مقدمة بقلم المحقق: الشيخ أبو عاصم عمر الحدوشي
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله غ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). وقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً). وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظيماً). أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد ص، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.(1/1)
أما بعد: فهذه الرسالة المختصرة اللطيفة الجامعة المانعة اللامعة الرائعة الفريدة الغالية العالية لا تعترف بلغة الأمتار والأميال، ولكن تعترف بلغة التنبيه والتجدد والتجديد والتصحيح والتقويم لما وقع في قصيدة البردة من الغلو والإطراء والمبالغة، اشتملت على مُلَحٍ لطيفة، وألفاظ فصيحة، ومعان بديعة، ونكت عزيزة، وطرائف غزيرة، وفوائد عديدة، وشوارد دقيقة، ومنار منيف، وتُحَفٍ سَنِية جليلة، وطُرَر جلية وجيزة، وعرض عجيب، أتى فيها-فضيلة شيخنا-بـ(ما يسيل لعاب) المبتدع العنيد، ويحل حبوة الطالب المجيد، أسلوبها منبِّه للأذهان، وموقظ للوسنان، وطارد للشيطان، أسلوب فيه رأب للصدع ولَمُّ للشمل وتوحيد للصف السني وجمع لكلمته، أسلوب شخَّص به الداء ووصف به الدواء، وأرشد قارئ البردة وحذره من مزالق بعض أبياتها، وبه طمس معالم الشرك النتنة، وأوصد كل الأبواب الموصلة إليه، وكشف الشبهات الطرقية فانكشفت وانكمشت، وحمى جناب التوحيد من مبالغات الصوفية، وأوضح منكراتهم وخرافاتهم المنتشرة في هذه القصيدة أو تلك-وهذه القصيدة لو ذهبنا نعد جميع منكراتها المخالفة للشرع لبلغت مجلداً كبيراً ضخماً-ولكن ما ذكره فضيلةُ شيخنا يدل على غيره. (والتنبيه على القليل من الضلال والباطل والمبالغات مرشد لمعرفة الكثير لمن له أدنى فهم وأقل علم، واللبيب تكفيه الإشارة)(1). فقد درأ في نحر منشدي هذه الأبيات من الصوفية والنفعيين بأدلة الكتاب والسنة، ونقض أباطيلهم وأحابيلهم وشبهاتهم ومبالغاتهم، وكمَّمَ أفواههم، وقطع ألسنتهم، وكسر أقلامهم، وخرق ومزق لواءهم، وفرّق شملهم-ووضع حذاءه على عنق بائعي القرآن في المقابر بالخبز والتين-ووزن الكلام في هذه الرسالة بميزان الاعتدال، وأعطى كل ذي حق حقه. هذا.
__________
(1) - انظر: (القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد) (ص:15). لعبد الرزاق.(1/2)
وقد كنت جمعت بعض مخالفاتها وقت دراستنا لها عن شيخنا محمد بن اعليلو-حفظه الله- وكنت أنوي تقديمها للمطبعة لتعم الفائدة بها، لكن لما أطلعني فضيلة شيخنا محمد بوخبزة على تعليقه هذا رأيته مع اختصاره وبديع لفظه، وسلطان تعبيره، وبلاغة يراعه، استوى على عرش البلاغة والفصاحة: (قد وافق الإثمدُ الحدقة، وشن طبقة). فالرجل عرفته عن قرب مبدعاً في النثر، كما هو مبدع في الشعر، ومن يقرأ قصائده العصماء ير الخبر اليقين، (لا فُضَّ فُوهُ، ولا سَعِدَ مَنْ يَجْفُوه)(1). حقاً قد كان في بعض أبيات البردة طوام وبواقر وقوادح وقواصم-لا تمحوها البحار(2)بلا عواصم فجاد بالعواصم-وهو بطل من أبطال هذا الكفاح العقدي، وطود من أطواد الحق الغالي، ونسأل الله أن يبارك لنا في فضيلة شيخنا العالم العلم الناقد النحرير محمد بن الأمين بوخبزة الحسني وينفعنا بعلمه آمين.
__________
(1) - انظر: (رونق القرطاس، ومجلب الإيناس) (1/95). لفضيلة شيخنا العلامة محمد بوخبزة.
(2) - انظر: (رونق القرطاس، ومجلب الإيناس) (1/135). لفضيلة شيخنا العلامة محمد بوخبزة(1/3)
وقد اطلعت على تعليق شيخنا عند ما سلم لي كتابه الممتع: (نقل النديم وسلوان الكظيم في المحاضرات والنوادر)(1). وقمت بإدخاله في جهاز الحاسوب وطلبت منه طبعه فرحب بالفكرة، وذيلته بتعليقات متنوعة، تارة من (القوادح)، وأخرى من (نقد البردة)، وأخرى من (كتب ليست من الإسلام)، وأخرى من كتابي: (البردة في الميزان). (وكلٌّ ينفق مما عنده). وأعلم-علم اليقين-أن الجهال الذين ليس لهم علم ولا معرفة بالعقيدة الصحيحة الناصعة الصافية، وعباد الأضرحة والقبور والأشجار والأحجار والمستغيثين بالبشر عند الكرب والمتضرعين والداعين الأموات، والمستنصرين الجن عند بناء دار أو (إعمارها)، ستقوم قيامتهم ويرعدون ويزبدون، ولكن أقول لهم ولغيرهم: (هذا هو القول الفصل في المسألة-إن شاء الله-ومن لغا فلا جمعة له)(2).
__________
(1) - في الصفحة (147/148/151/152). وقد رأيت تعليقه على بعض أبيات البردة غالياً وعالياً بأسلوب سلس سمح فصيح مقرَّب ومقرِّب معاً، لا جرم أن (يكتب بأحرف من نور على جبين الدُّهور). (الرونق) (1/125). أو بماء الذهب، أو بأغلى ما يملك الإنسان: (سواد العين).
(2) - انظر: (رونق القرطاس، ومجلب الإيناس) (1/139). لفضيلة شيخنا محمد بوخبزة. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والداعي إلى البدعة مستحق العقوبة باتفاق المسلمين، وعقوبته تكون تارة بالقتل، وتارة بما دونه... ولو قدر أنه لا يستحق العقوبة أو لا يمكن عقوبته فلا بد من بيان بدعته والتحذير منها، فإن هذا من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمر الله به ورسوله..وقال في موضع آخر: ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين. هذا أفضل. فبيَّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين؛ ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين؛ وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً؛ وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء). انظر: (مجموع الفتاوى) (28/232/-35/414). وله كلام آخر نفيس، له علاقة بالموضوع في (12/467/468). وقال في (4/13): (فالراد على أهل البدع مجاهد). وصدق من قال: (وكما أنه يوضع في زماننا أماكن للحجر الصحي لمن بهم أمراض معدية، فإن أهل البدع والأهواء الداعين إلى باطلهم أولى بالحجر من أولئك؛ لأن هؤلاء يمرضون القلوب ويفسدون الأديان وأولئك يفسدون الأجسام ويمرضون الأبدان).(1/4)
ولا أنسى-في هذه العجالة- أن أذكر ترجمة البوصيري صاحب (البردة).
قال الشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف: والشرف البوصيري يسمى: محمد ابن سعيد البوصيري نسبة إلى بلدته أبو صير بين الفيوم وبني سويف بمصر، ولد سنة: (608 هـ). واشتغل بالتصوف، وعمل كاتباً مع قلة معرفته بصناعة الكتابة، ويظهر من ترجمته وأشعاره أن الناظم لم يكن عالماً فقيهاً، كما لم يكن عابداً صالحاً؛ حيث كان ممقوتاً عند أهل زمانه لإطلاق لسانه في الناس بكل قبيح، كما أنه كثير السؤال للناس، ولذا كان يقف مع ذوي السلطان مؤيداً لهم سواء كانوا على الحق أم على الباطل. ونافح البوصيري عن الطريقة الشاذلية التي التزم بها، فأنشد أشعاراً في الالتزام بآدابها(1)، كما كانت له أشعار بذيئة يشكو من حال زوجه التي يعجز عن إشباع شهوتها! توفي سنة (695هـ)(2).
__________
(1) - الأمة ابتليت بأناس من جلدتها ويتكلمون بألستنها دعاة على أبواب جهنم، تبوءوا منصب الصدارة وأصبحوا قدوة الأجيال، لهذا وجب على أهل العلم الشرعي وضع هذه الشخصيات والعيِّنَات تحت المجهر العلمي الصحيح الدقيق ليتضح زيفها وزغل علمها، ومن تلك الشخصيات البوصيري، والرجل خدع كثيراً من الناس وانخدعوا به، وهو من المناوئين لدعوة الأنبياء الصحيحة، ويحامي على مظاهر الشرك من دعاء الأموات والتمسح بقبورهم، والنذر والذبح لهم، والتوسل والاستغاثة والاستعانة بهم، رجاء أن يكشفوا له ما نزل به من ضر، ويأخذوا بيده. (ونعوذ بالله من الحور بعد الكور).
(2) -قال محقق (ديوان البوصيري) (ص:284): (وأظن وفاته كانت في سنة ست وتسعين، أو سبع وتسعين وستمائة). وللتوسع في ترجمته انظر: (مقدمة ديوان البوصيري) (ص:5/44). تحقيق محمد سيد كيلاني، وللمحقق هذا كتاب بعنوان: (البوصيري دراسة ونقد)، و(قوادح عقدية في بردة البوصيري) (ص:192)..وقد سألت فضيلة شيخنا العلامة محمد بوخبزة عن ترجمة البوصيري فكتب إليَّ قائلاً: (هو العلامة الأديب الشاعر المفلق الكاتب أبو عبد الله محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي المغربي الأصل البوصيري المولد والمنشأ صاحب القصائد المطولة في المديح النبوي اشتهر منها الهمزية والبردة، واشتغل الناس بهما وغلوا في أمرهما إلى أن خرجوا إلى الأساطير والمزاعم، ووضعوا خواص لأبياتهما، وقد ذكر مترجموه أنه أنشأ البردة لما أصيب بشلل نصفي وأنه رأى النبي غ فأنشده قصيدته وتوسل بها واستغاث فأمرَّ النبي غ يده على نصفه فشفي وقام. وزاد بعضهم أنه كساه بردة كان الناس يستشفون بها من الرمد. وكان يرتزق بشعره فيمدح ويهجو، فقَلاه الناس لذلك. ولد عام (608). وتوفي بالمارسان المنصوري في القاهرة عام (696هـ 1296م). (الأعلام) للزركلي (6/31). وقد سمعت فضيلة شيخنا محمد بوخبزة في (مسجد جمعية الإمام أبي القاسم الشاطبي). في درس التفسير يقول عن البوصيري: (كان شاعراً فحلاً لا يُشَقُّ له غبار، فارس من فرسان البلاغة، كان شاعراً مصقعاً رغم أنه مبتدع). –وقال فضيلة شيخنا محمد بوخبزة في (سقيط اللآل، وأنس الليال) (ص118): (وكان يرتزق بشعره).- ومرة قال: (البوصيري على فضله وتوسعه في الشعر لم يكن على كبير علم، علاوة على أنه مبتدع غلا غلواً قبيحاً في بعض أبيات البردة). وقال فضيلته في رسالة أرسلها إلي بين فيها قوادح الهمزية: (للشرف البوصيري الشاعر المفلق الشهير له ديوان شعر مطبوع يشتمل على قصائد في المديح النبوي...انتقاد السمة الغالبة على أشعاره ولاسيما البردة، وهو الغلو الفاضح، والإطراء القادح، المفضي أحياناً إلى الشرك الواضح). (ص:1). وبعده وقفت على ترجمته في (الجديد في تراجم الشعراء والأدباء، القدماء والمعاصرين) (ص:44). لإبراهيم شمس الدين. وفي كتاب: (البوصيري مادح الرسول الأعظم غ). قال عبد العال الحمامصي: (أما ما أشيع حول (البردة) وما نُسج حولها، من ذلك أنه كان مصاباً بالفالِج، وأنه رأى النبي غ في منامه وأنشدها على حَضْرته فشُفي من مرضه. وأن النبي غ خلع عليه بردته، وأنه أكمل له بعضَ أبياتها. ونحن نستبعد أن يكون البوصيري نفسُه قد قال هذا. اعتماداً على أن واقعة إصابته بالفالج لا سَند لها من الواقع ويقول لنا الأستاذ محمد سيد كيلاني الذي حقق ديوان البوصيري: إن واقعة إصابته بالشلل غير صحيحة. وأنه كان مصاباً بكسرٍ في عظام ساقه استناداً إلى قوله:
ما ضَرَّكم جَبْرُ الكسير وحَسْبُهُ * ما يلتقي في الجَبْر من آلام
ويستشهد لنا الكاتب ببيت آخر يبطل به دعوى إصابته بالفالج، وهو من الأبيات التي يشكو فيه من امرأته الولود:
أو هذه الأولادُ جاءت كلُّها * من فعل شيخ ليس بالقَوَّامِ
فهو يؤكد بأنه مع وجود هذه العلة-عِلَّة الكسر-كان يأتي زوجته وينجب منها. فهل يستطيع هذا رجل أبطل الفالج نصفه كما قيل؟ إذن فكل ما أشيع عن البردة فمن نسج الخيال. الذي أذكاه الواقع الصوفي المتأجِّج في عصره، وهذا ينسحب على ما قيل بأن النبي قد أكمل له بعضَ أبياتها عند ما تلَجْلَج لسانه-وغاب عنهم قوله تعالى: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له)، (والشعراء يتبعهم الغاوون). والعجب من قوم لم يتورعوا عن الكذب على رسول الله-وما قيل كذلك عن الفقير-والفقير صفة كانت تطلق على الرجل الصوفي في هذا العصر-الذي قابله بعد نظمها وطلب منه أن يعطيه الشعر الذي كتبه مدحاً في رسول الله. وزعم هذا الفقير بأنه رأى رسول الله في المنام، والبردة تنشد عليه وهو يتمايل لوقعها.كل ذلك نسجته مغازل الأساطير، وكان العصر يحتمل هذا. وإن كثيراً من رجال الصوفية كانوا يزعمون أنهم رأوا النبيَّ جهرةً، في المنام!!-وقال محمد كيلاني: والملاحظ أن عصر البوصيري كان يزخر بالخرافات. وكان الصوفية أجمعون يدعون أنهم يرون النبي يقظة ومناماً، ويخاطبونه ويخاطبهم). انتهى من كتاب: (البوصيري مادح الرسول الأعظم غ). (ص:28/29). وكتابي: (البردة في الميزان) (ص:10)(1/5)
وقد توسع في ترجمته عبد العال الحمامصي حيث قال-تحت عنوان: (عن البوصيري)-: (البوصيري هو محمد بن سعيد بن حمّاد بن محسن ابن أبي سُرور ابن حيان بن عبد الله بن مَلاك الصنهاجي... وهو ينحدر من أصل مغربي حيث ينتمي إلى بني حَبْنُون(1)من فروع قبيلة صنهاجة العربية، التي استوطنت بلاد المغرب(2). وهو إذاً كان يمثل خصائص الروح المصرية الأصيلة كما يبدو في كثير من شعره. حيث يحفل شعره بروح الدُّعابة المصرية والسخرية البادية(3). والدفاعِ عن مصالح الشعب المصري ضد العمال والموظفين الذين استهانوا بمصالحه، وفرَّطوا فيها في القرن السابع الهجري، وحيث يبدو في كثير من هِجائياته لهؤلاء مصرياً غيوراً على مصالح وطنه. ويعذبه ما آل إليه أمر هذا الوطن من هوان. إلا أن هذا لم يمنعه من التفاخر بأصله المغربي والتدليل عليه في مثل قوله:
فقل لنا: من ذا الأديب الذي* زاد به حُبي ووساوسي
إن كان مثلي مغربياً فما* في صحبة الأجناس من باسِ
__________
(1) -حبنون:بحاء مهملة، وباء موحدة ونونين بينهما واو، على وزن زيدون. (ديون البوصيري)(ص:284).
(2) -والكلام على اسمه ونسبه ولقبه ومولده وثقافته وصفاته وأخلاقه وتصرفه وعمله ومذهبه وتصوفه وموقفه من الفرق الضالة وحياته في منزله ومنظومته التي رد فيها على اليهود والنصارى وديوانه وبعض قصائده كل هذا يطلب-بتوسع-في مقدمة (ديوان البوصيري) (ص:7/ إلى46). تحقيق محمد كيلاني.
(3) - ومما يحكى في دعابته أنه كانت له حمارة، فاستعارها منه ناظر الشرقية فأعجبته، فأخذها، وجهز له ثمنها مائتي درهم، فكتب على لسانها إلى الناظر: (المملوكة حمارة البوصيري)، أبياتاً يقول فيها:
يا أيها السيد الذي شهدتْ * ألفاظه لي بأنه فاضل
حاشاك من أن أجوع في بلد * وأنت بالرزق فيه لي كافل
ألم تكن قد أخذت عارية * من شرطها أن ترد في العاجل(1/6)
وإن يكذِّب نسبتي جئتُه * بجُبّتَي الصوف ودِرْفاسي(1)
ثم ذكر أن المؤرخين اختلفوا في تحديد مسقط رأسه، كما اختلفوا في موطنه، واختلفوا في العام الذي ولد فيه، فابن تَغْري بَرْدي يذكر أن مولده كان في العام الثامن من القرن السابع الهجري، والمقريزي يزعم أن مولده يتراوح ما بين الأعوام السابع والثامن والعاشر من هذا القرن. ولكن هناك إجماعاً على أنه ولد يوم الثلاثاء الفاتح من شوال. ثم ذكر أين درس، وماذا درس، ثم ذكر أن الفقر هو السبب الباعث على انقطاعه عن الدراسة، وفتح لحسابه الخاص مكتباً لتحفيظ القرآن، لكن سرعان ما ضاق بأمره وأغلقه، وذكر أن له قصائد قيمة يجادل بها أهل الكتاب من النصارى واليهود، ودرس التصوف وأحب أن يكون متصوفاً، وتتلمذ لأبي العباس المُرسي خليفة أبي الحسن الشاذلي وتلميذِه الأنجب. وانتمى إلى الطريقة الشاذلية، وكتب قصائد يمدح فيها الشاذلي والمرسي. وقد عُرضت عليه وظيفة الحسبة ولكنه رفضها وأنشأ يقول:
لا تظلموني وتظلموا الحِسبة * فليس بيني وبينها نسبة
لغيري في البيع والشراء دُرْبَة * وليس لي في الحالتين دربة
وهي قصيدة طويلة أعرضنا عنها اختصاراً.
ثم ذكر أنه صاحب أسرة كبيرة العدد فقد توسل إلى إعاشتها بمدح بعض الناس.
ولم يكن يتورع عن الهجاء يصبه على الذين يمنعون عنه العطاء، وإليكم نموذجاً من هذا الهجاء. فقد كان القاضي عماد الدين ابن أُبي يقدم له الكُنافة(2)خلال شهر رمضان من كل عام. وذات عام انتظر البوصيري هذه الكنافة فلم تصل إليه، فكتب قصيدة يهجوه فيها بقوله:
ما أكلنا في ذا الصيام كُنافة * آهٍ وابعُدَها علينا مسافهْ
قال قوم: إن العماد كريمٌ * قلت: هذا عندي حديث خرافهْ
ثم زعم أنه ينفق لمجرد اكتساب شهرة الكرام، أو عند ما يكون مجبراً.
__________
(1) -المراد به: العَلَم الكبير. انظر: (التاج) (درس)، و(القاموس) (ص490) دار الفكر.
(2) -الكنافة: هي نوع من الحلوى معروف في الشرق.(1/7)
وهو إن يَطعم الطعامَ فما يطْـ*ـعَمْه إلا بسُمْعَة أو مخافهْ
ثم بين أن البوصيري عموماً لم يكن متوافقاً مع عصره، ولم يجد المكانة الاجتماعية الجديرة بشاعر مثله. حتى زوجته شريكة عمره لم يكن على وفاق معها، وكثيراً ما كان ينشب الشجار بينهما. ولقد هجاها بقوله:
وبَلِيَّتي عِرسٌ بُليت بمقْتِها* والبَعْلُ ممقوتٌ بغير قيام
جعَلَتْ بإفلاسِي وشَيْبي حجة * إذ صرتُ لا خَلْفي ولا قُدَّامي
بَلَغَتْ من الكِبرِ العُتِيَّ ونَكَّسَتْ * في الخَلْقِ وهي صَبية الأرحام
ثم ذكر كلاماً طويلاً في تسوله وشجاره مع الناس ودفاعه عن الفلاحين المصريين الخ)(1).
__________
(1) -ومن أراد أن يتوسع في ترجمة وعجر وبجر البوصيري فلينظر كتاب عبد العال الحمامصي (البوصيري مادح الرسول الأعظم ص). (ص:33/ إلى 42). و(ديوان البوصيري) تحقيق محمد سيد كيلاني.(1/8)
هذا. وإني أرى من المناسب أيضاً أن أنقل كلاماً-أختم به هذه المقدمة-كنت قلته في مقدمة (الديوان السَّني، لأبي أويس الحسني) ونصه أن: (الشاعر إمّا أن يجلس على طرف لسانه ملَكٌ كريم فيقوده إلى عالَم الفضيلة والفضائل، أو أن يجلس عليه شيطان رجيم فيقوده إلى عالم الرذيلة والرذائل، فيجرح دينه بجروح عميقة لن تندمل أبداً، فكم من قصيدة-بل بيت شعر واحد-أحرقت تقوى الشاعر فأرْدَتْه صريعاً في بحر الهوى الزائف، وأخرى رفعته إلى الثُّريا بعد أن كان تحت الثَّرى، بل كم من أرواح ودماء أُزهقت وسفكت، وحرمات انتهكت، وكرامات ضُيعت، وأرزاق قُطعت، وجماعات فرقت ومزقت، وعائلات شردت، وأحقاد غرست، وأمن وأمانات ضيعت، وعورات كشفت، وبكارات افتُضت، وفاحشة ارتكبت، وعلاقات محظورة ربطت، وخسارات وقعت، ونار أضرمت، ببيت شعر واحد، أو صدره، أو عجزه، وكم من دجال باسم الشعر صاح: (أنَا ربُّكُمُ الأعْلى)(1). باسم الشعر غمزوا شرع الله، باسم الشعر سخروا من إقامة الحدود الشرعية، باسم الشعر سخروا من الحجاب، باسم الشعر سخروا من اللحية، باسم الشعر وصفوا اللغة العربية بالجمود والتحجر، باسم الشعر ضحكوا واستهزءوا وسخروا وغمزوا الدين وأهله، باسم الشعر لعنوا رسول الله(2)، باسم الشعر طعنوا في الرموز،
باسم الشعر قال أبو العلاء الزنديق:
كنت موسى وافته بنت شعيب * غير أن ليس فيكما من فقير
باسم الشعر قال حسان الأندلسي في محمد بن عباد المعتمد، وفي وزيره أبي بكر ابن زيدون:
كأن أبا بكر أبو بكر الرضا* وحسان حسان وأنت محمد
باسم الشعر قال أبو نواس:
__________
(1) - سورة النازعات، الآية: (24).
(2) - تقول حكيمة الشاوي:
ملعون من قال فيك: من ضلع أعوج خرجتِ ملعون من قال: ناقصة عقل ودين أنت
انظر: (إرشاد السالك إلى حكم من سب الرسول في مذهب مالك-حكيمة الشاوي نموذجاً) (ص:13). وهكذا تفتح أبواب الردة على أمواج الإذاعة المغربية من غير نكير من وزارة الأوقاف.(1/9)
فإن يك باقي سحر فرعون فيك * فإن عصا موسى بكف خصيب
باسم الشعر افتخر المتنبي افتخاراً لا يصح ولا يليق:
أي محل أرتقي * أي عظيم اتقي
وكل ما خلق الله * وما لم يخلق
محتقر في همّتي * كشعرة في مفرق
نعم بهذا الإطلاق الموهم للكفر، فإن ظاهر هذه الأبيات ازدراء واستهانة بكل ما خلق الله وما لم يخلق وهذا يشمل كل عظيم، وظاهر جداً أن الرسول ص، والملائكة داخلون في هذا العموم(1)،
__________
(1) -انظر: (إرشاد السالك إلى حكم من سب الرسول في مذهب مالك-حكيمة الشاوي نموذجاً) (ص:61/62/63). بقلم أبي الفضل عمر الحدوشي..(1/10)
فكم من وضيع خسيس سكير مشاكس عربيد رفعوا، وكريم نبيل مؤمن وضعوا، وهناك من الشعراء من كان هو هو، نبراساً ومناراً ومصباحاً تستضيء به المكتبات الإسلامية، ومنهم فضيلة شيخنا محمد بوخبزة، فقصائده كلها بأسلوبه (السهل المنال) قضت على التسمم المعلوماتي، وكسرت أظافر من يرفع راية فقه القساوسة، وقطعت سوط من يدافع عن الشيعة والطرقية، وتحدت المبتدعة المتزلجين على ثلج المصالح الشخصية، شعره كالسراج الوقاد المنير يضيء للناس الطريق ولا يحرق نفسه، شعره كالغيث أينما وقع نفع، بل كالشمس في رائعة النهار لا تغرب ولا تغيب، وإذا غابت في جهة طلعت في جهة أخرى، شعره حوى فوائد جمة، ونوادر مهمة، وشوارد جميلة، شعر مهذب محرَّر متقَن، مترابط الألفاظ الساحرة والفصيحة ترابطاً غير محدود، نافذة الأسياد، وقمة الأمجاد، وباقة عبقة بالطيب الخالد، وزهرة أطياف الشعراء، وإشعاعات ذات الصلابة والمتانة والصمود، وخواطر تأتي عفواً دون قصد أو تعمد، قصائده من طراز خاص فريدة رائعة لامعة لماعة، قصائده سديدة شديدة صاعقة على رأس المبتدع العنيد، والهجرس الحقيد، والغميذر المفسد، والشِّبدع البليد، فاصلة بين العوائد والفوائد، والمصالح والمفاسد، شيخنا من أفراد هذا الزمان، أنارت به حياتنا العلمية وتنقحت به قريحتنا الصيادة والباحثة والطالبة، لو لم يكن له من القصائد إلا قصيدة التحدي للتليدي، وقصيدة (هجاء الجعسوس المجوسي، المدعو: الطاهر-وهو النجس-العروسي).لكانتا كافيتين في علو نجمه على الشعراء فهما جامعتان لامعتان مانعتان بلا امتراء (فكل الصيد في جوف الفرا، وفي أعين ناظريه أحسن من نار القرى، في عين ابن السرى)(1).
__________
(1) -الفَرا: هو حمار الوحش وهو أفضل صيد عند العرب. وعلى ذلك قولهم في المَثَل: (كل الصيد في جوف الفرا): كناية عن الاكتفاء به حتى كأنّ من يصطاده قد اصطاد كل صيد.(1/11)
أظهر فيهما ينابيع الحكمة المفقودة الغالية، وأحيا أسلوب وقصائد شوقي الرنانة)(1).
وهذا التوضيح-الذي جاء في غاية الإيجاز الجامع بكلمات ذهبية- بين فيه إسهال فكر المبتدعة، أطفأ به نار المجوسية، وكسر به ظهر الكسروية، ورفع الغبار والعكوب والقَسْطَل الذي أثاره البوصيري في بردته ومديحه، وأوصد الأبواب في وجه الطرقية والشيعة الأشرار عباد الأشجار والأحجار والبشر، بهذا التوضيح الموجز رأينا آمالهم في تعرية بل في تعزية، وأنهم منطفئون حتماً لا محالة بصاروخ أبي أويس الحسني، أسفر عن عقيدتهم المزكومة، وشعرهم الممسوخ والمفسوخ والمكشوف وغرائبهم ومفارقاتهم وجهلهم المكعب وفضائحهم ومبالغاتهم المذمومة، وبين رتوة نظمهم في الضلال والإضلال، وأنهم يستفرغون جهدهم في إحقاق الباطل وإبطال الحق، وأنهم لا الإسلام نصروا، ولا البدعة كسروا، بل لها وللضلال انتصروا، وأن فضائحهم وشعرهم يتقطر لها قلب الجماد، لم يعطوا فهوماً ولا علوماً، ولا ذكاء، ولا زكاء، بل رزقوا غباء ودهاءً، وبين أن شبههم خطافة، والقلوب ضعيفة، وأكثر من يلقيها حمالة الحطب الذين زكوا عقولهم، واستعبدوا مَرِيدَهم، وربوهم على حب الشياطين والدجاجلة، فلنقاشهم نقاش منقوش في هذا الكتاب القيم فعض عليه بنواجذك، فقد سحب البساط من تحت أرجُل المنشدين الصوفيين، فأعيروه القلوب والآذان، لكي تحيوا لحظات من الإيمان والإحسان.
__________
(1) -من (الديوان السني، لأبي أويس الحسَني) (ص:3/4/5/6/7). وحاشية كتاب: (نشر الإعلام بمروق الكرفطي من الإسلام) (ص:68/69). وشيخنا عرفناه: (جريئاً في الحق لا يُداهن، قويَّ الشكيمة، حاضر البديهة، متبحراً في العلوم، شاعراً بليغاً، قوي الأسلوب، سهل المعاني، وكتابه هذا جاء فريداً في أسلوبه، ودقة أبحاثه، بز من قبله). انظر: (كوثر المعاني) (1/7/9).(1/12)
نعم، نطل على قرائنا الكرام مرة أخرى بإبداع وإصدار جديد، وقد حاولنا أن نخرجه مؤلفاً بديعَ المنزع، سهل الألفاظ والمعاني، بأحلى حلة وأحسن تخريج، وأجمل ترتيب، صِيغ صياغة علمية بأسلوب منقَّح مصفىً، بأسلوب رشيد ومنهج سديد، بأسلوب فاخر وقلم زاخر، زبدة الفهم والحكم الساطعَيْن القاطعين الخاتمين، درس البردة بفهم السلف، ونظر فيها بعيون السلف، ونقحها بقلم ابن تيمية، وحبر تلميذه ابن القيم، وفَهْمِ محمد بن عبد الوهاب. نقحها ببديع فهمه، وطول باعه، وغور فكره في العقيدة الصحيحة، وقبل أن أتركك مع الرسالة أود أن أذكر لك السبب الباعث والحامل على نظم هذه القصيدة-يقول البوصيري-: (كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اتفق بعد ذلك أن أصابني خِلْط فالج(1)
__________
(1) - قال محمود مهدي الإستانبولي في كتابه: (كتب ليست من الإسلام) (ص:19/20)-و(البردة في الميزان) (ص:16)..لأبي الفضل عمر الحدوشي-: (والعجيب أن يزعم الزاعمون ويكذب الكاذبون أن البوصيري كان قد أصيب بفالج فشل حركته وأقعده-ليته لم يشف منه وقضى نحبه فأراح الله البلاد والعباد مما في بردته الخِلقة من مبالغات ولحن في العقيدة-لحن العوام-فقد جرحها ببردته وهمزيته بشركيات وضلالات عظيمة-فأنشد قصيدة البردة في المنام للرسول ص فأعجب بها، كذا قال، فألبسه جبته وشفي في الحال، وهذه الفرية جعلت الحمقى والمغفلين يتعلقون بها، حتى أصبحت البردة في مقدمة القرآن-تقرأ على الموتى، وتقرأ في المناسبات والأعياد البدعية، حتى في المجالس التي تضم من يسمون المشايخ المحسوبين على أهل العلم بل ويتمايلون على أنغامها تمايل النسوان، وهي تفوح منها رائحة الكفر والشرك والمبالغات-وهل يعقل أن يستمع الرسول عليه الصلاة والسلام إلى قصيدة البوصيري وهي تقطر شركاً، ولا يؤنبه على ما فيها من المبالغات والشركيات ويقره على ذلك استغفروا الله ما أكذب البوصيري في هذا!! ونجزم بكذبه أو بجهله لأننا نعلم أن الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ بُنِيَ علَيَّ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي (الخطاب للراوي عنها). وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى قَالَتْ جَارِيَةٌ:
وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لا تَقُولِي هَكَذَا وَقُولِي: مَا كُنْتِ تَقُولِينَ)-رواه البخاري في صحيحه كتاب النكاح (4750) (2/352/9/166/167). والترمذي في جامعه كتاب النكاح (1010) وأبو داود في سننه كتاب الأدب (4276) وابن ماجة في سننه كتاب النكاح (1887) وأحمد في باقي مسند الأنصار (25779/2578). (6/359/360). والبيهقي (7/288/289). انظر: (صحيح سنن ابن ماجة) (1/320) و(الروض)
(830) و(الآداب) (93/94)- وفي رواية: (دعي هذا وقولي بالذي كنت تقولين). قال الألباني (رحمه الله): (إن النبيص، سمع ناساً يغنون في عرس وهم يقولون: -والصحيح - سمع النبيص نساءهم. يقولون في عرس:
وأهدي لها أكبش يبحبحن في المربد
وحِبك في النادي ويعلم ما في غد
فقال رسول الله ص: (لا يعلم ما في غد إلا الله).ألا قلتم:
أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم
وفي (مجمع الزوائد) (8/129). بلفظ: (فحيانا وحياكم). وفي رواية للطبراني بإسناد حسن من حديث عائشة أن النبي ص، (مر بنساء من الأنصار في عرس لهن وهن يغنين:
وأهدي لها كبشاً تُنَحْنِحُ في المربد وزوجكِ في البادي وتعلم ما في غد
فقال: (لا يعلم ما في غد إلا الله)-(الفتح) (9/167). وانظر: (المجمع). (8/129)- وفي رواية:
وزوجك في النادي ويعلم ما في غد
قالت: فقال رسول الله ص: (لا يعلم ما في غد إلا الله سبحانه)-قال الشيخ الألباني (رحمه الله). في (آداب الزفاف) (ص 182): أخرجه الطبراني في الصغير (ص:69). ورقم (830- بترتيبي). والحاكم (2/184/185). والبيهقي (7/289). وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم). ووافقه الذهبي!. وعزاه الحافظ: (9/167). للطبراني في الأوسط بإسناد حسن-ولا يخفى ما في هذه القصة من الضلال).(1/13)
أبطل نصفي، ففكرت في عمل قصيدتي هذه البردة، فعملتها، واستشفعت بها إلى الله في أن يعافيني، وكررت إنشادها، وبكيت ودعوت، وتوسلت ونمت، فرأيت النبي ص، فمسح على وجهي بيده المباركة، وألقى عليّ بردة، فانتبهت ووجدت فيّ نهضة، فقمت وخرجت من بيتي، ولم أكن أعلمت بذلك أحداً، فلقيني بعض الفقراء، فقال لي: أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله غ ، فقلت: أيّها؟ فقال: التي أنشأتها في مرضك، وذكر أوّلها، وقال: والله لقد سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله ص، فرأيت رسول الله ص يتمايل وأعجبته، وألقى على من أنشدها بردة، فأعطيته إياها، وذكر الفقير ذلك، وشاع المنام)(1).
__________
(1) - انظر: (فوات الوفيات) (2/258). لمحمد بن شاكر الكتبي. يقول شيخ الإسلام في (اقتضاء الصراط المستقيم) (2/692/693): (ثم سبب قضاء حاجة بعض هؤلاء الداعين الأدعية المحرمة أن الرجل منهم قد يكون مضطراً ضرورة لو دعا الله بها مشرك عند وثن لاستُجيب له؛ لصدق توجهه إلى الله، وإن كان تحري الدعاء عند الوثن شركاً، ولو استجيب له على يد المتوسل به، صاحب القبر أو غيره لاستغاثته، فإنه يعاقب على ذلك ويهوي به في النار إذا لم يعفُ الله عنه، فكم من عبد دعا دعاءً غير مباح فقضيت حاجته في ذلك الدعاء، وكان سبب هلاكه في الدنيا والآخرة). الاستجابة لا تقتضي الرضى على الداعي، ولا على إيمانه فليُعلم هذا فإنه مهم جداً. وللعلامة عمر أبي عمر-فرج الله علينا جميعاً من سجن الطواغيت-كلام قيم في كتابه النفيس (جؤنة المطيبين). فلينظر. وللذهبي كلام طويل في (السير) (7/76/20/217/385) –ومواضع أخرى جمعتها في رسالة عندما كنت بالسجن المركزي بالقنيطرة 1423/1424هـ وذلك أثناء قراءتي لكتب الذهبي.(1/14)
ففي هذه الحادثة مخالفات ومزالق ومؤاخذات وطوام وبواقر وقوادح وجرح من البوصيري للعقيدة الصحيحة عظيمة وكبيرة جداً، منها: الاستشفاع برسول الله غ ، والدعاء والتوسل به(1)، ونحوها من الطوام، واللائحة طويلة، والحبل جرار.
وثالثة الأثار في زعمه أن الفقير المذكور رأى النبي غ فعند ما سمع هذه القصيدة التي تقطر بعض أبياتها ضلالاً وشركاً والعياذ بالله تمايل(2)
__________
(1) - ومن أراد أن يتوسع في مسألة التوسل والاستشفاع والاستغاثة فعليه بالكتب التالية: (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة). لشيخ الإسلام ابن تيمية. و(التوسل أنواعه وأحكامه). للشيخ الألباني. و(مظاهر الانحرافات العقدية). و(خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء). (ص:122 إلى151). و(الفكر الصوفي) لعبد الرحمن عبد الخالق. و(وسطية أهل السنة بين الفرق) للشيخ محمد كريم.
(2) - وهذا الضلال روى فيه الصوفية حديثاً باطلاً ذكره محمد بن طاهر المقدسي في (مسألة السماع)، وفي (صفة التصوف)، ورواه من طريقه الشيخ أبو حفص عمر السُّهْرَورْدِي صاحب (عوارف المعارف) ولفظه: (أن النبي غ أنشده أعرابي:
قَدْ لَسَعَتْ حية الهوى كبدي فلا طبيب لها ولا راقي
إلا الحبيب الذي شُغِفْتُ به فعنده رقيتي وتِرياقي
فتواجد حتى سقطت البردة عن منكبيه، فقال معاوية: ما أحسن لهوكم فقال: مهلاً يا معاوية: (ليس بكريم من لم يتواجد عند ذكر الحبيب). وهو حديث مكذوب موضوع باتفاق أهل العلم بهذا الشأن-وواضعه عمار ابن إسحاق، قال الذهبي في ترجمته (الميزان) (3/164/ رقم:5982): (كأنه واضع هذه الخرافة التي فيها: لَسَعَتْ حية الهوى كبدي). وأورده ابن عراق في (تنزيه الشريعة) (2/233/ رقم:72) وذكر كلامَ الحُفَّاظ الدال على بطلانه. وأورده الزركشي في (التذكرة) (ص:213) وقال: (هذا كذب باتفاق أهل العلم بالحديث، لكن قد رواه بعضهم، وهو من الأكاذيب الموضوعة). وانظر: السيوطي في (الدرر المنتثرة) (ص:197/ رقم:482) وقال: (أخرجه الديلمي من حديث أنس، وقال: تفرد به أبو بكر عمار بن إسحاق). كما في حاشية (رسالة في السماع والرقص) (ص:21/22). للعلامة محمد بن محمد المنبجي الحنبلي. و(مجموع الفتاوى) (11/58). لابن تيمية- قال ابن تيمية في (المجموع) (11/598): (إن هذا الحديث كذب بإجماع العارفين بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وأحواله)-و(موسوعة الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة) (2/438/ رقم:4894). و(كشف الخفاء) (2/184). و(المصنوع في الحديث الموضوع) (1/262). و(ميزان الاعتدال) (5/198).(1/15)
وتواجد طرباً وفرحاً لما فيها من الضلال الفاضح، والشرك الواضح، وحجتهم في هذا حديث باطل اختلقه عمار ابن إسحاق الوضاع كما أشرنا إلى ذلك في هامش هذه الرسالة. وأظهر منه كذباً حديث آخر يذكرون فيه: (أنه لما بُشِّر الفقراءُ بسبقهم للأغنياء إلى الجنة)(1)-(تواجدوا وخرقوا أثوابهم، وأن جبريل نزل من السماء فقال يا محمد: إن ربك يطلب نصيبه من هذه الخروق فأخذ منه خرقة فعلقها بالعرش وأن ذلك هو زيق(2)الفقراء)(3).
__________
(1) -ورد في هذا حديث بسند حسن دون خرافة التواجد وخرق الثياب الخ. رواه ابن ماجة في (سننه) (2/1381/ رقم:4123). من حديث أبي سعيد الخدري. بلفظ: (إن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم...). وأحمد في (المسند) (3/63/96) من طريقين عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً يقوي أحدهما الآخر، وله شواهد: أحدها: عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: (يدخل فقراء المهاجرين الجنة قبل الأغنياء). أخرجه أيضاً ابن ماجة (2/1380/ رقم:4122)، وأحمد في مواضع من (مسنده) (2/296/343/451/513/519). بسند حسن. وصححه ابن حبان (ص:636/ رقم:2567-موارد).للزيادة انظر: (السماع والرقص) (ص:23). للمنبجي.
(2) -الزِّيق: ما كُفَّ من جانب الجيب، وزيق القميص ما أحاط بالعنق. (القاموس المحيط) (ص:1152). و(السماع والرقص) (ص:23).
(3) -أما تواجد الفقراء وخرقهم الثياب ونزول جبريل.. فقد قال ابن تيمية في (لمجموع) (11/58/59): (فكل هذا وأمثاله إفك مفترى، وكذب مختلق باتفاق أهل الاتفاق من أهل العلم والإيمان، لا ينازع في ذلك إلا جاهل ضال، وإن كان قد ذكر في بعض الكتب شيء من ذلك فكله كذب باتفاق أهل العلم والإيمان). انظر حاشية: (السماع والرقص) (ص:23).(1/16)
وفي رواية عن أنس: (أنه عليه الصلاة والسلام أنشد بحضرته البيتان فتواجد بحضرة أصحابه الكرام وسقط رداؤه عن منكبيه فلما فرغوا آوى كل واحد إلى مكانه ثم قال صلى الله عليه وسلم: ليس بكريم من لم يهتز للسماع، ثم قسم رداءه على من حضر أربعمائة قطعة)(1). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ما اشتهر أن أبا محذورة أنشدهما بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وأنه تواجد حتى وقعت البردة الشريفة عن كتفيه فتقاسمها فقراء الصفة وجعلوها رقعاً في ثيابهم، كذب باتفاق أهل العلم بالحديث، وما روي في ذلك فموضوع).
والصوفية يعتقدون أن علياً - رضي الله عنه - وضع قطعة منها في مرقعته، ولما مات لبسها بعده ميسرة، ثم الحسن البصري، ثم تسلسل إسناد الخرقة الصوفية(2)عنه إلى أبي العباس المرسي وأبي الحسن الشاذلي، إلى صوفية عصرنا(3).
هذا وأمثاله إنما يرويه من هو أجهل الناس بحال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم بمعرفة الإيمان والإسلام(4)ومن لم يسعه هذا فعليه بـ(موضوعات) ابن الجوزي، فقد اقتنص فيها شواردهم، وقيد أوابدهم، وفتح الباب لمن بعده ليستخرجوا من بطون الأمهات والبنات ولها (نظائر وأخوات يتيمات منثورة هنا وهناك)(5). فلا غرو فعند غياب الوازع الديني تنطلق الشرارة، وتتكون رغبة الرئاسة والتجلي والظهور، تحت اسم شيخ الطريقة، أو محبة آل البيت فاغتر البشر بهم وبكراماتهم الخيالية المبتكرة المنسوجة، وللشيخ الصوفي والأمير الروحي الحظ الأوفر في وضع واختلاق الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم يقولون: (الإمارة ولو على حجارة).
__________
(1) -انظر: (الحاوي للفتاوي) (2/437). و(كشف الخفاء) (2/184).
(2) - انظر: أسانيد الخرقة في (منهاج السنة) لابن تيمية (2/47) (وعجوه وحشف) (ص67).
(3) - انظر: (السير) (23/226/364) للذهبي.
(4) -انظر حاشية: (السماع والرقص) (ص:23).
(5) -انظر: (التحديث بما قيل: لا يصح فيه حديث) (ص:11). بقلم بكر أبي زيد.(1/17)
فمع الرسالة لكي تعرف أن البوصيري قد خبط في بردته الخلِقة خبط عشواء، برجل عرجاء، وكلمات قاصرة عوجاء، وليس المقصود من هذا الكتاب تقييم كل أبيات البردة، لأن ذلك يكلف كثيراً(1)،
__________
(1) -انظر على سبيل المثال قوله:
وبات إيوان كسرى وهو منصدع كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
والنار خامدة الأنفاس من أسف عليه والنهر ساهي العين من سدم
وساء ساوة أن غاضت بحيرتها ورد واردها بالغيظ حين ظمي
كأن بالنار ما بالماء من بلل حزناً وبالماء ما بالنار من ضرم
والجن تهتف والأنوار ساطعة والحق يظهر من معنى ومن كلِم
وقال أيضاً:
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم
وقاية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم
وكل هذه الخوارق المزعومة لا يصح منها شيء، وفي أبيات البردة نظائر. والله أعلم.(1/18)
لكن الكتاب عبارة عن إشارات طريفة لبعض الشركيات والمخالفات الواضحة، فما علينا إلا أن نحيي المؤلف تحية إعجاب وإكبار، ونأمل لمؤلفاته القيمة مستقبلاً زاهراً في خدمة الدين، وتصحيح عقائد المفسدين-ومؤلفنا من حماة هذا الدين وحراسه-ونحن اليوم بحاجة ماسة لمن يحل لنا كثيراً من إشكاليات العقيدة، والمسائل التي لم تُبحث من قبل، وبنات أفكار أبكاراَ لم تُفتَضَّ إلى الآن، حتى لا يميل شبابنا مع أهواء المبتدعة قطاع الطريق، وأيضاً بحاجة لمن يميز بين الشرك والتوحيد، وبين السنة والبدعة، ولاسيما إذا كان هذا (بقلم من اتسعت مداركه، وطال جده وطلبه، والصنعة بصانعها الحاذق، ومعلمها البارع)(1). وأخيراً لا أنسى أن أقول لأخي القارئ: (إذا عثرت على هفوة صدرت منا في هذه الرسالة أو غيرها، أو كبوة فإنما نحن كالذي تفرد في سلوك السبيل، فلا يأمن من أن يناله أمر (وبيل)، ومن توحد بالذهاب في الشعاب والقفار فلا يبعد أن تلقاه الأهوال والأخطار، ولا يسلم من الخطأ، إلا من جُعِل التوفيق دليله في مفترقات السبل وهم الأنبياء والرسل، هذا ومن ظن أنه سيرضي الناس كلهم فهو مجنون، ومن ظن أنه لا يتكلم في عرضه فهو مجنون، ومن ظن أنه يسلم من ألسنة المبتدعة، أو: يريد ذلك فهو مجنون:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها * كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه
وإرضاء الناس كلهم -كما يعلم الجميع- غاية لا تدرك، وأن: (مَنْ أَرضى الناس بسخط الله وكَلَه الله إلى الناس). كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(2). ولله در من قال:
__________
(1) -انظر: (التعالم وأثره على الفكر والكتاب) (ص:67). للشيخ بكر بن عبد الله.
(2) -رواه الترمذي والقضاعي وابن بشران وغيرهم، وقد تكلم الألباني (رحمه الله). على الحديث وطرقه في (تخريج أحاديث شرح العقيدة الطحاوية). ثم في (الصحيحة). (2311). وبين أنه لا يضره وقف من أوقفه وأنه صححه ابن حبان. كما في (صفة الصلاة). (44).(1/19)
ولست بناج من مقالة طاعنٍ * ولو كنتُ في غارٍ على جبل وعر
ومن ذا الذي ينجو من الناس سالماً * ولو غاب عنهم بين خافِيَتَي نسرِ(1)
ومن ظن أن شجياً يسلم من خلي فقد غلط غلطاً فاحشاً ورحم الله ابن حزم إذ يقول: (العقل والراحة في اطراح المبالاة بكلام الناس واستعمال المبالاة بكلام الخالق- عز وجل- ومن قدر أنه يسلم من طعن الناس وعيبهم فهو مجنون)(2). وصدق أويس القرني حين قال: (يأتي زمان لأن تكون فيهم جيفة حمار خير لهم من رجل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر). وقال: (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدعا لنا صديقاً حميماً، نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيشتمون أعراضنا، ويجدون على ذلك أعواناً من الفاسقين، حتى-والله- رمونا بالعظائم، ولكن وأيم الله لا ندع أن نقوم فيهم بحقه).
وأخيراً فقد (نهج فضيلة شيخنا في هذا التعليق القيم منهج الوسط، فليس بالطويل الممل-لتقاصر الهمم عن قراءة المطولات، بل لموت الهمم-ولا بالقصير المخل الذي لا يفي بالمعنى والمقصود، بل عوانٌ بين ذلك، لهذا وذاك رجونا الله أن يقع تعليقه مع البيان المشار إليه في الهامش موقعه من قبول الحق والرضا بالنصح وألا ينظر إليه على أنه مخالفة أو نقد، فما هذا شأن المسلمين، وكل ما في هذه التعليق من أمثلة وبيان ليس مقصوداً لذاته ولكن لإيضاح الأمر وإمعاناً في الحجة)(3).
__________
(1) - الخوافي: ريشات إذا ضم الطائر جناحيه خفيت، وتكون وراء القوادم.
(2) -انظر: (الأخلاق والسير) (ص 17). لابن حزم. انتهى من (أناشيد عربية لا إسلامية) (ص:5/6). و(القول السديد في بيان أن دخول البرلمان ينافي التوحيد) (ص:146).
(3) -انظر: (كيف تفهم عقيدتك بدون معلم؟). (ص:4/5).(1/20)
وأرجو أن أكون قد حررت نفسي في هذا التخريج والتعليق من الرواسب والعواطف والأنانية وسوء الظن والظلم والتعدي والانحراف عن الأسلوب العلمي، (أقول: ولا يستعجلن القارئ علينا وهو يرى هذا الكلام قبل أن يقرأ الأبيات التي نقدها شيخنا ليرى ما فيها من المخالفات الشديدة للعقيدة الصحيحة. فإن وجد الأمر كما ذكر شيخنا-وهو كذلك- فليدع لنا وله بحسن الخاتمة والمغفرة، وإذا لم يجد في أبياتها ما نقلناه هنا صحيحاً فإننا نسامحه في كل ما يقول، وليرمنا بسهمه بعد ذلك من شاء كما شاء متى شاء، وكيف شاء، وإن كان غير هذا نرد السهم إلى كبد راميه.
هذا وإني أتمنى من إخواننا ألا يتسرعوا في الحكم على هذا الاتجاه الذي اتجهناه إلا بعد أن يقرأوا ما ذكرناه هنا عن البردة-وما سوف سنذكره عن الهمزية بقلم فضيلة شيخنا محمد بوخبزة أيضاً-وأظن أن أشدهم إنكاراً علينا سيكون أكثرهم حماساً لما ذهبنا إليه، ولا ندعي العصمة في القول أو العمل، ولكن فضل الله كبير، وعلى كل حال فهذا الموضوع لم يعد بالإمكان السكوت عن الإجابة عليه، وهذا اجتهادنا فيه، وأرجو أن نكون مصيبين في هذا الاجتهاد وأتمنى على كل من عنده رأي آخر أن يناقشنا فيه ولكن بعد أن يقرأ كتاب شيخنا هذا. وألا يتكلم خلف الباب داخل الجدران كالمرأة، بل من كانت له شجاعة علمية يريد للأمة خيراً فليتفضل لينصحنا وله جزيل الشكر، بعد أن يدون ما يجده في هذا الجزء اللطيف، من أخطاء واستدراك فإننا نتقبل كل نقد بناء علمي رصين يوجه لنا بل ويربح شكرنا، ونضع يدنا في يده(1).
(
__________
(1) -وهذه المقدمة-تقريباً-منقولة من كتابي المخطوط: (البردة في الميزان) (ص:34).(1/21)
وها هو أخي القارئ بين يديك ثمراً مستطاباً، ومنهلاً عذباً زلالاً، وهو يبين نضج شيخنا الهمام، ورسوخ قدمه في العلم، ودقته في البحث، وعمقه وتمكنه في علوم الإسلام)، وخاصة العقيدة الصحيحة، فشكر الله لشيخنا دفاعه عن العقيدة الصحيحة، وغيرته على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، ونفعنا بعلمه آمين.
وكتبه أبو عاصم
في تطوان. 7شوال 1423هـ
كنت قدمت هذا الجزء للطباعة سنة 1423هـ ثم ألقي علي القبض –إرضاءاً لأمريكا اللعينة وحكمت بـ[30] سنة. وجريمتي الوحيدة أنني أومن بالله وأُوحِّده، ورسوله غ قال: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) وحكومة المغرب قالت: (من قال لا إله إلا الله دخل السجن)- وتوقف الطبع إلى الآن.
كتبه:
أبو عاصم من داخل زنزانته الانفرادية بالسجن المحلي بتطوان 12 شوال 1427هـ وقد كتبت عليها زيادات وتعديلات كثيرة أرجأتها للطبعة الثانية إن شاء الله إن يسر الله لنا الخروج من السجن.
تقديم فضيلة شيخنا محمد بوخبزة
طلبت من فضيلته أن يكتب مقدمة ممزوجة بقصيدة-من قصائده العصماء-يعارض بها (بردة) البوصيري (وهمزيته)، فأجاب مشكوراً قائلاً-بعد السلام عليَّ-:
(الحمد لله. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم).(1/22)
هذه الرسالة... صيحةُ نذيرٍ عُريان، ونصحٌ خالصٌ عام، لكل شحيح بعقيدته ودينه، ساعٍ راغبٍ في تحصين إيمانه ويقينه، مُتَحَلٍّ بالإنصاف، مُجانبٍ للتَّعَصُّب والإعتساف، مؤْثِرٍ للحق على الخَلِق، لم يَجعل دينَه عُرْضةً للخصومات، وهَدَفاً للأهواء والرُّعُونات: أن يحتاطَ لنفسه، والفوز بالنجاة عند حُلول رَمْسه، بتنقية عقيدته-وهي رأسُ ماله-من شوائب الإشراك، وتصفيتِها من أدران الغُلو المَقيت، ودَخَنِ الإبتداع المُمِيت، في كل ما يأتي ويذَر من أقوال وأفعال، تتعلق بالإيمان والعبادات في جميع الأحوال، ضماناً للسلامة والفلاح، وحرصاً على حصول الظَّفَر والنجاح، وقد ابتُلي الناس-إلا من رحم الله-بداء الإهمال والجهالة واللاَّمُبالاَة، فتورطوا بسبب ذلك في الوقوع في قواصمَ، بدون عواصم، وبدَع موبقات، طوَّحت بهم في أودية الهَلَكَات، يَحْسِبونها هينةً وهي عند الله من أعظم البليات، توارثها الأبناءُ عن الآباء، فأصبحت من آكَدِ العادات، وأهَمّ المهمات، وزاد الطينَ بَلَّة: سكوتُ أهل العلم عن الإنكار، وموافقةُ كثير منهم على تسويغ هذه الأخطار، ومنها: ما يُسمّى بالأمداح النبوية، قد خَالَطَها عندنا غلوٌّ قبيح شَانَ رَوْنَقَها وبَهْجَتَها، وشوَّه بالضلال محاسنَها، فلا تكاد تسمع منها إلا ما يَصُكُّ المَسَامع، ويُسيلُ المدامع، من إشارات إلى وحدة الوجود(1)،
__________
(1) -انظر الكلام بتوسع على وحدة الوجود في كتاب شيخنا بوخبزة [نقل النديم] [ص8/18/22/32/60/64/66/69/70/74/75/76/77/84/85/86/90/94/95/96/120/121/138/146/155/158/187/201/202/230/247/251/253/254/260/282/283]..(1/23)
واتحاد العابد بالمعبود، إلى نَعيق منكَر بالحلول، وإطراء مستَهْجَنٍ مملول، خصوصاً في (همزية) البُوصيري و(بُردته) فقد استأثرتا بإعجاب القَوّالين والمُنشدين، فجعلوهما (هجِّيرَاهُم) في كل وقت وحين، غافلين عما انطوتا عليه من مخالفات تمس العقيدةَ في الصميم، منتَشِينَ ببلاغة الإنشاء وسحر الأصوات والأنغام، في عماية عما يتخللها من سُمّ ناقع، وجرأة على الله ورسوله تذَر الديار بَلاَقٍع، وكنتُ فيما مضى أشرتُ في إحدى مجاميعي إلى أبيات كثيرة في القصيدتين تَرشَح (تَفَاعيلُها) بمصائب وفضائح يَضيق لها الصدرُ، ويعظُم عندها الوِزْرُ، ويَسقط عن الإغضاء عنها العُذْرُ، واتفق أن وَقَعَ عليها الأُسْتَاذُ الدَّاعيةُ أبو عاصم عمر بن مسعود بن عمر ابن حَدُّوش، فالتقطها مفردة، وعُني بها مجردة، وكَتَبَ عليها تعليقاتٍ هي-وإن اتسمت ببعض الطول-تَتِمَّاتٌ مُفِيدات، وزوائدُ مهمات، واستأذنني في نشرها، رغبةً منه في تعميم نفعها، وما كُنتُ بِدعاً ممن سبقني إلى نقدها، وبيان خطرها، فقد قلتُ ما أَوجبَ الحقُّ أن أقول، غيرَ ملتفتٍ إلى لومِ لائم، ولا جَور متسرعٍ ظالم، وقد سبق من (وازر)(1)
__________
(1) - قالت أم الفضل: (وازر) بإشباع الواو من الوز قال فضيلة شيخنا بوخبزة في (نقل النديم): (والشؤن الإسلامية كأن الإسلام شيء غريب ودخيل علينا يحتاج لوزارة تعالجه). وشيخنا من كبار العلماء –سناً وعلماً- من 16- الذين وقعوا فتوى في تكفير المتحالف مع الكفار لضرب الإسلام والمسلمين، فكان جزاؤه –والله المستعان- ما ذكره شيخنا هنا. وكان جزاء شيخي وزوجي30 سنة من السجن ثبته الله ومن معه من المشايخ..(1/24)
الأوقاف السابق أن طالتْني يدُه الظالمة، ولم يراعِ شيبتي في الإسلام، ولا نسَبي إلى خير الأنام، عليه أفضل الصلاة والسلام، وهو يَتَمَسّح بالتصوف وأهْل البيت، كما لم يرفعْ رأساً لعدة عرائضَ ممهورة بمآت التوقيعات، وقد تركتُ له (منبرَه) و(كُرسيَّه)، وَسَلِمْتُ-بحمد الله-من كل بلية، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)(1).
__________
(1) -آخر آية في سورة الشعراء رقم: (227). يقول أبو عاصم: هذه الآية فيها (تهديد شديد، ووعيد أكيد عام في كل ظالم، تتفتّت له القلوب ألماً، وتتصدع له القلوب كمداً، أي: سيعلم كل ظالم، وكل كافر فاجر، أيَّ مصير يرجعون إليه؟ وأيَّ عقاب ينالونه، حيث ظلموا أنفسهم، بالإعراض عن الإيمان، والتكذيب بآيات الرحمن!؟، كما سيعلم كل طاغية جبار، نهايته المشئومة التي يصير إليها يوم الحشر الأكبر!!). انظر: (التفسير الواضح) (ص:929).(1/25)
أقول: لم أكن بِدْعاً من كوكبة منصورة من أهل الحق الذين رَفَعُوا عَقٍيرَتَهم، وهَزُّوا يَرَاعَتَهُم بالإنكار على أهل الشطحِ المذموم، الناعقين بالحلول والإتحاد، والكفر والإبتداع، فَحَرَّرُوا-جزاهم الله خيراً-كتُباً ورسائلَ فَضَحَتْ عَوَارَهم، وكَشَفَتْ ضَلاَلَهم، وعلى رأسهم شمسُ الدين السخاوي الذي ألف ديوانَه العظيم (القولُ المُنبي، في ترجمة ابن العربي) أوْرَد فيها ردودَ وفتاوِي نحوِ مائة وأَربعين عالماً من كبار أئمة المذاهب الأربعة الفقهية، ومشايخ الطرق الصوفية، بالشام ومصر واليمن والحجاز والمغرب، صرحوا فيها بضلال ابن العربي الحاتمي وما تضمنته (فتوحاتُه) و(فُصُوصُه) من الكفريات الموبقات، والكتاب ما زال مخطوطاً، وهو على وشك الصدور-إن شاء الله-مدروساً محققاً بهمة أخ مغربي كريم بمكة المكرمة، وليت شعري لو أُوقف وازرُ الأوقاف السابق على تلك الفضائح التي تزكم الأنوفَ روائحُها، ويُعشي الأبصارَ دُخانُها، هل كان يصر على دعواه التي ألقاها في دَرسه، غيرَ مُبالٍ بما تنطوي عليه من تنكر للحق، وتصامم عن سماعه، وقد علمتُ بالتجربة أن أنجَعَ الطرق لإقناع المكابر، وإفحام الجاهل المجاهِر، أن تُخْتار من تلك الطَّوامّ عُيونٌ عَوْراء، لا يملك من سمعها-دون تسمية قائلها-إلا الإقرار بفداحة جُرمها، وضلالِ صاحبِها، كما فَعَلَ الحافظ ابنُ حَجَر مع شيخه ابن الملقن حول كفريات ابن الفارض، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وقد قلت:
الحمد لله مُحيي الخَلْقِ من عَدَمِ * وباعثِ الرُّسْلِ الهادينَ للأُمَمِ
وصَلِّ-رَبِّ-وسَلِّم دائماً أبداً* على النَّبِيِّ ومَنْ وَالاَهُ من نَسَمِ
وبعد: فالنُّصْحُ فرضٌ لاَزِمٌ لِبَنِي الـ *ـإسلام من عَرَب-تَتْرَى-ومن عَجَمِ
فَلْتَعْلَمُوا-إخْوَتِي-أنَّ المَدِيحَ لمن * أثنَى عليه إله العرش في القِدَمِ
من خير ما يفعل (المسعودُ) إن سَلِمَتْ * أقوالُهُ من هَوَى الإطراء في الكَلِمِ(1/26)
وقد نَهَى المصطفى عنه، لِمَا غَالَه * من الغُلُوّ إلى الإفراطِ في النَّدَمِ
فما لَكُمْ نَشَزَتْ أنْغَامُ (بُرْدَتُكُمْ) * و(ذَاتِ هَمْزٍ) بما تَحْوِيه من ظُلَمِ؟
قد أَسْكَتَ المصطفى (البِنْتَيْنِ) من صفة * قد قَالَتَاهَا، لما فِيهَا من التُّهَمِ
ألم تَرَوْا ما بهذا القَوْلِ من شَطَطٍ؟* فكيف تَسْتَسْهِلون الهَتْكَ للحُرَمِ؟
وتُنْشِدُونَ وأنتم في جَهَالَتِكُمْ: * أنّ الإلَهَ بَرَى الأكْوانَ من عَدَمِ:
لَوْلاَ الرّسُولُ لَكَانَ الكَوْنُ منعَدِماً * هَذِي المُصِيبَةُ قد أرْبَتْ على اللَّمَمِ
ومن علُومِ رسولِ الله-وا أسفاً-* علمُ الإله، وما في اللوح والقَلَمِ
واللهِ لو سَمِعَ المختارُ قولَكُمُ * هذا لأرْكَسَكُمْ في مَارِجِ الضَّرَمِ
يا ويْحَكُمْ عِنْدَ ما تُبْلَى السَّرَائرُ في * يومٍ تَفَاقَمَ فيه الحُزْنُ مِن ألَمِ
وَلَيْسَ يُنْجِي سِوى التَّوْحِيدِ مُنْفَرِداً* كَمَا أَتَى الوَحْيُ من هُلكٍ ومن غُمَمِ
هلاَّ اتَّبَعْتُم رَسُولَ اللَّهِ، يَحْدُوكُمُ * حُبٌّ لسُنّتِه الغَراءِ، من هِمَمِ
فَهُوَ السَّبيلُ لِحُبِ اللهِ، َلا غُلُوٌّ * مُرْدٍ وَلا لَهَجٌ بِالشَّطْحِ والنِّقَمِ
يَا أُمَةً أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَهْدِيهِمُ * لِلحَقِ، فَانْشَغَلَتْ بِاللَهْوِ وَالخَدَمِ
تَقَاعَدَت عَن جِهادِ الظُّلَمِ، وانحَشَرت* إلى الزَّوايا تَرومُ النُّورَ في الظُّلَمِ
سِلاَحُهَا الطِّبْلُ والمِزْمارُ يَصْحَبُهُ * رَقْصٌ سَخيفٌ على الإِيقَاعِ في نَهَمِ
وَشَاذنٌ تُطْربُ الأَسْماعَ نَغَمتُهُ * يَعْلُوا الصِيّاحُ له من كل مُصطَلَمِ
هَذَا التَّصَوّفُ أَخْزى اللهُ رَائِدَهُ * إِرْثُ اليَهود به القُربانُ للصَّنَمِ
والسامريُّ به أَبْدَى دَخِيلتَه * للعِجْلِ حُبّاً، فَهِمْ في المسخ أوْ فَلُمِ
قَدْ قَالَه القُرطبِي والشاطبي وكذا الطُّـ * رْطُوشي، أَكْرِمْ بهِمْ من فاضِلِي الشِّيَمِ(1/27)
هَذِي شَرِيعَتُنا، واللهُ كَمَّلَهَا * وَزَانَهَا بِرِضَاهُ الوَافِرِ الكَرَمِ
فَمَا عليك إذا رُمْتَ النجاةَ سِوى* قَفْوِ الرسولِ حليفِ العِلْمِ والحِكَمِ
وإنْ أَبَيْتَ فَلُمْ-واللهِ-نفسَك إذ * اهلكتَها حينَما قد عِشْتَ ذا صَمَمِ
فَعَاوِدْ التَّوْبَ واصْدُقْ واستقِمْ وأَدِمْ * ذِكْرَ الإلَهِ عَسَى تنجو من الحُمَمِ.
تطوان في7 ذي القعدة عام1423 هـ
أبو أُويس محمد بوخبزة
عفي عنه.
تَذْيِيل
قال أبو الفضل عمر بن مسعود بن عمر بن حدوش الحدوشي-من داخل زنزانته الانفرادية-مذيِّلاً هذه الأبيات:
هُوَ الأمينُ أتَى بِالصِّدْقِ فِي زَمَنٍ * عَمَّ الضَّلاَلُ فَأَجْلَى حُلْكَةَ الظُّلَمِ
فَذَلَّ كُلّ شُمُوخِ الأنْفِ مُفْتَخِراً * بِالْمَالِ وَالْجَاهِ لَمْ يَهْنَأْ وَلَمْ يَقُمِ
بِالْمُعْجِزَاتِ الْحِسَانِ الْغُرِّ أّيَّدَهُ * رَبُّ الْبَرِيَّةِ والأَفْضَالِ وَالنِّعَمِ
الْبَدْرُ لَمَّا رَآهُ انْشَقَّ مُنْدَهِشاً * مِنْ نُورِ وَجْهِ نَدِيِّ الْحُسْنِ مُبْتَسمِ
وَعِنْدَ ماَ انْتَابَ(1)فُرْسَانَ الْهُدَى عَطَشٌ *أَرْوَتْ أَنَامِلُهُ بِالْمَاءِ كُلَّ ضَمِ
وأُمُّ مَعْبَدَ قَدْ ضَرَّتْ شُوَيْهَتُهَا * بِلَمْسِ ضَرْعٍ لَهَا مِنْ كَفّشهِ الْكَرِمِ
أسْرَى بِهِ رَبُّهُ لَيْلاً إلَى قُدُسٍ * مِنْ أَرْضِ مَكَّةَ طُوبَى ذَاكَ مِنْ حَرَمِ
بِالأنْبِياء أَقَامَ الْفَجْرَ تَرْقُبُهُ * عَيْنُ الْمَلاَئِكِ صَفّاً جِدَّ مُنْتَظِمِ
وَلِلسَّمَاوَاتِ أَمْسَى فِي مَعَارِجِهِ * يَرْقَى وَيَصْعَدُ فِي شَوْقٍ وَفِي نَهَمِ
وَآبَ مِنْ لَيْلِهِ فَجْراً لِمَنْزِلِهِ * وَكُلّ ذَالِكَ حَقٌّ لَيْسَ بِالْحُلُمِ
فَقُلْ لِمُبْتَدِعٍ يَغْلُو بِمُنْكَرِهِ * أَقْصِرْ فَرَأْيُكَ مَأْفُون(2)ٌ وَأَنْتَ عَمِ
__________
(1) -انتاب: أي: أصاب.
(2) -مأفون: أي: فَاسِد.(1/28)
بِئْسَ الضَّلاَلُ لِسَاعٍ مَرْكَباً وَطِئاً(1)* يَجُرُّ وَيْلاً لِرَاعِي الْمَرْتَعِ الْوَخِمِ
لاَ تُشْرِكَنَّ بِرَبِّ الْخَلْقِ أَعْبُدَهُ(2)* حَذَارَ أَخْذِ شَدِيدِ الْبَطْشِ مُنْتَقِمِ
أُنْفُرْ مِنَ السِّحْرِ وَالأحْجَارِ، لا تَدَعَنْ*يَدَيْكَ تَلْمَسُهَا إلا لدى التَّيُمِ(3)
لاَ تَسْتَغِثْ بِوَلِيٍّ أو: ملائكةٍ * يَكْفِي بِرَبِّكَ تَوَّاباً لِذِي نَدَمِ
طَهِّرْ فُؤَادَكَ من مَيْنٍ(4)وَمَبْغَضَةٍ * تَنْجُ الْغَدَاةَ فَإنَّ الله ذُو كَرَمِ
كتبه عمر الحدوشي
بالسجن المحلي بتطوان 22صفر 1428هـ
التوضيحات الجلية، لأبيات البردة المردية
لفضيلة شيخنا
أبي أويس محمد بوخبزة الحسني
__________
(1) -وطئاً: أي: سهلاً.
(2) -أعبده: أي: عِبَادَه.
(3) -التيم: أي: التيمم.
(4) -المين، هو: الكذب والنفاق.(1/29)
قال فضيلته في كتابه المخطوط (نقل(1)النديم): (فائدة: معلوم أن للبوصيري غلواً قبيحاً في مدائحه ولا سيما(2)الهمزيةِ والبردة(3).
__________
(1) -النقل: هو ما يتنقَّل به على الشراب من فواكه وكوامخ وغيرها. وما يُتفكه به من جوز ولوز وبُندق ونحوها، وأكثر ما يكون ذلك في ليالي رمضان. (المعجم الوسيط) (2/989).
(2) -وكلمة: (لاسيما) موضوعة للتنبيه على أن ما بعدها أولى بالحكم ممن قبلها، وأرجح الأقوال فيما بعدها الجر، ولها مراتب ثلاثة: أفضلها اقترانها بالواو، ولا. حتى أنكر بعضهم غيرها. ثم اقترانها بلا، دون الواو، ثم تجردها منها وهي أضعفها. انظر: (الكواكب الدرية) (2/406/47/48).
(3) -وقد أطلق على هذه القصيدة اسم (البردة) من باب المحاكاة والمشاكلة للقصيدة الشهيرة لكعب ابن زهير - رضي الله عنه - في مدح رسول الله غ فقد اشتهر أن النبي غ أعطى كعباً بردته حين أنشد القصيدة-إن صح ذلك لأن ابن كثير ذكر في (البداية والنهاية) (4/373) أنه: (ورد في بعض الروايات أن رسول الله غ أعطاه بردته حين أنشد القصيدة.وهذا من الأمور المشهورة جداً، ولكن لم أر ذلك في شيء من هذه الكتب المشهورة بإسناد أرتضيه والله أعلم)-فقد ادعى البوصيري-في منامه-أن النبي غ ألقى عليه بردة حين أنشده القصيدة!! وتسمى أيضاً (الكواكب الدرية في مدح خير البرية) و(البرأة)، لأن البوصيري كما يزعمون برئ بها من علته، وقد سُمِّيت كذلك بقصيدة الشدائد؛ وذلك لأنها-في زعمهم-تقرأ لتفريج الشدائد وتيسير كل أمر عسير). انتهى من كتاب: (قوادح عقدية) (ص:189/190). قلت: قال الهيثمي في (المجمع) (9/394) بعد أن ذكر قصة كعب: (ورجاله ثقات إلى ابن إسحاق). وابن إسحاق مدلس كما هو معلوم، وللنظر في سند قصة كعب يرجى الرجوع إلى (جامع المسانيد والسنن) لابن كثير (10/510/511/512/ رقم:7997). و(أسد الغابة في معرفة الصحابة) (3/528/529/ رقم:4465). و(الإصابة في تمييز الصحابة) (5/593/رقم:7416)..و(الاستيعاب في معرفة الأصحاب) (3/1313/-وما بعدها/ رقم:2191). و(سيرة) ابن هشام (4/115).(1/30)
أما الهمزية فليست تطولها يدي الساعة(1)وفيها عجر وبجر(2)وأما البردة فمن رأى افتتان الناس بها ولا سيما في مصر(3)والشام و المغرب.(4)
__________
(1) -الحمد لله فقد كتب عليها فضيلة شيخنا محمد بوخبزة تعليقات قيمة مفيدة رائعة في صفحتين من الحجم الكبير بخط رقيق وصغير وسلمها لي بيده في مسجد (جمعية الإمام أبي القاسم الشاطبي). بعد الفراغ من درس التفسير الذي يلقيه فضيلته في كل أسبوع.
(2) -وفي (المعجم الوسيط) (1/59): (البجيرة: السرة. والعقدة في البطن أو الوجه، أو العنق. جمع بُجَر، ويقال: أفضيتُ إليه بعجري وبجري: أطلعته على معايبي وأمري كله، لثقتي به). وفي (مجمع الأمثال) (2/10) للميداني: (البجر: جمع بُجْرَة، وهي نُتُوء السرة يعبر بها عن العيوب).
(3) - يقول (د) زكي مبارك في (المدائح النبوية) (ص:199): (وأما أثرها في الدرس، فيتمثل في تلك العناية التي كان يوجهها العلماء الأزهريون إلى عقد الدروس في يومي الخميس والجمعة لدراسة حاشية الباجوري على البردة، وهي دروس كانت تتلقاها جماهير من الطلاب، وإنما كانوا يتخيرون يومي الخميس والجمعة؛ لأن مثل هذا الدرس لم يكن من المقررات فكانوا يتخيرون له أوقات الفراغ). انظر: (قوادح عقدية في بردة البوصيري) (ص:189).
(4) -ومن عجائب هذا العصر- والعجائب جمة - أنني قرأت مقالاً (لشيخنا الشريف بدر الدين الكتاني) في جريدة (الأيام) (العدد 61/-18 رمضان 1423 هـ/ ص:5). يقول فيه-ضمن مطالب يطلبها من وزير الأوقاف الجديد الطرقي البوتشيشي-: (... مقاومة الأفكار الوهابية الهدامة عن طريق تكثيف التوعية الدينية بأجهزة الإعلام للقضاء على (الفوضى) الفكرية التي أحدثوها: بدعة، شرك، الأضرحة، الأولياء، مشرك، كافر، وتضييع الوقت في السفاسف المستوردة من السعودية عن طريق الكتب المجانية..ترميم الزوايا والأضرحة الموجودة في المغرب لأنها تقام بها الشعائر) ثم قال: (إحياء العادة المغربية الأصيلة بإنشاد قصيدتي البردة والهمزية للإمام البوصيري في صباح الجمعة بالمساجد، وكذا في المناسبات لتكوين جو روحي كما كان عليه العهد من. إحياء مناسبات الهجرة، والمعراج، والمولد، وغيرها عبر المساجد المغربية والزويا). أخي القارئ:
(فقل: للأعور الدجال هذا زمانك إن عزمت على الخروج).(1/31)
العربي ولا سيما المغرب الأقصى وقد تجاوز شراحها المائة كما عارضها أكثر من هذا العدد(1)ووضع لها الصوفية من الخواص والمنافع ما يثير الضحك والعجب، ووضعت في ذلك كتب فلكل بيت من أبيات البردة خاصية(2)
__________
(1) -قال شيخنا العلامة محمد بوخبزة في (نقل النديم) (ص:136): (فائدة: قال الدكتور عبد العزيز ابن محمد آل عبد اللطيف في رسالته (قوادح عقدية في بردة البوصيري) بأنها عارضها أكثر من مائة شاعر فضلاً عن المشطرين والمخمسين والمسبعين، وقد تجاوزت شروحها المكتوبة خمسين شرحاً منها ما هو محلى بماء الذهب. (ولم يذكر مستنده في هذا إلا أن شروحها كذلك وأكثر وقد كتب ابن الأشهب الطنجي كتاباً في شروحها عند المغاربة فقط وفي فترة زمنية محددة فبلغت هذا العدد، والكتاب من مطبوعات وزارة الأوقاف بالمغرب). قلت: وإليكم لفظ (د) عبد العزيز في (قوادحه) الصفحة الأولى: (فإن ميمية البوصيري-المعروفة بالبردة-من أشهر المدائح النبوية وأكثرها ذيوعاً وانتشاراً؛ ولذا تنافس أكثر من مائة شاعر في معارضتها، فضلاً عن المُشَطِّرين والمخمِّسين والمسبِّعين، كما أقبل آخرون على شرحها وتدريسها، وقد تجاوزت شروحها المكتوبة خمسين شرحاً، فيها ما هو مُحَلَّى بماء الذهب! وصار الناس يتدارسونها في البيوت والمساجد كالقرآن).
(2) -قال (د) عبد العزيز في رسالته: (قوادح عقدية في بردة البوصيري) (ص:190): (وقد سمى البوصيري هذه القصيدة أيضاً بـ(الكواكب الدرية في مدح خير البرية). كما أن لهذه البردة اسماً آخر هو البرأة، لأن البوصيري كما يزعمون برئ بها من علته، وقد سُمِّيت كذلك بقصيدة الشدائد، وذلك لأنها-في زعمهم-تقرأ لتفريج الشدائد وتيسير كل أمر عسير. وقد زعم بعض شراحها أن لكل بيت من أبياتها فائدة، فبعضها أمان من الفقر، وبعضها أمان من الطاعون). انظر: (مقدمة محقق ديوان البوصيري) (ص:29). و(المدائح النبوية) لزكي مبارك (ص:197)..(1/32)
هذا يقرأ للمرض الفلاني(1)وهذا للغنى وهذا لهلاك العدو وهذا للزواج الخ(2). ولم يظهر من تتبع زلقاته(3)
__________
(1) -قال محقق (ديوان البوصيري) (ص:29): (فلو كانت البردة تصلح للعلاج من الأمراض، لكان الأولى أن يتعالج بها صاحبها. وقد ذكر ابن حجر الهيتمي، قصة الفالج، ثم أردفها بما نصه: (وقيل إنه اشتد رمده، بعد نظمها، فرأى النبي غ في النوم فقرأ عليه شيئاً منها، فتفل في عينيه فبرئ لوقته)-لعله تفل عليه-وإذا أخذنا بما يرويه ابن حجر، انتهينا إلى أن البوصيري، لم يصب بفالج، وأن ما يقال من أن النبي ألقى عليه بردة، لم يحدث قط. ولا شك أن كل ما قيل حول البردة، فهو مختلق من نسج الخيال. ولقد أمعنوا في الكذب والاختلاق).
(2) -قال محمد سيد كيلاني-أثناء حديثه عن المخالفات الشرعية في شأن البردة-: (ولم يكتف بعض المسلمين بما اخترعوا من قصص حول البردة، بل وضعوا لقراءتها شروطاً لم يوضع مثلها لقراءة القرآن، منها: التوضؤ، واستقبال القبلة، والدقة في تصحيح ألفاظها وإعرابها، وأن يكون القارئ عالماً بمعانيها، إلى غير ذلك. ولا شك في أن هذا كله من اختراع الصوفية الذين أرادوا احتكار قراءتها للناس، وقد ظهرت منهم فئة عرفت بقراء البردة، كانت تُستدعى في الجنائز والأفراح، نظير أجر معين). من (مقدمة ديوان البوصيري) (ص:29/30). و(قوادح عقدية في بردة البوصيري) (ص:190-من كتاب ملحق بمجلة البيان).
(3) -ومن العجب أن نرى الصوفية أنفسهم ينكرون غلو أسيادهم الطرقيين فهذا شيخنا عبد الله بن الصديق الصوفي يقول في كتابه (إرشاد الطالب ص:14/15): (ومن الأكاذيب القبيحة التي تؤدي إلى كفر معتقدها...(قولهم):كان جبريل خادماً للنبي غ ، وهذه قلة أدب، في حق رسول عظيم، قد فضله بعض العلماء على النبي غ ، والواجب أن يكون كلام المسلم عن الأنبياء والملائكة، في غاية الأدب والاحترام، ولا يأتي بكلمة فيها جفوة أو نقص، مثل هذه الكلمة، ومثل قول صاحب البردة:
وقدمتك جميع الأنبياء بها والرسل تقديم مخدوم على خدم
وهذا قبيح، والأنبياء إخوة، ليس فيهم خادم ومخدوم... وقد أصلحت هذا البيت بقولي:
وقدمتك جميع الأنبياء بها*وأكرموك لفضل فيك من قدم
وقال في (نقد قصيدة البردة) (ص:42/43/44): (هذا خطأ لا شك فيه، لأن الأنبياء بعضهم مع بعض ليس فيهم خادم ومخدوم، وليس تفضيل بعضهم، يقتضي أن يكون المفضول خادماً للفاضل، بل هم سواء في النبوة... ومن الغلو القبيح جداً ما يذكره بعض الصوفية أن جبريل عليه الصلاة والسلام كان يتلقى الوحي من وراء حجاب فيأتي به إلى النبي غ ، وكشف الحجاب مرة، فإذا الذي يلقي إليه الوحي هو النبي غ ، فقال: منك وإليك والنبي غ ، غني بفضائله العديدة عن هذا الكذب السخيف المؤدي إلى الكفر بمعتقده). وقال في (الإرشاد) (ص:14): (ومن الأكاذيب القبيحة التي تؤدي إلى كفر معتقدها: قول بعض جهلة المتصوفة: كان جبريل يتلقى الوحي من وراء حجاب، وكشف له الحجاب مرة فوجد النبي غ يلقي إليه الوحي، فقال: منك وإليك).(1/33)
فيها ونبه على فضائحه العقديةفي العصور الأخيرة بعد ظهور من يسمونهم الوهابية(1)الذين حذروا منها ومن صاحبها وقاموا بواجب تغيير المنكر وقد وقفت على كثير من كلامهم في كتبهم في العقيدة وقد أحببت الإشارة إلى بعض ذلك هنا فمن ذلك قوله-البيت الأول-:
__________
(1) -نسبة إلى محمد بن عبد الوهاب-والنسبة هذه في غير محلها وصوابها أن يقال: المحمدية-ولد في العيينة سنة: (1115هـ)، ورحل في طلب العلم إلى الحجاز والشام والبصرة، وكانت دعوته إلى التوحيد ونبذ الشرك والبدع، وشمَّر عن ساعد الجد يجادل ويقارع بالحجة ويتبع الدليل، فصار له أتباع آزروه ونشروا دعوته، واتهمه أعداؤه بالتكفير واستحلال المحارم وغيرها من الأمور الشنيعة، وعلى المنصف أن يقرأ كتبه ومصنفاته حتى يعرف منهجه ودعوته، ومن أشهر كتبه: (التوحيد). و(كشف الشبهات)، و(مختصر السيرة) وغيرها كثير، ومن سار على منهجه في الدعوة إلى الدين الصحيح، قيل له: وهابي، ولكن ليس هناك في الوجود قوم يتبعون سيرته ويقولون عن أنفسهم: إنهم وهابيون، وتوفي سنة: (1206هـ). انظر: (كشف الجاني، محمد (التيجاني)، في كتبه الأربعة: (ثم اهتديت)، (لأكون مع الصادقين)، (فاسألوا أهل الذكر)، (الشيعة هم أهل السنة)-ص:53). لعثمان محمد الخميس.(1/34)
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من * لولاه لم تخرج الدنيا من العدم(1)
ففي الشطر الثاني من هذا البيت منكر عظيم مستفاد من حديث موضوع وهو:
(
__________
(1) -حاول شيخنا عبد الله الغماري الدفاع عن هذا البيت فقال-كما في (نقد قصيدة البردة ص:41/42)-: (قال المنتقدون: هذا يرده القرآن، فإن الله تعالى يقول: (ومَا خَلَقْتُ الجن والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدونِ). أفادت الآية أن الله لم يخلق الدنيا لأجل النبي غ. وكلام الناظم صحيح، وفي القرآن ما يؤيده، والمنتقدون واهمون لأن الله خلق الجن والإنس لعبادته، وخلق الدنيا والآخرة لأجلهم، وجعل الدنيا مكاناً لعبادتهم، قال تعالى: (خلق لكم) أي: لأجلكم (ما في الأرض جميعاً)، وجعل الآخرة مكاناً لجزائهم، فلولا المكلفون ما خلق الدنيا والآخرة. والنبي غ سيد المكلفين، ومن عادة العرب أن يخاطبوا سيد القوم مما يشترك معه القوم فيه على سبيل التكريم، فصح قوله: (لولاه لم تخرج الدنيا من العدم). على قاعدة العرب في مخاطبة السادة والأمراء وذوي القدر العظيم. وفي القرآن الكريم آيات وجّه فيها الخطاب للنبي غ مع أن الأمة تشترك معه، وهي من هذا الباب). وهذا الدفاع مهزوز بل صوابه أن يقال: لولا العالمون لما خُلق رسول الله لقوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). فلولا العالمون لما أرسل رسول الله غ. أما تكلف الغماري وتأويله فمردود وطالما سمعنا منه في درس التفسير أو الحديث يقول: (الكلام إذا دار بين التقدير وعدمه فعدم التقدير أولى). وحقاً فالذي يلجأ إلى التأويل مغلوب أو صاحب هوى، والتأويل فرع التكذيب. انتهى من تعليقي على البردة (ص:27).(1/35)
لولاك لولاك لما خلقت الأفلاك)(1).
__________
(1) -قال الشيخ محمد أحمد عبد القادر الشنقيطي في كتابه: (تنبيه الحذاق، على بطلان ما شاع بين الأنام من حديث النور المنسوب لمصنف عبد الرزاق) (ص:24/25/26/27/28): (قال ابن الجوزي في (الموضوعات الكبرى) (2/140):هذا موضوع. أبو السكين وإبراهيم بن اليسع، ويحيى البصري متروكون ووافقه الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي على أنه موضوع... وأما الحديث الثاني فقال الحافظ الذهبي في (الميزان): عمرو بن أوس يُجْهَل حاله أتى بخبر منكر أخرجه الحاكم في قسم الموضوع من (المستدرك) من طريق جندل بن واثق عن عمرو بن أوس عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد ابن المسيب عن ابن عباس-رضي الله عنهما-أوحى الله إلى عيسى ابن مريم: (آمن بمحمد فلولاه ما خلقت آدم ولا الجنة والنار). قال الذهبي: هذا موضوع على ابن عباس. ومن أقوى الحجج عند هؤلاء على معتقدهم الذي وصفنا في المقدمة ما نظمه البوصيري مما تضمنته هذه الأحاديث التي ذكرنا لكم النصوص على كذبها واختلاقها بقوله في الميمية:
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورةُ مَنْ * لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
وقوله:
ولن يضيق رسول الله جاهك بي * إذا الكريم تجلى باسم منتقم
فإن من جودك الدنيا وضرتها * ومن علومك علم اللوح والقلم
وقال غيره ممن هو من نقطه وشكله:
لولاه ما خلقت شمس ولا قمر * ولا نجوم ولا لوح ولا قلم
إلى غير ذلك من قريض من لا يميز بين صحيح الحديث وضعيفه ولا يبالي بتصحيحه من تخريفه، ولقد وقع بيني وبين رجل يوماً من سكان شمال موريتانيا يقال له: محمد بن البارْ وهو ممن له شيعة منهم وأتباع يعتقدون أنه من أعلم الخلق وأولاهم بالله كلامٌ ومناظرة ألزمته فيها الحجة والدليل على ما يعتقده هو وأمثاله على أنه لولا محمد غ ما تفضل الله تبارك وتعالى على أحد ولا على شيء من الدواب والحشرات بأي شيء من الأرزاق وسائر المنافع فاحتجَّ علَيَّ بقول البوصيري المتقدم: (لولاه لم تخرج الدنيا من العدم). فقلت له: قول البوصيري ليس بحجة في الشريعة فقال لي: البوصيري أفضل منك، فقلت له: ويحك متى علمت منزلتي عند الله حتى تفضل علي من لا تعلم ما لقي عنده فعلمت أن الشيخ ليس كما يعتقده أتباعه). قال عبد الله الغماري في (إرشاد الطالب النجيب، إلى ما في المولد النبوي من الأكاذيب) (ص:9/10): (بيان الأحاديث المكذوبة منها: وهو أشهرها حديث: (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر).عزاه السيوطي في (الخصائص الكبرى) لـ(مصنف) عبد الرزاق، وقال عنه في (الحاوي) في سورة المدثر من الفتاوى القرآنية: ليس له إسناد يعتمد عليه، وهذا تساهل كبير من السيوطي، كنت أنزهه عنه. أما أولاً: فالحديث غير موجود في (مصنف) عبد الرزاق ولا شيء من كتب الحديث. وأما ثانياً: فإن الحديث لا إسناد له أصلاً. وأما ثالثاً: فإنه ترك بقية الحديث، وهي مذكورة في تاريخ الخميس للديار بكري، ومن قرأها يجزم بأن الحديث مكذوب على رسول الله غ. وجاء شخص موريتاني فيلالي من ذرية الشيخ محمد بن ناصر الدرعي، فألف كتاباً سماه: (التوجيه والاعتبار إلى معرفة القدر والمقدار) وموضوعه الكلام على النور المحمدي، أتى فيه بطامة كبرى، حيث قال في أوله: ومن أدلة سبقيته وأصليته حديث الإمام عبد الرزاق في (مصنفه) الشهير عن سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم أحد أعلام المدينة عن محمد بن المنكدر شيخ الزهري عن جابر... وقد تعجبت من وقاحة هذا الشخص وجرأته، حيث صنع هذا الإسناد الصحيح لحديث لا يوجد في (مصنف) عبد الرزاق ولا غيره من كتب الحديث المسندة، وهذه جرأة غريبة تشبه جرأة الخوارج في وضعهم أحاديث على رسول الله غ وهو يقول: (من كذب علي فليتبوأ مقعده في جهنم). فأجاب: نحن لا نكذب عليه، ولكن نكذب له؟!! ولعل هذا الموريتاني يعتقد أنه كذب للنبي غ وقد استند صاحب البردة إلى هذا الحديث المكذوب حين قال:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
وهذا غلو مذموم، لا أصل له، ولا دليل عليه. وقد أصلحته بقولي:
فإن من جودك الدنيا وضرتها * ومن كتابك علم اللوح والقلم
إلى أن قال: وحديث: (لولاك ما خلقت الأفلاك)، وهذا كذب على الله تعالى أيضاً). وقال في (نقد قصيدة البردة) (ص:45/46): (وفي هذا مبالغة لا دليل لها. ويظهر أن الناظم استند في الشطر الأول من البيت إلى حديث جابر: (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر). وهو حديث طويل جاء فيه: أن الله خلق من نوره غ العرش والكرسي والملائكة وجميع المخلوقات، وقد ذكره بطوله ابن العربي الحاتمي في كتاب: (تلقيح الأذهان ومفتاح معرفة الإنسان)، والديار بكري في (تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس)، في السيرة. وقال السيوطي في (الحاوي): (إنه غير ثابت، وهو تساهل قبيح، بل الحديث ظاهر الوضع، واضح النكارة، وفيه نَفَس صوفي حيث يذكر مقام الهيبة ومقام الخشية، إلى آخر مصطلحات الصوفية والعجيب أن السيوطي عزاه إلى عبد الرزاق، مع أنه لا يوجد في (مصنفه) ولا (تفسيره) ولا (جامعه). وأعجب من هذا أن بعض الشناقطة صدق هذا العزو المخطِئ فركب له إسناداً من عبد الرزاق إلى جابر. ويعلم الله أن هذا كله لا أصل له. فجابر - رضي الله عنه - بريء من رواية هذا الحديث، وعبد الرزاق لم يسمع به، وأول من شهر هذا الحديث ابن العربي الحاتمي، فلا أدري عمن تلقاه، وهو (ثقة)، فلا بد أن أحد المتصوفة المتزهدين، وضعه. ومثل هذا الموضوع أيضاً: ما روى من طريق أهل البيت عن علي عليه السلام مرفوعاً: (لولاك ما خلقت الأفلاك) وكتب المولد النبوي ملأى بهذه الموضوعات وأصبحت عقيدة راسخة في أذهان العامة. وأرجو أن يوفقني الله إلى تأليف حول المولد النبوي خال من أمرين شائنين: الأحاديث المكذوبة، والسجع المتكلف المرذول. والشطر الثاني من البيت، لعل الناظم استند فيه إلى حديث اختصام الملأ الأعلى الذي رواه أحمد والترمذي ونقل تصحيحه عن البخاري وفيه قول النبي غ: رأيت ربي الليلة في أحسن صورة، فقال: يا محمد فيما يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها في صدري، فتجلى لي كل شيء وعرفت) الحديث. لكنه لا يفيد ما ادعاه الناظم من أن علم اللوح والقلم بعض علوم النبي غ. ففي هذه الدعوى مبالغة ليس عليها دليل. وقد أصلحت هذا البيت بقولي:
فإن من جودك في الدنيا وضرتها وفي كتابك علم اللوح والقلم
... والمقصود أن الغلو في المدح مذموم لقوله تعالى: (لا تغلوا في دينكم)، وأيضاً فإن مادح النبي غ بأمر لم يثبت عنه، يكون كاذباً عليه... وعلى هذا فما يوجد في كتب المولد النبوي، وقصة المعراج من مبالغات وغلو لا أساس له من الواقع يجب أن تحرق لئلا يحرق أصحابها وقارئوها في نار جهنم). قلت: وفي كتاب (مولد العروس) المنسوب لابن الجوزي ظلماً وزوراً المملوء بالضلال والمبالغات الفارغة (ص:19/20). أن (الله قسم نور محمد غ عشرة أقسام: فخلق من القسم الأول العرش، ومن الثاني الكرسي، ومن الثالث اللوح، من الرابع القلم، ومن الخامس الشمس، ومن السادس القمر، ومن السابع الكواكب، ومن الثامن نور المؤمنين، ومن التاسع نور القلب، ومن العاشر روح محمد غ). ثم ذكر كلاماً طويلاً مكذوباً لا يساوي فلساً واحداً. وفي (ص:9). ذكر انتقال نوره من آدم إلى أبيه عبد الله الخ. ومثله في الضلال كتاب (النور الضاوي، في الحكم ومناجاة الشيخ العلاوي). لصوفي محروق يدعى أحمد مصطفى-وهو لا حمد ولا اصطفاء، ولا دين ولا نقاء-وللتوسع في هذا النور المزعوم يرجى الرجوع إلى كتاب: (خصائص المصطفى غ ، بين الغلو والجفاء). للشيخ الصادق بن محمد ولا سيما في المبحث الثاني: (اختصاص النبي غ عند الغلاة بأنه مخلوق من نور الله تعالى، وأن الوجود كله مخلوق من نوره غ). والبحث يبدأ من (ص:93/ إلى121). انظر بتأمل ما قاله شيخنا عن أزلية النور المحمدي في (النقل) (ص201/226) فإنه مهم.(1/36)
وقد نبه على هذا الحديث الذي وضعه الصوفية وأذاعوه وسودوا به كتبهم، شيخنا الألباني في الأول من (سلسلة الأحاديث الضعيفة)(1)،
__________
(1) -انظر: (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة) (1/88/ إلى99/ رقم:25). تحت عنوان: (... الأحاديث الضعيفة، بل الموضوعة في التوسل). بلفظ طويل جداً وفيه توسل آدم بنبينا محمد عليهما الصلاة والسلام. وفيه: (ولولا محمد ما خلقتك). وقال: (موضوع). رواه الحاكم في (المستدرك) (2/615)، وعنه ابن عساكر (2/323/2)، وكذا البيهقي في (الدلائل) (5/488)، وقال الحاكم: (صحيح الإسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب). فتعقبه الذهبي بقوله: (بل موضوع، وعبد الرحمن واه، وعبد الله بن مسلم الفهري لا أدري من هو). قال الألباني: والفهري هذا أورده في (ميزان الاعتدال) لهذا الحديث، وقال: (خبر باطل، رواه البيهقي في (دلائل النبوة). وقال البيهقي: (تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف). وأقره ابن كثير في (تاريخه) (2/323)، ووافق الحافظ ابن حجر في (اللسان) أصله (الميزان) على قوله: (خبر باطل). والحديث رواه الطبراني في (المعجم الصغير) (207)، من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن زيد، ثم قال: (لا يُروى عن عمر إلا بهذا الإسناد). وقال الهيثمي في (المجمع) (8/283): (رواه الطبراني في (الأوسط)، و(الصغير)، وفيه من لم أعرفهم). قلت: انظر: (موسوعة الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة) (8/367/368/ رقم:21071/21072/21073). ونسبوه (للآثار المرفوعة) (44)، و(الأسرار المرفوعة) (385)، و(تحذير المسلمين) (149)، و(تذكرة الموضوعات) (86)، و(التهاني) (48)، و(الضعيفة) (282)، و(الفوائد المجموعة) (1013) ، و(كشف الخفاء) (2123)، و(اللؤلؤ المرصع) (452)، و(المشتهر) (13)، و(المصنوع) (255)، و(موضوعات الصغاني) (78)..(1/37)
ثم هو قبل ذلك مخالف لقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إَّلا لِيَعْبُدُونِ)(1).
ثم قال في بيان تفوق النبي غ على الأنبياء جميعاً-البيت الثاني-:
__________
(1) -سورة الذاريات، الآية رقم: (56). قال عبد الرحمن السعدي في (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) (5/100): (هذه الغاية التي خلق الله الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها. وهي عبادته، المتضمنة لمعرفته ومحبته، والإنابة إليه والإقبال عليه والإعراض عما سواه. وذلك متوقف على معرفة الله تعالى، فإن تمام العبادة، متوقف على المعرفة بالله. بل كلما ازداد العبد معرفة بربه، كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليهم). قلت: وما ذكره الشيخ واضح جلي لا غموض فيه إلا عند المبتدعة فكبيرهم الهرري الحبشي يزعم أن الله خلق الكون لا لحكمة وأرسل الرسل لا لحكمة. ويزعم أن من ربط فعلاً من أفعال الله بالحكمة فقال: إن الله خلق الإنسان لحكمة فإنه ينسب التعليل عنده إلى الله والتعليل دليل على النقص والحاجة، وهذا لا يجوز وصف الله به. فاضحك من (فقه القساوسة وتعليلهم ما شاء لك الضحك)، فالرجل يعلم أن أفعال العقلاء تصان عن العبث فكيف بأفعال الله تعالى، ويعلم أن كل حكم أمكن تعليله فإنه يصح القياس عليه. لكن حب الخلاف يعمي ويصم.(1/38)
وكلهم من رسول الله ملتمس(1)غرفاً من البحر أورشفاً من الديم
__________
(1) - قال محمود مهدي-رحمه الله-في حاشية كتابه (كتب ليست من الإسلام) (ص:15/16)-وكذا في كتابي الموسوم بـ(البردة في الميزان) (ص:33): (إن هذا البيت يستدل به مقلدة المذاهب-ويا للأسف-على صحة جميع ما فيها! وبذلك يزعمون العصمة لهم بلسان الحال كما تقول بعض الفرق في أئمتها! كل ذلك خلاف لما أعلنه جميع هؤلاء الأئمة... فقد صرح كل منهم أنه غاب عنه كثير من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبب عدم جمع السنة في وقتهم، إنما جمعت بعدهم من قبل علماء الحديث كالبخاري، ومسلم، وأبي داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجة، ... وقد قال الشعراني في (الميزان): (إن الأئمة لو جاءوا اليوم لرجعوا عن كثير من آرائهم للسبب السابق. كما أعلن هؤلاء الأئمة أيضاً أن أقوالهم آراء شخصية قد يرجعون عنها، ونهوا عن تقليدهم، وحضو المسلمين على الأخذ بالحديث إذا خالف آراءهم! وما أروع ما قاله العلامة ابن دقيق العيد-لما جمع المسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة الأربعة الحديث الصحيح فيها انفراداً واجتماعاً في مجلد ضخم، قال في أوله: (أن نسبة هذه المسائل إلى الأئمة المجتهدين حرام!! وأنه يجب على الفقهاء المقلدين لهم معرفتها لئلا يعزوها إليهم فيكذبوا عليهم!-الفلاني: ص:99). مع العلم أن هذا البيت لم يقصد به البوصيري الأئمة، بل الأنبياء، والحق بعكس ما قاله! بدليل قوله تعالى: (فبهداهم اقتده). فيا للجهل الفاضح والغلو الأخرق!).(1/39)
ومعناه أن كل الأنبياء والرسل السابقين قد نالوا وأخذوا من الرسول اللاحق وكيف ذلك؟ الجواب: أن هذا مأخوذ من أولية النور المحمدي(1)، وقد قال ابن العربي الحاتمي(2): (
__________
(1) -وهناك معضلة أخرى ألف فيها المخرفون مؤلفات كبيرة وكثيرة-والخرافات درجات-ما يسمى عند الصوفية (بانتقال النور النبوي). زعموا أن هذا النور كان يلوح على جبين عبد الله والد نبينا عليه الصلاة والسلام، قبل زواجه بآمنة، وأن امرأة عاهرة عَرَضت نفسها عليه من أجل ذلك النور، فلم يتزوجها ولما تزوجها انتقل ذلك النور، وهي خرافة باطلة مذكورة في كتب السير، ولا أصل لها. وقد أطال النفس في إبطالها وتكذيبها فضيلة شيخنا العلَم العلامة محمد بوخبزة في كتابه الممتع أمتعنا الله بعلمه وحياته آمين: (رَوْنَقُ القِرطَاس، ومَجلَب الإيناس) (1/118). وهو بحر زاخر في أنحاء العلوم. انظر مسألة انتقال النور في (مولد العروس) المنسوب لابن الجوزي زوراً وبهتاناً (ص:9/10/23/29/30). وأحسن من كتب في النور المحمدي ونقد الأحاديث الواردة في النور المزعوم نقداً علمياً حديثياً الشيخ عداب محمود في رسالة سماها: (النور المحمدي، بين هدي الكتاب المبين وغلو الغالين). والأستاذ نهاد عبد الحليم في رسالة سماها: (الأحاديث المرفوعة الواردة في فضل الإمام علي بين أهل السنة والشيعة). رسالة تقدم بها لنيل درجة الدكتوراه.
(2) -ابن العربي هو أبو عبد الله محمد بن علي المعروف بابن عربي الطائي الحاتمي الأندلسي من غلاة الصوفية القائلين بوحدة الوجود، ويقول عنه الصوفية الإمام الأكبر-أو: الأكفر، بالفاء- والكبريت الأحمر، وله كتب كثيرة في التصوف منها: (الفتوحات المكية). و(فصوص الحكم). و(ذخائر الأعلاق)..وغيرها ملأها كفراً وزندقة وضلالاً وتأليهاً لنفسه بل وللخنازير والكلاب والرهبان والفراعنة ويزعم أن أهل النار مآلهم إلى النعيم ولكن في النار، يتنعمون فيها نعيم خليل الله فيها حين ألقي في النار، وزعم أن فرعون كان على الحق حينما قال: (أنا ربكم الأعلى)، وأنه من أهل الجنة، وأن دعوة الأنبياء كلها مكر للمدعو، فابن تيمية يرى أن ابن العربي والحلاج وغيرهما أكفر خلق الله، بل قال: (ومن لم يكفرهم فهو أكفر من اليهود والنصارى) (ت376هـ). انظر: (جمهرة الأولياء) (3/301).للمنوفي. ولمعرفة ضلالهم وكفرهم انظر: (مجموع الفتاوى) (2/121/ إلى 130). و(مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية وأثرها السيئ على الأمة الإسلامية) (1/47). لأبي عبد العزيز إدريس محمود. و(البديل الإسلامي لجماعة العدل والإحسان) (2/67/ إلى 78). و(حوار هادئ مع الأستاذ عبد السلام ياسين) (ص:90/ إلى:104). كلاهما لأبي عاصم عمر الحدوشي. و(تنبيه الغبي) للبقاعي.(1/40)
إن كل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي يأخذ من مشكاة خاتم النبيين)(1).
__________
(1) -ومما لا يخفى على أحد من أهل العلم أن نبينا محمداً غ أفضل الخلائق كلها حتى جبريل باتفاق وليس هناك خلاف إلا خلاف لا حظ له من النظر، معتزلي كشافي. فجبريل عنده أفضل، وقد شنع عليه العلماء حتى قال أحدهم:
جرى صاحب الكشاف في غير مهيع * فلا حرج عليه أعمى وأعرج
وفضْلُ الله على نبينا محمد غ عظيم كما قال تعالى: (وكان فضل الله عليك عظيماً)، وقد فضل الله بعض الرسل على بعض فقال: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض، منهم من كلم الله، ورفع بعضهم درجات). والمراد ببعضهم: نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وقال تعالى: ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض)، فهذه الآيات الكريمة صريحة وواضحة في التفضيل بين الأنبياء والرسل، أما الأحاديث المانعة من ذلك كقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تفضلوا بين أنبياء الله) و(لا تخيروني على موسى)، فهما على طريق التواضع-كما قال أبو بكر: وليتكم ولست بخيركم- وفي رواية: (لا تخيروا بين الأنبياء)-وهو بكلتا روايتيه في الصحيح-أو نقول: المراد به النهي عن التفضيل بمجرد الرأي الذي لا يستند إلى دليل، أو النهي عن التفضيل الذي يؤدي إلى نقص المفضول، أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع، أو النهي عن التفضيل في النبوة نفسها وهي لا مفاضلة فيها لقوله تعالى: (لا نفرق بين أحد من رسله). والحليمي يرى أن الأخبار الواردة في النهي عن التخيير والتفضيل إنما هي في مجادلة أهل الكتاب وتفضيل بعض الأنبياء على بعض بالمخايرة، لأن المخايرة إذا وقعت بين أهل دينين لا يؤمن أن يخرج أحدهما إلى الازدراء بالآخر فيفضي إلى الكفر، فأما إذا كان التخيير مستنداً إلى مقابلة الفضائل لتحصيل الرجحان فلا يدخل في النهي الخ. انتهى بلفظه من (الشريط الأول). في شرح كتاب (بداية السول في تفضيل الرسول). بصوت أبي عاصم عمر بن مسعود الحدوشي.(1/41)
وقال قبله الحلاج(1):
__________
(1) -الحلاج: هو الحسين بن منصور وكنيته أبو مغيث وهو من أهل بيضاء فارس ونشأ بواسط بالعراق. صحب الجنيد، وأبا الحسن النوري، وعمر المكي، والخواص، وغيرهم، وقد اختلف المتصوفة في أمره فمنهم من ذمه وأبعده، ومنهم من أثنى عليه وآواه إلى حظيرة التصوف وقد قتل ببغداد-لزندقته وكفره-بباب الطاق يوم الثلاثاء (309 هـ) (مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية وأثرها السيّء على الأمة الإسلامية) (1/45). ومن أراد أن يقف على أقواله الكفرية فعليه بالكتب التالية: (رونق القرطاس، ومجلب الإيناس) (ص:162/182). لفضيلة شيخنا محمد بوخبزة. ولشيخنا بحث قيم عن ضلال الحلاج في آخر كتاب (الحجة الدامغة، لرجالات الفصوص الزائغة) (ص:57/58). لأبي محمد إسماعيل بن أبي بكر. و(سير أعلام النبلاء) (14/313/ وما بعدها، رقم:205)، و(صلة تاريخ الطبري) (79/94)، و(طبقات الصوفية) (307/311)، و(تجارب الأمم) (1/76)، و(حوادث سنة) (309)، و(فهرست ابن النديم) (269/272)، و(تاريخ بغداد) (8/112/141)، و(الأنساب) (181)، و(المنتظم) (6/160/164)، و(الكامل في التاريخ) (8/126/129)، و(وفيات الأعيان) (2/140/146)، و(العبر) (2/138/144)، و(ميزان الاعتدال) (1/548)، و(دول الإسلام) (1/187)، و(مرآة الجنان) (2/253/261)، و(البداية والنهاية) (11/132/144)، و(المختصر في أخبار البشر) (2/70/71)، و(طبقات الأولياء) (187/188)، و(لسان الميزان) (2/314/315)، و(النجوم الزاهرة) (3/182/202/203)، و(شذرات الذهب) (2/203/257)، و(روضات الجنات) (226/237) و(أخبار الحلاج) من جمع ماسينيون (باريس 1957)، و(ديوان الحلاج) جمع ماسينيون أيضاً، نشر في المجلة الأسيوية (باريس 1957)، كما نشر ماسينيون (الأصول الأربعة) وهي تتعلق بسير الحلاج. انتهى من حاشية السير. ومن أراد أن يعرف عجره وبجره فعليه بكتابين: (أخبار الحلاج). و(قصة الحلاج وما جرى له مع أهل بغداد). لسعيد عبد الفتاح..وكتابي: (البديل الإسلامي لجماعة العدل والإحسان) (2/315).و(1/75).(1/42)
(إن للنبي نوراً أزلياً قديماً كان قبل أن يوجد العالم، ومنه استُمِد كلُّ علم وعرفان حيث أمد السابقين من الأنبياء عليه)(1).
وهذا المعنى فَتَح باب الزندقة لمن أتى بعدهما حتى قال أحمد التجاني الفاسي مدعياً أنه: ترقباً أن يوضع له منبر يوم القيامة في المحشر وينادي مناد أيها الناس هذا الذي كان مُمدكم في الدنيا من أولها إلى النفخ في الصور. وانظر الكلمة وسببها في (الإفادة الأحمدية). للطبيب السفياني.
وقال البوصيري-البيت الثالث-:
__________
(1) -قال الدكتور عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف في (قوادح عقدية، في بردة البوصيري) (ص:193) عند قول البوصيري:
فاق النبيين في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ ولم يدانوه في علم ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمس غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم:
(أي: أن جميع الأنبياء السابقين قد نالوا والتمسوا من خاتم الأنبياء والرسل محمد غ ، فالسابق استفاد من اللاحق! فتأمل ذلك وقارن بينه وبين مقالات زنادقة الصوفية كالحلاج). ثم ذكر قول ابن عربي والحلاج-أعرضنا عنهما-اكتفاء بما ذكره فضيلة شيخنا ثم أحال على كتاب (محبة الرسول غ). لعبد الرؤوف عثمان (ص:169/196).(1/43)
دع ما ادعته النصارى في نبيهم ** واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم(1)
__________
(1) -قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن منتقداً هذا البيت: (ومن المعلوم أن أنواع الغلو كثيرة، والشرك بحر لا ساحل له، ولا ينحصر في قول النصارى، لأن الأمم أشركوا قبلهم بعبادة الأوثان وأهل الجاهلية كذلك، وليس فيهم من قال في إلهه ما قالت النصارى في المسيح-غالباً-: إنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، بل كلهم معترفون أن آلهتهم ملك لله، لكن عبدوها معه لاعتقادهم أنها تشفع لهم أو تنفعهم فيحتج الجهلة المفتونون بهذه الأبيات على أن قوله في منظومته: (دَعَ ما ادعته النصارى في نبيهم) مَخْلَص من الغلو بهذا البيت، وهو قد فتح ببيته هذا باب الغلو والشرك لاعتقاده بجهله أن الغلو مقصور على هذه الأقوال الثلاثة)-(الدرر السنية) (9/48/81) و(صيانة الإنسان من وسوسة الشيخ دحلان/ص:88)-قال أبو عاصم: قال محمد رشيد رضا في حاشية (الصيانة): (هذه مسألة أخطأ فيها كثير من الناس، زعموا أنه لا يحظر من تعظيم النبي غ إلا وصفه بالربوبية والألوهية كما قال البوصيري:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم * واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
وفي معناه:
دعوا مقال النصارى في نبيهم* يا مادحيه، ومهما شئتم قولوا
والحق أن التعظيم غير المشروع نوعان: أحدهما كفر وهو ما يختص بالله تعالى، ومنه الدعاء والاستغاثة في الشدائد. والآخر معصية كالكذب واختراع الآيات والمعجزات غير المروية بالأسانيد القوية وهو كثير)-لقد وقع البوصيري وأمثاله من الغلاة في لبس ومغالطة لمعنى حديث البخاري (رقم:3445) (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم). فزعموا أن الإطراء المنهي عنه في هذا الحديث هو الإطراء المماثل لإطراء النصارى ابن مريم وما عدا ذلك فهو سائغ مقبول، مع أن آخر الحديث يردّ قولهم، فإن قوله غ: (إنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسوله). تقرير للوسطية تجاه رسول الله غ ، فهو عبد لا يعبد، ورسول لا يكذب، والمبالغة في مدحه تؤول إلى ما وقع فيه النصارى من الغلو في عيسى– غ -وبهذا يُعلم أن حرف الكاف في قوله غ: (كما أطرت) هي كاف التعليل، أي كما بالغت النصارى.ويقول ابن الجوزية في شرحه لهذا الحديث-: (لا يلزم من النهي عن الشيء وقوعه، لأنا لا نعلم أحداً ادعى في نبينا ما ادعته النصارى في عيسى- غ - وإنما سبب النهي فيما يظهر ما وقع في حديث معاذ بن جبل لماّ استأذن في السجود له فامتنع ونهاه، فكأنه خشي أن يبالغ غيره بما هو فوق ذلك فبادر إلى النهي تأكيداً للأمر). ومن شاء الزيادة على ما ذكرنا فعليه بالكتب التالية: (فتح الباري) (12/149) و(القول المفيد) (1/376). للعثيمين و(مفاهيمنا) لصالح آل الشيخ (ص:236)، و(محبة الرسول) (ص:208)، من (القوادح) (ص:193/194). وللزيادة انظر: (ديوان البوصيري) (ص:30/31/32/33/34/35/36).(1/44)
وهذا البيت سمعت من كثير من شيوخنا أنه يرفع تهمة الغلو عن البوصيري(1)
__________
(1) - وقد قال شيخنا عبد الله بن الصديق في (نقد قصيدة البردة) (ص:41): (هذه القصيدة من نظم الأديب الشاعر أبي عبد الله محمد بن سعيد البوصيري-بكسر الصاد-الصنهاجي. وهي من أبدع ما نظم في المديح النبوي، ضمت جملاً من السيرة، وطائفة من المعجزات والفضائل النبوية، في أسلوب عذب رائق، وقد أقبل الناس عليها منذ أنشأها ناظمها إقبالاً كبيراً، فلا يحصى كم من شارح لها ومخمِّس لأبياتها وناظم على منهاجها. وانتقدها كثيرون لأبيات منها، رأوا فيها غلواً ومبالغة، لكنهم بالغوا في الانتقاد وغلوا فيه أيضاً، حتى زعموا أنها تشتمل على شرك صريح- قلت: إي والله قد اشتمل بعض أبياتها على شرك صريح يعلم هذا من قرأ العقيدة بعيون السلف-وأنا أريد أن أتكلم في هذا المقالة على الأبيات المنتقدة، وهي في نظري أربعة، وأبين ما يجاب به عنها، من غير تكلف ولا تعسف. أما الشرك فقد احترز عنه الناظم في قوله:
دعْ ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
فهذا البيت ينفي الشرك عن أبيات هذه القصيدة، ويوجب تأويل ما أوهم الشرك عند بعض الناس).(1/45)
وقد راجعت بعضهم بأنه يفتح الباب للغلو، وذلك لأن الأمر ليس مقصوراً على ادعاء الألوهية بل هناك من صور الغلو ما وقع فيه الصوفية، وقد قال غ: (لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ وَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ). (رواه البخاري)(1). وهذا مثال من الغلو الصوفي دون دعوى الإلهية وهو زعمهم أنه غ كان يعلم الغيب. وزادوا أنه كان يعلم حتى الخمسة(2)التي استأثر الله بها كما قال :
(
__________
(1) - رواه البخاري في (صحيحه). (59-كتاب أحاديث الأنبياء، 48 -باب (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها) (7/149/ رقم:3445).وأحمد في مواضع من (مسنده) (1/55/56). وقال أحمد شاكر في تعليقه على (المسند) (1/90/94/167/391/ رقم:154/164/331/191): (إسناده صحيح). والإطراء: الإفراط في المدح انظر: (فتح الباري) (6/490).
(2) -انظر: ما كتبه شيخنا أبي أويس: في كتابه (عجوه وحشف) (ص33) وما علقه أيضاً على (السوانح) لاعبد العزيز الغماري (ص93) وعلى (الجؤنة) لأخيه أحمد (1/27) (رقم30).(1/46)
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) الآية(1). وقال عليه الصلاة والسلام: (في خمس لا يعلمهن إلا الله)(2). وليت الأمر وقف عند هذا الحد فقد زعم عبد العزيز بن الصديق الغماري في مقدمة كتابه: (الأربعون العزيزية)(3).
__________
(1) -سورة لقمان، الآية: (34).
(2) - أخرجه البخاري في مواضع من (صحيحه) في (14-كتاب الاستسقاء 29-باب لا يدري متى يجيء المطر إلا الله، (3/220-221/ رقم: (1039) وفي (64-كتاب التفسير،6-سورة الأنعام، 1-وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، رقم:4627 وفي 13-سورة الرعد 1-باب الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام، 9/284/ رقم:4697) وفي31-سورة لقمان 2-باب قوله (إن الله عنده علم الساعة،366/ رقم:3778) وفي 96-كتاب التوحيد،3-باب قول الله تعالى (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً (15/311/ رقم:7379)، ومسلم في (1-كتاب الإيمان، 1-باب معاني الإيمان والإسلام والإحسان شرعاً، 1/152/153/154/155/156/ رقم:8-مع المفهم) وابن ماجة في (1-كتاب المقدمة، 9-باب في الإيمان 1/57/59/ رقم:64) وفي (36-كتاب الزهد، 25-باب أشراط الساعة، (3/435/ رقم:4044) وأحمد في مواضع من (مسنده) (2/24/52/58). من طرق عن عبد الله بن دينار به. وأخرجه البخاري مختصراً (4778). وأحمد (2/85/86). والطبراني (13344). من طريق عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن ابن عمر به. وأخرجه البخاري (4627). من طريق سالم عن ابن عمر به. وأخرجه الطبراني (13246). من طريق الزهري عن عبد الله بن عبد الله عن ابن عمر به. وأخرجه ابن حبان (70/71). من طريق إسماعيل بن جعفر به. والبغوي في (شرح السنة) وفي (التفسير) (2/129). وغيرهم.
(3) - بل قد تبجح بهذا في عدة مواضع من كتبه فقد قال في كتابه (السفينة) (1/42).بأن النبي غ يعلم الغيب، ورد عليه فضيلة شيخنا هناك قائلاً: (وهذه شنشنة نعرفها من أخزم..فقد ألف المؤلف أربعين حديثاً سماها: (الأربعين العزيزية) في هذا الموضوع جلها واهٍ منكر. صرح في أولها بمنكرات: منها: أن النبي غ كان يعلم الغيب كله حتى الخمس التي أخبر أنه لا يعلمها إلا الله، ومنها: أن تلك الأحاديث صحيحة لأن الواقع يشهد لها رغم أنها لا أصل لها أو من رواية الوضاعين أو المجاهيل، وهذا كما ترى تلاعب وهدم لأصول الحديث وقواعده، ثم إنه تراه يؤولها تأويلاً بعيداً ويلوي أعناقها لتوافق أفهامه، ثم هو في كل هذا مقلد شقيقه سطا على جهوده وجمعه).(1/47)
بعد أن قرر أن هذا ليس خاصاً بالنبي غ بل كان الأقطاب(1)
__________
(1) - قال أحمد التجاني عن القطبانية-كما في (جواهر المعاني)-: (وهي الخلافة العظمى عن الحق مطلقاً في جميع الوجود جملة وتفصيلاً، حيثما كان الرب إلهاً كان هو خليفة في تصريف الحكم وتنفيذه في كل من عليه ألوهية الله تعالى ثم قيامه بالبرزخية العظمى بين الحق والخلق، فلا يصل إلى الخلق شيء كائناً من كان من الحق إلا بحكم القطب وتوليه ونيابته عن الحق في ذلك وتوصيل كل قسمة إلى محلها ثم قيامه في الوجود بروحانيته في كل ذرة من ذرات الوجود جملة وتفصيلاً). هذا كلام كبار الصوفية في القطبانية واحكم-أخي-بما شئت فيه واحتكم. وثالثة الأثافي ما قاله عبد الرحمن الفاسي:
الغوث واحد بمكة انتمى ** مقامات أعلى مقامة السما
والنجبا عينٌ بمصر نسبوا ** والبدلا ميم بشام ذهبوا
والنقبا سين بمغرب أتوا ** رجالهم إلى العراق يا رووا
وفي الأقاليم أقطاب سبعة ** وفي الجوانب أوتاد أربعة
فأصنام الصوفية على هذا تفوق أصنام كفار قريش، فأصنام قريش (360) صنماً، وأصنام الصوفية (431) صنماً. وإليكم العملية الحسابية: فالنجباء عددهم (70)، وهو المشار إليه برمز: (عَيْنٌ) وهم في مصر. والبدلا عددهم (40) وهو المشار إليه برمز: (ميمٌ) وهم في الشام. والنقباء عددهم (300) وهو المشار إليه برمز: (سينٌ)، وهم في المغرب. والرجال عددهم (10) وهو المشار إليه برمز: (يا) وهم في العراق. والأقطاب عددهم (7). وهو المشار إليه بقوله: (وفي الأقاليم أقطاب سبعة). والأوتاد عددهم (4). وهو المشار إليه بقوله: (وفي الجوانب أوتاد أربعة). انتهى من كتاب (كيف تفهم عقيدتك بدون معلم؟) (ص:118)، بقلم أبي الفضل عمر بن مسعود الحدوشي. بتصرف يسير مع تصحيح أخطاء فيه وقعت سهواً. أو جهلاً إي: والله، فنحن نقرأ لنزداد علماً ونصحح أخطاءنا. تنبيه: لا أنسى أن أنبه هنا أن كتاب (حكم الصلاة خلف الإمام المبتدع)، فيه بعض الأحاديث لا تصح تراجعت عنها-إبراء للذمة-وعما قريب أعيد طبعه إن شاء الله مصححاً.(1/48)
من أمته يعلمون الخمس أيضاً(1)
-البيت الرابع-.
لو ناسبت قدرَه آياتُه عِظَماً أحيى اسمُه حين يُدعى دارس الرمم(2)
يعني أن آياته أي: معجزاته أقل وأحط من قدره، ولو كانت تناسبه لكان اسمه إذا دعاه الداعي- يحيي العظام وهي رميم، وهذا غلو قبيح فإن من آياته ومعجزاته غ القرآن العظيم وكيف يحل لمسلم أن يقول: إن القرآن لا يناسب قدر النبي غ ، وهذه أسماء الله الحسنى وعلى رأسها اسمه الأعظم إذا دعا بها الداعي لا تحيي دارس الرمم، لأن لذلك موعداً لن تخلفه.
ثم قال-البيت الخامس-:
__________
(1) -قالت أم الفضل زوجة أبي الفضل وتلميذة الشيخين –فضيلة الشيخ أبي أويس، وفضيلة الشيخ أبي الفضل-: (انظر كلاماً جيداً لشيخنا العلامة أبي أويس في (نقل النديم...) (ص74) فيفيه الرد الشافي على من ادعى أن الأولياء يعلمون الغيب حتى الخمس التي لا يعلمهن إلا الله).
(2) - قال بعض شراح هذه القصيدة: (لو ناسبت آياته ومعجزاته عظم قدره عند الله تعالى، كل قربه وزلفاه عنده لكان من جملة تلك الآيات أن يحيي الله العظام الرفات ببركة اسمه وحرمة ذكره). وقال العلامة محمود شكري الآلوسي منكراً هذا البيت: (ولا يخفى ما في هذا الكلام من الغلوّ؛ فإن من جملة آياته غ القرآن العظيم الشأن؛ وكيف يحل لمسلم أن يقول: إن القرآن لا يناسب قدر النبي غ ، بل هو منحط عن قدره، ثم إن اسم الله الأعظم وسائر أسمائه الحسنى إذا ذكرها الذاكر لها تحيي دارس الرمم). انتهى من (غاية الأماني) للألوسي (2/349/350). و(الدر النضيد) لابن حمدان (ص:136). و(القوادح) (ص:195).(1/49)
لا طيبَ يعدل ترباً مسّ أعظمَه طوبى لمتنشِقٍ منه وملتَثِم(1)
__________
(1) - قال صاحب (القوادح) (ص:195): (فقد جعل البوصيري التراب الذي دفنت فيه عظام رسول الله غ أطيب وأفضل مكان؛ وأن الجنة والدرجات العلى لمن استنشق هذا التراب أو قَبَّله، وفي ذلك من الغلو والإفراط الذي يؤول إلى الشرك البواح، فضلاً عن الابتداع والإحداث في دين الله تعالى. قال ابن تيمية في (الرد على الأخنائي) (ص:41): (واتفق الأئمة على أنه لا يمس قبر النبي غ ولا يقبله، وهذا كله محافظة على التوحيد).(1/50)
فقد جعل طيب تراب قبره عليه الصلاة والسلام أفضل من جميع الطيوب، حتى طيب تراب الجنان، لأن (لا) لنفي الجنس، وهذا ما حدا ببعضهم إلى التصريح بأن القبر النبوي أفضل بقعة عند الله فهي أفضل من الكعبة ومن الجنة ومن كل بقعة، بل صرح الرفاعية(1)والنقشبندية(2)إلى أن قبره عليه السلام أفضل من العرش، وهذا في رأيي فضول ما كلفنا به، وقد جعل البوصيري الجنة وهي طوبى لكل متنشق وملتثم. وقد علم الناس أن ملوك العصر ورؤساءه وأغلبهم قليل الدين، ومنهم كفرة مرتدون فتح لهم آل سعود الحجرة النبوية فتمسحوا بتراب القبر الشريف، وانتشقوه والتثموه(3)،
__________
(1) -نسبة إلى أحمد بن أبي الحسين الرفاعي البطائحي وهو منسوب إلى بني رفاعة قبيلة من العرب سكن أم عبيدة بأرض البطائح إلى أن مات بها عام (570 هـ). وقد انتهت إليه الرياسة في علوم الطريق وشرح أحوال القوم وكشف مشكلات منازلهم. وإليه تنتسب الطريقة الرفاعية. انظر ترجمته في: (الطبقات الكبرى) للشعراني (1/140). و(مظاهر الانحرافات العقدية) لإدريس محمود (1/158/159). انظر المراجع التي ترجمت للرفاعي في (معجم الفرق) (ص:187/188). لإسماعيل العربي.
(2) -وهي طريقة صوفية تركستانية، قيل: إنها انبثقت عن الطيفورية، أسسها محمد بن محمد بن بهاء الدين البخاري النقشبندي، المولود في قصر عرفان، أو هنوان قرب بخارى في سنة: (717 أو718هـ). والمتوفى سنة: (791 هـ). وللتوسع في ترجمته انظر: (معجم الفرق) (ص:379/380)
(3) - وقد فتحوها للقذافي الذي يقول: (أفضل صلاة الفرد على صلاة الجماعة، وأنا أحب أن أصلي في مكان مطلي بالسواد لكي لا يشغلني شيء عن الصلاة، الصلاة لم أعد أصليها جهراً مثلكم لأن الطبيب يوصيني بعدم إجهاد رقبتي أكثر من هذا، وربما بعضكم رآني أصلي المغرب والعشاء سراً لا أستطيع أن أصليهم ؟كل يوم جهراً من كثرة الكلام الذي أقوله لكم-انظر: السجل القومي11. والجلسة الطارئة لمؤتمر الشعب بطرابلس7/10/1929)..وقال عن الحج: (أصبح الحج في هذا العام-يعني عام1400 هـ- مكاء وتصدية كما كان في الجاهلية. أيُّ معنىً للحج في الأعوام المقبلة إذا استمر الاحتلال لبيت الله الحرام، إن الذي يتجاهل هذه الحقيقة ويذهب ليؤدي الشعائر التقليدية حول الكعبة وحول الصفا والمروة وعلى جبل عرفات إنما هو يمارس عبادة ساذجة ليست هي التي أراد الله. والآن مئات الآلاف من المسلمين يؤدون شعائر الحج تحت ظلال الطائرات الأمريكية. ويعتقدون أنهم سيعودون وقد غفرت ذنوبهم، وقضيت حوائجهم، ولكن لن تغفر هذه الذنوب، ولن تقضى هذه الحوائج إلا إذا تحول الحج إلى معركة، وتحول الدعاء للغفران إلى دعوة الجهاد والقتال-إن الكعبة هذه هي آخر صنم ما زال باقياً من الأصنام-ترجمون الحجرات؟ كان يجب أن ترجم الصهاينة في فلسطين، كل واحد منا يحمل سبع حجرات ويذهب بها إلى فلسطين، هذا هو الجهاد، هذا هو رمي الجمرات. وماذا تعني ترمي سبع حجرات على تمثال؟ الذي هو نيابة عنه، هذا هو الحج الحقيقي في هذه المرحلة-من خطبة عيد الأضحى بمدينة جادو 19/10/1980-وفي افتتاح مجلس اتحاد الجامعات العربية بمدينة بنغازي 17/2/1990-وفي الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الثاني للقيادة الشعبية العالمية بمدينة طرابلس19/3/1990). وقال عن الإسراء والمعراج: (لا يوجد في القرآن حاجة اسمها المعراج إطلاقاً خاصة في مسألة الإسراء، وليس هناك أي مصدر لحكاية المعراج هي وقعت بالفعل أو فيه شيء اسمه المعراج لكان القرآن ذكرها. هذه القصة الخيالية التي تسرد دائماً على ألسنة الفقهاء ليس لها ما يدعمها من مصدر وحيد للمعلومات في هذا الخصوص وهو القرآن، خاصة حكاية البراق، هذه خرافة تماماً ليس لها وجود، من هنا يجب أن ينتهي الجانب الأسطوري في الإسراء والمعراج-حديث إذاعي بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج24/6/1976). وقال عن الحجاب الشرعي إنه عمل شيطاني: (حواء ماكانش-لم يكن-عندها ملابس بالمرة، تفهم خير من ربنا؟ ربنا خلقنا هكي-هكذا-من الأول، هذه هي الطبيعة احنا-نحن-لولا الشيطان ما عملنا حتى ورقة التوت، الشيطان هو الذي جعلنا نرتدي هذه الملابس، أما قبل فكانت الطبيعة هكذا، الحجاب نفسه من عمل الشيطان، لأن الحجاب تعبير عن ورقة التوت، وورقة التوت هي من عمل الشيطان، بدل أن نتحرر ونمشي إلى الأمام. لا. المرأة تحتجب. تقعد في البيت. حرام. الحجاب حجاب معنوي-كلمة أمام البرلمان التونسي8/12/1988). ويقول عن تعدد الزوجات: (الزواج باثنين أو بأربع غير موجود في القرآن. القرآن لا توجد به إلا آية واحدة بهذا الخصوص. إذا أبحتم تعدد الزوجات، فالطرف الذي يبيح تعدد الأزواج يقول: ما هو النص الذي يسمح للرجال بتعدد الزوجات، ويمنع المرأة من تعدد الأزواج؟ والمجتمع لا يقبل هذه الأشياء التي كانت موجودة في يوم ما في المجتمعات، حيث كان هناك تعدد الزوجات وتعدد الأزواج، لكن هذه ألغيت بعد أن تحضر المجتمع، حيث أصبح زوج وزوجة-حوار مع حفظة القرآن الكريم3/7/1978). وقال عن الفتوحات الإسلامية: (إن كان ما حصل منذ وفاة الرسول كان عملاً مدنياً سياسياً لا علاقة له بالله أبداً، ثم من الذي قال: إن الرسول كان يريد فتح الأندلس مثلاً وإيطاليا أو قبرص أو إيران؟ ماذا استفدنا من إيران إسلامية كانت أو غير إسلامية؟ إن إغارة المسلمين على إيران وإدخالها إلى الإسلام كان عملاً مدنياً سياسياً حربياً حمل على الله وعلى النبي وعلى القرآن، وهو في الحقيقة كفر وخروج عن رسالة الإسلام نفسها، من قال لهم: افتحوا إيران ودمروها وأدخلوها إلى الإسلام غصباً، وهي التي لم نستفد منها حتى يومنا هذا وإلى يوم القيامة-الملتقى الثاني للجان الثورية بالجامعات والمعاهد العليا بطرابلس30/3/1991). أما موقفه من السنة فيقول: (محمد نبي ليس عنده حديث ولا شعر ولا فلسفة، بل لديه رسالة جاء يبلغها وهي القرآن. ماذا القرآن؟ اذهبوا إلى بيوتكم وتصفحوا القرآن مع أولادكم وتقيدوا بما جاء فيه فالقرآن عبارة عن أوامر ونواه، إذا أتى واحد وقال لنا: إن حديث النبي لا بد أن تقدسوه وتعملوا به مثل القرآن فهذا شرك وهذا الكلام ربما يكون غريباً، والسبب أننا في هذه المرحلة ابتعدنا كثيراً عن الإسلام ونحن في طريقنا إلى عبادة الأوثان والابتعاد عن القرآن وعن الله، ولا يوجد طريق يجعلنا نبتعد عن عبادة الأوثان، وعن الانحراف الخطير إلا طريق التمسك بالقرآن وعبادة الله فقط-كلمة في المولد النبوي بمسجد مولاي محمد بطرابلس بتاريخ19/2/1978). ويقول في جلسة أخرى: (لا نستطيع مثلما تأتي لنا بحديث وتقول: هذا الحديث رواه النبي لا نستطيع أن نعرف هل هذا الحديث اختلقه معاوية أم قاله النبي فعلاً أم اختلقه مسيلمة أم اختلقته سجاح أم قاله أبو سفيان أم أبو لهب لا نعلم؟؟؟. لأن هناك آلاف الأحاديث عليها علامة الاستفهام، يا ترى أياً منها قاله النبي فعلاً-الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بنغازي بتاريخ25/9/1989-ويقول: هذا كذب. هذا حديث لم يقله النبي، هذا قاله يزيد لأنه يبغي-يريد-الناس ما تمشيش-ما تذهب-إلى الكعبة وتحج إلى القدس لأن القدس تحت سيطرته-خطابه أمام مجلس اتحاد الجامعات العربية ببنغازي بتاريخ17/2/1990-ويقول: ولهذا تعتبر الشريعة الإسلامية مذهباً فقهياً وضعياً شأنه شأن القانون الروماني أو قانون نابليون وكل القوانين الأخرى التي وضعها الفقهاء الفرنسيون أو الطليان أو المسلمون فالذي يدرس القوانين الرومانية يعتبر أن علماء الإسلام يحملون قانوناً وضعياً يشبه القانون الروماني لكن لا نقول دين-حوار مع حفظة القرآن الكريم بمسجد مولاي محمد بطرابلس بتاريخ3/7/1978-وقال: إن ما يسمى بالشريعة الإسلامية عبارة عن كتب وضعية واجتهادات وتأليفات قام بها بعض الناس مثل الغزالي وابن سينا والفارابي وأهل الصفا والمعتزلة كل واحد منهم ألَّفَ وجميعهم أخذوا من اليونانية-الملتقى الثاني للجان الثورية بالجامعات والمعاهد بقاعة مركز التربية العقائدية بطرابلس بتاريخ30/3/1991-وقال: المفروض ألا تكون هناك مذاهب في الإسلام، المسلمون أخذوا هذه المذاهب من اليهود والنصارى، قلدوهم واليهود والنصارى دخلوا الإسلام في بدايته حاولوا أن يفرقوا المسلمين ويخلقوا منهم شيعاً وأحزاباً ومدارس حتى يدمروا الدين الإسلامي-خطبة جمعة بمدينة جادو12/7/1980-ويقول: هذه الدروشة والوثنية السياسية هي التي تحرق الدين، والدين لا بد أن يرجع كما أنزل تماماً (دين) بلا مذاهب، لا نعرف سنة ولا شيعة ولا (مالكي) ولا (إباضي) هذه كلها ترهات جاءت بعد النبي وليس للنبي علاقة بها الله نزل لك القرآن من عند الله، وتطبق الكلام الموجود فيه فقط وتمر نظيفاً أمام الله وهذه المذاهب كفر وموجود آيات في القرآن تكفر هذا التشيع والتحزب والتمزق في الإسلام، لا يأتي واحد ويستغفلكم: أنت مالكي وأنت شافعي قل له: هل هذه موجودة في القرآن؟ ما دامت ليست موجودة في القرآن لا نتبعها ولا تدخل دماغنا-لقاء مع اللجان الثورية الطلابية بالخميس بتاريخ18/3/1982-والقذافي يدعي أنه نبي وذلك خلال لقائه بالصحفية الإيطالية (ميريلا بيانكو)(1/51)
وهم أبعد الناس عن حبه وشريعته.و لولا الخروج عن الموضوع لحكينا من أفعالهم وأعمالهم ما يوجب على المسلم أن يبرأ إلى الله منهم(1)، فهل لهؤلاء طوبى لمجرد الانتشاق والالتثام، ومن الطرائف أنني سمعت بعض مشايخ الصوفية يقرأ البيت: لا طيب يعدل ترباً(2)
__________
(1) - في بداية ذي القعدة من عام (1418هـ) زار رئيس إيران الأسبق هاشمي رفسنجاني-عليه بهلة الله-أرض الحرمين بصحبة وفد كبير بعد أن تجاوزت مرحلة التطبيع بين رافضة إيران وزمرة آل سعود عقبات كبيرة، وقطعت مسافات هائلة، ووصلت إلى مرحلة متقدمة جداً، في الوقت الذي خفتت فيه أصوات العلماء، وكُممت أفواه الدعاة، واختفت من رفوف المكتبات تلك الكتب التي كانت توضح عقائد الرافضة، وتفضح باطلهم، وتكشف زيف دعاواهم. وفي هذه الزيارة فتح له آل سعود حجرة قبر النبي غ فبصق على قبر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وقد هاجم الشيخ الحذيفي رافضة إيران مهاجمة شديدة حتى هم رفسنجاني بالانسحاب انظر الخطبة في: مجلة (الفجر) (عدد/40/ص:14/15). تحت عنوان: (الرافضة أضر على الإسلام من اليهود والنصارى، وعلى المسلمين أن يقفوا لهم بالمرصاد).
(2) - ومن الطرائف التي مرت بي أثناء قراءتي لكتب الشيعة عند ما كنت أدرس في (دار الحديث) في مكة المكرمة قولهم: (طينة قبر الحسين شفاء من كل داء وإذا أكلته تقول: بسم الله وبالله اللهم اجعله رزقاً واسعاً وعلماً نافعاً وشفاء من كل داء-بحار الأنوار98/129). وقولهم: (طينة قبر الحسين شفاء من كل داء وأمان من كل خوف وهو لما أُخذ له-البحار 98/131-وهناك روايات أخرى كثيرة جداً بوب لها المجلسي باباً كاملاً في كتابه البحار في:98/118). ويقول الرافضي التيجاني في كتابه: (ثم اهتديت) (ص:66): (وسألته-يعني: باقر الصدر-عن التربة التي يسجدون عليها. فأجاب قائلاً: يجب أن يُعرف قبل كل شيء أننا نسجد على التراب، ولا نسجد للتراب..والثابت عندنا وعند أهل السنة أيضاً أن أفضل السجود على الأرض. أو ما أنبتت الأرض من غير المأكول، ولا يصح السجود على غير ذلك). وما نسبه لأهل السنة غير صحيح. قال ابن قدامة في (المغني) (1/305): (ولا تجب مباشرة المصلي بشيء من هذه الأعضاء)، أي: أعضاء السجود. وقال القاضي: (إذا سجد على كور عمامته، أو كمه، أو ذيله فالصلاة صحيحة رواية واحدة وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة). ويقول موسى الموسوي يرد على أهل نحلته الشيعة: (كثير من الذين يسجدون على التربة، يقبلونها، ويتبركون بها، وفي بعض الأحيان يأكلون قليلاً من تربة كربلاء للشفاء!! ولست أدري متى دخلت هذه البدعة في صفوف الشيعة، فالرسول الكريم ما سجد قط على تربة كربلاء، ولا الإمام علي، ولا الأئمة من بعده سجدوا على شيء اسمه تربة كربلاء). انظر: (الشيعة والتصحيح) (ص:15). ولم ير الحسن بأساً أن يصلي على الجَمْد والقناطر وإن جرى تحتها بول أو فوقها أو أمامها إذا كان بينهما سُترة. وصلى أبو هريرة على سقف المسجد بصلاة الإمام، وصلى ابن عمر على الثلج. وصلى رسول الله غ على المنبر والحديث-كذا هذه الآثار-رواه البخاري في مواضع من (صحيحه) انظر: (فتح الباري) (2/39/وما بعدها رقم:377/18-باب: الصلاة في السطوح والمنبر والخشب). وانظر تناقض بعض الفقهاء عند قول ابن عاشر في المكروهات: (كور عمامة وبعض كمه) (حاشية أبي عبد الله محمد الطالب) (1/276). ويقول التيجاني في كتابه: (ثم اهتديت) (ص:68): (قال باقر الصدر: المسلمون يدعون الأولياء والأئمة ليكونوا وسيلتهم إليه سبحانه وهذا ليس بشرك والمسلمون سنة وشيعة متفقون على ذلك من زمن النبي إلى يومنا هذا عدا الوهابية وهم علماء السعودية الذين ذكرت والذين خالفوا إجماع المسلمين بهذا الاعتقاد وكفروهم وأباحوا دماءهم). ثم استمر في نفس الصفحة في تلفيق واختلاق قصص وحكايات لا أساس لها من الصحة. وماذا ننتظر من هذا الدجال الذي قال: (إن الله الذي يرضى أن يكون الخليفة بعد نبيه أبو بكر ما نريد هذا الرب). وهذا معتقد الروافض كلهم. فهذا نعمة الله الجزائري يقول في (الأنوار النعمانية): (إنا لا نلتقى مع السنة على إله ولا نبي ولا إمام فإن الرب الذي نبيه محمد وخليفته أبو بكر ليس بربنا ولا ذلك النبي نبينا). وقال الكاشاني على من جحد إمامة أئمتهم المعصومين: (من جحد إمامة أحدهم، فهو بمنزلة من جحد نبوة جميع الأنبياء عليهم السلام-تنقيح المقال1/208). وقال المامقاني: (وغاية ما يستفاد من الأخبار جريان حكم الكافر والمشرك في الآخرة على كل من لم يكن اثنا عشري-منهاج النجاة48).(1/52)
ضم أنواره لا أعظمه لما يوجبه لفظ أعظمه من البلى، وهذا لون آخر، وقد اتفق أئمة السلف الصالح أنه لا يمس قبره غ ولا يُقبَّل، حكى الإجماع ابن تيمية في الرد على الأخنائي(1).
__________
(1) - قال التيجاني في كتابه: (ثم اهتديت) (ص:68): (إن شرف الدين من علماء الشيعة لما حج بيت الله الحرام في زمن عبد العزيز آل سعود كان من جملة العلماء المدعوين إلى قصر الملك لتهنئته بعيد الأضحى كما جرت العادة هناك، ولما وصل الدور إليه وصافح الملك قدم إليه هدية وكانت مصحفاً ملفوفاً في جلد فأخذه الملك وقبله ووضعه على جبهته تعظيماً له وتشريفاً. فقال له السيد شرف الدين حينئذ: أيها الملك لماذا تعظم الجلد وتقبله وهو جلد ماعز؟ أجاب الملك: أنا قصدت تعظيم القرآن الكريم الذي بداخله ولم أقصد تعظيم الجلد. فقال السيد شرف الدين عند ذلك أحسنت أيها الملك. فكذلك نفعل نحن عند ما نقبل شباك الحجرة النبوية أو بابها، فنحن نعلم أنه حديد لا يضر ولا ينفع ولكننا نقصد ما وراء الحديد وما وراء الأخشاب. نحن نقصد بذلك تعظيم رسول الله كما قصدت أنت تعظيم القرآن بتقبيلك جلد الماعز الذي يغلفه. فكبر الحاضرون إعجاباً له وقالوا: صدقت. واضطر الملك وقتها إلى السماح للحجاج أن يتبركوا بآثار الرسول حتى جاء الذي بعده فعاد إلى القرار الأول). وفي نفس المصدر (ص:78/83). ذكر قصتين مختلقتين ثم سأل متأسفاً لِمَ لا يترك الحجاج أن يتعلقوا بالقبور والأموات وأن يدعوا هناك؟ والتيجاني هذا من أكذب خلق الله يخلق ما يقول وهذا هو المعروف عن كل الروافض وقديماً قيل في حقهم:
لي حيلةٌ فيمن ينمُّ وليس لي في الكذاب حيلة
من كان يخلق ما يقول فحيلتي فيه قليلة
قال ابن تيمية في (القاعدة الجليلة، في التوسل والوسيلة) (ص:317): (إن الذين يدعون الأنبياء والصالحين بعد موتهم، عند قبورهم، وغير قبورهم، من المشركين الذين يدعون غير الله، كالذين يدعون الكواكب، والذين اتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً. ثم ذكر الآيتين من سورة آل عمران رقم: (79/80). والآيتين من سورة الإسراء رقم: (56/57). وآيةً من سورة الزمر رقم: (3). وأخرى من سورة سبأ رقم: (22). ومن سورة يونس رقم: (18) ثم قال: والسؤال ما الفرق بين صنيعهم وصنيع المشركين؟! ومثل هذا كثير في القرآن، ينهى أن يدعى غير الله، ولو كان من الملائكة، أو الأنبياء، أو غيرهم، فإن هذا شرك، بخلاف ما يطلب من أحدهم في حياته من الدعاء والشفاعة). وقد زعم الرضوي الرافضي أن الله أمرهم بالشرك وامتثلوا أمره: (أما طلب الشيعة من أصحاب القبور-عليهم السلام-أموراً لا يقدر عليها إلا الله تعالى فليس هو إلا جعلهم وسائط بينهم وبين الله وشفعاء إليه في نجاحها امتثالاً لأمره تعالى). واسمعوا الخميني يبين معنى الشرك عند الروافض فيقول: (إن الشرك يتمثل في القول بإلهين أو في عبادة ربين أو عبادة وثن أو كوكب على أساس أن كلاًّ منهما إله أو صورة للإله-كشف أسراره ص:86). وقبله قال: (طلب الحاجة من الحجر أو الصخر ليس شركاً-كشف أسراره ص:49). وقال أيضاً: (إذا تم السجود على تراب أو قبر من أجل الله وإطاعة أمر الله فإن ذلك ليس كفراً بل توحيد وتعبد للإله-كشف أسراره ص:74). ثم لجأ إلى أقوال الفلاسفة وهم أضل خلق الله في باب الإلهيات ليجعله دليلاً على شركه فيقول: (واستناداً إلى فلاسفة الروح القدامى فإن طلب الشفاعة من الإمام والنبي والذي يصبح بعد الموت كقطعة خشب أو حجر أو أي جماد آخر لن يعد مشركاً-كشف أسراره ص:94). وزعموا أن جعفر بن محمد قال: (من زار قبر الحسين (ع) يوم عاشوراء عارفاً بحقه كان كمن زار الله في عرشه-ضياء الصالحين ص:141). وقال شاعرهم:
هي الطفوف فطف سبعاً بمغناها فما لمكة معنىً مثل معناها
أرض ولكنها السبع الشداد لها دانت وطأطأ أعلاها لأدناها
انظر: (جريدة إسلام) الإيرانية 10/محرم/1366-عن هامش المنتقى لمحب الدين الخطيب ص:51). قال موسى بن جعفر (ع): (من زار قبر ولدي علي (ع) كان له سبعون حجة مبرورة قال الراوي: سبعين حجة مبرورة!!! قال: نعم، وسبعين ألف حجة ومن بات عند قبره كان كمن زار الله في عرشه-ضياء الصالحين للجوهرجي ص:567). وفي (مفاتيح الجنان) (275) للقمي في فضل زيارة الحسين في أول يوم من رمضان: (ذهبت عنه ذنوبه وكان له ثواب الحجاج والمعتمرين في تلك السنة-وزاد في (ص:483-: إن الله يخلق من عرق زوار قبر الحسين (ع) من كل قطرة سبعين ألف ملك يسبحون الله ويستغفرون له ولزوار قبر الحسين (ع) إلى أن تقوم الساعة. وفي ص:567-قال الرضا: من زار قبري كتب له ألف حجة. فلما روي الحديث عند محمد المتقي (ع) قال: إي والله وألف ألف حجة لمن زاره عارفاً بحقه-وفي ص:483/ أن جعفر بن محمد قال: من أتى قبر الحسين (ع) فتوضأ واغتسل من الفرات لم يرفع قدماً إلا كتب الله له حجة وعمرة وكان كالمتشحط بدمه في سبيل الله وأجر ركعة عند قبره كأجر من حج ألف حجة وألف عمرة وعَتَقَ في سبيل الله ألف رقبة وكأنما وقف في سبيل الله ألف مرة مع نبي مرسل). وفيه (ص:347): (من صلى قرب الزوال يوم الغدير-اليوم الذي يزعمون أن الرسول غ نصب علياً فيه خليفة لكن غدر به الشيخان والصحابة كلهم-ركعتين كتب له ثواب مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة ويوجب أن يقضي الله حوائج دنياه وأخراه في يسر وعافية). ونسبوا لجعفر ابن محمد أنه قال: (من مشى إلى قبر علي ابن أبي طالب (ع) كتب له بكل خطوة مائة ألف حسنة ومحي عنه مائة ألف سيئة ورفع له مائة ألف درجة وقضى له مائة ألف حاجة وكتب له ثواب كل صديق وشهيد مات أو قتل ورجع إلى أهله مغفور ذنبه مشكور سعيه ويكتب له ثواب كل من يزوره من الملائكة فقال الراوي: كل من يزوره من الملائكة!!!؟ قال: بلى يزوره كل ليلة سبعون قبيلة من الملائكة فقال:كم القبيلة؟ قال: مائة ألف ص:423). وزعموا أنه قال: (من أحب أن يصافحه مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي فليزر قبر الحسين (ع) في النصف من شعبان فإن أرواح الأنبياء يستأذنون الله في زيارته فيؤذن لهم). وفي (مفاتيح الجنان ص:558): (أن فاطمة وخديجة تركبان هودجين بين السماء والأرض ليلة الجمعة وتزوران قبر الحسين (ع) وقال علامتهم باقر المجلسي فيمن أراد أن يزور قبور الأئمة وهو بعيد عنهم: اغتسل ومثل بين يديك شبه القبر واكتب عليه اسمه الشريف ثم قف وتوجه بقلبك وقل الدعاء بطوله). وذكر مرتضى الحسني: (أن راهباً رأى راكباً قادماً إلى الشام حاملاً رأس الحسين فطلب منهم الرأس قائلاً: يعز والله علي يا أبا عبد الله أن لا أواسيك بنفسي ولكن يا أبا عبد الله إذا لقيت جدك رسول الله فاشهد لي أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأن علياً ولي الله قال: ونحت الراهب على هيئة الرأس-وهو يبكي-حتى أصبح الصباح وقد عثر على هذا النحت وهو الآن في المتحف الإيطالي وقد نسخ (محسن إيراني) عنه صورة كانت تعرض كل يوم عاشوراء في صحن مرقد الحسين الشريف لمدة ساعة واحدة). وأترك التعليق للقراء الكرام على هذه الأمور السمجة!! انتهى من كتابي: (كيف تفهم عقيدتك بدون معلم؟). (ص:10/11/12).(1/53)
ثم قال-البيت السادس-:
فإن لي ذمة منه بتسميتي محمداً وهو أوفى الخلق بالذّمَم(1)
__________
(1) - قال صاحب (القوادح) (ص:197): (وهذا تخرص وكذب؛ فهل صارت له ذمة عند رسول الله غ لمجرد أن اسمه موافق لاسمه؟! فما أكثر الزنادقة والمنافقين في هذه الأمة قديماً وحديثاً الذين يتسمون بمحمد! يقول الشيخ سليمان بن عبد الله تعقيباً على هذا البيت: (قوله: فإن لي ذمة. الخ؛ كذب على الله وعلى رسوله غ ، فليس بينه وبين اسمه محمد ذمة إلا بالطاعة، لا بمجرد الاشتراك في الاسم مع الشرك). فالاتفاق في الاسم لا ينفع إلا بالموافقة في الدين واتباع السنة).(1/54)
والذمة العهد ولن يكون لأحد عهد ولا ذمة بمجرد التسمية، وإنما العهد والذمة تكون بالإيمان والطاعة وإلا فإن الملايين من أمته تسموا باسم محمد وفيهم فساق وملاحدة ومجرمون بلا شك(1)،
__________
(1) -ومن هؤلاء الملاحدة: محمد العشماوي الماسوني، ومحمد خلف الله العلماني، ومحمد المرابط المغربي العلماني، ومحمد ضريف المغربي اليساري، ومحمد سيد أحمد الماركسي،ومحمد الكحص، ومحمد بوزوبع وغيرهم كثير. فالرجل قد يكون اسمه عبد الله وهو أكفر خلق الله، وقد يكون محمداً وهو من أكبر الملحدين فأسماء بني آدم ليست أعلاماً وأوصافاً، فقد يكون الاسم شريفاً والمسمى خسيساً، مثل هؤلاء الذين مرت أسماؤهم، فهم ليسوا من الدين في دبير ولا قبيل، وليس لهم في الإسلام ناقة ولا فصيل، فهم سفلة فجرة كفرة ملاحدة، فهم أسماء شريفة لمسميات خسيسة-نعم، أسماء الله وأسماء الرسول غ والقرآن أعلام وأوصاف- وما ورد أن ابن عباس قال: (إذا كان يوم القيامة نادى مناد من قبل الله تعالى ألا من كان اسمه محمداً فليقم يدخل الجنة إكراماً لمحمد غ. وفي الحديث الصحيح-كذا قيل وهو موضوع-:أن البيت الذي فيه اسم محمد وأحمد فإن الملائكة تزوره في كل يوم وليلة سبعين مرة). كما في كتاب (المولد) (ص:18). المنسوب لابن الجوزي زوراً وبهتاناً. وهناك أحاديث موضوعة كثيرة تبين الفضل المزعوم لمن اسمه محمد أو أحمد، وقد رُوي عن علي مرفوعاً: (إذا سميتم الولد محمداً فأكرموه ووسعوا له في المجلس ولا تقبحوا له وجهاً). وعنه أيضاً: (ما من قوم كان بينهم مشورة فحضر من اسمه محمداً أو أحمد فأدخلوه في مشورتهم إلا كان خيراً لهم، وما من مائدة وضعت فحضر عليها من اسمه محمد أو أحمد إلا قدس الله ذلك المنزل في كل يوم مرتين، كل ذلك ببركة هذا الاسم الشريف). انظر: (المستطرف) (2/17)..(1/55)
والسبب في نسج هذا البيت أحاديث وردت في فضل التسمية بمحمد وأحمد، والبوصيري جاهل بالحديث، فإن تلك الأحاديث موضوعة لا يصح منها شيء، كما نص عليه المؤلفون في الموضوعات .
ثم قال-البيت السابع-:
ما سامني الدهر ضيماً واستجرتُ به(1)* إلا ونلت جواراً منه لم يُضَم
__________
(1) -قال محمد صديق حسن خان في (الدين الخالص) (ص:26)-في حكم التوجه إلى الرسول غ بالدعاء والاستغاثة-: (من استغاث بالأموات زعماً منه أنهم يشفعون له في الدنيا فقد سلك سبيل اليهود والنصارى). قال القصيمي في (الصراع بين الوثنية والإسلام) (ص:309/310/312): (إن عدول الصحابة عن التوجه إلى الرسول بالدعاء والاستغاثة هو الاعتراف بأن طلب الأموات وسؤالهم والاستغاثة بهم ليس جائزاً ولا مشروعاً ولا مستطاعاً باتفاق الصحابة ومن تبعهم بإحسان وبإجماع سيرتهم العملية الصامتة ثم الاعتراف بأن الاستغاثة بالموتى باطلة غير جائزة بالضرورة وبالإجماع الصامت وكل جواب غير هذا هو جواب باطل مدخول متكلف). وللتوسع انظر: (تفسير المنار) (9/507/510). و(مظاهر الانحرافات) (494). وما بعدها. وهذا الأخير قد أطال في ذكر أقوال العلماء في حكم التوجه إلى الرسول بالدعاء والاستغاثة.(1/56)
قد ضم هذا البيت سب الدهر، وهو حرام، لحديث: (لا تسبوا الدهر)(1). والاستجارة بالنبي غ وهي الاستعاذة، والاستغاثة(2)
__________
(1) - أخرجه البخاري في (64-كتاب التفسير، 45-سورة الجاثية، 1-باب: (وما يهلكنا إلا الدهر) (9/545/ رقم:4826/ وفي 77-كتاب الأدب، 101-باب: لا تسبوا الدهر، (12/204/ رقم: 6181) وفي 97-كتاب التوحيد، 35-باب: قول الله تعالى: (يريدون أن يبدلوا كلام الله). 15/432/ رقم7491). ومسلم في (30-كتاب الأدب 27-باب: النهي عن سب الدهر، 5/547/548/549/ رقم:2113/2114-مع المفهم) وأبو داود في (35-كتاب الأدب، 180-باب: في الرجل يسب الدهر (4/413/ رقم:5274). وأحمد (2/238/272)
(2) -ومن أراد أن يعرف استغاثات البشر بالبشر فليرجع إلى كتب الصوفية الذين يعتقدون أن الغوث باستطاعته أن يعلم كل ما في هذا الكون، وباستطاعته أن يغير القدر الذي قدره الله في الأزل، وأنه يسمع كل من ناداه واستغاث به، ويفرج عنه كربه، وأن للغوث علماً خاصاً يتلقاه عن الله ورسوله مباشرة، وأنه مطلع على ما هو مكتوب على أوراق الشجر والماء والهواء وما في البر والبحر وما هو مكتوب على صفحة قبة السماء وما في حياة الإنسان والجان مما يقع لهم في الدنيا والآخرة، وأن الله اصطفاه وأطلعه على ما يشاء من الغيب، واللائحة طويلة في كفرهم والحبل جرار ومن لم يصدق فعليه بكتاب: (الإبريز) (ص:252/154). وما بعدها والكتاب كله يضم عقيدة وثنية خالصة.و(الإنسان الكامل والقطب الغوث الفرد من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي). لمحمود محمود العزب. و(تفريج الخاطر في مناقب تاج الأولياء وبرهان الأصفياء الشيخ عبد القادر الجيلاني). و(المواهب السرمدية في مناقب النقشبندية) لمحمد أمين الكردي. و(الرماح بهامش جواهر المعاني) (1/156). و(لطائف المنن) للشعراني (1/145). و(جمهرة الأولياء) (2/242). للمنوفي..انظر: (مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية وأثرها السيء على الأمة الإسلامية) (1/83/ إلى: 185)(1/57)
لا تصرف لمخلوق، ومن فعل فقد أشرك لقوله: (وإياك نستعين) ولحديث: (وإذا استعنت فاستعن بالله)(1).
ثم قال-البيت الثامن-:
ولا التمستُ غنى الدارين من يده * إلا استَلَمْتُ النَّدَى من خير مستَلم(2)
فها هو يطلب غنى الدنيا والآخرة من يده عليه السلام، وهذا مخالف لقوله تعالى: (وما بكم من نعمة فمن الله)(3). وقوله: (فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه)(4). وأُمِرَ غ أن يتبرأ من دعوى علم الغيب، وأن عنده خزائن الله، وأنه ملك، (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي)(5).
وقال:-عن البيت التاسع-
__________
(1) - وسيأتي تخريجه بتوسع-قريباً-إن شاء الله تعالى.
(2) -قال عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف-عند هذا البيت-: (فجعل البوصيري غنى الدارين مُلْتَمَساً من يد النبي غ ، مع أن الله-عز وجل-قال: (وما بكم من نعمة فمن الله) (النحل:53). وقال سبحانه: (فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه) (العنكبوت:17). وقال تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض) (يونس:31). وقال: (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير) (سبأ:22). وأمر الله نبيه محمداً أن يبرأ من دعوى هذه الثلاثة المذكورة في قوله تعالى: (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك). الآية. (الأنعام:50). (القوادح) (ص:196).
(3) -سورة النحل، الآية. (رقم:53).
(4) -سورة العنكبوت، الآية. (رقم:17).
(5) -سورة الأنعام، الآية. (رقم:50).(1/58)
أقسمت بالقمر المنشق إن له من قلبه نسبةً مبرورةَ القَسَمِ(1)
__________
(1) -قال صاحب (القوادح) (ص:): (ومن المعلوم أن الحلف بغير الله تعالى من الشرك الأصغر، فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رسول الله غ قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)-رواه أحمد رقم: (4509). والترمذي رقم: (1534)-وقال ابن عبد البر في (التمهيد) (14/366/367): (لا يجوز الحلف بغير الله-عز وجل-في شيء من الأشياء ولا على حال من الأحوال، وهذا أمر مجتمع عليه -إلى أن قال-: أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها، لا يجوز الحلف بها لأحد).(1/59)
ففيه كما ترى الحلف بغير الله، وفي الحديث (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أوَ أَشْرَكَ)(1).
__________
(1) -قال الشيخ الألباني في (الإرواء) (8/189/190// رقم:2561): (صحيح. أخرجه الترمذي (1/290). وكذا أبو داود (16-كتاب الأيمان والنذور، 5-باب الحلف بالآباء،3/178رقم:3251). وابن حبان (1177). والحاكم (4/297). والبيهقي (10/29). والطيالسي (1896). وأحمد (2/34/67/69/86/125). من طرق عن سعد بن عبيدة). قلت: وحسنه الترمذي في (جامعه في 21-كتاب النذر والأيمان 8-باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله،3/185/ رقم:1540)، وقال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي. كما في (المستدرك) (4/297). وابن حبان في (صحيحه) (4358). وإسناده صحيح على شرط مسلم. وعبد الرزاق في (مصنفه) (15926). وغيرهم من طرق عن سعد ابن عبيدة به. نحوه. واللفظ الذي ذكره شيخنا لأحمد. قال الإمام أبو حنيفة: (لا يحلف إلا بالله مُتُجُرِّداً بالتوحيد والإخلاص ولو قال: وَعِبَادَةٍ، وَحَمْدِ الله، فليس بيمين؛ لأنه حَلْف بغير الله، ألا ترى أن العبادة والحمد فعلك-بدائع الصنائع3/8). وقال الإمام الشافعي في (الأم) (7/61): (فكل مَن حَلَفَ بغير الله كَرِهْتُ له وخشيتُ أن تكون يمينه معصية... وأكره الأيمان بالله على كل حال إلا فيما كان لله طاعة، مثل البيعة على الجهاد وما أشبه ذلك-المدونة الكبرى (2/32). ونيل الأوطار (8/237) والمغني لابن قدامة (8/677). وبداية المجتهد (1/747). ومغني المحتاج (8/320). وغيرهم). قال ابن حزم في (المحلى) (8/30): (وأما من حَلَف بغير ما ذكرنا-بغير اسم من أسماء الله أو نحو ذلك-فليس حالفاً ولا هي يميناً ولا كفارة في ذلك إن حَنِث، ولا يلزمه الوفاءُ بما حلف عليه بذلك، وهو عاصٍ لله تعالى فقط، وليس عليه إلا التوبة من ذلك والاستغفار). وقد قيل للإمام مالك: أرأيت الرجل يقول للرجل: وأبي وأبيك وحياتي وحياتك وعَيْشِي وعيشك..فقال الإمام مالك: هذا من كلام النساء وأهل الضعف من الرجال، فلا يعجبني هذا. وكان يكره الأيْمان بغير الله تعالى. وقال ابن عباس: (والله لأن أحلف بالله مائة مرة ثم آثم، أحب إلي من أن أحلف بغيره مرة ثم أَبِر). وقال ابن مسعود: (لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً).قال الشيخ الألباني في (الإرواء) (8/191/192/ رقم:2562). على هذا الأثر: (صحيح أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) (3/17/2). ثم ساق سنده فقال الألباني: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقال الهيثمي في (المجمع) (4/177): (رواه الطبراني في (الكبير) ورجاله رجال الصحيح). وأخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) (4/179).(1/60)
رواه أحمد والترمذي، وهذا من الشرك الأصغر إن سلم البوصيري من الأكبر، ولا ينفع تأويل المتأولين بأن الكلام على حذف مضاف أي: أقسمت برب القمر(1)، فإن هذا يجري في كل قَسَم، وهذا سخيف.
ثم قال-عن البيت العاشر-:
__________
(1) -والمعروف عند أهل العلم أن الكلام إذا دار بين التقدير وعدمه، فعدم التقدير أولى. والتأويل غالباً ما يكون فرعاً للتكذيب، يلجأ إليه المغلوب أو المخرف ليمرر باطله.(1/61)
إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي * فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم(1)
__________
(1) - وهذا غلو قبيح، يجرح العقيدة بجروح عظيمة لا تندمل، فما ينبغي أن يمدح النبي غ بهذه المبالغات القبيحة، والغلو الشنيع الذي لا يرضاه رسول الله لأحد دون الله، فالبوصيري في هذا البيت نزل رسولنا غ منزلة رب العالمين، فكيف يكون رسول الله مسؤولاً عن كشف أعظم الشدائد يوم القيامة والله يقول لنبيه-كما في سورة الزمر، الآية:13-: (قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم). الذي يخاف عذاب الله وعقابه يوم القيامة كيف يكون كاشفاً للكربات في اليوم الآخر؟، فالمخرفون يقولون-كما سمعنا هذا من كثير من أهل العلم من محبي الترنم بالبردة-: إن مراد البوصيري في هذا البيت طلب الشفاعة من رسول الله غ ، قال (صاحب القوادح) (ص:197): (فلو صح ذلك فالمحذور بحاله، لما تقرر أن طلب الشفاعة من الأموات شرك بدليل قوله تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون)، (سورة يونس، الآية:18). فسمَّى الله-تعالى-اتخاذ الشفعاء شركاً). انظر: (الدرر السنية) (9/49/82/271). (قلت: وكان شيخنا عبد الله بن الصديق يقول: إن هذا البيت لا يحتوي على شرك كما يزعم الوهابية، وإنما فيه طلب الشفاعة من الرسول غ ، وهذا فيه ما فيه من المخالفة أيضاً لأن الشفاعة لا تطلب من رسول الله غ بل تطلب من الله كما هو معلوم عند أطفال أهل السنة، وللشفاعة شروط أهمها ثلاثة فلا تتحقق إلا بها: 1-إذن الله تعالى للشافع أن يشفع. والدليل قوله تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه). وقوله: (ما من شفيع إلا من بعد إذنه). وقوله: (ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع). وقوله: (قل لله الشفاعة جميعاً). وقوله: (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له)..وقوله: (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً). وغيرها كثير.2-رضا الله تعالى عن المشفوع له: والدليل قوله تعالى: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى). وقوله: (وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى). وهناك أدلة كثيرة في السنة أعرضنا عنها اختصاراً. 3-لا يرضى الله إلا عن أهل التوحيد. وفي هذا أيضاً أدلة كثير) انتهى من حاشية كتابي: (البردة في الميزان ص:63)..(1/62)
فقد جعل الرسول المدعو لكشف أعظم الشدائد يوم المعاد، وهذا كفر مجرد كما يقول ابن حزم، ودافع عبد الله بن الصديق عن البوصيري بأن مراده طلب الشفاعة، وفاته أنها لا تطلب إلا من الله وحده (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً)(1). وإيثاراً للتحدي، فقد اختار هذا البيت في إحدى رسائله الجيبية(2).
__________
(1) - سورة الزمر، الآية: (44).
(2) - قال فضيلة شيخنا العلامة محمد بوخبزة في كتابه الممتع (حَفْنَةُ دُرٍّ) (ص:32): (مصيبة: نقلت من خط شيخنا أبي العباس الرهوني ما نصه: ومن خط شيخنا سِيدي محمد القادري ما نصه:
يَا رِجَالَ الإلهِ إنَّ عُبَيْداً لاَذَ من أجلكم بِرُكْنٍ قَوِيّ
فَاقْبَلُوه بفَضْلِكُمْ وارْحَمُوهُ واشْفَعُوا فيه للإله العليِّ
ولعلك لاحظتَ أنني وضعت تحت سين (سِيدي) كسرة كما ينطقها المغاربة وهو لغةً الذئبُ ففيه مندوحة لخطاب مثل هذا القادري الذي ارتكب شركاً واضحاً في بيتيْهِ السابقين وهو عِينَةٌ من علماء القرويين وهم يتفاوتون في هذا البلاء، وسببه جهلهم المركب بتوحيد الإلهية والدعاءِ والقصدِ والتوجهِ والعبادةِ، واقتصارُهم على توحيد الربوبية مع جهلهم أيضاً بتوحيد الأسماء والصفات فتراهم يؤولون ويلحدون في أسماء الله، والقادري هذا ممن جمع منهم مساوئ 1-فهو أشعري جَلْد، وحاشيته على شرح الطيب بن كيران لتوحيد المرشد المعين لابن عاشر في مجلديْن مطبوعة على الحجر، وقد كشف شيخنا أبو الفيض أحمد بن الصديق في كتابه (جؤنة العطار) أنه سرقها من طُرر شيخه محمد بن جعفر الكتاني التي كتبها بخطه الدقيق على نسخته من شرح ابن كيران فاستعارها منه هذا القادري وسَطَا عليها ونسبها لنفسه.
2-وهو فقيه مالكي متعصب جامد ألف رسالة في المنع من قراءة البسملة في الصلاة والرد على من قال بجوازها خروجاً من الخلاف كالإمام المازري وهو من أساطين المذهب، ورسالته في العمل بالقول بالضعيف وتحريمه مطبوعة بمصر وبيروت واسمها (رفع الملام عمن يقول العمل بالضعيف حرام)، وله رسالة في كراهة القبض في الصلاة، إذا وقفت على هذا مع حاشيته على (همزية) بل (بُردة) البوصيري وما ضمنها من غلو وفضائح علمتَ أن الرجل جَمَع المسخَ من أطرافه، ولذلك قلتُ:
أنتَ يا قادري جَهولٌ بربّ فادعُهُ وحدَه بقلبٍ زَكيّ
ودَعِ الشرك في العبادة والجأ له تَسْلَمْ من قولك المَخْزِي
لو رأى جدّك الولي كلاماً قلتَه لاستباحَ قَتْلَ الدَّعِي).(1/63)
ثم قال-عن البيت الحادي عشر:
يَا أَكْرم الخلق ما لي من ألوذ به(1)
__________
(1) - يقول الشيخ سليمان بن عبد الله تعقيباً على هذا البيت: (فتأمل ما في هذا البيت من الشرك: منها: أنه نفى أن يكون له ملاذ إذا حلت به الحوادث إلا النبي غ ، وليس ذلك إلا لله وحده لا شريك له، فهو الذي ليس للعباد ملاذ إلا هو. ومنها: أنه دعاه وناداه بالتضرع وإظهار الفاقة والاضطرار إليه، وسأل منه هذه المطالب التي لا تطلب إلا من الله، وذلك هو الشرك في الإلهية). وانتقد الشيخ عبد الرحمن بن حسن هذا البيت قائلاً: (فعظَّم البوصيري النبي غ بما يسخطه ويحزنه، فقد اشتد نكيره غ عما هو دون ذلك، كما لا يخفى على من له بصيرة في دينه؛ فقصَر هذا الشاعر لياذه على المخلوق دون الخالق الذي لا يستحقه سواه، فإن اللياذ عبادة كالعياذ، وقد ذكر الله عن مؤمني الجن أنهم أنكروا استعاذة الإنس بهم بقوله: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً) (سورة الجن، الآية:6)، أي: طغياناً، واللياذ يكون لطلب الخير، والعياذ لدفع الشر، فهو سواء في الطلب والهرب). وقال العلامة محمد بن علي الشوكاني عن هذا البيت: (فانظر كيف نفى كل ملاذ ما عدا عبد الله ورسوله غ وغفل عن ذكر ربه ورب رسول الله غ. إنا لله وإنا إليه راجعون). انظر: (تيسير العزيز الحميد) (ص:219/220)، و(الدرر السنية) (9/49/80/84/193)، و(منهاج التأسيس) (ص:212)، و(الدر النضيد) (ص:26)، و(القوادح) (ص:198)، وقد كنت قلت كلاماً في (البردة في الميزان) (ص:54) عند ما وصلت إلى هذا البيت وهو: (وبشيء قليل من التأمل فيما ذكرنا من نقول الأئمة الجهابذة في العقيدة تدرك مدى ضلال الصوفية ومخالفتهم الصريحة للعقيدة الصحيحة، وخطورة بعض أبيات بردة البوصيري، وهذا كله واضح جلي لا يخفى على من عرف دين الإسلام، وشم رائحة العلم والإيمان، وعرف الشرك الأكبر ووسائله)..أما الصوفية فقد حاولوا أن يخرجوا هذا البيت تخريجاً صحيحاً على الشفاعة الكبرى فهذا شيخنا عبد الله الغماري في (نقد قصيدة البردة) (ص:44/45) يقول: (وهذا عند بعض الناس شرك، وليس كذلك. فإن قوله:
ولن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلى باسم منتقم
قرينة واضحة على أنه أراد: مالي من ألوذ به في الشفاعة لله في ذلك الموقف العظيم. وهذا المعنى صحيح. فإن الناس في يوم القيامة يلجأون إلى آدم ليشفع لهم في الإراحة من طول الموقف وكربه، فيعتذر ويقول: نفسي، ويحيلهم إلى نوح فيعتذر، ويحيلهم إلى إبراهيم فيعتذر، ويحيلهم إلى موسى فيعتذر، ويحيلهم إلى عيسى فيعتذر، فيحيلهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فيقول: أنا لها أنا لها، فيذهب ويسجد تحت العرش، فينادي يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعط واشفع تشفع، هكذا جاء في الصحيحين، وهو الذي أراد الناظم، والإسراع بالإكفار معصية كبيرة، ربما تؤدي إلى كفر صاحبها، ومع ذلك فقد أصلحت هذا البيت بقولي:
يا أكرم الخلق مالي من يشفَّع في سواك عند حلول الحادث العمم
يشفع مبني للمجهول والفاء مشددة أي مالي من تقبل شفاعته فيَّ سواك، وهذا توضيح لكلام الناظم وليس إصلاحاً له). كذا قال. واعتذاره بارد معذور. انظر: (الشفاعة) للشيخ مقبل، و(الشفاعة عند أهل السنة، والرد على المخالفين فيها) للشيخ ناصر عبد الرحمن بن محمد لتعرف بطلان ما ذهب إليه الغماري.(1/64)
* سواك عند حلول الحادث العِمَم
وهذا دعاء لغير الله وتصريح بأنه لا مستعاذ له إلا النبي غ والعياذ بالله تعالى، وهذا البيت كسابقه تأوله عبد الله الغماري بأن المراد (بالحادث العمم): اجتماع الناس في المحشر، ولِمَ لا يكون الحادث العمم هو الموت، وقد قال من تأثر به من المغاربة(1)من الملحون:
الْمُصْطَفَى غِرْ عْلِيَّا ليلة قبري تْغِيثْنِي تْكُونْ مَعَايَا حَضَرْ يَا رَسُولَ الله
وقال البكري(2)أو ابن وفا من شيوخ البوصيري وهم مصدر تلقيه:
عَجِّلْ بِإِذْهَابِ الذي أشتَكِي فإن تَأَخَّرْتَ فَمَنْ أَسْأَلُ؟
__________
(1) - .هو من الملحون المتداول بين طوائف (عيساوة). غير معروف قائله. كما قال لي شيخنا محمد بوخبزة.
(2) - سألت عنه شيخنا فقال: (لعله أبو الحسن محمد بن محمد البكري الصديقي الوفي توفي بالقاهرة سنة (952 هـ) وبيت البكري مشهور بالتصوف بمصر).(1/65)
الجواب: (وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ)(1).
__________
(1) - أخرجه الترمذي في (38-كتاب صفة القيامة، 59-باب (4/231/ رقم:2524). وقال: (هذا حديث حسن صحيح). قال الشيخ الألباني في (صحيح سنن الترمذي) (2/308/309/ رقم:2043/2648): (صحيح-المشكاة 5302/ ظلال الجنة/316/318). وأحمد في (المسند). (4/233/269-270). قال أحمد شاكر في تعليقه على (المسند) (4/233/ رقم:2669): (إسناده صحيح. ليث: هو ابن سعد قيس بن الحجاج الكلاعي:ثقة ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن يونس:كان رجلا صالحاً وترجمه البخاري في الكبير(4/1/155). وليس له في الكتب الستة غير هذا الحديث عند الترمذي، وهو الحديث 19من (الأربعين النووية)، قال النووي: (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح). قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم 132: (وخرجه الإمام أحمد من حديث حنش الصنعاني مع إسنادين آخرين منقطعين، ولم يميز بعضها من بعض). فكأن الحافظ ابن رجب لم ير في (المسند) إلا الإسناد الذي أشار إليه، وسيأتي (2804)، ولكن الإمام أحمد رواه مرتين بإسنادين صحيحين عن حنش، مميز اللفظ غير مختلط بإسناد منقطع، وهما هذا الحديث والحديث 2763). قلت يعني في: (4/2763/ رقم:2763). وقال أحمد شاكر: (إسناده صحيح). وقد أطال النَّفس عن إسناده في (4/286/287/288- رقم:2804). انتهى من حاشية كتابي (البردة في الميزان) (ص:91).(1/66)
وقال محمد الحراق(1)التطواني:
أَمُحَمَّدٌ إِنِّي بِجَاهِكَ عَائذٌ * مما عرى جسمي من الضَّرَّاءِ
__________
(1) - سألت فضيلة شيخنا محمد بوخبزة-حفظه الله-عن ترجمة الشيخ محمد الحراق فكتب إليّ قائلاً: (هو الشيخ الأديب الفقيه الشاعر الصوفي محمد بن محمد بن عبد الواحد الحراق الحسني العلمي ولد بشفشاون عام:1186هـ/1772م وقرأ بها ثم رحل إلى فاس وأخذ عن علمائها، ثم رجع إلى تطوان واستوطنها وعمل في سماط العدول وتولى الإمامة والخطابة بجامع العيون، والتدريس والفتوى إلى أن امتحن بمكيدة دبرها عليه سكان حي العيون بمواطأة القاضي فعزل عن الجميع ومرض واعتل مزاجه وأنشأ قصيدة همزية يستغيث فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم في غلو قبيح، ومطلعها:
أَمُحَمَّدٌ إِنِّي بِجَاهِكَ عَائذٌ مما عرى جسمي من الضَّرَّاءِ
ولقد دعوتُك حين جلت كربتي فلَم أُلف غيرك كاشفاً لبلائي
وبعد شفائه من مرضه ذهب إلى الشيخ العربي الدرقاوي بقبيلة بني زروال وأخذ عنه فأمره بالرجوع إلى تطوان وأعطاه الورد، ومن ذلك الوقت أصبح شيخاً للطريقة التي نسبت إليه، وفتح زاوية مشهورة، وله رسائل كثيرة وأشعار فصيحة وملحونة كلها تدور على وحدة الوجود والاتحاد، وهو في الملحون أبرع منه في الموزون العربي وديوانه طبع مرارا، وألف تلميذه محمد بن العربي الدلائي الرباطي كتاب: (النور اللامع البراق في ترجمة الشيخ الحراق).جمع فيه كثيراً من رسائله وأشعاره-وهو مخطوط-وظل كذلك إلى أن توفي بتطوان في 21 شعبان1261هـ 25 غشت1845م ودفن بزاويته قرب باب المقابر. ومصادر ترجمته لمن أراد التوسع: (عمدة الراوين) للرهوني (تاريخ تطوان) لمحمد داود (معلمة المغرب10/3363). وبعد كتابة هذه الترجمة وقفت على ترجمته في مواضع كثيرة متفرقة فأعرضت عنها اكتفاءً بما أرسله إليَّ فضيلة شيخنا محمد بوخبزة.(1/67)
ولقد دعوتُك حين جلت كربتي * فلَم أُلف غيرك كاشفاً لبلائي(1)
وهذا كما ترى الغاية في البراءة من التوحيد وتبني الشرك والعياذ بالله.
ثم قال-عن البيت الثاني عشر-:
ولن يَضيقَ رسولَ الله جاهُك بي إذَا الكريمُ تَجَلَّى باسْم منتقِم(2)
__________
(1) - قال فضيلة شيخنا محمد بوخبزة: (وهذه يغنى بها في الإذاعة). وقال أيضاً في ورقة أرسلها إلي: (والغريب أن هذه القصيدة لُحنت ويغنى بها في الإذاعة في المناسبات).
(2) - قال محمود مهدي في كتابه: (كتب ليست من الإسلام) (ص:25/26): (ومما سبق ندرك أن هذا الشاعر لا يعرف أصلاً هاماً من أصول الشريعة، وهو الشفاعة، فيظنها كشفاعة الدنيا، فيشفع الرسول غ عند الله تعالى، كما يشفع الوزير عند الملك دون إذنه. وهذه الشفاعة منفية يوم القيامة لقوله سبحانه: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)، وقوله: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى). ويظن هذا الشاعر الجاهل أنه بمجرد مدح الرسول ينال شفاعته، وهذا مناف لأبسط مبادئ الإسلام. جاء في حديث رواه البخاري: (أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مخلصاً من قلبه). ولفظ البخاري: (خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ). وقال الشيخ سليمان بن عبد الله تعقيباً على هذا البيت: (سؤاله منه أن يشفع له في قوله: ولن يضيق رسول الله الخ، هذا هو الذي أراده المشركون ممن عبدوهم وهو الجاه والشفاعة عند الله، وذلك هو الشرك، وأيضاً فإن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله فلا معنى لطلبها من غيره؛ فإن الله تعالى هو الذي يأذن للشافع أن يشفع لا أن الشافع يشفع ابتداء). انظر: (قوادح عقدية في بردة البوصيري) (ص:199). و(تيسير العزيز الحميد) (ص:220). و(الدرر السنية) (9/52). و(البردة في الميزان) (ص:94/95).(1/68)
وهذا يصُبُّ في معنى التماس الشفاعة من غير الله، وهو منزع المشركين في دعواهم أنهم إنما يعبدون أصنامَهمْ لأنهم يتشفعون بهم إلى الله، والآيات في هذا كثيرة.
ثم قال-عن البيت الثالث عشر-:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم(1)
__________
(1) - وقد سبق أن بينا أن شيخنا عبد الله بن الصديق الطرقي اعترض على الغلو الواقع في هذا البيت حيث قال:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
وهذا غلو مذموم، لا أصل له، ولا دليل عليه. وقد أصلحته بقولي:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن كتابك علم اللوح والقلم
إلى أن قال: وحديث: (لولاك ما خلقت الأفلاك)، وهذا كذب على الله تعالى أيضاً). وقال في (نقد قصيدة البردة) (ص:45/46): (وفي هذا مبالغة لا دليل لها. ويظهر أن الناظم استند في الشطر الأول من البيت إلى حديث جابر: (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر). وهو حديث طويل جاء فيه: أن الله خلق من نوره صلى الله عليه وآله وسلم العرش والكرسي والملائكة وجميع المخلوقات، -حديث النور موضوع انظر: (جؤنة العطار) (1/49) رقم (65)-وقد ذكره بطوله ابن العربي الحاتمي في كتاب: (تلقيح الأذهان ومفتاح معرفة الإنسان)، والديار بكري في (تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس)، في السيرة. وقال السيوطي في (الحاوي): (إنه غير ثابت، وهو تساهل قبيح، بل الحديث ظاهر الوضع، واضح النكارة، وفيه نَفَس صوفي حيث يذكر مقام الهيبة ومقام الخشية، إلى آخر مصطلحات الصوفية الخ ما سبق). وقال عنه صاحب (القوادح) (ص:199): (فجعل الدنيا والآخرة من عطاء النبي غ وإفضاله، والجود هو العطاء والإفضال؛ فمعنى الكلام: أن الدنيا والآخرة له غ ، والله-سبحانه وتعالى-يقول: (وإن لنا للآخرة والأولى). وقوله: (ومن علومك علم اللوح والقلم): في غاية السقوط والبطلان، فإن مضمون مقالته أن الرسول غ يعلم الغيب، وقد قال سبحانه: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله). (سورة النمل، الآية:65). وقال-عز وجل-: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين). (سورة الأنعام، الآية:59). والآيات في هذا كثيرة معلومة. وأخيراً أدعو كل مسلم عَلِقَ بهذه القصيدة وولع بها أن يشتغل بما ينفع، فإن حق النبي غ إنما يكون بتصديقه فيما أخبر. واتباعه فيما شرع. ومحبته دون إفراط أو تفريط، وأن يشتغلوا بسماع القرآن والسنة والتفقه فيهما، فإن البوصيري وأضرابه استبدلوا إنشاد وسماع هذه القصائد بسماع القرآن والعلم النافع، فوقعوا في مخالفات ظاهرة ومآخذ فاحشة. وإن كان لا بد من قصائد ففي المدائح النبوية التي أنشدها شعراء الصحابة كحسان وكعب بن زهير ما يغني ويكفي). انظر: (القوادح/ ص:199/200). و(الدرر السنية) (9/50/62/81/82/268/277)(1/69)
وهذا البيت قمة القِمَمِ في الضلال والسقوطِ، فالشطر الأول يخالف قوله تعالى: (وإِنَّ لَنَا للآخِرَةَ والأُولى)(1). والرسول كان يعطي الدنيا لمن يستحقها في الحياة ولا يدخر شيئاً وقد يَحْرِمُ من طلبها لسبب، أما الآخرة فهي لله وسبيل نيلها التوحيد والعمل الصالح بعد فضل الله تعالى(2).
__________
(1) - سورة الليل، الآية: (13).
(2) - وقد وردت في هذا أحاديث كثيرة تؤكد بأن الرسول غ نفسه لا يعلم ما سيفعل به في المستقبل وأنه لا يستطيع دخول الجنة إلا إذا أدخله الله فيها برحمته وإليكم النصوص الدالة على هذا منها: قوله غ: (مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي).-(رواه البخاري، مع الفتح3/114)-ومنها: (لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لاَ، وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ مِنْهُ وَرَحْمَةٍ). (رواه الشيخان/الفتح مع اختلاف في بعض الألفاظ10/127). ففي هذين الحديثين صرح الرسول غ بأنه لا يعرف ما يفعل به وأنه لا يستطيع أن يدخل أحد بعمله الجنة إلا بفضل الله حتى هو صلوات الله وسلامه عليه، وإذا كان الرسول كذلك لا يملك لنفسه دخول الجنة إلا برحمة الله فتوجه المتصوفة إليه بالدعاء والاستغاثة يعتبر عبثاً وهراء وما أوقعهم في هذا الشرك إلا حبهم للخرافة والابتداع والوقوع في حبائل الشرك). انظر: (مظاهر الانحرافات العقدية) (1/488/489).(1/70)
أما الشطر الثاني فلا دواء له فهو داء عُضال حاول كثير من المتحذلقين(1)
والغلاة(2)
__________
(1) - وقال في (القاموس المحيط) (3/219): (حَذْلَقَ أظْهَرَ الْحِذْقَ أوْ ادَّعَى أكْثَرَ مِمَّا عِنْدَهُ كَتَحَذْلَقَ). وقال الزمخشري في (أساس البلاغة) (ص:118): (وإنه ليتحذلق علينا إذا أظهر الحِذْقَ، وادّعَى أكثر مما عنده، وفيه حذْلَقَة وَتَحَذْلُق، وهو من المُتَحَذْلِقِين، واللام مزيدة). قال الجوهري في (الصحاح) (4/1457): (حذلق الرجل بزيادة اللام، وتَحَذْلَق، إذا أظهر الحِذْق وادَّعَى أكثَرَ مما عنده).
(2) - وقد ورد لفظ الغلو في موضعين من القرآن الكريم، وكلاهما بمعنى: (مجاوزة الحد)، وهو المعنى اللغوي للكلمة.
2-(يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق). (سورة النساء، الآية:171). 2-قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق). (سورة المائدة، الآية:77). قال ابن كثير في (تفسيره) (2/151): أي: لا تجاوزوا الحد في اتباع الحق ولا تطروا من أمرتم بتعظيمه فتبالغوا فيه حتى تخرجوه عن حيز النبوة إلى مقام الألوهية، كما صنعتم في المسيح وهو نبي من الأنبياء فجعلتموه إلهاً من دون الله. وفي السنة ورد لفظ الغلو في عدد كبير من الأحاديث: منها: حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ غ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ: الْقُطْ لِي حَصًى فَلَقَطْتُ لَهُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ فَجَعَلَ يَنْفُضُهُنَّ فِي كَفِّهِ وَيَقُولُ أَمْثَالَ هَؤُلاَءِ فَارْمُوا ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ). رواه ابن ماجة في (سننه) (25-كتاب المناسك، 63-باب: قدر حصى الرمي، (3/64/ رقم:3029)-انظر تصحيحه في (صحيح سنن ابن ماجة) (2/177/ رقم:4255). للألباني-والنسائي في (مناسك الحج، رقم:3059). وأحمد في (المسند) (رقم:1854). ومنها قوله غ: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلا تَغْلُوا فِيهِ وَلا تَجْفُوا عَنْهُ وَلا تَأْكُلُوا بِهِ وَلا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ). رواه الطحاوي في (شرح معاني الآثار) (3/10). وأحمد (3/428/444). والطبراني في (الأوسط) (1/142/1063/2)، من زوائد المعجمين، وابن عساكر كما في (المجمع) (4/73)، و(7/168)، (ورجال الكبير ثقات). قال الألباني في (الصحيحة) (1/465/466/ رقم:260): (وهو كما قال، بل هو إسناده صحيح رجاله كلهم رجال مسلم غير راشد الحبراني-بضم الحاء وسكون الموحدة-وهو ثقة، روى عنه جماعة من الثقات، وقد ذكره أبو زرعة الدمشقي في الطبقة العليا التي تلي الصحابة، وقال العجلي: (التابعي ثقة)، وقال الحافظ في (التقريب): قيل اسمه أخضر، وقيل النعمان، ثقة من الثالثة، قلت: فلا يقبل بعد هذا قول ابن حزم فيه (8/19م): (وهو مجهول)، وأعل الحديث به، فإنه لا سلف له في ذلك، وقد وثقه هؤلاء الأئمة). قلت: وقوى إسناده الحافظ في (الفتح (9/82). انتهى من كتابي (رفع الغشاوة في تحريم أخذ الأجرة عن التلاوة). (ص:7). ومنها قوله غ (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)- ومعنى الغلو فيه: التشدد فيه ومجاوزة الحد، أو الكشف عن بواطن الأشياء والبحث عن عللها وغوامض متعبداتها-وقد خرجته في كتاب شيخنا محمد بوخبزة (نشر الإعلام بمروق الكرفطي من الإسلام). (ص:21). ونصه: (حديث حسن بشواهده. كما قال شيخنا المحدث محمد بن الشيخ علي بن آدم الأثيوبي، وقد بين شواهده سليم الهلالي في جزء مفرد. انظر: (المجمع) (1/14). و(الضعفاء الكبير) للعقيلي (1/9/10). قال السيوطي في (التدريب) (1/302/303): (رواه ابن عبد البر من طريق العقيلي. ثم قال: والحديث من الطريق الذي أورده مرسل أو معضل). وفي كتاب (العلل) للخلال أن أحمد سئل عن هذا الحديث فقيل له كأنه موضوع فقال: لا، (بل هو صحيح). قال العراقي: (وقد ورد هذا الحديث متصلاً من رواية علي وابن عمر وجابر بن سمرة وأبي أمامة وأبي هريرة وكلها ضعيفة لا يثبت منها شيء وليس فيها شيء يقوي المرسل). وقال ابن عدي: (ورواه الثقات عن الوليد بن مسلم عن أبي هريرة). وقال عنه ابن كثير في (البداية والنهاية) (5/337): (هذا الحديث مرسل وإسناده فيه ضعف، والعجب أن ابن عبد البر صححه واحتج به على عدالة كل من حمل العلم). والصحيح أن الحديث حسن بشواهده. وأورده البغدادي في (شرف الحديث) (ص:28/ ح:52). وابن وضاح في (البدع والنهي عنها) (ص:2). قال القاسمي: وتعدد طرقه يقضي بحسنه كما جزم به العلائي، كما في (قواعد التحديث) (ص:49). انظر: (الصحيحة) (1/485) و(المشكاة) (رقم248) و(العواصم) لابن الوزير (1/308/313) و(الروض الباسم) (1/42) وقد جمعت طرق هذا الحديث في رسالة عند ما كنت بالسجن المركزي وهي عندي -الآن-داخل زنزانتي الانفرادية بالسجن المحلي بتطوان.(1/71)
إيجاد مَخْرَج له ففشلوا فهو في غاية الوضوح، يدرك بأدنى تأمل(1)، ومُفاده باختصار أن علوم الله سبحانه تعالى مما استأثر به وسطَّرَهُ القَلَم في اللوح المحفوظ، ومنه الغيوب كلها هي بعضُ علوم النبي غ وسواء جعلنا (من) تبعيضية، أو بيانية وهي أخف فإن المآل واحد، ولا شك أن ممدوحه عليه الصلاة والسلام يتبرأ مما تضمنته هذه القصيدة الخبيثة التي تلتمس بركتها وتقرأ على الأموات للتخفيف عنهم(2)،
__________
(1) - يكاد أن يكون من نوع الضروري الذي يدرك بدون تأمل، أو يدرك بدون تعمق في طريق النظر والاستدلال. لأن المسألة سهلة جداً. ومن الأبيات المشهور في علم المنطق-(في أنواع العلم الحادث-على حد تعبيرهم):
وَالنَّظَرِي مَا احْتَاجَ لِلتَّأمُّلِ وعَكْسُهُ هُوَ الضَّرُوِيُّ الْجَلِي
(2) - قال فضيلة شيخنا محمد بوخبزة في كتابه (نقل النديم) (ص:260): (...فعارضه ابن أبي حجلة ونظم المآت في المديح النبوي ورد نحلة الوحدة وأوذي في ذلك وعُزر على يد السراج الهندي الحنفي، ومن غريب أمر ابن أبي حجلة أنه أوصى أن يدفن معه كتابه فنفذَت وصيتُه. وذكرها الحافظ ابن حجر وغيره. والسخاوي في (القول المنبي) في ترجمته ولم يشر واحد منهم إلى شناعة هذا العمل لما فيه من تعريض اسم الله تعالى ونبيه والقرآن للنجاسة). قلت: طالما سمعنا بعض شيوخنا في –طنجة- يقول: (من المستحسن كتابة جواب القبر في ورقة ثم توضع داخل الكفن فإنه ينفع الميت). فكنت أعارضه بأن هذه خرافة الله أعلم مَنْ (أهْبطَها) من الْجَبل. ونص الجواب الذي كان يمليه على الطلبة-وهم يكتبونه مُسَلِّمِين مستسلمين مذعنين، أما الحدوشي فوهابي عنيد محروم من كتابة هذا الجواب-:
اللَّهُ رَبِّي دِينِيَ الإِسْلاَمُ مُحَمَّدٌ نَبِيُّنَا الإِمَامُ(1/72)
وهي إنما تزيدهم رجساً وعذاباً إن كانوا يعلمون ولم يوصوا بتركها ومن غفلة المغاربة وكثيف جهلهم ولاسيما صوفيتهم أنهم يعطون أموالاً من تراث الميت لقرائها(1)وهي بهذه المثابة. ثم إنني نسيت أن أنبه في أول الحديث إلى أنني وقعت على كتاب للشيخ محمد بن عبد الرحمن المغراوي المراكشي حول موضوع بردة البوصيري وما تضمنته من البدع والغلو تتبع فيه ما ذكره علماء الدعوة في نجد من ذلك إلا أنه ضخم الكتاب بأشياء خارجة عن الموضوع ولا علاقة له بالبردة والكتاب لم أقرأه وإنما رأيته.
وإلى هنا انتهى ما قصده فضيلة شيخنا حفظه الله
تقديم بقلم المحقق الشيخ: أبي عاصم عمر الحدوشي
__________
(1) - قال فضيلة شيخنا محمد بوخبزة في كتابه (نقل النديم) (ص:160): (غريبة: من التناقض المثير أن الصوفية والفقهاء يقولون: بانتفاع الميت بالدعاء والقرآن، وأن ثواب القراءة يصل إليه وينتفع به ولذلك تراهم يقرؤون القرآن على أضرحة الصالحين حتى مَن يعتقدون تصرفهم في الكون أحياءً وأمواتاً كمولاي عبد السلام بن مشيش وأبي يَعزى يلْنور (مولاي بو عزة)ومولاي إدريس وابنه إدريس، ونسيتُ الرابع، يقرؤون القرآن فرادى وجماعات، وإذا كانوا يعتقدون هذا فكيف يستغيثون بهم ويطلبون منهم المددَ وهم المنتفعون بدعاء الأحياء وقراءتهم؟!).(1/73)
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله غ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). وقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً). وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظيماًْ). أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد غ ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد: فهذه التعليقات النقدية جاءت متأنية رصينة مصحوبة بكلام الأئمة الأعلام، حرر فيها–فضيلة شيخنا-مسائل عديدة، وقعّد فيها قواعد جلية مفيدة-في غاية الإتقان والإبداع-وفوائد نفيسة، وبراهين ودلائل نقية، وحججاً بهية ساطعة وقاطعة، وفهماً منبثقاً من نور الوحي: (نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء)(1). (ومن لم يجعل الله له نواً فما له من نور)(2). فهماً دل على نور البصر والبصيرة بل والبصيرة الوقادة النقادة.
وليس ذا مستغرباً حيثما * أبرزها بحرٌ خِضَمٌّ عُبابْ
__________
(1) -سورة النور الآية: (35). فالنور هنا في الآية يشمل نور الإيمان، ونور الهداية، ونور الطاعة، ونور المعرفة بصفات الله، نور العلم والفهم الصافي وهو الذي عنينا هنا.
(2) -سورة النور الآية: (40).(1/74)
يشهد بهذا الذوق السليم، والعقل الناصع النير المبدع، والبرهان الواضح، والنفس المطمئنة، والتصور الدقيق والسليم، مع سلاسة في الأسلوب، وبراعة في النظم، ونظافة وجزالة في العبارة، وسلامة تركيبها وترتيبها
بقلم هو القناة لم يزل * بلا انثناء لا يَلين لو حُطِم
ولساني مثل قلبي شاهد * عامر بالصدق صافٍ من نَدَم(1)
وهذه الجمل الرنانة النفيسة باب من أبواب البيان، وفيها إقامة الحجة على الأنام، وبها خرج عن طي الكتمان، ومن خرس ونطق الشيطان(2)، وإيثاراً لسلامة الدين، وتعميم النصحية للإنسان، واعذاراً إلى الله المنان، من زلقات الصوفي الفتان، ففضيلته-شفاه الله وعافاه-لا يداهن أهل الأهواء من أجل مغنم، ولا يسكت عن شبهاتهم وشهواتهم وبدعهم من أجل عرض دنيوي زائل، بل ينبذ بدعهم ويحطم بفأس قلمه أصنامهم، لا يخاف في الله لومة لائم، فيصيح ويندد ويحذر من زبالة أذهان تجار البدع والخرافات، قَتَلَة التوحيد تحت القِبَاب-يرى فضيلته أن قتال أبياتهم الشركية يجب بلا استتابة-فيقول:
فانبذن عندها زبالة ذهن * فهي للخسر أوثق الأسباب
والنجاة النجاة، إني نذير * لحليف الهوى بشر العذاب
يعيش العلم واقعاً عملياً، إن غاب عن أبصارنا-لمرض زاره وألمَّ به شفاه الله وعافاه-فعلمه لا يغيب عن بصائرنا
__________
(1) -انظر: (نظرات في دراسة التاريخ الإسلامي (ص:216/222). للأستاذ عبد الرحمن الحجي.
(2) -وقد قال الإمام الجليل أبو محمد عبد الله ابن أبي زيد إمام المالكية في زمنه... وروينا عن الأستاذ القاسم أنه قال: (الصمت بسلامة وهو الأصل، والسكوت في وقته صفة الرجال، كما أن النطق في موضعه من أشرف الخصال)، قال: وسمعت أبا علي الدقاق يقول: (من سكت عن الحق فهو شيطان أخرس). أو: (الساكت عن الحق شيطان أخرس، والناطق بالباطل شيطان ناطق). انتهى من (صحيح مسلم بشرح النووي) (1/19/20). و(الجهل والإجرام) (1/41). لأبي الفضل عمر بن مسعود الحدوشي.(1/75)
هؤلاء سادة في دربنا * موكبٌ مِن خلفهم لا يُقتحَم
كَتَبوا لَمّا استنارَتْ خَطْوُهم * بِمِداد ثابتٍ فوق الضّيَمْ
ثم ساروا رسمُهم طولَ الحيا * طِيبُها عَبَّاقُ صافٍ كالرُّقَمْ(1)
محك ذكر من جعل الزغل والخالص شيئاً واحداً، أقول لكم ولا أزيد-وإن زدت فمن نور البصيرة التي غرفنا منها إلى الآن وحتى-: هذا السفر الجليل، العديم النظير والمثيل، حوى (كلمات تستحق أن تكتب بالنور على وجنات الحور)(2). سفر أظهر به الخطأَ من الصواب عن همزية البوصيري، وبه انقشع الضباب.
والآنَ قد قشَع الضباب وجاءكِ * بَحرٌ عَليٌّ بالجواهر والدُّرَرْ
عجباً بحارُ الأرض تَرحل نحوها * وإليكِ بحر بالمعاني قد حضَرْ(3)
هو سفر بمنزلة الحادي، يفتقر إليه كل حاضر وبادي، سفر قطع قول كل خطيب، فلله دره فكم نشر الله على يديه من السنن وقمع به من البدع والخرافات والترهات والخزعبلات الصوفية، وكم من معضلات للعلوم فتح، وفوائد وشوارد لرياض مجالس العلم آوى، ونفائس للفكر جنى، ولا يلتفت إلى تشويه الشانئين ولوم اللائمين ومكر الكائدين.
لا لن يضير الكيد شيخي إنما * غيم المكائد بالشموس يُفَرَّقُ
وقديماً قيل: (من عرف ما قصد هان عليه ما وجد).
ولا يلتفت للأقوال التي لا تروي الغليل، ولا تصلح للتعويل، ولا تشفي العليل، ولا تكدر بحر الفرات والنيل.
يا شيخ عذراً إن جفا بعض الورى * فالشمس بازغةٌ وإن رفض البشر
يا شيخنا لك بالنخيل علاقة * فالنخل يُرجَم وهو يهدينا الثمر(4)
__________
(1) -انظر: (نظرات في دراسة التاريخ الإسلامي (ص:214). للأستاذ عبد الرحمن الحجي.
(2) - قالت أم الفضل حنان الموساوي: (بل الخناجر على الحناجر) أو: (الإبر على آماق البصر).
(3) -انظر: (ترجمة مقبل بن هادي الوادعي) (ص:84). بقلم مقبل.
(4) -انظر: (ترجمة مقبل بن هادي الوادعي) (ص:158/85). بقلم مقبل.(1/76)
أضاف إلى مآثره وعطائه عطاء جديداً ومآثر سديدة وزياداتٍ مفيدة، (وقد نهج-فضيلته-في هذا التعليق منهج الوسطية، فليس بالطويل الممل لتقاصر الهمم عن قراءة المطولات ولا بالقصير المخل الذي لا يفي بالمعنى والمقصود بل عوانٌ بين ذلك)(1).
هذا السفر المختصر جمع فأوعى، عرض فيه الأحكام والتعليق (في معرض البراعة، وجلاه في حلل النصاعة، ووافق شنٌّ طبقة، وصادف الإثمد الحدقة، ولا عجب فإن التأليف المقبول لا بد أن يكون بقلم من اتسعت مداركه، وطال جده وطلبه، والصنعة بصانعها الحاذق، ومعلمها البارع)(2). وفضيلته في هذا المؤلَّف الجميل افتضّ أبكاراً لم يطمثهن إنس قبله ولا جان. مؤلف يعتبر يعبوباً(3)للفوائد والشوارد والفرائد (لم يشنه نمص ولا وصل ولا وشم ولا وشر، حاوي للأدلة والقواعد، طاوي على نكات وشواهد، سالك مسلك الإنصاف، مجانب للغلو والاعتساف)(4).
__________
(1) -انظر: (كيف تفهم عقيدتك بدون معلم؟). (ص:4). لأبي الفضل.
(2) -انظر: (التعالم وأثره على الفكر) (ص:67). للشيخ بكر. و(كيف تفهم عقيدتك بدون معلم؟). (ص:142). لأبي الفضل عمر الحدوشي. بتصرف يسير.
(3) -االيعبوب: هو النهر الشديد الجريان.
(4) - انظر: (سَداد الدِّن وسِداد الدَّيْن في إثبات النجاة والدرجات للوالدين) (ص:35).(1/77)
حقاً هو تعليق مختصر لكنه لطيف، يمثل حلقة ذهبية سنية نفيسة. وهو سفر شريف زاخر بالحقائق الغالية، والنفائس العالية، والنقول الكافية، والمسائل الشافية، والفوائد المتنوعة، والثمرة اليانعة الطيبة النيرة الحميدة، وفيه فوائد لا تدرك بـ(سَوْفَ) و(السين)، ولا بـ(ليت) و(لعل). حذار ثم حذار أن يمنعك من دخول جناته حجاب الزاوية المظلمة، والوثنية الوافدة، والشطح مع ورثة السامري ابن الباغية، (ولا تكن يدك عن جنى ثماره قاصرة... فاشدد بهذا التحقيق يديك، وعُضَّ عليه بناجذيك، فإنك قلما تظفر به في كلام أحد)(1). فهو فيه نسيج وحده، وفريد عصره، رقَمَ فيه تعليقات رائعة فتية تدل على عمق وتضلع وعلو كعب صاحبها في دقائق العلوم الشرعية، وسلسلة الفوائد العقدية، والشوارد الذهبية، (من أجل هذا وجدتني أُدْفَع دفعاً قوياً لأركب مركباً صعباً لست له بأهل، وأقتحم ساحة تخريج وتحقيق أحاديث هذه الرسالة القيمة الرائعة-لست من رجال التخريج الأفذاذ، ولا من فرسان التحقيق الأكفاء. ولا ممن منزله وراء قبة التحقيق والتخريج، ولا من أهل السباحة والرياضة في لجج البحار ولاسيما (والسباحة في لجج البحار لا تصلح إلا لأهل الرياضة التامة)(2).
__________
(1) - انظر: (سَداد الدِّن وسِداد الدَّيْن في إثبات النجاة والدرجات للوالدين) (ص:39/48). بتصرف.
(2) - وهذا الجزء لا يخلو من أحد المعاني الثمانية، التي تصنف لها العلماء، بل من كل واحد منها وهي:1-اختراع معدوم.2-أو جمع مفترق.3-أو تكميل ناقص.4-أو تفصيل مجمل.5-أو تهذيب مطول.6-أو ترتيب مخلط.7-أو تعيين مبهم.8-أو تبيين خطأ. انظر: (إيثار الحق على الخلق/ ص:23/31). للإمام محمد بن إبراهيم الوزير. و(قواعد التحديث)(ص:36). للقاسمي وهي مجموعة في قول القائل:
أخا الذكاء والفطن*وقيت أحداث الزمن
إن رمت أن تعرف ما * صنف فيه العلما
فهاكها ثمانية * من نفحة يمانية
وهي فقيد اخترع * وذو افتراق قد جمع
وناقص قد كمل * ومجمل قد فصل
ومسهب قد هذّبا * ومخلط قد رتبا
ومبهم قد عينا * وخطأ قد بينا
خدمة عبد مقترف* عن رسمكم لم ينحرف
انتهى من مقدمتي لكتاب (آية الرحمن في جهاد الأفغان) (ص:3/4). بتحقيقي.(1/78)
فمع الرسالة لمن شاء أن يستنشق أريج عبقها الفياح. ولمن شاء أن يعتق (مُخَّهُ) من رق الجهل الصوفي المبدع والمتقن للصياح والنعيق، أخي لا تأمن من أنظامهم وأنغامهم وأنعامهم-ليتك تسلم-فدونك الدواء المبارك، كُفّ عن الترنم الصوفي فقد كشف هذا السفر قناع قلوبهم، والمهذارَ في (حظيرتهم). والمقبقب(1)على أورادهم، هلمّ إلى الدخول في الصفاء، ودع عنك الصراخ والرياء، هَلُمّ إلى البقاء والنقاء، فالبخيل من بخل على نفسه بالبحث على الحق، واظفر بدلوك في هذا السفر كيما تهلك نفسك في أصول الشر وفروعه الدنسة. افزع من نحر التوحيد في زاوية الزوايا، وشد رحلك وسافر إلى هذا السفر، وارفع وصمة العار على جبين عقيدتك النقية الناصعة الصافية، واشْكُرْ مَنْ عَلَّمَك، وقل:
لاِبْنِ الأْمِينِ أَبِي أُوّيْسٍ شُكْرِي * وتَحية أعْتَامُها مِنْ شِعْرِي
وسَلاَمُ تَقْدِيرٍ وَحُبٍّ صَادِقٍ * أُهْدِيهِ من مكنون ما في صدري
فهو المقَدَّم في الفضائل ـلِّها * وهْوَ المُرَجَّى للنَّدَى والخير
وهْوَ المُجَلِّي في مَضَامِير الهدى * كالنجم يرقى في سماء الفكر
وهو الأديب له القريض مسلم * يحكي الفحول بشعره والنر
فجزاه ربي عن علوم بثا * خير الجزاء ونال أعلى الأجر(2)
كتبه تلميذه
أبو عاصم عمر الحدوشي.
سنة1423هـ
نص رسالة (التوضيحات).
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه.
__________
(1) -المقبقب: هو الجالس على الطعام كأنه قبة.
(2) -والأبيات من الكامل، و(أعتامها) أي: أختارها، و(المجلي). هو الذي يسبق غيره ويأتي في المقدمة. وباقي المعاني في الأبيات مفهومة. انظرها في مقدمتي لكتاب (بيان الفجر الصادق) للهلالي بتحقيقي (ص:4). قالت أم الفضل: وقد كتب شيخنا أبو الفضل قصائد كثيرة في مدح شيخنا أبي أويس حفظه الله، فك أسرى زوجي وشيخي أبي الفضل.(1/79)
للشرف البوصيري(1)الشاعر المفلق الشهير ديوان شعر مطبوع(2)يشتمل على قصائد في المديح النبوي(3)اشتهر منها ثلاثة: (الهمزية)، و(البردة)، و(المضرية)(4)،
__________
(1) -انظر ترجمته في كتاب فضيلة شيخنا محمد بوخبزة: (التوضيحات لما في بردة البوصيري من الزلقات) (ص:7/ إلى:15)بتحقيقي. و(ديوان البوصيري) (ص:7/ إلى:46). تحقيق محمد كيلاني. و(قوادح عقدية في بردة البوصيري) (ص:192). و(الأعلام) للزركلي (6/31). و(الجديد في تراجم الشعراء والأدباء، القدماء والمعاصرين) (ص:44). لإبراهيم شمس الدين. و(البوصيري مادح الرسو الأعظم - صلى الله عليه وسلم - ). (ص:33/ إلى 42). لعبد العال الحمامصي و(مظاهر الانحرافات العقدية) (1/428)، وكتابي: (قصيدة البردة في الميزان) (ص:10)
(2) -ديوان البوصيري طبع عدة مرات بدون تحقيق، وأخيراً طبع بتحقيق محمد سيد كيلاني.
(3) -لقد اعتاد الشاعر البوصيري أن يطلق على مدائحه النبوية أسماء معينة. فقصيدة اسمها: (ذخر المعاد، على وزن بانت سعاد)، وأخرى: (تقديس الحرم، من تدنيس الضرم)، وكنيتها: (أم نارين)، وثالثتها: (أم القرى، في مدح خير البرية)، ورابعتها: (المخرج والمردود، على النصارى واليهود). انظر: (ديوان البوصيري) (ص:29).
(4) -قصيدة في المديح النبوي سميت (المضرية) لقوله في أولها:
يا رب صل على المختار من مضر.
وقد شرحها الشرقي الصميلي مجشي (القاموس)، وشرحه مخطوط. أفادني به شيخنا محمد بوخبزة.(1/80)
وقد اعتنى العلماء والأدباء بتلك القصائد فشرحوها وعارضوها وخمسوها(1)الخ. وقد كتب علماء الدعوة من السلفيين في انتقاد السمة الغالبة على أشعاره ولا سيما البردة(2)، وهو الغلو(3)
__________
(1) -انظر: (نقل النديم) (ص:136). و(التوضيحات لما في بردة البوصيري من الزلقات). (ص:46/47-بتحقيقي). كلاهما لفضيلة شيخنا محمد بوخبزة.
(2) -وهناك تعليقات مفيدة على زلقات البردة نقدمها للطباعة، مقرونة مع الهمزية.
(3) -انظر-المبحث الثالث: حول الغلو الزائد في الرسول غ والأولياء، وتعريف الغلو في اللغة والاصطلاح. وموقف الإسلام منه في: (مظاهر الانحرافات العقدية) (1/137/ إلى:173). وأيضاً ينظر في كتاب (خصائص المصطفى بين الغلو والجفاء) (ص:33/ إلى:322-الصادق بن محمد): الفصل الأول-والثاني والثالث-: وفيها: خصائص النبي غ دون جميع الأنبياء. وخصائص النبي غ عند الغلاة بأنه أول النبيين في الخلق، وأنه مرسل إلى الأنبياء وأممهم. وأنه مخلوق من نور الله تعالى، وأن الوجود كله مخلوق من نوره غ. وأن الأنبياء توسلوا به قبل وجوده. وأن من حج حجة الإسلام وزار قبره وغزا غزوة وصلى عليه في بيت المقدس لم يسأله الله فيما افترض عليه. وأنه غ يمحو الذنوب ويعلم ما باللوح المحفوظ والقلوب. وأنه الناصر الذي لا يغلب. وأنه يجيب الدعاء وترفع إليه أكف الضراعة. وأنه أخرج يده الشريفة من القبر لمصافحة أحمد الرفاعي. وأنه يُرى في الدنيا يقظة لا مناماً. ولائحة الغلو عند الصوفية طويلة وحبلهم جرار إلى جهنم. وانظر في كتاب: (وسطية أهل السنة بين الفرق) (ص:451): المبحث الثاني: في بيان وسطية أهل السنة في باب تعظيم الصالحين. وبيان من هم الصالحون. والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف: الصنف الأول: أهل السنة والجماعة. الصنف الثاني: أهل الغلو والإفراط. الصنف الثالث: أهل التقصير والتفريط. هذا..وقد أطلت النفس على معنى الغلو ووروده في القرآن والسنة النبوية الصحيحة في حاشية (التوضيحات) (ص:97/98). وبعد كتابة ما سبق وقع في يدي كتاب في الموضوع نفيس بعنوان: (ظاهرة الغلو في الدين، الأسباب، والمظاهر، والعلاج). للأستاذ عبود بن علي بن درع.(1/81)
الفاضح، والإطراء القادح، المفضي أحياناً إلى الشرك الواضح.
ولكن اهتمامهم انصب على البردة، فانتقدها كثيرون(1)
__________
(1) -انتقدها محمد بن عبدا لوهاب وتلاميذه وأحفاده، ومحمد بن شاكر الكتبي، ومحمود شكري الآلوسي، و عبد الله عبد الرحمن أبو بطين. ومحمد سيد كيلاني، وعبد الرؤوف عثمان، وصالح آل الشيخ، ومحمد رشيد رضا، وابن حمدان، وفضيلة شيخنا محمد بوخبزة، وعبد البديع صقر، ومحمد نسيب الرفاعي، وممن انتقدها بكتب وأجزاء مفردة: الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب سماه: (هذا بيان المحجة في الرد على صاحب اللجة). والكتاب طبع ضمن (مجموعة التوحيد) (الرسالة الثالثة عشرة). وعدد صفحات (بيان المحجة) (47) صفحة، ومحمد بن سعد بن حسين بجزء سماه: (المدائح النبوية بين المعتدلين والغلاة)-(ص:54/74)، (كشف الظنون) (2/1331/1349)، (هدية العارفين) (2/138)- وزكي مبارك كما في كتابه الموسوم: (المدائح النبوية) (ص:197/198)، وشيخنا عبد الله الغماري بجزء سماه: (نقد قصيدة البردة)، طبع في آخر كتابه الموسوم: بـ(رفع الإشكال عن مسألة المحال)، ومحمد عبد المنعم خفاجي في كتابه: (الأدب في التراث الصوفي) (ص:253/258)، وللشيخ زروق بحث خاص عن بدعية التزام (البردة) أمام الجنائز، وفي حلق الذكر في كتابه الموسوم: (عدة المريد الصادق) (ص:551)، وأبو عاصم عمر الحدوشي في كتاب سماه: (قصيدة البردة في الميزان). ولشيخنا العثيمين انتقاد لبعض أبياتها في مواضع من كتابه: (القول المفيد) منها في: (1/57/137/138/139/209/210)، و(2/821)، وللشيخ إدريس محمود في كتابه الممتع: (مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية وأثرها السيّء على الأمة الإسلامية) (1/428/429/430/ إلى:508)، ولمحمد المغراوي مقال بعنوان: (حول قصيدة البردة) في مجلة (الأصالة) (العدد15 ذي القعدة سنة:1415هـ ص:253/258). وغيرهم كثير..(1/82)
أما (الهمزية) فلم أر من تتبعها بالنقد والتنبيه(1)، وهي لا تقل ضرراً عن رصيفتها(2)(البردة)، ومعلوم ما للناس وخصوصاً المغاربة من الاعتقاد البليغ في القصيدتين، حتى إنهم يقرؤونها على الأموات مع القرآن(3). مع الاحتفال بذلك(4)
__________
(1) -ففضيلته-شفاه الله وعافاه-نسيج وحده في نقدها والتنبيه على بعض أبياتها جد بها وذمها وعابها في هذا البحث المتواصل الذي لا ينفصل عن سلفه-إلا بالإبداع والانفراد-فهو من سلسلة أبحاث موصولة الحلقات يقوم بها فضيلة شيخنا ولها أخوات شقيقات ستأتي. منقولة ومحققة ومخدومة كما اقتراها وتتبعها ونقلها فضيلته-حفظه الله- إن شاء الله تعالى.
(2) -أي: قرينتها ومثيلتها.
(3) -انظر-لزاماً-بحثاً قيماً عن التزام الشحاذين قراءة (البردة) أمام الجنائز، وفي حلق الذكر في (عدة المريد الصادق) (ص:551) للشيخ زروق.و(النقد والبيان في دفع أوهام خزيران) (ص:20/21).
(4) -ولاسيما في بدعة الاحتفال بالمولد النبوي. وأول من أحدث هذه البدعة هم بنو عبيد القداح الذين يسمون أنفسهم بالفاطميين، وينتسبون إلى ولد علي ابن أبي طالب، وهم في الحقيقة من المؤسسين لدعوة الباطنية، القائلين بألوهية علي ابن أبي طالب، وهم أكفر من اليهود والنصارى والمشركين، فهم يتظاهرون بالإسلام والتشيع لآل البيت، وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله، ولا برسوله، ولا بكتابه، ولا بأمر ولا نهي، ولا ثواب ولا عقاب، ولا جنة ولا نار، ولا بأحد من المرسلين، فقصدهم إنكار الإيمان وشرائع الإسلام بكل طريق، فالصلوات الخمس: معرفة أسرارهم، والصيام: كتمان أسرارهم، والحج: زيارة شيوخهم، وهم يعينون أعداء الإسلام عليه، فظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض. تراجع ترجمتهم في (مجموع الفتاوى) (35/145/161)، و(الشيعة والتشيع) (ص:255/258)، و(البدع الحولية) (ص:107/137)..وتراجع في إحداث هذه البدعة الكتب التالية: (أحسن الكلام) (ص:44)، لمحمد بخيت و(الإبداع) (ص:251)، لعلي محفوظ و(تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي) (ص:62)، لحسن السندوبي (نفح الأزهار في مولد المختار) (ص:185/186)، لعلي الجندي و(القول الفصل) (ص:64)، لإسماعيل الأنصاري. وغيرهم من المؤلفين في هذا المجال. فبدعة الاحتفال بالموالد عموماً، ومولد النبي خصوصاً، إنما ظهرت في عهد العبيديين، ولم يسبقهم أحد إلى ذلك. كما قال التويجري في (البدع الحولية) (ص:137 إلى:206). وما ذكره أبو شامة وغيره من الاستحسان للاحتفال بالمولد النبوي خطأ واضح، مخالف لما عليه المحققون من علماء هذه الأمة، ويعتبر من زلات العلماء وأخطائهم، عفا الله عنا وعنهم. (البدع الحولية) (ص:147).(1/83)
وتعظيم قرائها وإيثارهم بالعطاء(1)ووضع بعض المغفلين مؤلفاً في خواص أبيات البردة إلى أنواع أخرى من الغلو النابع من الاعتقاد. وقد عنَّ لي(2)أن أكتب تنبيهات نافعة-إن شاء الله تعالى-على بعض ما ينتقد من أبيات الهمزية. سواء ما يتعلق منها بالسيرة النبوية(3)أو العقيدة.
1-قال يخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
لم تزل في ضمائر الكون تختا ** ر لك الأمهات والآباء
ثم قال:
وبدا للوجود منك كريم ** من كريم آباؤه كرماء
__________
(1) -وقد ذكرت في حاشية (التوضيحات) (ص:38): أنني قرأت مقالاً لشيخنا (بدر الدين الكتاني) في جريدة (الأيام) (العدد 61/-18 رمضان 1423 هـ/ ص:5). يقول فيه-ضمن مطالب يطلبها من وزير الأوقاف الجديد الطرقي البوتشيشي-: (إحياء العادة المغربية الأصيلة بإنشاد قصيدتي البردة والهمزية للإمام البوصيري في صباح الجمعة بالمساجد، وكذا في المناسبات لتكوين جو روحي كما كان عليه العهد من. إحياء مناسبات الهجرة، والمعراج، والمولد، وغيرها عبر المساجد المغربية والزويا).
(2) -أي: ظهر لي. وهذه التعليقات كانت بعد أن طلبت من شيخنا أن يكتب تعليقات وتنبيهات على (الهمزية) فأجاب طلبتي مشكوراً ...
(3) -السِّيرة بالكسر: السنة، والطريقة، والهيئة، يقال: سار بهم سيرة حسنة. والسَّيرة بالفتح: ضرب من السير. والسلف حفظوا لنا سيرة رسول الله غ وصورته، وخُلُقه، وشمائله وطبيعته وسجيته.(1/84)
وهو في البيتين يشير إلى نجاة آباء(1)النبي غ ، وهي مسألة نالت من اهتمام المتأخرين ما لم تنله أمهات مسائل العقيدة، فأجمع جمهورهم على نجاة آبائه غ ، وأنهم ماتوا على التوحيد حتى ألف الجلال السيوطي في هذه المسألة بخصوصها خمسة تآليف(2)التزم أن لا يذكر في أحدها ما ذكر في الآخر، تعالماً واستعراضاً للعضلات(3)،
__________
(1) - فالصوفية لم يزكوا آباء النبي غ فحسب، بل زكوا كل الأديان، وكل الملحدين، فهم يرون الأديان كلها شيئاً واحداً، ويرون إبليس من الناجين من النار، ويرون العابد عين المعبود، والخالق عين المخلوق، والمكلَّف عين المكلِّف، فالفاعل عندهم واحد، وهذا هو الحلول والاتحاد، ومستندهم في هذا أحاديث موضوعة لا تساوي فلساً واحداً منها: (فَأَنَا خَيْرُكُمْ نَفْسًا). وآخر: (فأنا خيار من خيار إلى خيار). وآخر: (لم يزل الله ينقلني من أصلاب طيبة إلى أرحام طاهرة). إلى آخر ما هنالك من الموضوعات.
(2) -والذي أعلم –شيخنا-أن للسيوطي ستَّ رسائل في الموضوع، وهي: 1-(الدرج المنيفة)، 2-(مسالك الحنفا)، 3-(نشر العلمين)، 4-(المقامة السندسية)، 5-(السبل الجلية)، 6-(التعظيم والمنة في أن أبوي النبي غ في الجنة)، أما الرسالة المسماة:بـ(الفوائد الكامنة في إيمان السيدة آمنة). فهي عينها (التعظيم والمنة). كما أشار إلى ذلك عبد الحي الكتاني في (فهرس الفهارس). وجميعها مطبوعة ضمن رسائل السيوطي. وتلاه أحمد بن حجر الهيتمي الفقيه فألف: (النعمة الكبرى). وأشار إلى ذلك أيضاً في (شرح الهمزية)، و(الفتاوى).
(3) -والمسألة لم يصح فيها شيء، فكل ما ذكره في رسائله السالفة الذكر من أن الله أحيا له أبويه غ فآمنا به فغير صحيح. ولا بأس أن أذكر بعض ما استند عليه من الموضوعات في إحياء أبوي النبي غ حتى آمنا به مثل: (أحيا (الله) لي أمي فآمنت بي ثم ردها). و(إن الله أحيا لي أمي فآمنت بي)..و(قالت عائشة رضي الله عنها: حج بنا رسول الله غ حجة الوداع، فمر بي على عقبة الحجون وهو باك حزين مغتم، فبكيت لبكاء رسول الله غ ، ثم إنه نزل فقال: يا حميراء استمسكي فاستندت إلى جنب البعير فمكث عني طويلاً، ثم إنه عاد إليّ وهو فرح متبسم فقلت له:بأبي أنت وأمي يا رسول الله نزلت من عندي وأنت باك حزين مغتم، فبكيت لبكائك، ثم إنك عدت إلي وأنت فرح متبسم! فمم ذا يا رسول الله؟ قال: ذهبت لقبر أمي فسألت الله أن يحييها لي فأحياها فآمنت بي وردها الله عز وجل). الخ. انظر: (الأسرار المرفوعة) (16)، و(أسنى المطالب) (70)، و(الإتقان) (76)، و(التذكرة) (174)، و(تذكرة الموضوعات) (87)، و(التمييز) (11)، و(الدرر المنتثرة) (477)، و(الشذرة) (35)، و(الغماز) (10)، و(الفوائد الموضوعة) (47)، و(الفوائد المجموعة) (1000). و(الكشف الإلهي) (124)، و(كشف الخفاء) (150)، و(اللؤلؤ المرصوع) (19)، و(مختصر المقاصد/34)، و(المقاصد الحسنة) (37)، و(النوافخ) (57)، و(اللآلئ) (1/266)، و(الموضوعات) (1/28/284)، و(موسوعة الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة) (1/372/373رقم:801-802) و(2/304 رقم:4106) و(4/186/187رقم:9255/9256) و(4/210/211رقم: 9364) و(4/582رقم:10938) و(10/469/ رقم:27290). و(الأحاديث المختارة) (68)، و(مختصر الأباطيل) (29). وغيرها كثير.(1/85)
والمسألة من الوضوح بمكان حيث إنه غ تولى حسمها بنفسه فقال لمن سأله عن مصير أبيه قال: (في النار). فلما أدبر السائل ناداه فقال: (أبي وأبوك في النار)(1). وهذا في (صحيح مسلم)(2)،
__________
(1) -وقد أول الصوفية هذا الحديث بتأويلات باطلة إليكم بعضها: (منها: بيان أن الجواب فيه إيهامٌ وتورية حيث لم يُصرح بأن الأب الشريف في النار، وأنه غ لم يُجب سؤاله مطابقة، وأنه كره الإفصاح له بحقيقة الحال ومخالفة محل أبيه لأبيه، خشية الارتداد لما جُبلت عليه النفوس من كراهة الاستئثار عليها، ولما كانت عليه الأعراب من غلظ القلوب والجفاء، فأجابه بجواب موهم، تسلية له وتطميناً لقلبه، ففهم الراوي أنه قصد جوابه المطابق، وأن المراد أن أباه مثل أبيه في الكفر). وتعجب من قولهم بأنه غ لما قال: (إن أبي وأباك في النار) كان (تسلية له وتطميناً لقلبه). وقد قال أحد الطلبة لشيخنا عبد العزيز بن باز عن قوله غ: (إن أبي وأباك في النار): (إن الرسول غ إنما قال ذلك للرجل لتطييب نفسه لا غير). فالتفت الشيخ إليه مغضباً وقال: (يطيِّب نفسه بعذاب أبيه؟!).
(2) -أخرجه مسلم في (صحيحه) (3/79-نووي)، انظر طرقه وألفاظه وتخريجه بتوسع في: (السلسلة الصحيحة) (1/ق/1/55/ رقم:18). و(صحيح السيرة النبوية، ما صح من سيرة رسول الله غ ، وذكر أيامه وغزواته وسراياه والوفود إليه للحافظ ابن كثير). (ص:27). و(الفتح الرباني) (8/159)، و(المنهاج شرح مسلم بن الحجاج) (7/46)، و(المنهل العذب) (9/93)، والحديث أيضاً رواه النسائي في (السنن) (1/286)، وابن ماجة في (6-كتاب الجنائز، 48-باب:ما جاء في زيارة قبور المشركين 2/49/50-رقم:1573). والبزار والطبراني والبيهقي بسند على شرط الشيخين (2/434). وقد قال ابن القيم في (الزاد) (3/84): (هذا حديث كبير جليل تنادي جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة ....ورواه أئمة أهل السنة في كتبهم وتلقوه بالقبول وقابلوه بالتسليم والانقياد ولم يطعن أحد منهم فيه ولا في أحد رواته... ودليل على أن من مات مشركاً فهو في النار وإن مات قبل البعثة لأن المشركين كانوا قد غيروا الحنيفية دين إبراهيم واستبدلوا بها الشرك وارتكبوه وليس معهم حجة من الله به وقبحه، والوعيد عليه بالنار لم يزل معلوماً من دين الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم وأخبار عقوبات الله لأهله متداولة بين الأمم قرناً بعد قرن، فلله الحجة البالغة على المشركين في كل وقت ولو لم يكن إلا ما فطر عباده عليه من توحيد ربوبيته المستلزم لتوحيد إلهيته وأنه يستحيل في كل فطرة وعقل أن يكون معه إله آخر وإن كان سبحانه لا يعذب بمقتضى هذه الفطرة وحدها فلم تزل دعوة الرسل إلى التوحيد في الأرض معلومة لأهلها، فالمشرك يستحق العذاب بمخالفته دعوة الرسل). قال الطهطاوي في (البشير النذير) (ص:115). بعد أن نقل كلام ابن القيم: (واعلم أن جمهور العلماء مجمعون على أن من مات قبل البعثة على الشرك يسمى مشركاً ولا يسمى مسلماً. رغم هذا كله السيوطي يرجو أن يدخل عبد المطلب وآل بيته الجنة!!!). بل زعم أن الله أحيا له أبويه فأسلما وآمنا به وألف في ذلك عدة رسائل انظر: (الدرج المنيفة)، و(الحاوي) للسيوطي (2/436)، و(مسالك الحنفا في والدي المصطفى). و(الدين الخالص) (8/83/89). وصاحب كتاب: (سَدادُ الدِّين، وسِدَاد الدَّيْن). ذكر أن أبا طالب مسلم في عدة مواضع من الكتاب في (ص:84/388/389). وادعت الشيعة إسلامه ونطقه بالشهادتين. قال الحافظ في (الإصابة) (وذكر جمعٌ من الشيعة أنه مات مسلماً، وتمسكوا بما نسب إليه من قوله: (ودعوتني وعلمت أنك صادق). الخ. قال: وقد وقفت على تصنيف لبعض الشيعة، يثبت فيه إسلام أبي طالب بأدلة. ثم ذكرها وحكم عليها بالضعف... وهذه سلسلة شيعة غلاة في رفضهم). انظر مثل هذا في: (سداد الدين) (ص:389/390/391/392/393/394/ إلى:407). وبقية الكتاب كله منكر وضلال. ومثله في (السيرة الحلبية). و(التفسير الكاشف) (4/107). وما بعدها. لجواد مغنية وكتب الروافض والصوفية ترمي عن قوس واحدة في إسلام أبي طالب.(1/86)
وروى أحمد(1)وابن أبي حاتم(2)وابن جرير(3)والطبراني(4)وغيرهم في روايات كثيرة(5). تراها في (تفسير ابن كثير)(6)،
__________
(1) - في (مسنده) (9/ رقم:23735).
(2) -كما في (تفسير ابن كثير) (4/166/167) من حديث عبد الله بن مسعود. وقال عنه ابن كثير: (وهذا حديث غريب وسياق عجيب).
(3) -تفسير الطبري المسمى (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) (7/56) وما بعدها. تخريج صدقي جميل العطار.
(4) -لكن رواه بمعناه كما قال ابن كثير في (تفسير) (4/167). ثم قال ابن كثير: (وهذا حديث غريب وسياق عجيب، وأغرب منه وأشد نكارة ما رواه الخطيب البغدادي في (السابق واللاحق) بسند مجهول في حديث فيه قصة، (أن الله أحيا أمه فآمنت ثم عادت). وكذلك ما رواه السهيلي في (الروض) بسند فيه جماعة مجهولون: (إن الله أحيا له أباه وأمه فآمنا به). وقد قال الحافظ ابن دحية: هذا الحديث موضوع يرده القرآن والإجماع... قال القرطبي: فليس إحياؤهما يمتنع عقلاً ولا شرعاً، قال: وقد سمعت أن الله أحيا عمه أبا طالب فآمن به. قلت: وهذا كله متوقف على صحة الحديث فإذا صح فلا مانع منه والله أعلم). قالت أم الفضل: طب نفساً هذا لم يصح.
(5) -انظرها في (التفاسير) التالية: (تفسير ابن كثير): (7/166)، و(3/ج 4/131). و(الدر المنثور في التفسير المأثور) (4/299/300/ إلى:307). و(جامع البيان عن تأويل آي القرآن) (7/56) وما بعدها. و(الجامع لأحكام القرآن) للقرطبي (8/272). وما بعدها. و(تفسير المراغي) (4/178), وما بعدها. و(النكت والعيون) للماوردي (2/409) وما بعدها. و(تفسير البيضاوي) (1/526)، و(تفسير الفخر الرازي) (8/ج/ 16/213) وما بعدها. و(التحرير والتنوير) لابن عاشور (6/44). وغيرها كثير.
(6) -هو في (تفسير ابن كثير): (7/166)، وما بعدها. تحقيق حسين بن إبراهيم زهران.و(3/ج 4/131). وما بعدها. ط/ مكتبة الصفا. ولولا الإطالة لأوردت الروايات التي ذكرها ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق..(1/87)
وابن جرير(1)و(الدر المنثور)(2). في تفسير آية: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم)(3). مفادها أن النبي غ استأذن ربه في زيارة قبر أمه فأذن له، ثم استأذنه في الاستغفار لها فلم يؤذن له(4)، فبكى غ بكاء مُراً(5)
__________
(1) -تفسير الطبري المسمى (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) (7/56/57/58).
(2) -انظر: (الدر المنثور في التفسير المأثور) (4/299/300/ إلى:307). للسيوطي.
(3) -سورة التوبة، الآية: (113). وقد صح سبب نزولها في حق أبي طالب لا في غيره كما ورد في مواضع من (صحيح البخاري).منها: (3/465/-8/194/-9/411/-10/124-مع افتح) ومسلم في الإيمان، باب: الدليل على صحة إسلام من حضره الموت رقم: (1/214/-رقم:24/39). والنسائي (4/74)، وأحمد (5/433)، وابن جرير الطبري في (تفسيره) (7/56) وما بعدها. والبيهقي في (الأسماء والصفات) (97/98)و(تفسير ابن كثير) (2/393). و(زاد المسير) (3/507)، انظر تخريجه في (تفسير) البغوي (2/392/393). و(تسهيل الوصول، إلى معرفة أسباب النزول) (ص:184/185). لخالد العك. و(الصحيح المسند من أسباب النزول) (ص:125/126). لمقبل الوادعي.
(4) -وهذا الأسلوب عربي واضح يفهمه كل من ينطق بلغة الضاد. إلا أن بعض المخرفين من الصوفية زعم أنه غ أمر (بالترحم لهما دون الاستغفار، لأن المغفرة فرع وجود الذنب، وهو فرع التكليف، وهو فرع البعثة. وهما قد ماتا قبل البعثة، فلا تكليف، فلا ذنب فلا استغفار حقيقة). وقال أيضاً: (وبكاؤه قد يكون لرقة أو حزن على أن أمه، لم تدرك هذا الفتح العظيم أو غير ذلك). انظر هذا الضلال وزيادة في (سداد الدين) (ص:81/82).
(5) -قال النووي في (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج) (4/ ج7/45/46): (في جواز زيارة المشركين في الحياة وقبورهم بعد الوفاة لأنه إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة ففي الحياة أولى..وقد قال الله تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا). وفيه النهي عن الاستغفار للكفار. قال القاضي عياض: سبب زيارته غ قبرها أنه قصد قوة الموعظة والذكرى بمشاهدة قبرها). وقال عياض في (إكمال المعلم بفوائد مسلم) (3/452): (استئذانه-عليه السلام-في زيارة قبر أمه والإذن في ذلك، دليل على جواز زيارة القبور، وصلة الآباء المشركين، وإذا كان هذا بعد الموت ففي الحياة أحق، وكأنه قصد-عليه السلام-قوة الموعظة والذكرى، بمشاهدته قبرها ورؤيته مصرعها، وشكر الله على ما منَّ به عليه من الإسلام، الذي حرمته، وخص قبرها لمكانها منه). انظر: (تحفة الأحوذي) (4/110). و(عون المعبود) (9/44). و(المفهم لما أَشكل من تلخيص كتاب مسلم) (2/633/634).(1/88)
رحمة لأمه، والحديث صحيح(1)،
__________
(1) -رواه أحمد في (مسنده)(2/441-رقم:9395). ومسلم في كتاب الجنائز (3/65/رقم:105/108). وأبو داود في كتاب الجنائز (2/72/ رقم:3234). والنسائي (2/ج4/92-21-كتاب الجنائز، 101-باب: زيارة قبر المشرك-رقم:2030). وابن ماجة. في (6-كتاب الجنائز، 48-باب:ما جاء في زيارة قبور المشركين. 2/48/49-رقم:1572/1573-قال البوصيري في (الزوائد): إسناد هذا الحديث صحيح). والطحاوي (3/189). والحاكم (1/375/376). وعنه البيهقي (4/243). (تحفة الأشراف:13439). قال الألباني في (أحكام الجنائز) (ص:187-المسألة 121-ويجوز زيارة قبر من مات على غير الإسلام للعبرة فقط. وفيه حديثان: أحدهما: عن أبي هريرة، وهو الذي قمنا بتخريجه آنفاً. وثانيهما: من حديث بريدة بلفظ: كنا مع النبي غ [في سفر، وفي رواية: في غزوة الفتح] فنزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب، فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر بن الخطاب، ففداه بالأب والأم، يقول: يا رسول الله مالك؟ قال: إني سألت ربي عز وجل في الاستغفار لأمي، فلم يأذن لي، فدمعت عيناي رحمة لها من النار، [واستأذنت ربي في زيارتها فأذن لي]. الحديث). ثم قال الشيخ الألباني في تخريجه: أخرجه أحمد (5/355/357/359)، وابن أبي شيبة (4/139)، والرواية الأخرى لهما وإسنادها عند ابن أبي شيبة صحيح، والحاكم (1/376)، وكذا ابن حبان (791)، والبيهقي (4/76)، والزيادة الأولى لها، والرواية الأخرى فيها لمن سبق ذكره، والزيادة الأخرى للحاكم وقال: (صحيح على شرط الشيخين). ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. ورواه الترمذي مختصراً وصححه)..(1/89)
وتطورت المسألة مع الزمان حتى أدخلت في العقائد وأصبح من يعتقد عدم نجاة آبائه غ مدخول العقيدة(1)، ومن ذيول هذه المسألة الزائفة تحرج الناس ولاسيما في المغرب من قراءة سورة المسد (تبت يدا أبي لهب)(2)-لأنها كما زعم لهم علماؤهم تؤذي النبي غ. وهذا كما ترى منتهى الضلال والعياذ بالله.
2-قال في البيت الثاني:
وتوالت بشرى الهواتف(3)أن قد * ولد المصطفى وحق الهناء
وتداعى إيوان كسرى ولولا * آية منك ما تداعى البناء
وغدا كل بيت ـار وفيه * كربة من خمودها وبلاء
__________
(1) -بل صاحب كتاب (سَداد الدين) زعم أن من كفر أبوي النبي غ كافر ملحد، يبوء بالخزي والسوء يوم التناد، ثم قال: (وقد حذر منه العلماء-حذروا من تكفير أبويه غ -وأباحوا قتل فاعله إن لم يتب إلى الله الجواد، فوجب دفع ذلك على العلماء وجوب كفاية لا على الإفراد، وقد فاز بهذه الكرامة جمع من الحفاظ، كما باء بتلك اللعنة الواردة في القرآن شرذمة من الوعاظ). (ص:33). وانظر ماذا قال المقدمان لكتاب (سداد الدين) (ص:8/9/10/11/12/13/14/15) عن العبارة التي وردت في رسالة المنسوبة لأبي حنيفة المسماة بـ(الفقه الأكبر): (ووالدا رسول الله غ ماتا على الكفر). وقد صنف علي القاري في هذا الشأن رسالة قيمة سماها: (أدلة معتقد أبي حنيفة الأعظم في أبوي الرسول غ). استند فيها على العبارة الوارد عن أبي حنيفة.
(2) -سورة المسد.يزعم الصوفية والشيعة أن قراءتها في الصلاة-ولاسيما الجهرية-فيها أذية لرسول الله غ لأن أبا لهب عمه غ ، واعجب لهذا الفهم الصوفي ما شاء لك العجب!!! واستدلوا أيضاً بحديث ضعيف جداً. رواه أحمد في (المسند) (45/420/421-رقم:27433/تحقيق: جماعة من العلماء).
(3) -انظر في هذا البشارت: (البداية والنهاية) (2/221/231)، و(سيرة ابن هشام) (1/157)، و(الوفا بأحوال المصطفى) (1/88). لابن الجوزي.(1/90)
وعيون للفرس غارت فهل كا * ن لنيرانهم بها إطفاء(1)
__________
(1) -وهذه الأبيات تشبه الأبيات التي في (بردته) ومطلعها:
أَبَانَ مَولدُه عن طيب عُنصُره * َيا طِيبَ مُبتَدأٍ منه ومُخْتَتَم
يومٌ تَفَرَّس فيه الفرسُ أنهمُ * قد أُنذِروا بحلول البأس والنِّقَم
وبات إيوان كسرى وهو منصدعٌ * كشَمْلِ أصحابِ كِسرى غيرَ مُلتَئِم
والنارُ خامدةُ الأنفاسِ من أَسَفِ * عليه والنهر ساهي العين من سَدَم
وساء سَاوَةَ أنْ غَاضَتْ بُحَيْرتُها * ورُدَّ وارِدُها بالغيظ حين ظَمِي
كأنّ بالنار ما بالماء من بَلَلِ *حزنا وبالماء ما بالنار من ضَرَم
والجن تهتف والأنوار ساطعةٌ * والحق يظهر من معنًى ومن كَلِم
عَمُوا وصَمُّوا فإعلان البشائر لَمْ * تسمع وبارقة الإندار لم تُشَمِ
من بعد ما أخبر الأقوامَ كاهنُهم * بأنّ دينهم المُعْوَجُّ لم يَقُمِ
وبعد ما عاينوا في الأفْق من شهب* مُنقَضَّةٍ وَفْقَ ما في الأرض من صَنَم(1/91)
وقد تضمنت هذه الأبيات ما يسمونه: إرهاصات النبوة. أي: آيات تتقدمها، وهي بشرى الهواتف من الجن والملائكة، والهاتف: ما يسمع صوته ولا يرى شخصه. وتداعي إيوان كسرى بالمدائن ليلة مولده، وسقوط أربع عشرة شُرفة منه، وخمود نار فارس المعبودة للمجوس. وهذه الإرهاصات لا يصح منها شيء(1)،
__________
(1) -قال الشيخ الألباني في (صحيح السيرة النبوية، ما صح من سيرة رسول الله وذكر أيامه وغزواته وسراياه والوفود إليه للحافظ ابن كثير) (ص:14): (ذِكر ارتجاس الإيوان وسقوط الشرفات، وخمود النيران، ورؤيا المؤبذان، وغير ذلك من الدلالات، ليس فيه شيء). قال الذهبي في (السير) (1/42/43/44/:الجزء الأول من السيرة) تحت عنوان: (ذكر ما ورد في قصة سطيح وخمود النيران ليلة المولد وانشقاق الإيوان) ثم ذكر حديثاً طويلاً جداً: (هذا حديث منكر). وساقه بإسناده إلى البكائي عن ابن إسحاق مختصراً (سيرة ابن هشام) (1/15) و(الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام) (1/149). قال أكرم العمري في (السيرة النبوية الصحيحة) (1/100): (وردت روايات موضوعة حول هواتف الجان في ليلة مولده وتبشيرها به وانتكاس بعض الأصنام في المعابد الوثنية بمكة. وحول ارتجاس إيوان كسرى وسقوط شرفاته وخمود نيران المجوس وغَيض بحيرة ساوة ورؤيا الموبذان الخيل العربية تقطع دجلة وتنتشر في بلاد الفرس).-أبو بكر الخرائطي: (هواتف الجان رقم:17 و7). وفي إسنادهما وضاعان هما: عبد الله بن محمد البلوي، وعمارة بن زكرياء (ميزان الاعتدال) (2/491/ و3/177). والذهبي أيضاً في (السيرة النبوية ص:11/14) من طريق ابن أبي الدنيا وغيره والخبر مداره على أبي أيوب يعلى بن عمران البجلي ومخزوم بن هانيء المخزومي لم أقف لهما على ترجمة. وقال الذهبي: (هذا حديث منكر غريب). والصالحي في (سبل الهدى والرشاد) (1/429/432) نقلاً عن (هواتف الجان) للخرائطي و(تاريخ الطبري) و(دلائل) أبي نعيم والبيهقي)..قلت: البيهقي رواه في (الدلائل) (1/126/129)، وأبو نعيم في الدلائل أيضاً (1/88/89)، و(تاريخ الأمم والملوك) (2/131/132)، وذكره ابن الجوزي في كتابه (الوفا بأحوال المصطفى) (الباب والعشرون: في ذكر الحوادث التي كانت ليلة ولادته) (1/97)، وابن كثير في (البداية والنهاية) (في ذكر ارتجاس إيوان كسرى وسقوط الشرفات وخمود النيران ورؤيا الموبذان وغير ذلك من الدلالات) (2/168-إلى:171)، وقال: (أما هذا الحديث فلا أصل له في شيء من كتب الإسلام المعهودة ولم أر بإسناده أصلاً). والسيوطي في (الخصائص) (1/51). قال صفي الرحمن في كتابه (الرحيق المختوم) (ص:45): (وقد روي أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت، روى ذلك البيهقي ولا يقره محمد الغزالي). انظر: (فقه السيرة) (ص:46). والكلام طويل الذيل على هذه الخيالات والخوارق المكذوبة والإرهاصات المحبوكة التي تضطرب لها قلوب المفتونين الصوفية والشيعة وما ذكرنا في هذه العجالة فيه كفاية.(1/92)
كغالب ما يروى من أخباره غ قبل البعثة، ولم يصح من ذلك إلا رؤيا أمه أن قد خرج منها نور(1)أضاءت له قصور الشام(2)ببُصْرى. رواه أحمد وغيره بسند صحيح(3).
__________
(1) -قال ابن رجب: (وخروج هذا النور عند وضعه إشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض، وزال به ظلمة الشرك منها كما قال تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) (سورة المائدة، الآية:15/17)، وقال تعالى: (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) (سورة الأعراف، الآية:157). انظر: (لطائف المعارف) (ص:89).
(2) -قال ابن كثير في (تفسيره) (10/184). ط/ الحلبي (1/268). ط/ الشعب: (وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه وثبوته ببلاد الشام ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلاً للإسلام وأهله، وبها ينزل عيسى ابن مريم إذا نزل بدمشق بالمنارة الشرقية البيضاء منها). الخ.
(3) -رواه أحمد في (المسند) (5/128)، والحاكم (2/600) وقال: (هذا حديث صحيح الإسناد وإن لم يخرجاه)، ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير في (السيرة النبوية) (1/229): (هذا إسناد جيد قوي)، والطبري في (تفسيره) (3/82/2070)، والطبراني في (الكبير) (18/252)، وأخرجه ابن إسحاق وصرح فيه بالتحديث وهو صدوق. حيث قال: (حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله). وها هنا أمران: أحدهما: قوله: (عن أصحاب رسول الله) بصيغة الجمع على استفاضة الخبر في جيل الصحابة وكلهم عدول-عند أهل السنة-فلا تؤثر جهالة أسمائهم. ثانيهما: لا حاجة للاحتراز في إرسال خالد بن معدان عن بعض الصحابة وهم: معاذ، وأبو عبيدة، وأبو ذر، وعائشة، فقد لقي خالد سبعين من الصحابة كما أخبر عن نفسه وهو ثقة (تهذيب التهذيب) (3/119)..وله طرق وروايات مختلفة تكلم عليها الشيخ الألباني بتوسع وطول نَفَس في مواضع من كتبه منها: (السلسلة الصحيحة) (1/ق/715/716/ رقم:373)، و(4/59/60/61/62/ رقم:1545/1546). وفي الحديث بعض الألفاظ لا تصح انظر الحديث عنها بتفصيل في (السلسلة الضعيفة) (5/102/103/104/ رقم:205). و(ضعيف الجامع) (3065)، و(موسوعة الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة) (4/591/ رقم:10974)، و(السيرة النبوية الصحيحة) (1/101/102). لأكرم ضياء العمري. وما ذكره الألباني والعمري حول هذا الحديث يروي الغليل ويشفي العليل ويصلح للتعويل.(1/93)
وقد أشار إليها البوصيري بقوله-البيت الثالث:
وتراءت قصور قيصر بالرُّ * وم يراها مَن داره البطحاء
على ما في كلامه من تزيد وغلو لأن المسألة كما في الحديث كانت رؤيا منامية، فلم يكن هناك من يرى قصور قيصر بالشام من بطحاء مكة.
قال-البيت الرابع-:
رافعاً رأسه وفي ذلك الرفـ* ع إلى كل سؤدد إيماء
رامقاً طرفُه السماء ومَرمَى* عين مَن شأنه العلو العَلاءُ
وتدلت زُهر النجوم إليه* فأضاءت بضوئها الأرجاء(1/94)
وقد تضمنت هذه الأبيات من الإرهاصات: أنه غ نزل من بطن أمه رافعاً رأسه نحو السماء-زاد بعضهم-: مشيراً بإصبعه السبابة إلى التوحيد، يرمق بعينه السماء وعند وضعه تدلت النجوم إلى الأرض فأضاءت أرجاءها. وهذا كله لا أصل له(1). وقد أغنى الله تعالى رسوله الكريم عن هذه الأكاذيب بثنائه العاطر عليه في غير ما آية من كتابه العظيم، ويكفي قوله جل جلاله فيه: (وإنك لعلى خلق عظيم)(2).
قال-البيت الرابع-:
وأتاها في بيتها جَبْرَائيلُ * ولذي اللُّبِّ في الأمور ارتياءُ
__________
(1) -انظر تخريج هذه الإرهاصات المزعومة في (السيرة النبوية الصحيحة) للأستاذ أكرم ضياء العمري (1/99). فقد قال في هامش سيرته: (من حديث حليمة السعدية الطويل في قصة الرضاع الذي يرويه ابن إسحاق، وإسناده ضعيف وقواه بعضهم، ولا تشده روايات الواقدي لأنه متروك (طبقات ابن سعد) (1/101/102) كما لا تقويه تلك المراسيل عن التابعين من الطبقة الرابعة وهم حسان بن عطية وإسحاق بن عبد الله ومن بعدهم وهو: داود بن أبي هند لاحتمال وحدة مصدرهم (طبقات ابن سعد) (1/102/103) وأبو نعيم: (دلائل النبوة) (1/172). وفي رواية بلفظ: (أنه وضع تحت قدر من حجر، فانفلقت عنه ليبقى بصره شاخصاً إلى السماء). انظر: (صفة الصفوة) (1/19/20) أو: (1/52). قال أكرم ضياء العمري: (الأحاديث إما مرسلة كما في (طبقات ابن سعد) (1/102) بإسناد حسن إلى عكرمة، وكما في (دلائل) البيهقي (1/113) من مرسل أبي الحكم التنوخي وهو تابعي مجهول (الجرح والتعديل) (9/308)، وفي السند إليه عبد الله بن صالح كاتب الليث (صدوق كثير الغلط) وكما في (الدلائل) لأبي نعيم (1/172)، بسند معضل).
(2) -سورة القلم، رقم الآية: (4). وورد في (صحيح مسلم) أن عائشة-رضي الله عنها-سئلت عن أخلاقه غ فقالت: (كَانَ خُلُقُهُ القُرْآنَ). أي: كانت أخلاقه وشمائله، صورة حيّة تطبيقية لما في القرآن. انظر: (التفسير الواضح الميسر) للصابوني (ص:1449).(1/95)
فأماطت عنها الخمار(1)لتدري * أهو وحي أم هو الإغماء؟
فاختفى عند كشفها الرأسَ جبر* يلُ فما عاد أو أُعيد الغطاءُ
فاستبانت خديجةٌ أنه الكَنْـ * زُ الذي حاولته والكيماءُ
ومضمون هذه الأبيات:
اشتهر عند الفقهاء وهم يحتجون به على حظر كشف المرأة شعرها ولو(2)في بيتها، وليس فيه دليل على ذلك علاوة على أن الأثر غير صحيح فقد ضعفه الحافظ ابن حجر في ترجمة خديجة من (الإصابة)(3).
__________
(1) -انظر: (جؤنة العطار) (1/24/25/) رقم (24). و(1/161) (رقم208).
(2) -فقد قلت لشيخنا: لعل (لو) حذفها أفضل. فقال: المقصود منع الفقهاء من كشف المرأة شعرها عموماً حتى في بيتها حيث لا يراها أحد.
(3) -لكن ليس فيه أنها أماطت الخمار، نعم، قالت له عند ما رأى شخصاً بين السماء والأرض: (ادن مني، فدنا منها، فقالت: تراه قال: نعم. قالت: أدخل رأسك تحت درعي). (الحديث). قال عنه الحافظ في (الإصابة) (7/600/601/ رقم:11086): (وعند أبي نعيم في (الدلائل) بسند ضعيف). لكن أبا نعيم ذكر هذه الرواية-رواية إماطة الخمار- وحكم عليها بالضعف. كما في (الدلائل) (1/147). والبيهقي في (الدلائل) (2/151/152)، وابن سيد الناس في (العيون) (1/109/110)، وحكم على رواية إماطة الخمار محقق (الروض الأنف في تفسير النبوية لابن هشام) (1/408). (بالانقطاع). والقصة ذكرها ابن كثير في (البداية والنهاية) (2/273)، وابن الجوزي في (الوفا بأحوال المصطفى) (1/164-وفيه: قالت: فلما تحَسَّرَتْ تَغَيَّب جبريل فلم يره). قال أكرم ضياء العمري في (السيرة النبوية الصحيحة) (1/128): (وقد وردت روايات ضعيفة أو واهية السند ومنكرة المتن تفيد... أن خديجة تحققت من كون الذي يراه الرسول ملكاً وليس شيطانا)ً-راجع روايتي ابن إسحاق في (سيرة ابن هشام) (1/238/239)، بسندين أولهما معضل، وثانيهما مرسل، ورواية أبي نعيم في (دلائل النبوة) (1/283/284) بسند فيه النضر بن سلمة كذبه غير واحد (ميزان الاعتدال/4/256/257)..انظر: (كوثر المعاني) (1/257/258). للشيخ محمد الخِضر الجكني الشنقيطي.(1/96)
قوله-في البيت السادس-:
يا أبا القاسم الذي ضمن إقسا * مي عليه مدح له وثناء
هذا البيت وما بعده معناها إقسامه –أي: توسله-على النبي غ:
(1) بالعلوم التي من الله بها عليه.
(2) وبعلي ابن أبي طالب.
(3) وبالحسنين ريحانتي النبي غ ، وقد بالغ الشاعر في مدحهما وأبيهما وآل البيت مبالغة تشم منه رائحة التشيع تزكم منها الأنوف.
(4) وبالصحابة الكرام عموماً.
(5) وبأبي بكر الصديق.
(6) وعمر بن الخطاب.
(7) وعثمان بن عفان.
(8) وبباقي العشرة المبشرين بالجنة.
(9) وبعميه غ.
(10) وبأم السبطين فاطمة الزهراء.
(11) وبأزواجه غ ورضي عن الجميع.
وقد ذكر الشاعر هؤلاء مع بعض أوصافهم وفضائلهم ومواقفهم بعد البيت السابق، وهو يتوسل بهم إلى النبي غ ليسأله.(1/97)
قوله-البيت السابع(1)
__________
(1) -قبل هذا البيت ذكر البوصيري ثلاثة وخمسين بيتاً كلها توسلات واستغاثات وتشفعات وتوجهات وتضرعات بالنبي غ والصحابة وآل بيت النبي غ بما فيهم أزوجه عليه الصلاة والسلام. فهو يصيح ويصرح بأنه لا يوجد أحد يلتجئ إليه ويتعلق به غير رسول الله وأصحابه وأزواجه، فالشرك في هذه الأبيات كثيف غليظ واضح كل الوضوح حيث وصف الرسول غ بأنه المنجي للخلائق وملاذهم ومغيثهم. والصوفية كلهم يخلطون بين التوسل بالنبي غ وبين دعائه والاستغاثة به ويجعلون ذلك شيئاً واحداً. يقول النبهاني في كتابه (الأنوار المحمدية) (ص:604/605): (وينبغي للزائر أن يكثر من الدعاء والتضرع والاستغاثة والتشفع والتوسل والتوجه به غ فجدير بمن استشفع به أن يشفعه الله تعالى فيه فإن كلاًّ من الاستغاثة والتوسل والتشفع والتوجه للنبي غ كما في (تحقيق النصرة) (ومفتاح الظلام) وغيرهما واقع في كل حال قبل خلقه وبعده في مدة حياته في الدنيا وبعد موته في مدة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة. ثم استدل في الاستشفاع به قبل خلقه بقصة آدم الباطلة وفي حياته بحديث صحيح-حديث الضرير-وفهم قبيح. ثم وصف رسول الله غ بأوصاف لا تليق إلا بالله فيقول: فهو الوسيلة إلى نيل المعالي واقتناص المرام والمفزع يوم الجزع والهلع لكافة الرسل الكرام واجعله أمامك فيما نزل بك من النوازل وأمامك فيما تحاول من القرب والمنازل فإنك تظفر من المراد بأقصاه وتدرك رضا من أحاط بكل شيء علماً وأحصاه). وقال في كتابه: (رحمة الله على العالمين) (814/815): (لقد اتفق العلماء العارفون على جواز التوسل به عليه الصلاة والسلام إلى الله لقضاء الحاجات في حياته وبعد الممات وقد صار من المجربات أن من استغاث به غ بإخلاص وصدق التجاء تقضى حاجته مهما كانت ولم يحصل التخلف لأحد إلا من ضعف اليقين وحصول التردد وعدم صدق الالتجاء). ويقول نور الدين علي بن أحمد السمهودي (ت:911هـ)..في (وفاء الوفا بأخبار المصطفى) (ص:4/1371): (اعلم أن الاستغاثة والتشفع بالنبي غ وبجاهه وبركته إلى ربه تعالى من فعل الأنبياء والمرسلين وسير السلف الصالح واقع في كل حال قبل خلقه وبعد خلقه في حياته الدنيوية ومدة البرزخ وعرصات القيامة). ثم استدل بما استدل به النبهاني من الموضوعات والترهات. ويقول سلامة العزامي في (البرهان الساطع) (ص:394/396). بعد أن أورد حديث خطيئة آدم المكذوب: (وفي هذا الحديث التوسل برسول الله غ قبل أن يتشرف هذا العالم بوجوده فيه وأن المدار في صفة التوسل على أن يكون للمتوسل به القدر الرفيع عند ربه وأن لا يشترط كونه حياً في دار الدنيا ومنه يعلم أن القول بأن التوسل لا يصح إلا وقت حياته في دار الدنيا قول من اتبع هواه بغير هدىً من الله. ثم قال بعد إيراده لحديث الضرير: وهو صريح في أمره غ لذوي الحاجات بالتوسل به وندائه في مغيبه في حياته وبعد وفاته غ وقد فهم الصحابة منه ذلك). وقال زيني دحلان في (الدرر السنية في الرد على الوهابية) (ص:14/16): (فالتوسل والتشفع والاستغاثة كلها بمعنىً واحد وليس لها في قلوب المؤمنين معنىً إلا التبرك بذكر أحباء الله تعالى لما ثبت أن الله يرحم العباد بسببهم سواء كانوا أحياء أو أمواتاً وقال: ولا فرق في التوسل بين أن يكون بلفظ التوسل أو التوجه لأن التوجه من الجاه وهو العلو وهو علو المنزلة وقد يتوسل بذي الجاه إلى من هو أعلى منه جاهاً والاستغاثة معناها طلب الغوث والمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره وإن كان أعلى منه فالتوجه والاستغاثة به غ وبغيره ليس لها معنىً في قلوب المسلمين إلا طلب الغوث حقيقة من الله تعالى ومجازاً بالتسبب العادي من غيره ولا يقصد أحد من المسلمين غير ذلك المعنى فالمستغاث به حقيقة هو الله وأما النبي غ فهو واسطة بينه وبين المستغيث). ولهم في هذا أشعار طويلة، وقصص شركية خبيثة، في جواز التوسل بالذوات (في الحياة وبعد الممات عند عتبة الأضرحة). أما أهل السنة فيقولون بجواز التوسل بالإيمان بالنبي غ وبطاعته ومحبته وبكل الأعمال الصالحة المشروعة التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه، وبأسماء الله الحسنى وصفاته العلى، كما قال ابن تيمية في (التوسل والوسيلة) (ص:5/92129/131). وقد بين في هذا الكتاب أن (دعاء الموتى والغائبين من الأنبياء والملائكة والصالحين والاستغاثة بهم والشكوى إليهم لم يفعله أحد من السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا رخص فيه أحد من أئمة المسلمين). ثم ذكر حديث الأعمى-وهو رأس مال الصوفية-: (وهذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي غ ودعائه المستجاب وما أظهر الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات فإنه غ ببركة دعائه لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره). وقال محمد نسيب الرفاعي في (التوصل إلى حقيقة التوسل المشروع والممنوع) (ص:229/231): (إن قول الأعمى: (ادع الله أن يعافيني) فيه بيان واضح جلي لقصد الأعمى من المجيء وهو أنه ما جاء إلا من أجل أن يدعو له رسول الله غ بالشفاء من ضره وإن قوله غ مجيباً للأعمى: (إن شئت دعوت وإن شئت صبرت وهو خير) لدليل آخر على أن الأعمى ما جاء إلا من أجل الدعاء وفيه تخيير من رسول الله غ بالدعاء أو الصبر حتى إذا شاء الأعمى الدعاء دعا له وفي تخييره هذا وعد بالدعاء إن شاءه. وإن إصرار الأعمى على الدعاء بقوله: (فادعه) لدليل ثالث على أن مجيئه لم يكن إلا من أجل الدعاء ومن إصراره يفهم أن رسول الله غ دعا له لأنه وعده بذلك إذا شاء الدعاء وقد شاء بقوله: (فادعه) على أن رسول الله غ أحب أن يكون للأعمى كذلك مشاركة في الدعاء ولكنه لم يترك الأعمى أن يدعو ربه بما شاء بل علمه دعاءً خاصاً وأمره أن يدعو الله به بالإضافة إلى دعائه غ. وإن قول الأعمى في آخر الدعاء الذي علمه إياه رسول الله غ: (اللهم شفعه فيّ). لدليل رابع على الدعاء. والشفاعة من رسول الله غ لا تسمى شفاعة ولا تكون إلا بدعاء الشافع للمشفوع له فدعاء الأعمى أن يقبل الله شفاعة رسوله فيه يدل على أن رسول الله قد دعا له فعلاً والأعمى يطلب من الله قبول دعاء رسول الله غ). ثم قال: (وإذا استجمعنا هذه الأدلة على ثبوت دعاء رسول الله غ للأعمى توحي لنا أمراً هاماً يدور عليه مآل الحديث ونستكشف معناه بشكل واضح وهو أن معنى (اللهم إني أسألك بنبيك) أي: بدعاء نبيك ولا يفهم منه التوسل بذاته غ ولا كان هذا مراد الأعمى من مجيئه إلى الرسول غ حتى وإن معنى التوسل المتبادر إلى أذهان الصحابة في ذلك الوقت كان محصوراً فيها في طلب الدعاء من المتوسل به وليس له المعنى المتعارف عليه عند البعض في زماننا الحاضر أي: التوسل بذات المتوسل به فقد كان مثل هذا التوسل ينفر منه الصحابة لأنه من مفاهيم الجاهلية التي من أجل وجودها بعث الله رسوله إلى الناس كافة). يقول الشيخ الألباني في (التوسل أنواعه وأحكامه) (ص:76): (إذا تبين للقارئ الكريم ما أوردناه من الوجوه الدالة على أن حديث الأعمى إنما يدور حول التوسل بدعائه غ وأنه لا علاقة له بالتوسل بالذوات فحينئذ يتبين له أن قول الأعمى في دعائه: (اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد غ). إنما المراد به (أتوسل إليك بدعاء نبيك) أي: حذف المضاف وهذا أمر معروف في اللغة كقوله تعالى: (واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها) أي: أهل القرية وأصحاب العير ونحن والمخالفون متفقون على ذلك أي: على تقدير مضاف محذوف. ثم قال: وثمة أمر آخر جدير بالذكر وهو أنه لو حمل حديث الضرير على ظاهره وهو التوسل بالذات لكان معطلاً لقوله فيما بعد: (اللهم فشفعه في، وشفعني فيه) وهذا لا يجوز كما لا يخفى فوجب التوفيق بين هذه الجملة والتي قبلها وليس ذلك إلا على ما حملناه من أن التوسل كان بالدعاء فثبت المراد وبطل الاستدلال به على التوسل بالذات المحمدية والحمد لله)ّ. ويقول الشيخ محمود شكري الآلوسي راداً على الصوفية الذين استدلوا بتوسل عمر بالعباس على جواز التوسل بالذوات: (بل هو أقوى الأدلة وأرجحها وأعلاها وأوثقها وأصحها وأصدقها لما ندعيه فإن قول عمر: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا الخ). يدل دلالة ظاهرة على انقطاع ذلك الذي هو الدعاء بدليل قوله: (إنا كنا) ولما كان العباس حياً طلبوه منه فلما مات فات فقصرهم له على الموجودين ولو كانوا مفضولين لبقيت هذه التوسلات على حالها لم تتغير ولم تتبدل إلى المفضولين بعد وجود الفاضلين لا سيما الأنبياء والمرسلين فتأمل في هذا فإنه أحسن ما في الأوراق، حقيق بأن يضرب عليه (رواق الاتفاق) والله يهديك السبيل فهو نعم المولى ونعم الوكيل). والكلام على الاستغاثة والتوسل والشفاعة وأنواعها طويل الذيل ليس هذا محله ومن أراد الزيادة فعليه بكتاب: (مظاهر الانحرافات العقدية). المبحث الثاني من (1/417/ إلى:508). و(التوسل والوسيلة). و(التوصل إلى حقيقة التوسل المشروع والممنوع) و(التوسل أنواعه وأحكامه).(1/98)
-:
الأمانَ الأمانَ إن فؤادي ** من ذنوب أتيتهن هباء
وقد سقط هنا على أم رأسه، وتورط فيما لا مخلَصَ له منه إلا بتجديد الإيمان والتوبة، ولا ندري ما فعل الله به، فهو يسأل النبي غ أن يؤمنه من كل مخوف، وهذا بطبيعة الحال لا يسأل من مخلوق لأنه لا يقدر عليه إلا الله تعالى.
وقد قال بعده-البيت الثامن-:
قد تمسكتُ من ودادك بالحبـ * ـل الذي استمسكت به الشفعاء
وأبى الله أن يمنيَّ السو * ء بحال ولي إليك (التجاء)
قد رجوناك للأمور التي أبـ * ردها في فؤادنا رَمْضَاء
وأتينا إليك أنضاء فقر * حملتنا إلى الغنا أنضاء
وانطوت في الصدور حاجة نفس * ما لها عن نَدَى يديْك انطواء
فأغثنا يا من هو الغوث(1)
__________
(1) - يقول شمس الدين النواجي المصري-(شواهد الباطل) (ص:352) للنبهاني-:
يا رسول الإله إني ضعيف* فاشفني أنت مقصد للشفاء
يا رسول الإله إن لم تغثني* فإلى من ترى يكون التجائي
ويقول محمد الجمالي الحلبي-كما في شواهد الباطل) (ص:352) للنبهاني:
يا ملاذي يا منجدي يا منائي* يا معاذي يا مقصدي يا رجائي
يا نصيري يا عمدتي يا مجيري* يا خفيري يا عدتي يا شفائي
أدرك أدرك أغث يا شفيعي*عند ربي واعطف وجد بالرضا
قالت أم الفضل حرم المحقق: وقد قرأت أبياتاً لفضيلة شيخنا أبي الفضل ذيل بها أبياتاً لفضيلة شيخنا أبي أويس يقول فيها شيخنا أبو الفضل:
فلم يُحمدِ الإطراءُ قطُّ لِشخصه* كشأن النصارى في المسيح المُعَمَّدِ
ولكن لنا في نَهْجِه خيرُ إسوةٍ* بمشكاتها وَسْطَ الغياهِب نَهتدي
إذا أنت حَكَّمْتَ الحِجَى نِلت ما تشا*وإن أنت طاوَعْتَ الهوى ضِعتَ في غَدِ
فَعُدْ لِصواب القول واعلم بأنه* لسانُك ما يَزْرَعْ من القول تَحْصُدِ
ومن شاء أن يعرف كفر الصوفية المجرد الكثيف فعليه: بـ(خصائص المصطفى بين الغلو والجفاء)، و(موازين الصوفية في ضوء الكتاب والسنة) لعلي المرتضى، و(الفكر الصوفي) لعبد الرحمن عبد الخالق. و(تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي) لمحمد أحمد. و(الهدية الهادية). لتقي الدين الهلالي.(1/99)
والغيـ * ث إذا جهد الورى اللأواءُ
ثم قال بعد ثلاثة أبيات:
جُد لعاص وما سواي هو العا * صي ولكن تنكيريَّ استحياء
وتداركه بالعناية ما دا * م له بالذمام منك ذَماء
فتأمل-عافاك الله-هذه الأبيات وما انطوت عليه من شرك جلي، وغلو وبي، وقد حاول الشراح-كعادتهم-تأويل كلامه، وإمراره على الجادة، ولكن هيهات فإن الرجل كان صوفياً غالياً فطوح به تصوفه في مهامه الغلو والشرك، فتراه يسأل النبي ويتوسل إليه بصحابته وآل بيته أن يؤمنه من كل خوف في الدنيا والآخرة ويتوسل بحبل وداده زاعماً أن الله لا يمسه بسوء، وهو يلتجيء لا إلى الله وإنما إلى رسوله، والالتجاء كالاستعاذة والاستغاثة(1)
__________
(1) - يقول فضيلة شيخنا على هؤلاء المستغيثين بالبشر والبقر والحجر والشجر:
لا تسل عن تفجُّعي واكتئابي*لضلال نما مدى أحقاب
بين قومي إذ فارقوا الدين جهراً * باتخاذ القبور تحت القباب
عبدوها عدواً، ونادوا ذويها*مستغيثين بالثرى والسراب.
وقد قرأت لفضيلته كلاماً جيداً له علاقة بالموضوع في تعليقه على كتاب شيخه أحمد الغماري الموسوم بـ(الإقليد في تنزيل كتاب الله على أهل التقليد) (1/55) يقول فيه: (ومما يتعجب منه أيضاً أن المؤلف يؤيد النبهاني إلى أبعد الحدود في خرافات الصوفية وشركهم وغلوهم ويعتمد كتابه: (شواهد الباطل) هذا. فيما ألف فيه من جواز الاستغاثة بالمخلوق ودعائه فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى. وهذا أخطر من قوله في مدعي الاجتهاد بدون أهلية فإن لهذا محلاًّ صحيحاً). وقال أيضاً في (1/352) عند قوله تعالى: (فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً): (في الآية ردّ دامغ على المؤلف الزاعم حياة الأولياء في قبورهم وجواز الاستغاثة بهم مطلقاً). وقال في (1/317): (فإن المؤلف وإخوته متصوفون يمارسون عوائدهم البدعية كالغناء والرقص والصياح والصراخ الخ. تقليداً لشيوخهم فقط لأنها ليست من الإسلام جزماً كما قال الشيخ محمد الحراق لما سئل عن هذه العوائد: هذا شيء أوصانا عليه أشياخنا لا نتركه ولو طارت عليه أمخاخنا)!!!!!!!!! قالت أم الفضل: كذا قال في (نقل النديم) (ص49) وقال بعد أن ذكر كلام الحراق مستهزئاً: (رواه البخاري ومسلم).(1/100)
مما لا يليق إلا بالله تعالى، ثم لَجَّ في غلوه الممقوت، فَصَرّحَ أنه يدعوه غ لقضاء حوائجه التي انطوى عليها صدره ولا يجد لها مجيباً ولا قاضياً غيره. فناداه مستغيثاً: (فأغثنا يا من هو الغوث الخ). وهكذا نسي الرجل ربه. وجحد قوله: (إياك نعبد وإياك نستعين)(1). (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن)(2). (فلا تدعو مع الله أحداً)(3). وقول رسوله غ:
(...
__________
(1) -سورة الفاتحة، الآية: (5). أي: نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة، لأن تقديم المعمول- في الآية الذي هو (إياك)-يفيد الحصر، وهو إثبات الحكم للمذكور، ونفيه عما عداه، فكأنه يقول: نعبدك، ولا نعبد غيرك، ونستعين بك، ولا نستعين بغيرك. وتقديم العبادة على الاستعانة، من باب تقديم العام على الخاص، واهتماماً بتقديم حقه تعالى على حق عبده، و(العبادة): اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، و(الاستعانة): هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الثقة به في تحصيل ذلك. والقيام بعبادة الله والاستعانة به هما الوسيلة للسعادة الأبدية، والنجاة من جميع الشرور، فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما، وإنما تكون العبادة عبادة إذا كانت مأخوذة عن رسول الله غ مقصوداً بها وجه الله، فبهذين الأمرين تكون عبادة، وذكر (الاستعانة) بعد (العبادة) مع دخولها فيها، لاحتياج العبد في جميع عبادته إلى الاستعانة بالله تعالى، فإنه إن لم يعنه الله، لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر واجتناب النواهي). انظر: (تيسير الكريم الرحمن) (1/15).
(2) -سورة الإسراء، الآية: (110).
(3) -سورة الجن، الآية: (18). لا تدعوا معه أحداً مطلقاً دعاء عبادة أو دعاء مسألة.(1/101)
إذا استعنت فاستعن بالله)(1).
ثم ارتكس في وَحَل غلوه فدعا النبي غ أن يجود عليه بالغفران، وأن يتداركه بعنايته، وقد ذكرني هذا الغلو برجلين وقعا في مثل هذا أحدهما: محمد زين العابدين البكري الصديقي المصري في (لاميته) الشهيرة التي يتغنى بها الصوفية في مجالس ذكرهم إلى الآن، ومنها هذه الأبيات فقارنوها بأبيات البوصيري:
__________
(1) - أخرجه الترمذي في (38-كتاب صفة القيامة، 59-باب (4/231/ رقم:2524). وقال: (هذا حديث حسن صحيح). قال الشيخ الألباني في (صحيح سنن الترمذي) (2/308/309/ رقم:2043/2648): (صحيح-المشكاة 5302/ ظلال الجنة/316/318). وأحمد في (المسند). (4/233/269-270). قال أحمد شاكر في تعليقه على (المسند) (4/233/ رقم:2669): (إسناده صحيح. ليث: هو ابن سعد قيس بن الحجاج الكلاعي:ثقة ذكره ابن حبان في (الثقات)، وقال ابن يونس:كان رجلا صالحاً وترجمه البخاري في الكبير(4/1/155). وليس له في الكتب الستة غير هذا الحديث عند الترمذي، وهو الحديث 19من (الأربعين النووية)، قال النووي: (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح). قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم 132: (وخرجه الإمام أحمد من حديث حنش الصنعاني مع إسنادين آخرين منقطعين، ولم يميز بعضها من بعض). فكأن الحافظ ابن رجب لم ير في (المسند) إلا الإسناد الذي أشار إليه، وسيأتي (2804)، ولكن الإمام أحمد رواه مرتين بإسنادين صحيحين عن حنش، مميز اللفظ غير مختلط بإسناد منقطع، وهما هذا الحديث والحديث 2763). قلت يعني في: (4/2763/ رقم:2763). وقال أحمد شاكر: (إسناده صحيح). وقد أطال النَّفس عن إسناده في (4/286/287/288- رقم:2804). انتهى من حاشية كتاب فضيلة شيخنا محمد بوخبزة الموسوم: (التوضيحات لما في البردة من الزلقات). (ص:84). بتعليقي.(1/102)
فلُذ به(1)في كل ما ترتجي * فإنه المأمن والمعقل
وعُذ به من كل ما تخش * فهْو الشفيع دائماً يقبل
وحُطَّ أحمال الرجا عنده * فإنه المرجع والموئل
ونادِهِ إن أزمة أنشبتْ * أظفارَها واستحكم المعضِل:
يا أكرم الخلق على ربه * وخيرَ مَن فيهم به يُسأل
قد مسَّني الكرب وكم مرة * فرجتَ كرباً بعضه يُذهل
ولن تر أعجز مني فما * لشدة أقوى ولا أجمل
فبالذي خصك بين الوَرَى * برتبة عنها العلا تنزل
(عجل بإذهاب الذي اشتكي * فإن توقفتَ فمن أسأل؟)
فحيلتي ضاقت وصبري انقضى * ولست أدري ما الذي أفعل
والرجل الثاني هو الشيخ محمد بن محمد الحراق(2)
__________
(1) -يعني الرسول غ. فالخطاب في هذه الأبيات كله موجه للرسول غ. وهكذا معظم خطابات الصوفية فلولا الإطالة لذكرت بعض خطاباتهم للنبي في أشعارهم أو (شَعِرِهم). ولكن ما في كتاب (مظاهر الانحرافات العقدية). يكفي ويشفي.
(2) -سألت فضيلة شيخنا محمد بوخبزة-حفظه الله-عن ترجمة الشيخ محمد الحراق فكتب إليّ قائلاً: (هو الشيخ الأديب الفقيه الشاعر الصوفي محمد بن محمد بن عبد الواحد الحراق الحسني العلمي ولد بشفشاون عام:1186هـ/1772م وقرأ بها ثم رحل إلى فاس وأخذ عن علمائها، ثم رجع إلى تطوان واستوطنها وعمل في سماط العدول وتولى الإمامة والخطابة بجامع العيون، والتدريس والفتوى إلى أن امتحن بمكيدة دبرها عليه سكان حي العيون بمواطأة القاضي فعزل عن الجميع ومرض واعتل مزاجه وأنشأ قصيدة همزية يستغيث فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم في غلو قبيح، ومطلعها:
أَمُحَمَّدٌ إِنِّي بِجَاهِكَ عَائذٌ * مما عرى جسمي من الضَّرَّاءِ
ولقد دعوتُك حين جلت كربتي * فلَم أُلف غيرك كاشفاً لبلائي
وبعد شفائه من مرضه ذهب إلى الشيخ العربي الدرقاوي بقبيلة بني زروال وأخذ عنه فأمره بالرجوع إلى تطوان وأعطاه الورد، ومن ذلك الوقت أصبح شيخاً للطريقة التي نسبت إليه، وفتح زاوية مشهورة، وله رسائل كثيرة وأشعار فصيحة وملحونة كلها تدور على وحدة الوجود والاتحاد، وهو في الملحون أبرع منه في الموزون العربي وديوانه طبع مرارا، وألف تلميذه محمد بن العربي الدلائي الرباطي كتاب: (النور اللامع البراق في ترجمة الشيخ الحراق).جمع فيه كثيراً من رسائله وأشعاره-وهو مخطوط-وظل كذلك إلى أن توفي بتطوان في 21 شعبان1261هـ 25 غشت1845م ودفن بزاويته قرب باب المقابر. ومصادر ترجمته لمن أراد التوسع: (عمدة الراوين) للرهوني (تاريخ تطوان) لمحمد داود (معلمة المغرب10/3363). وبعد كتابة هذه الترجمة وقفت على ترجمته في مواضع كثيرة متفرقة فأعرضت عنها اكتفاءً بما أرسله إليَّ فضيلة شيخنا محمد بوخبزة. انتهى من حاشية كتاب فضيلة شيخنا محمد بوخبزة (التوضيحات). (ص:82). بتحقيقي. ومن أراد أن يعرف المكيدة التي دبرت له وأسبابها فعليه بكتاب: (النور البرَّاق في ترجمة الشيخ محمد الحراق) (ص:14/15/16/17). وكتاب (الزاوية) (ص:156)- للشيخ التهامي الوزاني.(1/103)
التطواني. وله ديوان فيه شعر عربي موزون، وزجل مغربي ملحون، وهو في هذا الثاني أشعر منه في الأول، ومعظم شعره في وحدة الوجود والدعوة إليها ومحاولة شرحها وتقريبها للأفهام، وكذلك الاتحاد، وقد نظم قصيدة يمدح فيها النبي ويستغيث به ويدعوه من دون الله أن يفرج كربه، ويشفيه مما عرا جسمه من مرض. والغريب أن هذه القصيدة لُحنت ويغنى بها في الإذاعة في المناسبات، ومطلعها:
أمحمد إني بجاهك عائذ * مما عرى جسمي من الضراء
(ولقد(دعوتك) حين جلت كربتي * ولم ألف غيرك كاشفاً لبلائي)
والحال إن عظمت فلا يدعَى لها * إلا العظيم وأشرف الشرفاء(1)
__________
(1) -هذه الأبيات الشركية التي منها:
ما لي لدفع الضر عني حيلة يا مصطفى إلا إليك ندائي
ولئن رددت وأنت أول شافع ترجى شفاعته فمن لشفائي
كلا وحاشا أن تخيب سائلا قد حل عندك في أعز فناء
والجود شيمتك الكريمة والحيا وجلائل الرحمات للضعفاء
صلى عليك الله يا خير الورى كل الصلاة وآلك النبلاء
ما أضحك الرحمان سنك عندما تولى الجزيل بكفك المعطاء
ثم يقول فيها مخاطبا من بيده الداء والدواء وهو سبحانه أكرم الكرماء:
ربي به وبآله وبصحبه والأنبياء وسائر الصلحاء
وبحق ذانك سيدي وكمالها وصفاتها العليا وبالأسماء
كف الأذى عني بفضلك عاجلا واغفر رذائل أسفه السفهاء
أنت الغني عن العباد جميعهم وأنا لفضلك أفقر الفقراء
ولقد وقفت بباب عفوك راجيا منك الرضا يا أرحم الرحماء
فارحم ولا تردد فإني لم أجد ربا سواك معافيا من دائي
والحال ضاقت بي ولم أر نافعا إلا الرجوع لأكرم الكرماء
رب كريم لو يواخذ خلقه لم يبق ديارا من الأحياء
لكنه غمر الجميع بجوده والحلم يرغم أنفس اللؤماء(1/104)
إلى آخر هذا الهراء المسموم الذي لا ينطق به من يعرف ربه، والجواب عليه قول الله تعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن)(1). وقوله: (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً)(2). (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو)(3). والآيات في هذا الموضوع كثيرة.
قال-البيت التاسع-:
يا نبي الهدى إغاثة ملهو * فٍ أضرت بحاله الحوباء
ثم قال-بعد أن بالغ في الشكوى والضراعة-:
هذه علتي وأنت طبيبي * ليس يخفى في القلب داء
وهكذا بعد ما دعا النبي غ واستغاث به فيما لا يقدر عليه بشر ولا ملك ولا جن(4)، وهو شفاؤه من أمراضه النفسانية، وعلله القلبية، ثم (زاد الطِّينَ بَلَّةً، والطَّنْبُورَ نَغْمَةً)(5). فأفضى إلى النبي بذات صدره، وعلة قلبه، واصفاً إياه بأنه يعلم ما في الصدور. ولا يخفى عليه ما تكنه الأفئدة، وهذا من خصائص الربوبية فإنه سبحانه وحده العليم بذات الصدور، والمطلع على ما في الضمائر. ثم زاد إيغالاً في ضلاله فزعم أن شكواه إلى النبي غ ودعاءَه إياه أن يشفيه من شَكَاته هي الفوز العظيم. فقال-البيت العاشر-:
ومن الفوز أن أبثك شكوى * هي شكوى إليك وهي اقتضاء
ثم قال-في البيت الحادي عشر-معترفاً بأنه غال أن قلبه منطو على محض الغلو-:
ولقلبي فيك الغلو وأنَّى * للساني في مدحك الغُلَواء
__________
(1) -سورة الإسراء، رقم الآية: (110).
(2) -سورة الجن، رقم الآية: (18).
(3) -سورة يونس، رقم الآية: (107). وسورة الأنعام، رقم الآية: (17).
(4) - وقال فضيلة شيخنا محمد بوخبزة في تعليقه على (الإقليد) (1/2) عند قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين): (من دعا ولياً أو غيره واستغاث به فيما لا يقدر عليه إلا الله فقد عبده لأن (الدعاء هو العبادة) كما في الحديث الصحيح والمؤلف لا يرى بذلك بأساً).
(5) - وهذا المثل مشهور يضرب لمن يزاداد غلواً في الخطأ والضلال عن عمد.(1/105)
هذا وهو يعلم أن رسول الله غ نهى أمته عن الغلو والإطراء، لما يفضي إليه من الكفر والإشراك، فقال: (لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ وَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ). (رواه البخاري)(1). وقد فهم الشاعر هذا الحديث فهماً معكوساً فقال في (بردته):
دع ما ادعته النصارى في نبيهم*واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم(2)
__________
(1) -رواه البخاري في (صحيحه). (59-كتاب أحاديث الأنبياء، 48 -باب (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها) (7/149/ رقم:3445). وأحمد في مواضع من (مسنده) (1/55/56). وقال أحمد شاكر-رحمه الله-في تعليقه على (المسند) (1/90/94/167/391/ رقم:154/164/331/191): (إسناده صحيح). والإطراء: الإفراط في المدح انظر: (فتح الباري) (6/490). وقد خرجته في كتاب فضيلة شيخنا محمد بوخبزة (التوضيحات) (ص:57).
(2) -وقد ذكرت انتقادات الأئمة لهذا البيت في حاشية كتاب فضيلة شيخنا محمد بوخبزة (التوضيحات) (ص:55/56). انظره ففيه الغنية، وفيه ما يشفي ويكفي. وقال ابن القيم:
ولقد نهى ذا الخلق عن إطرائه فعل النصارى عابدي الصلبان
انظر: (موازين الصوفية) (ص:301)، و(النونية) (2/352).(1/106)
فلا غرو بعد ذلك أن يتجنب دعوى الربوبية فحسب، وله بعد ذلك أن يغلو ما يشاء فيسجل بيده في قصائده ما نجزم جزماً أنه المنكر العظيم. والبلاء الجسيم وإذا علمنا أن النبي نهر الجارية التي كانت تغني بين يديه فقالت في غنائها: (وفينا نبي يعلم ما في غد(1)،
__________
(1) -بل قد تبجح عبد العزيز الغماري في عدة مواضع من كتبه بأن النبي يعلم الغيب كله حتى الخمس فقد قال في كتابه (السفينة) (1/42).بأن النبي غ يعلم الغيب، ورد عليه فضيلة شيخنا هناك قائلاً: (وهذه شنشنة نعرفها من أخزم. فقد ألف المؤلف أربعين حديثاً سماها: (الأربعين العزيزية) في هذا الموضوع جلها واهٍ منكر. صرح في أولها بمنكرات: منها أن النبي غ كان يعلم الغيب كله حتى الخمس التي أخبر أنه لا يعلمها إلا الله، ومنها: أن تلك الأحاديث صحيحة لأن الواقع يشهد لها رغم أنها لا أصل لها أو من رواية الوضاعين أو المجاهيل، وهذا كما ترى تلاعب وهدم لأصول الحديث وقواعده، ثم إنه تراه يؤولها تأويلاً بعيداً ويلوي أعناقها لتوافق أفهامه، ثم هو في كل هذا مقلد شقيقه سطا على جهوده وجمعه). وقال فضيلته أيضاً معلقاً على كتاب أحمد بن الصديق (الإقليد في تنزيل كتاب الله على أهل التقليد) (1/358): (ادعاء المؤلف أن القطب يعلم الغيب كله حتى الخمس التي استأثر الله بها كما في القرآن). وقال الغماري في (1/235-نفس المصدر) عند قوله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو): (ولا تعلمها أئمتكم الذين تعبدون). قال فضيلة شيخنا: (ولكن يعلمها أقطابكم كما قال الدباغ في (الإبريز). وشقيق المؤلف عبد العزيز صرح في كتابه (الأربعون العزيزية) أن النبي غ كان يعلم هذه الخمس وهذا رغم. ما صح عنه أنه لا يعلمها إلا الله كما ورد في هذه الآية الكريمة).قلت: وقد ادعى الشيخ حجاب-وهو من نقباء البدوي-في كتابه: (حياة البدوي): (إنه يعلم السر وأخفى)..انتهى من حاشية كتاب فضيلة شيخنا محمد بوخبزة (نقد البردة) (ص:66/67-بتعليقي).(1/107)
فقال لها غ: دعي هذا وقولي ما كنت تقولين).
كما في (صحيح البخاري)(1).
__________
(1) -رواه البخاري في صحيحه كتاب النكاح (4750) (2/352/9/166/167). والترمذي في جامعه كتاب النكاح (1010) وأبو داود في سننه كتاب الأدب (4276) وابن ماجة في سننه كتاب النكاح (1887) وأحمد في باقي مسند الأنصار (25779/25785). (6/359/360). والبيهقي (7/288/289). انظر: (صحيح سنن ابن ماجة) (1/320) و(الروض) (830) و(الآداب) (93/94)- وفي رواية: (دعي هذا وقولي بالذي كنت تقولين). قال الألباني (رحمه الله): (إن النبي غ ، سمع ناساً يغنون في عرس وهم يقولون: -والصحيح - سمع النبي غ ، نساءهم. يقولون في عرس:
وأهدي لها أكبش* يبحبحن في المربد
وحِبك في النادي*ويعم ما في غد
فقال رسول الله غ: (لا يعلم ما في غد إلا الله).ألا قلتم:
أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم
وفي (مجمع الزوائد) (8/129). بلفظ: (فحيانا وحياكم). وفي رواية للطبراني بإسناد حسن من حديث عائشة أن النبي غ ، (مر بنساء من الأنصار في عرس لهن وهن يغنين:
وأهدي لها كبشاً تُنَحْنِحُ في المربد*وزوجكِ في البادي ويعلم ما في غد
فقال: (لا يعلم ما في غد إلا الله)-(الفتح) (9/167). وانظر: (المجمع). (8/129)- وفي رواية:
وزوجك في النادي * ويعلم ما في غد
قالت: فقال رسول الله غ: (لا يعلم ما في غد إلا الله سبحانه)-قال الشيخ الألباني (رحمه الله). في (آداب الزفاف) (ص 182): أخرجه الطبراني في الصغير (ص:69). ورقم (830- بترتيبي). والحاكم (2/184/185). والبيهقي (7/289). وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم). ووافقه الذهبي. وعزاه الحافظ: (9/167). للطبراني في الأوسط بإسناد حسن-ولا يخفى ما في هذه القصة من الضلال). وقد توسعت في تخريجه في كتاب فضيلة شيخنا محمد بوخبزة (التوضيحات) (ص:23/24).(1/108)
هذا وهي جارية(1)صغيرة غير مكلفة، فليت شعري ماذا كان يقوله إذا سمع هذه الفضائح والترهات الموبقات، فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيراً من خلقه، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً.
قال-البيت الثاني عشر-:
__________
(1) -الجارية تطلق على السفينة والشمس لجريهما في البحر والفلك، ومنه قيل للأمة:جارية على التشبيه لجريها مُسْتَسْخَرة في أشغال مواليها، والأصل فيها الشابة لخفتها، ثم توسعوا حتى سموا كل أمة جارية وإن كانت عجوزاً. انظر: (حاشية الصبان) (1/35). و(المصباح المنير) (1/98-جري). و(اللسان) (1/610-جرا). و(شرح ابن طولون على ألفية ابن مالك). (1/50/51).(1/109)
وكفته بنسجها عنكبوت* ماكفته الحمامة(1)
__________
(1) - مسألة العنكبوت والحمامة لا تصح-وإن اشتهرت في كتب السيرة التي تجمع الغث والسمين-وللنظر في سندها يرجى النظر في الكتب التالية: (الطبقات الكبرى) لابن سعد (1/155/156). و(الدلائل) لأبي نعيم (2/234)، و(الدلائل) للبيهقي (2/428)، و(الوفا) لابن الجوزي (1/238)، و(السير) للذهبي جزء السيرة (1/269)، و(الدر المنثور) (4/51)، وابن كثير في (البداية والنهاية) (2/456/457). وابن كثير لما ذكر نسج العنكبوت على فم الغار قال: (وهذا إسناد حسن. وهو من أجود ما روي في قصة العنكبوت في فم الغار). وتبعه على ذلك الحافظ ابن حجر في (الفتح) (7/278) بقوله: (وذكر أحمد من حديث ابن عباس بإسناد حسن). وانظر خلاف ما قال هنا في (اللسان) (4/422/423) وقال الذهبي في (الميزان) (3/306/307/ رقم:6535): (قال ابن معين: (لا شيء). ثم ذكر قصة الحمامتين فقال: أبو مصعب لا يُعرف). وقال البخاري: (عون بن عمرو القَيْسي جليس لمعتمر. منكر الحديث. مجهول). قال الحافظ: (وسئل عنه أبو حاتم فقال: شيخ، ويقال له عوين بالتصغير، كما سأذكره). قال العقيلي في (الضعفاء الكبير) (3/422/423/ رقم:1462): (حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا عون بن عمرو القيسي، قال: سمعت أبا مصعب المكي. ثم ذكر قصة العنكبوت والحمامة. ثم قال: ولا يتابع عليهما. وأبو مصعب رجل مجهول)-انظر: (المغني) (2/495)، و(الضعفاء والمتروكين) (2/237)، و(الجرح والتعديل) (6/386)، و(دائرة معارف الأعلمي) (23/98)-وقال أحمد شاكر في تعليقه على (المسند) (5/87/ رقم:3251): (في إسناده نظر، من أجل عثمان الجزري، كالإسناد في2562 والحديث نقله ابن كثير في (التفسير) (4/49) عن هذا الموضع..وهو في (مجمع الزوائد) (7/27) ونسبه أيضاً للطبراني، وقال: (وفيه عثمان بن عمرو الجزري، وثقه ابن حبان، وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح)-وهو أيضاً في (3/231) من (المجمع) لكن أحمد شاكر نسي أن يذكر هذا الموضع-ونسب في (الدر المنثور) (3/179) أيضاً لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردويه وأبي نعيم في (الدلائل) والخطيب. وانظر:3062/3063). وبعثمان الجزري ضعفه الألباني في التعليق على(فقه السيرة) (ص:163). وأما ما ورد من أن حمامتين عششتا على باب الغار فقال ابن كثير-بعد أن ذكر القصة-: (وهذا حديث غريب جداً من هذا الوجه). وضعفه أيضاً في (المشكاة) (3/1669/ رقم:5934)، وقد توسع في تخريجهما-حديث العنكبوت، والحمامة-محقق (كليات رسائل النور) تأليف بديع الزمان سعيد النورسي (2/215). راجعه. وأيضاً (نصب الراية) للزيلعي (1/123)، و(الزاد) لابن القيم (3/52)، و(المصنف) لعبد الرزاق (7/27)، و(الشفا) (1/313)، و(مسند) أبي بكر المروزي(رقم:73). وغيرهم.(1/110)
الحصداء
وهذا رغم شهرته فإنه لا يصح وإسناده واهٍ وإنما صح من ذلك قول أَبِي بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ غ -كما في صحيح البخاري-: (لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا) فَقَالَ لَهُ غ: (مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا)(1).
__________
(1) -رواه البخاري في مواضع من (صحيحه) منها في: (61-كتاب فضائل أصحاب النبي غ ،2-باب: مناقب المهاجرين وفضلهم. منهم أبو بكر الخ. و61-كتاب مناقب الأنصار، 45-باب: هجرة النبي غ وأصحابه إلى المدينة-7/355/672/ رقم:3653/3922-الفتح). و(64-كتاب التفسير، 9-باب قوله: (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا)-9/222/4663). ومسلم في (صحيحه) (كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق 8/ج15/148-149). و(6/240-المفهم). وأحمد في (المسند) (1/4). والترمذي في (جامعه) (48-كتاب التفسير، 5/66-رقم:3107). هذا. وقد ورد بلفظ آخر في (المستدرك) (3/5)، و(الدلائل) للبيهقي (2/480). بإسناد فيه انقطاع بين يحي بن عباد بن عبد الله بن الزبير وأسماء، ولكن يحيى أخذ الخبر عن أبيه عباد كما في (سيرة) ابن هشام (1/488). فهو الذي يروي عن جدته أسماء، لذلك فإن السند حسن. انظر: (السيرة النبوية الصحيحة) (1/211). و(فقه السيرة) بتحقيق الألباني (ص:211). قال محققو المسند (1/189/190/ رقم:11-مؤسسة الرسالة): (إسناده صحيح على شرط الشيخين. عفان: هو ابن مسلم، وهمام: هو ابن يحيى، وثابت: هو ابن أسلم البناني. وأخرجه ابن أبي شيبة (12/7)، والترمذي (3096)، والمروزي (72)، والبزار (36)، وأبو يعلى (66)، والطبري (10/136)، وابن حبان (6278/6869) من طرق عن عفان بهذا الإسناد. وقرن البزار والطبري في روايتهما بعفان حبانَ بن هلال. وأخرجه عبد بن حميد (2)، والبخاري (3653/3922/4663)، ومسلم (2381)، والمروزي (71)، وأبو يعلى من طرق عن همام، به).(1/111)
كما أنه غ لم يصب بأذى إلا أن حجراً أصاب يده-بأبي هو وأمي-فدميت فَقَالَ:
هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصْبَعٌ دَمِيتِ* وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ(1).
قال-البيت الثالث عشر-:
نقضوا مبرم الصحيفة إذ شد* ت عليهم من العدا الأشداء
أذكرتنا بأكلها أكل منسـ * ـاة سليمان الأرضة الخَرساء
وبها أخبر النبي وكم أخـ * ـرج خبئاً له الغيوب خباء
__________
(1) -رواه البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير (رقم:2592) وفي الأدب(5680) ومسلم في الجهاد والسير (3353) والترمذي في تفسير القرآن (3268) وأحمد في مسند الكوفيين (18044/18045). وَعَنْ جُنْدَبِ بن سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ غ كَانَ فِي بَعْضِ الْمَشَاهِدِ وَقَدْ دَمِيَتْ إِصْبَعُهُ فقال: (الحديث). وقد توسعت في تخريجه في كتابي (أناشيد غربية لا إسلامية؟) (ص:140).(1/112)
وما تضمنته هذه الأبيات من خبر صحيفة المقاطعة أصله صحيح(1)
__________
(1) - قال أكرم ضياء العمري: (لقد حدد رسول الله غ المكان الذي تقاسمت فيه قريش على الكفر-يعني تحالفها على مقاطعة بني هاشم- فذكر انه خيف بني كنانة-(فتح الباري) (7/192-8/14)، و(شرح صحيح مسلم) (9/59)-وقد ورد الخبر مفصلاً من مرسل أبي الأسود ومرسل الزهري-بإسناد حسن إلى أبي الأسود والزهري (دلائل البيهقي) (2/311/314)، و(الدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر) (27/30)-كما ورد من مرسل عروة بن الزبير-بإسناد ضعيف إليه فيه محمد بن عمرو بن خالد الحراني لم أقف له على ترجمة وابن لهيعة ضعيف (الدلائل لأبي نعيم) (1/357/362) و(الدلائل للبيهقي) (2/314)-ونظراً لأن الزهري وأبا الأسود من تلاميذ عروة، فإن ثمة احتمالاً قوياً أنهما يرويان هذا الخبر عنه، مما يجعل المرسل-يعني مرسليْ أبي الأسود والزهري، إذ هما أقوى سنداً إليهما من مرسل عروة الذي لم يثبت عنه من طريق صحيحة- لا يقوى بالتعدد لوحدة مخرجه. وإذا لم تثبت رواية في تفاصيل دخول المسلمين شعب أبي طالب فان أصل الحديث ثابت-قال ابن حجر: (ولما لم يثبت عند البخاري شيء من هذه القصة اكتفى بإيراد حديث أبي هريرة لأن فيه دلالة على أصل القصة لأن الذي أورد أهل المغازي من ذلك كالشرح لقوله في الحديث (تقاسموا على الكفر). (فتح الباري) (7/193)-كما أن ذلك لا يعني عدم وقوع تفاصيل الحادث تاريخياً، فإن عروة رائد مدرسة المغازي، وهو إنما يروي عن الصحابة في الغالب. ثم ذكر خلاصة رواية عروة. وأحال إلى (فتح الباري) (7/192) و(مغازي موسى بن عقبة) (1/126/127) جمع محمد باقشيش. و(سيرة ابن هشام) (1/377)، و(إمتاع الأسماع) للمقريزي (26). انتهى من (السيرة النبوية الصحيحة) (1/181/182). بتصرف يسير..قلت: وللتوسع في تفاصيل القصة يرجى الرجوع إلى: (الطبقات الكبرى) لابن سعد (1/141/142/143) تحت عنوان: (ذكر حصر قريش رسول الله غ وبني هاشم في الشِّعب). و(تاريخ الطبري) (1/ج:2/228/229)، و(الوفا بأحوال المصطفى) لابن الجوزي (1/197/198/199)، و(الروض الأنف) (2/129/إلى:134)، و(الدلائل) لأبي نعيم (196/200)، و(الدلائل) للبيهقي (2/311/ إلى:315)، و(السير) للذهبي جزء (السيرة) (1/179/180/181)، و(البداية والنهاية) لابن كثير (2/348/إلى352)، و(فقه السيرة) تحقيق الألباني (ص:118) وما بعدها. قال مسلم الحسيني محقق (صفة الصفوة) (1/37): انظر خبر مقاطعة قريش لبني المطلب وخبر الصحيفة في: (الطبقات الكبرى) (1/208)، و(دلائل النبوة) لأبي نعيم (1/357)، والبيهقي (2/82)، و(تاريخ ابن جرير الطبري) (2/336)، و(السير والمغازي) لابن إسحاق (156)، ولعروة (114)، و(أنساب الأشراف) (1/229)، و(سيرة ابن هشام) (2/5)، و(البداية والنهاية) (3/96)، و(سيرة ابن كثير) (2/44)، و(السيرة الحلبية) (1/366)، و(عيون الأثر) (1/126)، و(الكامل في التاريخ) (2/87)، و(عيون التواريخ) (1/78)، و(نهاية الأرب) (16/258)، و(تاريخ الخميس) (1/297).(1/113)
وما زيد منه من
أكل الأرضة لها إلا اسم الجلالة، غير صحيح(1).
هذا ما استطعت إملاءه على هذه الأبيات من همزية البوصيري على سبيل الاختصار، وفيها ما يستحق النقد، ولكن ما ذكرنا أوغل منه في البطلان، وأدعى إلى التضليل والضلال، والله المسؤول أن يحفظ علينا إيماننا حتى نلقاه مؤمنين موحدين، ولا حول ولا قوة إلا به
وهو الموفق لا رب غيره.
وكتبه صبيحة الثلاثاء شعبان (1423هـ).
أبو أويس محمد بوخبزة
عفا الله عنه بمنه.
إلى هنا انتهى ما سطره يراع فضيلة شيخنا حفظه الله.
فصل: في كفر أبوي النبي غ
قال أبو عاصم: وقد صنف علي القاري رسالة في كفر أبوي الرسول غ سماها: (أدلة معتقد أبي حنيفة الأعظم في أبوي الرسول غ). وبين فيها-كما في شرحه لكتاب (الشفا) للقاضي عياض-: أن أبا حنيفة قال- كما في رسالته (الفقه الأكبر)-: (ووالدا رسول الله غ ماتا على الكفر)(2). ولكن بعض المبتدعة لم يعجبهم هذا فسارعوا والتجأوا إلى أسلوب التأويل والتحريف فقالوا: إن أصل عبارة أبي حنيفة: (ووالدا رسول الله غ ما ماتا على الكفر)(3).
__________
(1) -وذكر ابن هشام بأنهم وجدوا الأرضة قد أكلت جميع ما في الصحيفة إلا اسم الله تعالى، وقال ابن إسحاق وموسى بن عقبة وعروة عكس ذلك أن الأرضة لم تدع اسماً لله تعالى إلا أكلته، وبقي ما فيها من الظلم والقطيعة انظر: (فتح الباري) (7/192) و(مغازي موسى بن عقبة) (1/126/127) جمع محمد باقشيش. و(سيرة ابن هشام) (1/377)، و(إمتاع الأسماع) للمقريزي (26). انتهى من (السيرة النبوية الصحيحة) (1/181/182). بتصرف يسير.
(2) -حديث إحياء أبوي النبي غ ذكره ابن الجوزي في (الموضوعات)(1/283)، والقرطبي في (الفصل الرابع ) من (التذكرة).
(3) -وسبقهم إلى هذا التأويل الشيخ محمد مرتضى الزبيدي شارح (القاموس) في رسالة سماها: (الانتصار لوالدي النبي المختار غ). بناها على خرافات وأباطيل وتأويلات وموضوعات باهتة.(1/114)
وقد ادعى عدو السنة الكوثري: أن الناسخ لما رأى تكرر حرف (ما) في لفظة: (ما ماتا) ظن أن أحدهما زائدة فحذفها فذاعت نسخته الخاطئة. ثم حاول أن يدلل على كذبته بسياق هذا الخبر فزعم أن في العبارة ركاكةً وتكراراً إن قلنا: (ووالدا رسول الله ماتا على الكفر، وأبو طالب عمه مات كافراً)(1): (
__________
(1) -قال الصوفي الخرافي أبو عبد الله بن المناصف:
مات أبو طالب المناضح * عن النبي أبداً والناصح
ثم قال:
ثم أبو طالب المحمود * بحبه النبي لا أزيد
فعلق أحد أصدقائنا تحت هذا الكلام الممسوح قائلاً: (هذا من عظيم أدبه، لا كما يفعله الأجلاف من الطعن في آباء المصطفى). قلت: وهذا طعن منه بجهل فاضح أو: بغلو قبيح وقادح بأحاديث في (صحيح مسلم) التي تكفرهم بصريح العبارة!!!.(1/115)
لأن أبا طالب والأبوين لو كانوا جميعاً على حالة واحدة، جمع الثلاثة في الحكم بجملة واحدة لا بجملتين، مع عدم التخالف بينهم في الحكم)(1). ثم عاد وخلق قولاً آخر-كما هي عادة المبتدعة يخلقون ما يقولون-يخالف القول والتأويل الأول فقال: (والعبارة: ووالدا رسول الله ماتا على الفطرة. فتحرفت لفظة (الفطرة) إلى (الكفر) باعتبار قرب الرسم في كتابة اللفظة)(2). وهناك قول آخر ادعى صاحبه: أن العبارة التي ذكر القاري مقحمة ليست واردة في الأصل من (الفقه الأكبر) مما اعتمد عليها علي القاري. وعبارة الأصل هكذا: (ورسول الله مات على الإيمان(3)، وأبو طالب عمه أبو علي مات كافراً). ثم زعموا أن أباه غ لم يعبد صنماً، ولم يشارك أهل الجاهلية في شيء من أمورهم الشركية. وأنه أعرض عن الزنا عند ما عرضت عليه المرأة أن يقع عليها(4)
__________
(1) -انظر: (مقدمته) على كتاب (العالم والمتعلم) لأبي حنيفة بتحقيق الكوثري. (ص:7).
(2) -انظر:كتاب (العالم والمتعلم) لأبي حنيفة بتحقيق الكوثري. وممن قال بهذا القول أيضاً مصطفى الحمامي كما في (النهضة الإسلامية).
(3) -ما هذا الضلال والتخبط والاضطراب الفاضح اللامحدود؟ وهل قال أحد من اليهود بَلْهَ المسلمين بأنه غ مات على الكفر؟ نعوذ بالله من تأويل فوق تأويل اليهود، وصدق الشافعي حين قال: (وقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال). ومن قال: (ما احتمل واحتمل سقط به الاستدلال).
(4) -(هذه القصة ضعيفة جداً)..قال الأستاذ أكرم العمري في (السيرة النبوية الصحيحة) (1/94/95): (وقد نسج بعض الكاذبين حكاية حول عبد الله أرادوا بها المبالغة بإضفاء طابع أسطوري على المولد النبوي، فادعوا أن بغياً-ومرةً امرأة مستبضِعة، وثالثة: كاهنة، ورابعة: زوجة ثانية لعبد الله-دعت عبد الله إلى نفسها وقد رأت في عينيه نوراً، ففارقها إلى آمنة زوجه، ثم عاد إليها فامتنعت منه بحجة أن النور قد اختفى بعد لقائه آمنة!-وعزاه في الحاشية للطبراني في (المعجم الكبير) (3/149)، و(الحاكم) (2/601)، وأبي نعيم في (الدلائل) (1/161) من طريق عبد العزيز بن عمران. وابن سعد في (الطبقات الكبرى) (1/86) من طريق هشام الكلبي، و(1/94/95) من طريق الكلبي والواقدي. وابن عساكر (السير ق1/338/339) من طريق محمد ابن عبد العزيز بن عمر الزهري، وهو منكر الحديث (لسان الميزان) (5/259/260)-ثم قال: وهذه الرواية منكرة سنداً ومتناً، ومن يقرأ الروايات المختلفة عنها يدرك مدى الاختلاف والاضطراب في سوقها سواء في تعيين المرأة، إذ مرة هي خثعمية وأخرى أسدية قرشية اسمها قتيلة، وثالثة عدوية اسمها ليلى، وكذلك في صفة عبد الله عند ما التقته فمرة هو مطيَّن الثياب وأخرى هو في زينته!! ومثل هذا الاختلاف ينبغي أن يطرح من دراسات السيرة الجادة-ابن إسحاق: (السير والمغازي) 44 مرسلاً. وعنه البيهقي: (دلائل) 1/105/106 وابن سعد: (الطبقات الكبرى) 1/95/69 بواسطة الواقدي وهشام الكلبي وكلاهما متروك و1/162/164 بواسطة أبي يزيد المدني مرسلاً وإن صح السند إليه. والطبري: (تاريخ) 2/244/246 بإسناد ضعيف فيه تدليس ابن جريج، وتدليسه معيب، وفيه محمد بن عمارة القرشي لم أقف له على ترجمة وفيه مسلم الزنجي صدوق كثير الأوهام. وأبو نعيم: (الدلائل) 1/107/108 بإسناد ضعيف لضعف رواية مسلمة بن علقمة عن داود ابن أبي هند ولأن عبد الباقي بن قانع كثير الأوهام يصر على الخطأ و1/162/164 من طريقين مدارهما على (محمد بن عبد العزيز عن أبيه) ومحمد منكر الحديث، وأبوه مجهول). انظر: (الروض الأنف) (1/174) وما بعدها. وفي غريب ابن قتيبة: (أن التي عرضت نفسها عليه هي: ليلى العَدَويَّة). انظر: (الفتح) (11/417)، و(البداية والنهاية) لابن كثير (2/231/233)، والطبري في (تاريخه) (1/453)، و(الكامل) لابن الأثير (1/355)، و(طبقات ابن سعد) (1/98)، و(المنتظم) لابن الجوزي (2/242)، و(الخصائص) للسيوطي (1/68)، و(الدلائل) لأبي نعيم (1/91). قال أبو علي مسلم الحسيني محقق (صفة الصفوة) (1/18): (وقد أورد ابن هشام قصة هذه المرأة في سيرته مع اختلاف يسير (1/155/156/157) قلت: ولهذه القصة عدة طرق يثبت بها أن هذه الحادثة لها أصل-كذا قال-وانظر: (دلائل النبوة) للبيهقي (1/105/107)، و(تاريخ الطبري) (2/244)، و(شعب الإيمان) للبيهقي (1325)، و(البداية والنهاية) (2/249)، و(دلائل النبوة) لأبي نعيم (38/39)، وهذه الطرق لا تخلو من ضعف أو انقطاع). وانظر ما قاله محمد رواس في حاشية (صفة الصفوة) (1/47/48). أيضاً على هذه القصة.(1/116)
فقال:
أما الحرام فالممات دونه * والحل لا حل فأستبينه
فكيف بالأمر الذي تبغينه * يحمي الكريم عرضه ودينه
قالوا: فهذا التصريح منه أنه لا يحل ذلك، وأنه يحمي دينه. وقالوا عن أمه آمنة: بأنها قالت عند وضعه غ:
أعيذه بالواحد * من شر كل حاسد(1)
__________
(1) -انظر: (صفة الصفوة) لابن الجوزي (1/19). أو: (1/50/51).(1/117)
إلى آخر الأبيات المشهورة التي لم يعرف قائلها، قالوا: كيف تعيذه بالواحد الذي لا شريك له، وتكون مشركة؟ ثم طفقوا يذكرون أحاديث موضوعة مضمنها: أن النبي غ أخبر بأن الله اصطفى له أصلاباً وأرحاماً، حتى أخرجه من بين أبوين لم يصبه ولا أصابه دنَس السفاح والأصنام، فهو خيار من خيار إلى خيار، وإمام من إمام إلى إمام، فهم بمخالفتهم لأهل السنة يزعمون أنهم يرشدون العباد إلى تنزيه مَن لسيد الأفراد من الآباء والأجداد، عن دنس السفاح والشرك والضلال والكفر والعناد، وتبرئة ساحتهم عن النقص في الأعمال والاعتقاد، ثم زعموا أن القائل بكفر أبويه غ يؤذيه وأبويه وأجداده في الألحاد، وأن كل من يذكر كفر أبويه فوق الكراسي والمنابر على رؤوس الأشهاد سفلة يؤذون رسول الله غ ، وإيذاؤه كفر وإلحاد(1)،
__________
(1) -قال القسطلاني في (مواهبه): (الحذر الحذر من ذكرهما بما فيه نقصٌ، فإن ذلك قد يؤذي النبي غ ، لأن العرف جار بأنه إذا ذُكِر أبو الشخص بما ينقصه أو وصف بوصف وذلك الوصف فيه نقص، تأذى ولده بذكر ذلك له عند المخاطبة... ولا ريب أن إيذاءَه غ كفرٌ يُقتل فاعله عندنا إن لم يتب). وقال ابن حجر الفقيه في (النعمة الكبرى): (فالخوض في ذلك على خلاف ما قلنا-يعني القول بالنجاة-ربما يؤذيه غ ، وإيذاؤه كفر يراق به دم قائله). وقال في (فتاويه): (إياك أن يسبق لسانك إلى غير ما قلنا-يعني من النجاة المزعومة-فتكون ممن آذى رسول الله غ ، فتستحق اللعنة). وقال ابن عربي الحاتمي الملحد: (إن أبوي النبي غ من المصطفين الأخيار، ومن الأكابر الأبرار). وقال صاحب كتاب (سداد الدين) (ص:119): (اعلم؛ أن الذي يجب اعتماده واعتقاده وهو الذي ثبتت به الأدلة وندين الله ونلقاه به، أن والدي النبي غ من أهل التوحيد، وأنهما ناجيان غير معذبين، وأنهما من خيار أهل الجنة)..وقال في موضع آخر (ص:145): (قال العلامة ناصر الدين ابن المنير المالكي في كتاب (المقتفى): قد وقع لنبينا غ إحياء الموتى نظير ما وقع لعيسى ابن مريم عليه السلام، إلى أن قال: وجاء في حديث أن النبي غ لما منع من الاستغفار للمشركين، دعا الله تعالى أن يحيي له أبويه، فأحياهما فآمنا به وصدقا، وماتا مؤمنين). ثم ذكر أبياتاً شعرية لشمس الدين ابن ناصر الدين الدمشقي وهي:
حبا الله النبي مزيد فضل * على فضل وكان به رؤفا
فأحيا أمه وكذا أباه * لإيمان به فضلاً لطيفاً
فسلم فالقديم بذا قدير*وإن كان الحديث به ضعيفاً
وساق أبياتاً أخرى لابن سيد الناس يقول فيها:
هذا جزاء الأم عن إرضاعه* لكن جزاء الله عنه عظيم
وكذاك أرجو أن يكون لأمه* عن ذاك آمنة يد ونعيم
ويكون أحياها الإله وآمنت*بمحمد فحديثها معلوم
فلربما سعدت به أيضاً كما *سعدت به بعد الشقاء حليم(1/118)
ومؤذيه-بتكفير أبويه-يبوء بالخزي والسوء يوم التناد، وزعموا أن القول بتكفير أبويه حذر منه العلماء-علماء الروافض والصوفية-وأباحوا قتل فاعله إن لم يتب إلى الله من هذا القول، ثم استدلوا على نجاة أبي طالب وإيمانه بأبيات لو صحت النسبة إليه لكانت دليلاً آخر-على ما في الصحيح-عند أهل السنة على كفر أبي طالب وهي:
ولقد علمت بأن دين محمد * من خير أديان البرية ديناً
لولا الملامة أو حذار مسبة * لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً
وبأبيات أخرى لم تصح النسبة إليه منها:
ألم تعلموا أنا وجنا محمداً * رسولاً كموسى صح ذلك في الكتب
وقالوا: حتى ولو دخل أبو طالب النار لا يخلد فيها(1)وأيضاً ذكروا قول الأبي في (شرح مسلم) ليقولوا بنجاة كل الكافرين الجاهليين، بدعوى أن الحجة لم تقم عليهم: (لما دلت القواطع على أنه لا تعذيب حتى تقوم الحجة، علمنا أنهم غير معذبين). ولم يفهموا معنى بلوغ الدعوة وإقامة الحجة ولا أنهم عرفوا بأن دين إبراهيم عليه السلام كان قائماً قال الشهرستان في (الملل والنحل): (إن دين إبراهيم عليه السلام كان قائماً والتوحيد شائعاً في صدر العرب، وأول من غيره ووضع عبادة الأصنام: عمرو بن لحي). وقد أخبر النبي غ عن بعض أهل الفترة(2)أنه في النار، كصاحب المحجن(3)، وعمرو بن لُحي، وأمية وغيرهم. ولقد صدق أبو حيان حين قال: إن الرافضة هم القائلون: إن آباء النبي غ غير معذبين مستدلين بقوله تعالى: (وتقلبك في الساجدين)(4).
__________
(1) -انظر: (سَداد الدِّين) (ص:31/32/71/84/405)
(2) -وبعضهم يبعث أمة وحده، كقس، وزيد، وورقة وغيرهم.
(3) -صح أنه كان يسرق الحجاج بمحجنه.
(4) -سورة الشعراء، رقم الآية: (219).(1/119)
قال السيوطي: (استَقْرَيْتُ أمهات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فوجدتهن كلهن مؤمنات، فأم إسحاق، وموسى، وعيسى، وحواء أم شيث عليهم السلام مذكورات في القرآن، بل قيل: بنبوتهن، ووردت الأحاديث بإيمان هاجر أم إسماعيل، وأم يعقوب وأمهات أولاده، وأم داود وسليمان وزكرياء ويحيى وشمويل وشمعون وذي الكفل عليهم السلام، ونص بعض المفسرين على إيمان أم نوح وأم إبراهيم عليهم السلام ورجحه أبو حيان في تفسيره). ذكر الشيخ الألباني في (صحيح السيرة النبوية)-عند قول ابن كثير: روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ غ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ). وروى مسلم أيضاً عن أنس: أن رجلاً قال: يا رسول الله! أين أبي؟ قال: (في النار). فلما قَفَّى دعاه، فقال: (إن أبي وأباك في النار)- قال الألباني معلقاً على قوله غ: (إن أبي وأباك في النار). في هامش الكتاب(1): (رواه مسلم(2)، وله شواهد؛ منها حديث سعد ابن أبي وقاص... واعلم أن هذا الحديث مع صحة إسناده، وكثرة شواهده، وتلقي العلماء النقاد بالقبول له؛ فإن الشيخ (أبو زهرة) قد رده بجرأة وجهالة متناهية؛ فقال: (إنه خبر غريب في معناه، كما هو غريب في سنده، لأن الله تعالى يقول: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(3).
__________
(1) -(صحيح السيرة النبوية لابن كثير) (ص:24/25/26/27). بقلم الشيخ محمد الألباني
(2) -(1/132/133).
(3) -(سورة الإسراء، الآية:15).(1/120)
وقد كان أبو محمد عليه الصلاة والسلام وأمه على فترة من الرسل، فكيف يعذبون؟!!... وفي الحق إني ضرست في سمعي وفهمي عند ما تصورت أن عبد الله وآمنة يتصور أن يدخلا النار)! فأقول: يا سبحان الله! هل هذا موقف من يؤمن برسول الله أولاً، ثم بالعلماء الصادقين المخلصين ثانياً، الذين رووا لنا أحاديثه غ وحفظوها لنا، وميزوا ما صح مما لم يصح منها، واتفقوا على أن هذا الحديث من الصحيح الثابت عنه غ ؟! أليس موقف (أبو زهرة) هذا هو سبيل أهل الأهواء-كالمعتزلة وغيرهم-الذين قالوا بالتحسين والتقبيح؛ مما رده عليهم أهل السنة؟! والشيخ يزعم أنه منهم؛ فما باله خالفهم، وسلك سبيل المعتزلة في تحكيم العقل، وردهم للأحاديث الصحيحة لمجرد مخالفتها لأهوائهم؛ إما أصلاً؛ وإما تأويلاً إذا لم يستطيعوا رده من أصله؟! وهذا عين ما فعله الشيخ؛ فإنه ردَّ هذا الحديث لظنه أنه حديث غريب فرد-كما رأيت-وتأول أحاديث الزيارة بقوله: (ولعل نهي النبي غ عن الاستغفار (لأمه)؛ لأن الاستغفار لا موضع له، إذ أنه لم يكن خطاب بالتكليف من نبي مبعوث)! ونحن نقول له-كما تعلمنا من بعض السلف-: اجعل (لعل) عند ذاك الكوكب! فإن أحاديث الزيارة تدل دلالة قاطعة على أن بكاءه غ إنما كان شفقة عليها من النار، وهذا صريح في بعض طرق حديث بريدة-وهو مخرج في (أحكام الجنائز) (ص:188). قال الألباني: وهو حديث صحيح بمجموع طريقيه، وله أسانيد أخرى أحدها صحيحة، وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي-ولذلك علق الإمام النووي على حديث أبي هريرة منها بقوله في (شرح مسلم): (فيه جواز زيارة المشركين في الحياة، وقبورهم بعد الوفاة؛ لأنه إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة ففي الحياة أولى. وفيه النهي عن الاستغفار للكفار). وقال في شرح حديث أنس هذا: (فيه أن من مات على الكفر فهو في النار، ولا تنفعه قرابة المقربين.(1/121)
وفيه أن من مات على الفترة-على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان-فهو من أهل النار وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم).
قال الألباني: وفي كلام الإمام النووي رد صريح على زعم (أبو زهرة) أن أهل الفترة الذين كانوا قبل بعثة النبي غ لا يعذبون! ومع أن قوله هذا مجرد دعوى؛ لأنه لا يلزم من صحة القاعدة-وهي هنا أن من لم تبلغه الدعوة لا يعذب-أن الشخص الفلاني أو الأمة الفلانية لم تبلغهم الدعوة، بل هذا لا بد له من دليل كما هو ظاهر، وهذا مما لم يعرج عليه (أبو زهرة) مطلقاً، وحينئذ يتبين للقارئ الكريم كم قد تَجَنَّى على العلم حين رد حديث أنس، وتأول أحاديث الزيارة بما يفسد دلالتها بمجرد هذه الدعوة الباطلة؟! وإن مما يؤكد لك بطلانها مخالفتها لأحاديث كثيرة جداً يدل مجموعها على أن الصواب على خلافها، وأرى أنه لابد هنا من أن أذكر بعضها:
1-قوله غ: (رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار، كان أول من سيب السوائب). رواه الشيخان. وفي رواية: (كان أول من غير دين إسماعيل).
2-سألوه غ عن عبد الله بن جدعان؛ فقالوا: كان يقري الضيف، ويعتق، ويتصدق، فهل ينفعه ذلك يوم القيامة؟ فقال: (لا؛ إنه لم يقل يوماً: رب! اغفر لي خطيئتي يوم الدين). رواه مسلم.
3-أنه غ مر بنخل فسمع صوتاً(يعني: من قبر)، فقال: (ما هذا؟). قالوا: قبر رجل دفن في الجاهلية. فقال غ: (لَوْلاَ أَنْ لاَ تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ أَهْلِ الْقُبُورِ مَا أَسْمَعَنِي). (رواه أحمد من طرق عن أنس، وعن جابر، وله شاهد من حديث زيد بن ثابت عند مسلم وأحمد، وهو مخرج في (الصحيحة/158 و159).(1/122)
4-حديث رؤيته غ في صلاة الكسوف صاحب المحجن يجر قصبه في النار؛ لأنه كان يسرق الحجاج بمحجنه. (رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في (الإرواء) (656). وفي الباب أحاديث أخرى خرجها الهيثمي في (مجمع الزوائد) (1/116/119)؛ فليراجعها من شاء، وهي بمجموعها تدل دلالة قاطعة على أن المشركين في الجاهلية من أهل النار، فهم ليسوا من أهل الفترة، فسقط استدلال (أبو زهرة) بالآية جملة وتفصيلاً. وأما قوله في حديث أنس المتقدم وهو قوله غ: (إن أبي وأباك في النار): (كما هو غريب في سنده)! فأقول: وهذه دعوى باطلة كسابقتها، فالحديث صحيح لا غرابة فيه، وحسبك دليلاً أنه أخرج في (الصحيح)، وإن أراد بذلك أنه غريب بمعنى أنه تفرد به واحد، فذلك مما لا يضره؛ لأن كل رواته ثقات أثبات، على أن له شواهد تزيده قوةً على قوة كما تقدم. وأنا حين أقول هذا أعلم أن السيوطي تورط أيضاً وغلبه الهوى، فأعل الحديث بتفرد حماد بن سلمة به-إلى درجة أنه لم يورده في (الجامع الصغير) ولا في (ذيله عليه)-وهو من أئمة المسلمين وحفاظهم، وكنت أود أن أطيل النفس أيضاً في الرد عليه ولكن طال الكلام فحسبنا منه ما تقدم). قال ابن كثير: (والمقصود أن عبد المطلب مات على ما كان عليه من دين الجاهلية؛ خلافاً لفرقة الشيعة فيه، وفي ابنه أبي طالب... وقد قال البيهقي بعد روايته هذه الأحاديث في كتابه (دلائل النبوة): (وكيف لا يكون أبواه(1)
__________
(1) -قال أحمد بن الصديق الغماري في رسالة أرسلها لفضيلة شيخنا محمد (بوخبزة) بعد كلام طويل: (ومجمل القول في أبوي النبي غ هو نجاتهم لقيام الأدلة القاطعة على ذلك. أما أبو طالب ففيه تردد من جهة امتناعه من النطق بالشهادتين عند وفاته، مع اعترافه بصدق النبي غ ودفاعه عنه، والواقع أنه غير ناج النجاة المطلوبة، ولا معذب عذاب الكفار كما دلت عليه الدلائل أيضاً. هذا هو المجمل الذي لو فصل لاستدعى إلى مؤلف ضخم والسلام)..انظر: (الجواب المفيد للسائل المستفيد) (ص:94). تحت عنوان: (أبوا المصطفى وعمه أبو طالب ومسألة نجاتهم)(1/123)
وجده عليه الصلاة والسلام بهذه الصفة في الآخرة وقد كانوا يعبدون الوثن، حتى ماتوا ولم يدينوا بدين عيسى ابن مريم عليه السلام، وكفرهم لا يقدح في نسبه عليه الصلاة والسلام(1)، لأن أنكحة الكفار صحيحة، ألا تراهم يسلمون مع زوجاتهم؛ فلا يلزمهم تجديد العقد ولا مفارقتهن، إذ كان مثله يجوز في الإسلام. وبالله التوفيق). قال ابن كثير: (وإخباره غ عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار؛ لا ينافي الحديث الوارد من طرق متعددة أن أهل الفترة والأطفال والمجانين والصم يمتحنون في العرصات يوم القيامة؛ كما بسطناه سنداً ومتناً في (تفسيرنا)(2). عند قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)(3).
__________
(1) -قال الألباني: (كما لا يخفى فيه أنه ينتهي إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وقد كان أبوه مشركاً بنص القرآن: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين) (الأنعام:74)، ولذلك تبرأ منه، كما قال تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم. وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم) (التوبة:113/114). انظر: (صحيح السيرة) (ص:28).
(2) -انظر: (5/47/ إلى:54). و(العبر) للذهبي (1/445).
(3) -الإسراء: الآية: (15).(1/124)
فيكون منهم من يجيب، ومنهم من لا يجيب، فيكون هؤلاء من جملة من لا يجيب، فلا منافاة(1)، ولله الحمد والمنة).
__________
(1) -قال الألباني في حاشية (صحيح السيرة) (ص:28): (وهذا جمع جيد جداً؛ لأنه وإن كان من الممكن افتراض أن بعض من كان في الجاهلية قد بلغته الدعوة، وأقيمت عليه الحجة-على ما جرينا عليه في تعليقنا السابق، وعليه يدل كلام البيهقي الذي نقله المؤلف-فإن من الممكن أيضاً أن نفترض أن بعضهم لم تبلغه الدعوة، وحينئذ فأمامه الامتحان في عرصات القيامة، فمن نجح فقد نجا، وإلا فقد هلك، وعلى هذا النوع من الهالكين تحمل الأحاديث التي صرحت بعذاب بعض من مات في الجاهلية كما تقدم).(1/125)
والموضوع فيه بقية لمن أراد أن يُدلي بدلوه لأني أعتقد أن كل ما نشر في هذا الموضوع إلى الآن: (لا يَعْدُو بُلْغَة من زاد وافرٍ، ونغبةً من فرات زاخر)(1). وكثير من العلماء الصحيحي المعتقَد يخشون التلويح بَلْهَ التصريح بما ذكره فضيلة شيخنا في هذا السفر الجميل، بل بعضهم قنع: (بالطل من الوابل الهتون)(2). ومن أجل هذا أردنا أن يكون (هذا السفر التام المقصود، وكوكب المراد الطالع من أفق السعود، سهل الحصول لمن رام الوصول إليه. ويسير النتاج لمن أراد الحصول منه والتعويل عليه، لأنه احتوى على دراسات عديدة في كراريس محدودة، وفراسات سديدة في قراطيس مشهودة، تحلت بعون الله وحسن توفيقه بكل زين)(3). ومع اختصاره وصغر حجمه (جاء-بحمد الله-في بابه بديع المثال، منيع المنال، مبدي العجب العجاب. إذا سئل أعطى وإذا دعي أجاب، كأنه سماء علوم شرفت كواكبها عجائبها، وأرض فنون أمطرت بالغرائب سحائبها، شامةً في وجنات النكات، تميمة في أجياد الفحول الأثبات، جنة أشجارها مورقة، حديقة أزهارها مونقة، أكلها دائم وظلها قائم. نعيمها مقيم، ومزاجها من تسنيم. سفينة نجاة يعبر بها الأبرار بحاراً بعيدة الأغوار)(4).
أَفَاضتْ فُيُوضاً أخْجَلَتْ جُودَ حَاتِمٍ **أَسَالَتْ إلَيْنَا هَاطِلاً بَعْدَ هَاطِلِ
قِفُوا أَخْبِرُونَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ** وَمَنْ ذَا يَرُدُّ الآنَ لَهْفَةَ سَائِلِ
__________
(1) - انظر: (أبجد العلوم). للشيخ صديق حسن خان (1/1).
(2) - انظر: (أبجد العلوم). للشيخ صديق حسن خان (1/5).
(3) - انظر: (أبجد العلوم). للشيخ صديق حسن خان (1/6). بتصرف يسير.
(4) - انظر: (أبجد العلوم). للشيخ صديق حسن خان (1/7/8).(1/126)
قِفُوا أَخْبِرُونَا هَلْ لَهَا من مُشَابِهٍ ** قِفُوا أَخْبِرُونَا هَلْ لَهَا من مُشَاكِلِ(1)
و(لا عطر بعد عروس). والمحابر سُرُج الإسلام-كما قيل-فالحبر هنا لم تخنه عبارة، ولم تعجزه مسألة، ولم توقفه شاردة، ولم يتحدث عبثاً حباً في الحديث، ولم يطلق كلاماً جزافاً، ولا بعيون الخَلَف نظر، بل بعيون السلف قرأ ونظر، وبقلم ابن تيمية رقَمَ وحبر، وأبدع في ما قدم، وصحح للصوفي ما نظم، وسلط الأضواء المحرقة على أنغام رقصهم، ووضع الإصبع على داء شيخهم، فقد هبت رياح الإيمان ورياح التغيير بساحتهم إن استيقظت أنعامهم، فقد-والله-قطع عليكم عذركم أن تعودوا إلى رشدكم وصوابكم وتحاسبوا أنفسكم-بالرجوع فوراً إلى السنة-قبل أن تحاسبوا. ونشكر فضيلة شيخنا فقد أثرى مكتبتنا الإسلامية بهذا السفر الذي نشرف بالتعليق عليه، ونرجوه تعالى أن يجعل هذا في حسناتنا وحسناته يوم نلقاه. وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم.
كتبه تلميذه
أبو عاصم عمر الحدوشي.
وله عليه تعليقات أخرى تراها في الطبعة الثانية إن منَّ الله عليه بالإفراج
السجن المحلي بتطوان29الإثنين1428هـ
محتويات أبيات البردة
الموضوع ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... الصفحة
مقدمة: بقلم المحقق: أبو عاصم ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
سبب نظم قصيدة البردة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
خرفة الصوفية وما حيك حولها ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
تقديم فضيلة شيخنا: محمد بوخبزة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
بداية التوضيحات ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .. ... ... ... ...
__________
(1) - انظر: (أبجد العلوم). للشيخ صديق حسن خان (1/10/11). قال فضيلة شيخنا عند ما قرأ هذه التعليقات: (الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه وسلم. الأخ الأستاذ الفاضل أبو عاصم-رعاه الله-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ساعتَه 1-زوالاً من يوم الأربعاء8 صفر فرغت من قراءة رسالة التوضيحات وما دَبَّجَه يَراعُك السيال من حواشٍ وتعليقات. وقد أجدت وأفدت فيما زبرت فجزاك الله خيراً ولم أنقم منك إلا إطراءَك لي).(1/127)
دور التوضيحات بالبردة ... ... ... ... ... .. ... ... ... ... .. ... ...
هل كان جبريل خادماً للنبي ... ... .. ... ... ... ... ... ... ... ... ...
هل الدنيا خلقت من أجل محمد غ ... ... .. ... ... ... ... ... ... ..
هل الأنبياء أخذوا من مشكاة خاتم النبيين ... ... ... ... ... ... ... ...
ما معنى: دع ما ادعته النصارى. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
محتويات أبيات الهمزية
الموضوع ... ... ... ... ... ... ... ... ..............الصفحة
مقدمة المحقق شيخنا أبي عاصم –فك الله أسره ... ... ... ... ... ... .
نص رسالة التوضيحات ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
ما معنى قوله البوصيري: وبدا للوجود منك كريم. ... ... ... ... ... ... .
حكم أبوي النبي غ ... ... ... . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
إرهاصات النبوة ... ... . ... ... ... ... ... ... ... ... .. ... ... ... .
هل الملائكة لا تدخل بيتاً فيه امرأة حاسرة الرأس؟ ... ... ... .. ... ... .
التوسل بالنبي غ وأصحابه وآل بيته ... ... ... ... ... .. ... .. ... ... .
هل يجوز طلب الأمان من النبي غ ... ... ... ... ... ... ..... ... ... .
طلب الغوث من المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله ... ... ... ... .......
طلب الشفاء من النبي غ. ... ... ... ... ... ... ... .. ... ... ... ....
السؤال بجاه النبي غ. وبث الشكوى إليه. ... ... ... .. ... ... .....
نسج العنكبوت.....................
محنة.................................
الصحيفة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .. ... ..
فصل كفر أبوي النبي غ ... ... ... ... ... ... ... ... .. ... ... ......(1/128)