وبالله حولي واعتصامي وقوتي ومالي إلا ستره متجللا
فيا رب أنت الله حسبي وعدتي عليك اعتمادي ضارعا متوكلا
الحمد لله العزيز الغفار ، القوى القهار ، مكور النهار على الليل ومكور الليل على النهار، الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكفار ، والذى نصب فى كلّ جيلٍ طائفةً ليتفقهوا فى الدين ويستقرئوا سالف الآثار ، وهيأهم لإدراك الصحيح والضعيف من السنن والأخبار ، أولئك الذين تنجلى بهم الظلم ، وتنكشف بهم الغمم ، ويُهتدَى بهم على كرِّ الدهور والأعصار.
أحمده وهباته تنزل تترى على توالى الليل والنهار ، وأرجوه وأخافه وبيده مقاليد الأمور ويعلم كمائن الأسرار ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادةً دلائلها مشرقة الأنوار ، ونتيجة اعتقادها مباينة أهل العناد من المشركين والكفار ، وأشهد أن محمداً عبده ورسولُه المجتبى ونبيُّه المختار .
وبعد .. .. لما كان كتاب (( رياض الصالحين )) ، للإمام الربانى العارف بالله ، شيخ الإسلام ، إمام الأئمة الأعلام ، شيخ الشافعية فى زمانه ، وأوحد الفقهاء إذ لا نظير له من أقرانه ، أبى زكريا يحيى بن شرف النووى الشافعى ، من أحسن وأجمع كتب (( الترغيب والترهيب )) ، فقد أحكم الإمام العلامة بنائه وترتيبه ، وأودعه من الآيات الكريمات ، والأحاديث النبويات ، وما يجول معه الناظر فى رياض السنة ، ليكون حادياً للأرواح إلى رياض الجنات ، وحاجزاً للنفوس عن القبائح المهلكات .
وقد أبان الإمام النووى عن الغاية التى لأجلها صنّف هذا الكتاب الجامع ، فقال :(1/1)
(( فرأيت أن أجمع مختصراً من الأحاديث الصحيحة مشتملاً على ما يكون طريقاً لصاحبه إلى الآخرة ، ومحصلاً لآدابه الباطنة والظاهرة جامعاً للترغيب والترهيب ، وسائر أنواع آداب السالكين : من أحاديث الزهد ، ورياضات النفوس ، وتهذيب الأخلاق ، وطهارات القلوب وعلاجها ، وصيانة الجوارح وإزالة اعوجاجها ، وغير ذلك من مقاصد العارفين )) .
وقال : (( أرجو إن تمَّ هذا الكتاب أن يكون سائقاً للمعتنى به إلى الخيرات ، حاجزاً له عن أنواع القبائح والمهلكات )) . وقد وفى الإمام العلامة بالغاية التى لها قصد ، فلم يزل كتابه للمعتنى به إلى الخيرات حادياً ، وللباحث فيه إلى دقائق الفقه هادياً .
ولقد لطف فى غايته ابتداءاً واختتاماً ، وأعجب بها من لطافة ، إذ افتتحها بقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى )) ، واختتمها بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( إذا دخل أهل الجنّة الجنّة ، يقول الله تبارك وتعالى : تريدون شيئاً أزيدكم ؟ ، فيقولون : ألم تبيّض وجوهنا . ألم تدخلنا الجنّة . وتنجنا من النار !! فيِكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئاً أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم )) .
ولكن لم يخلُ الكتابُ من ضعاف الأحاديث والمرويات ، التى قد يُختلف على عددها وأعيانها ، مع القطع بأنها مغمورة إلى جانب الكثرة الكاثرة من أحاديث (( الصحيحين )) ، والأحاديث الصحيحة والحسنة بذاتها أو بغيرها من غيرهما ، ومع الجزم بأن الإمام النووى كان أحد المحققين المدققين العارفين بفنون علم الحديث ، وله فيها المصنفات النافعة ، والتى أشهرها وأنفعها كتاب (( التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير )) ، والذى شرحه العلامة الجلال السيوطى فى كتابه (( تدريب الراوى بتقريب النواوى )) .(1/2)
قال العلامة السيوطى ـ طيب الله ثراه ـ فى (( تدريب الراوى )) : (( فرأيت كتاب (( التقريب والتيسير )) لشيخ الإسلام الحافظ ، ولى الله أبى زكريا النووى ، كتاباً جلّ نفعه وعلا قدرُه ، وكثرت فوائدُه ، وغرزت للطالبين موائدُه )) .
ولو نُبذ كلُّ كتابٍ لأخطاءٍ فيه أو غلط ، أو صدر من مصنِّفِه تقصيرٌ يسيرٌ أو شطط ، لضاقت سبل العلم والتعلِّم ، وما انتفع أحد بدرسٍ ولا استمع إلى معلِّم .
ولله درُّ شيخ الإسلام تقى الدين بن دقيق العيد المصرى حيث يقول : (( والحكيم من يقرُّ الأمورَ فى نصابها ، ويعطى كل طبقةٍ ما لا يليق إلا بها . وأما السهو والغلط فما أمكن تأويله على شئٍ يُتأول ، وما وُجد سبيلٌ واضحٌ إلى توجيهه حُمل على أحسن محمل ، وما استدَّت فيه الطرق الواضحة ، وتؤمِّلت أسباب حسنه أو صحته فلم تكن لائحة ، فلسنا ندَّعى لغير معصومٍ عصمة ، ولا نتكلَّف تقدير ما نعتقده غلطاً بأن ذلك أبهج وصمة ، فالحق أولى ما رُفع علمُه ، ورُوعيت ذممُه ، ووفيت من العناية قِسمُه ، وأقسم المحقِّقُ أن لا يعافَه فبرَّ قَسَمُه ، وعزم الناظرُ أن يلزم موقفَه فثبتت قدمُه .
ولكن لا نجعلُ ذلك ذريعةً إلى ترك الصواب الجمِّ ، ولا نستحلُّ أن نقيم فى حقِّ المصنِّف شيئاً إلى ارتكاب مَرْكِب الذمِّ ، والذنب الواحد لا يهجر له الحبيب ، والروضة الحسناء لا تترك لموضع قبرٍ جديب ، والحسنات يذهبن السيئات ، وترك المصالح الراجحة للمفاسد المرجوحة من أعظم المباآت ، والكلام يعضد بعضُه بعضا ، ومن أسخطه تقصير يسير فسيقف على إحسان كبيرٍ فيرضى .
ولو ذهبنا نترك كل كتاب وقع فيه غلط ، أو فرط من مصنِّفه سهو أو سقَط ، لضاق علينا المجال ، وقصر السِّجال ، وجحدنا فضائل الرجال ، وفاتنا فوائدُ تكاثر عديد الحصا ، وفقدنا عوائدَ هى أجدى علينا من تفاريق العصا .(1/3)
ولقد نفع الله الأمَّة بكتبٍ طارت كلَّ مطار ، وجازت أجواز الفلوات وأثباج البحار ، وما فيها إلا ما وقع فيه عيب ، وعرف منه غلطٌ بغير شكٍّ ولا ريب ، ولم يجعله الناس سبباً لرفضها وهجرها ، ولا توقَّفوا عن الاستضاءة بأنوار الهداية من أفق فجرها )) اهـ .
ولا أدرى بين يدى كلام شيخ الإسلام ماذا أقول ، فالزيادة عليه أو بسط معانيه هذر أو فضول ، ولقد نفع الله به أقواما فكانوا فى العلم سادة وللأدب حافظين ، وسينفع به إن شاء آخرين ، فيدركون سبيل السلف الماضين .
ولا يمكننى القطع بعدد الأحاديث الضعيفة التى احتواها هذا الكتاب النافع ، خاصة ًوأنا أنظره بعين الناقد البصير ، المعجب بدقائق الانتقاء وبراعة التقرير ، سيما وقد خالفت الكثيرين ممن يجزمون بتضعيف أحاديث صححها أكابر الأئمة : الترمذى ، وأبو داود ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، وقوّاها أماثل الحفاظ : النووى ، ومغلطاى ، والزيلعى ، وابن الملقن ، وابن حجر ، وذلك مصيراً من المُضعّفين إلى تقليد الشيخ الألبانى ـ طيب الله ثراه ـ فيما علّق عليه فى (( سلسلته الضعيفة )) أو (( ضعيف الجامع الصغير )) ونحوها .
وقد ضعّف الشيخ الألبانى أحاديثا مما احتواه (( رياض الصالحين )) ، وقلّده عليها كثيرون ممن لم يمعن النظر والفهم لدقائق مذهبه فى التضعيف ، وقد رجّحت القول بصحتها ، وأطلت البحث معه فى رسالتى (( السبل الوضيحة ببيان أوهام الألبانى بين الضعيفة والصحيحة )) ، ثم رأيت أن أفرد بالبحث والتبيين هذه الأحاديث التى ضعَّفها الألبانى مما احتواه (( رياض الصالحين )) ، وهى عند الناقد المحقق على خلاف ما حكم الألبانى ! ، سيما مع إيداع أئمة الصحاح إياها فى (( صحاحهم )) ، كابن خزيمة ، وابن حبان ، ومع اختلاف مراتب الصحيح عند المحققين ، كما بينته فى (( دلائل التوضيح إلى مراتب الصحيح )) .(1/4)
ولربما ألزمته بلازم مذهبه فى (( السلسلة الصحيحة )) ، فقد صحَّح جملة من الأحاديث التى لها أشباه ونظائر فى (( السلسلة الضعيفة )) ، كان ينبغى بناءاًً على مذهبه أن تأخذ حكمها ، أو تنقل تلك الأشباه والنظائر إلى (( الصحيحة )) . والثانى من الحكمين أليق بالمقام ، وأوفق لمقتضيات القواعد الحديثية عند أهل المعرفة بهذا العلم .
وقد يحضرنى للوهلة العاجلة ، مثالاً واضحاً على هذا التناقض فى الحكم على الأشباه والنظائر ، وهو حديث (( لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب ، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسى )) .
أخرجه الترمذى (2411) ، والواحدى (( الوسيط ))( 1/ 27/2) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(4/245/4951) جميعاً من طريق إبراهيم بن عبد الله بن الحارث بن حاطب الجُمحى عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعاً به .
وقال أبو عيسى : (( هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن عبد الله بن الحارث )) .
قلت : هذا حديث إسناده حسن ، رجاله كلهم ثقات مشاهير غير إبراهيم بن عبد الله ابن الحارث بن حاطب الجمحى . وقد ذكره ابن حبان فى (( الثقات )) ، وقال : (( روى عنه : عبد الله بن مسلمة القعنبى ، وعلى بن حفص المدائنى )) .
وزاد الحافظ المزى فى (( تهذيب الكمال ))(2/123) فى الرواة عنه : عنبسة بن سعيد الرازى ، وأبو النضر هاشم بن القاسم . وترجمه ابن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل )) (2/110/321) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . وأورده الحافظ الذهبى فى (( الميزان )) (1/161/125) ، وذكر له هذا الحديث ، وقال : (( ما علمت فيه جرحاً )) .
وقال الحافظ ابن حجر فى (( التقريب ))(1/37) : (( صدوق . روى مراسيل )) .(1/5)
وأما الألبانى ، فقد ضعّف الحديث ، ورد قول الحافظ الذهبى بقوله فى (( السلسلة الضعيفة ))(2/321) : (( فقد يقال : فهل علمت فيه توثيقاً ؟ ، فإن عدم الجرح لا يستلزم التوثيق كما لا يخفى ، فالأحسن فى الإفصاح عن حاله قول ابن القطان : لا يعرف حاله . وأما ابن حبان ، فذكره فى (( الثقات )) على قاعدته ! ، واغتر به الشيخ أحمد شاكر فصحح إسناده فى (( عمدة التفسير )) اهـ .
قلت : وهذا التعقب يحمل فى ثناياه تناقضات كثيرة !! :
( أعجبُها ) اعتبار قول ابن القطان (( لا يعرف حاله )) جرح يفصحُ عن حال الراوى .
وأقول : أى إفصاح عن الحال فى هذا القول !! .
و( أدلها على التناقض ) أن الشيخ ـ طيب الله ثراه ـ قد نقضه فى عدة مواضع من (( سلسلته الصحيحة )) . فقد أقر هناك أن من توّحد ابن حبان بتوثيقه ، ولم يذكر فيه غيره جرحاً ولا تعديلاً ، مما تطمئن النفس إلى توثيقه وقبول روايته ، خلافاً لما يقرره هنا فى (( سلسلته الضعيفة )) !! .
فقد خرّج فى (( صحيحته ))( حديث رقم291) : حديث (( رأيت ليلة أسرى بى رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟؟ ، فقال : الخطباء من أمتك ، يأمرون الناس بالبر، وينسون أنفسهم ، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون )) .
أخرجه أبو يعلى (1/198) ، وابن حبان (52) كلاهما من طريق المغيرة بن حبيب الأزدى عن مالك بن دينار عن أنس مرفوعاً .
قال الشيخ : (( هذا إسناد جيد ، رجاله كلهم ثقات غير المغيرة بن حبيب الأزدى . أورده الذهبى فى (( الميزان )) لقول الأزدى فيه : (( منكر الحديث )) . وذكره ابن حبان فى (( الثقات )) وقال : (( يروى عنه : هشام الدستوائى ، وأهل البصرة ، يغرب )) .
وأورده ابن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل )) ، وزاد فى الرواة عنه : حماد بن زيد ، وجعفر ابن سليمان ، وصالح المرى ، وبشر بن المفضل ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .(1/6)
ثم قال الشيخ : (( فمثله مما تطمئن النفس لحديثه ، لرواية هذا الجمع من الثقات عنه دون أن يعرف بما يسقط حديثه ، وأما قول الأزدى (( منكر الحديث )) ، فمما لا يلتفت إليه لأنه معروف بالتعنت ، ولهذا لم يورده الذهبى فى (( الضعفاء )) اهـ .
قلت : فإذا كان المغيرة الأزدى الذى توحّد ابن حبان بتوثيقه ، ولم يذكر فيه غيره جرحاً ولا تعديلاً ، ولم يفسر سببُُ به يسقط حديثه ، قد اطمأنت نفس الشيخ لتصحيح حديثه وقبوله ، فهل يختلف حاله عن حال سالفه إبراهيم بن عبد الله بن الحارث ؟؟ .
ولا ينبغى أن يفوتك أن قول الألبانى (( لا يُعرف بما يسقط حديثه ـ يعنى مغيرة ـ )) ، إذا كان دليلاً على اطمئنان النفس لقبول مغيرة بن حبيب وتصحيح روايته ، فلقائل أن يقول عنه كما قال الألبانى عن إبراهيم بن عبد الله بن الحارث (( فقد يقال : فهل علمت فيه توثيقاً ؟ ، فإن عدم الجرح لا يستلزم التوثيق كما لا يخفى ، فالأحسن فى الإفصاح عن حاله القول بأنه : لا يعرف حاله )) !! .
وهذا القول إنما هو من باب إلزام الشيخ بلازم قوله لئلا تتضارب أحكامه على الأشباه والنظائر ، وإلا فقبول رواية كلٍّ من المغيرة وإبراهيم واعتماد توثيقهما هو الراجح عند النظر الصحيح ، فليس بينهما تباين بحالٍ تؤثر فى الحكم عليهما ، وإن كان بينهما اختلاف يُذكر ، فالمغيرة قد تناوله بلديه أبو الفتح الأزدى بالجرح ، وأما إبراهيم بن عبد الله بن الحارث الجمحى فلم يصب بأدنى جرحةٍ .
فلم اطمانت نفس الشيخ لتصحيح حديث المغيرة ووثقه ، ولم يرضى بإبراهيم الجمحى ولم يصحح حديثه !! . ولماذا وصف الأئمة المتلقين لحديث كليهما بالقبول والرضى : كالترمذى ، وابن حبان ، وابن حجر ، وأحمد شاكر بالاغترار وقلة التحقيق ؟؟ .(1/7)
ونزيدك إيضاحاً بمثالٍ ثانٍ ، وهو حديث (( جاء رجل من بنى سلمة ، فقال : يا رسول الله ! أبقى من بر أبوى شئُُ أبرهما به من بعد موتهما ؟ ، قال : نعم . الصلاة عليهما ، والاستغفار لهما ، وإيفاءُُ بعهودهما من بعد موتهما ، وإكرام صديقهما ، وصلة الرحم التى لا توصل إلا بهما )) .
أخرجه ابن أبى شيبة (( المصنف )) ، وأحمد (3/497) ، والبخارى (( الأدب المفرد )) (35) ، وأبو داود (5142) ، وابن ماجه (3664) ، والرويانى (( مسنده ))(1460) ، وابن حبان كما فى (( موارد الظمآن ))(2030) ، والطبرانى (( الكبير ))(19/267/592) و(( الأوسط ))(8/65/7976) ، والحاكم (4/154) ، والبيهقى (( الكبرى ))(4/28) و(( شعب الإيمان ))(6/199/7896) ، والخطيب (( موضح الأوهام ))(1/77) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(21/56) جميعاً من طريق أسيد بن على بن عبيد عن أبيه مولى أبى أسيد عن أبى أسيد الساعدى به .
قلت : هذا الحديث إسناده حسن ، رجاله ثقات كلهم غير على بن عبيد مولى أبى أسيد الساعدى ، وقد وثقه ابن حبان وصحح حديثه .
وقال الحافظ فى (( التقريب ))(2/41) : (( مقبول )) .
وأما الحافظ الذهبى ، فقد قال فى (( الميزان )) : (( لا يعرف )) .
والقاعدة عنده فيمن (( لا يعرف )) ما قرره فى (( ديوان الضعفاء )) بقوله : (( وأما المجهولون من الرواة ، فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه وتلقى بحسن الظن ، إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ )) اهـ .
وعلى بن عبيد مولى أبى أسيد الساعدى ، من أوساط التابعين إن لم يكن من كبارهم ، فحديثه متلقى بالقبول عند الحافظ الذهبى ، ولهذا لما قال الحاكم : (( صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) ، أقره الذهبى ، وقال : (( صحيح )) .(1/8)
وأما الألبانى ، فقد قال فى (( سلسلته الضعيفة ))(2/62) : (( هذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات كلهم غير على مولى أبى أسيد ، لم يوثقه غير ابن حبان ، ولم يرو عنه غير ابنه أسيد ولهذا قال الذهبى : (( لا يعرف )) ، وقال الحافظ : (( مقبول )) اهـ .
قلت : فهلا ذكر قاعدة الذهبى فيمن لا يعرف كما أسلفنا بيانها ! . والشيخ هاهنا لا يعتد بتوثيق ابن حبان ، ولكنه يعكس القضية بعينها فى (( صحيحته )) ، حيث لا يجد مستنداً لتقوية حال الراوى إلا توثيق ابن حبان وحده !! .
فقد خرّج فى (( صحيحته ))(رقم 365) : حديث (( احضروا الذكر ، وادنوا من الإمام ، فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر فى الجنَّة ، وإن دخلها )) .
أخرجه أحمد (5/11) ، وأبو داود (1198) ، والحاكم (1/298) ، والبيهقى (3/238) جميعاً من طريق قتادة عن يحيى بن مالك أبى أيوب العتكى عن سمرة بن جندب مرفوعاً .
قال الألبانى : (( ويحيى بن مالك هذا ، قد أغفله كل من صنف فى رجال الكتب الستة فيما علمنا ، فليس هو فى (( التهذيب )) ، ولا فى (( التقريب )) ، ولا فى (( التذهيب )) .
نعم . ترجمه ابن أبى حاتم فقال (4/2/190) : (( يحيى بن مالك ، أبو أيوب الأزدى العتكى البصرى المراغى ، روى عن : عبد الله بن عمر ، وأبى هريرة ، وابن عباس ، وسمرة بن جندب ، وجويرية . روى عنه : قتادة ، وأبو عمران الجونى ، وعبد الحميد بن واصل )) . ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وأورده ابن حبان فى (( الثقات )) .
فمثله حسن الحديث ، إن شاء الله لتابعيته ، ورواية جماعة من الثقات عنه ، مع تصحيح الحاكم والذهبى لحديثه )) اهـ .(1/9)
قلت : فإذن يحيى بن مالك الأزدى العتكى المراغى ، أبو أيوب البصرى ، كما انتهى إليه علم الشيخ ، لم يوثقه إلا ابن حبان ، ولم يذكر فيه غيره جرحاً ولا تعديلاً ، فلم حسّن حديثه ، والحال كذلك استناداً على توثيق ابن حبان إياه ، وأين العمل بقاعدته التى يذكرها فى مثل هذا : (( توثيق ابن حبانٍ لا يُعتمد لأنه متساهل )) !!(1) .
وأقول : أعجب به من وهمٍ لا يغضُ الألبانى الطرف عن مثله لأحدٍ كائناً من كان ، وما كنت أظن أن يقع فى مثله !! . لا يدرى الشيخ ـ طيب الله ثراه ـ أين ترجمة (( يحيى بن مالك الأزدى العتكى البصرى )) أحد كبراء رواة البصرة وثقاتهم ومشاهيرهم ، فى مصنفات (( رجال الكتب الستة )) ، ويغيب عنه علم مكانها ، فيبحث فى (( الجرح والتعديل )) لابن أبى حاتم ، ثم يغتبط بعثوره على ترجمته ، وكأنه لم يُسبق ! .
وياليته اكتفى بما علمه ، بل وصف أكابر الحفاظ ـ أصحاب (( التهذيب )) و(( التقريب )) و(( التذهيب )) ؛ يعنى ومن فوقهم ـ بالغفلة عن ذكر المشاهير والأعلام !! .
ــــــــــ(1/10)
(1) الإمام أبو حاتم ابن حبان البستى ، هو أحد أوعية العلم وبحور المعرفة بفنون الحديث ، وصاحب التصانيف التى لم يُصنف مثلها فى علم الحديث ، وقال عنها الحافظ أبو بكر الخطيب : (( ومثل هذه المصنفات كان يجب أن يكثر بها النسخ ويتنافس فيها أهل العلم ويكتبوها ويجلدوها احرازاً لها )) . وترجمته ضافية مستفيضة يضيق المقام هاهنا عن استيفاءها ، وإنما اقتصرت على هذا الاختصار تنبيها للأصاغر ، الذين أقحموا أنفسهم فى ميدان تحقيق الأخبار وتخريجها ، ويتناولون ابن حبان الإمام ، ويزلقونه بألسنة أقلامهم ، ويلصقون ذلك بالشيخ الألبانى ، لقوله المتكرر فى (( مصنفاته )) : (( ابن حبان متساهل فى التوثيق ، وكثيراً ما يوثق المجهولين )) . ومن العجب فى هذا المقال ، أن الألبانى ـ عفا الله عنه ـ قد خفى عليه أن مالك بن أنس إمام الأئمة ، والبخارى إمام المحدثين ، قد وثقا جماعة من المجاهيل ، واحتجا بهم فى (( الموطأ )) و(( الصحيح )) .
وقد بينت ذلك بياناً شافياً فى كتابى (( الإكليل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيل )) .
واعتبره فى هذا الوهم بكل ما غمز به النبلاء من الأئمة ، والكبراء من حفاظ الأمة ، والأذكياء من أساتذة التحقيق . فمن ذلك ما غمز به بعضهم ، تعليقاً على حديث جابر (( أن النَّبىَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لما دنا من الصفا ، قرأ (( إن الصفا والمروة من شعائر الله )) ابدأ بما بدأ الله به ، فبدأ بالصفا ، فرقى عليه )) ، حيث قال العلامة ابن ضويان : رواه مسلم والنسائى ، ولفظ النسائى (( ابدؤوا بما بدأ الله به )) .(1/11)
فغمزه الألبانى فى جملة من حفاظ الأئمة ، فقال فى (( الإرواء ))(4/317) : (( وأما لفظ (( ابدؤوا )) ، فقد عزاه المصنف للنسائى ، وهو فى ذلك تابع لغير واحد من الحفاظ ، كالزيلعى فى (( نصب الراية )) ، وابن الملقن فى (( خلاصة البدر المنير )) ، وابن حجر فى (( تلخيص الحبير )) وغيرهم ، فقد أطلقوا جميعاً العزو للنسائى ، وذلك يعنى اصطلاحاً (( سننه الصغرى )) ، وليس فيها هذا اللفظ أصلاً ! .
فيحتمل أنهم قصدوا (( سننه الكبرى )) ، ولم أره فى (( الجزء الثانى )) من النسخة المحفوظة فى (( المكتبة الظاهرية )) ، فيحتمل على بعد أن يكون فى (( الجزء الأول )) ، وهو مما لا يوجد عندنا ، أو فى (( كتاب الطهارة )) ، وهو مفقود أيضاً .
وقد رأيت الحافظ ابن حزم أخرجه فى (( المحلى )) عن النسائى بإسناده (( عن حاتم بن إسماعيل )) بهذا اللفظ (( ابدؤوا )) ، وهو فى نسختنا المخطوطة بلفظ (( أبدأ )) ولست أشك أن رواية ابن حزم شاذة مخالفة لجميع الطرق (( عن حاتم بن إسماعيل )) ، وقد اتفقت جميعها على اللفظ الأول (( أبدأ )) اهـ .
وأقول : أبمثل هذا يُحكم على الأئمة الحفاظ : ابن حزم ، والزيلعى ، وابن حجر ، وابن الملقن ، وابن ضويان ، وهم من هم فى سعة الإطلاع وبذل الجهد فى التقصى للمصادر والتوثق للطرائق ، فيغمزهم بقلة التدقيق ، وأنه آت بالمخبوء الذى خفى عليهم ، والحجة عليهم احتمالات ظنية لا وجود لها فى واقع الأمر، فمتى كان الظن بوجود مخالف للموجود دليلاً على نفى الموجود !!.
وأقول : قد حققت صحة هذا اللفظ (( ابدؤوا )) ، ونصرت الحفاظ القائلين بصحته فى (( البشائر المأمولة فى آداب العمرة المقبولة ))(ص76) فى باب : ذكر البيان أن الطواف بين الصفا والمروة فريضة لا يجوز للمعتمر تركها ، وبيان ثبوت الأمر بالبداءة بالصفا قبل المروة خلافاً لمن زعم شذوذ لفظة (( فابدؤوا )) بصيغة الأمر ، لثبوتها من رواية ميزان الضبط والتيقظ (( سفيان الثورى )) .(1/12)
وأقول : ومما غمز به الفضلاء ، ما قاله تعقيباً على الأستاذ محب الدين الخطيب ، حين علّق على حديث (( أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب )) ، حيث قال : (( إن هذا الكلام الذى نسبوه إلى النبى صلى الله عليه وسلم ليس فى دواوين السنة المعتبرة ))(1) .
قال الشيخ الألبانى فى (( سلسلته الصحيحة ))( حديث474) : (( كذا قال وكأنه ـ عفا الله عنا وعنه ـ لم يتعب نفسه فى البحث عن الحديث فى دواوين السنة المعتبرة ، بل وفى بعض كتب التاريخ المعتمدة مثل (( البداية والنهاية )) ، ولو أنه فعل هذا على الأقل ، لعرف موضع الحديث من تلك الدواوين المعتبرة أو بعضها ، ولكنه أخذ يحسن الظن بابن العربى ويقلده ، فوقع فى إنكار هذا الحديث الصحيح ، وذلك من شؤم التقليد بغير حجة ولا برهان )) اهـ .
وأقول : إن كان هذا إنصافاً ؛ ألا يُعذر أحد فى عدم الإحاطة بالدقائق ، فبمثله يقال للشيخ : فكيف خفى عليك وأنت البحاثة المدقق ؛ أن البخارى خرَّج حديث أبى أيوب العتكى عن جويرية بنت الحارث رضى الله عنها (( أن النَّبىَّ صلَّى الله عليه وسلَّم دخل عليها يوم الجمعة ، وهى صائمة ، فقال : أصمت أمس ؟ ، قالت : لا ، قال : تريدين أن تصومى غداً ؟ قالت : لا ، قال : فأفطرى )) ؛ وأن مسلماً خرَّج حديثه عن أبى هريرة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه ، فإن الله خلق آدم على صورته )) ، وحديثه عن عبد الله بن عمرو (( سئل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن وقت الصلوات ، فقال : وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول ، ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن ــــــــــ(1/13)
(1) وقارن قول الألبانى : (( ليس لأبى أيوب الأزدى ذكر فى (( التهذيب )) ولا فى (( التقريب )) ولا فى (( التذهيب )) وغيرها )) ، بقول الخطيب : (( ليس للحديث موضع فى دواوين السنة )) ! . فإن لم تجد بينهما فرقاً فى عدم الاحاطة ؛ فاجعل الحكم عليهما واحداً ؛ على أن وقوع الألبانى فى مثل هذا أنكر ، فكتب الرجال عدته وعتاده .
السماء ما لم يحضر العصر ، ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول ، ووقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق ، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل )) .
ولماذا لم يتعب الشيخ نفسه ، فينظر فى موسوعة الكتب الستة (( تحفة الأشراف )) للحافظ أبى الحجاج المزى ، ليعلم أن لأبى أيوب العتكى فى (( الكتب الستة )) خمسة أحاديث : ثلاثة منها فى (( الصحيحين )) ، وأنه ممن احتج به الشيخان وجاوز القنطرة !! .
وأنه ممن لا يسئل عن مثله ، وأنه قد ذكره كل من صنف فى (( رجال الكتب الستة )) :
كالإمام الدارقطنى فى (( ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم ممن صحت روايته من الثقات عند البخارى ومسلم ))(1/ترجمة1222) و(2/ترجمة1409) ، والحافظ أبو الحجاج المزى فى (( تحفة الأشراف )) فى أربعة مواضع :
الأول فى ترجمة (( أبى أيوب عن سمرة بن جندب )) حديثاً واحداً (4/85) .
الثانى فى ترجمة (( أبى أيوب عن عبد الله بن عمرو )) حديثان (6/388) .
الثالث فى ترجمة (( أبى أيوب عن أبى هريرة )) حديثاً واحداً (10/426) .
الرابع فى ترجمة (( أبى أيوب عن جويرية )) حديثاً واحداً (11/276) .
وأعاد ذكره فى (( تهذيب الكمال ))(33/60/7217) ، والحافظ القيسرانى فى (( الجمع بين رجال الصحيحين ))(2/564) ، والحافظ الذهبى فى (( الكاشف ))(3/272/7217) ، والحافظ ابن حجر فى (( تهذيب التهذيب ))(12/16) و(( تقريب التهذيب ))(12/393) .(1/14)
وأقول : ولم يسلم من غمز الشيخ ـ عفا الله عنه ـ حتى أماثل الحفاظ الذين يقلدهم وينصر أقوالهم ، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيميه ـ قدَّس الله ثراه ـ ، ومن جملة ما غمزه به قوله تعقيباً على حديث أبى مالك الأشعرى مرفوعاً (( إذا ولج الرجل فى بيته فليقل : اللهم إنى أسألك خير المولج ، وخير المخرج ، بسم الله ولجنا ، وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا ، ثم ليسلِّم على أهله )) ، وقد صحَّحه فى (( صحيحته )) ( رقم225) واهماً ، ثم علَّق عليه بتنبيهٍ قائلاً : (( وقد وهم شيخ الإسلام ابن تيميه ـ رحمه الله ـ حيث جعل الحديث من أوراد الدخول إلى المسجد ، فإنه قال فى (( الرد على الأخنائى ))(ص95) : وعن محمد بن سيرين : كان الناس يقولون إذا دخلوا المسجد : صلَّى الله وملائكته على محمد ، السلام عليك أيها النَّبىُّ ورحمة الله وبركاته ، بسم الله دخلنا ، وبسم الله خرجنا ، وعلى الله توكلنا ، وكانوا يقولون إذا خرجوا مثل ذلك . ثم قال : وفيه حديث مرفوع فى (( سنن أبى داود )) أنه كان يقال عند دخول المسجد )) اهـ .
قلت : وهذا من أعجب مرامى سهام الشيخ فى تصانيفه ، أنه فى المواضع التى يُخطئ فيها ، مع سهولة الخطأ الذى لا يقع فيه من هو دونه ، لا يتغاضى عن أخطاء غيره كائناً من كان ، وإنه لعزيز علىَّ أن أذكر خطئه فى هذا الموضع ، ولولا أنه وهَّم شيخ الإسلام لتغاضيت عن ذكر خطئه .
فقد قال الشيخ الألبانى ، عقب هذا الحديث بالنص : (( أخرجه أبو داود فى (( سننه )) (5096) عن إسماعيل حدثنى ضمضم عن شريح عن أبى مالك الأشعرى قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : فذكره .
قلت : وهذا إسناد صحيح . رجاله كلهم ثقات ، وإسماعيل هو ابن عياش ، وهو صحيح الحديث عن الشاميين ، وهذا منها ، فإن ضمضم وهو ابن زرعة شامى حمصى ، وشريح هو ابن عبيد الحضرمى الحمصى ثقة ، فالسند كله شامى حمصى )) اهـ .(1/15)
وأقول : إذا كان الشيخ ـ رحمه الله ـ قد اقتصر على (( سنن أبى داود )) ؛ فلماذا لم يذكر تمام الإسناد ليعرف مطالعُه أن الراوى عن إسماعيل بن عياش هو ابنه محمد ؟؟! .
وكيف يكون صحيحاً ؛ والحال كذلك ؟! ، ومحمد بن إسماعيل بن عياش بيِّن الأمر فى الضعفاء ولا يخفى حاله على من له أدنى معرفة بالحديث . والشيخ حين يتراءى له ، يذكر فيه قول أبى حاتم : (( لم يسمع من أبيه شيئاً )) ، وقول أبى داود : (( ليس بذاك )) .
والحديث أخرجه كذلك الطبرانى (( الكبير ))(3/296/3452) و(( مسند الشاميين )) (2/447/1674) من طريق محمد بن إسماعيل بن عياش به .
ونزيدك إيضاحاَ بمثالٍ ثالث ، قد ذكرناه فى القسم الثالث من هذا الكتاب (( كتب السنن الأربعة )) ، وليس من شرطنا فى هذا القسم ، لتخريج أبى داود إيَّاه ، وهو حديث :
(( يقول الله تعالى : أنا ثالث الشريكين ، ما لم يخن أحدهما صاحبه ، فإذا خان أحدهما صاحبه خرجتُ من بينهما )) .
أخرجه أبو داود (33383) ، والدارقطنى (303) ، والحاكم (2/52) ، والبيهقى (6/78) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(10/401) من طريق محمد بن الزبرقان أبى همام عن أبى حيان التيمى عن أبى هريرة قال : قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : فذكره .
وقال الحاكم : (( صحيح الإسناد )) ، ووافقه الذهبى ! .
فتعقبهما الألبانى فى (( إرواء الغليل ))(5/288/1468) بقوله :
(( وأقول : بل ضعيف الإسناد ، وفيه علتان :
( الأولى ) الجهالة ، فإن أبا حيان التيمى اسمه يحيى بن سعيد بن حيان . وأبوه سعيد ، أورده الذهبى فى (( الميزان )) وقال : (( لا يكاد يُعرف ، وللحديث علَّة )) وأما الحافظ ، فقال فى (( التقريب )) : (( وثََّقه العجلى )) .
قلت : وهو من المعروفين بالتساهل فى التوثيق ، ولذلك لم يتبن الحافظ توثيقه ، وإلا لجزم به فقال : (( ثقة )) ؛ كما هى عادته فيمن يراه ثقة ، فأشار إلى هذا لأنه ليس كذلك عنده ، بأن حكى توثيق العجلى له .(1/16)
( الثانية ) الاختلاف فى وصله . فرواه ابن الزبرقان هكذا موصولاً ، وهو صدوق يهم كما قال الحافظ ، وخالفه جرير فقال (( عن أبى حيان التيمى عن أبيه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : فذكره )) أخرجه هكذا الدارقطنى من طريق لوين محمد بن سليمان ، ثم قال : (( لم يسنده أحد إلا أبو همام وحده )) .
قلت : وأبو همام فيه ضعفٌ ، ولعل مخالفه جرير ، وهو ابن عبد الحميد الضبى خير منه ، فقد ترجمه الحافظ : (( ثقة صحيح الكتاب ، وقيل : كان فى آخر عمره يهم من حفظه )) . وجملة القول أن الحديث ضعيف ، للاختلاف فى وصله وإرساله ، ولجهالة راويه )) اهـ .
وأقول : لم يصنع الشيخ الألبانى بعد ذكره لمصادر تخريج الحديث شيئاً ، سوى صياغة ما استفاده من كلام ابن القطان فى (( كتاب الوهم والإيهام )) ، بعبارة فيها شئٌ من اللف والنشر، مع إقراره له على تضعيف الحديث !! . ونص عبارة ابن القطان : (( وهو حديث يرويه أبو حيان التيمى عن أبيه عن أبى هريرة . وأبو حيان هو يحيى بن سعيد بن حيان أحد الثقات ، ولكن أبوه لا يُعرف حاله ، ولا يُعرف من روى عنه غير ابنه . ويرويه عن أبى حيان : أبو همام بن الزبرقان . وحكى الدارقطنى عن لُوين أنه قال : لم يسنده غير أبى همام ، ثم ساقه من رواية أبى ميسرة النهاوندى ثنا جرير عن أبى حيان عن أبيه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مرسل )) اهـ كما فى (( نصب الراية )) للحافظ الزيلعى .(1/17)
قلت : وهذا الذى ذكره أبو الحسن بن القطان فى إعلال الحديث مشهور مستفيض عنه ، نقله عنه الكثيرون من الحفاظ ، كالحافظ ابن الملقن (( خلاصة البدر المنير ))(2/93) ، والحافظ عمر بن على الوادياشى (( تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج ))(2/271) ، والحافظ ابن حجر فى(( تلخيص الحبير ))(3/49) ، والحافظ المناوى فى (( فيض القدير ))(2/308) ، والأمير الصنعانى فى (( سبل السلام ))(3/46) ، والقاضى الشوكانى فى (( نيل الأوطار )) (5/390) ، وشمس الحق العظيم آبادى فى (( عون المعبود ))(9/170) وغيرهم ، إلا أن الحافظ ابن الملقن الشافعى تعقبه بقوله : (( أعله ابن القطان بما بان أنه ليس بعلة )) ، وكذا قال الحافظ الوادياشى الأندلسى .
قلت : وهو كما قالا ، والحديث صحيح ولا عبرة فى تضعيفه للوجوه الآتية :
( أولاً ) سعيد بن حيان التيمى الكوفى ، والد يحيى بن حيان ، لا يتوجه القول بتضعيفه بمجرد القول : (( لا يكاد يُعرف )) ، فإنها ليست من عبارات التضعيف ، كما هو معروف فى (( قواعد الجرح والتعديل )) .
وإنما يخالف فى هذا المتأخرون الذين يضعفون المجاهيل بلا حجة . ومفهومها عند قائلها ، وهو الحافظ الذهبى ، ما بيَّنه فى خاتمة (( ديوان الضعفاء ))(ص374) :
(( وأما المجهولون من الرواة ، فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه وتلقى بحسن الظن ، إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ )) . فلماذا تغاضى الألبانى عن هذه القاعدة الذهبية المفسِّرة لقوله (( لا يكاد يُعرف )) ؟! .
علماً بأن سعيد بن حيان كما قال الحافظ فى (( التقريب ))(1/293) : (( من الثالثة )) يعنى من أوساط التابعين كالحسن البصرى وابن سيرين . وإنما نقول هذا رداً على من ضعَّفه ، وإلا فالرجل فى غنيةٍ عن هذا الدفاع ، فقد وثَّقه اثنان : العجلى فى (( معرفة الثقات )) (1/396) ، وابن حبان فى (( الثقات ))(4/280/2901) .(1/18)
وقال الحافظ (( تهذيب التهذيب ))(4/17/26) : (( لم يقف ابن القطان على توثيق العجلى ، فزعم أنه مجهول )) ، وأما اقتصاره فى (( التقريب )) على ذكر توثيق العجلى فلهذه العلَّة التى بيَّنها ، وليس كما زعم الألبانى أنه لم يتبين له توثيقه !! ، سيما وقد ذكر فى (( التهذيب )) أن العجلى وابن حبان وثَّقاه ، ولا يخفاك أن (( تقريب التهذيب )) اختصار للـ(( التهذيب )) .
وأما الحافظ الذهبى الذى ذكر فى (( الميزان )) أنه (( لا يكاد يُعرف )) بناءً على قاعدته الآنفة فى (( ديوان الضعفاء )) ، فقد أعاد ذكره فى (( الكاشف ))(1/434/1871) فقال : (( ثقة )) ، فبان بهذا أن قوله عن الراوى (( لا يكاد يُعرف )) ؛ ليس تضعيفاً كما يتصوره الألبانى ومن يقلده ! .
وقد ذكر سعيداً هذا البخارى فى (( التاريخ ))(3/463/1539) ، وابن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل ))(4/12/44) ، فلم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً .
والخلاصة ، فإن سعيد بن حيان التيمى ، والد أبى حيان التيمى ، ثقة مرضىٌّ ، وإن تفرد عنه ابنه ، وحديثه متلقى بالقبول .
( ثانياً ) محمد بن الزبرقان أبو همام الأهوازى ، ثقة من رجال (( الصحيحين )) ، وثَّقه على بن المدينى ، والبخارى ، وابن حبان ، والدارقطنى . وقال أبو حاتم الرازى : صالح الحديث صدوق . وقال أبو زرعة : صالح وسط . وقال النسائى : ليس به بأس . وقال ابن حبان : ثقة ربما أخطأ .
ولأجل ذلك ، وتوفيقاً بين كلام الأئمة ، قال الحافظ ابن حجر (( التقريب ))(2/161) : (( صدوق ربما وهم )) . وفرقٌ بين هذا وبين ما نقله عنه الألبانى بالمعنى بقوله (( صدوق يهم )) ، فإن الحكم الصحيح ينبؤ عن قلة وهمه أو ندرته ، بينما ينبؤ الثانى عن الكثرة واللزوم !! .
وعليه ، فالأهوازى ثقة ربما أخطأ كما يخطئ غيرُه من الثقات ، فمثله ما لم يخالفه من هو أوثق منه متلقى حديثه بالقبول والتصحيح ، وإن تفرد ، كما هو معلوم من (( قواعد علم المصطلح )) .(1/19)
فلننظر فى حديث جرير الذى ظنَّ الشيخ الألبانى ـ طيَّب الله ثراه ـ أنه يعارض حديث أبى همام الأهوازى الثقة الصدوق ، ولو أنَّه طالع (( سنن الدارقطنى )) ما خفى عليه ضعفه .
أخرجه الدارقطنى (3/35/140) قال : حدَّثنا هبيرة بن محمد بن أحمد الشيبانى نا أبو ميسرة النهاوندى نا جرير عن أبى حيان التيمى عن أبيه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( يدُ الله على الشريكين ما لم يخُنْ أحدُهما صاحبَه ، فإذا خانَ أحدُهما صاحبَه رفعَها عنْهُما )) .
قلت : فمن أبو ميسرة هذا الذى أدخل هذا الحديث على جرير بن عبد الحميد ؟؟ ، وهل تقوى روايته المرسلة مع شدة ضعفه على معارضة رواية أبى همام الثقة الصدوق ؟! .
قال ابن حبان فى (( المجروحين والمتروكين ))(1/144) : (( أحمد بن عبد اللَّه بن ميسرة الحرانى ، أبو ميسرة النهاوندى . يأتى عن الثقات بما ليس من أحاديث الأثبات ، لا يحل الاحتجاج به )) ، وذكر له حديثين عن ابن عمر ، وقال : (( هذان خبران باطلان رفعهما )) .
وقال أبو أحمد بن عدى فى (( الكامل فى الضعفاء ))(1/176) : (( كان بهمدان . حدَّث عن الثقات بالمناكير، ويحدِّث عمن لا يعرف ويسرق حديث الناس )) .
قلت : فهذه رواية واهية بمرة ، لا يحل الاحتجاج بها لحال أبى ميسرة النهاوندى . والذى أعتقده أن الألبانى لم ينظر فى إسناد الدارقطنى ، ولو فعل فلم يكن ليخفى عليه شدة ضعف رواية أبى ميسرة ، وإنما قال ما قاله تحسيناً للظن بابن القطان ، وتقليداً له !! .
فإذ قد بان أن الحديث الموصول لا يعارض بهذه الرواية الواهية ، فقد ثبتت صحته ، ووجب الاحتجاج به .
ولما كان للشيخ الألبانى ـ رحمه الله ـ مذهباً مرجوحاً فى تضعيف أحاديث التابعيات ممن لا يعرفن بجرحٍ ولا عدالةٍ ، فقد أردنا أن نوقفك على هذا المذهب ، مع بيان أنه خلاف الراجح مما كان عليه الأئمة من تلقى أحاديثهن بالقبول والتصحيح والاحتجاج بها .(1/20)
فهذا (( موطأ )) إمام الأئمة وحبر الأمة مالك بن أنس ، وقد قال أبو سعيد بن الأعرابى : كان يحيى بن معين يوثق الرجل لرواية مالك عنه ، سئل عن غير واحد ، فقال : ثقة روى عنه مالك . وقال الأثرم : سألت أحمد بن حنبل عن عمرو بن أبى عمرو مولى المطلب ، فقال : يزين أمره عندى أن مالكاً روى عنه .
وقال شعبة بن الحجاج : كان مالك بن أنس أحد المميزين ، ولقد سمعته يقول : ليس كل الناس يكتب عنهم ، وإن كان لهم فضل فى أنفسهم ، إنما هى أخبار رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فلا تؤخذ إلا من أهلها .
ففى (( الموطأ )) من هؤلاء التابعيات اللاتى لا يعرفن بجرحٍ ولا عدالةٍ جماعة ، نذكر منهن :
(1) حميدة بنت عبيد بن رفاعة ، تروى عن كبشة بنت كعب بن مالك ، تفرد بالرواية عنها إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة . وقال الحافظ ابن حجر: (( مقبولة من الخامسة )) .
(2) زينب بنت كعب بن عجرة زوج أبي سعيد الخدري ، تروى عن زوجها ، وأخته الفريعة . روى عنها سعد بن إسحاق بن كعب . وقال الحافظ ابن حجر : (( مقبولة من الثانية )) .
(3) مرجانة أم علقمة ، تروى عن عائشة ، تفرد بالرواية عنها ابنها علقمة بن أبى علقمة . وعلَّق البخاري حديثها عن عائشة في (( الحيض )) . وقال الحافظ : (( مقبولة من الثالثة )).
(4) كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبى قتادة ، تروى عن أبى قتادة ، تفردت عنها حميدة بنت عبيد بن رفاعة . وقال الحافظ : (( وزعم ابن حبان أن لها صحبة )) .
(5) أم محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، تروى عن عائشة ، تفرد بالرواية عنها ابنها محمد . وقال الحافظ ابن حجر : (( مقبولة من الثالثة )) .(1/21)
ومن حديث الأخيرة ؛ ما أخرجه يحيى بن يحيى فى (( الموطأ )) : عَنْ مَالِك عَنْ يَزِيدَ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ .
وأخرجه كذلك الشافعى (( المسند ))(ص10) و(( الأم ))(1/9) ، وعبد الرزاق (1/63/191) ، وابن أبى شيبة (5/162/24777) ، وأحمد (6/148،104،153) ، وإسحاق بن راهويه (( المسند ))(1031) ، والدارمى (1987) ، وأبو داود (4124) ، والنسائى (( الكبرى ))(3/86/4578) و(( المجتبى ))(7/176) ، وابن ماجه (3612) ، وابن حبان (1286) ، والبيهقى (( الكبرى ))(1/17) من طرق عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أمه عن عائشة به .
قلت : هذا حديث ثابت من حديث محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، تفرد به عن أمه ، ولم تسم ولم تنسب ، ورواه عنه يزيد بن قسيط ، وعنه رواه إمام الأئمة مالك بن أنس وأودعه فى (( موطئه )) محتجاً به ، ودالاً بذلك على توثيق أم محمد هذه ، مع كونها مجهولة ولم يعرفها أحد بجرحٍ ، ولا تعديلٍ !! ، اللهمَّ إلا وصفها بأنها تابعية مدنية من أوساطهن .(1/22)
ومن حديث زينب بنت كعب ، ما أخرجه يحيى بن يحيى فى (( الموطأ )) : عَنْ مَالِك عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا : جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسَْألُهُ أنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ ، فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا ؛ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِطَرَفِ الْقَدُومِ لَحِقَهُمْ ، فَقَتَلُوهُ ، قَالَتْ : (( فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فِي بَنِي خُدْرَةَ ، فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ ، وَلا نَفَقَةٍ ، قَالَتْ : فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَعَمْ ، قَالَتْ : فَانْصَرَفْتُ ؛ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ نَادَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ أَمَرَ بِي فَنُودِيتُ لَهُ ، فَقَالَ : كَيْفَ قُلْتِ ؟ ، فَرَدَّدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ لَهُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي ، فَقَالَ : امْكُثِي فِي بَيْتِكِ ؛ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ، قَالَتْ : فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا )) ، قَالَتْ : فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَرْسَلَ إِلَيَّ ، فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ ، فَأَخْبَرْتُهُ ، فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ .(1/23)
وأخرجه كذلك الشافعى (( المسند ))(ص241) و(( الأم ))(5/227) و(( الرسالة ))(ص438) والدارمى (2287) ، وابن سعد (( الطبقات الكبرى ))(8/368) ، وأبو داود (2300) ، والترمذى (1204) ، والنسائى (( الكبرى ))(6/303/11044) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(3/78) ، وابن حبان (4292) ، والطبرانى (( الكبير ))(24/443/1086) ، والخطيب (( تاريخ بغداد ))(3/203) و(( الكفاية فى علم الرواية ))(1/27) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(35/268) ، والذهبى (( سير أعلام النبلاء ))(8/117:115) من طرق عن مالك بن أنس عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهى أخت أبى سعيد الخدري أخبرته : بنحوه .
وقَالَ أَبو عِيسَى التِّرمِذِى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ ؛ لَمْ يَرَوْا لِلْمُعْتَدَّةِ أَنْ تَنْتقِلَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ )) .
قلت : فهذا حديث صحيح ثابت من رواية زينب بنت كعب بن عجرة ، وهى وإن خرجت عن حدِّ الجهالة خلافاً لقول على بن المدينى ؛ برواية اثنين عنها : سعد بن إسحاق بن كعب ابن عجرة ، وسليمان بن محمد بن كعب بن عجرة ، فلربما لم يشفع لها ذكر ابن حبان إياها فى (( الثقات )) ، لكونها موصوفة عند ابن حجر بقوله (( مقبولة )) ، والذى يحمل عند الشيخ الألبانى ـ رحمه الله ـ على التضعيف خلافاً للمعنى الصحيح لهذا المصطلح .
ولهذا ضعَّف الألبانى هذا الحديث فى (( الإرواء ))(7/206/2131) ، فقال :(1/24)
(( ورجاله ثقات غير زينب هذه ؛ لم يرو عنها سوى اثنين ، ونقل الذهبى عن ابن حزم أنه قال فيها : (( مجهولة )) وأقرَّه . ومن قبله الحافظ عبد الحق الأشبيلى كما فى (( التلخيص )) (3/240) ، فإنه قال : (( وأعله عبد الحق تبعاً لابن حزم بجهالة حال زينب )) .
قال الحافظ : (( وتعقبه ابن القطان بأنه وثقها الترمذى )) ! .
قلت : وكأنه أخذ توثيق الترمذى إياها من تصحيحه حديثها ، ولا يخفى ما فيه لما عرف عن الترمذى من التساهل فى التصحيح . ولذلك رأينا الحافظ نفسه لم يوثق زينب هذه ، فإنه قال عنها فى (( التقريب )) : (( مقبولة )) ، يعنى عند المتابعة ، فتأمل )) اهـ بنصه بتمامه .
وأقول : وفى كلام الشيخ ـ رحمه الله وطيَّب ثراه ـ جملة من المغالطات التى لا تخفى على العارف المدقق ، وإنما يمنع الكثيرين من التعقيب وبيان الأغاليط التوقير للشيخ والمحبة له ، وهو جدير بهما ، ولكنَّ الحقَّ أحق أن يُتبع ، وإنما (( الدين النصيحة )) .
وأول ما يفجئك فى معترك المباحثة مع فحول الأئمة ووارثى علم النبوة ، الذين لولا حفظهم للأحاديث النبوية والآثار المصطفوية ؛ لما راح فى العلم من جاء بعدهم ولا غدا !! ، أول ما يفجئك من مطارحات الشيخ الألبانى ـ عفا الله عنه ـ إيَّاهم إذا خالفهم ، وصف الإمام العلامة أبى عيسى الترمذى بالتساهل فى التصحيح ، وغمز الإمام الجهبذ أبى حاتم ابن حبان البستى بالتساهل فى التوثيق ، وإذا وافقه الإمام المُزكِّى علامة الكوفيين أحمد العجلى فى التوثيق ، فكلامهما معاً ـ العجلى وابن حبان ـ لا يساوى فى ميدان التحقيق فلساً ولا ديناراً !! .(1/25)
وتعجب ، ولا ينقضى عجبُك ؛ إن كنت من العارفين بمقامات الأئمة ومراتبهم فى الإمامة ، من تقديم الألبانى لأبى محمدٍ على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى فى علم الجرح والتعديل على أمثال مالك بن أنس الإمام الجبل ، وأبى عيسى الترمذى ، وأبى حاتم ابن حبان ، وكأنه خفى عليه أن ابن حزم ليس بصاحب هذا المقام ، فقد جهَّل المشاهير من أئمة الأمة أمثال : شيخ الإسلام الحافظ أحمد بن منيع البغدادى ، والإمام الحافظ أبى عيسى الترمذى ، والإمام أبى عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزوينى ، وغيرهم من المشاهير .
قال الحافظ الذهبى (( الميزان ))(6/289/8041) : (( محمد بن عيسى بن سورة ؛ الحافظ العلم ؛ أبو عيسى الترمذي صاحب (( الجامع )) . ثقة مجمع عليه ، ولا التفات إلى قول أبي محمد بن حزم فيه في الفرائض من (( كتاب الإيصال )) : (( إنه مجهول )) ، فإنَّه ما عرفه ، ولا درى بوجود (( الجامع )) ولا (( العلل )) اللذين له !! )) .
ولله در العلامة أبى إسحاق الشاطبى ، فقد قال فى (( موافقاته ))(1/91) : (( من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به ؛ أخذه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام )) وقد أطال فى تقرير هذه القاعدة النافعة ، ثم قال : (( وبهذا الوجه وقع التشنيع على ابن حزم الظاهرى ، فإنه لم يلازم الأخذ عن الشيوخ ، ولا تأدب بآدابهم . وبضد ذلك كان العلماء الراسخون كالأئمة الأربعة وأشباههم )) اهـ .
فإذا بان لك ذلك ، فما أحراك بتقديم توثيق وتعديل إمام الأئمة مالك بن أنس لزينب بنت كعب بن عجرة ، واحتجاجه بحديثها وإيداعه إياه فى (( موطئه )) ؛ على كلام من جهَّل المشاهير ، وخفى عليه أمرهم مع استفاضة شهرتهم !! .(1/26)
ولا يذهبن عنك قول أبي سعيد بن الأعرابى : كان يحيى بن معين يوثق الرجل لرواية مالك عنه ، سئل عن غير واحد ، فقال : ثقة روى عنه مالك . وقول الأثرم : سألت أحمد بن حنبل عن عمرو بن أبى عمرو مولى المطلب ، فقال : يزين أمره عندى أن مالكاً روى عنه .
ولنا أن نتسائل : كيف خفى على الألبانى ؛ وهو البحاثة المدقق ، خطأ ابن حزم فى قوله عن زينب بنت كعب : (( مجهولة )) ، مع إقراره بالعلم برواية اثنين عنها ؟! ، فهل هذا داخل فى معنى الجهالة عند ابن حزم ، والألبانى يقرُّه على ذلك خلافاً للمعتمد عند علماء الجرح والتعديل ؟! . وإن كنا لا نستبعد من ابن حزم مثل هذا التجهيل ـ أعنى مع رواية اثنين ـ ، سيما وقد جهَّل المشتهرين والمعروفين كما أسلفنا .
وقد استقصيت أحاديث كثيرات من المجهولات ؛ اللاتى لم يعرفن بجرحٍ ولا تعديلٍ ، ممن احتج بهن : مالك ، والبخارى ، ومسلم ، والنسائى ، وابن خزيمة ، وابن حبان ؛ فى كتابى (( الإكليل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيل )) .
وأما قول الشيخ الألبانى أن الحافظ ابن حجر لم يوثق زينب هذه ، لمقاله عنها فى (( التقريب )) : (( مقبولة )) ، فإنما هو من التأويل الخاطئ لهذا المصطلح عند ابن حجر ، فقد قاله الحافظ عن مائةٍ وخمسةٍ من الثقات الرفعاء الكبراء الذين جازوا القنطرة ، ممن أخرج لهم البخارى ومسلم فى (( الصحيحين )) . وقد استقصيت أحاديثهم جميعاً فى كتابى :
(( المنهج المأمول ببيان معنى قول ابن حجر مقبول ))
وأقول : وإنما أطلت فى مطارحة الشيخ الألبانى ـ عفا الله عن أخطائه وغفرها له ـ هاهنا ، لشيوع المعرفة بين طلبة علم الفقه بتضعيفه لحديث زينب بنت كعب ، وهو حجة الجمهور من الفقهاء فى باب المعتدة المتوفى عنها زوجها ألا تنتقل من بيت زوجها حتى تنقضى عدَّتُها .(1/27)
قال أبوعمر بن عبد البر (( التمهيد ))(21/31) : (( وفي هذا الحديث ، وهو حديث مشهور معروف عند علماء الحجاز والعراق ؛ أن المتوفى عنها زوجها عليها أن تعتد في بيتها ولا تخرج منه ، وهو قول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر ، منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم ، والثوري والأوزاعي والليث بن سعد . وهو قول عمر وعثمان ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وغيرهم . وكان داود وأصحابه يذهبون إلى أن المتوفى عنها زوجها ليس عليها أن تعتد في بيتها ، وتعتد حيث شاءت ، لأن السكنى إنما ورد به القرآن في المطلقات . ومن حجته أن المسألة مسألة اختلاف ، وقالوا : وهذا الحديث إنما ترويه امرأة غير معروفة بحمل العلم ، وإيجاب السكنى إيجاب حكم ، والأحكام لا تجب إلا بنص كتاب أو سنة ثابتة أو إجماع .
قال أبو عمر : أما السنة فثابتة بحمد الله ، وأما الإجماع فمستغنى عنه مع السنة ، لأن الاختلاف إذا نزل في مسألة كانت الحجة في قول من وافقته السنة وبالله التوفيق )) اهـ .
ولكن ألست تعجب إذا علمت أن الألبانى ـ عفا الله عنه ـ عاد ليناقض نفسه ، ويصحَّح حديثاً لزينب بنت كعب بن عجرة برواية سعد بن إسحاق عنها كما هاهنا ، وتناسى كل ما ذكره تعليقاً على حديثها فى (( المعتدة المتوفى عنها زوجها )) ، بل وأقرَّ قول من نفى جهالتها وأثبت لها الصحبة ، كابن الأثير وابن فتحون !! .
فقد ذكر فى (( السلسلة الصحيحة ))(ح307) حديث : (( تنكح المرأة على إحدى خصال ثلاثة ، تنكح المرأة على مالها ، وتنكح المرأة على جمالها ، وتنكح المرأة على دينها ، فخذ ذات الدين والخلق ، تربت يمينك )) .
فقال ـ رحمه الله ـ : (( أخرجه ابن حبان (1231) ، والحاكم (2/161) ، وأحمد (3/80) من طريق سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته عن أبى سعيد الخدرى قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : فذكره .
وقال الحاكم : (( صحيح الإسناد )) ، ووافقه الذهبى .(1/28)
قلت : ورجاله ثقات معروفون غير عمة سعد ، واسمها زينب بنت كعب بن عجرة ، روى عنها : ابنا أخويها سعد بن إسحاق ، وسليمان بن محمد ابنا كعب بن عجرة . وذكرها ابن حبان فى (( الثقات )) . وهى زوجة أبى سعيد الخدرى ، ذكرها ابن الأثير ، وابن فتحون فى (( الصحابة )) . وقال ابن حزم : (( مجهولة )) كما فى (( الميزان )) للذهبى وأقرَّه ومع ذلك فقد وافق الحاكم على تصحيحه )) اهـ بنصه بتمامه .
وأقول : فبأى عملى الألبانى يأخذ مقلده ؟! ؛ أبالتصحيح لحديث زينب أم بالتضعيف ، أم ماذا يعتقد فى شأنها : أمجهولة هى أم صحابية ؟! ، أمقبولة ـ على المعنى الخاطئ لهذا المصطلح ـ أم ثقة لا يسئل عن مثلها لكونها صحابية ؟! .
ولا تعليق لنا بعد هذا البيان ، ولمن أراد المزيد أن يطالع ما كتبناه فى كتابنا :
(( السبل الوضيحة ببيان أوهام الألبانى بين الضعيفة والصحيحة ))
والحمد لله وحده ، فهو المستعان وعليه التكلان .
*** *** ***
وأقول : لا تستطل هذا التعقب ، فإنه ليس تجريحاً ولا غمزاً للشيخ الألبانى ـ طيب الله ثراه ـ ، فإنه حبيب إلينا ، وفى القلب من توقيره ما يدفعنا إلى النهى عن تقليده فيما أخطأ فيه ، وسبيل الاحتجاج على مقلديه بالانكفاف عن ذلك ؛ إيضاح أخطائه ، وبيان ما تعاظم فيه بالطعن على أكابر الأئمة الأعلام ، لمجرد تضعيف ما تلقوه بالقبول واحتجوا به ، ولهذه الأسباب ، كتبت كتابى (( السبل الوضيحة ببيان أوهام الألبانى بين الضعيفة والصحيحة )) .
ولربما تعاظم رجلٌ أسلسَ للعصبية الممقوتة من نفسه القياد ، حتى غلبته على رأيه وصدَّته عن سبيل الرشاد ، فأعرض ونأ بجانبه عن قبول الصواب ، ونافح عن الأخطاء والأوهام ، زعماً منه بأن ذلك من لوازم المحبة للشيخ وتوقيره وتعزيره !! .
فليعلم مثلُه أن الخطأ من لوازم البشرية ، ومركبٌ فى الجبلة الطينية ، وقد أخطأ أبو البشر فيما عُهد إليه من قبلُ ونسى ، وأورث ذلك بنيه ، فكلهم خطَّاء .(1/29)
ولله در الإمام العلامة أبو بكر الخطيب البغدادى ، فقد اعتذر عن مثل عملنا حين تصدى لبيان أوهام أكابر علماء الأمة ، فقال فى مقدمة (( موضح أوهام الجمع والتفريق ))(1/12) : (( ولعلَّ بعض من ينظر فيما سطرناه ، ويقف على ما لكتابنا هذا ضمناه ؛ يلحق سيء الظن بنا ، ويرى أنا عمدنا للطعن على من تقدمنا ، وإظهار العيب لكبراء شيوخنا ، وعلماء سلفنا ! وأنى يكون ذلك ، وبهم ذكرنا ، وبشعاع ضيائهم تبصرنا ، وباقتفائنا واضح رسومهم تميزنا ، وبسلوك سبيلهم عن الهمج تحيزنا . وما مثلهم ومثلنا إلا ما ذكر أبو عمرو بن العلاء ؛ فيما أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر المقرئ أخبرنا أبو طاهر عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبي هاشم حدثنا محمد بن العباس اليزيدي حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال قال أبو عمرو : ما نحن فيمن مضى إلا كبقل في أصول نخل طوال )) اهـ .
وكذلك فليعلم من ملكت العصبية زمامه ، أن أعلى درجات المحبة المنبئة عن حقيقة الإيمان : إيثار محبة الله ورسوله وتقديمها على كلِّ المحاب .
وقد أخرج إمام المحدثين فى (( كتاب الإيمان ))(1/12. سندى ) :
باب : حبُّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم من الإيمان
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ )) .(1/30)
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح وحَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )) .
وقال ـ عليه سحائب الرحمة وشآبيب الغفران ـ :
باب : حلاوة الإيمان
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا للهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ )) .
والله أسأل أن يغفر له ولنا ، ويرحمنا وإياه ، وسائر أئمتنا فى السالفين ، إنَّه ولينا ونعم الوكيل ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
بيان الأحاديث التى خولف الشيخ الألبانى على تضعيفها
ونصرة شيخ الإسلام أبو زكريا النووى بتقويتها
والاحتجاج بها فى كتابه (( رياض الصالحين ))
…
40 : باب بر الوالدين وصلة الأرحام
(330) عن سلمان بن عامر رضى الله عنه عن النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ ، فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا ، فَالْمَاءُ ، فَإِنَّهُ طَهُورٌ )) . رواه الترمذى وقال : حديث حسن .
وذكره الشيخ الألبانى فى (( ضعيف الجامع ))(389) ، وفى (( الإرواء ))(4/50) .(1/31)
وقال أبو محمد : أخرجه الترمذى فى (( كتاب الزكاة ))(658) قال :
بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الْقَرَابَةِ
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنِ الرَّبَابِ عَنْ عَمِّهَا سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ ، فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا ، فَالْمَاءُ ، فَإِنَّهُ طَهُورٌ (( ، وقَالَ : )) الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ : صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ )) .
قَالَ أبو عيسى : (( حَدِيثُ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ . وَالرَّبَابُ هِيَ أُمُّ الرَّائِحِ بِنْتُ صُلَيْعٍ ، وَهَكَذَا رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنِ الرَّبَابِ عَنْ سَلْمَانَ ابْنِ عَامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ . وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ ، وَلَمْ يَذكُرْ فِيهِ عَنِ الرَّبَابِ . وَحَدِيثُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ أَصَحُّ ، وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ عَوْنٍ وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنِ الرَّبَابِ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ )) .(1/32)
وأخرجه كذلك الطيالسى(1181) ، وعبد الرزاق (4/224/7587) ، والحميدى (823/2) ، وأحمد (4/214،18،17) ، والدارمى (1701) ، وعلى بن الجعد (( المسند )) (2/826/2244) ، والنسائى (( السنن الكبرى ))(2/254/3323:3319) ، أبو داود (2355) ، وابن ماجه (1699) ، وابن خزيمة (2067) ، وابن حبان (3506) ، والطبرانى (6/334:333/6197:6192) ، والحاكم (1/431) ، والبيهقى (( السنن الكبرى )) (4/238) و(( شعب الإيمان ))(7/479/3615) ، والبغوى (( شرح السنة ))(1743) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(35/171) من طرق عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن الرباب بنت صليع عن عمها سلمان بن عامر مرفوعاً .
وصحَّح الموصول بذكر الرباب بنت صليع البصرية : أبو حاتم الرازى ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم . ووافقهم عليه أكابر الحفاظ : النووى ، وابن القيم ، والذهبى ، وابن حجر ، والصنعانى ، والشوكانى ، وجماعة .
وقال أبو محمد : هو كما قالوا ، فهذا إسناد رجاله كلهم ثقات ، غير الرباب بنت صليع أم الرائح الضبيَّة البصرية ؛ وقد وثقت وصحَّح الأئمة الفحول حديثها كما سلف . وقال الحافظ أبو الحجاج المزى (( تهذيب الكمال ))(35/171/7836) : (( استشهد بها البخارى ـ يعنى ذكر حديثها فى (( صحيحه )) تعليقاً ـ وروى لها الباقون سوى مسلم )) اهـ .
ويعنى الحافظ باستشهاد البخارى بها ؛ تقوية أمرها والاعتبار بمتابعتها ، فقد علَّق البخارى حديثها فى (( كتاب العقيقة ))(3/304 . سندى) عقب حديث سلمان بن عامر )) مع الغلام عقيقة )) ، فقال : (( وقال غير واحد (( عن عاصم وهشام عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان عن النَّبىِّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم )) اهـ .
وقد ترجم الحافظ الذهبى فى (( الميزان )) : (( فصل فى النسوة المجهولات . قال : وما علمت فى النساء من اتهمت ، ولا من تركوها )) ، وذكر منهن الرباب بنت صليع أم الرائح البصريَّة .(1/33)
ولا يختلف حال الرباب بنت صليع عن مثيلاتها من النساء المجهولات اللاتى ذكرهن ابن حجر فى (( التقريب )) وقال عنهن : (( مقبولة من الثالثة )) ؛ يعنى الطبقة الوسطى من التابعيات ، أمثال :
(1) مرجانة أم علقمة ، تفرد عنها ابنها علقمة ، واحتج بها مالك فى (( الموطأ )) .
(3،2) دحيبة وصفية بنتا عليبة بن حرملة العنبريتان ، تفرد عنهما عبد الله بن حسان .
(4) دقرة ـ بكسر الدال وسكون القاف ـ بنت غالب الراسبية البصرية ؛ أم عبد الرحمن بن أذينة قاضى البصرة ، تفرد عنها محمد بن سيرين .
(5) سائبة ؛ مولاة الفاكه بن المغيرة المخزومى ، تفرد عنها نافع مولى ابن عمر .
(6) عديسة بنت أهبان بن صيفى ، تفرد عنها عبد الله بن عبيد الحميرى المؤذن .
فى عشرات أمثالهن ؛ ممن وثقن ، واحتج بأحاديثهن أكابر الأئمة : كمالك ، وأبو داود ، والترمذى ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم ، والضياء المقدسى ، ومن لا يُحصى كثرة من الحفاظ المتأخرين عن هؤلاء الأئمة الفحول ، وفى مقدمتهم شيخ الإسلام الحافظ أبو زكريا النووى ، والحافظ الذهبى ، وقد سبق ذكر مقاله عنهن (( ما علمت فى النساء من اتهمت ، ولا من تركوها )) . وقد أطلت القول فى تخريج أحاديثهن فى :
(( الإكليل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيل ))
ومن أعجب طرق الاستدلال لدى من يضعِّف أحاديث المجهولات من النساء كالرباب ، ورائطة بنت مسلم ، وصفية بنت عصمة ، وضباعة بنت المقداد وغيرهن ، كالألبانى ومن يقلده فى ذلك ، أنهم يحتجون بتجهيل الحافظ الذهبى إياهن ، ويتغاضون عما قرَّره من أن الجهالة عنده لا تعنى الضعف ولا ترك الاحتجاج بحديث المجهولة ، وراجع ما قرَّرناه فى المقدمة ، فإنَّه نافع لمن تدبره .(1/34)
وأما الشيخ الألبانى فى (( الإرواء ))(4/50) ، فقد قال عقب تحسين الترمذى الحديث ، وقول الحاكم : (( صحيح على شرط البخارى )) بنصه : (( وليس كذلك ، فإن الرباب هذه إنما أخرج لها البخارى تعليقاً ، ثم هى لا تعرف إلا برواية حفصة بنت سيرين عنها ، كما قال الذهبى فى (( الميزان )) ، وقد وثقها ابن حبان وصحَّح حديثها هذا ، وهو فى ذلك تابع لشيخه ابن خزيمة ، فقد صحَّح الحديث أيضاً كما فى (( بلوغ المرام )) ، وكذا صحَّحه أبو حاتم الرازى كما فى (( تلخيص الحبير ))(192) .
وأقول : ولا أدرى ما وجه هذا التصحيح ، لا سيما من مثل أبى حاتم ، فإنه معروف بالتشدد فى التصحيح ، والقواعد الحديثية تأبى مثل هذا التصحيح ، لتفرد حفصة عن الرباب كما تقدم ومعنى ذلك أنها مجهولة ، فكيف يصحَّح حديثها ؟! مع عدم وجود شاهد له ، اللهم إلا حديث أنس ، وهو معلول بمخالفة سعيد بن عامر للثقات ، كما سبق بيانه )) انتهى بنصه .
وأقول : لولا قوة الحُجَُّة لدى خصماء الشيخ الألبانى فى هذا الحديث ؛ لم يكثر من هذه التساؤلات ، ولمَا تحيَّر قائلاً : لا أدرى ما وجه هذا التصحيح ؟! ، سيما وهو مخالف لمن يكثر الاحتجاج بتصحيحهم وأحكامهم !! . وقد لا يخفاك أن القائلين بتصحيح هذا الحديث من أصحاب التأصيل لهذه القواعد الحديثية التى زعم الألبانى ـ رحمه الله ـ أنها تأبى تصحيحه .
وأقول : وليس مع الشيخ الألبانى من موجبات تضعيف الحديث إلا أمرين :
( أولهما ) أن الرباب بنت صليع البصرية مجهولة ، لم يرو عنها غير حفصة بنت سيرين .
( ثانيهما ) أنها لم تتابع على حديثها .
فإن كان ذلك كذلك ، فلماذا صحَّح نظائر وأشباه له كثيرة ؟! . ففى ثنايا تقريره بطلان حديث (( نعم المذكر السبحة )) فى (( سلسلته الضعيفة ))(1/112) ، ذكر ما نصه :(1/35)
(( أنه مخالف لأمره صلَّى الله عليه وسلَّم ، حيث قال لبعض النسوة (( عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ ، وَلا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ التَّوحِيدَ ، وَاعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ ، فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ )) . وهو حديث حسن ، أخرجه أبو داود وغيره ، وصحَّحه الحاكم والذهبى ، وحسَّنه النووى والعسقلانى )) اهـ .
فالألبانى هاهنا يعتمد تصحيح الحاكم والنووى والذهبى والعسقلانى لهذا الحديث ، والراوية له : حميضة بنت ياسر مجهولة ، لم يرو عنها غير ابنها هانئ بن عثمان الجهنى ، وهانئ هذا لم يوثقه غير ابن حبان ؟! ، وحديثها فرد غريب لم يتابعها عليه أحد ؟! .
وقال ابن حجر فى (( تقريب التهذيب ))(1/746/8570) : (( حميضة بنت ياسر. مقبولة من الرابعة )) . فلماذا يخالف الألبانى هاهنا مذهبه فى المجهولات والمقبولات ؟! .(1/36)
وقد أخرج حديثها ابن أبى شيبة(2/160/7656 و6/53/29414 و7/168/35038) ، وأحمد (6/370) ، وإسحاق بن راهويه (1/199:198) ، وابن سعد (( الطبقات الكبرى )) (8/310) ، والدورى (( تاريخ يحيى بن معين ))(3/51) ، وعبد بن حميد (( المنتخب )) (1570) ، وأبو داود (1501) ، والترمذى (3583) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى )) (6/73/3285) ، وابن حبان كما فى (( موارد الظمآن ))(2333) ، والطبرانى (( الكبير )) (25/74/180) و(( الأوسط ))(5/182/5016) ، والحاكم(1/547) ، وأبو نعيم(( الحلية )) (2/68) ، والرافعى (( التدوين فى أخبار قزوين ))(3/52) ، والمزى (( تهذيب الكمال )) (30/141) جميعا من طريق هانئ بن عثمان عن أمه حميضة بنت ياسر عن جدتها يسيرة وكانت من المهاجرات قالت : قال لنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( يا نِسَاءَ المُؤمِنَاتِ عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ ، وَلا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ ، وَاعْقِدْنَ بِالأَنَامِلِ ، فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ ((.
قلت : ففى إسناد الحديث حميضة بنت ياسر ، إحدى المجهولات اللاتى لم يرو عنهن إلا راوٍ واحد ، ممن تفرد ابن حبان بتوثيقهن ، وقال ابن حجر عن كلٍّ منهن : (( مقبولة )) ، فسبيلها فى قبول حديثها كسبيل الرباب بنت صليع البصرية لا يفترقان فى شئٍ البتة ، كلتاهما تابعية مجهولة لم يوثقها غير ابن حبان ، وقال عنهما ابن حجر : (( مقبولة )) ، فكيف فرَّق بينهما الألبانى ، فحسَّن حديث حميضة وضعَّف حديث الرباب ؟! . أليس هذا من الاعتداد بقواعد وأصول علم الجرح والتعديل فى موضع ، ونقضه فى موضع آخر ؟! .(1/37)
على أن ثمَّة أمرٍ آخر زائدٍ فى حديث حميضة ، الذى تلقاه الألبانى بالقبول وحسَّنه ، أن فى إسناده هانئ بن عثمان الجهنى وقد تفرد عن أمِّه حميضة ، ولم يوثقه إلا الإمام العلم الجهبذ ابن حبان ، ولهذا قال ابن حجر فى (( التقريب )) عنه : (( مقبول )) ! . فلماذا تغافل عنه الألبانى ، وتناسى ما يكثر أن يعلل به تضعيف أحاديث المجاهيل بقوله : (( توثيق ابن حبان لا يعُتمد ، لأنه متساهل فى التوثيق )) ؟! .
وعندى أن الحكم على الحديثين ـ حديث الرباب وحديث حُميضة ـ واحد ، كلاهما صحيح ، ولا يضر راويتهما تفرد راوٍ عنهما وعدم اشتهارهما ، وسبيلهما سبيل أمثالهن وأشباههن ممن احتج بهن مالك فى (( موطئه )) : كزينب بنت كعب بن عجرة ، وسائبة مولاة الفاكه بن المغيرة المخزومى ، ومرجانة أم علقمة مولاة عائشة ، وأم محمد بن عبد الرحمن ابن ثوبان وغيرهن ، كما سبق بيانه فى مقدمة هذا الكتاب .
وسيأتيك فى ثنايا هذا الكتاب أحاديث بعضهن ، مما قوَّى أمرهن ، واحتج بأحاديثهن شيخ الإسلام أبو زكريا النووى فى (( رياضه )) .
ولما كانت مرجانة أم علقمة أشهرهؤلاء المذكورات وأوثقهن فى التابعيات المدنيات ، سيما وقد خرَّج لها إمام الأئمة مالك بن أنس فى (( موطئه )) سبعة أحاديث ، وقد سبق بيان حال زينب بنت كعب بن عجرة ، وأم محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، فلنذكر حديث سائبة المخزومية لنزيدك إيضاحأ وتبصيراً بمعنى قول ابن حجر عنهن (( مقبولة )) ، وبيان أنه على التوثيق لهن ، خلافاً لفهم المتأخرين ممن يضعِّف أحاديث المجهولات والمقبولات من النساء كالرباب وغيرها .(1/38)
قال الإمام أحمد (6/83) : حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ حَدَّثَنَا نَافِعٌ قَالَ حَدَّثتنِي سَائِبَةُ مَوْلاةٌ لِلْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَتْ : دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَرَأَيْتُ فِي بَيْتِهَا رُمْحًا مَوْضُوعًا ، قُلْتُ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ! مَا تَصْنَعُونَ بِهَذَا الرُّمْحِ ؟ ، قَالَتْ : هَذَا لِهَذِهِ الأَوْزَاغِ ؛ نَقْتلُهُنَّ بِهِ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا : )) أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلاة وَالسَّلام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ؛ لَمْ تَكُنْ فِي الأَرْضِ دَابَّةٌ إِلا تُطْفِئُ النَّارَ عَنْهُ ؛ غَيْرَ الْوَزَغِ ، كَانَ يَنْفُخُ عَلَيْهِ (( ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتلِهِ .
وقال (6/109) : حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَائِبَةَ مَوْلاةٍ لِلْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فَرَأَتْ فِي بَيْتِهَا رُمْحًا مَوْضُوعًا ... نحوه .
وأخرجه كذلك ابن أبى شيبة (4/260) ، وابن ماجه (3231) ، وأبو يعلى (7/317/4357) ، وابن حبان (5631) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(35/192) جميعاً من طريق جرير بن حازم عن نافع عن سائبة مولاة الفاكه أنها دخلت على عائشة به بنحوه .
وقال الحافظ البوصيرى (( مصباح الزجاجة ))(3/239) : (( هذا إسناد صحيح . رواه أبو بكر ابن أبي شيبة في (( مسنده )) . وله شاهد في (( الصحيحين )) من حديث أم شريك ، وفي (( صحيح مسلم )) من حديث سعد بن أبي وقاص ، وأبي هريرة )) اهـ .(1/39)
قلت : هو كما قال ، فهذا حديث صحيح بذاته ، ورجاله ثقات كلهم ، غير سائبة مولاة الفاكه بن المغيرة المخزومى ، وقد تفرد بالرواية عنها نافع مولى ابن عمر، وليس لها فى (( الكتب الستة )) غير هذا الحديث ، انفرد به ابن ماجه ، ولها حديث آخر فى (( مسند أحمد )) .
قال الإمام أحمد (6/49) قال : حَدَّثَنَا يَحْيَى ـ يعنى القطان ـ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ـ يعنى ابن عمر ـ ح وَمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ حَدَّثنَا عُبَيْدُ اللهِ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ سَائِبَةَ عَنْ عَائِشَةَ : نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الْحَيَّاتِ ـ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ ـ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ وَأَمَرَنَا بِقَتْلِ الْأَبتَرِ وَذِي الطُّفْيَتينِ ، قَالَ : )) إِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ وَيُسْقِطَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ ، وَمَنْ تَرَكَهُمَا فَلَيْسَ مِنِّي (( .
وأخرجه كذلك إسحاق بن راهويه (( المسند ))(3/1042،1024/1801،1774) ، وعلى بن الجعد (( المسند ))(1581) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(16/132) ، والخطيب (( الفصل للوصل المدرج ))(2/723) من طرق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن سائبة عن عائشة بنحوه .
وتابعه جرير بن حازم وجويرية بن أسماء عن نافع . أخرجه أبو يعلى (7/319/4358) و(8/212/4776) من طريقهما عن نافع عن سائبة عن عائشة بنحوه .
وخالفهم مالك فرواه عن نافع عن سائبة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأرسله .
أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(3/142) : حدثني مالك عن نافع عن سائبة مولاةٍ لعائشة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نهى عن قتل الجنان التي في البيوت إلا ذا الطفيتين والأبتر، فإنهما يخطفان البصر ويطرحان ما في بطون النساء .(1/40)
قال أبو عمر بن عبد البر (( التمهيد ))(16/132) : (( وهو معروف من حديث مالك مرسلا ، وأكثر أصحاب نافع وحفاظهم يروونه عن نافع عن سائبة عن عائشة مسنداً متصلاً .
والدليل على هذا أن الحديث عن سائبة عن عائشة مسنداً ، أن هشام بن عروة يرويه عن أبيه عن عائشة عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم )) اهـ .
قلت : وخلاصة القول ، فليس لسائبة مولاة الفاكه بن المغيرة المخزومى كثير حديث ، ولعلها لم ترو غير هذين الحديثين ، وهما متلقيان بالقبول وشواهد الصحة تعضدهما .
وقد ذكرها ابن حبان فى (( الثقات ))(4/351/3298) ، والإمام مالك فى (( موطئه )) .
وقال الحافظ ابن حجر فى (( التقريب ))(1/748/8603) : (( مقبولة من الثالثة )) . ولربما علمت أن جملة النساء من الطبقة الثالثة ـ يعنى الوسطى من التابعيات ـ اللاتى قال عنهن الحافظ (( مقبولة )) : 39 تسع وثلاثين امرأة ، وكلهن موثقات . وقد استقصيت أحاديثهن كلهن فى كتابى :
(( المنهج المأمول ببيان معنى قول ابن حجر مقبول ))
42 : باب بر أصدقاء الأب والأم
وسائر من يندب إكرامه
(341) عن أبى أسيد ـ بضم الهمزة وفتح السين ـ مالك بن ربيعة الساعدى رضى الله عنه قال : (( بَيْنَا نَحْنُ جُلوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا ؟ ، قَالَ : (( نَعَمِ الصَّلاةُ عَلَيْهِمَا ، وَالاسْتِغْفَارُ لَهُمَا ، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لا تُوصَلُ إلا بِهِمَا ، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا )) .
رواه أبو داود .(1/41)
وذكره الشيخ الألبانى فى (( سلسلة الأحاديث الضعيفة ))(597) ، وقال : (( هذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات كلهم ؛ غير على بن عبيد مولى أبى أسيد الساعدى ، لم يوثقه غير ابن حبان ، ولم يرو عنه غير ابنه أسيد . وقال الذهبى : (( لا يعرف )) . وأشار إليه الحافظ بقوله (( مقبول )) اهـ .
وقال أبو محمد : أخرجه أبو داود فى (( كتاب الأدب ))(5142) قال :
بَاب فِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ ـ الْمَعْنَى ـ قَالُوا : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَسِيدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدٍ مَوْلَى بَنِي سَاعِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا ؟ ، قَالَ : )) نَعَمِ الصَّلاةُ عَلَيْهِمَا ، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا ، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لا تُوصَلُ إلا بِهِمَا ، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا (( .
وأخرجه أحمد (3/497) ، والبخارى (( الأدب المفرد ))(35) ، وابن ماجه (3664) ، والرويانى (( المسند ))(1460) ، وابن حبان (419) ، والطبرانى (19/267/592) ، والحاكم (4/154) ، والخطيب (( موضح الأوهام ))(1/76،77) جميعا من طريق أسيد بن على بن عبيد عن أبيه على بن عبيد مولى أبى أسيد عن أبى أسيد الساعدى مرفوعاً .
وقال أبو عبد الله الحاكم : (( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) .(1/42)
وقال أبو محمد : وهو كما قال ، هذا إسناد رجاله ثقات كلهم ؛ غير على بن عبيد مولى أبى أسيد الساعدى ، تفرد بالرواية عنه ابنه أسيد .
وقد ذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(5/166/4396) ، وذكره ابن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل ))(6/195/1072) ، فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
وقد قال الحافظ الذهبى فى (( الديوان )) : (( وأما المجهولون من الرواة ، فإن كان من كبار التابعين أو أوساطهم ؛ احتمل حديثه وتلقى بحسن الظن ؛ إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ )) اهـ .
وعلى بن عبيد مولى أبى أسيد الساعدى ؛ تابعى مدنى من أوساط التابعين ، وبناءً على قاعدة الذهبى الذهبية فهو ثقة محتج به ، على أن أرجح المذاهب فى التابعى المجهول الذى لم يذكر أحد من أهل الجرح والتعديل فيه جرحا ولا تعديلا قبول روايته والاحتجاج بها .
ولهذا قال فى (( الكاشف ))(2/44/3943) : (( علي بن عبيد عن مولاه أبي أسيد الساعدي وعنه ابنه أسيد . وثق )) . هذا مع ما سبق تقريره من تناقض القائلين بتضعيف أحاديث المجاهيل الذين لم يُعلم فيهم جرح ، وتوَّحد ابن حبان بتوثيقهم ، فتارة يحتجون بأحاديثهم مناقضين أنفسهم ومخالفين مذهبهم ، كما سبق بيانه فى مقدمة هذا الكتاب .
وأما قول ابن حجر عنه فى (( التقريب )) : (( مقبول )) ، فعلى خلاف ما توهمه المتأخرون أنه من ألفاظ التجريح ، ومنهم الشيخ الألبانى ـ رحمه الله ـ ، وقد قاله الحافظ ابن حجر عن جماعة من الثقات الذين احتج بهم الشيخان فى (( الصحيحين )) ، وعدَّتهم مائة وخمسة من الرواة ، وقد ذكرتهم كلهم فى كتابى :
(( المنهج المأمول ببيان معنى قول ابن حجر مقبول ))
ولنذكر هاهنا منهم عشرين راوياً ، ليكونوا أنموذجاً لمعنى هذا المصطلح عند ابن حجر :
(1) رافع المدنى ، مولى مروان بن الحكم وبوابه .
(2) عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر التيمى .
(3) عمر بن عبد الله بن أرقم الزهرى المدنى .(1/43)
(4) معبد بن كعب بن مالك الأنصارى السلمى .
وهؤلاء الأربعة اتفق الشيخان على التخريج لهم جميعا .
(5) أبو بكر بن عبيد الله بن أبى مليكة التيمى المكى .
(6) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبى ربيعة المخزومى .
(7) عبيد بن أبى مريم المكى .
(8) عوف بن الحارث بن الطفيل بن سخبرة الأزدى .
(9) نبهان الجمحى ، أبو صالح مولى التوأمة .
(10) يزيد بن أبى كبشة السكسكى الدمشقى .
وهؤلاء الستة تفرد البخارى بالتخريج لهم فى (( الصحيح )) .
(11) أبو بكر بن عمارة بن رويبة الثقفى الكوفى .
(12) أبو سعيد مولى المهرى .
(13) أبو عبيدة بن عبد اللَّه بن زمعة بن الأسود القرشى الأسدى .
(14) أبو عبيدة بن عقبة بن نافع الفهرى .
(15) جعفر بن عمرو بن حريث المخزومى .
(16) خالد بن غلاق القيسى .
(17) عامر بن سعد البجلى .
(18) عبد الله بن شهاب الخولانى أبو الجزل .
(19) عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة بن نوفل الزهرى أبوالمسور المدنى .
(20) المنذر بن جرير بن عبد الله البجلى .
وهؤلاء العشرة تفرد مسلم بالتخريج لهم فى (( الصحيح )) .
ولعلَّ بعض من يخطئ فى تأويل هذا المصطلح (( مقبول )) يقول : إنما احتج الشيخان بأحاديث هؤلاء المذكورين وغيرهم ممن ذكرت عدتهم فى (( الصحيحين )) فى المتابعات لا فى الأصول ؟! .
وأقول : تلك شكاية بادٍ عن العارف المدقق عارُها ، ومردود على المتشكى الخلى وزرُها ، فإن أحاديث الكثيرين من هؤلاء ذكرها الشيخان :
( أولاً ) أصولاً فى أبوابها .
( ثانياً ) أفراداً لم يُتابع عليها رواتها .(1/44)
فهل بلغك حديث خالد بن عمير العدوى عن عتبة بن غزوان البصرى ؛ فى خطبته عند فتح البصرة ، وهو غريب وفرد فى بابه ، لم يروه عن عتبة بن غزوان غير خالد بن عمير العدوى ، أو أتاك نبأ معبد بن كعب بن مالك الأنصارى ؛ في )) مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ (( فهو غريب تفرد به معبد بن كعب بن مالك الأنصارى عن أبى قتادة ، ولم يتابع عليه . ألم يبلغ مسمعك حديث جعفر بن عمرو بن حريث المخزومى عن أبيه ، فى (( لبس النَّبىِّ عمامةً سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه (( ، فهو غريب لم يروه عن عمرو بن حريث المخزومى غير ابنه جعفر بن عمرو ، ولم يُتابع عليه عن أبيه .
وهذه كلها أحاديث صحاح لا مطعن لأحد فيها ، ومخرجة فى (( الصحيحين )) ، على أن رواتها من الموصوفين عند الحافظ ابن حجر بقوله (( مقبول )) ، فهل يعنى ذلك أنهم ضعفاء عنده ، وأن أحاديثهم فى جملة الأحاديث الضعيفة ؟! .
فكيف إذا علمت أن (1535) ألفاً وخمسمائة وخمسة وثلاثين راوياً قد وصفهم الحافظ ابن حجر فى (( التقريب )) بقوله (( مقبول )) ، فهل يعنى هذا أنهم ضعفاء غير محتج بأحاديثهم بناءاً على هذا التأويل الخاطئ لهذا المصطلح ؟َ! .
وكيف إذا علمت أن الحافظ الذهبى قد وثق من هؤلاء الرواة (450) أربعمائة وخمسين راوياً تصريحاً بقوله (( ثقة )) ، أو تلميحاً بقوله (( وثق )) ؟! .
ونزيدك إيضاحاً وتبصيراً ، لنصرفك عن تقليد المذاهب الخاطئة ؛ بذكر بعض هذه الأحاديث على وجه التفصيل والبيان .
ففى (( كتاب الرقاق )) من (( الصحيح ))(4/131. سندى) ، قال أبو عبد الله البخارى :(1/45)
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ابْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ : )) مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ ؟ ، قَالَ : الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ )) .
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى ـ يعنى القطان ـ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ حَدَّثَنِي ابْنُ كَعْبٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : )) مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ (( نَحْوَهُ .
قال أبو محمد الألفى : وأخرجه كذلك مالك (( الموطأ ))(1/239. تنوير الحوالك ) ، وعبد الرزاق (( المصنف ))(3/443/6254) ، وأحمد (5/304،302،296) ، وعبد بن حميد (193) ، ومسلم (7/20. نووى ) ، والنسائى (( الكبرى ))(1/628/2057) و(( المجتبى ))(4/48) ، وابن حبان (3001) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج )) (3/33/2128،2127) و(( حلية الأولياء ))( 6/336) ، والبيهقى (( الكبرى ))(3/279) و(( شعب الإيمان ))(7/9/9264) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(13/62) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(28/237) من طرق عن معبد بن كعب بن مالك الأنصارى عن أبى قتادة الأنصارى به .
قلت : وهذا حديث صحيح غريب ؛ لم يروه عن أبى قتادة غير معبد بن كعب بن مالك الأنصارى السلمى ، وقد خرَّجاه فى (( الصحيحين )) .(1/46)
ومعبد بن كعب بن مالك الأنصارى ؛ ذكره ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل )) (8/279/1279) ، فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . وقال ابن حجر (( التقريب )) (1/539/6781) : (( مقبول من الثالثة )) .
فقد بان أن معبد بن كعب بن مالك المحتج به فى (( الصحيحين )) ، لم يعرف أبو حاتم الرازى حاله ، ووصفه ابن حجر بقوله (( مقبول )) ، وتفرد بالرواية عن أبى قتادة ، ولم يُتابع . فعلى مذهب من يرى أن (( المقبول )) حيث لم يتابع فحديثه ضعيف غير محتج به ، فهو ضعيف غير محتج بحديثه . أفلا يعد هذا القول هاهنا شذوذا وخلافاً لأئمة الصحاح والسنن الذين تلقوا حديثه هذا بالقبول ، وأودعوه (( صحاحهم )) ، وخلافاً لابن حجر نفسه واضع هذا المصطلح !! .
ومن عجب أن الألبانى ـ رحمه الله ـ قد خالف أصله هذا فى تضعيف حديث المجهول والمقبول الذى لم يتابع ، فقد ذكر فى (( صحيحته ))(حديث 401) حديث : )) إِذَا قُمْتَ فِي صَلاتِكَ ، فَصَلِّ صَلاةَ مُوَدِّعٍ ، وَلا تَكَلَّمْ بِكَلامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ ، وَأَجْمِعِ الْيَأْسَ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ (( .
أخرجه أحمد (5/412) ، وابن ماجه (4117) ، والطبرانى (( الكبير )) (4/154/3987) ، وأبو نعيم (( الحلية ))(1/462) ، والبيهقى (( الزهد الكبير )) (2/87/102) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(19/346) من طرق عن عبد الله بن عثمان بن خثيم حدثني عثمان بن جبير مولى أبي أيوب عن أبي أيوب الأنصارى قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علمني وأوجز؟ ، فقال : فذكره .
قلت : هذا إسناد رجاله ثقات كلهم ؛ خلا عثمان بن جبير مولى أبى أيوب الأنصارى ، فإنه مجهول ، لم يرو عنه غير عبد الله بن عثمان بن خثيم ، وليس يعرف إلا بهذا الحديث الواحد الفرد ، وقال ابن حجر فى (( التقريب )) : (( مقبول )) .
وقد أقرَّ الشيخ الألبانى بذلك كله ، فقال : (( هذا سند ضعيف لجهالة عثمان بن حبير )) .(1/47)
ثم نقض صنيعه هذا ، وخالف مذهبه المتشدد فى المجاهيل ، فصحح حديث عثمان بن جبير المجهول الحال ، فقال : (( لكن كون الحديث من أوجز الكلمات وأجمعها للحكمة يدل على ثبوته ))؟؟ . إذن فعدالة الرواة أو جهالتهم ـ عند الألبانى ـ ليست كافيةً وحدها للحكم على الأحاديث بالصحة أو الضعف ؛ حتى ينضاف إليها اعتبارات تتعلق بالنظر فى متونها وموافقتها أو مخالفتها للأصول ، فهلا فعل كذلك فى سائر المجاهيل ، وإلا فهو مناقض لمذهبه ، وطريقته فى التضعيف ، ولا ينضبط له أصل فى هذا الباب !! .
ثم أليس هذا بعض معنى قول الحافظ الذهبى : (( وأما المجهولون من الرواة ، فإن كان من كبار التابعين أو أوساطهم ؛ احتمل حديثه وتلقى بحسن الظن ؛ إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ )) اهـ .
فإذا تقرر هذا ، وبانت دلالتُه ، ووضحت حجَّتُه ، فقد وجب على الكثيرين ممن يقلدون هذا المذهب الخاطئ فى تأويل معنى قول ابن حجر عن الراوى (( مقبول )) ؛ أن يراجعوا أنفسهم عن القول بتضعيف الكثير من الأحاديث ؛ حيث لا حجة على تضعيفها إلا وصف الراوى بكونه (( مقبول )) ؛ ولم يتابع !! .
وقد استقصيت ذكر الأدلة على توثيق الحافظ ابن حجر لكثير من هؤلاء الموصوفين فى (( تقريبه )) بقوله (( مقبول )) ؛ بنقل تصحيحه لأحاديثهم فى (( تلخيص الحبير )) و(( فتح البارى )) و(( نكته على ابن الصلاح )) ، بما لا مزيد عليه ، فى كتابى :
(( المنهج المأمول ببيان معنى قول ابن حجر مقبول ))
ونزيدك إيضاحاً وتبصيراً ، لنصرفك عن تقليد المذاهب الخاطئة ، بذكر واحدٍ من هذه الأحاديث ، وهو ما أخرجه الترمذى فى (( كتاب الأدب ))(5/102/2778) :
بَاب مَا جَاءَ فِي احْتِجَابِ النِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ(1/48)
حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ ـ يعنى ابن نصر ـ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ـ يعنى ابن المبارك ـ أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ : أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَيْمُونَةَ قَالَتْ : فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أُمِرْنَا بِالْحِجَابِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : )) احْتَجِبَا مِنْهُ (( ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لا يُبْصِرُنَا وَلا يَعْرِفُنَا ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : )) أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا ، أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ (( .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )) .
قلت : وأخرجه كذلك أحمد (6/296) ، وإسحاق بن راهويه (( المسند ))(1/84/34) ، وابن سعد (( الطبقات ))(8/126) ، وأبو داود (4112) ، والنسائى (( الكبرى ))(5/393) ، وأبو يعلى (12/353/6922) ، وابن حبان (5576،5575) ، والطحاوى (( مشكل الآثار )) (1/82) ، والطبرانى (( الكبير ))(23/302/678) ، والبيهقى (( الكبرى ))(7/91) ، والخطيب (( التاريخ )) (8/338) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(19/156،155) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(29/313) من طرق عن يونس بن يزيد الأيلى عن الزهرى عن نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة به .
وقال أبو زكريا النووى (( شرح صحيح مسلم ))(10/96) : (( وهذا الحديث حديث حسن . رواه أبو داود والترمذي وغيرهما ، وقال الترمذي : هو حديث حسن . ولا يلتفت إلى قدح من قدح فيه بغير حجة معتمدة )) اهـ .
قلت : ورجال إسناده ثقات مشاهير كلهم ؛ غير نبهان مولى أم سلمة وقد وثق ، وكفاه فى توثيقه وعدالته أمران :(1/49)
( أولهما ) تابعيته وكونه مولىً لأم المؤمنين أم سلمة زوج النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ولهذا ذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(5/486/ 5854) قال : (( نبهان أبو يحيى مولى أم سلمة . يروى عن أم سلمة . روى عنه الزهرى . وكانت أم سلمة قد كاتبته ، وأدى كتابته فعتق )) .
وقال الحافظ ابن حجر (( التقريب ))(1/559/ 7092 )) : (( مقبول من الثالثة )) ، يعنى من أوساط التابعين الذين يتلقى حديثهم بالقبول تبعاً لقاعدة الحافظ الذهبى الآنفة الذكر .
ولهذا صرَّح الذهبى بتوثيقه من غير تورية ، فقال فى (( الكاشف ))(2/316/5759) :
(( نبهان . عن مولاته أم سلمة . وعنه : الزهري ، ومحمد بن عبد الرحمن . ثقة )) .
وفى هذا التصريح بتوثيقه وتعديله ؛ رد على من زعم أن ذكر الذهبى فى (( ذيل الضعفاء )) تجهيل ابن حزم إيَّاه إقرار منه بأنَّه مجهول !! .
وهاهنا ينبغى تنبيه الناظر فى بعض كتب الحافظ الذهبى ، وبخاصةٍ (( ميزان الاعتدال )) ، أنَّه ربما ذكر كلَّ ما يقال عن الراوى من تضعيف أو تجهيل ، وينسبه لقائله من غير تعقيب أو نفىً لجهالةٍ ، فيظن من لا يعلم خطَّة الذهبى وشرطه فى المذكورين أن ذلك إقرار منه بالضعف أو التجهيل ، وهذا بخلاف مقصد الذهبى وغايته من صنيعه هذا ! .(1/50)
قال أبو الحسنات اللكنوى فى (( الرفع والتكميل فى الجرح والتعديل ))( ص142) : (( قد أكثر علماء عصرنا من نقل جروح الرواة من (( ميزان الاعتدال )) ؛ مع عدم اطلاعهم على انَّه ملخص من (( الكامل )) لابن عدى ، وعدم وقوفهم على شرطهما فيه فى ذكر أحوال الرجال ، فوقعوا به فى الزلل ، وأوقعوا النَّاس فى الجدل ، فإنَّ كثيراً ممن ذكر فيه ألفاظ الجرح : معدود فى الثقات ؛ سالم من الجرح ، فليتبصر العاقل ، وليتنبه الغافل ، وليجتنب المبادرة إلى جرح الرواة بمجرد وجود الفاظ الجرح فى حقه فى (( الميزان )) ، فإنه خسران أىَّ خسران . قال الذهبى فى ديباجة (( ميزانه )) : وفيه من تُكلم فيه مع ثقته وجلالته بأدنى لينٍ ، وبأقل جرحٍ ، فلولا أن ابن عدى وغيره من مؤلفى كتب الجرح ذكروه لما ذكرته لثقته ، ولم أر أن أحذف اسم واحدٍ ممن له ذكرٌ بتليينٍ فى كتب الأئمة المذكورين ، خوفاً من أن يُتعقب علىَّ ، لا أنى ذكرته لضعفٍ فيه عندى )) اهـ بتمامه .
( ثانيهما ) رواية الزهرى عنه ، ولا يضره تفرده ، فقد تفرد الزهرى عن جماعة من تابعى المدنيين ؛ لم يرو عنهم غيره ، ووثقهم أئمة التزكية والتعديل .
ولهذا قال الحافظ ابن حجر (( فتح البارى ))(9/337) عن حديث نبهان هذا : (( وإسناده قوي ، وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان وليست بعلة قادحة ، فإن من يعرفه الزهري ، ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ، ولم يجرحه أحد ؛ لا ترد روايته )) .
قلت : وهذا أحد المواضع التى تبين معنى قول ابن حجر عن الرواى : (( مقبول )) بأنَّه ثقة عنده ؛ خلافاً للمفهوم الخاطئ لدى المتأخرين ، فليتنبه لمثله !! .
وأعجب شئٍ فى تضعيفهم لحديث نبهان ، تقليد من ضعَّفه لأبى محمد بن حزمٍ ، الذى زعم جهالة نبهان لتفرد الزهرى بالرواية عنه !! .(1/51)
فإن كنت لا تعلم ما فى هذا التقليد من الخطأ والجفاء لمذاهب الأئمة الفحول ، فاعلم أنَّه : قد تفرد أبو بكرٍ محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهابٍ الزهرىُّ المدنى عن جماعةٍ من المدنيين وغيرهم ، ممن لم يرو عنهم غيرُه . ولست أعلم أحداً أحصى ما للزهرى من أفرادٍ على وجه التحديد ، وسأذكر فى هذه العجالة عشرين راوياً ممن هم فى عداد المجاهيل ، على طريقة أهل الإصطلاح ، تفرد أبو بكرٍ الزهرى بالرواية عنهم ، وتلقى الأئمة أحاديثهم بالقبول واحتجوا بها ، وإن أردت المزيد على من ذكرنا ، ففى كتابنا :
(( الإكليل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيل ))
(1) إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس .
(2) ثابت بن قيس الأنصارى الزرقي المدنى .
(3) حسين بن السائب بن أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري .
(4) حصين بن محمد الأنصارى السالمى المدنى .
(5) حفص بن عمر بن سعد القرظ المدني المؤذن .
(6) سحيم ـ بمهملتين مصغراً ـ مولى بنى زهرة .
(7) صالح بن بشير بن فديك أبو الفديك .
(8) عبد الرحمن بن مالك بن مالك بن جعشم ، ابن أخي سراقة بن مالك المدلجي .
(9) عبيد الله بن خليفة الخزاعي الكوفى .
(10) عثمان بن إسحاق بن خرشة القرشى العامرى المدنى .
(11) عقبة ويقال عتبة بن سويد الأنصاري .
(12) عكرمة بن محمد الدؤلى .
(13) عمر بن محمد بن جبير بن مطعم القرشى النوفلى .
(14) عمرو بن أبان بن عثمان بن عفان القرشى الأموى .
(15) عمرو بن عبد الله بن أنيس بن أسعد بن حرام الجهنى .
(16) محمد بن سويد بن كلثوم بن قيس القرشى الفهرى ، ابن ابن أخى الضحاك بن قيس .
(17) محمد بن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمى النوفلى .
(18) محمد بن النعمان بن بشير الأنصاري .
(19) أبو عثمان بن سنة الخزاعي الكعبي الدمشقي .
(20) أبو الأحوص مولى بنى ليث أو غفار .(1/52)
ونزيدك إيضاحاً وتبصيراً ، ليزداد يقينك فى توثيق وتعديل أمثال من روى عنه الزهرى ، فنذكر أنموذجين من هؤلاء المذكورين :
[ الأول ] ثابت بن قيس الأنصارى الزرقى .
أخرج حديثه أحمد (2/267) قال : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : أَخَذَتِ النَّاسَ رِيحٌ بِطَرِيقِ مَكَّةَ ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَاجٌّ ، فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ عُمَرُ لِمَنْ حَوْلَهُ : مَنْ يُحَدِّثُنَا عَنِ الرِّيحِ ؟ ، فَلَمْ يُرْجِعُوا إِلَيْهِ شَيْئًا ، فَبَلَغَنِي الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ ، فَاسْتَحْثَثْتُ رَاحِلَتِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُ ، فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُخْبِرْتُ أَنَّكَ سَأَلْتَ عَنِ الرِّيحِ ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللهِ ، تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ ، وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلا تَسُبُّوهَا ، وَسَلُوا اللهَ خَيْرَهَا ، وَاسْتَعِيذُوا بِهِ مِنْ شَرِّهَا (( .
وأخرجه كذلك الشافعى (( المسند ))(ص81) ، وعبد الرزاق (( جامع معمر ))(11/89) والبخارى (( الأدب المفرد ))(906،720) ، وأبو داود (5097) ، والنسائى (( الكبرى )) (6/231/10768،10767) و(( عمل اليوم والليلة ))(932،931) ، وابن ماجه (3717) ، وأبو يعلى (10/527/6142) ، وابن حبان (5732،1007) ، وأبو الشيخ (( العظمة ))(4/1314،1313) ، والحاكم (4/318) ، والبيهقى (( الكبرى ))(3/361) من طرق عن الزهرى عن ثابت بن قيس الزرقى عن أبى هريرة بنحوه .
قلت : هذا حديث صحيح ، رجاله ثقات كلهم رجال الصحيحين ، خلا ثابت بن قيس الأنصارى الزرقى ، وهو ثقة ممن تفرد عنهم الزهرى .(1/53)
ذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(4/90/1962) . وقال الحافظ المزى (( تهذيب الكمال )) (4/372/828) : (( ثابت بن قيس الأنصاري الزرقي المدني . روى عن أبي هريرة حديث (( الريح من روح الله )) . روى عنه : الزهري . قال النسائي : (( ثقة )) . وقال أبو عبد الله ابن منده : مشهور من أهل المدينة )) اهـ .
وقال الحافظ ابن حجر (( التقريب ))(1/133/827) : (( ثابت بن قيس الأنصاري الزرقي المدني . ثقة من الثالثة )) .
[ فائدة ] قال الحافظ أبو الفضل الهروى (( مشتبه أسامى المحدثين ))(ص83) :
(( ثابت بن قيس أربعة :
الأول : ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري صحابي مشهور .
الثاني : كوفي . يروي عنه إبراهيم النخعي وغيره .
الثالث : الزرقي الأنصاري تابعي . سمع أبا هريرة . حدث عنه الزهري .
الرابع : مولى بني غفار مديني . رأى أنس بن مالك وأبا سعيد المقبري . حدث عنه : ابن مهدي وغيره )) اهـ .
[ الثانى ] عمر بن محمد بن جبير بن مطعم القرشى النوفلى .
أخرج حديثه البخارى فى (( كتاب الجهاد والسير ))(2/141. سندى ) قال : حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ : أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَعَهُ النَّاسُ ، مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ ، فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ ، حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ ، فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : )) أَعْطُونِي رِدَائِي ، لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ، ثُمَّ لا تَجِدُونِي بَخِيلاً ، وَلا كَذُوبًا ، وَلا جَبَانًا (( .(1/54)
وأخرجه كذلك فى (( كتاب فرض الخمس ))(2/199. سندى ) قال : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الله الأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ : أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ النَّاسُ ، مُقْبِلاً مِنْ حُنَيْنٍ ، عَلِقَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَعْرَابُ ، يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ ، فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ ، فَوَقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : )) أَعْطُونِي رِدَائِي ، فَلَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ، ثُمَّ لا تَجِدُونِي بَخِيلاً ، وَلا كَذُوبًا ، وَلا جَبَانًا (( .
وأخرجه كذلك عبد الرزاق (5/243/9497) ، وأحمد (4/82) ، وابن حبان (4820) ، والطبرانى (( الكبير ))(2/131:130/1555:1552) ، وابن عبد البر (( التمهيد )) (20/52) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(21/496) من طرق عن الزهرى أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ به .
قال الحافظ المزى فى (( تهذيب الكمال ))(21/495/4301) : (( عمر بن محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي المدني ، أخو سعيد وجبير وإبراهيم بني محمد بن جبير ابن مطعم . روى عن أبيه محمد بن جبير بن مطعم . روى عنه الزهري . قال النسائي : ثقة . وذكره ابن حبان في (( كتاب الثقات )) . روى له البخاري حديثاً واحداً ))
وفى (( تقريب التهذيب ))(1/416) : (( ثقة . ما روى عنه غير الزهرى . من السادسة )) .(1/55)
والخلاصة أنه ليس مع من ضعَّف هذا الحديث حجة سوى :
( أولاً ) التأويل الخاطئ لقول الحافظ عن نبهان مكاتب أم سلمة : (( مقبول )) ، وقد علمت أنه ثقة عند الترمذى وابن حبان والنووى والذهبى وابن حجر ، وهو اللائق بحال التابعى الموصوف بأنه مكاتب أم سلمة .
( ثانياً ) تقليد ابن حزم على زعمه جهالة نبهان ، وقد علمت أن الأئمة الفحول على توثيق من تفرد الزهرى بالرواية عنهم ، ومنهم نبهان مولى أم سلمة رضى الله عنهم أجمعين .
( بيان وإيقاظ ) لعلَّ متوهماً يتوهم أن ما فى هذا الحديث الصحيح من معنى حجب أمهات المؤمنين عن الناس ، وأنَّه يحرم عليهن النظر إليهم من غير فرقٍ فى ذلك بين العميان والبصراء ، فيتوهم أن ذلك مخالفٌ لما فى الأحاديث الدالة على جواز نظر المرأة إلى الرجال .
وقد يعارضه بما أخرجاه فى (( الصحيحين )) عن عائشة قالت : )) رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ ، حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَسْأَمُ ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ (( .
وقد بوَّب عليه البخارى بقوله :
بَاب نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الْحَبَشِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ(1/56)
قال الحافظ ابن حجر (( فتح البارى ))(9/337) : (( وظاهر الترجمة أن الإمام البخارى كان يذهب إلى جواز نظر المرأة إلى الأجنبي بخلاف عكسه ، وهى مسألة شهيرة ، واختلف الترجيح فيها عند الشافعية ، وحديث الباب ـ يعنى حديث عائشة ـ يساعد من أجاز. وقد أجاب أبو زكريا النووي عن ذلك : بأن عائشة كانت صغيرة دون البلوغ ، أو كان قبل الحجاب ، وقواه بقوله في هذه الرواية (( فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن )) ؛ لكن تقدم ما يعكر عليه ، وأن في بعض الروايات الإشارة إلى أن ذلك كان بعد قدوم وفد الحبشة ، وأن قدومهم كان سنة سبع ، ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة ؛ فكانت بالغة ، وكان ذلك بعد الحجاب !! . وحجة من منع حديث أم سلمة (( أفعمياوان أنتما )) ، وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عنها ، وإسناده قوي ، وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان ، وليست بعلة قادحة ، فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ، ولم يجرحه أحد لا ترد روايته .
والجمع بين الحديثين : احتمال تقدم الواقعة ، أو أن يكون في قصة الحديث الذي ذكره نبهان شيء يُمنع النساء من رؤيته لكون ابن أم مكتوم كان أعمى ، فلعله كان منه شيء ينكشف ولا يشعر به . ويقوِّى الجواز استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال ، ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب ؛ لئلا يراهم النساء ، فدل على تغاير الحكم بين الطائفتين . وبهذا احتج الغزالي على الجواز ، فقال : لسنا نقول أن وجه الرجل في حقها عورة كوجه المرأة في حقه ، بل هو كوجه الأمرد في حق الرجل ، فيحرم النظر عند خوف الفتنة فقط ، وأن لم تكن فتنة فلا ، إذ لم تزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه ، والنساء يخرجن منتقبات ، فلو استووا لأمر الرجال بالتنقب أو منعوا من الخروج )) اهـ بتمامه .(1/57)
وأقول : ومع تظاهر الأدلة على جواز نظر النساء إلى الرجال ، لكن يستخرج من حديث أم سلمة الصحيح من الأحكام ما انفرد به أمهات المؤمنين أزواج النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم رضى الله عنهن عن سواهن من نساء الأمة فى شأن الحجاب ، وفى محكم التنزيل )) يا نساء النَّبىِّ لستن كأحدٍ من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض وقلن قولاً معروفا * وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وأتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً )) .
فكان بيناً بنص الكتاب العزيز أن الحجاب على أزواج النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم رضى الله عنهن ليس كالحجاب على غيرهن من النساء ، لما هن عليه من الجلالة والحشمة والتوقير ، مما يستوجب اختصاصهن بمزيد التكاليف فى شأن الحجاب والاستتار ، ولهذا أوجب الله تعالى على المؤمنين إذا سألوهن حاجةً أن يسألوهن من وراء حجاب تعظيماً لحقهن وتوقيراً لهن ، فقال عزًَّ وجلَّ (( وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن (( .
وبمثل هذا أجاب أبو داود ، فقال عقب الحديث : (( هذا لأزواج النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم خاصةً ، ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم ، قد قال النَّبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم لفاطمة بنت قيس : (( اعتدي عند ابن أم مكتوم ، فإنَّه رجل أعمى ، تضعين ثيابك عنده )) اهـ .
واستحسنه الحافظ ابن حجر ، فقال (( التلخيص ))(3/148) : (( وهذا جمع حسن ، وبه جمع المنذري في حواشيه ، واستحسنه شيخنا )) .(1/58)
وقال الإمام العلامة ابن قتيبة الدينورى (( تأويل مختلف الحديث ))( ص225) : (( وهذه خاصة لأزواج رسول الله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، كما خصصن بتحريم النكاح على جميع المسلمين . فإذا خرجن عن منازلهن لحجٍ ، أو نحو ذلك من الفروض ، أو لحوائج لا بد من الخروج لها زال فرض الحجاب ، لأنه لا يدخل عليهن حينئذ داخلٌ فيجب أن يحتجبن منه ، إذا كن في السفر )) .
وقد ذكر العلامة ابن قدامة نحو ذلك عن الإمام أحمد ، فقال (( المغنى ))(7/81) : (( يحتمل أن حديث نبهان خاص لأزواج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، كذلك قال أحمد وأبو داود .
قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : كأن حديث نبهان لأزواج النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم خاصة ، وحديث فاطمة لسائر الناس ؟ ، قال : نعم )) .
قلت : وهذا الجمع يدفع التعارض بين الأحاديث الصحيحة ، وتزول معه شبهة التضعيف لحديث نبهان ، والله أعلم .
ولنذكر مثالاً آخر ، وهو ما أخرجه الترمذى فى (( كتاب الجهاد ))(4/187/1717) :
بَاب مَا جَاءَ فِي دَفْنِ الْقَتِيلِ فِي مَقْتَلِهِ
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ حَدَّثنَا أَبُو دَاوُدَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَال سَمِعْتُ نُبَيْحًا الْعَنَزِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ جَاءَتْ عَمَّتِي بِأَبِي لِتَدْفِنَهُ فِي مَقَابِرِنَا ، فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( رُدُّوا الْقَتلَى إِلَى مَضَاجِعِهِمْ )) .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَنُبَيْحٌ ثقَةٌ )) .(1/59)
قلت : وأخرجه كذلك الطيالسى (1780) ، وعبد الرزاق (3/548/6658 و5/278/9604) والحميدى (1298) ، وسعيد بن منصور (( السنن ))(2580) ، وابن أبى شيبة (3/64/12138) ، وأحمد (3/297) ، وابن سعد (( الطبقات ))(3/562) ، وأبو داود (3165) ، والنسائى (( الكبرى ))(1/647/2132،2131) و(( المجتبى ))(4/79) ، وابن ماجه (1516) ، وابن الجارود (553) ، وأبو يعلى (3/372/1842) ، وابن حبان (3183) ، والبيهقى (( الكبرى ))(4/57) ، والخطيب (( التاريخ ))(2/290) من طرق عن الأسود بن قيس عن نبيح بن عبد الله العنزى عن جابر بنحوه .
ورواية أكثرهم (( ردوا القتلى إلى مصارعهم )) يعنى : في الأماكن التي قتلوا فيها ، والصريع من الأغصان ما تهدل وسقط إلى الأرض ، ومنه قيل للقتيل صريع . وفى روايةٍ أنَّه قاله (( بعد ما حملوا إلى المدينة )) .
قلت : وهذا إسناد صحيح ؛ كلُّ رجاله ثقات ، ونبيح بن عبد الله العنزى ثقة ثبت مكثر عن جابر بن عبد الله الأنصارى ، وله عنه فى (( الكتب الستة )) خمسة أحاديث كما ذكره الحافظ المزى فى (( تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف ))(2/383/3121:3117) ، وإنما خرَّجها أصحاب (( السنن الأربعة )) ، وليس له ذكر فى (( الصحيحين )) .
وقد ذكره علي بن المديني في جملة المجهولين الذين لم يرو عنهم غير الأسود بن قيس العبدى ، وقال عنه ابن حجر (( التقريب ))(1/559/7093) : (( مقبول من الثالثة )) .
وقال ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(8/508/2325) : (( نبيح بن عبد الله العنزي أبوعمرو . روى عن : أبى سعيد الخدري ، وابن عمر ، وجابر . روى عنه : الأسود بن قيس ، سمعت أبى يقول ذلك . وسئل أبو زرعة عن نبيح فقال : كوفى ثقة ، لم يرو عنه غير الأسود بن قيس )) . وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(5/484/5849) .(1/60)
ومن لطائف أحاديث نبيح عن جابر ، ما أخرجه أحمد (3/302) قال : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ نُبَيْحٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشُونَ أَمَامَهُ إِذَا خَرَجَ ، وَيَدَعُونَ ظَهْرَهُ لِلْمَلائِكَةِ .
وأخرجه كذلك ابن ماجه (246) ، وابن حبان (6312) ، والحاكم (2/411) ، والبيهقى (( الزهد الكبير ))(300) من طرق عن الأسود بن قيس عن نبيحٍ عن جابر بنحوه .
وقال أبو عبد الله الحاكم : (( هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه )) .
وقال الحافظ البوصيرى (( مصباح الزجاجة )) : (( هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات . ورواه أحمد بن منيع في (( مسنده )) : حدثنا قبيصة حدثنا سفيان به بلفظ : مشوا خلف النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : (( امشوا أمامي ، وخلوا ظهري للملائكة )) اهـ .
قلت : ولا يذهبن عنك وصف الحافظ ابن حجر نبيح بن عبد الله العنزى بقوله (( مقبول )) ، مع أنَّه ثقة ثبت متقن مكثر ، ويكفي توثيق أبى زرعة الرازى إيَّاه ! . وقد سبرت أحاديثه كلها فلم أر له شيئاً منكراً ، بل كلها صحاح ، وشواهد الصحة تعضدها .
ولهذا لما ذكر الشيخ الألبانى ـ رحمه الله ـ حديثه فى (( صحيحته ))(رقم437) ، لم يجد لقول ابن حجر عنه (( مقبول )) تأويلاً مقبولاً ، وذلك لأنه يحمله على التضعيف خلافاً للصحيح من معناه ، فقال : (( ونبيح ثقة كما قال أبو زرعة الرازى ، وقول الحافظ فى (( التقريب )) : (( مقبول )) فيه قصور فى حقه )) اهـ .(1/61)
وأقول : بل معنى قول الحافظ ابن حجر عنه (( مقبول )) توثيقه وتعديله إيَّاه ؛ على الصحيح من تأويل معنى هذا المصطلح عند ابن حجر ، والعارفين بمعانى اصطلاحاته . ولذا قال عنه فى (( لسان الميزان ))(7/408) : (( نبيح بن عبد الله العنزي ، أبو عمرو الكوفي . عن : جابر وابن عباس وابن عمر . وعنه : الأسود بن قيس ، وجماعة . وثقه أبو زرعة )) اهـ .
وأقول : ولا تستطل ما ذكرناه من أمثلة لتأكيد البيان بتوثيق المقبولين عند الحافظ ابن حجر ، ولو شئتَ ذكرنا لك أضعاف ما أوردناه ، ولكن نكتفى بالمذكور فى هذه العجالة ، ولو أردتَ المزيد ، فعليك بكتابنا : (( المنهج المأمول ببيان معنى قول ابن حجر مقبول )) .
55 : باب فضل الزهد فى الدنيا
والحث على التقلل منها وفضل الفقر
(480) عن أبى عمرو ـ ويقال : أبو عبد الله ، ويقال : أبو ليلى ـ عثمان بن عفان رضى الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (( لَيْسَ لابْنِ آدَمَ حَقٌّ فِي سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ : بَيْتٌ يَسْكُنُهُ ، وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ ، وَجِلْفُ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ )) .
رواه الترمذى وقال : حديث صحيح .
وذكره الألبانى فى (( الضعيفة ))(1063) و(( ضعيف الجامع ))(4914) .
قال أبو محمد : أخرجه الترمذى فى (( كتاب الزهد ))(2341) قال :
حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا حُرَيْثُ بْنُ السَّائِبِ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ حَدَّثَنِي حُمْرَانُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( لَيْسَ لابْنِ آدَمَ حَقٌّ فِي سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ : بَيْتٌ يَسْكُنُهُ ، وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ ، وَجِلْفُ الْخُبْزِ ، وَالْمَاءِ )) .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )) .(1/62)
وأخرجه كذلك أحمد (1/62) و(( الزهد ))(ص21) ، وعبد بن حميد (( المنتخب ))(46) والسهمى (( تاريخ جرجان ))(ص221) ، وأبو الشيخ (( طبقات المحدثين بأصبهان )) (3/20) ، والحاكم (4/347) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(5/157/6180) ، والخطيب (( تاريخ بغداد ))(6/183) ، وابن الجوزى (( العلل المتناهية ))(2/798/1334) ، والمقدسى (( الأحاديث المختارة ))(1/455/331،329) من طرق عن عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا حُرَيْثُ بْنُ السَّائِبِ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ حَدَّثَنِي حُمْرَانُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ به .
وعند أحمد بلفظ : (( كُلُّ شَيْءٍ سِوَى ظِلِّ بَيْتٍ ، وَجِلْفِ الْخُبْزِ ، وَثَوْبٍ يُوَارِي عَوْرَتَهُ ، وَالْمَاءِ ، فَمَا فَضَلَ عَنْ هَذَا ؛ فَلَيْسَ لابْنِ آدَمَ فِيهِ حَقٌّ )) .
تابعه عن حريث : أبو داود الطيالسى ، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدى .
فقد أخرجه الطيالسى (83) ، والبزار (2/70/414) ، وأبو نعيم (( الحلية ))(1/61) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(5/561) ، والذهبى (( تذكرة الحفاظ ))(2/735) جميعاً من طريق الطيالسى ثنا حريث بإسناده نحوه .
وأخرجه ابن الأعرابى (( الزهد وصفة الزاهدين ))(82) عن محمد بن إسماعيل الصائغ ، والعقيلى (( الضعفاء ))(1/287) عن إبراهيم بن محمد ، والطبرانى (( الكبير )) (1/91/147) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(5/156/6179) ، والمقدسى (( الأحاديث المختارة ))(1/455/330) ثلاثتهم عن علي بن عبد العزيز البغوى ، ثلاثتهم قال ثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ثنا حريث بن السائب بإسناده بنحوه .
وقال أبو عبد الله الحاكم : (( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) .
قلت : وهو كما قال ، هذه أسانيد رجالها ثقات كلهم رجال الصحيحين ، خلا حريث بن السائب وهو ثقة . قال العباس بن محمد الدورى (( تاريخ ابن معين ))(4/133/3555) :(1/63)
(( سمعت يحيى يقول : حريث بن السائب البصري . يروي عنه : عبد الرحمن ، ووكيع . وهو ثقة )) .
ونقله بنصه أبو حفص بن شاهين (( تاريخ معرفة الثقات ))(1/74/302) فقال : (( حريث ابن السائب البصري . يروى عنه : عبد الرحمن بن مهدي ، ووكيع . وهو ثقة ، قاله يحيى )) . وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(6/234/7507) و(( مشاهير علماء الأمصار )) (ص154) وقال : (( من متقنى أهل البصرة )) . وقال العجلى (( معرفة الثقات )) (1/290/282) : (( حريث بن السائب التميمي لا بأس به )) .
وقال الحافظ الذهبى (( المغنى فى الضعفاء ))(1/154/1355) و(( الكاشف ))(1/318) : (( حريث بن السائب البصري عن الحسن . ثقة . ضعَّفه زكريا الساجي . ووثقه ابن معين وأبو حاتم )) .
قلت : قد كان يكفى فى توثيقه وتعديله اتفاق الإمامين : يحيى بن معين وأبى حاتم الرازى . ولا يذهبن عنك قول الحافظ الذهبى : (( لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ، ولا على تضعيف ثقة )) ، فكيف وقد وثَّق حريثاً هذا الجمع ؟! .
فإذا بان ذلك وتقررت دلالته ، عُلم أن قول الحافظ ابن حجر (( التقريب ))(1/156/1180) : (( حريث بن السائب التميمى البصرى . صدوق يخطئ )) فيه نظر وتفصيل ، وإلا فليس لحريث بن السائب فى (( الكتب الستة )) إلا هذا الحديث !! ، وقد تفرد به الترمذى وصحَّحه .
فأما التفصيل ، ففى قوله صدوق ، فإنه لم يجتزئ بتوثيق الإمامين ابن معين وأبى حاتم ، وأراد التوفيق بين ذلك وما قيل فى حقِّ حريث من التضعيف ، فقد ذكره أبو زكريا الساجى فى كتابه فى (( الضعفاء )) وضعَّفه ، وفى (( سؤالات الآجرى ))(1/364/598) :
(( سألت أبا داود عن حريث بن السائب فقال : ليس بشيء )) . بينما ذكره أبو جعفر العقيلى فى (( الضعفاء ))(1/287) ، فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وإنما قال : لا يتابع على حديثه ، وهذا مجمل قد يقال عن الثقة إذا تفرد ، كما يقال عن غيره .(1/64)
ومما لا يرتاب فيه أهل المعرفة بمراتب الحفاظ ، أن أحكام الحافظ ابن حجر فى (( الجرح والتعديل )) أعدل وأنصف وأحكم من أحكام الحافظ أبى الفرج بن الجوزى ؛ الذى يجرِّح الراوى بأدنى كلمة تشير إلى توهينه . ألم تر كيف اقتصر فى ترجمة حريث فى (( الضعفاء والمتروكين ))(1/196/792) على تضعيفه فقال : (( حريث بن السائب المؤذن بصري ضعَّفه الساجي ، وقال أحمد بن حنبل : روى عن الحسن حديثاً منكراً )) ، ولم يذكر قول واحدٍ ممن وثَّقه ، سيما وموثقوه من المتشددين فى توثيق الرواة : يحيى بن معين ، وأبو حاتم الرازى !! .
وأما النظر ، ففى قوله يخطئ ، فإن حريثاً ليس له كثير حديث ، وما يقع فى حديثه من الخطأ فليس منه ولا يتعمده بحالٍ ، فقد ذكر له أبو أحمد بن عدى (( الكامل ))(2/200) أربعة أحاديث فقط : اثنان مرسلان ، واثنان موصولان .
فأما المرسلان ، فقد صدق فيهما ولم يخطئ ، بل رواهما على ما سمعهما ، ولم يرفعهما :
[ أولهما ] زيد بن الحباب حدثنى حريث بن السائب عن الحسن : (( أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم حدَّث في طريق من طرق المدينة بثلاثة أحاديث ، فقال : من سره أن ينظر إلى الدنيا بحذافيرها فلينظر إلى هذه المزبلة ، ثم قال : لو أن الدنيا تعدل عند الله جناح ذباب ما أعطى كافراً منها شيئاً ، ثم ذكر الموتَ وغمَّه وكربه وعَلَزَه ، فقال : ثلاثُ مائة ضربةً بالسيف )) .
[ ثانيهما ] أبو نعيم عن حريث بن السائب عن محمد بن المنكدر عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من طاف بالبيت أسبوعا لم يلغ فيه ، كان كعدل رقبة يعتقها )) .
وأما الموصولان ، فأولهما توبع عليه ، والحمل فى ثانيهما على غيره :
[ أولهما ] الطيالسى حدثنا حريث بن السائب ثنا الحسن : أن أنسا كان يعق عن ولده بالجزور.
تابعه قتادة عن أنس به ، رواه من طريقه الطبرانى (( الكبير ))(1/244/685) .(1/65)
[ ثانيهما ] حجاج بن نصير عن حريث بن السائب عن يزيد الرقاشي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( شفاعتي لأهل لا إله إلا الله )) ، فقيل : يا رسول الله لأي أهل لا اله الا الله ؟ ، قال : (( لأهل الكبائر من أمتي )) . وفيه الرقاشى ، وحجاج بن نصير ، وهما بيَّنا الأمر فى الضعفاء .
وفيما وراء هذه الأحاديث الخمسة ، فإنه يروى عن الحسن وابن سيرين شيئاً يسيراً من أرآءهما : كقوله سألت محمد بن سيرين عن وقت صلاة الظهر ، فقال : إذا كان ظله ثلاثة أذرع فذاك حين يصلي الظهر . وقوله سألت الحسن عن وقت الظهر ، فقال : إذا زال الفيء عن طول الشيء ، فذاك حين يصلي الظهر 0
رواهما ابن أبى شيبة (1/287/3295،3294) عن أبى نعيم حدثنا حريث بن السائب قال : فذكرهما .
والخلاصة ، فإن حريث بن السائب ثقة صدوق مستقيم الحديث ، وحديثه صحيح .
فإن قيل : قد أنكر الإمامان أحمد والدارقطنى حديثه ، ونسبا حريثاً إلى الوهم ، وقالا : قتادة يخالفه ، فقد رواه روح ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حمران عن بعض أهل الكتاب ؟ .
ففى (( علل الدارقطنى ))(3/29/265) : (( وسئل عن حديث حمران عن عثمان عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : )) كُلُّ شَيْءٍ يَفْضُلُ عَنْ ابْنِ آدَمَ من جِلْفِ الخُبْزِ.... (( فذكره . قال : كذا رواه حريث بن السائب عن الحسن عن حمران عن عثمان عن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ووهم فيه . والصواب عن الحسن عن حمران عن بعض أهل الكتاب )) .
قلنا : لا يوجب ذلك نكارة حديث حريث بن السائب المسند الموصول ، ولو ثبت سماع قتادة من الحسن ، وابن أبى عروبة من قتادة ، فكيف وهما مدلسان ، ولم يصرح واحد منهما بالسماع ؟!! .(1/66)
وثمَّة مرجِّح لحديث حريث المسند الموصول ، فإنه يشبه فى بعض معانيه ودلالته ما أخرجه مسلم فى (( صحيحه ))(18/94. نووى ) قال : حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ مُطَرِّفٍ ـ يعنى ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ ـ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ (( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ )) ، قَالَ : يَقُولُ ابْنُ آدَمَ : مَالِي مَالِي ، قَالَ : (( وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ )) .
وقال (18/94) : حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنِ الْعَلاءِ بن عبد الرحمن عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( يَقُولُ الْعَبْدُ : مَالِي مَالِي ، إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاثٌ : مَا أَكَلَ فَأَفْنَى ، أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى ، أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فهو ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ )) .
وحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَه .
100: باب التسمية فى أول الطعام والحمد فى آخره(1/67)
(730) عن أميَّة بن مخشىٍّ الصحابى رضى الله عنه قال : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا ، وَرَجُلٌ يَأْكُلُ فَلَمْ يُسَمِّ ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ طَعَامِهِ إِلا لُقْمَةٌ ، فَلَمَّا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ ، قَالَ : بِسْمِ اللهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : (( مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ ، فَلَمَّا ذَكَرَ اسْمَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَقَاءَ مَا فِي بَطْنِهِ )) .
رواه أبو داود والنسائى .
ذكره الشيخ الألبانى فى (( الإرواء ))(7/26) : (( وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبى . وليس كما قالا ، فإن فى إسناده المثنى بن عبد الرحمن ، أورده الحافظ الذهبى فى (( الميزان )) وقال : (( لا يعرف ، تفرد عنه جابر بن صبح . وقال ابن المدينى : مجهول )) .
قال أبو محمد : أخرجه أبو داود فى (( كتاب الأطعمة ))(3768) قال :
حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا عِيسَى ـ يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ ـ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ صُبْحٍ حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُزَاعِيُّ عَنْ عَمِّهِ أُمَيَّةَ بْنِ مَخْشِيٍّ وَكَانَ مَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِساً ، وَرَجُلٌ يَأْكُلُ فَلَمْ يُسَمِّ ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ طَعَامِهِ إِلا لُقْمَةٌ ، فَلَمَّا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ ، قَالَ : بِسْمِ اللهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : (( مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ ، فَلَمَّا ذَكَرَ اسْمَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَقَاءَ مَا فِي بَطْنِهِ )) .(1/68)
وأخرجه كذلك أحمد (4/336) ، والبخارى (( التاريخ الكبير ))(2/6/1514) ، والنسائى (( السنن الكبرى ))(4/174) و(( عمل اليوم والليلة ))(282) ، وابن السنى (463) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(4/281/2301) ، والطحاوى (( مشكل الآثار ))(2/16) ، والطبرانى (1/291/854،855) ، والحاكم (4/108،109) ، والمقدسى (( الأحاديث المختارة ))(4/341/1512:1509) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(27/208) جميعا من طريق جابر بن صبح عن المثنى بن عبد الرحمن عن أمية بن مخشى مرفوعاً به .
وقال الحاكم : (( هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) ، وأقره الذهبى .
وقال أبو محمد : هو كما قالا ، إسناد رجاله ثقات كلهم ، والمثنى بن عبد الرحمن ؛ وإن تفرد بالرواية عنه جابر بن صبح ، فقد وثَّقه ابن حبان ، ورواية النسائى توثيق له .
وقد ذكره ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(8/326/1502) فلم يذكره بجرح ولا تعديل . وذكر الحافظ المزى فى (( تهذيب الكمال ))(27/208) قال : (( قال أبو الحسن بن البراء : سئل عنه علي بن المديني ، فقال : مجهول لم يرو عنه غير جابر بن صبح )) .
ثم تعقبه بقوله : (( وروي سيف بن عمر التميمي عن المثنى بن عبد الرحمن عن ميمون بن مهران عن ابن عباس في ذكر وفاة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . فلا أدري هو هذا أو غيره ))
ورجَّح الحافظ ابن حجر ثبوت رواية سيف عنه ، فقال عنه فى (( التقريب )) (1/519/6472) : (( مستور من الثالثة )) .
ولا يذهبنَّ عنك أن (( المستور )) حسن الحديث عند الحافظ ابن حجر ، وهو كذلك عند جماعة من الأئمة ، بل صحَّحه من لا يفرد الحسن عن الصحيح ، ويدرجهما معاً فى الصحاح كابن خزيمة ، وابن حبان ، والضياء المقدسى . وأما أبو عيسى الترمذى ، فيحسِّنُه مطلقاً ويصحِّحُه أحياناً بالنظر إلى ما يحتفُّ بأصل الحديث من قرائن تصحَّحه .(1/69)
قال الحافظ (( نزهة النظر ))(ص24) فى تعريف الحسن لغيره : (( وهو الذى يكون حسنه بسبب الاعتضاد ، نحو حديث المستور إذا تعددت طرقه )) اهـ .
وقد قال الإمام العلامة أبو عمرو بن الصلاح (( المقدمة ))(ص46) : (( تنقح لى واتضح أن الحديث الحسن قسمان : أحدهما الحديث الذى لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته ، غير أنَّه ليس مغفلاً كثير الخطأ فيما يرويه ، ولا هو متهم بالكذب فى الحديث ، أى لم يظهر منه تعمد الكذب فى الحديث ، ولا سبب أخر مفسق ، ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن روى مثله أونحوه من وجهٍ آخر ، حتى اعتضد بمتابعة من تابعٍ راويه مثله ، أو بما له من شاهد ، وهو ورود حديث آخر بنحوه ، فيخرج بذلك عن أن يكون شاذاً أو منكراً ، وكلام الترمذى على هذا القسم يتنزل )) ، ثم ذكر القسم الثانى .
ولخصه شيخ الإسلام أبو زكريا النووى فى (( التقريب والإرشاد )) كما فى (( تدريب الراوى ))(1/158) بقوله : (( الحديث الحسن قسمان : أحدهما ما لا يخلو إسناده من مستور لم تتحقق أهليته ، وليس مغفلاً كثير الخطأ ، ولا ظهر منه سبب مفسق ، ويكون متن الحديث معروفاً برواية مثله أو نحوه من وجهٍ آخر )) اهـ المقصود .
وقال الحافظ البدر بن جماعة (( المنهل الروى ))(ص36) : (( ولو قيل الحسن : كل حديث خالٍ من العلل ، وفي سنده المتصل مستور له به شاهد ، أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان ، لكان أجمع لما حددوه ، وقريبا مما حاولوه . وأخصر منه : ما اتصل سنده وانتفت علله ، وفي سنده مستور ، وله شاهد أو متابعٍ )) .
وقال الحافظ السخاوى (( فتح المغيث ))(1/66) : (( المستور حين يروى يحتمل أن يكون ضبط المروى ، ويحتمل أن لا يكون ضبطه ، فإذا ورد مثل ما رواه أو معناه من وجهٍ آخر ، غلب على الظن أنه ضبط ، وكلما كثر المتابع قوى الظن )) اهـ .(1/70)
وهذا كله فى معنى الحديث الحسن عند الترمذى ، كما حدَّه هو بقوله : (( وما قلنا فى كتابنا حديث حسن ، فإنما أردنا حسن إسناده عندنا ، وهو كل حديث يروى لا يكون راويه متهماً بكذبٍ ، ويروى من غير وجهٍ نحو ذلك ، ولا يكون شاذاً ، فهو عندنا حديث حسن )) .
ويمكن التمثيل لما حددوه ، بما أخرجه الترمذى (244) قال : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَايَةَ عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ : سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا فِي الصَّلاةِ أَقُولُ (( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )) ، فَقَالَ لِي : أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ ، إِيَّاكَ وَالْحَدَثَ ، قَالَ : وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَبْغَضَ إِلَيْهِ الْحَدَثُ فِي الإِسْلامِ ـ يَعْنِي مِنْهُ ـ قَالَ : وَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ ، وَمَعَ عُمَرَ ، وَمَعَ عُثْمَانَ ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُهَا ، فَلا تَقُلْهَا ، إِذَا أَنْتَ صَلَّيْتَ فَقُلِ (( الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ )) .
وأخرجه كذلك ابن أبى شيبة (1/359/4128) ، وأحمد (5/55) ، وابن ماجه (815) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(1/202) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(20/206) ، والخطيب (( موضح الأوهام ))(2/372) ، وابن الجوزى (( التحقيق فى أحاديث الخلاف )) (1/351/457) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(24/71) من طرق عن أبى مسعودٍ الجريرى سعيد بن إياس عن قيس بن عباية حدثنى ابن عبد الله بن مغفل عن أبيه بنحوه .(1/71)
وأخرجه أحمد (4/85) قال : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ـ يعنى ابن علية ـ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَايَةَ عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ : سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُولُ (( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )) ، فَقَالَ : أَيْ بُنَيَّ إِيَّاكَ والحدث ... الحديث .
وتابع الجريرى عن قيس : عثمان بن غياث الراسبى .
فقد أخرجه أحمد (5/54) ، والنسائى (( المحتبى ))(2/135) ، والرويانى (884) ، والبيهقى (( الكبرى ))(2/52) من طرق عن عثمان بن غياث الراسبى عن قيس بن عباية عن ابن عبد الله بن مغفل : رأني أبي وأنا أقرأ (( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )) فنهاني ، فقال : صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ ، فكانوا يستفتحون ب (( الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) .
قال الحافظ ابن حجر (( النكت على ابن الصلاح ))(2/769) : (( وهو حديث حسن ، رواته ثقات ، ولم يصب من ضعَّفه بأن ابن عبد الله بن مغفل مجهول لم يسم ، فقد ذكره البخارى فى (( تاريخه )) فسماه يزيد ، ولم يذكر هو ولا ابن أبى حاتم جرحاً ، فهو مستور اعتضد حديثه ، وقد احتج أصحابنا وغيرهم بما هو دون ذلك )) اهـ .
قلت : وقوله (( لم يصب من ضعَّفه )) لعله قصد به أبا عمر بن عبد البر ، فقد قال بعد أن أسنده فى (( التمهيد ))(20/206) : (( قيس بن عباية هذا هو أبو نعامة الحنفي وهو ثقة لكن ابن عبد الله بن مغفل غير معروف بحمل العلم ، مجهول لم يرو عنه غير أبي نعامة )) .
ويمكن التمثيل لتصحيح حديث المستور ، بما أخرجه الترمذى (3798) قال :(1/72)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : جَاءَ عَمَّارٌ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : (( ائْذَنُوا لَهُ ، مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ )) .
قَالَ أبو عيسى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )) .
وأخرجه كذلك ابن أبى شيبة (6/385/32243) ، وأحمد (( المسند )) (1/130،125،99) و(( فضائل الصحابة ))(1599) ، والبخارى (( الأدب المفرد ))(1031) و(( التاريخ الكبير ))(8/229/2821) ، وابن ماجه (146) ، وأبو يعلى (1/324/403) ، وابن حبان (7075) ، والحاكم (3/437) ، وأبو نعيم (( الحلية ))(1/140) ، والخطيب (( تاريخ بغداد ))(1/151) ، والمقدسى (( المختارة ))(2/389/775) من طرق عن الثورى عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ عَلِيٍّ به .
ورواه عن أبى إسحاق بنحو رواية الثورى : الأعمش ، وشعبة ، وإسرائيل ، وشريك ، وزهير ، ولكنه مشهور مستفيض من حديث الثورى .
وفى حديث الأعمش زيادة ، فقد أخرجه ابن أبى شيبة (6/163/30350) قال : عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِيءٍ قَالَ : دَخَلَ عَمَّارٌ عَلَى عَلِيٍّ ، فَقَالَ : مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( مُلِئَ عَمَّارٌ إِيمَانًا إِلَى مُشَاشِهِ )) .
وأخرجه هكذا كذلك ابن ماجه (147) ، وأبو يعلى (1/324/404) ، وابن حبان (7076) ، والمقدسى (( المختارة ))(2/395/782) جميعا من طريق عثام بن على بمثله .(1/73)
قلت : وهذا الحديث صحيح ثابت من أوجهٍ عن أبى إسحاق السبيعى ، وقد صحَّحه الأئمة : الترمذى ، وابن حبان ، والحاكم ، والضياء المقدسى . على أنه فى إسناده هانئ بن هانئ الهمدانى ، قال عنه الحافظ ابن حجر (( التقريب ))(1/570/7264) : (( مستور من الثالثة )) . وقد ذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(5/509/5979) .
وقال أحمد العجلى (( معرفة الثقات ))(2/324/1883) : (( كوفى تابعى ثقة )) .
وأقول : ولا تناقض بين تحسين الترمذى لحديث ابن عبد الله بن مغفل ، وتصحيحه لحديث هانئ بن هانئ ، وذلك لما يحتفُّ بحديث الثانى من قرائن تؤكد صحته وتثبت أصله .
ولا يتضح لك هذا المعنى إلا إذا سبرت أحاديث هانئ بن هانئ الهمدانى ، وقد ذكرتها كلها وأطلت فى تخريجها فى بحث حديث المستور من كتابى :
(( إعلام الخريج بدقائق علم التخريج ))
ومن نوافل الإفادة ، أن تعلم أن جملة من وصفهم الحافظ ابن حجر فى (( التقريب )) بقوله (( مستور من الثالثة )) :22 اثنان وعشرون راوياً ، نذكر منهم عشرة تبصرةً وتذكرةً :
(1) عبد الله بن على بن السائب بن عبيدٍ بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب القرشى .
(2) عبد الرحمن بن الأخنس الكوفى .
(3) عبد ربه بن أبى يزيد .
(4) عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع الأنصارى العدوى .
(5) المثنى بن عبد الرحمن الخزاعى .
(6) محمد بن عقبة بن أبى مالك القرظى ، ابن أخى ثعلبة بن أبى مالك .
(7) محصن بن على الفهرى المدنى .
(8) منصور بن سعيد ـ ويقال ابن زيد ـ بن الأصبغ الكلبى المصرى .
(9) نافع بن محمود بن الربيع الأنصارى .
(10) هانىء بن هانىء الهمدانى الكوفى .
فقد علمت أن من بينهم : المثنى بن عبد الرحمن الخزاعى ، ولحديثه شواهد من أحاديث : عائشة ، وعبد الله بن مسعود . إلا ما يكون من الشيطان من القئ عند ذكر التسمية ، فشئ لا أعلمه يروى إلا بهذا الإسناد ، وبآخر لا يُحتج بمثله ولا يستشهد به لشدة وهيه .(1/74)
[ حديث عائشة ] أخرجه الترمذى (1858) قال : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : )) إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا ، فَلْيَقُلْ : بِسْمِ اللهِ ، فَإِنْ نَسِيَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ : بِسْمِ اللهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ (( . وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ طَعَامًا فِي سِتَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : )) أَمَا إِنَّهُ لَوْ سَمَّى لَكَفَاكُمْ )) .
وأخرجه كذلك الطيالسى (1566) ، وأحمد (6/265،207) ، وإسحاق بن راهويه (1289،1288) ، والدارمى (2021) ، وأبو داود (3767) ، والنسائى (( اليوم والليلة )) (281) و(( الكبرى ))(6/78/10112) ، والطبرانى (( مسند الشاميين ))(407) ، والحاكم (4/121) ، والبيهقى (( الكبرى ))(7/276) و(( شعب الإيمان ))(5/75/5832) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(35/382) من طرق عن هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ امرأةٍ منهم يُقَالَ لَهَا أُمُّ كُلْثُومٍ عَنْ عَائِشَةَ بنحوه .
هكذا رواه : إسماعيل بن علية ، ومعاذ بن هشام ، وعفان ، وروح بن عبادة ، ووكيع ، وأبو داود الطيالسى ، وعبد الوهاب بن عطاء ، وبرد بن سنان ثمانيتهم عن الدستوائى بذكر (( أم كلثوم )) فى إسناده ، ومنهم من لا يذكر قصة الأعرابى ، وقوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم )) أَمَا إِنَّهُ لَوْ سَمَّى لَكَفَاكُمْ (( .(1/75)
وخالفهم يزيد بن هارون ، فرواه عن الدستوائى ، فأسقط من إسناده (( أم كلثوم )) ، ورواية الجماعة بذكرها أصح .
فقد أخرجه أحمد (6/143) ، والدارمى (2020) ، وابن ماجه (3264) ، وابن حبان (5214) من طرق عن يزيد بن هارون عن هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ بنحوه ، فلم يذكر أم كلثوم .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَأُمُّ كُلْثُومٍ هِيَ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصديق )) .
قلت : لم يرد فى روايةٍ من روايات الحديث ذكر نسبها هكذا كما توهمه الترمذى ، بل وردت عنده من رواية وكيع غير منسوبة (( عن أم كلثوم عن عائشة )) ، وأما رواية الجماعة : إسماعيل بن علية ومعاذ بن هشام وروح بن عبادة وعبد الوهاب بن عطاء والطيالسى ، فهكذا (( عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي عن امرأة منهم يقال لها أم كلثوم )) ، فتعين كونها ليثية أو مكية ، وليس كما توهمها أبو عيسى . وتظهر أهمية تعيينها فى توثيق إسناد الحديث ، ومعرفة رتبته ، إذ هى إحدى رواته .
وإسناد الحديث رجاله كلهم ثقات ، خلا أم كلثوم الليثية أو المكية وقد وثقت ، وإن تفرد عنها عبد الله بن عبيد بن عمير الليثى .
ولا يذهبنَّ عنك قول الحافظ الذهبى فى (( الميزان ))(7/465) : (( فصل فى النسوة المجهولات . قال : وما علمت فى النساء من اتهمت ، ولا من تركوها )) ، وذكر منهن أم كلثوم الليثية ، فقال (7/478/11038) : (( أم كلثوم عن عائشة . تفرد عنها عبد الله ابن عبيد بن عمير في التسمية على الأكل )) .
ولا يختلف حال أم كلثوم الليثية عن مثيلاتها من النساء المجهولات اللاتى ذكرهن ابن حجر فى (( التقريب )) وقال عنهن : (( مقبولة من الثالثة )) ؛ يعنى الطبقة الوسطى من التابعيات ، أمثال :
(1) مرجانة أم علقمة ، تفرد عنها ابنها علقمة ، واحتج بها مالك فى (( الموطأ )) .(1/76)
(3،2) دحيبة وصفية بنتا عليبة بن حرملة العنبريتان ، تفرد عنهما عبد الله بن حسان العنبرى
(4) دقرة ـ بكسر الدال و سكون القاف ـ بنت غالب الراسبية البصرية ؛ أم عبد الرحمن بن أذينة قاضى البصرة ، تفرد عنها محمد بن سيرين .
(5) سائبة ؛ مولاة الفاكه بن المغيرة المخزومى ، تفرد عنها نافع مولى ابن عمر .
(6) عديسة بنت أهبان بن صيفى ، تفرد عنها عبد اللّه بن عبيد الحميرى المؤذن .
فى عشرات أمثالهن ؛ ممن وثقن ، واحتج بأحاديثهن أكابر الأئمة : كمالك ، وأبو داود ، والترمذى ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم ، والضياء المقدسى ، ومن لا يُحصى كثرة من الحفاظ المتأخرين عن هؤلاء ، وفى مقدمتهم شيخ الإسلام أبو زكريا النووى ، والحافظ الذهبى .
[ حديث ابن مسعود ] أخرجه ابن حبان (5213) قال : أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى ثنا خليفة بن خياط ثنا عمر بن علي المقدمي سمعت موسى الجهني يقول أخبرني القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : )) من نسي أن يذكر الله في أول طعامه ، فليقل حين يذكر: بسم الله في أوله وآخره ، فإنه يستقبل طعامه جديدا ، ويمنع الخبيث ما كان يصيب منه (( .
وأخرجه كذلك الطبرانى (( الكبير ))(10/170/10354) و(( الأوسط ))(5/25/4576) من طريق خليفة بن خياط بإسناده ومتنه سواء .
قلت : هذا إسناد متصل رجاله ثقات كلهم ، وموسى الجهنى هو ابن عبد الله أبو سلمة الكوفى ثقة حجة من متقنى الكوفيين .(1/77)
قال فى (( الجرح والتعديل ))(8/149/676) : (( موسى بن عبد الله الجهني أبو عبد الله كوفى ، ويقال : موسى بن عبد الرحمن . روى عن : زيد بن وهب ، ومجاهد ، وعبد الرحمن بن أبى ليلى ، ومصعب بن سعد ، والشعبي ، وفاطمة بنت على . روى عنه : الثوري ، وشعبة ، وحسن بن صالح ، ويحيى بن سعيد القطان ، ومروان بن معاوية ، وعيسى بن يونس ، وعبد الرحمن بن مغراء . سمعت أبى يقول ذلك . وروى عنه يعلى بن عبيد . أخبرنا صالح بن أحمد نا على قال : سألت يحيى عن موسى الجهني ، فقال : كان ثقة . أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلىَّ قال : قال أبى : موسى الجهني ثقة . وسألت يحيى بن معين عنه فقال : ثقة . وسألت أبى عن موسى الجهني ، فقال : لا بأس به ثقة صالح . وسألت أبا زرعة عن موسى الجهني فقال : صالح )) .
وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(7/449/10867) ، والعجلى فى (( معرفة الثقات )) (2/306/1825) .
وقد أخرج له مسلم فى (( صحيحه )) ثلاثة أحاديث ، أعجبها إلى نفسى اثنان :(1/78)
[ أولهما ] قال مسلم (17/19. نووى ) : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ ح و حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُوسَى الْجُهَنِيُّ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : عَلِّمْنِي كَلامًا أَقُولُهُ ، قَالَ : )) قُلْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا ، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (( قَالَ : فَهَؤُلاءِ لِرَبِّي ، فَمَا لِي ؟ ، قَالَ : )) قُلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، وَارْحَمْنِي ، وَاهْدِنِي ، وَارْزُقْنِي )) .
[ ثانيهما ] قال (17/20. نووى ) : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بن معاوية وَعَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُوسَى الْجُهَنِيُّ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : )) أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ (( ، فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ : كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ ؟ ، قَالَ : )) يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ )) .(1/79)
وأما ذكر قئ الشيطان فى غير هذا الحديث ، فلا أعلمه يروى إلا بإسناد لا تنتهض الحجة بمثله . فقد أخرجه ابن عدى (( الكامل ))(1/307) من طريق إسماعيل بن يحيى التيمى عن الحسن بن صالح بن حيي عن عاصم الأحول عن أنس بن مالك قال قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : )) من نسي أن يقول أول الطعام : بسم الله ، فليقل في آخره بسم الله أوله وآخره ، فإن الشيطان سيقىء ما أخذ (( .
قال أبو أحمد : (( وهذا الحديث بهذا الإسناد باطل . وإسماعيل بن يحيى ، عامة ما يرويه من الحديث بواطيل عن الثقات وعن الضعفاء )) .
وقال أبو حاتم بن حبان (( المجروحين ))(1/126) : (( إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي كنيته أبو على . يروى عن : مسعر ، وابن أبي ذئب ، ومالك ، وفطر . روى عنه : أهل العراق ، وإسماعيل بن عياش . كان ممن يروى الموضوعات عن الثقات ، وما لا أصل عن الأثبات ، لا يحل الرواية عنه ، ولا الاحتجاج به بحالٍ )) .
114: باب بيان جواز الشرب قائما وبيان أن الأكمل
والأفضل الشرب قاعداً
(770) عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا ، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ )) . رواه مسلم .
وقال الشيخ الألبانى : (( منكر بهذا اللفظ . وقد صحَّ النهى عن الشرب قائماً فى غير ما حديث عن غير واحدٍ من الصحابة ، ومنهم أبو هريرة ، لكن بغير هذا اللفظ ، وفيه الأمر بالاستقاء ، لكن ليس فيه ذكر النسيان ، وهذا هو المستنكر من الحديث ، وإلا فسائره محفوظ ، ولذلك أوردته فى الصحيحة )) .
قال أبو محمد : أخرجه مسلم فى (( كتاب الأشربة ))(13/197) قال :(1/80)
حدثني عبد الجبار بن العلاء حدثنا مروان يعني الفزاري ثنا عمر بن حمزة أخبرني أبو غطفان المري أنه سمع أبا هريرة يقول : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا ، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ )) .
قلت : ورجال هذا الإسناد ثقات كلهم إلا عمر بن بن حمزة بن عبد الله بن عمر العمرى ، فإنه متكلم فيه بما لا يوجب ترك حديثه بمرة . قال أحمد بن حنبل : أحاديثه مناكير . وقال يحيى بن معين : عمر بن حمزة أضعف من عمر بن محمد بن زيد العمرى . وقال النسائي : ضعيف . وذكره ابن حبان في (( كتاب الثقات )) ، وقال : كان ممن يخطىء .
وقال أبو أحمد بن عدي : وهو ممن يكتب حديثه . وقال الحاكم : أحاديثه مستقيمة .
وأما ما لا يوجب ترك حديثه ، فإن البخاري استشهد به في موضعين من (( الصحيح )) ، وروى له في (( الأدب المفرد )) حديثين ، وأخرج له مسلم فى (( صحيحه )) ستة أحاديث :
( الأول ) قال فى (( كتاب النكاح )) : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ الْعُمَرِيِّ ثنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا )) .(1/81)
( الثانى ) قال فى (( كتاب المساقاة )) : حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ ثنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ثَنا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَيُّمَا أَهْلِ دَارٍ اتَّخَذُوا كَلْبًا إِلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَائِدٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ )) .
( الثالث ) قال فى (( كتاب الأشربة )) : حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلاءِ ثنَا مَرْوَانُ يَعْنِي الْفَزَارِيَّ ثنَا عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ أَخْبَرَنِي أَبُو غَطَفَانَ الْمُرِّيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا ، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ )) .
( الرابع ) قال فى (( كتاب الفضائل )) : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ ثنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُمَرَ يَعْنِي ابْنَ حَمْزَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ : (( إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ ـ يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ـ ، فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ وَأيْمُ اللهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لَهَا ، وَأيْمُ اللهِ إِنْ كَانَ لأَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ ، وَأيْمُ اللهِ إِنَّ هَذَا لَهَا لَخَلِيقٌ ـ يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ـ ، وَأيْمُ اللهِ إِنْ كَانَ لأَحَبَّهُمْ إِلَيَّ مِنْ بَعْدِهِ ، فَأُوصِيكُمْ بِهِ ، فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِيكُمْ )) .(1/82)
( الخامس ) قال فى (( كتاب صفة القيامة )) : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( يَطْوِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ، ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ، ثُمَّ يَطْوِي الأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ ، أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ )) .
( السادس ) قال فى (( كتاب الفتن )) : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا أَبُو أُسَامَةَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ سَمِعْتُ سَالِمًا يَقُولُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( تَقْتَتِلُونَ أَنْتُمْ وَيَهُودُ ، حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ : يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي تَعَالَ فَاقْتُلْهُ )) .
وليس فى واحدٍ من هذه الأحاديث ما ينكر ، إلا حديث (( يَطْوِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَوَاتِ )) يعنى قوله (( ثُمَّ يَطْوِي الأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ )) ، وقد تأولها بعضهم تأويلاً مستساغاً ، وليس ذا موضع بيانه . وأما حديثه فى الاستقاء لمن شرب قائماً ، فليس مما ينكر من جهتين :
( الأولى ) جهة الرواية ، فقد صحت فى معناه أحاديث أمثلها :(1/83)
ما أخرجه أحمد (2/301) قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي زِيَادٍ الطَّحَّانِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً يَشْرَبُ قَائِمًا ، فَقَالَ لَهُ : (( قِه )) ، قَالَ : لِمَهْ ؟ ، قَالَ : (( أَيَسُرُّكَ أَنْ يَشْرَبَ مَعَكَ الْهِرُّ )) ، قَالَ : لا ، قَالَ : (( فَإِنَّهُ قَدْ شَرِبَ مَعَكَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ : الشَّيْطَانُ )) .
وقال : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي زِيَادٍ مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ : فَذَكَرَهُ .
قلت : هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات ، وأبو زياد الطحان ، وإن تفرد عنه شعبة فقد وثق . قال ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(9/373/1723) : (( أبو زياد الطحان كوفى سمع أبا هريرة . روى عنه شعبة . وذكر أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال : أبو زياد الطحان ثقة . وسألت أبى عن أبى زياد الطحان فقال : شيخ صالح الحديث )) .
ومع صحة الأمر بالاستقاء فى هذا الحديث ، بيان للعلة التى من أجلها نهى عن الفعل ، وهى شرب الشيطان معه . فإذا بانت علة الأمر بالاستقاء ، فلا فرق حينئذ بين العامد والناسى فى ندبهما إلى فعله ، إرغاماً للشيطان وإغاظةً له .(1/84)
( الثانية ) جهة الدراية والنظر فى معناه ، وما أحسن ما ذكره شيخ الإسلام أبو زكريا النووى فى (( شرح مسلم ))(13/195) : (( هذه الأحاديث ـ النهى عن الشرب قائماً ـ أشكل معناها على بعض العلماء ، حتى قال فيها أقوالاً باطلة ، وزاد حتى تجاسر ، ورام أن يضعف بعضها ، وادَّعى فيها دعاوى باطلة لا غرض لنا فى ذكرها ، ولا وجه لإشاعة الأباطيل والغلطات في تفسير السنن ، بل نذكر الصواب ، ويشار الى التحذير من الاغترار بما خالفه ، وليس فى هذه الأحاديث بحمد الله تعالى إشكال ، ولا فيها ضعف بل كلها صحيحة ، والصواب فيها أن النهى فيها محمول على كراهة التنزيه ، وأما شربه صلى الله عليه وسلم قائما فبيان للجواز ، فلا إشكال ولا تعارض ، وهذا الذى ذكرناه يتعين المصير إليه ، وأما من زعم نسخا أو غيره فقد غلط غلطا فاحشا ، وكيف يصار الى النسخ مع إمكان الجمع بين الأحاديث لو ثبت التاريخ ، وأنى له بذلك والله أعلم .
فان قيل : كيف يكون الشرب قائما مكروها وقد فعله النبى صلى الله عليه وسلم ؟ ، فالجواب أن فعله صلى الله عليه وسلم إذا كان بيانا للجواز لا يكون مكروها بل البيان وجب عليه صلى الله عليه وسلم ، فكيف يكون مكروهاً ! ، وقد ثبت عنه أنه صلَّى الله عليه وسلَّم توضأ مرة مرة ، وطاف على بعير ، مع أن الاجماع على أن الوضوء ثلاثاً ثلاثا ، والطواف ماشيا أكمل ونظائر هذا غير منحصرة ، فكان صلى الله عليه وسلم ينبه على جواز الشئ مرة أو مرات ، ويواظب على الأفضل منه ، وهكذا كان أكثر وضوئه صلى الله عليه وسلم ثلاثا ثلاثا ، وأكثر طوافه ماشيا ، وأكثر شربه جالسا ، وهذا واضح لا يتشكك فيه من له أدنى نسبة الى علم والله أعلم .(1/85)
وأما قوله صلى الله عليه وسلم (( فمن نسى فليستقىء )) ، فمحمول على الاستحباب والندب ، فيستحب لمن شرب قائما أن يتقايأه لهذا الحديث الصحيح الصريح ، فان الأمر إذا تعذر حمله على الوجوب حمل على الاستحباب . وأما قول القاضى عياض : لا خلاف بين أهل العلم أن من شرب ناسيا ليس عليه أن يتقايأه ، فأشار بذلك الى تضعيف الحديث ، فلا يلتفت الى إشارته ، وكون أهل العلم لم يوجبوا الاستقاءة لا يمنع كونها مستحبة . فان ادعى مدع منع الاستحباب ، فهو مجازف ، لا يلتفت إليه ، فمن أين له الإجماع على منع الاستحباب ؟ .
وكيف تترك هذه السنة الصحيحة الصريحة بالتوهمات والدعاوى والترهات ؟ . ثم اعلم أنه تستحب الاستقاءة لمن شرب قائما ناسيا أو متعمدا ، وذكر الناسى فى الحديث ليس المراد به أن القاصد يخالفه ، بل للتنبيه به على غيره بطريق الأولى ، لأنه اذا أمر به الناسى وهو غير مخاطب ، فالعامد المخاطب المكلف أولى ، وهذا واضح لاشك فيه )) اهـ .
وقد يقال : إن القول بأن النهى عن الشرب قائماً محمول على كراهية التنزيه لا يساعد عليه الأمر بالاستقاء ، لأن في الاستقاء مشقة شديدة على المكلف ، ولا يعلم فى الشريعة مثل هذا التكليف لمن تساهل بأمر مستحب ، وعليه ينبغى أن تحمل أحاديث النهى على التحريم ! .
قلنا : بل الذى ينبغى أن يصار إليه ، هو التوفيق بين الأحاديث كلها ، ما دل منها على جواز الشرب قائما ، وما نهى منها عنه ، ولا إشكال ولا تعارض بين الحكمين : الجواز والتنزيه ، وإنما التعارض حقاً فى القول بتحريم الشرب قائماً ، وترك العمل بأحاديث الجواز مع صحتها ، وعمل الجمع الكثير من الصحابة والتابعين بمقتضاها .
119: باب صفة طول القميص والكم والإزار(1/86)
(795) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ : بَيْنَمَا رَجُلٌ يُصَلِّي مُسْبِلاً إِزَارَهُ ، إِذْ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ )) ، فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ ، ثُمَّ قَالَ : (( اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ )) ، فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَكَ أَمَرْتَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ سَكَتَّ عَنْهُ ؟ ، فَقَالَ : (( إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ مُسْبِلٌ إِزَارَهُ ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لا يَقْبَلُ صَلاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ إِزَارَهُ )) .
رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح على شرط مسلم .
وذكره الشيخ الألبانى فى (( ضعيف الجامع )) .
قال أبو محمد : أخرجه أبو داود (638) و(4086) قال :
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَعِيلَ حَدَّثَنَا أَبَانُ ثَنَا يَحْيَى ـ يعنى ابن أبى كثير ـ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : بَيْنَمَا رَجُلٌ يُصَلِّي مُسْبِلاً إِزَارَهُ ، إِذْ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ )) ، فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ ، ثُمَّ قَالَ : (( اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ )) ، فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَكَ أَمَرْتَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ سَكَتَّ عَنْهُ ؟ ، فَقَالَ : (( إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ مُسْبِلٌ إِزَارَهُ ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لا يَقْبَلُ صَلاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ إِزَارَهُ )) .
وأخرجه كذلك البيهقى (( الكبرى ))(2/241) و(( شعب الإيمان ))(5/145/6126) من طريق أبان عن يحيى بن أبى كثير عن أبى جعفر عن عطاء بن يسار عن أبى هريرة به .(1/87)
وأخرجه النسائى (( الكبرى ))(5/488/9703) من طريق هشام الدستوائى عن يحيى عن أبى جعفر عن عطاء حدَّثنى رجل من أصحاب النَّبىِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّم به .
وخالفهما ـ أعنى أبان وهشاما ـ حرب بن شداد ، فرواه عن يحيى قال حدثنى إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أبى جعفر عن عطاء بن يسار عن أبى هريرة به ، فأدخل بين أبى جعفر ويحيى : إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة ، وهو الصحيح .
أخرجه هكذا البيهقى (( الكبرى ))(2/242) عن عبد الله بن رجاء عن حرب بن شداد به نحوه .
قلت : والحديث بهذا الإسناد أشبه ، فإن يحيى بن أبى كثير ثقة لكنه مدلس ، وقد صرَّح بسماعه من إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة ، وروايته عنه مشهورة احتج بها الشيخان :
فقد أخرج البخارى فى (( كتاب الفتن ))(4/231. سندى ) قال : حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى ـ يعنى ابن أبى كثير ـ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( يَجِيءُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَنْزِلَ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلاثَ رَجَفَاتٍ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ )) .(1/88)
وأخرج مسلم فى (( كتاب السلام ))(14/195. نووى ) قال : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا حَرْبٌ وَهُوَ ابْنُ شَدَّادٍ ح وحَدَّثَنِي إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا حَبَّانُ حَدَّثَنَا أَبَانُ قَالا جَمِيعًا ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ إِسْحَقَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ ، وَالنَّاسُ مَعَهُ ، إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلاثَةٌ ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذَهَبَ وَاحِدٌ ، قَالَ : فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا ، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : (( أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ ، أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللهِ فَآوَاهُ اللهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللهُ مِنْهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْه )) .
قلت : وهذا إسناد حسن ، رجاله كلهم ثقات ، وأبو جعفر هو الأنصارى المدنى المؤذن مشهور بكنيته ولا يعرف اسمه .
قال الحافظ أبو الحجاج المزى (( تهذيب الكمال ))(33/191/7283) :(1/89)
(( أبو جعفر الأنصارى المؤذن المدنى . عن : أبى هريرة . وعنه : يحيى بن أبى كثير . روى له البخارى فى (( الأدب المفرد )) و (( أفعال العباد )) ، والنسائى فى (( اليوم والليلة )) ، والباقون سوى مسلم . روى له النسائى حديث النزول ، وروى له الباقون حديث (( ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن )) . وقال الترمذى : (( لا يعرف اسمه )) . وقال غيره : هو محمد بن على بن حسين ، رواه أبو مسلم الكجى والباغندى عن أبى عاصم النبيل عن حجاج ابن الصواف عن يحيى بن أبى كثير عن محمد بن على بن حسين عن أبى هريرة )) اهـ .
قلت : قد وهم من ظنه أبا جعفر محمد بن على بن حسين ، لأنه لم يدرك أبا هريرة وليس له رواية عنه ، ولأنه لم يكن يوماً مؤذناً ، فمقامه أجل من ذلك وشرف نسبه أسمى ! .
قال الحافظ ابن حجر فى (( تهذيب التهذيب ))(12/58/218) : (( أبو جعفر هذا رجل من الأنصار ، وبهذا جزم ابن القطان ، وقال : أنه مجهول . وقال ابن حبان فى (( صحيحه )) هو محمد بن على بن حسين . قلت : وهذا غير مستقيم ، لأن محمد بن على بن حسين لم يكن مؤذناً ، ولأن أبا جعفر هذا صرَّح بسماعه من أبى هريرة فى عدة أحاديث ، وأما محمد بن على ابن حسين فلم يدرك أبا هريرة ، فتعين أنه غيره )) اهـ .
وقال (( التقريب ))(2/406) : (( أبو جعفر المؤذن الأنصارى مقبول ، ومن زعم أنه محمد بن على بن الحسين فقد وهم )) .
قال أبو محمد : ولست أعلم أحداً ذكر أبا جعفر الأنصارى بجرحٍ ، بل حسَّن الترمذى أحاديثه ، ورواية النسائى توثيق له . وسيأتى بيان حديثه الثانى فى (( رياض الصالحين )) ( رقم 978 ) ، وهو حديث (( ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لا شَكَّ فِيهِنَّ : دَعْوَةُ الْوَالِدِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ )) .(1/90)
ويشهد لصحة حديثه فى المسبل ، ما رواه أبو داود (637) من حديث أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( مَنْ أَسْبَلَ إِزَارَهُ فِي صَلاتِهِ خُيَلاءَ ، فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي حِلٍّ وَلا حَرَامٍ )) .
قَالَ أَبو دَاود : (( رَوَى هَذَا جَمَاعَةٌ عَنْ عَاصِمٍ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْهُمْ : حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، وَأَبُو الأَحْوَصِ ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ )) .
قلت : فإذا صحَّ الموقوف ، فإنه شاهد حسن للحديث ، إذ لا يقال من جهة الرأى ولا القياس . وقد قوَّى الحافظ ابن القيم هذا الحديث ، ووجَّه معناه ، فقال : (( ووجه هذا الحديث أن إسبال الإزار معصية ، وكل من واقع معصية فإنه يؤمر بالوضوء والصلاة ، فإن الوضوء يطفئ حريق المعصية . وأحسن ما حمل عليه حديث الأمر بالوضوء من القهقهة فى الصلاة هذا الوجه ، فإن القهقهة فى الصلاة معصية ، فأمر رسول الله صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم من فعلها بان يحدث وضوءاً يمحو أثرها ، ومن ذلك حديث أبى بكر مرفوعاً (( ما من مسلم يذنب ذنباً ، يتوضأ ويصلِّى ركعتين إلا غفر الله له ذنبه )) اهـ .
119: باب صفة طول القميص والكم والإزار(1/91)
(796) عن قيس بن بشر التغلبى قال : أخبرنى أبى وكان جليساً لأبى الدرداء قال : كَانَ بِدِمَشْقَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ ، وَكَانَ رَجُلاً مُتَوَحِّدًا ، قَلَّمَا يُجَالِسُ النَّاسَ ، إِنَّمَا هُوَ صَلاةٌ ، فَإِذَا فَرَغَ ، فَإِنَّمَا هُوَ تَسْبِيحٌ وَتَكْبِيرٌ ، حَتَّى يَأْتِيَ أَهْلَهُ ، فَمَرَّ بِنَا وَنَحْنُ عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ : كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلا تَضُرُّكَ ، قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَقَدِمَتْ ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَجَلَسَ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِهِ : لَوْ رَأَيْتَنَا حِينَ الْتَقَيْنَا نَحْنُ وَالْعَدُوُّ ، فَحَمَلَ فُلَانٌ فَطَعَنَ، فَقَالَ : خُذْهَا مِنِّي ، وَأَنَا الْغُلامُ الْغِفَارِيُّ ، كَيْفَ تَرَى فِي قَوْلِه ؟ ، قَالَ : مَا أُرَاهُ إِلا قَدْ بَطَلَ أَجْرُهُ ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ آخَرُ ، فَقَالَ : مَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا ، فَتَنَازَعَا ، حَتَّى سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : (( سُبْحَانَ اللهِ ، لا بَأْسَ أَنْ يُؤْجَرَ وَيُحْمَدَ )) ، فَرَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ سُرَّ بِذَلِكَ ، وَجَعَلَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ : أَنْتَ سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَقُولُ : نَعَمْ ، فَمَا زَالَ يُعِيدُ عَلَيْهِ حَتَّى إِنِّي لأَقُولُ : لَيَبْرُكَنَّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ، قَالَ : فَمَرَّ بِنَا يَوْمًا آخَرَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ : كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلا تَضُرُّكَ ، قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله(1/92)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( الْمُنْفِقُ عَلَى الْخَيْلِ كَالْبَاسِطِ يَدَهُ بِالصَّدَقَةِ لا يَقْبِضُهَا )) ، ثُمَّ مَرَّ بِنَا يَوْمًا آخَرَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ : كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلا تَضُرُّكَ ، قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( نِعْمَ الرَّجُلُ خُرَيْمٌ الأَسَدِيُّ ، لَوْلا طُولُ جُمَّتِهِ ، وَإِسْبَالُ إِزَارِهِ )) ، فَبَلَغَ ذَلِكَ خُرَيْمًا ، فَعَجِلَ ، فَأَخَذَ شَفْرَةً ، فَقَطَعَ بِهَا جُمَّتَهُ إِلَى أُذُنَيْهِ ، وَرَفَعَ إِزَارَهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ ، ثُمَّ مَرَّ بِنَا يَوْمًا آخَرَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ : كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلا تَضُرُّكَ ، فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ ، فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ ، وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ ، حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ ، فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلا التَّفَحُّشَ )) . رواه أبو داود بإسنادٍ حسن ، إلا قيس بن بشر ، فاختلفوا فى توثيقه وتضعيفه ، وقد روى له مسلم .
وذكره الشيخ الألبانى فى (( الإرواء ))(7/208) وقال : (( وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبى . وقيس بن بشر عن أبيه ، قال الذهبى نفسه فى (( الميزان )) : لا يعرفان . فأنى للحديث الصحة ؟ )) اهـ .
وقال أبو محمد : أخرجه أبو داود فى (( كتاب اللباس ))(4089) قال :(1/93)
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ يَعْنِي عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ بِشْرٍ التَّغْلِبِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي وَكَانَ جَلِيسًا لأَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : كَانَ بِدِمَشْقَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ ، وَكَانَ رَجُلًا مُتَوَحِّدًا ، قَلَّمَا يُجَالِسُ النَّاسَ ، إِنَّمَا هُوَ صَلاةٌ ، فَإِذَا فَرَغَ ، فَإِنَّمَا هُوَ تَسْبِيحٌ وَتَكْبِيرٌ ، حَتَّى يَأْتِيَ أَهْلَهُ ، فَمَرَّ بِنَا وَنَحْنُ عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ ... فذكره .
وأخرجه كذلك ابن أبى شيبة (4/227) ، وأحمد (4/180،179) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(2/286/1045) و(( الجهاد ))(244) ، والطبرانى (( الكبير )) (6/95:94/5618،5617،5616) ، والحاكم (4/183) ، والبيهقى (( شعب الإيمان )) (5/164/6205،6204) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(4/142) من طرق عن هشام بن سعدٍ قال حدثنى قيس بن بشر التغلبى حدثنى أبى عن ابن الحنظلية به .
وأخرجه كذلك متفرقاً البخارى (( التاريخ الكبير ))(3/224/757) و(4/98/2093) عن أبى نعيم عن هشام بن سعدٍ قال حدثنى قيس بن بشر حدثنى أبى عن ابن الحنظلية .
قال أبو محمد الألفى : ما أملح هذا الحديث وأبهاه ! وما أحفظ راويه وأزكاه ! . فعلامات الصحة وبصمات النبوة بادية على كل فقرةٍ من فقراته ، ولكن أكثرهم لا يعلمون .
فأما فقراته ، فليست بالمكذوبة ولا بالمنكرة ولا بالشاذة ، وهى على التحقيق خمس :
[ الأولى ] (( لا بَأْسَ بِالعَبْدِ أَنْ يُؤْجَرَ وَيُحْمَدَ )) .
[ الثانية ] (( الْمُنْفِقُ عَلَى الْخَيْلِ كَالْبَاسِطِ يَدَهُ بِالصَّدَقَةِ لا يَقْبِضُهَا )) .
[ الثالثة ] (( نِعْمَ الرَّجُلُ خُرَيْمٌ الأَسَدِيُّ ، لَوْلا طُولُ جُمَّتِهِ ، وَإِسْبَالُ إِزَارِهِ )) .(1/94)
[ الرابعة ] (( إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلا التَّفَحُّشَ )) .
[ الخامسة ] (( أصْلِحُوا رِحَالَكُمْ ولِبَاسَكُمْ ، حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ )) .
وكلها لوائح الصحة عليها بادية ، ويعضدها الشواهد الصحيحة ، كما سيأتى بيان ذلك بالتفصيل .
فأما الإسناد ، فرجاله كلهم موثقون ، هشام بن سعدٍ فمن فوقه . هشام بن سعدٍ أبو عباد المدنى ، مولاهم المخزومى ، صدوق حسن الحديث ، روى له مسلم أصولاً ومتابعات .
وجملة ما له عنده عشرة أحاديث ، منها ثلاثة أحاديث أصول . هاكها :
( الأول ) قال مسلم (7/238. نووى) : حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ ثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَيَّانَ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ : قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ ، وَمَا مِنَّا أَحَدٌ صَائِمٌ إِلا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ .(1/95)
( الثانى ) قال مسلم (10/199. نووى ) : حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى جَمِيعًا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ ابْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ الْمَكِّيَّ حَدَّثَهُ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ : كُنَّا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَأْخُذُ الأَرْضَ بِالثُّلُثِ ، أَوِ الرُّبُعِ بِالْمَاذِيَانَاتِ ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : (( مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا ، فَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا فَلْيَمْنَحْهَا أَخَاهُ ، فَإِنْ لَمْ يَمْنَحْهَا أَخَاهُ فَلْيُمْسِكْهَا )) .
( الثالث ) قال مسلم (16/150. نووى ) : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَأَبِي حَازِمٍ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( إِنَّ اللَّعَّانِينَ لا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ ، وَلا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .(1/96)
وفى (( الجرح والتعديل ))(9/61/241) : (( هشام بن سعد أبو سعد مولى آل أبى لهب . روى عن : نافع ، وعياض بن عبد الله ، وزيد بن أسلم . روى عنه : ليث بن سعد ، وابن وهب ، وعبد الله بن نافع ، وابن أبى فديك ، وأبو نعيم ، والقعنبي . سمعت أبى يقول ذلك وحدثني أبى قال سمعت أحمد بن حنبل يقول : لم يكن هشام بن سعد بالحافظ . أخبرنا حرب بن إسماعيل الكرماني فيما كتب إلى قال سمعت أحمد بن حنبل ، وذكر له هشام بن سعد فلم يرضه وقال : ليس بمحكم الحديث . وقرئ على العباس بن محمد الدوري سمعت يحيى بن معين يقول : هشام بن سعد فيه ضعف ، وداود بن قيس أحب إلىَّ منه . أخبرنا أبو بكر بن أبى خيثمة فيما كتب إليَّ قال : سمعت يحيى بن معين يقول : هشام بن سعد هو صالح ليس بمتروك الحديث . وسألت أبى عن هشام بن سعد فقال : يكتب حديثه ولا يحتج به ، هو ومحمد بن إسحاق عندي واحد . وسألت أبا زرعة عن هشام بن سعد فقال : شيخ محله الصدق ، وكذلك محمد بن إسحاق هو هكذا عندي ، وهشام أحب إلىَّ من محمد بن إسحاق )) اهـ .
وقال النسائى (( الضعفاء والمتروكين ))(1/104/611 ) : (( هشام بن سعد ضعيف )) . وقال أحمد العجلى (( معرفة الثقات ))(2/328/1900) : (( هشام بن سعد جائز الحديث وهو حسن الحديث )) .
قلت : وإنما ضعَّفه أحمد والنسائى لأنه لم يكن بالحافظ ولا الضابط لحديث الزهرى خاصَّةً ، وأما فى غيره فهو ثبت حجة ، حتى قال أبو داود : هو أثبت النَّاس فى زيد بن أسلم .
ولهذا لما ذكره أبو أحمد بن عدى فى (( الكامل ))(7/109) استنكر حديثيه عن الزهرى :
( الأول ) رواه علي بن الحسين بن واقد ثنا هشام بن سعد عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : (( لا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك )) .(1/97)
( الثانى ) رواه ابن أبى فديك حدثني هشام بن سعد عن الزهرى عن أبي سلمة عن أبى هريرة جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أفطر في رمضان ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( اعتق رقبة ... )) الحديث .
والحديثان بهذين الإسنادين منكران ، لا يرويهما عن الزهرى هكذا غير هشام بن سعد .
والخلاصة ، فإن هشام بن سعد صدوق له أوهام خاصَّةً فى حديثه عن الزهرى ، ولهذا لخصه الحافظ ابن حجر فى (( التقريب ))(1/572/7294) فقال : (( صدوق له أوهام )) .
وأما قيس بن بشر التغلبى الشامى ، قال ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل )) (7/94/537) : (( قيس بن بشر التغلبي من أهل قنسرين . روى عن : أبيه . روى عنه : هشام بن سعد . سمعت أبى يقول ذلك ، وسألته عنه فقال : ما أرى بحديثه بأسا ، ما أعلم روى عنه غير هشام ابن سعد . أخبرنا أبو زرعة نا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني الليث عن هشام بن سعد عن رجل صدقٍ من أهل قنسرين يقال له قيس بن بشر )) .
وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(7/330/10309) .
وأبوه بشر بن قيس التغلبى القنسرينى ، قال الحافظ المزى (( تهذيب الكمال )) (4/141/703) : (( بشر بن قيس التغلبي ، والد قيس بن بشر من أهل قنسرين . وكان جليسا لأبي الدرداء . روى عن : خريم بن فاتك الأسدي ، وسهل بن الحنظلية ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وأبي الدرداء . روى عنه : ابنه قيس بن بشر . ذكره أبو زرعة الدمشقي ، وأبو الحسن بن سميع في (( الطبقة الثانية )) . وقال أحمد بن محمد بن عيسى البغدادي صاحب(( تاريخ الحمصيين )) : بشر بن قيس التغلبي أبو قيس ابن بشر ، منزله بقنسرين ، كان جليسا لأبي الدرداء بدمشق )) اهـ .
وذكر ابن حبان فى (( الثقات ))(4/67/1850) : (( بشر بن قيس التغلبي . يروى عن عمر روى عنه : زياد بن علاقة )) .(1/98)
وقال الحافظ فى (( الإصابة ))(1/345/777) : (( بشر بن قيس . له إدراك . قال عبد الرزاق عن الثوري عن زياد بن علاقة عن بشر بن قيس قال : كنا عند عمر في رمضان فأفطرنا ، ثم ظهر أن الشمس لم تغرب ، فقال عمر : من أفطر فليقض يوما مكانه . إسناده صحيح )) .
والظاهر أنه هو ، ولهذا قال الحافظ (( التقريب ))(1/124) : (( بشر بن قيس التغلبى من أهل قنسرين . صدوق من الثانية )) يعنى أنه فى عداد كبار التابعين ، وحديثه بهذا الاعتبار حسن محتج به.
فإذا بان ذلك وتقررت دلالته ، علم أن قول الحافظ الذهبى (( الميزان )) (5/476) : (( قيس بن بشر عن أبيه لا يعرفان )) إما حكاية عمن زعم جهالة عينهما ، وإما غفلة عما قرره هو نفسه فى (( الكاشف ))(2/138) : (( قيس بن بشر التغلبى القنسرينى عن أبيه . وعنه : هشام بن سعدٍ . قال أبو حاتم : ما أرى بحديثه بأساً )) .
وبالجملة ، فهذا الإسناد رجاله موثقون كلهم ، لم يثبت فى حق أحدٍ منهم جرحاً يوجب ترك حديثه ، سيما وكل فقرةٍ من فقراته مؤيدة بشواهد الصحة ، وأمارات الصدق لائحة عليها .
[ الفقرة الأولى ] (( لا بَأْسَ بِالعَبْدِ أَنْ يُؤْجَرَ وَيُحْمَد )) .
شاهدها ما أخرجه مسلم (16/188. نووى) قال : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَأَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ ، قَالَ : (( تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ )) .(1/99)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ وَكِيعٍ ح و حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ ح و حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ ح و حَدَّثَنَا إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ بِإِسْنَادِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِمِثْلِ حَدِيثِهِ .
[ الفقرة الثانية ] (( الْمُنْفِقُ عَلَى الْخَيْلِ كَالْبَاسِطِ يَدَهُ بِالصَّدَقَةِ لا يَقْبِضُهَا )) .
شاهدها ما أخرجه البخارى فى (( كتاب الجهاد والسير ))(2/146. سندى ) قال : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدًا الْمَقْبُرِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللهِ ، إِيمَانًا بِاللهِ ، وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ ، فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .(1/100)
وفيه (2/147. سندى ) قال : حَدَّثَنَا عَبْد اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( الْخَيْلُ لِثَلاثَةٍ : لِرَجُلٍ أَجْرٌ ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ ، فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ ، فَأَطَالَ فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ ، فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنَ الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ ، وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا ؛ فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ أَرْوَاثُهَا وَآثَارُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِئَاءً وَنِوَاءً لأَهْلِ الإِسْلامِ ، فَهِيَ وِزْرٌ عَلَى ذَلِكَ )) ، وَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحُمُرِ ، فَقَالَ : مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا إِلا هَذِهِ الآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ (( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ )) .
وما أخرجه أبو يعلى (10/408/1014) قال : حدثنا عبد الله بن الرومي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( الْخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَثَلُ الْمُنْفِقِ عَلَيهَا كالمُتَكَفِّفِ بِالصَّدقةِ )) .(1/101)
وأخرجه كذلك ابن حبان (4636) ، والطبرانى (( الأوسط ))(3/260/3088) كلاهما عن ابن أبى السرى ، والبيهقى (( الكبرى ))(6/329) عن أحمد بن يوسف السلمى ، كلاهما عن عبد الرزاق نا معمر بإسناده ومتنه نحوه .
وفى (( علل الدارقطنى ))(9/253/1712) : (( سئل عن حديث أبى سلمة عن أبى هريرة قال قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسَلَّمَ : (( الْخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي... )) فذكره .
قال : يرويه الزهرى ، واختلف عنه ، فرواه معمر عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة ، ورواه إبراهيم بن سعد عن الزهرى عن سهل بن الحنظلية مرسلاً . قال : المرسل أصح )) .
قلت : ولكن يتقوى الموصول بما أخرجه الطحاوى (( شرح المعانى ))(3/274) : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهب سمعت معاوية بن صالح يحدث قال حدثني زياد بن نعيم أنه سمع أبا كبشة صاحب النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (( الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ ، وأَهْلُهَا مُعَانُونَ عَليهَا ، والمُنْفِقُ عَلَيهَا كَالبَاسِطِ يَدَيْهِ بالصَّدقةِ )) .
وأخرجه كذلك ابن حبان (4655) ، والطبرانى (( الكبير ))(22/339/849) ، وابن عدى (( الكامل ))(6/405) ، والحاكم (2/91) جميعا من طريق ابن وهبٍ عن معاوية ابن صالح به .
وعلَّقه البخارى (( التاريخ الكبير ))(8/95/2309) قال : قال عبد الله بن صالح حدثنى معاوية بن صالح أن أبا طلحة نعيم بن زياد سمع أبا كبشة يقول : (( الْخَيْلُ مَعْقُودٌ.. )) فذكره.
هكذا رواه عبد الله بن صالح فأوقفه على أبى كبشة الأنمارى ، ورفعه إلى النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح ، وهو الأصح .
قال أبو عبد الله الحاكم : (( هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه بهذه الزيادة )) .(1/102)
[ الفقرة الثالثة ] (( نِعْمَ الرَّجُلُ خُرَيْمٌ الأَسَدِيُّ ، لَوْلا طُولُ جُمَّتِهِ ، وَإِسْبَالُ إِزَارِه )) .
شاهدها ما أخرجه ابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(2/285/1044) قال : حدَّثني عبد الرحيم بن مطرف نا عمرو بن محمد العنقزي عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن شمر بن عطية عن خريم بن فاتك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أيُّ رَجُلٍ أَنْتَ لَولا خَلَّتَانِ فِيكَ )) ، قلت : يا رسول الله ما هما ؟ ، قال : (( تُسْبلُ إزَارَكَ ، وتُرخِي شَعْرَكَ )) ، قلت : لا جرم لا أعود ، قال : فجز شعره ، ورفع إزاره .
وأخرجه كذلك أحمد (4/322،321) ، وابن سعد (( الطبقات ))(6/38) ، والطبرانى (( الكبير ))(4/208:207/4158،4157،4156) ، وأبو نعيم (( الحلية ))(1/363) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(5/228/6472) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(24/12) من طرق عن أبى إسحاق عن شمر بن عطية عن خريم الأسدى .
وتابعه عن شمر بن عطية : الأعمش .
فقد أخرجه الطبرانى (( الكبير ))(4/208/4160) : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمى ثنا الحسين بن منصورٍ الرقى ثنا أبو الجواب ثنا عمار بن رزيق عن الأعمش عن شمر بن عطية عن خريم بن فاتك به نحوه .
قلت : والحديث بهذا الإسناد مرسل ، فإن شمر بن عطية لم يدرك خريم ، ولكنه لم يتفرد .
فقد تابعه عبد الملك بن عمير عن أيمن بن فاتك عن أبيه .
أخرجه الطبرانى (( الكبير ))(4/208/4161) و(( الأوسط ))(4/19/3506) و(( الصغير )) (1/254/415) قال : حدثنا حاجب بن أركين الفرغاني نا أحمد بن الفضل الحرانى نا يونس بن بكير نا المسعودي عن عبد الملك بن عمير عن أيمن بن خريم بن فاتك عن أ بيه قال : قال النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( نِعْمَ الْفَتَى خُرَيمٌ لَو قَصَّرَ مِنْ شَعْرِه وَرَفَعَ مِنْ إزَارِه )) فقال خريم : لا يجاوز شعري أذني ، ولا إزاري عقبي .(1/103)
قلت : والحديث بمجموع طرقه يتقوى ، ويصلح شاهداً .
[ الفقرة الرابعة ] (( إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلا التَّفَحُّشَ )) .
شاهدها استفاضة هذا المعنى وشهرته . وقد ورد من حديث : عائشة ، وعبد الله بن عمرو ، وأبى هريرة ، وجابر بن عبد الله ، وأسامة بن زيد .
فلنقتصر على حديثى : عائشة ، وعبد الله بن عمرو .
[ حديث عائشة ] أخرجه أحمد (6/221) قال : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ قَالا حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ ، فَقَالُوا : السَّامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ ،فَقَالَ : وَعَلَيْكُمْ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقُلْتُ : وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلَّمَ : (( يا عَائِشَةُ لا تَكُونِي فَاحِشَةً )) ، قَالَتْ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ أَمَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا : السَّامُ عَلَيْكَ ، قَالَ : (( أَلَيْسَ قَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِمِ الَّذِي قَالُوا ، قُلْتُ : وَعَلَيْكُم )) .
قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ ـ يَعْنِي فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ـ : (( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلا التَّفَحُّشَ )) وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِي حَدِيثِه :ِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (( وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ )) حَتَّى فَرَغَ .(1/104)
وأخرجه كذلك مسلم (14/147. نووى ) قال : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ ، فَقَالُوا : السَّامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، فَقَالَ : وَعَلَيْكُمْ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقُلْتُ : بل عَلَيْكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ ... الحديث .
[ حديث عبد الله بن عمرو ] أخرجه أحمد (2/159) قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( إِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ ، فَإِنَّ الله لا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلا التَّفَحُّشَ ، وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، أَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا ، وَبِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا ، وَبِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا )) ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ! أَيُّ الإِسْلامِ أَفْضَلُ ؟ ، قال : (( أَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ )) ، قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ ؟ ، قَالَ : (( أَنْ تَهْجُرَ مَا كَرِهَ اللَّهُ ، وَالْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ : هِجْرَةُ الْحَاضِرِ وَالْبَادِي ، فَأَمَّا الْبَادِي فَيُطِيعُ إِذَا أُمِرَ ، وَيُجِيبُ إِذَا دُعِيَ ، وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَأَعْظَمُهُمَا بَلِيَّةً وَأَعْظَمُهُمَا أَجْرًا )) .(1/105)
وأخرجه كذلك الطيالسى (2272) ، وابن حبان (5170) ، والبيهقى (( الكبرى )) (10/243) و(( شعب الإيمان ))(7/425/10834) ، والخطيب (( موضح الأوهام ))(2/99) والمزى (( تهذيب الكمال ))(34/220) جميعاً من طريق شعبة عن عمرو بن مرَّة عن عبد الله ابن الحارث المكتب عن أبى كثير الزبيدى عن ابن عمرو بنحوه .
قلت : وهذا إسناد صحيح غاية ، رجاله كلهم ثقات رجال الصحيحين ، خلا أبا كثيرٍ الزبيدى ، واسمه زهير بن الأقمر ، وقد وثقه النسائى والعجلى وابن حبان .
147 : باب ما يقوله من أيس من حياته
(910) عن عائشة رضى الله عنها قالت : رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْمَوْتِ ، وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ ، وَهُوَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْقَدَحِ ، ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ ، ثُمَّ يَقُولُ : (( اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ أَوْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ )) . رواه الترمذى
ذكره الألبانى فى (( ضعيف الجامع ))(1176) .
قال أبو محمد : أخرجه الترمذى فى (( كتاب الجنائز ))(978) قال :
بَابُ مَا جَاءَ فِى التَّشْدِيدِ عِنْدَ الْمَوْتِ
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ سَرْجِسَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْمَوْتِ ، وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ ، وَهُوَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْقَدَحِ ، ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ ، ثُمَّ يَقُولُ : (( اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ أَوْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ )) .(1/106)
وأخرجه كذلك ابن أبى شيبة (6/42/29333) ، وأحمد (6/64،70،77،151) ، وابن سعد (( الطبقات الكبرى ))(2/257) ، والنسائى (( عمل اليوم والليلة ))(1101) و(( كتاب الوفاة ))(25) ، وابن ماجه (1623) ، وأبو يعلى (8/9/4510) ، والطبرانى (( الأوسط ))(3/307/3244) ، والحاكم (3/56) ، والبيهقى (( السنن الكبرى ))(4/259 و 6/269) ، والخطيب (( التاريخ )) (7/208) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(29/67) جميعا من طريق يزيد بن الهاد عن موسى بن سرجس عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت : فذكرته .
قال أبو عيسى : (( هذا حديث غريب ))(1) .
ــــــــ
(1) اختلفت نسخ (( جامع الترمذى )) فى الحكم على هذا الحديث ، وما أثبتُه هو الصحيح ، فقد ذكره هكذا المزى فى (( تهذيب الكمال ))(29/67) ، وابن حجر (( تهذيب التهذيب ))( 10/307) ، والمباركفورى (( تحفة الأحوذى ))(4/47) . وأما النسخة التى إليها العزو بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقى ، ففيها (( حسن غريب )) !! .
قال أبو محمد الألفى : قد وقع عند ابن ماجه (( يزيد بن أبى حبيب )) بدلاً من (( يزيد بن عبد الله بن الهاد )) ؛ وهو وهم . قال الحافظ ابن حجر (( النكت الظراف على تحفة الأشراف ))(12/286/17556) : (( لعله أن يكون من ابن ماجه ؛ كان الحديث فى أصله عن أبى بكر بن أبى شيبة به غير منسوب ، فنسبه من قبل نفسه ، فجعله (( يزيد ابن أبى حبيب )) لكونه مصرياً ، روى الليث بن سعد عنه كذلك ، وراجعت (( مسند أبى بكر ابن أبى شيبة )) فوجدته كذلك كما ظننته )) اهـ
قلت : بل هو فى (( مصنف ابن أبى شيبة )) بهذا الإسناد (( عن يزيد بن أبى حبيب )) ، وليس الوهم فيه من ابن ماجه ، وإنما من يونس بن محمد الذى خالف أثبات أصحاب الليث : عبد الله بن وهب ، وشعيب بن أبى حمزة ، وقتيبة بن سعيد ، وهشيم بن بشير ، ومنصور بن سلمة الخزاعى .
وقد بينت ذلك بياناً شافياً فى : (( ترجمان الأفذاذ ببيان الأحاديث الشواذ )) .(1/107)
قلت : وهذا حديث حسن ، وإسناد رجاله كلهم ثقات ، وموسى بن سرجس لا يضره تفرد يزيد بن الهاد بالرواية عنه ، إذ لم يذكره أحد بجرحٍ ، ورواية النسائى توثيق له .
وقد قال الحافظ فى (( التقريب ))( 2/283) : (( مدنى مستور )) . وقال فى (( فتح البارى )) (11/362) : (( قوله (( إن للموت سكرات )) وقع في رواية القاسم عن عائشة عند أصحاب السنن سوى أبي داود بسند حسن بلفظ (( اللهم أعني على سكرات الموت )) اهـ
والمقصود أن حديث عائشة حديث حسن ، وإن كان فى إسناده مستور ، لما قدمناه آنفاً عند تخريجنا حديث المثنى بن عبد الرحمن الخزاعى .
وشاهده أن له أصلاً فى (( صحيح البخارى )) فى (( كتاب الرقاق ))(4/131. سندى ) :
باب : سَكَرَاتِ الْمَوْتِ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَال أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ ـ يَشُكُّ عُمَرُ ـ ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ ، وَيَقُولُ : (( لا إِلَهَ إِلا اللهُ ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ )) ، ثُمَّ نَصَبَ يَدَه فَجَعَلَ يَقُولُ : (( فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى )) ، حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ .
وفيه فى (( كتاب المغازى ))(3/94. سندى) : باب مَرَضِ النَّبىِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَفَاتِه(1/108)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ : إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي ، وَفِي يَوْمِي ، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي ، وَأَنَّ اللهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ ، دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ ، وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ ، فَقُلْتُ : آخُذُهُ لَكَ ! ، فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ ، فَتَنَاوَلْتُهُ ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ ، وَقُلْتُ : أُلَيِّنُهُ لَكَ ! ، فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ ، فَلَيَّنْتُهُ فَأَمَرَّه ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ ـ يَشُكُّ عُمَرُ ـ فِيهَا مَاءٌ ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ ، يَقُولُ : (( لا إِلَهَ إِلا اللهُ ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ )) ، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ : (( فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى )) ، حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ .
174 : باب ما يقول إذا نزل منزلاً(1/109)
(981) عن ابن عمر رضى الله عنهما قال : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ ، فَأَقْبَلَ اللَّيْلُ ، قَالَ : (( يَا أَرْضُ ، رَبِّي وَرَبُّكِ اللهُ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّكِ ، وَشَرِّ مَا فِيكِ ، وَشَرِّ مَا خُلِقَ فِيكِ ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَدِبُّ عَلَيْكِ ، وَأَعُوذُ بِاللهِ مِنْ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ ، وَمِنَ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ ، وَمِنْ سَاكِنِ الْبَلَدِ ، وَمِنْ وَالِدٍ وَمَا وَلَد )) . رواه أبو داود .
وذكره الشيخ الألبانى فى (( الضعيفة ))(4837) .
قال أبو محمد : أخرجه أبو داود فى (( كتاب الجهاد ))(2603) قال :
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ ، فَأَقْبَلَ اللَّيْلُ قَالَ : (( يَا أَرْضُ ، رَبِّي وَرَبُّكِ اللهُ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّكِ ، وَشَرِّ مَا فِيكِ ، وَشَرِّ مَا خُلِقَ فِيكِ ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَدِبُّ عَلَيْكِ ، وَأَعُوذُ بِاللهِ مِنْ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ ، وَمِنَ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ ، وَمِنْ سَاكِنِ الْبَلَدِ ، وَمِنْ وَالِدٍ وَمَا وَلَد )) .
وأخرجه كذلك أحمد (3/124) ، والنسائى (( السنن الكبرى ))(4/443/7862 و 6/144/10398) و(( عمل اليوم والليلة ))(563) ، وابن خزيمة (4/152/2572) ، والطبرانى (( مسند الشاميين ))(2/58/962) ، والحاكم (2/110) ، والبيهقى (( الكبرى )) (5/253) ، والمزى (( تهذيب الكمال )) (9/331) ، والذهبى (( سير الأعلام ))(12/327) من طريقى بقية بن الوليد وأبى المغيرة ، كلاهما قال ثنا صفوان بن عمرو عن شريح بن عبيد عن الزبير بن الوليد عن عبد الله بن عمر به .(1/110)
وقال أبو عبد الله الحاكم : (( صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) ، وأقرَّه الذهبى .
قال أبو محمد : وهو كما قالا ، فهذا إسناد رجاله كلهم ثقات ، بقية بن الوليد فمن فوقه ، وقد صرَّح بقية بالسماع من صفوان بن عمرو أبى عمرو السكسكى الحمصى الثبت الحجة المتقن ، وتابعه : أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الحمصى . والزبير بن الوليد شامى ؛ تفرد بالرواية عنه شريح بن عبيد الحمصى الشامى .
وقد ذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(4/261) .
وقال الذهبى (( الكاشف ))(1/402/1628) : (( ثقة )) .
وأما قول الحافظ ابن حجر(( التقريب ))(1/214/2006) عنه : (( مقبول من الرابعة )) ، فهو كقوله عن ثلاثة ممن أخرج لهم نجم الأئمة مالك بن أنس فى (( موطئه )) :
(1) عمران الأنصارى ، والد محمد بن عمران .
(2) عمرو بن رافع القرشى العدوى ، مولى عمر بن الخطاب .
(3) المسور بن رفاعة بن أبى مالك القرظى المدنى ، ابن أخى ثعلبة بن أبى مالك .
وعن ثلاثةٍ ممن أخرج لهم البخارى فى (( صحيحه )) :
(1) عطاء أبو الحسن السوائى الكوفى .
(2) القاسم بن عاصم التميمى البصرى .
(3) أبو يزيد المدينى ، نزيل البصرة .
وعن اثنى عشر ممن أخرج لهم مسلم فى (( صحيحه )) :
(1) سالم بن أبى سالم سفيان بن هانىء الجيشانى المصرى .
(2) صهيب أبو الصهباء البكرى البصرى ، مولى ابن عباس .
(3) عبد الله بن عمرو بن عبدٍ القارى ، ابن أخى عبد الرحمن بن عبدٍ .
(4) عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، القرشى العدوى العمرى .
(5) عبد الرحمن بن عبد الله كيسان المازنى أبو حمزة البصرى ، جار شعبة ،
(6) مسلم بن هيصم العبدى .
(7) مسلم بن يسار المصرى ، أبو عثمان الطنبذى .
(8) موسى بن سعد بن زيد بن ثابت الأنصارى المدنى .
(9) أبو سعيد مولى عبد الله بن عامر بن كريز الخزاعى .
(10) أبو شمر الضبعى البصرى .
(11) أبو عيسى الأسوارى البصرى .
(12) أبو يحيى مولى آل جعدة بن هبيرة المخزومى .(1/111)
فهؤلاء ثمانية عشر نفساً من الثقات الذين احتج بهم مالك والشيخان ، وصفهم جميعاً الحافظ ابن حجر فى (( التقريب )) بقوله (( مقبول من الرابعة )) .
وإنما أوردتهم هاهنا كأمثلة لرجالات هذه الطبقة(1) ـ يعنى صغار أوساط التابعين ـ عند الحافظ ابن حجر ، للدلالة على أن (( المقبول )) من مراتب التوثيق والتعديل ، وليس كما يفهم كثير من المتأخرين ، فليتنبه ! .
ولنذكر أنموذجاً واحدأ من كل مجموعةٍ ؛ لبيان توثيق وتعديل هؤلاء الموصوفين عند الحافظ بقوله (( مقبول )) :
[ الأول ] عمران الأنصارى ، والد محمد بن عمران .
أخرج حديثه يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(1/371. تنوير الحوالك) : عَنْ مَالِك عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدِّيلِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّه قَالَ : عَدَلَ إِلَيَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ ، وَأَنَا نَازِلٌ تَحْتَ سَرْحَةٍ بِطَرِيقِ مَكَّةَ ، فَقَالَ : مَا أَنْزَلَكَ تَحْتَ هَذِهِ السَّرْحَةِ ؟ ، فَقُلْتُ : أَرَدْتُ ظِلَّهَا ، فَقَالَ : هَلْ غَيْرُ ذَلِكَ ؟ ، فَقُلْتُ : لا مَا أَنْزَلَنِي إِلا ذَلِكَ ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِذَا كُنْتَ بَيْنَ الأَخْشَبَيْنِ مِنْ مِنًى ، وَنَفَخَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ ، فَإِنَّ هُنَاكَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ : السِّرَرُ ، بِهِ شَجَرَةٌ سُرَّ تَحْتَهَا سَبْعُونَ نَبِيًّا )) .
وأخرجه كذلك أحمد (2/138) ، والفاكهى (( أخبار مكة ))(4/30/2331) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/417/3986) و(( المجتبى ))(5/248) ، وابن حبان (6244) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/139) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(22/366) جميعا من طريق مالك عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمران عن أبيه عن ابن عمر به .(1/112)
قال أبو عمر بن عبد البر (( التمهيد ))(13/64) : (( لا أعرف محمد بن عمران هذا إلا بهذا الحديث ، وإن لم يكن أبوه عمران بن حبان الأنصاري ، أو عمران بن سوادة فلا أدري من هو ؟ . وحديثه هذا مدني ، وحسبك بذكر مالك له في كتابه )) اهـ .
قال الحافظ ابن حجر(( تهذيب التهذيب ))(8/126/250) : (( عمران الأنصاري عن ابن عمر في (( فضل وادي السرر )) . روى عنه محمد ابنه . قال مسلمة بن قاسم : لا بأس به )) .
ـــــــــ
(1) جملة من وصفهم الحافظ ابن حجر فى (( التقريب )) بقوله ((مقبول من الرابعة)):190راوٍ ، وقد وثق منهم الحافظ الذهبى :83 راوياً ، إما تصريحاً بقوله (( ثقة )) أو تلميحاً بقوله (( وثق )) ، والمحتج به منهم عند الشيخان : 15 راوياً ، على البيان المذكور عاليه .
ولا يذهبن عنك قول أبي سعيد بن الأعرابى : كان يحيى بن معين يوثق الرجل لرواية مالك عنه ، سئل عن غير واحد ، فقال : ثقة روى عنه مالك . وقول الأثرم : سألت أحمد بن حنبل عن عمرو بن أبى عمرو مولى المطلب ، فقال : يزين أمره عندى أن مالكاً روى عنه .
وقول على بن المدينى : سمعت سفيان يقول : ما كان أشد انتقاد مالك بن أنس للرجال وأعلمه بشأنهم . وقول بشر بن عمر الزهرانى : سألت مالك بن أنس عن رجل ، فقال : هل رأيته في كتبي ؟ ، قلت : لا ، قال : لو كان ثقة لرأيته في كتبي .
فإذا علمت ذلك ، فأعجب لقول الحافظ الذهبى (( الميزان ))(5/297/6331) : (( عمران الأنصارى عن ابن عمر . لا يدرى من هو ؟ . تفرد عنه ابنه محمد ، وحديثه فى (( الموطأ )) وهو منكر )) . وأقول : كيف يكون منكراً ، وهو فى (( موطأ )) إمام الأئمة ، مع قول أبى عمر بن عبد البر : (( وحسبك بذكر مالك له في كتابه )) !! .
[ الثانى ] القاسم بن عاصم التميمى البصرى .(1/113)
أخرج حديثه البخارى فى (( الأيمان والنذور ))(4/156. سندى ) قال : حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ ثَنَا عَبْد الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ، قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ ، فَوَافَقْتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ ، فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَحَلَفَ أَنْ لا يَحْمِلَنَا ، ثُمَّ قَالَ : (( وَاللهِ ، إِنْ شَاءَ اللهُ ، لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا ، إِلا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَتَحَلَّلْتُهَا )) .(1/114)
وأخرجه فى (( الذبائح والصيد ))(3/312. سندى ) : حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ جَرْمٍ إِخَاءٌ ، فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ جَالِسٌ أَحْمَرُ ، فَلَمْ يَدْنُ مِنْ طَعَامِهِ ، قَالَ : ادْنُ ، فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ مِنْهُ ، قَالَ : إِنِّي رَأَيْتُهُ أَكَلَ شَيْئًا ، فَقَذِرْتُهُ ، فَحَلَفْتُ أَنْ لَا آكُلَهُ ، فَقَالَ : ادْنُ أُخْبِرْكَ أَوْ أُحَدِّثْكَ : إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ ، فَوَافَقْتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ ، وَهُوَ يَقْسِمُ نَعَمًا مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ ، فَاسْتَحْمَلْنَاهُ ، فَحَلَفَ أَنْ لا يَحْمِلَنَا ، قَالَ : (( مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ )) ، ثُمَّ أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَهْبٍ مِنْ إِبِلٍ ، فَقَالَ : (( أَيْنَ الأَشْعَرِيُّونَ ؟ أَيْنَ الأَشْعَرِيُّونَ )) ، قَالَ : فَأَعْطَانَا خَمْسَ ذَوْدٍ غُرَّ الذُّرَى ، فَلَبِثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ : فَقُلْتُ لأَصْحَابِي : نَسِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينَهُ ، فَوَاللهِ لَئِنْ تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينَهُ لا نُفْلِحُ أَبَدًا ، فَرَجَعْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا اسْتَحْمَلْنَاكَ فَحَلَفْتَ أَنْ لا تَحْمِلَنَا ، فَظَنَنَّا أَنَّكَ نَسِيتَ يَمِينَكَ ، فَقَالَ : (( إِنَّ اللهَ هُوَ حَمَلَكُمْ ، إِنِّي وَاللهِ ، إِنْ(1/115)
شَاءَ اللهُ لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا ؛ إِلا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا )) .
وأخرجه فى مواضع أخر(2/195 و4/310،163،151. سندى ) عنه مقروناً بأبى قلابة .
وأخرجه كذلك مسلم (11/112:111. نووى ) من طرق عن أيوب عن أبى قلابة والقاسم التميمى عن زهدم الجرمى عن أبى موسى الأشعرى بنحوه .
[ الثالث ] سالم بن أبى سالم سفيان بن هانىء الجيشانى المصرى .
أخرج حديثه مسلم فى (( كتاب الإمارة ))(12/210. نووى) قال : حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ كِلاهُمَا عَنِ عَبْدِ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئِ حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْقُرَشِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( يَا أَبَا ذَرٍّ ! إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا ، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي ، لا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ ، وَلا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ )) .
*** *** ***
فإذا بانت ووضحت لك الدلالة على توثيق هؤلاء الرواة الثلاثة ، مع وصف ابن حجر إيَّاهم فى جملةٍ ممن ذكرنا بقوله (( مقبول من الرابعة )) ، علمت أنَّ معنى هذا المصطلح عند ابن حجر ، وعند العارفين بمعانى مصطلحاته محمول على التوثيق ، خلافاً لفهم الكثيرين من المتأخرين .
ولا يذهبن عنك ما ذكرناه آنفاً بقولنا : فكيف إذا علمت أن (1535) ألفاً وخمسمائة وخمسة وثلاثين راوياً قد وصفهم ابن حجر فى (( التقريب )) بقوله (( مقبول )) ، فهل يعنى هذا أنهم ضعفاء غير محتج بأحاديثهم بناءاً على التأويل الخاطئ لهذا المصطلح ؟َ! .(1/116)
وكيف إذا علمت أن الحافظ الذهبى قد وثق من هؤلاء الرواة (450) أربعمائة وخمسين راوياً تصريحاً بقوله (( ثقة )) ، أو تلميحاً بقوله (( وثق )) ؟! .
ونزيدك إيضاحاً وتبصيراً ، لنصرفك عن تعاطى الأراء الخاطئة فى تأويل هذا المصطلح ، فنذكر نماذج ثلاثة للدلالة على ما قصدناه :
[ أولها ] ما أخرجه الترمذى فى (( كتاب الجهاد ))(1680) قال :
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ : بَعَثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ إِلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَسْأَلُهُ عَنْ رَايَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : (( كَانَتْ سَوْدَاءَ مُرَبَّعَةً مِنْ نَمِرَةٍ )) .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ . وَأَبُو يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ اسْمُهُ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى )) .
وفى (( علل الترمذى ))(1/277/506) للقاضى أبى طالب : (( قال أبو عيسى : سألت محمداً ـ يعنى البخارى ـ عن هذا الحديث ، فقال : هو حسن )) اهـ .
على أنه فى إسناده : يونس بن عبيد مولى محمد بن القاسم ، قال الحافظ (( التقريب )) (2/385) عنه : (( مقبول من الرابعة )) .
[ ثانيها ] ما أخرجه الترمذى فى (( كتاب البيوع )) قال :(1/117)
حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( غَفَرَ اللهُ لِرَجُلٍ كَانَ قَبْلَكُمْ ، كَانَ سَهْلاً إِذَا بَاعَ ، سَهْلاً إِذَا اشْتَرَى ، سَهْلاً إِذَا اقْتَضَى )) .
قَالَ أبو عيسى : (( هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ )) .
وفى (( علل الترمذى ))(1/197/350) للقاضى أبى طالب : (( قال أبو عيسى : سألت محمدا عن هذا الحديث فقال : هو حديث حسن )) اهـ .
على أنه فى إسناده : زيد بن عطاء بن السائب الثقفى ، قال الحافظ فى (( التقريب )) : (( مقبول من الرابعة )) .
[ ثالثها ] فى (( علل الترمذى ))(1/351/652) للقاضى أبى طالبٍ : (( قال أبوعيسى : حدثنا عبد الله بن أبي زياد حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي حدثنا محمد بن جعفر عن إسماعيل بن صخر الأيلي عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه عن جده قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ جَدِيدَاً غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ ، فَلْيَسمعُهُ مِنْ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ )) ، فلما كان الليل انقلب عمر إلى عبد الله بن مسعود ، يستمع قراءته ، فوجد أبا بكر قد سبقه ، فاستمعا ، فإذا هو يقرأ قراءة مفسرة حرفاً حرفاً .
قال : سألت محمدا عن هذا الحديث ، فقال : هو حديث حسن حدثنا به عبد العزيز الأويسي )).
على أنه فى إسناده : أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، قال الحافظ (( التقريب )) (1/656/8234) : (( مقبول من الرابعة )) .(1/118)
قلت : وقد حسَّن البخارى ، بل وصحَّح الكثير من الأحاديث لجماعة من الرواة الذين يترجم لهم الحافظ ابن حجر بقوله عنهم (( مقبول )) ، بل هذا مذهب كثير من أئمة النقد والتحقيق ، وقد بينته بياناً شافياً كافياً فى :
(( المنهج المأمول ببيان معنى قول ابن حجر مقبول ))
والخلاصة فإن قول ابن حجر : (( مقبول )) على خلاف ما توهمه المتأخرون أنه من ألفاظ التجريح ، سيما وقد قاله عن جماعة من الثقات الذين احتج بهم الشيخان فى (( الصحيحين )) ، وعدَّتهم مائة وخمس من الرواة .
231 : باب فضل من فطَّر صائماً ، وفضل الصائم الذى يؤكل عنده
(1264) عن أم عمارة الأنصارية رضى الله عنها : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا ، فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ طَعَامًا ، فَقَالَ : (( كُلِي )) ، فَقَالَتْ : إِنِّي صَائِمَةٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ الصَّائِمَ تُصَلِّي عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ حَتَّى يَفْرُغُوا )) ، وَرُبَّمَا قَالَ : (( حَتَّى يَشْبَعُوا )) .
رواه الترمذى وقال : حديث حسن .
وذكره الشيخ الألبانى فى (( ضعيف الترمذى )) .
قال أبو محمد : أخرجه الترمذى فى (( كتاب الصوم ))(785) :(1/119)
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ زَيْدٍ قَال سَمِعْتُ مَوْلاةً لَنَا يُقَالُ لَهَا لَيْلَى تُحَدِّثُ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عُمَارَةَ بِنْتِ كَعْبٍ الأَنْصَارِيَّةِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا ، فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ طَعَامًا ، فَقَالَ : (( كُلِي )) ، فَقَالَتْ : إِنِّي صَائِمَةٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ الصَّائِمَ تُصَلِّي عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ حَتَّى يَفْرُغُوا )) ، وَرُبَّمَا قَالَ : (( حَتَّى يَشْبَعُوا )) .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مَوْلاةٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهَا لَيْلَى عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عُمَارَةَ بِنْتِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ (( حَتَّى يَفْرُغُوا أَوْ يَشْبَعُوا )) .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ . وَأُمُّ عُمَارَةَ هِيَ جَدَّةُ حَبِيبِ بْنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ )) .(1/120)
وأخرجه كذلك ابن المبارك (( الزهد ))(1424) ، والطيالسى (1666) ، وابن أبى شيبة (2/333/9616) ، وعلى بن الجعد (( المسند ))(1/136/872) ، وأحمد (6/439) ، وإسحاق بن راهويه (( المسند ))(1/98/2) ، وعبد بن حميد (( المسند ))(1568) ، والدارمى (1738) ، وابن ماجه (1748) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/242/3267) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(6/142/3370) ، وأبو يعلى (13/69/7148) ، وابن حبان (3421) ، وأبو نعيم (( الحلية )) (2/65) ، والبيهقى (( الكبرى ))(4/305) و(( شعب الإيمان ))(3/297/3585) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(35/301) جميعا من طريق حبيب بن زيد سمعت مولاة لنا يقال لها ليلى تحدِّث عن جدتى أم عمارة بنت كعبٍ الأنصارية : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا ، فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ طَعَامًا ، فذكرته .
قلت : هذا إسناد رجاله ثقات كلهم ، غير ليلى الأنصارية ، تفرد بالرواية عنها حبيب بن زيدٍ البصرى ، وقد ذكرها ابن حبان فى (( الثقات ))(5/346/5155) .
وقال الحافظ ابن حجر فى (( التقريب ))(1/753/8679) : (( مقبولة من الثالثة )) .
قلت : فهى فى عداد أوساط التابعيات أمثال :
(1) أسماء بنت عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق .
(2) أمينة بنت أنس بن مالك الأنصارية .
(3) جسرة بنت دجاجة العامرية الكوفية .
(4) و(5) دحيبة وصفية بنتا عليبة العنبريتان .
(6) دقرة بنت غالب الراسبية ، أم عبد الرحمن بن أذينة قاضى البصرة .
(7) الرباب بنت صليع أم الرائح الضبية البصرية .
(8) سائبة ، مولاة الفاكه بن المغيرة المخزومى .
(9) مرجانة أم علقمة بن أبى علقمة ، مولاة عائشة .
(10) مريم بنت إياس بن البكير الليثية .
(11) أم حبيبة بنت العرباض بن سارية السلمية .
(12) أم ذرة المدنية ، مولاة عائشة .
(13) أم سالم بنت مالك الراسبية البصرية .
(14) أم محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان .(1/121)
(15) أم مسكين بنت عاصم بن عمر بن الخطاب القرشية العدوية ، خالة عمر بن عبد العزيز.
فى غيرهن ممن بلغ عددهن (39) تسعاً وثلاثين امرأةً ، وصفهن الحافظ ابن حجر فى (( التقريب )) بقوله : (( مقبولة من الثالثة )) . وقد سبق مراراً بيان توثيق وتعديل الكثيرات منهن ، وذكرنا قول الحافظ الذهبى فى (( الميزان ))(7/465) : (( فصل فى النسوة المجهولات . وما علمت فى النساء من اتهمت ولا من تركوها )) اهـ .
ومما يناسب هذا المقام ، أن نذكر حديثَ امرأتين من طبقتها شبيهتين بها ، وهما : جسرة بنت دجاجة العامرية الكوفية ، ودقرة بنت غالب الراسبية البصرية .
فأما [ الأولى ] فقد أخرج النسائى(( الكبرى ))(5/286/8905) و(( المجتبى ))(7/71) قال : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ـ يَعْنِى ابْنَ مَهْدِى ـ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ فُلَيْتٍ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ صَانِعَةَ طَعَامٍ مِثْلَ صَفِيَّةَ ، أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَاءً فِيهِ طَعَامٌ ، فَمَا مَلَكْتُ نَفْسِي أَنْ كَسَرْتُهُ ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَفَّارَتِهِ ، فَقَالَ : (( إِنَاءٌ كَإِنَاءٍ ، وَطَعَامٌ كَطَعَامٍ )) .
وأخرجه كذلك أحمد (6/148) ، وأبو داود (3568) ، والبيهقى (( الكبرى ))(6/96) من طرق عن الثورى عن فليت العامرى عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة به .(1/122)
قلت : هذا إسناد رجاله موثقون . وفليت العامرى ، ويقال أفلت بن خليفة صدوق ليس بحديثه بأس . قال ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل )) : (( أفلت بن خليفة أبو حسان روى عن جسرة بنت دجاجة . روى عنه : عبد الواحد بن زياد ، وقال الثوري : فليت الذهلي . سمعت أبى يقول ذلك . أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سمعت أبى يقول : فليت العامري ما أرى به بأسا ، وقال حدثنا سريج بن النعمان نا عبد الواحد بن زياد عن أفلت بن خليفة . سألت أبى عن أفلت بن خليفة فقال : شيخ )) .
قال الحافظ الذهبى (( الميزان )) : (( أفلت بن خليفة أبو حسان العامري الكوفي . له عن : جسرة بنت دجاجة . روى عنه : الثوري ، وعبد الواحد بن زياد ، وأبو بكر بن عياش . قال ابن حزم : غير مشهور ولا معروف بالثقة !! . قلت : قال أحمد : ما أرى به بأسا . وقال الدارقطني : صالح . وقال أبو حاتم : شيخ . وذكره ابن حبان في (( الثقات )) اهـ .
وأما جسرة بنت دجاجة العامرية ، فهى تابعية كوفية ثقة ، لها فى (( الكتب الستة )) أربعة أحاديث . قال الحافظ المزى (( تهذيب الكمال ))(35/143/7804) : (( جسرة بنت دجاجة العامرية الكوفية . روت عن : علي بن أبي طالب ، وأبي ذرالغفاري ، وعائشة أم المؤمنين ، وأم سلمة . روى عنها : أفلت بن خليفة العامري ، وعمر بن عمير بن مخدوج وقدامة بن عبد الله العامري ، ومخدوج الذهلي . قال أحمد بن عبد الله العجلي : تابعية ثقة . وذكرها ابن حبان في (( كتاب الثقات )) روى لها أبو داود والنسائي وابن ماجة )) .(1/123)
وأما [ الثانية ] فقد أخرج أحمد (6/140) قال : حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَتْنِي دِقْرَةُ أُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ قَالَتْ : كُنَّا نَطُوفُ بِالْبَيْتِ مَعَ عائشة أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، فَرَأَتْ عَلَى امْرَأَةٍ بُرْدًا فِيهِ تَصْلِيبٌ ، فَقَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ : اطْرَحِيهِ اطْرَحِيهِ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى نَحْوَ هَذَا قَضَبَهُ .
وأخرجه إسحاق بن راهويه (3/1008/1752) ، والنسائى (( الكبرى )) (5/504/9792) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(35/169) كلاهما من طريق هشام بن حسَّان عن ابن سيرين حدثتنى دقرة أم عبد الرحمن بن أذينة قالت : كُنَّا نَطُوفُ بِالْبَيْتِ مَعَ عائشة ... فذكرته ، إلا أن إسحاق بن راهويه قال (( ذفرة )) بالذال المعجمة والفاء الموحدة .
قلت : هذا حديث صحيح ، ورجال هذا الإسناد كلهم ثقات رجال الصحيحين ، خلا دقرة بنت غالب الراسبية ، أم عبد الرحمن بن أذينة قاضى البصرة ، وقد وثقت ، وزعم أبو عمر ابن عبد البر أنها صحابية ، ووهم ابن أبى حاتم فظنَّها رجلاً .
قال الحافظ المزى (( تهذيب الكمال ))(35/168/7834) : (( دقرة بنت غالب الراسبية البصرية ، أم عبد الرحمن بن أذينة قاضي البصرة . روت عن : عائشة . روى عنها : بديل ابن ميسرة ، ومحمد بن سيرين . ذكرها ابن حبان في (( كتاب الثقات )) .(1/124)
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم في أسماء الرجال ـ يعنى من (( الجرح والتعديل )) ـ : دقرة روى عن : عائشة في التصليب . روى عنه : بديل بن ميسرة . كذا قال ، فجعله اسم رجل وذلك وهم منه . وقال الأمير أبو نصر بن ماكولا : باب دقرة وذفرة . أما دقرة ـ بكسر الدال وسكون القاف ـ فهي دقرة أم عبد الرحمن بن أذينة ، روت عن عائشة ، روى عنها ابن سيرين . وأما ذفرة ـ بفتح الذال المعجمة وسكون الفاء والراء ـ فهو خليد بن ذفرة ، روى عنه سيف بن عمر )) اهـ .
وأما الحافظ ابن حجر (( التقريب ))(1/746/8580) فقال : (( ذفرة ـ بالذال المعجمة والفاء الموحدة ـ بنت غالب الراسبية البصرية . وهم من جعلها رجلاً . مقبولة من الثالثة . وقال الدارقطنى : يقال لها صحبة )) اهـ .
قلت : والصحيح من اسمها ما ذكره الأمير النسابة أبو نصر بن ماكولا . وحديثها عن عائشة محفوظ صحيح . فقد أخرجه البخارى فى (( كتاب اللباس ))(4/44. سندى ) قال :
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْه : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلا نَقَضَهُ .
وأخرجه كذلك أحمد (6/252،237،52) ، وابن سعد (( الطبقات ))(1/465،386) ، وأبو داود (4151) ، والنسائى (( الكبرى ))(5/504/9791) ، والبيهقى (( الكبرى )) (7/269) و(( شعب الإيمان ))(5/189/6315) من طرق عن يحيى بن أبى كثير عن عمران ابن حطان عن عائشة به .(1/125)
وأخرجه إسحاق بن راهويه (3/972/1690) قال : أخبرنا معاذ بن هشام صاحب الدستوائي حدثني أبي حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني عمران بن حطان أن عائشة أم المؤمنين حدثته : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ ثَوْبَاً فِيهِ تَصَالِيبُ إِلا نَقَضَهُ ، قال وحدثتني ذفرة قالت : بينما أنا أطوف مع عائشة بالبيت إذ قطر لها ، فقالت : أمعك ثوب ؟ ، فقلت : نعم ، فقالت : أفيه تصليب ؟ فقلت : نعم ، فأبت أن تلبسه .
234 : باب فضل الجهاد
(1291) عن عثمان رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : (( رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ )) .
رواه الترمذى وقال : حديث حسن صحيح .
وذكره الشيخ الألبانى فى (( ضعيف الجامع ))(3084) .
قال أبو محمد : أخرجه الترمذى فى (( كتاب فضائل الجهاد ))(1667) قال :
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلالُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى عُثْمَانَ قَال سَمِعْتُ عُثْمَانَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : إِنِّي كَتَمْتُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرَاهِيَةَ تَفَرُّقِكُمْ عَنِّي ، ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ لِيَخْتَارَ امْرُؤٌ لِنَفْسِهِ مَا بَدَا لَهُ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ )) .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ . و قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ : أَبُو صَالِحٍ مَوْلَى عُثْمَانَ اسْمُهُ تُرْكَانُ )) .(1/126)
وأخرجه كذلك الطيالسى (87) ، وابن أبى شيبة (4/218/19455) ، وأحمد (1/65،75) ، والدارمى (2424) ، والبخارى (( التاريخ الكبير ))(2/148/2005) ، والنسائى (( الكبرى ))(3/27/4377) ، والبزار (2/63/406) ، وابن أبى عاصم (( كتاب الجهاد ))(2/685/299) ، وابن حبان (4590) ، والحاكم (2/143) ، والمقدسى (( الأحاديث المختارة ))(1/451/325،326) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(33/421) جميعا من طريق أبى عقيل زهرة بن معبد عن أبى صالح مولى عثمان سمعت عثمان وهو على المنبر يقول : إنِّى كتمتكم حديثاً سمعته من رسول الله صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم كراهية تفرقكم عنِّى ... فذكره .
وقال أبو عبد الله الحاكم : (( هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه )) ، وأقره الذهبى .
قلت : وهو كما قالا ، هذا إسناد رواته ثقات كلهم ، وأبو صالح مولى عثمان اسمه الحارث ، قاله ابن أبى حاتم وابن حبان والدارقطنى . وقيل : اسمه بركان ، قاله البخارى . وهو ثقة . وثَّقه العجلى فى (( معرفة الثقات ))(2/408/2177) ، وابن حبان فى (( الثقات )) (4/84/1936) .
قال البخارى (( التاريخ الكبير ))(2/148/2005) : (( بركان ـ بالباء الموحدة التحتية ـ أبو صالح مولى عثمان بن عفان القرشي الأموي . عن أبي هريرة . قال لنا يحيى بن عبد الله أخبرنا عبد الله عن أبي معنٍ ثنا أبو عقيل عن أبي صالح قال عثمان سمعت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول : (( رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ )) اهـ .
وقال الحافظ فى (( تهذيب التهذيب ))(12/146/619) : (( أبو صالح مولى عثمان مصري اسمه الحارث ، ويقال : تركان . روى عن : مولاه عثمان في (( فضل الرباط )) . وعنه أبو عقيل زهرة بن معبد .(1/127)
قلت : ذكره ابن حبان في (( الثقات )) . وقال العجلي فى (( معرفة الثقات )) : روى عنه زهرة بن معبد والمصريون ، ثقة . وجزم الدارقطني والرامهرمزي وابن حبان بأن اسمه الحارث )) اهـ .
قلت : قوله فى اسمه (( تركان )) بالتاء المثناة تصحيف ، وإنما هو بركان ـ بالباء الموحدة التحتية ـ . هكذا سمَّاه البخارى فى (( تاريخه )) كما سبق .
وقال ابن عبد الغنى البغدادى فى (( تكملة الإكمال ))(1/261) : (( باب بركان وتركان . أما الأول بالباء المعجمة بواحدة فهو :
بركان أبو صالح مولى عثمان بن عفان القرشي الأموي عن أبي هريرة . ذكره البخاري في (( تاريخه )) في الواحد من باب الباء .
وأما تركان بضم التاء المعجمة فهو :
( الأول ) سعيد بن تركان أبو جعفر الصوفي ، سمع الجنيد بن محمد وروى عنه . ذكره الخطيب في (( تاريخه )) .
( الثانى ) أبو بكر محمد بن سعد بن أحمد بن تركان التوثي ، حدث عن نصر بن أحمد بن البطر . حدث عنه أبو موسى الأصبهاني في (( معجمه )) .
( الثالث ) أبو القاسم الفضل بن الحسين بن محمد بن تركان الواسطي ، حدث بها عن أبي محمد الحسن بن أحمد الغندجاني . روى عنه : أبو العباس هبة الله بن نصر الله بن الجلخت ، وأبو الفرج أحمد بن المبارك بن نغويا ، وأبو القاسم علي بن صالح بن الجواني العلوي الواسطيون .
( الرابع ) أبو يعلى محمد بن سعد بن محمد بن تركان المقرىء . قرأ على أبي العز القلانسي وأقرأ عنه . قرأ عليه : أبو الفتح محمد بن أحمد ابن المندائي ، ويحيى بن الربيع الفقيه في آخرين )) اهـ .
قلت : والأصح من اسمى أبى صالح مولى عثمان : الحارث . فقد سمَّاه هكذا أبو عقيل زهرة بن معبد فى روايةٍ ثانيةٍ عنه .(1/128)
أخرجها أحمد (1/71) قال : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ أَنْبَأَنَا أَبُو عَقِيلٍ أَنَّهُ سَمِعَ الْحَارِثَ مَوْلَى عُثْمَانَ يَقُولُ : جَلَسَ عُثْمَانُ يَوْمًا وَجَلَسْنَا مَعَهُ ، فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ ، فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ ـ أَظُنُّهُ سَيَكُونُ فِيهِ مُدٌّ ـ فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ وُضُوئِي هَذَا ، ثُمَّ قَالَ : (( وَمَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى صَلَاةَ الظُّهْرِ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصُّبْحِ ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلاةِ الظُّهْرِ ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلاةِ الْعَصْرِ ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ، ثُمَّ لَعَلَّهُ أَنْ يَبِيتَ يَتَمَرَّغُ لَيْلَتَهُ ، ثُمَّ إِنْ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الصُّبْحَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلاةِ الْعِشَاءِ ، وَهُنَّ الْحَسَنَاتُ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ )) ، قَالُوا : هَذِهِ الْحَسَنَاتُ فَمَا الْبَاقِيَاتُ يَا عُثْمَانُ ؟ ، قَالَ : هُنَّ لا إِلَهَ إِلا اللهُ ، وَسُبْحَانَ اللهِ ، وَالْحَمْدُ للهِ ، وَاللهُ أَكْبَرُ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ .
وأخرجه كذلك البزار (2/62/405) ، والطبرى (( التفسير ))(12/132) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(3/43/2817) ، والضياء (( الأحاديث المختارة ))(1/451:449/324،323) من طرق عن أبى عقيل زهرة بن معبد عن الحارث مولى عثمان عن مولاه بنحوه .
قلت : وهذا حديث صحيح محفوظ من وجوه عن عثمان . وهذا الإسناد صحيح رجاله ثقات كلهم ، وقد أخطأ من ظنَّ أن الحارث وأبا صالحٍ رجلين .(1/129)
ولعله من نوافل الإفادة أن نذكر ثمانية من موالى عثمان بن عفان رضى الله عنه :
(1) الحارث أبو صالح . الآنف ذكره .
(2) حمران بن أبان . قال فى (( تهذيب الكمال ))(7/301) : (( حمران بن أبان ويقال : ابن أبا بن خالد بن عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن جذيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى النمري المدني ، مولى عثمان بن عفان . من سبي عين التمر كان للمسيب بن نجبة ، فابتاعه منه عثمان ، فأعتقه . أدرك أبا بكر ، وعمر . وروى عن : مولاه عثمان بن عفان ، ومعاوية بن أبي سفيان . روى عنه : بكير بن عبد الله بن الأشج ، وبيان بن بشر الأحمسي ، وأبو صخرة جامع بن شداد ، والحسن البصري وزيد بن أسلم ، وأبو وائل شقيق بن سلمة ، وعبد الله بن دارة مولى عثمان ، وعبد الملك ابن عبيد ، وعثمان بن عبد الله بن موهب ، وعروة بن الزبير ، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني ، وعطاء ابن يزيد الليثي ، وعيسى بن طلحة بن عبيد الله ، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، ومحمد بن المنكدر ، ومسلم بن يسار ، والمطلب بن عبد الله بن حنطب ، ومعاذ بن عبد الرحمن التيمي ، ومعبد الجهني ، وموسى بن طلحة بن عبيد الله ، ونافع مولى ابن عمر ، والوليد بن مسلم العنبري ، وأبو التياح يزيد بن حميد الضبعي ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .
قال محمد بن إسحاق عن صالح بن كيسان : حمران مولى عثمان من سبي عين التمر ، سباه خالد بن الوليد ، ومن تلك السبايا أفلح مولى أبي أيوب .
وقال أبو سفيان الحميري عن أيوب أبي العلاء عن قتادة : إن حمران بن أبان كان يصلي مع عثمان بن عفان ، فإذا أخطأ فتح عليه )) اهـ بتصرف .
وحمران أنبل وأوثق وأثبت موالى عثمان ، وقد احتج به الشيخان . وجملة أحاديثه فى (( الكتب الستة )) أربعة أحاديث : ثلاثة عن مولاه ، ورابعها عن معاوية بن أبى سفيان .(1/130)
[ الحديث الأول ] أخرجه البخارى (1/42. سندى ) قال : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْد ِاللهِ الأُوَيْسِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ : أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِإِنَاءٍ ، فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاثَ مِرَارٍ ، فَغَسَلَهُمَا ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا ، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثَ مِرَارٍ ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاثَ مِرَارٍ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) . وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَلَكِنْ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ عَنْ حُمْرَانَ : فَلَمَّا تَوَضَّأَ عُثْمَانُ قَالَ : أَلا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا لَوْلَا آيَةٌ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( لا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ يُحْسِنُ وُضُوءَهُ ، وَيُصَلِّي الصَّلاةَ ؛ إِلا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاةِ حَتَّى يُصَلِّيَهَ )) ، قَالَ عُرْوَةُ : الآيَةَ (( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَات )) .
وأخرجه البخارى كذلك (1/43،331. سندى ) ، ومسلم (3/110:105. نووى ) من طرق عن الزهرى عن عطاء بن يزيد الليثى عن حمران عن مولاه بنحوه . وله طرق عن حمران يطول ذكر تخريجاتها .(1/131)
[ الحديث الثانى ] أخرجه مسلم (1/218. نووى ) قال : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ عَنْ خَالِدٍ ـ يَعْنِى الحذَّاءَ ـ قَالَ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ حُمْرَانَ عَنْ عُثْمَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ مَاتَ ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ ، دَخَلَ الْجَنَّةَ )) .
[ الحديث الثالث ] أخرجه الترمذى قال : حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا حُرَيْثُ بْنُ السَّائِبِ قَال سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ حَدَّثَنِي حُمْرَانُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : (( لَيْسَ لابْنِ آدَمَ حَقٌّ فِي سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ : بَيْتٌ يَسْكُنُهُ ، وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ ، وَجِلْفُ الْخُبْزِ ، وَالْمَاءِ )) .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )) .
[ الحديث الرابع ] أخرجه البخارى (1/111. سندى ) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ : إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلاةً لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا ، وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا ـ يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ ـ .(1/132)
(3) زيد بن دارة أو عبد الله بن دارة . قال البخارى (( التاريخ الكبير ))(3/393/1309) : (( زيد بن دارة مولى عثمان بن عفان القرشي . قال مسدد حدثنا صفوان بن عيسى سمع محمد ابن عبد الله بن أبي مريم سمع ابن دارة مولى عثمان أنَّه رأى عثمان توضأ ثلاثا ثلاثا ، وقال : من أحب أن ينظر إلى وضوء النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فلينظر )) .
وكذا ذكره ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(3/563/2544) ، فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(4/247/2744) .
وذكره ابن منده فى (( الصحابة )) كما فى (( الإصابة ))(5/86/6318) ، وسمَّاه عبد الله ، وقال : أدرك النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ولم يذكر دليلاً يثبت صحبته ! .
وذكره ابن سعد فى التابعين من (( الطبقات الكبرى ))(5/311) ، وسمَّاه عبيد الله ، فلا أدرى أهكذا ذكره أم أنَّه تصحيف ؟! .
أخرج حديثه أحمد (1/61) قال : حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ دَارَةَ مَوْلَى عُثْمَانَ ، فَسَمِعَنِي وأنا أُمَضْمِضُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ ، قَالَ : أَلا أُخْبِرُكَ عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : رَأَيْتُ عُثْمَانَ رَضِي الله عَنْه وَهُوَ بِالْمَقَاعِدِ ، دَعَا بِوَضُوءٍ ، فَمَضْمَضَ ثَلَاثًا ، وَاسْتَنْشَقَ ثَلاثًا ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا ، وَذِرَاعَيْهِ ثَلاثًا ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلاثًا ، وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : (( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وُضُوءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَهَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) .(1/133)
وأخرجه كذلك البزار (2/66/409) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(1/36) ، والدارقطنى (1/91/4) ، والبيهقى (( الكبرى ))(1/62) ، والضياء (( الأحاديث المختارة )) (1/492/364) من طريق صفوان بن عيسى عن محمد بن عبد الله بن أبى مريم عن ابن دارة عن عثمان .
ومحمد بن عبد الله بن أبى مريم الخزاعى ، قال ابن أبى حاتم : سألت أبى عنه فقال : شيخ مدينى صالح الحديث . وقال على بن المدينى عن يحيى القطان : لم يكن به بأس .
وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(7/419/10695) .
(4) عبد الله بن أبى سليمان أبو أيوب ، ويقال سليمان أبو أيوب .
قال ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(4/151/649) : (( سليمان أبو أيوب مولى عثمان ابن عفان . روى عن أبى هريرة . روى عنه : أبو المقدام هشام بن زياد ، والخزرج بن عثمان بياع السابري ، وخلف بن إسماعيل الخزاعي . سمعت أبى يقول ذلك )) . ثم قال (5/75/353) : (( عبد الله بن أبى سليمان ، أبو أيوب مولى عثمان بن عفان القرشي . روى عن أبى هريرة . روى عنه : حماد بن سلمة ، وأبو المقدام هشام بن زياد ، وإسحاق بن عثمان ، وخلف بن إسماعيل الخزاعي ، وخزرج بن عثمان . وروى أبو سلمة عن خزرج ابن عثمان السعدي عن أبى أيوب سليمان مولى عثمان عن أبى هريرة . والصحيح عبد الله ابن أبى سليمان كما قاله حماد بن سلمة ، سمعت أبى يقول ذلك . وسألته عنه فقال : كان من أكابر أصحاب حماد بن سلمة ، قلت : أيش حاله ؟ ، فقال شيخ )) .(1/134)
أخرج أحمد (2/484،483) قال : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا الْخَزْرَجُ بْنُ عُثْمَانَ السَّعْدِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ مَوْلًى لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( قِيدُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا ، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا ، وَلَنَصِيفُ امْرَأَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا )) ، قَالَ : قُلْتُ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا النَّصِيفُ ؟ ، قَالَ : الْخِمَارُ .
حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا الْخَزْرَجُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : دَخَلْتُ مَعَهُ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَرَأَى غُلامًا ، فَقَالَ لَهُ : يَا غُلامُ اذْهَبِ الْعَبْ ، قَالَ : إِنَّمَا جِئْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ ، قَالَ : يَا غُلامُ اذْهَبِ الْعَبْ ، قَالَ : إِنَّمَا جِئْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ ، قَالَ : فَتَقْعُدُ حَتَّى يَخْرُجَ الإِمَامُ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( إِنَّ الْمَلائِكَةَ تَجِيءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَتَقْعُدُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ ، فَيَكْتُبُونَ السَّابِقَ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ ، وَالنَّاسَ عَلَى مَنَازِلِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ الإِمَامُ ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طُوِيَتِ الصُّحُفُ )) .(1/135)
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي الْخَزْرَجُ ـ يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ السَّعْدِيَّ ـ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَوْلَى عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ، فَلا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ )) .
حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا الْخَزْرَجُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : أَوْصَانِي أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلِيلِي بِثَلاثٍ لا أَدَعُهُنَّ : الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَصَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَالْوَتْرُ قَبْلَ النَّوْمِ .
قلت : والأربعة الأحاديث لوائح الصحة بادية عليها كلها ، وأسانيدها متصلة جياد . الخزرج ابن عثمان أبو الخطاب السعدى ، قال ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(3/404) : (( ذكر أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال : الخزرج بن عثمان السعدي صالح )) .
وفى (( تهذيب الكمال ))(8/241) : (( الخزرج بن عثمان السعدي أبو الخطاب البصري بياع السابري . روى عن أبي أيوب سليمان ، وقيل عبد الله بن أبي سليمان مولى عثمان بن عفان روى عنه : إبراهيم بن الحجاج السامي ، وعبد الصمد بن عبد الوارث ، وأبو عبيدة عبد الواحد بن واصل الحداد ، وأبو سلمة موسى بن إسماعيل ، ويونس بن محمد المؤدب . قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين : صالح . وقال الآجري عن أبي داود : شيخ بصري . وذكره ابن حبان في (( كتاب الثقات )) . روى له البخارى فى (( الأدب )) .
(5) طارق بن عمرو الأموى ، أمير المدينة لعبد الملك بن مروان .(1/136)
قال فى (( تهذيب الكمال ))(13/348/2953) : (( طارق بن عمرو الأموي المكي قاضي مكة ، ويقال : قاضي المدينة ، مولى عثمان بن عفان . سمع من جابر بن عبد الله حديث العمرى للوارث . روى عنه : حميد بن قيس الأعرج ، وحكى عنه سليمان بن يسار وغيره . قال أبو زرعة : ثقة . وقال محمد بن سعد عن الواقدي : وفيها ـ يعني سنة ثلاث وسبعين ـ ولى عبد الملك بن مروان طارق بن عمرو مولى عثمان المدينة ، فوليها خمسة أشهر. وقال خليفة بن خياط : في آخر سنة اثنتين وسبعين غلب عليها ـ يعني المدينة ـ طارق بن عمرو مولى عثمان ، ودعا إلى بيعة عبد الملك حين قتل مصعب بن الزبير ، فأخرج عنها طلحة بن عبد الله بن عوف وكان واليا لابن الزبير ، ثم عزله في آخر سنة ثلاث وسبعين ، وولى الحجاج بن يوسف . روى له مسلم وأبو داود )) .
وزاد الحافظ ابن حجر (( تهذيب التهذيب ))(5/6/9) : (( عاب ابن عساكر على ابن أبي حاتم ما ذكره في ترجمة طارق بن عمرو ، فقال : وهم ابن أبي حاتم من وجوه :
( أحدها ) قوله قاضي مكة ، وإنما كان ذلك بالمدينة .
( الثاني ) في قوله روى عن جابر ، وإنما قضى بقوله .
( الثالث ) قوله روى عنه سليمان ، وإنما حكى فعله ـ يعني أن سليمان بن يسار روى الحديث عن جابر بلا واسطة .
قلت : ويؤيد ذلك ويزيده إيضاحا ما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال : أعمرت امرأة بالمدينة حائطا لها ابنا لها ، ثم توفي وترك ولدا ، وتوفيت بعده ، وتركت ولدين آخرين ، فقال ولدا المعمرة : رجع الحائط إلينا ، وقال ولد المعمر : بل كان لأبينا حياته وموته ، فاختصموا إلى طارقٍ مولى عثمان ، فدخل جابر ، فشهد على رسول الله بالعمري لصاحبها ، فقضى بذلك طارق ، ثم كتب إلى عبد الملك ، فأخبره بذلك وأخبره بشهادة جابر ، فقال عبد الملك : صدق جابر ، فأمضي ذلك .(1/137)
وساق بن عساكر من طريق الواحدي بسنده عن جابر بن عبد الله قال : نظرت إلى أمور كلها أتعجب منها ، عجبت لمن سخط ولاية عثمان حتى ابتلوا بطارق مولاه على منبر رسول الله وقال أبو الفرج الأموي كان طارق من ولاة الجور وقال عمر بن عبد العزيز لما ذكره الحجاج وقرة بن شريك ، وكانوا إذ ذاك ولاة الأمصار : امتلأت الأرض جورا . وذكر الواقدي بسنده : أنَّ عبد الملك جهز طارقا في ستة آلاف إلى قتال من بالمدينة من جهة بن الزبير ، فقصد خيبر فقتل بها ستمائة . وقال خليفة بن خياط : بعثه عبد الملك إلى المدينة فغلب له عليها وولاه إياها سنة 72 ، ثم عزله في سنة 73 ، وولي الحجاج بن يوسف )) اهـ .
أخرج حديثه مسلم فى (( كتاب الهبات )) من (( الصحيح )) قال : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَإِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ قَالا : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : أَعْمَرَتِ امْرَأَةٌ بِالْمَدِينَةِ حَائِطًا لَهَا ابْنًا لَهَا ، ثُمَّ تُوُفِّيَ ، وَتُوُفِّيَتْ بَعْدَهُ وَتَرَكَتْ وَلَدًا ، وَلَهُ إِخْوَةٌ بَنُونَ لِلْمُعْمِرَةِ ، فَقَالَ وَلَدُ الْمُعْمِرَةِ : رَجَعَ الْحَائِطُ إِلَيْنَا ، وَقَالَ بَنُو الْمُعْمَرِ : بَلْ كَانَ لأَبِينَا حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى طَارِقٍ مَوْلَى عُثْمَانَ ، فَدَعَا جَابِرًا ، فَشَهِدَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَى لِصَاحِبِهَا ، فَقَضَى بِذَلِكَ طَارِقٌ ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَأَخْبَرَهُ ذَلِكَ ، وَأَخْبَرَهُ بِشَهَادَةِ جَابِرٍ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ : صَدَقَ جَابِرٌ ، فَأَمْضَى ذَلِكَ طَارِقٌ .(1/138)
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ : أَنَّ طَارِقًا قَضَى بِالْعُمْرَى لِلْوَارِثِ ، لِقَوْلِ جَابِرِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
(6) هانئ أبو سعيد البربري الدمشقى .
قال فى (( تهذيب الكمال ))(30/147/6550) : (( هانئ أبو سعيد البربري مولى عثمان بن عفان ، كانت له دار بدمشق ثم سوق الأحد . روى عن : جري بن الحارث مولى عمر بن الخطاب ، ومولاه عثمان بن عفان . روى عنه : سليمان بن يثربي ، وعبد الله بن بحير بن ريسان القاص . قال النسائي : ليس به بأس . وذكره ابن حبان في (( كتاب الثقات )) (5/509) . وقال محمد بن سعد : كان ذاهب البصر ، وقد انتسب ولده بعد قتل عثمان في همدان . روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه )) اهـ.
وقال الحافظ (( التقريب ))(1/570/7266) : (( هانئ البربري أبو سعيد مولى عثمان . صدوق من الثالثة )) .(1/139)
أخرج حديثه الترمذى (2230) قال : حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ بَحِيرٍ أَنَّهُ سَمِعَ هَانِئًا مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ : كَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ ، بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ ، فَقِيلَ لَهُ : تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلا تَبْكِي ، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا ؟ ، فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الآخِرَةِ ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ )) ، قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلا الْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ )) .
قَالَ أبو عيسى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ )) .
وأخرجه كذلك أحمد (1/63) ، والبخارى (( التاريخ الكبير ))(8/229) ، وابن ماجه (4267) ، وعبد الله بن أحمد (( السنة ))(1425) ، والبزار ((444) ، والحاكم (1/371) ، وأبو نعيم (( حلية الأولياء ))(1/61) ، والبيهقى (( الكبرى ))(4/56) و(( شعب الإيمان )) (7/352/10553) ، والقضاعى (( مسند الشهاب ))(248،247) ، والضياء (( المختارة )) (1/523/390،389) من طرق عن هشام بن يوسف عن عبد الله بن بحير القاص أنه سمع هانئاً مولى عثمان عن عثمان به .(1/140)
وأخرج له أبو داود (2804) قال : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَحِيرٍ عَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ ، وَقَفَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : (( اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ ، فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ )) .
وأخرجه كذلك البزار ((445) ، والحاكم (1/370) ، والضياء (( المختارة )) (1/522/388) من طريق هشام بن يوسف بإسناده السالف .
وقال أبو بكر البزار : (( وهذان الحديثان لا يرويان عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلا من حديث عثمان ، ولا نعلم لهما إسناداً عن عثمان إلا هذا الإسناد )) .
قلت : والحديثان صحيحان ، رجالهما ثقات كلهم ، وصححهما أبو عبد الله الحاكم ، والضياء .
(7) يوسف القرشى ، والد محمد بن يوسف .
قال الحافظ المزى فى (( تهذيب الكمال ))(32/486/7169) : (( يوسف القرشي الأموي المدني ، والد محمد بن يوسف مولى عثمان بن عفان . روى عن : مولاه عثمان بن عفان ، ومعاوية بن أبي سفيان . روى عنه : ابنه محمد بن يوسف . قال النسائي فيما قرأت بخطه : يوسف هذا ليس بالمشهور . وذكره بن حبان في (( كتاب الثقات ))(5/551/6190) . روى له النسائي حديثا ، وابن ماجة آخر وقد كتبناهما في ترجمة ابنه محمد بن يوسف )) اهـ .
وقال (( تهذيب الكمال ))(27/61/5717) : (( محمد بن يوسف القرشي المدني مولي عثمان ابن عفان ، وقيل : مولى عمرو بن عثمان بن عفان . روى عن : أبيه يوسف . روى عنه : إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، وبكير بن عبد الله بن عثمان ، وعبد الملك بن جريج ، ومحمد ابن عجلان ، ويحيى بن سعيد الأنصاري . قال أبو حاتم : ثقة . وكذلك قال الدارقطني وزاد : وأبوه لا بأس به . وذكره ابن حبان في (( كتاب الثقات )) .(1/141)
قال الإمام أحمد (4/100) : حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( مَنْ نَسِيَ شَيْئًا مِنْ صَلاتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ )) .
وقال (4/100) : حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ عَجْلانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ مَوْلَى عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ يُوسُفَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ : أَنَّهُ صَلَّى أَمَامَهُمْ ، فَقَامَ فِي الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ ، فَسَبَّحَ النَّاسُ ، فَتَمَّ عَلَى قِيَامِهِ ، ثُمَّ سَجَدْنَا سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ؛ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّ الصَّلاةَ ، ثُمَّ قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( مَنْ نَسِيَ مِنْ صَلاتِهِ شَيْئًا فَلْيَسْجُدْ مِثْلَ هَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ )) .
وأخرجه النسائى (( الكبرى ))(1/207/594) و(( المجتبى ))(3/33) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(27/62) كلاهما من طريق الليث عن ابن عجلان عن محمد بن يوسف عن أبيه عن معاوية .
وأخرجه الطحاوى (( شرح المعانى ))(1/439) ، والطبرانى (( الكبير ))(19/336/774) ، والبيهقى (( الكبرى ))(2/334) من طريق عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله الأشج عن ابن عجلان بإسناده نحوه .
وأخرجه الطحاوى (( شرح المعانى ))(1/439) ، والطبرانى (( الكبير ))(19/336/773) ، كلاهما من طريق سعيد بن أبي مريم ثنا يحيى بن أيوب وابن لهيعة قالا ثنا ابن عجلان .(1/142)
وأخرجه الطبرانى (( الكبير ))(19/335/772) قال : حدثنا إدريس بن جعفر العطار ثنا روح ابن عبادة ثنا ابن جريج عن محمد بن يوسف عن أبيه عن معاوية أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( من نسي من صلاته شيئا فليسجد سجدتين وهو جالس )) .
قلت : والحديث صحيح ثابت بمجموع هذه الطرق والروايات .
(8) أبو سهلة ، وقيل : أبو شهلة .
قال الإمام مسلم (( المنفردات والوحدان )) : (( وممن تفرد عنه قيس بن أبى حازم ممن دون الصحابة : أبو سهلة مولى عثمان بن عفان )) . وكذلك جعله فى التابعين : البخارى ، والعجلى ، وابن حبان ، وابن حجر حيث قال (( التقريب ))(1/646) : (( ثقة من الثالثة )) ، ثم أعاد ذكره فى (( الإصابة فى معرفة الصحابة ))(7/201) !!.
وقال الحافظ المزى فى (( تهذيب الكمال ))(33/390/7418) : (( أبو سهلة مولى عثمان ابن عفان . روى عن : مولاه عثمان بن عفان ، وعائشة أم المؤمنين . روى عنه : قيس بن أبي حازم . قال أبو زرعة : لا أعرف اسمه . وقال العجلي : تابعي ثقة . وذكره ابن حبان في (( كتاب الثقات )) . وقال محمد بن بشر العبدي عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم : أبو شهلة ـ بالشين المعجمة ـ ، قال الدارقطني : صحف ، والصواب بالسين المهملة ، كذلك رواه يحيى بن سعيد القطان ووكيع وإبراهيم بن حميد وزيد بن أبي أنيسة وأبو أسامة وعثام بن علي وأبو معاوية الضرير وغيرهم عن إسماعيل . روى له الترمذي )) .
قلت : وفات الحافظ المزى أن ابن ماجه روى حديثه بأطول من رواية الترمذى وأبين .(1/143)
فقد أخرجه الترمذى ( 3644 ) قال : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ حَدَّثَنَا أَبِي وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَهْلَةَ قَالَ : قَالَ عُثْمَانُ يَوْمَ الدَّارِ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا ، فَأَنَا صَابِرٌ عَلَيْهِ .
قالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ، لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيل بْنِ أَبِي خَالِدٍ )) .
وأخرجه ابن ماجه (110) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ : (( وَدِدْتُ أَنَّ عِنْدِي بَعْضَ أَصْحَابِي )) ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ألا نَدْعُو لَكَ أَبَا بَكْرٍ ، فَسَكَتَ ، قُلْنَا : أَلا نَدْعُو لَكَ عُمَرَ ، فَسَكَتَ ، قُلْنَا : أَلا نَدْعُو لَكَ عُثْمَانَ ، قَالَ : (( نَعَمْ )) ، فَجَاءَ ، فَخَلا بِه ،ِ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمُهُ ، وَوَجْهُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ ، قَالَ قَيْسٌ فَحَدَّثَنِي أَبُو سَهْلَةَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ يَوْمَ الدَّارِ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا ، فَأَنَا صَائِرٌ إِلَيْهِ . قَالَ قَيْسٌ : فَكَانُوا يُرَوْنَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ .(1/144)
وأخرجه كذلك ابن سعد (( الطبقات ))(3/67) ، وابن أبى شيبة (7/515/37657) ، وأحمد (1/69،57) ، والبزار (402) ، وابن أبى عاصم (( كتاب السنة ))(1175) ، والخلال (( السنة ))(419) ، وابن حبان (6918) ، وأبو نعيم (( حلية الأولياء ))(1/58) ، والخطيب (( التاريخ )) (6/335) ، والضياء (( المختارة ))(1/525/392،391) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(33/390) من طرق عن إسماعيل بن أبى خالد عن قيس ثنى أبو سهلة .
قلت : وهذا حديث صحيح غاية ، رجاله ثقات كلهم ، على أن أبا سهلة مولى عثمان قد تفرد بالرواية عنه : قيس بن أبى حازم ، فما وجه الاختلاف بينه وبين أبى صالح الآنف ذكره ؟؟! .(1/145)
157 : باب ما يقرأ فى صلاة الجنازة
(936) عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النَّبىِّ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الصلاة على الجنازة : (( اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبُّهَا ، وَأَنْتَ خَلَقْتَهَا ، وَأَنْتَ هَدَيْتَهَا لِلإِسْلامِ ، وَأَنْتَ قَبَضْتَ رُوحَهَا ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهَا وَعَلانِيَتِهَا ، جِئْنَاكَ شُفَعَاءَ فَاغْفِرْ لَهُ )) . رواه أبو داود . وذكره الشيخ الألبانى فى (( ضعيف أبى داود )) .
وقال أبو محمد الألفى : أخرجه أبو داود (2785) قال : حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَبُو الْجُلاسِ عُقْبَةُ بْنُ سَيَّارٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ شَمَّاخٍ قَالَ شَهِدْتُ مَرْوَانَ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَةِ : قَالَ : أَمَعَ الَّذِي قُلْتَ ؟ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : كَلامٌ كَانَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : (( اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبُّهَا ، وَأَنْتَ خَلَقْتَهَا ، وَأَنْتَ هَدَيْتَهَا لِلإِسْلامِ ، وَأَنْتَ قَبَضْتَ رُوحَهَا ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهَا وَعَلانِيَتِهَا ، جِئْنَاكَ شُفَعَاءَ فَاغْفِرْ لَهُ )) .
قَالَ أَبو دَاود : أَخْطَأَ شُعْبَةُ فِي اسْمِ عَلِيِّ بْنِ شَمَّاخٍ ؛ قَالَ فِيهِ : عُثْمَانُ بْنُ شَمَّاسٍ .
وأخرجه كذلك أحمد (2/363،345) ، والنسائى (( الكبرى ))(6/266/10917) و(( عمل اليوم والليلة ))(1078) ، والبيهقى (( الكبرى ))(4/42) ، والمزى (( تهذيب الكمال )) (20/462) من طرق عن أبى الجلاس عقبة بن سيار عن على شماخ قال : شهدت مروان سأل أبا هريرة فذكره .(1/1)
قلت : هذا إسناد رجاله ثقات كلهم ؛ غير على بن شماخ السلمى ، وقد ذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(5/163/4380) ، وذكره ابن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل )) (6/190/1044) ، فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
وقال ابن حجر فى (( التقريب ))(1/402/4746) : (( مقبول من الثالثة )) ، يعنى من أوساط التابعين أمثال : الحسن البصرى ، وابن سيرين ، وأبى الشعثاء جابر بن زيد ، وسليمان بن يسار ، ومجاهد بن جبر ، ونافع بن جبير بن مطعم ، وأضرابهم .
وبناءً على قاعدة الحافظ الذهبى (( وأما المجهولون من الرواة ، فإن كان من كبار التابعين أو أوساطهم ؛ احتمل حديثه وتلقى بحسن الظن ؛ إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ )) ؛ فهو ثقة محتج به ، على أن أرجح المذاهب فى التابعى المجهول الذى لم يذكر أحد من أهل الجرح والتعديل فيه جرحاً ولا تعديلا قبول روايته والاحتجاج بها .
ومن نوافل الإفادة ، الإعلام بأن الحافظ أطلق هذا القول (( مقبول من الثالثة )) على جماعة ممن احتجا بهم فى (( الصحيحين )) ، وتمام عدتهم فى (( تقريبه )) : ثلاثون نفساً .
ونزيدك إيضاحاً وتبصيراً ، لنصرفك عن تعاطى الأراء الخاطئة فى تأويل مقال ابن حجر ، فنذكر نماذجَ خمسةً للدلالة على ما قصدناه :
[ أولها ] ما أخرجه البخارى فى (( كتاب الطلاق )) قال :
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى ابْنِ الأَرْقَمِ أَنْ يَسْأَلَ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ : كَيْفَ أَفْتَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ ، فَقَالَتْ : أَفْتَانِي إِذَا وَضَعْتُ أَنْ أَنْكِحَ .(1/2)
وأخرجه كذلك مسلم (10/110:108. نووى ) ، وأبو داود (2306) ، والنسائى (( الكبرى ))(3/390/5714) و(( المجتبى ))(6/196) ، وأبو عوانة (( المسند )) (3/189/4644) ، وابن حبان (4280) ، والطبرانى (( الكبير ))(24/294/748) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/172/3514) ، والبيهقى (( الكبرى ))(7/428) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(20/36) من طرق عن الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهرى أن يسأل سبيعة الأسلمية : كيف أفتاها النَّبىِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ بنحوه .
قلت : فهذا حديث صحيح غاية ، رجال إسناده ثقات كلهم ، ومنهم (( عمر بن عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري المدني ، وكان أبوه من كتَّاب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . روى عن : سبيعة الأسلمية . روى عنه : عبد الله بن عتبة ابن مسعود ، وابنه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود . روى له : البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي )) قاله فى (( تهذيب الكمال ))(21/407/4264) .
وفات الحافظ المزى أن ليس له فى (( الكتب الستة )) غير هذا الحديث الواحد .
وقال عنه ابن حجر (( التقريب ))(1/414/4927) : (( مقبول من الثالثة )) . أفليس يحمل قوله (( مقبول )) على توثيقه إياه مع علمه بأن الشيخين قد خرجا حديثه ؟! .
[ ثانيها ] ما أخرجه مسلم فى (( كتاب الحج )) قال :
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالا أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ .(1/3)
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ قَالا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ حَدَّثَنِي ـ وَفِي رِوَايَةِ الْحُلْوَانِيِّ قَالَ سَمِعْتُ ـ جَعْفَرَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ ، قَدْ أَرْخَى طَرَفَيْهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ .
وَلَمْ يَقُلْ أَبُو بَكْرٍ : عَلَى الْمِنْبَرِ .
وأخرجه كذلك الحميدى (566) ، وابن أبى شيبة ( 5/180،178/24980،24950) ، وأحمد (4/307) ، وأبو داود (4077) ، وابن سعد (( الطبقات ))(1/455) ، والنسائى (( الكبرى )) (5/498/9758،9760) و((المجتبى ))( 8/211) ، وابن ماجه (3584،2821،1104) ، والفاكهى (( أخبار مكة ))(174) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(2/36/718) ، وأبو يعلى (3/43/1460،1459) ، وأبو نعيم (( المستخرج )) (4/35/3160) ، والبيهقى (( الكبرى ))(3/281،246/5934،5770) من طرق عن مساور الورَّاق عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه بنحو الروايتين السالفتين .
قلت : فهذا حديث صحيح غاية ، رجال إسناده ثقات كلهم ، ومنهم (( جعفر بن عمرو بن حريث القرشي المخزومي الكوفي ، جد جعفر بن عون . روى عن : عدي بن حاتم وهو جده لأمه ، وأبيه عمرو بن حريث . روى عنه : حجاج بن أرطاة ، والربيع بن سعد الجعفي ، وأخوه الفضل بن سعد الجعفي ، ومساور الوراق ، والمسيب بن شريك ، ومعن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود . روى له الترمذي في الشمائل والباقون سوى البخاري )) قاله فى (( تهذيب الكمال ))(5/70/947) . وقد تفرد جعفر بهذا الحديث عن أبيه ، ولم يتابع عليه .(1/4)
وذكره البخارى فى (( التاريخ ))(2/193/2166) ، وابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل )) (2/484/1975) ، فلم يذكراه بجرحٍ ولا عدالة ، وذكره ابن حبان فى(( الثقات ))(4/106) .
وقال الحافظ الذهبى (( الكاشف ))(1/295/795) : (( ثقة )) .
وقال ابن حجر (( التقريب ))(1/141/947) : (( مقبول من الثالثة )) . أفليس يحمل قوله (( مقبول )) على توثيقه إيَّاه مع علمه بأن مسلماً قد خرَّج حديثه ، مع تفرده به ؟! .
[ ثالثها ] ما أخرجه مسلم فى (( كتاب المساجد ومواضع الصلاة )) قال :
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ وَمِسْعَرٍ وَالْبَخْتَرِيِّ ابْنِ الْمُخْتَارِ سَمِعُوهُ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ـ يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ ـ )) ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ : آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ الرَّجُلُ : وَأَنَا أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي .(1/5)
وحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لا يَلِجُ النَّارَ مَنْ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا )) ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، فَقَالَ : آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ ، قَالَ : نَعَمْ أَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِ ، قَالَ : وَأَنَا أَشْهَدُ لَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ بِالْمَكَانِ الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنْهُ .
وأخرجه كذلك الحميدى (862،861) ، وابن أبى شيبة (2/158/7636) ، وأحمد (4/261،136،135) ، والنسائى (( الكبرى ))(1/176/462) و(( المجتبى )) (1/241،235) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(3/220/1580) ، وابن خزيمة (320،319،318) ، وأبو عوانة (1/314/1114،1113) ، وابن حبان (1740،1739،1738) ، والطبرانى (( الأوسط ))(2/230/1830) ، وابن قانع (( معجم الصحابة ))(2/244) ، وأبو نعيم (( المستخرج ))(2/232/1413) ، والبيهقى (( الكبرى ))(1/466) ، وابن حزم (( المحلى ))(3/28) ، والخطيب (( التاريخ ))(2/36) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(33/125) من طرق عن أبى بكر بن عمارة بن رويبة عن أبيه بنحوه .(1/6)
قلت : فهذا حديث صحيح غاية ، رجاله كلهم ثقات ، ومنهم (( أبو بكر بن عمارة بن رويبة الثقفي الكوفي . روى عن : أبيه عمارة بن رويبة الثقفي . روى عنه : إسماعيل بن أبي خالد ، والبختري بن المختار العبدي ، وعبد الملك بن عمير ، ومسعر بن كدام ، وأبو إسحاق السبيعي ، وأبو حمزة الأعور . ذكره ابن حبان في (( كتاب الثقات )) (5/563/6251) . روى له مسلم وأبو داود والنسائي )) ؛ قاله فى (( تهذيب الكمال )) (33/125) .
وقال الحافظ الذهبى (( الكاشف ))(2/411/6533) : (( ثقة )) .
وقال ابن حجر (( التقريب ))(1/624/7983) : (( مقبول من الثالثة )) . أفليس يحمل قوله (( مقبول )) على توثيقه إيَّاه مع علمه بأن مسلماً وابن خزيمة وابن حبان قد خرَّجوا حديثه ؟! .
[ رابعها ] ما أخرجه البخارى فى (( كتاب النكاح )) قال :
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قالَ ـ يعنى ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ـ وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبَةَ لَكِنِّي لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ أَحْفَظُ ، قَالَ : تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقَالَتْ : أَرْضَعْتُكُمَا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : تَزَوَّجْتُ فُلانَةَ بِنْتَ فُلانٍ ، فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقَالَتْ لِي : إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا ، وَهِيَ كَاذِبَةٌ ، فَأَعْرَضَ عَنِّي ، فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ ، قُلْتُ : إِنَّهَا كَاذِبَةٌ ، قَالَ : (( كَيْفَ بِهَا ، وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا ، دَعْهَا عَنْكَ )) .(1/7)
وأخرجه كذلك عبد الرزاق (( المصنف ))(7/481/13968) ، وأحمد (4/383،7) ، وأبو داود (3127) ، والترمذى (1151) ، والنسائى (( المجتبى ))(6/109) و(( الكبرى )) (3/494،306/6028،5482) ، وابن الجارود (1011) ، والطبرانى (( الكبير )) (17/353/974) ، والدارقطنى (4/175/15) ، والبيهقى (( الكبرى ))(7/463) ، وابن بشكوال (( غوامض الأسماء المبهمة ))(1/453) من طرق عن ابن أبى مليكة عن عبيد ابن أبى مريم عن عقبة به .
قلت : فهذا حديث صحيح ، رجاله كلهم ثقات ، ومنهم عبيد بن أبي مريم المكي ، لا يُعلم له راوٍ غير عبد الله بن أبي مليكة . وذكره البخارى (( التاريخ ))(6/5/1497) ، وابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(6/3/10) ، فلم يذكرا فيه جرحاً ولا عدالة . وذكره ابن حبان في (( الثقات ))(5/137/4240) .
وقال الحافظ الذهبى (( الكاشف))(2/411/6533) : (( وثق )) .
وقال ابن حجر (( التقريب )) : (( مقبول من الثالثة )) . أفليس يحمل قوله (( مقبول )) على توثيقه إيَّاه مع علمه بأن البخارى قد خرَّج حديثه فى (( صحيحه )) ؟! .
[ خامسها ] ما أخرجه مسلم فى (( كتاب المساجد ومواضع الصلاة )) قال :
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَإِسْحَقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ قَالا حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذُبَابٍ فِي رِوَايَةِ هَارُونَ ، وَفِي حَدِيثِ الأَنْصَارِيِّ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( أَحَبُّ الْبِلادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا ، وَأَبْغَضُ الْبِلادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا )) .(1/8)
وأخرجه كذلك ابن خزيمة (1293) ، وابن حبان (1600) ، وأبو عوانة (( المسند )) (1/326) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(2/264/1500) ، والبيهقى (( الكبرى )) (3/65) ، والخطيب (( موضح الأوهام ))(1/88) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(17/444) من طرق عن أنس بن عياض وحاتم بن إسماعيل ومحمد بن فليح عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبى ذباب عن عبد الرحمن بن مهران مولى أبى هريرة عنه به .
قلت : فهذا حديث صحيح ، رجاله كلهم ثقات ، ومنهم (( عبد الرحمن بن مهران المدني ، أبو محمد مولى الأزد ، ويقال مولى مزينة ، ويقال مولى أبي هريرة . روى عن : أبي مروان الأسلمي ، وأبي هريرة . روى عنه : الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب ، وسعيد الجريري ، وسعيد المقبري ، وابنه محمد بن عبد الرحمن بن مهران ، ونافع بن سليمان ، والوليد بن كثير المدني . قال أبو حاتم : صالح . وذكره ابن حبان في (( الثقات )) (5/106/4075) . روى له مسلم حديثا ، والنسائي آخر )) ؛ قاله فى (( تهذيب الكمال )) (17/443) .
وقال الحافظ الذهبى (( الكاشف ))(1/646/3324) : (( صدوق )) .
وقال ابن حجر (( التقريب ))(1/351/4019) : (( مقبول من الثالثة )) . أفليس يحمل قوله (( مقبول )) على توثيقه إيَّاه مع علمه بأن مسلماً وابن خزيمة وابن حبان قد خرَّجوا حديثه ؟! .
فهذه نماذج خمس لأحاديث صحاح لا مطعن لأحدٍ فيها ، ومخرجة فى (( الصحيحين )) ، على أن رواتها من الموصوفين عند الحافظ ابن حجر بقوله (( مقبول )) .
ولو شئنا ـ لولا خشية الإطالة ، وليس ذا موضعها ـ زدناك على ما ذكرناه ، للدلالة على توثيق من ترجَّم لهم الحافظ ابن حجر فى (( تقريبه )) بقوله (( مقبول )) ، وبسط القول فى بيان ذلك فى كتابنا (( المنهج المأمول ببيان معنى قول ابن حجر مقبول )) .(1/9)
فإذا بان ذلك ووضحت دلالته ، عُلم أن قول ابن حجر عن (( على بن شمَّاخ )) : (( مقبول من الثالثة )) يعنى توثيقه خلافاً لمن زعم أنَّه تضعيف له . وثمة أمرٍ آخر يعضد حديثه ويقوى أمره لدى من لا يستيقن توثيقه ، فقد تابعه عليه : إبراهيم بن أبى عبلة ، ويحيى بن عباد المخزومى .
فقد أخرج الطبرانى (( مسند الشاميين ))(1/41/31) و(( الأوسط ))(3/272/3122) قال : حدثنا بكر بن سهل ثنا عبد الله بن يوسف ثنا خالد بن يزيد بن صبيح عن إبراهيم بن أبي عبلة أن مروان بن الحكم سأل أبا هريرة هل سمعت من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الصلاة على الجنازة شيئاً ، فقال سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول : (( اللهمَّ أنت خلقته ، وهديته إلى الإسلام ، وأنت قبضت روحه ، وأنت أعلم بسره وعلانيته ، جئناك شفعاء له ، فاغفر له وارحمه )) .
وأخرج فى (( الأوسط ))(4/258/4135) قال : حدثنا علي بن سعيد ثنا الحسن بن حماد الحضرمي ثنا محمد بن فضيل عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي هاشم الواسطي عن يحيى بن عبادٍ عن أبي هريرة عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه كان إذا صلَّى على الميت قال : (( اللهمَّ أنت خلقته ، وأنت هديته للإسلام ، وأنت قبضت روحه ، وأنت أعلم بسره وعلانيته ، جئنا نشفع له ، فشفعنا فيه ))
وقال أبو القاسم : (( لم يرو هذا الحديث عن إسماعيل بن أبي خالد إلا محمد بن فضيل ، تفرد به الحسن بن حماد ، ويحيي بن عباد هو أبو هبيرة المخزومي )) .
قلت : وهذان مرسلان عن أبى هريرة يشهدان لصحة الحديث ، ورجالهما موثقون . يحيى بن عباد أبو هبيرة المخزومى ، وإبراهيم بن أبى عبلة ثقتان ثبتان ، وروايتهما عن أنس وواثلة مسندة موصولة ، وروايتهما عن أبى هريرة مرسلة .
243: باب فضل الصلاة على النَّبىِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(1/10)
(1396) عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن رسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (( أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً )) .
رواه الترمذى وقال : حديث حسن .
وذكره الشيخ الألبانى فى (( ضعيف الترمذى )) .
وقال أبو محمد الألفى : أخرجه الترمذى (484) قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ بْنِ عَثْمَةَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَيْسَانَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ شَدَّادٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً )) .
وقَالَ أَبو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وأخرجه كذلك البخارى (( التاريخ الكبير ))(5/177/559) ، والبزار (5/190/1789) كلاهما عن محمد بن المثنى العنزى ، وأبو يعلى (9/13/5080) عن محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة البصري ، كلاهما قال ثنا محمد بن خالد بن عثمة بإسناده مثله .
وخالفه خالد بن مخلد القطوانى عن موسى بن يعقوب ، فجعله (( عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن أبيه عن ابن مسعود )) ، فزاد فى إسناده (( أباه شداد )) .(1/11)
أخرجه هكذا ابن أبى شيبة (6/325/31787) ، والبزار (4/278/1446) ، وأبو يعلى (8/427/5011) ، والهيثم بن كليب الشاشى (( المسند ))(414،413) ، وابن حبان (911) وابن عدى (( الكامل ))(6/342) ، والطبرانى (( الكبير ))(10/17/9800) ، وأبو الشيخ (( طبقات المحدثين بأصبهان ))(4/223) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(2/213/1564) ، والخطيب (( الفصل للوصل المدرج ))(2/772) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(15/482) جميعاً من طريق خالد بن مخلد القطوانى ثنا موسى بن يعقوب الزمعي أخبرني عبد الله بن كيسان أخبرني عبد الله بن شداد بن الهاد عن أبيه عن ابن مسعود به .
وقال أبو بكر البزار : (( ولا نعلم روى شداد بن الهاد عن ابن مسعود عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا هذا الحديث )) .
قلت : والحديث محتمل من كلا طريقيه ، فإنَّ عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي تابعى مخضرم (( ولد في عهد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وأمه سلمى بنت عميس ، فهو أخو أولاد حمزة بن عبد المطلب لأمهم ، وابن خالة أولاد جعفر ، وكذا محمد بن أبي بكر ، وبعض ولد علي أمهم أسماء بنت عميس . وروى عن : أبويه ، وخالاته ميمونة أم المؤمنين وأم الفضل زوج العباس وأسماء بنت عميس ، وعمر ، وعلي ، وابن مسعود ، ومعاذ ، وطلحة ، والعباس بن عبد المطلب وغيرهم . روى عنه جماعة من كبار التابعين : كربعى بن حراش ، ومن أوساطهم : كطاوس ، ومن صغار التابعين : كسعد بن إبراهيم ، وأبي إسحاق الشيباني ، والحكم بن عتيبة وغيرهم . قال الميموني : سئل أحمد : أسمع عبد الله بن شداد من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ؟ ، قال : لا وقال العجلي : من كبار التابعين وثقاتهم . ووثقه الجماعة ، وحديثه في (( الصحيحين )) قاله الحافظ ابن حجر فى (( الإصابة ))(5/13) .(1/12)
ورجال إسناديه موثقون . وموسى بن يعقوب الزمعى صالح الحديث لا بأس به ، وإنما أنكروا عليه روايته عن مشايخ مجاهيل . قال أبو أحمد بن عدى (6/342) : (( لا بأس به ، وبرواياته )) .
قال ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(8/168/745) : (( قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول : موسى بن يعقوب الزمعي ثقة )) . وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(7/458/10919) . وذكره ابن شاهين فى (( تاريخ معرفة الثقات )) (1/221) فقال : (( موسى بن يعقوب الزمعى ثقة )) .
وأما عبد الله بن كيسان ، فهو مولى طلحة بن عبد الله بن عوف الزهرى . ذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(7/49/8954) . وقال الحافظ الذهبى (( الكاشف ))(1/590) : (( وثق )) .
وقال الحافظ ابن حجر (( التقريب ))(1/319/3559) : (( مقبول من الخامسة )) . ولا يغيبنَّ عنك أنَّ الحافظ وصف بهذا القول أربعةً ممن احتج بهم مسلم فى (( صحيحه )) ، وهاك بيانهم وبيان أحاديثهم :
[ الأول ] عمر بن عبد الرحمن بن محيصن القرشى ، أبو حفص المكى .
قال مسلم فى (( كتاب البر والصلة )) : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبْي شَيْبَةَ كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ (( مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ )) ، بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( قَارِبُوا وَسَدِّدُوا ، فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا )) . قَالَ مُسْلِمٌ : هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ .(1/13)
[ الثانى ] يحيى بن يزيد الهنائى ، أبو نصر البصرى .
قال مسلم فى (( كتاب صلاة المسافرين وقصرها )) : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ كِلَاهُمَا عَنْ غُنْدَرٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ قَصْرِ الصَّلاةِ ، فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلاثَةِ فَرَاسِخَ ـ شُعْبَةُ الشَّاكُّ ـ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ .
[ الثالث ] يزيد بن نعيم بن هزال الأسلمى .
قال مسلم فى (( كتاب البيوع )) : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ نُعَيْمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْحُقُولِ . فَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ : الْمُزَابَنَةُ الثَّمَرُ بِالتَّمْرِ ، وَالْحُقُولُ كِرَاءُ الْأَرْضِ .
[ الرابع ] أبو عصام البصرى ، قيل : اسمه ثمامة .
قال مسلم فى (( كتاب الأشربة )) : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ ح و حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي عِصَامٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا ، وَيَقُولُ : (( إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ )) .
قَالَ أَنَسٌ : فَأَنَا أَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا .(1/14)
وحَدَّثَنَاه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ عَنْ أَبِي عِصَامٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ ، وَقَالَ فِي الإِنَاءِ .
فهؤلاء أربعة من رواة الصحيح ، ممن نعتهم الحافظ بقوله (( مقبول من الخامسة )) ، أفليس يُحمل قوله ذا على توثيقه إيَّاهم ، مع علمه بأن مسلماً أخرج أحاديثهم محتجاً بها فى (( صحيحه )) ؟! .
ومن نوافل الإفادة ، أن أذكِّرك بستةٍ من رواة (( السنن الأربعة )) ؛ ممن وصفهم الحافظ بقوله (( مقبول من الخامسة )) ، وصحَّح الأئمة أحاديثهم ، وأطلق الحافظ الذهبى القول بتوثيقهم فى مقابلة قول ابن حجر عنهم (( مقبول )) :
[ الأول ] عبد الله بن على بن حسين بن على بن أبى طالب الهاشمى .
أخرج حديثه الترمذى (3546) قال : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى وَزِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالا حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( الْبَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ )) .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ )) .(1/15)
وأخرجه أحمد (1/201) ، والبخارى (( التاريخ الكبير ))(5/148) ، والنسائى (( الكبرى )) (6/19/9884،9883) ، والبزار (4/185/1342) ، وأبو يعلى (12/147/6776) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(1/311/432) ، والدولابى (( الذرية الطاهرة )) (153) ، وابن حبان (909) ، والطبرانى (( الكبير ))(3/127/2885) ، والحاكم (1/743) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(2/214/1569،1568) ، والضياء (( المختارة )) (2/46/424) جميعا من طريق سليمان بن بلال عن عمارة عن عبد الله بن على بن حسين به .
قلت : وقد صحَّحه كذلك ابن حبان والحاكم والمقدسى ، على أنه فى إسناده عبد الله بن على بن حسين الهاشمى ، قال عنه ابن حجر (( التقريب ))(1/314/3484) : (( مقبول )) .
وقال الحافظ الذهبى (( الكاشف ))(1/576/2866) : (( ثقة )) .
[ الثانى ] مروان بن رؤبة التغلبى .
أخرج حديثه أبو داود (3310) قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى الْحِمْصِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ رُؤْبَةَ التَّغْلِبِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَوْفٍ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( أَلا لا يَحِلُّ ذُو نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ ، وَلا الْحِمَارُ الأَهْلِيُّ ، وَلا اللُّقَطَةُ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ ضَافَ قَوْمًا فَلَمْ يَقْرُوهُ ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ )) .
وأخرجه كذلك ابن نصر المروزى (( السنة ))(404) ، والطحاوى (( شرح المعانى )) (4/242) ، وابن حبان (12) ، والطبرانى (20/283/669) ، والدارقطنى (4/287/59) ، والبيهقى (( الكبرى ))(9/332) من طرق عن الزبيدى عن مروان بن رؤبة عن عبد الرحمن ابن أبى عوف عن المقدام به .(1/16)
قلت : فقد صحًّحه ابن حبان ، وذكر مروان بن رؤبة فى (( ثقاته ))(5/425) ، وقال عنه ابن حجر (( التقريب ))(1/526/6568) : (( مقبول )) .
وقال الحافظ الذهبى (( الكاشف )) (2/253) : (( ثقة )) .
[ الثالث ] المغيرة بن سعد بن الأخرم الطائى .
أخرج حديثه الترمذى (2328) : حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعْدِ بْنِ الأَخْرَمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا فِي الدُّنْيَا )) .
قالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ )) .
وأخرجه الحميدى (122) ، وابن أبى شيبة (7/84/34379) ، وأحمد (( الزهد )) (ص37) و(( المسند ))(1/443،426،377) ، والبخارى (( التاريخ ))(4/54/1935) ، وأبو يعلى (9/126/5200) ، والحارث بن أبى أسامة (1088) ، والهيثم بن كليب (817) ، وابن حبان (710) ، والحاكم (4/358) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(7/304/10391) ، والخطيب (( تاريخ بغداد ))(1/18) ، والرافعى (( التدوين فى أخبار قزوين ))(1/109) من طرق عن الأعمش عن شمر بن عطية عن المغيرة بن سعد عن أبيه عن ابن مسعود به .
ولم يتفرد الأعمش عن شمر ، بل تابعه : قيس بن الربيع .
قلت : وقد صححه الحاكم وابن حبان ، وذكر المغيرة بن سعد فى (( ثقاته ))(7/463) . وقال ابن حجر (( التقريب ))(1/543/6836) : (( مقبول )) .
وقال الحافظ الذهبى (( الكاشف ))(2/285/5588) : (( ثقة )) .
[ الرابع ] توبة أبو صدقة مولى أنس .(1/17)
أخرج حديثه أحمد (3/169) قال : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنِي شُعْبَةُ عَنْ أَبِي صَدَقَةَ مَوْلَى أَنَسٍ ـ وَأَثْنَى عَلَيْهِ شُعْبَةُ خَيْرًا ـ قَالَ : سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ ، وَالْعَصْرَ بَيْنَ صَلَاتَيْكُمْ هَاتَيْنِ ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ ، وَالْعِشَاءَ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ ، وَالصُّبْحَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ إِلَى أَنْ يَنْفَسِحَ الْبَصَرُ .
وأخرجه الطيالسى (2136) , والنسائى (( الكبرى ))(1/479/1532) و(( المجتبى )) (1/273) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(1/191) ، والضياء (( المختارة )) (6/167/2172،2171) من طرق عن شعبة عن أبى صدقة عن أنس بنحوه .
قلت : وهذا حديث صحيح غاية ، وأبو صدقة مولى أنس وثَّقه شعبة ، وناهيك به ، وقال عنه ابن حجر (( التقريب ))(1/131) : (( مقبول )) . وقال الحافظ الذهبى (( الميزان )) (2/79/1351) : (( قال الأزدي : لا يحتج به . قلت : ثقة ، روى عنه شعبة )) .
[ الخامس ] أبو عون الأنصارى الأعور الشامى .
أخرج حديثه النسائى (( الكبرى ))(2/284/3446) و(( المجتبى ))(7/81) قال : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنْ ثَوْرٍـ يعنى ابن يزيد ـ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ قَالَ : سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَخْطُبُ وَكَانَ قَلِيلَ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلا الرَّجُلُ يَقْتُلُ الْمُؤْمِنَ مُتَعَمِّدًا ، أَوِ الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا )) .(1/18)
وأخرجه أحمد (4/99) ، والحاكم (4/391) وقال : (( صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) . وفيه أبو عون الأعور الشامى ، قال عنه ابن حجر (( التقريب ))(1/662/8287) : (( مقبول )) . وقال الحافظ الذهبى (( الكاشف ))(2/448/6767) : (( ثقة )) .
[ السادس ] أبو المختار الأسدى الكوفى .
أخرج حديثه أبو داود (3237) قال : حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي الْمُخْتَارِ عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا )) .
وأخرجه ابن أبى شيبة (5/111/24226) ، وأحمد (3/382،354) ، وعبد بن حميد (528) ، والبزار (8/284/3352) ، وبحشل (( تاريخ واسط ))(ص44) ، والبيهقى (( الكبرى ))(7/286) و(( شعب الإيمان ))(5/121/6036) ، والمزى (( تهذيب الكمال )) (34/265) من طرق عن شعبة عن أبى المختار عن ابن أبى أوفى به .
وأبو المختار الأسدى الكوفى ، قال عنه ابن حجر فى (( التقريب ))(1/671/8347) : (( مقبول )) . وقال الحافظ الذهبى (( الكاشف ))(2/458/6819) : (( ثقة )) .
فهؤلاء ستة أنفسٍ من الثقات من رواة (( السنن الأربعة )) ، إذا انضموا إلى الثقات الأربعة السالف ذكرهم ، ممن خرَّج لهم مسلم فى (( صحيحه )) ؛ صاروا عشرةً ، أطلق الحافظ الذهبى القول بتوثيقهم ، فى مقابلة قول الحافظ ابن حجر عنهم جميعاً (( مقبول من الخامسة )) .
فإذا بانت الحجة لما قصدناه ، فاعلم أن الحافظان الذهبى وابن حجر قد وثَّقا عبد الله بن كيسان الزهرى ، الذى ضعَّف به الشيخ الألبانى حديث ابن مسعود بحمل كلام الحافظ ابن حجر على غير مراده !! .(1/19)
ولا يغيبنَّ عنك قول الحافظ فى (( الفتح ))(11/167) : (( حديث ابن مسعود رفعه (( إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة )) ، حسَّنه الترمذي ، وصحَّحه ابن حبان ، وله شاهد عند البيهقي عن أبي أمامة بلفظ (( صلاة أمَّتي تُعرض عليَّ في كلِّ يوم جمعة ، فمن كان أكثرَهم عليَّ صلاةً كان أقربَهم منِّي مَنزلةً )) ، ولا بأس بسنده )) اهـ .
أخرجه البيهقى (( الكبرى ))(3/249) و(( شعب الإيمان ))(3/110/3032) من طريق إبراهيم بن الحجاج ثنا حماد بن سلمة عن برد بن سنان عن مكحول الشامي عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أكثروا عليَّ من الصلاة في كلِّ يومِ جمعة ، فإن صلاة أمَّتي تُعرض عليَّ في كلِّ يوم جمعة ، فمن كان أكثرَهم عليَّ صلاةً كان أقربَهم مني منزلةً )) .
قلت : وهذا الإسناد منقطع ، فإن مكحولاً لم يلق أبا أمامة الباهلى ولا رأه ! .
والخلاصة ، فإن حديث ابن مسعود أجود إسناداً وأحسن سياقةً .
وربما احتجَّ معارض بأن ابن كيسان مجهول لم يرو عنه غير موسى بن يعقوب الزمعى ، بخلاف هؤلاء العشرة فإن أكثرهم مشاهير روى عنهم غير واحد ؟! . قلنا : نعم ، هؤلاء العشرة الآنف ذكرهم قد ارتفعت جهالتهم برواية غير واحدٍ عنهم :
(1) عبد الله بن على بن حسين الهاشمى . روى عنه عبد الله بن عمر العمري ، وعمارة بن غزية ، وموسى بن عقبة ، ويزيد بن أبي زياد .
(2) مروان بن رؤبة التغلبي . روى عنه صفوان بن عمرو ، ومحمد بن الوليد الزبيدي .
(3) المغيرة بن سعد بن الأخرم . روى عنه شمر بن عطية ، وأبو التياح ، وأبو حمزة جار شعبة .
(4) يحيى بن يزيد الهنائي . روى عنه إسماعيل بن علية ، وخلف بن خليفة ، وشعبة ، وعتبة ابن حميد الضبي ، ومحمد بن دينار الطاحي .
(5) أبو المختار الأسدي . روى عنه شعبة ، وقيس بن الربيع ، وأبو مالك النخعي .
وهكذا بقيتهم معروفون يسهُل معرفة الرواة عنهم ، وما به ترتفع عنهم الجهالة .(1/20)
وأما ابن كيسان الزهرى فلا يعرف له راوٍ غير الزمعى ، ولكنه وثق وحديثه محتج به .
فإن لم يكن ذلك مقنعاً للمعارض ، فلنذكر أنموذجاً لتُقاس عليه نظائره ، لبيان تناقض المضعِّفين لأحاديث المجاهيل :
فقد أخرج أبو داود ( 3144) قال : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ وَبْرِ ابْنِ أَبِي دُلَيْلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ )) .
وأخرجه كذلك ابن أبى شيبة (4/489/22402) ، وأحمد (4/389،388،222) ، والبخارى (( التاريخ الكبير ))(4/259/2731) ، والنسائى (( الكبرى ))(4/59/6288) و(( المجتبى ))(7/316) ، وابن ماجه (3627) ، والطحاوى (( مشكل الآثار ))(1/413) ، وابن حبان (5089) ، والطبرانى (( الكبير ))(7/318/7250،7249) و(( الأوسط )) (3/46/2428) ، وتمام الدمشقى (( مسند المقلين ))(14،13،12) ، والحاكم (4/102) ، والبيهقى (( الكبرى ))(6/51) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(18/288) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(25/563) جميعا من طريق وبر بن أبى دليلة الطائفى عن محمد بن ميمون بن مسيكة عن عمرو بن الشريد عن أبيه به .
قلت : هذا إسناد رجاله كلهم ثقات ، خلا محمد بن ميمون بن مسيكة الطائفى ، فإنه مجهول لم يرو عنه غير بلديه وبر بن أبى دليلة . وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(7/370) وترجمه الحافظ ابن حجر (( التقريب ))(2/180/417) بقوله : (( مقبول من السادسة )) .
وعليه ، فلا يتوجه ولا يصح القول بتصحيح هذا الإسناد ولا تحسينه ؛ على مذهب من يضعِّف أحاديث المجهولين والمقبولين مطلقاً ، ولا يعتد بتوثيق ابن حبان منفرداً ! .
ومع هذا ، فقد حسَّنه الشيخ الألبانى فى (( إرواء الغليل ))(5/259/1434) .(1/21)
قال ـ رحمه الله ـ تعقيباً على تصحيح الحاكم له : (( قلت : بحسبه أن يكون حسناً ، فإن ابن مسيكة هذا ، قال عنه الذهبى (( الميزان ))(6/206) : (( روى عنه وبر بن أبى دليلة فقط )) . وقد قال عنه أبو حاتم : روى عنه الطائفيون . وذكره ابن حبان فى (( الثقات )) . وقال الحافظ فى (( التقريب )) : (( مقبول )) .
قلت : وقد أثنى عليه خيراً الراوى عنه : وبر بن أبى دليلة ، فهو حسن إن شاء الله تعالى . وقد علَّق حديثه البخارى فى (( صحيحه )) . وقال الحافظ فى (( الفتح ))(5/46) : وصله أحمد وإسحاق فى (( مسنديهما )) ، وأبو داود ، والنسائى ، وإسناده حسن )) اهـ بنصه .
وأقول : وتحسين الشيخ الألبانى لهذا الحديث مخالفة صريحة لمذهبه فى (( السلسلة الضعيفة )) المبنى على تضعيف أحاديث :
(1) المجاهيل مطلقاً ، الأكابر والأصاغر ، متقدميهم ومتأخريهم .
(2) المقبولين على اختلاف مراتبهم عند ابن حجر ، حيث لم يتابعوا .
(3) من تفرد الإمام الجهبذ ابن حبان بتوثيقه ، ولو خرَّج حديثه فى (( صحيحه )) .
فأعجب له هاهنا ، كيف يحتج بمحمد بن ميمون بن مسيكة ، المجهول ، المقبول من الطبقة السادسة عند ابن حجر ، الذى توَّحد ابن حبان بتوثيقه !! . فإن قيل : قد ذكر توثيق وبر بن أبى دليلة إيَّاه محتجاً بذلك التوثيق ، قلنا : هذا أعجب ، إذ كيف يُقبل توثيق وبر بن أبى دليلة ، وليس هو من المعدودين فى المزكين كشعبة ومالك وابن مهدى ، بينما لا يُقبل توثيق ابن حبان إذا تفرد ، وهو من أكابر أئمة التعديل والتزكية !! .
وهاهنا تنبيه ، أن توثيق ابن أبى دليلة لشيخه ابن مسيكة ؛ لا يَعتد به إلا من يأخذ بمذهب القائلين (( نقبل حديث المجهول إذا وثَّقه الراوى عنه ، وكان ثقة )) ، وهو مذهب من يقبل أحاديث شعبة والزهرى وأمثالهم عن شيوخهم المجاهيل ، ويحتج بها . وصنيع الشيخ الألبانى فى مباحثه ومطارحاته على خلاف هذا المذهب !! .(1/22)
ولنذكر أنموذجاً آخر لتُقاس عليه نظائره ، لبيان تناقض المضعِّفين لأحاديث المجاهيل :
ما أخرجه الإمام أحمد (2/30) قال : حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ هَادِيَةَ قَالَ : لَقِيتُ ابْنَ عُمَرَ ، فَقَالَ لِي : مِمَّنْ أَنْتَ ؟ ، قُلْتُ : مِنْ أَهْلِ عُمَانَ ، قَالَ : مِنْ أَهْلِ عُمَانَ ! ، قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : أَفَلا أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قُلْتُ : بَلَى ، فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( إِنِّي لأَعْلَمُ أَرْضًا ، يُقَالُ لَهَا عُمَانُ ، يَنْضَحُ بِجَانِبِهَا ـ وَقَالَ إِسْحَاقُ بِنَاحِيَتِهَا ـ الْبَحْرُ ، الْحَجَّةُ مِنْهَا أَفْضَلُ مِنْ حَجَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِهَا )) .
وأخرجه كذلك البخارى (( التاريخ الكبير ))(2/307) ، والحارث بن أبى أسامة (361) ، والبيهقى (( الكبرى ))(4/335) جميعا من طريق يزيد بن هارون ثنا جرير بن حازم به .
وأخرجه ابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(4/271/2293) قال : نا هدبة بن خالد ثنا جرير بن حازم بإسناده نحوه .
أورده الشيخ الألبانى ـ رحمه الله ـ فى (( السلسلة الضعيفة ))( رقم213) معللاً تضعيفه إيَّاه بقوله : (( ورجاله كلهم ثقات معروفون ، غير ابن هادية هذا ، فقد ذكره ابن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل ))(3/40/173) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
وأما ابن حبان ، فقد ذكره فى (( الثقات ))(4/123/2105) ، على عادته فى توثيق المجهولين ، كما سبق التنبيه عليه مرارا .(1/23)
وتوثيق ابن حبان هذا ؛ هو عمدة الهيثمى فى قوله (( مجمع الزوائد ))(3/217) : (( رواه أحمد ، ورجاله ثقات )) ، وحجَّة الشيخ الفاضل أحمد شاكر فى قوله فى تعليقه على (( المسند )) : إسناده صحيح . وهذا غير صحيح لما سبق ، وكم له فى هذا التعليق وغيره من مثل هذه التصحيحات ، المبنية على مثل هذه التوثيقات التى لا يُعتمد عليها لضعف مستندها )) اهـ .
وأقول : فإذا كان الحسن بن هادية العمانى وهو من كبار التابعين ، لا يُعتمد توثيق ابن حبان له ، فلماذا اُعتمد توثيقه لمحمد بن ميمون بن مسيكة الطائفى مع نزول مرتبته عن سالفه العمانى ؟! ، ولا يقال هاهنا : لإنه انضاف إلى توثيق ابن حبان للطائفى توثيق راويه له ، فقد علمت ما فى هذا الجواب من التناقض !! .
وحديث ابن عمر صحيح ، وليس ضعيفاً كما زعم الشيخ ـ رحمه الله ـ ، وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب بإسنادٍ صحيح غاية .
أخرجه الإمام أحمد (1/44) قال : حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ أَنْبَأَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْخِرِّيتِ عَنْ أَبِي لَبِيدٍ قَالَ : خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ طَاحِيَةَ مُهَاجِرًا ، يُقَالُ لَهُ : بَيْرَحُ بْنُ أَسَدٍ ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَيَّامٍ ، فَرَآهُ عُمَرُ رَضِي اللَّه عَنْه فَعَلِمَ أَنَّهُ غَرِيبٌ ، فَقَالَ لَهُ : مَنْ أَنْتَ ؟ ، قَالَ : مِنْ أَهْلِ عُمَانَ ، قَالَ: نَعَمْ ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِي الله عَنْه ، فَقَالَ : هَذَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ الَّتِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( إِنِّي لأَعْلَمُ أَرْضًا ، يُقَالُ لَهَا عُمَانُ ، يَنْضَحُ بِنَاحِيَتِهَا الْبَحْرُ ، بِهَا حَيٌّ مِنَ الْعَرَبِ ، لَوْ أَتَاهُمْ رَسُولِي مَا رَمَوْهُ بِسَهْمٍ وَلا حَجَرٍ )) .(1/24)
وأخرجه كذلك الحارث بن أبى أسامة (1038. زوائد) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى )) (4/272/2294) ، وأبو يعلى (1/101/106) ، والضياء (( المختارة ))(1/77/5،4) من طرق عن جرير بن حازم نا الزبير بن الخريت به .
قلت : وهذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات كلهم من غير استثناء . وأبو لبيد هو لمازة بن زبار ، كان ناصبياً ولكنه وثق . قال ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(7/182/1033) : (( لمازة بن زبار أبو لبيد الجهضمي . روى عن : عمر بن الخطاب ، وعلى بن أبى طالب ، وأبى موسى الأشعري ، وعبد الرحمن بن سمرة . روى عنه : الزبير بن خريت ، والربيع بن سليم ، ورآه حماد بن زيد . سمعت أبى يقول ذلك . وأخبرنا حرب بن إسماعيل الكرماني فيما كتب إلىَّ قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : كان أبو لبيد صالح الحديث ، وأثنى عليه ثناء حسنا )) . وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(5/345/5151) .
وزاد فى (( تهذيب الكمال ))(24/250) : (( روى عن : أنس ، وعروة بن الجعد البارقى . وروى عنه : طالب بن السميدع ، ومحمد بن ذكوان ، ومطر بن حمران ، ويعلى بن حكيم .
ذكره محمد بن سعد في الطبقة الثانية من أهل البصرة ، وقال : سمع من علي وكان ثقة وله أحاديث . وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين حدثنا وهب بن جرير عن أبيه عن أبي لبيد وكان شتاما . روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه )) اهـ بتصرف .(1/25)
وللحديث أصل فى (( صحيح مسلم )) . قال الإمام مسلم فى (( كتاب الفضائل ))(16/98. نووى ) : ثنا سعيد بن منصور ثنا مهدي بن ميمون عن أبي الوازع جابر بن عمرو الراسبي سمعت أبا برزة يقول : بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً إِلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ، فَسَبُّوهُ وَضَرَبُوهُ ، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لَوْ أَنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ مَا سَبُّوكَ وَلا ضَرَبُوكَ )) .
254: باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان
(1516) عن ابن عمر رضى الله عنهما قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( لا تُكْثِرُوا الْكَلامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي )) . رواه الترمذى .
وذكره الألبانى فى (( الضعيفة ))(920) .
قال أبو محمد الألفى : أخرجه الترمذى فى (( كتاب الزهد ))(2411) قال :
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي ثَلْجٍ الْبَغْدَادِيُّ صَاحِبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم : (( لا تُكْثِرُوا الْكَلامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي )) .(1/26)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ حَاطِبٍ )) .
وأخرجه كذلك الواحدى (( الوسيط ))( 1/ 27/2) ، والطبرانى (( الدعاء ))(1874) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(4/245/4951) جميعاً من طريق إبراهيم بن عبد الله بن الحارث ابن حاطب الجُمحى عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعاً به .
قلت : وهذا إسناد حسن ، رجاله كلهم ثقات مشاهير غير إبراهيم بن عبد الله بن الحارث بن حاطب الجمحى . وقد ذكره ابن حبان فى (( الثقات )) ، وقال : (( روى عنه : عبد الله بن مسلمة القعنبى ، وعلى بن حفص المدائنى )) .
وزاد الحافظ المزى فى (( تهذيب الكمال ))(2/123) فى الرواة عنه : عنبسة بن سعيد الرازى ، وأبو النضر هاشم بن القاسم . وترجمه ابن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل )) (2/110/321) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . وأورده الحافظ الذهبى فى (( الميزان )) (1/161/125) ، وذكر له هذا الحديث ، وقال : (( مدنى مقلٌّ . ما علمت فيه جرحاً )) .
وقال الحافظ ابن حجر فى (( التقريب ))(1/37) : (( صدوق . روى مراسيل )) .(1/27)
فإن قيل : قد عارض الشيخ الألبانى هذا الحديث بما رواه الإمام مالك فى (( الموطأ )) (3/150. تنوير الحوالك ) أنَّه بلغه : أَنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ كَانَ يَقُولُ : لا تُكْثِرُوا الْكَلامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ ، فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ ، فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنَ اللهِ ، وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ ، وَلا تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ ، وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ ، فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى وَمُعَافًى ، فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلَاءِ ، وَاحْمَدُوا اللهَ عَلَى الْعَافِيَةِ .
وقال الشيخ ـ رحمه الله ـ : (( هذا هو اللائق بمثل هذا الكلام ؛ أن يكون مما يرويه أهل الكتاب عن عيسى عليه السلام ، وليس من حديث نبينا محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم )) اهـ .
قلنا : أليس من مقال الشيخ الألبانى دائما معترضاً على مخالفيه : اثبت العرش أولاً ثم انقش !! ، فنحن كذلك نقولها : هل يصحُّ هذا البلاغ حتى يُعارضَ به هذا الحديث المسند الموصول ؟! . والجواب : إنه لا يصح بحالٍ ، وقد جزم الشيخ الألبانى نفسه بذلك ، فقد ذكره فى (( الضعيفة ))( ح 908) وعقَّب عليه بقوله : (( لا أصل له مرفوعاً )) .
ونزيدك إيضاحاًوتبصيراً ، بذكر بعض طرق هذا البلاغ ، لبيان ضعفه ، والدلالة على أنَّه ليس حجةً معتمدةً لدى المحققين فى نفى صحة حديث ابن عمر ، فكلُّها مراسيل ومعضلات :
[ الطريق الأولى ] أخرجها هناد بن السرى (( الزهد ))(2/542/1122) قال : حدثنا قبيصة عن سفيان قال : قال عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام : لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فتقسو قلوبكم ، وإن كانت لينة ، فإن القلب القاسي بعيد من الله ، ولكن لا تعلمون ، ولا تنظروا في ذنوب الناس كهيئة الأرباب ، وانظروا في ذنوبكم كهيئة العبيد ، الناس رجلان : مبتلى ومعافى ، فارحموا أهل البلاء ، وسلوا الله العافية .(1/28)
وأخرجها خيثمة الأطرابلسى (( حديث خيثمة ))(ص165) قال : حدثنا أبو علي الحسن ابن مكرم حدثنا شاذان ـ يعنى الأسود بن عامر ـ حدثنا الثوري حدثنا عمرو بن قيس قال : قال عيسى بن مريم : لا تكثروا الكلام ... بنحوه .
قلت : أين سفيان الثورى ، وأين عمرو بن قيس الملائى رضى الله عنهما من نبى الله عيسى عليه الصلاة والسلام ؟! ، أليس بينهما وبينه قروناً كثيرة !! ، فكيف يصححه بعض تلامذة الشيخ الألبانى !! .
[ الطريق الثانية ] أخرجها أحمد (( الزهد ))(ص73) قال : حدثنا هاشم نا صالح عن أبى عمران الجونى عن أبى الجلد أن عيسى بن مريم عليه السلام أوصى الحواريين : لا تكثروا الكلام ... بنحوه .
قلت : وأين أبو الجلد ، واسمه جيلان بن فروة البصري الجوني من نبى الله عيسى عليه الصلاة والسلام ؟! . وهذا إسناد واهٍ بمرةٍ ، صالح وهو ابن بشير المرى البصرى . قال البخارى : منكر الحديث ذاهب الحديث . وقال النسائى : متروك الحديث . وقال ابن حبان : غلب عليه الخير والصلاح حتى غفل عن الإتقان في الحفظ ، فكان يروي الشيء الذي سمعه من ثابت والحسن على التوهم فيجعله عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فظهر في روايته الموضوعات التي يرويها عن الأثبات واستحق الترك .
[ الطريق الثالثة ] أخرجها ابن أبى عاصم (( الزهد ))(1/38/53) قال : أخبرنا ابن نمير أخبرنا إسحاق بن سليمان عن أبى سنان عن الأعمش عن إبراهيم قال : قال عيسى بن مريم عليه السلام : أقلوا الكلام إلا بذكر الله ، فإن كثرة الكلام يقسى القلب .
قلت : وأين كذلك إبراهيم النخعى من نبى الله عيسى عليه الصلاة والسلام ؟! .
[ الطريق الرابعة ] أخرجها ابن أبى شيبة (7/65/34230) قال : حدثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن عجلان عن محمد بن يعقوب قال قال عيسى بن مريم : لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسوا قلوبكم ، فإن القلب القاسي بعيد من الله ، ولكن لا تعلمون ... الأثر بتمامه .(1/29)
قلت : فمن محمد بن يعقوب ؟ ، ولو عرفناه وتوثقنا من عدالته ، فأين هو من نبى الله عيسى عليه الصلاة والسلام ؟! .
وبالجملة ، فهذه كلها مقاطيع ومعضلات ، لا تنتهض بواحدٍ منها حجة . فأعجب لمن يصحح هذا البلاغ ، ويجعله أصلاً معتمداً فى معارضة حديث ابن عمر المسند الموصول ، ولهذا قال الشيخ الألبانى ـ رحمه الله ـ نفسه عن هذا البلاغ : (( لا أصل له مرفوعاً )) !! .
277 : باب تحريم الغدر
(1585) عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( قَالَ اللهُ : ثَلاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ ، وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ )) .
رواه البخارى .
وذكره الشيخ الألبانى فى (( ضعيف الجامع ))(4054) وقال : (( هذا أول حديث للبخارى اضطررت لذكره هنا ، لأن فيه يحيى بن سليم . قال الحافظ : صدوق سيئ الحفظ )) اهـ .
قال أبو محمد الألفى : قال إمام المحدثين أبو عبد الله البخارى فى (( كتاب البيوع )) (2/28. سندى ) :
باب إثم من باع حراً
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( قَالَ اللهُ : ثَلاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ ، وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ )) .
وأعاد ذكره فى (( كتاب الاجارة ))(2/34. سندى ) :
باب إثم من منع أجر الأجير(1/30)
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( قَالَ اللهُ : ثَلاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ ، وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ )) .
وأخرجه أحمد (2/358) عن إسحق بن عيسى بن الطباع ، وابن ماجه (2442) ، وأبو يعلى (11/444/6571) كلاهما عن سويد بن سعيد الحدثانى ، وابن الجارود (579) عن محمود بن آدم ، والطحاوى (( مشكل الآثار ))(4/98/3273) عن نعيم بن حماد ، وابن حبان (7339) عن محمد بن أبى عمر العدنى ، والطبرانى (( الصغير ))(2/119/885) عن محمد ابن حاتم الجرجرائى ، وابن حزم (( الإحكام فى أصول الأحكام ))(5/13) عن بشر بن مرحوم والبيهقى (( الكبرى ))(6/121،14) عن هشام بن عمار ومحمد بن يوسف بن سابق والهيثم بن جناد ، عشرتهم عن يحيى بن سليم الطائفى قال ثنا إسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبى هريرة به .
وفى رواية أكثرهم زيادة (( ومن كنت خصمه خصمته )) .
وخالف عشرتهم : أبو جعفر النفيلى ، فرواه عن يحيى بن سليم ، فقال (( عن سعيد بن أبى سعيد عن أبيه عن أبى هريرة )) . أخرجه البيهقى (( الكبرى ))(6/14) من طريق الفضل ابن محمد البيهقى ثنا أبو جعفر النفيلى به هكذا .
قال أبو بكر البيهقى : (( والمحفوظ قول الجماعة )) .
قلت : ما أروع هذا الحديث القدسى وما أبهاه ! ، وما أصدق راويه وأزكاه ! . فكل فقرةٍ من فقراته تشهد له بأنَّه خرج من مشكاة النبوِّة ، التى لا ينطق حامل نبراسها عن هوى (( إن هو إلا وحى يوحى )) . وقد أحسن إمام المحدثين صنعاً إذ أودعه (( صحيحه )) ، وزيَّنه به .(1/31)
ولم يصب الشيخ الألبانى ـ عفا الله عنه ـ إذ ضعَّف هذا الحديث ، ولم يُسبق لمثل هذا الصنيع بواحدٍ من أئمة التحقيق الراسخين فى هذا العلم ، ولو أنَّه سكت ولم يعلِّق عليه بشئٍ ، لكان خيراً له ، وأجمل به !! .
والحديث بإسناد الجماعة ، وبرواية إمام المحدثين وأستاذ أهل المعرفة بعلل الحديث أبى عبد الله البخارى ، صحيح غريب ، ووجه غرابته ؛ أنه لم يرويه عن سعيد عن أبى هريرة غير إسماعيل بن أمية ، تفرد به عنه يحيى بن سليم الطائفى ، أبو محمد القرشى الحذاء .
وقد اختلفت أئمة الجرح والتعديل فى تعديله على أربعة أقوال :
( الأول ) توثيقه مطلقاً . فقد عدَّه الإمام الشافعى من ثقات شيوخه وصالحيهم ، فقال : كان يحيى بن سليم فاضلا ، كنا نعده من الأبدال .
وقال ابن سعد (( الطبقات ))(5/500) : (( ثقة كثير الحديث )) .
وقال ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(9/156) : (( قرئ على العباس بن محمد الدوري قال : سألت يحيى بن معين عن يحيى بن سليم الطائفي فقال : ثقة )) . وقال ابن عدى (( الكامل ))(7/219) : (( ثنا ابن حماد حدثني عبد الله بن احمد عن أبيه قال : كان يحيى بن سليم قد أتقن حديث ابن خثيم ، وكانت عنده في كتاب ، فقلنا له : أعطنا كتابك ، فقال : أعطوني مصحفا رهنا ، فقلنا : نحن غرباء من أين لنا مصحف !! . ثنا ابن أبى عصمة ثنا ابن أبى بكر ثنا يحيى سمعت أحمد بن حنبل يقول : يحيى بن سليم ثقة ، وسمعت يحيى يقول : يحيى بن سليم الطائفي ليس به بأس . ثنا علان ثنا ابن أبى مريم سمعت يحيى بن معين يقول : يحيى بن سليم ليس به باس يكتب حديثه . ثنا محمد بن علي ثنا عثمان بن سعيد سألت يحيى بن معين عن يحيى بن سليم فقال : ليس به باس يكتب حديثه . ثنا محمد بن علي ثنا عثمان بن سعيد سألت يحيى بن معين عن يحيى بن سليم الطائفي فقال : ثقة . ثنا ابن أبى بكر ثنا عباس سألت يحيى بن معين عن يحيى بن سليم الطائفي فقال : ثقة )) .(1/32)
وقال ابن عدى : (( وليحيى بن سليم عن : إسماعيل بن أمية ، وعبيد الله بن عمر، وعبد الله ابن عثمان بن خثيم ، وسائر مشايخه أحاديث صالحة وأفراد وغرائب ، يتفرد بها عنهم ، وأحاديثه متقاربة ، وهو صدوق لا بأس به )) .
وقال أبو أحمد العجلى (( معرفة الثقات ))(2/353/1980) : (( يحيى بن سليم القرشي ثقة )) . وقال أبو حفص بن شاهين (( تاريخ أسماء الثقات ))(1/259/1591) : (( ثقة . قاله يحيى )) .
والخلاصة ، فهؤلاء جماعة من كبراء أئمة التزكية والتعديل قد وثقوا يحيى بن سليم بإطلاقٍ : الشافعى ، والزعفرانى ، وأحمد بن حنبل فى روايتين عنه ، وابن معين ، وابن سعد والعجلى ، وابن حبان ، وابن عدى ، وابن شاهين .
ولا يذهبنَّ عنك توثيق أحمد بن حنبل له فى رواية ابنه عبد الله عنه ، وقوله : (( كان قد أتقن حديث ابن خثيم )) ، إذ يفيدك هذا المقال لإمام الأئمة ثلاث فوائد عزيزة :
( الأولى ) وصفه بالإتقان والضبط لأحاديث عبد الله بن خثيمٍ المكى ، وفيه دلالة على إتقانه لأحاديث أهل بلده .
( الثانية ) تبرئته من الوصف بسوء الحفظ بإطلاقٍ ، وفيه رد على قول الدارقطنى والحاكم : كان سيئ الحفظ ، ولا يشك العارف المدقق أن الإمام أحمد أعرف منهما وممن أتى بعدهم بحاله ، سيما وقد التقى به وحمل عنه حديثاً واحداً .
( الثالثة ) توثيق الإمام أحمد له فى روايتين عنه ، خلافاً لمن زعم أن الإمام أحمد لم يوثقه .
وهذه الفوائد قد كانت تكفى لبيان حال يحيى بن سليم ، والرد على من ضعَّفه ، ولكننا :
نزيدك إيضاحاً وتبصيراً بمعانى هذه الفوائد الثلاث ، بذكر خمسة أحاديث من صحاح أحاديثه عن بلديه عبد الله بن عثمان بن خثيم المكى :(1/33)
[ الحديث الأول ] قال الإمام الشافعي (( الأم ))(1/162) و(( المسند ))(ص279) : أخبرنا يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة الأنصاري عن أبيه عن جده رفاعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى : (( أيها الناس ! إِنَّ قُرَيْشًا أَهْلُ أَمَانَةٍ ، فَمَنْ بَغَى لَهَا الْعَوَاثِرَ أَكَبَّهُ اللهُ لِمِنْخَرَيْهِ فِي النَّارِ )) ، يقولها ثلاث مرات .
قلت : هذا الحديث من عيون أحاديث الطائفى وصحاح رواياته ، وقد تابعه عليه جماعة من الرفعاء الكبراء : الثورى ، ومعمر ، وإسماعيل بن علية ، وزهير بن معاوية ، وبشر بن المفضل . ولنقتصر منها ـ للإيجاز والتيسير ـ على متابعة الثورى :
قال الإمام أحمد (4/340) قال : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا ، فَقَالَ : (( هَلْ فِيكُمْ مِنْ غَيْرِكُمْ )) ، قَالُوا : لا إِلا ابْنُ أُخْتِنَا وَحَلِيفُنَا وَمَوْلانَا ، فَقَالَ : (( ابْنُ أُخْتِكُمْ مِنْكُمْ ، وَحَلِيفُكُمْ مِنْكُمْ ، وَمَوْلَاكُمْ مِنْكُمْ ، إِنَّ قُرَيْشًا أَهْلُ صِدْقٍ وَأَمَانَةٍ ، فَمَنْ بَغَى لَهَا الْعَوَاثِرَ أَكَبَّهُ اللهُ فِي النَّارِ لِوَجْهِهِ )) .(1/34)
[ الحديث الثانى ] قال ابن ماجه (2137) : حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إسمعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده رفاعة قال : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ بُكْرَةً ، فَنَادَاهُمْ : (( يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ ! )) ، فَلَمَّا رَفَعُوا أَبْصَارَهُمْ ، وَمَدُّوا أَعْنَاقَهُمْ ، قَالَ : (( إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إلا مَنِ اتَّقَى اللهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ )) .
قلت : هذا الحديث كذلك من صحاح أحاديث الطائفى وجيادها ، ولا يضره رواية ابن كاسبٍ عنه ، فقد تابعه عليه جماعة من الأثبات الرفعاء : الثورى ، ومعمر ، وبشر بن المفضل ، وإسماعيل بن علية ، وإسماعيل بن زكريا ، وداود بن عبد الرحمن العطار . ولنقتصر منها على رواية الثورى :
قال الدارمى (2538) : أخبرنا أبو نعيم ثنا سفيان عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن رفاعة عن أبيه عن جده قال : خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَقِيعِ فَقَالَ : (( يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ )) ، حَتَّى إِذَا اشْرَأَبُّوا ، قَالَ : (( التُّجَّارُ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إلا مَنِ اتَّقَى وَبَرَّ وَصَدَقَ )) .
[ الثالث ] قال الإمام الشافعى (( المسند ))(ص 364) : أخبرنا يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :
(( من خير ثيابكم البياض ، فليلبسها أحياؤكم ، وكفنوا فيها موتاكم )) .(1/35)
قلت : هذا الحديث كذلك من صحاح أحاديث الطائفى وجيادها ، وقد تابعه عليه جماعة من الرفعاء الكبراء : الثورى ، وابن جريج ، وابن عيينة ، ومعمر ، وزهير ، وزائدة بن قدامة ، وحماد بن سلمة ، وأبو عوانة ، ووهيب بن خالد ، وبشر بن المفضل ، وعبد العزيز الداروردى ، وعبد الله بن رجاء المكى ، وعلى بن عاصم . ولنقتصر منها ـ للإيجاز والتيسيرـ على متابعة الثورى :
قال الإمام أحمد (1/274) : حدثنا أبو أحمد ـ يعنى الزبيرى ـ ثنا سفيان عن عبد الله بن عثمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( خَيْرُ أَكْحَالِكُمُ الإِثْمِدُ عِنْدَ النَّوْمِ ، يُنْبِتُ الشَّعْرَ وَيَجْلُو الْبَصَرَ ، وَخَيْرُ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضُ فَالْبَسُوهَا ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ )) .(1/36)
[ الحديث الرابع ] قال الإمام أحمد (5/155) : حدثنا إسحاق بن عيسى حدثني يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان عن مجاهد عن إبراهيم بن الأشتر عن أبيه عن أم ذر قالت : لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا ذَرٍّ الْوَفَاةُ ، قَالَتْ : بَكَيْتُ ، فَقَالَ : مَا يُبْكِيكِ ؟ ، قَالَتْ : وَمَا لِي لا أَبْكِي وَأَنْتَ تَمُوتُ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ ، وَلا يَدَ لِي بِدَفْنِكَ ، وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ فَأُكَفِّنَكَ فِيهِ ؟ ، قَالَ : فَلا تَبْكِي وَأَبْشِرِي ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( لا يَمُوتُ بَيْنَ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَلَدَانِ أَوْ ثَلاثَةٌ ، فَيَصْبِرَانِ أَوْ يَحْتَسِبَانِ ، فَيَرِدَانِ النَّارَ أَبَدًا )) ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ ، يَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )) ، وَلَيْسَ مِنْ أُولَئِكَ النَّفَرِ أَحَدٌ إِلا وَقَدْ مَاتَ فِي قَرْيَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ ، وَإِنِّي أَنَا الَّذِي أَمُوتُ بِفَلاةٍ ، وَاللهِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ .
قلت : هذا الحديث كذلك من صحاح أحاديث الطائفى وجيادها ، وقد رواه عنه على بن المدينى ، ومن طريقه صححه ابن حبان .(1/37)
قال أبو حاتم بن حبان (6671) : أخبرنا أبو خليفة ثنا علي بن المديني ثنا يحيى بن سليم حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد عن إبراهيم بن الأشتر عن أبيه عن أم ذر قالت : لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا ذَرٍّ الْوَفَاةُ ، قَالَتْ : بَكَيْتُ ، فَقَالَ : مَا يُبْكِيكِ ؟ ، قَالَتْ : وَمَا لِي لا أَبْكِي وَأَنْتَ تَمُوتُ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ ، وَلا يَدَانِ لِي فى تَغِيْيبِكَ ، وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ كفناً ؟ ، فقَالَ : فَلا تَبْكِي وَأَبْشِرِي ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( لا يَمُوتُ بَيْنَ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَلَدَانِ أَوْ ثَلاثَةٌ ، فَيَصْبِرَانِ أَوْ يَحْتَسِبَانِ ، فَيَرِدَانِ النَّارَ أَبَدًا )) ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لنفرٍ أنَا فيهم : (( لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاةٍ مِنَ الْأَرْضِ ، يَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )) ، وَلَيْسَ مِنْ أُولَئِكَ النَّفَرِ أَحَدٌ إِلا وَقَدْ مَاتَ فِي قَرْيَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ ، فأنا ذلك الرجل ، وَاللهِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ ، فأبصري الطريق . وذكرت الحديث بتمامه بأطول من رواية أحمد .
[ الحديث الخامس ] قال الإمام مسلم (( كتاب الفضائل )) : حدثنا ابن أبي عمر حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خثيم عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أنه سمع عائشة تقول : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ، وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ : (( إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ ، أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ ، فَوَ اللهِ لَيُقْتَطَعَنَّ دُونِي رِجَالٌ ، فَلأَقُولَنَّ : أَيْ رَبِّ مِنِّي ، وَمِنْ أُمَّتِي ، فَيَقُولُ : إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ ، مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ )) .(1/38)
وفى هذا البيان بذكر بعض صحاح أحاديث الطائفى ، تنبيه على أن قول ابن عدى عنه (( له عن مشايخه أفراد وغرائب )) ؛ لا ينبغى أن يحمل على كل مشايخه ، وإلا فالذى أكاد أجزم به أن أحاديثه خاصةً عن ابن خثيمٍ كلها محفوظة قد توبع عليها ، كما بيَّنا هاهنا .
وأما أحاديثه عن غيره ، فمنها غرائب وأفراد ، وأكثر ما يقع الاختلاف فى أحاديثه عن عبيد الله بن عمر ، وسيأتى بيان بعضها .
وأما حديثه عن إسماعيل بن كثير أبى هاشم المكى ، فقد روى منه أصحاب (( السنن الأربعة )) ، والصحاح : ابن خزيمة ، وابن حبان حديثاً صحيحاً لا مرية فى صحته .
قال الترمذى (887) : حدثنا عبد الوهاب بن عبد الحكم البغدادي الوراق وأبو عمار الحسين بن حريث قالا حدثنا يحيى بن سليم حدثني إسمعيل بن كثير سمعت عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ ، قَالَ : (( أَسْبِغِ الْوُضُوءَ ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ ، وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا )) .
قال أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )) .
وأخرجه كذلك الشافعى (( المسند ))(ص15) ، وابن أبى شيبة (1/18/84) ، وأبو داود (2019،123) ، والنسائى (( المجتبى ))(1/66) و(( الكبرى ))(1/89/117) ، وابن ماجه (442،401) ، وابن الجارود (80) ، وابن خزيمة (168،150) ، وابن حبان (4510،1087،1054) ، والحاكم (4/123) ، والبيهقى (1/76 و7/303) من طرق عن يحيى بن سليم عن أبى هاشم إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط عن لقيط بن صبرة به ، وفى رواية أكثرهم ذكر وفادة لقيط بن صبرة على النبى صلَّى الله عليه وسلَّم وضيافته له .
وأما أحاديثه عن إسماعيل بن أمية ، فأكثرها مستقيمة متقاربة وفى بعضها نكارة . ومما أنكروه منها :(1/39)
ما أخرجه أبو داود (3319) ، وابن ماجه (3238) ، وابن عدى (7/219) ، والطبرانى (( الأوسط ))(3/181/2859) ، والدارقطنى(4/268/8) ، والبيهقى (( الكبرى )) (9/255) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(16/225) ، وابن الجوزى (( التحقيق فى أحاديث الخلاف ))(1945) من طرق عن يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ ثنا إِسْمَعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَا أَلْقَى الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ ، وَمَا مَاتَ فِيهِ فَطَفَا فَلا تَأْكُلُوهُ )) .
قلت : هكذا رواه يحيى بن سليم فرفعه ووهم فى ذلك ، شأنه شأن الثقات الذين تعد أوهامهم فى روايتهم عن خواص شيوخهم . ورواه أيوب السختيانى ، وعبيد الله بن عمر ، وابن جريج ، وحماد بن سلمة ، والثورى جميعا عن أبى الزبير فأوقفوه ، إلا أن أبا أحمد الزبيرى رواه عن الثورى فرفعه بنحو رواية الطائفى ، وكلاهما خطأ ، والصحيح الموقوف كما قاله البخارى ، وأبو زرعة ، وأبو داود ، والدارقطنى ، والبيهقى .
فقد بان أن يحيى بن سليم ليس بالمتفرد بالوهم والخطأ هاهنا ، بل أخطأ كذلك أبو أحمد الزبيرى ، وهو أحد الثقات الحفاظ ، ولا يغيبن عنك قول أبى حاتم الرازى ، وقد سئل عن أبى أحمد ، فقال : حافظ للحديث عابد مجتهد له أوهام ، مع قول ابن معين عنه : ثقة . (1/40)
وقد روى الحديث مرفوعاً من وجوهٍ عن جابر بن عبد الله لا يحتج بمثلها ، نجتزئ منها ما ذكره ابن أبى حاتم (( العلل ))(2/46/1620) : (( سألت أبا زرعة عن حديث رواه إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله عن وهب بن كيسان ونعيم بن عبد الله عن جابر بن عبد الله عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( ما حسر عنه البحر فكل ، وما ألقى البحر فكل ، وما طفا عن الماء فلا تأكل )) . قال أبو زرعة : هذا خطأ ، إنما هو موقوف عن جابر فقط ، وعبد العزيز بن عبد الله واهى الحديث )) اهـ .
وأما صحاح أحاديثه عن إسماعيل بن أمية الأموى ، فنذكر منها ثلاثة أحاديث :
[ الحديث الأول ] قال أبو يعلى (4/96/2127) : حدثنا إسحاق حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن عبد الله بن عبيد بن عمير أن عبد الرحمن بن أبي عمار أخبره قال سألت جابر بن عبد الله : أيؤكل الضبع ؟ ، قال : نعم ، قلت : أصيد هي ؟ ، قال : نعم ، قلت : سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : نعم .
قلت : وهذا من عيون أحاديث يحيى بن سليم وصحاحها ، وقد تابعه عليه : الثورى ، ويحيى بن أيوب ، وسعيد بن مسلمة . ولنجتزئ منها بذكر متابعة الثورى :
قال الدارقطنى (2/246/46) : حدثنا محمد بن القاسم بن زكريا نا أبو كريب نا قبيصة عن سفيان عن إسماعيل بن أمية عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن أبي عمار قال : سألت جابر بن عبد الله عن الضبع ، فقلت : صيد هي ؟ ، قال : نعم ، قال : آكلها ؟ ، قال : نعم ، قلت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : نعم .
قلت : وهذا الحديث مستفيض مشهور يرويه (( عن عبد الله بن عبيد بن عمير المكى )) : إسماعيل بن أمية ، وابن جريج ، وجرير بن حازم ، وهو أشهر وأشيع برواية ابن جريج .(1/41)
قال الترمذى (1791) : حدثنا أحمد بن منيع ثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن أبي عمار قَالَ : قُلْتُ لِجَابِرٍ : الضَّبُعُ صَيْدٌ هِيَ ؟ ، قَالَ : نَعَمْ قُلْتُ : آكُلُهَا ؟ ، قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ لَهُ : أَقَالَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا ، وَلَمْ يَرَوْا بِأَكْلِ الضَّبُعِ بَأْسًا ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَقَ . وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ فِي كَرَاهِيَةِ أَكْلِ الضَّبُعِ ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ )) .
[ الحديث الثانى ] أخرجه الخطيب (( التاريخ ))(7/144) من طريق محمد بن خلاد الباهلي حدثني يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ ، فليقلْ سُبْحَانَكَ اللَّهْمَّ وبِحَمْدِكَ ، اللَّهُمَّ بِكَ وَضَعْتُ جَنْبِي ، وَبِكَ أَرْفَعُهُ ، فإِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا ، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ )) .
قلت : وهذا الحديث من صحاح أحاديث سعيد المقبرى عن أبى هريرة ، يرويه عنه كذلك : مالك ، وعبيد الله بن عمر ، وابن عجلان . وتفرد يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية ليس بمؤثرٍ مع ثبوت صحته عن المقبرى عن أبى هريرة .(1/42)
والخلاصة ، فإن توثيق يحيى بن سليم فى رواياته عن أهل بلده خاصةً : عبد الله بن عثمان بن خثيم ، وإسماعيل بن أمية مما لا يرتاب فيه أهل التحقيق . ولهذا اقتصر عليهما مسلم لما ترجم له فى (( الكنى والأسماء ))(1/336) فقال : (( أبو زكريا يحيى بن سليم الطائفي ، ويقال أبو محمد . سمع : إسماعيل بن أمية ، وابن خثيمٍ )) ، واحتجَّ وخرَّج فى (( صحيحه )) روايته عن ابن خثيم . وأما البخارى فقد احتج بروايته عن إسماعيل بن أمية .
( القول الثانى ) توثيقه مع توهين روايته عن عبيد الله بن عمر . قال العقيلى (( الضعفاء )) (4/406) : (( حدثنا عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول : وقفت على يحيى بن سليم وهو يحدث عن عبيد الله أحاديث مناكير ، فتركته ولم أحمل عنه إلا حديثا ، وسألت أبي عن يحيى ابن سليم فقال : كذا وكذا ، ليس حديثه فيه شيء ، وكأنه لم يحمده ، وقال : قد أتقن حديث ابن خيثم كان عنده في كتاب )) .
قال أبو جعفر : (( ومن حديثه ما حدثناه محمد بن زكريا ثنا محمد بن عباد ثنا يحيى بن سليم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر : أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأبي بكر : (( متى توتر ؟ )) ، قال : أوتر ثم أنام ، قال : (( بالحزم أخذت )) ، ثم قال لعمر ، فقال : أنام ثم أقوم من الليل فأوتر ، قال : (( فعل القوم فعلت )) . ولا يتابع عليه من حديث عبيد الله بن عمر ، وقد روى بغير هذا الإسناد من وجه آخر )) اهـ .
وفى (( تهذيب الكمال ))(31/368/6841) للمزى ، و(( الكاشف ))(2/367) للذهبى ، و(( تهذيب التهذيب ))(11/198) لابن حجر ثلاثتهم : (( قال النسائى : ليس به بأس ، وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر )) .
وأما الذى فى (( الضعفاء )) للنسائى : (( ليس بالقوى )) .
قلت : قد احتج به النسائى فى غير روايته عن عبيد الله بن عمر ، ومما أخرج له :(1/43)
قال النسائى (( المجتبى ))(1/66) : أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ ح وَأَنْبَأَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنْبَأَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ ؟ ، قَالَ : (( أَسْبِغِ الْوُضُوءَ وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا )) .
وذكره ابن حبان فى (( كتاب الثقات ))(7/615/11731) وقال : (( يخطئ ))
قلت : وهذا محمول على الخطأ فى روايته عن عبيد الله بن عمر خاصةً ، فقد خرَّج له فى (( صحيحه )) عن : إسماعيل بن أمية ، وعبد الله بن عثمان بن خثيم ، وإسماعيل بن كثير .
والخلاصة ، فهؤلاء أربعة من أئمة التعديل والتزكية : أحمد ، والساجى ، والنسائى ، وابن حبان استنكروا فقط روايته عن عبيد الله بن عمر ، ولا يشك المدقق الحصيف أن أعرفهم بحاله هو أحمد بن حنبل ، ولا يذهبن عنك قوله فى رواية ابنه عبد الله عنه الآنفة الذكر : (( وقفت على يحيى بن سليم وهو يحدث عن عبيد الله أحاديث مناكير ، فتركته ولم أحمل عنه إلا حديثا )) . وربما انضاف إلى أربعتهم : يعقوب بن سفيان الفسوى ، فقد قال عنه : (( سني رجل صالح وكتابه لا بأس به ، وإذا حدث من كتابه فحديثه حسن ، وإذا حدث حفظا فيُعرف ويُنكر )) ، لما علم أن الذى أطبقوا على إنكاره إنما هو حديث عبيد الله بن عمر .
ولهذا قال الحافظ ابن حجر (( الفتح ))(4/418) : (( والتحقيق أن الكلام فيه ـ يعنى ابن سليم ـ إنما وقع في روايته عن عبيد الله بن عمر خاصة )) .
قلت : وهذا الذى اختاره الحافظ غاية فى الإنصاف والإحاطة بحال يحيى بن سليم الطائفى .(1/44)
وأما قول الشيخ الألبانى (( إرواء الغليل ))(5/1489) : (( إن التحقيق الذى حكاه إنما هو بالنسبة لرأى بعض الأئمة ، وهو الساجى ، وأما الأخرون من المضعفين فقد أطلقوا التضعيف ولم يقيدوه كما فعل الساجى ، وهو الذى ينبغى الاعتماد عليه ، لأن تضعيفه مفسر بسوء الحفظ عند جماعة منهم : الدارقطنى ، فهو جرح مفسر يجب تقديمه على التوثيق باتفاق علماء الحديث . ثم هو مطلق يشمل روايته عن عبيد الله وغيره ، وهو ظاهر كلام البخارى .
هذا هو التحقيق الذى ينتهى إليه الباحث فى أقوال العلماء فى الرجل ، وقد لخصه الحافظ أحسن تلخيص كما عادته فى (( التقريب )) فقال : صدوق سيئ الحفظ ، فأطلق تجريحه كما فعل الجماعة ، ولم يقيد كما فعل الساجى )) اهـ .
ثم قوله : (( وأما القول بأن من روى له البخارى فقد جاوز القنطرة ، فهو مما لا يلفت إليه أهل التحقيق كأمثال الحافظ ابن حجر العسقلانى ، ومن له إطلاع على كتابه (( التقريب )) يعلم صدق ما نقول )) اهـ بلفظه .
أقول : فى ثنايا كلام الألبانى ـ رحمه الله ـ الذى زعم أنه التحقيق المنصف مغالطات كثيرة ، أوقعه فيها اكتفاؤه بترجمة مقتضبة نقلها من (( تهذيب التهذيب )) و (( مقدمة الفتح )) :
( أولها ) قوله (( أطلق الحافظ فى (( التقريب )) تجريحه كما فعل الجماعة )) أبعد شئٍ عن التحقيق ! ، فمَنْ الجماعة بعد : الشافعى ، والزعفرانى ، وأحمد بن حنبل ، وابن معين ، والبخارى ، وابن سعد ، والعجلى ، وابن عدى ، وابن شاهين أهم الساجى ، والدارقطنى ، والحاكم أبو أحمد وحدهم ؟! . بل الجماعة هم موثقوه كما بيَّناه بياناً شافياً قاطعا للعذر.
ثمَّ أليس ينبغى أن يحمل قول الحافظ (( صدوق سيئ الحفظ )) على ما فصَّله فى معرض الاحتجاج للبخارى فى روايته لحديث يحيى بن سليم بقوله (( والتحقيق : أن الكلام فيه إنما وقع في روايته عن عبيد الله ابن عمر خاصة ، وهذا الحديث من غير روايته )) ، من باب حمل المطلق على المقيد !! .(1/45)
( ثانيها ) قوله إن الساجى وحده هو الذى قيَّد ضعفه بعبيد الله بن عمر خطأ ، وأخطئ منه ما بُنى عليه من حكمٍ فى حقِّ الرجل ، فقد علمت أن مقيدى ضعفه بعبيد الله أربعة من الأئمة : رأسهم أحمد بن حنبل ، ثم الساجى ، والنسائى ، وابن حبان .
ولا تنسى ما ذكرناه آنفاً بقولنا : ولا يشك العارف المدقق أن الإمام أحمد أعرف الأئمة بحاله ، سيما وقد التقى به وحمل عنه حديثاً واحداً ، وأسند عن جماعة من شيوخه أحاديثهم عنه فى (( مسنده )) ، ومنها حديثه الذى فى (( صحيح البخارى )) .
( ثالثها ) قوله (( ظاهر كلام البخارى تجريحه بإطلاق )) لا يحتاج إلى دليل لبيان خطئه ، إذ يكفى تخريج البخارى حديثاً واحداً له فى (( صحيحه )) للدلالة على توثيقه إياه ، وهو القائل : (( ما أدخلت في كتابي الجامع الا ما صحَّ )) .
( رابعها ) قوله (( قولهم أن من روى له البخارى فقد جاز القنطرة مما لا يلتفت إليه أهل التحقيق كالحافظ )) من أعجب الأغلاط فى حق الحافظ ابن حجر .(1/46)
فهو المقرر والمؤكد لهذا الذى زعم الألبانى أنه لم يلتفت إليه ، وذلك قوله فى (( مقدمة الفتح ))(1/384) : (( ينبغي لكل مصنف أن يعلم أن تخريج صاحب (( الصحيح )) لأي راو كان مقتض لعدالته عنده ، وصحة ضبطه ، وعدم غفلته ، ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بـ(( الصحيحين )) . وهذا معنى لم يحصل لغير من خرجا عنه في (( الصحيحين )) ، فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما . هذا إذا خرج له في الأصول ، فإما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق ، فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره ، مع حصول اسم الصدق لهم ، وحينئذ إذا وجدنا لغيره في أحد منهم طعنا ، فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام فلا يقبل إلا مبين السبب مفسرا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي وفي ضبطه مطلقا ، أو في ضبطه لخبر بعينه لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة ، منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج له في (( الصحيح )) : هذا جاز القنطرة ، يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه . قال الشيخ أبو الفتح القشيري في (( مختصره )) : وهكذا نعتقد وبه نقول ، ولا نخرج عنه إلا بحجة ظاهرة ، وبيان شاف ، يزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بـ(( الصحيحين )) ، ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما )) اهـ .
وفى كلام الحافظ هذا الموفى لشيخى المحدثين حقهما من التقدير والإكبار ، أبلغ رد على غلط الشيخ الألبانى فى حق رواة (( الصحيح )) ، لا سيما قوله (( إن إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بـ(( الصحيحين )) ، هو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما )) . وهل استهان المتهوكون بالـ(( الصحيحين )) وتجرأوا على الطعن فيهما إلا بمثل هذا الغلط والتجنى على إمام المحدثين !! .(1/47)
وما مثل إمام المحدثين وجامعه (( الصحيح )) إلا كما قال القائل ـ ولله دره ـ :
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالكل أعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسدا وبغيا إنَّه لدميم
وترى اللبيب مشتما لم يجترم عرض الرجال وعرضه مشتوم
ولله در القائل :
صحيح البخاري لو أنصفوه لما خُطَّ إلا بماء الذهبْ
هو الفرق بين الهدى والعمى هو السد بين الفتى والعطبْ
أسانيد مثل نجوم السماء أمام متون كمثل الشهبْ
به قام ميزان دين الرسول ودان به العجمُ بعد العربْ
وأقول : بل الحق الذى لا مرية فيه ، أن من لا يجزم بأن رواة الصحيح قد جازوا القنطرة فليس من أهل التحقيق ، فلله در شيخ الإسلام ابن دقيق العيد المصرى حيث أسلم قياده لهذا المقال ، وقال : (( هكذا نعتقد ، وبه نقول )) ، وكذلك نقول وبه ندين .
( القول الثالث ) وصفه بالضعف وسوء الحفظ . قال أبو أحمد الحاكم : ليس بالحافظ عندهم . وقال الدارقطني : سيء الحفظ ، ذكره عنهما الحافظ فى (( تهذيب التهذيب ))(11/198) .
قلت : وفى البيان السالف رد على قوليهما ، وكن على ذكر بما قلناه آنفاً : أن قول إمام الأئمة أحمد بن حنبل (( كان قد أتقن حديث ابن خثيم )) يفيدك ثلاث فوائد عزيزة :
( الأولى ) وصفه بالإتقان والضبط لأحاديث عبد الله بن خثيمٍ المكى ، وفيه دلالة على إتقانه لأحاديث أهل بلده .
( الثانية ) تبرئته من الوصف بسوء الحفظ بإطلاقٍ ، وفيه رد على قول الدارقطنى والحاكم أبى أحمد : كان سيئ الحفظ . ولا يشك العارف المدقق أن الإمام أحمد أعرف منهما ، وممن أتى بعدهم بحاله ، سيما وقد التقى به وحمل عنه حديثاً واحداً .
( الثالثة ) توثيق الإمام أحمد له فى روايتين عنه ، خلافاً لمن زعم أن الإمام أحمد لم يوثقه .(1/48)
ولعل قائلا يقول : فلماذا لم تذكر مقال أبى حاتم الرازى عن يحيى بن سليم الطائفى ، فقد عده الألبانى فى جملة من ضعَّفه ؟ . فأقول : إنما أرجأت ذكر مقال أبى حاتم عن الطائفى ، وهو عندى من موثقيه بالقيد المذكور فى القول الثانى ، لأمرين :
( أولهما ) خفاء معنى كلام أبى حاتم الرازى على الكثيرين ممن لم يمعن النظر والتدقيق فى أحكامه .
( ثانيهما ) ما وقع فيه بعض الشيوخ من حمل كلامه عنه على تضعيفه إيَّاه ، فقد قال بعد تضعيفه حديث الطائفى تقليداً للشيخ الألبانى : (( شهد على ضعفه جمع ، وأعدل ما قيل فيه قول أبى حاتم : شيخ صالح محله الصدق ولم يكن بالحافظ ، يكتب حديثه ولا يحتج به )) .
فاعلم أن أبا حاتم الرازى قد يذكر هذه العبارة (( يكتب حديثه ولا يحتج به )) إما مطلقة ، وإما مقيدة ، وعندئذ يتنزل كلامه على التوثيق أو التضعيف باعتبار القرينة المصاحبة لهذه العبارة . فمن قال عنه (( يكتب حديثه ولا يحتج به )) ولم يقيده بشئٍ ، ينظر فى حاله عند غيره ، فإن وثقه من فى طبقته ورتبته ؛ كابن معين وأبى زرعة ، فهو ثقة . ومن قال عنه (( صالح الحديث أو صدوق أو محله الصدق يكتب حديثه ولا يحتج به )) فهو ثقة عنده ، ومن قال عنه (( ضعيف يكتب حديثه ولا يحتج به )) فهو ضعيف .
ولا يذهبنَّ عنك ما قاله ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(3/263/1176) : (( سمعت أبي وقيل له : إن البخاري أدخل حريث بن أبي حريث في (( كتاب الضعفاء )) ، فقال : يحول اسمه من هناك ، يكتب حديثه ولا يحتج به )) . وما قاله (7/141/792) : (( قطبة بن العلاء بن المنهال الغنوي الكوفى أبو سفيان . قلت لأبى : إن البخاري أدخله في (( كتاب الضعفاء )) قال : ذلك مما تفرد به ، قلت : ما حاله ؟ ، قال : شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به )) .(1/49)
ونزيدك إيضاحا وتبصيراً ، بذكر خمسة عشر راوياً ممن ترجم لهم ابن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل )) ، وقال عنهم أبو حاتم (( يكتب حديثه ولا يحتج به )) ، وهم ثقات عند يحيى بن معين ، وأحاديثهم مخرَّجة فى (( الصحيحين )) أو أحدهما :
(1) أسامة بن زيد الليثى ، أبو زيد المدنى (2/284/1031) .
(2) بشير بن المهاجر الغنوى (2/378/1472) .
(3) خالد بن مهران الحذاء ، أبو المنازل البصرى (3/352/1593) .
(4) سعير بن الخمس التميمى ، أبو مالك الكوفى (4/323/1411) .
(5) شيبان بن عبد الرحمن النحوى ، أبو معاوية البصرى (4/356/1561) .
(6) شبابة بن سوار الفزارى ، أبو عمرو المدائنى (4/392/1715) .
(7) الضحاك بن عثمان الحزامى ، أبو عثمان المدنى (4/460/2029) .
(8) عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث القرشى المدينى (5/212/1000) .
(9) عبد الرزاق بن همام الصنعانى صاحب معمر (6/38/204) .
(10) محمد بن حمير بن أنيس السليحى الحمصى (7/239/1315) .
(11) منصور بن عبد الرحمن الغدانى الأشل (8/174/772) .
(12) الوليد بن شجاع السكونى ، أبو همام الكوفى (9/7/28) .
(13) يحيى بن أيوب الغافقى ، أبو العباس المصرى (9/127/542) .
(14) يحيى بن عبد الله بن بكير المصرى (9/165/682) .
(15) يحيى بن سليم الطائفى ، أبو زكريا القرشى (9/156/647) .
فإذا اتضح لك ما أردناه بهذا البيان ، فاعلم أن مقال أبى حاتم عن يحيى بن سليم ، محمول على توثيقه إيَّاه ، كنحو :
(1) مقاله عن إبراهيم بن الزبرقان التميمى .
قال ابن أبى حاتم (2/100/275) : (( سألت أبى عنه ، فقال : محله الصدق يكتب حديثه ولا يحتج به . وأخبرنا العباس بن محمد الدوري قال سألت يحيى بن معين عن إبراهيم بن الزبرقان فقال : ثقة ثقة ، روى عنه وكيع وغيره )) .
(2) ومقاله عن إبراهيم بن ميمون الصائغ المروزى .(1/50)
قال ابن أبى حاتم (2/134/425) : (( ذكر أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال : إبراهيم الصائغ ثقة . وسمعت أبى يقول : يكتب حديثه ولا يحتج به )) .
(3) ومقاله عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري .
قال ابن أبى حاتم (2/430/1714) : (( ذكر أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال : بهز بن حكيم ثقة . وأخبرنا محمد بن أحمد بن البراء قال : قال على بن المديني : بهز بن حكيم ثقة . وسمعت أبى يقول : هو شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به )) .
فى عشرات بل مئات من الثقات والصدوقين أمثال من ذكرنا .
290 : باب تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية
والأمرد الحسن لغير حاجةٍ شرعية
(1624) عن أم سلمة رضى الله عنها قالت : كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعِنْدَهُ مَيْمُونَةُ ، فَأَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرْنَا بِالْحِجَابِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجِبَا مِنْهُ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ أَلَيْسَ أَعْمَى لا يُبْصِرُنَا ، وَلا يَعْرِفُنَا ؟ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ )) . رواه أبو داود والترمذى ، وقال : حديث حسن صحيح .
وذكره الشيخ الألبانى فى (( ضعيف الترمذى ))(2940) و(( المشكاة ))(3116) .
قال أبو محمد الألفى : أخرجه أبو داود فى (( كتاب اللباس ))(3585) قال :(1/51)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي نَبْهَانُ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعِنْدَهُ مَيْمُونَةُ ، فَأَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرْنَا بِالْحِجَابِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجِبَا مِنْهُ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ أَلَيْسَ أَعْمَى لا يُبْصِرُنَا ، وَلا يَعْرِفُنَا ؟ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ )) .
قَالَ أَبو دَاود : هَذَا لأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً ، أَلا تَرَى إِلَى اعْتِدَادِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ، قَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ : (( اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ )) .
وأخرجه كذلك أحمد (6/296) ، وإسحاق بن راهويه (( المسند ))(1/84/34) ، وابن سعد (( الطبقات ))(8/126) ، والترمذى (2778) ، والنسائى (( الكبرى ))(5/393) وأبو يعلى (12/353/6922) ، وابن حبان (5576،5575) ، والطحاوى (( مشكل الآثار )) (1/82) ، والطبرانى (( الكبير ))(23/302/678) ، والبيهقى (( الكبرى ))(7/91) ، والخطيب (( التاريخ )) (8/338) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(19/156،155) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(29/313) من طرق عن يونس بن يزيد الأيلى عن الزهرى عن نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة به .(1/52)
وقال أبو زكريا النووى (( شرح صحيح مسلم ))(10/96) : (( وهذا الحديث حديث حسن . رواه أبو داود والترمذي وغيرهما ، وقال الترمذي : هو حديث حسن . ولا يلتفت إلى قدح من قدح فيه بغير حجة معتمدة )) اهـ .
وقَالَ أَبو عِيسَى الترمذى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )) .
قلت : ورجال إسناده ثقات مشاهير كلهم ؛ غير نبهان مولى أم سلمة وقد وثق ، وكفاه فى توثيقه وعدالته أمران :
( أولهما ) تابعيته وكونه مولىً لأم المؤمنين أم سلمة زوج النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ولهذا ذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(5/486/ 5854) قال : (( نبهان أبو يحيى مولى أم سلمة يروى عن أم سلمة . روى عنه الزهرى . وكانت أم سلمة قد كاتبته ، وأدى كتابته فعتق )) .
وقال الحافظ ابن حجر (( التقريب ))(1/559/ 7092 )) : (( مقبول من الثالثة )) ، يعنى من أوساط التابعين الذين يتلقى حديثهم بالقبول تبعاً لقاعدة الحافظ الذهبى الآنفة الذكر (( وأما المجهولون من الرواة ، فإن كان من كبار التابعين أو أوساطهم ؛ احتمل حديثه وتلقى بحسن الظن ؛ إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ )) اهـ .
ولهذا صرَّح الحافظ الذهبى بتوثيقه من غير تورية ، فقال فى (( الكاشف )) (2/316/5759) : (( نبهان . عن مولاته أم سلمة . وعنه : الزهري ، ومحمد بن عبد الرحمن . ثقة )) .
وفى هذا التصريح بتوثيقه وتعديله ؛ رد على من زعم أن ذكر الذهبى فى (( ذيل الضعفاء )) تجهيل ابن حزم إيَّاه إقرار منه بأنَّه مجهول !! . وقد علمت أنه ثقة عند الترمذى ، وابن حبان والنووى والذهبى وابن حجر ، وهو اللائق بحال التابعى الموصوف بأنه مكاتب أم سلمة .
( ثانيهما ) رواية الزهرى عنه ، ولا يضره تفرده ، فقد تفرد الزهرى عن جماعة من تابعى المدنيين ؛ لم يرو عنهم غيره ، ووثقهم أئمة التزكية والتعديل .(1/53)
ولهذا قال الحافظ ابن حجر (( فتح البارى ))(9/337) عن حديث نبهان هذا : (( وإسناده قوي وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان وليست بعلة قادحة ، فإن من يعرفه الزهري ، ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ، ولم يجرحه أحد ؛ لا ترد روايته )) .
والخلاصة أنه ليس مع من ضعَّف هذا الحديث حجة سوى :
( أولاً ) التأويل الخاطئ لقول الحافظ عن نبهان مكاتب أم سلمة : (( مقبول )) .
( ثانياً ) تقليد ابن حزم على زعمه جهالة نبهان ، وقد علمت أن الأئمة الفحول على توثيق من تفرد الزهرى بالرواية عنهم ، ومنهم نبهان مولى أم سلمة رضى الله عنهم أجمعين .
وقد أسلفنا البيان بذكر عشرين راوياً(1) ممن تفرد الزهرى بالرواية عنهم ، وتوثيق الأئمة إيَّاهم والاحتجاج برواياتهم ، تعليقاً على حديث أبى أسيد الساعدى ( الحديث الثانى ) فى :
باب بر أصدقاء الأب والأم وسائر من يندب إكرامه
فراجعه ، فإنه عظيم النفع لمن تدبره حقَّ تدبره .
ومن نوافل الإفادة ، أن تعلم أنه ليس لنبهان مولى أم سلمة فى (( الكتب الستة )) سوى حديثين . فأما حديثه الآخر ، فقد قال الترمذى (1261) : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِذَا كَانَ عِنْدَ مُكَاتَبِ إِحْدَاكُنَّ مَا يُؤَدِّي ، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ )) .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )) .(1/54)
وأخرجه كذلك الحميدى (289) ، وابن أبى شيبة (4/318) ، وأحمد (6/289) ، وإسحاق بن راهويه (( المسند ))(1/84/33) ، وأبو داود (3928) ، والنسائى (( الكبرى )) (5/389/9228) ، وابن ماجه (2520) ، وأبو يعلى (12/388/6956) ، والطحاوى (( السنن المأثورة ))(614) و(( شرح المعانى ))(4/331) ، والطبرانى (( الكبير )) (23/399/955) ، والبيهقى (( الكبرى )) (10/327) ، وابن بشكوال (( غوامض الأسماء المبهمة ))(1/172) ، والمزى (( تهذيب الكمال )) (29/312) من طرق عن سفيان بن عيينة عن الزهرى عن نبهان عن أم سلمة به .
وتابعه عن الزهرى : معمر بسياقةٍ أتمَّ وأوفى وأبين .
قال الحميدي (289) : ثنا سفيان ثنا الزهري أخبرني نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إِذَا كَانَ لإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ ، وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي ، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ )) ، قال سفيان : انتهى حفظي من الزهري إلى هذا فأخبرني بعد معمر عن الزهري عن نبهان قال : كنت أقود بأم سلمة بغلتها ، فقالت لي : يا نبهان ! كم بقي عليك من مكاتبتك ؟ ، قلت : ألف درهم ، فقالت : أفعندك ما تؤدي؟ ، قلت : نعم ، قالت : فادفعها إلى ــــــ
(1) ذكرتهم كلهم وخرَّجت أحاديثهم فى (( الإكليل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيل )) .
فلان ـ أخ لها أو ابن أخ لها ـ ، وألقت الحجاب ، وقالت : السلام عليك يا نبهان ، هذا آخر ما تراني ، إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قال : (( إِذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ ، وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي ، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ )) ، فقلت : ما عندي ما أؤدي ، ولا أنا مؤدي .
وهذه تتمة أحاديث فى (( رياض الصالحين )) ؛ وعددها أربعة أحاديث
ضعَّفها تلامذة الشيخ الألبانى ومقلدوه ، وهى صحاح
ليكتمل بها عدد أحاديث الكتاب
عشرين حديثاً
183 : باب الحث على سور وآيات مخصوصة(1/55)
(1018) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله قَالَ : وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَأَخَذْتُهُ ، وَقُلْتُ : وَاللهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ ، وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ ، قَالَ : فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ! مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ ؟ )) ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً ، فَرَحِمْتُهُ ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ، قَالَ : (( أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ ، وَسَيَعُودُ )) ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهُ سَيَعُودُ ، فَرَصَدْتُهُ ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَأَخَذْتُهُ ، فَقُلْتُ : لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ ، لا أَعُودُ ! ، فَرَحِمْتُهُ ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ، فَأَصْبَحْتُ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ! مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ ؟ )) ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً ، فَرَحِمْتُهُ ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَالَ : (( أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ )) ، فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَأَخَذْتُهُ ، فَقُلْتُ : لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ، وَهَذَا آخِرُ ثَلاثِ مَرَّاتٍ : أَنَّكَ تَزْعُمُ لا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ ، قَالَ : دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهَا ، قُلْتُ : مَا(1/56)
هُوَ ؟ ، قَالَ : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ (( اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ )) حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ ، وَلا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ، فَأَصْبَحْتُ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ ؟ )) ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللهُ بِهَا ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ، قَالَ : مَا هِيَ ؟ , قُلْتُ : قَالَ لِي : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ (( اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ )) ، وَقَالَ لِي : لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ ، وَلا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ )) ، قَالَ : لا ، قَالَ : (( ذَاكَ شَيْطَانٌ )) .
رواه البخارى .
ذكره حسان عبد المنان فى ذيل (( تهذيب رياض الصالحين )) له ، وقال : (( ولعل تعليق البخارى له بسبب ضعف عثمان بن الهيثم )) . وزعم أن : (( البخارى يتساهل أحياناً فى (( صحيحه )) فى ذكر أشياء فى الترغيب والترهيب فيها كلام )) .
وقال أبو محمد الألفى : أخرجه البخارى فى (( كتاب الوكالة )) :
بَاب إِذَا وَكَّلَ رَجُلا فَتَرَكَ الْوَكِيلُ شَيْئًا فَأَجَازَهُ الْمُوَكِّلُ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ أَقْرَضَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى جَازَ(1/57)
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو عَمْرٍو ثنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه قَالَ : وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكره بهذا السياق .
وأعاد ذكره معلَّقا فى موضعين من (( فضائل القرآن )) ، و(( بدء الخلق )) .
قلت : وهذا إسناد معلَّق صحيح ، وعثمان بن الهيثم العبدى أبو عمرو المؤذن البصرى من قدامى شيوخ البخارى ، ومن طريقه وصله ابن خزيمة فى (( صحيحه ))(2424) قال : حدثنا هلال بن بشر البصري بخبر غريب غريب حدثنا عثمان بن الهيثم مؤذن مسجد الجامع حدثنا عوف به مثله .
وأخرجه كذلك النسائى (( الكبرى ))(6/238/10795) و(( عمل اليوم والليلة ))(959) عن إبراهيم بن يعقوب ، والدارقطنى (( مجلس إملاء فى رؤية الله تبارك وتعالى ))(548) عن إسحاق بن الحسن الحربى ، والبيهقى(( شعب الإيمان ))(2/456/2388) و(( دلائل النبوة )) عن السرى بن خزيمة ، جميعاً عن عثمان بن الهيثم به .
وهذا الحديث أحد تعاليق البخارى عن مشايخه ، ولم يوصله لإحدى ثلاثة أسباب :
( أولها ) إما أنه لم يسمعه من شيخه ، وإنما حمله عن أحد شيوخه الثقات عنه .
( ثانيها ) وإما أنه سمعه منه فى المذاكرة ، ولم يرى أن يسوقه مساق الأصول .
( ثالثها ) وإما أنه سمعه منه وشكَّ وتردد فى سماعه ، فعلَّقه عنه ولم يسنده .
فإن يكن الأول ، فأقرب من رواه منهم بالبخارى : هلال بن بشر البصرى ، وهو ثقة متقن ، ولم يروى عنه فى (( الصحيح )) ، وإنما روى عنه فى (( التاريخ الكبير )) .(1/58)
قال الحافظ ابن حجر(( تغليق التعليق ))(3/295) :(( هذا الحديث قد ذكره ـ يعنى البخارى ـ في مواضع من كتابه مطولا ومختصرا ، ولم يصرح في موضع منها بسماعه إياه من عثمان ابن الهيثم . وقد وصله أبو ذر الهروى فقال : حدثنا أبو إسحاق المستملي ثنا محمد بن عقيل ثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب قال ثنا عثمان بن الهيثم بهذا الحديث بتمامه .
وأخبرني به أبو بكر بن إبراهيم بن محمد بن أبي عمر بقراءتي عليه أخبركم أبو نصر بن جميل في كتابه عن أبي القاسم بن أبي الفرج أن يحيى بن ثابت بن بندار أخبره أنا أبي أنا الحافظ أبو بكر بن غالب أنا الحافظ أبو بكر الإسماعيلي ثنا عبيد الله بن محمد بن النضر اللؤلؤي ثنا الحارث بن محمد ثنا عثمان بن الهيثم المؤذن ح قال الإسماعيلي وأخبرني الحسن بن سفيان حدثني عبد العزيز بن سلام سمعت عثمان بن الهيثم ثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأخبرنا به عاليا عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله عن زينب بنت الكمال أن يوسف بن خليل الحافظ كتب إليهم أنا أبو جعفر محمد ابن إسماعيل الطرسوسي عن أبي علي الحداد أنا أبو نعيم ثنا محمد بن الحسن ثنا محمد بن غالب بن حرب ثنا عثمان بن الهيثم فذكره بطوله.
ورواه ابن خزيمة عن هلال بن بشر الصواف ، والنسائي عن إبراهيم بن يعقوب كلاهما عن عثمان بن الهيثم به ، فوقع لنا بدلا عاليا )) اهـ .
قلت : فهؤلاء ثمانية من الأثبات الرفعاء أسندوه عن عثمان : هلال بن بشر البصرى ، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجانى ، وإسحاق بن الحسن الحربى ، والسرى بن خزيمة ، وعبد العزيز بن المنيب ، وعبد العزيز بن سلام ، والحارث بن محمد بن أبى أسامة ، ومحمد ابن غالب تمتام .(1/59)
ورجال هذا الإسناد ثقات مشاهير ، خلا عثمان بن الهيثم بن جهم بن عيسى بن حسان ابن المنذر بن عائذ العبدى العصرى ، أبو عمرو البصرى المؤذن ، فإنه ثقة يخطئ وربما خالف ، قال أبو حاتم : كان بأخرة يُلَقَّن . وقال الدارقطني : صدوق كثير الخطأ .
وذكره ابن حبان فى (( ثقاته ))(8/453/14393) ، واحتج به هو وشيخه أبو بكر بن خزيمة فى (( صحيحهما )) ، وسبقهما إلى ذلك إمام المحدثين أبى عبد الله البخارى .
فقد أخرج له البخارى فى (( صحيحه )) خمسة أحاديث مسندة موصولة ، هاك بيانها :
( الأول ) قال البخارى فى (( كتاب الحج )) : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَ ذُو الْمَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلامُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ (( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ )) فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ .
( الثانى ) وقال فى (( كتاب اللباس )) : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَوْ مُحَمَّدٌ عَنْهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ سَمِعَ عُرْوَةَ وَالْقَاسِمَ يُخْبِرَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ بِذَرِيرَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِلْحِلِّ وَالإِحْرَامِ .(1/60)
( الثالث ) وقال فى (( كتاب الأيمان والنذور )) : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَوْ مُحَمَّدٌ عَنْهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حَدَّثَهُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ ، إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ ، فَقَالَ : كُنْتُ أَحْسِبُ يَا رَسُولَ اللهِ كَذَا وَكَذَا قَبْلَ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ قَامَ آخَرُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ كُنْتُ أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا لِهَؤلاء الثَّلاث ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( افْعَلْ وَلا حَرَجَ )) لَهُنَّ كُلِّهِنَّ يَوْمَئِذٍ ، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ إِلا قَالَ : (( افْعَلْ وَلا حَرَجَ )) .
( الرابع ) وقال (( كتاب المغازى )) : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : لَقَدْ نَفَعَنِي اللهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْجَمَلِ ، بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ ، قَالَ : لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ : (( لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً )) .
( الخامس ) وقال (( كتاب النكاح )) : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ )) .(1/61)
فهذه جملة أحاديث عثمان بن الهيثم البصرى المسندة الموصولة فى (( الجامع الصحيح )) وكلها قد توبع عليها ولم يتفرد ، مما يدل على :
( أولاً ) ضبطه وحفظه وموافقته فى الأغلب للحفاظ من أصحاب : ابن جريج ، وعوف الأعرابى .
( ثانياً ) انتقاء إمام المحدثين لأحاديثه التى أتقنها وضبطها ولم يُخالفْ عليها ، ومجانبته أوهامه وما أخطأ فيه ، وخالف سائر الحفاظ الأثبات .
وبهذين الاعتبارين ، جزم إمام المحدثين بصحة تعليق حديثه عن أبى هريرة السالف ، سيما وقد توبع عليه ، كما سيأتى بيانه .
وأما قول أبى حاتم عنه : صدوق كان يتلقن بآخرة ، وقول الدارقطني : كان صدوقا كثير الخطأ ، فأعدل وأحكم دلالة لمعناهما أنه ينبغى تمييز صحيح حديثه من سقيمه ، وأعرف الناس بذلك البخارى ، فهو من قدماء شيوخه ، وقد سبر أحوالهم ، وعرف أقدارهم ، وميز أحاديثهم ، فحمل منها أصحها ، وجانب ضعافها وما يُنكر منها .
ونزيدك بياناً وإيضاحاً لهذه الدلالة ، بذكر أربعة أحاديث مما أنكروا على عثمان بن الهيثم البصرى ، فجانبها إمام المحدثين :
( الأول ) أخرج الطبرانى (( الكبير ))(7/225/6937) قال : حدثنا علي بن عبد العزيز والفضل بن الحباب قالا ثنا عثمان بن الهيثم المؤذن ثنا هشام بن حسان القردوسي عن الحسن عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من قتل عبده قتلناه ، ومن جدع عبده جدعناه )) .
وأخرجه الحاكم (4/408) من طريق محمد بن يحيى بن المنذر ومحمد بن غالب بن حرب قالا ثنا عثمان بن الهيثم المؤذن ثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من قتل عبده قتلناه ، ومن جدع عبده جدعناه )) .
قلت : وهذا منكر من حديث أبى هريرة ، ومحفوظ من حديث سمرة ، وكأن عثمان بن الهيثم كان يخطئ فيه أحياناً .(1/62)
( الثانى ) أخرج البيهقى (( شعب الإيمان ))(2/118/1345) من طريق السري بن خزيمة نا عثمان بن الهيثم ثنا عوف عن محمد عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على بلال ، وعنده صبرة من تمر ، فقال : (( ما هذا يا بلال )) ، قال : تمر ادخرته ، قال : (( أما تخشى يا بلال أن يكون له بخار في نار جهنم ، أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش أقلالا )) .
قال أبو بكر : (( خالفه روح بن عبادة ، فرواه عن عوف عن محمد قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بلال فوجد تمرا ادَّخره ... فذكره مرسلاً )) اهـ .
( الثالث ) أخرجته بيبى بنت عبد الصمد الهرثمية (( جزء بيبى ))(111) من طريق عباد بن الوليد بن يزيد الغبري حدثنا عثمان بن الهيثم المؤذن ثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( سبعة في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله : رجل ذكر الله عز وجل خاليا ففاضت عيناه ، ورجل يحب عبدا لله لا يحبه إلا لله عزَّ وجلَّ ، ورجل قلبه معلق بالمساجد من شدة حبه إيَّاها ، ورجل يعطي الصدقة بيمينه يكاد أن يخفيها من شماله ، وإمام مقسط في رعيته ، ورجل عرضت امرأة نفسها عليه ذات جمال ومنصب فتركها لجلال الله عز وجل ، ورجل كان في سرية قوم فالتقوا العدو فانكشفوا فحمى أدبارهم حتى نجا ونجوا واستشهد )) .
قلت : وهذا منكر إسناداً ومتناً ، وفى ألفاظه غرابة ، والمحفوظ حديث خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبى هريرة ، ومن هذه الطريق رواه الشيخان .
( الرابع ) أخرجه أبو بكر القطيعى (( جزء الألف دينار ))(210) قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عامر بن قيس بن عاصم المنقري البصري حدثنا عثمان بن الهيثم المؤذن حدثنا عوف الأعرابي عن الحسن عن جابر بن سمرة قال : رأيت رسول الله ليلة إضحيان وعليه حلة حمراء ، وكنت أنظر إليه وإلى القمر ، فكان في عيني أزين من القمر .(1/63)
قلت : وخالفه أشعث بن سوار ، فرواه عن أبى إسحاق السبيعى عن جابر بن سمرة ، وهو المحفوظ .
وقد أردنا مما ذكرناه من أوهام عثمان بن الهيثم التوثق لصنيع البخارى فى انتقائه لأحاديث شيوخه الصحاح ومجانبة ضعاف أحاديثهم ، ومن جملة هؤلاء عنده عثمان بن الهيثم .
ومما يليق ذكره بهذا المقام ، ما قاله الحافظ ابن حجر عن عبد الله بن صالح كاتب الليث فى (( مقدمة الفتح ))(1/414) : (( ما يجئ من روايته عن أهل الحذق كيحيى بن معين ، والبخارى ، وأبى زرعة ، وأبى حاتم فهو من صحيح حديثه ، وما يجئ من رواية الشيوخ عنه فيتوقف فيه )) اهـ .
وهذا التعليل الفائق الصحة مستغنٍ بوضوحه عن بيان دلالته عند من له إلمام ولو يسير بمعارف أهل الجرح والتعديل ، ومن خالف وجه دلالته فليس له معرفة بأصول هذا العلم الدقيق من علوم الشريعة .
ومن نوافل الإفادة أن نوقفك على بعض دلالات هذا التعليل ، بذكر راوٍ ممن أخرج له البخارى فى (( صحيحه )) حديثاً واحداً على وجه الإنتقاء والاحتجاج ، مع الجزم بضعفه وشدة وهيه وتدليسه الفاحش ؛ أعنى الحسن بن ذكوان وهو صاحب أوابد كما قال يحيى بن معين ، وقال الأثرم : (( قلت لأبى عبد الله أحمد بن حنبل : ما تقول فى الحسن بن ذكوان ؟ ، قال : أحاديثه أباطيل ! يروى عن حبيب بن أبى ثابت ولم يسمع من حبيب ، إنما هذه أحاديث عمرو بن خالد الواسطى )) ، ونقلوا عن يحيى القطان قوله عنه : يحدث عندنا بعجائب ! . فإذا كان هذا حال الحسن بن ذكوان عند هؤلاء سيما يحيى القطان إمام النقاد ورأس طائفة الجرح والتعديل ، فما تأويل قول ابن عدى فى (( كامله ))(2/317) : (( أن يحيى القطان حدَّث عنه بأحرفٍ ، ولم يكن عنده بالقوى )) ؟ .
وإذا كان الحسن بن ذكوان موسوماً بالتدليس مشهوراً به ، وقد أورد له أبو أحمد بن عدى فى (( كامله ))(5/125) أربعة أحاديث دلسها عن عمرو بن خالد الواسطى الكذاب الوضاع :(1/64)
[ أولها ] الحسن عن حبيب بن أبى ثابت عن عاصم بن ضمرة عن على عن النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم : (( من سأل مسألة عن ظهر غنى استكثر بها من رضخ جهنم ، قال : وما ظهر غنى ؟ ، قال : عشاء ليلة )) .
قال أبو أحمد : (( قال لنا ابن صاعد : وهذا الحديث رواه الحسن بن ذكوان عن عمرو بن خالد عن حبيب بن أبي ثابت بهذا الإسناد )) يعنى أنه دلَّسه ، فأسقط منه عمرو ليوهم حمله وروايته عن حبيب ! .
[ ثانيها ] بهذا الإسناد قال : (( نهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم عن كل سبع ذي ناب ، وكل ذي مخلب من الطير ، وعن ثمن الميتة ، وعن لحوم الحمر الأهلية ، وعن كسب البغي وعسب الفحل )) ، وفى رواية (( وعن المياثر الأرجوان )) ، وفى أخرى (( وثمن الخمرة )) .
قال أبو أحمد : (( وهذا الحديث يرويه الحسن بن ذكوان عن عمرو بن خالد ، وعمرو متروك الحديث ، ويسقطه الحسن من الإسناد لضعفه )) .
[ ثالثها ] الحسن عن حبيب بن أبى ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : (( أنَّ النَّبىَّ صلَّى الله عليه وسلَّم نهى أن ينتفض فى برازٍ حتى يتنحنح )) .
[ رابعها ] بهذا الإسناد والسياق وبزيادة (( ونهى أن يمشى فى خفٍ واحدٍ أو فى نعلٍ واحدٍ ، وأن ينام على طريق ، وأن يلقى عدواً له وحده إلا ان يضطر ، فيدفع عن نفسه )) .
وقال أبو أحمد : (( وهذه الأحاديث التي يرويها الحسن بن ذكوان عن حبيب بن أبي ثابت نفسه ، بينهما عمرو بن خالد ، فلا يسميه لضعفه )) .
فإذا كان ذلك كذلك ، فما وجه رواية إمام النقاد يحيى القطان عن الحسن بن ذكوان هذا الحديث الواحد الذى انتقاه إمام المحدثين أبى عبد الله ، وأودعه (( كتاب الرقاق )) من (( صحيحه ))(4/139. سندى ) فقال :(1/65)
حَدَّثنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى ـ يعنى القطان ـ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ حَدَّثنَا أَبُو رَجَاءٍ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، يُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ )) .
ربما يكتفى بعضهم بما ذكره الحافظ ابن حجر فى (( هدى السارى )) بقوله : (( والحسن بن ذكوان تكلم فيه أحمد وابن معين وغيرهما ، وليس له فى البخارى سوى هذا الحديث برواية القطان عنه مع تعنته فى الرجال ، ومع ذلك فهو متابعة )) ! .
وأقول : وتمام هذا التوجيه وكماله أن نقول :
(1) أن الحسن بن ذكوان قد صرَّح فى الحديث بالسماع ، فانتفت تهمة تدليسه .
(2) أن كون الحديث من رواية يحيى القطان عنه ، وهو أعرف الناس بما يصح من حديثه ، وما ينكر ، فهو من صحاح حديثه .
ومما يفيده هذا التوجيه : أن انتقاء الصحيح من أحاديث الضعفاء والمجروحين هو مما توافرت عليه همم الجهابذة النقاد أمثال : يحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بن مهدى ، ويحيى بن معين ، والبخارى ، وأبى حاتم وغيرهم من أئمة هذا الشأن . ومن لم يقف على مثل هذه المعرفة الدقيقة الواعية ، فليس ممن مارس هذا العلم ، فضلاً عن إتقانه ، بله الولوج فى معترك المناظرة مع هؤلاء الفحول الجهابذة فيما ذهبوا إليه من تصحيح الأخبار المصطفوية .
والخلاصة ، فإن حديث عثمان بن الهيثم الذى علَّقه إمام المحدثين ، واحتج به فى (( صحيحه )) ، هو من الصحيح المنتقى من أحاديث عثمان بن الهيثم ، وعليه علامة تصحيح إمام المحدثين وأستاذ العارفين أبى عبد الله البخارى .
191 : باب فضل صلاة الجماعة(1/66)
(1068) عن أبى الدرداء رضى الله عنه قال : سَمعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( مَا مِنْ ثَلاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ ، وَلا بَدْوٍ ، لا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاةُ ، إِلا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الغَنَمِ الْقَاصِيَةَ )) .
رواه أبو داود بإسنادٍ حسن .
ذكره حسان عبد المنان فى ذيل (( تهذيب رياض الصالحين )) له ، وقال : (( فيه السائب بن حبيش فيه جهالة . قال الدارقطنى : لا أعلم حدث عنه غير زائدة . وزاد المزى : وحفص بن عمر بن رواحة وسئل أحمد عن توثيقه ، فقال : لا أدرى )) اهـ بنصه .
وقال أبو محمد الألفى : أخرجه أبو داود (547) قال :
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة حدثنا السائب بن حبيش عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي الدرداء قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( مَا مِنْ ثَلاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلا بَدْوٍ ، لا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاةُ ، إِلا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ )) . قَالَ زَائِدَةُ قَالَ السَّائِبُ : يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ الصَّلاةَ فِي الْجَمَاعَةِ .(1/67)
وأخرجه كذلك ابن المبارك (( الزهد ))(1306) ، وأحمد (5/196 و6/446) ، والنسائى (( الكبرى ))(1/296/920) و(( المجتبى ))(2/106) ، وابن خزيمة (1486) ، وابن حبان (2101) ، والحاكم (1/330 و2/524) ، والبيهقى (( الكبرى ))(3/54) و(( شعب الإيمان )) (3/57/2859) ، وابن عبد البر(( التمهيد ))(13/281 و18/337) ، وابن عساكر(( تاريخ دمشق ))(20/98،97) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(10/183) من طرق عن زائدة بن قدامة حدثنا السائب بن حبيش الكلاعى عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال : قال لي أبو الدرداء : أين مسكنك ؟ ، قلت : بقرية دون حمص ، قال أبو الدرداء : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : فذكره .
ورواه عن زائدة جماعة من الرفعاء الكبراء : عبد الله بن المبارك ، وحماد بن أسامة ، ومروان ابن معاوية الفزارى ، وعبد الصمد بن عبد الوارث ، وعبد الرحمن بن مهدى ، ووكيع بن الجراح ، ومعاوية بن عمرو الأزدى ، وأبو سعيد عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد مولى بنى هاشم ، وأحمد ابن عبد الله بن يونس اليربوعى ، ويحيى بن أبى بكير .
وتابع زائدة عن السائب : حفص بن عمر بن رواحة الأنصارى .
فقد أخرجه ابن عساكر (20/98) من طريق أبى سعيد بن حفص بن رواحة عن أبيه ثنا السائب بن حبيش بإسناده ومتنه سواء .
وقال أبو عبد الله الحاكم : (( هذا حديث صحيح الإسناد ، متفق على الاحتجاج برواته إلا السائب بن حبيش ، وقد عرف من مذهب زائدة أنه لا يحدث إلا عن الثقات )) .
قلت : هو كما قال ، رجاله ثقات كلهم مشاهير غير السائب بن حبيش الكلاعى الشامى ، وهو صدوق صالح الحديث ، ليس له فى (( الكتب الستة )) إلا هذا الحديث .(1/68)
وذكره العجلى فى (( معرفة الثقات ))(1/384/547) ، وابن حبان فى (( الثقات )) (6/413/8347) . وفى (( تاريخ دمشق ))(20/98) عن أبى بكر البرقانى قال : وسألت الدارقطني عن السائب بن حبيش ، فقال : من أهل الشام صالح الحديث ، حدث عنه زائدة ، لا أعلم حدث عنه غيره . وفى (( الكاشف ))(1/424) : (( صدوق )) .
ومن لم يعرف حاله سكت عنه ولم يذكره بجرحة ، كما فعل البخارى فى (( التاريخ الكبير )) (4/153/2296) . ولهذا لما سأل عبد الله بن أحمد أباه عنه : أثقة هو ؟ ، قال : لا أدرى .
وأما وصفه بالجهالة ، فقد علمت أنه لم يتفرد بالرواية عنه زائدة كما انتهى إليه علم أبى الحسن الدارقطنى ، بل روى عنه كذلك حفص بن عمر بن رواحة الأنصارى ، وقد قال ابن حبان : روى عنه زائدة بن قدامة وأهل الكوفة . وبذلك انتفت جهالة عينه ، كما انتفت من قبل جهالة حاله بتوثيق هؤلاء المزكين إيَّاه ، وفيهم الدارقطنى ، مع أنه لم يعلم له راوياً غير زائدة بن قدامة .
وأما قول الحاكم عن زائدة : (( وقد عرف من مذهب زائدة أنه لا يحدث إلا عن الثقات )) ، فما أشبهه بما قال ، فقد كان زائدة ذا بصر بالرجال والرواية عنهم لا يأخذ إلا ممن هو ثقة عنده ، كما كان لا يحدث إلا من شهد له عدلان أنه من أهل السنة .
فقد قال أحمد بن صالح العجلى (( معرفة الثقات ))(1/367) : (( زائدة بن قدامة ثقفى ، كنيته أبو الصلت . كوفى ثقة ، لا يحدث أحداً حتى يسأل عنه ، فإن كان صاحب سنة حدثه ، وإلا لم يحدثه ، وكان قد عرض حديثه على سفيان الثوري ، وروى عنه الثوري )) .
وقال ابن حبان (( مشاهير علماء الأمصار ))(1/171) : (( كان من الحفاظ المتقنين ، وكان لا يعد السماع حتى يسمعه ثلاث مرات ، وكان لا يحدَّث أحدا حتى يشهد له عدلان أنه من أهل السنة )) .
فإذا ثبتت عدالة السائب بن حبيش ، فقد وجب قبول روايته والاحتجاج بحديثه ، ولهذا صحَّح حديثه ابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم وغيرهم .(1/69)
55 : باب فضل الزهد فى الدنيا والحث على التقلل منها
(482) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضى الله عنه قَالَ : قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ ؟ ، فَقَالَ : (( انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ )) ، قَالَ : وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ ، فَقَالَ : (( انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ )) ، قَالَ : وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، فَقَالَ : (( إِنْ كُنْتَ تُحِبُّنِي فَأَعِدَّ لِلْفَقْرِ تِجْفَافًا ، فَإِنَّ الْفَقْرَ أَسْرَعُ إِلَى مَنْ يُحِبُّنِي مِنَ السَّيْلِ إِلَى مُنْتَهَاهُ )) رواه الترمذى وقال : حديث حسن .
وذكره الشيخ أبو إسحاق فى (( النافلة فى الأحاديث الضعيفة والباطلة ))(13) ، وضعَّفه بروح ابن أسلم وأبى الوازع .
قال أبو محمد الألفى : أخرجه الترمذى (2350) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نَبْهَانَ بْنِ صَفْوَانَ الثَّقَفِيُّ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ أَسْلَمَ حَدَّثَنَا شَدَّادٌ أَبُو طَلْحَةَ الرَّاسِبِيُّ عَنْ أَبِي الْوَازِعِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ ؟ ، فَقَالَ : (( انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ )) ، قَالَ : وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ ، فَقَالَ : (( انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ )) ، قَالَ : وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، فَقَالَ : (( إِنْ كُنْتَ تُحِبُّنِي فَأَعِدَّ لِلْفَقْرِ تِجْفَافًا ، فَإِنَّ الْفَقْرَ أَسْرَعُ إِلَى مَنْ يُحِبُّنِي مِنَ السَّيْلِ إِلَى مُنْتَهَاهُ )) .
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ شَدَّادٍ أَبِي طَلْحَةَ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ .(1/70)
قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَأَبُو الْوَازِعِ الرَّاسِبِيُّ اسْمُهُ جَابِرُ بْنُ عَمْرٍو ، وَهُوَ بَصْرِيٌّ )) .
وأخرجه كذلك الرويانى (2/88/872) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(12/398) كلاهما من طريق نصر بن على بن نصر الجهضمى ثنا أبى عن شداد أبى طلحة الراسبى عن أبي الوازع عن عبد الله بن مغفل قال : قال رجل : يا رسول الله إني أحبك في الله ، فقال : (( إن كنت صادقا فأعد للفقر تجفافا ، للفقر أسرع الى من يحبني من السيل إلى منتهاه )) .
قلت : والحديث بهذا الإسناد رجاله ثقات كلهم ، نصر بن على الجهضمى فما فوقه . وأبو الوازع الراسبى اسمه جابر بن عمرو ، قال ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل )) (2/495/2033) : (( جابر بن عمرو أبو الوازع الراسبي . روى عن : أبى برزة ، وعبد الله ابن مغفل ، وأبى أمين . روى عنه : أبان بن صمعة ، وشداد بن سعيد الراسبي ، وأبو هلال . أخبرنا محمد بن حمويه بن الحسن سمعت أبا طالب قال : سألت أحمد بن حنبل عن أبى الوازع جابر بن عمرو فقال : بصرى ثقة . وذكره أبى عن إسحاق بن منصور الكوسج عن يحيى بن معين قال : أبو الوازع ثقة )) . وذكره ابن حبان فى (( الثقات )) (4/103/2013) .
قلت : قد كان يكفى فى توثيق أبى الوازع الراسبى شهادة الإمامين أحمد ويحيى ، فكيف وقد احتج به مسلم فى (( صحيحه )) .
فقد أخرج له ثلاثة أحاديث ، كلها عن أبى برزة الأسلمى ، وهاكها :(1/71)
(1) قال فى (( كتاب الفضائل ))(16/98. نووى ) : ثنا سعيد بن منصور ثنا مهدي بن ميمون عن أبي الوازع جابر بن عمرو الراسبي سمعت أبا برزة يقول : بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً إِلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ، فَسَبُّوهُ وَضَرَبُوهُ ، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لَوْ أَنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ مَا سَبُّوكَ وَلا ضَرَبُوكَ )) .
(2) وقال فى (( كتاب البر والصلة ))(16/171) : حدثني زهير بن حرب ثنا يحيى بن سعيد عن أبان ابن صمعة حدثني أبو الوازع حدثني أبو برزة قال : قلت : يا نبي الله علمني شيئا أنتفع به ؟ ، قال : (( اعزل الأذى عن طريق المسلمين )) .
(3) وقال فيه (16/172) : حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو بكر بن شعيب بن الحبحاب عن أبي الوازع الراسبي عن أبي برزة الأسلمي أن أبا برزة قال : قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي لا أَدْرِي لَعَسَى أَنْ تَمْضِيَ ، وَأَبْقَى بَعْدَكَ ، فَزَوِّدْنِي شَيْئًا يَنْفَعُنِي اللهُ بِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( افْعَلْ كَذَا .. افْعَلْ كَذَا )) ـ أَبُو بَكْرٍ نَسِيَهُ ـ (( وَأَمِرَّ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ )) .
قلت : فإذا بان لك صحة الحديث بهذا الإسناد ، علمت أن تعصيب الجناية بروح بن أسلم أبى حاتم الباهلى ، الذى ضعَّفه ابن معين والبخارى وأبو حاتم والدارقطنى ، غفلة عن الطريق الصحيحة الثانية للترمذى ، إذ لم يتفرد روح بن أسلم ، بل تابعه عن أبى طلحة الراسبى جماعة : رأسهم وأثبتهم على بن نصر الجهضمى البصرى ، وهو ثقة ثبت اتفاقاً .(1/72)
وللحديث ـ وإن استغنى بذاته عما يشهد له ـ شواهد عن : أبى ذر ، وأبى سعيد الخدرى ، وأبى هريرة ، وأنس ، وابن عباس ، وكعب بن عجرة .
( الأول ) حديث أبى ذر :
أخرجه الحاكم (4/367) قال : حدثنا علي بن حمشاذ العدل ثنا محمد بن غالب ثنا عفان ثنا همام حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي ذر : أنه أتى النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال : إني أحُبُّكم أهلَ البيتِ ، فقال له النَّبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الله ، قال : الله ، قال : (( فأعد للفقر تجفافا ، فإن الفقر أسرع إلى من يحبنا من السيل من أعلى الأكمة إلى أسفلها )) .
قال أبو عبد الله : (( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه )) .
قلت : وهو على رسم مسلم فى (( صحيحه )) ، فقد خرَّج لإسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أبيه عن أبى طلحة حديثاً (( قَالَ أَبُو طَلْحَةَ : كُنَّا قُعُودًا بِالأَفْنِيَةِ نَتَحَدَّثُ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَامَ عَلَيْنَا فَقَالَ : (( مَا لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ ، اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ )) ، فَقُلْنَا : إِنَّمَا قَعَدْنَا لِغَيْرِ مَا بَأسٍ ، قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ ، قَالَ : (( إِمَّا لا ، فَأَدُّوا حَقَّهَا : غَضُّ الْبَصَرِ وَرَدُّ السَّلامِ ، وَحُسْنُ الْكَلامِ )) .
( الثانى ) حديث أبى سعيد الخدرى :(1/73)
أخرجه أحمد (3/42) قال : حدثنا هارون بن معروف ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد ابن أبي سعيد الخدري عن أبيه : أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( اصْبِرْ أَبَا سَعِيدٍ ، فَإِنَّ الْفَقْرَ إِلَى مَنْ يُحِبُّنِي مِنْكُمْ أَسْرَعُ مِنَ السَّيْلِ عَلَى أَعْلَى الْوَادِي ، وَمِنْ أَعْلَى الْجَبَلِ إِلَى أَسْفَلِهِ )) .
وأخرجه كذلك البيهقى (( شعب الإيمان ))(2/173/1473) من طريق بحر بن نصر الخولانى ثنا ابن وهب به مثله .
قلت : وهذا إسناد رجاله ثقات كلهم ، لكنه منقطع . عمرو بن الحارث لم يسمع من سعيد بن أبى سعيد الخدرى .
( الثالث ) حديث أبى هريرة :(1/74)
أخرجه ابن ماجه (2448) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(2/173) واللفظ له ، وابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(4/116) من طريق محمد بن فضيل ثنا عبد الله بن سعيد بن أبى سعيد عن جده عن أبي هريرة قال : جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ مَا لِي أَرَى لَوْنَكَ مُنْكَفِئًا ؟ ، قَالَ : (( الْخَمْصُ )) ، فَانْطَلَقَ الأَنْصَارِيُّ إِلَى رَحْلِهِ ، فَلَمْ يَجِدْ فِي رَحْلِهِ شَيْئًا ، فَخَرَجَ يَطْلُبُ فَإِذَا هُوَ بِيَهُودِيٍّ يَسْقِي نَخْلاً ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ لِلْيَهُودِيِّ : أَسْقِي نَخْلَكَ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : كُلُّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ ، وَاشْتَرَطَ الأَنْصَارِيُّ أَنْ لا يَأْخُذَ خَدِرَةً وَلا تَارِزَةً وَلا حَشَفَةً ، وَلا يَأْخُذَ إِلا جَلْدَةً ، فَاسْتَقَى بِنَحْوٍ مِنْ صَاعَيْنِ ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال : (( من أين لك هذا ؟ )) ، فأخبره الأنصاري ، وكان يسأل عن الشيء إذا أتي به ، فأرسل إلى نسائه بصاعٍ ، وأكل هو وأصحابه صاعاً ، وقال للأنصاري : (( أتحبني ؟ )) ، قال : نعم ، والذي بعثك بالحق لأحبك ، قال : (( إن كنت تحبني فاتخذ للبلاءِ تجفافاً ، فوالذي نفسي بيده للبلاءُ أسرعُ إلى مَنْ يحبني من الماء الجاري من قلة الجبل إلى حضيضِ الأرضِ )) ثم قال : (( اللهم فمن أحبني فارزقْهُ العفافَ والكفافَ ، ومن أبغضني فأكثرْ مالَه وولدَه )) .(1/75)
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ، آفته عبد الله بن سعيد بن أبى سعيد المقبرى ، أبو عباد المدنى . قال أحمد بن حنبل وعمرو بن علي الفلاس : منكر الحديث متروك الحديث . وقال يحيى بن سعيد القطان : استبان لي كذبه في مجلس . وقال يحيى بن معين : ليس بشيء لا يكتب حديثه . وقال النسائي وعلي بن الجنيد : متروك . وقال الدارقطني : متروك ذاهب . وقال ابن حبان : كان يقلب الأخبار ، ويهم في الآثار ، حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها .
( الرابع ) حديث ابن عباس :
أخرجه ابن ماجه (2446) ، والبيهقى (( الكبرى ))(6/119) ، وابن عساكر (6/385و42/374) عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس قال : أَصَابَ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَاصَةٌ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا ، فَخَرَجَ يَلْتَمِسُ عَمَلاً يُصِيبُ فِيهِ شَيْئًا ، لِيُقِيتَ بِهِ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَى بُسْتَانًا لِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ ، فَاسْتَقَى لَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ دَلْوًا ، كُلُّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ ، فَخَيَّرَهُ الْيَهُودِيُّ مِنْ تَمْرِهِ سَبْعَ عَشَرَةَ تَمْرَةً عَجْوَةً ، فَجَاءَ بِهَا إِلَى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال : (( من أين هذا يا أبا الحسن ؟ )) ، قال : بلغني ما بك من الخصاصة يا نبيَّ الله ، فَخَرَجتُ الْتَمِسُ عَمَلاً لأصِيبَ لك طعاماً ، قال : فحملك على هذا حب الله ورسوله ، قال علي : نعم يا نبي الله ، فقال نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( واللهِ ما مِنْ عبدٍ يحبُّ اللهَ ورسولَه إلا الفقرُ أسرعُ إليه من جريةِ السيلِ على وجهه ، مَنْ أحبَّ اللهَ ورسولَه فليُعد تجفافاً )) .(1/76)
قلت : وهذا إسناد واهٍ بمرة ، وآفته حنش ، وهو حسين بن قيس الرحبي أبو علي الواسطي . قال أحمد والنسائى والدارقطنى : متروك . وقال أبو زرعة وابن معين : ضعيف . وقال البخاري : لا يكتب حديثه . وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث منكر الحديث . وقال السعدي : أحاديثه منكرة جدا . وقال ابن حبان : كان يقلب الأخبار ويلزق رواية الضعفاء ، كذبه أحمد بن حنبل وتركه يحيى بن معين ، وهو يروى عن عكرمة عن ابن عباس نسخة أكثرها مقلوبة.
( الخامس ) حديث أنس بن مالك :
أخرجه البيهقى (( شعب الإيمان ))(2/173/1470) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي ثنا إبراهيم بن المنذر الحرامي ثنا بكر بن سليم الصواف عن أبي طوالة عن أنس بن مالك قال : أتى رجل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال : إني أحبك ، قال : (( فاستعد للفاقة )) .
وأخرجه كذلك الخطيب (( تالى تلخيص المتشابه ))(2/474) من طريق جعفر الصائغ ثنا إبراهيم بن المنذر به مثله .
قلت : وهذا إسناد لا بأس به فى المتابعات ، رجاله ثقات كلهم غير بكر بن سليم الصواف ، أبو سليمان الطائفى المدنى ، قال أبو حاتم الرازى : شيخ يكتب حديثه . وذكره ابن حبان فى (( الثقات )) . وقال الذهبى فى (( الكاشف ))(1/274) : صدوق .
( السادس ) حديث كعب بن عجرة :(1/77)
أخرجه الطبرانى (( الأوسط ))(7/160/7157) : حدثنا محمد بن عبد الرحيم ثنا أحمد بن عيسى المصري ثنا ضمام بن إسماعيل حدثني يزيد بن أبي حبيب وموسى بن وردان عن كعب بن عجرة قال : أتيت النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوما ، فرأيته متغيرا ، قلت : بأبي أنت وأمي ما لي أراك متغيرا ؟ ، قال : (( ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث )) ، قال : فذهبت فإذا يهودى يسقي إبلاً له ، فسقيت له على كل دلو تمرة ، فجمعت تمرا ، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : (( من أين لك يا كعب ؟ )) ، فأخبرته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أتحبني يا كعب )) ، قلت : بأبي أنت نعم ، قال : (( إن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى معادنه ، وإنه سيصيبك بلاءٌ ، فأعد له تجفافا )) ، قال : فقده النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : (( ما فعل كعب ؟ )) ، قالوا : مريض ، فخرج يمشي حتى دخل عليه ، فقال له : (( أبشر يا كعب )) ، فقالت أمه : هنيئا لك الجنة يا كعب ، فقال النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( من هذه المتألية على الله ؟ )) ، قال : هي أمي يا رسول الله ، قال : (( ما يدريك يا أم كعب لعل كعبا قال ما لا ينفعه ، أو منع ما لا يغنيه )) .
( السابع ) حديث مرة بن عباد :
أخرجه ابن قانع (( معجم الصحابة ))(3/58) قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن عيسى نا ابن عرفة نا عباد بن عباد عن أبان بن أبي عياش عن سعيد بن المسيب عن مرة بن عباد : أنه دخل على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فرآه واضعا يده على بطنه ، قلت : يا رسول الله ما تشكوا ؟ ، قال : (( الجوع )) ، فبكيت ، فقال : (( تحبني )) ، قلت : نعم ، قال : (( فأعد للفاقة تجفافا )) .(1/78)
قلت : وهذا إسناد واهٍ بمرة ، وآفته أبان بن أبى عياش ، وهو بين الأمر فى الضعفاء ، كذَّبه شعبة . وقال : لأن أزني أحب إلي من أن أحدَّث عن أبان بن أبي عياش . وقال أحمد بن حنبل : لا يكتب عنه كان منكر الحديث ترك الناس حديثه . وقال يحيى بن معين : هو متروك ليس حديثه بشيء .
3 : باب الصبر
(43) عن أنس رضى الله عنه قال قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) . وقالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ )) .
رواه الترمذى وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ .
ذكره حسان عبد المنان فى ذيل (( تهذيب رياض الصالحين )) له ، وضعفه براويه عن أنس : سعد بن سنان الكندى ، وذكر من ضعَّفه من الأئمة ، وقال : فلا عبرة بتوثيق ابن معين وحده ، لا سيما وأن فيه جهالة أو بعض جهالة )) كذا قال .
قال أبو محمد : أخرجه الترمذى (2396) قال :
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .(1/79)
وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ )) .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ )) .
وأخرج الأول كذلك أبو يعلى (7/247/4254،4255) ، وابن عدى (( الكامل ))(3/355) ، والدارقطنى (( مجلس إملاء فى رؤية الله تبارك وتعالى ))(180) من طرق عن ليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس بن مالك قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ، ... )) الحديث .
وأخرجه الحاكم (4/651) من طريق ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث وابن لهيعة عن سنان بن سعد عن أنس بن مالك به .
وأخرج الثانى ابن ماجه (4031) ، وأبو يعلى (7/247/4253) ، وابن عدى (( الكامل )) (3/356) ، والدارقطنى (( مجلس إملاء فى رؤية الله تبارك وتعالى ))(244) ، والقضاعى (( مسند الشهاب ))(1121) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(7/144/9783) من طرق عن ليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس بن مالك به .
وأخرجه البيهقى (( شعب الإيمان ))(7/144/9782) من طريق ابن وهب أخبرني ابن لهيعة وعمرو بن الحارث والليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن أنس بن مالك به .
قلت : هذا إسناد مصرى حسن ، رجاله موثقون كلهم ، غير أنهم اختلفوا فى اسم التابعى راويه عن أنس ، كما اختلف عليه غيرُهم على ثلاثة أقوال :
( الأول ) سنان بن سعد ، هكذا يقوله عن يزيد بن أبى حبيب : عمرو بن الحارث ، وابن لهيعة ، ومحمد بن إسحاق ، وابن أبى ذئب ، وسعيد بن أبى أيوب ، والليث من رواية عبد الله بن صالح عنه .(1/80)
( الثانى ) سعد بن سنان ، هكذا يقوله عن يزيد بن أبى حبيب : الليث بن سعد من رواية معظم أصحابه عنه ، ولا يتابع عليه .
( الثالث ) سعيد بن سنان ، هكذا روى محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عنه عدة أحاديث سمَّاه في بعضها سعيد بن سنان ، وفي بعضها سعد بن سنان ، وفي بعضها سنان بن سعد ، قاله أبو بكر الخطيب فى (( موضح أوهام الجمع والتفريق ))(2/168) .
وأصح ما في هذه الأسماء وأصوبه أولها (( سنان بن سعد )) ، كما صوَّبه البخارى وابن حبان وابن يونس وابن شاهين وجماعة .
قال أبو عيسى الترمذى : (( وسَمِعْت مُحَمَّدًا ـ يعنى البخارى ـ يَقُولُ : وَالصَّحِيحُ سِنَانُ ابْنُ سَعْدٍ )) .
وقال ابن حبان فى (( مشاهير علماء الأمصار ))(ص122) : (( سنان بن سعد . من جلة المصريين ، وهو الذي يخطىء الرواة فيه ، منهم من قال سعد بن سنان ، وقال بعضهم سعيد بن سنان . والصحيح سنان بن سعد والله أعلم )) .
وقال فى (( الثقات ))(4/336/3210) : (( سنان بن سعد . يروى عن أنس بن مالك . حدث عنه المصريون ، وهم مختلفون فيه ، يقولون سعد بن سنان ، وسعيد بن سنان ، وسنان بن سعيد . وأرجو أن يكون الصحيح (( سنان بن سعد )) . وقد اعتبرت حديثه ، فرأيت ما روى عن سنان بن سعد يشبه أحاديث الثقات ، وما روى عن سعد بن سنان وسعيد بن سنان فيه المناكير كأنهما اثنان فالله أعلم )) .
وقال أبو حفص بن شاهين (( تاريخ أسماء الثقات ))(ص104) : (( قال أحمد بن صالح : سنان بن سعد ثقة ، ليس في قلبي من حديثه شيء ، هو من أهل البصرة )) .
وقال الأمير ابن ماكولا (( الإكمال ))(4/443) : (( سنان بن سعد الكندى عن أنس وعن أبيه روى عنه : يزيد بن أبي حبيب ، ومحمد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي . وقيل فيه : سعد بن سنان . قال أبو سعيد بن يونس : وسنان بن سعد أصح )) .(1/81)
ولهذا الاختلاف والاضطراب فى اسمه ، تكلم فيه من ضعَّفه من الأئمة . قال أحمد بن أبي يحيى سمعت أحمد بن حنبل يقول : لم أكتب أحاديثه ، لأنهم اضطربوا فيها ، فقال بعضهم سعد بن سنان ، وبعضهم سنان بن سعد . وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه : تركت حديثه ، لأنه حديث مضطرب ، وسمعته يقول : يشبه حديثه حديث الحسن ، ولا يشبه أحاديث أنس . وقال السعدي : أحاديثه واهية لا تشبه أحاديث الناس عن أنس . وقال النسائي : منكر الحديث .
وأما من رجَّح الوجه الأول من أسماءه ، فلم يتردد فى توثيقه وقبوله . فقال أبو بكر بن أبى خيثمة : سئل يحيى بن معين عن سنان بن سعد الذي روى عنه يزيد بن أبى حبيب ، فقال : ثقة .
وقال العجلى فى (( معرفة الثقات ))(1/390/564) : (( بصرى تابعي ثقة )) . وذكره ابن حبان فى (( كتاب الثقات ))(4/336/3210) ، وقال فى (( مشاهير علماء الأمصار )) (ص122) : (( من جلة المصريين )) . وقال أبو حفص بن شاهين (( تاريخ أسماء الثقات )) (ص104) : (( قال أحمد بن صالح : سنان بن سعد ثقة ، ليس في قلبي من حديثه شيء ، هو من أهل البصرة )) .
وقال ابن حجر فى (( التقريب )) : ((1/231/2238) : (( صدوق له أفراد )) .
وأما الحافظ الذهبى ، فقد أسند فى (( سير الأعلام ))(8/138) حديثه عن أنس أنَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( تَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا ، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا ، يَبِيعُ أَقْوَامٌ دِينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا )) ثم قال : (( هذا الحديث حسنٌ عالٍ ، أخرجه الترمذي عن قتيبة ، فوافقناه بعلوٍ )) .(1/82)
وفيما ذكرناه من النقول عمن وثقه واعتمده ، رد على قوله الخاطئ : (( فلا عبرة بتوثيق ابن معين وحده )) . وفيما قاله الأمير ابن ماكولا فى ترجمته ، رد على الخطأ الثانى : (( لا سيما وأن فيه جهالة أو بعض جهالة )) !! .
قلت : وجملة ماله من الحديث خمسة عشر حديثاً ، المذكور منها فى (( الكتب الستة )) عشرة أحاديث ، هاكها :
( الأول ) و ( الثانى ) السالف ذكرهما .
( الثالث ) قال ابن ماجه (3987) : حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ أَنْبَأَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( إِنَّ الإِسْلامَ بَدَأَ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ )) .
( الرابع ) وقال (4056) بهذا الإسناد أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا : طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَالدُّخَانَ ، وَدَابَّةَ الأَرْضِ ، وَالدَّجَّالَ ، وَخُوَيْصَّةَ أَحَدِكُمْ ، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ )) .
( الخامس ) وقال (4214) بهذا الإسناد رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا ، وَلا يَبْغِي بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ )) .
( السادس ) قال ابن ماجه (273) : حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ ثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( لا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ ، وَلا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ )) .(1/83)
( السابع ) قال أبو داود (1585) ، والترمذى (646) كلاهما : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا اللَّيْثُ بنْ سَعدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( الْمُعْتَدِي الْمُتَعَدِّي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا )) .
وقال ابن ماجه (1808) : حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيُّ ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ به مثله .
( الثامن ) وقال الترمذى (987) بإسناده السالف أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( الصَّبْرُ فِي الصَّدْمَةِ الأُولَى )) .
وقال ابن ماجه (1596) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ به مثله .
( التاسع ) وقال الترمذى (2197) بإسناده السالف أنَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( تَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا ، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا ، يَبِيعُ أَقْوَامٌ دِينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا )) .
( العاشر ) قال ابن ماجه (205) : حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيُّ ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (( أَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ فَاتُّبِعَ ، فَإِنَّ لَهُ مِثْلَ أَوْزَارِ مَنِ اتَّبَعَهُ ، وَلا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا ، وَأَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ ، فَإِنَّ لَهُ مِثْلَ أُجُورِ مَنِ اتَّبَعَهُ ، وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا )) .(1/84)
قلت : ومتون هذه الأحاديث أكثرها صحاح محفوظة ، وليس فيها ما ينكر ، بل وبعضها مخرَّج فى (( الصحيحين )) من غير حديث أنس ، مما يشهد لها بالصحة والقبول .
ولهذا قال أبو أحمد بن عدى (( الكامل ))(3/356) : (( وهذه الأحاديث ومتونها وأسانيدها ، والاختلاف فيها ، يحمل بعضها بعضا ، وليس هذه الأحاديث مما يجب أن تترك أصلا ، كما ذكروا عن أحمد بن حنبل أنه ترك هذه الأحاديث للاختلاف الذي فيه من سعد بن سنان وسنان بن سعد ، لأن في الحديث وفي أسانيدها ما هو أكثر اضطرابا منها في هذه الأسانيد ، ولم يتركه أحد أصلا ، بل أدخلوه في مسانيدهم وتصانيفهم )) .
وقد ذكر البخارى سنان بن سعد الكندى فى (( الأدب المفرد )) ، وأخرج له حديثين :
( الأول ) قال (401) : حدثنا يحيى بن سليمان حدثني ابن وهب أخبرني عمرو عن يزيد بن أبى حبيب عن سنان بن سعد عن أنس أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (( ما توادَّ اثنان في الله جلَّ وعزَّ أو في الإسلام ، فيفرق بينهما أول ذنب يحدثه أحدهما )) .
( الثانى ) قال (424) : حدثنا أحمد بن عيسى حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبى حبيب عن سنان بن سعد عن أنس عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (( المستبان ما قالا ، فعلى البادىء حتى يعتدى المظلوم )) .(1/85)