ملتقى أهل الحديث
www.ahlalhdeeth.com
(1)
ولد الشيخ محمد الطيب بن إسحاق الأنصاري في بلدة تنبكتو بمنطقة المراقد في الصحراء الكبرى الإفريقية عام 1296هـ، وفيها نشأ وتربى، ولما بلغ الثامنة من عمره توفي والده، فكفله جماعة من أقاربه، فحفظ القرآن الكريم، وتلقى العلم في حلقات التدريس على علماء بلده.
وفي عام 1323هـ هاجر إلى المدينة المنورة، ومنها انتقل إلى مكة المكرمة متفرغاً للعبادة والزهد، وتلاوة القرآن، ومطالعة العلوم الشرعية والعربية، ولم يطل به المقام حتى عاد إلى المدينة المنورة ليستقر فيها، ويشارك في التدريس في حلقات المسجد النبوي الشريف، يدرس العلوم العربية، والفقه، والتفسير، وفي عام 1341هـ عين رئيساً لمدرسي المسجد النبوي.
ثم التحق بمدرسة العلوم الشرعية، وتولى رئاسة مدرسيها بناء على طلب مؤسسها والمسؤول عنها السيد أحمد الفيض آبادي، وظل يشتغل بالتدريس والتأليف حتى وفاته سنة 1362هـ فدفن بالبقيع، وصلي عليه صلاة الغائب في المسجد الحرام، وفي المسجد الكبير بالرياض.
كان الشيخ أحد علماء المدينة، وفقهائها الكبار، اتصف بالتقوى والورع والزهد، وبالعلم الوفير، وتتلمذ عليه عدد من العلماء منهم :
إسماعيل حفظي، ومحمد عمر بري، وعلي حافظ، وعثمان حافظ، وعبيد مدني، وأمين مدني، وعبد القدوس الأنصاري، وغيرهم.
مؤلفاته :
ـ الدرة الثمينة في النحو، نظم فيها شذور الذهب لابن هشام.
ـ اللآلئ الثمينة في شرح الدرة الثمينة.
ـ تحبير التحرير في اختصار تفسير الإمام ابن جرير.
ـ التحفة البكرية في نظم الشافعية.
ـ السراج الوهاج في اختصار صحيح مسلم بن الحجاج.
ـ البراهين الموضحات في نظم كشف الشبهات.
1
قالَ محمدُ المسمَّى الطَّيِّبا
السلفيُّ نِحْلةً ومذهبا
2
الحمدُ لله الكريمُ إِذ كَشَفْ
عنا سحابَ الجَهْل فضلاً فانْكَشَفْ
3
وعَلَّمَ التَّوحيدَ والقرآنا
أَنزلَهُ مفصَّلاً تِبْيانا
4
ثمَّ صلاتُه على مَنْ قد حَما(1/1)
جوانِبَ التَّوحيدِ أَعظمَ حما
5
والمستجيبين له من صحبِهِ
وآلِه والمنتمي بحبِّهِ
6
هذا وكَشْفُ الشُّبُهات أَلَّفَهْ
إِمامُ وقتِهِ الصحيحُ المعرفةْ
7
محمدُ بن عابد الوهَّابِ
مجدِّدُ الدين بلا ارتيابِ
8
فجا كِتاباً حَجْمُهُ صغيرُ
لكِنَّهُ في علمِهِ كبيرُ
9
وَقَدْ أَشارَ الشيخُ عبدُاللهِ
سليلُهُ ابنُ الحسن الأَوَّاهِ
10
رأْس قُضاةِ الوقتِ في الحِجازِ
بِنَظْمِهِ في قالَبِ الإِيجازِ
11
فصغتُهُ بمقتضى الإِشارةْ
نظماً بديعاً واضح العبارة
12
فقلتُ باسم اللهِ مستعيناً
إِذْ هُوَ حسبي وكفى مُعينا
( بيان أن الدعوة إلى إفراد الله بالعبادة هي دين الرسل )
13
إِفرادُ ربِّ العرشِ بالعبادةِ
دينُ الكرامِ المرسلينَ القادةِ
14
أَرسَلَهم لِيُعلموا عبادهْ
أَنْ يُفْرِدوهُ جَلَّ بالعبَادهْ
15
وَذلِكَ التوحيدُ لاَ يَنْجو أَحدْ
بِغَيرِه من العذابِ والنَّكدْ
16
أَوَّلهمْ نُوحٌ أَتى لمن غَلَوا
في الصالحينَ والكفورِ قَدْ أَتَوْا
17
وُداً سواعاً ويَعوقَ نَسْرا
من قدْ أَضَلُّوا في الأَنامِ كَثْرا
18
وَخَيْرُهُم آخِرُهُم محمدُ
وكلُّهمْ بالمعجزاتِ أُيِّدوا
19
نَبيُّنا هو الذَّي قَدْ كَسَّرا
لهؤُلاءِ الصَّالحينَ صُوَرا
20
أَتَى لِقَومٍ يَتعبدونَ
بالصومِ والكعبةِ يَقْصدونَ
21
وَيَتَقَربونَ بالإِنْفاق
في سَبُلِ الخَيراتِ والإِعتاقِ
22
ويَذْكُرونَ الله لكنْ جَعَلوا
وسائِطاً إِليهمُ تَبْتَسِلُ
23
بَيْنَهُم وبينَ خالِقِ السَّما
كمَثلِ عيسىَ وَعُزَيْزِ مَريما
24
فَجاءَهم نَبيُّنا محمدُ
لِدينِ إِبْراهيمَ قَدْ يجدِّدُ
25
يُخْبِرُ أَنَّ الإعتِقادَ والقُربْ
حَقٌّ لِخالِق السَّماءِ والتُّرَبْ
26
لَيسَتْ لمَرسَلٍ نبيٍّ لاَ ولاَ
لَمَلكٍ مُقَرَّبٍ نالَ العلاَ
27
مع عِلْمِهمْ بأَنَّهُ لاَ يَخلُقُ
إِلا الإِلهُ وكذا لاَ يَرْزُقُ
28
سِواهُ لا يُحيي ولا يُميتُ
سِواهُ جَلَّ مَنْ هو المُميتُ
29
وأَنَّهمْ عَبيدُهْ قد صُرِّفوا(1/2)
فيما أَرادهُ وَلاَ يَنْحَرِفوا
30
دليلُنا في سورةِ الفلاَح
وَيُوُنُس المعروفُ بالصَّلاح
31
إِذا علِمْتَ أَنَّهمْ أَقَرُّوا
بِذا ولَمْ يَنفَعُهُمْ إِذا فَرَّوا
32
عمّا دعاهُم إِليه أَحمدُ
صَلَّى عليهِ ذو الجلال ِالصمَّدُ
33
عَلِمتَ باليقينِ أَن ما جَحَدْ
المشركونَ هو توحيدُ الأَحَدْ
34
بِحَقِّه من العباداتِ وقَدْ
سماهُ مُشْركو الزَمانِ المعْتقَدْ
35
كَدأْبِهِمْ في كَونِهِمْ يدعونَ
الله دأْباً ثُم يُشركونَ
36
بدعوةِ الأَمْلاكِ للصَّلاحِ
وقُربِهِم مِنْ خالقِ الأَشْباحِ
37
وبِدُعاءِ مُرْسلٍ كَعيسى
أَوْ مَرْيم فبئسَ فِعْلاً بِيْسا
38
وَمِنْهُمُ داعي أُولي الصَّلاحِ
كالَّلاتِ يا لَذا من الجناحِ
39
في سُورةِ الجِنِّ معاً والرَّعدِ
دَليلُنا فاقرأْ تَفُزْ بالقَصْدِ
( بيان أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتل الكفار ليكون الدين كله لله )
40
ثُم عَرَفْتَ أَنَّ خَيْرَ الخَلْقِ
قاتَهَلُمْ لِرَدِّهِمْ للحَقِّ
41
وليكونَ واصِباً للهِ
الدينُ كُلُّه بِلاَ اشتباهِ
42
مِنَ الدُّعا والنَّذْرِ واستغاثةِ
والذَّبْحُ والخَوفُ والإسْتعانةِ
43
ورغبةٍ ورهبةٍ وذبحِ
وكلَّها مِنْ غيرِ رَبِّي نَحِّ
(بيان أن قتال الرسول صلى الله عليه وسلم للمشركين بعدم إقرارهم بتوحيد الألوهية مع إقرارهم بتوحيد الربوبية )
44
كَدَأْبِهِمْ في كَونِهِمْ يَدْعونَ
الله دأْباً ثُمَّ يُشرِكونَ
45
بِدعوةِ الأَملاكِ للصَّلاحِ
وقُرْبِهِمْ مِنْ خالِقِ الأَشْباحِ
46
إِذا عَرَفْتَ أَنَّهم فاهو بما
مِنَ الرُّبُوبِيةِ للهِ انْتَمى
47
ولمْ يَكُنْ يُدْخِلُ في الإِسلامِ
وأَنَّ قَصْدَهُم إِلى الكْرامِ
48
مِنَ الملاَئِكِ والأولياءِ
قَصْدٌ إِلى الشَّفاعةِ العَلْياءِ
49
هو الذي أَحلَّ منهُمُ الدِّما
والمالَ بان أَنَّ أحمدٌ سَما
50
إِلى دُعائِهم إِلى التَّوحيدِ
ومالَ أَهلُ الشِّركِ للجُحودِ
51
وهو معنى لاَ إِلهَ إِلاَّ
الله عَزَّ رَبُّنا وَجَلاَّ(1/3)
52
إِذ الإِله عِنْدَهُم منْ يُقْصَدُ
لأَجلِ ذي الأُمورِ مهما يُوجَد
53
نَبيًّا أَو مَلَكاً أَو وَليّاً
أَو شجراً أَو قَبراً أَو جِنِّياً
54
ما فَسَّروا الإِله بالرزاقِ
وَلاَ المُدبِّرِ وَلاَ الخلاَّقِ
55
بل يَعْلَمون كَوْن ذي الأَوصافِ
للهِ جلَّ الله ذو الأَلطافِ
56
بل إِنَّما يَعْنونَ بالإِلهِ ما
يَريدُ بالسَّيِّدِ أَرْبابُ العَما
57
فجاءَهمُ النبي يَدعوهمْ إِلى
كَلِمةِ التَّوحيدِ نعم عَمَلا
58
وَهِيَ لا إِلهَ إِلا الله
محمدٌ أَرْسَلَهُ الإِلهُ
( بيان مراد النبي صلى الله عليه وسلم بلا إله إلا الله )
59
لكنَّما المرادَ من ذي الكلمةْ
مَدْلولُها لاَ لَفْظُها لتَفهمه
60
وجُهَّلُ الكُفارِ يَعْلمونَ ما
أَرادَهُ بها النبيُّ المُعْتَمى
61
إِفرادُ ربِّ العَرْشِ بالتَّعليقِ
والحبِّ والخُضوعِ بالتَّحْقيق
62
والكفرُ بالطاغوتِ وهو ما عُبِدْ
من دُونه مع البَراءِ للأَبدْ
63
فإِنَّه لمَّا دَعَا بالقَولِ
بها قُريشاً قابلوا بالجَهْلِ
64
وَعجبوا منه فقالوا أَجَعَلْ
الآيةَ اتْلُ تَعْجَبَنْ مِمَّنْ جَفْلْ
( بيان المشركين الأولين أعلم بمعنى لا إله إلا الله )
65
من بعضِ مَنْ يَنْسَب إِلى العِلْمِ
في زمننا فَضلاً عن العوامِ
66
إِذا عرَفْتَ أَنَّهم قَدْ عَرَفوا
مرادهَ فاعجبْ لِمَنْ قَدْ يُعْرَفَ
67
بِسِمَةِ الإِسلامِ وهو يَجْهَلُ
ما عَرَفَ الكفارُ بل يُؤَّوَّلُ
68
ظَنّاً بأَنَّ المقْصدَ النُّطقَ بما
فيها من الحروفِ فانظرْ ذا العمى
69
مِن غيرِ عَقْدِ القَلْبِ من معْناهُ
شَيئاً وذو الحِذْقَ الذي يَراهُ
70
بأَنَّهُ لا يَخْلُقُ الخَلْقَ وَلاَ
يَرْزقُ إِلا الله جَلَّ وَعَلاَ
71
مْن كان أَهلُ الكُفرِ أَعْلَمَ بِذا
منه فلا خَيرَ به فلينبذا
( بيان جهل كثير من الناس بما أتت به الرسل من الدين )
72
إِذا عَرَفْتَ ما ذَكَرْتُ مَعْرِفَهْ
حَقيقَةُ القْصَدِ بِها مُنْكَشفَهْ
73
ثُمَّ عَرَفْتَ أَعْظَمَ المنْهي(1/4)
عَنْه وذاكَ الشرك أَقْصى الغي
74
لأَنَّ ربَّ العرشِ لَيسَ يَغْفره
ما دونَهُ وَيَسترُهْ
75
لمن يَشا ثُمَّ عَرَفْتَ دينَ مَنْ
أَرْسَلَهُم إِلى الورى ربُّ المننْ
76
ثُمَّ عَرَفْتَ ما عيه أَصْبَحا
غالِبُ أَهْلِ الوَقْتِ مما فَضَحا
77
مِن جَهْلِهمْ بديننا استَفدْنا
فائدتين بِهِما أُسْعِدنا
78
أُولاهما الفَرحُ بالأَفضالِ
مِنْ الإِلهِ جَلَّ ذَو الجَلالِ
79
وَرَحْمَةٍ إِذ حَضَّنا على الفَرَحْ
بذينِ في فليْفْرَحوا لا بالمَرحِ
80
أُخراهُما الخَوفُ العَظيمُ إِذ يَقعْ
في الكُفْرِ خالي الذِّهنْ مما قد وَقَعْ
81
لِكلْمَةٍ تَخْرجُ منه جَهْلاً
أَو ظنَّها قُرْبى تَنيلُ فَضْلاً
82
كَحالِ أَهلِ الكُفرِ لكنْ مَنْ نَظَرَ
في قَولِ أَصْحابِ الكَليمِ المُنْتَقر
83
مَعَ الصلاحِ وَمَع العْلمِ رغَبْ
في كلِّ ما يُنْجيهِ من هذا العطَب
84
فإِنَّهُم أَتوهُ قائلينَ
اجْعلَ لنا في آيةٍ يتلونَ
( بيان أن كل داعٍ إلى الحق لا بد له من أعداء يدعون إلى ضد ما يدعو إليه )
85
مِنْ حِكْمَةِ الباري إِذا ما أَرْسَلاَ
عَبْداً رَسولاً بِالهُدى أَنْ يَجْعَلا
86
لهُ شياطينَ مِنْ الأَناسي
والجِنَّ أَعداءِ أُولي الأَلباسِ
87
يوحى زخاريفَ الكلامِ بَعْضُهم
لبَعْضِهم لكي يَغُرُّوا مِثلَهُمْ
( بيان أن أعداء التوحيد لهم كتب وحجج وعلوم يغرون بها أمثالهم )
88
وَقَدْ يَكون للأَعادي كُتُبُ
وَحُجَجٌ كَثيرةٌ قَدْ رَتَّبوا
89
ثم الطريقةُ إِلى الإِلهِ لا
بُدَّ لها مِن العِدا والجُهلا
90
عليه قاعدين بالفصاحةِ
والعِلم ِوالحججِ بالبجاحةِ
91
لكي يَصدوا عن سَبيلِ اللهِ
أَمثالَهم مِنْ كلِّ غَاوٍ لاه
(بيان أنه يجب على الموحد أن يتخذ من كتاب الله وسنة رسوله ما يتخذه سلاحاً يقاتل به أعداء التوحيد )
92
إِذاً على منْ كان ذا تَوحيدِ
تَهيئةَ السِّلاحِ بالتَّعْديدِ
93
بِهِ يُقاتل الشياطينَ الأُولى
قالَ إِمامهمْ لربي ذي العُلاَ
94(1/5)
لأَقعُدَنَّ لهم أتلها في
إِحدى الطِّوال سورة الأَعراف
95
أَقبلْ على اللهِ واصْغيَنْ إِلى
حِجَجَه تَنَل العلا
96
تأْمن وَتَسْلَم منه إِنَّ كَيده
مُضعَّف والله فاسأَل ردَّهُ
97
فجاهلٌ موَحِّدٌ يُنْتَدَبُ
مِنْ عُلماءِ الشركِ أَلفاً يَغْلِبُ
98
وأَنَّ جُنْدَنا لهم دَليلُ
حقٌّ على جميع ما أَقولُ
99
قد غَلَبوا بِحجةِ اللِّسانِ
كقهرهِم بالسَّيفِ والسنانِ
100
وإِنما الخوفُ على موحِّدِ
يَسْلك ذا الطريقَ غيرَ معتدِ
101
مِنَ السِّلاحِ ما به يقاتِلُ
جَميعَ من بباطلٍ يناضلُ
( بيان أن كتاب الله حجة على كل مبطل إلى يوم القيامة وأنه لا يأتي مبطل بشبهة إلا وفي القرآن ما يبطلها )
102
لكنه مَنَّ علينا الله
ببعثه النَّبي إِذ آتاهُ
103
بِذا الكتابِ الجامعِ المفصَّلِ
مبيناً لكل أَمرٍ مُشكلِ
104
وهو هُدىً ورَحْمةٌ وَبُشرى
للعُلَماءِ المُصلحين طُرَّا
105
لا يأْت مُفتنٌ لآخر الأَبدْ
بشبهةٍ إِلا وفي القرآنِ ردّ
106
لما له من شُبْهَةٍ مُبَيِّنُ
بُطلاَنَها أَو ذاكَ أَمرٌ بَيِّنُ
107
في سُورةِ الفرقانِ ذا وهو يَعمّ
في كلِ باطْلٍ إِلى يومِ الزَحم
( فصل في ذكر أشياء سئل عنها مؤلف الأصل فأجاب عنها بجوابين مجمل ومفصل )
108
وأَنا أشْيا ذاكر مما ذَكر
الله في كتابهِ عزَّ وَبَرّ
109
إِجابة لبعضِ مُشركي الزَّمَن
أَدلى بشبهةٍ لإِلقاءِ الفتن
110
قلنا جوابُ المُبْطلين مُجْمَل
فيه شِفاءُ العِيِّ أَو مفصل
111
فالأَوَّل الأَمرُ العظيمُ الفائدهْ
لمنْ له عقلٌ يَجي بالعائدهْ
112
وذاكَ أَنَّ الله جلَّ وعلاَّ
في آل عمران قرآناً أَنزلاَ
113
وقَسَّم القرآن بينَ المحكَمِ
والمتَشابهِ الذي لَمْ يَعْلَمِ
114
تأْويلَهُ سوى الإِلهُ الحكمُ
فَمَنْ به يؤْمنْ يفُزْ ويَسلَمُ
115
من يتتبعه يُرِدْ تأْويلَهُ
فَهْوَ من أهل الزيغِ لاَ نرثي لَهُ
116
وأَهلُ فتنةٍ فذانِ جُعِلاَ
علامةَ الزيغِ كما قَدْ نُقِلاَ
117(1/6)
عنِ النَّبيِّ المصطفى إِذ قالاَ
إِذا رأَيتَ فاطلبِ المقالاَ
118
مثاله أَن يَذْكرَ المشَبِّهُ
قولاً به عليك قَدْ يُشَبِّهُ
119
كأنْ يقولَ أَولياءُ اللهِ لا
خوفٌ عَليهم اتْلُوَنَّ المُنْزَلا
120
والأَنبياء لَهُمُ جاهٌ وحقّ
شَفاعةُ النَّبيِّ في يومِ القَلَقْ
121
أَو استدلَّ بحديثٍ أَنتَ لا
تفهمُ مِنْ معناهُ شيئاً فقلا
122
إِنَّ الَّذي ذَكَرْتَهُ يا مُشرِكُ
وَمَنْ عن الحقِّ المبينِ يؤْفَكُ
123
من آيةٍ أَو مِنْ حديثٍ لستُ
أَفهَمُه لكنَّني أَيقنتُ
124
أَنَّ التناقضَ بآي الذِّكْرِ
مُمْتَنعٌ قَطعاً كذاكَ أَدري
125
إِنَّ كلامَ أَحمدَ لا يختلفْ
مع كلام اللهِ ذا قطعاً عُرِفْ
126
وما ذكرتُ لكَ أَنَّ الله
أَخبرَ أَنَّ كلَّ من قَدْ تاها
127
من مشركي العُرْبِ قَدْ أَقرا
بأَنَّه ربُّ الأَنامِ طُرّا
128
وأَن كفرَهم من التعلُّقِ
على الملائكِ وكلِ متَّقي
129
يرجونَ منهمُ الشفاعةَ كما
في يونسَ قد جاء نصّاً مُحْكَما
130
أَمرٌ جليٌّ مُحكمٌ وبيِّنُ
تغييرُكُمْ معناهُ ليسَ يمكِنُ
131
هذا جوابٌ متقنٌ سديدُ
يفهمهُ الموَفَّقُ الرشيدُ
132
لا تستهينَنْهُ فإِنَّه كما
قد قالَه في فصِّلَتْ ربُّ السما
( الجواب الثاني وفيه ثلاث شبه الشبهة الأولى )
133
أَما المفصَّلُ فإِن الأَعدا
ذوو اعتراضاتٍ تفوق العَدّا
134
فإِنْ يَقولوا نَحْنُ لَسنا نُشرِكُ
وأَحمدُ المختارُ ليسَ يملِكُ
135
لنفسِه فضلاً عن الجيلاني
نَفْعاً وَلاَ ضراً وَلاَ من شاني
136
لكنَّ الأوليا لَهُمْ جاهٌ عَظُم
وشفعاءُ هم لمن بِهم أَلمّ
137
وأَنا مذنبٌ فأدْعوهُم لِما
لَهُم من الجاهِ وقُرْبٍ يُنْتَمى
138
فقُلْ له مَنْ قاتلَ الرسولُ
كلٌّ مُقِرُّون بما تقولُ
139
وإِنَّ ما قد عَبَدوه من وَثَنْ
ليسَ لها التدبيرُ لا وَلاَ عننْ
140
وَإِنما قصدُهم الشَّفاعةْ
والجاهْ فارددْ هذه الشناعةْ
141
بما أَتى موضَّحَاً في المُنْزَلِ
وما بيونسَ وغيرها تُلِي(1/7)
( الشبهة الثانية )
142
وإِنْ يَقُلْ قَدْ نَزَلتْ فيمن عبدْ
من هذه الأَصنامِ شيئاً وعندْ
143
أَتجعلونَ الصُّلَحا أَصناماً
بما مضى جاوِبْ تنلْ مُراما
144
إِذا أَقرَّ أَنَّ مَنْ قَدْ كَفرا
يشهدُ أَن الله ربَّ ذي الورى
145
أَنَّهم ليس لَهم قصدٌ سوى
شفاعةٍ والجاهِ يا لهم توى
146
لكن أَراد الفرقَ بين فعلِه
وفعلِهم بما أَتى من جهلِه
147
فَقُلْ له فإِنَّ منهم مَنْ عبدْ
أَهلَ الصلاحِ وإِليهم قد صَمَدْ
148
أُولئِكَ الذينَ يدعون أَتتْ
فيهم ومريمُ البتولُ عُبِدَتْ
149
مع ابنها المسيحِ عيسى فقصرْ
على الرسالةِ كما في الذِّكْرِ قَرْ
150
كلاهُما قد يأْكُلانِ ما حَضَرْ
من الطعامِ مثل حالِ البَشَرْ
151
واذكُرْ له براءةَ الأَملاكِ مِنْ
مَنْ عبدوه سبأَ اتلُ تَفْهمَنْ
152
فبانَ أَنَّ قاصدَ الأَصنامِ
في الشركِ مثلُ قاصدِ الأَعلامِ
153
وقاتَلَ الرسولُ هؤُلاءِ
وهؤُلاءِ لِذا على سواءِ
( الشبهة الثالثة وكشفها )
154
إِنْ يَقُلِ الكفارُ قَدْ أَرادوا
منهم قضا حوائجٍ فجادوا
155
وأَنا أَشهدُ بأَنَّ النفعا
والضرَّ من ربِ الأَنامِ قطعا
156
لا أَرتَجي من غيرهِ شيئاً وَلاَ
للصلحا مِنْ الأَمر شيئاً مسجلا
157
لكنَّني أَقصدُهم وأَرجو
من ربِنا أَن يشفعوا فأَنجو
158
فقُلْ له هذا سواءٌ بسوا
مقالةُ الكفارِ عُبَّادُ الهوى
159
فاقرأْ عليه آي ما نعبدُهُم
إِلا وتَمِّمْ تعلمَنَّ كفرَهم
160
وهؤُلاءِ شفعاؤُنا تُلِي
في سورةٍ من الكتابِ المنزَلِ
161
واعلمْ بأَنَّ ذي الثلاثِ الشُّبَه
أَكبرُ ما عندَهمُ فانتبِهِ
162
إِذا علمتَ أَنَّه وضَّحَها
في آيةٍ ربي ونلتَ فهمَها
163
فكلُّ ما جا بعدَهُن أَيسرُ
جوابها لعالمٍ مُيَّسرُ
( فصل في ست شبه أخرى ) (الأولى )
164
وإِنْ يقلْ إِني لستُ أَعبدُ
غيرَ الإِلهِ ثُمَّ ما قَدْ أَجدُ
165
مِنَ الْتِجاءٍ بي إِلى الصلاحِ
ليسَ عبادةً من المباحِ
166
فأَجِبِ أَنَّ الله حقّاً افترضْ(1/8)
عليكَ إِخلاصَ العبادةِ وحضّ
167
وهو حقُّه عليكَ فأَبِنْ
معنى العبادةِ تكنْ ممَّنْ زُكِنْ
168
أَو لا فكيفَ تدَّعي ما لستَ
تعرفُه فبالخسارِ بؤْتا
169
إِذْ صرتَ لا تعرِفُها أدْهى ولا
أَنواعها فصرتَ رأْسَ الغُفَلا
170
بيانُها أَنَّ الدُّعا تضرُّعاً
وخُفيةً به الإِله قد دعا
171
فمن دعا تضرعاً وخُفيهْ
امتثلَ الأَمرَ بغيرِ مِرْيَهْ
172
وعَبَدَ الرَّحمنَ ثُمَّ إِنْ دعا
وليّاً أو سواه مثل ذا الدُّعا
173
فإِنَّه أَشركَ ذلك الوليّ
معْ ربِّهِ وذا هو الشركُ الجَلِيّ
(جواب ثان )
174
وَقُلْ له أَيضاً إِذا صليتَ
للهِ والنحرَ له أَتيتَ
175
أَلستَ قد عبدتَ ربكَ فلا
بُدَّ يقولُ إي وربِّي ذي العلا
176
ممتثلاً لأَمرِه في الكوثرِ
أَنزلَهُ الله على المُدَّثِرِ
177
فإِنْ نحرتَ لوليِّ أَو نبي
أَلستَ قَدْ أَشركتَ يا هذا الغبي
( جواب ثالث )
178
وَقُلْ له أَيضاً أُولئكَ الأُولى
فيهم كتابُ اللهِ حقّاً نُزِّلا
179
هل يعبدونَ اللاتَ والأَملاكا
والصُّلَحا لاَ بُدَّ حين ذاكا
180
مِنْ أَنْ يقولَ في جوابهِ نعمْ
فقُلْ له مُبَكِّتاً لما التزمْ
181
هل عبدوها بسوى الدعاءِ
والذبحِ والنحرِ والالتجاءِ
182
ونحوِها مع أَنَّهُم أَقرُّوا
أَنْ ليسَ ينفعُ ولا يضرُّ
183
ولا يُدبِّرُ الأُمورَ لاَ وَلاَ
يُحيي ولاَ يُميتُ إِلا ذو العُلا
184
لكنْ أَرادوه الجاهَ والشفاعة
كما فَعلتمُ يا ذوي الشناعةْ
185
وظاهرٌ هذا ظهوراً جداً
فافهمْه واجتنبْه تُدْرِكَ سعدَا
( شبهة رابعة وكشفها )
186
وإِنْ يَقُلْ هل تُنْكِرنْ شفاعةْ
نبيِّنا يومَ تقومُ الساعةْ
187
وتبرأَنْ منها فقل لاَ بَلْ أَنا
مثبتُها راجٍ لها بِلاَ عَنا
188
فكيفَ لا والشافعُ المشفَّع
هو و ذا عليه أَمرٌ مُجْمَعُ
189
لكنني أَطْلُبُها من ربِّي
إِذ هي مُلْكُه بغيرِ رَيْبِ
190
في الزمرِ اتلونَّ قُلْ للهِ
فلا تكنْ عَنْ تَلْوِها بساهِ
191
وهي لا تكونُ قطعاً إِلاَّ(1/9)
من بعدِ إِذنِ اللهِ عزَّ جلاَّ
192
لقولِهِ ما مِنْ شفيعٍ إِلاَّ
من بعدِ إِذنه تعالى جَلاَّ
193
من ذا الذي يشفعُ عندَه أَتى
في سورةِ العوانِ أَيضاً مثبَتا
194
والشُّفعا لا يشفعونَ إِلاَّ
لِمَنْ أُنيلَ الإرتضاءَ الأعلى
195
ولا ينالُ الإِرتضاءَ الأَعلى
إِلاَّ امرؤٌ موحدٌ للمولى
196
في آل عمرانَ والأنبياءِ
والنجمِ خُذْ ذَيْنِ بِلاَ مراءِ
197
فحينَ بان أَنها للهِ جلّ
جميعُها ولا لغيرِه دخلْ
198
وبعد إِذنِه تكونُ للنَّبي
ومَنْ بِها بفضلِ ربِّهِ حُبِي
199
وليسَ يشفعُ النَّبيُّ في أَحدْ
إِلاَّ بإِذنِ اللهِ في ذاكَ الأَحدْ
200
وليسَ يأْذنُ الإِلهُ في سوى
من هوفي التوحيدِ قلبُه ارتوى
201
تَبَيَّنَ استبدادُ ربِّ الناسِ
بها جميعِها بِلاَ التباسِ
202
أَطْلُبُها منه أَقولُ ربِّ
هَبْ لي شفاعةَ النبيِّ الحِبِّ
203
لا تَحْرِمَنِّيها وفيَّ شَفِّعِ
نَبِيَّنا الموصوفَ بالمُشَفَّعِ
204
ونَحْوَها وليسَ ضِيْقٌ فيه
لكلِّ ما موحدٍ نبيهِ
205
وإِنْ يَقُلْ أُعْطِيَها وأَنا قَدْ
أَسأَلُه ممَّا أَنالَهُ الأَحدْ
206
يَقُلْ نَعم أُعطيها لكن مَنَعْ
سؤَالَها من غيرِهِ فلْتَرْتَدِعْ
207
أَيضاً فقد أُعْطِيَها غيرُ النَّبيّ
ممن بفضلِ ربِّهِ قد اجْتُبِي
208
مثلُ الملائكِ والاوليا فهل
تطلبُها من كلِّ صالحِ العملْ
209
وإِنْ تقلْ أَفعلُ صرتَ عابدا
للصُّلحاءِ للسعيرِ واردا
210
وإِنْ تَقُلْ لا فمقالُكَ بطلْ
أَطْلُبُ ما أُعطي لآخرِ الجدلْ
( شبهة خامسة )
211
وَإِنْ يَقْلُ حاشا وكلا أَن أُرى
أُشركُ بالرَّحمنِ أَو أَنْ أَكفرا
212
لكنَّ الالتجا إِلى الصلاح
ليسَ بشركٍ لا ولاجَناحِ
213
فَقُلْ فهل تَقِرُّ أَنَّ الشركَ قَدْ
حَرَّمَهُ عليك ربُّنا الصَّمَدْ
214
فوقَ الزِّنى وأَنَّهُ لا يغفرُ
فقررنْ أَحسنَ ما يقرَّرُ
215
فَبَيِّنِ الشركَ كمَنْ علَّمَهُ
فإِنَّ ربَّ العرشِ قَدْ عظَّمَهُ
216
فإِنَّه لَمْ يدرِ فأَعْجَبْ ولتقلْ(1/10)
أَيَتَبَرَّى الشخصُ ممَّا قد جَهِلْ
217
وإِذ جَهلتَهُ فكيفَ لا تَسلْ
عما عليكَ حَرَّمَ الربُّ الأَجل
218
وهل تَظُنُّ أَنَّهُ حرَّمهُ
عليكَ نصّاً ثم ما أَفْهَمَهُ
( الشبهة السادسة )
219
و إِن يقولوا الشركُ شركُ مَنْ عبدَ
مِن هذه الأَصنامِ شيئاًُ وعَنَدْ
220
ونحنُ لا نعبدُها فَقُلْ وما
عبادةُ الأَصنامِ فسِّرْ تَفْهَما
221
فهَل يرونَ تلكَ الاَّ حِجارا
تجيرُ مَنْ بِها قَدِ استجارا
222
أَو أَنها تنفعُ أَو تضرُّ أَو
تُدَبِّرُ الأَمرَ لِمَنْ لها دَعَوا
223
وإِن تَظُنَّ بهم هذا فقد
يُكذِّبُ القرآنُ هذا المعتقدْ
224
أَو قَصْدَهم بنيةً أَو حجرا
أَو قبراً أو خشبةً أَو صوراً
225
يدعونَها ويذبحونَ عِندَها
تقرُّباً بذا لِمَنْ أَوجَدَها
226
بزعْمِهم كما أَتانا في الزُّمَرْ
بأَنَّ مَنْ يَقُلْ كهذا قَدْ كَفَرْ
227
صَدَقْتَ لكنْ قَدْ فعلتَ مثلَ ما
قد فَعَلوه فارتكبتُم مأْثَما
228
وأَنتَ قَدْ أَقررتَ أَنَّ فعلَكُم
عبادةُ الأَصنامِ قطعاً ويْلَكُمْ
229
فصرتُمُ مثلَهُم في الشركِ
والزيغِ من غيرِ مِرىً وشكِّ
230
يُقالُ أَيضاً قولُكَ الشركُ إلى
آخره بَيِّنْهُ لي وفَصِّلا
231
فهل ترى الشِّرْكَ عليها قد قُصِرْ
ودعوةُ الصَّلاحِ أَمرٌ مُغْتَفَرْ
232
ليستْ من الشركِ فهذا كَذَّبَه
كتابُ ربِّنا العظيم المَنْقَبَهْ
233
مبيناً لكفرِ مَنْ تعلَّقا
على الملائكِ وعيسى المُنْتَقَى
234
وغيرِهم مِنْ صُلَحا لابدَّ أنْ
يَقِرَّ أَنَّ ذا هو الشركُ العَلَنْ
235
وهو المرادُ ثم سِرُّ المسأَلةْ
أَنَّ المُشَتِّبه لدى المجادَلَةْ
236
يقولُ لستُ مشركاً بربِّي
فَقُل وما الشركُ إِذاً بالربِّ
237
فسِّرْه لي مُبيناً وإن يَقُلْ
عبادةُ الأَصنامِ من غير خَجَلْ
238
فَقُلْ وما عبادةُ الأَصنامِ
فسِّرْ يَبِنْ أَنْ لستَ بالإِمامِ
239
وإِنْ يَحُدْ وقالَ إِنَّني لا
أَعبدُ إِلا الله جلَّ وعلا
240
فقُلْ وما عبادةُ الرَّحمنِ(1/11)
موحداً من غيرِ ما نُكرانِ
241
وإِنْ يفسِّرْها بما القرآنُ
فسَّرَها بهِ فنعمَ الشانُ
242
وِإْن يَكُنْ جاهلُها كبيرٌ يدَّعي
ما رأْسُهُ بعلمِهِ لمْ يُرْفَعِ
243
وإِنْ يفسِّرْها بغيرِ ما أَتى
في الذِّكْرِ بينتَ الذي قد ثَبَتا
244
بواضحاتِ الآيِ معنى الشركِ مع
عبادةِ الأَوثانِ حتى يَقْتَنِعْ
245
أَنَّ الذي يفعلُه أَهلُ الزمنْ
هذا بعينهِ هو الشركُ الفتنْ
246
وأَنَّه عبادةُ الله العلي
من غيرِ شركٍ باطنٍ أَو مُنْجلي
247
هي التي صاحوا بِها علينا
وأَنكروا ونَسَبوا إِلينا
248
من الأُمورِ ما هُمُ بهِ أَحقّ
إِذ يَعبدونَ غيرَ خالقِ الفَلَقْ
249
فاعلمْ إِذاً بأَنَّ شركَ مَنْ سَبقْ
أَخفُّ مِن إِشراك مَن قَدِ التحقْ
250
من أَهلِ وقتنا بأَمرين وما
قد جاءَ في القرآن ِنصُّ فاعلما
251
من أَنَّهم لا يُشركون إِلاَّ
في حالةِ الرخاءِ منهم جَهْلا
252
أَما إِذا رَكِبوا في الفُلْكِ
وأَشرفوا على مبادي الهُلْكِ
253
دَعَوا إِلهَ العرشِ مخلصينَ
له الدُّعا إِليهِ مقبلينَ
254
في سورة الإِسرا والأنعامِ الزمرْ
لقمانَ فانْظرْهُ بهذه السُّوَرْ
255
وكُلُّ مَنْ يَفهمُ هذي المسأَلةْ
إِذْ ذُكِرَتْ مُوضَحَةٌ مُفَصَّلَةْ
256
في الذكرِ وهي أَنَّ مَنْ قاتَلَهم
خيرُ الورى ثم استحلَّ ما لهم
257
يَدعونَ ربَّ العرشِ في الرخاءِ
كذاكَ غيرُه بلا مراءِ
258
أَما لدى الضراءِ والشدائدِ
فليسَ يَدعونَ سواء الواحدِ
259
سبحانَه إِليهِ راغبينَ
ومالهمُ من سادةٍ ناسينَ
260
بانَ له خفةُ شركِ مَنْ سَبَقْ
وقوةُ الشركِ الذي لِمَنْ لَحِقْ
261
لكنَّ مَنْ يَفهم هذي المسأَلةْ
بقلبهِ من هؤُلاءِ الجَهَلَةْ
262
والمستعانُ الله مَنْ به هُدِي
بفضلِهِ هو الذي قد يَهْتَدي
263
والأَولونَ إِنما يدعونَ
بجهلهم ناساً مقرَّبينَ
264
كالأَوليا والأَنبيا أَو الحجرْ
ليسَ له ذنبٌ و لا منه ضررْ
265
ومشركو زمانِنا يدعونَ
ناساً بفسقِهم يُخَبِّرونَ
266(1/12)
كالتركِ للصلاةِ والسرقةِ
مع الزِّنى كذاكَ شربُ الخمرةِ
267
فبانَ أَنَّ مَنْ دعا وعبدا
أَحبابَ ربِّ العالمين السُّعَدا
268
أَو حجرٍليسَ له ذنبٌ ولا
ليسَ له علمٌ بما قَدْ فَعَلا
269
أَهونُ إِشراكاً من الذينا
يدعونَ فُسَّاقاً مُشَعوِذينا
270
يُقَدِّرونَ الخيرَ فيهم مع ما
قد شاهدوا من فِسْقِهِم ومن عمى
( الشبهة العظيمة وأجوبتها )
271
إِذا عرفتَ أَنَّ مَنْ قاتلَهم
خيرُ الورى حتى استباحَ ما لهم
272
أَصحُّ عقلاً وأَخفُّ شركاً
من هؤُلاءِ المشركين النوكا
273
فاسمعْ لما يَلقُونَه من شبهةٍ
عظيمةٍ من عندِهم مشكلةٍ
274
على الذي لمْ يتأَملْ فيها
وَلَمْ يَكُنْ في نفسِهِ نَبيها
275
قالوا الذينَ نُزِّلَ القرآنُ
فيهم أُناسٌ دأْبُهم كفرانُ
276
لم يَشْهدوا أَنْ لا إِله إلاَّ
الله عزَّ ربُّنا وجَلاَّ
277
ويُنكرونَ البعثَ والقرآنُ
عَندَهُمُ سحرٌ أَو البُهْتانُ
278
ونحنُ لا إِله إِلاَّ الله
نَقولُها والكفرُ أَنكَرْناه
279
وأَنَّ أَحمدَ رسولُ اللهِ
والذِّكْرَ صَدَّقْنا بلا اشتباهِ
280
وبالصِّيامِ والصَّلاةِ نَعبُدُ
إِلهَنا وبَعْثَنا لا نَجْحَدُ
281
كيفَ تُسؤُّونا بِهؤُلاءِ
وحالُنا ليسَ على سواءِ
( الجواب الأول )
282
فقُلْ لهُم عندي لهذه الشُّبَهْ
أَجوبةٌ مُفحِمةٌ مُرتَّبةْ
283
أَولها الإِجماعُ أَنَّ مَنْ قَبِلَ
بعضَ الذي أَتى به خيرُ الرسلْ
284
وَرَدَّ بعضاً أَنَّه لمْ يَدخُلِ
في دينِ الإسلامِ الرضيِّ الأَفضلِ
285
بل هو كافرٌ كذا إِن آمنا
ببعضِ ما نَزَلَ ثُمَّتَ انثنى
286
جحداً عن البعضِ كذاكَ إِن أَقرّ
للهِ بالتوحيدِ ثم قد نَكَرْ
287
فرضَ الصلاةِ أَو أَقرَّ بهما
وقال حقُّ المالِ ليسَ مُلزما
288
أَو قَدْ أَقرَّ بالجميعِ وجحدْ
فريضةَ الحجِ إِلى بيتِ الصَّمَدْ
289
وحينَ لَمْ ينقدْ أُناسٌ في أَمد
نبيِّنا للحجِّ أَنزلَ الصمدْ
290
في آل عمرانَ من الآياتِ ما
فيه انزجارٌ مبصرٌ لذي العمى
291(1/13)
ومن أَقرَّ بجميع ما ذُكِرْ
وَجَحَدَ البعثَ بإِجماعٍ كفرْ
292
وحلَّ منه الدمُ والمالُ كما
في سورة النساء جلَّ حَكَما
293
مُصَرِّحاً بأَنَّ كلَّ مَنْ أَقرّ
ببعضهِ وبعضُه منه نَفَرْ
294
فإِنَّه الكافرُ حقّاً فظهرْ
زوالُ ذي الشبهةِ حتى لا أَثرْ
( الجواب الثاني )
295
وقُلْ له أَيضاً إِذا كنتَ تُقِرّ
بأَنَّ مَنْ صَدَّقَ كلَّ ما ذُكِرْ
296
جميعَه وواحداً منه نَكَرَ
لا شكَّ أَنَّه بذاكَ قد كَفَرْ
297
إِذاً فتوحيدُ الإِلهِ أَعظَمُ
ممَّا أَتى به النَّبيُّ الأَعظمُ
298
من الصَّلاةِ والزكاةِ وسوى
هما كذا من كلِّ ما الشرعُ حوى
299
فكيفَ من جَحَدَ ممَّا قد ذُكِرْ
شيئاً بإِجماعِ الأَنامِ قَدْ كُفِرْ
300
ولو بكلِّ عملٍ قَدْ عَمِلا
جاءَ به خيرُ نبيِّ أْرْسِلا
301
ومَن لتوحيدِ الإِله قد جَحَدْ
ليسَ بكافرٍ ولا أَتى الفَنَدْ
302
سبحانَ ربي فما أَعجبَ ما
أَتاه أَهلُ الجهلِ أَربابُ العمى
( الجواب الثالث )
303
وقُلْ له أَيضاً فأَصحابُ النبي
قَدْ قاتلوا قومُ مُسيلمِ الغبي
304
مع كونهم قد أَسلموا مع النبي
صلى عليه الله مع كلِّ نبي
305
ويشهدونَ بالشهادتينِ
صَلُّوا وأَذنبوا بغيرِ مَيْنِ
306
وإِنْ يَقُلْ هم جعلوا مُسيلمهْ
مثلَ إِمامِ الحنفاءِ المسلمةْ
307
فقُلْ له هذا هو المطلوبُ
جوابُه مُستحضرٌ موهوبُ
308
إِن كانَ مَنْ رفع إِنساناً إِلى
مرتبةِ مَنْ للأَنامِ أُرْسِلا
309
يَكُفُرُ لا تنفعُهُ الصلاةُ
ولا الشهادتانِ والزَّكاةُ
310
ومالُهُ ودمُه حِلاًّ فما
حالةْ مَنْ لقدرِ جبارِ السَّما
311
والأَرضِ يَرَفَعُ نبيًّا أَو وَلي
أَو الصحابي الرفيع المنزلِ
312
سبحانَ ربي شأْنُه ما أَعظَمَهْ
على عُصاةِ أَمرِهِ ما أَحْلَمَهْ
313
فإِنَّه على قلوبِ الجُهَلا
يَطبعُ هذا في الكتابِ أنْزِلا
( الجواب الرابع )
314
وقُلْ لهمُ أَيضاً عليُّ أَحْرَقا
قَوماً غَلَوا فيه وما إِن أَشفقا
315
قَدْ صَحِبوه وتَعَلَّموا على(1/14)
أَصحابِ خيرةِ الأَنامِ الفُضَلا
316
لكنَّهم يعتقدونَ في علي
مثلَ اعتقادِ بعضِكم في الجُهَّلِ
317
وغيره ممَّنْ تَسمَّى بالولي
في رأْي كلِّ جاهلٍ ومبطل
318
فأَجمَعَ الصَّحبُ على مقتلهِم
وكفرِهم وذا جزاءُ مثلهِم
319
أَتحسبونَ أَنَّ أَصحابَ النبي
يحرِّقونَ من بالإسلام حُبي
320
أَو الصَّحابةُ يُكَفِّرِون
قوماً أُولي الإِيمانِ مسلمينَ
321
أَم تَحسبونَ الإعتقادَ في عَلي
كُفْرٌ وفي مَنْ دونَه دينٌ جَلي
322
أَو الغلوُّ في عليٍّ كُفْرُ
وفي مشايخِ الطريقِ بِرُّ
( الجواب الخامس )
323
أَيضاً بنو عبيدٍ القداحِ
تملكوا المغربَ بالكفاحِ
324
ومصرَ في عهد بني العباسِ
يرون أَنَّهم أَتمُّ الناسِ
325
ديناً وإِسلاماً ويشهدونَ
شهادةَ الحقِّ ويجمَعونَ
326
لمَّا أَتوا جهلا أُموراً منكَرَةْ
تخالفُ الشريعةَ المُطهَّرَةْ
327
أَجمعَ أَهلُ العلم والعرفانِ
على قتالِهم بلا ثنيانِ
328
وأَنَّ قُطرَهم بلادُ حربِ
لغزوهِم قد قامَ كلُّ ندبِ
329
من مسلمي زمانِهم فاستخلصوا
تلكَ البلادَ إِذ لربي أَخلصوا
( الجواب السادس )
330
أَيضاً فقُلْ إِنْ كانَ مَنْ قد غبَروا
من مشركي العربِ لمْ يُكَفَّروا
331
إِلاَّ لكونِهم مُكَذبينَ
بالبعثِ والقرآنِ مُنكِرين
332
وَكَذَّبوا النبي فما الذي ذُكِرْ
في كلِّ مذهب وإِمامٍ مُعتَبر
333
بابُ ارتدادِ مسلمٍ بقولِ
يُخرِجُه عن دينهِ أَو فِعلِ
334
وذَكروا مِنْ ذاكَ أَنواعاً تُحِلّ
دَمَ امرئ إِذ في الكفورِ قَدْ دخلْ
335
وذكروا أَشيا يسيرةً على
قائِلها إِذ قالها مُغَفَّلا
336
أَو هازلاً أَو مازحاً ككلمةِ
يقولُها جهلاً بغير نيَّةِ
( الجواب السابع )
337
وقُلْ لهم أَيضاً أُولئك الأُولى
فَضَحَهم ربُّ السماواتِ العلى
338
إِذ قالَ يحلفونَ باللهِ إِلى
كلمةِ الكفرِ وما لهم تلا
339
أَما سمعتَ أَنَّه كفَّرهم
وهم معَ النبي وما أَعذرَهم
340
مع الجهادِ معه والصلاةِ
والحجِّ والتوحيدِ والزكاةِ
341(1/15)
كذاكَ مَنْ أَنزلَ لا تعتذِروا
فيهم بمزحٍ وبهزلٍ كفروا
342
وهؤُلاءِ صرَّحَ الرَّحمنُ
بكفرِهم إِذ جابَه القرآنُ
343
من بعدِ إِيمانٍ وهم مع النبي
صلى عليه الله معْ كلِّ نبي
344
في غزوةٍ إِلى تبوكَ تُنسَبُ
فأَوجبوا بِكلمَةٍ ما أَوجبوا
345
تكلّموا بها لخوضٍ ولَعِبْ
بلا اكتراثٍ وهمُ ممَّنْ صَحِبْ
346
فانظُرْ إِلى شبهتِهم وانظرْ إِلى
جوابِها الموضِّح ما قد أَشكلا
347
تأَمَّلَنْهُ إِنَّه أَنفعُ ما
في هذه الأَوراقِ إِذ جَلا العما
( جواب آخر )
348
أَيضاً من الدليل ما الله ذَكَرْ
عن قومِ موسى مع علمٍ قد بَهَرْ
349
ومن علومٍ وصلاحٍ إِذ دَعَوا
موسى فقالوا اجعلْ لنا وما ارعووا
350
وقولُ ناسٍ من صحابةِ النبي
فذاتَ أَنواطٍ لنا اجعلْ يا نبي
351
فأَقسمَ النَّبيُّ أَن قولَهم
نظيرُ ما قالَ اليهودُ ويلهُمْ
352
لكنْ لأَهلِ الشركِ شبهةٌ بها
يُدْلونَ في قصتنا ذي انْتَبِها
353
قالوا فما كَفَّرَ موسى أَحداً
منهم ولا محمدٌ بل شدَّدا
354
قُلنا نعم لو فعلوا لَكُفِّروا
وإِذ همُ ما فَعلوا قد نُفِّروا
355
لكنَّ ذي القصةِ تُستفادُ
منها أُمورٌ عِلْمُها رشادُ
356
مِنْ ذاك أَنَّ المسلمَ العالمَ قد
يُشرك في أَقوالِه ولم يُرِدْ
357
فيتعلمُ إِذاً ويجتهدْ
ويتحرزُ من القولِ الفَنِدْ
358
وأَنَّ قولَ القائلِ التوحيدُ
كُلاًّ فهمناهُ لنا يُفيدُ
359
بأَنَّه في أَكبرِ الجهالةْ
وهو من الشيطانِ في حبالَةْ
360
وأَنَّ مَنْ فاهَ بما يؤُولُ
للكفرِ جاهلاً بِما يقولُ
361
ثُمَّتَ نُبِّهَ وفي الحال رَجَعْ
حالاً ففي الكُفورِ قَطْعاً لم يَقَعْ
362
لكنَّه تَلَفَّظَ الكلاما
عليه إِذ أَتى بما يُلاما
363
كَمِثْلِ ما قد قالَ عالمُ السننْ
مكبراً والله إِنّها السَّنَن
( شبهة أخرى )
364
ذي شبهة أُخرى يَقولون النبي
صلى عليهِ الله مع كلِّ نبي
365
أَنكَرَ ما أَتى به أُسامَةْ
إِذ سَلَّ في غزوتِه حُسامَةْ
366
على الذي قتلَهُ يقولُ لا(1/16)
إِلهَ إِلاَّ الله جلَّ وعلا
367
قالَ له موبخاً أَبعدَ ما
قَدْ قالَها قتلتَهُ مُتهما
368
قالَ أُمرتُ أَن أُقاتِلَ الورى
حتى يقولوا أَتْمِمَنَّ الأَثرا
369
كذاكَ قَدْ أَتتْ أَحاديثُ نهتْ
عن قتلِ من قَدْ قالَها وكثرتْ
370
هذا وقصدُ هؤُلاءِ الجُهَلا
أَنَّ الذي قد قالَها لن يُقتلا
371
ولا يُكَّفرُ ولو فعلَ ما
فعلَ قُلْ لهم فقطعاً عُلِما
372
أَنَّ الرسولَ قاتلَ اليهودَ معْ
قولِهِمُ بها وذا حقّاً وَقَعْ
373
وصحبُه بني حنيفةٍ رُموا
بالحربِ حتى رجعوا عمَّا ادعوا
374
وهُم إِلى الإِسلامِ يُنسَبونَ
وبالشهادتينِ يَنْطقونَ
375
وهم يقرون بأن من جحد
ركناً من الإسلام يقتل إذ
376
وحَرَّقَ الصَّهْرُ عليُّ قوما
بها يقولونَ وليسَ ظُلْما
377
و أَنكرَ البعثَ ولو كررَ لا
عند إِله إِلا الله جلَّ وعلا
378
فكيفَ لا تَنْفَعُهُ إِذا جَحَدْ
فرْعاً وتنفعُ إِذا التوحيدَ ردّ
379
وهو أَساسُ الدينِ والرأْسُ فلا
أَعجبُ مِنْ ذا الجهلِ عند العُقَلا
380
لكنَّ أَعداءَ الإِلهِ جَهِلوا
معنى الأَحاديثِ التي تأَوَّلوا
381
أَما أُسامةُ فإِنَّه قتلْ
من هو ظاهرٌ بالإِسلامِ اهْتَبَلْ
382
فظَنَّ أَنَّهُ لخوفٍ عن دمِهْ
ومالِهِ أَسلَمَ أَو عن حَرَمِهْ
383
فأَخطأَ الحُكمَ فإِنَّما يجبُ
كفُّ السنانِ عنه دَرْءاً للعَطَبْ
384
حتى يَبينُ منه ما يُخالِفُ
ما يدَّعي فهو بذاكَ تَلِفُ
385
فأَنزلَ الإِلهُ في ذلكَ ما
في سورةِ النساءِ جاءَ مُحْكَما
386
معاتباً وبالتبيُّنِ أَمَرْ
والكفِّ مع تثبُّتٍ بلا ضَرَرْ
387
وبعد هذه الثلاثِ إِنْ ظَهَرْ
خلافُ ما يقولُ فالدمُ هَدَرْ
388
لو كانَ مَنْ أَتى بها لا يُقْتَلُ
لم يَكُ للتَّثْبيتِ مَعْنى يُعْقَلُ
389
وهكذا كلُّ الأَحاديثِ التي
تَأْمُرُ بالكفِّ وبالتثبُّتِ
390
فمظهرُ التوحيدِ والإِسلامِ
يَجِبُ عنه الكفُّ بالتَّمام
391
إِلا إِذا بانَ به خِلافُ ما
أَظهَره فالسيفُ خُذْه حَكَما
392(1/17)
دليلُنا أَنَّ رسولَ اللهِ قد
عاتبَ من لِقَتْلِ ذا الشخصِ عَمَدْ
393
وهو الذي قالَ أُمرتُ أَنْ إِلى
آخرِ ما قد قَالَهُ خيرُ المَلا
394
هو الذي قد قالَ في الخوارجِ
قولاً يُسيءُ وجْهَ كلّ خارجي
395
معمِّماً في قتلِهِم بأَينما
مشبِّهًا لهم بعادِ اللُّؤَما
396
معْ أَنهم من أَكثرِ الخلائقِ
هيلَلَةً وطاعةً للخالقِ
397
واحتقرَ الصحبُ نفوسَهم لِما
يأْتُونَهُ منِ اجتهادٍ عَظُما
398
تَعَلَّموا العِلْمَ من الصَّحابةِ
ما نَفَعَتْهُم كثرةُ العبادةِ
399
وقولُ لا إِله إِلاَّ الله
محمداً أَرْسَلَهُ الإِلهُ
400
ولا ادِّعا الإِسلام لمَّا أَنْ ظهرْ
منهم خلافُ شرعِنا الأَعلى الأَغَرّ
401
كذا قتالُه اليهودَ اللُّؤَما
كذا بنو حنيفةٍ أَهلُ العَما
402
وهمُّه يغزو بني المصطلقِ
لخبرٍ أَتاهُ غيرِ حقِّ
403
بمنعِهم زكاتِهم فنزلا
في الحجراتِ ما أَتى مُرَتَّلا
404
فبانَ أَنَّ مقصِدَ النَّبيِّ في
كلِّ حديثٍ ماذكرنا فاقْتَفِ
( شبهة أخرى )
405
وشبهةٌ أُخرى لَهُمْ ما ذَكَرا
مُبَيِّنا محمدٌ خيرُ الوَرَى
406
من استغاثةِ الورى بالأَنْبيا
وفي الصحيحِ ذا الحديثُ رُوِيا
407
قالوا وهذا أَوضحُ الدليلِ
مِنْ عِند كلِّ منصفٍ نبيلِ
408
على جوازِ الإستغاثةِ بِمَنْ
يُرْجى لَدَيْهِ الغَوْثَ في كلِّ الزَّمَنْ
409
نقولُ سبحانَ الإِلهِ إِذ طَبَعْ
على قُلَيْبِ كلِّ معتدٍ لُكَعْ
410
نَعم جوازُها بمخلوقٍ بما
عليه يَقْدِرُ لَدَيْنا عُلِما
411
قال تعالى فاسْتَغاثَه الذي
لا غَرْوَ ذا الذي عليه نَحْتَذي
412
وَيستغيثُ الشخصُ بالإِخوان
في الحربِ والرفعِ وفي الحِمْلانِ
413
في كلِّ ما المخلوقُ عنه يَقدِرُ
والإستغاثةُ التي قد تُنْكَرُ
414
هي استغاثةُ العبادةِ التي
فعلتُمُ عندَ قبورِ الجِلَّةِ
415
من أَولياءٍ ودُعا الغِيَّابِ
في غفلةٍ عن مالِكِ الأَربابِ
416
في كلِّ ما لا يقدِرُ المخلوقُ
عليه من أَمرٍ ولا يُطيقُ
417(1/18)
فالإستغاثَةُ إِذاً بالأَنبيا
يومَ القيامةِ كَما قدْ رُوِيا
418
إِرادةٌ منهم دعاءَ اللهِ
لِما لهم من عندِهِ من جاهِ
419
لأَنْ يُحاسِبَ الورى فتُوزنُ
أَعمالُهُم فيستريحُ المؤْمِنُ
420
مِنْ كَرْبِ ذاك المَوْقِفِ العظيمِ
وطولِهِ وهَوْلِهِ العميمِ
421
نُخبرها دنيا وأُخرى مثل مَنْ
يقول يا أَخي النُهى ادعون
422
بالخيرِ وهو سامعٌ كلامَهُ
وجالسٌ في الجَنْبِ أَو أَمامَهُ
423
كفعلِ أَصحابِ رسولِ اللهِ
إِذْ يَسْأَلونَه دعاءَ اللهِ
424
لهم بخيرٍ في حياتِهِ وفي
مماتِهِ فذاك عنه مُنْتَفِ
425
حاشا وكَلاَّ أَنَّ شخصاً سأَلَهْ
من بعدِ موتِهِ بأَدنى مسأَلَةْ
426
بل أَنْكَرَ الأَسلافُ قَصْدَ قبرِهِ
مِنْ عندِهِ يدعو لأَيِّ أَمرِهِ
427
فكيفَ مَنْ يَدْعو النبي بنفسِهِ
فهوَ أَذَلُّ وأَخسُّ جنسِهِ
( شبهة عرض جبريل على إبراهيم بـ" ألك حاجة " )
428
وشبهةٌ أُخرى لهم عرضُ المَلَكْ
جبريلَ في الهواءِ قائلاً أَلَكْ
429
من حاجةٍ لإِبْراهيمَ إِذْ نُظِمْ
في المَنْجنيقِ لِجَحيمٍ مُصْطَلِمْ
430
قالوا لِذا فالإسْتَعانَةُ نَرَى
جوازَها لعرضِ خيرِ السُّفَرا
431
قَبولَها على الخليلِ فَثَبَتْ
أَن لا تُرى حُرْمًا ولا شِركاً يُبَتّ
432
جوابُ هذي كجوابِ الأُولى
فإِنَّ روحَ القُدسِ جبرائيلا
433
لا شكَّ قادِرٌ على أَنْ يَنْفَعَهْ
إِما بِطَفْءِ النارِ أَو أَنْ يَرْفَعَهْ
434
إِلى السَّما أَو بِتَغَيُّبٍ إِذا
أَمَرَهُ من عنه دافعَ
435
إِذ وضَعَه بمكنةٍ وقوةٍ
أَتى كتاباً وكذا بمرة
436
مثالُهُ كرَجُلٍ غَنِيِّ
مَرَّ بشخصٍ ذا عَنا وَعِيِّ
437
قالَ لهُ هلْ لكَ مِنْ أَنْ أَهَبَكْ
شيئاً من المالِ لتقضي أَرَبَكْ
438
فيُعرِضُ الفقيرُ عن عَطاهُ
مُرْتَجِيَ العطاءِ مِن مَوْلاه
439
لا منةً لأَحدٍ فيها ولا
إِذاً فهذا نِعمَ ما قَدْ فعلا
( خاتمة مهمة تفهم مما قبلها )
440
وَلْنَخْتِمَنْ كلامَنا بمسأَلةْ
مهمةٍ أَعْظِمْ بهذي المسأَلةْ
441(1/19)
تُفْهَمُ ممَّا قَدْ مَضى ونُفْرِدُ
لَها الكلامَ إِذا بِهِ تُحَدَّدُ
442
لِكَثْرةِ الغَلَطِ فيها وكِبَرْ
شؤُونها وعُظْمِها مع الضَّرَرْ
443
فلا خلافَ أَنَّ توحيدَ العليّ
لا بُدَّ منْ تحقيقِهِ بالعملِ
444
بالقلبِ واللِّسانِ والأَعمالِ
فكلُّ مَنْ عُرِفَ بالإِخلالِ
445
بواحدٍ منها ففي الإِسلامِ لمْ
يَدْخُلْ وفي ضلالةٍ قطعاً أَلَمّ
446
منْ عَرَفَ التوحيدَ ثم ما عَمَلْ
بهِ فكافرٌ كَفِرْعَوْنَ الأَذلّ
447
وفيه يغلطُ كثيرٌ إِذ يُقِرّ
بأَنَّ ذا جميعَهُ حقُّ وبِرّ
448
ونحنُ نفهمُ ونشهدُ بذا
لكِنَّما استعمالُهُ قد نُبِذا
449
إِذ لا يجوزُ عند أَهلِ أَرْضِنا
إِلاَّ الذي بِوَفْقِهِم قدِ اعْتَنى
450
وغير ذلكُمْ من الأَعذارِ
والحالُ أَنَّ قادةَ الكفَّارِ
451
قد يعرِفونَ الحقَّ لكنْ أَنكروا
لِعُذرٍ أو لِغَرضٍ فَكَفَروا
452
وفي العَوانِ يعرِفونَه كما
وفي براءةِ اشْتَرَوْا فَتَمِّما
453
فإِنْ بتوحيدِ الإِلهِ عَمِلا
جهراً وفي قُلَيْبِهِ منه خلا
454
فهوْ منافقٌ وممَّنْ قد كَفَرْ
هو أَشرُّ ومآلُهُ سَقَرْ
455
إِنَّ المنافقينَ في الدَّرْك إِلى
آخرِه فتَتْلُوَنَّ المُنْزَلا
456
وهذه مسأَلةٌ طويلةٌ
لكنَّها مهمَّةٌ جليلةٌ
457
تَبينُ إِنْ تُؤُمِّلَتْ في أَلْسُنِ
أَكثرِ هذا الناسِ في ذا الزَّمَنِ
458
إِذ منهمُ من يعرفُ الحقَّ ولا
يأَتي بمقتضاهُ أَعْني العَمَلا
459
لخوفِ نقصِ الجاهِ أَو دنياهُ أَو
قصدِ مداراةِ الذينَ قَدْ عَصَوْا
460
وبعضُهم يعملُ ظاهراً وَلا
يَعْمَلُ باطِناً وبئسَ عَمَلا
461
لكِنْ عليكَ فَهْمُ آيتينِ منْ
كتابِ ربِّنا لكَ الأَمرُ يَبِنْ
462
إِذ قالَ لا تَعْتَذروا فَحَكَما
بكفرِهِمْ من بعدِ إِيمانٍ سَمَا
463
إِذا عَرَفْتَ أَنَّ بعضَ مَنْ غَزَوْا
معَ النَّبيِّ الرُّومَ ثمَّ قَدْ أَتَوْا
464
بكِلمةٍ قالوا على وجهِ اللَّعِبْ
فكُفِّروا ونالَهُم أَدْهى العَطَبْ
465(1/20)
يَبينُ أَنَّ مَنْ بكفرٍ نَطَقا
ومن بِهِ عَمِلَ ممَّا عَلِقا
466
في قلبِهِ من خوفِ نَقْصِ مالِهِ
أَو أَجْلِ جاهٍ خافَ مِن زوالِهِ
467
أَو لمداراةِ الأَنامِ أَعْظَمُ
مِنَ الأُلَى بِكلمةٍ تكلَّموا
468
إِرادةَ المزح ِبها والثانيةْ
في سورةِ النحل بحقِّ آتيهْ
469
فقالَ مَنْ كَفَرَ باللهِ إِلى
آخرِه فَلْتَقْرَأَنْ مُرَتِّلا
470
تفهمْ بأَنَّ مَنْ كَفَرَ باللهِ ما إِنْ أَعْذَرا
في النُّطْقِ بالكفرِ سوى مَنْ أُجْبِرا
471
إِن كانَ قلبُه بالإيمانِ اطْمَأَنّ
وغيرُ ذا ففي الكفورِ قَدْ أُبِنْ
472
من بعدِ إِيمانٍ سواءٌ فَعَلا
خوفاً على مالٍ كفِعْلِ الجُهَلا
473
لمزحٍ أَو حبِّ العشيرةِ وما
لِشُبْهِ هذه الأُمور يُنْتَمَى
474
وآيةُ النحلِ بوَجْهَيْنِ تدُلّ
على جميعِ ما ذَكَرْتُ فالأُولّ
475
من قولِه إِلاَّ مَن أكْرِهَ فَلَمْ
يَسْتَثَنْ ِغيرَ مُكْرَهٍ إِذ قَدْ عُلِمْ
476
بأَنَّما الإِكراهُ في الأَفعالِ
يصحُّ والنُّطقِ بلا إِشكالِ
477
أَمَّا الذي في القلبِ مِنْ عقدٍ فلا
يصحُّ فيه بإِتَّفاقِ العُقَلا
478
والثانِ قَولُه تعالى ذلِكا
بأَنَّهم فاقْرا بما هنالكا
479
تَعْلَمْ بأَنَّ الكفرَ والعذابَ لمْ
يَكُنْ بالإعتقادِ مع جَهْلٍ أَلَمّ
480
والبُغضِ للدينِ وحُبِّ الكفرِ
نَعوذُ بالرَّحمنِ مِنْ ذا الخُسْرِ
481
وإِنَّما السببُ فيه أَنَّ لَهْ
خَسيسُ حَظِّ في الدُّنا المُعَجَّلَةْ
482
فهو على الدينِ الحنيفِ آثَرَهْ
فَصار ممَّنْ يَذَرونَ الآخِرَةْ
483
نعوذُ باللهِ منَ الخِذلانِ
ومِن قطيعةٍ ومِنْ كُفْرانِ
484
اللهُ جلَّ وتعالى أَعلمُ
وهو أَعزُّ مَنْ حَمَى وأَكْرَمُ
485
وصَلِّ يا ربِّ على محمدِ
وآلِهِ والصَّحْبِ طولَ الأَبدِ
(1) …موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين ج1/ص30 .
??
??
??
??(1/21)