفاعتي الّتي اختبأت عندك. فيقول الرّبّ تبارك وتعالى: نعم. فيخرج ربّي تبارك وتعالى بقيّة أمّتي من النّار فينبذهم في الجنّة)).
قال الهيثمي (ج10 ص368): رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات على ضعف في بعضهم.
وقال الحافظ ابن كثير في "النهاية" (ج2 ص194): تفرد به أحمد.
وأقول: هذا الحديث في سنده راشد بن داود وقد وثّقه ابن معين ودحيم، وقال البخاري: فيه نظر. وقال الدارقطني: ضعيف لا يعتبر به.
فالحديث ضعيف جدًا، لأن قول البخاري (فيه نظر) من أردى عبارات التجريح كما في "فتح المغيث" (ج1 ص344).
وفي الحديث أيضًا إسماعيل بن عياش، ولكن شيخه شامي فلا يضره إذ رواية إسماعيل عن الشاميين مقبولة.(1/130)
107- قال الطبراني رحمه الله في "الكبير" (ج10 ص215): حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني ثنا كثير بن يحيى صاحب البصري ثنا أبوعوانة عن الأعمش عن إبراهيم عن الحارث بن سويد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: لا تزال الشّفاعة بالنّاس وهم يخرجون من النّار، حتى إنّ إبليس الأبالس ليتطاول لها رجاء أن تصيبه.
قال الهيثمي في "المجمع" (ج10 ص380): رواه الطبراني موقوفًا وفيه كثير بن يحيى صاحب البصري وهو ضعيف(1)[229].
108- وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص402): ثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا: ثنا شعبة عن جابر عن ربعي عن حذيفة -قال شعبة: رفعه مرةً إلى النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم- قال: ((يخرج الله قومًا منتنين قد محشتهم النّار بشفاعة الشّافعين فيدخلهم الجنّة فيسمّون الجهنّميّون -قال حجّاج: الجهنّميّين-)).
الحديث أخرجه ابن خزيمة ص(275-276)، والآجري في "الشريعة" ص(346) كما عند أحمد، والحسين بن الحسن المروزي في "زوائد زهد ابن المبارك" ص(447) موقوفًا.
وقال الهيثمي (ج10 ص380): رواه أحمد من طريقين ورجالهما رجال الصحيح.
وقال الحافظ في "المطالب العالية" (ج4 ص382) بعد عزوه لأبي بكر ابن أبي شيبة: حسن صحيح.
109- قال الإمام أبوحاتم محمد بن حبان البستي رحمه الله كما في "الموارد" ص(645): أخبرنا محمد بن الحسين(2)[230] بن مكرم حدثنا سريج بن يونس حدثنا مروان بن معاوية حدثنا أبومالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يقول إبراهيم يوم القيامة: يا ربّاه. فيقول الله جلّ وعلا: يا لبّيكاه. فيقول إبراهيم: يا ربّ حرّقت بنيّ. فيقول: أخرجوا من النّار من كان في قلبه ذرّة أو شعيرة من إيمان)).
الحديث رجاله رجال الصحيح(3)[231]، وشيخ ابن حبان محمد بن الحسين بن مكرم، قال الدارقطني: ثقة، كما في "تذكرة الحفاظ".(1/131)
110- قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج7 ص253): حدثنا عبدالله بن الحسين بن بالويه الصوفي ثنا محمد بن محمد بن علي ثنا محمد بن عبدك ثنا مصعب بن خارجة ثنا أبي(1)[232] ثنا مسعر عن عطية عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: {((عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} قال: يخرج الله قومًا من النّار من أهل الإيمان والقبلة بشفاعة محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فذلك المقام المحمود، فيؤتى بهم إلى نهر يقال له: الحيوان، فيلقون فيه فينبتون كما ينبت الثعارير، ويخرجون فيدخلون الجنّة فيسمّون: الجهنّميّين، فيطلبون إلى الله أن يذهب عنهم ذلك الاسم فيذهب عنهم)).
غريب من حديث مسعر لم نكتبه إلا من حديث مصعب عن أبيه.
الحديث في سنده عطية بن سعد العوفي، وخارجة بن مصعب ومصعب ابن خارجة.
أما عطية فضعيف وشيعي ومدلس. قال الحافظ الذهبي في "الميزان": وقال أحمد: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير، وكان يكنيه(2)[233] بأبي سعيد: فيقول: قال أبوسعيد. قال الحافظ الذهبي: قلت: يوهم أنه أبوسعيد الخدري. اهـ
وأما خارجة بن مصعب فقال الحافظ الذهبي في "الميزان": وهّاه أحمد، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال أيضًا كذّاب. وقال البخاري: تركه ابن المبارك ووكيع. وقال الدارقطني وغيره: ضعيف، وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه. اهـ
وأما ولده مصعب بن خارجة فقال الحافظ الذهبي في "الميزان": مجهول. اهـ
فالحديث بهذا السند ضعيف جدًا.
111- قال الآجري رحمه الله في "الشريعة" ص(346): أخبرنا ابن(3)[234] ذريح العكبري قال: حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا أبومعاوية عن إسحاق بن عبدالله عن سعيد بن أبي سعيد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لقد بلغت الشّفاعة يوم القيامة حتى أنّ الله عزّ وجلّ ليقول للملائكة: أخرجوا برحمتي من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من إيمان. قال: ثمّ يخرجهم حفنات بيده بعد ذلك.(1/132)
هذا الأثر في سنده إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة، قال الحافظ الذهبي في "الميزان": قال البخاري: تركوه. ونهى أحمد عن حديثه، وقال الجوزجاني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا تحل الرواية عندي عن إسحاق ابن أبي فروة. وقال أبوزرعة وغيره: متروك. اهـ
112- قال الإمام ابن عدي في "الكامل" (ج3 ص1178): ثنا أبويعلى ثنا أبوالربيع الزهراني عن سلمة بن صالح ثنا سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((ليدخلنّ الجنّة قوم من المسلمين قد عذبوا في النّار برحمة الله وشفاعة الشّافعين)).
الحديث منكر فيه سلمة بن صالح ضعيف جدًا.
وأبوالزعراء ترجمه الذهبي في "الميزان" فقال: عبدالله بن هانئ أبوالزعراء صاحب ابن مسعود، قال البخاري: لا يتابع على حديثه، سمع منه سلمة بن كهيل حديثه عن ابن مسعود في الشفاعة: ثمّ يقوم نبيكم صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم رابعًا(1)[235].
والمعروف أنه عليه الصلاة والسلام أول شافع. قاله البخاري. وقد أخرج النسائي الحديث مختصرًا. اهـ
فصل ذكر خبر ظاهره يخالف ما تقدم من الأحاديث الدالة على خروج الموحدين من النار وتوجيهه(1/133)
113- قال الترمذي رحمه الله (ج4 ص95): حدثنا قتيبة حدثنا عبدالعزيز بن محمد عن العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يجمع الله النّاس يوم القيامة في صعيد واحد، ثمّ يطّلع عليهم ربّ العالمين فيقول: ألا يتبع كلّ إنسان ما كانوا يعبدونه، فيمثّل لصاحب الصّليب صليبه، ولصاحب التّصاوير تصاويره، ولصاحب النّار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون فيطّلع عليهم ربّ العالمين فيقول: ألا تتّبعون النّاس. فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك، الله ربّنا هذا مكاننا حتّى نرى ربّنا. وهو يأمرهم ويثبّتهم ثمّ يتوارى ثمّ يطّلع فيقول: ألا تتّبعون النّاس. فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك، الله ربّنا وهذا مكاننا حتّى نرى ربّنا. وهو يأمرهم ويثبّتهم)) قالوا: وهل نراه يا رسول الله؟ قال: ((وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟)) قالوا: لا يا رسول الله. قال: ((فإنّكم لا تضارّون في رؤيته تلك السّاعة، ثمّ يتوارى ثمّ يطّلع فيعرّفهم نفسه، ثمّ يقول: أنا ربّكم فاتّبعوني. فيقوم المسلمون ويوضع الصّراط، فيمرّون عليه مثل جياد الخيل والرّكاب، وقولهم عليه سلّم سلّم، ويبقى أهل النّار فيطرح منهم فيها فوج، ثمّ يقال: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد؟ ثمّ يطرح فيها فوج، فيقال: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد؟ حتّى إذا أوعبوا فيها وضع الرّحمن قدمه فيها، وأزوى بعضها إلى بعض، ثمّ قال: قطْ. قالت: قطْ قطْ. فإذا أدخل الله أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار، قال: أتي بالموت ملبّبًا، فيوقف على السّور الّذي بين أهل الجنّة وأهل النّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة. فيطّلعون خائفين، ثمّ يقال: يا أهل النّار. فيطّلعون مستبشرين يرجون الشّفاعة، فيقال لأهل الجنّة وأهل النّار: هل تعرفون هذا؟ فيقولون هؤلاء وهؤلاء: قد عرفناه هو الموت الّذي وكّل بنا. فيضجع فيذبح ذبحًا على السّور(1/134)
الّذي بين الجنّة والنّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة خلود لا موت، ويا أهل النّار خلود لا موت)).
هذا حديث حسن صحيح.
الحديث رواه أحمد (ج2 ص368-369) وعنده متابعة حفص بن ميسرة لعبدالعزيز بن محمد وهو الدراوردي.
قال أبوعبدالرحمن: وذبْح الموت يكون بعد الشّفاعات، ومن يخرج من النار من الموحدين كما في "مسند أحمد" (ج2 ص344)، قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا موسى بن داود ثنا ليث(1)[236] عن محمد بن عجلان عن أبي الزناد(2)[237] عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنّه قال: ((إذا دخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار، نادى مناد: يا أهل الجنّة خلودًا فلا موت فيه، ويا أهل النّار خلودًا فلا موت فيه)).
قال: وذكر لي خالد بن زيد(3)[238] أنه سمع أبا الزبير يذكر مثله عن جابر وعبيد بن عمير، إلا أنه يحدث عنهما أن ذلك بعد الشّفاعات ومن يخرج من النّار.
فائدتان:
الأولى: عقّب الترمذي هذا الحديث بحديث بعده يدل على ذبح الموت ثم قال: وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم روايات كثيرة، مثل ذا ما يذكر فيه أمر الرؤية أن الناس يرون ربّهم، وذكر القدم وما أشبه هذه الأشياء، والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل: سفيان الثوري ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة وابن المبارك ووكيع وغيرهم أنّهم رووا هذه الأشياء وقالوا: تروى هذه الأحاديث ويؤمن بها، ولا يقال: كيف؟ وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن يرووا هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسّر ولا يتوهّم، ولا يقال: كيف؟ وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه، ومعنى قوله في الحديث ((فيعرّفهم نفسه)) يعني: يتجلى لهم. اهـ(1/135)
الثانية: إذا قرئت هذه الأحاديث على بعض المتعصبة طعنوا فيها ولو رجعوا إلى كتب أئمتهم لوجدوا فيها ما يلزمهم بقبولها، ففي "أمالي المرشد بالله" (ج1 ص28) حديث أنس بسنده: ((يخرج من النّار من قال: لا إله إلاّ الله، وفي قلبه وزن ذرّة من الخير)).
وقبل هذا الحديث حديث أبي هريرة: ((من قال: لا إله إلاّ الله، نفعه من دهره ولو بعد ما يصيبه العذاب)).
وفي سند حديث أبي هريرة حفص الغاضري، وهو حفص بن سليمان المقرئ كما في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (ج2 ص48) و"ميزان الاعتدال"، وقد قال الحافظ الذهبي في "الميزان": كان ثبتًا في القراءة، واهيًا في الحديث.
فصل في أول من يشفع له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
114- قال الحافظ الخطيب رحمه الله في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (ج2 ص48): أخبرنا محمد بن علي بن الفتح أخبرنا أبوالحسن علي بن عمر الدارقطني حدثنا أبوالقاسم عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز البغوي حدثنا أبوالربيع الزهراني حدثنا حفص بن أبي داود عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أوّل من أشفع له من أمّتي أهل بيتي، ثمّ الأقرب فالأقرب، ثمّ الأنصار، ثمّ من آمن بي واتّبعني من اليمن، ثمّ سائر العرب، ثمّ الأعاجم ومن أشفع له أوّلاً أفضل)).
قال أبوالحسن: غريب من حديث ليث عن مجاهد تفرد به حفص بن أبي داود عنه، وهو حفص بن سليمان بن المغيرة أبوعمر المقرئ صاحب عاصم ابن أبي النجود في القراءة. اهـ
الحديث ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" (ج3 ص250) وقال: أما ليث فغاية في الضعف عندهم إلا أن المتّهم بهذا حفص، قال أحمد ومسلم والنسائي: هو متروك. وقال عبدالرحمن بن يوسف بن سعيد بن خراش: متروك يضع. اهـ
وأقره السيوطي في "اللآلئ" (ج2 ص450).(1/136)
115- قال البخاري في "التاريخ" (ج5 ص404): عبدالله قال: ح(1)[239] حرمي ابن عمارة حدثنا سعيد بن السائب الطائفي حدثنا عبدالملك بن أبي زهير ابن عبدالرحمن الطائفي أن حمزة بن عبدالله بن أبي تيماء الثقفي أخبره أن القاسم بن جبير أخبره أن عبدالملك بن عباد بن جعفر أخبره(2)[240] سمع النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أوّل من أشفع له أهل المدينة)).
تمام الحديث كما في "أسد الغابة" (ج3 ص510)، و"مجمع الزوائد" (ج10 ص381): ((وأهل مكّة وأهل الطائف))، وكذا في "الجامع الصغير"، وفي "الإصابة" (ج2 ص423): ((ثمّ أهل مكّة، ثمّ أهل الطائف)).
الحديث قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه جماعة لم أعرفهم.
قال أبوعبدالرحمن: أما عبدالله: فهو ابن محمد المسندي من أشهر مشايخ البخاري.
وحرمي بن عمارة: من رجال الصحيح.
وسعيد بن السائب الطائفي: ترجمته في "تهذيب التهذيب" وثّقه ابن معين وغيره.
وأما عبدالملك بن أبي زهير فذكره البخاري في "التاريخ الكبير" (ج5 ص414) وذكر الحديث في ترجمته ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (ج5 ص351) وذكر أنه روى عنه سعيد بن السائب الطائفي وأبوأمية بن يعلى ومحمد بن مسلم الطائفي، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً فهو مستور الحال، ولذلك قال الإمام الذهبي في "الميزان": لا يكاد يعرف.
وأما حمزة بن عبدالله بن أبي تيماء الثقفي فذكره البخاري (ج3 ص49) وما ذكر عنه راويًا سوى عبدالملك بن أبي زهير، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً. وهكذا ابن أبي حاتم (ج3 ص213) لم يذكر عنه راويًا سوى عبدالملك فهو مجهول العين.
وأما القاسم بن جبير فذكره البخاري (ج7 ص169) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، ورجّح المعلق على "التاريخ" (ج5 ص404) أنه القاسم ابن حبيب بن جبير، ينسب تارة إلى أبيه وتارة إلى جده.
والحديث بهذا السند ضعيف لأن أغلب رواته مجهولون، والله أعلم.(1/137)
116- قال ابن عدي في "الكامل" (ج5 ص2005): حدثنا إبراهيم بن أسباط ثنا أبوالأشعث ثنا زهير بن العلاء ثنا عطاء بن أبي ميمونة عن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أوّل من أشفع له من أمّتي العرب الّذين رأوني وآمنوا بي وصدّقوني ثمّ أشفع للعرب الّذين لم يروني وأحبّوني وأحبّوا رؤيتي))(1)[241].
شيخ ابن عدي لم أجد ترجمته.
وأبوالأشعث: هو أحمد بن المقدام العجلي ثقة ثبت.
وزهير بن العلاء قال أبوحاتم: أحاديثه موضوعة. اهـ من "الميزان".
فصل في طلب الشفاعة من المخلوق فيما يقدر عليه
117- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص138): ثنا عثمان بن عمر أنا شعبة عن أبي جعفر قال: سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن حنيف أنّ رجلاً ضرير البصر أتى النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: ((إن شئت دعوت لك وإن شئت أخّرت ذاك فهو خير)) فقال: ادعه. فأمره أن يتوضّأ فيحسن وضوءه فيصلّي ركعتين ويدعو بهذا الدّعاء: اللّهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرّحمة، يا محمّد إنّي توجّهت بك إلى ربّي في حاجتي هذه فتقضي لي، اللهمّ شفّعه فيّ.
ثنا روح(2)[242] قال: ثنا شعبة عن أبي جعفر المديني قال: سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدّث عن عثمان بن حنيف أنّ رجلاً ضريرًا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقال: يا نبيّ الله ادع الله أن يعافيني. فقال: ((إن شئت أخّرت ذلك فهو أفضل لآخرتك، وإن شئت دعوت لك)) قال: لا بل ادع الله لي. فأمره أن يتوضّأ وأن يصلّي ركعتين وأن يدعو بهذا الدّعاء: ((اللّهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم نبيّ الرّحمة، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّي في حاجتي هذه فتقضى، وتشفّعني فيه وتشفّعه فيّ.
قال: فكان يقول هذا مرارًا، ثمّ قال بعد -أحسب أنّ فيها: أن تشفّعني فيه- قال: ففعل الرّجل فبرأ.(1/138)
الحديث أخرجه الترمذي (ج5 ص226) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر، وهو غير الخطمي.
وأخرجه ابن ماجه (ج1 ص441)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (ج6 ص209-210) وذكر ما فيه من الاختلاف على أبي جعفر، فتارة يرويه عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف، وتارة عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف عن عمه (وهو عثمان بن حنيف).
وأخرجه ابن السني ص(234)، والحاكم (ج1 ص313) وقال: صحيح على شرطهما. وص(519) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وص(562) من طريق روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف، وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه وسكت عليه الذهبي في الثلاثة المواضع.
قال أبوعبدالرحمن: وقوله في ص(313): على شرطهما ليس كما قال فإن عمارة بن خزيمة: ليس من رجال الشيخين، وإنما هو من رجال أصحاب "السنن"، فالأولى التعبير بـ(صحيح) كما حكم عليه ص(519).(1/139)
- قال الطبراني رحمه الله في "المعجم الصغير" (ج1 ص183): حدثنا طاهر بن عيسى بن قيرس المقري المصري التميمي حدثنا أصبغ بن الفرج حدثنا عبدالله بن وهب عن شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان ابن حنيف أنّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ، ثمّ ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثمّ قل: اللّهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّنا محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم نبيّ الرّحمة، يا محمّد إني أتوجّه بك إلى ربي عزّ وجلّ ليقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورحْ إليّ حتّى أروح معك. فانطلق الرّجل فصنع ما قال عثمان له، ثمّ أتى باب عثمان بن عفّان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفّان فأجلسه معه على الطّنفسة، وقال: ما حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له، ثمّ قال له: ما ذكرت حاجتك حتّى كانت هذه السّاعة. وقال له: ما كان لك من حاجة فائتنا، ثمّ إنّ الرّجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرًا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت حتى كلّمته فيّ، فقال عثمان ابن حنيف: والله ما كلّمته ولكن شهدت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وأتاه ضرير فشكا عليه ذهاب بصره فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أو تصبر؟)) فقال: يا رسول الله إنّه ليس لي قائد وقد شقّ عليّ. فقال له النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((ايت الميضاة فتوضأ، ثمّ صل ركعتين، ثمّ ادع بهذه الدّعوات)). قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرّقنا وطال بنا الحديث حتّى دخل علينا الرّجل كأنّه لم يكن به ضرر قط.(1/140)
لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبوسعيد المكي وهو ثقة، وهو الذي يحدث عنه ابنه أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأيلي، وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي، واسمه عمير ابن يزيد وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة، والحديث صحيح.
فوائد تتعلق بهذا الحديث:
الأولى: قول الترمذي رحمه الله: (إن أبا جعفر ليس بالخطمي) ليس بصحيح، قال شيخ الإسلام في "التوسل والوسيلة" ص(102): هكذا قال الترمذي، وسائر العلماء قالوا: هو أبوجعفر الخطمي وهو الصواب. اهـ
فعلى هذا فقول صاحب "صيانة الإنسان" ص(376): (إن الحديث ضعيف لأن في سنده عيسى بن أبي عيسى أبا جعفر الرازي التميمي) ليس بصحيح، بل الذي في السند: الخطمي، وهو عمير بن يزيد وهو ثقة كما تقدم عن الطبراني.
وقد اغتر صاحب "تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد" بقول الترمذي، وقال ص(244): إن في ثبوته نظرًا لأن أبا جعفر لا يعرف. اهـ مختصرًا.
وكذا الحافظ في "تهذيب التهذيب" في (الكنى) فقال: أبوجعفر عن عمارة بن خزيمة، وعنه شعبة، قال الترمذي: ليس هو الخطمي. وكذا في "التقريب"، فقال: أبوجعفر عن عمارة بن خزيمة، قال الترمذي: ليس هو الخطمي، فلعله الذي بعده.
وقد عرفت أنه الخطمي وأنه ثقة معروف.
الثانية: قول صاحب "صيانة الإنسان" ص(377): (إن في سند هذه الزيادة التي عند الطبراني روح بن صلاح وهو ضعيف، فمن أجل ذلك تضعّف هذه الزيادة) ليس بصحيح، بل الذي في سندها روح بن القاسم كما جاء مصرحًا به في "المعجم الصغير" للطبراني، ولكن تضعيف هذه الزيادة من حيث كونها تدور على شبيب بن سعيد، وحاصل كلام الذهبي في "الميزان" نقلاً عن ابن عدي، وكلام الحافظ في "مقدمة الفتح" أن حديثه لا يصح إلا إذا كان من رواية ابنه أحمد عنه عن يونس بن يزيد الأيلي، وهذا ليس من روايته عن يونس(1)[243] فمن أجل ذلك تضعّف هذه الزيادة وتكون منكرة، والله أعلم.(1/141)
الثالثة: هذا الحديث ليس فيه حجة للذين يدعون غير الله، لأن الأعمى إنما طلب من النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم الدعاء والشّفاعة، وقوله: (يا محمد) نداء لحاضر فيما يقدر عليه وهو الدعاء والشفاعة، وإن كنت تريد المزيد راجعت "التّوسل والوسيلة" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد جمع طرقه وتكلم عليه بما فيه كفاية، فجزاه الله خيرًا.
118- قال أبوداود (ج5 ص94): حدثنا عبدالأعلى بن حماد ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار وأحمد بن سعيد الرياطي قالوا: حدثنا وهب بن جرير -قال أحمد: كتبناه من نسخته، وهذا لفظه- قال: حدثنا أبي قال: سمعت محمد ابن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال: أتى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أعرابيّ فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس، وضاعت العيال ونهكت الأموال، وهلكت الأنعام، فاستسق الله لنا، فإنّا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك. قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((ويحك أتدري ما تقول؟)) وسبّح رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فما زال يسبّح حتّى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثمّ قال: ((ويحك إنّه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك أتدري ما الله؟ إنّ عرشه على سمواته لهكذا -وقال بأصبعه مثل القبّة- عليه وإنّه ليئطّ(1)[244] به أطيط الرّحل بالرّاكب)).
قال ابن بشّار في حديثه: ((إنّ الله فوق عرشه، وعرشه فوق سمواته)) وساق الحديث.
وقال عبدالأعلى وابن المثنّى وابن بشار عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد بن جبير عن أبيه عن جده، والحديث بإسناد أحمد بن سعيد هو الصحيح، وافقه عليه جماعة منهم: يحيى بن معين وعلي بن المديني، ورواه جماعة عن ابن إسحاق كما قال أحمد أيضًا، وكان سماع عبدالأعلى وابن المثنى وابن بشار من نسخة واحدة فيما بلغني.(1/142)
الحديث أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي في "الرّد على الجهمية" ص(19)، وابن خزيمة ص(103)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (ج2 ص224)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص(417) وقال ص(418): وهذا الحديث ينفرد به محمد بن إسحاق بن يسار عن يعقوب بن عتبة، وصاحبا الصحيح لم يحتجا به إنما استشهد مسلم بن الحجاج بمحمد بن إسحاق في أحاديث معدودة أظنهن قد رواهن غيره، وذكره البخاري في الشواهد ذكرًا من غير رواية، وكان مالك بن أنس لا يرضاه، ويحيى بن سعيد القطان لا يروي عنه، ويحيى بن معين يقول: ليس هو بحجة. وأحمد ابن حنبل يقول: يكتب عنه هذه الأحاديث -يعني المغازي ونحوها- فإذا جاء الحرام والحلال أردنا قومًا هكذا -يريد أقوى منه-. فإذا كان لا يحتج به في الحلال والحرام فأولى ألاّ يحتج به في صفات الله سبحانه وتعالى، وإنما نقموا عليه في روايته عن أهل الكتاب، ثم عن ضعفاء الناس وتدليسه أساميهم، فإذا روى عن ثقة وبيّن سماعه منهم فجماعة من الأئمة لم يروا به بأسًا. وهو إنما روى هذا الحديث عن يعقوب بن عتبة، وبعضهم يقول: عنه وعن جبير بن محمد ولم يبيّن سماعه منهما، واختلف عليه في لفظه كما ترى اهـ المراد من "الأسماء والصفات".
وقال الحافظ الذهبي في "العلوّ" ص(39): هذا حديث غريب جدًا فرد وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند وله مناكير وعجائب، فالله أعلم أقال النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم هذا أم لا؟ وأما الله عزّ وجل فليس كمثله شيء جلّ جلاله، وتقدّست أسماؤه ولا إله غيره.
إلى أن قال: ثم لفظ الأطيط لم يأت به نصّ ثابت. اهـ المراد من "العلوّ".
فكلام هذين الحافظين يدل على ضعف هذا الحديث، والله أعلم.(1/143)
119- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص178): ثنا يونس بن محمد ثنا حرب بن ميمون عن النضر بن أنس عن أنس قال: سألت نبيّ الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أن يشفع لي يوم القيامة، قال: قال(1)[245]: ((أنا فاعل بهم)) قال: فأين أطلبك يوم القيامة يا نبيّ الله؟ قال: ((اطلبني أوّل ما تطلبني على الصّراط)) قال: قلت: فإذا لم ألقك على الصّراط؟ قال: ((فأنا عند الميزان)) قال: قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: ((فأنا عند الحوض، لا أخطئ هذه الثّلاث مواطن يوم القيامة)).
الحديث أخرجه الترمذي (ج4 ص42) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
فائدة: ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في "النهاية" (ج2 ص36) أن الحوض قبل الصراط، قال: وظاهر هذا الحديث يقتضي أن الحوض بعد الصراط، وكذلك الميزان، وهذا لا أعلم به قائلاً، اللهم إلا أن يكون يراد بهذا الحوض حوضًا آخر يكون بعد الجواز على الصراط كما جاء في بعض الأحاديث، ويكون ذلك حوضًا ثانيًا لا يذاد عنه أحد. والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ
فصل
120- قال الإمام الذهبي في "الميزان" في ترجمة يزيد بن أبان الرقاشي البصري: موسى بن إسماعيل حدثنا نوح بن قيس عن يزيد الرقاشي عن أنس -مرفوعًا-: ((يشفّع الله آدم في مائة ألف ألف وعشرة آلاف ألف)).
ثم قال: لا يعرف هذا إلا عند التبوذكي. اهـ
يزيد بن أبان الرقاشي، قال الحافظ في التقريب: زاهد ضعيف.
فصل في شفاعة المؤمنين
قد تقدمت أحاديث في شفاعة الأنبياء والملائكة والمؤمنين، وهذه بقية الأحاديث الواردة في شفاعة المؤمنين.
121- قال الترمذي رحمه الله (ج4 ص46): حدثنا أبوعمار الحسين بن حريث أخبرنا الفضل بن موسى عن زكريا بن أبي زائدة عن عطية عن أبي سعيد أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((إنّ من أمّتي من يشفع للفئام(2)[246]، ومنهم من يشفع للقبيلة، ومنهم من يشفع للعصبة، ومنهم من يشفع للرّجل حتّى يدخلوا الجنّة)).(1/144)
هذا حديث حسن.
الحديث أخرجه أحمد (ج3 ص20، 63) وفيه عطية العوفي وهو ضعيف ومدلس، قال الذهبي في "الميزان": قال أحمد: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير وكان يكنيه بأبي سعيد، فيقول: قال أبوسعيد. قلت: يعني يوهم أنه الخدري. وقال النسائي وجماعة: ضعيف. اهـ
والتصريح بأنه الخدري عند أحمد يحتمل أنه من الرواة عنه، والله أعلم.
122- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص212): ثنا حسن بن موسى ثنا حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن عبدالله بن قيس قال: سمعت الحارث بن أقيش يحدث أن أبا برزة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((إنّ من أمّتي لمن يشفع لأكثر من ربيعة ومضر، وإنّ من أمّتي لمن يعظم للنّار حتّى يكون ركنًا من أركانها)).
ثنا محمد بن أبي عدي عن داود عن عبدالله بن قيس عن الحارث بن أقيش قال: كنا عند أبي برزة ليلةً فحدّث ليلتئذ عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنّه قال: ((ما من مسلمين يموت لهما أربعة أفراط إلاّ أدخلهما الله الجنّة بفضل رحمته)) قالوا: يا رسول الله وثلاثة؟ قال: ((وثلاثة)) قالوا: واثنان(1)[247]؟ ((وإنّ من أمّتي لمن يدخل الجنّة بشفاعته مثل مضر)) قال: ((واثنان -قال:- وإنّ من أمّتي لمن يعظم للنّار حتّى يكون أحد زواياها(2)[248])).
الحديث أخرجه أيضًا أحمد (ج5 ص312) من حديث الحارث بن أقيش عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وابن خزيمة ص(313-314)، وابن ماجه (ج2 ص1446)، والطبراني في "الكبير" (ج3 ص301)، والحاكم (ج1 ص71 وج4 ص593) وقال في الموضعين: صحيح على شرط مسلم، وسكت عنه الذهبي.
وقال الحافظ في "الإصابة" في ترجمة الحارث بن أقيش: أخرج ابن ماجة حديثه في الشفاعة بسند صحيح، وله حديث آخر فيمن مات له ثلاثة من الولد، وقد أخرجه ابن خزيمة مجموعًا إلى الحديث الآخر، ووقع عند البغوي تصريحه بسماعه من النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
تنبيهان:(1/145)
الأول: الحديث في "مسند أحمد" (ج4 ص212) من حديث أبي بزة، وقد قال الهيثمي في "المجمع" (ج3 ص8 وج10 ص381): رواه أحمد ورجاله ثقات.
فينظر في سند البغوي الذي فيه تصريح الحارث بن أقيش بالسماع.
الثاني: الحديث من جميع طرقه، سواء أكان من مسند أبي برزة أم من مسند الحارث بن أقيش، يدور على عبدالله بن قيس النخعي وهو مجهول كما في "التقريب". وقال علي بن المديني كما في "تهذيب التهذيب": عبدالله بن قيس الذي روى عنه داود بن أبي هند سمع الحارث بن وقيش(1)[249]، وعنه داود بن أبي هند مجهول لم يرو عنه غير داود ليس إسناده بالصافي. اهـ
فعلى هذا فقول الحاكم: (صحيح على شرط مسلم) في الموضعين وقول الحافظ في "الإصابة": (إن سنده صحيح) ليس بصحيح، بل هو حديث ضعيف والله أعلم.
123- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص257): ثنا يزيد قال: ثنا حريز بن عثمان عن عبدالرحمن بن ميسرة عن أبي أمامة أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((ليدخلنّ الجنّة بشفاعة رجل ليس بنبيّ مثل الحيّين أو مثل أحد الحيّين ربيعة ومضر)) فقال رجل: يا رسول الله أو ما ربيعة من مضر؟ فقال: ((إنّما أقول ما أقوّل)).
الحديث أخرجه أيضًا ص(261) وص(267)، والآجري في "الشريعة" ص(351) والطبراني (ج8 ص169).
والحديث رجاله رجال الصحيح إلا عبدالرحمن بن ميسرة أبا سلمة الحمصي فقد قال ابن المديني : إنه مجهول، ولكنه قد روى عنه ثلاثة، ووثّقه العجلي كما في "تهذيب التهذيب"، وقال الحافظ في "التقريب": مقبول، يعني إذا توبع وإلا فليّن، وقد تابعه أبوغالب حزوّر عند أبي نعيم في "أخبار أصبهان" (ج1 ص287)، والطبراني في "الكبير" (ج8 ص330) وفي السند إليه مبارك بن فضالة(2)[250] وهو مدلس شديد التدليس، ولم يصرح بالتحديث.(1/146)
والطريقان يكفيان في ثبوت الحديث، ولذا يقول المناوي في "فيض القدير" (ج4 ص130): قال العراقي: إسناده حسن. ثم وجدت له متابعًا آخر وهو القاسم بن عبدالرحمن عند الطبراني في "الكبير" (ج8 ص280).
124- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص469): ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: ثنا خالد(1)[251] عن عبدالله بن شقيق قال: جلست إلى رهط أنا رابعهم بإيلياء، فقال أحدهم: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((ليدخلنّ الجنّة بشفاعة رجل من أمّتي أكثر من بني تميم)) قلنا: سواك يا رسول الله؟ قال: ((سواي)) قلت: أنت سمعته؟ قال: نعم. فلمّا قام قلت: من هذا؟ قالوا: ابن أبي الجدعاء.
ثنا عفان ثنا وهيب قال: ثنا خالد عن عبدالله بن شقيق به.
الحديث أخرجه الإمام أحمد (ج5 ص366)، والترمذي (ج4 ص46) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وابن أبي الجدعاء هو عبدالله، وإنما يعرف له هذا الحديث الواحد. وابن ماجه (ج2 ص1444)، والدارمي (ج2 ص328)، والطيالسي (ج2 ص229) من "ترتيب المسند"، والبخاري في "التاريخ" (ج2 ص27)، وابن حبان كما في "الموارد" ص(646)، والحاكم (ج1 ص70-71) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح قد احتجا برواته، وعبدالله بن شقيق تابعيّ محتجّ به، وإنما تركاه لما تقدم ذكره من تفرد التابعي عن الصحابي(2)[252].
قال أبوعبدالرحمن: والحديث على شرط مسلم.
125- قال ابن ماجة رحمه الله (ج2 ص1215): حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير وعلي بن محمد قالا: ثنا وكيع عن الأعمش عن يزيد الرقاشي عن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يصفّ النّاس يوم القيامة صفوفًا -وقال ابن نمير: أهل الجنّة- فيمرّ الرّجل من أهل النّار على الرّجل فيقول: يا فلان أما تذكر يوم استسقيت فسقيتك شربةً؟ قال: فيشفع له ويمرّ الرّجل فيقول: أما تذكر يوم ناولتك طهورًا؟ فيشفع له)).(1/147)
قال ابن نمير: ((ويقول: يا فلان أما تذكر يوم بعثتني في حاجة كذا وكذا فذهبت لك؟ فيشفع له)).
الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" ص(99) من مجموعة كتب له.
والحديث ضعيف لأن في سنده يزيد بن أبان الرقاشي وهو ضعيف وقال النسائي وغيره: متروك كما في "الميزان".
126- قال الترمذي (ج4 ص46): حدثنا أبوهشام الرفاعي عن عمر بن يزيد الكوفي: حدثني يحيى بن اليمان عن جسر أبي جعفر(1)[253] عن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يشفع عثمان بن عفّان رضي الله عنه يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر)).
الحديث أخرجه الآجري في "الشريعة" ص(299)، وهو حديث ضعيف لإرساله لا سيما وهو من مراسيل الحسن، وقد قال العراقي: إن مراسيل الحسن عندهم كالريح، قاله السيوطي في "تدريب الراوي" ص(124).
والحديث مسلسل بمن يغلب عليه الضعف:
1- جسر أبوجعفر: قال البخاري في "التاريخ الكبير": ليس بذلك، وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": نا علي بن الحسن الهسنجاني قال: قال يحيى بن المغيرة: قدم جسر الري فنهاني جرير أن أكتب عنه. وذكر ابن أبي حاتم توثيقه عن سعيد بن عامر، وذكر أيضًا أن ابن معين قال: لا شيء. وذكر أيضًا أن أباه قال: ليس بالقوي، وكان رجلاً صالحًا.
2- يحيى بن يمان: قال الحافظ في "التقريب": صدوق يخطئ كثيرًا وقد تغير.
3- محمد بن يزيد الرفاعي: وثّقه الدارقطني، وقال أحمد والعجلي: لا بأس به. وقال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه. وقال ابن نمير: كان يسرق الحديث. اهـ مختصرًا من "الميزان".(1/148)
ثم وجدت للحديث طريقًا أخرى صحيحة إلى الحسن، قال الإمام أحمد رحمه الله في "الزهد" ص(343): حدثنا حسين(1)[254] حدثنا حماد بن مسلمة عن يونس عن الحسن أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((ليخرجنّ من النّار بشفاعة رجل ما هو نبيّ أكثر من ربيعة ومضر)). قال الحسن: وكانوا يرون أنه عثمان رضي الله عنه، أو أويس رضي الله عنه.
وقال عبدالله بن أحمد في "زوائد الزهد" ص(344): حدثني أحمد بن إبراهيم حدثنا أحمد بن عبدالله بن يونس حدثنا أبوبكر بن عياش عن هشام عن الحسن قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يدخل الجنّة بشفاعة رجل من أمّتي أكثر من ربيعة ومضر)).
قال هشام: فأخبرني حوشب عن الحسن قال: هو أويس القرني. قال أبوبكر: قلت لرجل من قوم أويس: بأيّ شيء بلغ هذا؟ قال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. قال أبوبكر: ومات أويس بسجستان. قال: فوجد معه أكفان لم تكن معه. اهـ
الحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك" (ج3 ص405) وهو مرسل من الثلاث الطرق إلى الحسن.
وقد جاء هذا الحديث من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا. ذكره ابن حبان في "الضعفاء" (ج2 ص292) وقال: لا أصل له. يعني من حديث ابن عمر.
127- قال الحاكم رحمه الله (ج3 ص103): حدثنا أحمد بن كامل القاضي ثنا أحمد بن محمد بن عبدالحميد الجعفي ثنا الفضل بن جبير الوراق ثنا خالد ابن عبدالله الطحان المزني عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت قاعدًا عند النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إذ أقبل عثمان بن عفان رضي الله عنه، فلمّا دنا منه قال: ((يا عثمان تقتل وأنت تقرأ سورة البقرة، فتقع قطرة من دمك على {فسيكفيكم الله وهو السّميع العليم} وتبعث يوم القيامة أميرًا على كل مخذول، يغبطك أهل المشرق والمغرب، وتشفّع في عدد ربيعة ومضر)).(1/149)
قال الحافظ الذهبي في "التلخيص": كذب بحت، وفي الإسناد أحمد بن محمد بن عبدالحميد الجعفي وهو المتهم به. اهـ
قلت: وفيه الفضل بن جبير الوراق قال العقيلي: لا يتابع على حديثه كما في "الميزان" و"اللسان".
128- قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج10 ص304): حدثنا محمد بن علي بن حبيش(1)[255] ثنا أبوالعباس بن عطاء الصوفي ثنا يوسف بن موسى القطان ثنا الحسن بن بشر البلخي ثنا الحكم بن عبدالملك عن قتادة عن أبي مليح عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يدخل الجنّة بشفاعة رجل من أمّتي أكثر من بني تميم)).
الحديث أخرجه الخطيب (ج5 ص26) في ترجمة أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء أبي العباس.
والحديث في سنده:
قتادة: وهو مدلس ولم يصرح بالتحديث.
والحكم بن عبدالملك: ضعفه ابن معين، وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أبوداود: منكر الحديث. كما في "الميزان".
وفيه أيضا أبوالعباس بن عطاء: وهو أحمد بن محمد بن عطاء الأدمي ترجم له أبونعيم في "الحلية" (ج10 ص302)، والخطيب (ج5 ص26)، والذهبي في "العبر" (ج2 ص144)، وأبوعبدالرحمن السلمي في "طبقات الصوفية" ص(265)، وابن العماد في "شذرات الذهب" (ج2 ص257)، وكلهم لم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلاً، بل يثنون عليه في عبادته وزهده، وهذا لا يكفي بل لا بد من شروط القبول في ثبوت الحديث.
أما الحافظ ابن كثير فقد قال في "البداية والنهاية" (ج11 ص144): كان موافقًا للحلاج في بعض اعتقاده على ضلاله. اهـ المراد من "البداية".
129- قال ابن خزيمة رحمه الله ص(314): حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: ثنا يحيى بن يمان عن سفيان(2)[256] عن آدم بن علي عن ابن عمر قال: يقول النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم للرّجل: ((يا فلان، قم فاشفعْ)) فيقوم الرّجل فيشفع للقبيلة ولأهل البيت وللرّجل وللرّجلين على قدر عمله.(1/150)
الحديث أخرجه أبونعيم في "الحلية" (ج7 ص105) وفي سنده يحيى بن يمان، قال الحافظ في "التقريب": صدوق يخطئ كثيرًا وقد تغيّر.
وفي "تهذيب التهذيب": قال زكريا الساجي: ضعفه أحمد، وقال: حدث عن الثوري بعجائب.
وقال وكيع: هذه الأحاديث التي يحدث بها يحيى بن يمان ليست من أحاديث الثوري. اهـ المراد منه.
قال أبوعبدالرحمن: وهذا من روايته عن الثوري كما ترى.
130- قال ابن ماجه رحمه الله (ج2 ص1443): حدثنا سعيد بن مروان ثنا أحمد بن يونس ثنا عنبسة بن عبدالرحمن عن علاق بن أبي مسلم عن أبان ابن عثمان عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثمّ العلماء ثمّ الشّهداء)).
الحديث أخرجه الآجري في "الشريعة" ص(350)، وابن عبدالبر في "جامع بيان العلم وفضله" (ج1 ص37).
والحديث ضعيف جدًا لأن في سنده علاق بن أبي مسلم، قال الذهبي في "الميزان": وهّاه الأزدي وما ليّنه القدماء. اهـ
وفيه عنبسة بن عبدالرحمن: قال الذهبي في "الميزان": قال البخاري: تركوه. وروى الترمذي عن البخاري: ذاهب الحديث. وقال أبوحاتم: كان يضع الحديث. اهـ
ولعل آفة الحديث هو عنبسة والله أعلم.
131- قال ابن عبدالبر رحمه الله في "جامع بيان العلم وفضله" (ج1 ص25): حدثني خلف بن القاسم(1)[257] قال: حدثنا علي بن أحمد بن سعيد بن زكير قال: حدثنا علي بن يعقوب قال: حدثنا عبيدالله بن محمد بن أبي المدور قال: أخبرنا حبيب بن إبراهيم قال: حدثنا شبل بن العلاء عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يبعث الله العالم والعابد، فيقال للعابد: ادخل الجنّة. ويقال للعالم: اشفعْ للنّاس كما أحسنت أدبهم)) قال شبل: يعني تعليمهم.(1/151)
الحديث في سنده شبل بن العلاء: قال ابن عدي: روى أحاديث مناكير ليست أحاديثه محفوظة. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: روى عنه ابن أبي فديك نسخة مستقيمة. اهـ المراد من "لسان الميزان".
وفيه أيضًا حبيب بن إبراهيم شيخ مجهول لقيه قتيبة بن سعيد بالإسكندرية فزعم أنه سمع من أنس بن مالك فحدّثه بنسخة رواها عن قتيبة الحسن بن الطيب البلخي وفيها مناكير كثيرة. اهـ من "لسان الميزان".
وقد صدره الحافظ المنذري رحمه الله في "الترغيب والترهيب" (ج1 ص102) بـ(روي) التي هي علامة الضعف كما نبّه على ذلك في المقدمة.
132- قال الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (ج1 ص20): أنا عبدالغفار بن محمد بن جعفر أنا عمر بن أحمد الواعظ نا عبدالله بن عمر بن سعيد الطالقاني نا عمار بن عبدالمجيد نا محمد بن مقاتل الرازي عن أبي العباس جعفر بن هارون الواسطي عن سمعان بن مهدي عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إذا كان يوم القيامة يقول تعالى للعابد: ادخل الجنّة فإنّما كانتْ منفعتك لنفسك. ويقال للعالم: اشفعْ تشفّع فإنّما كانت منفعتك للنّاس)).
الحديث موضوع، فقد قال الذهبي في سمعان: حيوان لا يعرف، ألصقت به نسخة مكذوبة قبّح الله من وضعها. اهـ من "الميزان".(1/152)
133- قال مسلم رحمه الله (ج1 ص57): حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن ابن عجلان عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز عن الصنابحي(1)[258] عن عبادة بن الصامت أنه قال: دخلت عليه وهو في الموت فبكيت فقال: مهلاً لم تبكي؟ فوالله لئن استشهدت لأشهدنّ لك، ولئن شفّعت لأشفعنّ لك، ولئن استطعت لأنفعنّك، ثم قال: والله ما من حديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لكم فيه خير إلاّ حدثْتكموه إلاّ حديثًا واحدًا وسوف أحدّثكموه اليوم، وقد أحيط بنفسي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((من شهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدًا رسول الله حرّم الله عليه النّار)).
الحديث أخرجه الترمذي (ج4 ص132)، وأحمد (ج6 ص318)، وابن خزيمة ص(340)، ويعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (ج2 ص362)، وابن حبان في "صحيحه" (ج1 ص245) من "ترتيب الصحيح"، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص(99-100) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
134- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص357): ثنا عفان ثنا أبوعوانة ثنا زياد بن علاقة قال: سمعت جرير بن عبدالله قام يخطب يوم توفي المغيرة بن شعبة فقال: عليكم باتّقاء الله عزّ وجلّ والوقار والسّكينة حتّى يأتيكم أمير، فإنّما يأتيكم الآن، ثمّ قال: اشفعوا لأميركم فإنّه كان يحبّ العفو، وقال: أمّا بعد فإنّي أتيت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقلت: أبايعك على الإسلام. فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم واشترط عليّ النّصح لكلّ مسلم، فبايعته على هذا، وربّ هذا المسجد إنّي لكم لناصح جميعًا، ثمّ استغفر ونزل.(1/153)
الحديث رجاله رجال الصحيح، وأصله في الصحيحين إلا أنّه في الصحيحين قال: (استعفوا لأميركم). أي اطلبوا له العفو، وهو المناسب لقوله: (فإنه كان يحب العفو). لأن الجزاء من جنس العمل، قال الحافظ في "الفتح" (ج1 ص139): قوله: (استعفوا لأميركم) كذا في معظم الروايات بالعين المهملة، وفي رواية ابن عساكر: (استغفروا) بغين معجمة وزيادة راء، وهي رواية الإسماعيلي في "المستخرج". اهـ
قال أبوعبدالرحمن: بما أن مخرج الحديث واحد، والخطبة واحدة، فالظاهر أن ما في "مسند أحمد" تصحيف، أو شذ بها بعض الرواة، على أنه قد جاء في "المسند" (ج4 ص361): (استغفروا).
135- قال الطبراني رحمه الله كما في "الكبير" (ج22 ص304): حدثنا أحمد ابن خليد الحلبي ثنا أبوتوبة الربيع بن نافع ثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عبدالله بن عامر أن قيس بن الحارث الكندي حدّث الوليد أن أبا سعد الأنصاري حدثه أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((إنّ ربّي وعدني أن يدخل الجنّة من أمّتي سبعين ألفًا بغير حساب، ويشفع كلّ ألف لسبعين ألفًا، ثم يحثي ربي ثلاث حثيات بكفّيه)) قال قيس: فقلت لأبي سعد: أنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ فقال: نعم، بأذني ووعاه قلبي. قال أبوسعد: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((وذاك إن شاء الله مستوعب مهاجري أمّتي ويوفي الله من أعرابنا)).
وقد روى هذا الحديث أبوسهل بن عسكر عن أبي توبة الربيع بن نافع بإسناد مثله وزاد: قال أبوسعيد : فحسب ذلك عند رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فبلغ أربعمائة ألف ألف وتسعين ألفًا.(1/154)
الحديث قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الإصابة" في ترجمة أبي سعيد الأنماري: وقال أبوأحمد: لست أحفظ له اسمًا ولا نسبًا، وحديثه في أهل الشام. ثم أورد من طريق مروان بن محمد عن معاوية بن سلام أخي زيد بن سلام أنه سمع جده أبا سلام الحبشي(1)[259] قال: حدثني عبدالله بن عامر اليحصبي سمعت قيس بن حجر يحدث عن عبدالملك بن مروان قال: حدثني أبوسعيد الأنماري أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول:... وذكر الحديث. ثم قال الحافظ: سنده صحيح، وكلهم من رجال الصحيح إلا قيس بن حجر وهو شامي ثقة، ولكن أخرجه الحاكم أبوأحمد أيضًا من طريق أبي توبة عن معاوية بن سلام فقال: إن قيس بن حجر الكندي حدث الوليد بن عبدالملك أن أبا سعيد الخير حدثه.
وأخرجه الطبراني من طريق أبي توبة فقال: إن أبا سعيد الأنماري(2)[260]، وقال: قيس بن الحارث.
وأخرجه أيضًا من وجه آخر عن الزبيدي عن عبدالله بن عامر فقال: عن قيس بن الحارث أن أبا سعد الخير الأنصاري حدثه، فذكر طرفًا منه.
فمن هذا الاختلاف يتوقف في الجزم بصحة هذا السند. اهـ المراد من "الإصابة".(1/155)
136- قال أبونعيم رحمه الله تعالى في "أخبار أصبهان" (ج1 ص148): حدثنا محمد بن عبدالرحمن بن مخلد(1)[261] حدثني أحمد بن الزبير بن هارون المديني ثنا همام بن محمد بن النعمان ثنا إسحاق بن بشر الكاهلي ثنا أبومعشر عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إذا كان عشيّة يوم عرفة أشرف الرّبّ عزّ وجلّ من عرشه إلى عباده فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثًا غبرًا قد أقبلوا يضربون إليّ من كلّ فج عميق، أشهدكم أنّي قد شفّعت محسنهم في مسيئهم، وأنّي قد غفرت لهم جميع ذنوبهم إلا التبعات الّتي بينهم وبين خلقي. قال: فإذا أتوا المزدلفة، وشهدوا جمعًا، ثم أتوا منًى فرموا الجمار وذبحوا وحلقوا، ثمّ زاروا البيت، قال: يا ملائكتي أشهدكم أنّي قد شفّعت محسنهم في مسيئهم، وأنّي قد غفرت لهم جميع ذنوبهم، وأنّي قد خلفتهم في عيالاتهم، وأنّي قد استجبت لهم جميع ما دعوا به، وأنّي قد غفرت لهم التبعات الّتي بينهم وبين خلقي، وعليّ رضاء عبادي)).
الحديث أعاده أبونعيم في "أخبار أصبهان" في ترجمة همام بن محمد بن النعمان (ج2 ص341).
وهو حديث موضوع لأن في سنده إسحاق بن بشر الكاهلي وهو كذّاب كما في "الميزان"، وأبومعشر السندي الأكثرون(2)[262] على تضعيفه كما في "الميزان".
وأحمد بن الزبير وهمام بن محمد ترجم لهما أبونعيم في "أخبار أصبهان"، ولم يذكر فيهما جرحًا ولا تعديلاً.(1/156)
137- قال الأزرقي رحمه الله في "أخبار مكة" (ج2 ص4): حدثني يحيى بن سعيد عن أخيه علي بن سعيد عن سعيد بن سالم أخبرنا إسماعيل بن عياش عن مغيرة بن قيس التميمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: من توضّأ وأسبغ الوضوء، ثمّ أتى الرّكن يستلمه خاض في الرّحمة، فإن استلمه فقال: بسم الله، والله أكبر، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله غمرته الرّحمة، فإذا طاف بالبيت كتب الله عزّ وجلّ له بكلّ قدم سبعين ألف حسنة، وحطّ عنه سبعين ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف درجة، وشفّع في سبعين من أهل بيته، فإذا أتى مقام إبراهيم عليه السّلام فصلّى عنده ركعتين إيمانًا واحتسابًا كتب الله له كعتق أربعة عشر محررًا من ولد إسماعيل، وخرج من خطيئته كيوم ولدته أمّه.
قال القداح: وزاد فيه آخر: وأتاه ملك قال له: اعمل لما بقي فقد كفيت ما مضى.
حدثني يحيى بن سعيد بن سالم القداح حدثنا خلف بن ياسين عن أبي الفضل الفراء عن المغيرة بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إذا خرج المرء يريد الطّواف بالبيت أقبل يخوض في الرّحمة، فإذا دخله غمرته، ثمّ لا يرفع قدمًا ولا يضع قدمًا إلاّ كتب الله عزّ وجلّ له بكلّ قدم خمسمائة حسنة وحطّ عنه خمسمائة سيئة -أو قال: خطيئة- ورفعت له خمسمائة درجة، فإذا فرغ من طوافه فصلّى ركعتين دبر المقام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه وكتب له أجر عتق عشر رقاب من ولد إسماعيل، واستقبله ملك على الرّكن فقال له: استأنف العمل فيما بقي فقد كفيت ما مضى، وشفّع في سبعين من أهل بيته)).
الحديث بالسند الأول موقوف على عبدالله بن عمرو، وعبدالله بن عمرو يحدث عن كتب أهل الكتاب فقد ظفر بزاملتين يوم اليرموك من كتب أهل الكتاب فصار يحدّث منهما، على أن في السند إليه من لا تقوم به حجة:(1/157)
1- مغيرة بن قيس: قال أبوحاتم: منكر الحديث. كما في "الميزان".
2- إسماعيل بن عياش: روايته عن غير أهل بلده ضعيفة، ومغيرة بصري كما في "الميزان".
3- يحيى بن سعيد القداح: قال الذهبي في "الميزان": له مناكير.
أما علي بن سعيد بن سالم القداح فلم أجد له ترجمة.
وأما السند الثاني ففيه خلف بن ياسين، قال الذهبي في "الميزان": خلف ابن ياسين بن معاذ الزيات عن المغيرة بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: من خرج يريد الطّواف خاض في الرحمة، فإذا دخله غمرته ... -وذكر الحديث إلى قوله:- وشفع في سبعين من أهل بيته. ثم ذكر له حديثًا آخر وقال بعده: هذا موضوع، وهو كما ترى متناقض. اهـ
وكلام العقيلي كما في "لسان الميزان" يفيد أن خلفًا مجهول.
وفي السند أيضًا يحيى بن سعيد القداح وقد تقدم ما قيل فيه.
أما المغيرة بن سعيد فلم أجد له ترجمة وليس بالمغيرة بن سعيد الرافضي الكذاب فالرافضي أعلى منه طبقةً.
وكذا أبوالفضل الفراء ما وجدت له ترجمة، وأظنه زيد في "أخبار مكة" إذ الحديث في "الميزان" عن خلف عن مغيرة بدون واسطة، والله أعلم.
138- قال عبدالرزاق (ج5 ص17) من "المصنف": عمن سمع قتادة يقول: حدثنا خلاس بن عمرو عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يوم عرفة: ((أيّها النّاس إنّ الله تطوّل عليكم في هذا اليوم فيغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، اندفعوا بسم الله، فإذا كان بجمع قال: إنّ الله قد غفر لصالحكم، وشفّع صالحكم في طالحكم، تنْزل المغفرة فتعمّهم، ثمّ تفرّق المغفرة في الأرضين، فتقع على كلّ تائب ممن حفظ لسانه ويده، وإبليس وجنوده على جبال عرفات ينظرون ما يصنع الله بهم، فإذا نزلت المغفرة دعا هو وجنوده بالويل يقول: كنت أستفزهم حقبًا من الدّهر ثمّ جاءت المغفرة فغشيتهم فيتفرقون وهم يدعون بالويل والثبور)).(1/158)
الحديث قال الهيثمي (ج3 ص257): رواه الطبراني في "الكبير" وفيه راو لم يسمّ وبقية رجاله رجال الصحيح. اهـ
وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (ج2 ص216) وقال: راويه عن قتادة مجهول، وخلاس ليس بشيء كان مغيرة لا يعبأ به، وقال أيوب: لا ترو عنه فإنه صحفي. اهـ
قال أبوعبدالرحمن: في كلام أبي الفرج تحامل على خلاس، وقد اختلف فيه، والموثقون له أكثر، والجرح فيه غير مفسر إلا أنه صحفي، فالظاهر أن ضعف الحديث من أجل المبهم، وينظر هل سمع خلاس من عبادة أم لا؟ فإنه يروي عن من لم يسمع منه كما في "تهذيب التهذيب" و"جامع التحصيل".
139- قال أبونعيم في "الحلية" (ج7 ص235): حدثنا أبوالطيب عبدالواحد ابن الحسن المقرئ الكوفي ثنا الحسن بن محمد بن شريح ثنا أبويزيد بن طريف ثنا زكرياء بن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ثنا إسماعيل بن يحيى عن مسعر عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((من خرج حاجًا يريد وجه الله فقد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وشفع فيمن دعا له)).
غريب من حديث مسعر لم نكتبه إلا من هذا الوجه.
الحديث في سنده إسماعيل بن يحيى التيمي، قال الذهبي في "الميزان": روى عن أبي سنان الشيباني وابن جريج ومسعر الأباطيل، وقال صالح بن محمد جزرة: كان يضع الحديث. وقال الأزدي: ركن من أركان الكذب لا تحل الرواية عنه. وقال أبوعلي النيسابوري الحافظ والدارقطني والحاكم: كذاب. قال الذهبي: قلت: مجمع على تركه. اهـ مختصرًا من "الميزان".(1/159)
140- قال الإمام أحمد رحمه الله في "المسند" (ج3 ص217): ثنا أنس بن عياض حدثني يوسف بن أبي بردة الأنصاري عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((ما من معمّر يعمّر في الإسلام أربعين سنةً إلاّ صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلاء: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ خمسين سنةً ليّن الله عليه الحساب، فإذا بلغ ستّين رزقه الله الإنابة إليه بما يحبّ، فإذا بلغ سبعين سنةً أحبّه الله وأحبّه أهل السّماء، فإذا بلغ الثّمانين قبل الله حسناته وتجاوز عن سيّئاته، فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وسمّي أسير الله في أرضه وشفع لأهل بيته)).
الحديث أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (ج3 ص132) في ترجمة يوسف بن أبي بردة وقال: لا يجوز الاحتجاج به بحال.
- وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص89): ثنا أبوالنضر ثنا الفرج ثنا محمد بن عامر عن محمد بن عبيدالله عن عمرو بن جعفر عن أنس بن مالك قال: إذا بلغ الرّجل المسلم أربعين سنةً آمنه الله من أنواع البلايا: من الجنون والبرص والجذام، وإذا بلغ الخمسين ليّن الله عزّ وجلّ عليه حسابه، وإذا بلغ السّتّين رزقه الله إنابةً يحبّه عليها، وإذا بلغ السّبعين أحبّه الله وأحبّه أهل السّماء، وإذا بلغ الثّمانين تقبّل الله منه حسناته ومحا عنه سيّئاته، وإذا بلغ التّسعين غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر وسمّي أسير الله في الأرض وشفّع في أهله.
ثنا هاشم ثنا الفرج حدثني محمد بن عبدالله العامري عن محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان عن عبدالله بن عمر بن الخطاب عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم مثله.(1/160)
- وقال أحمد بن منيع في "مسنده" كما في "اللآلي المصنوعة" (ج1 ص138): حدثنا عباد بن عباد المهلبي عن عبدالواحد بن راشد عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إذا بلغ العبد أربعين آمنه الله تعالى من البلايا الثلاث: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ خمسين خفّف الله عنه الحساب، وإذا بلغ ستّين رزقه الله الإنابة إليه، فإذا بلغ سبعين أحبّه أهل السّماء، فإذا بلغ االثّمانين أثبت الله تعالى له الحسنات ومحا عنه السّيّئات، فإذا بلغ التّسعين غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، وسماه أهل السّماء أسير الله في الأرض)) اهـ
وفي "الموضوعات" لابن الجوزي: ((وشفّع في أهل بيته)).
-(1)[263] وقال أبونعيم رحمه الله في "أخبار أصبهان" (ج1 ص346): حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ثنا أحمد بن محمود بن صبيح ثنا الحجاج بن يوسف بن قتيبة ثنا الصباح بن عاصم الأصبهاني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((صاحب الأربعين يصرف عنه أنواع البلاء والأمراض والجذام والبرص وما أشبهه، وصاحب الخمسين يرزق الإنابة، وصاحب السّتّين يخفّف عنه الحساب، وصاحب السّبعين يحبّه الله والملائكة في السّماء، وصاحب الثّمانين تكتب حسناته ولا تكتب سيّئاته، وصاحب التّسعين أسير الله في الأرض يشفع في نفسه وفي أهل بيته)).(1/161)
- وقال الحافظ أبويعلى (ج6 ص351): حدثنا منصور بن أبي مزاحم حدثني خالد الزيات حدثني داود بن سليمان عن عبدالله بن عبدالرحمن بن معمر بن حزم الأنصاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه -رفع الحديث- قال: ((المولود حتى يبلغ الحنث ما عمل من حسنة كتب لوالده أو لوالديه وما عمل من سيّئة لم تكتب عليه ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث جرى عليه القلم أمر الملكان الّلذان معه أن يحفظا وأن يشددا فإذا بلغ أربعين سنةً في الإسلام آمنه الله من البلايا الثلاثة: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ الخمسين خفّف الله من حسابه، فإذا بلغ السّتين رزقه الله الإنابة إليه بما يحبّ، فإذا بلغ السّبعين أحبّه أهل السّماء، فإذا بلغ الثّمانين كتب الله له حسناته وتجاوز عن سيّئاته. فإذا بلغ التّسعين غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، وشفّعه في أهل بيته، وكان أسير الله في أرضه، فإذا بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئًا كتب الله له مثل ما كان يعمل في صحّته من الخير، فإذا عمل سيّئةً لم تكتب عليه)).
قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره": هذا حديث غريب جدًا وفيه نكارة شديدة(1)[264]، ومع هذا فقد رواه الإمام أحمد، ثم ذكر الحديثين المتقدمين من "المسند".(1/162)
- وقال البزار رحمه الله كما في "تفسير ابن كثير" رحمه الله (ج3 ص208) : عن عبدالله بن شبيب(1)[265] عن أبي شيبة عن عبدالله بن عبدالملك عن أبي قتادة العدوي عن ابن أخي الزهري عن عمه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((ما من عبد يعمّر في الإسلام أربعين سنةً إلاّ صرف الله عنه أنواعًا من البلاء: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ خمسين سنةً ليّن الله له الحساب، فإذا بلغ ستين سنةً رزقه الله الإنابة إليه بما يحبّ، فإذا بلغ سبعين سنةً غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر(2)[266]، وسمّي أسير الله وأحبّه أهل السّماء، فإذا بلغ الثّمانين تقبّل الله منه حسناته وتجاوز عن سيّئاته، فإذا بلغ التّسعين غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وسمّي أسير الله في أرضه، وشفّع في أهل بيته)).
- وقال البيهقي في "الزهد" كما في "اللآلي المصنوعة" (ج1 ص144): حدثنا أبوعبدالله الحافظ وغيره قالوا: حدثنا أبوالعباس(3)[267] محمد بن يعقوب حدثنا بكر بن سهل حدثنا عبدالله بن محمد بن رمح بن المهاجر أنبأنا ابن وهب عن حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن أنس به.
قال السيوطي نقلاً عن الحافظ: وهذا أمثل طرق الحديث فإن رجاله ثقات، وبكر بن سهل وإن كان النسائي تكلّم فيه فقد توبع عليه، قال إسماعيل بن الفضل الاخشيد في "فوائده": حدثنا أبوطاهر بن عبدالرحيم حدثنا أبوبكر بن المقري حدثنا أبوعروبة الحراني حدثنا مخلد بن مالك حدثنا الصنعاني، هو حفص بن ميسرة به.
قال الحافظ كما في "اللآلي" (ج1 ص140): ومخلد بن مالك وثّقه أبوزرعة ولا أعلم فيه جرحًا، وباقي الإسناد أثبات، فلو لم يكن لهذا الحديث سوى هذا لكان كافيًا في الرّدّ على من حكم بوضعه فضلاً عن أن يكون له أسانيد أخرى. اهـ المراد من "اللآلي المصنوعة".(1/163)
141- قال الحاكم رحمه الله في "المستدرك" (ج3 ص478): حدثنا عبدالله بن إسحاق الخراساني العدل ببغداد ثنا جعفر بن محمد بن شاكر ثنا عثمان بن الهيثم ثنا الهيثم بن الأشعث عن محمد بن عمارة الأنصاري عن جهم بن عثمان السلمي عن محمد بن عبدالله(1)[268] بن عمرو بن عثمان عن عبدالله بن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إذا بلغ المرء المسلم أربعين سنةً صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلاء: الجنون والجذام والبرص، وإذا بلغ خمسين سنةً غفر له ذنبه ما تقدّم منه وما تأخّر، وكان أسير الله في الأرض، والشّفيع في أهل بيته يوم القيامة)).
قال الحافظ السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (ج1 ص141): في إسناده ضعف وإرسال، قال الحافظ ابن حجر: وفي رواته من لا يعرف حاله، ثم هو منقطع بين محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان وبين عبدالله بن أبي بكر فإن وفاة عبدالله قبل وجود(2)[269] محمد. اهـ
وذكر الحافظ نحو ذلك في "الإصابة"، وقال في آخره: قال الدارقطني: في إسناده نظر تفرّد به عثمان بن الهيثم المؤذن عن رجال ضعفاء. اهـ المراد من "الإصابة".
142- قال البغوي في "معجمه" وأبويعلى في "مسنده" كما في "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" (ج1 ص139): حدثنا عبيدالله بن عمر القواريري حدثنا عزرة بن قيس الأزدي حدثنا أبوالحسن الكوفي عن عمرو ابن أوس قال: قال محمد بن عمرو بن عثمان عن عثمان بن عفان عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((إذا بلغ العبد الأربعين خفّف الله تعالى عنه حسابه، فإذا بلغ الخمسين ليّن الله عليه الحساب، فإذا بلغ السّتين رزقه الله الإنابة إليه، فإذا بلغ سبعين أحبّه أهل السّماء، فإذا بلغ الثّمانين أثبتتْ حسناته، ومحيتْ سيّئاته، فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وشفّعه في أهل بيته، وكتب في أهل السّماء أسير الله في أرضه)).(1/164)
قال أبوعبدالرحمن: غالب أسانيد هذه الأحاديث تدور على مجروحين ومجاهيل إلا الحديث الذي رواه البيهقي في "الزهد" مع متابعة بكر بن سهل، فالذي يظهر لي أن الحديث بمجموع طرقه صالح للحجية. والله أعلم.
وإن كنت تريد المزيد راجعت "القول المسدد في الذبّ عن مسند أحمد" ص(29) -إلى آخر البحث حول الحديث-، و"اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" (ج1 ص138) -إلى آخر البحث حول الحديث-، و"الخصال المكفرة" للحافظ ابن حجر (ج1 ص264) -من الرسائل المنيرية- و"مجمع الزوائد" (ج10 ص205-206)، فقد قال في بعض طرق حديث أنس: رواه البزار بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات.
143- قال ابن حبان في "الضعفاء" (ج1 ص276): وقد روى حمزة بن أبي حمزة عن عطاء بن أبي رباح ونافع عن ابن عمر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم صلى على مقبرة فقيل له: يا رسول الله، أيّ مقبرة هذه؟ قال: ((هي مقبرة بأرض العدوّ يقال لها: عسقلان، يفتحها ناس من أمّتي يبعث الله منها سبعين ألف شهيد، يشفع الرّجل منهم في مثل ربيعة ومضر، ولكلّ عروس في الجنّة، وعروس الجنّة عسقلان)).
أنبأه الحسن بن سفيان ثنا سويد بن سعيد ثنا حفص بن ميسرة ثنا حمزة ابن أبي حمزة. اهـ
قال ابن حبان: ينفرد -أي حمزة بن أبي حمزة- بالأشياء الموضوعات كأنه كان المتعمد لها، لا تحل الرواية عنه.
الحديث أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (ج2 ص52)، وقال ص(54): في سنده حمزة بن أبي حمزة، قال أحمد بن حنبل: هو مطروح الحديث. وقال يحيى: ليس بشيء لا يساوي فلسًا. وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث. وقال ابن عدي: يضع الحديث. ثم ذكر قول ابن حبان المتقدم.
وفي سند الحديث سويد بن سعيد، وقد كان ابن معين يحمل عليه، وقال صالح جزرة: سويد صدوق إلا أنه عمي فكان يلقّن ما ليس من حديثه. اهـ من "الميزان".(1/165)
وقد ذكر السيوطي في "اللآلئ" (ج1 ص461) لهذا الحديث شاهدًا لكنّه من طريق العباس بن الوليد، وقد قال أبوحاتم: يكتب حديثه، شيخ. وقال الآجري: سألت أبا داود عنه فقال: كان عالمًا بالرّجال والأخبار لا أحدث عنه. اهـ
وقال عبدالرحمن المعلمي رحمه الله في تعليقه على "الفوائد المجموعة" ص(431): رواه الدولابي في "الكنى" (ج2 ص63)، وقال: منكر جدًا وهو شبه حديث الكذابين.
ثم قال المعلمي: وفي سنده الهذيل بن مسعر الأنصاري لم أجده، وليس هو بهزيل أو هذيل بن مسعدة الذي ذكره البخاري وابن أبي حاتم فإنّهما وصفاه بأنه أخو علي بن مسعدة وعلي باهلي. اهـ
144- قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج2 ص241): حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر قال: ثنا علي بن إسحاق قال: ثنا الحسين بن الحسن قال: ثنا عبدالله بن المبارك(1)[270] عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر قال: بلغنا أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يكون في أمّتي رجل يقال له: صلة، يدخل الجنّة بشفاعته كذا وكذا)).
الحديث أخرجه ابن المبارك في "الزهد" ص(297)، وهو حديث معضل فإن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر يروي عن التابعين.
145- قال ابن خزيمة رحمه الله ص(315): حدثنا إسحاق بن منصور قال: ثنا عبدالرزاق عن معمر قال: أخبرني ثابت البناني أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّ الرّجل يشفع للرّجلين وللثّلاثة، والرّجل للرّجل)).
الحديث رجاله رجال الصحيح، وفي رواية معمر عن ثابت ضعف لكنها تصلح في الشواهد والمتابعات.(1/166)
146- قال الحاكم رحمه الله (ج3 ص399): حدثني أبوعمرو محمد بن جعفر ابن محمد بن مطر العدل الزاهد وأنا سألته ثنا أبوحبيب العباس بن أحمد بن محمد بن عيسي القاضي ثنا أبوبكر عبدالله بن عبيدالله الطلحي ثنا عبدالله ابن محمد بن إسحاق بن موسى بن طلحة بن عبيدالله حدثني أبوحذيفة الحصين بن حذيفة بن صيفي بن صهيب عن أبيه عن جده عن صهيب قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول في المهاجرين الأوّلين: ((هم السّابقون الشّافعون المدلّون على ربّهم تبارك وتعالى، والّذي نفسي بيده إنّهم ليأتون يوم القيامة وعلى عواتقهم السّلاح فيقرعون باب الجنّة، فتقول لهم الخزنة: من أنتم؟ فيقولون: نحن المهاجرون. فتقول لهم الخزنة: هل حوسبتم؟ فيجثون على ركبهم، وينثرون ما في جعابهم ويرفعون أيديهم إلى السّماء فيقولون: أي ربّ، وماذا نحاسب؟ فقد خرجْنا وتركْنا الأهل والمال والولد فيمثّل الله لهم أجنحةً من ذهب مخوّصةً بالزبرجد والياقوت، فيطيرون حتّى يدخلوا الجنّة فذلك قوله {وقالوا الحمد لله الّذي أذهب عنّا الحزن} الآية إلى {لغوب}))
قال أبوحذيفة: قال حذيفة: قال صيفي: قال صهيب قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((فلهم بمنازلهم في الجنّة أعرف منهم بمنازلهم في الدّنيا)).
غريب الإسناد والمتن، ذكرته في (مناقب صهيب) لأنه من المهاجرين الأولين، والراوي للحديث أعقابه، والحديث لأصحابه، ولم نكتبه إلا عن شيخنا الزاهد أبي عمرو رحمه الله.
الحديث أخرجه أبونعيم في "الحلية" (ج1 ص156).
وقال الذهبي رحمه الله متعقبًا الحاكم: قلت: بل كذب، وإسناده مظلم.(1/167)
147- قال أبوداود رحمه الله (ج3 ص34): حدثنا أحمد بن صالح حدثنا يحيى ابن حسان حدثنا الوليد بن رباح الذماري حدثني عمي نمران بن عتبة الذماري قال: دخلنا على أمّ الدّرداء ونحن أيتام، فقالت: أبشروا فإنّي سمعت أبا الدّرداء يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يشفّع الشّهيد في سبعين من أهل بيته)).
قال أبوداود: صوابه: رباح بن الوليد.
الحديث أخرجه ابن حبان كما في "الموارد" ص(388)، والآجري في "الشريعة" ص(350)، والبيهقي (ج1 ص164).
والحديث يدور على نمران بن عتبة، وقد قال الذهبي في "الميزان": لا يدرى من هو؟.
148- قال الترمذي رحمه الله (ج3 ص106): حدثنا عبدالله بن عبدالرحمن حدثنا نعيم بن حماد حدثنا بقية بن الوليد عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((للشّهيد عند الله ستّ خصال: يغفر له في أوّل دفعة، ويرى مقعده من الجنّة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدّنيا وما فيها، ويزوّج اثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين، ويشفّع في سبعين من أقاربه)).
هذا حديث حسن صحيح غريب.
الحديث أخرجه ابن ماجه (ج2 ص935) فقال: حدثنا هشام بن عمار ثنا إسماعيل بن عياش حدثني بحير بن سعيد به.
وأخرجه أحمد (ج3 ص131)، والآجري في "الشريعة" ص(349).
والحديث يدور علي بحير بن سعيد وهو ثقة، يرويه عن خالد بن معدان وخالد ثقة لكنه يرسل كثيرًا ولم يصرح بالتحديث من المقدام، وقد قال الإسماعيلي كما في "تهذيب التهذيب": بينه وبين المقدام بن معد يكرب جبير بن نفير، قال الحافظ: وحديثه عن المقدام في "صحيح البخاري". اهـ
وكون حديثه عنه في "صحيح البخاري" لا يلزم أنه لا يرسل عنه لكن الحديث في الشواهد فلا يضر.(1/168)
149- قال البزار رحمه الله كما في "كشف الأستار" (ج2 ص283): حدثنا سلمة بن شبيب -فيما أحسب- ثنا محمد بن معاوية ثنا مسلم بن خالد عن شريك بن أبي نمر عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وذكر الحديث في فضل الشّهداء، وفيه: ((ولا يسألون شيئًا إلاّ أعطوه، ولا يشفعون في شيء إلاّ شفّعوا فيه، ويعطون في الجنّة ما أحبّوا ويتبوؤن من الجنّة حيث أحبّوا)).
قال البزار: لا نعلمه عن أنس إلا بهذا الطريق، ومحمد بن معاوية قد حدث بأحاديث لم يتابع عليها، وأحسب هذا أتى منه، لأن مسلم بن خالد لم يكن بالحافظ.
الحديث -كما يقول البزار رحمه الله- في سنده محمد بن معاوية وهو النيسابوري، لأن سلمة بن شبيب كان مستمليه كما في "الميزان"، وقد كذبه ابن معين والدارقطني وغيرهما، كما في "الميزان" و"تهذيب التهذيب".
150- قال البزار رحمه الله كما في "كشف الأستار" (ج2 ص8): حدثنا محمد بن عمر بن هياج ثنا يحيى بن عبدالرحمن(1)[271] الأرحبي ثنا عبيدة بن الأسود عن سنان بن الحارث عن طلحة بن مصرف عن مجاهد عن ابن عمر قال: كنت جالسًا مع النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم -فذكر الحديث في فضل الحج وفيه- ((إنّ الله يقول لهم عند وقوفهم بعرفة: أفيضوا عبادي مغفورًا لكم ولمن شفعتم له)) الحديث.
قال البزار: قد روي هذا الحديث من وجوه، ولا نعلم له أحسن من هذا الطريق.
وقال الهيثمي في "المجمع" (ج4 ص275): رواه البزار ورجاله موثقون.
قال أبوعبدالرحمن: سنان بن الحارث ذكره ابن أبي حاتم، وذكر أنه روى عنه ثلاثة ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، فهو مستور الحال، وعبيدة ابن الأسود قال أبوحاتم: ما بحديثه بأس. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يعتبر حديثه إذا بيّن السّماع وكان فوقه ودونه ثقات. اهـ من "تهذيب التهذيب".(1/169)
ويحيى بن عبدالرحمن الأرحبي: قال الذهبي في "الميزان": صويلح، وقال الدارقطني: صالح يعتبر به. ومحمد بن عمر بن هياج: قال النسائي: لا بأس به. وقال محمد بن عبدالله الحضرمي: كان ثقة. فعلى هذا فالحديث صالح في الشواهد والمتابعات.
151- قال البزار رحمه الله كما في "كشف الأستار" (ج2 ص9): حدثنا ابن سنجر ثنا الحسن بن الربيع ثنا العطاف بن خالد المخزومي عن إسماعيل بن رافع عن أنس بن مالك قال: كنت قاعدًا مع رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم -فذكر الحديث في فضل الحج وفيه:- ((وأمّا وقوفك عشيّة عرفة فإنّ الله تبارك وتعالى يهبط إلى السّماء الدّنيا فيباهي بكم الملائكة، يقول: هؤلاء عبادي جاءوا شعثًا شفعاء من كلّ فجّ عميق يرجون رحمتي ومغفرتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرّمل، وكعدد القطر، وكزبد البحر لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفورًا لكم ولمن شفعتم له)).
الحديث قال الهيثمي في "المجمع" (ج3 ص276): رواه البزار وفيه إسماعيل بن رافع وهو ضعيف.
قال أبوعبدالرحمن: الحديث فيه انقطاع، فإنّهم لم يذكروا من مشايخ إسماعيل بن رافع أنسًا، كما في "الميزان" و"تهذيب التهذيب".
وإسماعيل بن رافع قال فيه النسائي: ليس بثقة. كما في "تهذيب التهذيب"، فعلى هذا فالحديث لا يثبت بهذا السند. والله أعلم.(1/170)
152- قال الإمام الخطيب أبوبكر أحمد بن علي في "التاريخ" (ج3 ص123): وسمعته يقول -يعني محمد بن العباس أبا بكر القاص- حدثنا أبوبكر محمد ابن أحمد المفيد حدثنا الحسن بن علي بن زيد حدثنا حاجب ابن سليمان حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا سفيان بن سعيد الثوري قال: حدثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبدالله قال: كنا عند النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقال: ((يطلع عليكم رجل لم يخلق الله بعدي أحدًا هو خير منه ولا أفضل، وله شفاعة مثل شفاعة النبيّين)) فما برحنا حتى طلع أبوبكر الصّدّيق، فقام النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقبّله والتزمه.
قال أبوعبدالرحمن: ذكر هذا في ترجمة محمد بن العباس أبي بكر القاص وهو تالف.
153- قال الإمام ابن عدي في "الكامل" (ج1 ص375): حدثنا الحسين بن عبدالغفار الأزدي بمصر حدثنا سعيد بن كثير بن عفير ثنا الفضل بن المختار عن أبان عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لأبي بكر رضي الله عنه: ((ما أطيب مالك، منه بلال مؤذّني وناقتي الّتي هاجرت عليها، وزوجتي ابنتك وواسيتني بنفسك ومالك كأني أنظر إليك على باب الجنّة تشفع لأمّتي)).
الحديث ضعيف جدًا ففيه الحسين بن عبدالغفار، قال الدارقطني: متروك. وقال ابن عدي: حدثنا عن جماعة لم يحتمل سنّه لقاءهم وله مناكير. اهـ "الميزان".
وفيه أيضًا أبان بن أبي عياش ضعيف جدًا، والحديث ذكره الذهبي في "الميزان" في ترجمته.
وفيه أيضًا الفضل بن المختار ضعيف جدًا يحدّث بالأباطيل، ينظر "الميزان" و"الكامل" لابن عدي.
فصل في شفاعة الأولاد لآبائهم(1/171)
154- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص509): ثنا يزيد أنا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّ الله عزّ وجلّ ليرفع الدّرجة للعبد الصّالح في الجنّة، فيقول: يا ربّ أنّى لي هذه؟ فيقال: باستغفار ولدك لك)).
الحديث رجاله رجال الصحيح.
155- قال مسلم رحمه الله (ج4 ص2029): حدثنا سويد بن سعيد ومحمد ابن عبدالأعلى -وتقاربا في اللفظ- قالا: حدثنا المعتمر عن أبيه عن أبي السليل(1)[272] عن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة: إنّه قد مات لي ابنان، فما أنت محدّثي عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بحديث تطيّب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: قال: نعم، ((صغارهم دعاميص الجنّة يتلقّى أحدهم أباه -أو قال: أبويه- فيأخذ بثوبه -أو قال: بيده- كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا فلا يتناهى -أو قال فلا ينتهي- حتّى يدخله الله وأباه الجنّة)).
وفي رواية سويد قال: حدثنا أبوالسليل، ثم قال مسلم: وحدثنيه عبيدالله ابن سعيد حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد- عن التيمي بهذا الإسناد، وقال: فهل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم شيئًا تطيب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: نعم.
الحديث أخرجه أحمد (ج2 ص488 وص510)، والبخاري في "الأدب" ص(63)، والبيهقي (ج4 ص67-68).
156- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص510): ثنا إسحاق(2)[273] أنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلاّ أدخلهما الله وإيّاهم بفضل رحمته الجنّة، وقال: يقال: لهم ادخلوا الجنّة. قال: فيقولون حتّى يجيء أبوانا. قال: ثلاث مرّات، فيقولون مثل ذلك فيقال: لهم ادخلوا الجنّة أنتم وأبواكم)).
الحديث رواه النسائي (ج4 ص22)، والبيهقي (ج4 ص68)، وهو على شرط الشيخين.(1/172)
157- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص105): ثنا أبوالمغيرة(1)[274] ثنا حريز قال: ثنا شرحبيل بن شفعة عن بعض أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((يقال للولدان يوم القيامة: ادخلوا الجنّة. قال: فيقولون: يا ربّ حتّى يدخل آباؤنا وأمّهاتنا. قال: فيأتون، قال: فيقول الله عزّ وجلّ: ما لي أراهم محبنطئين(2)[275]، ادخلوا الجنّة. قال: فيقولون: يا ربّ آباؤنا وأمّهاتنا. قال: فيقول: ادخلوا الجنّة أنتم وآباؤكم)).
الحديث رواه يعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (ج2 ص343) وسمى الصحابي عتبة بن عبد السلمي، وقال الهيثمي (ج3 ص11): رواه أحمد ورجاله ثقات.
وأقول: الحديث في سنده شرحبيل بن شفعة لم يرو عنه إلا حريز، ولم يوثّقه إلا ابن حبان، فهو مجهول العين، وأما ابن حبان فهو يوثّق المجهولين كما في مقدمة "لسان الميزان" و"فتح المغيث".
وأما قول أبي داود: إن مشايخ حريز ثقات ففيه نظر، فإن من مشايخ حريز: عبدالرحمن بن ميسرة كما في ترجمة حريز من "تهذيب التهذيب"، وقد قال ابن المديني : إنه مجهول ووثقه العجلي كما في "الميزان"، والعجلي قريب من ابن حبان في توثيق المجهولين.
ومن مشايخ حريز القاسم بن عبدالرحمن الشامي: وقد قال الإمام أحمد: روى عنه علي بن يزيد أعاجيب، وما أراها إلا من قبل القاسم، وإن كان القاسم قد وثّق إلا أنّ الجرح فيه مفسّر من الإمام أحمد ومن ابن حبان.
وقد اشتهر أن جماعة كانوا لا يروون إلا عن ثقة في الغالب كما في "فتح المغيث" (ج1 ص293)، منهم الإمام أحمد: وقد روى عن عامر بن صالح وغيره من الضعفاء كما في "الصارم المنكي في الرد على السبكي" ص(18-19)، ومنهم مالك: وقد روى عن عبدالكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف، ومنهم شعبة: وقد قال: لو لم أحدثكم إلا عن ثقة لم أحدثكم عن ثلاثة -وفي نسخة: ثلاثين-. قال السخاوي: وذلك اعتراف منه بأنه يروي عن الثقة وغيره.(1/173)
هذا وقد جاء الحديث من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، ذكره ابن حبان في "الضعفاء" (ج2 ص108) في ترجمة علي بن الربيع وذكره الذهبي في ترجمته، وفي ترجمة علي بن نافع، وقال ابن حبان: هذا حديث منكر لا أصل له من حديث بهز بن حكيم، وعلي هذا يروي المناكير، فلما كثر في روايته المناكير بطل الاحتجاج به.
158- قال الإمام الحافظ يعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (ج2 ص341): حدثني أبوتوبة قال: حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام قال: حدثني عامر بن زيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقال له: ما حوضك الّذي تحدّث عنه؟ قال: ((هو كما بين البيضاء إلى بصرى، ثم يمدّني الله عزّ وجلّ فيه بكراع فلا يدري بشر ممن خلق أين طرفاه)) قال: فكبّر عمر بن الخطّاب، فقال: ((أمّا الحوض فيزدحم عليه فقراء المهاجرين الّذين يقتلون في سبيل الله، ويموتون في سبيل الله عزّ وجلّ)) وأرجو أن يوردني الله عزّ وجلّ الكراع فأشرب منه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّ ربّي عزّ وجلّ وعدني أن يدخل الجنّة من(1)[276] أمّتي سبعين ألفًا بغير حساب، ثمّ يشفّع كل ألف بسبعين ألفًا، ثمّ يحثي لي بكفّيه ثلاث حثيات)) وكبّر عمر، فقال: ((إنّ السّبعين الألف الأوّلين يشفّعهم الله عزّ وجلّ في آبائهم وأبنائهم وعشائرهم)) وأرجو(2)[277] أن يجعلني الله عزّ وجلّ في إحدى الحثيات الأواخر، وقال الأعرابي: يا رسول الله أفيها فاكهة؟ قال: ((نعم، إنّ فيها شجرة تدعى طوبى، هي تطابق الفردوس)) قال: أيّ شجر أرضنا تشبه؟ قال: ((ليس شبه شيء من شجر أرضكم، ولكن أتيت الشّام؟)) فقال: لا يا رسول الله. قال: ((فإنّها تشبه شجرةً بالشّام تدعى: جوز، تنبت على ساق واحد وينتشر أعلاها)) قال: ما عظم أصلها؟ قال: ((لو ارتحلتْ جذعة من إبل أهلك ما أحاطتْ بأصلها حتّى ينكسر ترقواها(1/174)
هرمًا)) قال: فيها عنب؟ قال: ((نعم)) قال: وما عظم العنقود فيها؟ قال: ((مسيرة شهر للغراب، لا يقع ولا يني ولا يقرّ)) قال: ما عظم الحبّة منها؟ قال: ((هل ذبح أبوكم تيسًا قطّ من غنمه قطّ عظيمًا؟)) قال: نعم. قال: ((فسلخ إهابها فأعطاها أمّك، فقال: ادبغي لنا هذه، ثمّ افري لنا منه دلوًا نروي به ماشيتنا؟)) قال: نعم. قال: ((فإنّ تلك تسعني وأهل بيتي؟)) قال: نعم، وعامة عشيرتك.
الحديث أخرجه الطبراني كما في "تفسير ابن كثير" (ج1 ص394) وقال الحافظ ابن كثير: قال الحافظ الضياء أبوعبدالله المقدسي في كتابه "صفة الجنة": لا أعلم لهذا الإسناد علة.
قال أبوعبدالرحمن: الحديث في سنده عامر بن زيد البكالي، وقد روى عنه أبوسلام كما في هذا السند، وفي "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان" ص(647)، وروى عنه أيضًا يحيى بن أبي كثير كما في "المسند" (ج4 ص183)، فهو مستور الحال يصلح حديثه في الشواهد والمتابعات.
159- قال أبونعيم رحمه الله في "أخبار أصبهان" (ج2 ص15): حدثنا الحسين بن علي بن بكر ثنا علي بن الحسن بن علي(1)[278] ثنا محمد بن غالب ثنا عبدالصمد بن النعمان ثنا ركن أبوعبدالله عن مكحول عن أبي أمامة عن النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((إنّ ذراري المسلمين يوم القيامة تحت العرش شافع مشفّع، ما لم يبلغوا اثنتي عشرة سنةً فعليه وله)).
الحديث في سنده انقطاع لأن مكحولاً لم يثبت سماعه من أبي أمامة كما في "تهذيب التهذيب"، وقد ذكر الحافظ في "التقريب" أنه ثقة فقيه كثير الإرسال.
وفي سنده أيضًا ركن الشامي، قال الذهبي في "الميزان": ركن الشامي عن مكحول وغيره، وهّاه ابن المبارك، وقال يحيى: ليس بشيء. وقال الدارقطني والنسائي: متروك. ثم ذكر حديثين تفرد بهما، هذا أحدهما.(1/175)
160- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص35): ثنا وكيع ثنا شعبة عن معاوية ابن قرة عن أبيه قال: إنّ رجلاً كان يأتي النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ومعه ابن له، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أتحبّه؟)) فقال: يا رسول الله أحبّك الله كما أحبّه. ففقده النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقال لي: ((ما فعل ابن فلان؟)) قالوا: يا رسول الله مات. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لأبيه: ((أما تحبّ أن لا تأتي بابًا من أبواب الجنّة إلاّ وجدته ينتظرك؟)) فقال الرّجل(1)[279]: يا رسول الله أله خاصّةً؟ أو لكلّنا؟ قال: ((بل لكلّكم)).
ثنا محمد بن جعفر أنا شعبة قال: سمعت معاوية بن قرة يحدث عن أبيه أن رجلاً كان يأتي النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فذكر مثله.
فصل المسلم الذي لا تقبل شفاعته
161- قال مسلم رحمه الله (ج4 ص2006): حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا معاوية بن هشام عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم وأبي حازم عن أم الدرداء عن أبي الدّرداء سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((إنّ اللّعّانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة)).
الحديث أخرجه أبوداود (ج5 ص212)، وأحمد (ج6 ص448)، والبخاري في "الأدب المفرد" ص(117) وفي "التاريخ الكبير" (ج2 ص22)، وأبونعيم في "الحلية" (ج3 ص259)، والحاكم في "المستدرك" (ج1 ص48)، وقال: وقد خرجه مسلم بهذا اللفظ.
أسباب الشفاعة
شفاعة القرآن
162- قال الترمذي رحمه الله (ج4 ص345): حدثنا علي بن حجر أخبرنا حفص بن سليمان عن كثير بن زاذان عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من قرأ القرآن واستظهره فأحلّ حلاله وحرّم حرامه، أدخله الله به الجنّة، وشفّعه في عشرة من أهل بيته كلّهم وجبت له النّار)).(1/176)
هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بصحيح، وحفص بن سليمان أبوعمر بزاز كوفي يضعّف في الحديث.
الحديث أخرجه أحمد (ج1 ص148-149)، والآجري في "الشريعة" ص(350)، وأبونعيم في "أخبار أصبهان" (ج1 ص255)، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (ج2 ص331).
والحديث ضعيف جدًا، ففي "الميزان": كثير بن زاذان عن عاصم بن ضمرة له حديث منكر. قال أبوزرعة وأبوحاتم: مجهول. ثم قال الذهبي: قلت: روى عنه حفص بن سليمان الغاضري وحماد بن واقد وعنبسة قاضي الري. وقال ابن معين: لا أعرفه. اهـ
وفي سند الحديث أيضًا حفص بن سليمان المقرئ وقد قال ابن معين: ليس بثقة. وقال البخاري: تركوه. وقال أبوحاتم: متروك لا يصدق. اهـ من "الميزان".
وأما في القراءة فمتقن، أحد القراء السبعة المعتمد على قراءتهم.
وللحديث طريق أخرى من حديث عائشة ذكرها الذهبي في "الميزان" في ترجمة أحمد بن محمد بن حسين السقطي، وقال: ذكروا أن أحمد بن محمد ابن حسين السقطي وضعه على يحيى.
وذكره ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (ج1 ص107) من طريق أحمد ابن محمد السقطي به.
163- قال الترمذي رحمه الله (ج4 ص238): حدثنا محمد بن بشار أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن قتادة عن عباس الجشمي عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((إنّ سورةً من القرآن ثلاثون آيةً شفعت لرجل حتّى غفر له وهي سورة {تبارك الّذي بيده الملك))}.
هذا حديث حسن.
الحديث أخرجه أبوداود (ج2 ص119)، وابن ماجة (ج2 ص1244)، وأحمد (ج2 ص321)، وابن حبان كما في "الموارد" ص(321)، والحاكم (ج1 ص565) وقال: صحيح الإسناد، وسكت عليه الذهبي.(1/177)
وقال الحافظ المنذري في "مختصر السنن" (ج2 ص116): وقد ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" من رواية عباس الجشمي عن أبي هريرة كما أخرجه أبوداود، ومن ذكره معه، قال: لم(1)[280] يذكرْ سماعًا من أبي هريرة. يريد أنّ عباسًا الجشمي روى هذا الحديث عن أبي هريرة ولم يذكر فيه أنه سمعه من أبي هريرة.
وقال الحافظ في "التقريب" في ترجمة عباس: إنه مقبول، فعلى هذا فالحديث ضعيف بهذا السند، والله أعلم.
164- قال الحاكم رحمه الله (ج1 ص568): وأخبرنا بكر بن محمد ثنا عبدالصمد بن الفضل ثنا مكي بن إبراهيم ثنا عبيدالله بن أبي حميد عن أبي المليح عن معقل بن يسار رضى الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((اعملوا بالقرآن، أحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه، واقتدوا به، ولا تكفروا بشيء منه، وما تشابه عليكم منه فردّوه إلى الله وإلى أولي الأمر من بعدي، كيما يخبروكم، وآمنوا بالتّوراة والإنجيل والزّبور، وما أوتي النّبيّون من ربّهم، وليسعكم القرآن وما فيه من البيان فإنّه لشافع مشفّع، وماحل مصدّق، ألا ولكلّ آية نور يوم القيامة، وإني أعطيت سورةً البقرة من الذكر الأوّل، وأعطيت طه وطواسين والحواميم من ألواح موسى، وأعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش)).
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وتعقبه الذهبي فقال: عبيدالله، قال أحمد: تركوه.
الحديث ذكره ابن حبان في "الضعفاء" (ج2 ص65) في ترجمة عبيدالله ابن أبي حميد وذكر ما فيه من القدح.(1/178)
- وقال الحاكم رحمه الله (ج3 ص578): حدثنا أبوالنضر الفقيه ثنا عثمان بن سعيد الدارمي وعلي بن عبدالعزيز قالا: ثنا عبدالله بن رجاء أنبأ عمران القطان(1)[281] عن عبيدالله بن معقل بن يسار المزني عن أبيه رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((اعملوا بكتاب الله، ولا تكذّبوا بشيء منه، فما اشتبه عليكم منه فاسألوا عنه أهل العلم يخبروكم، آمنوا بالتّوراة والإنجيل، وآمنوا بالفرقان فإنّ فيه البيان، وهو الشّافع وهو المشفّع والماحل والمصدّق)) اهـ
عبيدالله بن معقل بن يسار ما وجدت له ترجمة.
165- قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج4 ص108): حدثنا أبوإسحاق ابن حمزة ثنا محمد بن سليمان (ح) وحدثنا محمد بن حميد ثنا عبدان بن أحمد قالا: ثنا هشام بن عمار ثنا الربيع بن بدر عن الأعمش عن أبي وائل عن عبدالله رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((القرآن شافع مشفّع، وماحل مصدّق، من جعله أمامه، قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النّار)).
غريب من حديث الأعمش تفرد به عنه الربيع.
الحديث أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج10 ص244).
والحديث ضعيف جدًا لأن في سنده الربيع بن بدر، قال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبوداود وغيره: ضعيف. وقال النسائي: متروك. وقال ابن عدي: عامة رواياته لا يتابع عليها.
ثم ذكر له الذهبي بعد هذا أحاديث منكرة، منها هذا، ولعل الصواب وقفه، فقد رواه الدارمي رحمه الله في "سننه" (ج2 ص433) موقوفًا، فقال: حدثنا يزيد بن هارون أنا همام عن عاصم بن أبي النجود عن الشعبي أن ابن مسعود كان يقول: يجيء القرآن يوم القيامة فيشفع لصاحبه فيكون له قائدًا إلى الجنّة، ويشهد عليه ويكون سائقًا به إلى النّار.(1/179)
الحديث فيه انقطاع، لأن رواية الشعبي وهو عامر بن شراحيل عن ابن مسعود مرسلة كما في "تهذيب التهذيب"، لكن رواه عبدالرزاق (ج3 ص373)، والطبراني في "الكبير" (ج9 ص141) بسند صحيح موقوفًا على ابن مسعود.
ولحديث ابن مسعود طريق أخرى كما في "كشف الأستار" (ج1 ص77) قال البزار رحمه الله: حدثنا أبوكريب محمد بن العلاء ثنا عبدالله بن الأجلح عن الأعمش عن المعلى الكندي عن عبدالله بن مسعود قال: إنّ هذا القرآن شافع مشفّع، من اتبعه قاده إلى الجنّة، ومن تركه -أو أعرض عنه أو كلمةً نحوها- زخّ في قفاه إلى النّار.
وحدثنا أبوكريب ثنا عبدالله بن الأجلح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال بنحوه. اهـ
أما أثر ابن مسعود فضعيف، إذ المعلى الكندي ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" فقال: معلى الكندي عن محمد بن عبدالرحمن، روى عنه الأعمش، يعدّ في الكوفيين، منقطع.
وترجم له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، وذكر نحو قول البخاري إلا أنه قال: محمد بن عبدالرحمن بن يزيد.
وإذا كان منقطعًا في روايته عن محمد بن عبدالرحمن الذي هو ليس بصحابي، فبالأولى عن عبدالله بن مسعود، ثم المعلى مجهول فقد ذكره البخاري وابن أبى حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً.
166- أما حديث جابر الذي تقدمت الإشارة إليه، فقال ابن حبان رحمه الله في "الموارد" ص(443): أخبرنا الحسين بن أبي معشر(1)[282] بحرّان حدثنا محمد ابن العلاء بن كريب حدثنا عبدالله بن الأجلح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((القرآن شافع مشفّع، وماحل مصدّق، من جعله أمامه، قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النّار)).
الحديث حسن.(1/180)
167- قال مسلم رحمه الله (ج1 ص553): حدثني حسن بن علي الحلواني حدثنا أبوتوبة وهو الربيع بن نافع حدثنا معاوية -يعني ابن سلام- عن زيد أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني أبوأمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((اقرءوا القرآن فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرءوا الزّهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنّهما تأتيان يوم القيامة كأنّهما غمامتان -أو كأنّهما غيايتان أو كأنّهما فرقان- من طير صوافّ تحاجّان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة فإنّ أخذها بركة وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة)).
الحديث أخرجه أحمد (ج5 ص249 وص255-257)، وابن حبان (ج1 ص183) من "ترتيب الصحيح"، والحاكم (ج1 ص564)، والطبراني في "الكبير" (ج8 ص138).
168- قال الإمام عبدالله بن عبدالرحمن أبومحمد الدارمي (ج2 ص430): حدثنا موسى بن خالد ثنا إبراهيم بن محمد الفزاري عن سفيان عن عاصم عن مجاهد عن ابن عمر قال: يجيء القرآن يشفع لصاحبه يقول: يا ربّ لكلّ عامل عمالة من عمله، وإنّي كنت أمنعه اللّذة والنّوم فأكرمه. فيقال: ابسط يمينك. فيملأ من رضوان الله، ثمّ يقال: ابسط شمالك. فيملأ من رضوان الله، ويكسى كسوة الكرامة ويحلّى بحلية الكرامة، ويلبس تاج الكرامة.
الحديث موقوف ورجاله رجال الصحيح إلا عاصمًا وهو ابن أبي النجود، وقد رويا له مقرونًا، وحديثه حسن كما في "الميزان".
169- قال الدارمي رحمه الله (ج2 ص455): حدثنا عبدالله بن صالح حدثني معاوية بن صالح أنه سمع أبا خالد عامر بن جشيب(1)[283] وبحير بن سعد يحدثان أن خالد بن معدان قال: إنّ {ألم تنْزيل} تجادل عن صاحبها في القبر تقول: اللّهمّ إن كنت من كتابك فشفّعني فيه، وإن لم أكن من كتابك فامحني عنه، وإنّها تكون كالطّير تجعل جناحها عليه فيشفع له، فتمنعه من عذاب القبر، وفي {تبارك} مثله.
فكان خالد لا يبيت حتى يقرأ بهما.(1/181)
هذا أثر مقطوع، وعبدالله بن صالح شيخ الدارمي ضعيف.
170- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص174): ثنا موسى بن داود ثنا ابن لهيعة عن حييّ بن عبدالله عن أبي عبدالرحمن الحبلي عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((الصّيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصّيام: أي ربّ منعته الطّعام والشّهوات بالنّهار فشفّعني فيه. ويقول القرآن: منعته النّوم باللّيل فشفّعني فيه. قال: فيشفّعان)).
الحديث أخرجه محمد بن نصر المروزي في "قيام الليل" ص(25)، والحاكم (ج1 ص554) كلاهما من طريق عبدالله بن وهب عن حيي بن عبدالله به.
وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.
وأخرجه أبونعيم في "الحلية" (ج8 ص161) فقال: حدثني أبي ومحمد ابن جعفر بن يوسف قالا: ثنا محمد بن جعفر ثنا إسماعيل بن يزيد ثنا إبراهيم بن الأشعث ثنا وهيب ثنا رشدين عن حسين بن عبدالله عن أبي عبدالرحمن الحبلي به.
ثم قال أبونعيم عقبه: غريب من حديث وهيب ورشدين، لم نكتبه إلا من حديث إبراهيم بن الأشعث. اهـ
الحديث من رواية أحمد ومحمد بن نصر والحاكم من طريق حيي بن عبدالله، وقد قال البخاري: فيه نظر. وهذا عند البخاري من أردى عبارات الجرح كما في "فتح المغيث"، وتوثيق من وثّقه معارض بهذا التجريح المفسر عند البخاري.
وحديث أبي نعيم في سنده حسين بن عبدالله بن عبيدالله بن عباس الهاشمي المدني وهو ضعيف، وقال النسائي: متروك، وقال في موضع آخر: ليس بثقة. كما في "تهذيب التهذيب"، يرويه عنه رشدين بن سعد وهو ضعيف أيضًا.
وفيه أيضًا إبراهيم بن الأشعث خادم الفضيل: وقد اتّهمه أبوحاتم كما في "الميزان".
وفيه أيضًا إسماعيل بن يزيد: ترجمه أبونعيم في "أخبار أصبهان" والحافظ في "لسان الميزان"، اختلط عليه بعض حديثه في آخر أيامه، يذكر بالزهد والعبادة، حسن الحديث، كثير الغرائب.(1/182)
ثم إنه قد اختلف فيه على رشدين فتارةً يرويه عن حسين بن عبدالله كما تقدم، وتارةً يرويه عن حيي عن أبي عبدالرحمن الحبلي كما في "النهاية" لابن كثير (ج2 ص216).
فتحصل من هذا أن الحديث ضعيف.
وأما قول الحاكم إنه على شرط مسلم، وكذا قول الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (ج2 ص84): إن رجاله محتج بهم في الصحيح فهو، غير صحيح، لأن حيي بن عبدالله ليس من رجال الصحيح، كما في "تهذيب التهذيب" و"الميزان".
171- قال الدارمي رحمه الله (ج2 ص430): حدثنا عبدالله بن جعفر الرقي عن عبيدالله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عاصم عن أبي صالح قال: سمعت أبا هريرة يقول: اقرءوا القرآن، فإنّه نعم الشّفيع يوم القيامة، إنّه يقول يوم القيامة: يا ربّ حلّه حلية الكرامة. فيحلّى حلية الكرامة، يا ربّ اكسه كسوة الكرامة. فيكسى كسوة الكرامة، يا ربّ ألبسه تاج الكرامة يا ربّ ارض عنه فليس بعد رضاك شيء.
الحديث أخرجه الترمذي (ج4 ص249) من حديث محمد بن بشار أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة نحوه، ثم قال الترمذي: وهذا أصح عندنا من حديث عبدالصمد عن شعبة. اهـ
يعنى أن هذا الأثر الموقوف أصح من المرفوع الآتي.
الأثر رجاله رجال الصحيح إلا عاصمًا، وهو ابن أبي النجود، فقد رويا له مقرونًا وهو حسن الحديث.
وقد رواه أبونعيم رحمه الله مرفوعًا، فقال رحمه الله (ج7 ص206): حدثنا عمر بن أحمد بن عمر ثنا علي بن العباس العجلي ثنا محمد بن خلد(1)[284] ثنا سلم(2)[285] بن قتيبة ثنا شعبة عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((نعم الشّفيع القرآن لصاحبه يوم القيامة، يقول: يا ربّ أكرمه. فيلبس تاج الكرامة، ثمّ يقول: يا ربّ زده، ارض عنه فليس بعد رضى الله شيء)).
غريب من حديث شعبة، تفرد به سلم، وتابعه عبدالصمد عليه في بعض ألفاظه.(1/183)
الحديث رواه الترمذي (ج4 ص248) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والحاكم (ج1 ص552) وقال: صحيح الإسناد. وسكت عليه الذهبي. وليس عند الترمذي والحاكم: ((نعم الشّفيع القرآن)).
أما رجال السند: فعمر بن أحمد بن عمر: ترجمه أبونعيم في "أخبار أصبهان" (ج1 ص358) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً. وعلي بن العباس ترجمته في "تاريخ بغداد" (ج12 ص22)، ثقة، ونسبه (النسائيّ) فلعل له نسبتين إلى القبيلة وإلى البلدة.
هذا وقد جاء الحديث مقطوعًا من قول أبي صالح:
قال الدارمي رحمه الله (ج2 ص431): أخبرنا موسى بن خالد ثنا إبراهيم بن محمد الفزاري عن الحسن بن عبيدالله(1)[286] عن المسيب بن رافع عن أبي صالح قال: القرآن يشفع لصاحبه، فيكسى حلّة الكرامة، ثمّ يقول: يا ربّ زده. فيكسى تاج الكرامة، قال: فيقول: ربّ زده فآته، فآته، يقول: رضائي.
فالظاهر أن أبا صالح تارةً يرويه مرفوعًا، وتارةً يرويه موقوفًا، وتارةً يحدث به من قوله، وأن الكلّ صحيح، والله أعلم.(1/184)
172- قل ابن السني رحمه الله ص(56): حدثنا أبوجعفر بن بكر حدثنا محمد ابن زنبور المكي حدثنا الحارث بن عمير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّ فاتحة الكتاب وآية الكرسي والآيتين من آل عمران {شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو} و{قل اللّهمّ مالك الملك -إلى قوله- وترزق من تشاء بغير حساب} معلّقات، ما بينهنّ وبين الله عزّ وجلّ حجاب، لمّا أراد الله أنْ ينْزلن تعلّقن بالعرش، قلن: ربّنا تهبطنا إلى أرضك، وإلى من يعصيك؟ فقال الله عزّ وجلّ: بي حلفت لا يقرؤكنّ أحد من عبادي دبر كلّ صلاة إلاّ جعلت الجنّة مثواه على ما كان منه، وإلاّ أسكنته حظيرة القدس، وإلاّ نظرت إليه بعيني المكنونة كلّ يوم سبعين نظرةً، وإلاّ قضيت له كلّ يوم سبعين حاجةً أدناها المغفرة، وإلا أعذته من كلّ عدوّ، ونصرته منه، ولا يمنعه من دخول الجنّة إلاّ الموت)).
قال ابن الجوزي رحمه الله في "الموضوعات"(ج1 ص245): هذا حديث موضوع تفرد به الحارث بن عمير، قال أبوحاتم بن حبان: كان الحارث ممن يروي عن الأثبات الموضوعات، روى هذا الحديث، ولا أصل له.
وقال أبوبكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: الحارث كذاب، ولا أصل لهذا الحديث.
قال ابن الجوزي رحمه الله: قد كنت سمعت هذا الحديث في زمن الصبا، فاستعملته نحوًا من ثلاثين سنة لحسن ظني بالرواة، فلما علمت أنه موضوع تركته، فقال قائل: أليس هو استعمال خير؟ قلت: استعمال الخير ينبغي أن يكون مشروعًا، فإذا علمنا أنه كذب، خرج عن ا لمشروعية.
والحديث ذكره الحافظ الذهبي في "الميزان" في ترجمة الحارث بن عمير وأقر ابن حبان على الحكم بوضعه.
سكنى المدينة والموت بها(1/185)
173- قال الإمام مسلم رحمه الله (ج2 ص1002): وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي سعيد مولى المهريّ أنّه جاء أبا سعيد الخدريّ ليالي الحرّة فاستشاره في الجلاء من المدينة، وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله، وأخبره أن لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها، فقال له: ويحك لا آمرك بذلك، إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلاّ كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة إذا كان مسلمًا)).
الحديث أخرجه الإمام أحمد (ج3 ص29، 58، 69).
174- وقال مسلم رحمه الله (ج2 ص1004): حدثني زهير بن حرب حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا عيسى بن حفص بن عاصم حدثنا نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((من صبر على لأوائها كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة)).
الحديث أخرجه الترمذي (ج5 ص377)، وأحمد (ج2 ص155)، وابن حبان كما في "الموارد" ص(255)، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب.
- وقال مسلم رحمه الله (ج2 ص1004): حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن قطن بن وهب بن عويمر بن الأجدع عن يحنس مولى الزبير أخبره أنه كان جالسًا عند عبدالله بن عمر في الفتنة(1)[287]، فأتته مولاة له تسلّم عليه، فقالت: إنّي أردت الخروج يا أبا عبدالرحمن اشتدّ علينا الزّمان. فقال لها عبدالله: اقعدي لكاع، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((لا يصبر على لأوائها وشدّتها أحد إلاّ كنت له شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة)).
وحدثنا محمد بن رافع حدثنا ابن أبي فديك أخبرنا الضحّاك عن قطن الخزاعي عن يحنس مولى مصعب عن عبدالله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((من صبر على لأوائها وشدّتها كنت له شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة)) يعني المدينة.
الحديث أخرجه مالك في "الموطأ" (ج3 ص83) وأحمد (ج2 ص113، 119، 133).(1/186)
175- قال مسلم رحمه الله (ج2 ص1004): وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر جميعًا عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((لا يصبر على لأواء المدينة وشدّتها أحد من أمّتي إلاّ كنت له شفيعًا يوم القيامة أو شهيدًا))
وحدّثنا ابن أبي عمر حدّثنا سفيان عن أبي هارون موسى بن أبي عيسى أنّه سمع أبا عبدالله القرّاظ يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بمثله.
وحدّثنا يوسف بن عيسى حدّثنا الفضل بن موسى أخبرنا هشام بن عروة عن صالح بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لا يصبر أحد على لأواء المدينة...)) بمثله.
الحديث أخرجه الترمذي (ج5 ص379)، وأحمد (ج2 ص288، 388، 343، 397،439، 447)، والحميدي (ج2 ص492) والبخاري في "التاريخ الكبير" (ج4 ص283، 284).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وصالح بن أبي صالح أخو سهيل بن أبي صالح.
176- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج6 ص369): ثنا يعقوب قال: حدثني أبي عن الوليد بن كثير قال حدثني عبدالله بن مسلم الطويل صاحب المصاحف أن كلاب بن تليد أخا بني سعد بن ليث أنه بينا هو جالس مع سعيد بن المسيّب جاءه رسول نافع بن جبير بن مطعم بن عدي يقول: إنّ ابن خالتك يقرأ عليك السّلام ويقول: أخبرني كيف الحديث الذي كنت حدثتني عن أسماء بنت عميس، فقال سعيد بن المسيب: أخبره أنّ أسماء بنت عميس أخبرتني أنّها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((لا يصبر على لأواء المدينة وشدّتها أحد إلاّ كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة)).
الحديث في سنده كلاب بن تليد: قال الذهبي في "الميزان": روى عن سعيد بن المسيب لا يكاد يعرف، وقد وثّق، تفرد عنه عبدالله بن مسلم. اهـ(1/187)
ولعله يعنى بقوله: (وثّق) أنّه وثّقه ابن حبان كما في "تهذيب التهذيب"، وابن حبان معروف بتوثيق المجاهيل، كما في مقدمة "لسان الميزان".
وفيه أيضًا عبدالله بن مسلم: قال الذهبي في "الميزان": ما روى عنه سوى الوليد بن كثير في الصبر على لأواء المدينة.
فعلى هذا فالحديث ضعيف من أجل هذين الراويين، والله أعلم.(1/188)