الإمامة العظمى
عند أهل السنة والجماعة
تأليف
عبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي
الطبعة الأولى
1407 هـ - 1987 م
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى :
{ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } .
( سورة المائدة : آية 50 )
وقال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } .
( سورة النساء : آية 59 ) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
« لينقضن عرى الإسلام عروة عروة ، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها ، وأولهن نقضًا الحكم وآخرهن الصلاة » .
( حديث شريف إسناده صحيح ) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
« لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » .
( حديث شريف إسناده صحيح ) .
أصل هذا الكتاب :
رسالة علمية تقدم به المؤلف للحصول على درجة التخصص الأولى ( الماجستير ) من جامعة أم القرى بمكة المكرمة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية قسم الدراسات العليا الشرعية فرع العقيدة . وقد تكونت لجنة المناقشة من :
1- معالي الدكتور راشد بن راجح الشريف ، مدير جامعة أم القرى . المشرف على الرسالة رئيسًا .
2- فضيلة الشيخ السيد سابق عضوًا .
3- فضيلة الشيخ كمال هاشم نجا عضوًا .
ومنح صاحبها درجة الماجستير بتقدير (ممتاز) وذلك يوم 10/ 8/ 1403 هـ .
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة(1/1)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } (1) . { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } (2) . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } (3) .
أما بعد :
فإن من أعظم نعم الله عز وجل على هذه الأمة أن أنزل إليها خير كتبه ، وأرسل إليها أفضل خلقه ، وجعلها خير أمة أخرجت للناس ، تأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتؤمن بالله ، كما تكفل لها بحفظ دينها الذي ارتضاه لها ، وكلّفها حمل هذه الرسالة ، والجهاد في سبيلها ، لتكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا السفلى . فحازت هذه الأمة بشرف هذه الرسالة زمام القيادة للبشرية جمعًا .
__________
(1) سورة آل عمران 102 .
(2) سورة النساء آية 1 .
(3) سورة الأحزاب آية 70 ، 71 .(1/2)
ولقد كان هناك من الأمم والطوائف من يدَّعي أنه شعب الله المختار ، وأنه المهيمن على هذه البشرية ، وأنها لم تخلق إلا من أجله ولخدمته ، فلما جاء الإسلام ، واستضاءت بنوره مشارق الأرض ومغاربها ، وتدفقت أفواج البشرية من كل حدب وصوب في الدخول في هذا النور الجديد ، ثم قامت هذه الأمة على يد رعيلها الأول بإيصال كلمة الحق إلى أطراف المعمورة ، عند ذلك تقوضت هيمنة تلك الشعوب ، وأفلتت البشرية من تحت يديها ودخلت في دين الله أفواجًا .
وعندئذٍ وقفت تلك الأمم المهزومة تنظر بحسرة وحقد وحسد إلى هذا الأمر الذي أفقدها زمام سلطتها وسيطرتها على البشرية وهو الإسلام الذي اختاره الله لهذه البشرية دينًا ، وابتعث المؤمنين به إلى إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام .
بعد ذلك علم أعداء هذا الدين أنه لا بد من طمس معالم هذا النور الجديد لتَيَقُّنهم أنه لا بقاء لهم ولا قرار مع وجوده ، فجربوا عدة طرق للقضاء عليه ، منها المواجهة بالسيف ، ومنها الدسّ الرخيص والتخريب ، وإثارة الفتن في صفوف المسلمين ، ومنها التشكيك وإثارة الشبهات حول حقائق هذا الدين ، وتشويش تصورها في نفوس المؤمنين به ، ومنها إقصاؤه عن السيطرة والحكم وتصريف أمور المؤمنين به . إلى غير ذلك من الوسائل .
لذلك فلا تكاد توجد حقيقة من حقائق هذا الدين إلا تعرضت للدس والتشويه من قبل أعداء الدين الظاهرين ، ومن قبل من دخلوا فيه بتصورات غريبة عنه وأرادوا إدخالها فيه وجعلها من حقائقه .
ولما كان موضوع ( الإمامة العظمى ) من أهم الأمور وأخطرها لأنه الحارس لهذا الدين ، واليد الطولى لنشره والذود عن حماه من عبث العابثين وطمع الطامعين ، فقد كان لهذا الموضوع وافر الحظ والنصيب من هذا
التشكيك والتدنيس منذ أول عصر هذه الأمة وإلى يومنا هذا .(1/3)
أما في العصور المتقدمة فلا يخفى ما لعبد الله بن سبأ اليهودي وأعوانه من إدخال تصورات وثنية قديمة على هذا الموضوع . ومن ثم تقبلها وتتلمذ عليها وآمن بها الرافضة من بعده ، حتى جعلوها الركن الأساسي من أركان دينهم . وجعلوا الأئمة في سلالة معينة من آل البيت ، وجعلوا لهم من الأوصاف ما لا يليق إلا بالله عز وجل ، أو بأنبيائه صلى الله عليهم وسلم ، كالعلم بالمغيبات والعصمة ، بل جعلوهم في منزلة فوق النبوة ، واعتقدوا فيهم الرجعة وتناسخ الأرواح ، وما إلى ذلك من التصورات الوثنية البحتة .
واستمر هذا الاعتقاد سائرًا حتى يومنا هذا ، وأصبح يجاهد في سبيله ، ويقاتَل في نشره بالمدافع والطائرات .
أما ما تعرض له هذا الموضوع في أذهان غير الرافضة ممن يدّعون أنهم من أهل السنة في العصر الحديث فلا يقل خطراً عن سابقه .
فأعداء هذا الدين حينما عزموا على الإطاحة بالدولة العثمانية ، عندما انتابها الضعيف والانهيار ، بقدر بعدها عن التمسك بحقائق هذا الدين كانوا يعلمون أنهم وإن أطاحوا بها ، فإن الطاقة التي في نفوس هذه الشعوب ستتحول إلى حركة وإلى مجاهدة ، فلا بد من العمل الدائب على إخماد هذه الطاقة بالحيلة تارة ، وبالدس أخرى وبالقوة حينًا آخر ، فنشأت فكرة فصل الدين عن الدولة ، وقام بها أناس يحملون اسم الإسلام وبأسماء إسلامية أخذوها عن الغرب الجاهلي وديانته الباطلة . فبدأت الحملة الشرسة في تقرير أن الدين ما هو إلا علاقة بين العبد وربه ، لا دخل له في الحياة ، أو أنه مجرد ركيعات تؤدى في المسجد ، أو أدعية وأذكار تردد ، أو طقطقة مسابح في زوايا معزولة ، أو سياحة دينية (!) تقام في أماكن مخصوصة من هذه الأرض . واستمرت هذه المعركة حتى آمن بها كثير من ضعاف العقول من المسلمين .
ولما مات هذا الرجل المريض ( الدولة العثمانية ) تقاسمت كلاب الدنيا(1/4)
هذه التركة ، وغرست الفرقة والنفور بين أبناء المسلمين ، وصرفت الولاء إلى التراب أو إلى العرق والقبيلة ، بدلاً من الولاء والحب في الله ولله . واستمر ذلك فترة حتى تتلمذ على أيديهم من لا يعرف من الإسلام إلا اسمه ، فانسحبوا ظاهرًا ، وأعلنوا استقلال هذه الدويلات الصغيرة الصوري - وذلك بعد مقاومة عنيفة من أبناء المسلمين - وإن كانوا جعلوا مكانهن عبيدًا لهم ربوهم على أيدهم وبأفكارهم ، ويأمرونهم فيطيعون ، وينصحونهم فيستجيبون ، فكانوا خدمًا لهم ، ورعاة على مصالح أسيادهم المقدمة على مصالح شعوبهم . وبهذا أحكموا السيطرة على بلاد المسلمين ، وفرضوا العلمانية ( اللادينية ) على هذه الشعوب المغلوبة على أمرها ، وأبعدوا الدين عن كل شيء اسمه الحكم .
لكن هذه الطاقة الكامنة في قلوب الفئة المؤمنة لم تنطفِ ، وإنما بدأت التحركات وعلت الصيحات تنادي في كل مكان : لا بد من حكم إسلامي ، ولا بد من سياسة الدنيا بهذا الدين ، ولا بد من تحرير الولاء لله وحده لا لشرق ولا لغرب .
بعد هذه الصيحات تنبه أعداء الله إلى أنه لا بد من القضاء على هذه الفكرة وطمس مفاهيمها ، بعد القضاء على حقيقتها وواقعها . ولم يكتفوا بتجنيد أبناء دينهم - المستشرقين - بل استخدموا بعض أدعياء العلم والدين ، كما انضمت إليهم طوائف من المتطوعين المنتسبين للإسلام . فهرعت الأقلام لتكتب عن نظام الحكم في الإسلام ، فهناك من أنكر أن يكون في الإسلام نظام حكم ، أو أنه يدعو إلى إقامة دولة إسلامية (1) ، وآخر لم يمانع من أن يكون
__________
(1) انظر : (ص 64) من هذا البحث .(1/5)
الشعب مسلمًا والحكومة لا دينية (1) ، ومنهم من قال بأن قيام حكومة إسلامية في هذا العصر من المستحيلات ( فمن ينظر في كتب الشريعة الأصلية بعين البصيرة والحذق ، يجد أنه من غير المعقول أن تضع قانونًا أو كتابًا أو مبدأ في القرن الثاني من الهجرة ، ثم تجيء بعد ذلك لتطبق هذا القانون سنة 1354 هـ (2) ) .
ويقول آخر : ( إن قيام نظام الخلافة بالشروط وبالصورة التي بينها رجال الفقه الإسلامي يعد - في عصرنا هذا - شأنه شأن الإجماع ضربًا من ضروب المحال (3) ) .
وأحد الدعاة إلى الوحدة الإسلامية يقول : ( إننا لا نرى أن تكون الوحدة قائمة على دولة واحدة لها حكومة مسيطرة على المسلمين (4) ) ويقول : ( إن الوحدة التي نبتغيها لا تمس سلطانًا - أي سلطان - يقوم بالحق .. ولا تمس شكل الحكم في أي إقليم إسلامي ) (5) .
__________
(1) ينقل مصطفى صبري عن شيخ الأزهر - المراغي - قوله : ( بأن في إمكان أي حكومة إسلامية أن تخرج من دينها فتصبح حكومة لا دينية ، وليس في هذا مانع مع أن يبقى الشعب على إسلامه ، كما هو الحال في تركيا الجديدة ) . موقف العقل والعلم والدين (4/285) .
(2) موقف العقل والعلم والدين (4/359) ( الهامش ) من كلام الشيخ المراغي مع وفد الشبان العراقيين المنشور في جريدة الأهرام فبراير 1936 م .
(3) مبادئ نظام الحكم في الإسلام لعبد الحميد متولي ص 162 ، ط . ثانية .
(4) الوحدة الإسلامية لأبي زهرة (ص 251) ، ط . ثانية 1397 هـ . ن . دار الفكر .
(5) الوحدة الإسلامية لأبي زهرة (ص 252) ، ط . ثانية 1397 هـ . ن - دار الفكر .(1/6)
أما عقلاء هؤلاء - إن كان لهم عقلاء - فقالوا : لا . إنكم قد أبعدتم النجعة ، وافتريتم على الإسلام ، فالإسلام له نظام حكم ، ودعا إلى إقامة دولة ، فنحن معشر المسلمين سبقنا الغرب إلى الديمقراطية (1) ، فنظام الحكم
في الإسلام هو الديمقراطية ، بل إن الإسلام هو ( أبو الديمقراطيات ) .
وقابلهم الآخرون فقالوا : لا بل أنتم مخطئون ، فنظام الحكم في الإسلام هو الاشتراكية ، وامتلأت المكتبات والمؤلفات بالحديث عن ديمقراطية الإسلام واشتراكيته .
هذا وقد ساهم بعض الكتاب المحدثين في الكتابة في هذا الموضوع بفكر متميز ، وأهداف نبيلة ، لأنهم قد ساءهم ما لاحظوه في تلك الكتابات من انحراف وفكر معوج ، لكنهم بحثوا المسألة بتصورات متأثرة بالواقع المعاصر الذي يعيشونه ، فتأثرت كتاباتهم بتلك التصورات ، وأغلبهم كانت كتابته مقارنة بين نظام الإسلام والنظم المعاصرة ، وكأن بينهما شيئًا من التكافؤ فيكون للمقارنة مكان ، ونسوا أنه لا وجه للمقارنة بين الشمس في رابعة النهار وبين شمعة صغيرة لا تكاد ترى ، فما بالك بمن يقارن النور الذي لا حد له بالظلمة الدامسة .
لهذا كله رأيت من الواجب علي مع قصر باعي وضعف ساعدي أن أخوض في هذا البحر الخضم لعلي أسهم في رفع الستار وإزالة هذا الوحل والطين الذي غطى على أذهان كثير من المسلمين وتصوراتهم لهذه الحقيقة الناصعة والموضوع الخطير ( الإمامة ) وأن أبين حقائقه صافية نقية ، خالية من أي شائبة أو تصور غريب - بقدر استطاعتي المحدودة - لعلها تتضح لطالب الحق ، ولكل ذي لب ، ولكل ساع إلى معرفة دينه كما أنزل الله عز وجل ، وكما سار عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين ، ليشمروا عن ساعد الجد في إقامة هذا الصرح العظيم الذي حطم وأبعد عن الواقع العملي في هذه الحياة المعاصرة .
__________
(1) إسلام بلا مذاهب لمصطفى الشكعة (ص 57) . ط . رابعة . ن . دار النهضة المصرية .(1/7)
وفي بداية عملي هذا تطلعت إلى تحقيق هدفي بهمة كبيرة وأمل قوي ، وأردت أن أتعرض لهذه المسألة من جميع جوانبها ، وأدرس الانحرافات التي اعترتها ، القديم منها والحديث ، فثابرت في البحث والتنقيب وجمع المراجع والمصادر ، وبالفعل جمعت الكثيرة من المصادر . كما عرجت على الاتجاهات
المعاصرة المتأثرة بالفكر الغربي .
ثم دخلت الموضوع وبعد سنتين من العمل الدائب ، نظرت إلى نفسي فإذا أنا في منتصف الطريق ، فاستخرت الله وقررت الاقتصار في هذه المرحلة على ( الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة ) وإرجاء الجوانب الأخرى إلى مرحلة أخرى إن شاء الله ، إذا كان في العمر فسحة ، خصوصًا وقد جمعت أغلب مراجعه وجمعت فيه مادة علمية لا بأس بها ، ثم رجعت إلى لم شمل ما جمعت في هذا الجانب وهو ( الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة ) وها هو ذا الذي أقدم له الآن .
منهجي في البحث :
أما عن المنهج الذي سرت عليه في هذا البحث ، فقد حاولت قدر استطاعتي أن أدخل إلى بحث الموضوع بدون أي تصور سابق ، أو فكرة معينة أراها صوابًا وأدافع عنها وأحاول تأويل النصوص لتوافقها ، سواء كان هذا التصور أو هذه الفكرة عصرية أو قديمة ، كما حاولت أن أدخل إليه مجردًا عن الهوى والشهوة ، وهذه ما تصرف الإنسان عادة عن الحق وإن كان أوضح من الشمس ، وكذلك حاولت قمع العاطفة وألا يكون لها سبيل إلى التدخل في تسيير موضوعات البحث إلا عاطفة الإسلام التي يجب أن تكون في ضمير كل مسلم في كل لحظة من لحظاته ، بشرط ألا تجره إلى الاعتداء أو الافتراء على من يخالفه في الرأي .
بعد ذلك أخذت أجمع النصوص الشرعية ، من كتاب ومن سنة صحيحة ، وما كان منها يحتاج إلى تفسير أو إيضاح حاولت أخذه عن السلف الصالح والرعيل الأول الذين كانت تصوراتهم صافية نقية ، لم يصبها غبش ولم يصرفها انحراف .
فحاولت جمع فتاوى الصحابة والتابعين ، وأقول ثقات العلماء قديمًا وحديثًا في تفسير ذلك .(1/8)
مع إرجاع كل نقل إلى أصله - قدر المستطاع - مع تخريج الآيات والأحاديث ، وذكر أقوال علماء الجرح والتعديل في صحة ذلك الحديث من عدمه .
وحيث إن بعض المسائل قد لا تسعف النصوص الشرعية في إيضاحها ، لذلك حاولت تتبع سيرة الخلفاء الراشدين - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - وسنتهم من قولية أو فعلية ، خاصة الشيخين أبو بكر وعمر ، لأن سنتهم سنة شرعية لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإتباع سنتهم ، وخص الشيخين بالإقتداء بهما (1) .
ثم بعد ذلك أقوال ثقات علماء المسلمين قديمًا وحديثًا .
كما إني حاولت أن أطهر بحثي هذا من أن آخذ عن إنسان لا يدين بهذا الدين ، فطرحت كل ما كتبه المستشرقون جنبًا ، وإن كان فيه بعض الحق إلا أننا في غنى عنه ، ويكفينا ما جره الأخذ عنهم من ويلات في انحراف الفكر الإسلامي خاصة في مثل هذا الموضوع الخطير .
من كل ما سبق كانت المادة العلمية لهذا البحث وقد أدخلت فيه نقولاً عن بعض كبار العلماء الذين قد يخالفون أهل السنة والجماعة في بعض مسائل العقيدة كالصفات ونحوها ، لكنهم يوافقونهم في موضوع الإمامة ، لذلك فهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه السنة ، وليسوا من أهل السنة فيما خالفوها فيه .
وعندما أنقل عن أحد من المعتزلة فإني أنص على مذهبه .
كما إني لم أحاول التعرض في كثير من الأحيان إلى الآراء الشاذة المخالفة لرأي أهل السنة والجماعة إلا بالتلميح والإشارة في أكثر الأحيان .
أما ما كان بينهم من اختلافات في الرأي ، أو آراء يقول بها بعضهم
فإني أذكر الرأيين وأدلة كل منهما ، ثم الترجيح بين هذه الآراء ، مؤيدا ذلك بالدليل وسبب الترجيح .
خطة البحث :
أما عن الخطة التي سرت عليها في كتابة هذه الأطروحة المتواضعة فقد قسمتها إلى مقدمة وبابين وخاتمة .
__________
(1) انظر : (ص 116، 117) من هذا الكتاب .(1/9)
أما المقدمة : فقد ذكرت فيها سبب اختيار هذا الموضوع ، ولمحة سريعة عن الكتابة فيه ، ثم عن منهجي في الرسالة والخطة ، وبعض الصعوبات التي لاقيتها أثناء البحث . ثم تحدثت عن صلة هذا الموضوع بالعقيدة .
أما الباب الأول : فقد قسمته إلى أربعة فصول ، الفصل الأول في تعريف الإمامة ، فتكلمت عن التعريف اللغوي ثم الاصطلاحي والتعريف المختار ، وورود لفظ الإمامة في الكتاب والسنة ، ثم الترادف بين ألفاظ الإمامة ، والخلافة ، وإمارة المؤمنين ، ثم الحديث عن استعمالات لفظي الإمامة والخلافة ، ثم الفرق بين الخلافة والملك ، وأخيرًا جواز إطلاق لفظ الخليفة على من سوى الراشدين .
أما الفصل الثاني : فعن وجوب الإمامة وأدلة ذلك من الكتاب والسنة والإجماع والقواعد الشرعية ونحوها ، ثم عرجت إلى مناقشة القائلين بعدم وجوب الإمامة من قدماء أو معاصرين ، ثم أتبعته بالحديث عن المكلَّف بإقامة هذا الواجب المنْسِي .
أما الفصل الثالث : فخصصته للحديث عن مقاصد الإمامة ، وهي باختصار ( إقامة الدين ، وسياسة الدنيا به ) ، وفيه تحدثت عن حكم من لم يَسُسْ الدنيا بالدين ، وآراء العلماء في ذلك .
أما الفصل الرابع : فتحدثت فيه عن طريق انعقاد الإمامة . فتحدثت في البداية عن مشروعية الطرق التي انعقدت بها الإمامة للخلفاء الأربعة
الراشدين ، ثم الحديث عن النَّصِّيَّة على أبي بكر رضي الله عنه وآراء العلماء فيها ، وأدلة كل رأي ، ثم الرأي الراجح ، ثم الكلام عن دعوى النصية على علي رضي الله عنه ، وبيان بطلانها ، وأنها لا أصل لها ، ولم يدّعها علي ، ولا غيره من الأئمة . والنصوص الواردة عنه رضي الله عنه في ذلك .
ثم ثبوت مبايعته لأبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يحضر السقيفة .(1/10)
ثم قمت باستعراض تاريخي لطرق انعقاد الإمامة لهم . رضوان الله عليهم ، وبعد كل طريقة أحدِّد النتائج المستخلصة من هذه الطريقة . بعد ذلك اتضحت لنا الطرق الشرعية للانعقاد وهي :
الأول : الاختيار من قبل أهل الحل والعقد ، ثم تحدثت عن أهميته ، وعن مشروعيته ، ثم الحديث عن أهل الحل والعقد ، وما يتعلق بهم من أحكام .
ثم الحديث عن الطريقة الثانية وهي : الاستخلاف ، وبيَّنت أدلة جوازها وأنها مشروطة برضا أهل الحل والعقد ، ومبايعتهم للمستخلف الذي تتوفر فيه شروط الإمامة .
ثم أتبعته بمبحث عن البيعة وما يتعلق بها من أحكام . بعد ذلك تحدثت عن طريقة القهر والغلبة وآراء العلماء فيها .
أما الباب الثاني : فقد قسمته إلى أربعة فصول أيضًا .
فالفصل الأول : في الحديث عن شروط الإمام ، ووقفت عند شرط القرشية ، وبَيَّنْتُ من هم قريش ، وأدلة اشتراط هذا الشرط ، وآراء العلماء فيه ، ثم الرأي الراجح ، ثم الحكمة من هذا الشرط ، مع مناقشة رأي ابن خلدون ، والدهلوي ، ورشيد رضا . ثم أتبعته بالحديث عن اشتراط الأفضلية وآراء العلماء في هذا الشرط ، وأدلتهم ، والرأي الراجح في ذلك . ثم ضمنت هذا الفصل مبحثًا عن المفاضلة بين الخلفاء الراشدين والأدلة على ذلك ، مع نبذة يسيرة من الأحاديث الواردة في فضل كل واحد منهم . ثم ختمته بموقف
بعض الفرق الإسلامية من ذلك .
أما الفصل الثاني : فخصصته عن الحديث عن واجبات الإمام وحقوقه ، وهذا قسمته إلى ثلاث مباحث :
المبحث الأول : عن واجبات الإمام .
والثاني : عن حقوقه ، ووقفت عند حق الطاعة ، وبينت فيم تكون الطاعة وحدودها وما يتعلق بذلك من أحكام .
أما المبحث الثالث : فخصصته بالحديث عن الشورى وحكمها ، ومدى إلزاميتها للإمام ، والرأي الراجح في كل ذلك .
أما الفصل الثالث : فكان عن العزل ، والخروج على الأئمة ، وهذا قسمته على ثلاثة مباحث أيضًا :
المبحث الأول عن : أسباب العزل وآراء العلماء فيه .(1/11)
المبحث الثاني عن : وسائل العزل ، ووقفت عند مسألة السيف والثورة المسلحة ، وبينت تضييق الإسلام لهذه الوسيلة لخطورتها ، ولأنها تجرّ عادة إلى منكر أكبر من المنكر المراد إزالته ، وأنها سبب للفتن وإراقة دماء المسلمين في غير مصلحة .
أما المبحث الثالث فخصصته عن : الخروج على الأئمة وقسمته إلى قسمين :
الأول : في الحديث عن الخارجين وأقسامهم .
الثاني : في الحديث عن المخروج عليهم وأقسامهم .
ووقفت طويلاً عند الخروج على الأئمة الفسقة الظلمة الذين لم يصلوا إلى حدِّ الكفر ، ومذاهب العلماء في المسألة ، وأدلة كل مذهب ، ثم ناقشت هذه الأدلة وعقبت على ذلك بالرأي الذي أراه صوابًا وعلمًا .
أما الفصل الرابع : فكان عن موقف أهل السنة من تعدد الأئمة فبينت
الآراء في هذه المسألة ، وأدلة كل مذهب ، ثم الرأي الراجح .
وأخيرًا ختمت البحث بما أمكنني استنتاجه من كل الموضوعات السابقة .
من الصعوبات التي واجهتني في البحث :
إن كل عمل يعمله المسلم يبتغي به وجه الله تعالى لا بد وأن يواجه في طريقه ذلك شيئًا من الصعوبات والمشقة ، فمنهم من تعوقه عن استكمال طريقه ، ومنهم من يتجاوزها ، وهذه الصعوبات منها ما يمكن تجاوزه ، ومنها ما لا يمكن ، ومن أهم الصعوبات التي واجهتني في هذا البحث وأعانني الله عز وجل وحده على تجاوزها ما يلي :
1- سعة الموضوع وتشعبه ، وكثرة مسائله ، وكل مسألة فيه تحتاج إلى بحوث بالإضافة إلى اختلاف الآراء في هذه القضايا وتباينها .
2- إبعاد الموضوع عن التطبيق في الواقع منذ زمن بعيد ، فأول انحراف وقع في الواقع الإسلامي هو الانحراف في الحكم ، وصرفه عن مجراه الصحيح ، ولا يزال هذا الانحراف مستمرًا ، لذلك فنحن لا نعالج هذا الموضوع من حيث الواقع المعاصر اليوم ، وإنما نعالجه من حيث هو مبادئ نظرية أولاً ، ثم من حيث هو مبادئ قابلة للتطبيق العملي في الوقت نفسه .(1/12)
3- صعوبة جمع المعلومات وآراء العلماء الأقدمين في هذه المسألة ، لأن الموضوع بُحث في أماكن متفرقة من كتبهم ، فمنهم من بحثه في كتب العقائد في أبواب الإمامة وغيرها ، ومنهم من بحثه في الفقه في مواطن مختلفة منه ، فمنهم من خصّه بباب معين ، ومنهم من بحثه في أحكام البغاة ، ومنهم من بحثه في الحدود والقضاء ، ومنهم من تكلم فيه عند الحديث عن الصلاة ، وفي الجمعة ، وفي الوكالة ، وفي الزواج ، وفي الجهاد
والسِّيَر ، وهكذا .
أما كتب الحديث وشروحه فمنهم من خصّه باب معيَّن ومهم من بحثه في المناقب ، ومنهم من أورده في الجهاد والسِّير ، أو في شروط الصلح ، ونحو ذلك ، أما كتب أصول الفقه فقد تتعرضُ له أحيانًا في الأمر أو العموم أو فرض الكفاية أو الاجتهاد أو الاستصحاب أو المصلحة ، أما كتب التاريخ فأكثر الأحيان في أول كتبهم أو في التراجم أو في ثنايا الكتب عند بعض الأحداث ، لهذا كله فمن الصعب الوقوف على رأي العالم من كتابه في يسر وسهولة ، مع أن ما كتبه علماؤنا الأقدمون في هذا الموضوع قليل جدًا ومبعثر في طيات الكتب ولعل من أكثر من كتب في هذا الموضوع هما صاحبي كتابي الأحكام السلطانية الموردي ، وأبو يعلى في الصفحات الأولى من كتابيهما .
صلة الموضوع بالعقيدة :
الإسلام كُلٌّ لا يتجزأ ، أنزله الله عز وجل ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، وربط فيه بين الأحكام العملية ومسائل العقيدة مثل : الإيمان بالله واليوم الآخر ، والعقاب الأخروي الذي يلحق المخالف . ونحو ذلك . وهذا واضح في كتاب الله عز وجل والأمثلة على ذلك منها قوله تعالى :
{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ... } (1) .
__________
(1) سورة النور آية 2 .(1/13)
وقال عن عقوبة السارق : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (1) . وقال في الطلاق : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ } (2) . والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر .
فجميع الأحكام متصلة بالعقيدة وقائمة عليها ، وكلها أحكام عملية فالأحكام الفقهية من أعمال الجوارح والقلوب ، والعقدية من أعمال القلوب . وكل عمل لا يكون عن نية خالصة - وهي عمل القلب - فمردود .
__________
(1) سورة المائدة آية 38 .
(2) سورة الطلاق : الآية الأولى .(1/14)
وما تقسيم الدين إلى مسائل أصولية وفرعية - والمراد بالأصولية الأحكام العلمية المتعلقة بأعمال القلوب ، والفرعية الأحكام العملية المتعلقة بأعمال الجوارح - إلا تقسيم حادث (1) قد يقصد منه التسهيل والتنويع ، وإن كان الأصل لواحد لا فرق بينهما لكن هذا التفصيل قد جرّ إلى الوقوع في التفريق بينهما ، وبناء أحكام تخصّ أحدهما دون الآخر ، يقول ابن القيم رحمه الله عن هذا القسيم : ( إنه لم يرد في كتاب ولا سنة ... ) قال : ( وكل تقسيم لم يشهد له الكتاب والسنة وأصول الشرع بالاعتبار فهو تقسيم باطل يجب إلغاؤه ، وهذا التقسيم أصل من أصول ضلال القوم ، فإنهم فرقوا بين ما سمّوه أصولاً وما سمّوه فروعًا ) . قال : ( وقد وضعوا عليه أحكامًا ، وضعوها بعقولهم وآرائهم ، منها التكفير بالخطأ في مسائل الأصول دون الفروع ، وهذا من أبطل الباطل كما سنذكره ، ومنه إثبات الفروع بأخبار الآحاد دون الأصول وغير ذلك ... ) ثم تتبع رحمه الله الفروق التي جعلوها بين الأصول والفروع وأبطلها بالحجة والبرهان (2) .
وقد تبع ابن القيم شيخه ابن تيمية رحمه الله في ذلك ، حيث لم يسلِّم شيخ الإسلام بهذا التقسيم فيقول : ( بل الحق أن الجليل من كل واحد من الصنفين ( مسائل أصول ) والدقيق مسائل فروع ) (3) .
__________
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( فإن هذه تسمية محدثة ، قسمها طائفة من الفقهاء والمتكلمين ، وهو عن المتكلمين والأصوليين أغلب ) ... مجمع الفتاوى (6/65) .
(2) انظر : مختصر الصواعق المرسلة (ص 413) .
(3) 3 ) مجموع الفتاوي (6/56 – 57) .(1/15)
والذي يهمنا في هذا الأمر هو ما يتعلق بموضوع الإمامة وهل هي من مواضيع العقيدة أم من مواضيع الفقه ؟ ، والحق أن لها جوانب عقدية ، ولها جوانب فقهية ، كما أن لها جوانب تاريخية ، ولذلك فعلماء السلف رحمهم الله عند ذكرهم لعقائدهم يذكرون ذلك ، فلا نكاد نجد أحدًا ذكر عقيدته إلا وينص على التربيع بالخلفاء الأربعة وأن ترتيبهم في الخلافة على ترتيبهم في الفضل ، كما ينصون على أن الإمامة في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبَّه الله في النار ، وينصون على الصلاة خلف كل إمام بر أو فاجر والجهاد والحج معه ، وعلى تحريم الخروج على الأئمة ، وعلى السمع والطاعة لهم في غير معصية ، وهذه كلها من مباحث الإمامة ، ولذلك نجد المتكلمين ينصون على باب الإمامة في أواخر كتبهم في العقيدة .
كما أنهم يوردون ذلك في مسائل العقيدة للرد على الانحرافات والبدع التي نشأت حول هذا الموضوع ، كبدعة الروافض ، واعتقاداتهم الفاسدة في الإمامة ، وأنها من أركان الدين ، واعتقاد العصمة ، والرجعة ، وعلم الغيب ونحو ذلك في أئمتهم ، فيذكرها علماء السلف للرد عليهم ، ولتبيين مخالفتهم في ذلك ، ومع بدعة الروافض بدعة الخوارج في وجوب الخروج على الأئمة الفسقة ونحو ذلك .
وكذلك مما يجعلها من المسائل المتعلقة بالعقيدة في العصر الحاضر هو إنكار بعض المنتسبين للدين أنها من الدين ، وهذه من أخطر المسائل الفكرية المعاصرة .
أما الجوانب الفقهية في موضوع الإمامة فكثيرة : من ذلك شروط الأئمة ، وكيفية اختيار إمام المسلمين ، وأهل الحل والعقد ، وشروطهم ، وعددهم ، والشورى وأحكامها ، والبيعة وأحكامها ، ونحو ذلك .
أما الجوانب التاريخية في الموضوع : فهو دراسة الموضوع من ناحية سيرة الخلفاء الراشدين ، ثم مَنْ بَعْدَهم رضوان الله عليهم ، والأحداث التي حصلت في عهودهم ، والنتائج والعبر والأحكام المستخلصة من ذلك .(1/16)
ولذلك فموضوع الإمامة هذا من أدلة الترابط والتلازم بين الأحكام العقدية والفقهية ، وإن كلاً منها ملازم للآخر وقائم عليه . ولذلك فقد جعل الله عز وجل طاعة الأئمة والنصح لهم وعدم الخروج عليهم بغير مبرر شرعي من العبادة التي يثاب فاعلها ، ويعاقب تاركها بالعذاب الأخروي يوم القيامة .
وأخيرًا :
وبهذا الجهد المتواضع لا أدعي أني قد وفيت الموضوع حقه ، واستكملته من جميع جوانبه ، ولكن حسبي أنني لم أدخر في سبيل ذلك وسعًا . وأقول كما قال الفاروق رضي الله عنه : ( رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي ) . فمن وجد فيه خطأ ، أو عثر على نقص حرف أو كلمة أو معنى يجب تغييره ، فإني أناشده الله في إصلاحه ، وأداء حق النصيحة فيه ، فإن الإنسان ضعيف ، لا يسلم من الخطأ إلا من عصمه الله بتوفيقه ، ونحن نسأل الله ذلك ونرغب إليه في تحقيقه .
وأخيرًا فإني أشكر الله عز وجل وأحمده أولاً وآخرًا وظاهرًا وباطنًا على نعمه وآلائه التي لا تعد ولا تحصى . والذي أعانني على إكمال هذا البحث .
كما أشكر بعد ذلك كل من ساهم معي في إخراج هذا البحث من حيث التوجيه والنصح ، أو التقويم والمناقشة أو المراجعة والتدقيق . سائلاً المولى عز وجل أن يجزيهم عني خير الجزاء ، وأن يوفقنا وإياهم إلى ما يحبه ويرضاه . وأخصّ بالشكر : معالي الدكتور راشد بن راجح الشريف ، الذي كان لي شرف التتلمذ على يديه فكان المشرف على هذه الرسالة ، وقد منحني الكثير من وقته وتوجيهاته ، مع كثرة أعبائه ومسؤولياته . فجزاه الله عني خير الجزاء ، وأجزل له الأجر والمثوبة .
* * * \
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين .
بقلم راجي عفو ربه
عبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي
مكة المكرمة : 5/6/1403 هـ .
* * * * *
الباب الأول
الإمامة عند أهل السنة والجماعة
ويحتوي على الفصول التالية :
الفصل الأول : تعريف الإمامة(1/17)
الفصل الثاني : وجوبها
الفصل الثالث : مقاصدها
الفصل الرابع : طرق انعقادها
الفصل الأول
تعريفها
الفصل الأول
تعريفها
التعريف اللغوي :
الإمامة في اللغة مصدر من الفعل ( أمَّ ) تقول : ( أمَّهم وأمَّ بهم : تقدمهم ، وهي الإمامة ، والإمام : كل ما ائتم به من رئيس أو غيره ) (1) .
ويقول ابن منظور : ( الإمام كل من ائتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين .. والجمع : أئمة ، وإمام كل شيء قيَّمه والمصلح له ، والقرآن إمام المسلمين ، وسيدنا محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إمام الأئمة ، والخليفة إمام الرعية ، وأممت القوم في الصلاة إمامة ، وائتم به : اقتدي به .
والإمام : المثال ، وإمام الغلام في المكتب ما يتعلمه كل يوم ، وإمام المثال ما امتثل عليه ، والإمام : الخيط الذي يُمَدُّ على البناء فيبنى عليه ويسوى عليه ساف البناء .. ) أ . هـ (2) .
وقال صاحب تاج العروس : ( والإمام : الطريق الواسع ، وبه فُسِّر قوله تعالى : { وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } (3) أي : بطريق يُؤم ، أي : يقصد فيتميز قال :
( والخليفة إمام الرعية ، قال أبو بكر : يقال فلان إمام القوم معناه : هو المتقدم عليهم ، ويكون الإمام رئيسًا كقولك : إمام المسلمين ) ، قال : ( والدليل : إمام السفر ، والحادي : إمام الإبل ، وإن كان وراءها لأنه الهادي لها .. ) أ . هـ (4) .
__________
(1) القاموس المحيط للفيروز آبادي : مجد الدين محمد بن يعقوب (4/78) . ن . دار الجيل : بيروت .
(2) لسان العرب لابن منظور : جمال الدين محمد بن مكرم (12/24) مادة ( أمم ) . ن . دار صادر ودار بيروت - بيروت ط . 1388 هـ .
(3) سورة الحجر آية 79 .
(4) تاج العروس من جواهر القاموس لمحمد مرتضي الزبيدي (8/193) . ن . دار مكتبة الحياة : بيروت لبنان .(1/18)
وقال الجوهري في الصحاح : ( الأمُّ بالفتح القصد ، يقال : أَمّه وأممه وتأممه إذا قصده ) (1) . إلى غير ذلك من المعاني المقاربة .
ومن جميع ما سبق نلاحظ تقارب مدلول هذه الألفاظ عند أصحاب اللغة .
التعريف الاصطلاحي :
أما من حيث الاصطلاح : فقد عرفها العلماء بعدة تعريفات ، وهي وإن - اختلفت في الألفاظ فهي متقاربة في المعاني ، ومن هذه التعريفات ما يلي :
(1) ما ذكره الماوردي حيث قال : ( الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به ) أ . هـ (2) .
(2) ويقول إمام الحرمين الجويني : ( الإمامة رياسة تامة ، وزعامة تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا ) أ . هـ (3) .
(3) وعرفها النسفي في عقائده بقوله : ( نيابة عن الرسول عليه السلام في إقامة الدين بحيث يجب على كافة الأمم الإتباع ) (4) .
(4) ويقول صاحب المواقف : ( هي خلافة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في إقامة الدين بحيث يجب إتباعه على كافة الأمة ) (5) .
(
__________
(1) تاج اللغة وصحاح العربية لإسماعيل بن حماد الجوهري (5/1865) تحقيق أحمد عبد الغفور عطار . ط . ثانية 1399 هـ . ن . دار العلم للملايين : بيروت .
(2) الأحكام السلطانية لعلي بن محمد الماوردي (ص 5) الثالثة 1393 هـ . ن . شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي - القاهرة .
(3) غياث الأمم في التياث الظلم لأبي المعالي الجويني (ص 15) . ط . أولى 1400 هـ . ن . دار الدعوة الإسكندرية تحقيق د . مصطفى الحيني . د . فؤاد عبد المنعم .
(4) العقائد النسفية (ص 179) ط . 1326 هـ . ن . شركة صحافة عثمانية .
(5) المواقف للإيجي (ص 395) ط . بدون : ت . بدون : ن . عالم الكتب بيروت .(1/19)
5) أما العلامة ابن خلدون فيعرفها بقوله : ( هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها ، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة ، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به ) أ . هـ (1) .
(6) ويقول الأستاذ محمد نجيب المطيعي : ( المراد بها - أي الإمامة الرئاسة العامة في شؤون الدنيا والدين ) (2) .
إلى غير ذلك من التعريفات التي تدور حول هذه المعاني .
التعريف المختار :
والمختار من هذه التعريفات ما ذكره ابن خلدون لأنه الجامع المانع في نظري ، وبيان ذلك أنه في قوله : (حمل الكافة ) يخرج به ولايات الأمراء والقضاة وغيرهم ، لأن لكل منهم حدوده الخاصة به وصلاحيته المقيدة ، وفي قوله : ( وعلى مقتضى النظر الشرعي ) قيد لسلطته ، فالإمام يجب أن تكون
سلطاته مقيدة بموافقة الشريعة الإسلامية ، وفيه أيضًا وجوب سياسة الدنيا بالدين لا بالأهواء والشهوات والمصالح الفردية ، وهذا القيد يخرج به الملك .
وفي قوله : ( في مصالحهم الأخروية والدنيوية ) تبيين لشمول مسؤولية الإمام لمصالح الدين والدنيا لا الاقتصار على طرف دون الآخر .
لفظ ( الإمام ) في الكتاب والسنة :
__________
(1) المقدمة للعلامة ابن خلدون (ص 190) . ط . الرابعة 1398 هـ . ن . دار الباز للنشر والتوزيع . مكة .
(2) المجموع شرح المهذب للنووي . التكملة لمحمد نجيب المطيعي (حـ 5) من التكملة والسابع عشر من المجموع (ص 517) . ن . زكريا علي يوسف .(1/20)
هذا وقد ورد لفظ ( الإمام ) في القرآن الكريم بصيغة الإفراد في عدة مواضع منها قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام : { قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } (1) . والمعنى : ( أني مُصَيِّرُك للناس إمامًا يؤتم به ، ويقتدى به ) (2) .
كما ورد في قوله تعالى حكاية عن دعاء المؤمنين : { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } (3) أي : ( أئمة يقتدي بنا من بعدنا ) (4) وقال البخاري : ( أئمة نقتدي بمن قبلنا ، ويقتدي بنا من بعدنا ) (5) .
وورد اللفظ بصيغة الجمع في قوله تعالى : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } (6) . أي : ( أئمة يؤتم بهم في الخير في طاعة الله في إتباع أمره ونهيه ، ويقتدى بهم ، ويتبعون عليه ) (7) .
وفي قوله تعالى : { وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } (8) أي : ولاة وملوكًا (9) .
__________
(1) سورة البقرة آية 124 .
(2) تفسير الطبري المسمى ( جامع البيان عن تأويل آي القرآن ) لمحمد بن جرير الطبري (1/529) ط . ثالثة . 1388 هـ . ن . مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي القاهرة .
(3) سورة الفرقان آية 74 .
(4) تفسير الطبري (19/52) .
(5) صحيح البخاري : ك : الاعتصام ب : الإقتداء بسنن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فتح الباري (13/248) .
(6) سورة الأنبياء آية 73 .
(7) تفسير الطبري (17/49) .
(8) سورة القصص آية 5 .
(9) تفسير الطبري (20/28) .(1/21)
كما ورد اللفظ بمعنى : من يؤتم بهم في الشر . فقال تعالى : { فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ } (1) أي : ( رؤساء الكفر بالله ) (2) وقوله : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ } (3) أي : ( جعلنا فرعون وقومه أئمة يأتم بهم أهل العتو على الله والكفر به ) (4) . لكن إذا أطلق لفظ ( الإمام ) فإنه لا ينصرف إلى أئمة الباطل ، لأنه ورد ذكرهم في القرآن بهذه الكلمة مقيدة . كما في هذه الآيات .
وورد اللفظ أيضًا في مواطن كثيرة من الحديث النبوي الشريف منها قوله - صلى الله عليه وسلم - : « الإمام الأعظم الذي على الناس راع ، وهو مسؤول عن رعيته .. » الحديث (5) . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « الأئمة من قريش » (6) . والمراد : الحاكم أو الخليفة .
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة .
__________
(1) سورة التوبة آية 12 .
(2) تفسير الطبري (10/87) .
(3) سورة القصص آية 41 .
(4) تفسير الطبري (20/79) .
(5) رواه البخاري - واللفظ له - ك . الأحكام ب : 1 ، انظر : فتح الباري (13/111) ، ورواه مسلم أيضًا في ك : الإمارة ، ح 1829 (3/1459) ، وأبو داود في ك : الإمارة ب : 1 ، عون (8/146) ، والترمذي ك : الجهاد ب : 7 ، ح 1705 (4/208) ، ورواه أحمد في مسنده (2/54) .
(6) رواه أحمد في مسنده (3/183) ، ورواه البخاري ومسلم بغير هذا اللفظ . وسيأتي زيادة تخريج وإيضاح للألفاظ في ذكر الشروط .(1/22)
وهكذا أخذت الإمامة معنى اصطلاحيًا إسلاميًا ، فقصد بالإمام : خليفة المسلمين وحاكمهم ، وتوصف الإمامة أحيانًا بالإمامة العظمى أو الكبرى تمييزًا لها عن الإمامة في الصلاة ، على أن الإمامة إذا أطلقت فإنها توجه إلى الإمامة الكبرى أو العامة ، كما أوضح ذلك ابن حزم رحمه الله (1) .
الترادف بين ألفاظ : الإمام والخليفة وأمير المؤمنين (2) :
والذي يبدو من استعراض الأحاديث الواردة في باب الخلافة والإمامة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين الذين رووها لم يفرقوا بين لفظ خليفة وإمام ، ومن بعد تولية عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أضافوا إليها لفظ : أمير المؤمنين - وإلى ذلك ذهب العلماء فجعلوها من الكلمات المترادفة المؤدية إلى معنى واحد فيقول النووي : ( يجوز أن يقال للإمام : الخليفة ، والإمام ، وأمير المؤمنين ) (3) .
ويقول ابن خلدون : وإذ قد بيَّنَّا حقيقة هذا المنصف وأنه نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا به تسمى خلافة وإمامة والقائم به خليفة وإمام ) أ . هـ (4) ويعرف ابن منظور الخلافة بأنها الإمارة (5) .
وإلى ذلك ذهب الأستاذ محمد نجيب المطيعي في تكملته للمجموع
__________
(1) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/90) ط . ثانية 1395 هـ . ن . دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان .
(2) هذا الترادف من قبيل دلالتها وإطلاقها على ذات واحدة ، أما من حيث معانيها فلكل واحدة منها معناها الخاص بها . مثل القرآن والفرقان والهدى والنور فهي مترادفة من حيث دلالتها على القرآن ، ومتباينة من حيث معانيها .
(3) روضة الطالبين ليحيى بن شرف الدين النووي (10/49) . ن : المكتب الإسلامي . وانظر : نحوه في مغنى المحتاج للشربيني (4/132) .
(4) المقدمة (ص 190) .
(5) لسان العرب (9/83) .(1/23)
للنووي حيث قال : ( الإمامة والخلافة وإمرة المؤمنين مترادفة ) (1) وكذلك الأستاذ محمد رشيد رضا (2) ، ويفسر الشيخ أبو زهرة الترادف بين لفظي الخلافة والإمامة بقوله : ( المذاهب السياسية كلها تدور حول الخلافة وهي الإمامة الكبرى ، وسميت خلافة لأن الذي يتولاها ويكون الحاكم الأعظم للمسلمين يخلف النبي (3)
__________
(1) المجموع (17/517) .
(2) الخلافة أو الإمامة العظمى لمحمد رشيد رضا (ص 101) .
(3) أجاز الفقهاء تسمية الإمام خليفة بإطلاق ، وخليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، واختلفوا في تسميته خليفة الله ، فأجازه بعضهم اقتباسًا من الخلافة العامة التي للآدميين في قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ... } الآية . البقرة 30 . قال الطبري : ( أي : مني . يخلفني في الحكم بين خلقي . وذلك الخليفة هو آدم ، ومن قام مقامه في طاعة الله ، والحكم بالعدل بين خلقه ونسب هذا القول إلى ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما ) . تفسير الطبري (1/200) .
ومنع الجمهور ذلك لأن معنى الآية ليس عليه . قال ابن كثير : ( أي قوم يخلف بعضهم بعضنا قرنًا بعد قرن ، وجيلاً بعد جيل ) . تفسير ابن كثير (1/99) ط . كتاب الشعب .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( فالمقصود أن الله تعالى لا يخلفه غيره ، فإن الخلافة إنما تكون عن غائب ، وهو سبحانه شهيد مدبر لخلقه لا يحتاج في تدبيرهم إلى غيره ) . منهاج السنة النبوية (1/138) ن . دار الكتب العلمية بيروت . قال : ( بل هو سبحانه يكون خليفة لغيره . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ، اللهم اصحبنا في سفرنا ، واخلفنا في أهلنا » . ) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (35/45) ط . أولى 1386 هـ . الرياض . والحديث صحيح رواه مسلم في الحج رقم (1342) ، وأبو داود في الجهاد ، ب : 72 ، عون (7/260) ، والترمذي في الدعوات ب : 42 ، رقم (3438) ، (5/497) ، وأحمد (1/256) ، والنسائي ، والدارمي ، والإمام مالك في الموطأ (2/977) .
واستدل بعضهم على ذلك بما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال : ( لست خليفة الله ، ولكني خليفة رسول الله ) . انظر : مقدمة ابن خلدون (ص 190) وهذا نصٌّ في المسألة لوْ صحَّ ، ولكنه ضعيف فقد رواه ابن سعد في الطبقات عن ابن أبي مليكة قال : قيل لأبي بكر .. الخبر ) الطبقات (3/183) ؛ ورواه الإمام أحمد في المسند حديث رقم (59) بتحقيق أحمد شاكر عن ابن أبي مليكة قال قيل لأبي بكر ... ورواه الخلال بنفس السند . انظر : المسند من مسائل الإمام أحمد ورقة (37) مخطوط . لكن ابن أبي مليكة هذا لم يسمع من أبي بكر فالخبر ضعيف لانقطاع السند ، انظر زيادة تخريج له المسند بتحقيق أحمد شاكر (1/179) ومجمع = = الزوائد (5/198) وذهب الراغب الأصفهاني إلى أن : ( الخلافة : النيابة عن الغير ، إما لغيبة المنوب عنه ، وإما لموته ، وإما لعجزه ، وإما لتشريف المستخلف ) .
قال : ( وعلى ها الوجه الأخير استخلف الله أولياءه في الأرض ... ) .
ثم ذكر الآيات الدالة على ذلك .
انظر : المفردات للراغب (ص 156) .(1/24)
- صلى الله عليه وسلم - في إدارة شؤونهم ، وتسمى إمامة : لأن الخليفة كان يسمى إمامًا ، ولأن طاعته واجبة ، ولأن الناس كانوا
يسيرون وراءه كما يصلون وراء من يؤمهم الصلاة ) (1) أي يأتمون به ، وقد كان الخلفاء هم الذين يتولون إمامة الصلاة خاصة الجمع والأعياد لكن لما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية ، وضعفت الناحية العلمية عند الخلفاء ، أخذوا ينيبون عنهم من يقومون مقامهم في إمامة الصلاة ، وخطب الجمع والأعياد .
كما يفسر الأستاذ محمد المبارك رحمه الله سبب اختيار هذه الألفاظ ( الإمام ، والخليفة ، وأمير المؤمنين ) بأنه : ابتعاد بالمفهوم الإسلامي للدولة ورياستها عن النظام الملكي بمفهومه القديم عند الأمم الأخرى من الفرس والرومان المختلف اختلافًا أساسيًا عن المفهوم الإسلامي الجديد ) (2) .
هذا وقد كان الخلفاء الأول يلقبون بالخلفاء كما يلقبون بالأئمة ، ومنذ خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه استعمل المسلمون لقب ( أمير
المؤمنين ) فيذكر ابن سعد في طبقاته أنه لما مات أبو بكر رضي الله تعالى عنه وكان يُدْعَى خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيل لعمر : خليفة خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال المسلمون : من جاء بعد عمر قيل له : خليفة خليفة خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيطول هذا ، ولكن اجتمعوا على اسم تدعون به الخليفة ، يدعى به من بعده من الخلفاء ، قال بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نحن المؤمنون وعمر أميرنا ، فدعي عمر ( أمير المؤمنين ) فهو أول من سمي بذلك (3) .
__________
(1) تاريخ المذاهب الإسلامية لأبي زهرة الجزء الأول في السياسة والعقائد (ص 21) . ن . دار الفكر العربي .
(2) نظام الإسلام ( الحكم والدولة ) (ص 61) ط . ثالثة 1400 هـ . ن . دار الفكر .
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/281) ط . 1398 هـ . ن . دار بيروت .(1/25)
وروي أن لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم رضي الله عنهما لما قدما من المدينة ، قالا لعمرو بن العاص : استأذن لنا يا أمير المؤمنين ، فقال : أنتما والله أصبتما اسمه ، فهو الأمير ونحن المؤمنون ، فدخل عمرو على عمر فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، فقال عمر : ما هذا ؟ فقال : أنت الأمير ، ونحن المؤمنون ، فجرى الكتاب من يومئذ (1).
وقيل في سببها غير ذلك (2) .
أما لفظ الأمير بإطلاق فقد كان مستعملاً في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لكن لم يكن مقصورًا على الخليفة ، وإنما يسمى به أمراء الجيوش والأقاليم والمدن ونحو ذلك ، وقد ورد في الحديث « من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن عصى أميري فقد عصاني » (3) .
استعمالات لفظي الخلافة والإمامة
ومن الملاحظ أن لفظ ( الإمامة ) يغلب استعمالهم عادة عند أهل السنة في مباحثهم العقدية والفقهية ، بينما الغالب استعمالهم لفظ ( الخلافة ) في كتاباتهم التاريخية ، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن هذه المباحث - خاصة العقدية - قد كتبت للرد على المبتدعة في هذا الباب كالشيعة والخوارج .
__________
(1) رواه الطبراني . وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح مجمع الزوائد (9/61) .
(2) انظر : مناقب عمر ابن الخطاب لابن الجوزي (ص 59) ط . أولى 1400 هـ . ن . دار الباز للنشر والتوزيع تحقيق د . زينب إبراهيم القاروط .
(3) متفق عليه رواه البخاري - واللفظ له - في ك : الأحكام ، ب : قول الله تعالى : { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ... } فتح الباري (13/111) ، ومسلم في ك : الإمارة ، ب : وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ح1835 (3/1466) ، ورواه النسائي في البيعة . ب : الترغيب في طاعة الإمام (7/154) وغيرهم .(1/26)
فالشيعة يستخدمون لفظ الإمامة دون الخلافة ، ويعتبرونها إحدى أركان الإيمان عندهم ، ويفرقون بين الإمامة والخلافة ، فهم يعتبرون الإمامة رئاسة دين ، والخلافة رئاسة دولة (1) ، ويريدون من ذلك إثبات أن عليًا رضي الله تعالى عنه كان إمامًا زمن خلافة الثلاثة الذين سبقوه . وفي ذلك فصل للدين عن الدولة . وهذا لا يقره الإسلام .
وممن ذهب إلى التفريق بينهما أيضًا الرافضة الباطنية (2) ، وبعض المعتزلة (3) .
وأرجع بعض الكتاب المعاصرين سبب استعمال لفظ ( الإمامة ) عند أهل السنة إلى تأثر أهل السنة بالشيعة (4) .
ويرى بعضهم أن هذه التسمية من اختراعات الشيعة (5) وهذا غير صحيح لاستعمال المسلمين هذا اللفظ قبل انشقاق الشيعة عن الجماعة ، ولوروده في بعض الآيات والأحاديث كما سبق ، ولاستعمال الصحابةُ رضوان الله عليهم له .
__________
(1) انظر : الإمامة لمحمد حسين آل ياسين (ص 19) ط . ثانية ن . المكتب العلمي بيروت . وانظر : نظرية الإمامة لدى الشيعة الإثنى عشرية د . أحمد محمود صبحي (ص 24) ط . بدون ن . دار المعارف .
(2) انظر : الإمامة وقائم القيامة د . مصطفى غالب (ص 19) ط . 1981 م . ن . مكتبة الهلال .
(3) المغني في أبواب التوحيد والعدل (حـ 20) ق : 1 (ص 129) .
(4) نظرة الإمامة لدى الشيعة الإثنى عشرية (ص 23) د . أحمد محمود صبحي .
(5) المجتمع الإسلامي وأصول الحكم د . محمد الصادق عفيفي (ص 123) ط . أولى 1400 هـ . ن . دار الاعتصام .(1/27)
ومما سبق في تعريف الإمامة يتضح لنا أن العلماء الذين تصدوا لتعريفها قدَّموا أمور الدين والعناية به وحفظه على أمور الدنيا ، بمعنى جعل الثانية تابعة للأولى ، وبيان أن سياسة الدنيا يجب أن تكون بالدين وشرائعه وتعاليمه ، وأن فصل الدين عن السياسة مخالفة صريحة لتعاليم الإسلام ولشريعته الربانية ، وأن سياسة الدنيا بالقوانين الوضعية أو بالآراء والشهوات النفسية مخالفة أيضًا للإسلام ، فلا يجوز أن يطلق على هذا النوع من الحكم بأنه حكم إسلامي ، أو متمش مع الشريعة الإسلامية ، بل هو مخالفة صريحة لها لا يقره الإسلام .
الفرق بين الخلافة والملك :
ولهذا فرق العلماء بين الخلافة والملك ، فيقول العلامة ابن خلدون في ذلك : ( إن الملك الطبيعي : هو حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة ، والسياسي : هو حمل الكاف على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار ، والخلافة هي : حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها ) أ . هـ (1) .
والفرق بين الخلافة والملك ثابت في الأحاديث الصحيحة الصريحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك :
(1) قول حذيفة رضي الله عنه : ( قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « تكون
__________
(1) المقدمة (ص 190) .(1/28)
النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون ملكًا عاظًا (1) ، فيكون ما شاء الله أن يكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون ملكًا جبرية ، فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة » . ثم سكت ) (2) .
(
__________
(1) وفي بعض الروايات ملكًا عضوضًا ، وملك عضوض : شديد فيه عسف وعنف . ومعنى الحديث : يصيب الرعية فيه عسف وظلم كأنهم يُعَضُّون فيه عضًا . لسان العرب مادة ( عضض ) (7/191) .
(2) الحديث رواه أحمد (4/273) ، والطيالسي رقم (438) ، وفيه : داود بن إبراهيم الواسطي ( وثَّقه الطيالسي وحدَّث عنه ميزان الاعتدال (3/203) وفيه حبيب بن سالم : مولى النعمان وكاتبه وثقه أبو حاتم ، وقال البخاري : فيه نظر ، وقال ابن عدي : في إسناده اضطراب ميزان الاعتدال (1/455) والحديث قال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد (5/189) : ( رواه أحمد ، والبزار أتم منه والطبراني ببعضه في الأوسط ورجاله ثقات ) وحسَّنه الألباني . انظر : سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم (5) (1/8) . وقد عزاه شيخ الإسلام ابن تيمية إلى مسلم . انظر : مجموع الفتاوى (35/19) ولم أجده فيه .(1/29)
2) ومنها الحديث الذي رواه أهل السنن وغيرهم عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النبي قال : « خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله ملكه - أو الملك - من يشاء » . وفي رواية : « ستكون الخلافة ثلاثون عامًا ثم يكون الملك » (1) .
(
__________
(1) هذا الحديث رواه أبو داود ك : السنة . ب : 8 . عون (12/397) ورواه الترمذي ك : الفتن . ب : 48 ح2226 ، (4/503) وقال : حديث حسن ، قد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان ولا نعرفه إلا من حديث سعيد ، ورواه أحمد (4/372) وصححه ، قال الخلال : ( أخبرنا المروزي قال : ذكرت لأبي عبد الله حديث سفينة فصححه ، وقال هو صحيح ، قلت : إنهم يطعنون في سعيد بن جمهان . فقال : سعيد بن جمهان ثقة ، روى عنه غير واحد ، منهم حماد وحشرج والعوام وغير واحد . قلت لأبي عبد الله : إن عياش بن صالح حكى عن علي بن المديني ذكر عن يحيى بن القطان أنه تكلم في سعيد بن جمهان ، فغضب وقال : باطل ما سمعت يحيى تكلم فيه فقد روى عن سعيد بن جمهان غير واحد ) . انظر : المسند من مسائل الإمام أحمد للخلال مخطوط - ورقة (64) .
والحديث صححه من المعاصرين ناصر الدين الألباني وقد أفاض في تخريجه . انظر : سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم (460) ، (1/198) وذكر له طرقًا كثيرة غير طريق سعيد بن جمهان .(1/30)
3) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جلس جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى السماء فإذا ملك ينزل ، فقال له جبريل : هذا الملك ما نزل منذ خلق قبل الساعة ، فلما نزل قال : يا محمد أرسلني إليك ربك : أملكًا أجعلك ، أم عبدًا رسولاً ؟ قال له جبريل : تواضع لربك يا محمد . فقال رسول الله : « لا ، بل عبدًا رسولاً » (1) . وهذا يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ملكًا مع أنه إمام المسلمين بلا منازع .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( لم يختر أن يكون ملكًا لئلا ينقص - من أجره شيئًا - لما في ذلك من الاستمتاع بالرياسة والمال عن نصيبه من الآخرة ، فإن العبد الرسول أفضل عند الله من النبي الملك ) (2) .
(4) ومن الآثار ما روي عن سليمان رضي الله تعالى عنه سأل عن الفرقُ بين الخليفة والملك ، فقال سلمان : إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهمًا أو أقل أو أكثر ثم وضعته في
غير حقه فأنت ملك ، وأما الخليفة فهو الذي يعدل في الرعية ، ويقسم بينهم بالسوية ، ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهل بيته ، والوالد على ولده ، ويقضي بينهم بكتاب الله . فقال كعب : ما كنت أحسب في هذا المجلس من يفرق بين الملك والخليفة ، ولكن الله ألهم سلمان الإجابة ) (3) .
__________
(1) رواه الإمام أحمد (2/231) ، وابن حبان في صحيحه ح2137 ، (ص 525) وقال عنه الألباني : صحيح على شرط مسلم . انظر : سلسلة الأحاديث الصحيحة ح رقم 1002 ، (3/3) .
(2) مجموع الفتاوى (35/34) .
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/306) . وانظر : تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص 140) ط . أولى 1371 هـ ن . المكتبة التجارية الكبرى بمصر .(1/31)
فهذا من الفروق في نوعية سياسة الرعية ، ومن الفروق أيضًا الطريق التي يتم بها الملك أو الخلافة ، فالملك يتم عادة عن طريق القهر والغلبة والعهد من الآباء للأبناء ونحو ذلك ، دون الرجوع إلى أهل الحل والعقد ، أما الخلافة فلا تكون إلا بإقرار أهل الحل والعقد ، سواء عن طريق الاختيار أو عن طريق الاستخلاف كما سيأتي :
لكن مما يجب التنبيه له أن كلامنا هنا لا يشمل الملك الذي ذكره الله لبعض أنبيائه كداود وسليمان وغيرهما عليهما السلام ، فقد قال الله تعالى عن داود : { وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ } (1) . وقال عن سليمان : { وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ } (2) . وغيرهم من الأنبياء ممن سُمُّا ملوكًا فهؤلاء أنبياء معصومين ، ولا شك أن ملكهم على نهج الحق قطعًا ، لذلك لا يرد عليه الذم الوارد في الأحاديث السابقة لعصمتهم عليهم السلام .
جواز إطلاق لفظ ( خليفة ) على من سوى الراشدين
هذا وقد أجاز أهل السنة والجماعة إطلاق كلمة ( خلفاء ) على من جاءوا بعد الخلفاء الراشدين وإن كانوا ملوكًا بشرط كونهم من قريش ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « الخلافة بعدي ثلاثون ثم يؤت الله الملك من يشاء » (3) .
__________
(1) سورة البقرة آية 251 .
(2) سورة البقرة آية 102 .
(3) سبق تخريجه قريبًا (ص 33) .(1/32)
أجازوا ذلك بدليل ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كما هلك نبي خلفه نبي ، وأنه لا نبي بعدي ، وستكون خلفاء فتكثر » قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : « فوا ببيعة الأول فالأول ، ثم أعطوهم حقهم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم » (1) . قال ابن تيمية رحمه الله : - قول : « فتكثر » دليل على من سوى الخلفاء الراشدين فإنهم لم يكونوا كثيرًا ، وأيضًا قوله : « فوا بيعة الأول فالأول » دلّ على أنهم يختلفون ، والراشدون لم يختلفوا ) (2) .
ومن الأدلة على جواز إطلاق ذلك ما ورد في الحديث المتفق عليه أيضًا عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « يكون اثنا عشر خليفة » - ثم قال كلمة لم أسمعها - فقلت لأبي ما قال ؟ قال : « كلهم من قريش » (3) . فهذا يدل أيضًا على إطلاق الخلافة على من سوى الراشدين ، وإن كان فيهم بعض الانحراف والتقصير في بعض واجبات الدين بشرط القرشية ، لأنهم لم يكونوا يطلقون الخلافة على من ليس بقرشي ، ولذلك سموا زعماء العثمانيين بالسلاطين ولم يسموهم الخلفاء .
قال ابن الأزرق : ( قال البغوي : لا بأس أن يسمى القائم بأمر المسلمين أمير المؤمنين والخليفة وإن كان مخالفًا لسيرة أئمة العدل ، لقيامه بأمر
__________
(1) متفق عليه . رواه البخاري في ك : الأنبياء . ب : 50 ، فتح الباري (6/495) ورواه مسلم في ك : الإمارة . ب : الوفاء ببيعة الخليفة ، ح1842 (3/1471) ورواه ابن ماجة في ك : الجهاد . ب : 42 ، ح2871 (2/958) ، وأحمد في المسند (2/97) .
(2) مجموع الفتاوى (35/20) .
(3) متفق عليه . رواه البخاري ك : الأحكام . ب : 51 بلفظ ( أمير ) بدلاً من ( خليفة ) ، فتح الباري (13/211) ، ومسلم في ك : الإمارة . ب : الناس تبع لقريش ، ح1821 (3/1452) . وغيرهما .(1/33)
المؤمنين وتسمع المسلمين له ) (1) وذلك بشرط إقامة معالم الدين وإن قَصَّرُوا هم في أعمال أنفسهم أو ظلموا أو جاروا في الأموال ونحوها ، أما إذا لم يقيموا الدين أو انحرفوا انحرافًا يؤدي إلى الكفر فلا يجوز ذلك ، بل لا ولاية لهم على المسلمين أصلاً . بدليل قوله تعالى : { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } (2) . والله أعلم .
* * * * *
الفصل الثاني
وجوب الإمامة
الفصل الثاني
وجوب الإمامة
__________
(1) بدائع السلك (1/92) .
(2) سورة النساء آية 141 .(1/34)
اتفق السواد الأعظم من المسلمين على وجوب نصب الإمام (1) ، ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا النجدات من الخوارج (2) ، والأصم (3) ، والفوطي (4)
__________
(1) انظر على سبيل المثال : الجامع لأحكام القرآن (1/264) ، وكشاف القناع (6/158) ، ومنتهى الإرادات لابن النجار (2/494) ، وحاشية القليوبي على شرح المنهاج (4/173) ، ومغني المحتاج (4/129) ، والدر المختار (1/115) ، والمسامرة (ص 254) ، والأحكام السلطانية للماوردي (ص 5) ، ولأبي يعلى (ص 19) ، والفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (4/87) ، ومراتب الإجماع له (ص 124) ، والسياسة الشرعية لابن تيمية (ص 161) ، ومقدمة ابن خلدون (ص 191) ، وبدائع السلك لابن الأزرق (1/71) ، وغيرها من كتب الفقه .
(2) انظر : مقالات الإسلاميين (1/205) ط . الثانية 1389 هـ . ن . مكتبة النهضة المصرية . تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد . وممن يذكر عنه عدم وجوب الإمامة من الخوارج أيضًا المحكمة ، لكنهم تراجعوا عن ذلك ، ويُنسب هذا القول إلى الأباضية أيضًا لكنهم ينفون ذلك . انظر بتوسع : رسالة ( الخوارج تاريخهم وآراؤهم الإعتقادية وموقف الإسلام منها ) للطالب : غالب بن علي عواجي ، إشراف د . عثمان عبد المنعم عيش (ص 362) لنيل الماجستير جامعة الملك عبد العزيز بمكة . 98 /1399 هـ .
(3) أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم من كبار المعتزلة من الطبقة السادسة ، فرق وطبقات المعتزلة (ص 65) .
(4) هو هشام بن عمرو الفوطي شيباني من أهل البصرة من الطبقة السادسة ، طبقات المعتزلة (ص 69) ، وإليه تنسب فرق الهاشمية من المعتزلة ، الفرق بين الفرق (ص 159) .(1/35)
من المعتزلة (1) . وفي هذا يقول الإمام ابن حزم : ( اتفق جميع أهل السنة ، وجميع المرجئة ، وجميع الشيعة ، وجميع الخوارج على وجوب الإمامة ، وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل ، يقيم فيهم أحكام الله ، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قالوا : لا يلزم الناس فرض الإمامة ، وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم . أ . هـ (2) .
وقال القرطبي : ( ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة ، إلا ما روي عن الأصم ، حيث كان عن الشريعة أصم . وكذلك كل من قال بقوله واتبعه على رأيه ومذهبه (3) .
والموجبون لها منهم من يرى وجوبها عن طريق الشرع ، وهم أهل السنة والجماعة وأكثر المعتزلة (4) ، ومنهم من يوجبها عقلاً ، والموجبون لها عقلاً منهم من يوجبها على الله تعالى - تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا - وهم الشيعة ، ومنهم من يوجبها على الناس . وهم المعتزلة البغداديون (5) ، والجاحظ من معتزلة البصرة (6) .
الأدلة
__________
(1) أصول الدين للبغدادي (ص 272) . ط . الثانية 1400 هـ . ن . دار الكتب العلمية بيروت .
(2) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/87) .
(3) الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (1/264) ط . الثالثة 1386 هـ . ن . دار القلم .
(4) المغني في أبواب التوحيد والعدل (جـ 20 ، ص 141) ق 1 . وانظر : العثمانية للجاحظ (ص 261) .
(5) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (2/308) ط . أولى 1378 هـ . ن . دار إحياء الكتب العربية - عيسى الحلبي البابي وشركاه . ت : محمد أبو الفضل إبراهيم .
(6) العثمانية للجاحظ (ص 261) . ط . 1374 . ن . دار الكتاب العربي ، تحقيق عبد السلام هارون .(1/36)
قلنا : إن أهل السنة والجماعة يرون أن الإمامة واجبة ، وأنه لا بد للمسلمين من إمام يقيم شعائر الدين وينصف المظلومين من الظالمين ، ويستدلون على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والقواعد الشرعية ، وإليك الآن تفصيل ذلك :
أولاً : الأدلة من القرآن الكريم :
(1) قول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } الآية (1) ، أورد الطبري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : ( أن أولي الأمر هم الأمراء ) (2) ثم قال الطبري : أولي الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : هم الأمراء والولاة فيما كان لله طاعة وللمسلمين مصلحة ) (3) وقال ابن كثير : ( الظاهر - والله أعلم أن الآية عامة في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء ) (4) وهذا هو الراجح .
ووجه الاستدلال من هذه الآية : أن الله سبحانه أوجب على المسلمين طاعة أولي الأمر منهم وهم الأئمة ، والأمر بالطاعة دليل على وجوب نصب ولي الأمر ، لأن الله تعالى لا يأمر بطاعة من لا وجود له ، ولا يفرض طاعة من وجوده مندوب ، فالأمر بطاعته يقتضي الأمر بإيجاده ، فدل على أن إيجاد إمام للمسلمين واجب عليهم .
(
__________
(1) سورة النساء آية 59 .
(2) تفسير الطبري (7/497) تحقيق أحمد شاكر وقال عنه : إسناده صحيح .
(3) نفس المرجع (7/502) .
(4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/303) ط . دار الشعب تحقيق د . محمد إبراهيم البنا ، ومحمد أحمد عاشور وعبد العزيز غنيم .(1/37)
2) ومن الأدلة أيضًا قول الله تعالى مخاطبًا الرسول - صلى الله عليه وسلم - : { فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ ... } الآية (1) ، وقوله تعالى : { وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ } (2) .
فهذا الأمر من الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يحكم بين المسلمين بما أنزل الله - أي بشرعه - ، وخطاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - خطاب لأمته ما لم يرد دليل يخصصه به ، وهنا لم يرد دليل على التخصيص ، فيكون خطابًا للمسلمين جميعًا بإقامة الحكم بما أنزل الله إلى يوم القيامة ، ولا يعني إقامة الحكم والسلطان إلا إقامة الإمامة ، لأن ذلك من وظائفها ولا يمكن القيام به على الوجه الأكمل إلا عن طريقها ، فتكون جميع الآيات الآمرة بالحكم بما أنزل الله دليلاً على وجوب نصب إمام يتولى ذلك .. والله أعلم .
(3) ومن الأدلة أيضًا قول الله تبارك وتعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } (3) .
فمهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام ومن أتى بعدهم من أتباعهم أن يقيموا العدل بين الناس على وفق ما في الكتاب المنزل ، وأن ينصروا ذلك بالقوة ، وهذا لا يأتي لأتباع الرسل إلا بتنصيب إمام يقيم فيهم العدل ، وينظم جيوشهم المناصرة ، ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( فالدين الحق لا بد فيه من الكتاب الهادي والسيف
__________
(1) سورة المائدة آية 83 .
(2) سورة المائدة آية 49 .
(3) سورة الحديد آية 25 .(1/38)
الناصر .. فالكتاب يبين ما أمر الله به وما نهى عنه ، والسيف ينصر ذلك ويؤيده ) أ . هـ (1) .
(4) ومن الأدلة القرآنية أيضًا جميع آيات الحدود والقصاص ونحوها من الأحكام التي يلزم القيام بها وجود الإمام .
وآيات وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحوها من الآيات ، فالواقع أن جميع الآيات القرآنية التي نزلت بتشريع حكم من الأحكام التي تتعلق بموضوع الإمامة وشؤونها جاءت على أساس أن قيام الإمامة الشرعية والقيادة العامة في المجتمع الشرعي شيء مفروغ من إثباته ولا نقاش في لزومه ، ذلك لأن الأحكام المشار إليها من الأمور التي يتوقف امتثالها وتنفيذها على وجود الإمام لأنها من مسئولياته ووظائفه ، فتشريع مثل هذه الأحكام يلزمه مسبقًا المفروغية من تشريع حكم لزوم الإمامة وقيام الدولة الإسلامية في المجتمع المسلم ، وهذا ينهينا إلى أن لزوم الإمامة وإقامة الدولة في المجتمع الإسلامي من بديهات وضروريات الشريعة الإسلامية .
ثانيًا الأدلة من السنة :
أ- الأدلة من السنة القولية :
روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة فيها دلالة على وجوب نصب الإمام ، ومن هذه الأدلة ما يلي :
(1) ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » (2) أي : بيعة الإمام ، وهذا واضح الدلالة على وجوب نصب الإمام لأنه إذا كانت البيعة واجبة في عنق المسلم ، والبيعة لا تكون إلا لإمام ، فنصب الإمام واجب .
(
__________
(1) منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية . لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/142) ن . دار الكتب العلمية بيروت ، وبهامشه كتاب بيان موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول . للمؤلف نفسه .
(2) رواه مسلم ك : الإمارة . ب : وحوب الوفاء ببيعة الخلفاء ، ح1851 (3/1478) .(1/39)
2) ومنها ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم » . ومثله عن أبي هريرة ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمّروا أحدهم » (1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( فإذا كان قد أوجب في أقلِّ الجماعات وأقصر الاجتماعات ، أن يولي أحدهم ، كان هذا تشبيهًا على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك ) أ . هـ (2) .
(
__________
(1) الحديث رواه أبو داود ك : الجهاد . ب : 87 ، عون (7/267) ، وأحمد (2/177) ، وأخرجه البزار من حديث عمر بن الخطاب بسند صحيح ، وأخرجه أيضًا بسند صحيح من حديث ابن عمرو مرفوعًا بلفظ : « إذا كانوا ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم » . وأخرجه بهذا اللفظ الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح ، وهذه الأحاديث يشهد بعضها لبعض وقد سكت أبو داود والمنذري عن حديث أبي سعيد وأبي هريرة ، وكلاهما رجالهما رجال الصحيح إلا علي بن بحر وهو ثقة . قال في الخلاصة : ( وثقه ابن معين . ولم يذكر فيه قادحًا ) . انظر : نيل الأوطار (8/255) والروض النضير للسياغي ( التتمة ) (5/23) وقد صححه ناصر الدين الألباني في : إرواء الغليل ح2454 (8/106) ، والأستاذ أحمد شاكر في تخريجه للمسند ح6647 (10/133) .
(2) الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 11) ط . أولى 1976 م . ن . دار الشعب . تحقيق صلاح عزام .(1/40)
3) ومنها الحديث الذي رواه أبو أمامة الباهلي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « لينقضن عرى الإسلام عروة ، عروة ، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها ، وأولهن نقضًا الحكم ، وآخرهن الصلاة » (1) . قال الأستاذ عبد الكريم زيدان ( والمقصود بالحكم : الحكم على النهج الإسلامي ، ويدخل فيه بالضرورة وجود الخليفة الذي يقوم بهذا الحكم ، ونقضه يعني التخلي عنه وعدم الالتزام به ، وقد قرن بنقض الصلاة وهي واجبة ، فدلّ على وجوبه ) (2) .
(4) ومنها أيضًا الحديث المشهور في السنن عن العرباض بن سارية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال - من حديث طويل - « إنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة » (3) .
وقد تواتر عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم بايعوا أبا بكر رضي الله عنه بالخلافة بعد لحاق النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى ، ثم استخلف أبو بكر عمر رضي الله تعالى عنهما ، ثم استخلف عمر أحد الستة الذين اختاروا عثمان رضي الله عنه ، ثم بعد استشهاده
__________
(1) رواه الإمام أحمد (5/251) ، وابن حبان في صحيحه ح257 ، (ص 87) ، والحاكم في المستدرك (4/92) عن أبي أمامة وصححه ناصر الدين الألباني . انظر : صحيح الجامع الصغير ح4951 (5/15) .
(2) أصول الدعوة لعبد الكريم زيدان (ص 195) ط . ثالثة 1396 . ن . مكتبة المنار الإسلامية .
(3) رواه الترمذي في ك : العلم . ب : 16 ، ح2676 (5/44) ، وقال : حسن صحيح . وأبو داود في ك : السنة . ب : 5 ، عون (12/359) ، وابن ماجة في المقدمة ب : 6 ، ح42 (1/15) ، وأحمد (4/126) ، والدارمي في المقدمة . ب : 6 . قال أبو نعيم : هو حديث جيد من صحيح الشاميين . انظر : جامع العلوم والحكم (ص 243) .(1/41)
بايعوا عليًا بالخلافة ، فهذه سنتهم رضي الله عنهم في الخلافة ، وعدم التهاون في منصبها ، فوجب الإقتداء بهم في ذلك بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على وجوب طاعة الحكام فيما لا معصية فيه ، وأحاديث البيعة ، والأمر بالوفاء بها للأول فالأول ، وحرمة الخروج على أئمة المسلمين ، والحث على ضرب عنق من جاء ينازع الإمام الحق ، والتي سترد إن شاء الله في ثنايا البحث . كل هذه الأحاديث تقتضي وجود الإمام المسلم ، فدلّ ذلك على وجوب نصيبه . والله أعلم .
ب - من السنة الفعلية :
إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقام أول حكومة إسلامية في المدينة ، وصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول إمام لتلك الحكومة ، فبعد أن هيأ الله لهذا الدين من ينصره ورسوله بدأ - صلى الله عليه وسلم - في تشييد أركانها ، فأصلح ما بين الأوس والخزرج من مشاكل وحروب طاحنة قديمة ، ثم آخى بين الأنصار والمهاجرين ، ونظم الجيوش المجاهدة لنشر هذا الدين والذود عن حماه ، وقد أرسل الرسل والدعوات إلى ملوك الدول المجاورة يدعوهم إلى الإسلام ، وعقد الاتفاقات والمعاهدات مع اليهود وغيرهم ، وأبان أحكام الأسرى وما يتعلق بهم ، وأحكام الحرب وأهل الذمة ، وقام بتدبير بيت مال المسلمين وتوزيعه كما أمر الله عز وجل ، وعيَّن الأمراء والقضاة لتدبير شؤون المسلمين ، وأقام الحدود الشرعية والعقوبات .. إلى غير ذلك من مظاهر الدولة ووظائف الإمامة . يقول الإمام الشاطبي رحمه الله : ( ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يمت حتى أتى ببيان جميع ما يحتاج إليه من أمر الدين والدنيا ، وهذا لا مخالف عليه من أهل السنة ) (1) .
__________
(1) الاعتصام للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي (1/49) . ط . بدون ن . المكتبة التجارية الكبرى - مصر .(1/42)
ومن المعلوم أن قيام هذه الدولة وزعامته - صلى الله عليه وسلم - لها لم يكن هدفًا له في حد ذاته ، وإنما هو من مستلزمات هذا الدين الذي لا يتم إلا به ، كيف وقد عرضت عليه قريش من أول وهلة الملك عليها من دون تعب ولا جهاد ، وإنما بترك سبِّ آلهتهم ، فرفض ذلك رفضًا (1) باتًا . وإنما كان هدفه الوحيد - صلى الله عليه وسلم - القيام بتبليغ هذه الرسالة وحملها إلى الناس ، واتخاذ كافة الوسائل المؤدية إلى ذلك ، ومن هذه الوسائل قيام الدولة الإسلامية ، فهي واجبة لهذا الغرض ، ولأنها من مستلزمات هذا الدين .
يقول الأستاذ عبد القادر عودة رحمه الله : ( فالرسول - صلى الله عليه وسلم - كوَّن من المسلمين وحدة سياسية ، وألفَّ منهم جميعًا دولة واحدة كان هو رئيسها وإمامها الأعظم وكان له وظيفتان :
الأولى : التبليغ عن الله .
والثانية : القيام على أمر الله وتوجيه سياسة الدولة في حدود الإسلام ، وقد انتهى عهد التبليغ بوفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وانقطاع الوحي ، وإذا لم يكن بالناس حاجة إلى التبليغ (2) بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لوجود القرآن والسنة ، فإنهم في أشد الحاجة إلى من يقوم على القرآن والسنة ويسوسهم في حدود الإسلام بعد أن كَوَّنَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - منهم وحدة سياسية ، واستنَّ لهم رئاسة الدولة وإمامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، بل إن التأسي بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وإتباع سنته يقتضي من المسلمين جميعًا أن يُكَوِّنوا من أنفسهم وحدة سياسية واحدة ، وأن يقيموا لهم دولة واحدة تجمعهم ، وأن يقيموا على رأسها من يخلف الرسول - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) سيرة ابن هشام (1/293) ط . الثانية 1375 هـ . ن . مصطفى البابي الحلبي مصر . تحقيق : مصطفى السقا ، وإبراهيم الأبياري ، وعبد الحفيظ شلبي .
(2) أي تبليغ شرع جديد . أما تبليغ القرآن والسنة فهذا واجب على علماء الأمة اتفاقًا .(1/43)
في إقامة الدين وتوجيه سياسة الدولة توجيهًا إسلاميًا خالصًا ) أ . هـ (1) .
فالمقصود أن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في تولية زعامة الدولة الإسلامية الأولى دليل على وجوب الإمامة ، حيث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مبينًا للأحكام الشرعية بقوله وفعله وإقراره ، وفعله - صلى الله عليه وسلم - يقتضي الوجوب (2) إذا لم يكن مختصًا به - صلى الله عليه وسلم - ولا جبلِّيا ولا مترددًا بين الجبلي وغيره ، ولا بيانًا لمجمل كقطع يد السارق ونحوه لقوله تعالى : { فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (3) ، ولقوله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ... } الآية (4) ولقوله عز من قائل كريمًا { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً ... } الآية (5) قال ابن النجار : ( فلولا الوجوب لما رفع تزويجه الحرج عن المؤمنين في أزواج أدعيائهم ) (6) .
ثالثًا : الإجماع :
ومن أهم الأدلة الدالة على وجوب الإمامة الإجماع على ذلك من قبل
__________
(1) الإسلام وأوضاعنا السياسية للأستاذ عبد القادر عودة (ص 127) ط . مؤسسة الرسالة - بيروت .
(2) على خلاف بين علماء الأصول ، لكن هذا هو الراجح لقوة الدليل . انظر : تفصيل المسألة في شرح الكوكب المنير لابن النجار الحنبلي (2/189) منشورات مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى . تحقيق د . محمد الزحيلي ، ود . نزيه حماد .
(3) سورة الأعراف آية 158 .
(4) سورة الحشر آية 7 .
(5) سورة الأحزاب آية 63 .
(6) شرك الكوكب المنير (2/190) .(1/44)
الأمة ، وأول ذلك إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على تعيين خليفة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته ، بل حتى قبل دفنه وتجهيزه (1) .
__________
(1) كانت وفاته عليه الصلاة والسلام يوم الاثنين بعد أن زاغت الشمس لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول وكان دفنه - كما يقول ابن هشام - من وسط الليل ليلة الأربعاء . انظر : سيرة ابن هشام (4/664) ، وانظر سبل السلام (2/111) ن . دار الفكر .(1/45)
وقد ورد في ذلك عدة روايات منها ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات ، وأبو بكر بالسنح (1) قال إسماعيل - يعني بالعالية - فقام عمر يقول : والله ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قالت : وقال عمر : والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك ، وليبعثنَّه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ، فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبَّله فقال : بأبي أنت وأمي طبت حيًا وميتًا ، والذي نفسي بيده ، لا يذيقنك الله الموتتين أبدًا ، ثم خرج فقال : أيها الحالف على رسلك . فلما تكلم أبو بكر جلس عمر ، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال : ألا من كان يعبد محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فإن محمدًا قد مات . ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وقال : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ } (2) ، وقال : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ } (3) . قال : فشنج الناس يبكون ، قال : واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ، فقالوا : منا أمير ومنكم أمير ، فذهب إليهم أبو بكر وعمر وعبيدة ابن الجراح ، فذهب عمر يتكلم ، فأسكته أبو بكر ، وكان عمر يقول : ( والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلامًا قد أعجبني خشيت ألا يبلغه أبو بكر ) ثم تكلم أبو بكر ، فتكلم أبلغ
__________
(1) السنح : قيل بتسكين النون وقيل بضمها : منازل بني الحارث من الخزرج بالعوالي بينه وبين المسجد النبوي ميل . فتح الباري (7/29) .
(2) سورة الزمر آية 30 .
(3) سورة آل عمران آية 144 .(1/46)
الناس ، فقال في كلامه : نحن الأمراء وأنتم الوزراء ، فقال حُباب بن المنذر : والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير ، فقال أبو بكر : لا ، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء ، هم أوسط العرب دارًا وأعرابهم أنسابًا ، فبايعوا عمر وأبا عبيدة ، فقال عمر : بل نبايعك أنت ، فأنت سيدنا وخيرنا وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس ) (1) . وبهذا يتبين أنه قد ثبت أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بمجرد أن بلغهم نبأ وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بادروا إلى عقد اجتماع السقيفة الذي ضم كبار المهاجرين والأنصار ، وتركوا أهم الأمور لديهم ذلك الوقت وهو تجهيز الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتشييعه (2) ،
__________
(1) رواه البخاري ك : مناقب الصحابة . ب : 5 ، قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « لو كنت متخذًا خليلاً ... » ، فتح الباري (7/19) .
(2) في تقديمهم اختيار الخليفة ومبايعته قبل تجهيز النبي - صلى الله عليه وسلم - دلالة على أن ذلك من أهم الواجبات ، وإلا لما ساغ تقديمه على دفن الرسول - صلى الله عليه وسلم - خصوصًا وقد أمر الإسراع في دفن الجنازة ، كما في الحديث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه ، وإن يك سوى ذلك ، فشّر تضعونه عن رقابكم » . متفق عليه رواه البخاري واللفظ له . ك : الجنائز . باب السرعة بالجنازة 51 ، ك : السرعة بالجنازة ، فتح الباري (3/183) ومسلم في ك : الجنائز ، ب : الإسراع بالجنائز ، ح944 (2/652) وهذا وإن كان الظاهر منه الإسراع في المشي ولكنه عام وقد روى أبو داود أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده فقال : « إني لا أُرَى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا ، فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله » ..ك : الجنائز ، ب : تعجيل الجنازة وكراهية حبسها . لكنه ضعيف . انظر : عون المعبود (8/435 ، 436) .(1/47)
وراحوا يتداولون ويتشاورون في أمر الخلافة ، وهم وإن اختلفوا أول الأمر حول الشخص الذي ينبغي أن يبايع فإنهم أجمعوا على وجوب وجود إمام ، ولم يقل أحد أبدًا لا حاجة لنا إلى ذلك . وقد وافق بقية الصحابة الذين لم يكونوا حاضرين على ما أقره المجتمعون من قبل عندما جرت البيعة في المسجد في اليوم التالي . وفي هذا يقول القرطبي رحمه الله تعالى : ( أجمعت الصحابة بعد اختلاف وقع بين
المهاجرين والأنصار في سقيفة بين ساعدة في التعيين حتى قالت الأنصار : منا أمير ومنكم أمير ... ) قال : ( فلو كان فرض الإمامة غير واجب لا في قريش ولا في غيرهم لما ساغت هذه المناظرة والمحاورة عليها - يقصد ما جرى بينهم من نقاش في مسألة التعيين - ولقال قائل ( إنها ليست واجبة لا في قريش ولا في غيرهم فما لتنازعكم وجه ، ولا فائدة في أمر ليس بواجب ) (1) .
ويقول الشهرستاني : ( ولما قربت وفاة أبي بكر فقال : تشاوروا في هذا الأمر . ثم وصف عمر بصفاته وعهد إليه واستقر الأمر عليه ، وما دار في قلبه ولا في قلب أحد أنه يجوز خلو الأرض من إمام ، ولما قربت وفاة عمر جعل الأمر شورى بين ستة ، وكان الاتفاق على عثمان رضي الله عنه ، وبعد ذلك الاتفاق على علي رضي الله عنه ، فدل ذلك كله على أن الصحابة رضوان الله عليهم ، وهم الصدر الأول كانوا على بكرة أبيهم متفقين على أنه لا بد من إمام ... ) ثم يقول : ( فلذلك الإجماع على هذا الوجه دليل قاطع على وجوب الإمامة ) (2) .
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/264) ط . ثالثة 1386 هـ . ن . دار القلم .
(2) نهاية الأقدام في علم الكلام للشهرستاني (ص 480) ط . بدون . ن . مكتبة المثنى ببغداد .(1/48)
ويقول الهيتمي : ( اعلم أيضًا أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على أن نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوة واجب ، بل جعلوه أهم الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) (1) .
وقد نقل هذا الإجماع طائفة من العلماء ، منهم الماوردي حيث قال :
( وعقدها - أي الإمامة - لمن يقوم بها واجب بالإجماع ، وإن شّذ عنهم الأصم ) (2) . ويقول النووي : ( وأجمعوا على أنهه يجب على المسلمين نصب خليفة .. ) (3) ويقول ابن خلدون : ( نصب الإمام واجب ، وقد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين ، لأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه ، وتسليم النظر إليه في أمورهم ، وكذا في كل عصر من الأعصار ، واستقر ذلك إجماعًا دالاً على وجوب نصب الإمام ) أ - هـ (4) .
وقد سبق كلام ابن حزم في اتفاق الأمة على ذلك ، ولم يخالف إلا من لا يعتدّ بمخالفتهم (5) .
رابعًا : القاعدة الشرعية ( ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) (6) .
__________
(1) الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة لأحمد بن حجر الهيتمي (ص 7) ط . ثانية 1385 هـ ن . مكتبة القاهرة . مصر .
(2) الأحكام السلطانية للماوردي (ص 5) .
(3) شرح النووي على صحيح مسلم (12/205) ط . بدون ن . المطبعة المصرية ومكتبتها .
(4) المقدمة (ص 191) .
(5) انظر : (ص 40) من هذا الفصل .
(6) هناك فرق بين ( ما لا يتم الوجوب إلا به ) وبين ( ما لا يتم الواجب إلا به ) فالأول واجب كالطهارة للصلاة ، والثاني ليس بواجب كبلوغ النصاب للزكاة . انظر : مذكرة أصول الفقه للشنقيطي (ص 14) .(1/49)
ومن الأدلة على وجوب الإمامة القاعدة الشرعية القائلة بأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وقد علم أن الله سبحانه وتعالى أمر بأمور ليس في مقدور آحاد الناس القيام بها ، ومن هذه الأمور إقامة الحدود وتجهيز الجيوش المجاهدة لنشر الإسلام ، وإعلاء كلمة الله ، وجباية الزكاة وصرفها
في مصارفها المحددة ، وسد الثغور وحفظ حوزة المسلمين ، ونشر العدل ودفع الظلم ، وقطع المنازعات الواقعة بين العباد .. إلى غير ذلك من الواجبات التي لا يستطيع أفراد الناس القيام بها ، وإنما لابد من إيجاد السلطة وقوة لها حق الطاعة على الأفراد ، تقوم بتنفيذ هذه الواجبات ، وهذه السلطة هي الإمامة .
فبناء على ذلك يجب تعيين إمام يخضع له ويطاع ، ويكون له حق التصرف في تدبير الأمور حتى يتأتى له القيام بهذه الواجبات ، وفي هذا يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : ( لا بد للناس من إمارة بَرَّة كانت أو فاجرة ) قالوا : يا أمير المؤمنين هذه البرة قد عرفناها ، فما بال الفاجرة ؟ قال : ( يقام بها الحدود ، وتأمن بها السبل ويجاهد بها العدو ، ويقسم بها الفيء ) (1) .
__________
(1) منهاج السنة (1/146) والسياسة الشرعية (ص 63) . ط . رابعة 1969 م . ن . دار الكتاب العربي وعزاه صاحب كنز العمال إلى البيهقي في شعب الإيمان . انظر : الكنز (5/751) ح 14286 .(1/50)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ، بل لا قيام للدين إلا بها ، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ) (1) ويقول معللاً ذلك : ( لأن الله أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة ، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم ، وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة ) (2) .
ويقول ابن حزم : ( وقد علمنا بضرورة العقل وبديهته أن قيام الناس بما
أوجبه الله من الأحكام عليهم في الأموال ، والجنايات ، والدماء ، والنكاح ، والطلاق ، وسائر الأحكام كلها ، ومنع الظالم ، وإنصاف المظلوم ، وأخذ القصاص على تباعد أقطارهم وشواغلهم ، واختلاف آرائهم ، وامتناع من تحرى في كل ذلك ممتنع غير ممكن .. ) إلى أن قال : ( ... وهذا الذي لا بد منه ضرورة ، وهذا مشاهد في البلاد التي لا رئيس لها ، فإنه لا يقام هناك حكم حق ، ولا حدّ حتى قد ذهب الدين في أكثرها ، فلا تصح إقامة الدين إلا بالإسناد إلى واحد أو أكثر ... ) (3) .
خامسًا دفع أضرار الفوضى :
__________
(1) السياسة الشرعية لابن تيمية (ص 161) .
(2) نفس المرجع (ص 162) .
(3) الفصل في الملل والنحل (4/87) .(1/51)
كما أن من الأدلة على وجوب الإمامة دفع أضرار الفوضى ، لأن في عدم اتخاذ إمام معين من الأضرار والفوضى ما لا يعلمه إلا الله ، ودفع الضرر وحماية الضروريات الخمس - الدين ، والنفس ، والعرض ، والمال ، والعقل - واجب شرعًا ، ومن مقاصد الشريعة حفظها . وهذا لا يتم إلا بإقامة إمام للمسلمين ، فدل على وجوبه ، قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية محمد بن عوف بن سفيان الحمصي (1) : ( الفتنة إذا لم يكن إمام يقوم بأمر الناس ) (2) .
ويقول ابن المبارك رحمه الله :
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا ... بعروته الوثقى لمن دانا
كم يدفع الله بالسلطان مظلمة ... في ديننا رحمة منه ودنيانا
لولا الخليفة لم تأمن لنا سبل ... وكان أضعفنا نهبًا لأقوانا (3)
__________
(1) أبو جعفر محمد بن عوف بن سفيان الطائي الحمصي قال عنه الخلال : إنه حافظ إمام ، توفي زمانه معروف بالتقدم في العلم والمعرفة على أصحابه سمع من أبي المغيرة وأهل الشام والعراق ، وكان أحمد بن حنبل يعرف له ذلك ويسأله عن الرجال من أهل بلده في سنة 272هـ ، عن شذرات الذهب (2/163) ، وطبقات الحنابلة (1/310) .
(2) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 19) والمسند من مسائل الإمام أحمد للخلال مخطوط ورقة (1) ، وطبقات الحنابلة (1/311) بلفظ بأمر المسلمين ) .
(3) انظر : الحلية لأبي نعيم (8/164) . ط . 1394 هـ . ن . مطبعة السعادة القاهرة . وانظر : بدائع السلك (1/108) .(1/52)
ويقول أبو حامد الغزالي رحمه الله : ( إن الدنيا والأمن على الأنفس والأموال لا ينتظم إلا بسلطان مطاع ، فتشهد له مشاهدة أوقات الفتن بموت السلاطين والأئمة ، وإن ذلك لو دام ولم يتدارك بنصب سلطان آخر مطاع دام الهرج ، وعمّ السيف وشمل القحط ، وهلكت المواشي ، وتعطلت الصناعات ، وكان كل من غلب سلب ، ولم يتفرغ أحد للعبادة والعلم إن بقي حيًا ، والأكثرون يهلكون تحت ظلال السيوف ، ولهذا قيل الدين والسلطان توأمان ، ولهذا قيل : الدين أُسٌّ والسلطان حارس ، ومالا أُسَّ له فمهدوم . وما لا حارس له فضائع (1) ، وعلى الجملة لا يتمارى العاقل في أن الخلق على اختلاف طبقاتهم ، وما هم عليه من تشتت الأهواء ، وتباين الآراء لو خُلُّوا وشأنهم ، ولو لم يكن لهم رأي مطاع يجمع شتاتهم لهلكوا من عند آخرهم , وهذا داء لا علاج له إلا بسلطان قاهر مطاع يجمع شتات الآراء ، فبان أن السلطان ضروري في نظام الدين ونظام الدنيا ، ونظام الدنيا ضروري في نظام الدين ، ونظام الدين ضروري في الفوز بسعادة الآخرة ، وهو مقصود الأنبياء قطعًا ، فكان وجوب الإمام من ضروريات الشرع الذي لا سبيل إلى تركه فاعلم ذلك . أ . هـ (2) .
__________
(1) ينسب هذا القول إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه . انظر : الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي (1/200) ط . 1972 م . ن . دار العلم للجميع .
(2) الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي (ص 199) ط . 1393 هـ . ن . مكتبة الجندي بمصر .(1/53)
قلت : وخير دليل على ذلك : الواقع المرير الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم ، ففيه دلالة قاطعة على أنه لن تقوم للإسلام قائمة إلا بالرجوع إلى الله ، ثم السعي إلى إقامة الخلافة الإسلامية التي ما فتئ أعداء الإسلام ينخرون في جنباتها حتى قوضوها ، وصار لهم ما أرادوا فبعد أن أُبعدت الخلافة الإسلامية ، ونُحي الإسلام عن قيادة الأمة ، عُطلت الحدود ، وانتهكت الأعراض والحرمات ، وعطلت راية الجهاد ، وقسمت بلاد المسلمين إلى دويلات متناحرة يضرب بعضها رقاب بعض . وسلبت خيرات المسلمين من أراضيهم ، وتكالبت عليهم الأمم الكافرة من كل حدب وصوب ( وما الذل الذي يخيم على المسلمين فيجعلهم يعيشون على هامش العالم ، وفي ذيل الأمم ومؤخرة التأريخ ، إلا قعود المسلمين عن العمل لإقامة الخلافة وعدم مبادرتهم إلى نصب خليفة لهم التزامًا بالحكم الشرعي الذي أصبح معلومًا من الدين بالضرورة كالصلاة والصوم والحج ، فالقعود عن العمل لاستئناف الحياة الإسلامية معصية من أكبر المعاصي ، لذلك كان نصب خليفة لهذه الأمة فرضًا لازمًا لتطبيق الأحكام على المسلمين ، وحمل الدعوة الإسلامية إلى جميع أنحاء العالم ) (1) . لذلك فلا خلاص لهذه الأمة مما هي فيه اليوم من الذل والهوان إلا بالإنابة إلى الله ، ثم إقامة حكم الله على هذه الأرض وفق ما ارتضى لها ربها عز وجل .
سادسًا : الإمامة من الأمور التي تقتضيها الفطرة وعادات الناس :
ومن الأدلة أيضًا أن النزوع إلى تنصيب رئيس للجماعة أمر فطري ، جبل الله الخلق عليه ، حيث إن الإنسان مدني بالطبع - كما يقال - فهو لا يستطيع أن يعيش بمفرده وحيدًا مستقلاً عن أخيه الإنسان الآخر ، بل لا بد أن يعيش مع الناس حتى تستقيم أمور حياته ، وتتحقق مصالحه ، ونتيجة
__________
(1) قواعد نظام الحكم في الإسلام د . محمود عبد المجيد الخالدي (ص 248) ط . أولى 1400 هـ . ن . دار البحوث العلمية .(1/54)
لمخالطة الناس الآخرين قد تتعارض مصالحهم مع مصالحه ، ويحدث الاحتكاك بينه وبينهم ويحصل التنازع ، فلا بد من أمير يختصم إليه الناس ، ويرتضونه ليحكم في منازعتهم وخصوماتهم ، ومن هنا كان تنصيب الإمام أمرًا ضروريًا للمحافظة على حقوق الناس ، وضمان استقرار الحياة ، وفي هذا أمرًا ضروريًا للمحافظة على حقوق الناس ، وضمان استقرار الحياة ، وفي هذا يقول شيخ السلام ابن تيمية رحمه الله : ( كل بني آدم لا تتم مصلحتهم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بالاجتماع والتناصر ، فالتعاون والتناصر على جلب منافعهم ، والتناصر لدفع مضارهم ، ولهذا يقال : الإنسان مدني بالطبع ، فإذا جمعوا فلا بد لهم من أمور يفعلونها يجتلبون بها المصلحة ، وأمور يجتنبونها لما فيها من المفسدة ، ويكونون مطيعين للآمر بتلك المقاصد ، وللناهي عن تلك المفاسد ، فجميع بني آدم لا بد لهم من طاعة آمر وناه ، فمن لم يكن من أهل الكتب الإلهية ولا من أهل دين ، فإنهم يطيعون ملوكهم فيما يرون أنه يعود بمصالح دنياهم . مصيبين تارة ومخطئين أخرى ) (1) أ . هـ .
والسلطة المسيرة للمجتمع هذه هي إحدى الأركان المكونة لأي مجتمع كان (2) ، فلا يمكن أن يقوم أي مجتمع ما لم تكتمل أركانه .
وقديمًا قال الشاعر صلاءة ابن عمر بن مالك الأفوه الأودي (3) :
__________
(1) الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 8) .
(2) فالمجتمع مكون من أفراد وصلات اجتماعية يحددها العرف وقوانين مرسومة وأنظمة متبعة وسلطة تسير أمور المجتمع ، وفوق هذا كله وأهم من هذا كله شعور بالانتماء إلى هيئة واحدة وجماعة واحدة وعقيدة يشترك جميع الأفراد في احترامها والحفاظ عليها . المجتمع الإسلامي لمحمد أمين المصري (ص 7) ط . أولى 1400 هـ . ن . دار الأرقم .
(3) انظر : ديوان الأفواه الأودي ضمن مجموعة : الطرائف الأدبية (ص 10) للميمني ن . دار الكتب العلمية ط . بدون .(1/55)
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا
وقال قبل هذا البيت :
والبيت لا يبتني إلا له عمد ... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فإن تجمع أوتاد وأعمدة ... يومًا ، فقد بلغوا الأمر الذي كادوا
والنزوع إلى إتباع قائد معين ليس مما فطر الله عليه بني الإنسان فحسب ، بل يشاركهم في ذلك بعض الحيوانات وحتى الحشرات ، فأنت ترى الإبل تكون عادة تابعة لقائدها ( الجمل الفحل ) تتبعه حيث سار ، ولذلك لا يهتم راعي الإبل إلا بتوجيه هذا القائد ، ومن ثم تتبعه البقية ، أما الحشرات فلا أدل من بروز تلك الفطرة منها عند النحل الذي يتخذ له ( ملكًا ) (1) من سلالة معينة يقوم بحمايته وتوفير ما يحتاجه ، ويتبعه حيث كان . فما بالك بالإنسان الذي منحه الله العقل ، وجعله يدرك الخطأ من الصواب ، ويعرف ما ينفعه مما يضره .
مناقشة الآراء المخالفة
مما سبق يتبين أن أهل السنة والجماعة ويوافقهم أكثر المعتزلة يذهبون إلى وجوب الإمامة شرعًا - على خلاف في الأدلة التي استنبطوا منها هذا الحكم الشرعي - وتبين لنا أنها ثابتة وواجبة بالكتاب والسنة والإجماع والقواعد الشرعية كما سبق . ولم يشذ عن هذا إلا شرذمة قليلة من المعتزلة والشيعة وهم على آراء مختلفة كما سيأتي :
أولاً : فمنهم من أوجبها عقلاً لا شرعًا وهم فريقان :
__________
(1) انظر : شفاء العليل لابن القيم (ص 145) ط . ثانية . ن . دار التراث تاريخ : بدون .(1/56)
أحدهما : أوجبها على الناس : وينسب هذا القول إلى معتزلة بغداد (1) والجاحظ (2) من معتزلة البصرة (3) ، ومن أقوى أدلتهم على ذلك هو : ( أن أصل دفع المضرة واجب بحكم العقل قطعًا ، فكذلك المضرة المظنونة يجب دفعها عقلاً ، وذلك لأن الجزئيات المظنونة المندرجة تحت أصل قطعي الحكم ، يجب إدراجها في ذلك الحكم قطعًا ) (4) .
وللرد على هؤلاء نقول : كون هذا الدليل عقلي لا شرعي غير مسلم به ، وقد استدل أهل السنة بهذا الدليل على وجوب الإمامة شرعًا ، لأن وجوب دفع الضرر ثابت بالشرع . فقد قال الله عز وجل :{ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } (5) الآية وقال - صلى الله عليه وسلم - : « لا ضرر ولا ضرار » (6) .
__________
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (2/308) . وانظر : الروض النضير للسباغي - التتمة للعباس بن أحمد الحسني (5/18) .
(2) هو : عمرو بن بحر الجاحظ وكنيته أبو عثمان . من كبار المعتزلة ، وإليه تنسب الجاحظية من فرقهم ، وهو : من الطبقة السابعة توفي سنة (255) في أيام المهتدي . انظر : فرق وطبقات المعتزلة (ص 73) .
(3) شرح المواقف للجرجاني (8/348) ط . 1325 هـ . ن . مطبعة السعادة مصر .
(4) العثمانية للجاحظ (ص 261) .
(5) سورة البقرة آية 125 .
(6) رواه ابن ماجة عن عبادة بن الصامت ، ك : الأحكام ب : 17 ، ح2340 (2/784) ، والدار قطني ، ورواه مالك في الموطأ مرسلاً عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسقط أبا سعيد قال النووي في أربعينه : حديث حسن وقال : له طرق يقوي بعضها بعضًا . انظر : جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي (ص 286) ، والحديث رواه عبد الله بن الإمام أحمد في المسند (5/327) فهو من زوائد المسند ، وصححه ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (250) (1/99) .(1/57)
كما أن العقل لا يستقل بتحليل شيء ولا تحريمه ، فهذا من أخص خصائص الشرع . يقول القاضي أبو يعلى رحمه الله : ( إن العقل لا يُعلم به فرض الشيء ولا إباحته ، ولا تحليل شيء ولا تحريمه ) (1) . قلت : ولو كان كذلك لما كان هناك حاجة إلى إرسال الرسل وإنزال الوحي .
كما أن مما ينبغي التنبيه عليه أنه لا تعارض بين الشرع الصحيح والعقل السليم ، فكل ما أثبته الشرع فالعقل السليم يوافقه ، وكل ما نفاه الشرع فالعقل السليم ينفيه فلا يتصور التعارض بينهما ، وإذا وقع التعارض فإما أن النقل للشرع غير صحيح ، وإما أن العقل مريض ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( إن الحجة العقلية الصحيحة لا تناقض الحجة الشرعية الصحيحة ، بل يمتنع تعارض الحجج الصحيحة ، سواء كانت عقلية أو سمعية وعقلية ) (2) . لا يختلف فيه العقلاء لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة ، ومن تأمل ذلك فيما تنازع العقلاء فيه من المسائل الكبار وجد ما خالف النصوص الصريحة الصحيحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها ، بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها ، فتأمل ذلك في مسائل التوحيد ، والصفات ، ومسائل القدر ، والنبوات والمعاد ، تجد ما يدل عليه صريح العقل لم يخالفه سمع قط ، بل السمع الذي يخالفه إما أن يكون حديثًا موضوعًا أولا تكون دلالته مخالفة لما دل عليه العقل ، ونحن نعلم قطعًا أن الرسل لا يخبرون بمحالات العقول ، وإن أخبروا بمجازات العقول ، فلا يخبرون بما يحيله العقل ) (3) أ . هـ .
__________
(1) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 19) .
(2) رسالة في العقل والروح لشيخ الإسلام ابن تيمية ضمن مجموعة الرسائل المنيرية المجلد الأول (حـ 2 ، ص 27) .
(3) مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم (1/141) . ط . ن . مكتبة الرياض الحديثة .(1/58)
فالمقصود أنا لا نسلم بتعارض النقل الصحيح مع العقل السليم وإذا كان هناك تعارض فإننا نراجع النص ، فإذا ثبتت صحته قدمناه على ما يتصور أنه معقول (1) .
ب- والفريق الثاني قالوا : بوجوب الإمامة عقلاً على الله سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا : وهؤلاء هم الرافضة (2) من إمامية وإسماعيلية ، واستدلوا على ما ذهبوا إليه بما يلي : قالوا : ( الإمامة لطف ، واللطف واجب على الله تعالى ) (3) ومرادهم باللطف الواجب : ( هو ما يقرب العبد إلى طاعة الله تعالى ويبعده عن معصيته بغير إلجاء ولا إكراه ولا إجبار ) (4) .
__________
(1) وهذا خلاف ما عليه المتكلمون من المعتزلة والأشاعرة ، فهم في هذه الناحية يقدمون العقل على الشرع ويؤولون النصوص الصريحة حتى توافق عقولهم المريضة ، وقد أدى بهم هذا إلى مزالق خطيرة من التأويل والتعطيل والتحريف وهذا ناشئ عن فساد في تصورهم للإسلام : فالمسلم يجب ألا يضع أمام عينيه رأيًا أو نظامًا يلوي رقاب النصوص الشرعية حتى يسوقها إليه ولكنه يستوحي النصوص الشرعية حكمها في هذه الآراء والنظم ثم يأخذ به ، وهذا الاعوجاج في التفكير والغبش في التصور الذي وقع فيه أولئك وقع فيه اليوم أرباب النظر العقلي المعاصرون الذين يحاولون إخضاع الشريعة لمتطلبات العصر المتجددة في زعمهم .
(2) انظر : كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد - نصير الدين الطوسي والشرح للحسين بن يوسف المطهر الحلي (ص 388) ، وانظر عقائد الإمامية الإثنى عشرية لإبراهيم الموسي (ص 73) . ط . ثانية وشرح السعد على العقائد النسفية (ص 183) ن . شركة الصحافة العثمانية 1326 هـ .
(3) كشف المراد (ص 388) .
(4) عقائد الإمامية (ص 38) ، وانظر : الفرق الإسلامية للغرابي (ص 173) . ط . ثانية . ن . مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح . مصر .(1/59)
وللرد عليهم نقول : إن دعواهم الإيجاب على الله تعالى مأخوذة عن المعتزلة في وجوب فعل الأصلح على الله تعالى . وهذا من قلة معرفتهم بالله ، وسوء أدبهم معه سبحانه وتعالى : { مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } (1) . فالعبيد المخلوقون ليس لهم حق الإيجاب على الله تعالى ، لأنه تعالى { لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } (2) ولأنه عز وجل { يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } (3) و { يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } (4) لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه .
ومن أراد الله هدايته فبفضله ومَنِّه وكرمه ، ومن أراد غوايته فبعدله وحكمته { يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ } (5) . ولله أن يوجب ويحرم على نفسه كيف يشاء متى شاء كما قال تعالى : { كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ } (6) . أي أوجبها وقضاها بطريق التفضل والإحسان على ذاته المقدسة (7) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « لما قضى الله الخلق كتب في كتابه ، وهو يكتب على نفسه ، وهو وضع (8) عنده على
العرش : ( إن رحمتي تغلب غضبي ) . » . (9) وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي :
«
__________
(1) سورة الحج آية 74 .
(2) سورة الأنبياء آية 23 .
(3) سورة إبراهيم آية 27 .
(4) سورة المائدة آية 1 .
(5) سورة المدثر آية 31 .
(6) سورة الأنعام آية 12 .
(7) محاسن التأويل لجمال الدين القاسمي (6/470) . ط . الثانية 1398 هـ . ن . دار الفكر بيروت .
(8) بفتح فسكون أي موضوع وورد في بعض الروايات بلفظ (موضوع ) فتح الباري (13/385) .
(9) متفق عليه . رواه البخاري - واللفظ له - في ك : التوحيد . ب : ويحذركم الله نفسه ، فتح الباري (13/384) ، ومسلم في ك : التوبة . ب : 2 ، سعة رحمة الله ح2751 (4/2108) .(1/60)
قال الله تعالى : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا ... ) . » الحديث (1) .
أما دعوى أن الإمامة عندهم لطف يقرب العبد إلى الله ، وهم يقولون بإمامة المهدي المنتظر الذي ينتظرونه منذ أكثر من ألف سنة فممنوع . وذلك لأن : ( اللطف الذي ذكرتموه لا يحصل إلا بإمام قاهر قادر ظاهر ، غير مختف عن الناس ، يخشاه أفراد الأمة فيرجون ثوابه ويخشون عقابه ، يدعوهم إلى الطاعات ويزجرهم عن المعاصي ، فيقيم بينهم القصاص والحدود ويعمل على الإنصاف من الظالم للمظلوم ، وأنتم لا توجبون هذا اللطف على الله كما في زماننا هذا . فإن الإمام الذي تؤمنون به مختف غير ظاهر ، وغائب غير حاضر ، لا يتأتى منه قهر الناس حتى يخشوا عقابه ويرجوا ثوابه ، ولا يتأتى منه دعوتهم إلى الطاعات ، وزجرهم عن المعاصي ، والواقع الذي تقولون بوجوبه وهو الإمام المعصوم المختفي ليس لطفًا ، لأنه لا يتصور منه تقريب الناس إلى الصلاح وإبعادهم عن الفساد مع اختفائه بعيدًا عنهم ، والمختفي والمعدوم - سواء ... ) (2) .
والواقع أن جميع الأحكام الشرعية التي فرضها الله على عباده هي لطف منه سبحانه على هذا المعنى ، فكيف تجب عليه الإمامة دون غيرها من الأحكام ؟
ثانيًا : ومنهم من قال بعدم وجوبها :
__________
(1) رواه مسلم في ك : البر . ب : تحريم الظلم ، ح2577 (4/1994) .
(2) شرح المواقف للجرجاني (8/348) . وانظر : منهاج السنة (1/20) .(1/61)
وهم كما سبق النجدات من الخوارج ، والأصم ، والفوطي من المعتزلة ، فالأصم كما قال عنه البغدادي يقول : ( إذا تنصاحت الأمة استغنت عن الإمام ) (1) والفوطي يقول : ( بسقوط الإمامة عند الفتنة ) (2) ويعلق البغدادي على هذا القول فيقول : ( إنما أراد الطعن في إمامة علي ، لأنها عقدت في حال الفتنة وبعد مقتل إمام قبله ) (3) .
ثالثًا : وهناك صنف آخر لم ينازعوا في حاجة الناس إلى قيادة ، ولكنهم أنكروا أن الإسلام جاء بالأمر بإقامة الخلافة ، وأن هناك ما يسمى بالحكومة الإسلامية أمرنا الله بإقامتها ، وأن الإسلام دين ودولة - بل هو دين فقط . يضيء لنا الطريق إلى الله وليس قوة سياسية تتحكم في الناس . ومن هؤلاء علي عبد الرازق في كتابه ( الإسلام وأصول الحكم ) (4) حيث ذهب إلى أن الإسلام دين دعوة فقط ، ولا دخل له في الدولة ، وسياسة أمر الدنيا ، وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ما كان إلا رسولاً لدعوة دينية خالصة للدين ، لا تشوبها نزعة ملك ولا دعوة لدولة ) (5) ويقول : والحق أن
__________
(1) أصول الدين للبغدادي (ص 272) .
(2) نفس المرجع (ص 272) . وانظر : مقالات الإسلاميين للأشعري (2/133) .
(3) الفرق بين الفرق (ص 163) .
(4) إن صحت نسبة الكتاب إليه . وإلا فهناك من يقول إنه كتبه أحد المستشرقين الإنجليز وتبناه عبد الرزاق ، وقد توصَّل الأستاذ ضياء الدين الريس إلى أن مؤلف الكتاب أحد اثنين إما ( مرجليوث ) اليهودي الذي كان أستاذًا للعربية في بريطنيا وتدل كتاباته عن الإسلام على أنه كان صهيونيًا معاديًا للإسلام والمسلمين ، أو أنه ( توماس أرنلود ) المستشرق المعروف ، وقد ذهب علي عبد الرازق إلى بريطانيا وبقي فيها عامين . انظر : الإسلام والخلافة (ص 175) وغيرها .
(5) الإسلام وأصول الحكم علي عبد الرازق (ص 136) ط . 1978 م . ن . دار مكتبة الحياة بيروت تعليق د . ممدوح حقي .(1/62)
الدين الإسلامي بريء من تلك الخلافة ... والخلافة ليست في شيء من الخطط الدينية ) (1) .
وقد ظهر هذا الكتاب بعد إلغاء مصطفى كمال الخلافة والناس يكادون يجمعون على تسفيه صنيعه ، وظهر حين كان كثير من المسلمين - ومن بينهم الملك فؤاد - يطمعون في الخلافة ويسعون إليها (2) ، وظهر حين كان الأزهر - والمدعي تأليفه أحد علمائه المتخرجين منه - يبدي نشاطًا واضحًا في الدعوة إلى المؤتمر الإسلامي أو مؤتمر الخلافة (3) .
وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللغة الإنجليزية ، واعتبر أحد المراجع الأساسية لعلم الاجتماع الإسلامي في دراسة الجامعات الأمريكية على الخصوص للإسلام وتعاليمه (4) .
لكن علي عبد الرازق المؤلف لهذا الكتاب حوكم عليه من قبل الجامع الأزهر ، فمثل للمحاكمة أمام هيئة كبار العلماء ، وصدر في حقه الحكم التالي : ( حكمنا نحن شيخ الجامع الأزهر - وكان إذ ذاك الشيخ محمد أبو الفضل - بإجماع أربع وعشرين عالمًا معنا من هيئة كبار العلماء بإخراج الشيخ علي عبد الرازق : أحد علماء الجامع الأزهر ،
والقاضي الشرعي بمحكمة المنصورة الابتدائية الشرعية ، ومؤلف كتاب ( الإسلام وأصول الحكم ) من زمرة العلماء ) . صدر هذا الحكم بدار الإدارة العامة للمعاهد الدينية في يوم الأربعاء 22 المحرم 1344 هـ ( 12 أغسطس 1925 م ) (5) .
__________
(1) نفس المرجع (ص 210) .
(2) مبادئ نظام الحكم في الإسلام عبد الحميد متولي ط . ثانية 1974 م . ن : منشأة المعارف بالإسكندرية .
(3) انظر : الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر د . محمد محمد حسين (2/86) ط . ثالثة 1392 هـ . ن . دار النهضة العربية .
(4) انظر : هامش (ص 232) من الفكر الإسلامي وصلته بالاستعمار الغربي د . محمد البهي ط . ثامنة 1395 هـ . ن . مكتبة وهبة .
(5) انظر : كتاب حكم هيئة كبار العلماء في كتاب الإسلام وأصول الحكم (ص 32) . ط . ثانية . 1344 هـ . ن : المطبعة السلفية .(1/63)
وقد سبقه إلي هذا الصنيع في ثوب خادم كتاب الخلافة وسلطة الأمة ) (1) وإن كان يهدف في ظاهر أمره إلى ما أقدم عليه مصطفى كمال من الفصل بين الخلافة والحكومة (2) .
ثم تابعه في دعوته تلك عبد الحميد متولي حيث يقول : ( فالواقع أن الخلافة ذات صبغة دنيوية أكثر من دينية ، ومما يدل على ذلك أننا لا نجد في القرآن أو السنة كما قدمنا نصاً صريحاً يشر إلى شيء من أحكامها ، بل ولا عن وجوبها أو عدم وجوبها ) (3) .
ثم جاء بعد ذلك الأستاذ خالد محمد خالد مقتف آثارهم في كتاب ( من هنا نبدأ ) ولكنه تراجع عن مقاله ذلك ، وألف كتاب ناسخًا لما سبق وهو كتابه ( الدولة في الإسلام ) والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل .
__________
(1) نقله إلى العربية عبد الغني سني ( نزيل القاهرة ، والسكرتير العام بولاية بيروت ، ومتصرف اللاذقية سابقًا ) حسب ما هو مدون في غلاف الكتاب ، والكتاب مجهول المؤلف ، ولكن يقول د . محمد محمد حسين ( المعروف أن لجنة من الترك قد وضعته بإشارة الكماليين - مصطفى كمال أتاتورك وأتباعه ، وأن حكومتهم هي التي أشرفت على تأليفه وأعانت على نشره ) الاتجاهات الوطنية (2/68) وهذا واضح حيث أشار إليه المترجم في التمهيد بقول : ( وهؤلاء الأفاضل بعد أن قتلوا المسألة بحثًا وتدقيقًا جمعوا الأحكام الشرعية أخذًا من الكتب الفقهية ، والوثائق والمستندات أخذًا من الكتاب والسنة والقياس والإجماع ونشرت حكومة المجلس تلك المجموعة بعنوان ( الخلافة وسلطة الأمة انظر : التمهيد (ص 1 - 3) من الكتاب .
(2) انظر : (ص 1 - 3) من كتاب الخلافة وسلطة الأمة ط . 1342 هـ . ن . مطبعة الهلال .
(3) مبادئ نظام الحكم في الإسلام عبد الحميد متولي (ص 157) .(1/64)
هذا وللرد على دعوى القائلين بعدم وجوب الخلافة مطلقاً ، والقائلين بأنه لم يرد في الإسلام أمر بإقامة الإمامة نقول : هذا الفصل جميعه رد عليهم ، وهم لا يعتدُّ بمخالفتهم ، ولا يؤبه لقولهم ، لأنهم قد كابروا بدعواهم ، وأنكروا ما لا ينكر ، ولم يحكموا الشرع فيما ذهبوا إليه ، ولو فعلو ذالك متلبسين بتقوى الله ساعين لمرضاته لأدركوا أن نصب الخليفة واجب على الأمة شرعاً بالكتاب والسنة والإجماع والقواعد الشرعية كما مر (1) .
المكلف بإقامة هذا الواجب
بعد هذا كله يتضح جليًا ثبوت وجوب الإمامة ، ولكن لسائل أن يسأل ما نوعية هذا الوجوب ؟ ومن المكلف بإقامته ، هل هو فرض عين واجب على كل مسلم ومسلمة أو فرض كفاية ؟ وعلى هذه التساؤلات يجيب علماء السنة
وفقهاؤها ، فيقول القاضي أبو يعلى : ( وهي فرض على الكفاية ، مخاطب بها طائفتان من الناس ، أحدهما : أهل الاجتهاد حتى يختاروا ، والثانية : من يوجد فيه شرائط الإمامة حتى ينتصب أحدهم للإمامة ) (2) .
__________
(1) هذا وقد تصدى للرد على علي عبد الرازق وكتابه كثير من علماء المسلمين وألف في ذلك كتبًا ولعل من أبرزها :
1- كتاب ( نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم ) للشيخ محمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر السابق .
2- كتاب ( الإسلام والخلافة في العصر الحديث - نقد كتاب الإسلام وأًصول الحكم ) للدكتور ضياء الدين الريس .
3- كتاب ( نقد علمي لكتاب الإسلام وأصول الحكم ) محمد الطاهر عاشور وغيرهم من العلماء .
(2) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 19) . وانظر : شرح العقيدة الطحاوية (ص 410) ط . رابعة .(1/65)
ويقول الماوردي الشافعي رحمه الله : ( فإذا ثبت وجوبها ففرضها على الكفاية كالجهاد وطلب العلم ، فإذا قام بها من هو من أهلها سقط ( ففرضها على الكفاية ) . ) (1) وإن لم يقم بها أحد خرج من الناس فريقان : أحدهما أهل الاختيار حتى يختاروا إمامًا للأمة ، والثاني : أهل الإمامة حتى ينتصب أحدهما للإمامة ، وليس على من عدا هذين الفريقين من الأمة في تأخير الإمامة حرج ولا مأثم (2) ، وإذا تميز هذان الفريقان من الأمة في فرض الإمامة وجب أن يعتبر كل فريق منهما بالشروط المعتبرة فيه (3) .
ويقول النووي : ( تولي الإمامة فرض كفاية ، فإن لم يكن من يصلح إلا واحد تعين عليه ، ولزمه طلبها إن لم يبتدؤه ) (4) هذا إذا كان الدافع له الحرص على مصلحة المسلمين ، وإلا فإن من شروط الإمام ألا يطلبها لنفسه كما سيأتي في الشروط .
والحق أنه لا شك أن وجوبها على الطائفتين آكد من غيرهما ، ولكن إذا لم تقوما بهذا الواجب فإن الإثم يلحق الجميع ، وهذا هو المفهوم من كونها فرض كفاية ، أي إذا قام بها بعضهم سقطت عن الباقين ، ولكن إذا لم يقم بها أحد أثم الجميع ، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد ، والعلم . وغير ذلك .
__________
(1) كذا ، ولعلها زائدة .
(2) ذهب بعض العلماء إلى تحديد الفترة التي تمهل فيها الأمة بثلاث أيام وذلك لعمل الخلفاء الأربعة ، ولقول عمر رضي الله عنه : ( فإذا متُّ فتشاوروا ثلاثة أيام . ولا يأتين الرابع إلا وعليكم أمير منكم ) . تاريخ الطبري (3/293) . وانظر زيادة تفصيل في : قواعد نظام الحكم في الإسلام للخالدي (ص 254) .
(3) الأحكام السلطانية للماوردي (ص 5 ، 6) .
(4) روضة الطالبين للنووي (10/43) .(1/66)
واليوم وقد تقاعست هاتان الطائفتان عن القيام بهذا الواجب ، أو حيل بينهم وبين ما يشتهون ، فتعين على كل مسلم - كل بحسب استطاعته - العمل لإقامة الخلافة الإسلامية العامة ، التي تجمع شمل المسلمين تحت راية التوحيد الصادقة ، وترد لهذا الدين هيمنته وقيادته ، وترد للمسلمين كيانهم ومكانتهم التي فقدوها بسبب تقصيرهم في القيام بهذا الواجب العظيم ، والله المستعان .
* * * * *
الفصل الثالث
مقاصد الإِمامة
مقاصد الإمامة :
الإمامة والحكم في الإسلام وسيلة لا غاية ، وسيلة إلى مقاصد معينة يستطيع الإمام بما له من صلاحيات خاصة أن يحقق ويبلغ ما يعجز عن بلوغه آحاد المسلمين .
وجماع هذه المقاصد هو إقامة أمر الله عز وجل في الأرض على الوجه الذي شرع ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الأمر بكل معروف ونشر الخير والرفع من قدره ، والنهي عن كل منكر والقضاء على كل فساد والحطَّ من شأنه وأهله ، وهذا هو الهدف والمقصد الأساسي للإمامة في الإسلام ، وقد أوضح الله عز وجل هذا الهدف في كتابه الكريم حيث قال : { الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } (1) .
فهذا هو الجامع لمقاصد الإمامة جميعًا كما قال ابن تيمية رحمه الله : ( وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) (2) أ . هـ وقال : ( المقصود والواجب بالولايات إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانًا مبينًا ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا ، وإصلاح ما لا
يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم ) (3) .
__________
(1) سورة الحج آية 41 .
(2) الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 14) .
(3) مجموع الفتاوى (28/262) .(1/67)
وهذه المقاصد والأهداف - كما هو واضح من تعريف أهل السنة السابق - للإمامة تتمثل في مقصدين كبيرين هما إقامة الدين وسياسة الدنيا به :
المقصد الأول : إقامة الدين :
المراد به الدين الحق ، وهو الإسلام ، وهو المقصد الأول والأهم كما قال ابن الهمام : ( والمقصد الأول إقامة الدين ، أي : جعله قائم الشعار على الوجه المأمور به من إخلاص الطاعات وإحياء السنن وإماتة البدع ليتوفر العباد على طاعة المولى سبحانه ) (1) .
وتتمثل إقامة الدين في أمرين :
أولاً : حفظه :
من المعلوم أن الله عز وجل قد تكفل بحفظ القرآن الكريم كما قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (2) . ولم يكِلْ حفظه إلينا . كما وكل إلى الأمم السابقة حفظ كتبها فأصابها التحريف والتبديل ، كما قال جل شأنه { إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء } الآية (3) .
وهيأ الله عز وجل للسنة النبوية جهابذة العلماء والنقاد الذين حفظوها في صدورهم ودوَّنوها في الكتب مروية بأسانيدها ، ميّزوا بين الصحيح والضعيف والموضوع منها ، وهذا من حفظ الله سبحانه لهذا الدين ، وبحفظ القرآن والسنة يبقى الدين محفوظًا عزيزًا منيعًا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وهذا من فضل الله علينا ومَنِّه .
__________
(1) المسامرة للكمال بن أبي شريف في شرح المسايرة للكمال بن الهمام في علم الكلام (ص 153) ط . ثانية . 1347 هـ . ن . مطبعة السعادة بمصر .
(2) سورة الحجر آية 9 .
(3) سورة المائدة آية 44 .(1/68)
وإنما المراد هنا بحراسة الدين وحفظه هو حراسة العقيدة الإسلامية في صدور المؤمنين بها ، وحفظ تصور المؤمنين لهذا الدين صافيًا سالمًا من الغبش ، وإبقاء حقائقه ومعانيه كما أنزله عز وجل ، وكما بلّغها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وسار عليها صحابته الكرام ، ونقلوها إلى الناس من بعده ، وتطبيقها في الواقع المحسوس ، وحكم الناس بها ، لا أن تبقى في بطون الكتب للتبرك بها واتخاذها زينة في المجالس والمكاتب .
لذلك يكون حفظ الدين بهذا المعنى متمثلاً في :
1- نشره والدعوة إليه بالقلم واللسان والسنان :
فمن أهم المقاصد نشر هذا الدين والدعوة إليه في داخل الأمة الإسلامية ، وفي المجتمعات الأخرى التي لا تدين به ، وتبيين حقائق هذا الدين ناصعة نقية .
والدعوة إلى الله هي أشرف المقامات وأعلاها ، لأنها وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم ، وقد قام بها نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - خير قيام من حين بعثه الله عز وجل حتى توفاه ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( والرسول - صلى الله عليه وسلم - قام بهذه الدعوة فإنه أمر الخلق بكل ما أمر الله به ، ونهاهم عن كل ما
نهى الله عنه ، أمر بكل معروف ونهى عن كل منكر ) (1) .
وذلك امتثالا لأمر الله عز وجل حيث قال : { وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (2) وقال : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ... } الآية (3) .
وهذا الواجب واجب على مجموع الأمة كما قال ابن تيمية : ( وهو الذي يسميه العلماء فرض كفاية ، إذا قام به طائفة منهم سقط عن الباقين ، فالأمة كلها مخاطبة بفعل ذلك ، ولكن إذا قام به طائفة سقط عن الباقين ) (4) .
__________
(1) مجموع الفتاوى (15/161) .
(2) سورة القصص آية 87 .
(3) سورة يوسف آية 108 .
(4) مجموع الفتاوى (15/165) .(1/69)
وحيث إن الإمام هو النائب عن مجموع الأمة ، فإن هذا الواجب يكون في حقه آكد وعليه فرض عين ، لأن له القدرة والسلطان أكثر من غيره من أفراد المسلمين . فعلى الدولة - ممثلة في شخصه - أن تقوم بتنفيذ هذا الهدف الجليل في داخل البلاد وخارجها .
والدعوة إلى الإسلام تكون بطريقين : باللسان ، والسنان أو بتعبير أبي المعالي الجويني : ( فللدعاء إلى الدين الحق مسلكان : أحدهما الحجة وإيضاح المحجة . والثاني : الإقتهار بغرار السيوف ، وإيراد الجاحدين الجاهرين مناهل الحتوف ) (1) . وذلك لأن الإسلام لم يأت لقوم دون قوم ، أو لمجتمع دون مجتمع ، أو لزمن دون آخر ، بل جاء خاتمًا ناسخًا لما قبله من الشرائع ومخاطبا به كل أفراد البشر ، من حين بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى أن تنتهي الدنيا .
فعلى الدولة الإسلامية أن تعمل بشتى الوسائل على نشر شريعة الإسلام وتبليغها لمن لم تصل إليه . فإذا لم يستجب المجتمع الذي أبلغ بها فتعرض عليه الجزية - إن كانوا من أهلها - فيكونون في ذمة المسلمين عليهم الحماية لهم ، وتبيين حقائق الدين لهم ، حتى يدخل من يدخل في الإسلام منهم عن طواعية ورغبة وقناعة ، لأنه لا إكراه في الدين . فإذا رفض المجتمع هذين الأمرين فلا سبيل إلا الحرب ، فعلى الدولة مقاتلتهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ، كما قال عز وجل { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ } (2) .
__________
(1) غياث الأمم في التياث الظلم لأبي المعالي الجويني (ص 144) .
(2) سورة البقرة 191 .(1/70)
قال السبكي : ( فمن وظائف السلطان تجنيد الجنود ، وإقامة فرض الجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى ، فإن الله تعالى لم يوله على المسلمين ليكون رئيسا آكلا شاربًا مستريحًا بل لينصر الدين ، ويعلي الكلمة ، فمن حقه ألا يدع الكفار يكفرون أنعم الله ولا يؤمنون بالله ولا رسوله ) (1) .
وإلى تحقيق هذا المقصد سلك إمام المسلمين الأول - صلى الله عليه وسلم - هذا المسلك ، فبعد أن شرفه الله بالرسالة ، وأمره بالتبليغ ، ومكنه الله في الأرض ، أخذ يرسل الرسل (2) إلى المدائن يدعونهم إلى الدخول في دين الله ، ويبينون لهم طريق الحق ، ويقرؤونهم القرآن ، وأخذ يراسل الملوك والزعماء ويكاتبهم (3) ،
يدعوهم إلى الإسلام ، فإن أبوا فالجزية ، عن يد وهم صاغرون ، فإن أبوا فالحرب ، وبالفعل قاتل المشركين من الفرس والروم وغيرهم ، وسيَّر الجيوش لنشر هذا الدين حتى توفاه الله عز وجل .
وعلى سنته سار خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم من بعده حتى لم يمض قرن من الزمان إلا وقد عم الإسلام أرجاء المعمورة ، ودخل الناس في دين الله أفواجا ، وحق لهارون الرشيد رحمه الله أن يخاطب السحابة : ( أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك ) .
__________
(1) معيد النعم ومبيد النقم للسبكي (ص 16) .
(2) انظر : فتح الباري (13/241) .
(3) انظر : كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى في صحيح البخاري ك : العلم . ب : 7 ، فتح الباري (1/154) ، وكتابه إلى قيصر في البخاري أيضًا ك : الجهاد . ب : 99 ، فتح الباري (6/107) . وكتابه إلى بعض رؤساء اليمن في سنن أبي داود ك : الخراج والإمارة . ب : 27 ، (عون 8/268) ، وكتابه إلى أهل هجر في طبقات ابن سعد : (ح 1 ، ق 1 ، ص 21 ) . وإلى المقوقس في الطبقات أيضًا : (ح 1 ، ق 2 ، ص 16) ، وإلى أكيدر دومه في : مسند أحمد (3/133) . وإلى ملوك بصرى في الطبقات : (ح 2 ، ق 1 ، ص 92) . وإلى بني بكر بن وائل في مسند أحمد (5/68) وغيرهم .(1/71)
والجهاد لنشر الدين وإن كان من فروض الكفايات (1) على آحاد
__________
(1) ذهب بعض العلماء إلى أن الجهاد فرض عين على الأفراد ، وحكى هذا عن سعيد بن المسيب استدلالاً بقوله تعالى : { انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ... } الآية سورة التوبة 41 . ثم قال : { إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } وبقوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ... } الآية سورة البقرة 216 . وبقوله - صلى الله عليه وسلم - : « من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق » . رواه مسلم في ك : الإمارة . ب : ذم من مات ولم يغز ، ح1910 (3/1517) ، ورواه أبو داود في ك : الجهاد . ب : 18 (عون 7/181) ، والنسائي ك : الجهاد . ب : 2 ، (6/8) ، وأحمد في المسند (2/374) والدارمي وغيرهم .
لكن جمهور العلماء على أنه من فروض الكفاية لقوله تعالى : { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً ... } الآية . سورة التوبة آية 122. لكنه يتعين في بعض المواضع على تفصيل في كتب الفقه . انظر على سبيل المثال : المغني والشرح الكبير (10/364) ، وقال ابن القيم : ( التحقيق أن جنس الجهاد فرض عين إما بالقلب ، وإما باللسان ، وإما بالمال ، وإما باليد ، فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع زاد المعاد (2/66) .(1/72)
المسلمين إلا أنه في حق الإمام من فروض الأعيان كالدعوة ، كما قال إمام الحرمين رحمه الله : ( وأما الجهاد فموكول إلى الإمام ، ثم يتعين عليه إدامة النظر فيه - على ما قد سبق ذكره - فيصير أمر الجهاد بمثابة فرائض الأعيان والسبب فيه : أنه تَطَوَّق أمور المسلمين ، وصار مع اتحاد شخصه كأنه المسلمون بأجمعهم ، فمن حيث اتناط (1) جر الجنود وعقد الألوية والبنود بالإمام ، وهو نائب عن كافة أهل الإسلام ، صار قيامه بها على أقصى الإمكان به كصلواته التي يقيمها ... ) (2) .
وقد حدد بعض الفقهاء المدة الزمنية التي يسقط الوجوب فيها ، فقالوا : إن أقل ما يفعل مرة في كل عام ولا يسقط الفرض إلا بذلك ، واستدلوا على ذلك : ( بأن الجزية تجب على أهل الذمة في كل عام ، وهي بدل من النصرة ، فكذلك مبدلها وهو الجهاد ، فيجب في كل عام مرة إلا من عذر ) (3) . وتفصيل المسألة في كتب الفقه .
2- دفع الشبه والبدع والأباطيل ومحاربتها :
ومن مقاصد الإمامة أيضًا العمل بشتى الوسائل على أن يكون الدين مصونًا عن كل ما يسيء إليه سواء في هذا ما يتعلق بالعقيدة الإسلامية أو غيرها ، وقد أشار الفقهاء إلى هذا المعنى ، فقال أبو يعلى : ( إن على الإمام
__________
(1) كذا ، ولعلها من باب ( نوط ) تقول : نيط به الشيء : وصل به لسان العرب مادة ( نوط ) (7/420) فيكون المعنى أن جر الجيوش منوط به . أي : معلق وموصول به لأنه المسؤول الأول عنها .
(2) غياث الأمم (ص 156) .
(3) المغنى والشرح الكبير (10/368) . ن . المكتبة السلفية بالمدينة ومكتبة المؤيد بالطائف . وانظر : شرح منتهى الإرادات (2/92) ، ن : دار الفكر .(1/73)
حفظ الدين على الأصول التي أجمع عليها سلف الأمة ، فإن زاغ ذو شبهة عنه بَيَّن له الحجة ، وأوضح له الصواب ، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود ، ليكون الدين محروسًا من خلل ، والأمة ممنوعة من الزلل ) (1) .
فعلى الدولة الإسلامية محاربة البدع ، ودحض الشبه والمفتريات والأباطيل التي يروجها أعداء الإسلام ، وعليها محاربة الأفكار الهدامة بشتى الوسائل ، وتبيين ما فيها من أباطيل ، حتى يبقى الناس في سلامة وأمن في دينهم وأفكارهم ، وإن من أخطر الأمور أن يتبنى الولاة هذه البدع والأفكار ، وفي ذلك من فساد الدين ما فيه . يقول الفضيل رضي الله عنه : ( من أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ) (2) . ويقول ابن الأزرق : ( ركون المبتدع إلى الولاة من أعظم ما يخل بهذا الحفظ - أي حفظ الدين - لأمرين :
أحدهما : لما فيه من الإخافة لمن أبى من الإجابة له سجنًا وضربًا وقتلاً ...
الثاني : ما ينشأ عن ذلك من كثرة المجيبين للدعوة ، لأن سوق أكثر النفوس لما يراد منها بوازع السلطان أمكن مما هو بمجرد الباعث الديني ...
وعند ذلك فيجب على ولاة الأمر إبعاد هذا الصنف المشؤوم وإسلامهم لإجراء أحكام السنة عليهم مخافة الفتنة بهم أولاً ، وإدخال الضرر بهم على الدين ثانيًا ) (3) .
ووسائل دفاع ذلك كثيرة ، منها التعليم لهم ، لحجة عليهم ، كما فعل علي رضي الله عنه مع الخوارج حينما بعث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لمناظرتهم فرجع منهم خلق كثير . ومنها تعزير المتعنت منهم وتغريبه وهجره ، كما فعل عمر رضي الله عنه بصبيغ الذي أخذ يسأل عن متشابه
__________
(1) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 27) ونحوه عند الماوردي (ص 11) .
(2) تلبيس إبليس لابن الجوزي (ص 14) . ط . الثانية 1386 هـ ن . دار الكتب العلمية .
(3) بدائع السلك (2/131) .(1/74)
القرآن فضربه عمر وقال : احملوه على قتب ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلاده ، ثم ليقم خطيبًا ، ثم ليقل إن صبيغًا طلب العلم فأخطأه ) (1) . ومنها القتل ، كما قاتل علي رضي الله عنه الخوارج .
والواقع أن الوسيلة تختلف باختلاف البدعة والداعي إليها والظروف المحيطة بأصحابها .
فالمقصود أن صيانة الأفكار من غبش البدع والأفكار الهدامة من مقاصد الإمامة ، ومن مسئوليات الإمام نشر الدين وتوعية المجتمع وتثقيفهم بأمور دينهم حتى يكونوا في حصن منيع من الأفكار الهدامة ، وعليه ألا يدع لها مجالاً للوصول إلى أفكارهم وأن يحاربها بكل وسيلة تجدي .
3- حماية البيضة وتحصين الثغور (2) .
من مقاصد الإمامة أيضًا توفير الأمن للمسلمين في المجال الثقافي وهو ما تحدثنا عنه في النقطة السابقة ، أو المجال العسكري سواء كان داخليًا أو خارجيًا حتى يكون الناس في أمن وسلام على دينهم وأرواحهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم ، قال الماوردي في تعداده لمسئوليات الإمام : ( الثالث : حماية البيضة والذب عن الحريم لتتصرف الناس في المعايش وينتشروا في
__________
(1) رواه الآجري في الشريعة مسندًا (ص 73) . ط . أولى 1369 هـ تحقيق محمد حامد الفقي ، ن . مطبعة السنة المحمدية .
(2) البيضة : أصل القوم ومجتمعهم ، وبيضة القوم : ساحتهم . لسان العرب مادة ( بيض ) (7/126) .
والثغور : جمع ثغر وهو ما يلي دار الحرب ، والثغر : موطن المخالفة من فروج البلدان . نفس المرجع مادة ( ثغر ) (4/103) .(1/75)
الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال ) (1) . وقال إمام الحرمين : ( وأما اعتناء الإمام بسد الثغور فهو من أهم الأمور وذلك بأن يحصن أساس الحصون والقلاع ، ويستظهر لها بذخائر الأطعمة ومستنقعات المياه ، واحتفار الخنادق ، والعتاد وآلات القصد والدفع ، ويرتب على كل ثغر من الرجال ما يليق به ) (2) .
وقد ورد الحث على المرابطة في سبيل الله والأمر بها في كتاب الله حيث قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (3) . قال ابن كثير : ( قيل : المراد بالمرابطة هنا مرابطة الغزو في نحور العدو ، وحفظ ثغور الإسلام وصيانتها عن دخول الأعداء حوزة بلاد المسلمين وقد وردت الأخبار بالترغيب في ذلك ... ) (4) .
وورد في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة في ذلك منها :
1- ما رواه البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها » (5) .
2- ومنها ما رواه مسلم في صحيحه عن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمه الذي كان يعمله ، وأجرى عليه رزقه ،
وأمن من الفتان » (6) .
__________
(1) الأحكام السلطانية للماوردي (ص 16) وبنحوه عند أبي يعلى (ص 27) .
(2) غياث الأمم (ص 156) .
(3) آخر سورة آل عمران .
(4) تفسير القرآن العظيم (2/171) .
(5) صحيح البخاري ك : الجهاد . ب 73 ، فتح الباري (6/85) ، وبنحوه عند النسائي ك : الجهاد . ب : 39 ، وابن ماجة ك : الجهاد . ب : 7 ، وأحمد (1/62) وغيرهم ...
(6) صحيح مسلم ك : الإمارة . ب : فضل الرباط في سبيل الله ، ح1913 ( 3/1520) .(1/76)
3- ومنها ما رواه أحمد بسنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من رابط في شيء من سواحل المسلمين ثلاثة أيام أجزأت عنه رباط سنة » (1) .
ثانيًا : تنفيذه :
وذلك يكون بالأمور التالية :
1- إقامة الشرائع والحدود وتنفيذ الأحكام :
من لوازم حراسة الدين أيضًا تنفيذ أحكامه من : جباية الزكاة ، وتقسيم الفيء ، وتنظيم الجيوش المجاهدة ، وأمر بالمعروف ، ونهي عن المنكر ، وإقامة الحدود التي شرعها الله عز وجل ، وأمر بتنفيذها . وحيث إن أقامتها من اختصاصات الولاة أو من ينيبونه عنهم من القضاة الشرعيين ونحوهم . حيث لا يستطيع آحاد الناس إقامتها وإلا كانت هناك الفتن والإحن ، لذلك فهي من مقاصد الإمامة المختصة بها ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور ، وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات ) (2) .
والعقوبات الشرعية نوعان : عقوبة مقَّدرة . وهي : الحدود : كحد السرقة ، وجلد المفتري . وعقوبة غير مقدرة . وهي : التعزير . وهذه راجعة إلى اجتهاد
الحاكم أو من ينيبه من القضاة الشرعيين ، وتختلف صفاتها ومقاديرها بحسب كبر الذنب وصغره وبحسب حال المذنب .
__________
(1) قال صاحب الفتح الرباني : أورده الهيثمي وقال : رواه أحمد والطبراني من رواية : إسماعيل بن عياش عن المدنيين وبقية رجاله ثقات الفتح الرباني (14/10) فالحديث ضعيف لأن إسماعيل المذكور روايته صحيحة عن الشاميين فقط .
(2) الحسبة (ص 55) .(1/77)
وهذه الحدود لم تشرع إلا للتطبيق ، فيجب إقامتها على الشريف والوضيع ، والقوي والضعيف ، لا يحل تعطيلها لا بشفاعة ولا بهدية ولا بغيرها كما قال - صلى الله عليه وسلم - : « أقيموا حدود الله في القريب والبعيد ، ولا تأخذكم في الله لومة لائم » (1) . وقال عليه أفضل الصلاة والسلام : « من حالت شفاعته دون حد من حدود الله ، فقد ضادَّ الله في أمره » (2) . وقال - صلى الله عليه وسلم - : « حدّ يعمل به في الأرض خير من أن يمطروا أربعين صباحًا » (3) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معلقًا على هذا الحديث : ( وهذا لأن المعاصي سبب لنقص الرزق والخوف من العدو ، كما يدل عليه الكتاب والسنة ، فإذا أقيمت الحدود ظهرت طاعة الله ونقصت معصية الله تعالى ، فحصل الرزق والنصر ) (4) .
__________
(1) رواه ابن ماجة في ك : الحدود . ب : 3 ، ح2540 (2/849) قال في الزوائد هذا إسناد صحيح على شرط ابن حبان ، فقد ذكر جميع رواته في ثقاته .
(2) رواه أبو داود في ك : الأقضية . ب : 14 ، عون (10/5) ورواه الإمام أحمد في مسنده (2/70) وصححه أحمد شاكر . انظر : تخريجه للمسند (7/204) ح5385 . كما صححه الألباني . انظر : سلسلة الأحاديث الصحيحة ح438 .
(3) رواه النسائي في ك : حد السارق . ب : الترغيب في إقامة الحد ، (8/76) ، وابن ماجة في ك : الحدود ، ب : 3 ، ح2538 (2/848) ، ورواه أحمد في مسنده (2/362) . وصححه الحسيني عبد المجيد هاشم في تكملته لتخريج المسند ح8723 ، (16/301) . والحديث حسّنه المنذري في الترغيب 1533 . وقال ابن حجر في مختصر الترغيب والترهيب : رواه الطبراني في الكبير والأوسط . وسند الكبير حسن (ص 206) . كما حسَنه العراقي في تخريجه للإحياء (2/155) . وحسّنه الألباني . انظر : سلسلة الأحاديث الصحيحة ح231 .
(4) السياسة الشرعية (ص 68) .(1/78)
وإن من أعظم المنكرات في هذا الشأن أن يترك الوالي إنكار المنكر ، أو إقامة الحدّ بمال يأخذه كما قال ابن تيمية : ( وولي الأمر إذا ترك إنكار المنكرات ، وإقامة الحدود عليها بمال يأخذه ، كان بمنزلة مقدم الحرامية الذي يقاسم المحاربين على الأخيذة ، وبمنزلة القواد الذي يأخذ ما يأخذه ليجمع بين اثنين على فاحشة ، وكان حاله شبيها بحال عجوز السوء إمرأة لوط ) (1) .
2- حمل الناس عليه بالترغيب والترهيب :
ومن مقاصد الإمامة في تنفيذ الدين حمل الناس على الوقوف عند حدود الله ، والطاعة لأوامره وترغيبهم في ذلك ، ومعاقبة المخالفين بالعقوبات الشرعية كما سبق . لأن بعض الناس لا يصلح إلا بالقوة ، كما أن بعضهم لا يصلحه إلا اللين والسماحة . كما قال الشوكاني رحمه الله : ( فإن من الناس من يصلح بالهوان ، ويفسد بالإكرام كما هو معلوم لكل من يعرف أحوال الناس واختلاف طبقاتهم ) (2) . فمثل هؤلاء يجب أطرهم على الحق أطرًا كما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص ، كان الرجل يرى أخاه على الذنب فينهاه عنه ، فإذا كان من الغد ، لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه ، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ونزل فيهم القرآن فقال : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ... } حتى بلغ { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } (3) » . فقال : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متكئًا فجلس
__________
(1) السياسة الشرعية (ص 73) .
(2) من كتابه ( قطر الولي على حديث الولي ) أو ( ولاية والله والطريق إليها ) تقديم وتحقيق د . إبراهيم هلال (ص 259) . ط . 1397 هـ . ن . دار الكتب الحديثة . مصر .
(3) سورة المائدة آية 8 ، 81 .(1/79)
وقال « لا . حتى تأخذوا على يد الظالم فتأطروه (1) على الحق أطرًا » (2) .
ولكن هذا الأسلوب لا يمكن استعماله إلا بعد إزالة عوامل الإفساد والمنكرات من المجتمع ، وهو من وسائل حفظ الدين وتنفيذه ، ومن مقاصد الإمامة ، فلا يمكن الادعاء بحفظ الدين وجبر الناس عليه مع ترك المفاسد والمنكرات بلا إزالة ولا إبعاد مع توفر القدرة على ذلك . كما أنه ينبغي تيسير طرق الخير أمام العامة ، والترغيب فيه بكل ممكن .
كما أن من وسائل حفظ هذا الدين ومن تنفيذه بالإضافة إلى ما سبق المقصد التالي (3) :
المقصد الثاني
__________
(1) الأطر : عطف الشيء تقبض على أحد طرفيه فتعوجه لسان العرب مادة ( أطر ) (4/24) والمعنى : تعطفونه على الحق .
(2) رواه ابن ماجة في ك : الفتن . ب : الأمر بالمعروف ... ، ح 4006 (2/1328) واللفظ له . ورواه الترمذي في تفسير سورة المائدة ح3047 (5/252) ، وقال : حسن غريب ، ورواه أبو داود في ك : الملاحم . ب : 17 ، عون (11/488) . وقال المنذري : ذكر أن بعضهم رواه عن أبي عبيدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً ... وقد تقدم أنا أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه فهو منقطع . عون المعبود (11/488) ، ورواه الإمام أحمد في المسند (1/391) ، وقال عنه أحمد شاكر : ضعيف لانقطاعه ، ح3717 ، من المسند (5/268) تحقيق أحمد شاكر .
(3) أفردت هذا المقصد مستقلاً عن سابقه وإن كان داخلاً في تنفيذ هذا الدين ، بل هو التنفيذ الفعلي له ، ولا شك أيضًا أنه من أهم وسائل حفظ هذا الدين ، أفردته مقصدًا مستقلاً لأهميته نظرًا لإبعاده عن التطبيق في العصر الحاضر واستبداله بالقوانين الوضعية والأنظمة الجاهلية المستمدة من أهواء البشر وميولاتهم الشخصية .
وللرد على القائلين بأن الدين ما هو إلا شعائر تعبدية تقام في المسجد ، وأخلاق وأذكار تردد في المناسبات لا دخل له في الحياة العامة للناس .(1/80)
ثانيًا : سياسة الدنيا به : أو الحكم في شؤون هذه الحياة بما أنزل الله .
المقصد الثاني من مقاصد الإمامة هو سياسة الدنيا بالدين ، أو الحكم في هذه الحياة بما أنزل الله عز وجل ، وقد تكلمنا فيما سبق في ( حراسة الدين ) عن إقامة الحدود والعقوبات ، وهي لا شك من الحكم بما أنزل الله ، ولكنها ليست وحدها المراد بـ ( الحكم بما أنزل الله ) بل المراد به : إدارة وتدبير جميع شؤون الحياة وفقًا لقواعد الشريعة ومبادئها وأحكامها المنصوص عليها أو المستنبطة منها وفقًا لقواعد الاجتهاد السليم ، فالحدود جزء من الحكم بما أنزل الله ، وليس قاصرًا عليها كما يتصور أكثر الناس .
وقد بين الله عز وجل في كتابه الكريم القاعدة الأساسية في التصور الإسلامي للحكم فقال : { إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلّهِ } في أكثر من آية (1) ، فهو سبحانه الحاكم المهيمن ، وكل ما في الوجود تحت هيمنته وتدبيره ، فالحاكمية المطلقة له وحده عز وجل دون غيره . فيجب على كل مسلم أن يعي هذه القاعدة ويفهمها جيدًا ويطبقها على أكمل وجه لأنها مضمون الإسلام ومقتضى كلمة ( لا إله إلا الله ) فلا إيمان بدون الإيمان بها .
عموم الرسالة المحمدية :
ومما يجب الإيمان به أيضًا عموم الرسالة المحمدية وشمولها لكل متطلبات الحياة ، وأنها الشريعة الخاتمة والصالحة للبشرية جمعاء حتى قيام الساعة ، حيث قال عز وجل : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
__________
(1) في ثلاث آيات ، الأولى في سورة الأنعام آية 57 ، والثانية ، والثالثة في سورة يوسف آية 40 ، 67 .(1/81)
وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } (1) ويقول عز وجل : { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ } (2) ويقول سبحانه : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } (3) .
وليس معنى شمول الشريعة وكمالها بجميع متطلبات الحياة هو النصِّية على كل جزئية بعينها ، فهذا أمر متعذر وتحميل للنصوص ما لا تحتمله ، وإنما المراد أنها جاءت بتفصيل بعض الأمور التي لا تتغير ولا تتأثر بالزمان والمكان والظروف المحيطة ، أما ما يتأثر بعوامل الحياة المحيطة فقد جاءت الشريعة له بالقواعد الكلية التي منها يمكن استنباط الأحكام المختلفة بالوسائل المشروعة . وفي هذا يقول الإمام الشاطبي رحمه الله : ( لو كان المراد بالآية - الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... - الكمال بحسب تحصيل الجزئيات بالفعل ، فالجزئيات لا نهاية لها فلا تنحصر بمرسوم . وقد نص العلماء على هذا المعنى ، فإنما المراد الكمال بحسب ما يحتاج إليه من القواعد الكلية التي يجري عليها ما لا نهاية له من النوازل ) (4) .
فما يحدث ويجد من أقضية لا بد وأن يوجد في الشريعة من القواعد الكلية والجزئية التي يمكن أن يرد إليها حكم هذه القضية ، أو يقاس عليها ، وهذه هي مهمة المجتهد ، كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ( يجدّ للناس من الأقضية بقدر ما أحدثوا من فجور ) . وإلا فلا معنى لعموم الشريعة وشمولها لجميع ما تحتاجه البشرية من أحكام .
__________
(1) سورة المائدة آية 3 .
(2) سورة الأنعام آية 38 .
(3) سورة النحل آية 89 .
(4) الاعتصام (2/305) ط . التجارية .(1/82)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( الصواب الذي عليه جمهور أئمة المسلمين أن النصوص وافية بجمهور أحكام أفعال العباد ، ومنهم من يقول إنها وافية بجميع ذلك ، وإنما أنكر ذلك من أنكره لأنه لم يفهم معاني النصوص العامة التي هي أقوال الله ورسوله وشمولها لأحكام أفعال العباد . وذلك أن الله بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بجوامع الكلم ، فيتكلم بالكلمة الجامعة العامة التي هي قضية كلية ، وقاعدة عامة تتناول أنواعًا كثيرة ، وتلك الأنواع تتناول أعيانًا لا تحصى ، فبهذا الوجه تكون النصوص محيطة بأحكام أفعال العباد ) (1) أ . هـ . وقد وصف تلميذه ابن القيم رحمه الله هذه النقطة بأنها : ( موضع مزلة أقدام ، ومضلة أفهام ، وهو مقام ضنك ، ومعترك صعب ، فرَّط فيه طائفة فعطلوا الحدود وضيعوا الحقوق وجرؤوا أهل الفجور على الفساد ، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد محتاجة إلى غيرها ، وسدوا على نفوسهم طرقًا صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له ، مع علمهم وعلم غيرهم قطعًا أنه حق مطابق للواقع ، ظنًا منهم منافتها لقواعد الشرع ، ولعمر الله إنها لم تناف ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإن نافت ما فهموه من شريعته باجتهادهم ، والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة الواقع ، وتنزيل أحدهم على الآخر ، فلما رأى ولاة الأمور ذلك وأن الناس لا يستقيم لهم أمرهم إلا بأمر وراء ما فهمه هؤلاء من الشريعة أحدثوا من أوضاع سياستهم شرًا طويلاً وفسادًا عريضًا ... ) إلى أن قال : ( وأفرطت طائفة أخرى قابلت هذه الطائفة فسوغت من ذلك ما ينافي حكم الله ورسوله . وكلا الطائفتين أتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأنزل به كتبه ) . (2) .
__________
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (19/280) . وقريب من هذا النص في منهاج السنة (3/163) .
(2) الطرق الحكمية لابن القيم (ص 13 ، 14) ..وانظر : إعلام الموقعين له (4/375) .(1/83)
أ . هـ .
فالمقصود أن شريعة الله وافية بكل ما تحتاجه البشرية وما من قضية إلا ولها في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - حكم ، إما نصًا أو ظاهرًا أو استنباطًا أو غير ذلك من الدلالات ، علم ذلك من علمه وجهله من جهله (1) ، وإلا لكان ذلك تكذيبًا لله عز وجل القائل { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... } الآية (2) واستنقاصًا لشرعه ولبيان الله ورسوله ، وحكمًا عليه بعدم الكفاية للناس عند التنازع وقد قال عز وجل : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } (3) ويلاحظ في التعبير أنه قال : { فِي شَيْءٍ } وهي نكرة في سياق الشرط فتدل على العموم أي : كل شيء صغيرًا كان أو كبيرًا ، والتنازع شامل لأمور الدين والدنيا . وكذلك الآية الأخرى : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ...
__________
(1) يقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله : ( مما ينبغي أن يعلم أن ذكر الشيء بالتحليل والتحريم مما قدم يخفى فهمه من نصوص الكتاب والسنة ، فإن دلالة هذه النصوص قد تكون بالنص والتصريح ، وقد تكون بطريق العموم والشمول ، وقد تكون بطريق الفحوى والتنبيه ... وقد تكون دلالته بطريق مفهوم المخالفة ... وقد أخذ الأكثرون بذلك وجعلوه حجة ، وقد تكون دلالته من باب القياس ، فإذا نصّ الشارع - صلى الله عليه وسلم - على حكم في شيء لمعنى من المعاني وكان ذلك المعنى موجودًا في غيره فإنه يتعدى الحكم إلى كل ما وجد فيه ذلك المعنى عند جمهور العلماء ، وهو من باب العدل والميزان الذي أنزله الله وأمر بالاعتبار به ، فهذا كله مما يعرف به دلالة النصوص على التحليل والتحريم ) أ . هـ . جامع العلوم والحكم (ص 267) .
(2) سورة المائدة آية 3 .
(3) سورة النساء آية 59 .(1/84)
} الآية (1) فإن اسم الموصول مع صلته من صيغ العموم عند الأصوليين وغيرهم ، وذلك العموم والشمول هو من ناحية الأجناس والأنواع ، كما أنه من ناحية القدر ، فلا فرق هنا بين نوع ونوع ، كما أنه لا فرق بين القليل والكثير . \
والمراد بالتحاكم إلى الله والرسول أي : إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - (2) .
وبعد أن تبين لنا هذا كان لزامًا علينا معرفة ما هي الأمور التي بينت الشريعة فيها الكليات والجزئيات التفصيلية الدقيقة ، وما هي الأمور التي أعطتنا فيها القواعد الكلية العامة وسوغت التفصيلات لمجتهدي الأمة ينظرون في القواعد الشرعية الكلية والأحكام الأخرى ويقيسون بعضها على بعض ، مع مراعاة المصالح والقواعد الأصولية العامة التي راعتها الشريعة عمومًا ، وما هي المسائل التي أباح الله لنا إشغال العقول فيها والبحث عنها وعن دقائقها . كان لزامًا علينا معرفتها وتفصيلها حتى لا يلتبس علينا الأمر ونكون على بينة من أمرنا .
جوانب الحياة البشرية :
لهذا نستطيع أن نقسم الحياة البشرية إلى ثلاثة أقسام لا تخلو من أحدها (3) وهي :
1- جوانب ثابتة متعلقة بحقيقة الإنسان ذاته : لا تتغير بتغير الظروف والأحوال ولا تتبدل إطلاقًا ، فهذه جاءت الشريعة لها بأحكام تفصيلية دقيقة وواضحة ، وذلك كأحكام الأسرة ، وكالحدود ، والشعائر التعبدية . ونحو ذلك .
2- جوانب ثابتة الجوهر والهدف ولكنها متجددة الصور ومتغيرة الأساليب لارتباطها بتغيرات الزمان والمكان ، فهذه جاءت الشريعة لها بأحكام
__________
(1) سورة النساء آية 65 .
(2) كما فسره بذلك مجاهد وغيره من السلف . انظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/304) .
(3) انظر : العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة للشيخ سفر بن عبد الرحمن الحوالي (ص 695) بتصرف . من مطبوعات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى ط . أولى 1402 هـ .(1/85)
كلية وقواعد عامة تحفظ الجانب الثابت فيه وتبقى الجوانب ذات العلاقة بالتغير مسموح المجال فيها للمجتهد الذي ملك أدوات الاجتهاد أن يبين جزئياتها الدقيقة المناسبة لتلك الفترة ، وذلك كالمنهج الاقتصادي للدولة ، والخطة التعليمية والإدارية ، والأنظمة المرورية ، وقوانين السير ونحو ذلك . فمثلاً المنهج الاقتصادي قد وضعت له الشريعة قواعد عامة وكليات ثابتة لا تتغير ولا بد من مراعاتها والسير على ضوئها عند رسم أي منهج في أي عصر أو مصر . فقد أوضحت الشريعة أن المال ملك لله عز وجل ، والبشر مستخلفون فيه ، وأوضحت وجوب تأمين الضروريات لكل فرد ، وتحريم أكل أموال الناس بالباطل في أي صورة من صوره ، وتحريم الربا والمكوس ، والنهي عن الاحتكار والجشع وتقرير حق الملكية الفردية ، والنهي عن أن يكون دولة بين الأغنياء ، والحث على الإنفاق ووجوبه في بعض الأحيان (1) ، وأوجبت الزكاة وبينت أنصبتها ومصارفها وجميع دقائقها ... إلى غير ذلك ، أما وضع الخطط الاقتصادية وطرق الاستثمار وتحديد الأنظمة الكفيلة بإعطاء كل ذي حق حقه ، وحفظ أموال المسلمين من عبث العابثين ، وكيفية التعامل المباح بين المؤسسات العامة والخاصة وإشراف الدولة ... إلخ فهذا راجع إلى اجتهاد الأمة في إطار تلك القواعد والقيود العامة ، يقول الدكتور محمد عبد الجواد محمد : ( من الواجب أن تؤخذ معظم (2) الأحكام والقواعد التي وضعتها هذه النظم ( أي الوضعية ) من الأحكام والقواعد التي استنبطها الفقهاء المسلمون في المذاهب الفقهية المختلفة . أما المعاملات التي جدت بسبب المخترعات الحديثة فمن الممكن وضع أحكام لها بطريق القياس أو الاقتباس في حدود القواعد الأصولية في الفقه الإسلامي ) (3)
__________
(1) قبسات من الرسول لفضيلة الأستاذ محمد قطب (ص 191) .
(2) بل : كل .
(3) التطوير التشريعي في المملكة العربية السعودية د . محمد عبد الجواد محمد (ص 18) ..(1/86)
وبهذا تأخذ الصبغة الشرعية .
لكن يشترط في هذا المجتهد المستنبط أن يكون مالكًا لأدوات الاجتهاد وأهلا له (1) كما يشترط ألا يصادم نصًا شرعيًا فليس من حق أي موظف أو مستشار قانوني لا يعرف من الإسلام إلا اسمه أن يقوم برسم هذه الخطط والأنظمة .
وقد وضع الإمام الشافعي قاعدة جليلة دقيقة في نحو هذا ، ولكنه لم يضعها في الذين يشِّرعون القوانين عن مصادر غير إسلامية ، فقد كانت بلاد الإسلام إذ ذاك بريئة من هذا العار ، ولكنه وضعها في المجتهدين العلماء من المسلمين الذين يستنبطون الأحكام قبل أن يتثبتوا مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة ، ويقيسون ويجتهدون برأيهم على غير أساس صحيح ، حتى ولو وافق الصواب حيث يقول : ( ومن تكلَّف ما جهل ، وما لم تثبته معرفته كانت موافقته للصواب - إن وافقه من حيث لا يعرفه - غير محمودة والله أعلم ، وكان بخطئه غير معذور إذا ما نطق
__________
(1) اشترط علماء الأصول في المجتهد عدة شروط نجملها فيما يلي :
1- أن يكون عارفًا بالكتاب والسنة ، بأن يعرف مظان الأحكام وكيفية استنباطها ، وأن يكون عارفًا بأسباب النزول وما ورد في تفسيرها وتأويلاتها وبالناسخ والمنسوخ وبصحة الحديث من ضعفه .
2- أن يكون عارفًا بالإجماع وحجيته ومظان وجوده .
3- أن يكون عالمًا بوجوه القياس وعلل الأحكام والحكم التشريعية التي شرعت من أجلها الأحكام .
4- أن يعرف من النحو والفقه ما يكفيه في معرفة ما يتعلق بالكتاب والسنة من نص ظاهر ومجمل وحقيقة ومجاز وعام وخاص ومطلق ومقيد .. إلخ .
5- أن يكون عنده ملكة الاستنباط ، وأن يكون ذكي الفؤاد متوقد الذهن ، وأن يكون خبيرًا بوقائع وأحوال الناس ومعاملاتهم ومصالحهم ... فإذا تعذرت هذه الشروط فالأمثل الأمثل . انظر : في ذلك روضة الناظر لابن قدامة (ص 190) والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران (ص 181) وعلم أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف (ص 218) .(1/87)
فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الخطأ والصواب فيه ) (1) .
يقول الأستاذ أحمد شاكر تعليقًا على هذا : ( ومعنى هذا واضح أن المجتهد في الفقه الإسلامي على قواعد الإسلام لا يكون معذورًا إذا ما كان اجتهاده على غير أساس من معرفة ، وعن غير تثبيت في البحث عن أدلة الكتاب والسنة ، حتى لو أصاب في الحكم إذ تكون إصابته مصادفة لم تبن على دليل ، ولم تبن على اجتهاد صحيح .
أما الذي يجتهد ويتشرع على قواعد خارجة عن قواعد الإسلام فإنه لا يكون مجتهدًا ، ولا يكون مسلمًا إذ قصد إلى وضع ما يراه من الأحكام وافقت الإسلام أم خالفته ، فكانت موافقته للصواب إن وافقه من حيث لا يعرفه بل من حيث لا يقصده غير محمودة ، بل كانوا بها لا يقلون عنهم كفرًا حين يخالفون هذا وهذا بديهي ... ) (2) .
__________
(1) الرسالة للإمام الشافعي تحقيق أحمد شاكر (ص 53) ط . ثانية 1399 هـ . ن . مكتبة دار التراث .
(2) انظر : تعليقه على مسند الإمام أحمد (6/304) .(1/88)
3- أما الأمور الدنيوية المحضة : كأساليب تطوير الزراعة والصناعة ، والتعرف على خصائص المادة ، والاستفادة منها في عمارة الأرض ، وسائر الأنشطة البشرية التي لا علاقة لها بالتحليل أو التحريم ، ولا بالهدى والضلال ، فهذه قد وكلها الله إلى نفس الإنسان ليجد ويجتهد ويبحث ويعمل فيها بحسب ما يوصله عقله وتفكيره . وهذه هي التي قال فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - : « أنتم أعلم بأمور ديناكم » (1) وهذه مندرجة تحت حكم الإباحة ، إلا أنها تبقى خاضعة للغاية الأساسية من الوجود وهي العبادة كما قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ } (2) فإذا أريد بهذه الأعمال وجه الله ،
والتَّقوِّي على طاعته ونصرة دينه ، فإنها تكون داخلة في مفهوم العبادة ويثاب العبد على فعلها ، وإن أريد بها المكابرة والرياء والتعالي على الله ومحاربة الله ورسوله فإنه يعاقب عليها .
حكم سياسة الدنيا بغير الدين :
والآن بعد أن عرفنا شمول الشريعة لجميع جوانب الحياة بقي علينا أن نعرف حكم من لم يسس الدنيا بهذا الدين ، أو بعبارة أخرى من لم يُحَكِّم دين الله في شؤون هذه الحياة ، واستبداله بالقوانين الوضعية التي وضعها البشر ، ولن نجد كبير عناء في البحث عن هذا الحكم فقد بيَّنه الله عز وجل في العديد من الآيات الصريحة .
__________
(1) رواه مسلم ك الفضائل . ب : وجوب امتثال ما قاله - صلى الله عليه وسلم - شرعًا دون ما ذكره من معايش الدنيا ، ح2363 (4/1836) ، ابن ماجة في ك : الرهون . ب : 15 ، تلقيح النخل ، ح1471 (2/825) ، وأحمد في المسند (3/152) .
(2) سورة الذاريات آية 56 .(1/89)
1- فمنها قوله عز وجل : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً } (1) والذي يظهر من أول وهلة من التعبير بقوله { يَزْعُمُونَ } التكذيب لهم فيما ادعوه من الإيمان ، فيكون الله قد نفي عنهم الإيمان بسبب التحاكم إلى غير شرع الله ، وذلك لأنه لا يجتمع التحاكم إلى غير شرع الله مع الإيمان في قلب عبد أصلاً ، بل أحدهما ينافي الآخر ، ولا يكون هناك إيمان حقًا إلا بعد الكفر بالطاغوت كما قال عز وجل : { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (2) وهذا هو معنى : ( لا إله إلا الله ) .
والطاغوت : مشتق من الطغيان : وهو مجاوزة الحد ، فكل من حكم بغير ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو حاكم إلى غير ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -
فقد حكم بالطاغوت وحاكم إليه ، وذلك من حق كل أحد أن يكون حاكمًا بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط لا بخلافه ، كما أن من حق كل أحد أن يحاكم إلى ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فمن حكم بخلافه أو حاكم إلى خلافه فقد طغى وجاوز حده حكمًا أو تحكيمًا فصار بذلك طاغوتًا لتجاوزه حده ) (3) :
__________
(1) سورة النساء آية 60 .
(2) سورة البقرة آية 256 .
(3) تحكيم القوانين للشيخ محمد بن إبراهيم (ص 3) .(1/90)
2- ومن الأدلة أيضًا قوله عز وجل : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } (1) فهنا نرى أن الله عز وجل يُقْسِم بذاته العلية على نفي الإيمان عن من لم يُحَكِّمْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يكتفّ بمجرد التحكيم فقط ، بل أضاف إليه عدم وجود شيء من الحرج في نفوسهم ، ولم يكتف بذلك أيضًا بل لا بد من الانقياد المطلق والتسليم التام لحكمه - صلى الله عليه وسلم - .
ونجد أيضًا أن الله عز وجل قد أطلق على من لم يحكم بما أنزل الله : الكفر ، والظلم ، والفسوق ، فقال عز وجل { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } (2) و { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (3) و { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (4) وقد روي أنها نزلت في أهل الكتاب لما حرَّفوا دينهم وهي - وإن ثبت ذلك - فهي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وقد رد على القائلين بهذا القول حذيفة رضي الله عنه فقال : ( نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل ، إن كانت لهم كل مُرَّة ، ولكم
كل حلوة ، كلا والله لتسلكن طريقهم قدر الشراك ) (5) .
وقيل فيها أيضًا أنها : ( كفر دون كفر ) أي : غير ناقل من الملة كما روي ذلك عن ابن عباس وطاوس وغيرهما (6) .
__________
(1) سورة النساء آية 65 .
(2) سورة المائدة آية 44 .
(3) سورة المائدة آية 45 .
(4) سورة المائدة آية 47 .
(5) تفسير الطبري (6/256) .
(6) انظر : تفسير الطبري (6/256) .(1/91)
والحق أنها تبقى على إطلاقها فقد يخرج من الملة ، وقد يكون كفرًا أصغر بحسب حال الحاكم ، كما قال شارح الطحاوية : ( إنه إن اعتقد - أي الحاكم - أن الحكم بغير ما أنزل الله غير واجب ، وأنه مخير فيه ، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر ، وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله ، وعلمه في هذه الواقعة ، وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة ، فهذا عاص ، ويسمى كافرًا كفرًا مجازيًا ، أو كفرًا أصغر ) (1) . قلت : وعلى هذا يحتمل تفسير ابن عباس ، وطاوس رضي الله عنهما : الكفر بأنه كفر دون كفر .
كلام الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :
وقد أوسع الموضوع بحثًا الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى - مفتي الديار السعودية سابقًا - فقال : ( ومن الممتنع أن يسمي الله سبحانه وتعالى الحاكم بغير ما أنزل الله كافرًا ولا يكون كافرًا ، بل هو كافر مطلقًا إما كفر عمل أو كفر اعتقاد ... ) .
قال : ( أما الأول : وهو كفر الاعتقاد فهو أنواع :
أحدهما : أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الله ورسوله ، وهو معنى ما روي عن ابن عباس . واختاره ابن جرير أن ذلك : جحود ما أنزل الله من الحكم الشرعي ، وهذا لا نزاع فيه بين أهل العلم .
الثاني : أن لا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كون حكم الله ورسوله حقًا ، لكن اعتقد أن حكم غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحسن من حكمه وأتم وأشمل لما يحتاجه الناس من الحكم بينهم عند التنازع ، إما مطلقًا أو بالنسبة إلى ما استجد من الحوادث التي نشأت مع تطور الزمان وتغير الأحوال ، وهذا أيضًا لا ريب أنه كفر لتفضيله أحكام المخلوقين التي هي محض زبالة الأذهان وصرف حثالة الأحكام عن حكم الحكيم الخبير ...
__________
(1) شرح العقدية الطحاوية (ص 302) ط . 3 .(1/92)
الثالث : ألا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لكن اعتقد أنه مثله فهذا : كالنوعين اللذين قبله في كونه كافرًا الكفر الناقل عن الملة لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق ...
الرابع : ألا يعتقد كون حكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلاً لحكم الله ورسوله فضلاً عن أن يعتقد كونه أحسن منه ، لكن اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله ، فهذا كالذي قبله يصدق عليه ما يصدق عليه لاعتقاده جواز ما علم بالنصوص الصريحة القاطعة تحريمه .
الخامس : وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ، ومشاقة لله ورسوله ، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية ، إعدادًا وإمدادًا وإرصادًا وتأصيلاً وتفريعًا وتشكيلاً وتنويعًا وحكمًا وإلزامًا ومراجع ومستندات ، فكما أن للمحاكم مراجع مستمدات مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فلهذه المحاكم مراجع هي : القانون الملفق من شرائع شتى ، وقوانين كثيرة : كالقانون الفرنسي ، والقانون الأمريكي ، والقانون البريطاني ، وغيرها من القوانين ، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك . فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإِسلام مهيأة مكمَّلة ، مفتوحة الأبواب ، والناس
إليها أسراب إثر أسراب ، يحكم حكامها بما يخالف حكم السنة والكتاب ، من أحكام ذلك القانون وتلزمهم به وتقرهم عليه وتحتمه عليهم ، فأي كفر فوق هذا الكفر ، وأي مناقضة للشهادة بأن محمدًا رسول الله بعد هذه المناقضة ...
السادس : ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر والقبائل من البوادي ونحوهم من حكايات آبائهم وأجدادهم وعاداتهم التي يسمونها ( سلومهم ) يتوارثون ذلك منهم ، ويحكمون به ، ويحصلون على التحاكم إليه عند النزاع ، بقاء على أحكام الجاهلية وإعراضًا ورغبة عن حكم الله ورسوله ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .(1/93)
وأما القسم الثاني : من مسمى كفر الحاكم بغير ما أنزل الله ، وهو الذي لا يخرج عن الملة ، فقد تقدم تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقول الله عز وجل : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } قد شمل ذلك القسم ، وذلك في قوله رضي الله عنه في الآية ( كفر دون كفر ) وقوله : ( ليس بالكفر الذي تذهبون إليه ) . أ . هـ . وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في الأقضية بغير ما أنزل الله مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق ، واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى ) . أ . هـ (1) .
4- والآيات في حكم الحاكم بغير ما أنزل الله كثيرة يصعب استقصاؤها ، منها قوله تعالى في سورة التوبة : { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلا لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } (2) ويفسرها حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه
عندما سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يتلوها فقال : يا رسول الله لسنا نعبدهم ، قال : « أليسوا يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ؟ ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه ؟ » قال : بلى ، قال : « فتلك عبادتهم » (3) .
__________
(1) تحكيم القوانين لمحمد بن إبراهيم (ص 5 - 8) وقد نقلته بطوله مع الاختصار قدر الإمكان لأهميته وقوته العلمية ، وللحاجة الماسة إليه خصوصًا في عصرنا الحاضر .
(2) سورة التوبة آية 31 .
(3) رواه الترمذي في ك : التفسير . تفسير سورة التوبة ح3095 (5/278) .
وقال : هذا حديث غريب ، ورواه ابن جرير في تفسيره (10/114) ، وابن سعد ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي . انظر : تحفة الأحوذي (8/494) وحسّنه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان (ص 64) . وحسّنه من المعاصرين الألباني في كتابه غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام (ص 20) رقم (6) .(1/94)
فالحاكم الذي يشِّرع للناس ، فيحلّ لهم ما حرَّم الله ، ويحرم عليهم ما أحل الله قد جعل نفسه ربًا لهم .
ومنها كذلك في سورة النور { ... وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ ... } إلى قوله : { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (1) .
ومنها قوله تعالى في سورة محمد - صلى الله عليه وسلم - : { إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ ... } (2) .
وقد سمى الله سبحانه وتعالى هذا النوع من الحكم بأنه : ( حكم الجاهلية ) وذلك في قوله : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ
حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } (3) فجعل الحكم حكمين لا ثالث لهما : حكم إسلامي ، وهو الحكم : بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وحكم جاهلي ، وهو : ما خالف ذلك .
__________
(1) سورة النور الآيات (47 - 51) .
(2) سورة محمد الآيات (25 ، 26) .
(3) سورة المائدة آية 50 .(1/95)
وليست الجاهلية فترة محددة من الزمان والمكان انتهت ، إنما كل مجتمع يحكم بغير ما أنزل الله فهو مجتمع جاهلي مهما أوتي من قوة مادية ، ومن كشوفات علمية خارقة ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « أبغض الناس إلى الله ثلاثة » . وذكر منهم « مبتغ في الإسلام سنة الجاهلية » (1) . وقال عليه الصلاة والسلام لأبي ذر : « إنك امرؤ فيك جاهلية » . قال الحسن البصري رضي الله عنه : ( من حكم بغير ما أنزل الله فحكم الجاهلية ) (2) . وقال ابن حجر : ( كل معصية تؤخذ من ترك واجب أو فعل محرم فهي من أخلاق الجاهلية ) (3) .
ومن ذلك ما ابتلي به المسلمون اليوم من تسلط بعض الطغاة على مقاليد الحكم ، واتخاذهم حكم الجاهلية شرعة ومنهاجًا لهم ، وتركهم حكم الله وراءهم ظهريًا كأنهم لا يعلمون ، يقول الأستاذ أحمد شاكر رحمه الله : ( نرى في بعض بلاد المسلمين قوانين ضُربت عليها ، نقلت عن أوروبا الوثنية الملحدة ، وهي قوانين تخالف الإسلام مخالفة جوهرية في كثير من أصولها وفروعها ، بل إن في بعضها ما ينقض الإسلام ويهدمه ، وذلك أمر واضح بديهي ، لا يخالف فيه إلا من يغالط نفسه ، ويجهل دينه أو يعاديه من حيث يشعر أو لا يشعر ، وهي في كثير من
أحكامها أيضًا توافق التشريع الإسلامي ، أو لا تنافيه على الأقل ، وإن العمل بها في بلاد المسلمين غير جائز حتى فيما يوافق التشريع الإسلامي ، لأن من وضعها حين وضعها لم ينظر إلى موافقتها للإسلام أو مخالفتها ، إنما نظر إلى موافقتها إلى قوانين أوروبا ، أو لمبادئها وقواعدها ، وجعلها هي الأصل الذي يرجع إليه ، فهو آثم مرتد بهذا سواء أوضع حكمًا موافقًا للإسلام أم مخالفًا له .... ) (4) .
__________
(1) رواه البخاري في ك : الديات . ب : 9 ، فتح الباري (12/210) .
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/510) .
(3) فتح الباري (1/85) .
(4) انظر : تعليقه على مسند الإمام أحمد (6/303) .(1/96)
ويرى فضيلته أن الواقع في هذا الجرم العظيم من الناس ثلاثة وهم :
1- المتشرع : ( ويقصد به في مصطلحاتهم الهيئة التشريعية ، وعلى رأسهم الآمر بذلك ، وهو الحاكم الأعلى للدولة ، الذي يعين الهيئة ويأمرها بذلك ويحدد لها مهمتها ويصادق على ما تتبناه من تشريعات ) . قال عنه : فإنه يضع هذه القوانين وهو يعتقد صحتها وصحة ما يعمل ، فهذا أمره بَيَّن وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ) (1) .
2- المدافع : ( وهو الذي يدافع عن هذه القوانين وينفذها ) قال عنه : ( فإنه يدافع بالحق وبالباطل المخالف للإسلام معتقدًا صحته فهو كزميله المتشرع ، وإن كان غير ذلك كان منافقًا خالصًا مهما يعتذر بأنه يؤدي واجب الدفاع ) (2) .
3- الحاكم : وهو الذي يقضي ويحكم بين الناس بهذه القوانين ، فعن هذا يقول الأستاذ أحمد شاكر : ( قد يكون له في نفسه عذر حين يحكم بما يوافق الإسلام من هذه القوانين ، وإن كان
التحقيق الدقيق لا يجعل لهذا العذر قيمة ، أما حين يحكم بما ينافي الإسلام مما نصّ عليه الكتاب والسنة ، ومما تدل عليه الدلائل منها فإنه على اليقين مما يدخل في هذا الحديث يقصد حديث : « وعلى المرء السمع والطاعة فيما أحب أو كره ، إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة » . قد أمر بمعصية القوانين التي يرى أن عليه واجبًا أن يطيعها لأنها أمرته بمعصية ، بل بما هو أشد من المعصية أن يخالف كتاب الله وسنة رسوله فلا سمع ولا طاعة ، فإن سمع وأطاع كان عليه من الوزر ما كان على آمره الذي وضع هذه القوانين وكان كمثله سواء ) (3) .
__________
(1) انظر : تعليقه على المسند (6/305) .
(2) نفس المرجع .
(3) التعليق على مسند الإمام أحمد (6/305) .(1/97)
4- كما يمكن أن يضاف إلى ما ذكره الشيخ صنف رابع وهو : ( المحكوم ) خاصة إذا رضي وتابع ، فعلى المحكوم ألا يتحاكم إليها ، وأن يبيِّن حرمة ذلك ، وأن يسعى في سبيل مقاومتها والتحاكم إلى شرع الله قدر استطاعته ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي روته أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون ، فمن كره فقد برئ ، ومن أنكر فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع » (1) . أما في حالة الإجبار والضرورة الشرعية فالضرورة تقدَّر بقدرها .
والآن بعد أن عرفنا وجوب سياسة الدنيا بشرع الله المنزل ، وأنه لا مجال للتردد ولا للتخيير ، فالقضية قضية إيمان وكفر ، قضية إسلام
أو لا إسلام ، فلا غرابة أن يكون هذا من أهم مقاصد الإمامة العظمى وهو غايتها وهدفها الذي من أجله شرعت ، نود أن نتعرف على بعض المقاصد الفرعية الناتجة عن هذه الحقيقة الكلية فمنها :
المقاصد الفرعية :
1- العدل ورفع الظلم :
وهذا من أهم المقاصد وأسمى المطالب التي أمر الإسلام بتطبيقها ، ولم يجعل الإسلام الالتزام بهذا الأمر خاصًا بالحكام فحسب ، بل أمر كل إنسان بالعدل في جميع أموره التي يزاولها سواء في ذلك ما يتصل بالأسرة أو بالجار أو بغير ذلك ...
وقد تتطابق على وجوب العدل آيات الكتاب الحكيم ، وأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
أما الآيات فكثيرة جدًا منها :
__________
(1) رواه مسلم ك : الإمارة . ب : وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع ، ح1854 (3/1481) .(1/98)
قوله عز وجل : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (1) . ومنها قوله عز وجل : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } (2) .
ومنها قوله عز وجل : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (3) .
بل قد أوجب الله العدل حتى مع الأعداء قال تعالى : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (4) ، وأمر نبيه داود عليه السلام بالحكم بالعدل - وهو الحق - ونهاه عن إتباع الهوى مع أنه نبي معصوم ، فقال عز وجل : { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } (5) إلى غير ذلك من الآيات .
أما الأحاديث النبوية فكثيرة أيضًا منها :
__________
(1) سورة النحل آية 90 .
(2) سورة النساء آية 58 .
(3) سورة الأنعام آية 152 .
(4) سورة المائدة آية 8 .
(5) سورة ص آية 26 .(1/99)
1- حديث السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله ، وذكر منهم إمام عادل (1) .
2- ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - : « ليس من وال أمة قَلَّت أو كثرت لا يعدل فيها إلا كبَّه الله تبارك وتعالى على وجهه في النار » (2) .
3- ومنها ما رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً ، لا يفكه إلا العدل أو يوبقه الجور» (3) .
4- ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - : « المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن ، وكلتا يديه يمين ، هم الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا » (4) .
__________
(1) متفق عليه رواه البخاري في ك : الحدود . ب : 19 ، فتح الباري (12/112) ، ومسلم في ك : الزكاة . ب : إخفاء الصدقة ، ح1031 (2/715) ، ورواه الترمذي في ك : الزهد . ب : في الحب في الله ح2391 (4/598) ، والنسائي في ك : آداب القضاء . ب : 78 ، (8/222) ، ومالك في الموطأ في ك : الشعر . ب : ما جاء في المتحابين في الله (2/952) .
(2) رواه الإمام أحمد في المسند (5/25) ، والبخاري بنحوه الفتح الرباني (23/14) .
(3) رواه الإمام أحمد في المسند وقال الهيثمي : إسناده جيد ورجاله رجال لصحيح وقال المنذري : أخرجه البزار بإسناد رجال الصحيح . انظر : الفتح الرباني (23/14) ، ورواه الدارمي في سننه (2/240) .
(4) رواه مسلم في ك : الإمارة . ب : فضيلة الإمام العادل ، ح1827 (3/1458) ، وأخرجه النسائي في ك : آداب القضاة . ب : فضل الحاكم العادل في حكمه (8/221) ، ورواه أحمد في المسند (2/160) .(1/100)
5- وقد روى أبو عبيد بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « لعمل الإمام العادل في رعيته يومًا واحدًا أفضل من عبادة العابد في أهله مائة عام أو خمسين عامًا » (1) شك هشيم ( وهو شيخ أبي عبيد ) . إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة .
وفي مقابل ذلك ندد الإسلام بالظلم والظالمين وتوعدهم ، والآيات والأحاديث في هذا كثيرة منها قوله - صلى الله عليه وسلم - : « إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته » (2) .
وقد جعل الله الظلم من أسباب هلاك الأمم . فما من دولة
يتفشى فيها الظلم إلا ويبدأ فيها الانهيار ، وحلَّت عليها عقوبة الله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } (3) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( إن العدل نظام كل شيء ، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت ، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق ، وإن لم تقم بعدل لم تقم ، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة ) (4) .
__________
(1) الأموال (ص 13) .
(2) رواه البخاري في تفسير سورة هود فتح الباري (8/354) ، ومسلم في ك : البر . ب : تحريم الظلم ح2583 (4/1997) .
(3) سورة هود آية 102 .
(4) الحسبة (ص 94) .(1/101)
والعدل الحق لا يكون إلا بتطبيق أحكام الشريعة التي تضمنت العدل كل العدل في إعطاء الحقوق لأصحابها وتنظيم العلاقات بين الناس تنظيمًا عادلاً . وإن من أكبر الظلم وأخطره أن يتعدى حاكم من الحكام على حق من حقوق الله تعالى فيقوم بالتشريع للأمة يرعاها ، وفي هذا يكون ظالمًا لنفسه بأن عرضها لغضب الله وسخطه ، وأحلها دار البوار . فتعدى حدوده وطغى على حق من حقوق الله عز وجل لا يجوز إلا له ، وكذلك يكون ظالمًا للرعية التي تحت يده حيث حرمهم من عدل الله وشرعه ، وحمَّلهم من الآثام والأوزار بسبب إجبارهم على التحاكم إلى الطاغوت ، وقد رأينا فيما سبق ما في ذلك من الوعيد .
وللعدل صور شتى ، منها القيام بمنع الظلم وإزالته عن المظلوم ، ومنع انتهاك حرمات الناس ، وحقوقهم المتعلقة بأنفسهم وأعراضهم وأموالهم ، وإزالة آثار التعدي الذي يقع عليهم ، وإعادة حقوقهم إليهم ، ومعاقبة المعتدي عليها بما يستحقه من العقوبة . ومن صوره أيضًا فَضُّ الخصومات والمنازعات بين المسلمين
وإعطاء كل ذي حق حقه ، وتعين القضاة الأكفاء لتحقيق ذلك . ومراعاة حقوق أهل الذمة .
ومن صوره أيضًا القيام بحق أفراد الشعب في كفالة حرياتهم وحياتهم المعاشية حتى لا يكون فيهم عاجز متروك ، ولا ضعيف مهمل ، ولا فقير بائس ، ولا خائف مهدد .
ومن صوره أيضًا التسوية بين الناس في المعاملة ومكافأة جهودهم بحسبها ، وإسناد الأعمال والوظائف لمن يستحقونها ، وعدم المفاضلة والتمييز بينهم تبعًا للهوى والمصلحة الشخصية ، أو غير ذلك من الأسباب غير الشرعية .(1/102)
ومن صوره أيضًا : ألا تتدخل مراكز الناس الاجتماعية وأنسابهم في خضوعهم لمقتضى العدل . فالشريعة الإسلامية تطبق على كل أحد ، لا فرق في ذلك بين الشريف وغيره ، ولا بين حاكم ومحكوم ، وفي ذلك يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : « إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سَرق الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها » (1) .
إلى غير ذلك من الصور التي لا حصر لها .
وقد رسم الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أسمى الصور وأرفعها في إقامة العدل في الرعية . فهذا أبو بكر رضي الله عنه يقول
لرجل شكا إليه أحد عماله أنه قطع يده ظلمًا : ( لئن كنت صادقًا لأقيدنك منه ) ، وروى أبو داود وغيره عن عمر رضي الله عنه : أنه خطب الناس فقال : ( إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ، ولا ليأخذوا أموالكم ، ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم ، فمن فعل به ذلك فليرفعه إليّ أقصه منه ) . فقال عمرو بن العاص : لو أن رجلاً أدب بعض رعيته تقتص منه ؟ قال : ( أي والذي نفسي بيده أقصه ، وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقص من نفسه ) (2) .
إلى غير ذلك من الصور الرائعة التي يضيق المقام عن ذكرها . ولا غرابة في ذلك ، فهم الذين تربوا على يد سيّد البشرية محمد - صلى الله عليه وسلم - .
2- جمع الكلمة وعدم الفرقة :
__________
(1) رواه البخاري ك : الجهاد . ب : 12 ، فتح الباري (12/87) ، ورواه أبو داود ك : الحدود . ب : الحد يشفع فيه ، عون (12/31) . ورواه أيضًا الحاكم وغيره .
(2) رواه أبو داود في سننه ك : الديات . ب : القود من الضربة ... ، عون (12/269) . ورواه الإمام أحمد في المسند . وصححه أحمد شاكر ح286 (1/278) . وانظر : الطبقات (3/293) .(1/103)
كما أن من غايات الإمامة ومقاصدها جمع الكلمة ، وعدم الفرقة وتوحيد صفوف المسلمين ، ولا يكون هذا إلا تحت قيادة واحدة . وقد ورد الأمر بذلك في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال تعالى : { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } (1) ، وأمرهم بالاتحاد والالتفاف حول راية واحدة فقال تعالى : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ } (2) وحرم التنازع بينهم ، وبَيَّن أنه يفضي إلى الإخفاق والضعف ،
فقال تعالى : { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ... } الآية (3) ، وحذرهم من أن يؤدي بهم الاختلاف إلى الفرقة كما حدث للذين من قبلهم : { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ ... } الآية (4) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة .
يقول الأستاذ عبد القادر عودة رحمه الله : ( لقد صنع الإسلام للوحدة الإسلامية كل ما يقتضيه التوحيد ، وأقام الوحدة على دعائم ثابتة لا يتطرق إليها الخلل ما دام المسلمون متمسكين بدينهم حريصين على طاعة ربهم . وحَّد الإسلام بين المسلمين جميعًا بما أوجب عليهم من الإيمان برب واحد، والخضوع لإله واحد ، وإتباع كتاب واحد ، ومشرع واحد ، وبما جعل للأمة الإسلامية على تعدد أفرادها من هدف واحد وتفكير واحد ومنهج واحد ، وبما طبع عليه المسلمين من آداب وأخلاق موحدة ، وبما جعل الأمة كلها من قبلة واحدة ، وسياسة واحدة ، وسلوك واحد ، وأمر لا يختلف على أصوله اثنان ) (5) .
__________
(1) سورة الأنبياء آية 92 .
(2) سورة آل عمران آية 103 .
(3) سورة الأنفال آية 46 .
(4) سورة آل عمران آية 105 .
(5) الإسلام وأوضاعنا السياسية (ص 274) .(1/104)
ومن مقومات جمع الكلمة هذه أنه آخى بين المسلمين ، وجعل الرابطة بينهم رابطة العقيدة ، العقيدة وحدها . قال الله تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } (1) ، وقال عز وجل : { وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } الآية (2) . وقال - صلى الله عليه وسلم - : « المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يحقره ، التقوى ها هنا - ويشير إلى صدره -
__________
(1) سورة الحجرات آية 10 .
(2) سورة آل عمران آية 103 .(1/105)
بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام ، دمه ، وماله ، وعرضه » (1) . وقضى على الحواجز الجغرافية والعصبيات الوطنية والقبلية ، وقضى على اختلافات اللغة والجنس واللون ، وجعل الميزان والمعيار الثابت لقياس الأفضلية هو التقوى والعمل الصالح { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } (2) وجعلهم في التسوية بينهم كأسنان المشط الواحد فقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « الناس سواسية كأسنان المشط الواحد » (3) . أما التفاخر بالأحساب ، والأنساب ، والعصبيات ، والأجناس ، والألوان . فقد عدَّه من أعمال الجاهلية ، وليس من الإسلام في شيء قال - صلى الله عليه وسلم - : « يا أيها الناس إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى » (4) .
__________
(1) رواه مسلم في ك : البر . ب : تحريم ظلم المسلم وخذله ... ، ح2564 (4/1986) . وروى أبو داود بعضه في ك : الأدب . ب : المؤاخاة ، عون (13/236) ، ورواه الترمذي في ك : البر . ب : 18 ، ح1927 (4/3259) . وروى ابن ماجة بعضه في : ك الزهد . ب : 23 ، ح4213 (2/4106) ، وأحمد في المسند (3/491) .
(2) سورة الحجرات آية 13 .
(3) أخرجه الديلمي عن سهل بن سعد . انظر : كشف الخفاء ومزيل الالتباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للعجلوني (2/451) . وهو ضعيف الإسناد .
(4) رواه الإمام أحمد في المسند (5/411) .(1/106)
ويقول عليه الصلاة والسلام : « إن الله عز وجل أذهب عنكم عبِّيَّة الجاهلية ، وفخرها بالآباء ، الناس بنوا آدم ، وآدم من تراب ، مؤمن تقي ، وفاجر شقي ، لينتهين أقوام يفخرون بالرجال ، إنما هم فحم من فحم جهنم ، أو ليكونن أهون على الله من
الجعلان التي تدفع النتن بأنوفها » (1) .
ويقول أيضًا : « من قُتِل تحت راية عمية يدعو إلى عصبية أو يغضب للعصبية فقتلة جاهلية » (2) وفي رواية « فقتلته » (3) .
إلى غير ذلك من الأحاديث .
__________
(1) رواه الإمام أحمد في المسند (2/524) ، وحسنه الألباني . وقال : رواه الطحاوي ، وابن منده ، والبيهقي . انظر : صحيح الجامع الصغير (2/119) ح1783 .
(2) رواه مسلم في ك : الإمارة . ب : وجوب ملازمة جماعة المسلمين ح1850 ، (3/1478) .
والنسائي في ك : تحريم الدماء . ب : التغليظ فيمن قاتل تحت راية عمية (7/123) . وأحمد في المسند (2/306 ، 488) بألفاظ متقاربة .
(3) رواه ابن ماجة في ك : الفتن . ب : 7 . ح3948 ، (2/1302) .(1/107)
هذا هو حكم الإسلام في المسلمين ، جعلهم أمة واحدة ، وجعل منهم دولة واحدة ، وأمرهم أن يجعلوا لهم إمامًا واحدًا يحكم هذه الدولة ، ويجمع شمل الأمة ، ويصرف عنها كل أسباب الفرقة ، وبالفعل كان لها ذلك عدة قرون ، فكانت تحت لواء واحد ، وقيادة واحدة حتى آخر الخلافة العباسية في مصر ، ثم غزو التتار للبلاد الإسلامية ، ثم قيام العباسين في مصر ، ثم قامت الدولة العبيدية (1) في مصر أيضًا ، كما ظهرت في نفس الوقت الخلافة الأموية في بلاد الأندلس ، فأصبح في العالم ثلاث حكومات : العباسية في الشرق ومركزها بغداد ، والعبيدية في مصر ومركزها القاهرة ، والأموية في الجناح الغربي ومركزها قرطبة ، ثم غربت شمس الدولة العباسية في بغداد لتشرق مرة أخرى في القاهرة في عصر دولة المماليك ، وظلت تحمل لواء الزعامة الدينية حتى كان الحكم العثماني للعالم العربي فتَمَّ تنازل آخر الخلفاء العباسيين بالقاهرة عن
الخلافة للسلطان العثماني سليم الأول (2) ،
__________
(1) لم يورد السيوطي أحدًا من الخلفاء العبيدين في كتابه ( تاريخ الخلفاء ) قال : =
(2) = لأن إمامتهم غير صحيحة لأمور :
منها أنهم غير قرشيين ، وإنما سمتَّهم بالفاطميين جهلة العوام وإلا فجدُهم مجوسي ...
ومنها لأن أكثرهم زنادقة خارجون عن الإسلام ... انظر : تاريخ الخلفاء (ص 4 ، 5) . قال المُحَشيِّ : اسم جد الفاطميين مختلف فيه اختلافًا كثيرًا والذي يترجح عندنا أنهم جهلة فجار ، مجوس أو يهود . كما ذكره المؤلف ، ولم نجد أحدًا دافع عنهم كالمقريزي صاحب الخطط والتأريخ ، وهو مُتَّهم لأن نسبه متصل بهم كما قيل ، حاشية تاريخ الخلفاء (ص 4) ، والمحَشِّي هو محمد محيي الدين عبد الحميد . وانظر : ملحق كتاب العواصم من القواصم لابن العربي (ص 199) تحقيق المحشي نفسه .
هذا وقد منع الشيخ أبو عمرو عثمان بن مرزوق - لما قدم مصر أيام العبيديين - أصحابه من الصلاة إلا خلف من يعرفون ، وعلّل ابن تيمية ذلك بقوله : ( لأن ملوكها في ذلك الزمان - العبيديون - مظهرين للتشيع وكانوا باطنية ملاحدة ) ، مجموعة الرسائل والمسائل (6/199) . ولزيادة الإيضاح عن العبيديين . انظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (28/635) فما بعدها .
( ) بتصرف من كتاب الإسلام والخلافة للدكتور علي حسني الخربوطلي (ص 7) .(1/108)
واستمرت الدولة العثمانية إلى سنة 1924 م ، حيث أعلن إلغاؤها مصطفى كمال أتاتورك (1) بعد إلغائه
السلطنة العثمانية سنة 1918 م وإنشاء الجمهورية التركية . فكان آخر عهد العالم الإسلامي بالدولة الجامعة (2) وتم القضاء على الدولة الإسلامية ، فانفرط عقدها وتمزقت أشلاؤها ، وأصبحت فريسة سهلة للأعداء الذين كادوا لها حتى أطاحوا بها ثم تكالبوا عليها من كل جانب ، وأخذوا يتقاسمون تركة هذا ( الرجل المريض ) على ما أسموه .
__________
(1) مصطفى كما أتاتورك (1880- 1938 م) ولد بسالونيك من طائفة الدونما اليهودية ، وخدم في الجيش التركي ، وصدر أمر من السلطان محمد الخامس بقتله ، كان صديقًا للإنجليز فهيؤوه لزعامة الشعب التركي عن طريق جمعية الإتحاد والترقي التي تسيرها اليهودية والماسونية ، وتم للإنجليز ما أرادوا سنة 1921 م ، وأعلن إلغاء الخلافة سنة 1924 م ، وفصل الدين عن الدولة وحارب الإسلام ومنع تطبيق الشريعة الإسلامية وجعل القانون المدني الأوربي بدلاً منها .
كان فاسقًا مدمنًا للخمر مات في سن الثامنة والخمسين بعد مرض بسبب الخمر صدرت فتوى بخروجه عن العقيدة الإسلامية وأنه مات كافرًا . ويذكر مصطفى صبري أنه قد أُلِّف في أوروبا المعادية للإسلام ما ينيف عن ستمائة كتاب تكريمًا لمصطفى كمال أتاتورك . انظر : الموسوعة العربية (1/44) ، ونظام الخلافة في الفكر الإسلامي د . مصطفى حلمي (ص 540) وموقف العقل والعلم والدين لمصطفى صبري (4/300 ، 301) .
(2) الإسلام والخلافة (ص 7) .(1/109)
فقطعوها إربًا ورسموا بينها الحدود (1) ، فشتتوا أمر المسلمين وأهدافهم ، وزرعوا بذرة النقمة والبغضاء بينهم ، فأخذوا يتطاحنون فيما بينهم ، هذا يعتز بولائه الشرقي ، والآخر بالغربي ، وهذا بقوميته ، والآخر بوطنيته ، والثالث بفرعونيته ... إلى غير ذلك من النعرات الجاهلية حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن من الذل والهوان فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
3- القيام بعمارة الأرض واستغلال خيراتها فيما هو صالح للإسلام والمسلمين :
كذلك من مقاصد الإمامة ومن مظاهر سياسة الدنيا بالدين القيام بعمارة الأرض التي استعمرنا الله فيها . قال تعالى : { هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ... } الآية (2) .
ولا يكون ذلك إلا بأن تقوم الدولة الإسلامية بتهيئة جميع ما يحتاجه الناس من مختلف الصناعات ، والحرف ، والعلوم ، وتوفير سبل البحث العلمي والاختراع ، وقد جعل الفقهاء ذلك من فروض الكفاية التي يجب وجودها في الأمة ، قال ابن عابدين : ( من فروض الكفاية الصنائع المحتاج إليها ) (3) ، ويترتب على هذا لحوق الإثم بالأمة والأئمة إذا قصرا في تحصيلها ، ولذلك جعل الفقهاء من حق الإمام إجبار أصحاب الصناعات الضرورية على القيام بها إذا امتنعوا عنها ، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله : ( ومن ذل أن يحتاج الناس إلى صناعة طائفة كالفلاحة ، والنساجة ، والبناء وغير ذلك . فلولي الأمر أن يلزمهم بذلك بأجرة مثلهم ، فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بذلك ، ولهذا قالت طائفة من أصحاب أحمد والشافعي إن تعلم هذه الصناعات فرض كفاية ) (4) أ . هـ .
__________
(1) بعد أن كان العالم الإسلامي دولة واحدة وتحت زعامة واحدة ، أصبح اليوم أكثر من أربعين دولة لكل دولة زعامتها وحدودها وولاؤها وهدفها الخاص بها .
(2) سورة هود آية 61 .
(3) رد المحتار على الدر المختار (3) .
(4) الطرق الحكمية (ص 226) .(1/110)
وكذلك من عمارة الأرض أيضًا استثمار خيرات البلاد بما يحقق مصالح المسلمين العامة كشق الطرق ، وإقامة المصانع ، واستخراج المعادن ، وتنظيم الري ، وإقامة السدود ، وتحسين وسائل الزراعة ، التي تزيد في المحصول ، وإيجاد سبل العمل الشريفة للأمة ، إلى غير ذلك من الأمور التي لا حصر لها ، وقد شعر بهذه المسؤولية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : ( لو أن بغلة عثرت في سواد العراق لخشيت أن يسأل عنها عمر لماذا لم يسو لها الطريق ) .
وقد كتب أبو يوسف إلى هارون الرشيد رحمهما الله تعالى يبين له أن على الخليفة أن يأمر بحفر الأنهار وإجراء الماء فيها ، وتحميل بيت المال وحده نفقات ذلك فقال : ( فإذا اجتمعوا - أي أهل الخبرة - على أن
في ذلك صلاحًًا وزيادة في الخراج أمرت بحفر تلك الأنهار وجعلت النفقة من بيت المال ، ولا تحمل النفقة على أهل البلد ... وكل ما فيه مصلحة لأهل الخراج في أرضهم وأنهارهم وطلبوا إصلاح ذلك أجيبوا إليه إذا لم يكن فيه ضرر على غيرهم ) (1) .
يقول الأستاذ عبد الكريم زيدان : ( كما يمكن القياس على ما ذكره أبو يوسف جمع الأعمال اللازمة لاستغلال ثروات البلاد وخيراتها على وجه يعود بالنفع العميم على الجميع ) (2) . والله أعلم .
* * * * *
الفصل الرابع
طرق انعقاد الإمامة
الفصل الرابع
طرق انعقاد الإمامة
عند النظر إلى نصوص الكتاب والسنة فإننا لا نجد هناك نصًا صريحًا في تعيين الطريقة التي تثبت بها الإمامة للإمام ، وليس ثَمَّة إلا النصوص العامة المتعلقة بالولاية والتولية ، سواء أكانت صغرى أم كبرى ، كالشورى ونحوها .
لذلك لم يبق أمامنا إلا استعراض الطرق التي انعقدت بها الإمامة للخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين .
ونحن نعتقد أن هذه الطرق تعتبر شرعية للأدلة التالية :
__________
(1) الخراج لأبي يوسف (ص 119) .
(2) أصول الدعوة (ص 227) .(1/111)
1- ما ورد في حديث العرباض بن سارية الطويل ، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - : « ... فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عَضُّ عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور .... » إلخ (1) .
فهذا أمر صريح منه - صلى الله عليه وسلم - بوجوب الالتزام بسنته وسنة الخلفاء الراشدين ، ومن سنتهم الطريقة التي تمت توليتهم بها . يقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله : ( وفي أمره - صلى الله عليه وسلم - بإتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده (و) (2) أمره بالسمع والطاعة لولاة الأمور عمومًا ، دليل على أن سنة الخلفاء الراشدين متبعة كإتباع السنة بخلاف غيرهم من ولاة الأمور ) (3) .
__________
(1) حديث صحيح وسبق تخريجه في فصل أدلة الوجوب (ص 45) .
(2) ليست في الأصل ، لكن الساق يقتضيها .
(3) جامع العلوم والحكم (ص 249) .(1/112)
2- ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - : « اقتدوا باللَّذين من بعدي ، أبي بكر وعمر » وفي لفظ : « إني لا أدري ما بقائي فيكم ، فاقتدوا باللذين من بعدي ، وأشار إلى أبي بكر وعمر » (1) ، وهذا نص صريح في وجوب الإقتداء بأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ، ومن ذلك الإقتداء بهما في طريقة تعيين الخليفة ، ومن جاء من بعدهم من الخلفاء الراشدين لا يخرج عن طريقتهما في السابق . كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( أمر - أي النبي - صلى الله عليه وسلم - بإتباع سنة الخلفاء الراشدين ، وهذا يتناول الأئمة الأربعة ، وخص أبا بكر وعمر بالإقتداء بهما ، ومرتبة المقتدى به في أفعاله وفيما سنه للمسلمين فوق سنة المتبع فيما سنه فقط ) (2) .
3- الإجماع على ذلك :
والإجماع حجة شرعية ، فما بالك إذا كان من الصحابة والرعيل الأول منهم ، فإنه لم يرد في الروايات الكثيرة التي وصفت لنا وصفًا دقيقًا كل ما حدث من ظروف وملابسات ومراجعات ومناقشات بين الصحابة في تعيين الخلفاء الراشدين ، لم يرد في هذه الروايات أية رواية عن أحد من الصحابة تطعن في الطريقة التي تمَّ بها تعيين أحد من الخلفاء ، وما كان هناك من خلاف - وهو قليل جدًا وانتهى باجتماع السقيفة لا كما
يصوره بعض المؤرخين - فإنما هو في الشخص المولي لا في طريقة التولية ، وينتهي هذا الخلاف بعد الاقتناع ووضوح الحجة ، وتبيين الدلائل .
__________
(1) رواه الإمام أحمد في المسند (5/382) ، والترمذي وحسنه ك : المناقب ب : 16 ، (5/609) ، ح3662 ، وابن ماجة في المقدمة ب : 11 ، (1/37) ، وابن أبي سعد في الطبقات (2/98) ، وابن عساكر كما في الدر المنثور (1/330) ، وصححه ناصر الدين الألباني . انظر : صحيح الجامع الصغير ح1153 ، (1/372) .
(2) مجموعة الفتاوى (4/400) .(1/113)
وعصر الخلفاء الراشدين هو التطبيق العملي للإسلام كاملاً ، وهم الذين جاهدوا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وقدَّموا المهج والأرواح في سبيل الله ، وعاشوا مع التنزيل لحظة بلحظة ، لذلك كانوا أفقه الناس وأعرفهم بقواعد الشرع ومقاصده ، وقد عملوا أعمالاً كثيرة وأجمعوا عليها ، وهذه الأعمال لم يكن معهم دليل معيَّن عليها ، وإنما مستندهم في ذلك المصلحة التي تتلائم مع مقاصد الشريعة كجمع القرآن ، وتدوين الدواوين ، وتولية أبي بكر لعمر ، وجعل عمر أمر الخلافة في ستة ، إلى غير ذلك من المصالح التي لا شك عاقل أنها معتبرة شرعًا ، ومن أنكرها فهو لا يعرف ولا يفقه منهج السلف رضوان الله عليهم .
لذلك كان لا بد لنا من استعراض تاريخي سريع لمبايعة كل من الخلفاء الأربعة ، وقبل الشروع في ذلك علينا أن نحقق هل هناك نص صريح من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدل على أن أبا بكر الصديق هو الخليفة من بعده أم أنها تثبت بالاختيار ؟ وكذلك زَعْمُ الرافضة النصية على علي رضي الله تعالى عنه هل له أصل في كتاب الله وسنة رسوله ؟ أو أنه مجرد الافتراء من الرافضة على الله وعلى رسوله وعلى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فنقول :
الكلام في النَّصِّية على أبي بكر رضي الله تعالى عنه
ذهب بعض أهل السنة إلى القول بالنصية على خلافة أبي بكر ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عهد إليه وهم على قولين : من قال بالنص الخفي ، ومن قال بالنص الجلي .
المذهب الأول :
من قال بالنص الخفي والإشارة على أبي بكر ، وينسب هذا القول إلى الحسن البصري رحمه الله وجماعة من أهل الحديث (1) ، وهو رواية عن الإمام أحمد (2) .
واستدلوا على ذلك بعدة أدلة هي :
__________
(1) شرح العقدية الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (ص 471) ط . الثالثة .
(2) المعتمد في أصول الدين لأبي يعلى الفراء (ص 226) . ط . دار الشرق .(1/114)
1- بتقديم النبي - صلى الله عليه وسلم - له في الصلاة فقد روى البخاري في صحيحه بسنده عن أبي موسى قال : مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - فاشتد مرضه فقال : « مروا أبا بكر فليصل بالناس » ، قالت عائشة : ( إنه رجل رقيق إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس ) ، قال : « مروا أبا بكر فليصل بالناس » فعادت . فقال : « مري أبا بكر فليصل بالناس ، فإنكن صواحب يوسف » . فأتاه الرسول فصلى بالناس في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) .
قال المروزي : قيل لأبي عبد الله - أحمد بن حنبل - قول النبي : يؤم القوم أقرؤهم ، فلما مرض قال : « قدموا أبا بكر يصلي بالناس » ، وقد كان في القوم من هو أقرأ من أبي بكر ؟ فقال أبو عبد الله : إنما أراد
الخلافة ) (2) .
__________
(1) متفق عليه رواه البخاري في ك : الأذان . ب : 46 ( واللفظ له ) . انظر : فتح الباري (2/164) ومسلم في ك : الصلاة . ب : استخلاف الإمام . ح418 ، (1/314) والترمذي في : المناقب . ب : 16 ، (5/613) والنسائي في : الإمامة (15) ، وابن ماجة في ك : إقامة الصلاة . ب : 143 ، ح1234 ، (1/390) ، وأحمد (4/412) .
(2) المسند من مسائل الإمام أحمد للخلال ورقة (43) ، وقال الأشعري : قد علم بالضرورة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الصديق أن يصلي بالناس مع حضور المهاجرين والأنصار مع قوله : « يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله » فدل على أنه كان أقرأهم ( تاريخ الخلفاء ص 63 ) وهو الذي ذهب إليه ابن حجر في فتح الباري (9/52) لكن يعضد قول الإمام أحمد قول عمر : ( أقرأنا أُبَيّ .... ) رواه البخاري في التفسير . ب : 7 ، فأبو بكر أقرأ الصحابة بمعنى : أعلمهم وأفقههم أما في التلاوة فأبي أقرأ منه . والله أعلم .(1/115)
وقال السيوطي : قال العلماء : هذا الحديث - أي حديث تقديمه في الصلاة برواياته المتعددة - أوضح دلالة عل أن الصديق أفضل الصحابة على الإطلاق وأحقهم بالخلافة وأولاهم بالإمامة (1) .
2- واستدلوا أيضًا بما ورد في الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - لما خطب قرب وفاته وقال : « إن عبدًا خيره الله ... » الحديث . وفي آخره « ولا يبقين باب إلا سد إلا باب أبي بكر » وفي لفظ « لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر » (2) .
قال السيوطي : ( قال العلماء : هذا إشارة إلى الخلافة ) (3) كما استدلوا بالأحاديث التي استدل بها من قال بالنص الجلي وهي كالتالي :
المذهب الثاني :
من قال بالنص الجلي على خلافة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، وهذا قول جماعة من أهل الحديث ، وإليه ذهب ابن حزم الظاهري (4) ورجحه ابن حجر الهيتمي (5) .
واستدلوا على ذلك بما يلي :
1- بما رواه الشيخان عن جبير بن مطعم قال : أتت امرأة النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرها أن ترجع إليه ، قالت : أرأيت إن جئت فلم أجدك ؟ كأنها تريد الموت ، قال : « إن لم تجديني فأت أبا بكر » (6) .
قال ابن حزم : ( وهذا نص جلي على استخلاف أبي بكر ) (7) .
__________
(1) تاريخ الخلفاء ص (63) .
(2) متفق عليه رواه البخاري في المناقب . ب : 45 فتح الباري (7/227) ، ومسلم في : فضائل الصحابة ح2382 ، (4/1854) وغيرهما .
(3) تاريخ الخلفاء ص (61) .
(4) انظر : الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/108) .
(5) الصواعق المحرقة ص (26) .
(6) البخاري في ك : الأحكام . ب : 51 ، فتح الباري (13/206) ومسلم في ك : الفضائل . ب : فضائل أبي بكر ح2386 ، (4/1856) . وانظر : السنة لابن أبي عاصم (2/547) تحقيق الألباني .
(7) الفصل (4/108) .(1/116)
2- وبما رواه الشيخان أيضًا ، واللفظ لمسلم ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « أدعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابًا ، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر » (1) . وأخرجه أحمد وغيره من طرق وفي بعضها : قالت : قال لي
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه : « أدعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتابًا لا يختلف عليه أحد بعدي » ، ثم قال : « دعيه ، معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر » (2) . قال ابن حزم : ( فهذا نص جلي على استخلافه عليه الصلاة والسلام أبا بكر على ولاية الأمة بعده ) (3) .
3- وبما أخرجه الحاكم وصححه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : ( بعثني بنو المصطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن سله إلى من ندفع صدقاتنا بعدك ؟ فأتيته فسألته فقال : « إلى أبي بكر » (4) .
4- وبما رواه حذيفة رضي الله تعالى عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » (5) .
__________
(1) البخاري في ك : الأحكام . ب : 51 ، فتح الباري (13/205) بلفظ ( يأبى الله ويدفع المؤمنون ) ، ومسلم في ك : فضائل الصحابة . ب : فضائل أبي بكر ، ح2387 ، (4/1857) .
(2) انظر : مسند الإمام أحمد (6/106) ، (6/144) .
(3) الفصل (1/108) .
(4) رواه الحاكم (3/77) وصححه . ووافقه الذهبي وفيه مصر بن منصور المروزي لم أجد له ترجمة إلا في تاريخ بغداد (13/286) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً أما بقية رجاله ثقات ، وعلي بن مسهر ثقة له غرائب بعدما أضرّ قاله في التقريب (2/44) .
(5) حديث صحيح سبق تخريجه في هذا الفصل (ص 117) .(1/117)
إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة المشيرة إلى خلافته رضي الله تعالى عنه كأحاديث الرؤى وغيرها ، وهناك أحاديث صريحة في استخلافه لكنها لا تسلم من مقال في أسانيدها آثرنا الصفح عنها (1) .
رأي شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة
__________
(1) انظر : على سبيل المثال كتاب السنة لابن أبي عاصم (2/546) .(1/118)
يقول ابن تيمية في هذه المسألة : ( التحقيق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دلّ المسلمين على استخلاف أبي بكر وأرشدهم إليه بأمور متعددة من أقواله وأفعاله ، وأخبر بخلافته إخبار راض بذلك حامد له ، وعزم على أن يكتب بذلك عهدًا ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه فترك الكتاب اكتفاء بذلك ... فلو كان التعيين مما يشتبه على الأمة لبينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيانًا قاطعًا للعذر ، ولكن لما دلهم دلالات متعددة على أن أبا بكر هو المتعين وفهموا ذلك حصل المقصود ، ولهذا قال عمر بن الخطاب في خطبته التي خطبها بمحضر من المهاجرين والأنصار : ( وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر ) رواه البخاري ومسلم ... (1) ) . (2) إلى أن قال : ( فخلافة أبي بكر الصديق دلت النصوص الصحيحة على صحتها وثبوتها ورضا الله ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - له بها ، وانعقدت بمبايعة المسلمين له واختيارهم إياه اختيارًا استندوا فيه إلى ما علموه من تفضيل الله ورسوله بها وأنها حق وأن الله أمر بها وقدرها ، وأن المؤمنين يختارونها وكان هذا أبلغ من مجرد العهد بها لأنه حينئذ يكون طريق ثبوتها العهد ، وأما إذا كان المسلمون قد اختاروه من غير عهد ودلت النصوص على صوابهم فيما فعلوه ورضا الله ورسوله بذلك كان ذلك دليلاً على أن الصديق كان فيه من الفضائل التي بان بها عن غيره ما علم المسلمون به أنه أحقهم بالخلافة فإن ذلك لا يحتاج إلى عهد خاص ) (3) .
فابن تيمية إذن يرى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يصدر عنه أمر إلى المسلمين بأن يكون أبو بكر هو الخليفة من بعده ، وإنما علم من الله سبحانه أن المسلمين سيختارونه لمزاياه التي يتمتع بها ويفوق بها غيره .
الرأي الراجح
__________
(1) سيأتي تخريجه قريبًا في تولية أبي بكر .
(2) منهاج السنة (1/139) .
(3) منهاج السنة (1/140 ، 141) .(1/119)
وهذا هو الرأي الراجح في نظري لأن القول بأنها قد ثبتت بالنص قد يصعب الاستدلال عليه ، لأن أقواله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله التي يستدل بها على أن خلافة أبي بكر ثابتة بالنص لا تفيد هذا إفادة صريحة ، فتقديم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر للصلاة بالناس ليس نصًا على خلافته لا جليًا ولا خفيًا وإنما هو إرشاد للأمة إلى أن أبا بكر أولى بأن ينوب عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك أحاديث سد الأبواب والخوخ إلا باب أبي بكر ففيه إشارة إلى فضله وتميزه عن غيره لا أكثر .
أما الأحاديث الدالة على أنه أراد أن يكتب عهدًا ثم تركه فقد ترك ذلك لعلمه بأن المؤمنين سيختارونه من دون عهد منه - صلى الله عليه وسلم - فدل على أنه ليس هناك عهد .
وكذلك حديث المرأة السائلة ، ومبعوث بني المصطلق . ففيه : إخبار بأن الذي سيكون واليًا هو أبو بكر ، فلتأته المرأة وتسأله ، وليدفع بنوا المصطلق إليه زكاتهم . وكذلك حديث الأمر بالإقتداء ليس نصًا في الخلافة .
فهذه الأحاديث التي يظن بعض الناس أنها تفيد النص على إمامة أبي بكر رضي الله تعالى عنه إنما تدل على علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن طريق الوحي بأن المسلمين سيجتمعون على خلافة أبي بكر لمزاياه التي لا يضارعه فيها أحد كما تدل إلى رضا الله ورسوله بذلك دون غيره ، وهذا هو الذي فهمه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم منها ، يدل على ذلك ما يلي :
1- اجتماع السقيفة : حيث لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة للمسلمين - وسيأتي بيان ذلك مفصلاً قريبًا إن شاء الله - فلو كان هناك نص ما اجتمعوا لذلك ولبايعوا المعهود إليه
مباشرة وهم أحرص الناس على إتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(1/120)
2- كما يدل على ذلك أيضًا أخذ أبي بكر رضي الله تعالى عنه بيدي عمر وأبي عبيدة ابن الجراح وقوله : ( قد اخترت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم (1) فلو كان هناك عهد له لم يجز له أن يختار ، ولا يعقل أن لا يعلم هو بذلك وهو المعهود له .
3- ومنها قول عمر رضي الله تعالى عنه حينما طلب منه أن يختار خليفة للمسلمين بعده فقال : ( إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني أبا بكر - وأن أترك فقد ترك من هو خير مني - يعني الرسول - صلى الله عليه وسلم - (2) . وهذا نص في المسألة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلف أحدًا بعده .
4- ومما يدل على ذلك أيضًا قول عائشة رضي الله تعالى عنها حينما سئلت من كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخلفًا لو استخلف ؟ فقالت : أبو بكر ، قيل ثم من ؟ قالت : عمر ، قيل ثم من ؟ قالت : أبو عبيدة ابن الجراح (3) . فقول السائل : ( لو استخلف ) دال على أنه لم يستخلف ، والسؤال عما لو كان مستخلفًا فمن سيستخلف ؟
__________
(1) رواه البخاري ك : الحدود . ب : رجم الحبلى رقم (31) فتح الباري (12/144) وسيرة ابن هشام (4/660) ، ومسند الإمام أحمد . انظر : الفتح الرباني (23/58) .
(2) متفق عليه رواه البخاري في ك : الأحكام . ب : 51 ، فتح الباري (13/206) ، ومسلم ك : الإمارة . 11 ، (12/204) بشرح النووي ، وأبو داود بنحوه في ك : الإمارة . ب : 8 ، عون المعبود (8/157) والترمذي : فتن . 48 ، (4/502) تحقيق شاكر ، وأحمد (1/43) .
(3) رواه مسلم ، فضائل الصحابة : 9 ، (15/154) بشرح النووي ، وأحمد في المسند (6/63) بلفظ ( لاستخلف أبا بكر أو عمر ) .(1/121)
5- ومنها ما رواه الإمام أحمد بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يوص ) (1) . فهذا دليل صريح في المسألة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوص بالخلافة لا لأبي بكر ، ولا لعلي رضي الله عنها ، ولا لغيرهما .
6- ومنها ما رواه الإمام أحمد بسنده إلى علي رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله من تؤمر بعدك ؟ قال : « إن تؤمروا أبا بكر تجده أمينًا زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة ، وإن تؤمروا عمر تجدوه قويًا أميًنا لا يخاف في الله لومة لائم ، وإن تؤمروا عليًا ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديًا مهديًا يأخذ بكم الطريق المستقيم » (2) .
فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « إن تؤمروا » دليل على أنه لم يؤمر أحدًا ، وإنما وكل ذلك إلى المسلمين ثم استعرض - صلى الله عليه وسلم - بعض أفاضل الصحابة مبتدئًا بأبي بكر وبين ما في كل واحد منهم من الخصال الحميدة المميزة له .
دعوى النصِّية على علي :
أما دعوى النصية من النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخلافة لعلي رضي الله عنه والوصية
__________
(1) رواه أحمد بسند قال عنه أحمد شاكر : صحيح . انظر : المسند تحقيق أحمد شاكر ح3189 ، (5/68) .
(2) رواه أحمد وصححه أحمد شاكر ح859 ، (2/157) ، وقال الهيثمي : رواه أحمد ، والبراز ، والطبراني في الأوسط . ورجال البزار : ثقات . مجمع الزوائد (5/176) وقال صاحب كنز العمال : رواه أحمد ، وابن أبي خيثمة في : فضائل الصحابة ، والحاكم في المستدرك ، وأبو نعيم في الحلية، وابن الجوزي في الواهيات فأخطأ ، وابن عساكر ، وسعيد بن منصور . انظر : الكنز (5/799) ح14419 .(1/122)
له بذلك فليس هناك من كتاب ولا سنة يدل على ذلك لأنها لم تقع ، وإنما ابتدع هذه المقالة عبد الله بن سبأ اليهودي اللعين (1) ليشتت بها شمل المسلمين ، وتلقفها من بعده الشيعة (2) وجعلوها من أصول الإيمان عندهم ، بل هي أصل الإيمان ، ثم أدخلوا عليها كثيرًا من التحريفات فجعلوها متسللة في عقبه ، أي أن كل إمام يوصي بها لمن بعده من آل البيت ، وزعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على كل واحد منهم بالتلميح تارة وبالتصريح أخرى ، كما أدخلوا عليها القول بالعصمة والرجعة وعلم الغيب وإكمال الشريعة إلى غير ذلك من الكفريات .
ولكي يستدلوا على ما ذهبوا إليه وليستميلوا جهلة المسلمين وعوامهم ذهبوا إلى كتاب الله العزيز ، فقاموا يختارون منه الآيات العامة المادحة للمؤمنين ولأولياء الله المتقين ويخصصونها بعلي رضي الله عنه ، ويخصصون علي بها رضي الله عنه ، وأسعفهم في ذلك كثير من وضاع الحدث : ، والمؤرخين ، وبعض الروايات غير الثابتة والمطعون في صحتها .
__________
(1) ذهب علماء الرافضة المعاصرين إلى القول بأن عبد الله بن سبأ شخصية وهمية لا حقيقة لها ليتبرؤوا من القول بأن أصل التشيع من اليهود ، ومن هؤلاء عبد الله فياض في كتابه تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة (ص 95) ، ومرتضي العسكري في عبد الله بن سبأ (ص 28) وما بعدها ، ومن غير الشيعة طه حسين في الفتنة الكبرى حيث يقول : ( إن ابن السوداء لم يكن إلا وهمًا ، وإن وجد فلم يكن ذا خطر ) . (1/132) ، وما علم هؤلاء المنكرون أن أئمة الشيعة أنفسهم قد ترجموا له وبينوا مقالاته مثل الناشئ الأكبر في كتاب مسائل الإمامة (ص 22) ، والقمي في المقالات والمفرق (ص 20) ، والنوبختي في فرق الشيعة (ص 19) ، والكشي في رجاله (ص 98 ، 99) والطوسي وغيرهم ....
(2) وبعض المعتزلة كالنظام ومن وافقه . انظر : الملل والنحل للشهرستاني (1/57) .(1/123)
ثم ذهبوا إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعلوا يتأولون الأحاديث الواردة في مناقبه رضي الله عنه ويزيدون فيها وينقصون ليستدلوا بها على بدعتهم
الكبيرة ، ووضعوا بسبب ذلك كثيرًا من الأحاديث ، ونسوبها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - زورًا وبهتانًا ، والنبي منها بريء ، وقد تصدى لها علماء السنة وبيَّنوا وضعها ، كما ألف الرافضة كثيرًا من الكتب الكفرية الهدامة لدين الإسلام ونسوبها إلى أئمة البيت البرءاء من ذلك : ككتاب الجفر الجامع ، الذي ينسبونه إلى أبي عبد الله جعفر الصادق رضي الله عنه (1) .
__________
(1) انظر : أصول الكافي للكليني (1/239) ط . ثالثة 1388 هـ . دار الكتب الإسلامية طهران .(1/124)
ولسنا الآن في هذا المقام بصدد مناقشتهم في دعواهم ، بل نرى أن مناقشتهم في هذا العصر والخوض معهم في الرد عليهم عديم الفائدة ومن إضاعة الوقت بلا طائل (1) ، والسبب في ذلك أنه ليس هناك حَكَمٌ يتراجع إليه الخصمان ويقران بما يحكم به عند التنازع ، فالمسلمون مأمورون - إذا حصل بينهم نزاع - أن يجعلوا كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هي الحكم الفصل بينهم ، كما قال تعالى : { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } (2) ، وقال : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ... } الآية (3) .
ولكن هؤلاء الرافضة لا يسلمون به ، بل يزعمون أنه محرف ، وأن الصحيح هو كتاب فاطمة رضي الله عنها الذي عند أئمتهم ، والذي
__________
(1) إنما الواجب هو تحذير المسلمين من خطرهم ، وكشف مذهبهم على حقيقته ، وإبانة عيوبه ومزالقه الخطيرة وبُعده عن الإسلام ، وإيضاح خطرهم على الإسلام والمسلمين حتى لا يغتّر بهم جهلة المسلمين كما هو حاصل اليوم خصوصًا وقد تصدى لإبانة الحق لهم كثير من علماء السنة قديمًا وحديثًا ، ولعل من أشمل الكتب التي ناقشتهم مناقشة علمية دقيقة هو كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية المسمى منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية .
(2) سورة الشورى آية 10 .
(3) سورة النساء آية 59 .(1/125)
يعادل ثلاثة أضعاف المصحف الذي في أيدينا حيث يروي شيخهم الكليني في كتابه ( الكافي ) - وهو بمنزلة صحيح البخاري عند المسلمين (1) - بسنده إلى أبي جعفر الصادق رضي الله عنه أنه يقول - وحاشاه الله أن يقول مثل هذا - وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة ؟ قال : قلت : - أي الراوي أبو بصير - وما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ... ) (2) . وقد أَلَّف أحد علمائهم الكبار - النوري الطبرسي - كتابًا كبيرًا سماه ( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ) (3)
__________
(1) يقول أحمد بن مكي - من كبار علماء الرافضة - عن الكافي : ( كتاب الكافي في الحديث لم يعمل الإمامية مثله ) . ويقول شيخهم المجلسي : ( كتاب الكافي أضبط الأصول وأجمعها وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية وأعظمها ) . ويقصد بالفرقة الناجية فرقته الرافضة الضالة . انظر : هذه النصوص وغيرها في مقدمة أصول الكافي (1/27) .
(2) أصول الكافي (1/239) ومن تناقضهم عليهم لعائن الله أنهم يطعنون في القرآن ويزعمون تحريفه ، ومع ذلك فهم يحاولون الاستدلال به على مذهبهم ، وكذلك السنة يقولون : لا نقبل إلا ما كان عن طريق الشيعة إلى آل البيت ولكن إذا وجدوا خبرًا ضعيفًا أو موضوعًا أو رواية تاريخية لا سند لها ولا أصل تؤيد مذهبهم استدلُّوا بها ...
(3) هو ميزرا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي طبع في إيران عام 1298 هـ ، وعندي منه صورة وهو مصور في مكتبة مركز البحث العلمي ، والمكتبة المركزية بجامعة أم القرى ، والجامعة الإسلامية ..(1/126)
جمع فيه نصوصًا كثيرة عن علماء الرافضة ومجتهديهم في مختلف العصور ، وزعم من خلالها أن القرآن قد زيد فيه ونقص ، وذكر فيه سورة الولاية (1) التي تكاد تجمع الرافضة على حذفها من القرآن الكريم وهي أشبه
ما تكون بقرآن مسيلمة الكذاب الذي زعم أنه أوحي إليه به .
أما عن السنة فهم لا يؤمنون إلا بما في كتبهم وبإسنادهم على أئمتهم من آل البيت المطهَّر الذين هم من هذا الهراء برءاء ، وما ورد عن طريق ثقات المسلمين من غير الرافضة فلا يقبلونه ، لذلك فلا مجال للالتقاء والمناقشة إلا إذا تم الإتفاق على الأصول التي يتحاكم إليها وهي : كتاب الله تعالى كما فهمه الصحابة والتابعون والسنة الصحيحة ، وتبرأت الرافضة بصدق من ذلك النفاق الذي يتخذونه دينًا ويسمونه ( تَقِيَّة ) (2) لأنه مع التقية يظل النقاش عملاً لا قيمة له مهما وصل إليه من نتائج في الظاهر .
يقول سليمان بن جرير - من الزيدية - : ( إن أئمة الرافضة قد وضعوا مقالتين لشيعتهم لا يظهر أحد قط عليهم :
أحدهما : القول بالبداء . فإذا أظهروا قولاً : إنه سيكون لهم قوة وشوكة وظهور ثم لا يكون الأمر على ما أظهروه . قالوا بدا لله تعالى في ذلك (3) .
__________
(1) يذكر السيد محب الدين الخطيب أنه وجد هذه السورة التي يزعمون أنها من القرآن مطبوعة في مصاحفهم في إيران وأخذ لها صورة وجعلها في كتابه الخطوط العريضة (ص 12) .
(2) ينسب شيخهم الكليني إلى جعفر الصادق رضي الله عنه أنه يقول : التقيَّة ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له . أصول الكافي (2/219) .
(3) انظر قولهم في : البداء أصول الكافي (1/146) ويسندون إلى جعفر الصادق - البريء - قوله : ما عُظِم الله بمثل البداء وفي رواية : ( ما عبد الله بشيء مثل البداء ) .(1/127)
والثانية : التَّقِيَّة فكلما أرادوا تكلموا به ، فإذا قيل لهم في ذلك : إنه ليس بحق ، وظهر لهم البطلان قالوا إنما قلناه تقية ، وفعلناه تقية (1) .
ولكن لزيادة الفائدة نذكر بعض الآثار الدالة على براءة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه مما نسبه إليه الرافضة من دعوى النصية والأحقية بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم والمروية عنه نفسه فمنها :
الآثار المروية عن علي رضي الله عنه والدالة على عدم النصية لا عليه ولا على غيره :
1- روى مسلم - وغيره - بسنده إلى أبي الطفيل قال : سئل علي : أخصَّكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشي ؟ فقال : ما خصنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء لم يعم به الناس كافة إلا ما كان في قراب سيفي هذا . فأخرج صحيفة مكتوبًا فيها : « لعن الله من ذبح لغير الله ، ولعن الله من سرق منار الأرض ، ولعن الله من لعن والده ، ولعن الله من آوى محدثًا » (2) .
2- وعن عمرو بن سفيان قال : لما ظهر علي يوم الجمل قال : أيها الناس : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئًا حتى رأينا من الرأي أن نستخلف أبا بكر فأقام واستقام حتى مضى سبيله ، ثم إن أبا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عمر ، فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه ، ثم إن أقوامًا طلبوا الدنيا فكانت أمور يقضي الله فيها (3) .
__________
(1) الملل والنحل للشهرستاني (1/160) .
(2) رواه مسلم في صحيحه ك : الأضاحي . ب : تحريم الذبح لغير الله ، ح1978 ، (3/1567) ، والنسائي في الطهارة : 105 ، وأحمد في المسند (1/118) .
(3) قال المباركفوري : أخرجه أحمد ، والبيهقي في : دلائل النبوة بسند حسن تحفة الأحوذي (6/478) .(1/128)
3- وقال ابن سعد في الطبقات : أخبرنا وكيع بن الجراح عن أبي بكر الهذلي عن الحسن قال : قال علي لما قُبِضَ النبي - صلى الله عليه وسلم - نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قدم أبا بكر في الصلاة فرضينا لدنيانا من رضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لديننا فقدمنا أبا بكر (1) .
4- وعن أبي وائل قال : قيل لعلي ألا تستخلف علينا ؟ قال : ما استخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأستخلف ، ولكن إن يرد الله بالناس خيرًا فسيجمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم (2) .
5- وعن قيس بن عباد قال : كنا مع علي فكان إذا شهد مشهدًا أو أشرف على أكمة أو هبط واديًا قال : سبحان الله ، وصدق الله ورسوله ... إلى أن قال : فسألناه فقلنا : ( فهل عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليك شيئًا في ذلك ؟ قال : فأعرض عنا ، وألححنا عليه ، فلما رأى ذلك قال : والله ما عهد إليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهدًا إلا شيئًا عهده إلى الناس ، ولكن الناس وقفوا على عثمان رضي الله عنه فقتلوه ، فكان غيري فيه أسوأ حالاً وفعلاً مني ، ثم إني رأيت أني أحقهم بهذا الأمر فوثبت عليه ، فالله أعلم أصبنا أم أخطأنا (3) .
__________
(1) طبقات ابن سعد (3/183) . وأخرجه ابن عساكر بأطول منه . انظر : تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص 177) ، وأخرجه الخلال في المسند من مسائل الإمام أحمد ورقة (37) .
(2) قال المباركفوري : أخرجه الحاكم في المستدرك ، وصححه البيهقي في : الدلائل تحفة الأحوذي (6/478) .
(3) رواه أحمد في مسنده ، وقال صاحب الفتح الرباني : فيه علي بن زيد وهو ابن جدعان وثقه بعضهم وضعفه آخرون وإسناده جيد . الفتح الرباني (23/116) . وصححه أحمد شاكر . انظر : المسند ح1206 ، (2/287) .(1/129)
فكل هذه النصوص تدلُّ دلالة قاطعة على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يوص بالخلافة ولم يعهد بها لأحد بعده لا أبي بكر ، ولا علي ، ولا غيرهما ، وإنما ظهر منه أقوال وأفعال تدل على أنه يريدها لأبي بكر بعده ، ويقر ذلك ويرضى به وأنه يعلم أن المسلمين لن يختاروا عليه غيره كما مر .
ثبوت مبايعة علي والزبير لأبي بكر رضي الله عنهم :
ثبت بالأسانيد الصحيحة مبايعة علي والزبير لأبي بكر رضي الله عنهم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبل دفنه من ذلك :
(1) ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قُبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة وفيهم أبو بكر وعمر ... إلى أن قال : فصعد أبو بكر المنبر ، فنظر في وجوه القوم فلم ير الزبير ، قال : فدعا بالزبير ، فجاء ، فقال : قلت ابن عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحواريه ، أردت أن تشق عصا المسلمين ، فقال : لا تثريب يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام فبايعه ، ثم نظر في وجوه القوم ، فلم ير عليًا ، فدعا بعلي بن أبي طالب ، فجاء فقال : قلت ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وختنه على ابنته ، أردت أن تشق عصا المسلمين ، قال : لا تثريب يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعه ) (1) .
(
__________
(1) قال الحافظ ابن كثير : ( رواه البيهقي عن الحاكم ، وأبي محمد بن حامد المقري . وقد رواه علي بن عاصم عن الجريري عن أبي ضرة عن أبي سعيد الخدري ... ) قال : ( وهذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة المنذر بن مالك عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري ) ، قال : ( وفيه فائدة جليلة وهي مبايعة علي بن أبي طالب أما في أول يوم أو اليوم الثاني من الوفاة ) قال : ( وهذا حق فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه ) . انظر : البداية والنهاية (5/249) .(1/130)
2) ويعضد ما سبق قول موسى بن عقبة في مغازيه عن سعد بن إبراهيم .حدثني أبي أن أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر وأن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير ، ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس وقال : ما كنت حريصًا على الإمارة يومًا ولا ليلة ، ولا سألتها في سر ولا علانية ، فقبل المهاجرون مقالته . وقال علي والزبير : ما غضبنا إلا أن أُخِّرنا عن المشورة ،
وإنا نرى أن أبا بكر أحق الناس بها ، إنه لصاحب الغار ، وإنا لنعرف شرفه وخبره ، ولقد أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي بالناس وهو حي ) (1) .
والعذر في ذلك - وهو عدم مشورتهم - كما قال المازري : ( إنه خشي من التأخر عن البيعة الاختلاف لما وقع من الأنصار ) (2) وسيأتي في حديث السقيفة .
__________
(1) البداية والنهاية لابن كثير (5/250) وقال : إسناده جيد .
(2) فتح الباري (7/495) وقد صرّح بذلك أبو بكر رضي الله عنه كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره وفيه : ( ... فبايعوني لذلك وقبلتها وتخوفت أن تكون فتنة بعدها ردِّة ) قال ابن كثير : هذا إسناد جيد قوي . انظر : البداية والنهاية (5/248) .(1/131)
أما ما ثبت في الصحيحين (1) ، أن عليًّا رضي الله عنه بايع أبا بكر رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها - بعد ستة أشهر من وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فما ذلك إلا لأنها رضي الله عنها كانت قد أخذت في خاطرها على أبي بكر رضي الله عنه بعض العتب ، لتوهمها أن لها في ميراث النبي - صلى الله عليه وسلم - حق ، -والصواب خلاف ذلك لورود النص ، وكذلك في صدقة الأرض التي بخيبر ، فلم تكلم الصديق حتى ماتت فاحتاج علي أن يراعي خاطرها بعض الشيء ، فلما ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها - صلى الله عليه وسلم - رأى علي أن يجدد البيعة مع أبي بكر رضي الله عنهما ... مع ما تقدم له من البيعة قبل دفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) (2) .
استعراض تاريخي لطرق تولية الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم
بعد ذلك نستعرض طرق تولية الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم لنأخذ منها الطرق الشرعية لتولية الإمام من بعدهم وهي كالتالي :
تولية أبي بكر الصديق رضي الله عنه
__________
(1) انظر : البخاري ك : المغازي . ب : غزوة خيبر فتح الباري (7/493) ومسلم ك : الجهاد والسير . ب : قوله - صلى الله عليه وسلم - : « لا نُورَث ما تركناه صدقة » ، ح1759 ، ( 3/1380) .
(2) البداية والنهاية (5/249 ، 250) . وانظر : فتح الباري (7/495) .(1/132)
روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حديثًا طويلاً ومنه ( ... وأنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة ، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما ، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ، فقلت لأبي بكر : انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم ، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان (1) ، فذكرا ما تمالأ عليه القوم ، فقالا : أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار ، فقالا : لا عليكم ألا تقربوهم أقضوا أمركم ، فقلت : والله لنأتينهم ، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة ، فإذا رجل مزمَّل بين ظهراينهم ، فقلت : من هذا ؟ فقالوا : هذا سعد بن عبادة فقلت : ماله ؟ فقالوا : يوعك ، فلما جلسنا قليلاً تشهَّد خطيبهم (2) فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : أما بعد : فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام ، وأنتم - معشر المهاجرين - رهط ، وقد دفَّت دافَّة (3) من
__________
(1) وردت تسميتها في بعض الروايات وهما : عويمر بن ساعدة ، ومعن بن عدي . انظر : سيرة ابن هشام (4/660) ، وفتح الباري (12/151) ، والفتح الرباني (23/60) .
(2) قال الحافظ ابن حجر : لم أقف على اسمه ، وكان ثابت بن قيس بن شماس يدعى خطيب الأنصار ، فالذي يظهر أنه هو ، فتح الباري (12/151) .
(3) الدافة : العدد القليل وأصله من الدف وهو السير البطيء في جماعة فتح الباري (12/151) .(1/133)
قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا (1) من الأمر ، فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت أداري منه بعض الحد ، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر : على رسلك ، فكرهت أن أغضبه ، فتكلم فكان هو أحلم مني وأوقر ، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت ، فقال : ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسبًا ودارًا وقد رضيت لكم هذا أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم - فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة عامر بن الجراح وهو جالس بيننا - فلم أكره مما قال غيرها ، كان والله أن أُقدَّم فتضرب عنقي لا يقربني من ذلك إثم أحب إلي من أن تأمَّر على قوم فيهم أبو بكر ، اللهم إلا أن تسول إلي نفسي عند الموت شيئًا لا أجده الآن ، فقال قائل من الأنصار (2) : أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب (3) ،
__________
(1) حضنه واحتضنه عن الأمر أخرجه منه ناحية عنه واستبد به أو حبسه عنه ، فتح الباري (12/152) .
(2) في الروايات الأخر : هو الحباب بن المنذر . انظر مثلاً : الفتح الرباني (23/58) وعند البخاري نفسه في ك : فضائل الصحابة باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « لو كنت متخذًا خليلاً » فتح الباري (7/20) وغيرهما .
(3) الجذل : عود ينصب للإبل الجرباء لتحتكّ فيه ، فأراد أنه يستشفى برأيه ، والعُذيق : تصغير عذق ، والمرجِّب : أي يدعم النخلة إذا كثر حملها . انظر : فتح الباري (7/31) ..(1/134)
منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ، فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف ، فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة ، فقلت : قتل الله سعد بن عبادة (1) ، قال عمر : وإنا والله
ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر ، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا ، فإما بايعناهم على ما لا نرضى ، وإما نخالفهم فيكون فسادًا ، فمن بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تَغِرَّهَ (2)
__________
(1) هناك روايات أخر تذكر تراجع سعد رضي الله عنه فقد روى الإمام أحمد في مسند الصديق عن عثمان عن أبي معاوية عن داود بن عبد الله الأودي عن حميد بن عبد الرحمن - هو الحميري - ، فذكر حديث السقيفة وفيه : إن الصديق قال : قريش ولاة هذا الأمر ، فبّر الناس تبع لبرهم ، وفاجرهم تبع لفاجرهم ، قال : فقال له سعد : صدقت ، نحن الوزراء وأنتم الأمراء . المسند (1/5) قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فهذا مرسل حسن ولعل حميدًا أخذه من بعض الصحابة الذين شهدوا ذلك ... قال : وفيه فائدة جليلة جدًا ، وهي أن سعد بن عبادة نزل عن مقامه الأول في دعوى الإمارة وأذعن للصديق بالإمارة فرضي الله عنهم أجمعين . منهاج السنة (1/143) ، أما أحمد شاكر فقد ضعف هذا الحديث لانقاطعه قال : فإن حميد بن عبد الرحمن =
(2) = الحميري التابعي الثقة يروي عن أمثال أبي هريرة وأبي بكرة وابن عمر وابن عباس ... ولم يصرح هنا بمن حدثه هذا الحديث ، وظاهر أنه لم يدرك وفاة الرسول وحديث السقفية (1/164) . وقال الهيثمي : رجاله ثقات إلا أن حميد بن عبد الرحمن لم يدرك أبا بكر . انظر : مجمع الزوائد (5/191) .
(
) قال في النهاية : مصدر غررته إذا ألقيته في الغرر ، وهي من التغرير كالتَّعِلَّة من التعليل ، وفي الكلام مضاف تقديره : خوف تغرة أن يقتلا أي : خوف وقوعهما في القتل . انظر : النهاية في غريب الحديث والأثر (3/356) ط . أولى 1383 هـ .(1/135)
أن يقتلا ) (1) .
فهذه هي البيعة الأولى كما تذكرها المصادر ، وهي بيعة فضلاء وكبار المهاجرين والأنصار له رضي الله عنه ، ثم تبعتها البيعة الثانية وهي بيعة عامة المسلمين في المسجد على المنبر ، وروى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس على المنبر ، وذلك
الغد من يوم توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - فتشهد وأبو بكر صامت لا يتكلم قال : كنت أرجو أن يعيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يدبرنا - يريد بذلك أن يكون آخرهم - فإن يكن محمد - صلى الله عليه وسلم - قد مات فإن الله قد جعل بين أظهركم نورًا تهتدون به بما هدى الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ، وإن أبا بكر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثاني اثنين فإنه أولى بأموركم فقوموا فبايعوه ، وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة ، وكانت بيعة العامة على المنبر .
قال الزهري : عن أنس بن مالك سمعت عمر يقول لأبي بكر يومئذ : اصعد المنبر ، فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة (2) .
__________
(1) البخاري ك : الحدود . ب : رجم الحبلى رقم (31) . انظر : فتح الباري (22/144) وسيرة ابن هشام (4/660) الإمام أحمد . انظر : الفتح الرباني (23/58) ، ومناقب عمر بن الخطاب لابن الجوزي (ص 51) .
(2) رواه البخاري في ك : الأحكام . ب : الاستخلاف ، 51 ، فتح الباري (13/206) ، والبداية والنهاية (6/301) ، وسيرة ابن هشام (4/661) ...(1/136)
قال ابن كثير : ( قال ابن إسحاق : ثم تكلَّم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله ثم قال : أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوِّموني ، الصدق أمانة ، والكذب خيانة ، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع إليه حقه ، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله ، لا يدع قوم الجهاد إلا خذلهم الله بالذل ، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء ، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله ) (1) .
النتائج المستخلصة :
هذه زبدة الروايات التي وردت في بيعة أبي بكر رضي الله عنه بالخلافة ، ولنا أن نستنتج من مجموع هذه الروايات بعض الفوائد الخاصة بموضوعنا فمن هذه الفوائد ما يلي :
1- الدلالة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينص صراحة على الخليفة من بعده ، وإن أخبر بمن سيتولى ، وفي هذا دلالة على أن للإمام أن يترك الاختيار للمسلمين من بعده .
2- أن بيعة أبي بكر رضي الله تعالى عنه تمت بعد مشاورات بين فضلاء المهاجرين والأنصار ، وفي هذا دلالة على أن الذي يقوم بالاختيار هم فضلاء القوم وعلماؤهم ورؤساؤهم وهم من يسمَّمون بـ ( أهل الحل والعقد ) وسيأتي دراسة مفصلة لأهل الحل والعقد قريبًا إن شاء الله .
3- لا يشترط الإجماع التام على اختيار الخليفة فلا تضر مخالفة بعض القوم كما لم تضر مخالفة سعد بن عبادة رضي الله عنه .
4- مشروعية البيعة للخليفة المختار من قبل أهل الحل والعقد أولاً ، ثم من قبل عامة المسلمين ثانيًا ، كما تمَّّ لأبي بكر رضي الله عنه .
__________
(1) البداية والنهاية (16/301) وقال : إسناده صحيح . وانظر : سيرة ابن هشام (4/661) .(1/137)
5- لا يشترط في الانتخاب حضور جميع أهل الحل والعقد كما : لم يضر تخلف علي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام رضي الله عنهما حيث تخلفا عن الاختيار - كما ذكرت بعض الروايات (1) - لتجهيز النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كانا بايعا بعد ذلك (2) .
وعلى ضوء هذه النقاط ستتضح لنا الطريقة الأولى لانعقاد الخلافة وهي الانتخاب من قبل أهل الحل والعقد ، والتي سنوضحها بعد هذا العرض التاريخي لمبايعة الأربعة رضي الله تعالى عنهم .
ثانيًا : تولية عمر رضي الله عنه :
أما انعقاد الخلافة لعمر فثبتت بطريقة أخرى مغايرة - إلى حد ما - ولكنها شرعية أيضًا بالدلالة السابقة وهي طريقة الاستخلاف ( العهد ) .
__________
(1) انظر : سيرة ابن هشام (4/658) ، والبداية والنهاية (6/301) .
(2) البداية والنهاية (6/302) . وانظر : مبايعتهما لأبي بكر رضي الله عنهم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بيوم أو بيومين (ص 133) من هذا الفصل .(1/138)
قال ابن الجوزي : ( عن الحسن بن أبي الحسن رضي الله عنه قال : لما ثقل أبو بكر رضوان الله تعالى عليه واستبان له من نفسه . جمع الناس فقال : إنه قد نزل بي ما لا ترون ولا أظنني إلا لمأتي ، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي ، وحلّ عنكم عقدتي ، وردّ عليكم أمركم ، فأمِّروا عليكم من أحببتم فإنكم إن أمَّرتم عليكم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا بعدي ، فقاموا في ذلك وحلوا عنه فلم تستقم لهم ، فقالوا : إرأ لنا يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فلعلكم تختلفون ؟ قالوا : لا ، قال : فعليكم عهد الله على الرضا ؟ قالوا : نعم . قال : فأمهلوني أنظر لله ودينه ولعباده ، فأرسل أبو بكر إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال : أشر علي برجل . والله إنك عندي لها لأهل وموضع فقال - أي عثمان - : عمر . فقال : اكتب ، . فكتب حتى انتهى إلى الاسم فغُشي عليه ثم أفاق فقال : اكتب عمر ) (1) .
وذكر أنه لما أراد العقد دعا عبد الرحمن بن عوف فيما ذكر ابن سعد عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن قال - وذكر طرقًا أخر - : إن أبا بكرالصديق لما استُعِزَّ به (2) دعا عبد الرحمن بن عوف فقال : أخبرني عن عمر بن الخطاب ، فقال عبد الرحمن : ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني ، فقال أبو بكر : وإن ... فقال عبد الرحمن : وهو والله أفضل من رأيك فيه ، ثم دعا عثمان بن عفان فقال :
__________
(1) مناقب عمر بن الخطاب (ص 52) .
(2) كذا والمراد اشتد به المرض . كما في مناقب عمر لابن الجوزي (ص 54) .(1/139)
أخبرني عن عمر فقال : أنت أخبرنا به ، فقال : على ذلك يا أبا عبد الله ، فقال عثمان : اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته ، وأنه ليس فينا مثله . فقال أبو بكر : يرحمك الله ، والله لو تركته ما عدوتك ، وشاور معهما سعيد بن زيد أبا الأعور ، وأسيد بن الحضير ، وغيرهما من المهاجرين والأنصار ، فقال أسيد : اللهم علمه الخيرة بعدك يرضى للرضى ، ويسخط للسخط ، الذي يُسِرّ خير من الذي يعلن ، ولم يل هذا الأمر أحد أقوى عليه منه ، وسمع بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر وخلوتهم به ، فدخلوا على أبي بكر فقال له قائل منهم : ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى غلظته ؟ فقال أبو بكر : أجلسوني ، أبا لله تخوفوني ؟ : خاب من تزود من أمركم بظلم أقول : اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك ، أبلغ ما قلت لك من ورائك ، ثم اضطجع ودعا عثمان بن عفان فقال : ( اكتب بسم الله الرحمن الرحيم : هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجًا منها ، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها . حيث يؤمن الكافر ، ويوقن الفاجر ، ويصدق الكاذب . إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا ، وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرًا ، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب من الإثم ، والخير أردت ، ولا أعلم الغيب ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) . ثم أمر بالكتاب فختمه .(1/140)
ثم قال بعضهم : لما أملى أبو بكر صدر هذا الكتاب وبقي ذكر عمر : فذُهِب به قبل أن يسمي أحدًا ، فكتب عثمان إني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ثم أفاق أبو بكر فقال : اقرأ علي ما كتبت ، فقرأ عليه فذكر عمر بن الخطاب فكبَّر أبو بكر وقال : أراك خفت إن أقبلت نفسي في غشيي تلك يختلف الناس ، فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيرًا ، والله إن كنت لها لأهلاً ، ثم أمره فخرج بالكتاب مختومًا . ومعه عمر بن الخطاب ، وأسيد بن سعيد القرضي ، فقال عثمان للناس : أتبايعون لمن في هذا الكتاب ؟ فقالوا : نعم ، وقال بعضهم : قد علمنا به ، قال ابن سعد : علي القائل ، وهو عمر فأقروا بذلك جميعًا ورضوا به وبايعوا ، ثم دعا أبو بكر
عمر خاليًا فأوصاه بما أوصاه به ، ثم خرج من عنده فرفع أبو بكر يديه مدًا فقال : اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم به ، واجتهدت لهم رأي ، فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم وأحرصهم على ما أرشدهم ، وقد حضرني من أمرك ما حضر فاخلفني فيهم ، فهم عبادك ونواصيهم بيدك أصلح لهم واليهم واجعله من خلفائك الراشدين يتبع هدى نبي الرحمة وهدى الصالحين بعده وأصلح له رعيته (1) .
النتائج المستخلصة :
فهذه مبايعة عمر رضي الله عنه ، ويمكننا الآن أن نستنتج منها على غرار ما تقدم ما يلي :
1- جواز الاستخلاف لشخص معين .
2- مشاورة أهل الحل والعقد قبل العزم على تعيين الخليفة .
3- كتابة العقد للخليفة المعهود إليه .
4- العهد لا يكفي لتولية الإمام ، وإنما لا بد من البيعة للإمام المعهود إليه .
وعلى ضوء هذه النقاط ستتضح طريقة الاستخلاف قريبًا إن شاء تعالى . فلنرجئ التفصيل عنها إلى موضعه .
__________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/199 ، 200) . وانظر الرواية هذه مختصرة في كل من تاريخ الطبري (3/428) الطبعة الثانية ، ومناقب عمر بن الخطاب لابن الجوزي (ص 54) .(1/141)
ثالثًا : تولية عثمان بن عفان رضي الله عنه :
روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون حديثًا طويلاً ذكر فيه تفاصيل طعن عمر رضي الله تعالى عنه ، ثم حمله إلى بيته ثم دخولهم عليه .
وفيه : فقالوا : أوص يا أمير المؤمنين ، استخلف (1) . فقال : ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر - أو الرهط - الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض : فسمى عليًّا ، وعثمان ، والزبير ، وطلحة ، وسعدًا ، وعبد الرحمن (2) . وقال : يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء - كهيئة التعزية له - فإن أصابت الإمرة سعدًا فهو ذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أُمِّر ، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة ... إلى أن قال الراوي : فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن : اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم . فقال الزبير : قد جعلت أمري إلى علي . فقال طلحة : قد جعلت أمري إلى عثمان .
__________
(1) ثبت عنه رضي الله عنه أنه قيل له : ألا تستخلف يا أمير المؤمنين ، فقال : إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني أبا بكر - وإن أترك فقد ترك من هو خير مني - يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأثنوا عليه فقال : ( راغب وراهب وددت أني نجوت منها كفافًا لا لي ولا علي ، لا أتحملها حيًا وميتًا ) . متفق عليه وسبق تخريجه (ص 125) . والجمع بين هذا واستخلافه أحد الستة : يحتمل أن يكون ذلك في صحته قبل طعن المجوسي له ، ويحتمل أن يكون قاله ثم تراجع ونصّ على هؤلاء الستة .
(2) هؤلاء هم بقية العشرة المبشرين بالجنة منهم : أبو بكر ، وأبو عبيدة . وقد توفوا . ومنهم : عمر بن الخطاب ، ومنهم سعيد بن زيد ، وهذا لم ينصّ عليه في أهل الشورى ولعل السبب في ذلك لأنه ابن عم عمر فلم يسمِّه عمر مبالغة في التبري من الأمر والله أعلم ) . فتح الباري (7/67) .(1/142)
وقال سعد : قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف ، فقال عبد الرحمن : أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه ، فأسكت الشيخان ، فقال عبد الرحمن : أفتجعلونه إليّ والله علي أن لا آلو عن أفضلكم ؟ قالا : نعم ، فأخذ بيد أحدهما فقال : لك قرابة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقدم في الإسلام ما قد علمت ، فالله عليك لئن أمَّرْتك لتعدلن ولئن أَمَّرْتُ عثمان لتسمعن ولتطيعن .
ثم خلا بالآخر فقال مثل ذلك ، فلما أخذ الميثاق قال : ارفع يدك أبايعك يا عثمان فبايعه ، فبايعه علي وولج أهل الدار فبايعوه (1) .
وفي بعض الروايات أنها لما انحصرت بين عثمان وعلي رضي الله عنهما : ( نهض عبد الرحمن بن عوف يستشير الناس فيهما ويجمع رأي المسلمين برأي رؤوس الناس وأخيارهم جميعًا وأشتاتًا ، مثنى وفرادى ومجتمعين ... فسعى في ذلك عبد الرحمن ثلاثة أيام بلياليهن لا يغتمض بكثير نوم إلا صلاة ودعاء واستخارة وسؤالاً من ذوي الرأي عنهم ، فلم يجد أحدًا يعدل بعثمان بن عفان رضي الله عنه (2) .
وهكذا تمت البيعة لعثمان رضي الله عنه بإجماع الصحابة رضوان الله عليهم كما قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : ( لم يجتمعوا على بيعة أحد كما اجتمعوا على بيعة عثمان ) (3) .
النتائج المستخلصة :
والذي يمكن أن نستنتجه من هذه البيعة ما يلي :
__________
(1) البخاري كتاب : فضائل الصحابة . باب : 8 ، قصة البيعة والاتفاق على عثمان . انظر : فتح الباري (7/59) ، ونحوه في المسند رقم (89) ، بإسناد صحيح . انظر : المسند (1/192) تحقيق شاكر ، وتاريخ الطبري (4/228) ، وتاريخ الخلفاء (ص 135) ، والبداية والنهاية (7/145) على اختلاف في الألفاظ .
(2) انظر : البخاري كتاب : الأحكام . باب : 43 ، كيف يبايع الناس الإمام ؟ فتح الباري (13/193) ، والبداية والنهاية (7/146) واللفظ له .
(3) منهاج السنة (3/166) .(1/143)
جواز العهد إلى أشخاص معينين دون تعيين المعهود إليه بعينه إذا كان ذلك هو الأصلح ، ويرى ابن تيمية رحمه الله سبب عدم تعيين واحد بعينه من
الستة حتى لا يحدث الاختلاف والمازعة . ولأنه رأى الفضل متقاربًا في الستة ، ورأى أيضًا أنه إذا عَيَّن واحدًا قد لا يحسن القيام بإمامة المسلمين فيصبح عمر نفسه مسؤولاً عنه لنسبته إليه فترك التعيين خوفًا من التقصير (1) .
أما ابن بطال فهو يرى - كما نقل عنه ابن جرير - أن في هذه الطريقة جمع بين طريقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ترك الاستخلاف وتفويض الأمر للمسلمين ، وبين طريقة صاحبه أبي بكر رضي الله عنه في الاستخلاف قال : فأخذ من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - طرفًا وهو ترك التعيين ، ومن فعل أبي بكر طرفًا وهو العهد لأحد الستة وإن لم ينص عليه (2) . فهي طريقة جامعة بين العهد والاختيار .
تولية علي رضي الله عنه :
بعد حادثة استشهاد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ظهر الاختلاف في صفوف المسلمين ، وهو بحق - كما يرى ابن تيمية - أول نزاع ظهر على الإمامة ، حيث ما جرى من قبل لم يكن نزاعًا بالمعنى الحقيقي ( إلا ما جرى في اجتماع السقيفة ، وما اتصلوا حتى اتفقوا ، ومثل هذه لا يسمى نزاعًا ) (3) . وكما قال حذيفة رضي الله عنه : ( إنها - أي حادثة استشهاد عثمان - كانت أول الفتن ، وآخرها فتنة المسيح ) (4) . أما تصوير بعض المؤرخين وأصحاب الأغراض ما كان في السقيفة بأنه : الصراع الرهيب والتناحر على الإمامة فلا أساس له من الصحة .
__________
(1) نفس المرجع (3/162) .
(2) فتح الباري (13/207) .
(3) منهاج السنة (1/29) .
(4) المسند من مسائل الإمام أحمد للخلال ق : (48) .(1/144)
وقد واجه استخلاف علي رضي الله عنه صعوبات كثيرة ، لم تواجه من سبقه ، منها حادثة استشهاد عثمان رضي الله عنه ، ودخول القتلة المجرمين في صف علي ، ومطالبة بعض المسلمين بالقصاص منهم ، وإنكار أهل الشام الجماعي لمبايعته (1) ، وخروج بعض كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم كطلحة ، والزبير ، وعائشة ، وغيرهم .
والآن نرى القصة الكاملة لتولية علي رضي الله تعالى عنه
قال الخلال : ( أخبرني محمد بن علي بن محمود قال : حدثنا أبو بكر الأثرم - أملاه علينا من كتابه - حدثنا أبو عبد الله حدثنا إسحاق بن يوسف قال : حدثنا عبد الملك عن سلمة بن كهيل عن سالم ابن أبي الجعد عن محمد بن الحنيفة قال : كنت مع علي رحمه الله وعثمان محصر ، قال : فأتاه رجل فقال : إن أمير المؤمنين مقتول ، ثم جاء آخر فقال : إن أمير المؤمنين مقتول الساعة ، قال : فقام علي رحمه الله ، قال محمد : فأخذت بوسطة تخوفًا عليه . فقال : خلِّ لا أم لك ، قال : فأتى علي الدار وقد قتل الرجل رحمه الله فأتى داره فدخلها فأغلق بابه ، فأتاه الناس فضربوا عليه الباب فدخلوا عليه فقالوا : إن هذا قد قُتل ، ولا بد للناس من خليفة ولا نعلم أحدًا أحق بها منك فقال لهم علي : لا تريدوني فإني لكم وزير خير مني لكم أمير ، فقالوا : لا والله لا نعلم أحدًا أحق بها منك قال : فإن أبيتم علي فإن بيعتي لا تكون سرًا ، ولكن أخرج إلى المسجد فمن شاء يبايعني بايعني ، فخرج إلى المسجد فبايعه الناس ، قال أبو عبد الله : ما سمعته إلا منه ، ما أعجبه من حديث ) (2) .
وفي رواية : ( فقال عبد الله بن عباس : فكرهت أن يأتي المسجد كراهية أن يشغب عليه ، وأبى هو إلا المسجد فلما دخل جاء المهاجرون والأنصار فبايعوا وبايع الناس ) (3) .
__________
(1) انظر : نظام الخلافة في الفكر الإسلامي (ص 106) .
(2) المسند من مسائل الإمام أحمد للخلال ق (63) .
(3) المسند من مسائل الإمام أحمد للخلال ق (63) .(1/145)
وقال ابن كثير : ذكر سيف بن عمر عن جماعة من شيوخه قالوا : بقيت المدينة خمسة أيام بعد مقتل عثمان وأميرها الغافقي بن حرب يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر ، والمصريون يلحون على علي وهو يهرب منهم إلى الحيطان ، ويطلب الكوفيون الزبير فلا يجدونه ، والبصريون يطلبون طلحة فلا يجيبهم ، فقالوا ، فيما بينهم لا نولي أحدًا من هؤلاء الثلاثة . فمضوا إلى سعد بن أبي وقاص فقالوا : إنك من أهل الشورى فلم يقبل منهم ، ثم راحوا إلى ابن عمر فأبى عليهم ، فحاروا في أمرهم ثم قالوا : إن نحن رجعنا إلى أمصارنا بقتل عثمان من غير إمرة اختلف الناس في أمرهم ولم نسلم ، فرجعوا إلى علي فألحّوا عليه وأخذ الأشتر النخعي بيده فبايعه ، وذلك يوم الخميس الرابع والعشرين من ذي الحجة وذلك بعد مراجعة الناس لهم في ذلك وكلهم يقول : لا يصلح لها إلى علي ، فلما كان يوم الجمعة وصعد المنبر بايعه من لم يبايعه بالأمس (1) .
وروى سيف عن أبي حارثة محرز العبشمي وعن أبي عثمان يزيد بن أسيد الغساني قالا : لما كان يوم الخميس على رأس خمسة أيام على مقتل عثمان جمعوا أهل المدينة فوجدوا سعدًا والزبير خارجين ، ووجدوا طلحة في حائط له ... فلما اجتمع لهم أهل المدينة قال لهم أهل مصر : أنتم أهل الشورى وأنتم تعقدون الإمامة وأمركم عابر على الأمة فانظروا لكم رجلاً تنصبونه ونحن لكم تبع . فقال الجمهور : علي بن أبي طالب نحن به راضون ... فقال علي : دعوني والتمسوا غيري ... فقالوا : ننشدك الله ألا ترى الفتنة ألا تخاف الله ؟ فقال : إن أحببتم ركبت بكم ما أعلم ، وإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم إلا أني أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم ، ثم افترقوا على ذلك واتعدوا الغد فلما أصبحوا يوم الجمعة حضر المسجد وجاء علي حتى صعد المنبر فقال : ( يا أيها الناس عن ملأ وإذن . إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق
__________
(1) البداية والنهاية (7/227) ، وهو عند الطبري (4/434) .(1/146)
إلا من أمَّرْتم ، وقد افترقنا بالأمس على أمر ، فإن شئتم قعدت لكم وإلا فلا أجد على أحد ) . فقالوا : نحن على ما فارقناك عليه بالأمس (1) .
وهكذا تمت البيعة لعلي رضي الله عنه ولكن وجود المفسدين داخل الصف أدى إلى تصدعه ، وبدأت الفرقة بين المسلمين حيث وقعت موقعة الجمل المشهورة . وأعلن معاوية رضي الله عنه وأهل الشام عدم دخولهم في الطاعة حتى يؤخذ بثأر عثمان ، فسار إليهم علي بجيشه ووقعت موقعة صفين وغيرها من المعارك . ثم انشق عليه صفه بعد التحكيم وخرجت عليه الخوارج وقاتلهم وكثرت الفتن في عصره رضي الله تعالى عنه .
والذي يهمنا في هذا البحث هو الطريقة التي تمت بها مبايعته وهي كما رأينا طريقة الاختيار كالتي ثبتت بها إمامة أبي بكر حيث إن عثمان رضي الله تعالى عنه لم يستخلف أحدًا بعده (2) ، فبعد حادثة استشهاده بقي الناس في غيبة من إمام حتى اختاره أهل الحل والعقد . وعقدوا الإمامة له بعد مشاورات ومناقشات طويلة .
ويلاحظ أيضًا أنه لم يكن هناك أحد يدعي الإمامة لنفسه بعد عثمان ، ولم يكن علي رضي الله تعالى عنه حريصًا عليها ، وإنما قبلها بعد إلحاح خوفًا من ازدياد الفتن ، ومع ذلك فلم يسلم منها رضي الله عنه وأرضاه . وكذلك لم يدع أن هناك نصًا على إمامته كما تقول الرافضة فدلّ على كذبهم . لعنهم الله .
طرق انعقاد الإمامة :
بعد هذا العرض التاريخي الموجز للطرق التي تمت بها تولية الخلفاء الراشدين وعلى ضوئها يمكننا أن نحدّد الطرق الشرعية الثابتة لتولية الإمام وهما طريقتان فقط :
الطريقة الأولى : الاختيار :
__________
(1) انظر : تاريخ الطبري (4/343 - 435) مختصرًا ...
(2) روى الإمام أحمد بسنده في مسند عثمان أنه طُلِب من عثمان أن يستخلف فسكت . انظر : المسند ح455 ، وقال أحمد شاكر : إسناده صحيح قال : رواه البخاري ، والحاكم (1/358) .(1/147)
والذي يقوم به هم أهل الحل والعقد ، وهي الطريقة التي تمت بها تولية أبي بكر الصديق ، وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما كما رأينا :
أهمية الاختيار :
قلنا : إن الإمامة وسيلة لا غاية ، وسيلة إلى إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمفهومه الواسع - كما مرّ في مقاصد الإمامة - وهذا واجب على جميع أفراد الأمة الإسلامية ، وحيث إنه لا يمكن القيام به على وجهه الأكمل إلا بعد تنصيب إمام للمسلمين يقودهم وينظم لهم طريق الوصول إلى القيام بهذا الواجب العام ، لذلك فالأمة مسؤولة عن اختيار من تنبيه عنها ، وتسلِّم له زمام الإذعان والانقياد لقودها إلى تحقيق هذا الهدف العظيم الذي هو واجب على المسلمين عمومًا ، فالإِمام ما هو إلا نائب ووكيل عن هذه الأمة ، وليس له في نظر الإسلام أية ميزة أو قداسة أو صفة من الصفات التي يتعالى بها عن بقية أفراد المسلمين . فمسؤولية الاختيار لهذا النائب راجعة إلى الأمة نفسها لأنه النائب عنها وحيث إن الأمة متفرقة في الأصقاع والأمصار ، فيها القوي والضعيف ، والعالم بالمصلحة والجاهل ، والعاقل وغيره ، وصاحب الهوى والغرض ، إلى غير ذلك من الاختلافات التي يصعب معها التمييز بين الصالح والطالح والذي يُتَوَسَّمُ فيه حمل هذه الأمانة وغيره . ولذلك تكون المسؤولية في
هذا المجال واقعة على أعناق عقلاء الأمة وعلمائها وفضلائها ، فهم الذين يختارون من يرونه أهلاً للقيام بهذا الواجب الشرعي الذي أوجبه الله عليهم وهو إقامة شرع الله في أرضه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع أنحاء المعمورة .
لذلك تبدو أهمية الأمة في اختيار من تلزمه عنانها ليسير بها إلى أداء ما أوجبه الله عليها والقيام بأعباء الخلافة الآدمية على هذه الأرض .
كما تبدوا أهمية عقلاء الأمة - أهل الحل والعقد - الذين تثق فيهم وتسلمهم مسؤوليتها ، وتحملهم الأمانة ليختاروا لهم من يقودهم بكتاب الله إلى ما يرضي الله .(1/148)
فهذه الفئة - أهل الحل والعقد - تتحمل المسؤولية من جهة اختيارها من تسلِّم له قيادها باعتبارهم أفراد من أفراد المسلمين . ومن جهة إنابة الأمة لهم وثقتهم فيهم ليختاروا من يكون أهلاً لمثل هذا المنصب العظيم ، ومن جهة ثالثة أنهم شركاء من يختارونه في الإثم أمام الله إذا لم يجهدوا أنفسهم في اختيار الأصلح .
ومن شعورهم بثقل هذه المسؤوليات مع أنهم أفاضل الأمة وعقلاؤها وعلماؤها فإن اختيارهم سيكون بعد تروٍّ وتحرٍّ بعيدًا من أن تدنسه أهواء شهوانية ، أو مطامع شخصية ، أو تعصبات قبلية أو مذهبية ، وسيكون موفقًا وصائبًا إن شاء الله خاصةً إذا شعروا إزاء ذلك بأن الذي سيختارونه سيترتب على المسلمين عمومًا له من الواجبات والحقوق الشيء الكثير وستكون طاعته في غير معصية واجبة على جميع أفراد الأمة ، وإذا قصر في شيء من ذلك فإن الفئة التي اختارته سيكون عليها من وزره نصيب إذا لم تكن أجهدت نفسها في اختيار من تراه مناسبًا .
كل ما سبق يدلنا على أهمية هذا الطريق ( الاختيار ) وأنه أقرب الطرق بل هو الطريق الأصل لاختيار الإمام في الشريعة الإسلامية على اعتبار أن الاستخلاف مشروط بموافقة أهل الحل والعقد على المستخلف كما سيأتي :
وهذه الطريقة ثابتة المشروعية بالسنة والإجماع :
فمن السنة :
1- فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - : فقد توفي ولم ينص نصًا صريحًا على الخليفة من بعده وإنما أخبر بمن سيتولى كما رأينا ، والذي يدلّ على ذلك قول عمر الآنف الذكر :
( إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني أبا بكر - وإن أترك فقد ترك من هو خير مني - يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) (1) وتوجيه الدلالة من ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أوجب تنصيب الإمام - كما مر - وقد توفي ولم يعهد إلى أحد بعده فكان لا بد من الاختيار فدل على مشروعيته .
__________
(1) متفق عليه وسبق تخريجه (ص 125) من هذا الفصل .(1/149)
2- ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - لما قيل له من تؤمر بعدك ؟ فقال : « إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينًا زاهدًا في الدنيا ، راغبًا في الآخرة ، وإن تؤمروا عمر تجدوه قويًّا أمينًا لا تأخذه في الله لومة لائم ، وإن تولوها عليًّا تجدوه هاديًا مهديًا » (1) .
ووجه الدلالة : إنه لو لم يجز الاختيار لم يقل : إن تؤمروا فلانًا فكذا ، أو تؤمروا فلانًا فكذا ، أو تولوها فلانًا فكذا .
3- ومنها فعل الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم كما سبق ، وقد أمرنا بإتباع سنتهم والإقتداء بأبي بكر ، وعمر - كما مرّ - وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : ( من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تَغِرَّة أن يقتلا ) (2) .
ومن الإجماع :
رأينا فيما سبق في العرض التاريخي كيفية اختيار الصحابة لأبي بكر ثم لعلي رضي الله تعالى عنهما ، ولم تذكر الروايات أحدًا اعترض على هذه الطريقة وخالف فيها ، فدلّ على إجماعهم ، ومن حكى هذا الإجماع من العلماء النووي وغيره ، فقال النووي في شرحه لصحيح مسلم : ( وأجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف ، وعلى انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لإنسان إذا لم يستخلف الخليفة ) (3) .
ولم يخالف في هذا إلا الرافضة لأنه يتنافى مع عقيدة النص عندهم الباطلة ولذلك وجهوًا إليه نقدًا مريرًا ولكن لا عبرة بمخالفتهم .
__________
(1) قال أبو يعلى : رواه ابن بطة بإسناده عن علي . انظر : المعتمد (ص 225) قلت : ورواه أيضًا الإمام أحمد في المسند (1/209) بلفظ : « وإن تؤمِّروا عليًّا ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديًا مهديًا ، يأخذ بكم الصراط المستقيم » . وانظر : زيادة التخريج (ص 126) .
(2) رواه البخاري وغيره . انظر : تخريجه (ص 137) من هذا الفصل .
(3) صحيح مسلم بشرح النووي (12/205) .(1/150)
قلنا : والذي يقوم بهذا الاختيار هم أهل الحل والعقد ، ولنا أن نتساءل من هم أهل الحل والعقد ؟ وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر فيهم ؟ وهل يشترط عدد معين أم لا ؟ وما هي وظائفهم ؟ ... إلخ وللإجابة على هذه التساؤلات نقول :
أهل الحل والعقد
هم : فئة من الناس على درجة من الدين والخلق والعلم بأحوال الناس وتدبيرهم الأمور ، ويسمون أهل الاختيار ، وأهل الشورى ، وأهل الرأي والتدبير ، كما حددهم بعض العلماء بأنهم : ( العلماء والرؤساء ووجهاء الناس ، الذين يتيسر اجتماعهم ) (1) . إلى غير ذلك . من المسميات التي أُطلقت على هذه الجماعة .
وهذه الفئة يوكل إليها النظر في مصالح الأمة الدينية والدنيوية ومنها اختيار الإمام للمسلمين ، فهي المسئولة عن تصفح أحوال الذين يمكن صلاحيتهم لتولي هذا المنصب المهم والاجتهاد في ذلك ، فمن رأوه صالحًا لتولي هذا المنصب بايعوه على كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولزوم طاعته فيما ليس فيه معصية ، وهذه الفئة تقوم باختيار الإمام نيابة عن الأمة جميعًا ، فهم بمباشرتهم هذا الاختيار لا يمثلون أنفسهم فقط ، بل يمثلون الأمة كلها ، ولهذا فإنه عند مبايعة أهل الحل والعقد الإمام تجب مبايعته والانقياد له على سائر أفراد الأمة (2) .
ومشروعية اعتبارها ورد به القرآن والسنة :
فمن القرآن قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } . وهم العلماء والولاة - كما مرّ - .
ومنها قوله تعالى : { ... وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ } الآية .
__________
(1) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (7/390) .
(2) انظر : رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي د . محمد رأفت عثمان (ص 257) .(1/151)
أما من السنة فلقوله - صلى الله عليه وسلم - : « أخرجوا لي منكم اثني عشر نقيبًا ليكونوا على قومهم بما فيهم » . وذلك للأنصار في بيعة العقبة الثانية (1) .
شروط أهل الحل والعقد :
وقد حدد العلماء الشروط التي يجب أن تتوفر في من يكون أهلاً للدخول في هذه الفئة من الناس . وهذه الشروط تنقسم إلى قسمين :
أولاً : شروط الولاية العامة وهي :
1- الإسلام :
وهذا شرط أساسي في كل ولاية في البلاد الإسلامية فلا يجوز فيها تولية من ليس بمسلم وذلك لقوله تعالى : { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } (2) . ولأنه لا ولاية لكافر على مسلم قال ابن المنذر : ( أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن الكافر لا ولاية له على مسلم ) (3) ، ولأنه لا تجب طاعة غير المسلم ، ولا الانقياد له ، ولا تعزيزه ولا توقيره وقد أذله الله بسبب كفره ، فلا تجوز توليته على شيء من شؤون المسلمين ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى : ( لما كانت التولية شقيقة الولاية كانت توليتهم نوعًا من تَوَلِّيهم ، وقد حكم تعالى بأن من تولاهم فهو منهم ، ولا يتم الإيمان إلا بالبراءة منهم ، والولاية تنافي البراءة ، فلا تجتمع الولاية والبراءة أبدًا ، والولاية " إعزاز . فلا تجتمع هي وإذلال الكفر أبدًا ، والولاية :
صلة فلا تجامع معاداة الكافر أبدًا ) (4) .
2- العقل :
فلا يجوز تولية غير العاقل سواء كان لصغره - أي لم يبلغ - أو لطارئ طرأ فأدى إلى زوال عقله أو نقصانه ، وهو ما يؤثر في مقدرة الشخص على التمييز فهذا لا يولى من أمور المسلمين شيئًا فكيف باختيار خليفة لهم .
3- الذكورة :
__________
(1) سيرة ابن هشام (2/51) وطبقات بن سعد الكبرى (3/602) .
(2) سورة النساء آية 141 .
(3) أحكام أهل الذمة لابن القيم (2/414) تحقيق د . صبحي الصالح .
(4) أحكام أهل الذمة (1/242) .(1/152)
يشترط كثير من الفقهاء الذكورة في الولايات العامة وذلك لقوله تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } (1) .
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لما قيل : إن كسرى خلفته ابنته قال : « لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة » (2) .
ولأن الولايات يحتاج فيها إلى الدخول في محافل الرجال وهذا محظور على النساء . ولأنه يحتاج فيها إلى كمال الرأي ، وتمام العقل
والفطنة . والمرأة ناقصة العقل ، قليلة الرأي لا تقبل شهادتها ولو كان معها ألف مرأة مثلها ما لم يكن معهن رجل إلا فيما لا يطَّلع عليه إلا النساء من عيوب المرأة . وقد نبَّه الله على ضلالهن ونسيانهن بقوله تعالى : { أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } (3) قال ابن قدامة في المغني : ( ولهذا لم يولِّ النبيه ولا أحد من خلفائه ولا من بعده امرأة قضاء قط ، ولا ولاية بلد فيما بلغنا ، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالبًا ) (4) .
فإذا كان ذلك في القضاة والولاية الصغيرة غير وارد ففي الولاية الكبيرة والحل والعقد أولى .
__________
(1) سورة النساء آية 34 .
(2) رواه البخاري ك : الفتن . ب : 18 ، فتح الباري (13/53) ، والنسائي : قضاة . 8 ، والترمذي : فتن . 75 ، وقال : حديث حسن صحيح (4/528) تحقيق أحمد شاكر وآخرين .
(3) سورة البقرة آية 282 .
(4) المغنى والشرح الكبير (11/380) .(1/153)
ولا عبرة بما يتشدق به أكثر الكتاب المحدثين من ضرورة خروج المرأة وإشراكها في البرلمانات والمجالس العامة ، وأن هذا من حقوقها التي منحها إياها الإسلام . لأن هؤلاء لا ينظرون إلى هذه المسألة بمنظار الإسلام الصافي ، وإلا : فالحق أبلج ، وإنما ينظرون إليها وقد تشبعت أفكارهم بالتيارات الشرقية أو الغربية الملحدة ، وهم في موقف ضعف وانهزامية وانبهار بتلك الأمم ومدنياتها الزائفة ، ثم يأتون فيؤولون النصوص ويضعونها في غير مواضعها ويحرِّفون الكلم عن مواضعه حتى توافق أهواءهم ، ثم يقولون هذا هو الإسلام الذي أرسل به المرسلون .
4- الحرية :
الحرية شرط أساسي في أدنى الولايات ، ومن ثم يجب توافرها في أهل الحل والعقد ، لأن اكتمال الأهلية شرط فيهم ، ولأنه مولى لغيره
فكيف يكون واليًا على مولاه وغيره من الناس . قال إمام الحرمين : ( وكذلك لا يناط هذا الأمر - أي عقد الإمامة والاختيار - بالعبيد وإن حازوا قصب السبق في العلوم )(1). ومما يدل على اشتراط هذا الشرط حديث جابر رضي الله عنه قال : جاء عبد يبايع النبي - صلى الله عليه وسلم - على الهجرة ولا يشعر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عبد ، فجاء سيده يريده فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « بعنيه » . فاشتراه بعبدين أسودين ، ثم لم يبايع أحدًا حتى يسأله : « أعبد هو » ؟ (2) فهذا يدل على اشتراط الحرية في المبايعة ، وحيث إن مهمة أهل الحل والعقد هي اختيار الخليفة ومبايعته فدل على اشتراط الحرية في أهل الحل والعقد .
ثانيًا : الشروط الخاصة :
__________
(1) غياث الأمم (ص 49) .
(2) رواه مسلم في ك : المساقاة . ب : جواز بيع الحيوان بالحيوان من جنسه متفاضلاً ح1602 ، (3/1225) . والنسائي في ك البيعة : ب : بيعة المملوك (7/150) ، والترمذي ك البيوع ب : 22 ، وابن ماجة ك : الجهاد ب : 41 .(1/154)
هذه هي الشروط العامة في جميع الولايات في الدولة الإسلامية ، أما الشروط الخاصة فبالإضافة إلى ما سبق :
5- العدالة :
وهي هيئة كامنة في النفس توجب على الإنسان اجتناب الكبائر والصغائر ، والتعفف عن بعض المباحات الخارمة للمروءة ، وبناء على هذا الشرط فلا يجوز تولية الفاسق ولا من فيه نقص يمنع الشهادة .
ومن شأن اشتراط العدالة أن يؤدي إلى ثقة أفراد الأمة في اختيار العدل ، ويكون اختيار الخليفة عن طريق من تتوفر فيه هذه الشروط مدعاة إلى ثقة الناس فيه والانقياد له . وتثبت العدالة بالاستفاضة والشهرة قال النووي : ( فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم وشاع الثناء عليه بها كفى فيها ) (1) .
6- العلم :
يشترط في أهل الحق والعقد درجة معينة من العلم تؤهلهم إلى حسن الاختيار للخليفة . قال الماوردي : ( أما أهل الاختيار فالشروط المعتبرة فيهم ثلاثة : أحدها : العدالة الجامعة لشروطها . والثاني : العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها ... ) (2) . وقال الجويني : ( فلو لم يكن المعيِّن المتخيِّر عالمًا بصفات من يصلح لهذا الشأن لأوشك أن يضعه في غير محله ، ويجر إليه ضررًا بسوء اختياره ، ولهذا لم يدخل في ذلك العوام ، ومن لا يُعَدّ من أهل البصائر ) (3) . أما أن يكون هناك تحديد لدرجة معينة من العلم ، كأن يكون مجتهدًا فالذي يظهر أنه لا يشترط الاجتهاد ، ولكل عصر ما يناسبه .
7- الرأي والحكمة :
بالإضافة إلى العلم بالأحكام الشرعية فإنه يشترط أيضًا أن يكون
__________
(1) تدريب الراوي شرح تقريب النووي (1/301) .
(2) الأحكام السلطانية (ص6) . وانظر : الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء (ص 19) .
(3) غياث الأمم (ص 50) .(1/155)
المختار من ذوي الرأي السديد والنظر الثاقب الذي يعرف حاجات الدول وطبائع الرجال ، ويكون عنده من القدرة على التمييز الكافي في الاختيار ليوافق الأصلح لتولي الخلافة . قال الماوردي : ( الثالث - أي من الشروط - الرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح ، وبتدبير المصالح أقوم وأعرف ) (1) .
فهذه هي شروط أهل الاختيار التي ينبغي أن تتوفر فيهم ، وهم : أول من يأثم في تأخير تولية الإمام كما قال الماوردي : ( فإنه إذا أهمل القيام بهذا الأمر فإنه يأثم فريقان من الناس .
الفريق الأول : أهل الاختيار حتى يختاروا إمامًا للأمة ...
والثاني : أهل الإمامة حتى ينتصب أحدهم للإمامة ) (2) .
وقد سبق أن بيَّنا أن الأمة أيضًا تأثم لأنها من فروض الكفايات ، فإذا لم يقم بها بعضهم أثم الجميع .
هل لأهل العاصمة مزية على غيرهم في الاختيار ؟
ولقد ذهب بعض العلماء إلى تحميل أهل الاختيار المقيمين في العاصمة التي يسكنها الإمام السابق والتي مات فيها مسؤولية أخص في اختيار الإمام الجديد دون من عداهم من أهل الاختيار في المدن الأخرى وباقي الأصقاع ، لأنهم هم الذين يبلغهم النبأ أولاً ، ولأن من يصلح للإمامة يوجد عادة في العاصمة أكثر مما يوجد في غيرها من البلاد ، وإلى ذلك ذهب الجبائي من المعتزلة فقال : ( إن نصب الإمامة واجب على أهل المدينة التي مات فيها
الإمام ، وهم بوجوب ذلك أولى ممن بَعُد ) (3) .
__________
(1) الأحكام السلطانية (ص 6) . وانظر أيضًا : أبو يعلى في الأحكام السلطانية (ص19) .
(2) الأحكام السلطانية (ص 5 ، 6) .
(3) المغني في أبواب التوحيد والعدل (جـ20 ، ق 2 ، ص 68) .(1/156)
ولكن هذا الرأي غير مقبول عند الآخرين فهذا أبو يعلى يقول : ( وليس لمن كان في بلد مزّية على غيره من أهل البلاد يتقدم بها ، وإنما صار من يختص ببلد الإمام متوليًا لعقد الإمامة لسبق عمله بموته ، ولأن من يصلحون للخلافة في الغالب موجودون في بلده ) (1) . واعتبر الماوردي ذلك الاختصاص عرفًا لا شرعًا ، وذكر الأسباب التي ذكرها أبو يعلى الآنفة الذكر (2) . وعلق ابن حزم على ذلك الرأي بقوله : ( أما قول من يقول : إن عقد الإمامة لا يصح إلا بعقد أهل حضرة الإمام وأهل الموضع الذي فيه قرار الأئمة ... هو قول فاسد لا حجة لأهله ، وكل قول في الدين عرى من ذلك من القرآن أو من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو إجماع الأمة المتيقن فهو باطل بيقين ) (3) . والواقع أنهم لم يقولوا لا يصح إلا بعقدهم وإنما قالوا : ( هم بوجوب ذلك أولى ممن بَعُد ) .
قلت : وربما يكون ذلك مناسبًا لتلك العصور التي يصعب فيها التنقل ووسائل الاتصال ، أما اليوم فقد تقدمت وسائل الاتصال ، وأمكن انتشار الخبر والاجتماع في لحظات قليلة ، فلا مزية لأهل العاصمة على غيرهم .
وظائف أهل الحل والعقد :
بعد أن عرفنا أهل الحل والعقد وشروطهم نود أن نستعرض بإيجاز أهم الوظائف المناطة بعاتق هذه الفئة من الناس وهي :
1- اختيار الخليفة وعقد البيعة له :
__________
(1) الأحكام السلطانية (ص 19) .
(2) الأحكام السلطانية للماوردي (ص 6) .
(3) الفصل في الملل والنحل (4/668) .(1/157)
وهو موضوع الفصل ، وقد سبق أن بينا أنهم أول من يأثم عند تأخيرهم لاختيار إمام المسلمين ومبايعتهم له وأنه منوط بهم ، يقول الماوردي : ( فإذا اجتمع أهل الحل والعقد للاختيار تصفحوا أحوال أهل الإمامة الموجودة فيهم شروطها ، فقدموا للبيعة منهم أكثرهم فضلاً وأكملهم شروطًا ، ومن يسرع الناس إلى طاعته ولا يتوقفون عن بيعته ، فإذا تبين لهم من بين الجماعة من أداهم الاجتهاد إلى اختياره عرضوها عليه فإن أجاب إليها بايعوه عليها وانعقدت ببيعتهم له الإمامة ، وإن لم يجب إليها لم يجبر عليها لأنها عقد مراضاة واختيار لا يدخله إكراه ولا إجبار ، وعدل عنه إلى من سواه من مستحقيها (1) .
2- التمييز بين المتقدمين للإمامة :
كما أن من المهام المنوطة بهذه الفئة هو التمييز بين الذين يتقدمون للإمامة وتتوفر فيهم شروطها ، فإذا تكافأ في شروطها اثنان قُدِّم أسنهما قال الماوردي : ( وإن لم تكن زيادة السن مع كمال البلوغ شرطًا فإن بويع أصغرهما سنًا جاز ) (2) .
فإذا كان أحدهما : أعلم ، والآخر : أشجع ، روعي في الاختيار ما يوجبه الوقت ، قال صاحب الأحكام السلطانية : ( فإن كانت الحاجة إلى فضل الشجاعة أدعى لانتشار الثغور وظهور البغاة كان الأشجع أحق ، وإن كانت الحاجة إلى فضل العلم أدعى لسكون الدهماء ، وظهور أهل البدع كان الأعلم أحق ) (3) .
__________
(1) الأحكام السلطانية للماوردي (ص 7) . وانظر : الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 24) .
(2) نفس المرجعين السابقين .
(3) ص7) .(1/158)
أما إذا كانا متكافئين في جميع الأمور فتنازعا في ذلك فقد قال بعض العلماء : يكون قدحًا في منعهما منها ، والذي عليه جمهور العلماء والفقهاء كما قال الماوردي : ( إن التنازع فيها لا يكون قدحًا مانعًا فقد تنازع أهل الشورى (1) فما رُدّ عنها طالب ولا منع عنها راغب ) (2) .
واختلف الفقهاء فيما يقطع به هذا التنازع على رأيين :
الأول :
القرعة ، قال أبو يعلى : ( فقياس قول أحمد رحمه الله : أنه يقرع بينهما فيبايع من قرع منهما ، لأنه قال في رواية ابنه عبد الله (3) في مسجد فيه رجلان تداعيا الأذان فيه : ( يقرع بينهما ) واحتج بقول سعد ولفظ الحديث ما رواه أبو حفص العبكري بإسناده عن أبي شبرمة : ( إن الناس تشاطوا في الأذان يوم القادسية فأقرع بينهم سعد ) (4) .
الثاني :
الاختيار فيكون أهل الحل والعقد بالخيار في بيعة أيهما شاءوا .
3- مبايعة الأنفع :
__________
(1) الحق : أنه لم يكن هناك تنازع كما مرَّ ، وإنما اجتمعوا فتنازل بعضهم عن بعض حتى بفيت بين اثنين وحَكَم ، فشاور الحكم الناس واختار من اختاروه .
(2) الأحكام السلطانية (ص 7) .
(3) مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله (ص 57) تحقيق زهير الشاويش ن . المكتب الإسلامي .
(4) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 25) .(1/159)
ومن وظائف أهل الحل والعقد أنه عند اجتماع عدد تتوفر فيهم شروط الإمامة فإنه لا يجب عليهم اختيار الأفضل ، بل الأولى أن يختاروا الأنفع والأصلح والمناسب للمقام ، فإن اجتمع الفضل والمصلحة في شخص واحد كان ذلك هو المطلوب ، كما توفر ذلك في الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم ، فإن ترتيبهم في الخلافة موافق لترتيبهم في الأفضلية ، فأفضلهم ، أبو بكر ، ثم عمر - باتفاق أهل السنة - ثم عثمان ، ثم علي رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، وهم كذلك مرتبون على حسب المصلحة والمنفعة ، فمن مصلحة المسلمين أن يتولى الأمر بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر لقوة إيمانه وعزيمته على الذود عن الإسلام ، وقد كان في عصر ارتدت فيه بعض القبائل على الإسلام ومنعت أخرى الزكاة بحجة وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان لا يصلح لمثل هذه المقام إلا أبو بكر رضي الله تعالى عنه ، ثم جاء عمر رضي الله تعالى عنه وكان سيفًا مسلولاً على أعداء الإسلام الخارجين ، فكان هو المناسب لهذا المقام ، ثم من بعده عثمان ، ثم علي رضي الله تعالى عنهم أجمعين . وسيأتي زيادة بيان إن شاء الله عن المفاضلة بينهم .
فالمقصود أن الأولى تولية الأنفع وإن لم يكن الأفضل ، وهذا أمر واضح في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وتأميره الأمراء على الجيوش ، قال ابن القيم رحمه الله : ( والمقصود أن هديه - صلى الله عليه وسلم - تولية الأنفع وإن كان غيره أفضل منه ) (1) .
وسيأتي زيادة بيان لهذه النقطة عند ذكر شروط الإمام إن شاء الله .
4- عزل الخليفة :
__________
(1) إعلام الموقعين (1/107) .(1/160)
الذي يقوم بعقد الإمامة للخليفة نيابة عن الأمة هم أهل الحل والعقد ، فكذلك إن طرأ ، أي : حدث على الإمام المنصوب فالذي يعلن عزله ويستبدله بغيره هم هؤلاء الفئة من الناس ، ولا دخل للدهماء في مثل هذه الأمور ، فلو طرأ مثلاً على الإمام المنصوب جنون ، أو مرض شديد لا يرجى برؤه ، أو وقع في أيدي الأعداء ولا يرجى له فكاك ، أو ارتد عن الدين - والعياذ بالله - أو نحو ذلك ، ففي هذه الحالة تقوم هذه الفئة بإعلان عزله واستبداله بغيره .
وسيأتي زيادة بيان لهذا الموضوع إن شاء الله .
عدد أهل الحل والعقد :
اختلف العلماء في تحديد العدد الذي تنعقد به الإمامة من أهل الحل والعقد اختلافًا كبيرًا . ويمكننا حصر هذا الاختلاف في ثلاثة مذاهب نستعرضها أولاً ثم نرى الرأي الراجح منها .
المذهب الأول :
وهؤلاء اشترطوا الإجماع التام على الخليفة المختار ولم يحددوه بعدد معين ...
وانقسموا إلى قسمين :
1- قوم اشترطوا الإجماع التام من قبل الأمة على الخليفة المختار الذي يختاره
أهل الحل والعقد ، وقد عزا الأشعري هذا القول إلى الأصم من المعتزلة فقال : ( لا تنعقد إلا بإجماع المسلمين ) (1) . وحكي هذا القول رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى فقال في رسالة عبدوس بن مالك العطار : ( أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... ) إلى أن قال : ( ومن ولي الخلافة فأجمع عليه الناس ورضوا به ... ) (2) .
وقال في رواية إسحاق بن منصور لما سئل عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - « من مات وليس له إمام مات ميتة الجاهلية » ما معناه ؟ فقال : أتدري ما الإمام ؟ الإمام الذي يجمع عليه المسلمون كلهم يقول هذا إمام فهذا معناه ) (3) .
__________
(1) مقالات الإسلاميين (2/194) . وانظر : الفرق بين الفرق (ص 176) .
(2) منهاج السنة (1/112) .
(3) منهاج السنة (1/112) .(1/161)
2- وقوم اشترطوا إجماع أهل الحل والعقد : وحكى ابن خلدون أن هذا هو السبب الذي جعل بعض الصحابة يعدلون عن بيعة علي رضي الله تعالى عنه إلى المطالبة بدم عثمان رضي الله تعالى عنه فقال : ( رأى آخرون أن بيعته - أي علي - لم تنعقد ، لافتراق الصحابة أهل الحل والعقد بالآفاق ، ولا تلزم بعقد من تولاها من غيرهم أو من القليل منهم ... ) إلى أن قال : ( ذهب إلى ذلك معاوية ، وعمرو بن العاص ، وأم المؤمنين عائشة ، والزبير ، وابنه ... إلخ ) (1) رضي الله تعالى عنهم أجمعين .
وذهب إلى ذلك أيضًا أبو يعلى في كتابه ( المعتمد في أصول الدين )
حيث قال : ( لأن الإمام يجب الرجوع إليه ولا يسوغ خلافه والعدول عنه كالإجماع ، ثم إن الإجماع يعتبر في انعقاده جميع أهل الحل والعقد كذلك عقد الإمامة له ) (2) .
وعند النظر في هذا المذهب نجده مردودًا بشطرية للأسباب التالية :
أ- أما اشتراط إجماع الدهماء فلا يلتفت إليه ، لأن طبقة الدهماء لابدّ أن تكون مقلدة لفئة فيها ، تؤثر عليها بالدعاية والضجيج ، فلا تستطيع أن تحكم في أناة وتعقُّل لتختار الإمام العادل ، ومن ثم فإن أهل الحل والعقد وهم : الطليعة الواعية والفئة المستنيرة من أهل الاجتهاد من الأمة هم الجديرون باختيار الإمام ، لأنهم سيحتملون وزره إذا لم يتحروا في اختياره الصواب ، وسيكونون شركاءه في مآثمه ومظالمه (3) .
ب- ولأنه كما يقول ابن حزم رحمه الله : ( تكليف ما لا يطاق وما ليس في الوسع وما هو أعظم الحرج ، والله تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها . قال تعالى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } (4) .
__________
(1) المقدمة (ص 214) .
(2) ص 139) .
(3) المجموع شرح المهذب - التكملة للمطيعي (17/519) .
(4) الفصل (4/167) .(1/162)
جـ- وهو مدفوع أيضًا بما حدث بين الصحابة في سقيفة بني ساعدة إذا التقى في تلك السقيفة بعض أهل الحل والعقد ، ولم ينتظروا حضور الجميع ، وفي ذلك المقام بايعوا أبا بكر رضي الله تعالى عنه دون انتظار لرأي الآخرين .
د- أما قياس ذلك على الإجماع فهو قياس مع الفارق .
المذهب الثاني :
وهناك من حدد أهل الحل والعقد بعدد معين ، واختلفوا في هذا التحديد إلى عدة آراء هي :
1- قوم قالوا : ( إن أقل ما تنعقد به أربعون لا دونهم ، لأن عقد الإمامة فوق عقد الجمعة ولا تنعقد بأقل من أربعين ) (1) .
2- وذهب آخرون إلى : القول بأن أقل ما تنعقد به خمسة يجتمعون على عقدها ، أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة ، واحتجوا لذلك بأن بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة ، ولأن عمر قد جعلها شورى في ستة ) (2) . ونُسب هذا القول إلى شيوخ المعتزلة الجبائين والقاضي عبد الجبار (3) . وقال الماوردي : ( وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل البصرة ) (4) .
3- وذهب آخرون إلى انعقادها بأربعة قياسًا على أكثر نصاب الشهود (5) .
4- وذهب الفريق الآخر إلى اشتراط أن يكونوا ثلاثة ، لأنهم جماعة لا تجوز مخالفتهم (6) .
5- وذهب آخرون إلى انعقادها برضا اثنين للثالث ، لأن الاثنين أقلّ الجمع وليكونا حاكمًا وشاهدين كما يصح عقد النكاح بولي وشاهدين (7) .
وعزا الماوردي هذا القول إلى علماء الكوفة (8) . ونسبه البغدادي إلى سليمان بن جرير الزيدي وطائفة من المعتزلة (9) .
__________
(1) مآثر الإنافة (1/42) .
(2) انظر : مآثر الإنافة (1/43) .
(3) الفصل (1/167) . وانظر : المغني في أبواب التوحيد والعدل (حـ 20 ، ق 1 ، ص 252 - 254) .
(4) الأحكام السلطانية (ص 7) .
(5) مآثر الإنافة (1/43) ، ونهاية المحتاج للرملي (7/410) .
(6) نهاية المحتاج (7/410) .
(7) نفس المصدر .
(8) الأحكام السلطانية (ص 7) .
(9) أصول الدين (ص 281) .(1/163)
6- وقالت طائفة تنعقد بواحد ، واستدلوا على ذلك بأن العباس قال لعلي رضي الله تعالى عنهما : ( امدد يدك أبايعك فيقول الناس عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بايع ابن عمه ، فلا يختلف عليك اثنان ) . ولأن عمر لما بايع أبا بكر رضي الله تعالى عنهما تبعه الصحابة على ذلك ووافقوه . ولأنه حُكْمٌ ، وحكم واحد نافذ (1) ، وقد عزا البغدادي هذا القول إلى أبي الحسن الأشعري (2) وإليه ذهب الإيجي في المواقف (3) والغزالي في فضائح الباطنية حيث يقول : ( والذي نختاره أنه يُكتفى بشخص واحد يعقد البيعة للإمام ) (4) . وبهذا القول قال إمام الحرمين حيث ذكر أن : ( أقرب المذاهب ما ارتضاه القاضي أبو بكر . وهو : المنقول عن شيخنا أبي الحسن رضي الله عنهما ، وهو : أن الإمامة تثبت بمبايعة رجل واحد من أهل العقد ) (5) لكنه اشترط بعد ذلك أن يكون ذا شوكة وإلا فلا (6) . وإليه ذهب أبو عبد الله القرطبي في تفسيره (7) ، وهو مذهب الزيدية (8) وممن قال بهذا الرأي من المُحدثين د . ضياء الدين الريس في كتابه النظريات السياسية
الإسلامية (9) .
__________
(1) الأحكام السلطانية للماوردي (ص 7) .
(2) أصول الدين (ص 281) .
(3) المواقف للإيجي (ص 400) .
(4) فضائح الباطنية (ص 176) .
(5) غياث الأمم في التياث الظلم (ص 54) .
(6) نفس المصدر (ص 56) .
(7) أحكام القرآن (1/269) .
(8) انظر : تتمة الروض النضير للسيد أحمد الحسني (5/28) ط . 2 ، ن . المؤيد بالطائف .
(9) النظريات السياسية الإسلامية (ص 227) .(1/164)
وذهب جمهور الشافعية إلى أنها تنعقد بمن تيسر حضوره وقت المبايعة في ذلك الموضع من العلماء والرؤساء ووجهاء الناس المتصفين بصفات الشهود ، حتى لو تعلق الحل والعقد بواحد كفى . قال القلقشندي : ( وهو الأصح عند أصحابنا الشافعية ) (1) . وإلى ذلك ذهب القلانسي شيخ البغدادي (2) ومن المُحدَثين د . صلاح الدين دبوس في كتابه الخليفة توليته وعزله (3) .
ويلاحظ أن هناك فرقًا بين ما ذهب إليه الأشعري وأتباعه وما ذهب إليه الشافعية ، وهو أن جمهور الشافعية تشترط لانعقادها بواحد أن لا يكون ثمة غيره ممن يمكن أن يوصف بصفات أهل الحل والعقد ، أما الأشعرية فلا تشترط ذلك ، وإنما تكتفي بواحد من أهل الحل والعقد (4) .
وعند النظر في هذه الأقوال والآراء نجدها مرجوحة لما يلي :
1- قياس عدد أهل الحل والعقد على عدد من تصح بهم الجمعة أو الشهود ، أو النكاح أو غيرها غير مسلم به ، لأنه قياس مع الفارق ، ولا يصح انفراد عدد قليل بالبتِّ في أمر يهم الأمة كلها ، اللهم إلا إذا قلَّ أفراد جماعة أهل الحل والعقد فحينئذ تكون الضرورة هي الملجئة إلى القول
بانعقاد الإمامة بالعدد القليل . ( ولأنه ليس قول من قال : تنعقد باثنين بأولى من قول من قال : تنعقد بأربعة ، ولا قول من قال : تنعقد بأربعة بأولى من قول : من قال : تنعقد بالجماعة ... ) (5) .
__________
(1) مآثر الإنافة (1/44) ، وبنحوه انظر : روضة الطالبين للنووي (10/434) ن . المكتب الإسلامي وانظر : نهاية المحتاج للرملي وغيرها من كتب الشافعية .
(2) أصول الدين (ص 281) .
(3) ص 126) .
(4) لزيادة الإيضاح يراجع كتاب رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي (ص 268) .
(5) المعتمد في أصول الدين لأبي يعلى (ص 239) .(1/165)
2- أما الاحتجاج ببيعة أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فلا يصح ، لأن بيعة أبي بكر لم تنعقد ببيعة الخمسة الذين ذكروهم فقط ، وإنما تمت بمبايعة كبار المهاجرين والأنصار كما مرّ معنا في حديث السقيفة ، قال ابن تيمية عند قول الرافضي : إنهم يقولون : الإمام بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر بمبايعة عمر برضا أربعة قال : فيقال له : ( ليس هذا قول أئمة السنة وإن كان بعض أهل الكلام يقولون : إن الإمامة تنعقد ببيعة أربعة كما قال بعضهم : تنعقد ببيعة اثنين ، وقال بعضهم : تنعقد ببيعة واحد ، فليست هذه أقوال أئمة السنة ، بل الإمامة عندهم تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها ، ولا يصير الرجل إمامًا حتى يوافقه أهل الشوكة الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة ) . إلى أن قال : ( ولو قُدِّر أن عمر وطائفة معه بايعوه - أي أبا بكر - وامتنع الصحابة عن البيعة لم يصر إمامًا بذلك ، وإنما صار إمامًا بمبايعة جمهور الصحابة الذين هم أهل القدرة والشوكة ) (1) . أ . هـ .
3- وكذلك فعل عمر في حصر الخلافة في الستة الذين اختارهم فنقول هذا ليس حصرًا لعدد أهل الحل والعقد الذين يختارون ، وإنما لمن يختار منهم ، فهم جميعًا مرشحون للخلافة ويختار أحدهم ، يدلّ على ذلك ما مرّ معنا أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بقي ثلاثًا لا تغتمض عينه بكثير نوم وهو يشاور كبار المهاجرين والأنصار ، قال ابن تيمية : ( عثمان لم يصر إمامًا باختيار بعضهم - أي بعض الستة - بل بمبايعة الناس له ،
وجميع المسلمين بايعوا عثمان لم يتخلف عن بيعته أحد ) (2) . وقد مرّ معنا قول الإمام أحمد في ذلك عند الكلام على مبايعة عثمان رضي الله تعالى عنه .
__________
(1) منهاج السنة (1/141) .
(2) منهاج السنة (1/142) .(1/166)
4- أما الاستدلال على صحة بيعة الواحد بمبادرة عمر في بيعة أبي بكر ثم تبعه الصحابة ووافقوه على ذلك فلا يصح ، لأن سبب إتباعهم له هو رضاهم بما ذهب إليه ، لا أنه قد ألزمتهم مبايعته إتباعه ، وإلا لو فرض أنه لم يبايع غير عمر لما ثبتت إمامة أبي بكر خصوصًا وهو القائل : ( من بايع رجلاً من غير مشورة المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايع تَغِرَّة أن يقتلا ) (1) .
أما كون عمر هو السابق إلى البيعة ففي كل بيعة لا بد من سابق ، كما قال ابن تيمية (2) .
5- أما الاستدلال على صحة بيعة واحدة بأن العباس قال لعلي بن أبي طالب بعد موت النبي : امدد يدك أبايعك ، فيقول الناس عم رسول الله بايع ابن أخيه ... إلخ فلا يصح لأمور منها :
أ- الحاجة إلى إثبات نسبة هذا القول إلى العباس رضي الله تعالى عنه وهذا متعذر ، لأن القائل لم يذكر السند ولا حتى المصدر ولم أعثر أنا على سند له (3) .
ب- ولو فرض صحته فإنه لم يتم ولم يفعله .
جـ- ولو فعله فلا يكون ذلك إلا تحبيبًا وتشجيعًا لغيره في المبايعة وتكون مبادرة منه لعلهم يتابعونه على ذلك .
__________
(1) رواه البخاري وغيره وسبق تخريجه (ص 137) .
(2) منهاج السنة (1/142) .
(3) ثم وجدت عند ابن في الطبقات لفظًا قريبًا من هذا المعنى وهو : .... قال العباس لعلي ، قم حتى أبايعك ومن حضر ، فإن هذا الأمر إذا كان لم يُرَدّ مثله ، والأمر في أيدينا ... إلخ الطبقات الكبرى (2/246) لكن في إسناده محمد بن عمر وهو الواقدي . وعلماء الجرح والتعديل يضعفون روايته . انظر : تهذيب التهذيب (9/369) . قال الذهبي : استقر الإجماع على توهين الواقدي ميزان الاعتدال (3/666) ، ومع ذلك فهو إمام التأريخ والسير والأخبار . انظر : ميزان الاعتدال (3/663) .(1/167)
6- وأما ما ذهب إليه جمهور الشافعية من انعقاد الإمامة بالواحد إذا انحصر فيه أهل الحل والعقد فكما قال د . محمد رأفت عثمان : ( لم يحصل في عصر من العصور انحصار الحل والعقد في واحد ، ويندر أن يحصل ذلك ) (1) . والنادر لا حكم له .
7- ومما يدل على أنها لا تنعقد بالواحد ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ، فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد » (2) .
المذهب الثالث :
ذهب أصحاب المذهب الثالث إلا الاعتدال في تحديد أهل الحل والعقد ، فلم يشترطوا الإجماع كما قال أصحاب المذهب الأول ، ولم يشترطوا عددًا معينًا كما قال أصحاب المذهب الثاني ، وإنما اشترطوا جمهور أهل الحل والعقد والأغلبية الذين هم أهل الشوكة ، والذين بمبايعتهم واختيارهم للإمام يحصل مقصود الإمامة وطبقًا لهذا الاتجاه لا يؤدي تخلف بعضهم إلى الطعن في صحة الاختيار ، كما لا يؤدي موافقة القلة أن تعطي للخليفة السند الشرعي للسلطة ، لأن تخلف القلة لا يؤثر في مقصود الولاية ، وموافقة القلة
ليس من شأنه أن يحققها ، وإنما العبرة بموافقة الأغلبية ( الجمهور ) لأنه بموافقتهم يتحقق المقصود من السلطة العامة الممثلة في الخليفة ، (3) .
__________
(1) رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي (ص 273) .
(2) رواه الإمام أحمد (1/18) ، والترمذي : (4/446) وقال : حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه . ورواه ابن ماجة ، والطيالسي ، وغيرهم . وصححه الألباني . انظر : سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/173) حديث رقم (431) كما صححه أحمد شاكر في تخريجه للمسند ح114 ، (1/204) ، والرسالة للشافعي رقم (1315) .
(3) انظر : طرق اختيار الخليفة د . النادي (ص 192) .(1/168)
قال الماوردي : ( قالت طائفة لا تنعقد إلا بجمهور أهل الحل والعقد من كل بلد ، ليكون الرضا به عامًا والتسليم لإمامته إجماعًا ) (1) . وممن ذهب إلى هذا القول أبو يعلى في الأحكام السلطانية فقال : ( أما انعقادها باختيار أهل الحل والعقد فلا تنعقد إلا بجمهور أهل الحل والعقد ، قال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم ( الإمام الذي يجتمع قول أهل الحل والعقد (2) . عليه كلهم يقول هذا إمام ) ، قال : وظاهر هذا أنها تنعقد بجماعتهم ) (3).
وذهب إلى ذلك أيضاً شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله حيث قال : ( وإنما صار إمامًا - أي أبو بكر رضي الله تعالى عنه - بمبايعته جمهور الصحابة الذين هم أهل القدرة والشوكة ، ولهذا لم يضر تخلف سعد بن عبادة (4) رضي الله تعالى عنه ، لأن ذلك لا يقدح في مقصود الولاية ، فإن المقصود حصول القدرة والسلطان اللذين بهما تحصل مصالح الإمامة ، وذلك قد حصل بموافقة الجمهور على ذلك ، فمن قال يصير إمامًا بموافقة واحد أو اثنين أو أربع ، وليسوا هم ذوي القدرة والشوكة فقد غلط ، كما أن من ظن أن تخلف الواحد أو الاثنين أو العشرة يضر فقد غلط ) (5) .
الرأي الراجح وأدلة الترجيح :
وهذا هو الرأي الذي نميل إليه ونرجحه لما يلي :
__________
(1) الأحكام السلطانية (ص 7) .
(2) الرواية السابقة بنفس العبرة إلا أنه بدل ( أهل الحل والعقد ) جعل ( المسلمون ) وفي هذه الرواية جعل الناشر ( أهل الحل والعقد ) بين قوسين ثم علَّق عليها في الحاشية بقوله بياض بالأصل . ولا أدري من أين أتى بها ! .
(3) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 23) .
(4) سبق معنا رواية تفيد تراجع سعد عن موقفه هذا رضي الله تعالى عنه (ص 136) .
(5) منهاج السنة (1/141) .(1/169)
1- لاتفاقه مع ما حصل في بيعة الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم - كما مر - فإنهم لم يشترطوا إجماع أهل الحل والعقل ، ولم يحددوا الفئة الناخبة بعدد معين كما ذهب إلى ذلك أصحاب المذهب الثاني ، ولم يكتفوا في المبايعة بأي عدد ممكن ، بل كانوا يكثرون الاستشارة واستطلاع الرأي العام - كما أمر - .
2- وكذلك من المرجحات لهذا المذهب تحقيقه لمبدأ الشورى الذي حثّ عليه القرآن الكريم ، ورغَّب فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أكثر من موضع - كما سيأتي - فهو يتفق مع قواعد الفقه الإسلامي وما يقضي به العقل والمنطق ، وإلى هذا الرأي ذهب من الكتاب المحدثين الدكتور محمد رأفت عثمان في كتابه ( رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي) (1) ، والدكتور فؤاد محمد النادي في كتابه ( طرق اختيار الخليفة ) (2) ، والدكتور محمد فاروق النبهان في كتابه ( نظام الحكم في الإسلام (3) ، والدكتور محمد عمارة في كتابه ( الإسلام وفلسفة الحكم ) (4) .
الطريقة الثانية
العهد ( الاستخلاف ) :
ومن طرق انعقاد الإمامة العهد من الخليفة السابق إلى من يختاره من المسلمين ، ويراه لائقًا بهذا المنصب من بعده ، فإذا أحس الخليفة بقرب أجله وأراد أن يستخلف على القوم أحدهم فإنه يقوم بمشاورة أهل الحل والعقد فيمن يختار ، فإذا وقع رأيه على شخص معيَّن يصلح لهذا المقام ووافقه أهل الحل والعقد فإنه يعهد إليه من بعده .
والآن لا بد لنا من التعرف على العهد وحكمه ، وهل يعتبر المعهود له إمامًا بمجرد العهد أم لا بد من مبايعة أهل الحل والعقد ، ثم مبايعة جمهور المسلمين له بالخلافة ؟ وما شروط هذا العهد ؟ إلى غير ذلك من المباحث المتعلقة بهذا الموضوع . فنقول :
تعريف العهد لغة :
__________
(1) ص 274) .
(2) ص 193) الكتاب الأول .
(3) ص 475) .
(4) ص 444) .(1/170)
العهد كل ما عوهد الله عليه وكلَ ما بين العباد من المواثيق فهو عهد ، والعهد الوصية كقول سعد حين خاصم سعد بن زمعة في ابن أمته فقال : ( إن أخي عهد إلي فيها ) أي : أوصى ، ومنه الحديث ( تمسكوا بعهد أم عبد ) (1) أي :
ما يوصيكم ويأمركم ، وهو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه ، والعهد التقدم إلى المرء في الشيء ، والعهد الذي يكتب للولاة مشتق منه ، والجمع عهود ... والعهد الموثق واليمين يحلف بهما الرجل ، وقيل ولي العهد لأنه ولي الميثاق والذي يؤخذ على من بايع الخليفة (2) ... إلى غير ذلك من المعاني الأخر كالوفاء والأمان ... وغيرها مما ليس له صلة بموضوعنا ...
والعهد في الاصطلاح :
هو اختيار العاهد إنسانًا معينًا لعمل معين من أعمال الدولة يبدأ من رئاستها وينتهي إلى أدنى درجة من درجاتها ، ويسمي هذا الاختيار عهدًا ، ثم انتقل المصدر ( عهد ) إلى الوثيقة المكتوبة التي يمليها أو يكتبها العاهد لغيره ، فإذا ما قيل عهد انصرف المفهوم إلى أحد المعنيين وفقًا لسياق العبارة أو لكليهما معًا (3) .
أدلة مشروعيته :
الاستخلاف جائز شرعًا ، ومن الطرق المشروعة لانعقاد الإمامة إذا كان مكتمل الشروط . ومن الأدلة على ذلك ما يلي :
__________
(1) رواه الترمذي ضمن حديث « اقتدوا باللذين من بعدي ... وفيه : « وتمسكوا بعهد ابن مسعود » عن ابن مسعود نفسه في ك : المناقب . ب : 38 ، مناقب عبد الله بن مسعود (5/672) وقال : حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
وعند أحمد عن حذيفة يرفعه « ... وتمسكوا بعهد عمار ، وما حدَّثكم ابن مسعود فصدِّقوه » المسند (5/385) .
(2) لسان العرب مادة ( عهد ) (3/331) .
(3) نظام الحكم في الشريعة والتأريخ الإسلامي د . ظافر القاسمي (ص 168) .(1/171)
1- قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه البخاري : « لقد هممت ( أو أردت ) أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ، ثم قلت : يأبى الله ويدفع المؤمنون ، أو يدفع الله ويأبى المؤمنون » (1) .
وفي رواية أخرى عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : في مرضه : « ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابًا ، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل : أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر » (2) .
ففي هذين الحديثين دلالة واضحة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هَمَّ أن يعهد ثم تركه لعلمه أن الناس لن يختاروا غير أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، فدلّ على جوازه .
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعليقًا على هذا الحديث ( فبيَّن - صلى الله عليه وسلم - أنه يريد أن يكتب كتابًا خوفًا ، ثم علم أن الأمر واضح ظاهر ليس مما يقبل النزاع فيه ... قال : وتركه - أي العهد والكتابة - لعدم الحاجة إليه وظهور فضيلة الصديق واستحقاقه ، وهذا أبلغ من العهد ) (3) .
__________
(1) متفق عليه وسبق تخريجه عند الحديث عن النصية على أبي بكر من هذا الفصل (ص 121) .
(2) رواه مسلم واللفظ له في ك : فضائل الصحابة . ب : فضائل أبي بكر ح 2387 (4/1857) ، وروى نحوه الإمام أحمد في مسنده (6/106) ، و (6/144) .
(3) منهاج السنة (1/140) .(1/172)
2- ومن الأدلة على جوازه أيضًا فعل الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم ، فقد استخلف أبو بكر عمر بن الخطاب ، وعهد عمر بالأمر إلى الستة الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض لاستخلاف من يرونه منهم ، وقد قال عمر رضي الله عنه : ( إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني أبا بكر - وإن أترك فقد ترك من هو خير مني يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) (1) . وقد مرّ معنا صيغة استخلاف كلِّ من أبي بكر لعمر ، ثم عمر للستة رضي الله تعالى عنهم ، وقد سبق هذا الاستخلاف مشاورات طويلة مع كبار المهاجرين والأنصار .
3- ومن الأدلة على جواز الاستخلاف إجماع الصحابة ، فلم تذكر الروايات أحدًا خالف واحتج بأن العهد لا يجوز حينما عهد أبو بكر إلى عمر ، ثم حينما عهد عمر بالأمر شورى إلى الستة من بعده ، فدل ذلك على الجواز .
وقد حكى هذا الإجماع كثير من العلماء فقال الماوردي : ( وأما انعقاد الإمامة بعهد من قبله فهو مما انعقد الإجماع على جوازه ، ووقع الاتفاق على صحته ) (2) .
__________
(1) متفق عليه وسبق تخريجه (ص 125) من هذا الفصل .
(2) الأحكام السلطانية (ص 10) .(1/173)
... وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم : ( حاصله أن المسلمين أجمعوا على أن الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت وقبل ذلك وقبل ذلك يجوز له الاستخلاف ، ويجوز له تركه ، فإن تركه فقد اقتدى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا ، وإلا فقد اقتدى بأبي بكر رضي الله تعالى عنه ، وأجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف ) (1) . وقال ابن حزم : ( واتفقوا أن للإمام أن يستخلف قَبْل أم لا (2) ولم يختلف في جواز ذلك لأبي بكر رضي الله تعالى عنه أحد ، وإجماعهم هو الإجماع ) (3) . بل اعْتَبَرَ أن هذه الطريقة هي أحسن الطرق وأفضلها فقال : ( فوجدنا عقد الإمامة يصح بوجوه أولها وأفضلها وأصحها : أن يعهد الإمام الميت إلى إنسان يختاره إمامًا بعد موته ، وسواء فعل ذلك في صحته أو في مرضه أو عند موته . إذ لا نص ولا إجماع على المنع من أحد هذه الوجوه ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي بكر (4)
وكما فعل أبو بكر بعمر ، وكما فعل سليمان بن عبد الملك بعمر بن عبد العزيز ... ) . قال : ( وهذا هو الوجه الذي نختاره ونكره غيره لما في هذا الوجه من اتصال الإمامة وانتظام أمر الإسلام وأهله ، ورفع ما يتخوف من الاختلاف والشغب مما يتوقع في غيره من بقاء الأمة فوضى ومن انتشار الأمر وارتفاع النفوس وحدوث الأطماع ) أ . هـ (5) .
__________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي (15/205) .
(2) كذا . ولعل المراد أنهم اتفقوا على أن للإمام أن يستخلف قبل موته وله أن يترك .
(3) مراتب الإجماع لابن حزم (ص 145) .
(4) سبق أن ابن حزم ممن يقول بالنصية على أبي بكر رضي الله تعالى عنه ولذلك رجَّح هذه الطريقة ، وقصر التولية الصحيحة عليها .
(5) الفصل في الملل والنحل (4/169) .(1/174)
قلت : والمراد بالإجماع فيما سبق هو إجماع أهل السنة فقط ، لأن المعتزلة قد خالفوا أهل السنة في هذه الطريقة ( الاستخلاف أو ( العهد ) حيث قصروها على الاختيار فقط (1) ، ونسب الشوكاني هذا القول إلى الأشعرية أيضًا (2) ، ولكن في هذه النسبة نظر ، لأن لأكثر الأشاعرة يوافقون أهل السنة في هذا المقام .
4- ومن الأدلة على جواز الاستخلاف أيضًا قياسه على استخلاف النبي - صلى الله عليه وسلم - على جيش مؤتة ، وإذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك في الإمارة على الجيش جاز مثله في الخلافة ، فقد ذكر الإمام البخاري رحمه الله تعالى من رواية عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمَّر على جيش مؤتة زيد بن حارثة وقال : « إن قتل فجعفر بن أبي طالب ، فإن قتل فعبد الله بن رواحة » وفي رواية « وإن قتل فليرتض المسلمون رجلاً » فتقدم زيد فقتل ، فأخذ الراية جعفر وتقدم فقتل ، فأخذ الراية عبد الله
ابن رواحة فتقدم فقتل ، فاختار المسلمون بعده خالد بن الوليد (3) .
وبناء على ما سبق فإن طريقة الاستخلاف جائزة شرعًا ، لا عبرة بما ذهب إليه بعض المُحدَثين من محاولة الطعن في هذه الطريقة الشرعية وزعمهم أنها تؤدي إلى الاستبداد والظلم ونحوها . وما علموا أن الكفاءة شرط أساسي في المستخلف ، وأنه لا يتم إلا بعد مشاورة أهل الحل والعقد ومبايعتهم له ، وأنه يشترط في المعهود له أن يكون مستكملاً لشروط الإمامة كما سيأتي :
البيعة للمعهود له من قبل أهل الحل والعقد ورضاهم بذلك :
__________
(1) انظر : المغني في أبواب التوحيد والعدل (20/205) . ق (1) .
(2) نيل الأوطار (6/56) .
(3) رواه البخاري : مغازي . 44 . انظر : فتح الباري (7/510) بدون « وإن قُتل فليرتضى ... » ونحوه عند الإمام أحمد في مسنده (1/265) .(1/175)
لكن هل تنعقد الخلافة بمجرد العهد من الإمام السابق أم لا بد من البيعة للمعهود له من قبل أهل الحل والعقد ؟ للعلماء في ذلك قولان ، والذي يترجح لنا أنه لا بد من البيعة للمعهود له ، وذلك لفعل الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم ، فأبو بكر لما أراد أن يستخلف عمر شاور كبار المهاجرين والأنصار في ذلك ، فكلُّهم وافقه على العهد لعمر ، حيث أخذ منهم الميثاق على أن يبايعوا من يختاره بعد أن طلبوا منه الاستخلاف فأخذ يستشير كبارهم في عمر ، وكلُّهم أيده على رأيه فيه ، فعهد إليه فبايعوه وبايعه الناس - كما مرّ - في المسجد .
وكذلك شأن عمر فإنه لم يكن ينوي الاستخلاف وقال : ( لا أتحملها حيًا وميتًا ) فألحّ عليه الصحابة فجعلها في الستة ، وهم بقية العشرة المبشرين
بالجنة والذين توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض ، ولا شك أنهم أفضل الموجودين من الصحابة ، ثم رأينا مشاورة عبد الرحمن بن عوف الناس ، وأنه أخذ ثلاث ليال لا يغتمض بكثير نوم يشاور الناس حتى أشاروا عليه بعثمان ، ورأى أنهم لا يعدلون به أحدًا فبايعه وبايعه الناس ) (1) .
وكذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيما رواه عنه زيد بن علي رحمه الله في مجموعه بسنده إلى علي قال : ( ولا تنعقد الإمامة إلا بيعة المسلمين ) (2) .
__________
(1) انظر : مبايعة أبي بكر وعثمان رضي الله تعالى عنهما من هذا الفصل (ص 135 ، ص 142) .
(2) الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير للسياغي ( التتمة لأحمد الحسني ) : ( 5/18) .(1/176)
فلو كانت البيعة غير لازمة لما فعلها الصحابة رضوان الله تعالى عليهم . قال أبو يعلى الفراء : ( الإمامة لا تنعقد للمعهود له بنفس العهد ، وإنما تنعقد بعهد المسلمين ) (1) . وعلى هذا فيمكن أن يسمى العهد ترشيحًا بلغة العصر . وقال الماوردي : ( وذهب بعض علماء البصرة إلى أن رضا أهل الاختيار لبيعته شرط في لزومها للأمة ) (2) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (... وكذلك عمر لما عهد إليه أبو بكر إنما صار إمامًا لما بايعوه وأطاعوه ، ولو قُدِّر أنهم لم ينفذوا عهد أبي بكر ولم يبايعوه لم يصر إمامًا ... ) (3) .
وبهذا يحصل التقارب بين طريق الاختيار وطريق العهد ، في أن كلا منهما مشروط بموافقة أهل الحل والعقد ومبايعتهم له .
أما القائلون بعدم اشتراط رضا أهل الحل والعقد والمبايعة فمنهم الماوردي حيث يقول : ( والصحيح أن بيعته منعقدة ، وأن الرضا بها غير معتبر ) (4) . وقال صاحب السلافة في معرفة الخلافة : ( حكم الإمام في العهد حكم أهل الاختيار في العقد ) (5) .
واحتجوا لذلك بأن بيعة عمر لم تتوقف على رضا الصحابة ، ولأن الإمام أحق بها فكان اختياره فيها أمضى (6) .
ويُرَدُّ على ذلك بأن بيعة عمر حصلت بموافقة جمهور الصحابة رضوان الله تعالى عليهم - كما مرّ بنا - وأن من اعترض على ذلك لزعمه أنه خائف من غلظة عمر تراجع وبايع كما بايع غيره كما مرّ ، ونحن لا نشترط الإجماع من قبل أهل الحل والعقد لا في الاختيار ولا في الاستخلاف .
__________
(1) الأحكام السلطانية (ص 25) .
(2) الأحكام السلطانية للماوردي (ص10) .
(3) منهاج السنة (1/142) .
(4) الأحكام السلطانية (ص10) .
(5) نشأة السلافة في معرفة الخلافة لعبد القادر أحمد الطبري ( مخطوط ) ورقة (23) في المكتبة المركزية بجامعة أم القرى تحت رقم التسلسل (1225) رقم التسجيل (1818) .
(6) الأحكام السلطانية للماوردي (ص10) .(1/177)
أما أحقية الإمام دون غيره فهذا ما لا تقوم له حجة ، بل الحق لعامة المسلمين ينوب عنهم في ذلك كبراؤهم وعقلاؤهم وعلماؤهم - أهل الحل والعقد - وما الإمام إلا ساعٍ لهم فيما يصلحهم في دينهم ودنياهم ، فإن هو وافق الصلاح واستخلف المناسب ستوافقه جماعة أهل الحل والعقد ، وإن هو أخطأ في ذلك فخطأه غير ملزم لبقية المسلمين ، خاصة بعد موته وسقوط بيعته من رقابهم . فلابُد من الرجوع إليهم واستشارتهم في ذلك ، فإذا اختار من يصلح ووافقه أهل الحل والعقد على ذلك فهو المطلوب بل هو لقصر الشِّر وإماتة الفتنة أقرب . والله أعلم .
وبناء على هذا فإن تعيين الإمام ومبايعته سواء عن طريق الاختيار أو الاستخلاف مداره على - أهل الحل والعقد – وما الإمام المستخلف إلا مرشح فقط فإن قبل أهل الشأن - أهل الحل والعقد - تمت له البيعة وانعقدت له الإمامة ، وإن رفضوا فلا عبرة بترشيح الإمام السابق ، وهذا هو الواضح من سيرة الخلفاء الراشدين في ذلك والله أعلم .
شروطه :
هذا وقد حدَّد العلماء شروط الواجب توفرها ليكون الاستخلاف صحيحًا نجملها فيما يلي :
1- أن تكون الشروط المطلوبة في الإمام متحققة في المعهود إليه : كالإسلام والحرية والبلوغ ، والعقل والذكورة ، والعدالة والقرشية وغيرها . وبناء على هذا فإنه لا يجوز أن يعهد إلى صغير ولا إلى فاسق ولا إلى غير الكفء وغيرهم ممن لا تتوفر فيه شروط الإمام المعتبرة شرعًا وستأتي مفصَّلة قريبًا إن شاء الله .
2- أن يقبل المعهود إليه ويرضى به ، فإن لم يقبل المعهود إليه فلا ينعقد عهده ولا يجبر على ذلك ، لأن العهد عقد بين طرفين فلا بد من موافقة كل من الطرفين ورضاهما ، قال النووي : ( يشترط لانعقاد الإمامة أن يجيب المبايع ، فإن امتنع لم تنعقد إمامته ولم يجبر عليها ) (1) .
__________
(1) روضة الطالبين (10/43) .(1/178)
3- أن يكون المعهود له حاضرًا أو في حكم الحاضر ، بحيث يكون معلوم الإقامة ، أما إذا كان المعهود إليه مفقودًا أو مجهولاً فلا يجوز العهد إليه
ولا استخلافه (1) .
4- أن يكون الإمام العاهد قد قام بهذا العهد والإمامة لا زالت معقودة له ، فإن عهد بالإمامة في حال طروء عارض يخرجه عن الإمامة لم يصح العهد (2) .
5- مشاورة العاهد أهل الحل والعقد وموافقتهم له في عهده بدون أي إجبار أو إكراه . ومبايعتهم للمعهود له (3) .
هذا وقد يكون العهد إلى واحد وقد يكون إلى اثنين فأكثر وهذا يكون على ضربين :
الأول :
أن يجعل الإمامة شورى بينهم ، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، ففي هذه الحال يجب أن يختار أهل الحل والعقد أحد المعهود إليهم ثم يبايعوه إمامًا للمسلمين (4) .
الثاني :
أن يعهد الإمام بالإمامة إلى أكثر من واحد يرتبها فيهم ، فيقول مثلاً : إن متّ ففلان هو الإمام ، فإن مات فالإمام فلان ، فإن مات فالإمام فلان ، وهكذا ، فالإمامة حينئذ يجب أن يراعى فيها الترتيب المذكور ، وقد استدل العلماء على هذا بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة مؤتة وتوليته الإمارة لثلاثة على الترتيب كما مر .
العهد إلى الآباء أو الأبناء :
اختلف العلماء في جواز ذلك على ثلاثة مذاهب :
الأول :
__________
(1) النظام الساسي في الإسلام (ص 247) د . محمد عبد القادر أبو فارس .
(2) رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي (ص 287) .
(3) كما سبق توضيح هذا الشرط (ص 180) فما بعدها . سيأتي له زيادة بيان في شروط البيعة (ص 199).
(4) لم يعتبر بعض المُحْدَثين هذا من العهد ، وإنما اعتبره طريقًا ثالثًا وهو : التولية عن طريق الثقة . انظر : الخليفة توليته وعزله للدكتور صلاح دبوس (ص 159) . ونحن لا نرى أن هناك فرقًا بين العهد وهذا ، بل الإمام العاهد المستكمل شروط الإمامة هو من الثقات أيضًا . والله أعلم .(1/179)
عدم جواز العهد إلى أصول العاهد أو فروعه ، وذلك لأن العهد كالشهادة والحكم ، فلا تقبل شهادة الرجل لأصوله ولا لفروعه ، لوجود التهمة بحقه ، فالإنسان بطبعه يحبُّ نفسه ويؤثرها على غيرها في أكثر الأحيان ، ويحب أصوله وفروعه لأنه جزء منهم وهم جزء منه ، فلا تحمله العاطفة على مجانبة الصواب وتزكية والده أو ولده لأمر الخلافة ، وهو لا يستحقها وليس كفؤًا لها ، والمسلم مأمور بالابتعاد عن الشبهات ومواطن التهم ، فإن من اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه .
الثاني :
جواز العهد إلى الأصول والفروع وذلك ( لأنه أمير الأمة ، نافذ الأمر لهم وعليهم ، فغلب حكم المنصب على حكم النَّسب ، ولم يجعل للتهمة عليه طريقًا ) (1) . قال ابن خلدون : ( ولا يُتَّهم الإمام في هذا
الأمر ، وإن عهد إلى أبيه أو ابنه ، لأنه مأمون النظر لهم في حياته ، فأولى أن لا يحتمل فيها تبعة ما بعد مماته ، خلافًا لمن قال : باتهامه في الولد والوالد ، أو لمن خصَّص اتهامه بالولد دون الوالد ، فإنه بعيد عن الظنة في ذلك كله ، لاسيما إذا كانت هناك داعية تدعوا إليه من إيثار مصلحة أو توقع مفسدة فتنتفي الظنة عند ذلك رأسًا ، كما وقع في عهد معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون سواه ... إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس ) (2) .
الثالث :
إن له الانفراد بذلك للوالد دون الولد ، لأن الطبع إلى الولد أَمْيَلَ منه إلى الوالد ، ولذلك كان ما يقتنيه في الأغلب مذخور لولده دون والده ) (3) .
الرأي الراجح وأدلة الترجيح :
والذي يترجَّح عندي من هذه الآراء هو الرأي الأول لسببين اثنين هما :
__________
(1) مآثر الإنافة (1/52) ، وانظر الأحكام السلطانية (ص 25) ، وللماوردي (ص 10) .
(2) مقدمة ابن خلدون (ص 210) بشيء من الاختصار .
(3) مآثر الإناقة (1/52) والأحكام السلطانية للماوردي (ص10) .(1/180)
1- إقتداء بالخلفاء الراشين رضي الله تعالى عنهم ، حيث كانوا بعيدين كل البعد عن مواطن الشبهة ، فلم يعهد أبو بكر رضي الله تعالى عنه لابنه ، ولم يعهد عمر لابنه عبد الله ، وكان من فضلاء الصحابة ، وقد اقترح ذلك عمر بعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ، فقد ذكر ابن سعد في الطبقات قال : أخبرنا وكيع بن الجراح عن الأعمش عن إبراهيم قال : قال عمر : ( من أستخلف ؟ لو كان أبو عبيدة ابن الجراح ، فقال له رجل : يا أمير المؤمنين أين أنت من عبد الله بن عمر ؟ فقال : قاتلك الله ، والله
ما أردت بها الله ... ) (1) وكما مرّ بنا أنه جعله من أهل الشورى ، ولكن نصَّ على أنه لا يتولى الخلافة زيادة في الورع والبعد عن الشبهة .
وكذلك حصر الخلافة في هؤلاء الستة وهم بقية العشرة إلا سعيد بن زيد لأنه كان يَمت له بصلة - فهو ابن عمِّ عمر - فلم يسمِّه بُعدًا عن الشُّبهة ، ومبالغة في التَّبَرِّي من الأمر (2) .
وكذلك عثمان رضي الله تعالى عنه لم يعهد إلى أحد من أقاربه مع أن أكثر المؤرخين يتهمونه بحبِّه لهم رضوان الله تعالى عليه .
__________
(1) طبقات بن سعد (3/343) .
(2) وبنفس السند ذكر هذا الأثر الخلال في المسند من مسائل أحمد ورقة (39) .(1/181)
وكذلك علي رضي الله تعالى عنه لم يعهد إلى الحسن وقد طُلِبَ منه ذلك ، فعند وفاته رضي الله تعالى عنه سأل الناس : أنابيع ابنك الحسن ؟ فردَّ عليهم : ( لا آمركم ولا أنهاكم ، أنتم أبصر ) . وحينما طُلب منه أن يوصي بالخلافة سأله رجل فقال : ألا تعهد يا أمير المؤمنين . فأجابه : لا . وإنما أترككم كما ترككم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1) ... وذلك مبالغة منه رضي الله عنه في التبري .
فالأوْلى الإقتداء بهؤلاء الأبطال والسير على منوالهم لنحوز الفوز في الدنيا والآخرة .
2- إن الإمام مهما بلغ من التقوى والورع والصلاح يبقى إنسانًا فيه ميول وغرائز وطباع ونوازع نحو الخير وأخرى نحو الشَّر ، فهو يخطئ ويصيب ، ويذنب ويستغفر ليس بمعصوم ، ويتأثر بعوامل جبلِّيَّة فُطِرَ عليها كحُبِّ آبائه وأبنائه ومحاباتهم غالبًا . فالأولى له الابتعاد عن مواطن التهمة والشبهة ، والاستبراء لدينه وعرضه من ذلك ، وهي : أمانة يجب التحرز منها ، وأداؤها على وجهها الأكمل ، وقد حذَّر الله تعالى من عاطفة البنوة فقال : { أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ } (2) أي : فلا تقوده عاطفة البنوة إلى الهلاك .
__________
(1) مسند أحمد جـ2 ، حديث رقم 1078 ، عن عبد الله بن سبع ، قال أحمد شاكر : إسناده صحيح (2/242) ، والحديث في مجمع الزوائد (9 : 137) وقال فيه : ( رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن سبيع وهو ثقة ورواه البزار بإسناد حسن ) .
(2) سورة الأنفال آية 28 .(1/182)
أما من سبق وأجاز العهد للولد فإنه اشترط أن يكون الهدف مصلحة المسلمين لا غرضًا دنيويًا رخيصًا ، بل اعتبر ذلك بعض الكتاب من شروط صحة العهد عمومًا فقد قال د . صلاح دبوس : ( الشرط الثاني : أن يستوحي العاهد من عهده مصلحة المسلمين ، وهذا ما يكشف عنه عمل أبي بكر عند توليته لعمر رضي الله تعالى عنهما كما هو ظاهر من عهده له ) (1) . والذي سبق أن عرضناه آنفًا ، وكذلك عهد معاوية لابنه يزيد بدافع مصلحة المسلمين وإلا فهناك من هو أحق منه وأفضل وأصلح ، ولكن خشي إن تركهم بدون عهد أن تعود الفتنة مرة أخرى ، يقول ابن خلدون في هذا الصدد : ( وكذلك عهد معاوية على يزيد خوفًا من افتراق الكلمة ، لما كانت بنوا أمية لم يرضوا تسليم الأمر إلى من سواهم ، فلو قد عهد إلى غيره اختلفوا عليه مع أن ظنه به كان صالحًا ، ولا يرتاب أحد في ذلك ، ولا يظن معاوية غيره ، فلم يكن ليعهد إليه وهو يعتقد ما كان عليه من الفسق ، حاشا الله لمعاوية من ذلك ) (2) .
__________
(1) الخليفة توليته وعزله (ص 149) .
(2) المقدمة (ص 206) .(1/183)
وذلك من باب مبايعة المفضول مع وجود الأفضل - كما سيأتي في الشروط - فلا يصار إلى العهد إلى الأقارب إلا إذا ما رَجَّحت مصلحة المسلمين ذلك ، وتيُقِّن تحقيق هذه المصلحة . وبناء على هذا فهم متفقون على أن الإمامة لا تورث ، فليس من الإسلام في شيء أن تكون الإمامة في أسرة معينة ، أو طائفة خاصة ، قال ابن خلدون : ( وأما أن يكون القصد بالعهد حفظ التراث على الأبناء فليس من المقاصد الدينية ، إذ هو أمر من الله يخصُّ به من يشاء من عباده ، وينبغي أن تحسن فيه النية ما أمكن خوفًا من العبث بالمناصب الدينية ، والملك لله يؤتيه من يشاء ) (1) . وقال عبد القاهر البغدادي : ( كل من قال بها - أي بإمامة أبي بكر رضي الله عنه - قال : إن الإمامة لا تكون موروثة ) (2) . ومعلوم أن كل أهل السنة يقولون بإمامة أبي بكر رضي الله عنه ، ولم يخالفهم إلا الرافضة من الشيعة ، وقال ابن حزم : ( لا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أنه لا يجوز التوارث فيها ) (3) . فنظام الحكم الوراثي غير معترف به إذن في الإسلام مطلقًا ، وقد قال الله عز وجل : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } (4) .
البيعة
رأينا فيما سبق الطرق الشرعية لانعقاد الإمامة ، وهي الاختيار والاستخلاف ورأينا أن كلاً منهما لا بد فيه من البيعة من قِبَل أهل الحل
والعقد ، ثم من قبل عموم المسلمين الذين يتيسر حضورهم ، والآن نودُّ نتعرَّف على ماهِيَّة البيعة وأنواعها وشروطها وأقسامها وغير ذلك مما لا يتعلق بها من أحكام فنقول :
تعريفها :
__________
(1) نفس المرجع (ص 212) .
(2) أصول الدين (ص 184) .
(3) الفصل في الملل والنحل (4/167) .
(4) سورة البقرة آية 124 .(1/184)
البيعة : بفتح الباء تطلق ويراد بها الصفقة على إيجاب البيع ، وعلى المبايعة والطاعة ، قال ابن منظور : ( والبيعة : المبايعة والطاعة ، وقد تبايعوا على الأمر كقولك : أصفقوا عليه ، وبايعه عليه مبايعة : عاهده ، وبايعته من البيع والبيعة جميعًا والتبايع مثله ، وفي الحديث أنه قال : « ألا تبايعوني على الإسلام » ؟ هو عبارة عن المعاقدة والمعاهدة ، كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره ) (1) .
فالبيعة إذن تعني : إعطاء العهد من المبايع على السمع والطاعة للأمير في غير معصية ، في المنشط والمكره والعسر واليسر وعدم منازعته الأمر وتفويض الأمور إليه . قال ابن خلدون : ( اعلم أن البيعة هي : العهد على الطاعة كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يُسَلِّم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين ، لا ينازعه في شيء من ذلك ، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره ، وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدًا للعهد ، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري ، فسمي بيعة مصدر باع وصارت البيعة مصافحة بالأيدي ، هذا مدلولها في عرف اللغة ومعهود الشرع وهو المراد في الحديث في بيعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة وعند الشجرة ) (2) .
أنواع البيعة :
تتنوع البيعة في الشرع بحسب الأمر المبايع عليه ، وأهم الأمور التي بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عليها أربعة :
__________
(1) لسان العرب مادة ( بيع ) (8/26) .
(2) مقدمة ابن خلدون (ص 209) .(1/185)
أولاً : البيعة على الإسلام ، وهي أوجب الأنواع وآكدها ، ولا شيء من البيعات نكثه كفر إلا هذه ، أما غيرها فكبيرة من الكبائر وذنب عظيم ، وأكثر ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبايع الناس على الإسلام ، وذلك أن يأتي الرجل الذي يريد الدخول في الإسلام فيسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويضع يده في يده ويتشهد أو يتعهد بالتزام الإسلام ، فيصير بذلك مسلمًا مبايعًا للرسول - صلى الله عليه وسلم - . وكل هذا ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأدلة صحيحة كثيرة منها :
1- قول الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (1) .
2- حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والسمع والطاعة والنصح لكل مسلم ) (2) .
وهذا الحديث شامل لهذا النوع ولغيره من أنواع البيعات كما سيأتي .
__________
(1) الممتحنة آية 12 .
(2) متفق عليه ، رواه البخاري في ك : البيوع . ب : 68 ، هل يبيع حاضر لباد بغير أجر ؟ فتح الباري (4/370) ، ورواه مسلم في ك : الإيمان . ب : بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمن ، ح56 ، (1/75) ، ورواه الترمذي في : البر . 17 ، والنسائي في البيعة : 16 ، والدارمي في : البيوع ، وأحمد في المسند (4/358) .(1/186)
3- حديث ضماد رضي الله تعالى عنه الطويل وفيه أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ( هات يدك أبايعك على الإسلام ) ، فبايعه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « وعلى قومك » ، قال : ( وعلى قومي ) (1) .
4- حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى قال : جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( بايعْني على الإسلام ، فبايعه على الإسلام ، ثم جاء من الغد محمومًا فقال : أقلني . فأبى ، فلما ولَّى قال : « المدينة كالكير تنفي خبثها وتنصع طيبها » (2) .
ثانيًا : البيعة على النصرة والمنعة :
وهذه تتضح في البيعة التي أخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - على وفد الأنصار ، وهي بيعة العقبة الثانية (3) ، وكان عددهم إذ ذاك ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين : ( فواعدهم النبي - صلى الله عليه وسلم - سرَّا بالعقبة من أوسط أيام التشريق ، فلما حضروا ، تكلَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغَّب في الإسلام ، ثم قال : أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم قال : فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال : نعم والذي بعثك
بالحق نبيًا لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا رسول الله ... إلخ ) (4) .
ثالثًا : البيعة على الجهاد :
وقد وردت في القرآن الكريم وفي السنة الشريفة في عدة مواضع منها :
__________
(1) رواه مسلم في ك : الجمعة . ب : تخفيف الصلاة والخطبة ، ح868 ، (2/593) .
(2) رواه البخاري ك : الأحكام . ب : 50 ، من نكث بيعته ، فتح الباري (13/205) .
(3) كانت بيعة العقبة الأولى على الإسلام كما في بيعة النساء { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ ... } . انظر البخاري ك : الإيمان ب : 11 ، فتح الباري (1/64) ، وسيرة ابن هشام (1/433) .
(4) مسند الإمام أحمد (5/325) ، وسيرة ابن هشام (1/443) .(1/187)
1 - قول الله تعالى : { إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (1) .
فالله سبحانه وتعالى ابتاع من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة وعدًا عليه حقًا في كتبه المنزلة أن يفي لهم ما وعدهم إذا هم وفوا ما عاهدوا الله عليه ، فقاتلوا في سبيل الله فقتلوا أو قُتلوا . وذكر ابن جرير عن شمر بن عطية قال : ( ما من مسلم إلا ولله في عنقه بيعة وفَّى بها أو مات عليها في قول الله تعالى : { إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ ... } الآية (2) . قال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله : ( ولو لم يكن في ذلك إلا قول ربي عز وجل - وذكر الآية - لكانت هذه الآية كافية في نعش القلوب وتهييج النفوس وتشويقها ، وحملها على تلك البيعة الرابحة التي لا خطر لها ولا يحاط بعظم فضلها والله المستعان ) (3) . فهذه البيعة في عنق كل مسلم ، وهي الجهاد في سبيل الله وهي مستمرة ، لأن الجهاد
ماض إلى يوم القيامة ، وهي في هذا الموطن تحتمل البيعة بمعنى الشراء ، وتحتمل أن تكون بمعنى العهد .
__________
(1) التوبة آية 111 .
(2) تفسير الطبري (11/35) .
(3) معارج القبول (1/300) ن . جماعة إحياء التراث مصر . ط . بدون .(1/188)
2- ومنها ما ورد في الحديبية من قول الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } (1) . فهذه التي كانت في الحديبية . وذُكر في سببها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى مكة للتفاوض مع المشركين وإخبارهم أن الرسول جاء معتمرًا لا غازيًا ، فاحتبسته قريش في مكة ، وأشيع عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قد قتل ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « لا نبرح حتى نناجز القوم » ، ودعا إلى البيعة ، وكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة (2) . وقد نزل في هذه البيعة ، قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة ، وهو قوله تعالى في نفس السورة : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ... } (3) . وفي هذه الآية يمتدح الله صنيعهم في هذا الموقف ويمنحهم رضاه عز وجل وهو هدفهم المنشود رضوان الله عليهم .
3- وروى البخاري عن يزيد بن أبي عبيد قال : قلت : لسلمة بن الأكوع : على أي شيء بايعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية ؟ قال :
(
__________
(1) سورة الفتح آية 10 .
(2) انظر : بتوسع سيرة ابن هشام (3/315) ، وتفسير ابن كثير (7/314) .
(3) سورة الفتح آية 18 .(1/189)
على الموت ) (1) . وفي رواية عند البخاري : ( على الصبر ) . وفي رواية مسلم عن جابر قال : ( لم نبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الموت ، وإنما بايعناه على ألا نفر ) (2) .
4- وروى البخاري في باب البيعة في الحرب ... أحاديث كثيرة في ذلك حتى كان مما يردده المهاجرون والأنصار يوم الخندق من الرجز :
نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الجهاد ما حيينا أبدًا (3)
رابعًا : البيعة على الهجرة :
وكانت أول الأمر فرض عين على من أسلم ، ثم انتهت بعد الفتح ، ومن أدلة ذلك حديث مجاشع بن مسعود رضي الله عنه قال : أتيت بأخي بعد الفتح فقلت : يا رسول الله جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة ، قال : « ذهب أهل الهجرة بما فيها » ، فقلت : على أي شيء تبايعه ؟ قال : « أبايعه على الإسلام والجهاد والخير » (4) . والمراد الهجرة من مكة إلى المدينة ، أما الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام ، فهذه حكمها مستمرة إلى قيام الساعة .
خامسًا : البيعة على السمع والطاعة :
وهذه هي التي إذا أطلقت البيعة انصرفت إليها ، والتي كانت تعطي للأئمة عند تعينهم خلفاء للمسلمين - وهي المراد في هذا الباب - والأدلة عليها كثيرة منها :
__________
(1) رواه البخاري في ك : المغازي . ب : 35 ، غزوة الحديبية ، فتح الباري (7/449) ، ومسلم في ك : الإمارة . ب : استحباب مبايعة الإمام الجيش ، ح1861 ، (3/1486) .
(2) صحيح مسلم ك : الإمارة . ب : استحباب مبايعة الإمام الجيش ، ح1856 ، (3/1483) .
(3) البخاري ك : الجهاد . ب : 110 ، في البيعة في الحرب ، فتح الباري (6/117) .
(4) متفق عليه : رواه البخاري في ك : الجهاد . ب : 110 ، في البيعة في الحرب ، فتح الباري (6/116) ، ومسلم في ك : الإمارة . ب : تحريم رجوع المهاجر إلى استيطان وطنه ، ح1863 ، (3/1487) .(1/190)
1- حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، وعلى أثرة علينا ، وعلى ألا ننازع الأمر أهله ، إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان ) . وفي رواية : ( وعلى أن نقول بالحق أينما كنا ، وألا نخاف في الله لومة لائم ) (1) .
2- حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : ( كنا نبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة يقول لنا : « فيما استطعت » (2) ) . وتقدم حديث جرير بن عبد الله وفيه المبايعة على السمع والطاعة فلقَّنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « فيما استطعت ، والنصح لكل مسلم » .
ونحن في بحثنا هذا سنقتصر على هذا النوع من البيعات ، وهو بيعة الإمام رعيته على السمع والطاعة .
شروط صحة البيعة :
ذكر العلماء أن هناك بعض الشروط التي يجب توفرها لصحة عقد البيعة : ومن ثم يجب على المسلم أن يبايع لمن توفرت فيه هذه الشروط وهي :
1- أن يجتمع في المأخوذ له البيعة شروط الإمامة - وستأتي مفصلة - فلا تنعقد مع فوات واحد منها إلا مع الشوكة والغلبة كما سيأتي .
__________
(1) متفق عليه رواه البخاري في ك : الفتن . ب : 2 ، قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « سترون بعدي أمورًا تنكرونها » فتح الباري (13/5) ، ومسلم في ك : الإمارة . ب : وجوب طاعة الأمراء تنكرونها في غير معصية ح1749 ، (3/1470) .
(2) رواه مسلم في ك : الإمارة . ب : البيعة على السمع والطاعة فيما استطاع ، ح1867 ، (3/1490) .(1/191)
2- أن يكون المتولي لعقد البيعة - بيعة الانعقاد - أهل الحل والعقد كما سبق أن بينًا أن ذلك من وظائفهم ، قال الرملي : ( أما بيعة غير أهل الحل والعقد من العوام فلا عبرة لها ) (1) قلت : ذلك في بيعة الانعقاد ، أما البيعة العامة فلهم ذلك كما سيأتي ، لكنه يشترط في المبايع التكليف ، بدليل أن زينب بنت حميد ذهبت بابنها عبد الله بن هشام - وكان قد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله بايعه . فقال النبي : « هو صغير » . فسمح رأسه ودعا له ) (2) .
ودليل هذا الشرط هو فعل الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم كما مرّ ، وقول عمر رضي الله عنه كما ثبت في الصحيح : ( من بايع رجلاً من غير مشورة المسلمين فلا يبايع ) . وفي رواية : ( فلا يتابع هو ومن بايعه تَغِرَّة أن يقتلا ) (3) . وقال عمر رضي الله عنه وهو على فراش الموت : ( أمهلوا ، فإن حدث بي حدث فليصل بالناس صهيب مولى بني جدعان ثلاث ليال ، ثم اجمعوا في اليوم الثالث أشراف الناس ، وأمراء الأجناد فأمِّروا
أحدكم - لاحظ الخطاب : للستة - فمن تأمر من غير مشورة فاضربوا عنقه ) (4) .
3- أن يجيب المبايع إلى البيعة . فلو امتنع لم تنعقد إمامته ولم يجبر عليها . قال النووي في الروضة : ( إلا أن يكون من لا يصلح للإمامة إلا واحد فيجبر بلا خلاف ) (5) .
__________
(1) نهاية المحتاج (7/390) .
(2) رواه البخاري في ك : الأحكام . ب : 46 ، بيعة الصغير ، فتح الباري (13/200) .
(3) رواه البخاري في ك : الحدود . ب : رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت ، فتح الباري (12/145) ، ورواه الإمام أحمد في المسند (1/56) . وانظر : (ص 137) .
(4) سنن البيهقي (8/151) .
(5) مآثر الإناقة (1/45) .(1/192)
4- أن يتَّحِدَ المعقود له ، بأن لا تعقد البيعة لأكثر من واحد ، يدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : « إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما » (1) وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « فوا بيعة الأول فالأول » (2) . ولذلك أبى سعيد ابن المسيب رحمه الله لما دعي إلى البيعة للوليد وسليمان ابني عبد الملك بن مروان ، فقال : ( لا أبايع اثنين ما اختلف الليل والنهار ) ، قال : فقيل : ادخل من الباب واخرج من الباب الآخر ، فقال : ( لا والله لا يقتدي بي أحد من الناس فجُلِد وأْلبِس المسوح ) (3) .
5- أن تكون البيعة على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - قولاً وعملاً ، وهذا الشرط واضح في خطب الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم كما مر ، حيث قال أبو بكر رضي الله عنه : ( أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ... ) (4) . وتبعه عمر فقال : ( فورب الكعبة لأحملن العرب على
الطريقين ) . وقال عبد الرحمن بن عوف لعثمان رضي الله عنهما : ( أبايعك على سنة الله ، وسنة رسوله ، والخليفتين من بعده ) (5) . فوافقه عثمان وبايعه على ذلك .
__________
(1) رواه مسلم في ك : الإمارة ، ب : إذا بويع لخليفتين ، ح1853 ، (3/1480) وغيره .
(2) متفق عليه وسبق تخريجه في التعريف (ص 36) .
(3) حلية الأولياء لأبي نعيم (2/170) قال العراقي : إسناده صحيح انظر حاشية إحياء علوم الدين (2/145) ، وانظر البداية والنهاية (9/60) و (9/101) .
(4) سيرة ابن هشام (4/661) والبداية والنهاية (6/301) . قال ابن كثير : إسناده صحيح . انظر : (ص 138) من هذا الفصل .
(5) صحيح البخاري ك : الأحكام . ب : 43 ، كيف يبايع الإمام الناس ؟ (فتح الباري (13/194) .(1/193)
وكما كتب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لعبد الملك بن مروان بعد أن اجتمع عليه الناس : ( إني أُقرُّ بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين على سنة الله وسنة رسوله ما استطعت وإنّ بني قد أقروا بمثل ذلك ) (1) .
قال د . ظافر القاسمي : ( وهذا الشرط مستند إلى صريح القرآن الكريم حيث ترددت آية واحدة (2) في سورة واحدة ولم يتغير فيها إلا جزء واحد : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ... } (3) . فإذا خالف المبايع هذا الشرط فلم يعمل بما في الكتاب والسنة أو عمل بما يناقضهما فقد انتقضت بيعته لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « المسلمون على شروطهم » (4) .
6- الحرية الكاملة للمبايع في البيعة ، كما فعل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم في بيعة الخلفاء الراشدين ، فلم تذكر الروايات أنهم أجبروا أحدًا
__________
(1) صحيح البخاري ك : الأحكام . ب : 43 ، كيف يبايع الإمام الناس ؟ فتح الباري (13/194) .
(2) الحق أنها جزء من آية وليست آية مستقلة في المواضع الثلاث . انظر : سورة المائدة الآيات 43 ، 45 ، 47 .
(3) نظام الحكم في الشريعة والتأريخ الإسلامي (ص 274) .
(4) رواه البخاري تعليقًا في ك : الإجارة . ب : أجرة السمسرة ... فتح الباري (4/451) ، ورواه أبو داود في ك : الأقضية . ب : في الصلح ، عون (9/516) . ونحوه عند الترمذي : ك : الأحكام . ب : في الصلح وزاد : ( إلا شرطًا حرَّم حلالاً أو أحلَّ حرامًا ) (3/626) وقال : حسن صحيح .(1/194)
على بيعة قط ، وإنما يبايع باختياره أو يترك ، وقد كانوا يبدون اعتراضاتهم ولكنهم يتراجعون بعد الاقتناع بالحجة والبرهان ، وبناء على هذا الشرط فبيعة المكره لا تلزم ، فقد قال ابن كثير : ( روى ابن جرير عن الإمام مالك أنه أفتى الناس بمبايعته - أي محمد بن عبد الله بن حسن الذي خرج سنة 145 هـ - فقيل له : فإن في أعناقنا بيعة للمنصور ، فقال : إنما كنتم مكرهين ، وليس لمكره بيعة ، فبايعه الناس عند ذلك ولزم مالك بيته ) (1) . وكان هذا هو سبب منته رحمه الله وجلده (2) .
ومما يدل على هذا الشرط أيضًا أن البيعة عقد مراضاة واختيار لا سبيل فيها إلى الإجبار والإكراه .
7- الإشهاد على المبايعة : من العلماء من شروط الإشهاد على المبايعة (3) وذلك لئلا يدعي مدع أن الإمامة عقدت له سرًا فيؤدي ذلك إلى الشقاق والفتنة والذين قالوا : بوجوب الإشهاد على عقد الإمامة قالوا : يكفي شاهدان خلافًا للجبائي في اشتراطه : أربعة شهود وعاقدًا ومعقودًا له مستنبطًا ذلك من ترك عمر الأمر شورى بين ستة ، فوقع الأمر على عاقد وهو : عبد الرحمن بن عوف ، ومعقود له وهو : عثمان بن عفان ، وبقي الأربعة الآخرون شهودًا ، قال الشنقيطي رحمه الله : ( ولا يخفى ضعف هذا الاستنباط كما نَبَّه عليه القرطبي وابن كثير والعلم عند الله تعالى ) (4) .
أما جمهور العلماء فقد قالوا : بأنه لا يجب الإشهاد ، لأن إيجاب الإشهاد يحتاج إلى دليل من النقل وهذا لا دليل عليه منه .
__________
(1) البداية والنهاية (10/84) .
(2) آداب الشافعي ومناقبه للرازي (ص 203) .
(3) انظر مآثر الإنافة للقلقشندي (1/45) .
(4) أضواء البيان (1/61) .(1/195)
قلت : والذين قالوا بإيجاب الإشهاد هم القائلون بجواز أن يكون العاقد واحدًا ، فهنا يجب الإشهاد ، وسبق أن بيَّنَّا الراجح في هذه المسألة ، وهو أن الذي يقوم بالعقد هم : أهل الحل والعقد ، فهم جماعة لا يحتاج معهم إلى شهود ، وسبق أن ناقشنا الأقوال المحددة لأهل الحل والعقد (1) فالحاصل أن هذا الشرط غير واجب اشتراطه . والله أعلم .
حكم نكث البيعة :
الإسلام دين الالتزام والنظام ، ومن بديهيات هذا الدين الوفاء بالعهود سواء كانت بين المسلمين بعضهم مع بعض ، أو حتى مع الكفار ، وقد ورد في القرآن الكريم الوفاء بهذه العهود سواء كانت عهودًا خاصة بين الأفراد أو بين جماعاتهم ، أو حتى بين المسلمين وأعدائهم من الكفار . ومن هذه الآيات .
1- قوله تعالى : { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } (2) .
2- وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ... الآية } (3) .
3- وقوله عز وجل : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } (4) .
وهذا عام في كل عقد وعهد ، والبيعة بجميع أنواعها داخلة في هذه العقود والعهود ، وهذه الآيات تدل على وجوب الوفاء بها .
والبيعة نفسها لما كانت تختلف باختلاف المبايع عليه كما رأينا آنفًا في تعداد أنواعها ، فإنه لا يصح إطلاق حكم معين على من لم يلتزم بالبيعة ، دون تقييده إما لفظًا أو بقرينة الحال بما يدل على النوع المراد من هذه البيعات ، ولكل نوع حكمه الخاص ، فمنها ما هو كفر ، ومنها ما هو معصية وكبيرة من الكبائر ، فالمسألة إذًا تحتاج إلى تفصيل كما سيأتي :
__________
(1) انظر : (ص 164) من هذا الفصل .
(2) سورة الإسراء آية 34 .
(3) سورة المائدة الآية الأولى .
(4) سورة النحل آية 91 .(1/196)
1- البيعة على الإسلام :
فهذه إذا نقضها المبايع يكون كافرًا مرتدًا عن الإسلام ، كما فعل الأعرابي في الحديث السابق ، مع أنه من المحتمل أن يكون هذا الأعرابي قد طلب الإقالة من البيعة على الهجرة لا على الإسلام عندما استوخم المدينة وأصابته حماها ، فلا يكون بذلك مرتدًا عن الإسلام ، بل يكون مرتكبًا لكبيرة من الكبائر آنذاك وهي التعرب بعد الهجرة (1) .
وقد أثبت الله الإيمان لمن لم يهاجر ، وإن كان نفى عنه الولاية كما في قوله تعالى : { ... وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ... } الآية (2) .
علمًا بأن البيعة على الإسلام كانت خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، لا نعلم من الصحابة ولا من بعدهم أحدًا أخذها ، وإنما كان الرجل بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل في الإسلام دون بيعة لأحد ، بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه لم يبايع جميع المسلمين على الإسلام ، فإن منهم من أسلم ولم يره ، وكثير منهم أسلم ولم يضع يده في يده - صلى الله عليه وسلم - .
أما البيعة على الهجرة فقد انقطعت بانقطاع الهجرة بعد فتح مكة كما مر .
__________
(1) انظر : فتح الباري (13/200) .
(2) سورة الأنفال آية 72 .(1/197)
2- أما من نكث البيعة على النصرة أو الجهاد أو السمع والطاعة دون أن يصدر منه ما ينافي أصل الإيمان ، فهذا يكون بذلك عاصيًا مرتكبًا لكبيرة من الكبائر ، وهي : نقض العهد الذي توعد الله فاعله ، وهذه تختلف حرمتها باختلاف موضوعها ، فأشدها حرمة نكث بيعة الإمام الشرعي على السمع والطاعة في غير معصية من دون مبرر شرعي ، وهي : عقد على الدوام إلا إذا حدث من المبايع أو قام به ما ينقضها كالموت أو الكفر أو الجنون ونحو ذلك ، وهي المراد بالبيعة عند الإطلاق .
أما البيعة على النصرة والجهد فهي تأتي في ظروف استثنائية ولذلك تُذكر مقيدة ، ويجب الوفاء بها عند انعقادها ، ونكثها أخف من نكث بيعة الإمام على السمع والطاعة ، فإنه يجوز أن يبايع القائد المسلم جيشه على الثبات والصبر ، وقد يثبت ويصبر هذا المبايع وقد لا يثبت .
وقد ورد أحاديث كثيرة في وجوب الوفاء ببيعة الإمام على السمع والطاعة في غير معصية ، وتحريم نكث بيعته بدون مبرر شرعي ، ومن هذه الأحاديث :
1- حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر ، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرًا فيموت إلا مات ميتة الجاهلية » (1) .
قال ابن أبي حمزة : ( المراد بالمفارقة السعي إلى حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ) (2) .
__________
(1) متفق عليه . رواه البخاري في ك : الأحكام . ب : 4 ، فتح الباري (13/121) ، ومسلم في ك : الإمارة . ب : وجوب ملازمة جماعة المسلمين ، ح 1849 ، (3/1477) ، والدارمي : ك : السيرة . ب : 7 ، وأحمد في المسند (1/275) .
(2) فتح الباري (13/7) .(1/198)
2- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر » (1) .
3- ومنها ما روي عن أبي حازم رضي الله عنه قال : قاعدت أبا هريرة خمس سنين ، فسمعته يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « كانت بنو إسرائيل تسوسهم لأنبياء ، كلما هلك نبي خلفه نبي ، وأنه لا نبي بعدي ، وستكون خلفاء فتكثر » . قالوا فما تأمرنا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : « فوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم » (2) .
4- حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية » (3) . أي : عند وجود الإمام الشرعي ، وذلك لأنه قد يفهم بعض الناس من ظاهر هذا الحديث أنه يجب على المسلم أن يبايع الحاكم الموجود في عصره مهما كان هذا الحاكم ، سواء كان فاسقًا أو ظالمًا ، بل ولو كافرًا والعياذ بالله ، حتى يسلم من هذا الوعيد وهو : « الميتة الجاهلية » .
__________
(1) رواه مسلم في ك : الإمارة . ب : وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء ، ح1844 ، (3/1473) ، وأبو داود في ك : البيعة . ب : 25 ، عون (11/319) ، وابن ماجة ك : الفتن . ب : 9 ، (2/1306) ، ح3956 ، والنسائي في ك : البيعة . ب : على من بايع الإمام وأعطاه صفقة قلبه (7/153) ، وأحمد (2/161) .
(2) متفق عليه وسبق تخريجه في التعريف (ص 36) .
(3) رواه مسلم في ك : الإمارة . ب : وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن ... ح1851 ، (3/1478) .(1/199)
والحق خلاف هذا الفهم ، فالذي يفهم منه أنه إذا كان هناك إمام شرعي ، توفرت فيه شروط صحة البيعة ، وانتفت نواقضها ، فإنه يجب على المسلم أن يبادر إلى البيعة إذا كان من أهل الحل والعقد ، أو طلبت منه ولا يجوز له أن يبيت ولا يراه إمام ، أما إذا لم تكن شروط صحة البيعة متوفرة في هذا الحاكم ، فليس عليه واجب البيعة ، بل عليه أن يسعى لإيجاد الإمام الشرعي حسب طاقته ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها .
والذي يدل على أن الحديث خلاف ظاهره ما يلي :
1- أن البيعة واجبة وجوبًا كفائيًا إذا قام به البعض سقط ، الباقين كما هو قول الجمهور (1) .
2- فعل راوي الحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما نفسه ، فهو أولى بفهم الحديث على وجهه الصحيح من غيره ، فقد قال عنه الحافظ ابن حجر : ( أنه امتنع أن يبايع لعلي أو معاوية ، ثم بايع لمعاوية لما اصطلح مع الحسن بن علي واجتمع عليه الناس ، وبايع لابنه يزيد بعد موت معاوية لاجتماع الناس عليه ، ثم امتنع من المبايعة لأحد حال الاختلاف إلى أن قتل الزبير وانتظم الملك كله لعبد الملك بن مروان فبايع له حينئذ ) (2) .
فلو فهم الحديث على ظاهره لما بات ليلة إلا وفي عنقه بيعة لأحدهما يعطيها من يدلَّه عليه اجتهاده على أنه أقرب للصواب ، وقد روي عنه قوله : (... لكني أكره أن أبايع أميرين قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد ) (3) .
__________
(1) انظر : المعتمد في أصول الدين (ص 254) ، وروضة القضاة وطريق النجاة للسمناني (1/69) ، والأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 27) ... وللماوردي (ص 15) .
(2) فتح الباري (13/195) . وانظر : اعتزاله للحرب بين ابن الزبير والحجاج . البداية والنهاية (9/121) وإنكاره على أبي سعيد الخدري مبايعته لابن الزبير ثم لأهل الشام مسند أحمد (3/30) .
(3) المسند (3/30) .(1/200)
فالمقصود أنه أخذ مدة وليس في عنقه بيعة لأحد ، وهذا على خلاف ظاهر الحديث . لانتفاء أحد شروط صحة البيعة ، وهو أن يكون المبايع واحدًا ، كما مر .
3- ما رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « يكون دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها » ، فقلت : يا رسول الله ، صفهم لنا ؟ قال : « هم قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا » ، فقلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : « فالزم جماعة المسلمين وإمامهم ، فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض بأصل شجرة ، حتى يدركك الموت وأنت كذلك » (1) .
كما أمر - صلى الله عليه وسلم - عند الاختلاف بقوله : « تأخذون بما تعرفون ، وتَدَعُون ما تنكرون وتقبلون على خاصتكم وتذرون أمر عوامكم » (2) .
فلو كانت البيعة واجبة في عنق كل مسلم في كل وقت لأمر بمبايعة إمام إحدى هذه الفرق ، علمًا بأن لكل فرقة إمامًا ، فلا يجوز مبايعة إلا الإمام الشرعي متى وجد ، وقد رفع الله عنا الحرج والعنت وأرشدنا عند وقوع هذه الحالة أن نُقْبِل على أمر الخاصة ( وهم أهل الشخص وذويه وأقاربه وإخوانه ) وندع أمر العامة من سوى ذلك .
__________
(1) متفق عليه ، رواه البخاري في ك : الفتن . ب : 11، كيف الأمر إذا لم تكن جماعة ، فتح الباري (13/35) ، ومسلم في ك : الإمارة . ب : وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن (3/1475) ، وابن ماجة في الفتن . ب : 13 ، في العزلة ، ح39779 ، (2/1317) .
(2) رواه ابن ماجة في ك : الفتن . ب : 10 ، التثبت في الفتنة ، ح3957 ، (2/1308) ، وأبو داود في ك : الملاحم . ب : 17، عون (11/498) ، وفي المسند (2/162) .(1/201)
4- كما أنه لو أخذ الحدث على الفهم السابق لما بقي شيء اسمه الولاء والبراء أصلاً ، وتوضيح ذلك أن البيعة تعبير عن الولاء - أو هي الولاء نفسه - فإذا قلنا إنه لا بد من إعطاء البيعة للموجود كائنًا من كان ، فمعنى هذا : إننا واليناه وعادينا من عاداه ، سواء كان فاسقًا ، أو ظالمًا ، أو كافرًا والعياذ بالله . وهذا يؤدي إلى الوقوع في محذور أكبر مما توعد به ناقض البيعة الحقيقي ، قال الله تعالى : { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } (1) وحاشا أن يأمرنا الله بموالاة أعدائه .
فالمقصود أن البيعة حكم شرعي ، له شروط وموانع جاء الشرع بها ، فمتى تحققت الشروط وانتفت الموانع وجب الحكم وإما لا فلا . نحو الزكاة فهي الركن الثالث من أركان الإسلام وقد توعد الشارع من لم يؤدها بأشد العذاب ، ولكن هذا الوعيد لا يقع إلا عندما يملك الإنسان المال الذي فيه زكاة ، ويكتمل النصاب ، ثم يحول عليه الحول ، وغير ذلك من الشروط ، ثم يمنع زكاته ، وكذلك هنا . فإذا كان هناك إمام شرعي ، وامتنع المسلم من البيعة ، عند ذلك يقع في الوعيد الذي نص عليه الحديث . والله أعلم .
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن حديث « من مات وليس له
إمام مات ميتة جاهلية » ما معناه ؟ فقال : ( أتدري ما الإمام ؟ الإمام الذي : يجمع المسلمون عليه ، كلهم يقول هذا إمام ، فهذا معناه ) (2) .
من يأخذها ؟
__________
(1) سورة المائدة آية 51 .
(2) المسند من مسائل الإمام أحمد للخلال ق . (1) .(1/202)
والذي يأخذ البيعة من المسلمين هو الإمام في حاضرة الدولة الإسلامية ، أما الأقاليم البعيدة فقد يأخذها هو أو من ينيبه عنه ، فلقد أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - البيعة بنفسه ، وكان أحيانًا ينيب عنه كما فعل في بيعة النساء ، فقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أمر عمر بن الخطاب أن يأخذ البيعة من النساء عام الفتح ، وكان من بين النساء هند بنت عتبة رضي الله تعالى عنها حيث قال - صلى الله عليه وسلم - لعمر : « بايعهن واستغفر لهن الله ، فبايعهن عمر رضي الله تعالى عنه » (1) .
صور البيعة :
وللبيعة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم من جاء من بعده عدة صور منها :
1- المصافحة والكلام :
وقد مر معنا بعض الأحاديث المصرحة بذلك (2) وهذا هو الغالب في بيعات النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن ذلك بيعة الرضوان ، وقد قال الله تعالى فيها : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } (3) .
2- الكلام فقط :
وهذا يكون عادة في مبايعته - صلى الله عليه وسلم - للنساء ومن به عاهة ، فقد كانت مبايعته لهن كلامًا فقط ، لأنه لا يجوز للمسلم أن يمسَّ يد امرأة أجنبية ، وأحيانًا يبايعهن من تحت الثياب ، والذي يدلّ على ذلك ما يلي :
__________
(1) تفسير الطبري (28/78) ، وشرح ثلاثيات المسند للسفاريني (2/927) . ط . أولى .
(2) انظر : (ص 192) من هذا الفصل .
(3) الفتح آية 10 .(1/203)
أ- ما رُوي أَن أُميمة بنت رقيقة دخلت في نسوة تبايع ، فقلن : يا رسول الله : ابسط يدك نصافحك . فقال : « إني لا أصافح النساء ، ولكن سآخذ عليكن » ، فأخذ علينا حتى بلغ : { وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } فقال : « فيما أطقتنّ واستطعتن » ، فقلن : ( الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا ) (1) .
ب- وقالت عائشة رضي الله عنها : ( والله ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط ، غير أنه بايعهن بالكلام ) (2) .
جـ - وكما بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل المجذوم حيث أرسل له وقال : « ارجع فقد بايعتك » (3) .
3 - الكتابة :
وهذا واضح في مبايعة النجاشي له - صلى الله عليه وسلم - حيث كتب إليه فقال : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، إلى محمد رسول الله من : النجاشي الأصحم بن
أبحر ، سلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته من الله الذي لا إله إلا هو الذي هداني للإسلام ، أما بعد : فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى ... ) إلى أن قال : ( وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأصحابه وأسلمت على يديه لله رب العالمين ) (4) .
__________
(1) رواه ابن ماجة في ك : الجهاد . ب : 43 ، ح2875 ، (2/959) ، والنسائي في ك : البيعة . ب : بيعة النساء (7/149) ، ومالك في الموطأ ، تنوير الحوالك (2/250) ، وأحمد في المسند (6/357) . وغيرهم بألفاظ متقاربة . وصححه الألباني انظر : سلسلة الأحاديث الصحيحة ح529 ، (2/52) .
(2) رواه البخاري في تفسير سورة الممتحنة ، فتح الباري (8/636) ، وابن ماجة في الجهاد . ب : 43 ، ح2875 ، (2/960) .
(3) رواه النسائي في ك : البيعة . ب : بيعة من به عاهة (7/150) ، ومسلم في السلام ح : 2231 ، (4/1752) .
(4) البداية والنهاية (3/84) ، وانظر : محموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة (ص 78) د . محمد حميد الله . ط . ثالثة 1389 هـ .(1/204)
وقد ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه : كتب إلى عبد الملك بن مروان يبايعه فكتب : ( بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد : لعبد الملك بن مروان أمير المؤمنين ، سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، وأُقِرّ لك بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت ) (1) .
أما ما رُوي في كتب التاريخ من أن بعض الخلفاء يطلب الطلاق واليمين والنذور عند المبايعة ، فهذا لا أصل له في الشرع الحنيف ، وإنما هو من فرط التثبت وخوفًا من نقضها ، وعلى أي حال فهذا ليس من الشرع المطهر في شيء . وأول من ابتدع أيمان البيعة هو الحجاج بن يوسف السقفي لما أراد أن يُحلِّف الناس على بيعة الخليفة عبد الملك ابن مروان (2) .
أقسام البيعة :
وللبيعة قسمان :
1- بيعة الانعقاد :
وهذه البيعة هي : التي يقوم بها أهل الحل والعقد ، وبموجبها يكون للشخص المبايع سلطان ، له حق الطاعة والنصرة والانقياد . وهذه البيعة واضحة في سيرة الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم ، فقد كان أهل الاختيار يقومون باختيار الإمام ثم يبايعونه كما فعل الصحابة رضوان الله عليهم في سقيفة بني ساعدة ، وهذه بيعة الانعقاد .
2- أما البيعة العامة ( بيعة الطاعة ) :
__________
(1) رواه البخاري وغيره ، وسبق تخريجه (ص 199) .
(2) انظر : المغني (1/824) ، والقواعد النورانية (ص 223 و 259) .(1/205)
فهي البيعة التي يؤديها سائر المسلمين بعد بيعة الانعقاد ، وهذا ما جرى عليه العمل في بيعة الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم ، فهذا أبو بكر بعد أن بايعه أهل الحل والعقد في سقيفة بني ساعدة صعد المنبر اليوم الثاني ثم قام عمر رضي الله عنه فأخبر الناس بأنهم قد اختاروه وبايعوه ، وأمرهم بمبايعته فبايعه عامة المسلمين (1) ، وهذه هي البيعة العامة ، ومثل أبي بكر بقية الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم كما مرّ معنا في استعراض بيعاتهم .
أسباب البيعة
وقد ذكر القلقشندي (2) الأسباب والمواضع التي تؤخذ فيها البيعة نلخِّصها فيما يلي :
السبب الأول : موت الخليفة المنتصب من غير عهد بالخلافة لأحد بعده ، كما في قصة الصديق المتقدمة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو بتركها شورى في جماعة معينة كما فعل عمر .
الثاني : خلع الخليفة المنتصب لموجب يقتضي الخلع ، فتحتاج الأمة إلى مبايعة إمام ، يقوم بأمورها ، ويحتمل أعباءها .
الثالث : أن يتوهم الخليفة خروج ناحية من النواحي عن الطاعة ، فيوجه إليهم من يأخذ البيعة له عليهم ، لينقادوا لأمره ويدخلوا تحت طاعته .
الرابع : أن تؤخذ البيعة للخليفة المعهود إليه بعد وفاة العاهد .
الخامس : أن يأخذ الخليفة المنتصب البيعة على الناس لِولِّي عهده بالخلافة ، بأن يكون خليفته بعده .
القهر والغلبة
__________
(1) كما سبق في طرق مبايعته من هذا الفصل (ص 137) .
(2) صبح الأعشى في صياغة الإنشاء لأبي العباس أحمد بن علي القلقشندي (10/274) مصوره عن المطبعة الأميرية .(1/206)
بيَّنَّا فيما مضى الطرق الشرعية الصحيحة لانعقاد الإمامة ، وهناك طريق آخر ، تجب الطاعة بموجبه ويحرم الخروج عليه بسببه ، ولكنه ليس من الطرق الشرعية ، ولا يجوز إلا للضرورة لأجل مصلحة المسلمين وحقن دمائهم ، وهذا هو طريق القهر والغلبة والاستيلاء على الحكم بالقوة ، ومنه ما يسمى اليوم بالانقلابات العسكرية وما شابهها ، وهذا هو الغالب اليوم في العالم الإسلامي .
وهذا الطريق لم يجمع المسلمون على اعتباره مما تنعقد الإمامة عن طريقه بل هم فيه مذهبان :
الأول : قالوا لا تنعقد إمامته ولا تجب طاعته لأنه لا تنعقد له الإمامة بالبيعة إلا باستكمال الشروط فكذا القهر ) (1) . وذهب إلى هذا القول الخوارج والمعتزلة ووجه لبعض الشافعية (2) .
الثاني : وهو مذهب أهل السنة والجماعة أن الإمامة يصح أن تعقد لمن غلب الناس ، وقعد بالقوة على كرسي الحكم ، قال الإمام أحمد في رواية عبدوس بن مالك العطار : ( ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة ، وسمي أمير المؤمنين ، فلا يحلّ لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر ، أن يبيت ولا يراه إمامًا ) (3) . وقال أيضًا في رواية أبي الحارث في الإمام : ( يَخْرُجُ عليه من يطلب الملك فيكون مع هذا قوم ومع هذا قوم ، تكون
الجمعة مع من غلب ) . واحتج بأن ابن عمر صلى بأهل المدينة زمن الحرَّة وقال : ( نحن مع من غلب ) (4) .
__________
(1) مآثر الإنافة (1/59) .
(2) نفس المصدر ، وانظر : رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي (ص 293) .
(3) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 23) .
(4) نفس المصدر (23) ، وانظر في هذا المعنى قوله مسندًا في طبقات ابن سعد : ( لا أقاتل في الفتنة ، وأصلي وراء من غلب ) . (4/149) وسنده صحيح إلى سيف المازني أما هو : فذكره ابن حاتم ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً . انظر إرواء الغليل (2/304) .(1/207)
وهذا مذهب مالك والشافعي رحمهما الله تعالى ، فأما مالك فقد قال يحيى بن يحيى - من أصحاب مالك - حين سئل : البيعة مكروهة ؟ قال : ( لا ) ، قيل له : وإن كانوا أئمة جور ؟ فقال : ( قد بايع ابن عمر لعبد الملك بن مروان وبالسيف أخذ الملك ، أخبرني بذلك مالك عنه أنه كتب إليه ، وأمر له بالسمع والطاعة على كتاب الله وسنة نبيه ) (1) .
أما الشافعي رحمه الله فقد روى البيهقي بإسناده عن حرملة قال : سمعت الشافعي يقول : كلّ من غلب على الخلافة بالسيف حتى يسمى خليفة ، ويجمع الناس عليه فهو خليفة ) (2) .
وقال النووي : ( أما الطريق الثالث فهو القهر والاستيلاء ، فإذا مات الإمام فتصدى للإمامة من جمع شرائطها من غير استخلاف ولا بيعة ، وقهر الناس بشوكته وجنوده ، انعقدت خلافته ، لينتظم شمل المسلمين ، فإن لم يكن جامعًا للشرائط ، بأن كان فاسقًا أو جاهلاً فوجهان أصحهما انعقادها لما ذكرناه وإن كان عاصيًا بفعله ) (3) . وإليه
ذهب أبو عبد الله القرطبي ونسبه سهل بن عبد الله التستري وابن خويز منداد (4) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( فمتى صار قادرًا على سياستهم ، إما بطاعتهم أو بقهره فهو ذو سلطان مطاع إذا أمر بطاعة الله ) (5) .
__________
(1) الاعتصام للشاطبي (2/182) وكتابة ابن عمر وبيعته هذه ثابتة في البخاري وغيره وسبق تخريجها (ص 199) من هذا الفصل .
(2) مناقب الشافعي للبيهقي (1/449) ط . أولى 1391 . تحقيق السيد أحمد صقر .
(3) روضة الطالبين (10/46) .
(4) الجامع لأحكام القرآن (1/269) .
(5) منهاج السنة (1/142) .(1/208)
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : ( الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلَّب على بلد أو بلدان ، له حكم الإمام في جميع الأشياء ، ولولا هذا ما استقامت الدنيا ، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد ، ولا يعرفون أحدًا من العلماء ذكر أن شيئًا من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم ) (1) .
ويلاحظ من كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : أنه يعتبر المتغلب حاكمًا تجب طاعته ، لا إمامًا وخليفة للمسلمين ، لأنه لم يستوف شروط الإمامة غالبًا ، ولم تنعقد له من طريق شرعي ، بل بالقوة والقهر والاستيلاء والغصب ، والغصب حرام في الإسلام . فله حكم
الإمام يطاع في طاعة الله ويجاهد معه ويصلى خلفه ، ولا يجوز الخروج عليه ، وإن كان عليه إثم فإثمه على نفسه ، والمسلمون منه برءاء قال صاحب كتاب الخلافة وسلطة الأمة : ( ولكن هذه الأمة لم تكن خلافة حقيقة ، بل ملك وسلطنة وتغلب ... وفي التغلب يكون القول للسيف والحكم للغالب ضرورة ) (2) . وقال : ( وإطلاق اسم الإمامة على هؤلاء المتَغلِّبة وعلى الملوك والسلاطين مطلقًا باعتبار معناه الأعم ) (3) .
__________
(1) الدرر السنية (7/239) . وممن ذهب إلى القول بالإجماع أيضًا الحافظ ابن حجر حيث قال : ( وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه ، وأن طاعته خير من الخروج عليه ، لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء ) . فتح الباري (13/7) . قلت : ولعلهما لم يعتبرا خلاف الخوارج والمعتزلة ومن معهم خارقًا للإجماع . وهو الصحيح .
(2) الخلافة وسلطة الأمة (ص27) .
(3) نفس المرجع (ص28) .(1/209)
وقد بَيَّن الغزالي الحكمة في وجوب طاعته وإعطائه حكم الإمام فقال : ( لو تعذر وجود الورع والعلم فمن يتصدى للإمامة ، وكان في صرفه إثارة فتنة لا تطاق حكمنا بانعقاد إمامته ، لأننا بين أن نحرِّك فتنة بالاستبدال ، فما يلقى المسلمون منه من الضرر يزيد على ما يفوتهم من نقصان هذه الشروط التي أثبتت المزية المصلحة ، فلا يهدم أصل المصلحة شغفًا بمزاياها كالذي يبني قصرًا ويهدم مصرًا ، وبين أن نحكم بخلو البلاد من الإمام وبفساد الأقضية وذلك محال ، ونحن نقضي بنفوذ قضاء أهل البغي في بلادهم لمسيس حاجتهم ، فكيف لا نقضي بصحة الإمامة عند الحاجة والضرورة ؟ ) (1) .
ومع أن المتغلِّب يُعْطَي حكم الإمام نظرًا إلى حال الحاجة والضرورة كما قلنا ، إلا أن علماء المسلمين لم يجيزوا أن يكون القهر طريقًا لانعقاد إمامة الكافر للمسلمين ، إذ حال القهر يمكن أن يتسامح فيه عن بعض شروط الإمامة ، كالعلم والعدالة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « أَلا من وَليَ عليه وال فرآه يأتي شيئًا من معصية الله ؛ فليكره ما يأتي من معصية الله
ولا ينزعنَّ يدًا من طاعة » (2) . وكالحرية والقرشية لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « ... لو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا » (3) . ونحوها من شروط .
__________
(1) إحياء علوم الدين (2/233) متن إتحاف السادة المتقين للزبيدي .
(2) رواه مسلم في ك : الإمارة . ب : خيار الأئمة وشرارهم ، ح1855 (3/1482) ، والدرامي في الرقاق 78 ، وأحمد في المسند (6/24) .
(3) رواه مسلم واللفظ له في ك : الإمارة . ب : وجوب الطاعة في غير معصية ، ح 1838 ، (3/1468) ، والترمذي في ك : الجهاد . ب : 28 ، (4/209) وابن ماجة في ك : الجهاد . ب : 39 ، (2/955) ، وأحمد في المسند (4/570) .(1/210)
أما شرط الإسلام فلا يمكن أبدًا إسقاطه عن الإمام ( وعلى هذا فلو تغلب على هذا المنصب ، فلا يجوز شرعًا السكوت على هذا الوضع ، ويجب خلع هذا المتغلب بقوة السلاح لأن الله سبحانه يقول : { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } (1) ) (2) . ولقوله - صلى الله عليه وسلم - للذي قال أفلا ننابذهم ؟ - أي أئمة الجور - قال : « لا ما أقاموا فيكم الصلاة ، لا ما أقاموا فيكم الصلاة » (3) . والكافر غير مقيم للصلاة ، فوجبت منابذته ولقوله - صلى الله عليه وسلم - « ... إلا أن تركوا كفرا بواحًا عندكم من الله فيه برهان » (4) .
وبهذا نكون قد تكلَّمنا على الطرق التي تنعقد بها الإمامة عند جمهور المسلمين أهل السنة والجماعة ، وعلى الموضوعات المتعلقة بها .
هذا وقد خالف في الزيدية من الشيعة ، حيث جعلوا الدعوة إلى النفس هي الطريقة لانعقاد الإمامة (5) ووافقهم الجبائي من المعتزلة (6) .
أما الرافضة الإمامية فهم لا يرون غير النصية طريقًا للإمامة على من بعده من آل البيت حتى الإمام المستور في زعمهم الذي ينتظرونه إلى اليوم وإلى قيام الساعة .
وسبق الحديث عن النصية في أول هذا الفصل بما يغني عن الإعادة . والله أعلم .
* * * * *
الباب الثاني
الإمام عند أهل السنة والجماعة
ويشمل الفصول التالية
الفصل الأول : شروط الإمام
الفصل الثاني : واجباته وحقوقه
الفصل الثالث : عزله والخروج على الأئمة
الفصل الرابع : موقفهم من تعدد الأئمة
الفصل الأول
شروط الإِمام
الفصل الأول
شروط الإمام
__________
(1) النساء آية : 141 .
(2) رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي (ص 294) .
(3) رواه مسلم ك: الإمارة . ب : خيار الأئمة وشرارهم ، ح1855 ، (3/1482) وغيره .
(4) متفق عليه وسبق تخريجه ص (196) .
(5) نيل الأوطار (6/51) ، وانظر الروض النضير - التتمة - للحسني (5/22) .
(6) شرح المواقف للجرجاني (8/254) .(1/211)
الإمام هو الرئيس الأعلى للدولة الإسلامية ، ومن الطبيعي أن تكون هناك شروط لا بد من توفرها فيه ، نظرًا للمكانة التي سيشغلها والمسؤولية الكبرى التي ستلقى على عاتقه وليكون كفؤًا لحمل هذه الأمانة الثقيلة .
وهذه الشروط التي اشترطها العلماء فيمن يراد توليته رئاسة الدولة الإسلامية هي شروط يجب مراعاتها في الحال أن لا تولي أمورها إلا من تحققت فيه هذه الشروط ، أما إذا انتفت حال الاختيار وألجئت الأمة إلى حال لا اختيار لها فيه كتغلب ونحوه ، وتولى الأمر من لا يصلح له ولم يستكمل شروط الإمامة ففي هذه الحال لا تشترط جميع تلك الشروط لأن ذلك سيؤدي إلى فتن عظيمة ، الأمة في غنى عنها ، لأن مصلحة المسلمين تقتضي ذلك وعلى قاعدة ( ارتكاب أخف الضررين ) فيتساهل في بعض هذه الشروط ، إلى أن تتغير الأوضاع وحين الوقت المناسب لتولية مكتمل الشروط ، فالحاصل أن فقدان بعض الشروط في الحاكم المتغلب لا يقتضي جواز الخروج عليه وعدم طاعته في غير معصية .
وهذه الشروط منها ما هو شرط في كل ولاية إسلامية كبيرة كانت أو صغيرة ، ومنها ما هو خاص بالإمامة العظمى ، وقد سبق الحديث عن شروط أهل الحل والعقد ، وهي شروط واجب توفرها في الإمام بالإضافة إلى شروط أخرى خاصة به وهي شروط : منها ما هو شرط كمال ومنها ما هو شرط صحة لا بد منه ويتضح ذلك عند الحديث عن كل شرط .
والآن نستعرض هذه الشروط ونبين آراء العلماء فيها وأدلة اشتراطها والرأي الراجح في الشروط المختلف فيها فنقول :
الشرط الأول : الإسلام :
وهذا شرط واجب في كل ولاية إسلامية صغيرة كانت أو كبيرة ومن باب أولى اشتراطها في الولاية العظمى ، والأدلة على هذا الشرط كثيرة منها :(1/212)
أ- قول الله عز وجل : { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } (1) أي : بأن يسلطوا عليهم في الدنيا (2) ، ومعلوم أن الولاية العظمى هي أعظم سبيل وأقوى تسليط على المحكوم .
ب- ومنها الآيات الدالة على النهي عن تولي الكفار كقول الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } (3) . وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } (4) ومنها قوله تعالى : { لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ... } الآية (5) . إلى غير ذلك من الآيات الناهية عن تولي الكفار (6) وتوليتهم نوع من التولي المنهي عنه ، لذا
لا يجوز توليتهم على شيء من أمور المسلمين ، وقد سبق أن ذكرنا كلام ابن القيم رحمه الله في ذلك (7) .
__________
(1) سورة النساء آية 141 .
(2) تفسير ابن كثير (3/388) .
(3) سورة المائدة آية 51 .
(4) سورة النساء 144 .
(5) سورة آل عمران آية 28 .
(6) جمع هذه الآيات العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه أحكام أهل الذمة (1/238) فليراجعها من شاء .
(7) انظر : (ص 154) .(1/213)
جـ- ومن أدلة اشتراط الإسلام في الإمام قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ... } الآية (1) فقوله تعالى { مِنكُمْ } نصٌّ على اشتراط أن يكون ولي الأمر من المسلمين ، قال د . محمود الخالدي : ( ولم ترد كلمة { أُوْلِي الأَمْرِ } إلا مقرونة بأن يكونوا من المسلمين ، فدلّ على أن ولي الأمر يشترط أن يكون مسلمًا ) (2) . ومعلوم أن الكافر لا تجب طاعته في شيء أبدًا ، بل تجب محاربته ومقاتلته بنص القرآن (3) حتى يسلم أو يعطي الجزية عن يد وهو صاغر إن كان من أهلها .
د- ومن الأدلة على ذلك أيضًا ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « إنا لا نستعين بمشرك » (4) وفي رواية : « ارجع فلن أستعين بمشرك » (5) للذي تبعه يوم بدر وأراد أن يغزو معه وهو على شركه فإذا ورد النهي عن الاستعانة بالكافر في بعض الأمور فكيف يستعان به
__________
(1) سورة النساء آية 59 .
(2) قواعد نظام الحكم في الإسلام (ص 296) .
(3) إشارة إلى قوله تعالى : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } التوبة 29. وقوله : { وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً ... } الآية . التوبة 36 .
(4) رواه ابن ماجة : كتاب الجهاد . باب : في الاستعانة بالمشركين (2/9445) ح2832 .
(5) رواه مسلم ك : الجهاد ، حديث رقم (1817) ، (3/1449) ، ورواه أبو داود ك : الجهاد . في المشرك يسهم له ، (7/304) من عون المعبود ، وأحمد في المسند (6/68) ، والترمذي ، والنسائي ، والدرامي وغيرهم .(1/214)
على تدبير أمور المسلمين ويولى أمرهم !
ولقد امتثل لهذا الأمر خلفاء المسلمين ، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يعاتب أبا موسى الأشعري على اتخاذ كاتب نصراني فقد قال عبد الله بن أحمد : حدثنا أبي حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن عياض الأشعري عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال : قلت لعمر رضي الله عنه : إن لي كاتبًا نصرانيًا قال : مالك ؟ قاتلك الله . أما سمعت الله يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ... } الآية (1) ألا اتخذت حنيفيًا ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه . قال : ( لا أُكرمهم إذ أهانهم الله ، ولا أعزهم إذ أذلهم الله ، ولا أُدنيهم إذ أقصاهم الله ) (2) . وقال عمر رضي الله عنه أيضًا : ( لا تؤمنوهم وقد خوَّنهم الله ، ولا تُقرِّبوهم وقد أبعدهم الله ، ولا تُعزُّوهم وقد أذلهم الله ) (3) ودرج على ذلك الخلفاء الذين لهم ثناء حسن في الأمة كعمر بن عبد العزيز والمنصور والرشيد والمهدي والمتوكل والمقتدر وغيرهم (4) .
جـ- الإجماع على ذلك :
أجمع المسلمون على عدم جواز تولية الكفار تدبير أمور المسلمين ، وأنه لا ولاية لكافر على مسلم ، وقد حكى هذا الإجماع كثير من أهل العلم منهم : ابن المنذر حيث قال : ( أجمع كل من يحفظ عنه
__________
(1) سورة المائدة آية 51 .
(2) أحكام أهل الذمة (1/210) ، وعيون الأخبار لابن قتيبة (1/43) نسخة مصورة عن ط . دار الكتاب . ن : المؤسسة المصرية العامة للتأليف 1383 هـ . وهذا الإسناد قال عنه الألباني : ( إسناد حسن ) انظر : إرواء الغليل (8/256) .
(3) أخرجه البيهقي . وصححه الألباني انظر : إرواء الغليل (8/256) .
(4) انظر تفصيل ذلك في : أحكام أهل الذمة (1/212) .(1/215)
من أهل العلم أن الكافر لا ولاية له على مسلم بحال ) (1) وقال القاضي عياض : ( أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر ، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل . قال : وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها ) (2) .
وبناء على هذا فلا يجوز أن تعقد الإمامة لكافر أصلي أو مرتد ، لأن معنى إقامة دولة إسلامية هو أن تلتزم بالمنهج الإسلامي تطبقه وتعيش حياتها على وفق تعاليمه ، وهذا المنهج الإسلامي لا يتصور تطبيقه إلا من أناس يدينون بالولاء والخضوع التام لمشِّرع هذا المنهج ، يقول الأستاذ محمد أسد : ( إننا يجب ألا نتعامى عن الحقائق ، فنحن لا نتوقع من شخص غير مسلم مهما كان نزيهًا مخلصًا وفيًا محبًا لبلاده متفانيًا في خدمة مواطنيه أن يعمل من صميم فؤاده لتحقيق الأهداف الأيديولوجية للإسلام ، وذلك بسبب عوامل نفسية محضة لا نستطيع أن نتجاهلها ، إنني أذهب إلى حد القول أنه ليس من الإنصاف أن نطلب منه ذلك ) (3) .
الشرط الثاني : البلوغ :
وهذا من الشروط البديهية واللازمة في كل ولاية إسلامية صغيرة كانت أو كبيرة ، فلا تنعقد إمامة الصبي لأنه مولى عليه في أموره وموكل به غيره ، فكيف يجوز أن يكون ناظرًا في أمور الأمة ، قال تعالى : { وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً
__________
(1) أحكام أهل الذمة (2/414) .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم (12/229) .
(3) منهاج الإسلام في الحكم (ص 83) نقله إلى العربية منصور محمد ماضي .(1/216)
مَّعْرُوفاً } (1) والمراد بالسفهاء هنا : ( الصغار والنساء ) (2) فإذا نهينا عن إعطائهم أموالهم لأنهم لا يحسنون التصرف فمن باب أولى ألا يقِّلدوا تدبير أمور المسلمين ، ولأن الصغير غير مكلف لما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « إن القلم رفع عن ثلاثة : عن المجنون حتى يفيق ، وعن الصبي حتى يدرك ، وعن النائم حتى يستيقظ » (3) فمن رُفع عنه القلم لا يصح تصرفه في الأمور لأنه غير مكلف شرعًا فما دام لا يملك التصرف في خاصة نفسه فلا يجوز شرعًا أن يكون مالكًا للتصرف في جميع شؤون المسلمين ، ومن لا يلي أمر نفسه لا يلي أمر المسلمين من باب أولى .
__________
(1) سورة النساء آية 5 .
(2) أحكام القرآن لابن العربي (1/318) هذا على سبيل الغالب وإلا ففيه رجال سفهاء ، كما أن هناك نساء عاقلات .
(3) رواه البخاري : الحدود . ب : لا يرجم المجنون والمجنونة ، (12/120) من الفتح ، وروي أيضًا عن عائشة ورواه أبو داود : الحدود . ب : في المجنون يسرق أو يصيب حدًا ، عون (12/72) ، والترمذي ك : الحدود . ب : ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد (4/32) ، وابن ماجة ك : الطلاق . ب : طلاق المعتوه ح2041 ، (1/658) ، والدرامي ، وأحمد في المسند (6/100) .(1/217)
هذا وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالتعوذ من إمارة الصبيان . فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « تعوذوا بالله من رأس السبعين ، ومن إمارة الصبيان » (1) . قال ابن حزم : ( وجميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة امرأة ولا إمامة صبي لم يبلغ إلا الرافضة فإنها تجيز إمامة الصغير (2) .
قلت : وكذلك الخوارج وخاصة الشبيبية كما سيأتي (3) .
الشرط الثالث : العقل :
وهذا أيضًا من الشروط البديهية فلا تنعقد ولاية لذاهب عقل بجنون أو غيره ( لأن العقل آلة التدبير فإذا ذهب العقل ذهب التدبير ) (4) . ولأن ذاهب العقل يحتاج في نفسه من يصرف أموره فكيف يوكل إليه تصريف أمور المسلمين .
وإذا كان الصبي محرومًا من هذا المنصب لهذا السبب فمن باب أولى المجنون ، وقد مر معنا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : « رفع القلم عن ثلاثة » ، وذكر منهم « والمجنون حتى يفيق » (5) قال الغزالي معللاً عدم جواز إمامة المجنون والصبي : ( الثاني : العقل فلا تنعقد لمجنون فإن التكاليف ملاك الأمر وعصامه ) (6) .
هذا وقد قسم العلماء زوال العقل إلى أقسام هي :
(
__________
(1) رواه أحمد (2/326) ، وضعفه الألباني . انظر : ضعيف الجامع الصغير (3/36) . وقال الشوكاني : وقد أخرج ما يشهد له أحمد من حديث قيس الغفاري مرفوعًا قال : ورجاله رجال الصحيح ، نيل الأوطار (8/298) وقال الهيثمي : رواه أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح غير كامل بن علاء وهو : ثقة مجمع الزوائد (7/220) .
(2) الفصل في الملل والنحل (4/110) .
(3) انظر : (ص 234) .
(4) مآثر الإنافة (1/32) .
(5) سبق تخريجه قريبًا (ص 226) من هذا الفصل .
(6) فضائح الباطنية (ص 180) .(1/218)
1) ما كان عارضًا مرجوًا زواله كالإغماء فهذا قال عنه أبو يعلى : ( لا يمنع عقدها ولا استدامتها لأنه مرض قليل اللبث ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أغمي عليه في مرضه ) (1) .
(2) ما كان لازمًا لا يرجى زواله كالجنون والخبل ، وهذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
أ- ما كان مطبقًا لا يتخلله إفاقة فهذا يمنع الابتداء والاستدامة ، وإذا طرأ عليه أبطلها لأنه يمنع مقصود الولاية .
ب- ما كان أكثر زمانه الخبل فهذا كما كان مطبقًا .
جـ - ما كان أكثر زمانه الإفاقة فهذا يمنع من عقد الإمامة (2) واختلف في منعه من استدامتها .
هذا ولا يكتفي في رئيس الدولة أن يكون عاقلاً فقط ، بل لا بد أن يكون على درجة عالية من الذكاء والفطنة تمكّنه من التفكير في قضايا الأمة وإيجاد الحلول المناسبة لها .
الشرط الرابع : الحرية :
وهذا الشرط أيضًا من الشروط الضرورية في الإمامة لأن المملوك لا يحق له التصرف في شيء إلا بإذن سيده ، فلا ولاية له على نفسه ، فكيف تكون له الولاية على غيره ، ويعلل الغزالي هذا الشرط بقوله : ( فلا تنعقد الإمامة لرقيق ، فإن منصب الإمامة يستدعى استغراق الأوقات في مهمات الخلق فكيف ينتدب لها من هو كالمفقود في حق نفسه الموجود لمالك يتصرف تحت تدبيره وتسخيره ، كيف وفي اشتراط نسب قريش ما يتضمن هذا الشرط ، إذ ليس يتصور الرق في نسب قريش بحال من الأحوال ) (3) .
هذا وقد نقل ابن بطال عن المهلب الإجماع على ذلك فقال : ( وأجمعت الأمة على أنها - أي الإمامة - لا تكون في العبيد ) (4) . وقال الشنقيطي : ( لا خلاف في هذا بين العلماء ) (5) .
__________
(1) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 21) .
(2) الأحكام السلطانية للماوردي (ص 18) ، ولأبي يعلى (ص 21) .
(3) فضائح الباطنية (ص 180) .
(4) فتح الباري (13/122) .
(5) أضواء البيان (1/55) .(1/219)
ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا الخوارج ، فإنهم جوزوا أن يكون الإمام عبدًا (1) وشذوذ الخوارج لا يعده العلماء قادحًا في صحة الإجماع .
فإن قيل : ورد في الصحيح ما يدل على إمامة العبد فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة » (2) . ونحوه عن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه في الحديث الطويل : قال وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فقام رجل فقال : إن هذه موعظة مودع ، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله ؟ قال : « أوصيكم بتقوى الله ... والسمع والطاعة وإن عبد حبشي ... » الحديث (3) . وما في معناهما .
فالجواب على ذلك من أوجه :
(
__________
(1) الملل والنحل للشهرستهاني (1/116) .
(2) رواه البخاري في ك : الأحكام . ب : السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية ، فتح الباري (13/121) ، ونحوه عند مسلم في ك : الإمارة . ب : وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ، ح1834 ، (3/1465) ، وابن ماجة في ك : الجهاد . ب : طاعة الإمام ، ح2859 ، (2/955) ، والنسائي في : البيعة (26) ، وأحمد في المسند (3/114) .
(3) رواه أبو داود في ك : السنة . ب : في لزوم السنة ، عون (12/359) ، والترمذي في ك : العلم . ب : ما جاء في الأخذ بالسنة ... (5/44) واللفظ له ، وقال : حسن صحيح . ورواه ابن ماجة في : المقدمة . ب : إتباع سنة الخلفاء الراشدين ، ح42 ، (1/16) وانظر زيادة التخريج في : إرواء الغليل (8/107) وهو صحيح .(1/220)
1) أنه قد يضرب المثل بما لا يقع في الوجود عادة ، فإطلاق العبد الحبشي لأجل المبالغة في الأمر بالطاعة ، وإن كان لا يتصور شرعًا أن يلي ذلك ، ذكر ابن حجر هذا الجواب عن الخطابي (1) ، ويشبه هذا الوجه قوله تعالى : { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } (2) على أحد التفسيرات (3) .
(2) أن المراد باستعمال العبد الحبشي أن يكون مأمورًا من وجهه الإمام الأعظم على بعض البلاد ، قال الشنقيطي رحمه الله : ( وهو أظهرها ) (4) فليس هو الإمام الأعظم .
(3) أن يكون أطلق عليه اسم العبد نظرًا لاتصافه بذلك سابقًا مع أنه وقت التولية حر ، ونظيره إطلاق لفظ اليتيم على البالغ باعتبار اتصافه به سابقًا في قوله : { وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ... } الآية (5) .
(4) أو أن المراد بذلك المتغلِّب لا المختار ، ففي هذه الحالة تجب طاعته وإن كان عبدًا حبشيًا ، ولا يجوز الخروج عليه لمجرد عبوديته ، ويؤيد هذا الرأي لفظ : « إن تأمر عليكم ... » فلفظ « تأمر » يدل على أنه تسلط على الإمارة بنفسه ولم يؤمر من قبل أهل الحل والعقد .
والراجح من هذه الإجابات في نظري هو الجواب الثاني ، وهو الذي رجحه الشنقيطي رحمه الله ، وسبب الترجيح هو ورود بعض الأحاديث الدالة على ذلك ، منها ما أخرجه الحاكم من حديث علي رضي الله عنه
__________
(1) فتح الباري (13/122) .
(2) سورة الزخرف آية 81 .
(3) أضواء البيان (1/56) .
(4) أضواء البيان (1/56) .
(5) سورة النساء آية 2 .(1/221)
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « الأئمة من قريش ، أبرارها أمراء أبرارها وفجارها أمراء فجارها ، ولكل حق ، فآتوا كل ذي حق حقه ، وإن أمرت قريش فيكم عبدًا حبشيًا مجدعًا فاسمعوا له وأطيعوا » (1) . ويعضد هذا الرأي أيضًا ألفاظ الحديث : « وإن استعمل » , و « إن أُمِّر » ونحوها ... والله أعلم .
ومما يدل على اشتراط الحرية ، وأن تصرف العبد باطل وإن كان حاكمًا حكم العز بن عبد السلام رحمه الله ببيع أمراء الدولة الأيوبية في مصر - المماليك - لأنه لا يصح شرعًا تصرفهم إلا إذا عتقوا فحكم ببيعهم وإدخال أثمانهم إلى بيت مال المسلمين ، فلما حكم بذلك غضبوا وغضب نجم الدين أيوب - حاكم مصر في ذلك الوقت - وقال : هذا ليس من اختصاصه فقرر العزل الرحيل عن مصر فجهز أمتعته وسار ، ثم لحقه جميع الناس وقالوا : إن خرج خرجنا ، فلحق به نجم الدين في الطريق وترضاه وطلب منه أن يعود وينفذ ما حكم به ، فعاد ونفذ ما أراد (2) .
الشرط الخامس : أن يكون ذكرًا :
من شروط الإمام أن يكون ذكرًا ( ولا خلاف في ذلك بين العلماء ) (3) .
__________
(1) المستدرك (4/75 ، 76) قال ابن رجب الحنبلي : إسناده جيد ، ولكنه روي عن علي موقوفًا ، وقال الدارقطني : هو أشبه . جامع العلوم والحكم (ص 248) . وصححه الألباني . انظر : صحيح الجامع ح2754 ، (2/406) .
(2) انظر : طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (8/216 ، 217) ط . أولى . ن . عيسى البابي الحلبي القاهرة - تحقيق عبد الفتاح محمود الحلو ، و د . محمود الطناحي .
(3) أضواء البيان (1/55) وعدّه ابن حزم من المسائل المجمع عليها . انظر : مراتب الإجماع له (ص 125) .(1/222)
ويدل عليه ما ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه أن فارسًا ملَّكوا ابنة كسرى قال : « لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة » (1) . وقد ورد في القرآن الكريم كثير من الآيات الدالة على تقديم الرجال على النساء من ذلك قوله تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ... } الآية (2) وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن النساء ناقصات عقل ودين (3)
__________
(1) رواه البخاري وغيره وسبق تخريجه في (155) من طرق الانعقاد .
(2) سورة النساء آية 34 .
(3) إشارة إلى حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى أو فطر إلى المصلى ، فمرّ على النساء فقال : « يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار » ، فقلن : وبم يا رسول الله ؟ قال : « تكثرن اللعن وتكفرن العشير ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن » ، قلن : وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ قال : « أليس شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل ؟ » قلن : بلى . قال : « فذلك من نقصان عقلها ، أليس إذا حاضت لم تصل وتصم ؟ » قلن : بلى ، قال : « فذلك من نقصان دينها » . الحديث رواه البخاري في ك : الحيض . ب : ترك الحائض الصوم ، فتح الباري (1/405) ، وروى مسلم نحوه عن ابن عمر في ك : الإيمان . ب : بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات ... ح79 ، (1/86) ، ورواه الترمذي في : الإيمان (5/10) ، وأبو داود في : السنة ، عون (12/438) ، وابن ماجة في : الفتن ، ح4003 . وغيرهم ..(1/223)
والإمامة تحتاج إلى كمال الرأي وتمام العقل والفطنة ، لذلك لا تقبل شهادتها إلا إذا كان معها رجل ، وقد نبَّه الله على ضلالهن ونسيانهن بقوله تعالى : { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } (1) وسبق أن ذكرنا كلام ابن قدامة في هذا المعنى (2) .
كما أن إمامة المسلمين تقتضي الدخول في المحافل ومخالطة الرجال
وقيادة الجيوش ونحو ذلك ، وهذا محظور على النساء شرعًا بقوله تعالى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } (3) وغيرها .
يقول الغزالي : ( الرابع الذكورية ، فلا تنعقد الإمامة لامرأة ، وإن اتصفت بجميع خلال الكمال وصفات الاستقلال ، وكيف تترشح امرأة لمنصب الإمامة وليس لها منصب القضاء ولا منصب الشهادة في أكثر الحكومات ) (4) . وقال البغوي : ( اتفقوا على أن المرأة لا تصلح أن تكون إمامًا ولا قاضيًا ، لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد والقيام بأمور المسلمين ، والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات ، والمرأة عورة لا تصلح للبروز وتعجز لضعفها عن القيام بأكثر الأمور ، ولأن المرأة ناقصة والإمامة والقضاء من كمال الولايات فلا يصلح لها إلا الكامل من الرجال ) (5) .
__________
(1) سورة البقرة آية 282 .
(2) انظر : (156) من فصل طرق الانعقاد .
(3) سورة الأحزاب آية 33 .
(4) فضائح الباطنية (ص 180) .
(5) شرح السنة للبغوي (10/77) .(1/224)
والواقع يشهد لذلك فالناس بتجاربهم يعرفون أنه لا يصلح للإمامة إلا الرجال وإن صار منهن في منصب رئاسة الدولة فإنما كان نادرًا ولظروف استثنائية . وكذلك طبيعة المرأة النفسية والجسمية لا تتلاءم أبدًا مع هذا المنصب ، فكما هو معروف أن طبيعة المرأة يلاحظ عليها إرهاف العاطفة وسرعة الانفعال وشدة الحنان ( وقد خلقت هذه الصفات في المرأة لتستطيع بها أن تؤدي وظيفتها الأولى وهي الأمومة والحضانة ) (1) وإذا كانت هذه الصفات لازمة في مضمار الأمومة والحضانة فقد تكون ضارة في مضمار القيادة والرئاسة ، أما الرجل فلا يندفع في الغالب - مع عواطفه ووجدانه - كما تندفع المرأة ، بل يغلب عليه الإدراك والفكر والروي وهما قوام المسؤولية والقيادة .
لذلك فإن الله سبحانه وتعالى شرع للرجل ما يلائم بنيته الجسمية والنفسية كالجهاد والقيادة ونحو ذلك ، وشرع للمرأة ما يلائم تكوينها أيضًا من تربية وحضانة وأعمال أخرى تلائمها .
__________
(1) الإسلام لأحمد شلبي (ص 226) .(1/225)
هذا وقد حكى الإجماع على عدم جواز تولية المرأة الإمامة ابن حزم الظاهري حيث قال : ( وجميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحدي يجيز إمامة المرأة ) (1) وكذلك القرطبي (2) . وخالف في ذلك الخوارج ، فهناك فرقة منهم تقول بجواز ذلك وهي : الشبيبية ( أتباع شبيب بن يزيد الشيباني ) (3) قال البغداي عنهم : ( إنه من أتباعه أجازوا إمامة المرأة منهم إذا قامت بأمورهم وخرجت على مخالفيهم وزعموا أن غزالة أم شبيب كانت الإمام بعد قتل شبيب إلى أن قتلت ) (4) .
هذا عن الإمامة أما القضاء فلبعض العلماء فيه رأي ، ولكن جمهورهم يمنع ذلك قال ابن التين فيما حكاه عنه ابن حجر : ( احتج بحديث أبي بكرة - الآنف الذكر - من قال لا يجوز أن تولى المرأة القضاء . وهو قول الجمهور وخالف ابن جرير الطبري فقال : يجوز أن تقضي فيما تقبل شهادتها فيه ،
وأطلق بعض المالكية الجواز ) (5) وروى ذلك عن أبي حنيفة : ( أنها تلي الحكم فيما تجوز فيه شهادة النساء ) (6) . ولسنا بصدد بحث هذه المسألة فلها مجال آخر .
الشرط السادس : العلم :
__________
(1) الفصل (4/110) .
(2) أحكام القرآن (1/271) .
(3) هو : شبيب بن يزيد بن نعيم بن قيس بن عمرو بن الصلت الشيباني الخارجي خرج بالموصل في عهد عبد الملك بن مروان فبعث إليه الحجاج خمسة قواد فقتلهم واحدًا بعد الآخر ، ثم سار إلى الكوفة وقاتل الحجاج وحاصره ، غرق بدجلة سنة سبع وسبعين . تاريخ الإسلامي للذهبي (3/160) .
(4) الفرق بين الفرق (ص 110) . وعند الذهبي أنها امرأته استخلفها بعده ، فدخلت الكوفة ، وقامت خطيبة وصلَّت الصبح بهم في الجامع فقرأت في الركعة الأول بالبقرة وفي الثانية بآل عمران ... راجع الذهبي تاريخ الإسلام (3/160) ، والخطط (2/355) ، والمعارف لابن قتيبة (ص 180) .
(5) فتح الباري (13/56) .
(6) نفس المرجع (8/128) .(1/226)
من شروط الإمام أن يكون لدية حصيلة علمية كافية لتدبير الأمور على وجهها الأكمل ، وقد أشار القرآن الكريم في قصة طالوت إلى هذا الشرط ، وجعله من الأمور التي جعلته أحق بالملك دون غيره فقال تعالى : { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (1) وقال عن سليمان عليه السلام : { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } (2) وقال عن يوسف عليه السلام : { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } (3) وقد فضَّل الله الذين يعلمون على الذين لا يعلمون في آيات كثيرة منها : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } (4) . ولكن العلماء اختلفوا في تحديد هذا العلم فهل يشترط في الإمام أن يكون قد بلغ مرتبة الاجتهاد أم لا ؟ على قولين :
__________
(1) سورة البقرة آية 247 .
(2) سورة ص آية 20 .
(3) سورة يوسف آية 55 .
(4) سورة الزمر آية 9 .(1/227)
الأول : قالوا : يشترط أن يكون بلغ مرتبة الاجتهاد وهم الجمهور ، فقد قال الشاطبي رحمه الله : ( إن العلماء نقلوا الاتفاق على أن الإمامة الكبرى لا تنعقد إلا لمن نال رتبة الاجتهاد والفتوى في علوم الشرع ) (1) ، وقال إمام الحرمين الجويني : ( فالشرط أن يكون الإمام مجتهدًا بالغًا مبلغ المجتهدين مستجمعًا صفات المفتين ، ولم يؤثر في اشتراط ذلك خلاف ) (2) ، وقال الرملي في سياق عده لشروط الإمام : ( ... مجتهدًا كالقاضي وأولى ، بل حكى فيه الإجماع ... ) قال : ( وكون أكثر من ولي أمر الأمة بعد الخلفاء الراشدين غير مجتهد إنما هو لتغلبهم فلا يَرِدْ ) (3) .
وإلى هذا القول ذهب الإمام الشافعي (4) ، والماوردي (5) ، والقاضي أبو يعلى (6) ، وعبد القاهر البغدادي (7) ، والقرطبي (8) ، وابن خلدون (9) ، والقلقشندي (10) وغيرهم واستدلوا على ما ذهبوا إليه بالأدلة التالية :
1- إن الصحابة رضوان الله عليهم قدَّموا للإمامة من قدمه الرسول - صلى الله عليه وسلم - للصلاة - كما مر - وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : (( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب
__________
(1) الاعتصام (2/126) .
(2) غياث الأمم (66) .
(3) نهاية المحتاج (7/409) .
(4) الأم (1/161) ط . الأولى 1381 هـ ن . مكتبة الكليات الأزهرية .
(5) الأحكام السلطانية للماوردي (ص6) .
(6) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص20) .
(7) أصول الدين (ص277) .
(8) أحكام القرآن (1/271) .
(9) المقدمة (ص139) .
(10) مآثر الإنافة (1/37) .(1/228)
الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ... )) إلخ الحديث (1) .
2- واستدلوا أيضًا بالقياس حيث قاسوا منصب الإمامة العظمى على منصب القضاء ، قال الباقلاني : ( لأن القاضي الذي يكون من قِبَلِه يفتقر إلى ذلك فالإمام أولى ) وقد سبق كلام الرملي وقياسه على القضاء .
3- واستدلوا أيضًا بطبيعة العمل الموكل إلى الإمام الأعظم قال إمام الحرمين الجويني : ( والدليل عليه أن أمور معظم الدين تتعلق بالأئمة فأما ما يختص بالولاة وذوي الأمر فلا شك في ارتباطه بالإمام ، وأما ما عداه من أحكام فقد يتعلق به من جهة انتدابه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلو لم يكن الإمام مستقلاً بعلم الشريعة لاحتاج إلى مراجعة العلماء في تفاصيل الوقائع التي ترفع إلى الإمام ، وذلك يشتت رأيه ويخرجه عن دائرة الاستقلال )(2).
ويقول القلقشندي : ( لأنه محتاج لأن يصرف الأمور على النهج القويم ويجريها على الصراط المستقيم ، ولأن يعلم الحدود ويستوفي الحقوق ويفصل الخصومات بين الناس ، وإذا لم يكن عالمًا مجتهدًا لم يقدر على ذلك )(3).
4- أما ابن خلدون فقد استدل على اشتراط الاجتهاد بقوله : ( لأن التقليد نقص ، والإمامة تستدعي الكمال في الأوصاف والأحوال ) . وقال : ( لأنه إنما يكون منفذًا لأحكام الله تعالى إذا كان عالمًا بها ، وما لم يعلمها لا يصح تقديمه لها ) (4) .
__________
(1) رواه مسلم في ك : الصلاة ، ب : من أحق بالإمامة ، ح290 (1/465) ، والبخاري تعليقًا في الأذان ، ب : 54 الفتح (2/184) ، وأبو داود في ك : الصلاة ، ب : من أحق بالإمامة عون (2/289) ، والترمذي في باب : من أحق بالإمامة ، ح235 (1/458) ، والنسائي في : الإمامة ، ب : 3 ، وابن ماجة في : الأذان ، ب : 5 ، وأحمد (3/48) .
(2) غياث الأمم (ص66) .
(3) مآثر الإنافة (1/37) .
(4) مقدمة ابن خلدون (ص 193) .(1/229)
الثاني : ومن العلماء من لم يشترط الاجتهاد في الإمام قال الشهرستاني : ( ومالت جماعة من أهل السنة إلى ذلك حتى جوَّزوا أن يكون الإمام غير مجتهد ولا خبير بمواقع الاجتهاد ، ولكن يجب أن يكون معه من يكون من أهل الاجتهاد فيراجعه في الأحكام ويستفتيه في الحلال والحرام ، ويجب أن يكون في الجملة ذا رأي متين وبصر في الحوادث نافذ ) (1) واعتبر ابن حزم هذا الشرط من الشروط المستحبة لا الواجبة (2) ، وإلى هذا القول ذهب أكثر الحنفية (3) وبه قال الغزالي حيث يقول : ( وليست رتبة الاجتهاد مما لا بد منه في الإمامة ضرورة بل الورع الداعي إلى مراجعة أهل العلم فيه كاف ، فإذا كان المقصود ترتيب الإمامة على وفق الشرع فأي فرق بين أن يعرف حكم الشرع بنظره أو يعرفه بإتباع أفضل أهل زمانه ؟ ! ) (4) .
واحتج القائلون بعدم اشتراط الاجتهاد بما يلي :
1- بتعذر حصول هذا الشرط مع بقية الشروط في شخص واحد خصوصًا في هذه الأزمان ، حيث ضعف الوزاع الديني عند الناس ، وضعفت هممهم عن طلب العلم وبلوغ مرتبة الاجتهاد فيه .
2- كما استدلوا على ذلك أيضًا بأنه طالما كان المقصود من تصريف الأمور أن يكون على وفق ما يقضي به الشرع الإسلامي ، فإنه من الممكن حصول ذلك بالاستعانة بالعلماء المجتهدين واستفتائهم في كل أمر يحتاج فيه إليهم .
القول الراجح :
والذي يظهر - والله أعلم - أنه لا بد أن يكون الإمام على درجة كافية من العلم الشرعي ومن العلوم الأخرى ، لأن طبيعة وظيفته تستلزم ذلك وفي بعض الأحيان يتعين عليه إبداء الرأي في ساعة حرجة لا يمكنه فيها جمع العلماء واستفتاؤهم .
ولكن ليس من الضروري أن يبلغ درجة الاجتهاد المطلق لتعذرها في كثير من الناس اليوم بسبب ضعف الهمم عن طلب العلم وانشغالهم بالدنيا وملذاتها .
__________
(1) الملل والنحل (1/160) .
(2) الفصل (4/166) .
(3) انظر : رئاسة الدولة في الفقه الإسلام (ص 134) .
(4) فضائح الباطنية (ص 191) .(1/230)
وهذه المسألة من المسائل الاجتهادية لأنه لم يرد نص صريح فيها ، وإنما مرجع ذلك إلى الضرورة والحاجة والمصلحة ، فإذا وُجِد مجتهد تتوفر فيه بقية الشروط الضرورية والمنصوص عليها فهو المطلوب ، وإن تعذر وجوده فلا تترك مصالح المسلمين تتعطل ويدب فيهم الفساد بسبب عدم وجود المجتهد الذي تتوفر فيه شروط الإمام والله أعلم .
الشرط السابع : العدالة :
العدالة صفة كامنة في النفس توجب على الإنسان اجتناب الكبائر والصغائر والتعفف عن بعض المباحات الخارمة للمروءة ، وهي مجموعة صفات أخلاقية من التقوى والورع والصدق والأمانة والعدل ورعاية الآداب الاجتماعية ومراعاة كل ما أوجبت الشريعة الالتزام به .
وبناء على هذا الشرط فلا يجوز تولية الفاسق ولا من فيه نقص يمنع
الشهادة . قال القاضي عياض : ( ولا تنعقد لفاسق ابتداء ) (1) وذكر مثله الحافظ في الفتح (2) وقال القرطبي : ( ولا خلاف بين الأمة في أنه لا يجوز أن تعقد الخلافة لفاسق ) (3) .
ومن الأدلة على اشتراط هذا الشرط ما يلي :
(1) ما ورد في قصة إبراهيم عليه السلام حينما قال له ربه : { قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } (4) . عن مجاهد : ( أنه أراد أن الظالم لا يكون إمامًا ... ) (5) ، وقال الفخر الرازي : ( احتج الجمهور على أن الفاسق لا يصلح أن تعقد له الإمامة بهذه الآية { لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } ووجه الاستدلال بها على وجهين :
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم (12/229) .
(2) فتح الباري (13/8) .
(3) الجامع لأحكام القرآن (1/270) وانظر : السياسة الشرعية لابن تيمية (ص 21) .
(4) سورة البقرة آية 124 .
(5) أحكام القرآن للجصاص (1/69) .(1/231)
الأول : ما بيَّنَّا أن قوله { لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } جواب لقوله : { وَمِن ذُرِّيَّتِي } طلب للإمامة التي ذكرها الله تعالى ، فوجب أن يكون المراد بهذا العهد هو الإمامة ليكون الجواب مطابقًا للسؤال فتصير الآية كأنه تعالى قال : لا ينال الإمامة الظالمون ، وكل عاص فإنه ظالم لنفسه ، فكانت الآية دالة على ما قلناه ) (1) . وبنحوه ذهب الشوكاني فقال : ( وقد استدل بهذه الآية جماعة من أهل العلم على أن الإمام لا بد أن يكون من أهل العدل والعمل بالشرع كما ورد لأنه إذا زاغ عن ذلك كان ظالمًا ،
ويمكن أن ينظر إلى ما يصدق عليه اسم العهد وما تفيده الإضافة من العموم فيشمل جميع ذلك اعتبارًا بعموم اللفظ من غير نظر إلى السبب ولا السياق ... ) إلى أن قال : ( فالأولى أن يقال : إن هذا الخبر في معنى الأمر لأن أخباره تعالى لا يجوز أن تتخلف ، وقد علمنا أنه قد عهده من الإمامة وغيرها كثير من الظالمين ) (2) . قال الفقيه الحنفي أبو بكر الجصاص : ( فثبت بدلالة هذه الآية بطلان إمامة الفاسق وأنه لا يكون خليفة ) (3) وقال الزمخشري عند تفسير هذه الآية : ( وقالوا : في هذا دليل على أن الفاسق لا يصلح للإمامة وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه وشهادته ولا تجب طاعته ولا يقبل خبره ولا يقدم للصلاة ) . قال : ( وعن ابن عيينة : لا يكون الظالم إمامًا قط ، وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة ، والإمام إنما هو لكفِّ الظلمة ، فإذا نصب من كان ظالمًا في نفسه فقد جاء المثل السائر : من استرعى الذئب ظلم ) (4) .
(
__________
(1) التفسير الكبير للفخر الرازي (4/46) ط . مؤسسة المطبوعات الإسلامية القاهرة .
(2) فتح القدير للشوكاني (1/138) .
(3) أحكام القرآن للجصاص (1/70) ط . 1335 هـ .
(4) الكشاف (1/309) .(1/232)
2) ومنها قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ... } الآية (1) . فالله سبحانه وتعالى أمر في هذه الآية بالتبين عند قول الفاسق ( ولا يجوز أن يكون الحاكم مما لا يقبل قوله ويجب التبيُّن عند حكمه ، ولأن الفاسق لا يجوز أن يكون شاهدًا فلأن لا يكون قاضيًا أولى ) (2) ولأن لا يكون حاكمًا للمسلمين أولى .
(3) ومنها قوله تعالى { وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا
يُصْلِحُونَ } (3) . فالله سبحانه وتعالى ينهانا في هذه الآية عن طاعة المسرف وفي موطن آخر يأمرنا بطاعة الإمام في غير معصية ، فوجب ألا يكون الإمام ممن قد نهى الله عز وجل عن طاعتهم .
(4) واستدل على ذلك أيضًا بأن المقصد الأساسي من نصب الخليفة هو رفع ظلم الظالم ، لا تسليط الظالم على الناس ، والظالم يختل به أمر الدين والدنيا فكيف يصلح للولاية وما الولاية إلا لدفع شره ! قال الجويني : ( والأب الفاسق على فرط حد به وإشفاقه على ولده لا يعتمد في مال ولده فكيف يؤتمن في الإمامة العظمى فاسق لا يتقي الله ومن لم يقاوم عقله هواه ونفسه الأمارة بالسوء ولم ينهض رأيه بسياسة نفسه فأنى يصلح خطة الإسلام ) (4) .
__________
(1) سورة الحجرات آية 6 .
(2) المغني والشرح الكبير (11/382) .
(3) سورة الشعراء آية 151 .
(4) غياث الأمم ص (68) .(1/233)
وقال ابن خلدون : ( وأما العدالة فلأنه منصب ديني ينظر في سائر المناصب التي هي شرط فيها ، فكان أولى باشتراطها فيه ) (1) وقال البغدادي : ( وأقل ما يجب له من هذه الخصلة أن يكون ممن يجوز قبول شهادته تحملاً وأداءً ) (2) والحقيقة أنه إذا كان الله تعالى قد جعل العدالة شرطًا في أصغر ما يتصور من الولايات والأحكام مثل حضانة الصغير والحكم في جزاء الصيد ، وأن الفاسق لا يصلح أن يكون واليًا على صغير أو يتيم ، ولا حكمًا في مسألة قياسية فيكف يصلح واليًا على الأمة جمعاء ، وحكمًا في قضايا في غاية الخطورة .
(5) كما يدل على ذلك أن الفسق مدعاة للتساهل في تطبيق أحكام الشريعة وإقامة الدين ، فلو كان فسقه بشرب خمر مثلاً فالمتصور عقلاً أنه لا بد أن
يقع منه التساهل في شأن الخمر وشاربها ، وهكذا في سائر الأحكام كما أن الأخيار العدول في الأمة كثير والحمد لله فما الداعي لتولية الفاسق ؟
هذا وقد قسم الماوردي الفسق الذي تزول به العدالة إلى قسمين :
الأول : ما تابع فيه الشهوة .
الثاني : ما تعلق فيه بشبهة .
فأما الأول منها فمتعلق بأفعال الجوارح وهو ارتكابه للمحظورات وإقدامه على المنكرات تحكيمًا للشهوة وانقيادًا للهوى ، فهذا - كما يرى الماوردي - يمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها ... (3) .
وأما الثاني : فمتعلق بالاعتقاد والتأول بشبهة تعترض فيتأول لها خلاف الحق ، فقد اختلف العلماء فيها ، فذهب فريق من العلماء إلى أنها تمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها ... وقال كثير من علماء البصرة : ( إنه لا يمنع من انعقاد الإمامة ولا يخرج به منها كما لا يمنع من ولاية القضاء وجواز الشهادة ) (4) .
__________
(1) مقدمة ابن خلدون ص (193) .
(2) أصول الدين ص (277) .
(3) سيأتي لقضية العزل بالفسق زيادة بيان إن شاء الله .
(4) الأحكام السلطانية (ص 17) .(1/234)
أما إذا تعذر العدل واضطرت الأمة إلى ولاية الفاسق ( جاز ذلك ولذا قال ابن عبد السلام : لو تعذرت العدالة في الأئمة قدمنا أقلهم فسقًا قال الأذرعي : وهو متعين إذ لا سبيل إلى جعل الناس فوضى ) (1) .
هذا ومما ينبغي التنبيه له أن اشتراط العدالة هو في حالة الاختيار والعهد فقط ، أما في حالة التغلب فلا يشترط ، والأدلة على ذلك كثيرة جدًا منها :
1- ما روته أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون ، فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع » ، قالوا يا رسول الله : ألا نقاتلهم ؟ « قال لا ما صلوا » (2) قال النووي : إن في قوله - صلى الله عليه وسلم - : « لا ما صلوا » عدم جواز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئًا من قواعد الإسلام ) (3) .
__________
(1) نهاية المحتاج للرملي (7/409) .
(2) رواه مسلم ك : الإمارة . باب : وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع ، ح1854 (3/1480) ، ورواه الترمذي في : الفتن . باب : رقم (78) (4/529) بتحقيق شاكر ، وأبو داود في : السنة . باب : قتل الخوارج (، 13/106) عون المعبود ، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (6/295) بألفاظ متقاربة .
(3) صحيح مسلم بشرح النووي (12/243) .(1/235)
2- ومنها ما رواه البخاري وغيره عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إنكم سترون بعدي أثرة (1) وأمورًا تنكرونها » ، قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : « أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم » (2) .
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة في هذا الموضوع ولذلك كان مذهب السلف رضوان الله عليهم الصلاة والجهاد مع كل إمام برًا كان أو فاجرًا ، لأن هذا من طاعة الله ، فهم يطاعون في طاعة الله ويعصون في معصيته . وهذا ما أدى بأبي يعلى أن يقول : ( وقد روي عن الإمام أحمد ألفاظ تقتضي إسقاط اعتبار العدالة والعلم والفضل فقال في رواية عبدوس بن مالك : ( ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إمامًا عليه برًا كان أو فاجرًا فهو أمير المؤمنين ) وقال أيضًا في رواية المروزي : ( فإن كان أميرًا يعرف بشرب المسكر والغلول يغزو معه إنما ذلك له في نفسه ) (3) .
__________
(1) الأثرة : بفتح الهمزة والثاء : الاسم من آثر يؤثر إيثارًا إذا أعطى ، أراد أن يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه من الفيء . والاستئثار : الانفراد بالشيء . انظر : لسان العرب مادة ( أثر ) (4/8) .
(2) الحديث رواه البخاري في الفتن باب قوله عليه السلام : « سترون بعدي أمورًا تنكرونها » . فتح الباري (13/5) واللفظ له . ورواه مسلم في الإمارة . باب : وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء ، ح1843، (3/1472) ، ورواه الترمذي في : الفتن . باب : ما جاء في الأثرة (4/482) بتحقيق أحمد شاكر وآخرين .
(3) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 20) .(1/236)
فمقصود الإمام أحمد الوالي المتغلب كما هو نص الرواية الأولى - لا في حالة الاختيار من قبل أهل الحل والعقد ، ويدلّ على ذلك - بالإضافة إلى ما سبق - قوله أيضًا : ( وإن الإمامة لا تجوز إلا بشروطها : النسب ، والإسلام ، والحماية ، والبيت ... وحفظ الشريعة ، وعلم الأحكام ، وصحة التنفيذ والتقوى ، وإتيان الطاعة ، وضبط أموال المسلمين ، فإن شهد له بذلك أهل الحل والعقد من علماء المسلمين وثقاتهم أو أخذ هو ذلك على نفسه ثم رضيه المسلمون جاز له ذلك ) (1) فهذا يدلّ على أن الإمام أحمد يشترط كغيره العدالة والعلم في حالة الاختيار أما في حالة التغلب فلا يشترط كما سبق .
وهذا ما حدا بالأحناف ألا يعدوا العدالة من الشروط
الواجبة وأجازوا أن يلي الفاسق أمر الأمة ، لكنهم يكرهون ذلك (2) ، لأنه قد ثبت أن الصحابة صلّوا خلف أئمة الجور من بني أمية ورضوا بتقلدهم رئاسة الدولة .
والرد عليهم أن ذلك في حال التغلب لا في حال الاختيار كما مر . وهناك من يجعل الفسق موجبًا للعزل ، وبناء عليه فلا تلزم إمامة المتغلب الفاسق بل العدل فقط ، وسيأتي لها زيادة بيان إن شاء الله عند الحديث عن العزل .
وبهذا يتبين أن هذا الشرط واجب توفره في الإمام عند الاختيار دون التغلب لتظافر الأدلة على ذلك .
كما أنه مما ينبغي التنبيه له أنه ليس المقصود بالعدالة أن يكون المرشح للإمامة معصومًا في أقواله وأفعاله وتصرفاته ، خاليًا من كل نقص ، مبرء من كل عيب - كما تدَّعي الرافضة - ، فهذه الصفات لا يدركها إلا الرسل عليهم الصلاة والسلام الذين أكرمهم الله بالعصمة من الكبائر والذنوب وعدم إقرارهم على الصغائر إن وقعت منهم .
__________
(1) طبقات الحنابلة (2/305) .
(2) انظر : المسامرة في شرح المسايرة (ص 166 ، 167) ط . ثانية 1347 هـ . ن . مطبعة السعادة . مصر . وانظر : حاشية رد المحتار على الدر المختار (1/548) .(1/237)
أما المسلم العادي فقد يقع في بعض الذنوب والآثام ولكنه سرعان ما يسترجع ويستغفر الله مما بدر منه ويعزم ألا يعود ، فهذه لا تخرم مروءته ولا تبطل عدالته .
وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون » (1) .
كما أن العدالة معتبرة في كل زمان بأهله وإن اختلفوا في وجه الاتصاف بها ، فنحن نقطع بأن عدالة الصحابة لا تساويها عدالة التابعين ، وعدالة التابعين لا تساويها عدالة من بعدهم ، وكذلك كل زمان مع ما بعده إلى زماننا هذا ، فلو قيس عدول زماننا بعدول الصحابة والتابعين لم يعدوا عدولاً لتباين ما بينهما من الاتصاف بالتقوى والمروءة ، ولكن لا بد من اعتبار كل عدول زمان بحسبه ، وإلا لم يمكن إقامة ولاية يشترط فيها العدالة التامة ... والله أعلم .
الشرط الثامن : الكفاءة النفسية :
ومما ينبغي توفره في الخليفة أيضًا أن يكون شجاعًا جريئًا على إقامة الحدود واقتحام الحروب بصيرًا بها كفيلاً بحمل الناس عليها ، عارفًا بالدهاء قويًا على معاناة السياسة وحسن التدبير ليصبح له بذلك ما جعل له من حماية الدين وجهاد العدو وإقامة الأحكام وتدبير المصالح .
ودليل اشتراط هذا الشرط هو طبيعة هذا المنصب الذي يحتاج إلى كل
__________
(1) رواه الترمذي ك : صفة القيامة . ب : 49 ، ح2499 (4/659) وقال : غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة عن قتادة ، ورواه ابن ماجة في : الزهد . ب : ذكر التوبة ، ح4251 (2/1420) بنفس طريق الترمذي ، ورواه أحمد (3/198) وفيه : علي بن مسعدة هذا مختلف فيه ، والأكثر على تضعيفه انظر : تهذيب التهذيب (7/318) وبقية رجاله ثقات .(1/238)
هذه الصفات حتى يكون قادرًا على سياسة الرعية وتدبير مصالحهم الدينية والدنيوية ، ولأن الحوادث التي تحدث في الدولة ترفع إليه ولا يتسنى له البتّ فيها كما لا تتبين له المصلحة إلا إذا كان على قدر من الحكمة والرأي والتدبير ، ولذلك فلا يولى إلا من كان عنده القدرة على ذلك ، يدل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر رضي الله عنه حينما قال له : يا رسول الله ألا تستعملني ؟ قال : فضرب بيده على منكبي ، ثم قال : « يا أبا ذر إنك ضعيف ، وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها » . وفي رواية قال له : « يا أبا ذر ، إني أراك ضعيفًا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمَّرنَّ على اثنين ولا تولين مال يتيم » (1) فإذا كان هذا في الولاية الصغرى وفي الأموال فمن باب أولى في الإمامة العظمى الشاملة للقيام بأعباء الولايات الصغرى والكبرى والأموال وغيرها .
وإلى اشتراط هذا الشرط ذهب إمام الحرمين الجويني (2) وسبقه أبو يعلى حيث يقول : ( الثالث : أن يكون قَيِّما بأمر الحرب والسياسة وإقامة الحدود لا تلحقه رأفة في ذلك والذب عن الأمة ) (3) وبه قال الماوردي : ( الرابع : الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح ، الخامس : الشجاعة ، والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو ) (4) وبه قال البغدادي (5) ، وابن
__________
(1) الحديث رواه مسلم في : الإمارة . باب : كراهية الإمارة بغير ضرورة ، ح1825 (3/1457) ، وأبو داود في : الوصايا . باب : ما جاء في الدخول في الوصايا ، (8/70) عون المعبود ، والنسائي في : كتاب الوصايا . باب : النهي عن الولاية على مال اليتيم ، وأحمد في المسند (5/173) .
(2) غياث الأمم (ص 68) .
(3) الأحكام السلطانية لأبي يعلي (ص 20) .
(4) الأحكام السلطانية للماوردي (ص 6) .
(5) أصول الدين (ص 277) .(1/239)
خلدون (1) ، والإيجي في المواقف (2) والغزالي في فضائح الباطنية (3) وغيرهم كثير .
فهذا هو مذهب جمهور العلماء ، وهناك من العلماء من لا يشترطون هذا الشرط مجوزين الاكتفاء بأن يستشير الإمام أصحاب الآراء الصائبة في كل ما يحتاج إلى البتّ فيه من الأمور المهمة معللين ذلك بأنه يندر أن يتوفر هذا الشرط مع الشروط المطلوبة في الإمامة من الاجتهاد وغيره .
والواقع أنه ليس هناك حدّ معين لهذا الشرط ، وإنما لكل زمان بحسبه ، فالمهم ألا يكون هناك قصور يخلّ بالمقاصد التي من أجلها نصب الإمام ... والله أعلم .
الشرط التاسع : الكفاءة الجسمية :
والمقصود بها سلامة الحواس والأعضاء التي يؤثر فقدانها على الرأي والعمل . كذهاب البصر والنطق والسمع فهذه تؤثر في الرأي ، وفقدان اليدين والرجلين يؤثر في النهوض وسرعة الحركة ، وتشوه المنظر وتضعف من هيبة الإمام في نفوس الرعية ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الشرط في قصة طالوت كما مر وذلك في قوله تعالى : { إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ } (4) .
من أجل هذا قسَّم الفقهاء أوجه النقص الجسدية إلى أربعة أقسام :
الأول : ما لا يمنع من عقد الإمامة وهو : النقص الذي لا يؤثر فقده في رأي ولا عمل ولا يشين في المنظر فهذا نقص لا يحول دون قيام الخليفة بوظائفه لأنه لا يؤثر في كفاءته وقدرته على سياسة الأمور في الدولة الإسلامية .
__________
(1) المقدمة (ص 193) .
(2) ص 398) .
(3) فضائح الباطنية (ص 185) .
(4) سورة البقرة آية 247 .(1/240)
الثاني : النقص الذي يمنع من اختيار الشخص لمنصب الخلافة كفقد اليدين أو عجز الرجلين الذي يمنعه من النهوض ويؤثر في حركته ، فهذا وذاك نقص يؤثر في الكفاءة اللازم توفرها في المرشح للخلافة ، ويعوقه عن مباشرة سلطاته واختصاصاته فيما لو ولي أمر الأمة ، وهو ما يضر بحقوقها ومصالحها العامة ، لذلك فإن هذا النقص يحول دون صلاحية الشخص لرئاسة الدولة ، كما أنه يؤدي في حالة طروء هذا النقص عليه بعد توليته الخلافة إلى منع استدامتها .
الثالث : وهو النقص المؤدي إلى العجز الجزئي ويؤثر في أداء بعض الأعمال كقطع إحدى اليدين أو الرجلين ، وهذا من شأنه أن يحول دون اختياره للخلافة لعجزه عن كمال التصرف ، ولم يختلف الفقهاء في ذلك وإنما اختلفوا في استدامتها على ما سنوضحه إن شاء الله عند الحديث عن العزل .
الرابع : وهو النقص الذي يمنع الخليفة من مباشرة الأعباء المقررة على المنصب ولا يحول دون قيامه بسائر اختصاصاته وسلطاته كالنقص المؤثر في المظهر كجدع الأنف وسمل إحدى العينين ، فهذا لا يخرجه من الإمامة بعد عقدها اتفاقًا ، لعدم تأثيره في شيء من حقوقها ، أما في الاختيار فالعلماء فيه على رأيين منهم من أجاز ، ومنهم من منع ليسلم الولاة من شين يعاب ونقص يزدري فتقلّ هيبتهم ، وفي قلَّتها نفور عن الطاعة ، وما أدى إلى هذا فهو نقص في حقوق الأمة .(1/241)
أما عن شرط سلامة الحواس . فالسمع والنطق يشترطه كثير من الفقهاء ، لأن الوقوف على مصالح المسلمين والرأي والتدبير يتوقف عليهما ومنهم من لم يشترطهما لإمكان الفهم عن طريق الكتابة (1) ونحوها . لكن الراجح اشتراط توفرهما في الخليفة للحاجة إليهما ، وكذلك البصر فهو من الشروط التي يجب توافره ضرورة ، لأن الأعمى لا يستطيع أن يدبر أمر نفسه وهو ما لا يسمح له أن يدبر أمر المسلمين ، أما في الولاية الصغرى فجائز لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولى ابن أم مكتوم وهو رجل أعمى على المدينة عدة مرات (2) وقد خالف في اشتراط هذا الشرط ابن حزم رحمه الله تعالى فقال : ( لا يضر الإمام أن يكون في خلقه عيب ، كالأعمى والأصم والأجدع والأجذم والأحدب ، والذي لا يدان له ولا رجلان ، ومن بلغ الهرم ما دام يعقل ولو أنه ابن مائة عام ... فكل هؤلاء إمامتهم جائزة ، إذ لم يمنع منها نص القرآن ولا سنة ولا إجماع ولا نظر ولا دليل أصلا ) (3) .
ونحن لا نقول بأنه نص عليه قرآن ولا سنة ولا إجماع ، وإنما مقصود الإمامة لا يتم إلا بمن كانت فيه هذه الشروط ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والله أعلم .
الشرط العاشر : عدم الحرص عليها :
وقد نص النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذا الشرط ، وجعل الحرص عليها بغير مصلحة شرعية تهمة يعاقب عليها بمنعه منها . والأدلة على هذا الشرط كثيرة منها :
(
__________
(1) انظر : الأحكام السلطانية للماوردي (ص19) ، ولأبي يعلى : (ص21 ،22) وانظر : مآثر الإنافة (1/34) ومقدمة ابن خلدون : (ص 193) ومن الكتب الحديثة انظر : طرق اختيار الخليفة د . فؤاد محمد النادي (ص 64) ، ورئاسة الدولة في الفقه الإسلامي (ص 168) .
(2) انظر : سنن أبي داود ك : الخراج والإمارة . ب : الضرير يولى ، عون (8/149) ، ومسند الإمام أحمد (3/192) ، وطبقات ابن سعد (2/31) ، وسيرة ابن هشام وغيرهم .
(3) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/167) .(1/242)
1) عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة ، فإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها » (1) .
(2) وعن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال : دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا ورجلان من قومي فقال أحد الرجلين : أَمِّرنا يا رسول الله ، وقال الآخر مثله ، فقال : « إنا لا نُوَلِّي هذا من سأله ولا من حرص عليه » (2) .
ولذلك قال سفيان الثوري رحمه الله : ( إذا رأيت الرجل يحرص على أن يؤَمَّر فأخِّرْه ) (3) أما إذا كان في تقديم الإنسان نفسه مصلحة شرعية كأن يكون أهلاً لهذا المنصب فيموت الوالي ولا يوجد غيره ، وخشي من التأخر الفتنة والضياع ، فله أن يقدم نفسه بنية المصلحة الشرعية لا بنية الحرص عليها ، قال الحافظ ابن حجر : ( وهذا لا يخالف ما فرض في الحديث الذي قبله من الحصول بالطلب أو بغير طلب ، بل في التعبير
بـ ( حرص ) إشارة إلى أن من قام بالأمر عند خشية الضياع يكون كمن أُعْطى بغير سؤال ، لفقد الحرص غالبًا عمن هذا شأنه ، وقد يغتفر الحرص في حق من تعين عليه لكونه يصير واجبًا عليه ) (4) . وقد سبق أن نقلنا كلام النووي في ذلك ) (5) .
__________
(1) متفق عليه . رواه البخاري في ك : الأحكام . ب : من سأل الإمارة وكل إليها ، فتح الباري (3/124) ، ومسلم في ك : الإمارة . ب : النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها ، ح1652 (3/1456) .
(2) متفق عليه . رواه البخاري في ك : الأحكام . ب : ما يكره من الحرص على الإمارة ، فتح الباري (13/125) ، ومسلم في ك : الإمارة . ب : النهي من طلب الإمارة ... ، ح1733 (3/1456) .
(3) شرح السنة للبغوي (10/58) .
(4) فتح الباري (13/126) .
(5) انظر : فصل أدلة الوجوب من هذا البحث (ص 68) .(1/243)
هذا وقد سأل الولاية بعض الأنبياء المصطفين عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام حينما رأوا أنهم أكفأ من يقوم بها ، ولخطورة ما يترتب عليها لو وضعت في يد غير أمينة ، فهذا يوسف عليه السلام يقول للملك : { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } (1) وهذا سليمان عليه السلام يسأل الله عز وجل الولاية فيقول : { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي ... } الآية (2) .
الشرط الحادي عشر : القرشية :
هذا الشرط من الشروط التي وردت النصوص عليه صريحة وانعقد إجماع الصحابة والتابعين عليه ، وأطبق عليه جماهير علماء المسلمين ، ولم يخالف في ذلك إلا النزر اليسير من أهل البدع كالخوارج وبعض المعتزلة وبعض الأشاعرة ، ونحن سنورد الأدلة المثبتة لهذا الشرط ، ثم أدلة النافين ، ونرى الراجح منها ، والحكمة من ذلك وهل هذا الشرط مطلق أم مقيد ، إلى غير ذلك من البحوث المتعلقة بهذا الموضوع .
وقبل معالجة الموضوع لا بد لنا من التعرف على قريش هؤلاء من هم ؟
من هم قريش ؟
قبيلة قريش هم أولاد قريش ، واختلف النَّسَّابون في قريش هذا من هو ؟ على عدة أقوال :
__________
(1) سورة يوسف آية 55 .
(2) سورة ص آية 35 .(1/244)
الأول : قيل هو : النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر . قال ابن هشام : ( النضر قريش ، فمن كان من ولده فهو : قرشي . ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي ) (1) . وإلى هذا القول ذهب بعض الشافعية ، ويدل على ذلك ما ذكره ابن إسحاق وغيره في قصة وفد كنده : ( أن الأشعث بن قيس قال : يا رسول الله ، نحن بنو آكل المرار ، وأنت ابن آكل المرار (2) فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : « ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبد المطلب ، وربيعة بن الحارث ... » ثم قال لهم : « لا . بل نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا » (3) ، فقال الأشعث بن قيس : هل فرغتم يا معشر كندة ؟ والله لا أسمع رجلاً يقولها إلا ضربته ثمانين (4) . قال البغدادي : ( وهذا اختيار أبي عبيدة معمر بن المثنى ، وأبي عبيد القاسم بن سلام ، وبه قال الشافعي رضي الله عنه وأصحابه (5) وهو قول ابن حزم (6) وابن منظور (7) .
وقول الحافظ ابن حجر (8) وابن قيم الجوزية (9) رحمهم الله تعالى .
__________
(1) سيرة ابن هشام (1/93 ) .
(2) المرار شجر من شجر البوادي ، وآكل المرار هو : الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية بن كندة ، وللنبي - صلى الله عليه وسلم - جدة من كندة مذكورة وهي أم كلاب ابن مرة وإياها أراد الأشعث . عن زاد المعاد (3/40) .
(3) قفى أمه : أي رماها بالفجور ، وانتفى من أبيه أي انتسب إلى غير أبيه .
(4) انظر : سيرة ابن هشام (4/585) ، وطبقات ابن سعد (1/23) بنحوه .
(5) أصول الدين (ص 276) .
(6) جمهرة أنساب العرب (ص 12) ط . رابعة . ن . دار المعارف . تحقيق عبد السلام هارون .
(7) انظر : مادة ( قرش ) من لسان العرب لابن منظور (6/334) .
(8) فتح الباري (6/534) .
(9) زاد المعاد (3/40) .(1/245)
الثاني : أن قريشًا هو فهر بن مالك ، قال الزبيري : ( قالوا : اسم فهر بن مالك ، قريشي ، ومن لم يلد فهر فليس من قريش ) (1) . وقال الزبيدي : ( والصحيح عند أئمة النسب أن قريشًا هو : فهر بن مالك بن النضر ، وهو : جماع قريش وهو : الجد الحادي عشر (2) لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكل من لم يلده فليس بقرشي (3) قيل : اسمه فهر . ولقبه : قريش . وقيل : العكس ، وقد روي عن نسابي العرب أنهم قالوا : من جاوز فهرًا فليس من قريش (4) ، قال الزهري : ( وهو الذي أدركت عليه من أدركت من نسابي العرب أن من جاوز فهرًا فليس من قريش ) (5) .
قال الشنقيطي : ( فالفهري قرشي بلا نزاع ، ومن كان من أولاد مالك بن النضر ، أو أولاد النضر بن كنانة ففيه خلاف ، ومن كان من أولاد كنانة من غير النضر فليس بقرشي بلا نزاع ) (6) ويدل على ذلك ما رواه واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إن الله اصطفى
كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشًا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بين هاشم » (7) .
__________
(1) نسب قريش لابن المصعب الزبيري (ص 12) ط . ثانية . ن . دار المعارف بمصر .
(2) لأن نسبه - صلى الله عليه وسلم - كالتالي : هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ... إلخ انظر سيرة ابن هشام (1/1) .
(3) إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين (2/30) .
(4) شرح المواهب اللدنية للزرقاني (1/75) ط . أولى . 1325هـ . ن : المطبعة الأزهرية المصرية .
(5) زاد المعاد لابن القيم (3/40) .
(6) أضواء البيان (1/52) .
(7) رواه مسلم واللفظ له في : كتاب الفضائل . باب : فضل نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ح2276 (4/1782) ، وروى الترمذي (5/583) نحوه . وأحمد (4/107) ، ورواه ابن سعد انظر : الطبقات (1/20) .(1/246)
وهناك أقوال أخرى ضعيفة وهي :
ثالثًا : قالت التميمية : قريش أولاد إلياس بن مضر وأدخلوا أنفسهم في جملة قريش لأنهم من ولد إلياس بن مضر ، وهذا اختيار أبي عمرو بن العلاء وأبي الحسن الأخفش وحماد بن سلمة الفقيه وعبيد الله بن حسن القاضي وسوار بن عبد الله وروي مثله عن أبي الأسود الدؤلي (1) .
رابعًا : وقالت القيسية : إن قريشًا هم جميع ولد مضر بن نزار ، فأدخلت قيس غيلان في هذه الجملة ، وبه قال من الفقهاء مسعر بن كدام ، وقد روي مثله عن حذيفة بن اليمان ) (2) .
وسميت قريش قريشًا من التقرش ، والتقرش التجارة والاكتساب ، وقال ابن إسحاق : يقال سميت قريش قريشًا لتجمعها من بعد تفرقها (3) ، قال الزبيدي . ( وقد حكى بعضهم في تسمية فهر بقريش عشرين قولاً أوردتها في شرحي على القاموس ) (4) وقيل غير ذلك (5) .
أدلة أهل السنة والجماعة على اشتراط القرشية
__________
(1) أصول الدين للبغدادي (ص 277) .
(2) أصول الدين (ص 277) .
(3) سيرة ابن هشام (1/93 ، 94) . وانظر : لسان العرب مادة ( قرش ) (6/334) .
(4) انظر : تاج العروس (4/337) .
(5) من شاء الاستزادة فليراجع نسب قريش لابن المصعب الزبيري (ص 12) ، ولسان العرب مادة (قرش) (6/335) ، وفتح الباري (6/534) .(1/247)
قلنا : إن جماهير علماء المسلمين قاطبة ذهبوا إلى اشتراط هذا الشرط وحكى الإجماع عليه من قبل الصحابة والتابعين ، وبه قال الأئمة الأربعة ، فقال الإمام أحمد في رواية الإصطخري : ( الخلافة في قريش ما بقي من الناس اثنان ، ليس لأحد من الناس أن ينازعهم فيها ولا يخرج عليهم ، ولا نقر لعيرهم بها إلى قيام الساعة ) (1) ( وقد نص الشافعي رضي الله عنه على هذا في بعض كتبه (2) ، وكذلك رواه زرقان عن أبي حنيفة ) (3) وقال الإمام مالك : ( ولا يكون - أي الإمام - إلا قرشيًا . وغيره لا حكم له إلا أن يدعوا إلى الإمام القرشي ) (4) ولم يخالف في ذلك إلا النزر اليسير من الخوارج وبعض المعتزلة وبعض الأشاعرة (5) ، واستدل المثبتون بعدة أدلة صريحة صحيحة من السنة والإجماع فمن السنة ما يلي :
(1) ما رواه البخاري في صحيحه عن معاوية رضي الله تعالى عنه حيث قال البخاري : ( باب الأمراء من قريش ، حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال : كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية - وهم عنده في وفد من قريش - أن عبد الله بن عمرو يحدث أنه سيكون ملك
__________
(1) طبقات الحنابلة (1/26) لابن أبي يعلي .
(2) الأم (1/143) .
(3) أصول الدين ص (275) .
(4) أحكام القرآن لابن العربي (4/1721) .
(5) سيأتي ذكر أسمائهم وآرائهم قريبًا .(1/248)
من قحطان (1) فغضب فقام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : أما بعد فإنه بلغني أن رجالاً منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأولئك جهالكم فإياكم والأماني التي تضل أهلها ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين » (2) .
(
__________
(1) قول عبد الله بن عمرو بن العاص - الذي أنكره عليه معاوية في الحديث المذكور - إنه سيكون ملك من قحطان ... إلخ إن أراد به القحطاني الذي صحت الرواية بملكه فلا وجه لإنكاره لثبوت أمره في الصحيح من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه » . أخرجه البخاري في : الفتن . باب: في تغير الزمان حتى يعبدوا الأوثان . (13/76) من الفتح ، وذكره في المناقب في ذكر قحطان (6/545) ، وأخرجه مسلم في : كتاب الفتن وأشراط الساعة . ب : لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء ، ح2910 (4/2232) ، وهذا القحطاني لم يعرف اسمه عند الأكثرين وقيل : اسمه جهجاه ، وقيل : شعيب بن صالح ، وقيل غير ذلك . والله أعلم . انظر : فتح الباري (13/115) وأضواء البيان (1/55) .
(2) رواه البخاري في : كتاب الأحكام . باب : الأمراء من قريش ، (13/114) من الفتح .(1/249)
2) ومنها الحديث المتفق على صحته عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان » (1) قال الحافظ ابن حجر : ( وليس المراد حقيقة العدد ، وإنما المراد به انتفاء أن يكون الأمر في غير قريش ) (2) .
(3) ومنها ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « الناس تبع لقريش في هذا الشأن ،
مسلمهم تبع لمسلمهم ، وكافرهم تبع لكافرهم » (3) .
(4) وفي مسند الإمام أحمد أن أبا بكر وعمر لما ذهبا إلى سقيفة بني ساعدة حين اجتمع الأنصار لاختيار خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، تكلَّم أبو بكر ولم يترك شيئًا أنزل في الأنصار وذكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شأنهم إلا ذكره ، وقال : ولقد علمتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « لو سلك الناس واديًا وسلكت الأنصار واديًا سلكت وادي الأنصار » . ولقد علمت يا سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وأنت قاعد : « قريش ولاة هذا الأمر فَبَرُّ الناس تبع لبرهم ، وفاجرهم تبع لفاجرهم » ، فقال له سعد : صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء (4) .
__________
(1) متفق عليه . رواه البخاري في : ك الأحكام . باب : الأمراء من قريش ، (13/114) من الفتح ، ومسلم في : كتاب الإمارة . باب : الخلافة في قريش ، ح1820 (3/1452) .
(2) فتح الباري (13/117) .
(3) متفق عليه . البخاري كتاب المناقب . باب : 2 . (6/526) .
ومسلم في ك : الإمارة ، ب : الناس تبع لقريش والخلافة في قريش ، ح1818
(3/1451) ، ورواه الإمام أحمد في مسنده (2/243) .
(4) رواه أحمد في مسنده بإسناد مرسل حسن (1/5) وله شواهد تقويه . انظر تخريجه في : (ص 136) من طرق الانعقاد من هذا البحث .(1/250)
وقد مرَّ معنا في الرواية الواردة في الصحيح والتي أثبتناها في مبايعة أبي بكر رضي الله تعالى عنه عند ذكره لهذا الحديث بمعناه لا بلفظه حيث قال : ( ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ) (1) .
(5) ومنها ما رواه الإمام أحمد بسنده عن أنس بن مالك : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على باب البيت ونحن فيه فقال : « الأئمة من قريش ، إن لهم عليكم حقًا ولكم عليكم حقًا مثل ذلك ، ما إن استرحموا رحموا ، وإن عاهدوا وفوا ، وإن حكموا عدلوا ، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين » (2) . وقال ابن حزم : ( وهذه رواية الأئمة من
قريش ) جاءت مجيء التواتر رواها أنس بن مالك ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، ومعاوية وروى جابر بن عبد الله ، وجابر بن سمرة ، وعبادة بن الصامت معناها (3) .
__________
(1) انظر : (ص 136) .
(2) رواه الإمام أحمد في مسنده (3/183) . وقال الهيثمي : رجاله ثقات . انظر : مجمع الزوائد (5/192) ، وروى ابن أبي عاصم في السنة الشطر الأول منه وصححه الألباني انظر : (2/531) من كتاب السنة ، وقال ابن حجر : وأخرجه الطبراني ، والطيالسي ، والبزار =
(3) = والمصنف في التاريخ - يعني البخاري - وأخرجه النسائي ، وأبو يعلى نحوه وغيرهم . (13/114) من فتح الباري . وسئل الإمام أحمد عن هذا الحديث فقال : لا أعرف إلا أن ابن أبي ذئب قد حدث عنه معمر غير حديث المسند من مسائل الإمام أحمد . ورقة (8) وقد صحح أحمد شاكر هذا الإسناد في تخريجه للمسند ، ح7640 . وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير ، ح2755 (2/406) . وانظر زيادة تخريج في : الروض النضير (5/18) .
( ) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/89) .(1/251)
قلت : وأكثر من هذا ما ذكره الحافظ ابن حجر حيث قال : ( قد جمعت طرقه عن نحو أربعين صحابيًا لما بلغني أن بعض فضلاء العصر ذكر أنه لم يرد إلا عن أبي بكر الصديق ) (1) . إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة في هذا الباب .
ثانيًا الإجماع :
أما الإجماع : فقد حكاه غير واحد من العلماء منهم : النووي حيث قال في شرحه لحديث : « الناس تبع لقريش ... » إلخ . الحديث : ( هذه الأحاديث وأشباهها دليل ظاهر على أن الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم ، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة والتابعين فمن بعدهم بالأحاديث الصحيحة ) (2) .
ومنهم القاضي عياض . فقد نقل عنه النووي قوله : ( اشتراط كونه – أي
الإمام - قرشيًا هو : مذهب العلماء كافة . قال : وقد احتج به أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على الأنصار يوم السقيفة فلم ينكره أحد ، قال القاضي : وقد عدها العلماء في مسائل الإجماع ، ولم ينقل عن أحد من السلف فيها قول ولا فعل يخالف ما ذكرنا ، وكذلك من بعدهم في جميع الأعصار قال : ولا اعتداد بقول النظام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع أنه : يجوز كونه من غير قريش ، ولا سخافة ضرار بن عمرو في قوله : إن غير القرشي من النبط وغيرهم يقدم على القرشي لهوان خلعه إن عرض منه أمر وهذا الذي قاله من باطل القول وزخرفه مع ما هو عليه من مخالفة إجماع المسلمين والله أعلم ) (3) .
وممن حكى هذا الإجماع أيضًا الماوردي (4) ، والإيجي في المواقف (5) ، وابن خلدون في المقدمة (6) ، والغزالي في فضائح الباطنية (7) وغيرهم .
__________
(1) فتح الباري (7/32) .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم (12/200) .
(3) شرح النووي على صحيح مسلم (12/200) .
(4) الأحكام السلطانية (ص 6) .
(5) ص 398) .
(6) ص 194) .
(7) ص 180) .(1/252)
ومن المحدثين الشيخ محمد رشيد رضا حيث قال : ( أما الإجماع على اشتراط القرشية فقد ثبت بالنقل والفعل ، رواه ثقات المحدثين ، واستدل به المتكلمون وفقهاء مذاهب السنة كلهم ، وجرى عليه العمل بتسليم الأنصار وإذعانهم لبني قريش ، ثم إذعان السواد الأعظم من الأمة عدة قرون ... ) (1) .
ولكن الحافظ ابن حجر يعترض على هذا الإجماع بقوله : ( قلت :
ويحتاج من نقل الإجماع إلى تأويل ما جاء عن عمر من ذلك ، فقد أخرج أحمد عن عمر بسند رجاله ثقات أنه قال : ( إن أدركني أجلي وقد مات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل ... الحديث ) . ومعاذ بن جبل أنصاري لا نسب له في قريش فيحتمل أن يقال : لعل الإجماع انعقد بعد عمر على اشتراط أن يكون الخليفة قرشيًا ، أو تغير اجتهاد عمر في ذلك والله أعلم ) (2) .
القائلون بعدم اشتراط القرشية وأدلتهم
أول من قال بعدم اشتراط القرشية الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه ( إذ جوزوا أن تكون الإمامة في غير قريش ، وكل من نصبوه برأيهم وعاشر الناس على ما مثلوا له من العدل واجتناب الجور كان إمامًا ) (3) .
__________
(1) الخلافة أو الإمامة العظمي لرشيد رضا (ص 19) .
(2) فتح الباري (13/119) . والواقع أنه لا يرجع إلى التأويل إلا إذا صح الخبر في مخالفة عمر للإجماع ، ولكن هذا الأثر ضعيف لانقطاعه وسيأتي الكلام عليه قريبًا (ص 265) .
(3) الملل والنحل (1/116) .(1/253)
وزعم ضرار بن عمرو - من شيوخ المعتزلة - أيضًا أن الإمامة تصلح في غير قريش ( حتى إذا اجتمع قرشي ونبطي ق، دمنا النبطي إذ هو أقل عددًا وأضعف وسيلة فيمكننا خلعه إذا خالف الشريعة )(1) قال الشهرستاني : ( والمعتزلة - أي جمهورهم - وإن جوزوا الإمامة في غير قرشي ، إلا أنهم لا يجيزون تقديم النبطي على القرشي (2) وزعم الكعبي أن القرشي أولى بها من الذي يصلح لها من غير قريش ، فإن خافوا الفتنة جاز عقدها لغيره ) (3) .
ومن الأشاعرة إمام الحرمين الجويني حيث مال إلى عدم اشتراطه ، وزعم أنه من أخبار الآحاد وهو على مذهبه الباطل لا يحتج به في مثل هذه المسائل حيث قال : ( وهذا مسلك لا أوثره ، فإن نقلة هذا الحديث معدودون لا يبلغون مبلغ عدد التواتر والذي يوضح الحق في ذلك : أنا لا نجد في أنفسنا ثلج الصدور واليقين المثبوت بصدد هذا من فلق في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما لا نجد ذلك في سائر أخبار الآحاد ، فإذًا لا يقتضي هذا الحديث العلم باشتراط النسب في الإمامة ) (4) وقال في كتابه ( الإرشاد ) : ( وهذا مما يخالف فيه بعض الناس ، وللاحتمال فيه عندي مجال ، والله أعلم بالصواب ) (5) .
__________
(1) الملل والنحل للشهرستاني ( جـ 1 ص 91) .
(2) الملل والنحل (1/91) .
(3) أصول الدين (ص 275) .
(4) غياث الأمم للجويني (ص 163) .
(5) الإرشاد إلى قواعد الأدلة في أصول الاعتقاد لأبي المعالي الجويني (ص 427) ط . 1369هـ . مكتبة الخانجي بمصر تحقيق : محمد يوسف موسى ، وعلي عبد المنعم عبد الحميد .(1/254)
وقد اختلف قول أبي بكر الباقلاني ، فاشترط القرشية في كتابه ( الإنصاف ) فقال : ( ويجب أن يعلم أن الإمامة لا تصلح إلا لمن تجتمع فيه شرائط منها : أن يكون قرشيًا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « الأئمة من قريش » (1) ولم يشترطها في كتابه ( التمهيد ) حيث قال : ( إن ظاهر الخبر لا يقضي بكونه قرشيًا ، ولا العقل يوجبه ) (2).
وإلى نفي اشتراط القرشية ذهب أكثر الكتاب المحدثين منهم : الشيخ
محمد أبو زهرة في كتابه ( تاريخ المذاهب الإسلامية ) وذهب إلى أن الأحاديث الواردة مجرد أخبار لا تفيد حكمًا (3) ، ومنهم العقاد (4) ، ومنهم د . علي حسني الخربوطلي في كتابه ( الإسلام والخلافة ) (5) وتجرأ على رمي الأحاديث المذكورة بالوضع ، ومنهم د . صلاح الدين دبوس في كتابه ( الخليفة توليته وعزله ) وذهب إلى أن هذه الأحاديث مجرد أخبار (6) ، ومنهم الأستاذ محمد المبارك رحمه الله وعفا عنه واعتبرها من باب السياسة الشرعية المتغيرة بتغير العوامل (7) .
واستدل من ذهب إلى نفي اشتراط القرشية بما يلي :
(1) بقول الأنصار يوم السقيفة ( منا أمير ومنكم أمير ) (8) قالوا : فلو لم يكن الأنصار يعرفون أنه يجوز أن يتولى الإمامة غير قرشي لما قالوا ذلك .
(
__________
(1) الإنصاف للباقلاني (ص 69) .
(2) نقلاً عن الأستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف في تعليقه على الصواعق المحرقة للهيثمي (ص 9) ولم أقف على هذا الكلام في كتاب التمهيد لأن النسخة الموجودة المتداولة الآن من تحقيق جماعة من المستشرقين ، وقد حذفوا كتاب الإمامة كاملاً ، وقد نسب هذا الكلام إلى الباقلاني ابن خلدون أيضًا . انظر : المقدمة (ص 194) .
(3) 1/90) .
(4) الديمقراطية في الإسلام (ص 69) ط . رابعة . ن : دار المعارف مصر .
(5) ص 42) .
(6) ص 270) .
(7) نظام الإسلام في الحكم والدولة (ص 71) .
(8) سبق تخريجه في مبايعة أبي بكر (ص136) من فصل طرق الانعقاد .(1/255)
2) ومن أدلتهم أيضًا ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : قال رسوا الله - صلى الله عليه وسلم - : « اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة » (1) فالحديث أوجب الطاعة لكل إمام وإن كان عبدًا ، فدل على عدم اشتراط القرشية .
(3) واستدلوا أيضًا بقول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : ( إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته ... فإن أدركني أجلي وقد مات أبو عبيدة
استخلفت معاذ بن جبل ) (2) والمعروف أن معاذ بن جبل أنصاري لا نسب له في قريش (3) فدل على الجواز . كما روي عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال : ( لو أدركني أحد رجلين ، ثم جعلت هذا الأمر إليه لوثقت به : سالم مولى أبي حذيفة ، وأبو عبيدة بن الجراح ) (4) .
(4) كما استنتجوا من قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه : ( إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش ... ) أن هذا تعليل لطاعة العرب لهم فإذا تغير الحال تغير موضع الاختيار .
(5) ومنهم من قال : إن هذه الأحاديث التي يستدل بها أهل السنة إنما هي على سبيل الإخبار ، وليس فيها أمر يجب امتثاله ، ذهب إلى ذلك بعض الكتاب المحدثين كالشيخ محمد أبي زهرة (5) ود . صلاح الدين دبوس (6) . وغيرهم .
(
__________
(1) سبق تخريجه عند الحديث على اشتراط الحرية من هذا الفصل (ص 229) .
(2) رواه أحمد في مسنده (1/18) . وقال عنه الحافظ ابن حجر : رجاله ثقات . فتح الباري (13/119) لكن في إسناده انقطاع لأن شريح بن عبيد تابعي متأخر لم يدرك عمر ، وكذلك راشد بن سعد الحمصي لم يدرك عمر ، فالحديث ضعيف لانقطاعه انظر : المسند تحقيق أحمد شاكر ، ح108 (1/201) .
(3) انظر : الإصابة لابن حجر (9/219) .
(4) المسند (1/60) . وصحح الأستاذ أحمد شاكر إسناده ح129 (1/112) .
(5) تاريخ المذاهب الإسلامية (1/90) .
(6) الخليفة توليته وعزله (ص270) .(1/256)
6) واستدلوا على ذلك أيضًا بقوله تعالى : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } (1) فجعل الأفضلية والإكرام بالتقوى لا بالمعايير الأخرى كالنسب ونحوه ، بل وردت أحاديث تحذر من التفاخر بالأنساب والحساب ، وتنهى عن العصبية الجاهلية منها :
أ- قوله - صلى الله عليه وسلم - : « أربع من أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والنياحة ، والاستسقاء بالنجوم » (2) .
ب- ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - : « إن الله أذهب عنكم عُبِّيَّة (3) الجاهلية وفخرها بالآباء . الناس رجلان : مؤمن تقي ، وفاجر شقي . أنتم بنوا آدم ، وآدم من تراب . ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم ، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن » (4) .
مناقشة هذه الأدلة
(
__________
(1) سورة الحجرات آية 13 .
(2) رواه البخاري في ك : مناقب الأنصار . ب : القسامة في الجاهلية ، فتح الباري (6/156) ، ورواه مسلم واللفظ له في : الجنائز . ب : التشديد في النياحة ، ح934 (2/644) .
(3) عبية الجاهلية : بضم العين المهملة وكسر الموحدة المشددة وفتح المثناة التحتية المشددة : أي : فخرها وتكبرها . قال الخطابي : العبية الكبر والنخوة ، يريد بهذا القول ما كان عليه أهل الجاهلية من التفاخر بالأنساب والتباهي بها ، وأصله مهموز من العبء وهو : الثقل وفيه لغة أخرى وهي : العبية بالكسر . انظر : غريب الحديث للخطابي (1/190) ط . مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى . 1402هـ .
(4) رواه أبو داود في سننه ك : الأدب . ب : التفاخر بالأحساب . (14/21) عون المعبود ، وأخرج نحوه الترمذي في ك : المناقب . ب : فضل الشام واليمن ، (5/735) وقال : حسن غريب . وسبق تخريجه (ص 110) من فصل مقاصد الإمامة .(1/257)
1) أما استدلالهم بقول الأنصار : ( منا أمير ومنكم أمير ) فواضح البطلان ، وذلك لرجوعهم رضي الله عنهم عن هذا القول في تلك اللحظة بعد أن سمعوا النص الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه أبو بكر رضي الله تعالى عنه
في قوله : ولقد علمت يا سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وأنت قاعد « قريش ولاة هذا الأمر ، فبر الناس تبع لبرهم ، وفاجرهم تبع لفاجرهم » . فقال له سعد : صدقت . ( نحن الوزراء وأنتم الأمراء ) (1) . فيحتمل أنهم قالوا هذا القول قبل أن يعرفوا النص الذي يثبت الخلافة في قريش ولهذا رجعوا إلى رشدهم لما عرفوا الحقيقة .
(2) أما استدلالهم بأحاديث الأمر بالطاعة وإن كان عبدًا حبشيًا ، فقد سبق الجواب عليها مفصلاً (2) وأن المراد إما إمامة المتغلب أو الإمارة الصغرى على بعض الولايات ، أو لأجل المبالغة في الأمر بالطاعة وضرَبَهُ مثلاً .
(3) أما استدلالهم بقول عمر في إرادته استخلاف معاذ بن جبل الأنصاري رضي الله تعالى عنه فهذا لم يتم ، وإنما رشح عمر ستة قرشيين اختارهم وقال : ( ليختاروا أحدهم ) ، وأيضًا لو ثبت ذلك فإن النص مقدَّم على قول الصحابي وإن بلغ من الفضل ما بلغ ، ولعله اجتهاد من عمر رضي الله تعالى عنه ثم تراجع عنه إلى النص ، وقد أجاب الحافظ في الفتح (3) على هذا الإعتراض باحتمالين هما :
أ- إما أن يكون الإجماع انعقد بعد عمر على اشتراط أن يكون الخليفة قرشيًا .
ب- وإما أن يكون قد تغير اجتهاد عمر في ذلك .
__________
(1) رواه أحمد (1/5) وسبق تخريجه في طرق الانعقاد (ص 137) .
(2) انظر الجواب على هذا الحديث مفصلاً : (ص 230) من هذا الفصل عند الحديث على اشتراط القرشية ففيه ما يغني عن الإعادة .
(3) فتح الباري (13/119) .(1/258)
قلت : وإما أن يريد من قوله ذلك الولاية الصغرى ، أي : على أحد الأقاليم ، وهذا لا يشترط فيه النسب اتفاقًا . هذا على افتراض صحة الحديث وإلا فقد سبق أن بينا ضعفه لانقطاع سنده فلا يصلح
للاحتجاج به .
أما الحديث الثاني والذي فيه ذكر سالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة فيحتمل إرادة التولية الصغرى أيضًا ، أو أنه يعتبر قرشيًا ، لأن أبا حذيفة القرشي (1) قد تبناه وهو مولى له ، ومولى القوم منهم ، وقد أرضعته زوجه - وهو كبير - بعد تحريم التبني فأصبح ابنًا له ، وقصة إرضاعه مشهورة وهي في صحيح مسلم وغيره ، قال ابن عبد البر : ( وهو يعد في قريش لما ذكرنا ) (2) ويقصد قوله : ( لأنه لما أعتقته مولاته زوج أبي حذيفة تولى أبا حذيفة وتبناه أبو حذيفة ، ولذلك عُدَّ في المهاجرين ) (3) أما أبو عبيدة فقرشي باتفاق (4) .
(4) أما استدلالهم بقول أبي بكر : ( إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش ... ) وقولهم بأن هذا تعليل لطاعة العرب لهم ، فإذا تغير الحال تغير موضع الاختيار ، هكذا عللوه ، وهو تعليل بعيد ، لأنه ظاهر في أحقية قريش بالخلافة فهو بحق دليل على اشتراط القرشية لا على نفيها ، والنصوص التي ذكرت استدلال أبي بكر مبينة لهذا الظاهر ، وهذا ما فهمه الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، بدليل تسليمهم بالطاعة لأبي بكر رضي الله عنه حينما بين لهم هذا الدليل ... والله أعلم .
(
__________
(1) الإصابة (11/81) .
(2) الاستيعاب لابن عبد البر- على هامش الإصابة لابن حجر (4/101) .
(3) الاستيعاب لابن عبد البر - على هامش الإصابة لابن حجر (4/101) .
(4) الإصابة (5/285) .(1/259)
5) وأما من قال بأنها على سبيل الإخبار وليس فيها أمر فمردود ، لأنها أمر في صيغة الخبر ، وقد وردت بعض الأحاديث بالأمر الصريح كقوله - صلى الله عليه وسلم - : « قدموا قريشًا ولا تقدموها » (1) فهذا أمر منه - صلى الله عليه وسلم - بذلك .
كما أنه لو كان إخبار من النبي - صلى الله عليه وسلم - لتحقق الخبر ، وهو : أنه لن يتولى الخلافة إلا قرشي ، لأن خبر الصادق لابد أن يتحقق ، لكن الواقع غير ذلك ، فقد تولى الخلافة غير القرشيين ، منهم من يدعي كذبًا أنه قرشي كالعبيديين الذي تسموا بالفاطميين (2) ، ومنهم : من لم يدع ذلك كسلاطين الدولة العثمانية ، قال ابن حزم : ( هذان الخبران - يقصد حديث ابن عمر ، ومعاوية السابق ذكرهما - وإن كانا بلفظ الخبر فهما أمر صحيح مؤكد إذ لو جاز أن يوجد الأمر في غير قريش لكان تكذيبًا لخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا كفر ممن أجازه ) (3) .
(6) وأما ما قالوه من أن الإسلام نهى عن العصبية ، وأن تسود طائفة معينة على سائر المسلمين وأنه جاء بالمساواة بين المسلمين جميعًا لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى ... إلخ .
نقول : إن الإسلام باشتراطه أن يكون الإمام قرشيًا لم يكن بذلك داعيًا إلى العصبية القبلية التي نهى عنها في أكثر من موضع ، فإن الإمام في نظر الإسلام ليس له أي مزية على سائر أفراد الأمة ولا لأسرته أدنى حق زائد على غيرهم ، فالإمام وغيره من أفراد المسلمين سواء في نظر الإسلام ، بل هو متحمل من التبعات والمسؤوليات ما يجعله من أشدَّ الناس حملاً وأثقلهم حسابًا يوم القيامة .
__________
(1) أخرجه البيهقي . وعند الطبراني مثله . انظر : فتح الباري (13/118) ، ورواه ابن أبي عاصم في السنة (2/637) . وصححه الألباني انظر : إرواء الغليل ح519 (2/295) .
(2) انظر لكشف كذبهم وتبين أصلهم : تاريخ السيوطي (ص 4) .
(3) المحلى لابن حزم (10/503) .(1/260)
وهذا وليس معنى أن الإسلام نهى عن العصبية أن الناس لا تفاضل بينهم ، بل التفاضل بين الخلق في الدنيا من صميم الفطرة ووردت أدلة شرعية على ذلك . فجمهور العلماء (1) على أن جنس العرب خير من غيرهم ، كما أن جنس قريش خير من غيرهم ، قد ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل أي الناس أكرم ؟ فقال : « أتقاهم » . فقالوا : ليس
عن هذا نسألك ، فقال : « فيوسف نبي الله ابن يعقوب نبي الله ، ابن إسحاق نبي الله ، ابن إبراهيم خليل الله » . قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : « أفعن معادن العرب تسألوني ؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا » . وفي رواية : « الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا » (2) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( ذهبت طائفة إلى عدم التفضيل بين الأجناس ، وهذا قول طائفة من أهل الكلام : كالقاضي أبي بكر ابن الطيب وغيره ... وهذا القول يقال له مذهب الشعوبية وهو : قول ضعيف من أقوال أهل البدع (3) وقال : ( لكن تفضيل الجملة على الجملة لا يستلزم أن يكون كل فرد أفضل من كل فرد فإن في غير العرب خلق كثير خير من أكثر العرب ، وفي غير قريش من المهاجرين والأنصار خير من أكثر قريش ... ) .
__________
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (19/29) .
(2) متفق عليه رواه البخاري في : كتاب الأنبياء . باب : قول الله تعالى { وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } ، (6/387) من الفتح ، ورواه مسلم في : كتاب الفضائل . ب : من فضائل يوسف عليه السلام ، حديث رقم (1378) (4/1846) .
(3) منهاج السنة (2/260) .(1/261)
قال : ( والمقصود أنه أرسل - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الثقلين الإنس والجن فلم يخص العرب دون غيرهم من الأمم بأحكام شرعية ، ولكن خص قريشًا بأن الإمامة فيهم ، وخص بني هاشم بتحريم الزكاة عليهم ، وذلك لأن جنس قريش لما كانوا أفضل ، وجب أن تكون الإمامة في أفضل الأجناس مع الإمكان ، وليست الإمامة أمرًا شاملاً وإنما يتولاها واحد من الناس ) (1) . وقال شيخ الإسلام : ( وإذا فرضنا اثنين أحدهما : أبوه نبي . والآخر : أبوه كافر . وتساويا في التقوى والطاعة من كل وجه كانت درجتهما في الجنة سواء ، ولكن أحكام الدنيا بخلاف ذلك في : الإمامة ، والزوجية ، والشرف ، وتحريم الصدقة ونحو ذلك ... ) قال : والخير في الأشراف أكثر
منه في الأطراف (2) .
أما نفس ترتيب الثواب والعقاب على القرابة ومدح الله عز وجل للشخص المعين وكرامته عند الله وفضله فهذا لا يؤثر فيه النسب ، وإنما المؤثر الوحيد هو التقوى والعمل الصالح ، كما قال عز وجل : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } (3) .
__________
(1) مجموع الفتاوى (19/30) وانظر قريبًا منه : منهاج السنة (2/260) .
(2) المنتقي من منهاج الاعتدال للذهبي (ص 530) .
(3) سورة الحجرات آية 13 .(1/262)
وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة في فضل قريش على سائر القبائل (1) منها قوله - صلى الله عليه وسلم - : « إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل ، واصطفى قريشًا من كنانة ، واصطفى بني هاشم من قريش ، واصطفاني من بني هاشم » (2) . فالحاصل أن هناك من ألغى فضيلة الأنساب مطلقًا ، وهناك من يفضل الإنسان بنسبه على من هو أعظم منه في الإيمان والتقوى فضلاً عمن هو مثله . قال ابن تيمية : ( فكلا القولين خطأ ، وهما متقابلان ، بل الفضيلة بالنسب فضيلة جملة ، وفضيلة لأجل المظنة والسبب ، والفضيلة بالإيمان والتقوى فضيلة تعيين وتحقيق وغاية ، فالأول يفضل به لأنه سبب وعلامه ، ولأن الجملة أفضل من جملة تساويها في العدد ، والثاني يفضل به لأنه الحقيقة والغاية ، ولأن كل من كان أتقى كان أكرم عند الله ، والثواب من الله يقع على هذا ، لأن الحقيقة قد وجدت فلم يعلق الحكم بالمظنة ) (3) .
فالمقصود أن اشتراط القرشية في الإمام ليس له علاقة بالعصبية
القبلية التي نهى الإسلام عنها ألبتة . كما أن النسب في حد ذاته في أصل الشريعة لا قيمة له ذاتية وإنما هو صفة كمال .
هذا وأهل السنة لم يقصروها على نوع بعينه من قريش ، وإنما كان من انتسب إلى قريش جازت له الإمامة إذا توفرت شروطها الأخرى ، وهناك من المبتدعة من قصرها على فرع معين ، فقصرها بعضهم على بني هاشم ، وهؤلاء انقسموا إلى قسمين :
__________
(1) من شاء الاستزادة فليرجع إلى : كتاب السنة لابن أبي عاصم (2/632) .
(2) رواه مسلم ، والترمذي ، وأحمد وغيرهم وسبق تخريجه : (ص 256) من هذا الفصل .
(3) منهاج السنة (2/261) .(1/263)
1- الراوندية (1) : وهؤلاء يرون أنها يجب أن تكون في العباس بن عبد المطلب وولده إلى أن ينتهوا بها إلى أبي جعفر المنصور .
2- الرافضة : وهؤلاء يرون أنها يجب أن تكون في علي رضي الله عنه ثم في ولده من بعده ، ثم اختلفوا بعد ذلك إلى مذاهب شتي :
فزعمت الزيدية منهم أنها لا تكون إلا في ولد علي رضي الله عنه ، ومن خرج من ولد الحسن أو الحسين شاهرًا سيفه وفيه آلات الإمامة فهو الإمام .
وزعمت الإمامية أنها في واحد مخصوص من أولاد علي رضي الله عنه وهو : محمد بن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر الذي ينتظرونه حيث قالوا : إن الإمامة في علي ثم الحسن ثم الحسين ثم تسلسلت في أبناءهم إلى محمد بن الحسن العسكري ( المنتظر ) وقال بعض الغلاة من الروافض : إن الإمامة في الأصل في علي وولده ثم أخرجوها إلى جماعة من غير قريش ، إما بدعواهم وصية بعض الأئمة إليه ، وإما بدعواهم تناسخ الأرواح من الإمام إلى من يزعمون أن الإمامة انتقلت إليه كالبيانية في دعواها انتقال روح
الإله من أبي هاشم بن محمد بن الحنفية إلى بيان ، وكدعوى من ادَّعى أن الروح انتقلت إلى الخطاب الأسدي ، وكدعوى المنصورية نبوة أبي منصور العجلي وإمامته (2) .
تقييد سلطتهم والتوعد بخروج الأمر عنهم :
هذا ومع ذلك فلم ترد هذه السلطة مطلقة ، وإنما مقَّيدة بإقامة الدين ، وتوعدهم بخروج الأمر عنهم إذا لم يراعوا حقوقها ، فقد جاءت الأحاديث المشيرة إلى ذلك على ثلاثة أنحاء :
__________
(1) هم أتباع أبي هريرة الراوندي من فرقة الكيسانية انظر : المقالات (1/96) واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي (ص 95) ط . جديدة . 1398هـ . ن . مكتبة الكليات الأزهرية .
(2) انظر : أصول الدين (ص 275) .(1/264)
الأول : وعيدهم باللعن إذا لم يحافظوا على المأمور به كما في حديث : « الأئمة من قريش ما فعلوا ثلاثًا ، ما إن استرحموا ، وإن عاهدوا وفوا ، وإن حكموا عدلوا ، فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين » (1) ق. ال ابن حجر ( وليس في هذا ما يقتضي خروج الأمر عنهم ) (2) .
الثاني : وعيدهم بأن يسلط الله عليهم من يبالغ في أذيتهم ، فعند أحمد وأبي يعلي من حديث ابن مسعود يرفعه : « يا معشر قريش إنكم أهل هذا الأمر ما لم تعصوا الله ، فإذا عصيتموه بعث الله عليكم من يلحاكم كما يلحى هذا القضيب ، لقضيب في يده ، ثم لحى القضيب فإذا هو أبيض يصلد » (3) , وليس في هذا تصريح بخروج الأمر عنهم أيضًا وإن
كان فيه إشعار به .
__________
(1) رواه أحمد وغيره وسبق تخريجه (ص 259) من هذا الفصل .
(2) فتح الباري (13/116) .
(3) رواه أحمد في مسنده (4/458) وأبو يعلي وغيرهما . قال عنه الهيثمي : رواه أحمد ، وأبو يعلي ، والطبراني في الأوسط ، ورجال أحمد رجال الصحيح ، ورجال أبي يعلي ثقات . مجمع الزوائد (5/192) . قال الحافظ ابن حجر : ورجاله ثقات إلا أنه من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عم أبيه عبد الله بن مسعود ولم يدركه ، قال : وله شاهد من مرسل عطاء بن يسار . أخرجه الشافعي ، والبيهقي من طريقه بسند صحيح إلى عطاء ولفظه : قال لقريش : « أنتم أولى الناس بهذا الأمر ما كنتم على الحق إلا أن تعدلوا عنه ، فتلحون كما تلحى هذه الجريدة » . انظر : فتح الباري (13/114) . والحديث صححه أحمد شاكر في تخريجه للمسند : ح4380 (6/279) .(1/265)
الثالث : الإذن في القيام عليهم وقتالهم (1) ، والإيذان بخروج الأمر عنهم ، كما أخرج الطيالسي والطبراني من حديث ثوبان يرفعه : « استقيموا لقريش ما استقاموا لكم ، فإن لم يستقيموا فضعوا سيوفكم على عواتقكم فأبيدوا خضراءهم ، فإن لم تفعلوا فكونوا زراعين أشقياء » (2) . قال الحافظ ابن حجر : ( ويؤخذ من بقية الأحاديث أن خروجه عنهم إنما يقع بعد إيقاع ما هددوا به من اللعن أولاً وهو الموجب للخذلان وفساد التدبير وقد وقع ... ثم التهديد بتسليط من يؤذيهم عليه ووجد ذلك ... ثم طرأ عليهم طائفة بعد طائفة حتى انتزع الأمر منهم في جميع الأقطار ولم يبق للخليفة إلا مجرد الاسم في بعض
الأمصار ) (3) أما اليوم فلم يبق اسم ولا جسم إلا رسوم في طيات الكتب وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ! .
هل يجوز خلو قريش ممن هو صالح للإمامة ؟
__________
(1) ليس على إطلاقه وسيأتي تفصيل لهذه المسألة إن شاء الله .
(2) قال الهيثمي : رواه الطبراني في : الصغير ، والأوسط . ورجال الصغير ثقات ، مجمع الزوائد (5/195) ، وقال الإمام أحمد : ( حديث الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان : « أطيعوا قريش ... » ليس بصحيح . سالم بن أبي الجعد لم يلق ثوبان ) . المسند من مسائل الإمام أحمد ورقة (8) وبنحوه قال الحافظ ابن حجر ثم قال : وله شاهد في الطبراني من حديث النعمان بن بشير بمعناه فتح الباري (13/116) فالحديث وإن كان رجاله ثقات إلا أنه ضعيف لانقطاعه ، وقد طعن الإمام أحمد في متنه فقال : الذي يروى من الأحاديث خلاف حديث ثوبان ، وما أدري ما وجهه . المسند من مسائل الإمام أحمد ورقه (8) . وروي عن أم هاني مثله قال عنه الإمام أحمد : ليس بصحيح هو : منكر . نفس المرجع .
(3) فتح الباري (13/117) .(1/266)
وعلى هذا التساؤل يجيب القاضي أبو يعلي بقوله : ( لا يجوز خلو قريش ممن يصلح للإمامة خلافًا للجبائي (1) في قوله : يجوز ، وإذا خلوا جاز نصب إمام من غيرهم يستوفي الحقوق ويقيم الحدود ، والدلالة عليه أنه قد ورد الشرع بالإمامة في قريش ، فلو خلت قريش ممن يصلح للإمامة كان فيه تكليف نصبه إمامًا مع عدم القدرة ، ولا يجوز هذا ) (2) .
قلت : ويدل عليه أيضًا حديث ابن عمر المتقدم : « لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان » (3) . وهذا وإن لم يرد حقيقة العدد فإنما يدل على بقاء الوجوب إلى قيام الساعة ، ولا يمكن أن يوجب الشرع شيئًا لا وجود له ، ويدل عليه أيضًا حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : سمعت
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « قريش ولاة الناس في الخير والشر إلى يوم القيامة » (4) .
__________
(1) انظر : المغني في أبواب التوحيد ، والعدل للقاضي عبد الجبار المعتزلي (20/239) القسم الأول . قلت : وعليه أكثر المعتزلة كما يذكر ابن أبي الحدد ذلك بقوله : ( وقال أكثر أصحابنا : معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « الأئمة من قريش » أن القرشية شرط إذا وجد في قريش من يصلح للإمامة ، فإن لم يكن فيها فليست القرشية شرطًا فيها ) . شرح نهج البلاغة (9/87) .
(2) المعتمد في أصول الدين (ص 241) .
(3) رواه البخاري وغيره وسبق تخريجه (ص 258) من هذا الفصل . وهذا لفظ مسلم ، أما البخاري فلفظه « ما بقي منهم اثنان » .
(4) رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح غريب . ك : الفتن . ب : ما جاء أن الخلفاء من قريش إلى أن تقوم الساعة . (4/503) ونحوه عند مسلم عن عبد الله بن مسعود : « لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان » . ك الإمارة . ب : الناس تبع لقريش ، ح1820 (3/1452) .(1/267)
ويستدل به أيضًا على عدم وقوع ما فرضه الفقهاء من الشافعية وغيرهم أنه إذا لم يوجد قرشي يستخلف كناني ، فإن لم يوجد فمن بني إسماعيل ، فإن لم يوجد منهم أحد مستجمع الشروط فعجمي ، وفي وجه : جرهمي ، وإلا فمن ولد إسحاق (1) قال ابن حجر : ( قالوا : وإنما فرض الفقهاء ذلك على عادتهم في ذكر ما يمكن أن يقع عقلاً ، وإن كان لا يقع عادة أو شرعًا ) (2) .
الحكمة من اشتراط القرشية
من المسلم به أن كل تشريع من الله سبحانه وتعالى لا بد له من حكمة ومقصد شريف علمه من علمه وجهله من جهله ، ونحن لسنا مطالبين بمعرفة حكمة كل تشريع يرد بل مطالبون بالتحقيق من صحة هذا التشريع ، ثم تنفيذه في واقع الحياة العملي سواء اتضحت لنا حكمته أم لا . ومن هذا القبيل اشتراط القرشية في الإمام .
رأي ابن خلدون :
وقد حاول بعض العلماء الاهتداء إلى هذه الحكمة والتعرف عليها ، ومن أشهر أولئك ابن خلدون حيث قال في مقدمته : ( إن الأحكام الشرعية
__________
(1) انظر على سبيل المثال : نهاية المحتاج (7/409) .
(2) فتح الباري (13/119) .(1/268)
كلها لا بد لها من مقاصد وحكم تشتمل عليها وتشرع لأجلها ، ونحن إذا بحثنا عن الحكمة في اشتراط النسب القرشي ومقصد الشارع منه لم يقتص فيه على التبرك بوصلة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما هو في المشهور ، وإن كانت تلك الوصلة موجودة والتبرك بها حاصلاً ، لكن التبرك ليس من المقاصد الشرعية كما علمت . فلابد إذن من المصلحة في اشتراط النسب وهي المقصودة من مشروعيتها ، وإذا سبرنا وقسنا لم نجد إلا اعتبار العصبية التي تكون بها الحماية والمطالبة ، ويرتفع الخلاف والفرقة بوجودها لصاحب المنصب لتسكن إليه الملة وأهلها ، وينتظم حبل الإلفة فيها ، وذلك أن قريشًا كانوا عصبة مضر وأصلهم ، وأهل الغلب فيهم ، وكان لهم على سائر مضر العزة بالكثرة والعصبية والشرف ، فكان سائر العرب يعترف لهم بذلك ويستكينون لغلبهم ، فلو جعل الأمر في سواهم لتوقع افتراق الكلمة ... والشارع يحذر من ذلك [ لأنه ] (1) حريص على اتفاقهم ورفع التنازع والشتات بينهم لتحصل اللحمة والعصبية وتحسن الحماية ، بخلاف ما إذا كان الأمر في [ غير ] (2) قريش ، لأنهم قادر على سوق الناس بعصا الغلب إلى ما يراد منهم ، فلا يخشى من أحد من خلاف عليهم ولا فرقة ، لأنهم كفيلون حينئذ بدفعها ومنع الناس منها ، فاشتراط نسبهم القرشي في هذا المنصب وهم أهل العصبية القوية ليكون أبلغ في انتظام الملة واتفاق الكلمة ... ) (3) . قال : ( فإذا ثبت اشتراط القرشية إنما هو لدفع التنازع بما كان لهم من العصبية والغلب ، وعلمنا أن الشارع لا يخص الأحكام بجيل ولا عصر ولا أمة معينة ، علمنا أن ذلك إنما هو من الكفاية ، فرددناه إليها وطردنا العلة المشتملة على المقصود من القرشية وهي وجود العصبية ، فاشتراطنا في القائم بأمور المسلمين أن يكون من قوم أولي عصبية قوية غالبة على من معها ) (4) .
__________
(1) ساقط من الأصل .
(2) ساقط من الأصل .
(3) مقدمة ابن خلدون (ص 195) .
(4) نفس المرجع (ص 196) ..(1/269)
مناقشة هذا الرأي :
هذا هو كلام ابن خلدون في الحكمة ، وأنت تلاحظ أنه جعل مدار علة الشرط هو العصبية ، فإن وجدت وجد الشرط وإن عدمت عدم ، فإذا لم تكن لقريش عصبية فعلى رأيه لا يلزم أن تكون الإمامة فيهم ، بل يجب أن تكون في الأقوى عصبية في ذلك العصر وإن كان من غير قريش (1) .
لكن عند استقراء النصوص لا نجد أنها تدل على ذلك ، فالتشريع الإسلامي جاء تشريعًا للحياة من أول النبوة المحمدية إلى قيام الساعة ، فهو غير خاص بزمان معين أو مكان محدد ولو كان المراد العصبية لنص عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - أو للزم أن تكون العصبية دائمًا لقريش ، لأن النصوص نصت على قريش بالذات ، وهذا ما لا يقول به أحد وخلاف الواقع فدل على بطلان ذلك ، وكذلك لو كانت العلة هي العصبية فقط لكانت الخلافة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - في أقوى بيوت قريش عصبية ، والواقع يخالف ذلك ، فالخليفة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - هو أبو بكر الصديق بإجماع أهل السنة ، وهو من تيم ، وليست بأقوى بطون قريش (2) في ذلك العصر . ولا بأكثرهم عصبية ، بل كانت بنوا هاشم أقوى منهم شوكة وأكثر عصبية ، ولم تكن الخلافة الأولى فيهم ، فدل على أن المقصود ليس هو العصبية ... والله أعلم .
رأي ولي الله الدهلوي :
__________
(1) وممن ذهب هذا المذهب من الكتاب المحدثين د . محمد ضياء الدين الريس في كتابه النظريات السياسية الإسلامية (ص 302) ود . محمد فاروق النبهان في كتابه نظام الحكم في الإسلام (ص 470) ، ود . محمد فؤاد النادي في كتابه طرق اختيار الخليفة (ص 107) ومؤلفو الخلافة وسلطة الأمة (ص 23) تعريب عبد الغني سني ، وإليه ذهب الشيخ عبد الوهاب خلاف في السياسة الشرعية (ص 56) واستحسنه الأستاذ محمد يوسف موسى في نظام الحكم في الإسلام (ص (69) .
(2) رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي (ص 163) .(1/270)
وممن حاول التماس الحكمة أيضًا شاه ولي الله الدهلوي حيث قال : ( والسبب المقتضي لهذا - أي اشتراط النسب القرشي في الإمامة - أن الحق الذي أظهره الله على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - إنما جاء بلسان قريش وفي عاداتهم ، وكان أكثر ما تعيَّن من المقادير والحدود ما هو عندهم ، وكان المعدّ لكثير من الأحكام ما هو فيهم ، فهم أقوى به وأكثر الناس تمسكًا بذلك ، وأيضًا فإن قريشًا قوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وحزبه ولا فخر لهم إلا بعلو دين محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وقد اجتمع فيهم حمية دينية وحمية نسبية فكانوا مظنة القيام بالشرائع والتمسك بها ، وأيضًا فإنه يجب أن يكون الخليفة ممن لا يستنكف الناس عن طاعته ، لجلالة نسبه وحسبه ، فإن من لا نسب له يراه الناس حقيرًا ذليلاً ، وأن يكون ممن عرف منهم الرئاسات والشرف ، ومارس قومه جمع الرجال ونصب القتال ، وأن يكون قومه أقوياء يحمونه وينصرنه ويبذلون دونه الأنفس ولم تجتمع هذه الأمور إلا في قريش ، لاسيما بعدما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ونبه به أمر قريش ) (1) .
رأي محمد رشيد رضا :
وقريب من هذا ما ذهب إليه الشيخ محمد رشيد رضا في مجال التماسه لهذه الحكمة حيث يقول : ( إن الله تعالى ختم دينه وأكمله بكتابه الحكيم الذي أنزله قرآنًا عربيًا , و ( حكمًا عربيًا ) على خاتم رسله العربي القرشي ، وزعامتهم وقوة العرب وحماية هذه الدعوة بسيوفهم ، وكلّ من دخل في الإسلام من الأعاجم وكان له عمل صالح فيه كان تابعًا لهم متلقيًا عنهم ،
__________
(1) حجة الله البالغة لشاه ولي الله الدهلوي (2/737) ن : دار الكتب الحديثة بالقاهرة تحقيق السيد سابق .(1/271)
على مساواة الشرع في أحكامه بينهم ، ونبوغ كثير من مواليهم الذين استعربوا لهم ، وكانت قريش في جملة بطونها أكمل العرب خلقًا وأخلاقًا ، وفصاحة وذكاء ، وفهمًا وقوة عارضة ، كما كانت أصرح نسبًا في سلالة إسماعيل ، وأشرف تأريخًا في العرب بفضائلها وفواضلها ، وخدمتها لبيت الله تعالى ، فكان مجموع هذه المزايا التي كملت بالإسلام مؤهلاً لها لاجتماع كلمة العرب عليها ، ثم كلمة من يدخل في الإسلام من شعوب العجم بالأولى ، ولاسيما بعد النصّ من الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإجماع الصحابة عليه ... ) ثم يقول ( فحكمة جعله صلوات الله وسلامه عليه نبوته فيها وسببه أمران :
(1) كثرة المزايا التي تنشر بها الدعوة وتكون بحسب طباع البشر سببًا لجمع الكلمة ، ومنع المعارضة والمزاحمة أو ضعفها وكذلك كان .
(2) أن تكون إقامة الإسلام متسلسلة في سلائل أول من تلقاها ودعا إليها ونشرها حتى لا ينقطع اتصال سيرها المعنوي والتاريخي ... ) (1) .
مناقشة هذين الرأيين :
وهكذا يلاحظ أن كلا من الدهلوي ورشيد رضا يرى الحكمة من اشتراط القرشية لما لهذه القبيلة من المنزلة والفضل والمكانة ، قد يكون هذا هو السبب وقد يكون غيره على أننا لا نسلم بجميع هذه النقاط الجزئية التي ذكراها ، وعلى سبيل المثال قول الدهلوي : ( الحق الذي أظهره الله على لسان نبيه إنما جاء بلسان قريش وفي عاداتهم ... ) . فهذا ليس بصحيح فأكثر عاداتهم حاربها الإسلام وحرمها ولم يقر من عاداتهم إلا القليل جدًا ، والتي تتلاءم وما جاء به الإسلام ، كإكرام الضيف ونحوه بعد أن صبغها الإسلام ، فلا يجوز أن نقول : إن الإسلام جاء بعادات قريش .
ونحوها في كلام الأستاذ محمد رشيد رضا رحمه الله في عدة خدمة قريش لبيت الله الحرام من المزايا والفضائل ، فهذه لا ترفع منزلتهم على الذين آمنوا
__________
(1) الخلافة أو الإمامة العظمى (ص 21) .(1/272)
بالله واليوم الآخر بنص القرآن : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ... } الآية (1) وإن كان لهذه الخدمة منزلة عند العرب وفضيلة لقريش على غيرها ، وعمارة المساجد من أفضل القربات عند الله ، لكنها لا تنفع صاحبها إذا خلت من الإيمان { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ... } الآية (2) .
وكذلك قوله : ( واقتضت حكمته أن يكون نشره في مشارق الأرض ومغاربها بدعوة قريش وزعامتهم ) . فهذا غير مسلم به ، لأن الدعوة أول ما انتشرت كانت بمساهمة جميع المسلمين من قريش ، ومن الأنصار ومن القبائل العربية الأخرى ، بل ومن الأعاجم أيضًا فكان كل فرد يأتي فيسلم ويتعلم أمور الدين ينقلب إلى قبيلته داعيًا إلى الله فيؤمن على يديه الخلق الكثير ، وقد تؤمن القبيلة بأكملها بسبب هذا الداعية فينضمون إلى جند الله ناشرين لهذا الدين وداعين له ، وبذلك انتشرت الدعوة في مشارق الأرض ومغاربها ، وكانوا تحت قيادات مختلفة قرشية وغير قرشية .
وكذلك اعتباره كونها في سلسلة واحدة متصلة من الأسباب التي خصت قريش بالإمامة ، فهذا أيضًا غير مسلم ، لأنه قد يفهم من ذلك التوارث في الإمامة ، وهذا قد اتفق العلماء على أنه ليس من الإسلام في شيء كما مر (3) ولم يقل به إلا الروافض .
الرأي الراجح :
__________
(1) سورة التوبة آية 19 .
(2) سورة التوبة آية 18 .
(3) انظر : فصل طرق انعقاد الإمامة (ص 189) .(1/273)
بقي الآن أن أدلي بدلوي في التماس هذه الحكمة فهي - فيما أرى والله أعلم - أن قريشًا هي أفضل قبائل العرب بنص الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فعن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إن الله اصطفى قريشًا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم » (1) .
فالعرب في الأجناس وقريش في العرب مظنة أن يكون فيهم الخير أعظم مما يوجد في غيرهم ، ولهذا كان منهم أشرف خلق الله النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يماثله أحد في قريش ، فضلاً عن وجوده في سائر العرب وغير العرب ، وكان منهم الخلفاء الراشدون ، وسائر العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم ، وغيرهم ممن لا يوجد له نظير في العرب وغير العرب ، وكان في العرب السابقون الأولون ممن لا يوجد لهم نظير في سائر الأجناس ، فلا بد أن يوجد في الصنف الأفضل ما لا يوجد مثله في المفضول ، فمظنة وجود الفضلاء في قريش أكثر من مظنة وجودهم في غيرها ، ولم يخص النبي - صلى الله عليه وسلم - بني هاشم دون غيرهم من قريش وهم أفضل بطون قريش ، لأنها بطن من قبيلة فعددها محصور وقليل ، فلا يلزم أن يكون الفضلاء فيها ، كما أن أفضل الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن فيهم ، وإنما في بني تيم وهو أبو بكر ، ثم عمر من بني عدي ، ثم عثمان من بني أمية ، ثم علي من بني هاشم .
ومما يدل على فضل العرب على غيرهم قول الإمام أحمد في رواية الإصطخري عند ذكر عقيدته : ( ويعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها ويحبهم لحديث : « حبهم إيمان ، وبغضهم نفاق » . ولا يقول بقول الشعوبية
وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب ولا يقرون لهم بفضل ، فإن لهم بدعًا ونفاقًا وخلافًا ) (2) .
__________
(1) رواه مسلم ، والترمذي وغيرهما وسبق تخريجه (ص 256) .
(2) طبقات الحنابلة لابن أبي يعلي (1/30) .(1/274)
ومن الحكمة أيضًا أن الله سبحانه وتعالى قد ميزهم عن غيرهم من سائر القبائل بقوة النبل وسداد الرأي ، وهما صفتان هامتان وضروريتان للإمام ، يدل على ذلك الحديث الذي رواه أحمد بسنده عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إن للقرشي مثلي قوة الرجل من غير قريش » . فقيل للزهري : ما عني بذلك ؟ قال : نبل الرأي (1) .
قد يكون هذا السبب في تخصيص قريش بالإمامة وقد يكون غيره ولا أثر لعدم معرفتنا الحكمة من ذلك على الحكم العام والعمل به وهو اشتراط القرشية في المرشح للإمامة .
وهذا الشرط كغيره من الشروط السابقة التي لا تشترط إلا عند الاختيار من قبل أهل الحل والعقد ، أما إذا كان تولي الإمام للإمامة بغير هذه الطريقة فلا يشترط فيه القرشية كالمتغلب مثلاً ومن عهد إليه من إمام سابق وخشيت الفتنة إن عُزل ، ففي مثل هذه الحالة تجب طاعته في غير معصية والجهاد معه ونحو ذلك ، وله من الحقوق ما للقرشي بنص الأحاديث السابقة (2) والموجبة لطاعة المتغلب وإن لم تكتمل فيه جميع هذه الشروط . والله أعلم .
الكلام في اشتراط الأفضلية
__________
(1) رواه أحمد في مسنده (4/81) . قال عنه السبكي : إسناده صحيح . انظر طبقات الشافعية الكبرى (1/191) والحديث أخرجه الحاكم في المستدرك (4/72) ، وصححه على شرط البخاري ومسلم وأقره الذهبي ، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد (10/26) عن أحمد ، وأبي يعلي ، والبزار ، والطبراني ، ثم قال : ورجال أحمد رجال الصحيح ، والحديث أخرج نحوه أبو نعيم في الحلية (9/64) ، والبيهقي في مناقب الشافعي تحقيق السيد أحمد صقر (1/22) .
(2) ص 213) فما بعدها .(1/275)
هذا الشرط مختلف فيه بين العلماء وهو : هل يجب أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه ؟ أو يجوز أن يولى المفضول مع وجود الفاضل ؟ وفي هذا المبحث نحاول أن نتعرف على آراء الفريقين وأدلة كل منهما ثم نرى الراجح من ذلك ونعقبه ببحث موجز عن المفاضلة بين الخلفاء الراشدين وموقف أهل السنة والفرق الأخرى من ذلك :
وقبل الخوض في الموضوع نريد أن نحدد المعنى المقصود بالأفضل وفي أي شيء تكون المفاضلة ؟ وذلك لأنه قد يقع بعض الاختلاف نتيجة للاختلاف في الاصطلاح وإلا فالنتيجة واحدة .
فالأفضل في نظري إذا أطلق انصرف إلى الأفضل عند الله كمسائل التفضيل بين الصحابة وبين الأنبياء وبينهم وبين الملائكة ونحو ذلك . هذا وإن كان من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، إلا أننا نحكم على الناس بحسب أعمالهم الظاهرة ، أما الباطنة فلا علم لنا بها وحساب صاحبها عند ربه عز وجل ، فإذا رأينا من رجلٍ الصلاح والتقوى وكثرة التعبد بالفرائض والنوافل حكمنا بأنه أفضل ممن هو دونه في الظاهر من أعماله ، وإن كنا ما ندري ما يخفي ضميره فهذا بينه وبين الله عز وجل ، وربما كان عند الله الأقل أعمالاً أفضل لعلة خافية لا يعلمها إلا الله ، وهذا الحكم ظني الدلالة ولا نقطع إلا بما صح في الشرع تفضيله كالمفاضلة بين الخلفاء الراشدين ونحوه .
وإلى هذا الرأي ذهب القاضي عبد الجبار المعتزلي ونسبه إلى قومه حيث قال : ( والمعلوم أنهم لا يريدون بالتفضيل ما قدمناه - أي كالنسب والعقل ... - وإنما عنوا في باب الدين الذي يرجع إلى كثرة الثواب ومزيته على ثواب غيره ، وإذا قلنا زيد فاضل فالمراد أنه يستحق من الثواب قدرًا
كثيرًا ... ) إلى أن قال : ( وإذا قلنا هو أفضل من غيره فالمراد أن له على غيره مزية في قدر الثواب ) (1) .
__________
(1) المغني في أبواب التوحيد والعدل (حـ 20 ، ق 2 ، ص 116) .(1/276)
أما إذا خصص هذا الفضل كأن يقال : الأفضل في العلم ، أو الأفضل في الشجاعة ، أو الأفضل في توفر الشروط ، فهذا ينصرف إلى ما خصص به ويمكن أن يعبر عنه بالأصلح أو الأنفع للمسلمين .
وهذا خلاف ما ذهب إليه إمام الحرمين الجويني فقد اعتبر الأفضل هنا بمعنى الأصلح والأنفع للمسلمين حيث قال : ( فالمعني بالفضل استجماع الخلال التي يشترط اجتماعها في التصدي للإمامة ، فإذا أطلقنا الأفضل في هذا الباب عنينا به الأصلح للقيام على الخلق بما يستصلحهم ) (1) .
فالمراد بالأفضل عند الجويني هو الأصلح في أمور الناس لا الأفضل في الدين . بعد هذا نشرع في الموضوع فنقول :
القائلون باشتراط الأفضلية
ذهب إلى اشتراط أن يكون الإمام أفضل أهل عصره طوائف من الأشاعرة وبعض المعتزلة وبعض الخوارج (2) وجميع الرافضة من الشيعة إلا بعض الزيدية ، فمن الأشاعرة أبو الحسن الأشعري رحمه الله حيث نسب البغدادي هذا القول إليه فقال : ( قال أبو الحسن الأشعري يجب أن يكون
الإمام أفضل أهل زمانه في شروط الإمامة (3) ، ولا تنعقد الإمامة لأحد مع وجود من هو أفضل منه ، فإن عقدها قوم للمفضول كان المعقود له من الملوك دون الأئمة ) (4) .
ونسب هذا القول للنظام والجاحظ من المعتزلة حيث قالا : ( إن الإمامة لا يستحقها إلا الأفضل ، ولا يجوز صرفها إلى المفضول ) (5) .
__________
(1) غياث الأمم (ص 122) .
(2) الفصل (4/163) .
(3) لعله يقصد بالتفضيل هنا استجماع شروط الإمامة لا التفضيل عند الله وهو الذي ذهب إليه الجويني وسبق ذكره .
(4) أصول الدين (ص 293) وانظر : الفرق بين الفرق (ص 352) .
(5) نفس المرجع (ص 293) وانظر : الأحكام السلطانية للماوردي (ص 8) .(1/277)
وإلى هذا القول ذهب بعض أهل السنة منهم أبو يعلي فقال : ( وفي الإبتداء لو عدلوا - أي لو عدل أهل الحل والعقد في ابتداء العقد - عن الأفضل لغير عذر لم يجز ، وإن كان لعذر من كون الأفضل غائبًا أو مريضًا أو كان المفضول أطوع في الناس جاز ) (1) .
أما الشيعة فكلهم يذهبون إلى اشتراط الأفضلية (2) إلا الجريرية من الزيدية ، وهم أتباع سليمان بن جرير الزيدي فقد ( أجاز إمامة المفضول ) (3) وإلا البترية منهم كذلك حيث قالوا بقول الجريرية في الإمامة (4) وهو مذهب زيد بن علي رحمه الله الذي تنسب إليه الزيدية قال الشهرستاني : ( وكان من
مذهبه جواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل ) (5) .
أدلة القائلين بوجوب تولية الأفضل دون المفضول :
استدلوا على ما ذهبوا إليه بعدة أدلة أهمها :
(
__________
(1) الأحكام السلطانية لأبي يعلي (ص 23) والمعتمد له (ص 245) .
(2) انظر : كشف المراد شرح تجريد الإعتقاد لنصير الدين الطوسي والشرح للحلي (ص 392) ، وعقائد الإمامية الإثنى عشرية (ص 78) ، وحق اليقين في معرفة أصول الدين (1/141) .
(3) الفرق بين الفرق (ص 34) .
(4) الملل والنحل (1/161) .
(5) نفس المرجع (1/159) .(1/278)
1) ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « أيما رجل استعمل رجلاً على عشرة أنفس علم أن في العشرة أفضل ممن استعمل ، فقد غش الله وغش رسوله ، وغش جماعة المسلمين » (1) . ونحوه ما رواه الحاكم وصححه عن ابن عباس مرفوعًا : « من استعمل رجلاً من عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه ، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين » (2) . فهذا في الجماعة الصغيرة فأولى اشتراطه في الجماعة الكبيرة .
(2) ومنها ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال : ( لو علمت أن أحدًا من الناس أقوى عليه مني – يعني الولاية – لكنت أقدم فتضرب عنقي أحب إلى من أن أليه ) (3) .
(3) ما روي عن عمر أيضًا أنه قال : ( إني لأتحرج أن أستعمل الرجل وأنا أجد من هو أقوى منه ) (4) وإذا كان هذا في الإمارة ففي الإمامة من باب أولى .
(4) ومن الأدلة على ذلك أيضًا أن الصحابة قد عقدوا الإمامة للأفضل فالأفضل ، فالخلفاء الأربعة مرتبون على حسب الأفضلية ، أفضلهم أولهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، وقد احتج بهذا أبو الحسن الأشعري (5) رحمه الله تعالى .
أما الرافضة فلا يسلمون بذلك ، بل يدعون أن الأفضل هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
(
__________
(1) رواه أبو يعلي في مسنده عن حذيفة بسند ضعيف . انظر : ضعيف الجامع الصغير (2/265) .
(2) رواه الحاكم عن ابن عباس بسند ضعيف أيضًا . انظر : ضعيف الجامع الصغير للألباني (5/162) . وقريب منه عند أبي يعلي عن حذيفة انظر : كنز العمال (6/19) ح14653 ، ونحوه في المسند عن أبي بكر ح21 ، لكنه ضعيف لأن في سنده مجهول . المسند (1/165) تحقيق أحمد شاكر . قال الهيثمي : رواه أحمد وفيه رجل لم يسم مجمع الزوائد (5/232) .
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/275) .
(4) نفس المرجع (3/305) .
(5) أصول الدين للبغدادي (ص 293) .(1/279)
5) ومن الأدلة أيضًا أن الأفضل من كان أقرب إلى انقياد الجماهير له واجتماع الآراء على متابعته .
(6) واستدلوا أيضًا على ذلك بأن العقل يقضي بقبح تقديم المفضول على الأفضل في إقامة أحكام الشريعة وحفظ حوزة الملة ، وهذا الدليل قد احتجت به الشيعة ، وضرب الإيجي لذلك مثالاً فقال : ( فإن من ألزم الشافعي - رحمه الله - حضور درس آحاد العلماء والعمل بفتواه عد سفيهًا قاضيًا بغير قضية العقل ) (1) .
القائلون بجواز إمامة المفضول :
ذهب أكثر أهل السنة والجماعة وأكثر المعتزلة وأكثر الخوارج ومن الشيعة : زيد بن علي رضي الله عنه ، والبترية من الزيدية ، إلى جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل ، وأن مدار ذلك راجع إلى مصلحة المسلمين فإن كانت المصلحة تقتضي تقديم المفضول قدم ، وإن كانت تقتضي تقديم الفاضل قدم ، ولأنه رب مفضول في علمه وعمله هو بالزعامة أعرف وبشرائطها أقوم (2) . وذكر ابن حزم أن : ( الإجماع قد انعقد على جواز إمامة
المفضول ) (3) وقال الإمام أحمد بن حنبل حينما سئل عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو وأحدهما : قوي فاجر ، والآخر : صالح ضعيف ، مع أيهما يغزى ؟ قال : ( أما الفاجر القوى فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه ، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين ، فُيغزى مع القوي الفاجر ) (4) .
أدلتهم على جواز إمامة المفضول
استدلوا على ما ذهبوا إليه بالأدلة التالية :
(
__________
(1) المواقف للإيجي (ص 413) .
(2) المواقف (ص413) ، وانظر : الجامع لأحكام القرآن (1/271) .
(3) الفصل (4/164) .
(4) السياسة الشرعية لابن تيمية (ص16) .(1/280)
1) فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمرائه ورؤساء أجناده ، فلم يكن يختار أفضلهم فيوليه الإمارة ، بل ولى الإمارة أناسًا فيهم من هو أفضل منهم ، فاستعمل على أعمال اليمن معاذ بن جبل ، وأبا موسى الأشعري ، وخالد بن الوليد . وعلى عمان عمرو بن العاص . وعلى نجران أبا سفيان . وعلى مكة عتاب بن أسيد . وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص . وعلى البحرين العلاء بن الحضرمي ، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين . ولا خلاف في أن : أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وعمار بن ياسر ، وأبا عبيدة ، وابن مسعود ، وأبا ذر رضي الله عنهم أجمعين أفضل ممن ... ذكر . قال ابن حزم : ( فصح يقينًا أن الصفات التي يستحق بها الإمامة والخلافة ليس منها التقدم في الفضل ) (1) لذا فقد كان من هديه - صلى الله عليه وسلم - تولية الأنفع للمسلمين وإن كان غيره أفضل منه (2) وعلى هذا سار خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم في توليتهم الأمراء
فهم لا يشترطون الأفضل ، قال ابن حجر عن عمر رضي الله عنه : ( والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين فقط ، بل يضم إليه مزيد المعرفة بالسياسة مع اجتناب ما يخالف الشرع فيها ، فلأجل هذا استخلف معاوية ، والمغيرة ابن شعبة ، وعمرو بن العاص مع وجود من هو أفضل من كل منهم في أمر الدين والعلم كأبي الدرداء في الشام وابن مسعود في الكوفة ) (3) .
فهذا وإن كان في الإمارة الصغرى فإنه يقاس عليه الإمامة الكبرى فلا تشترط الأفضلية ، بل قد روي عنه رضي الله عنه قوله : ( إني لأتحرج أن أستعمل الرجل وأنا أجد أقوى منه ) (4) .
(
__________
(1) الفصل (4/165) .
(2) إعلام الموقعين لابن القيم (1/107) .
(3) فتح الباري (13/198) .
(4) طبقات ابن سعد (3/284) .(1/281)
2) قول أبي بكر رضي الله عنه يوم السقيفة : ( قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين - يعني أبا عبيدة وعمر - فبايعوا أيهما شئتم ) (1) ومن المعلوم أن أبا بكر أفضل من عمر ، وعمر أفضل من أبي عبيدة ، فدل على أبا بكر يرى إمامة المفضول مع وجود الأفضل .
(3) عهد عمر رضي الله عنه إلى الستة ، ولابد أن لبعضهم على بعض فضلاً ، فدل ذلك على أن عمر قد أجاز أن يعقد لواحد منهم إذا اجتمعوا عليه ، ورأوا - مصلحتهم في توليته ، وهذا يدل على أنه لا يشترط أن يكون الإمام أفضل الناس (2) .
(4) إجماع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم على إمامة معاوية رضي الله عنه بعد تسليم الحسن رضي الله عنه الأمر إليه ، وسمي ذلك العام عام
الجماعة ، وفي بقايا الصحابة من هو أفضل منهما بلا خلاف ممن أنفق من قبل الفتح وقاتل ، قال ابن حزم : ( فكلهم أولهم عن آخرهم بايع معاوية ورأى إمامته ، وهذا إجماع متيقن بعد إجماع - يقصد ما سبق من كلام أبي بكر وعهد عمر إلى الستة فلم يخالف في ذلك أحد من الصحابة - فدل إجماعهم عليه على جواز إمامة من غيره أفضل بيقين لا شك فيه ، إلى أن حدث من لا وزن له عند الله تعالى فخرقوا الإجماع بآرائهم الفاسدة بلا دليل نعوذ بالله من الخذلان ) (3) .
(5) ومن أدلتهم أيضًا أنه لا سبيل إلى معرفة الأفضل إلا بنص أو إجماع وهذه ممتنعة الآن فلا يدري أحد فضل إنسان على غيره ممن بعد الصحابة إلا بالظن والحكم بالظن لا يحل (4) لقوله تعالى ذامًا لقوم { إِن نَّظُنُّ إِلا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } (5) ونحوها من الآيات .
(
__________
(1) سبق تخريجه في مبايعة أبي بكر (ص136) .
(2) انظر الصواعق المحرقة (ص9) .
(3) الفصل (4/164) .
(4) نفس المرجع (4/165) .
(5) سورة الجاثية آية 32 .(1/282)
6) ومن الأدلة أيضًا أنه تكليف بما لا يطاق وإلزام بما لا يستطاع ، وهذا باطل لا يحل ، وذلك لأن قريشًا مفترقون في البلاد فمعرفة أسمائهم ممتنع فكيف معرفة أحوالهم فكيف معرفة أفضلهم ؟ وأيضًا فالناس متباينون في الفضائل فيكون الواحد أزهد ، ويكون الآخر أورع ، ويكون الثالث أعلم ، وهكذا فكيف يبين التفاوت بينهم ؟ (1) .
مناقشة الأدلة
وبعد هذا العرض والنظر في أدلة كل من الطرفين نرى رجحان أدلة المجيزين لما يأتي :
أما ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « أيما رجلاً استعمل رجلاً ... » إلخ الحديث ، وكذلك حديث ابن عباس فهما حديثان ضعيفان لا تقوم بهما حجة .
الأول : ضعفه الشيخ ناصر الدين الألباني في تخريجه للجامع الصغير للسيوطي (2) والثاني : ذكر ضعفه أيضًا في ضعيف الجامع الصغير (3) ولا عبرة بتصحيح الحاكم له لأنه معروف بتساهله رحمه الله في ذلك ، وربما صحح ما لا يصح ، ويمكن أن تحمل هذه الأحاديث وما شاكلها على من ترك الأفضل غشًا للمسلمين ومحاباة لأحد ، أما من ولى المفضول لمصلحة المسلمين فهذا قد نصح لله ولرسوله وقام بما أوجبه الله عليه ... والله أعلم .
أما الحديث الثالث فإن صح فهو حجة لأصحاب الرأي الثاني ، لأنه لم يشترط الأفضل بل الأصلح ، وكذلك قولي عمر رضي الله عنه فإنه لم ينص على الأفضل بل قال الأقوى ، أي : على سياسة الناس والقيام بأعباء هذا المنصب فلا حجة لهم فيها وإنما هما حجة للقائلين بالقول الثاني .
أما استدلالهم بترتيب الخلافة للخلفاء الراشدين على حسب أفضليتهم فهذا صحيح ومسلم به ، إلا أنه ليس فيه دلالة على منع تولية المفضول ، بل هناك الشواهد من أقوالهم تدل على خلاف ذلك كما مر في ذكر أدلة الآخرين .
__________
(1) الفصل (4/165) .
(2) ضعيف الجامع الصغير (2/265) . ...
(3) نفس المرجع (2/262) .(1/283)
أما قولهم إن الأفضل أقرب إلى انقياد الجماهير له فهذا غير مسلم به ، إذ ربما يكون المفضول أقدر على القيام بمصالح الإمامة ، ونصبه أوقع لانتظام حال الرعية وأوثق في اندفاع الفتنة .
أما كون العقل يقبح تقديم المفضول على الأفضل فغير مسلم به ، لأن الهدف من إقامة الخلافة هو تحقيق مقاصدها ، فالأقدر على تحقيق هذه المقاصد هو الأولى بالتنصيب سواء كان هو الأفضل أم المفضول .
الرأي الراجح :
فالذي يترجح عندي هو : أن الأقدر على تحقيق أهداف الإمامة هو الأولى بالتنصيب سواء كان فاضلاً أو مفضولاً ، لأنه إذا كان صالحًا في نفسه ضعيفًا في تدبير الأمور أثر هذا الضعف على جميع الأمة ، أما إذا كان قويًا في سياسته وحسن تدبيره وعنده شيء من التقصير في الطاعة فإن هذا التقصير ترجع مضرته على نفسه دون الأمة ، فهو أولى بالتقديم ، ولذلك منع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا ذر رضي الله عنه من التولية وبين له السبب في منعه ، فعنه رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله ألا تستعملني ؟ قال : فضرب بيده على منكبي ثم قال : « يا أبا ذر إنك ضعيف ، وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها » (1) هذا أبو ذر الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - : « ما تقل الغبراء ولا تظل الخضراء على ذي لهجة أصدق وأوفى من أبي ذر شبيه عيسى بن مريم » . على نبينا وعليه السلام قال : فقام عمر بن الخطاب فقال يا نبي الله : أفنعرف ذلك له ؟ قال : « نعم فاعرفوا له » (2) .
__________
(1) رواه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وأحمد وسبق تخريجه (ص226) من هذا الفصل .
(2) رواه الترمذي بلفظ « ما أظلت الخضراء ... » إلخ في : المناقب . ب : مناقب أبي ذر ، ح3801 وقال : حديث حسن (5/669) ، ورواه ابن ماجة في المقدمة ب : 11 ، وأحمد (2/163) ، وابن سعد (4/168) ، وابن حبان في صحيحه (ص560) .(1/284)
أما إذا اجتمع الفضل والصلاح في شخص واحد فهو الأولى بالتقديم بلا شك ، وإنما يصار إلى الثاني لأجل المصلحة العامة وخوف وقوع الفتنة ،
وهذا ما حدا بعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أن لا يولي رجلاً صالحًا بعده ، كما قال مالك رحمه الله للعمري : ( أتدري ما الذي منع عمر بن عبد العزيز أن يولي رجلاً صالحًا ؟ ) قال العمري : ( لا أدري ) . قال مالك : ( لكني أنا أدري ، إنما كانت البيعة ليزيد بعده فخاف عمر إن ولى رجلاً صالحًا أن لا يكون ليزيد بد من القيام فتقوم هجمة فيفسد ما لا يصلح ) (1) قال الشاطبي تعليقًا على هذه الرواية : ( فظاهر هذه الرواية أنه إذا خيف عند خلع غير المستحق وإقامة المستحق أن تقع فتنة وما لا يصلح ، فالمصلحة في الترك ) (2) .
__________
(1) الاعتصام للشاطبي (2/128) وذكرها استدلالاً على العمل بالمصالح المرسلة .
(2) الاعتصام للشاطبي (2/128) وذكرها استدلالاً على العمل بالمصالح المرسلة .(1/285)
علمًا بأن الصلاح هذا يختلف من ولاية أخرى ، فينبغي أن يجعل في كل ولاية الأصلح لها ، فإن الولاية لها ركنان كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهما : ( القوة ، والأمانة ... ) ، أخذًا من الآية الكريمة : { إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ } قال : ( والقوة في كل ولاية بحسبها . فالقوة في ولاية الحرب ترجع إلى شجاعة القلب ، وإلى الخبرة بالحروب والمخادعة فيها . والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل الذي دل عليه الكتاب والسنة ، وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام . والأمانة ترجع إلى خشية الله ... وترك خشية الناس ) (1) قال : ( فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها ، فإذا تعين رجلان أحدهما : أعظم أمانة . والآخر : أعظم قوة . قدم أنفعهما لتلك الولاية ، وأقلهما ضررًا فيها ) (2) وقد سبق كلام الماوردي وأبي يعلي في أنه يراعى ما يقتضيه العصر ( فإذا كانت الحاجة إلى فضل الشجاعة أدعى لانتشار الثغور وظهور البغاة ، كان الأشجع أحق ، وإن كانت الحاجة إلى فضل العلم لسكون الدهماء وظهور البدع كان الأعلم أحق ) (3) وهذا هو مذهب أهل
السنة كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: ( أهل السنة يقولون ينبغي أن يولى الأصلح للولاية إذا أمكن إما وجوبًا عند أكثرهم ، وإما استحبابًا عند بعضهم ، وإن عدل عن الأصلح مع قدرته لهواه فهو ظالم ومن كان عاجزًا عن توليته الأصلح مع محبته لذلك فهو معذور ) (4) .
أسباب العدول عن الأفضل إلى المفضول :
__________
(1) السياسة الشرعية لابن تيمية (ص14 ، 15) .
(2) نفس المرجع (ص16) .
(3) الأحكام السلطانية للماوردي (ص7) ، ولأبي يعلي (ص24) .
(4) منهاج السنة (1/147) .(1/286)
أما القاضي عبد الجبار من المعتزلة فقد حدد أسبابًا معينة تقتضي في رأيه جواز (1) العدول عن إمامة الفاضل إلى المفضول إذا وجد أحد هذه الأسباب وهي :
1- أن يكون في الأفضل علة تخرجه من أن يصح كونه إمامًا ، نحو أن تكون بعض الشرائط التي يحتاج إليها الإمام مفقودة ، كالعلم وكالمعرفة بالسياسة .
2- أن يكون الأفضل من غير قريش فيقدم المفضول من قريش عليه لثبوت السمع الدال على أن الإمامة في قريش .
3- أن يقترن إلى حال المفضول ما يجعله بالتقديم أحق وإن كان الأول سليم الحال ، وذلك بحق شهرة فضله وصلاحه عند الخاص والعام دون الأفضل فيكون بالتقديم أولى ، لأن النفوس إليه أسكن ، ولأن الفضل المطلوب في الإمامة إنما يراد لما يعود على الكافة من المصلحة .
4- كذلك القول في من يعرف أن انقياد الناس له أكثر واستقامتهم إليه أتم وشكواهم إليه أعظم ، فهو بالتقديم أحق ممن هو أفضل منه إذا لم يكن هذا حاله .
5- إذا كان في حال العقد عارض يقتضي تقديم المفضول ، نحو أن يكون المفضول في البلد الذي مات فيه الإمام ومست الحاجة إلى نصب آخر ،
وإن أخر نصب المفضول أدى إلى فتنة أو ما شاكلها ، أو أن يكون الفاضل غائبًا أو مريضًا أو نحو ذلك .
أما إذا لم يوجد هناك أي سبب يؤدي إلى تقديم المفضول على الفاضل فالأولى تقديم الأفضل لأنه الأصلح قطعًا ، وإذا بايع أهل الحل والعقد المفضول ولم لكن هناك أي سبب فالإمامة له منعقدة وطاعته واجبة .
وبهذا ننتهي إلى أن الأفضلة ليست شرطًا في الإمامة ، ولا يجب أن يكون أفضل أهل زمانه ... والله أعلم .
* * * * *
مبحث
في
المفاضلة بين الخلفاء الراشدين
مبحث
في
المفاضلة بين الخلفاء الراشدين
__________
(1) المغني في أبواب التوحيد والعدل ح (20) قسم أول (ص227 ، 228) ( باختصار ) .(1/287)
بعد الحديث عن المفاضلة ، وهل الأفضلية شرط من شروط الإمامة أم لا ، وبعد ذكرنا أن الخلفاء الراشدين مرتبون في الخلافة حسب ترتيبهم في الأفضلية ، أحببنا زيادة بيان وتدليل على هذه القضية , فنذكر مذهب السلف أهل السنة والجماعة ثم نذيِّل باختصار لآراء الفرق الضالة وموقفهم من ذلك فنقول :
مذهب السلف أهل السنة والجماعة في الفاضلة بين الخلفاء الراشدين .
اتفق أهل السنة والجماعة على تفضيل أبي بكر وعمر على عثمان وعلى رضي الله عنهم أجمعين ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( فهذا متفق عليه بين أئمة المسلمين المشهورين بالإمامة في العلم والدين من الصحابة والتابعين وتابعيهم ، وهو مذهب مالك وأهل المدينة ، والليث بن سعد وأهل مصر ، والأوزاعي وأهل الشام ، وسفيان الثوري ، وأبي حنيفة ، وحماد بن زيد ، وحماد بن سلمة وأمثالهم من أهل العراق ، وهو مذهب الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد وغير هؤلاء من الأئمة ) (1) .
وحكى مالك إجماع أهل المدينة على ذلك فقال : ( ما أدركت أحدًا ممن يقتدى به يشك في تقديم أبي بكر وعمر ) (2) .
ونقل البيهقي في الاعتقاد بسنده إلى أبي ثور عن الشافعي أنه قال : ( أجمع الصحابة وأتباعهم على أفضلية أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ) (3) .
والأدلة على ما ذهبوا إليه مستفيضة منها على سبيل المثال :
(
__________
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (4/421) .
(2) نفس المصدر ( 4/421) .
(3) فتح الباري (7/17) . وانظر : منهاج السنة (1/168) ، ومناقب الشافعي (1/433) بنحوه .(1/288)
1) ما رواه البخاري وغيره عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : ( كنا نخير بين الناس في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فنخير أبا بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم ) (1) .
(2) وفي رواية قال سالم بن عبد الله : إن عبد الله بن عمر قال : ( كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي : أفضل أمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم ) (2) .
وكلا الحديثين نص في المسألة .
(3) وقد روي آثار مستفيضة عن علي رضي الله تعالى عنه نفسه ففي صحيح البخاري عن محمد بن الحنفية أنه قال : ( قلت لأبي : أي الناس خير بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : أبو بكر ، قلت : ثم من ؟ قال : عمر ، وخشيت أن يقول عثمان قلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين ) (3) . قال ابن تيمية : ( وروي هذا عن علي بن أبي طالب من نحو ثمانين وجهًا ، وأنه كان يقول على منبر الكوفة ، بل قال : لا أوتى بأحد يفضلني على أبي
بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري ، فمن فضله على أبي بكر وعمر جلد بمقتضى قوله رضي الله عنه - ثمانين سوطًا ) (4) .
قلت : وفي هذا أكبر حجة على بطلان قول الرافضة بأنه لم يبايع إلا تقية وكان مكرهًا وإلا فهو أفضل منهما ، ولو كان الأمر كذلك لما أعلنه على رؤوس الأشهاد على المنبر ، ولما جلد من يقول ذلك حد الافتراء .
__________
(1) رواه البخاري - واللفظ له - في : فضائل الصحابة . باب : 4 . فتح الباري (7/16) ، وأبو داود في : كتاب السنة . باب : في التفضيل ، عون المعبود (8/380) ، والترمذي وغيرهم .
(2) رواه أبو داود في : كتاب السنة . باب في التفضيل ، عون المعبود (8/381) .
(3) البخاري كتاب فضائل الصحابة . باب : رقم 4 ، فتح الباري (7/20) .
(4) مجموع الفتاوى(4/422) .(1/289)
ومنها ما رواه البخاري أيضًا وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : ( إني لواقف في قوم ندعوا الله لعمر بن الخطاب وقد وضع على سريره ، إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي يقول : رحمك الله إن كنتُ لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك لأني كثيرًا ما كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : كنت وأبو بكر وعمر ، وفعلت وأبو بكر وعمر ، وانطلقت وأبو بكر وعمر ، فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما ، فالتفتُّ فإذا هو علي بن أبي طالب ) (1) .
(4) وروي عن سفيان الثوري أنه قال : ( من زعم أن عليًا كان أحق بالولاية منهما فقد خطَّأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار رضي الله عن جميعهم وما أراه يرتفع له مع هذا عمل إلى السماء ) (2) وفي رواية ( ... فقد أزرى على اثني عشر ألفًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما أراه ... إلخ الحديث ) (3) هذا بالإضافة إلى ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل منهم من الفضائل :
من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه
فقد ورد في فضائل أبي بكر الصديق أحاديث كثيرة صحيحة صريحة في تفضيله على الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم - ، ومن هذه الأحاديث :
(
__________
(1) متفق عليه . رواه البخاري في فضائل الصحابة . باب 4 ، الفتح (7/22) . ومسلم في ك : فضائل الصحابة . ب : من فضائل عمر ، ح2389 (4/1858) .
(2) رواه أبو داود في : كتاب السنة . باب : في التفضيل ، عون المعبود (8/382) .
(3) المسند من مسائل الإمام أحمد للخلال مخطوط ورقة (55) وصحح النووي أسانيده عن سفيان : انظر الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي (ص 16) .(1/290)
1) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « لو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخي وصاحبي » . وفي رواية « ... لكن أُخوَّة الإسلام أفضل » (1) .
(2) ومنها ما ورد في الصحيح أيضًا أنه كان بين أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما كلام ، فطلب أبو بكر من عمر أن يستغفر له فلم يفعل ، فجاء أبو بكر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك فقال : اجلس يا أبا بكر يغفر الله لك ( ثلاثًا ) ، ثم إن عمر ندم ، فجاء إلى منزل أبي بكر فلم يجده ، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل وجه النبي يتمعَّر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم ( مرتين ) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت ، وقال أبو بكر صدق وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركوا لي أصحابي ( مرتين ) فما أذوي بعدها » (2) .
(3) ما روي عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الناس أحب إليك ؟ قال : « عائشة » ، قلت من الرجال ؟ قال : « أبوها » ، قلت :
__________
(1) متفق عليه . رواه البخاري في : فضائل الصحابة . باب : قول النبي « لو كنت متخذًا خليلاً » فتح الباري (7/18) ، ومسلم عن ابن مسعود في : فضائل الصحابة ب : من فضائل أبي بكر ، ح 2383 (4/1855) ، والترمذي في : كتاب المناقب . باب مناقب أبي بكر حديث رقم (3655) (5/606) . وغيرهم .
(2) صحيح البخاري في : فضائل الصحابة . باب : قول النبي « لو كنت متخذًا خليلاً ... » فتح الباري (7/18) .(1/291)
ثم من ؟ قال : « عمر بن الخطاب » (1) .
إلى غير ذلك من الأحاديث التي يصعب استقصاؤها ، وقد سبق الحديث عن بعض الأدلة على أفضليته واستحقاقه الإمامة عند الكلام على النصية (2) قال أبو الحسن الأشعري : ( وإذا وجبت إمامة أبي بكر بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجب أنه أفضل المسلمين ) (3) وقد استدل على إمامته بعده آيات من القرآن الكريم منها قوله تعالى : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } (4) فقال : ( وقد أجمع هؤلاء الذين أثنى الله عليهم ومدحهم ، على إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وسموه خليفة رسول الله وبايعوه وانقادوا له ، وأقروا له بالفضل وكان أفضل الجماعة في جميع الخصال التي يستحق بها الإمامة من العلم والزهد وقوة الرأي وسياسة الأمة وغير ذلك ) (5) .
من فضائل الفروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أما فضائل عمر فبالإضافة إلى أنه من العشرة المبشرين بالجنة هو وأبو بكر ، وعثمان ، وعلي ، فقد ورد فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة منها :
(1) ما رواه أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « لقد كان فيمن قبلكم محدثون ،
__________
(1) البخاري ك الفضائل . ب : « لو كنت متخذًا خليلاً » ، فتح الباري (7/18) ، ومسلم في فضائل الصحابة . ب : من فضائل أبي بكر ، ح2384 (4/1856) وقريب منه عند الترمذي عن عائشة إلا أنها لم تذكر نفسها رضي الله عنها تواضعًا منها . انظر : كتاب المناقب . باب مناقب أبي بكر حديث رقم (3657) (5/607) وقال : حسن صحيح .
(2) انظر (ص118) فما بعدها .
(3) الإبانة (ص255) تحقيق د . فوقية حسين محمود .
(4) سورة الفتح آية 18 .
(5) الإبانة (ص 252) .(1/292)
فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر » (1) .
(2) ومنها ما رواه سعد بن أبي وقاص ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال مخاطبًا عمر رضي الله عنه : « والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا إلا سلك فجًّا غير فجك » (2) .
(3) ومنها ما رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « لو كان بعدي نبي لكان عمر » (3) .
وقد ورد له فضائل أخرى مقرونًا مع أبي بكر منها :
(1) عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إن أهل الدرجات العلا ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء ، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما » (4) .
(
__________
(1) متفق عليه . رواه البخاري في فضائل الصحابة . باب : فضائل عمر ، الفتح (7/42) ، ومسلم عن عائشة في : مناقب عمر ، ح2398 (4/1864) ، ورواه الترمذي في : المناقب . باب : مناقب عمر ، رقم الحديث (3693) (5/622) .
(2) متفق عليه . رواه البخاري في : فضائل الصحابة . باب : فضائل عمر ، فتح الباري (7/41) ، ومسلم في : فضائل عمر ، ح2396 (4/1863) . وقريب منه عند الترمذي (5/622) .
(3) رواه الحاكم في المستدرك وصححه ، ووافقه الذهبي (3/85) ورواه الترمذي في : المناقب . باب : مناقب عمر ، حديث رقم (3686) وقال : حسن غريب (5/619) .
(4) رواه الترمذي في المناقب . ب : مناقب أبي بكر ، ح3658 . وقال : حديث حسن (5/607) ، ورواه ابن ماجة في المقدمة . ب : من فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ح96 (1/37) ، ورواه الإمام أحمد في المسند (3/26) ، ورواه ابن حبان في صحيحه كلهم عن أبي سعيد الخدري ، ورواه الطبراني عن جابر ، وابن عساكر عن أبي هريرة انظر : الصواعق المحرقة (ص 77) . وقريب منه عند الطبراني عن أبي هريرة قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير سلم بن قتيبة وهو : ثقة . مجمع الزوائد (9/54) .(1/293)
2) ومنها ما روي عن علي رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين » (1) .
المفاضلة بين عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهما
أما المفاضلة بين عثمان وعلي فهذه دون تلك ، وقد حصل فيها نزاع بين السلف قال ابن تيمية : ( فإن سفيان الثوري وطائفة من أهل الكوفة رجحوا عليًا على عثمان ، ثم رجع عن ذلك سفيان وغيره ، وبعض أهل المدينة توقَّف في عثمان وعلي وهي إحدى الروايتين عن مالك ، لكن الرواية الأخرى عنه تقديم عثمان على علي كما هو مذهب سائر الأئمة كالشافعي وأبي حنيفة وأصحابه ، وأحمد وأصحابه ، وغير هؤلاء من أئمة الإسلام ) (2) .
أما أبو حنيفة رحمه الله فقد روي عنه ( تقديم علي على عثمان ) (3) وجاء في السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني : ( روى نوح بن أبي مريم عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال : سألته عن مذهب أهل السنة فقال : أن تفضل أبا بكر وعمر ، وتحب عليًّا وعثمان ، وترى المسح على الخفين ، (4) ولا تكفر أحدًا
__________
(1) رواه الترمذي في : المناقب ، ح3664 ، وقال : حسن غريب (5/610) ، ورواه ابن ماجة في المقدمة . ب : من فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ح100 (1/38) ، ورواه ابن حبان في صحيحه موارد الظمآن (ص 538) ، ورواه أحمد . وقال صاحب الفتح الرباني : إسناده صحيح ، ورجاله ثقات (22/184) .
(2) مجموع الفتاوى (4/426) .
(3) شرح العقيدة الطحاوية (ص 486) .
(4) مخالفة للرافضة ، لأنهم لا يرون المسح على الخفين ولا الصلاة فيها ، ولذلك درج علماء السلف على ذكر هذه المسألة الفرعية في عقائدهم للدلالة على مخالفتهم للرافضة .(1/294)
من أهل القبلة ، وتؤمن بالقدر ، ولا تنطق في الله بشيء ... ) ثم قال الشارح : ( ومن الناس من يقول : قبل الخلافة كان عليًّا مُقَدَّمًا على عثمان ، وبعد الخلافة عثمان أفضل من علي ) (1) ثم اعتذر الشارح عن كلام الإمام السابق بقوله : ( ولم يُرِدْ أبو حنيفة رضي الله عنه بما ذكر تقديم علي على عثمان ، ولكن مراده أن محبتهما من مذهب أهل السنة فالواو عنده لا توجب الترتيب ) (2) .
قلت : بل قد صرَّح في الفقه الأكبر بتقديم عثمان على علي فقال : ( وأفضل الناس بعد النبيين عليهم الصلاة والسلام أبو بكر ، ثم عمر بن الخطاب الفاروق ، ثم عثمان بن عفان ذو النورين ، ثم علي بن أبي طالب المرتضى رضي الله تعالى عنهم أجمعين ) (3) . وهو ظاهر المذهب قال السرخسي : ( فأما المذهب عندنا أن عثمان أفضل من علي رضوان الله عليهما قبل الخلافة وبعدها ) (4) .
أدلة تفضيل عثمان على علي رضي الله عنه :
ومما سبق يتضح أن الغالبية العظمى من أهل السنة والجماعة على تقديم عثمان على علي ، ولم يخالف إلا القليل ، ويدل على صحة ما ذهبوا إليه ما يلي :
(1) ما تقدّم من قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيّ : ( أفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم ) (5) .
(
__________
(1) شرح السير الكبير (1/158) .
(2) شرح السير الكبير (1/158) .
(3) انظر : متن الفقه الأكبر لأبي حنيفة (ص 168) من الفقه الأكبر مع شرحه للملا علي القاري .
(4) شرح السير الكبير (1/158) ، وانظر : شرح العقدية الطحاوية (ص 486) .
(5) متفق عليه وسبق تخريجه قريبًا (ص 399) .(1/295)
2) وكذلك في قصة بيعة عثمان الثابتة في الصحيح - كما مر - أنه لما لم يبق في الشورى إلا عثمان ، وعلي ، والحكم عبد الرحمن بن عوف ، وبقي عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام بلياليها يشاور المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ، ويشاور أمهات المؤمنين ، ويشاور أمراء الأمصار - فإنهم كانوا بالمدينة حجوا مع عمر وشهدوا موته - حتى قال عبد الرحمن : ( إن لي ثلاثًا ما اغتمضت بنوم ) بعد هذا كله وبعد أخذ المواثيق منهما على أن يبايع من بايعه ، أعلن النتيجة بعد هذا الاستفتاء وهي قوله : ( إني رأيت الناس لا يعدلون بعثمان ) فبايعه علي وعبد الرحمن وسائر المسلمين بيعة رضى واختيار (1) فدلّ ذلك على تقديمه في الأفضلية عليه ، قال ابن تيمية : ( وهذا إجماع منهم على تقديم عثمان على علي ) (2) ولما سأل رجل عبد الله بن المبارك أيهما أفضل علي أو عثمان قال : ( قد كفانا ذاك عبد الرحمن بن عوف (3) ) ، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حينما ولي عثمان الخلافة ( أمَّرنا خير من بقي ولم نَأْل ) (4) .
ولهذا قال أيوب وأحمد بن حنبل والدارقطني : ( من قَدَّم عليًا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار ) (5) ويفسِّر ابن تيمية ذلك بأنه : ( لو لم يكن عثمان أحق بالتقديم وقد قدموه كانوا إما جاهلين بفضله ، وإما ظالمين بتقديم المفضول من غير ترجيح ديني ، ومن نسبهم إلى الجهل
__________
(1) انظر تفصيل ذلك : طرق الانعقاد (ص 143) ، وهذه الرواية من البخاري ك : 93 . باب : 43 ، فتح الباري (13/193) ، ومن البداية والنهاية (7/146) بتصرف يسير .
(2) مجموع الفتاوى (4/428) .
(3) المسند من مسائل الإمام أحمد للخلال ورقة (57) .
(4) قال في مجمع الزوائد : رواه الطبراني بأسانيد ، ورجال أحدها رجال الصحيح (9/88) وذكره الخلال في المسند من مسائل الإمام أحمد ورقة (57) .
(5) مجموع الفتاوى (4/428) . وانظر : شرح العقيدة الطحاوية (ص 486) .(1/296)
والظلم فقد أزرى بهم ) (1) .
والسلف وإن كان بعضهم يرى التوقف بعد ذكر عثمان ، لا يقدِّمون على علي أحدًا بعد الثلاثة ، كما قال الإمام أحمد : ( من لم يربِّع بعلي فهو أضل من حمار أهله ) (2) وإنما من قال بالتوقف في التفضيل عند عثمان يريد الإقتداء بحديث ابن عمر السابق ، فيذكرون الثلاثة ثم يجملون بقية أصحاب الشورى كما هي رواية عن الإمام أحمد نفسه فقد ذكر عنه اللالكائي قوله : ( وخير الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم - ، أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان . نقدِّم هؤلاء الثلاثة كما قدَّمهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يختلفوا في ذلك ، ثم بعد هؤلاء الثلاثة أصحاب الشورى الخمسة : علي بن أبي طالب ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد كلهم يصلح للخلافة وكلهم إمام ، ونذهب إلى حديث ابن عمر ( كنا نعدّ ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيّ وأصحابه متوافرون أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ) (3) .
وبنحوه تمامًا عن علي بن المديني (4) .
وإن كان ورد عنه نفسه رحمه الله روايات ينص فيها على التربيع بعلي منها الرواية السابقة : ( من لم يربِّع بعلي فهو أضل من حمار أهله ) . ومنها رواية الإصطرخي حيث قال فيها : ( وخير الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم - : أبو بكر ، وعمر بعد أبي بكر ، وعثمان بعد عمر ، وعلي بعد عثمان ، ووقف قوم على عثمان ) (5) .
__________
(1) مجموع الفتاوى (4/428) .
(2) منهاج السنة (2/208) .
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (ص 157) .
(4) نفس المرجع (ص 163) .
(5) طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (1/30) .(1/297)
ولذلك كانت خلاصة رأي الإمام أحمد رحمه الله في التفضيل - على ما يراه الخلال - هي من قوله : ( من قال : أبو بكر وعمر وعثمان فقد أصاب . وهو الذي العمل عليه ، ومن قال : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فصحيح أيضًا جيد لا بأس به وبالله التوفيق ) (1) .
قلت : لكنه ورد عنه رحمه الله تكذيبه لمن نسبه إلى التوقف عند عثمان فقال في رواية محمد بن عوف الحمصي : ( وخير الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبو بكر ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي ، فقلت له يا أبا عبد الله ، فإنهم يقولون : إنك وقفت على عثمان ؟ فقال : كذبوا والله علي ، إنما حدثتهم بحديث ابن عمر - وذكر الحديث - ولم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تخايروا بعد هؤلاء بين أحد ، ليس لأحد في ذلك حجة ، فمن وقف على عثمان ولم يربع بعلي فهو على غير السنة يا أبا جعفر ) (2) .
فالحاصل أن من نص على التربيع على علي ، ومن توقف عن التنصيص عند عثمان ، كلهم لا يقدمون على علي بعد الثلاثة أحدًا ، ولا يلزم من عدم التنصيص عليه بعد عثمان أنهم يقدمون عليه أحدًا ، قال ابن تيمية : ( فليس في أهل السنة من يقدم عليه - أي علي - أحدًا غير الثلاثة ، بل يفضلونه على جمهور أهل بدر ، وأهل بيعة الرضوان ، وعلى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، وما في أهل السنة من يقول : إن طلحة والزبير وسعدًا وعبد الرحمن بن عوف أفضل منه ، بل غاية ما يقولون السكوت عن التفضيل بين أهل الشورى ) (3) وقد حكى الحافظ ابن حجر الإجماع على أن ترتيب الخلفاء في الأفضلية كترتيبهم في
الخلافة ) (4) .
__________
(1) المسند من مسائل الإمام أحمد للخلال ورقة (62) .
(2) طبقات الحنابلة (1/313) .
(3) منهاج السنة (2/206) .
(4) فتح الباري (7/34) .(1/298)
لكن من قدم عليًا على عثمان هل هو مبتدع أم لا ؟ وعلى هذا السؤال يجيب الخلال ، فقد قال بعد ذكره لعدة روايات مسنده عن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل فيمن قدم عليًا على عثمان قال : ( فاستقر القول من أبي عبد الله أنه يكره هذا القول ولم يجزم في تبديعه ، وإن قال قائل : هو مبتدع لم ينكر عليه وبالله التوفيق ) (1) .
من فضائل عثمان رضي الله عنه
والآن نورد بعض الأحاديث الواردة في فضل ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه منها :
- قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « من يحفر بئر رومة (2) فله الجنة » . فحفرها عثمان ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : « من جهز جيش العسرة فله الجنة ، فجهزه عثمان » (3) زاد الترمذي
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم » مرتين . (4) .
__________
(1) المسند من مسائل الإمام أحمد للخلال ورقة (56) .
(2) كانت عينًا لرجل من غفار يبيع منها القربة بمد فعرض عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - شراؤها بعين في الجنة ؟ فقال يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها ، فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فاشتراها بخمس وثلاثين ألف درهم ، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أتجعل لي ما جعلت له ؟ قال : « نعم » ، قال : قد جعلتها للمسلمين . قال ابن حجر : وإن كانت أولاً عينًا فلا مانع أن يحفر فيها بئرًا ، ولعل العين كانت تجري إلى بئر فوسعها وطواها فنسب حفرها إليه . انظر : فتح الباري (5/408) .
(3) ذكرهما البخاري تعليقًا في كتاب : فضائل الصحابة . باب : مناقب عثمان ، فتح الباري (7/52) ووصلهما في قصة عثمان لما حوصر رضي الله عنه . انظر : الوصايا . باب : نفقة القيم للوقف ، فتح الباري (5/406) .
(4) سنن الترمذي في : المناقب . باب : مناقب عثمان ، حديث رقم (3701) (5/626) .(1/299)
2- ومنها ما روته عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة يعني عثمان » (1) .
ومن الأحاديث الدالة على فضائله رضي الله عنه التي شارك فيها أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ما يلي :
(1) ما رواه أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدًا ومعه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، فرجف بهم فقال - صلى الله عليه وسلم - : « أسكن أحد - أظنه ضربه برجله - فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان » (2) .
(2) ومنها ما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل حائطًا وأمرني بحفظ باب الحائط فجاء رجل يستأذن ، فقال : « ائذن له وبشره بالجنة » ، فإذا أبو بكر ، ثم جاء آخر يستأذن فقال : « إئذن له وبشره بالجنة » ، فإذا عمر ، ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة ثم قال : « ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه » ، فإذا عثمان بن عفان وعند مسلم : فقال : « اللهم صبرًا أو الله المستعان » (3) .
من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
__________
(1) رواة مسلم في ك : فضائل الصحابة . ب : من فضائل عثمان ، ح2401 (4/1866) .
(2) رواه البخاري - واللفظ له - في كتاب الصحابة . باب : مناقب عثمان ، (7/53) من الفتح ، والترمذي في : المناقب . باب : مناقب عثمان ، رقم الحديث (3697) (5/624) وقال : حسن صحيح .
(3) متفق عليه . رواه البخاري في كتاب : الفضائل . باب : مناقب عثمان ، (7/53) من الفتح ، ورواه مسلم في : الفضائل . ب : من فضائل عثمان ح2403 (4/1867) ، ورواه الترمذي في : مناقب عثمان ، حديث رقم (3710) (5/631) .(1/300)
ورد في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كثير من الأحاديث الصحيحة الدالة على فضله وكثرة مناقبه حتى قيل إنه لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في علي (1)
__________
(1) انظر : المستدرك (3/107) ، وروي هذا القول عن الإمام أحمد ، وعن إسماعيل القاضي ، والنسائي ، وأبي علي النيسابوري . ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري (7/71) وعلل ذلك بأنه : ( تأخر ووقع الاختلاف في زمانه ، وخروج من خرج عليه ، فكان ذلك سبب لانتشار مناقبه من كثرة من كان بينها من الصحابة ردًا على من خالفه ، فكان الناس طائفتين لكن المبتدعة قليلة جدًا ، ثم كان من أمر علي ما كان فنجمت طائفة أخرى حاربوه ، ثم اشتد الخطب فتنقصوه ، واتخذوا لعنه على المنابر سنة . ووافقهم الخوارج على بغضه ، وزادوا حتى كفروه مضمومًا . ذلك منهم إلى عثمان فصار الناس في حق علي ثلاثة : أهل السنة ، والمبتدعة من الخوارج ، والمحاربين له من بني أمية وأتباعهم ، فاحتاج أهل السنة إلى بث فضائله فكثر الناقل لذلك لكثرة من يخالف ذلك ، وإلا فالذي في نفس الأمر أن لكل من الأربعة من الفضائل إذا حرر بميزان العدل لا يخرج عن قول أهل السنة والجماعة أصلاً ) . فتح الباري (7/71) فلا يلزم من ذلك أفضليته على الثلاثة الذي سبقوه بالخلافة ، قلت : وقد يكون من هذه الأسباب أيضًا ظهور بعض التشيع له الذي قد يؤدي ببعضهم إلى وصفه بما ليس فيه ، وهذا أدى بأهل السنة إلى إيضاح وتبيين ما ورد في الرجل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على حقيقته ، لكن الأسباب السابقة تؤدي إلى كثرة طرق هذه الأحاديث لا كثرة الأحاديث نفسها والله أعلم .
هذا وقد يعتبر بعض العلماء أن السبب هو وضع الروافض للحديث في فضائله قلت : لا شك أنهم قد وضعوا الشيء الكثير في ذلك ، ولكن هذا معروف عند أهل السنة ولا يندرج عليهم ، لأن الله قد هيأ لهذه السنة جهابذة العلماء والنقاد فبينوا الصحيح من الضعيف من الموضوع فكل الأحاديث الموضوعة من الروافض معروفة عند علماء السنة فلا يدرجونها في كتبهم ، وإن أدرجوها بينوا ما فيها أو عرف ذلك من بعدهم من السند ، والحمد لله الذي حفظ لنا ديننا ، وإلا فقد قال الخليلي في الإرشاد : قال بعض الحافظ : تأملت ما وضعه أهل الكوفة في فضائل علي وأهل بيته فزاد على ثلاثمائة ألف والله أعلم . انظر : تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة لابن عراق (1/407) .(1/301)
ومن هذه الأحاديث ما يلي :
(1) ما رواه البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى تبوك واستخلف عليًا ، فقال : « أتخلفني في الصبيان والنساء ؟ » قال : « ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » (1) .
وهذا الحديث مما تعلقت به الروافض في أن الخلافة كانت حقًا لعلي وأنه وصى له بها ولا حجة لهم فيه ، بل غاية ما في الأمر إثبات فضيلة من فضائل علي رضي الله عنه ، ولم يتعرض الحديث لكونه أفضل من غيره أو مثله ، وليس فيه أية دلالة على استخلافه بعده ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال هذا تطييبًا لخاطره حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك . ويؤيد هذا أن هارون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى عليهما السلام بل توفي في حياته ، كما أن هارون كان نبيًا مع أخيه موسى عليهما السلام ، وإنما استخلفه حينما ذهب لميقات . ربه للمناجاة والله أعلم . علمًا بأنه لا يلزم من التشبيه المساواة في كل الأحوال .
(
__________
(1) البخاري في : المغازي . باب غزوة تبوك ، فتح الباري (8/112) ومسلم في : الفضائل . ب : من فضائل علي ، ح2404 (4/1870) ، والترمذي في : مناقب علي ، رقم (3731) (5/641) وابن حبان ، موارد الظمآن (ص 543) وغيرهم .(1/302)
2) ومنها ما روي عن سهل بن سعد : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم خيبر : « لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله » ، قال : فبات الناس يدركون (1) ليلتهم أيهم يعطاها . قال : فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يرجوا أن يعطاها ، فقال : « أين علي بن أبي طالب ؟ » فقالوا : هو يا رسول الله يشتكي عينيه ، قال : « فأرسلوا إليه » ، فأتي به فبصق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عينيه ودعا له وبرأ حتى كأن
لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية ... الحديث ) (2) .
فهذه الأحاديث غيض من فيض الأحاديث الصحيحة الواردة في مناقب الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أوردت بعضها نموذجًا لا استقصاء وإلا فمناقبهم قد صنف فيها مجلدات .
هذا وبعض أهل السنة قد خمَّس بالخلفاء الراشدين ، ولكن اختلفوا في الخامس ، فمنهم من جعله عمر بن عبد العزيز ، وُروي ذلك عن سفيان الثوري (3) وروي عن الشافعي (4) أيضًا . ومنهم من جعله الحسن بن علي لخلافته التي مدتها ستة أشهر قبل الصلح ، واستدلوا على ذلك بحديث سُفينة السابق « الخلافة بعدي ثلاثون سنة ... » الحديث . وقد عدّوا هذه الأشهر الستة تمام الثلاثين سنة (5) .
__________
(1) أي يخوضون ويتحدثون في ذلك . انظر : شرح النووي لصحيح مسلم (15/178) .
(2) رواه مسلم . والفظ له في كتاب : فضائل الصحابة . ب : من فضائل علي ، ح2406 (4/1872) ، ورواه البخاري مختصرًا عن سلمة بن الأكوع في كتاب : الفضائل . باب : مناقب علي ، فتح الباري (7/270) وغيرهما .
(3) سنن أبي داود ك : السنة . ب 7 ، عون (12/383) ، وحلية الأولياء (7/332) .
(4) آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم (ص 189) ، ومناقب الشافعي للبيهقي (1/448) .
(5) تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص 9) .(1/303)
وهذا القول أقوى من سابقه ، لأن معاوية رضي الله عنه أفضل من عمر بن عبد العزيز ولم يُعَّد منهم ، ويكفيه فضلاً صحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكتابته الوحي بين يديه وغيرهما (1) وإنما اشتهر فضل عمر بن عبد العزيز لأنه أتى بعد سنوات من الظلم والعَسْفِ ، فرفع المظالم ورد الأمانات إلى
أهلها . أما معاوية رضي الله عنه فقد جاء بعد أفضل الأمة بعد الأنبياء ، وهم الخلفاء الأربعة الراشدون رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، ومع ذلك فقد كان له من الفضل والأمانة وحسن سياسة الرعية ومحبتهم له الشيء الكثير ، روى الأثرم بسنده إلى أبي هريرة المكتَّب قال : كنا عند الأعمش فذكروا عمر بن العزيز وعدله فقال الأعمش : ( فكيف لو أدركتم معاوية ؟ ) قالوا في حلمه ؟ قال : ( لا والله بل في عدله ) (2) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( اتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة ) (3) . وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث في فضله رضي الله عنه ، هذا من ناحية الخلفاء ، أما أفضل الصحابة عمومًا بعد الأربعة فهم بقية أهل الشورى .
من السنة المفاضلة بين الخلفاء الراشدين
__________
(1) من شاء الاستزادة في هذا الموضوع فليرجع إلى كتاب : العواصم من القواصم وحاشيته (ص 151) فما بعدها .
(2) منهاج السنة (3/185) وقد سئل الإمام أحمد : أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز فقال : معاوية أفضل ، لسنا نقيس بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدًا ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « خير القرون قرني ثم الذين يلونهم » الحديث متفق عليه ، وفي رواية قال : كان معاوية أفضل من ستمائة مثل عمر بن عبد العزيز واستدل بحديث : « لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ... » . رواه مسلم في : فضائل الصحابة . ح2540 (4/1963) ، انظر : المسند من مسائل الإمام أحمد ورقة (68) .
(3) مجموع الفتاوى (4/478) .(1/304)
هذا وبمناسبة حديثنا عن التفضيل بين الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم قد يعترض معترض فيقول : الأولى أن نحبّ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - جميعًا ولا نفاضل بينهم ، ولهذا المعترض نقول : السنة المفاضلة بينهم على ما جاءت به الأحاديث الصحيحة ، وسار عليه السلف الصالح
من تفضيل أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله تعالى عنهم أجمعين على سائر الصحابة ، وقد سئل الإمام أحمد عن رجل يحب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يفضل بعضهم على بعض وهو يحبهم قال : ( السنة أن يفضل أبا بكر وعمر وعثمان وعلي من الخلفاء ) (1) .
وإنما الذي ذموا التحدث فيه والتعرض له هو ما شجر بين الصحابة من قتال وفتن بعد مقتل الشهيد عثمان رضي الله عنه ، ثم النزاع الذي حصل بين علي ومعاوية رضي الله عنهما ومن معهما من الصحابة (2) .
موقف بعض الفرق الإسلامية من التفضيل
الأشاعرة مع أهل السنة في هذا الموضوع ، بل مخالفتهم لأهل السنة في باب ( الإمامة ) عمومًا قليلة جدًا ، ولذلك ينتحلون السنة ويُنَحَّلُونها في مثل هذا الموضوع (3) وهناك فرق أخرى خالفت في هذه المسألة نستعرض آراءهم باختصار ومن هذه الفرق :
(1) المعتزلة :
ووافقت المعتزلة أهل السنة في تولي جميع الصحابة والترحُّم عليهم وعلى صحة إمامة الخلفاء الأربعة على الترتيب ، وعلى أن أبا بكر أفضل من عمر ، وعمر أفضل من عثمان ، ولكنهم اختلفوا في أيهما أفضل أبو بكر ، أم علي رضي الله عنهما على أقوال ثلاثة :
1- منهم من يرتِّب الخلفاء الراشدين في الخلافة أبو بكر ، فعمر ، فعثمان ،
__________
(1) المسند من مسائل الإمام أحمد للخلال ( مخطوط ) ورقة (54) .
(2) انظر من أقوالهم في ذلك ( ص 527) من الفصل الثالث .
(3) انظر : نقض المنطق لابن تيمية (ص 16) .(1/305)
فعليّ . وكذلك في الفضل وهذا قول قدماء البصريين ، ومنهم عمرو بن عبيد والنظام الجاحظ وثمامة بن أشرس والفوطي والشحام وغيرهم (1) .
2- ومنهم من قال بفضل أبي بكر فعمر فعثمان ولكنه توقف في أمر علي ونسبة فضله إلى فضل أبي بكر أيهما أفضل ... فمنهم من فضّل عليًّا على عثمان وتوقف في التفضل بينه وبين أبي بكر ومن هؤلاء واصل ابن عطاء (2) وأبو هذيل العلاف . وتبعهم من المتأخرين أبو هاشم بن أبي علي الجبائي وأبو الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري (3) في أول حياتهما .
3- ومنهم من ذهب إلى تفضيل علي على أبي بكر وهذا مذهب المعتزلة البغداديين ، ( وذهب هذا المذهب من متأخري البصريين أبو علي الجُبَّائي بعد أن كان متوقفًا ، والتزم التوقف في مصنفاته ، ثم اعتنق تفضيل علي عند وفاته ) (4) وكذلك أبو الحسين محمد بن علي البصري في آخر حياته ( لأنه يقطع أن أمير المؤمنين - أي عليًّا - أفضل الجماعة ) (5) ، وممن ذهب إلى تفضيل علي على أبي بكر القاضي عبد الجبار حيث قال : ( فأما عندنا : أي أفضل الصحابة أمير المؤمنين علي ثم الحسن ثم الحسين عليهم السلام ) (6) .
الخوارج :
أما الخوارج فهم يقولون بأفضلية وإمامة أبي بكر وعمر وعثمان حتى انقضاء الست السنوات الأولى من حكمه ، ثم علي حتى قبوله التحكيم ، ومما يُجْمع عليه الخوارج كما قال الأشعري ( إكفار علي وعثمان ) (7) .
الروافض :
__________
(1) الإسلام وفلسفة الحكم د . محمد عمارة (ص 516) .
(2) شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (ص 767) .
(3) الإسلام وفلسفة الحكم (ص 516) .
(4) الإسلام وفلسفة الحكم (ص 516) .
(5) المغني في أبواب التوحيد والعدل ( جـ 20 ، ق 1 ، ص 216) .
(6) شرح الأصول الخمسة (ص 767) .
(7) الفرق بين الفرق (ص 73) . وانظر : المقالات (1/167) .(1/306)
أما الروافض فهم مجمعون على تفضيل علي على سائر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى أنه ليس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل منه (1) .
وجميع هذه الفرق الضالة المخالفة لأهل السنة والجماعة ليس عند أحد منها دليل صريح من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة التي يمكنها أن تقابل الأحاديث السابقة الدالة على مذهب الحق في هذه المسألة ، وهو مذهب أهل السنة والجماعة .
أما أن نخوض معهم في مجادلات عقلية لا تركز على أساس ، ولا تصل إلى قرار فهذا يحتاج إلى بحث أوسع ومدة زمنية أطول ، ولو أردنا استقصاء كل مبحث في هذه الرسالة لبلغت المجلدات ، لكن نبين مذهب الحق - مذهب أهل السنة والجماعة - وندلل عليه بالأدلة الصريحة الصحيحة ونشير إشارة مختصرة إلى من خالف من الفرق على حسب ما يسمح لنا به الوقت وحجم الرسالة ، والله المستعان .
الفصل الثاني
واجبات الإِمام وحقوقه
المبحث الأول : واجبات الإِمام
الفصل الثاني
واجبات الإِمام وحقوقه
المبحث الأول : واجبات الإِمام
تمهيد :
الحكم في نظر الإسلام تبعة ومسؤولية ، لم يُشْرع إلا لتحقيق أهداف وبلوغ مقاصد ، وتحقيق هذه الأهداف وبلوغ هذه المقاصد مسؤولية مشتركة بين الحكام والمحكومين وهم مسؤولون عنها جميعًا .
__________
(1) مقالات الإسلاميين (1/150) .(1/307)
وحيث كان مقصود جميع الولايات في الإسلام أن يكون الدين كلّه لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، وأن تكون العبادة لله وحده ، فإن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق لذلك ، وبه أنزل الكتب وبه أرسل الرسل ، ومن أجله جاهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون ، قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ } (1) . وجماع الدين وجميع الولايات هو الأمر والنهي ، والذي بعث الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو نعت المؤمنين في كتاب الله تعالى { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ... } (2) .
وحيث إن الإمام هو النائب أو الوكيل (3) عن الأمة في تحقيق هذه
المقاصد الشرعية ، وقد أعطته زمام السلطة للسير بها إلى تحقيق هذه المقاصد عند بيعتها له ، لذلك كان عليه من الواجبات ما ليس على غيره ، ولأن مناط الوجوب فيها هو القدرة وقد حصلت له بعد مبايعتهم له ، فلزمه القيام بهذا الواجب الثقيل .
لكنه لا يستطيع وحده القيام بتحقيق هذه المقاصد مهما بلغ من القوة والذكاء والفطنة ، لذلك أوجب الإسلام على المحكومين أيضًا واجبات وحقوقًا للإمام مقابل تلك الواجبات الملقاة على عاتقه ، وعن طريق هذه الحقوق تكمل له القدرة في القيام بما أوجبه الله عليه من تحقيق لهذه المقاصد .
__________
(1) الذاريات آية 56 .
(2) التوبة آية 71 .
(3) على خلاف بين الفقهاء هل هو ولي أو كيل ؟ انظر : القواعد لابن رجب (ص 116) ط . أولى 1392هـ . ن . مكتبة الكليات الأزهرية .(1/308)
وجريًا على القاعدة الإسلامية في تقديم الواجب على الحق فإني سأتحدث أولاً عن الواجبات الملقاة على عاتق الإمام ، ثم أتبع ذلك بالحديث عن حقوقه على الرعية ، ثم الحديث عن الشورى ، وهل هي واجب من الواجبات الملقاة على عاتقه ؟ أم أنها حق من حقوقه على رعيته .
واجبات الإمام
حِمْلُ الإمامة ثقيل ، وواجباتها كبيرة لا تستطيع القيام بها على وجهها الأكمل إلا أولو العزم من الرجال ، لذلك كانت من أعظم القربات عند الله لمن احتسب القيام بها ، وقصد التقرُّب إليه تعالى ، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : « سبعة يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله ... » وذكر منهم : « إمام عادل ... » (1) .
ومما يدل على ثقل هذا الحمل ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له في الإمارة : « إنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها » (2) . وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالإمام الأعظم الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وهي مسؤولة عنهم ، وعبد الرجل راع على مال سيِّده وهو مسؤول عنه ، ألا كلّكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته » (3) .
ومن أهم هذه الواجبات ما يلي :
__________
(1) متفق عليه . رواه البخاري في ك : الأذان . ب : من جلس في المسجد ينتظر الصلاة ، فتح الباري (2/143) ، ومسلم في ك : الزكاة . ب : فضل إخفاء الصدقة ، ح1031 (2/715) ، والترمذي في ك : الزهد . ب : 53 ، والنسائي في القضاة . ب : 2 ، والموطأ في الشعر (14) ، وأحمد (2/439) .
(2) رواه مسلم في صحيحه ك : الإمارة . ب : كراهة الإمارة بغير ضرورة ، ح1825 (3/1457) .
(3) متفق عليه . وسبق تخريجه في التعريف (ص 26) .(1/309)
أولاً : واجبات أساسية :
الواجب الأول والأساسي والجامع لكثير من الواجبات الشرعية هو : السعي إلى تحقيق مقاصد الإمامة التي من أجلها شُرِعت ، وهي بعبارة مختصرة : ( إقامة الدين وسياسة الدنيا به ) وقد أفردتُ فيما سبق للحديث عن هذه المقاصد فصلاً كاملاً ، ولا مانع هنا من إعادة مختصرة للنقاط التي بحثتها هناك في هذا الفصل .
المقصد الأول : إقامة الدين : وتتمثل في :
أولاً : حفظه وذلك بما يلي :
1- نشره والدعوة إليه بالقلم واللسان والسنان .
2- دفع الشبه والأباطيل ومحاربتها .
3- حماية البيضة وتحصين الثغور حتى يكون المسلمون في أمن على دينهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم .
ثانيًا : تنفيذه وذلك بما يلي :
1- إقامة شرائعه وحدوده وتنفيذ أحكامه : وذلك يشمل جباية الزكاة ، وتقسيم الفيء ، وتنظيم الجيوش المجاهدة لأجل رفع راية الإسلام ، وإقامة قضاة الشرع للحكم بين الناس بما أنزل الله ، وتنفيذ هذه الأحكام والحدود التي شرعها الله لعباده ... إلخ .
2- حمل الناس عليه بالترغيب والترهيب .
المقصد الثاني : سياسة الدنيا بهذا الدين . وهو : الحكم بما أنزل الله في جميع شؤون هذه الحياة ، وينتج عن هذا المقصد بعض المقاصد الفرعية منها :
1- العدل ورفع الظلم .
2- جمع الكلمة وعدم الفرقة .
3- القيام بعمارة الأرض واستغلال خيراتها فيما هو صالح للإسلام والمسلمين . وقد سبق بسط هذه الموضوعات ومناقشتها فلا داعي للإعادة (1) .
ثانيًا : واجبات فرعية :
لكن بالإضافة إلى هذه الواجبات الرئيسة هناك بعض الواجبات اللازمة على الإِمام وإن لم يكن بعضها من الأهداف الرئيسة للإِمامة ، وإنما هي وسائل إلى تحقيق هذه الأهداف ، وبناء على القاعدة الأصولية ( ما لا يتم
الواجب إلا به فهو واجب ) فهي واجبه على الإمام إذًا ... ومن هذه الواجبات ما يلي :
__________
(1) انظر فصل مقاصد الإمامة من الباب الأول (ص 70) فما بعدها .(1/310)
أولاً : استيفاء الحقوق المالية لبيت المال وصرفها في مصارفها الشرعية :
من واجبات الإِمام ومسؤولياته الجسام استيفاء الحقوق المالية أو الموارد أو كما يقول أبو يعلى : ( جباية الفيء ، والصدقات على ما أوجبه الشرع نصًا واجتهادًا من غير عسف ) (1) وكذلك المصروفات والنفقات والعطاءات ، وعلى حدِّ قول القاضي أبي يعلى : ( تقدير العطاء وما يستحق من بيت المال من غير سرف ولا تقصير ، ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير ) (2) .
والواقع أن هذا الواجب وإن كان من مقاصد الإمامة ومن الواجبات الأساسية وداخل في مقصد ( تنفيذ الإسلام ) إلا أنني ذكرته هنا مفردًا ومفصَّلاً لما للإمام فيه من دور اجتهادي فيما لا نصّ فيه من تقدير العطاءات ونحوها ، كما ذكرته لزيادة تفصيل ما سبق مجملاً .
وفي هذا المقام يحسن بنا أن نأخذ لمحة سريعة في الحديث عن موارد بيت المال ومصارفه ووجوه صرفها .
موارد بيت المال :
1- الزكاة :
وهي : الركن الثاني من أركان الإسلام ، ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع ، تجب على كل مسلم ومسلمة مَلَكَ نصابًا وحال عليه الحول فيما يشترط فيه ذلك . وقد حدّدت الشريعة الإسلامية نصاب كل صنف من أصناف الأموال المزكَّاة .
__________
(1) الأحكام السلطانية (ص 28) .
(2) نفس المرجع (ص 28) .(1/311)
وقد اتفق الصحابة على قتال مانعيها ، وعلى هذا فمن أنكر وجوبها كفر ، ومن منعها معتقدًا وجوبها وقدر الإمام على أخذها منه أخذها منه جبرًا وعزَّره على امتناعه ، وإن كان خارجًا عن قبضة الإمام قاتله , كما فعل أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه ، وقال قولته المشهورة : ( والله لو منعوني عقالاً - وفي رواية عناقًا - كانوا يُؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه ) (1) .
وهي ليست حقًا موكولاً للأفراد يؤديه منهم من شاء ويدعه من أراد ، وإنما هي حق عام يتولاه الإمام وولاته فيقومون بجبايته ممن تجب عليه ، ويصرفونه إلى من تجب له .
والأدلة على ذلك كثيرة منها :
1- قول الله تعالى : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا
وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } (2) .
فالشاهد من الآية قوله { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } قال الفخر الرازي في تفسيره : ( دلت هذه الآية على أن هذه الزكاة يتولى أخذها وتفرقتها الإمام ومن يلي من قِبَله ، والدليل عليه أن الله جعل للعالمين سهمًا فيها ، وهذا يدل على أنه لا بد في أداء هذه الزكوات من عامل ، والعامل هو الذي نصبه الإمام لأخذ الزكوات فدلّ هذا النص على أن الإمام هو الذي يأخذ الزكوات ) (3) .
__________
(1) البخاري كتاب : الاعتصام . باب : الإقتداء بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فتح الباري (13/250) ، ومسلم في كتاب : الإيمان . باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، ح20 (1/51) .
(2) سورة التوبة آية 60 .
(3) التفسير الكبير للرازي (16/114) ط . ثانية .(1/312)
كما يدلّ ذلك أيضًا أن بعض المصارف المذكورة لا يمكن أن يصرفها إلا الإمام ، مثل مصرف المؤلَّفة قلوبهم ، فهذا لا يقوم به إلا الإمام ، فدلّ على استحقاق دفعها إليه . ومثل إعداد العدَّة والعُدَدِ للجهاد في سبيل الله فلا يمكن تنظيم ذلك إلا بتصرف الإمام .
2- قوله تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ } (1) .
فالخطاب فقوله { خُذْ } للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولكل من يلي أمر المسلمين من بعده كما فهم الصحابة رضوان الله عليهم بذلك (2) .
3- ومنها ما رواه ابن عباس في الصحيحين وغيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بعث معاذًا إلى اليمن قال له : « ... أعْلِمْهُم أن الله افترض عليهم في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم ، فإن هم
أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم ... » الحديث (3) .
والشاهد من الحديث قوله : « تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم » فبين الحديث أن الشأن فيها أن يأخذها ويردها رادٌّ ، لا أن تترك لاختيار من وجبت عليه ) (4) .
قال الحافظ ابن حجر : ( استدل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها ، إما بنفسه وإما بنائبه فمن امتنع منهم أخذت منه قهرًا ) (5) .
__________
(1) سورة التوبة آية 103 .
(2) انظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/145) .
(3) البخاري في كتابه : الزكاة . باب : أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء ، فتح الباري (3/357) .
(4) فقه الزكاة للقرضاوي (2/749) .
(5) فنح الباري (3/360) .(1/313)
ومعروف في السيرة النبوية والتاريخ سعاة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين بعثهم إلى الأمصار ، وكذلك سار على نهجه خلفاؤه من بعد . وللصحابة فتاوى كثيرة في هذا الموضوع (1) ، ولهذا قال العلماء : ( يجب على الإمام أن يبعث السعاة لأخذ الصدقة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء من بعده كانوا يبعثون السعاة ، ولأن في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه فيه ، ومنهم من يبخل فوجب أن يبعث من يأخذ .... ) (2) .
الحكمة في دفعها للإمام :
ولقيام الإمام بجمعها ثم توزيعها دون قيام المالك بتوزيعها بنفسه على مستحقيها حكم كثيرة منها :
1- أن كثيرًا من الأفراد قد تموت ضمائرهم أو يصيبها السقم والهزال فلا ضمان للفقير إذا ترك حقه لمثل هؤلاء .
2- في أخذ الفقير حقه من الحكومة لا من الغني نفسه حفظ لكرامته ، وصيانة لماء وجهه أن يراق بالسؤال ، ورعاية لمشاعره أن يجرحها المنُّ والأذى .
3- أن ترك الأمر للأفراد يجعل التوزيع فوضى فقد ينتبه أكثر من غني لإعطاء فقير واحد ، على حين يغفل عن آخر لا يفطن له أحد ، وربما كان أشدُّ فقرًا (3) .
كل ما سبق يدل على أن على الإمام أن يطلب الزكاة ويجبيها من أصحابها ، ثم يقوم بتوزيعها على مستحقيها الذين ذكرتهم الآية السابقة . وعلى الأمة أن تدفعها إليه أو إلى عماله الذين يرسلهم لجبايتها .
أما إذا لم يطلبها أو زعم المالك أنه قد دفعها بنفسه وصرفها ، أو كان الإمام غير عادل ، ويصرفها في غير وجوهها المستحقة فهل يجوز أن يوزعها المالك بنفسه ؟ في مثل هذه الحال يحتاج الأمر إلى تفصيل .
أضرب الأموال المزكاة :
__________
(1) راجع بتوسع فقه الزكاة للقرضاوي (2/754) .
(2) المجموع (6/167) والروضة (2/210) للنووي .
(3) انظر : فقه الزكاة للقرضاوي (2/756) .(1/314)
الأموال المزكاة ضربان ، ظاهرة ، وباطنة ، فالأموال الظاهرة هي : ما لا يمكن إخفاؤه من الزروع والثمار والمواشي ... إلخ . والباطنة هي : ما أمكن إخفاؤه من الذهب والفضة وعروض التجارة ونحو ذلك ، واختلف في زكاة الفطر فمن الفقهاء من جعلها من الأموال الظاهرة ، ومنهم من جعلها من الباطنة ...
أ- الأموال الظاهرة :
ذهب الإمام مالك وأبو حنيفة وأبو عبيد إلى أنه لا يفرق الأموال الظاهرة إلا الإمام ، لقول الله تعالى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } ولأن أبا بكر طالبهم بالزكاة وقاتل مانعيها عليها ... ووافقه الصحابة على هذا ، ولأن ما للإمام قبضه بحكم الولاية لا يجوز دفعه إلى المولى عليه كولي اليتيم (1) ، وللشافعي قولان في المذهب : ( أظهرها وهو الجديد - يجوز - والقديم لا يجوز ، بل يجب صرفها إلى الإمام إن كان عادلاً ) (2) وروي عن الإمام أحمد قوله : ( أما صدقة الأرض فيعجبني دفعها إلى السلطان ... ) (3) قال أبو الخطاب من الحنابلة : ( دفع الزكاة إلى الإمام العادل أفضل ، وممن قال بدفعها إلى الإمام : الشعبي ومحمد بن علي - الباقر - وأبو رزين والأوزاعي ) (4) .
قال أبو عبيد : ( وهذا عندنا هو قول أهل السنة والعلم من أهل الحجاز والعراق وغيرهم في الصامت ، لأن المسلمين مؤتمنون عليه كما ائتمنوا على الصلاة ، وأما المواشي والحب والثمار فلا يليها إلا الأئمة ، وليس لربها أن يغيبها عنهم ، وإن فرقها ووضعها مواضعها فليست قاضية عنه ، وعليه إعادتها إليهم فرقت بين ذلك السنة والآثار ) (5) .
ب- الأموال الباطنة :
__________
(1) المغني والشرح الكبير لابن قدامة (2/508) .
(2) انظر : الروضة (2/205) .
(3) المغني والشرح الكبير (2/508) .
(4) المغني والشرح الكبير (2/508) .
(5) الأموال لأبي عبيد (ص 509) .(1/315)
أما الأموال الباطنة من نقود وعروض تجارة فلم يظهر خلاف بين الفقهاء في أنها إذا دفعت زكاتها إلى الإمام أجزأت ، ولكن هل يجب
عليه أخذها ؟ وهل عليه أن يجبر الناس على دفعها إليه أم لا ؟ وللإجابة على ذلك نقول :
قد كانت في الأصل تدفع للإمام في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم خليفتيه من بعده - لأنه لم يرد في الأدلة تفريق بين الأموال الظاهرة والباطنة - لكنه اختلف في أدائها إليهم بعد مقتل عثمان رضي الله عنه (1) ، فكان منهم من يدفعها إليهم ، ومنهم من يقسمها ، فصار أرباب الأموال كالوكلاء عن الإمام وإن لم يبطل ذلك حقه في أخذها ، ولهذا قالوا : ( لو علم السلطان من أهل بلدة على أنهم لا يؤدون زكاة الأموال فإنه يطالبهم بها ) (2) .
وممن ذهب إلى أنها مفوضة إلى أرباب الأموال الحنفية والشافعية ، قال الماوردي : ( ليس لوالي الصدقات نظر في زكاة المال الباطن ، وأربابه أحق بإخراج زكاته منه ، إلا أن يبذلها أرباب الأموال طوعًا فيقبلها منهم ، ويكون في تفريقها عونًا لهم ) (3) أما الحنابلة فقد قال ابن قدامة : ( يستحب للإنسان أن يلي تفرقة الزكاة بنفسه ، ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقها سواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة . قال الإمام أحمد : ( أعجب إليّ أن يخرجها ، وإن دفعها إلى السلطان فهو جائز ) . قال : وقال الحسن ومكحول ، وسعيد بن جبير ، وميمون بن مهران : يضعها رب المال في موضعها ) (4) وقال أبو يعلي - من
__________
(1) انظر : المرجع السابق (ص 504) .
(2) شرح فتح القدير للكمال بن الهمام (1/487) ط . بولاق سنة 1315 . وفي طبعة الحلبي (2/162) عام 1398 هـ .
(3) الأحكام السلطانية (ص 113) .
(4) المغني والشرح الكبير (2/507) .(1/316)
الحنابلة - : ( وليس لوالي الصدقات نظر في زكاة المال الباطن ، وأربابه أحق بإخراج زكاته منه إلا أن يبذلها أرباب الأموال طوعًا فيقبلها منهم ، ويكون في تفرقتها عونًا لهم ، ونظره مخصوص بزكاة المال الظاهر ، يؤمَر أرباب الأموال بدفعها إليه إذا طلبها ، فإن لم يطلبها جاز دفعها إليه (1) وفي رواية عبد الله بن الإمام أحمد قال : ( سألت أبي عن الزكاة تدفع إلى السلطان أو يقسمها هو ؟ قال : يقسمها هو ) (2) ومما يدل على جواز إخراجها بنفسه ما رواه أبو سعيد المقبري قال : ( جئت عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمائتي درهم ، فقلت يا أمير المؤمنين هذا زكاة مالي ، قال : وقد عتقت يا كيسان ؟ قال : قلت : نعم قال : بها أنت فاقسمها ) (3) كما يدل على ذلك حديث : « سبعة يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله ... » وذكر منهم : « ورجل تصدق بيمينه حتى ما تعلم شماله ما أنفقت يمينه » (4) وهذا عام في صدقة التطوع والزكاة الواجبة .
فالذي يظهر مما سبق أن الإمام العادل إذا طلب الزكاة وجب دفعها إليه سواء كانت ظاهرة أو باطنة ، أما إذا لم يطلبها ولم يرسل عماله لجبايتها ، ففي هذه الحال لأصحاب المال الحق في توزيعها على من يرون أنه من أهلها ، وإن دفعها إلى الإمام جاز ذلك وأجزأ عنهم ، كما أنها لا تسقط بعدم مطالبة الإمام لها ، فهي حق في عنق كل مسلم وإن رفض الإمام أخذها أو توزيعها أو كان الناس في زمان لا إمام فيه .
دفعها إلى أئمة الجور :
__________
(1) الأحكام السلطانية لأبي يعلي (ص 115) .
(2) مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله (ص 152) تحقيق زهير الشاويش .
(3) رواه البيهقي (4/114) ، وأبو عبيد في الأموال (ص 507) . وحسنه الألباني في إرواء الغليل (3/342) .
(4) متفق عله وسبق تخريجه في هذا الفصل (ص 320) .(1/317)
هذا إذا كان الإمام عادلاً ، أما إذا لم يكن كذلك فهل يجب دفعها إليه عند طلبها أم لا ؟ وهل تجزئ إذا أخذها وإن كان يضعها في غير موضعها ؟
والواقع أننا عند استعراض الأدلة والفتاوى والنصوص الواردة في المسألة نجد منها ما يوجب الدفع ومنها ما يمنع ذلك ، فلنستعرضها ونرى الراجح منها :
الأدلة الموجبة لدفع الزكاة لأئمة الجور :
1- عن جرير بن عبد الله قال : ( جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : إن أناسًا من المصدقين ( جباة الصدقة ) يأتوننا فيظلموننا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « أرضوا مصدقيكم » . ) (1) .
2- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أدَّيت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله ؟ قال : « نعم . إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله ، ولك أجرها وإثمها على من بدَّلها » (2) .
3 - كما يدلّ على ذلك فتاوى الصحابة والتابعين ، وكلام الفقهاء من ذلك :
__________
(1) رواه مسلم في ك : الزكاة . ب : إرضاء السعاة ، ح989 (2/686) وأبو داود في ك : الزكاة . ب : إرضاء المصدق ، عون (4/473) ، والنسائي في : الزكاة . (14) ، وأحمد في المسند (4/362) .
(2) رواه أحمد (3/136) ، وعزاه ابن حجر في تخليص الحبير إلى الحارث بن أبي أسامة وابن وهب . تخليص الحبير (2/174) .(1/318)
أ- ما روي عن سهل بن أبي صالح عن أبيه قال : ( اجتمع عندي نفقة فيها صدقة - يعني بلغت نصاب الزكاة - فسألت سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد الخدري أن أقسمها أو أدفعها إلى السلطان ؟ فأمروني جميعًا أن أدفعها إلى السلطان ، ما اختلف علي منهم أحد ) . وفي رواية فقلت لهم : ( هذا السلطان يفعل ما ترون - كان هذا في عهد بني أمية - فأدفع إليهم زكاتي ؟ فقالوا كلهم : نعم فادفعها ) (1) .
ب- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( ادفعوا صدقاتكم إلى من ولاه الله أمركم ، فمن بر فلنفسه ومن أثم فعليها ) (2) . وفي رواية عن قزعة مولى زياد بن أبيه أن ابن عمر قال : ( ادفعوا إليهم وإن شربوا بها الخمر ) (3) .
جـ- وعن المغيرة بن شعبة أنه قال لمولى له - وهو على أمواله بالطائف – ( كيف تصنع في صدقة مالي ؟ قال : منها ما أتصدق به ، ومنها ما أدفع إلى السلطان ، قال : وفيم أنت من ذلك ؟ - أنكر عليه أن يفرقها بنفسه - فقال : إنهم يشترون بها الأرض ويتزوجون بها النساء . فقال : ادفعها إليهم ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا أن ندفعها إليهم ) (4) . قال ابن قدامة : ( روي عن الإمام أحمد أنه قال : قيل لابن عمر : إنهم يقلدون بها
__________
(1) رواه سعيد بن منصور في مسنده وابن أبي شيبة (3/156) ط . السلفية ، والبيهقي (4/115) ، وأبو عبيد في الأموال (ص 504) . قال الألباني : وهذا سند صحيح على شرط مسلم . إرواء الغليل (3/380) .
(2) رواه أبو عبيد في الأموال (ص 505) .
(3) رواه البيهقي (4/115) بإسناد صحيح . قاله النووي في المجموع (6/163) . ونحوه عند أبي عبيد (ص 506) . وصحح الألباني إسناده : إرواء الغليل (3/380) .
(4) رواه البيهقي في السنن الكبرى (4/115) .(1/319)
الكلاب ، ويشربون بها الخمور ، قال : ادفعها إليهم ، قال : وكان ابن عمر يدفع زكاته إلى من جاءه من سعاة ابن الزبير أو نجدة الحروري ) (1) من الخوارج .
د- أما أقوال الفقهاء : فللشافعية في دفع الأموال الظاهرة إلى الإمام الجائر وجهان . أحدهما : يجوز ، ولا يجب . قال النووي : ( وأصحها يجب الصرف إليه لنفاذ حكمه وعدم انعزاله ) (2) .
أما الحنابلة فقد قال ابن قدامة في المغني : ( لا يختلف المذهب أن دفعها إلى الإمام جائز سواء كان عادلاً أو غير عادل ، وسواء كانت في الأموال الظاهرة أو الباطنة ويبرأ بدفعها إليه ) (3) .
القائلون بعدم جواز دفعها إلى أئمة الجور :
وفي المقابل نجد من الصحابة والتابعين والفقهاء من أفتى بعدم جواز دفعها إلى أئمة الجور إذا علم أنهم لا يضعونها في مواضعها فمنهم :
1- يروى رجوع ابن عمر عن فتاواه السابقة وإفتاؤه بعدم دفعها إليهم يدل على ذلك :
أ- ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد بسنده عن أبيه إلى خيثمة قال : سألت ابن عمر عن الزكاة ؟ فقال : ( ادفعها إليهم ) ، وسألته مرة أخرى فقال : ( لا تدفعها إليهم ، فقد أضاعوا الصلاة ) (4) .
ب- وروى أبو عبيدة بسنده عن ميمون قال : إن صديقًا لابن عمر أخبرني أنه قال لابن عمر : ما ترى في الزكاة فإن هؤلاء لا يضعونها
مواضعها ؟ فقال : ادفعها إليهم قال : فقلت : أرأيت لو أخَّروا الصلاة عن وقتها أكنت تصلي معهم ؟ قال : لا ، قال فقلت : هل الصلاة إلا مثل الزكاة ؟ فقال : ( لبَّسوا علينا لبَّس الله عليهم ) (5) .
__________
(1) المغني والشرح الكبير (2/508) .
(2) المجموع (6/107) ط : المدني . مكتبة الإرشاد بجدة .
(3) المغني والشرح الكبير (2/509) .
(4) مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله (ص 152) .
(5) الأموال لأبي عبيد (ص 508) .(1/320)
جـ- وروى أبو عبيد بسنده إلى حبان بن أبي جبله عن ابن عمر أنه رجع عن قوله في دفع الزكاة إلى السلطان وقال : ( ضعوها في مواضعها ) (1) .
2- وقال الثوري : ( احْلِفْ لهم واكْذبهم ولا تُعْطِهم شيئًا إذا لم يضعوها مواضعها ) وقال : ( لا تعطهم ) (2) .
3- وقال عطاء : ( أعطهم إذا وضعوها مواضعها ) ( فمفهومه كما قال ابن قدامة : ( أنه لا يعطيهم إذا لم يكونوا كذلك ) (3) .
4- وقال الشعبي وأبو جعفر : ( إذا رأيت الولاة لا يعدلون فضعها في أهل الحاجة ) .
5- وقال إبراهيم : ( ضعوها في مواضعها فإن أخذها السلطان أجزأك ) (4) . وروي عنه قوله : ( لا تؤدوا الزكاة لمن يجور فيها ) (5) .
6- ومن أقوال الفقهاء ما ذهب إليه البهوتي بقوله : ( وإن لم يكن يضعها أي الإمام – مواضعها ( حَرُم ) دفعها ( ويجوز ) وعبارة الأحكام السلطانية وكثير من النسخ ويجب ( كتمها إذن ) وهذا قول القاضي في الأحكام السلطانية ) (6) .
القول الراجح :
وعند النظر في هذه الأدلة يتضح رجحان قول القائلين بجواز دفع الزكاة إلى سلاطين الجور وإجزائها إذا طلبوها وخيفت الفتنة عملاً بالأحاديث المذكورة وبعموم الأحاديث الموجبة لطاعتهم وإن جاروا ، وأنَّ عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حملتم ، وأدّوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم . ونحوها . والتي ستأتي مفصَّلَة عند الحديث عن حق الطاعة إن شاء الله .
__________
(1) الأموال (ص 508) .
(2) المغني والشرح الكبير لابن قدامة (2/507 ، 508) .
(3) المغني والشرح الكبير لابن قدامة (2/507 ، 508) .
(4) المرجع السابق (2/508) . وانظر : موسوعة إبراهيم النخعي الفقهية . د . محمد رواس قلعة جي الكتاب الثاني (ص 318) . ن . مركز البحث العلمي جامعة أم القرى .
(5) مصنف عبد الرزاق (4/48) . وانظر : الموسوعة أيضًا (ص 318) .
(6) كشاف القناع للبهوتي (2/302) .(1/321)
وقد روي عن بشير بن الخصاصية قال : قلنا : يا رسول الله إن قومًا من أصحاب الصدقة يعتدون علينا أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا ؟ فقال : « لا » (1) . أما إذا لم يُلِحُّوا في طلبها وأُمِنَتْ الفتنة ، أو أمكن إخفاؤها ، فعلى صاحبها تحرِّي الأحق بها من أهلها ودفعها إليه ... والله أعلم .
(2) الجزية :
المورد الثاني من موارد بيت مال المسلمين هو الجزية . وهي : المال المقدر المأخوذ من الذمي ، يلتزم إذا ما دخل في ذمة المسلمين بأدائها إلى الدولة الإسلامية إذا أحبَّ البقاء على دينه . قال تعالى : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } (2) .
وتسقط الجزية بعد وجوبها إذا أسلم الذمي ، أو عجزت الدولة عن حمايتهم ، ولهذا ردّ أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عن الجزية إلى الذميين في بعض مدن الشام عند عجز الجيش الإسلامي عن حمايتهم .
ولا تجب الجزية في السنَّة إلا مرة واحدة (3) .
(3) الخراج :
__________
(1) رواه أبو داود في ك : الزكاة . ب : رضاء المصدق ، عون المعبود (4/470) قال الشوكاني : أخرجه أيضًا عبد الرزاق وسكت عنه أبو داود والمنذري . وفي إسناده : ديسم السدوسي . ذكره ابن حبان في الثقات . وقال في التقريب : مقبول . نيل الأوطار (4/76) . وترجمته في الميزان (2/29) وهو في معنى حديث مسلم السابق (ص 331) من هذا الفصل ( ارضوا مصدقيكم ) .
(2) سورة التوبة آية 29 .
(3) الأحكام السلطانية للفراء (ص 165) .(1/322)
وهو ما ضُرب على أراضي الكفار المغنومة عنوة التي تركت بيد أصحابها ، وأول من فعل ذلك الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، إذ فرض على أرض العراق الخراج وتركها بيد أصحابها بعد مشاورة منه للصحابة رضي الله عنهم وموافقتهم له على رأيه ، وأما قدر الخراج المضروب فيعتبر بما تحتمله الأرض (1) نصَّ عليه أحمد في رواية محمد بن داود وقد سئل عن حديث عمر : ( وضع على جَرِيب (2) الكَرْمِ كذا وعلى جريب كذا كذا ) هو شيء موصوف على الناس لا يزاد عليه أو عن رأى الإمام غير هذا زاد ونقص ؟ قال بل هو على رأي الإمام إن شاء زاد وإن شاء نقص . وقال هو بَيِّن في حديث عمر : ( إن زدت عليهم كذا ألا يجهدهم ؟ ) إنما نظر عمر إلى ما تطيق الأرض ) (3) .
(4) العشور :
__________
(1) الأحكام السلطانية للماوردي (ص 145) .
(2) الأحكام السلطانية للماوردي (ص 148) .
(3) الجريب لغة : الوادي ، واستعير ليكون اسمًا لمساحة مربعة من الأرض ، فهو وحدة قياس مربعة أو مكَسَّرة ، وهو أيضًا وحدة كيل كبيرة ومساحة الجريب العُمَرية تعادل 1366.0416 م 2 . انظر : الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان لابن الرفعة الأنصاري ط . مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى . الحاشية للدكتور الخاروف (ص 80 ، 81) أما جريب الكيل فيعادل (10448) غرامًا من القمح انظر : (ص 87) نفس المرجع والمراد هنا وحدة المساحة .(1/323)
وهي ضريبة تؤخذ من الذميين والمستأمنين على أموالهم المعدَّة للتجارة إذا دخلوا بلاد المسلمين ، ومقدارها نصف العشر على الذمي ، والعشر على الحربي ، لأنهم يأخذون على تجّار المسلمين مثله إذا قدموا بلادهم (1) أما الذميون فلأنهم صولحوا على ذلك ، قاله أبو عبيد ومالك بن أنس (2) وقد روى أبو عبيد بإسناده إلى الشعبي قال : ( أول من وضع العشر في الإسلام عمر ) (3) .
ويشترط فيه النصاب كما ذهب إلى ذلك الحنابلة (4) والحنفية ، أما مالك فلم يشترط ذلك (5) .
(5) الغنائم :
الغنيمة هي المال المأخوذ من الكفار بالقتال . وقد سمّاها الله تعالى أنفالاً لأنها زيادة في أموال المسلمين (6) وهي : أربعة أصناف : أسرى ، وسبي ، وأرضون ، وأموال منقولة ، وهذه هي الغنائم المألوفة .
(6) الفيء :
وهو كل ما أخذه المسلمون من الكفار بغير قتال ، قال الله تعالى : { وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (7) .
وسُمِّي فيئًا لأن الله تعالى أفاءه على المسلمين ، أي ردّه عليهم من الكفار لـ ( أن الله تعالى إنما خلق الأموال إعانة على عبادته ، لأنه إنما خلق الخلق لعبادته ، فالكافرون به أباح أنفسهم التي لم يعبدوه بها وأموالهم التي لم يستعينوا بها على عبادته ، لعباده المؤمنين الذين يعبدونه ) (8) .
(7) الموارد الأخرى :
__________
(1) الأموال لأبي عبيد (ص 473) .
(2) نفس المرجع (ص 467) .
(3) نفس المرجع (ص 467) .
(4) المغني والشرح الكبير (10/599) .
(5) الأموال (ص 478) .
(6) السياسة الشرعية لابن تيمية (ص 32) .
(7) سورة الحشر آية 6 .
(8) السياسة الشرعية لابن تيمية (ص 40) .(1/324)
ومن موارد بيت المال الأموال التي ليس لها مالك مُعًيَّن مثل من مات من المسلمين وليس له وارث معيَّن ، وكالغصوب ، والعواري ، والودائع . التي تعذَّر معرفة أصحابها ، والأراضي التي تستغلُّها الدولة أو تؤجرها ، والمعادن التي تستخرجها الدولة من باطن الأرض ، وخمس الركاز . وهي : المعادن المستخرجة من باطن الأرض ، كالذهب والفضة والنحاس والملح ونحوها ... أما إذا استخرجتها الدولة فهي لبيت مال المسلمين . ومنها ما يفرضه الإمام على الأغنياء عند الضرورة وعجز بيت المال لصرفه على شؤون الدولة والرعية الضرورية مثل نفقات الجند والسلاح وسد حاجات المحتاجين ونحو ذلك .
مصارف بيت المال
(1) الزكاة :
وتصرف لمن سمّاهم الله في كتابه في قوله تعالى : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } . ( التوبة آية 60) .
ولا يجوز صرفها لغير هؤلاء الثمانية ، ولا إلى بني هاشم ولا لمواليهم لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس » (1) .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب : الزكاة . باب : ترك استعمال آل النبي على الصدقة حديث رقم (1073) (2/752) .(1/325)
أما بنوا المطلب ففيهم روايتان عن الإمام أحمد بالمنع وبالجواز ، وإلى الجواز ذهب أبو حنيفة (1) ، واستدل المانعون بحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إنا وبنوا المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام ، وإنما نحن وهم شيء واحد » (2) . قال ابن حزم : ( فصحَّ أنه لا يجوز أن يُفَرَّق بين حكمهم في شيء أصلاً ، لأنهم شيء واحد بنصِّ كلامه عليه الصلاة والسلام ، فصحّ أنهم آل محمد ، وإذ هم آل محمد فالصدقة عليهم حرام ) (3) .
(2) الجزية والخراج والعشور ونحوها :
فهذه تُدخَل إلى بيت مال المسلمين ، وتصرف في العطاءات والنفقات المستحقة ومصروفات بيت المال الأخرى على حسب ما يراه الإمام . ونحوها موارد بيت المال الخاصة بالدولة كالأراضي المؤجرة والأموال التي لا صاحب لها ونحو ذلك .
(3) الغنائم :
__________
(1) المغني والشرح الكبير (2/520) .
(2) رواه أبو داود في سننه ك : الإمارة . ب : بيان مواضع الخمس وسهم ذوي القربى عون (8/202) ، ورواه البخاري بلفظ : « إنما بنوا المطلب وبنوا هاشم شيء واحد » عن جبير نفسه في ك : فرض الخمس . ب : الدليل على أنه الخمس للإمام . فتح الباري (6/144) ، ورواه النسائي ، وابن ماجة أيضًا .
(3) المحلى لابن حزم (6/210) .(1/326)
وهذه تصرف كما قال تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ... } (1) . وقوله : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ... } الآية (2) . فالواجب في المغنم تخميسه ، وصرف الخُمس إلى من ذكره الله تعالى ، وقسمة الباقي بين الغانمين ، قال عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه : ( الغنيمة لمن شهد الوقعة ، وهم الذين شهدوها للقتال سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا ) (3) .
ويجب قسمها بالعدل ، فلا يحابى أحد لا لرياسة ، ولا لجاه ، ولا لفضل ، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه من بعده . ففي صحيح البخاري أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه رأى له فضلاً على من دونه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
« هل تُنْصَرون وترزقون إلا بضعفائكم » (4) والعدل في القسمة أن يقُسم للرجل سهم وللفرس سهمان ، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر » (5) .
__________
(1) سورة الأنفال آية 1 .
(2) سورة الأنفال آية 41 .
(3) السياسة الشرعية لابن تيمية (ص 33) .
(4) رواه البخاري في : الجهاد . باب : 76 ، من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب . بدون (وترزقون) انظر : فتح الباري (6/88) . ورواه أحمد في مسنده (1/173) . وروى نحوه الترمذي في : الجهاد . باب : في الاستفتاح بصعاليك المسلمين ، ح1702 (4/206) ، وأبو داود في : الجهاد . 70 ، والنسائي في : الجهاد . 43 ، وأحمد في مسنده (5/198) .
(5) البخاري في : الجهاد . باب : سهام الفرس . 51 ، فتح الباري (6/67) ، ومسلم في : الجهاد . باب : كيفية قسم الغنيمة بين الحاضرين ، ح1762 (3/1383) ، وأبو داود في : الجهاد . باب في : سهام الخيل ، عون المعبود (7/404) ، وأحمد في مسنده (2/62) .(1/327)
أما إن رأى الإمام أن في تفضيل بعض المجاهدين على بعض مصلحة دينية يعلمها هو ، لا لهوى النفس ، فله ذلك كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مرة (1) .
(4) الفيء .
وهذا يقسم على من ذكرهم الله في سورة الحشر قال تعالى : { مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ
حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } ( الحشر 7 : 10) .
__________
(1) السياسة الشرعة (ص 35) .(1/328)
وعن عمر بن الخطاب رضي الله قال : ( كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه من خيل ولا ركاب ، فكانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - فكان ينفق على أهله نفقة سنته ) . وفي لفظ : ( يحبس لأهله قوت سنتهم ويجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله ) (1) .
وعلى هذا فيصرف الفيء بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع مصالح المسلمين ، ومنها الاتفاق على ذوي الحاجات ودفع الأرزاق للجند والعلماء والقضاء وسائر موظفي الدولة ، كما يعطي منه إلى عموم المسلمين ، وهذا هو المأثور عن الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم في سيرتهم وهديهم ، ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : ( والله ما أحد أحق بهذا المال من أحد ، والله ما من المسلمين أحد إلا وله في هذا المال نصيب إلا عبدًا مملوكًا ، ولكنا على منازلنا من كتاب الله تعالى وقسمنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالرجل وبلاؤه في الإسلام ، والرجل وقدمه
في الإسلام ، والرجل وغناؤه في الإسلام ، والرجل وحاجته ) (2) .
__________
(1) متفق عليه . رواه البخاري في : الجهاد . باب : المجن ومن يترس بترس صاحبه ، 80 . انظر : الفتح (6/93) ، ورواه مسلم في : الجهاد . باب : حكم الفيء ، ح1757 (3/1376) .
(2) رواه أحمد في مسنده تحت رقم (292) من الجزء الأول وصححه أحمد شاكر انظر : تخريجه للمسند (1/281) ، وفي سنده : محمد بن إسحاق صاحب السيرة . قال فيه أحمد شاكر : ثقة تكلم فيه بغير حجة . انظر : تخريج المسند (1/193) قلت : جمهور المحدثين على تحسين حديثه إذا انفرد به والله أعلم . كما روى الحديث أبو داود في كتاب : الإمارة . باب : ما يلزم الإمام من أمر الرعية . انظر : عون المعبود (8/166) بزيادة : ( والرجل وعياله ) وفي إسناده : محمد ابن إسحاق أيضًا . ورواه ابن سعد في الطبقات (3/299) عن السائب بن يزيد .(1/329)
وقد روى عنه أيضًا : ( والله لئن بقيت لهم إلى قابل ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظَّه من هذا المال وهو يرعى مكانه ) (1) .
ويفهم من هذا كله أن عموم المسلمين لهم نصيب من مال الفيء ، فيعطون منه بعد سد النفقات الضرورية للدولة .
(5) ويلحق بالفيء ويكون مصرفه مصرف الفيء الأموال التي ليس لها مالك معين ، مثل من مات من المسلمين وليس له وارث ، وكالغصوب ، والعواري ، والودائع وغير ذلك من أموال المسلمين التي تعذر معرفة أصحابها ) (2) ، أو التي لا صاحب لها .
وجوه صرف الأموال
الواجب على الإمام عند صرف الأموال أن يبتدئ في القسمة بالأهم
فالأهم من مصالح المسلمين ،كعطاء من يحصل للمسلمين منهم منفعة عامة أو المحتاجين فمن هؤلاء :
(1) المقاتلة : وهم أهل النصرة والجهاد ، وهم أحق الناس بالفيء ، فإنه لا يحصل إلا بهم ، حتى اختلف الفقهاء في مال الفيء هل هو مختص بهم أو مشترك في جميع المصالح ؟ ( على قولين للشافعي ووجهين في مذهب أحمد ، لكن المشهور في مذهبه وهو مذهب أبي حنيفة ومالك : أنه لا يختص به المقاتلة بل يصرف في المصالح كلها ) (3)كما سبق ذكره ، وكذلك إذا قتل أو مات من المقاتلة فإنه ترزق امرأته وأولاده الصغار حتى يكبروا (4) .
(2) ذُوو الولايات كالولاة والقضاة والعلماء والسعاة على المال جمعًا وحفظًا وقسمة ، وجمع القائمين على مصالح المسلمين .
(3) كذلك يصرف في الأثمان والأجور لما يعم نفعه من سداد الثغور بالكراع والسلاح ، وعمارة ما يحتاج إلى عمارته من طرقات الناس كالجسور والقناطر وطرقات المياه والأنهار ونحو ذلك .
(
__________
(1) جزء من الأثر السابق .
(2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (8/276 ، 277) . وقريب منه في (28/568) من نفس المرجع .
(3) مجموع الفتاوى (28/565) .
(4) نفس المرجع (28/582) .(1/330)
4) ومن المستحقين ذوو الحاجات : فإن الفقهاء قد اختلفوا هل يقدَّمون في غير الصدقات من الفيء ونحوه - على غيرهم ؟ على قولين في مذهب الإمام أحمد وغيره منهم من قال يقدَّمون ، ومنهم من قال : المال أستحق بالإسلام ، فيشتركون فيه كما يشترك الورثة في الميراث ، قال ابن تيمية : ( والصحيح أنهم يقدَّمون ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقدَّم ذوي الحاجات كما قدَّمهم في مال بني النضير ، وقال عمر رضي الله عنه : ( ليس أحد أحق بهذا
المال من أحد ... ) (1) . وذكر كلام عمر الآنف الذكر (2) .
(5) كما يجوز - بل يجب - الإعطاء لتأليف من يحتاج إلى تأليف قلبه ، وإن كان لا يحل له أخذ ذلك ، كما خصَّص الله في القرآن نصيبًا للمؤلفة قلوبهم من الصدقات ، وكما كان يعطيهم - صلى الله عليه وسلم - من الفيء ونحوه فقد أعطى الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن الفزاري ، وعلقمة العامري ، وزيد الخير الطائي وقال : « إني إنما فعلت ذلك لتألفهم » (3) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وهذا النوع من العطاء وإن كان ظاهره إعطاء الرؤساء وترك الضعفاء كما يفعل الملوك فالأعمال بالنيات ، فإذا كان القصد بذلك مصلحة الدين وأهله ، كان من جنس عطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه ، وإن كان المقصود العلو في الأرض والفساد كان من جنس عطاء فرعون ) (4) .
__________
(1) السياسة الشرعية (ص 51) .
(2) سبق تخريج هذا الأثر قريبًا (ص 342) .
(3) متفق عليه عن أبي سعيد رواه البخاري في كتاب : التوحيد . باب : قوله تعالى { تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ } وغيره انظر : فتح الباري (13/415) ، ورواه مسلم في : الزكاة . باب : ذكر الخوارج وصفاتهم ، حديث رقم (1064) (2/741) ، ورواه أبو داود في كتاب : السنة . ب : 28 . والنسائي في : الزكاة . ب : 79 .
(4) السياسة الشرعية (ص55) .(1/331)
أما ما فضل عن منافع المسلمين ، فإنه يقسم بينهم ، لكن مذهب الشافعي وبعض أصحاب أحمد أنه ليس للأغنياء الذين لا منفعة فيهم حق ، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما كثر المال أعطى منه عامة المسلمين فكان لجميع المسلمين فرض في ديوان عمر بن الخطاب غنيهم وفقيرهم ... ومع هذا فالجواب تقديم الفقراء على الأغنياء الذين لا
منفعة فيهم ، فلا يعطي شيئًا حتى يفضل عن الفقراء . هذا مذهب الجمهور كمالك وأحمد في الصحيح من الروايتين عنه (1) . ويدل على ذلك قوله تعالى : { كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ } ( الحشر آية : 7 ) .
لكن هل يجب التساوي في العطاء أم لا ؟ ورد في السنن ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتاه مال أعطى الآهل قسمين والعَزَبَ قسمًا (2) ) فيفضَّل المتأهل على الأعزب .
أما عمر فمذهبه في قسمة الفيء هو التفضيل في العطاء بالفضائل الدينية وحاجات الرعية ، يدل على ذلك كلامه الآنف الذكر (3) ، أما أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقد كان مذهبه التسوية في العطاء إذا استووا في الحاجة ، وإن كان بعضهم أفضل في دينه وقال : ( إنما أسلموا لله وأجورهم على الله ، وإنما هذه الدنيا بلاغ ) .
وروي عنه أنه قال : ( استوى فيهم إيمانهم - يعني أن حاجتهم في الدنيا واحدة - فأعطيهم لذلك لا للسابقة والفضيلة في الدين ، فإن أجرهم يبقى على الله ، فإذا استووا في الحاجة سوى بينهم في العطاء ) (4) .
__________
(1) مجموع الفتاوى (28/567) .
(2) رواه أبو داود في : الإمارة . باب : في أرزاق الذرية ، (8/169) من عون المعبود ، عن عوف بن مالك الأشجعي ، ورواه أحمد في مسنده (6/25) ، ورواه ابن حبان في صحيحه . وحسنه ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/584) .
(3) ص 342) من هذا الفصل .
(4) يراجع بتوسع وتفضيل مجموع فتاوى ابن تيمية (28/583) وما بعدها .(1/332)
أما عن حقوق العاملين في الدولة فعلى الدولة تأمين الزواج للموظف والمسكن والخادم والمركب ، كما في الحديث الذي رواه أبو داود بإسناده إلى جبير بن نفير عن المستورد بن شداد قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : « من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة ، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادمًا ، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنًا » ، قال : قال أبو بكر : أخبرتُ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من اتخذ غير ذلك فهو غالّ أو سارق » (1) .
وكذلك من مات وعليه دين ، وليس له مال يفي بدينه ، أو له أولاد قصرَّ فإن الإمام يؤدي ما عليه من دين من بيت مال المسلمين ، كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة قال - صلى الله عليه وسلم - : « من ترك مالاً فلورثته ، ومن ترك كلاًّ فعلينا » وفي رواية عن جابر بن عبد الله : « أنا أولى بكُلَّ مؤمن من نفسه فأيما رجل مات وترك دينًا فإليّ ، ومن ترك مالاً فلورثته » (2) .
ومن واجبات الإمام بالإضافة إلى ما سبق :
ثانيًا : اختيار الأكفاء للمناصب القيادية :
نظرًا لثقل الأعباء المنوطة بالإمام فإنه لا يستطيع وحده القيام بتدبيرها جميعًا ، ولذلك كان لا بد له من ولاة ومعاونين يقومون
__________
(1) سنن أبي داود كتاب : الإمارة . باب : في أرزاق العمال . (8/161) من عون المعبود . والحديث سكت عنه المنذري كما قال صاحب عون المعبود .
(2) متفق عليه رواه البخاري كتاب : الفرائض . باب : 15 ، فتح الباري (12/27) عن أبي هريرة ، ورواه مسلم في : الفرائض . باب : من ترك مالاً فلورثته ، (3/1237) حديث رقم (1619) وابن ماجه في : الصدقات . باب : 13 ، من ترك دينًا أو ضياعًا فعلى الله ورسوله ، ح2415 (2/807) ، والنسائي في : الجنائز 67 .(1/333)
بمساعدته ويوليهم بعض المهام وبعض الجهات ، فيكونون فيها نوابًا عنه ، يوافونه بأخبارها ، ويقومون بتدبيرها نيابة عنه على حسب ما يأمرهم به ، لذلك كان لزامًا عليه أن يختار من الولاة من تَبْرَأ بهم ذمته ، لأنه المسئول الأول عن كل مظلمة أو خطأ يقع منهم على الرعية .
وأول وأقرب هؤلاء هم الوزراء والمستشارون والبطانة ، فيجب أن يكون حصيفًا يقظًا في اختيارهم ، قال الله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام : { وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي } (1) وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً ... } الآية (2) وقال تعالى : { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } (3) .
وروى البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « ما استخلف خليفة إلا له بطانتان ، بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه ، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه ، والمعصوم من عصم الله » (4) .
__________
(1) سورة طه الآيات 29 - 32 .
(2) سورة آل عمران 118 .
(3) سورة الكهف 28 .
(4) البخاري كتاب : القدر . باب : 8 ، فتح الباري (11/501) ، ورواه النسائي في كتاب : البيعة (38 ) ، وأحمد في مسنده (2/289) ، (3/39) .(1/334)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « إذا أراد الله بالأمير خيرًا جعل له وزير صدق ، إن نسي ذكره ، وإن ذكر أعانه ، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء ، إن نسي لم يذكره ، وإن ذكر لم يعنه » (1) .
وعنه - صلى الله عليه وسلم - قال : « إن الله لم يبعث نبيًا إلا وله بطانتان . بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر ، وبطانة لا تألوه خبالاً ، ومن يوق بطانة السوء فقد وقي » (2) .
ويدخل في الحكم الوزراء والبطانة جميع الولاة الذين يقوم بتوليتهم ، كالقضاة ، وولاة الحرب ، والحسبة ، والمال . وغيرهم ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( فيجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل ) (3) .
كما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « من ولي من أمر المسلمين شيئًا فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه ، فقد خان الله ورسوله » . وفي رواية : « من قلد رجلاً عملاً على عصابة ، وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه ، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين » (4) . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( من ولي من أمر المسلمين شيئًا فولى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما ، فقد
__________
(1) رواه أبو داود في : الإمارة . باب : في اتخاذ الوزير ، (8/150) عون المعبود . قال الشارح : ( والحديث سكت عنه المنذري ) . ورواه النسائي في : البيعة . 33 ، وأحمد (6/70) من المسند .
(2) رواه الترمذي في حديث طويل ك : الزهد . ب : معيشة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ح2369 (4/585) ، وابن حبان ، والحاكم ، والنسائي . انظر : تحفة الأحوذي (7/39) .
(3) السياسة الشرعية (ص 6) .
(4) رواه الحاكم وصححه وروى بعضهم أنه من قول عمر لابنه وسبق تخريجه (ص 287) .(1/335)
خان الله ورسوله والمسلمين ) (1) فليس على الإمام إلا أن يستعمل أصلح الموجود ، وقد لا يكون في موجوده من هو صالح لتلك الولاية فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه ، وإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام وأخذه الولاية بحقها ، فقد أدى الأمانة وقام بالواجب في هذا وصار في هذا الموضع من أئمة العدل المقسطين عند الله .
هذا وابن تيمية - رحمه الله - لم يقصر واجب ولي الأمر على تولية الأصلح فقط ، بل تعدَّى ذلك إلى وجوب الإعداد والتأهيل ليتوفر لأعمال الدولة من يتولاها من القادرين على القيام بها ، حيث يقول :
( ومع أنه يجوز تولية غير الأهل للضرورة إذا كان أصلح الموجود ، فيجب مع ذلك السعي في إصلاح الأحوال ، حتى يكمل في الناس ما لا بد لهم من أمور الولايات والإمارات ونحوها ، كما يجب على المعسر السعي في وفاء دينه ، وإن كان في الحال لا يُطلب منه إلا ما يقدر عليه ) (2) .
كما استنبط رحمه الله شروط التوظيف الأساسية من الآيات القرآنية التالية :
{ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } (3) وقول صاحب مصر ليوسف عليه السلام : { إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ } (4) وقوله تعالى في صفة جبريل : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } (5) وهذه الشروط هي : القوة ، والأمانة ، وتعنيان : العلم ، والخبرة في
العمل الموكل إليه والقدرة عليه ، والخشية لله لا للناس (6) .
__________
(1) السياسة الشرعية (ص 7) .
(2) السياسة الشرعية (ص 21) .
(3) سورة القصص آية 26 .
(4) سورة يوسف آية 54 .
(5) سورة التكوير الآيات 19 : 21 .
(6) السياسة الشرعية (ص 14) .(1/336)
هذا ولا يقدَّم الرجل لكونه طلب الولاية أو سبق في الطلب ، بل ذلك سبب في المنع ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « إنا والله لا نُوَلِّي هذا العمل أحدًا سأله أو أحدًا حرص عليه » (1) . وقال لعبد الرحمن بن سمرة : « يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة أُعنت عليها ، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها » (2) .
فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو صداقة أو موافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس كالعربية والفارسية والتركية والرومية ونحو ذلك ، أو لرشوة يأخذها من مال أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب ، أو لضغن في قلبه على الأحق ، أو عداوة بينهما ، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ودخل فيما نهى الله عنه في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } (3) لذلك تعتبر تولية الولاة والاستعانة بالأعوان مسؤولية جسيمة يجب ألا تسلَّم إلا لأربابها الذين يقْدِرون عليها ، وإنها من أعظم الأمانات ، ومن أخطر الأمور توسيدها لغير أهلها ، بل ذلك من علامات الساعة ، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « إذا ضُيِّعَت الأمانة ، انتظر الساعة » . قيل : يا رسول الله وما إضاعتها ؟ قال : « إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة » (4) .
__________
(1) متفق عليه وسبق تخريجه في الشروط (ص 252) .
(2) متفق عليه وسبق تخريجه في الشروط (ص 252) .
(3) سورة الأنفال آية : 27 .
(4) رواه البخاري في كتاب العلم . باب : 2. انظر : المتن على فتح الباري (1/141 ، 142) .(1/337)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ... » الحديث (1) . وروي عن عمران بن سُليم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : « من استعمل فاجرًا وهو يعلم أنه فاجر فهو مثله » (2) .
محاسبتهم :
هذا مع أن من واجب الإمام حسن اختيار ولاته والتدقيق والتحري في ذلك ، فإن عليه أيضًا تتبُّع أخبارهم ، ومحاسبتهم على كلِّ صغيرة وكبيرة ، فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي حميد الساعدي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل ابن اللتبية - وفي رواية الأتبية - على صدقات بني سُليم ، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحاسبه قال : هذا لكم وهذه هدية أهديت لي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « فهلا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا ؟ » ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخطب في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « أما بعد : فإني أستعمل رجالاً منكم على أمور مما ولاني الله ، فيأتي أحدكم فيقول : هذا لكم وهذه هدية أهديت لي . فهلاّ جلس في بيت أبيه وبيت أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقًا ؟ فوالله لا يأخذ أحدكم منها شيئًا - قال هشام : بغير حقه - إلا جاء الله يحمله يوم القيامة . ألا فَلأَعْرِفَنَّ ما جاء الله رجلٌ ببعير له رغاء ، أو ببقرة لها خوار ، أو شاة تَيْعَر (3) - ثم رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه - ألا هل بلغت ؟ » (4) .
__________
(1) سبق تخريجه (ص 26) .
(2) مناقب عمر لابن الجوزي (ص 78) .
(3) شاة تيعر : أي : تصيح . واليعار صوت الغنم . وقيل : صوت المعزى ، وقيل هو : الشديد من أصوات الشاء . لسان العرب مادة ( يَعَرَ ) (5/301) .
(4) رواه البخاري في ك : الأحكام . ب : محاسبة الإمام عماله ، فتح الباري (13/189) .(1/338)
وعن الأحنف بن قيس - وكان أحد ولاة عمر رضي الله عنه - قال : قدمت على عمر بن الخطاب رضوان الله عليه فاحتبسني عنده حولاً ، فقال : يا أحنف قد بلوتك وخبرتك ، فرأيت أن علانيتك حسنة ، وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك ، وإنَّا كنا لنُحَدَّث ( إنما يهلك هذه الأمة كلُّ منافق عليم ) (1) .
ثالثًا : الإشراف بنفسه على تدبير الأمور وتفقُّد أحوال الرعية :
كما قلنا إن الإمام هو المسئول الأول عن كل صغيرة وكبيرة في الدولة ، ومع أنه يُشْرَع له اتخاذ الوزراء والأعوان على تدبير الأمور ، إلا أنه يجب عليه أن يشرف بنفسه على هؤلاء الوزراء والأعوان ، وألا يتَّكل عليهم ، فعليه أيضًا أن يقوم بالإشراف على أحوال الرعية ويتفقد أحوالهم ، وألا يحتجب عنهم حتى يعرف أوضاعهم ، فيعين محتاجهم ، وينصر مظلومهم ، ويقمع ظالمهم ، قال أبو يعلى في تعداده لواجبات الإمام : ( العاشر : أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور ، وتصفح الأحوال ، ليهتمَّ بسياسة الأمة وحراسة الملة ، ولا يعول على التفويض تشاغلاً بلذة أو عبادة ، فقد يخون الأمين ويغشُّ الناصح ، وقد قال تعالى : { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى } (2) فلم يقتصر سبحانه على التفويض دون المباشرة ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : « كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته » (3) .
__________
(1) مناقب عمر لابن الجوزي (ص 117) .
(2) سورة ص آية 26 .
(3) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 28) والحديث سبق تخريجه في التعريف (ص 26) .(1/339)
والذي يدلّ على ما سبق ذكره من وجوب مباشرة الإمام بنفسه وعدم الاحتجاب عن رعيته والنصح لهم ما رواه أبو داود بإسناد إلى أبي مريم الأزدي قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « من ولاَّه الله عز وجل شيئًا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخُلَّتِهم وفقرهم ، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره » (1) .
واختلف في مشروعية الحاجب للحكام ( فقال الشافعي وجماعة ينبغي للحاكم ألا يتخذ حاجبًا ، وذهب آخرون إلى جوازه وحُمل الأول على زمن سكون الدهماء واجتماعهم على الخير ، وطواعيتهم للحاكم . وقال آخرون : بل يستحب ذلك حينئذ ليرتب الخصوم ويمنع المستطيل ويدفع الشِّرِّير (2) .
ودخل أبو مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فقال : السلام عليك أيها الأجير ، فقالوا : قل : السلام عليك أيها الأمير ، فقال : السلام عليك أيها الأجير ، فقالوا : قل : السلام عليك أيها الأمير ، فقال : السلام عليك أيها الأجير ، فقالوا : قل : الأمير ، فقال معاوية : دعوا أبا مسلم فإنه أعلم بما يقول . فقال : إنما أنت أجير ، استأجرك ربُّ هذه الغنم لرعايتها ، فإن أنت هَنَأْتَ جرباها ، وداويت مرضاها ، وحبست أُولاها على أخراها ، وفَّاك سيدها أجرك ، وإن أنت لم تهنأ جرباها ، ولم تداو مرضاها ، ولم تحبس أولاها على أخراها ، عاقبك سيدها ... ) (3) .
__________
(1) رواه أبو داود في : الإمارة . باب : 13 ، عون المعبود (8/165) ، ورواه الترمذي ، وأحمد بن حنبل في المسند (5/239) . وقال ابن حجر : إسناده جيد انظر : فتح الباري (13/233) .
(2) فتح الباري (13/133) .
(3) نقلاً عن السياسة الشرعية (ص 12) .(1/340)
وكتب القاضي أبو يوسف إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد يحذِّره من مغبَّة إهماله للرعية وتضييع حقوقها ، فقال : ( احذر أن تضيع رعيتك فيستوفي ربها حقها منك ، ويضيعك - بما أضعت - أجرك ، وإنما يدعم البنيان قبل أن يتهدم ، وإنما لك من عملك ما عملت فيما ولاَّك الله أمره ، وعليك ما ضيعت منه ، فلا تنس القيام بما ولاك الله أمره فلست تُنسى ، ولا تغفل عنهم فليس يُغفل عنك ... ) (1) .
فمتى شعر الأئمة بهذا الشعور ، وقاموا بهذا الواجب حازوا رضى الله عز وجل ورضى الناس ، واستقام لهم أمرهم ، ومتى تنكَّبُوا هذا الطريق خَسِروا الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين .
وممن قام بهذا الواجب خير قيام خلفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فلنأخذ نموذجًا من ذلك . فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه روى عنه الحسن رحمه الله قوله : ( ولئن عشت إن شاء الله لأسيرنَّ في الرعية حولاً ، فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع عني ، أما هم فلا يَصِلُون إليً ، وأما عمالهم فلا يرفعونها إليّ . فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين ، ثم أسير إلى مصر فأقيم بها شهرين ، ثم أسير إلى البحرين فأقيم بها شهرين ، ثم أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين ، ثم أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين ) (2) . وعن طاوس أن عمر قال : ( أرأيتم إن استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل أقضيت ما علي ؟ قالوا : نعم . قال : لا حتى أنظر في عمله أعمل بما أمرته أم لا ... ) (3) .
رابعًا : الرفق بالرعية والنصح لهم وعدم تتبع عوراتهم :
كما أن من واجبه أيضًا الرفق بهذه الرعية التي استرعاه الله أمرها ، والنصح لهم ، وعدم تتبع سوءاتهم عوراتهم ، وقد ورد في هذا الواجب أحاديث وآثار كثيرة منها :
__________
(1) الخراج لأبي يوسف (ص 5) .
(2) مناقب عمر لابن الجوزي (ص 121) .
(3) رواه البيهقي في سننه وابن عساكر ، قاله صاحب كنز العمال (5768) ح14328 .(1/341)
ما رواه مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في بيتي هذا : « اللهم من وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا فشقّ عليهم فاشقق عليه ، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به » (1) .
قال النووي : ( هذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس ، وأعظم الحثِّ على الرفق بهم ، وقد تظاهرت الأحاديث بهذا المعنى ) (2) .
ومنها ما رواه البخاري بسنده إلى الحسن قال : إن عبيد الله بن زياد زار مَعْقِل بن يسار في مرضه الذي مات فيه ، فقال له معقل : إني محدثك حديثًا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : « ما من عبد يسترعيه الله رعية من المسلمين فيموت وهو غاشّ لهم إلا حرَّم الله عليه الجنة » (3) . وعند مسلم قال - صلى الله عليه وسلم - : « ما من عبد يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل الجنة معهم » (4) .
__________
(1) مسلم كتاب : الإمارة . باب : فضيلة الإمام العادل ، رقم الحديث (1828) (3/1458) .
(2) شرح النووي لصحيح مسلم (12/213) .
(3) البخاري ك : الأحكام . ب : من استرعى رعيته فلم ينصح لها ، فتح الباري (13/126) .
(4) مسلم ك : الإيمان . ب : استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار ، ح142 (1/125) .(1/342)
وعن الحسن أن عائذ بن عمرو كان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على عبيد الله ابن زياد فقال : أي بني : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « إن شرَّ الرّعاء الحُطَمَةَ (1) ، فإياك أن تكون منهم » ، فقال له : اجلس إنما أنت من نخالة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : وهل كانت لهم نخالة ؟ إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم (2) .
ومنها ما رواه أبو داود بسنده عن أبي أمامة قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « إذا ابتغى الأمير الرِّيبة في الناس أفسدهم » (3) .
وعن معاوية رضي الله عنه قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : « إنك عن تتبعت عورات الناس أفسدتهم ، أو كدت تفسدهم » (4) .
خامسًا : أن يكون قدوة حسنة لرعيته :
من طبيعة النفس البشرية أنها دائمًا مولعة بتقليد الأقوى سواء كان في الخير أو الشرّ ، وحيث إن الإمام هو الذي في يده زمام السلطة
__________
(1) الحُطمة : العنيف المتعسف قليل الرحمة . انظر : لسان العرب مادة ( حطم ) (12/139) .
(2) مسلم ك : الإيمان . ب : استحقاق الوالي الغاش رعيته النار ، ح142 (1/126) ، وأحمد (5/25) .
(3) سنن أبي داود ك : الأدب . ب : النهي عن التجسس ، عون (13/232) . وأحمد في المسند (6/4) ، وقال محقق جامع الأصول : هو : حديث حسن . جامع الأصول (4/83) .
(4) سنن أبي داود ك : الأدب . ب : النهي عن التجسس ، عون (13/232) ، ورواه ابن حبان في صحيحه (ص 359) . وعزاه صاحب كنز العمال لعبد الرزاق في المصنف انظر : الكنز (5/797) ح14359.(1/343)
والتدبير ، فإن نفوس الرعية تكون مولعة فيما يذهب إليه ، لذلك وجب عليه أن يكون قدوة حسنة لأتباعه حتى يسيروا على نهجه ، ويقلِّدوه في سنَّته الحسنة ، لأن عيونهم معقودة به وأبصارهم شاخصة إليه ، فإن أي صغيرة تبدوا منه تتجسم لدى العامّة ، ويتخذون منها ثغرة ينفذون منها إلى الانحراف ، وقلَّ أن يردَّهم بعد ذلك نصح أو تخويف .
ولذلك لما دخل قائد جيش المسلمين سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قصر كسرى وهو يتلوا قوله تعالى : { كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ } (1) أرسل سعد كل ما في قصر كسرى إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وأخذ عمر رضي الله عنه يقلِّب هذه النفائس ويقول : إن قومًا أدُّوا هذا لأمناء . فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( لقد عففت فعفَّت رعيتك ، ولو رتعت لرتعت ) ثم قسم عمر على ذلك في المسلمين .
وقد روى البخاري رحمه الله عن أبي بكر رضي الله عنه في حديثه للأحمسية لما سألته : ما بقاء هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية ؟ قال : ما استقامت بكم أئمتكم ) (2) .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( إن الناس لم يزالوا مستقيمين ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم ) (3) ، وقال : ( الرعية مؤدية إلى
الإمام ما أدى الإمام إلى الله ، فإن رتع الإمام رتعوا ) (4) .
__________
(1) سورة الدخان الآيات من 25 : 28 .
(2) رواه البخاري في كتاب : مناقب الأنصار . باب : أيام الجاهلية . انظر : فتح الباري (7/147) ، ورواه الدارمي في مسنده في : المقدمة : 23. باب : في كراهية أخذ الرأي .
(3) طبقات ابن سعد (3/292) ، والبيهقي في سننه .
(4) طبقات ابن سعد (3/292) ، والبيهقي في السنن الكبرى ، وابن أبي شيبة ، والنسائي . قاله صاحب كنز العمال (5/765) ح14318 .(1/344)
لذلك كان من سيرته رضي الله عنه - كما ذكر ذلك سالم بن عبد الله عن أبيه قال : ( كان عمر إذا أراد أن ينهى الناس عن شيء تقدَّم لأهله فقال : لا أعلمن أحدًا وقع في شيء مما نهيت عنه إلا أضعفت له العقوبة ) (1) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وينبغي أن يُعْرف أن أولي الأمر كالسوق ما نفق فيه جُلب إليه ، هكذا قال عمر بن عبد العزيز ، فإن نفق فيه الصدق والبرّ والعدل والأمانة جُلب إليه ذلك ، وإن نفق فيه الكذب والجور والخيانة جُلب إليه ذلك ) (2) .
وتاريخ المسلمين ناطق بما للأسوة الطيبة في الحكّام من أثر في الأمة ، ففي أيام عمر بن الخطاب شاع الزهد والتقشف إقتداءً به ، وفي أيام الوليد بن عبد الملك (3) تنافس الناس في إنشاء المساجد وإقامة الملاجئ للمرضى والعجزة مجاراة لميول الخليفة في ذلك ، وفي أيام عمر بن عبد العزيز شاعت روح العدالة في المجتمع ، وأقبل الناس على إقامة شعائر الدين أسوة بهذا الخليفة العادل .
هذا وقد قيل : ( الناس على دين ملوكهم ) (4) .
__________
(1) الطبقات الكبرى (3/289) .
(2) السياسة الشرعية (ص 32) .
(3) انظر : البداية والنهاية (9/165) .
(4) قال السخاوي : لا أعرفه حديثًا . انظر : المقاصد الحسنة (ص 441) ح1236. ط . أولى 1399 . ن : دار الكتب العلمية بيروت .(1/345)
قال الطرطوشي : (1) ( لم أزل أسمع الناس يقولون : أعمالكم عمالكم كما تكونوا يولى عليكم ) (2) إلى أن ظفرت به في قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } (3) ، (4) .
هذا وهناك أعمال أخرى - غير ما ذُكر - مناطة بالأئمة أو من يولونه مكانهم ، مثل ولاية من لا وليّ له ، وإقامة الجمع والأعياد وقيادة الجيوش ونحو ذلك .
المبحث الثاني
حقوق الإمام
إذا قام الخليفة بالواجبات السابقة ثبت له بإزائها كثير من الحقوق التي تعينه على القيام بهذه الواجبات خير قيام ، ومن هذه الحقوق :
أولاً : حق الطاعة :
الطاعة دعامة من دعائم الحكم في الإسلام وقاعدة من قواعد نظامه السياسي ، وهي من الأمور الضرورية لتمكين الإمام من القيام بواجبه الملقى على عاتقه ، وضرورية أيضًا لتمكين الدولة من تنفيذ أهدافها وتحقيق أغراضها ، ورضي الله عن عمر بن الخطاب حيث يقول : ( لا إسلام بلا جماعة ، ولا جماعة بلا أمير ، ولا أمير بلا طاعة ) .
__________
(1) هو : أبو بكر محمد بن الوليد من علماء المالكية . انظر : النجوم الزاهرة (5/231) .
(2) رواه الديلمي في مسند الفردوس ، والبيهقي في : شعب الإيمان . عن أبي إسحاق السبيعي مرسلاً قاله صاحب كنز العمال (6/89) ح14972 ، وقال العجلوني : ( رواه الحاكم ومن طريقه الديلمي عن أبي بكرة مرفوعًا وأخرجه البيهقي بلفظ : ( يؤمر عليكم ) بدون شك وبحذف أبي بكر فهو منقطع ، وأخرجه ابن جميع والقضاعي عن أبي بكرة بلفظ ( يولى عليكم ) بدون شك وفي سنده مجاهيل ، ورواه الطبراني بمعناه عن الحسن ... ) كشف الخفا ومزيل الإلباس (2/184) . والحديث ضعفه الألباني في : ضعيف الجامع الصغير (4/160) .
(3) سورة الأنعام آية 129 .
(4) سراج الملوك للطرطوشي (ص 101) ، ط . أولى 1319 هـ . ن . المطبعة الأزهرية المصرية .(1/346)
وإن من أهم ما يميز نظام الإسلام عن غيره من النظم الأرضية التي وضعها البشر هو ذلك الوازع الديني في ضمير المؤمن ، فهو يستشعر - عند قيام الإمام بواجبه - أن الله سبحانه وتعالى قد أجب عليه الطاعة لهذا الإمام ، فيؤنبه ضميره ويردعه وازعه الديني عن الإخلال بنظام الدولة أو التمرد والعصيان على أي أمر من أمور الدولة التي وضعتها لصالح الأمة ، وإن غابت عنه عين الرقيب والحارس لهذا النظام ، لأنه يشعر بأن الرقيب حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ، وهو مطلع عليه عالم بأحواله في كل لحظة وأوان . وهذا ما لا وجود له في النظم الأرضية ، فكل منهم يراقب عين الرقيب وحارس النظام ، وهو بشر مثلهم ، ومن طبيعة البشر الضعف والغفلة والتقصير ، فإن غاب عنه فلا رقيب ولا
حارس ولا وازع ديني أو خلقي يردعه من التمرد على هذا النظام المراد حفظه .
كذلك المؤمن إذا اتخذ هذه الطاعة قربة لله سبحانه وتعالى وعبادة ، فله عليها الأجر الجزيل ، لأنه يطيعهم امتثالاً لأمر الله ورسوله بذلك لا لأشخاصهم . فيرجو من الله الثواب على ذلك . أما النظم الأخرى فلا رجاء ولا أجر إلا ما يصيبه في هذه الحياة الدنيا من حطامها ، ومن النتائج المترتبة على حفظ هذه النظام ، { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ } .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد ، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم ، فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر لله فأجره على الله ، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال فإن أعطوه أطاعهم و إن منعوه عصاهم فماله في الآخرة من خلاق ) (1) .
__________
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (35/ 16 ، 17) .(1/347)
وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل ، ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو غير ذلك ، ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنيا
فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه لم يفِ » (1) .
لذلك فالسمع والطاعة لخلفاء المسلمين وأئمتهم من أجل الطاعات والقربات عند الله تعالى ، ومن الواجبات الملقاة على عاتق كل مسلم ..
قال ابن كثير : ( وقال الصياح بن سوادة الكندي : سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو يقول : { الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ... } الآية (2) . ثم قال : ( ألا إنها ليست على الوالي وحده ولكنها على الوالي والموالى عليه ، ألا أنبئكم بما لكم على الوالي من ذلك ؛ وبما للوالي عليكم منه ؟ إن لكم على الوالي من ذلكم أن يؤاخذكم بحقوق الله عليكم ، وأن يهديكم إلى التي هي أقوم ما استطاع ، وإن عليكم من ذلك الطاعة غير المبزوزة (3) ولا المستكرهة ولا المخالف سرها علانيتها ) (4) .
أدلة وجوبها
__________
(1) البخاري في : الأحكام . باب : 48 ، من بايع رجلاً لا يبايعه إلا للدنيا ، انظر : فتح الباري (13/201) ، ومسلم في : الإيمان . باب : غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية ، رقم (108) (1/103) ، والترمذي في : السير . باب : ما جاء في نكث البيعة ، رقم (1595) (4/150) ، وابن ماجه في ك : التجارات . باب كراهية الأيمان في الشراء والبيع ، رقم الحديث (2207) (2/744) .
(2) سورة الحج آية 41 .
(3) بزه يبزه بزًا : غلبه وغصبه . وبز الشيء انتزعه يقول : (لا ألزمكم الطاعة قسرًا ) .
(4) تفسير ابن كثير (5/434) .(1/348)
السمع والطاعة للإمام من أهم حقوقه الواجبة له ، ومن أعظم الواجبات على الرعية له ، وقد دَلَّ على ذلك الكتاب والسنة :
فمن الكتاب :
قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } (1) .
فلما أمر الله تعالى الرعاة والولاة بأداء الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل في الآية السابقة لها : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ } أمر الرعية من الجيوش وغيرهم بطاعة أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك ، إلا أن يأمروا بمعصية الله ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) (2) . وأولو الأمر في هذه الآية هم كما قال الشوكاني : ( الأئمة والسلاطين والقضاة وكل من كانت له ولاية شرعية لا ولاية طاغوتية ، والمراد طاعتهم فيما يأمرون به وينهون عنه ما لم تكن معصية ) (3) .
وقال ابن حجر : ( قال ابن عيينة : سألت زيد بن أسلم عنها - أي عن أولي الأمر في هذه الآية - ولم يكن بالمدينة أحد يفسر القرآن بعد محمد بن كعب مثله - فقال : اقرأ ما قبلها تعرف ، فقرأت : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمواْ بِالْعَدْل } الآية . فقال : هذه في الولاة ) (4) .
__________
(1) سورة النساء آية 59 .
(2) محاسن التأويل للقاسمي (5/353) .
(3) فتح القدير للشوكاني (1/481) .
(4) فتح الباري (13/111) .(1/349)
وتشمل أيضًا العلماء كما رواه الطبري بإسناده عن ابن عباس وابن أبي نجيح والحسن ومجاهد وعطاء وغيرهم (1) .
فالصواب إذًا شمولها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وأولو الأمر أصحابه وذووه ، وهم الذين يأمرون الناس ، وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكلام ، فلهذا كان أولو الأمر صنفين : العلماء ، والأمراء . فإذا صلحوا صلح الناس وإذا فسدوا فسد الناس ) (2) .
ثانيًا : من السنة :
أما من السنة فالأحاديث كثيرة في وجوب السمع والطاعة للأئمة في غير معصية نأخذ منها ما يلي :
(1) ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني » (3) .
(2) ومنها ما رواه البخاري بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله » . وفي رواية إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي
ذر : « اسمع وأطع ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة » (4) .
(
__________
(1) تفسير الطبري (7/500) تحقيق آل شاكر .
(2) الحسبة لابن تيمية (ص118) .
(3) متفق عليه . وسبق تخريجه في فصل التعريف (ص30) .
(4) البخاري كتاب الأحكام . باب : 4 ، السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية ، فتح الباري (13/121) ونحوه عند مسلم عن أم الحصين الأحمسية في : الإمارة . باب : وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ، ح1838 (3/1468) ، والنسائي (7/154) في : البيعة . باب : الترغيب في طاعة الإمام .(1/350)
3) ومنها ما رواه البخاري ومسلم والترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها » قالوا : يا رسول الله ! كيف تأمر من أدرك ذلك منا ؟ قال : « تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم » (1) .
(4) ومنها ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عبادة الصامت رضي الله عنه قال : ( بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ، وعلى أثرة علينا ، وعلى ألا ننازع الأمر أهله ، وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ) . وفي رواية لمسلم : « إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان » (2) .
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الموجبة لطاعة الأئمة في غير معصية وإن جاروا ، روى أبو عبيد القاسم بن سلام بسنده إلى مصعب
__________
(1) البخاري في : الفتن . باب : 2 ، قوله عليه السلام : « سترون بعدي أثرة وأمورًا تنكرونها » ، فتح الباري (13/5) ، ومسلم في : الإمارة . باب : وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء ، ح1843 (3/1472) ، والترمذي في : الفتن . رقم (2195) . باب : ما جاء في الأثرة ، (4/482) .
(2) متفق عليه . رواه البخاري في ك : الفتن . ب : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « سترون بعدي أمورًا تنكرونها » ، فتح الباري (13/5) ، ومسلم في ك : الإمارة . ب : وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ، ح1709 (3/1470) .(1/351)
ابن سعد قال : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه كلمات أصاب فيهن الحق ، قال : ( يحق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ، وأن يؤدي الأمانة ، فإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا ويجيبوه إذا دعا ) (1) .
طاعة الإمام ليست مطلقة
حينما أوجب الله عز وجل على الرعية أن تطيع ولاة الأمور المسلمين لم يجعل هذه الطاعة مطلقة من كل قيد ، وذلك لأن الحاكم والمحكوم كلهم عبيد لله عز وجل ، واجب عليهم طاعته وامتثال أوامره ، لأنه هو الحاكم وحده ، فإذا قصرت الرعية في حق من حقوق الله تعالى فعلى الحاكم تقويمها بالترغيب والترهيب حتى تستقيم على الطريق ، وكذلك الحاكم إذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة له ، وإنما على الأمة نصحه وإرشاده ، والسعي بكل وسيلة إلى إرجاعه إلى الحق شريطة ألا يكون هناك مفسدة أعظم من مصلحة تقويمه ، وإلا فعلى الرعية الصبر حتى يقضي الله فيه بأمره ويريحهم منه .
يقول الأستاذ المودودي رحمه الله في شأن تقييد سلطة الحاكم والفرد في الحكم الإسلامي : ( لقد أقيم بين الفرد والدولة في هذا النظام توازن لا هو يجعل الدولة سلطانًا مطلق اليد ، فتصبح السيد صاحب السطوة والسلطة والهيمنة على كل شيء فتجعل من الإنسان عبدًا مملوكًا لها لا حول له ولا
__________
(1) الأموال (ص 12) ، ورواه الطبراني في تفسيره (8/490) تحقيق شاكر ، والخلال في المسند من مسائل الإمام أحمد ورقة (5) ، ورواه زيد بن علي في : مجموع الفقه الكبير . انظر : تتمة الروض النضير (5/15) . وقال الشارح : أخرجه الفريابي ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن زنجويه في الأموال ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم . انظر : تتمة الروض النضير (5/16) .(1/352)
طول ، ولا هو يعطي الفرد حرية مطلقة ويترك له الحبل على الغارب ، فيصبح عدوًا لنفسه ولمصلحة الجماعة ، وإنما أعطى الأفراد حقوقهم الأساسية ، وألزم الحكومة بإتباع القانون الأعلى والتزام الشورى ، وهيأ الفرص التامة لتربية وتنشئة الشخصية الفردية وحفظها من تدخل السلطة دون وجه من ناحية ، ثم من جانب آخر ربط الفرد بضوابط الأخلاق وفرض عليه طاعة الحكومة التي تسير وفق قانون الله وشرعته ، والتعاون معها في الخير والمعروف ومنعه من إيقاع الخلل في نظامها وبث الفوضى في أرجائها والتقاعس عن التضحية بالروح والمال والنفس في سبيل حمايتها والحفاظ عليه ) (1) .
أدلة تقييد سلطة الحاكم :
والأدلة على تقييد سلطة الحاكم وأنه لا طاعة له في معصية كثيرة جدًا نأخذ منها بعض النماذج :
أولاً : من كتاب الله :
(1) يقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } (2) .
قال الحافظ ابن حجر : قال الطيبي : ( أعاد الفعل في قوله : { وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ } إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة ، ولم يعده في أولي الأمر إشارة
إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته ، ثم بين ذلك في قوله : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ } كأنه قيل : فإن لم يعملوا بالحق فلا تطيعوهم وردوا ما تخالفتم فيه إلى حكم الله ورسوله ) (3) .
__________
(1) الخلافة والملك للمودودي (ص35 ، 36) تعريب : أحمد إدريس .
(2) سورة النساء الآية :59 .
(3) فتح الباري (13/112) .(1/353)
وعن أبي حازم سلمة بن دينار أن مسلمة بن عبد الملك قال : ( ألَسْتُم أمرتم بطاعتنا في قوله : { وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } ؟ قال : أليست قد نزعت عنكم إذا خالفتم الحق بقوله { فردوه إلى الله والرسول ... } (1) .
فالشاهد من الآية أن الإمام المطاع يجب أن يكون من المسلمين كما سبق بيانه عند ذكر الشروط ، وأنه إذا وقع خلاف بينه وبين رعيته فالحكم في ذلك هو كتاب الله وسنة رسوله لا هواه وبطشه ، فدل ذلك على تقييد سلطته بإتباع الكتاب والسنة .
قال الشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( إنهم - أي أهل السنة والجماعة - لا يجوزون طاعة الإمام في كل ما يأمر به ، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة ، فلا يجوزون طاعته في معصية الله وإن كان إمامًا عادلاً ، فإذا أمرهم بطاعة الله أطاعوه ، مثل أن يأمرهم بإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والصدق ، والعدل ، والحج ، والجهاد في سبيل الله . فهم في الحقيقة إنما أطاعوا الله ، والكافر والفاسق إذا أمر بما هو طاعة لله لم تحرم طاعة الله ، ولا يسقط وجوبها لأمر ذلك الفاسق بها ، كما أنه إذا تكلم بحق لم يجز تكذيبه ولا يسقط وجوب إتباع الحق لكونه قد قاله فاسق ) (2) .
قال فأهل السنة : لا يطيعون ولاة الأمور مطلقًا إنهم يطيعونهم في ضمن إطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى : { أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ... } الآية (3) ، (4) .
(
__________
(1) الكشاف للزمخشري (1/535) والقصة ذكرها الحافظ ابن حجر بدون ذكر الأسماء في الفتح (13/111) . وذكرها أيضًا صاحب بدائع السلك (1/78) .
(2) منهاج السنة (2/76) .
(3) سورة النساء آية 59 .
(4) منهاج السنة (2/76) .(1/354)
2) ومنها قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (1) .
والشاهد من الآية قوله تعالى : { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } روى ابن جرير بسنده عن ابن زيد في قوله : { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبيّه وخيرته من خلقه ، ثم لم يستحلّ له أمر إلا بشرط ، لم يقل { لا يَعْصِينَكَ } ويترك . حتى قال : { فِي مَعْرُوفٍ } فكيف ينبغي لأحد أن يطاع في غير معروف وقد اشترط الله هذا على نبيه ) (2) .
وقال الزمخشري مفسرًا سبب تقييد طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمعروف مع أنه لا يأمر إلا بالمعروف : ( نبه بذلك على أن طاعة المخلوق في معصية الخالق جديرة بالتوقي والاجتناب ) (3) .
وقال الكيا الهراسي : ( يؤخذ من قوله : { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } أنه لا طاعة لأحد في غير معروف ) ... قال : وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن إلا بمعروف وإنما شرطه في الطاعة لئلا يترخص أحد في طاعة السلاطين ) (4) .
__________
(1) سورة الممتحنة آية 12 .
(2) تفسير الطبري (28/80) . ونحوه في تفسير ابن كثير (8/127) .
(3) الكشاف (4/95) . ونحوه في فتح القدير (5/216) .
(4) نقلاً عن : محاسن التأويل (16/137) .(1/355)
فيؤخذ من هذا أن طاعة المخلوقين جميعهم : حاكمهم ومحكوميهم مقيدة بأن تكون بالمعروف ، والمعروف هو ما عرف من الشارع والعقل السليم حسنه أمرًا كان أو نهيًا ، والحكم في ذلك هم العلماء الذين يستنبطون الحكم من الكتاب والسنة كما قال تعالى : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ } (1) . إذا لم يكن الإمام عالمًا - مع أنه من شروطه - وكما شملت الآية السابقة { أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } العلماء أيضًا ، ولأننا أمرنا عند التنازع بالتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله وهذا ما يحمله علماء الشرع ويتعلمونه ويعلمونه . لذلك كله تكون طاعة الحكام تبعًا لطاعة العلماء وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله : ( والتحقيق أن الأمراء إنما يطاعون [ إذا ] (2) أَمروا بمقتضى العلم ، فطاعتهم تبع لطاعة العلماء ، فإن الطاعة إنما تكون في المعروف وما أوجبه العلم ، فكما أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول ، فطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء ، ولما كان قيام الإسلام بطائفتي العلماء والأمراء ، وكان الناس كلهم تبعًا لهم ، كان صلاح العالم بصلاح هاتين الطائفتين ، وفساده بفسادهما كما قال عبد الله بن المبارك وغيره من السلف : ( صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس ، وإذا فسدا فسد الناس ، قيل من هم ؟ قال : الملوك والعلماء ) (3) وكما قال عبد الله بن المبارك :
رأيت الذنوب تميت القلوب ... ويورث الذُّلَّ إدمانُها
وترك الذنوب حياة القلوب ... وخير لنفسك عصيانها
وهل بَدَّل الدين إلا الملوك ... وأحبار سوء ورهبانها
وباعوا النفوس فلم يربحوا ... ولم تغل في البيع أثمانها
__________
(1) سورة النساء آية 83 .
(2) في الأصل ( إذ ) .
(3) إعلام الموقعين (1/10) .(1/356)
لقد رتع القوم في جيفة ... يبين لذي العقل إنتانها (1)
ثانيًا : من السنة :
أما الأدلة على تقييد سلطة الإمام من السنة فكثيرة جدًا نأخذ منها ما يلي :
(1) ما رواه الخمسة وأحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « على المرء السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة » (2) .
قال ابن القيم رحمه الله تعليقًا على هذا الحديث : ( وفي هذا الحديث دليل على أن من أطاع ولاة الأمر في معصية الله كان عاصيًا ، وأن ذلك لا يمهد له عذرًا عند الله ، بل إثم المعصية لا حق به ، وإن كان لولا الأمر لم يرتكبها ، وعلى هذا يدل هذا الحديث وهذا وجهه وبالله التوفيق ) (3) .
(
__________
(1) ذكرها ابن عبد البر بسنده إلى ابن المبارك في كتاب جامع بيان العلم وفضله (ص 165 ، 166) ط . 1398 هـ . ن . دار الباز للنشر والتوزيع بمكة .
(2) رواه البخاري في : الأحكام . ب : السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية ، فتح الباري (13/122) ، ومسلم في : الإمارة . ب : وجوب طاعة الإمام في غير معصية ، ح1839 (3/1469) ، والترمذي في : الجهاد .ب : ما جاء لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ح1707 (4/209) ، وأبو داود في : الجهاد . ب : الطاعة ، عون المعبود (7/290) ، والنسائي في : البيعة ، (7/160) ، وأحمد في المسند ح4668 (6/111) تحقيق أحمد شاكر .
(3) انظر : شرح ابن القيم لسنن أبي داود المطبوع مع عون المعبود (7/290) .(1/357)
2) ومنها ما رواه البخاري - واللفظ له - ومسلم وغيرهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سريّة ، وأمَّر عليها رجلاً من الأنصار ، وأمرهم أن يطيعوه ، فغضب عليهم وقال : أليس قد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تطيعوني ؟ قالوا : بلى ، قال : عزمت عليكم لما جمعتم حطبًا وأوقدتم نارًا ثم دخلتم فيها ، فجمعوا حطبًا وأوقدوا نارًا ، فلما هموا بالدخول فقام ينظر بعضهم إلى بعض ، فقال بعضهم : إنما تبعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فرارًا من النار أفندخلها ؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النار ، وسكن غضبه ، فذُكِرَ للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : « لو دخلوها ما خرجوا منها ، إنما الطاعة في المعروف » (1) .
ورويت هذه القصة أيضًا وجاء فيها أن أميرها كان عبد الله بن حذافة السهمي وكان امرءًا فيه دعابة ، ولم يكن من الأنصار بل كان مهاجريًا .
فهذا قد أمرهم بدخول نار الدنيا ، وقد أوجب الرسول - صلى الله عليه وسلم - عصيانه ، فما بالك بالذين يأمرون بدخول نار الآخرة بارتكاب المعاصي ! فكيف تكون طاعتهم ؟ .
(3) ومنها ما رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه
__________
(1) متفق عليه . رواه البخاري في ك : الأحكام . ب : السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية ، فتح الباري (13/122) ، ومسلم في الإمارة . ب : وجوب طاعة الإمام في غير معصية ، ح1840 (3/1469) ، ومسند أحمد رقم (622) (2/47) تحقيق أحمد شاكر ، وأبو داود في : الجهاد . ب : الطاعة ، عون المعبود (7/289) .(1/358)
زبيبة ، ما أقام فيكم كتاب الله » (1) .
فهذا الحديث قيد الطاعة للإمام الذي يقود بكتاب الله وبناء على ذلك فلا تجوز طاعة حاكم يحكم بغير ما أنزل الله في حكمه هذا ، سواء كان هذا الحكم مخرجًا له من الملة أولاً - كما سبق بيانه - لأنه في كلتا الحالتين عاص لا يأمر بالمعروف ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
(4) ومنها ما رواه الإمام أحمد بسنده إلى عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إنه سيلي أمركم من بعدي رجال يطفؤون السنة ويحدثون البدعة ، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها » ، قال ابن مسعود : كيف بي إذا أدركتهم ؟ قال : « ليس - يا ابن أم عبد - طاعة لمن عصى الله » . قالها ثلاث مرات (2) .
ونحو ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : « سيليكم أمراء بعدي ، يعرفونكم ما تنكرون ، وينكرون عليكم ما تعرفون ، فمن أدرك ذلك منكم فلا طاعة لمن عصى الله (3) .
(
__________
(1) متفق عليه رواه البخاري في ك : الأحكام . ب : السمع والطاعة للإمام ما لم يأمر بمعصية ، فتح الباري (13/111) ، ومسلم عن أم الحصين في ك : الإمارة . ب : وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ، ح1838 (3/1468) .
(2) مسند أحمد ح3790 ، تحقيق أحمد شاكر وقال : إسناده صحيح (5/301) ورواه ابن ماجة ، والطبراني قال الألباني : إسناده جيد على شرط مسلم . سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/139) .
(3) رواه أحمد (1/399) ، والحاكم وصححه (3/356) ، وصححه الألباني . سلسلة الأحاديث الصحيحة ح590 (2/138) .(1/359)
5) بل إن الطاعة المطلقة من كل قيد تجرُّ إلى الشرك بالله وعبادة الرجال بعضهم لبعض كما قال عز وجل : { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } (1) .
وفي حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه ، وكان قد قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نصراني فسمعه يقرأ هذه الآية ، قال : فقلت له : إنا لسنا نعبدهم قال : « أليس يحرمون ما أحلَّ الله فتحرمونه ، ويُحلُّون ما حرَّم الله فيحِلُّونه ؟ » قال : فقلت : بلى ، قال : « فتلك عبادتهم » (2) . قال ابن تيمية : وكذلك قال أبو البختري (3) : ( أَمَا إنهم يُصَلُّوا ، ولو أمروهم أن يعبدوهم من دون الله ما أطاعوهم ، ولكن أمروهم فجعلوا حلال الله حرامه ، وحرامه حلاله ، فأطاعوهم ، فكانت تلك الربوبية ) (4) .
وقال الربيع بن أنس : قلت لأبي العالية : كيف كانت تلك الربوبية في بني إسرائيل ؟ قال : كانت الربوبية أنهم وجدوا في كتاب الله ما أمروا به ونهوا عنه ، فقالوا : لن نسبق أحبارنا بشيء ، فما أمرونا به ائتمرنا وما نهونا عنه انتهينا لقولهم ، فاستنصحوا الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، فقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عبادتهم إنما كانت في تحليل الحرام وتحريم الحلال ، لا أنهم صَلُّوا لهم وصاموا لهم ودعوهم من دون الله ، فهذه عبادة للرجال وتلك عبادة للأموال ) (5) يقصد حديث : « تعس
__________
(1) سورة التوبة آية 31 .
(2) رواه أحمد ، والترمذي وغيرهما . وحسنه ابن تيمية والألباني . وسبق تخريجه في المقاصد (ص 98) .
(3) ورد في بعض أسانيد الطبري عن أبي البختري عن حذيفة التفسير (10/114) .
(4) الإيمان لابن تيمية (ص 64) .
(5) الإيمان لابن تيمية (ص 64) .(1/360)
عبد الدينار » . وروى الطبري بسنده إلى ابن جريج عند قوله تعالى : { وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ ... } الآية (1) . قال : ( لا يطع بعضنا بعضًا في معصية الله ) (2) .
لذلك فمن أطاع العلماء والأمراء فيما فيه معصية لله فقد اتخذهم أربابًا من دون الله عز وجل ، وهذا شرك وعبادة لهم من دون الله ، وأي ذنب أكبر من أن يتخذ الإنسان الآخر ربًا مُشَرِّعًا يطيعه في معصية الله ، ويحرم عليه ما أحلّ الله له .
والطاعة في المعصية طاعة للطاغوت ، وقد أُمِرنا بالكفر به ، قال ابن تيمية : ( والمطاع في معصية الله والمطاع في إتباع غير الهدى ودين الحق سواء كان مقبولاً خبره المخالف لكتاب الله أو مطاعًا أمره المخالف لأمر الله هو طاغوت ) (3) .
من كل ما سبق يتبين أن طاعة الأئمة مقيدة بما ليس فيه معصية لله ورسوله ، أما ما كان كذلك فلا طاعة لهم فيه كما نصت الأدلة . ويتبين لنا كذلك أن الطاعة للأئمة التي أمرنا الله بها وأوجبها على الرعية إنما هي طاعة مبصرة لا طاعة عمياء كما تنص عليها المصطلحات العسكرية في النظم الوضعية ، وكما تنص عليها بعض الطرق الصوفية من إيجاب الطاعة العمياء على الشخص أمام مريده ، أما الإسلام فلا « إنما الطاعة في المعروف » كما مرّ معنا في قصة أصحاب السرية وأميرهم وتوجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم .
ولو أجيزت الطاعة في المعصية لكان هناك تناقض في الإسلام ، إذ لا يعقل أن يحرَّم الشارع شيئًا ثم يوجبه ) (4) .
__________
(1) سورة آل عمران آية 64 .
(2) تفسير الطبري (3/304) .
(3) مجموعة الفتاوى (28/201) .
(4) النظام السياسي في الإسلام د . عبد القادر أبو فارس (ص 73) .(1/361)
ويعلق الأستاذ أحمد شاكر على حديث : « السمع والطاعة على المرء فيما أحب وكره ... إلخ » بقوله : ( ... ثم قَيَّد هذا الواجب - واجب الطاعة - بقيد صحيح دقيق ، يجعل للمكلف الحق في تقديره ما كلف به ، فإن أمره من له الأمر عليه بمعصية فلا سمع ولا طاعة ، لا يجوز له أن يعصي الله بطاعة المخلوق ، فإن فعل كان عليه من الإثم ما كان على من أمره ، لا يعذر عند الله بأنه أتى هذه المعصية بأمر غيره ، فإنه مكلَّف مسئول عن عمله ، شأنه شأن آمره سواء .
ومن المفهوم بداهة أن المعصية التي يجب على المأمور ألا يطيع فيها الآمر هي المعصية الصريحة التي يدلّ الكتاب والسنة على تحريمها ، لا المعصية التي يتأوّل فيها المأمور ويتحايل حتى يوهم نفسه أنه إنما امتنع لأنه أمر بمعصية مغالطة لنفسه ولغيره ) (1) .
فهذا ردٌّ على الذين يرتكبون المعاصي بحجة أنهم قد أُمروا بها ، فيقولون الإثم على من أمرنا لا علينا ، والحق أن الإِثم على الآمر وعلى الفاعل ، وكل ما سبق من أحاديث وأقوال للعلماء ردٌّ على زعمهم ومخادعتهم أنفسهم .
__________
(1) انظر : حاشية المسند (6/301) لأحمد شاكر .(1/362)
هذا وقد خرجت طائفة من أهل الشام زمن الأمويين يرون الطاعة المطلقة للإمام ، وأن الله يتقبل حسناته ، ويتجاوز عن سيئاته ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه الطائفة : ( ... وأما غالية الشام أتباع بني أمية فكانوا يقولون : إن الله إذا استخلف خليفة تقبَّل منه الحسنات ، وتجاوز له عن السيئات ، وربما قالوا : إنه لا يحاسبه ، ولهذا سأل الوليد بن عبد الملك عن ذلك العلماء فقالوا : يا أمير المؤمنين أنت أكرم على الله أم داود ؟ وقد قال له : { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } (1) وكذلك سؤال سليمان بن عبد الملك عن ذلك لأبي حازم المدني في موعظته المشهورة فذكر له هذه الآية ) (2) ثم بيَّن رحمه الله تعالى غلطهم فقال : ( لكن غلط من غلط منهم من جهتين . من جهة : أنهم كانوا يطيعون الولاة طاعة مطلقة ، ويقولون : إن الله أمر بطاعتهم . الثانية : قول من قال منهم : إن الله إذا استخلف خليفة تقبَّل منه الحسنات وتجاوز له عن السيئات ) (3) .
طاعة الإمام الجائر
هذه الطاعة ليست مشروطة بكون الإِمام عادلاً ، بل حتى ولو كان فيه شيء من الجور والفسق على نفسه ، كأن يكون فيه تقصير في حق الله تعالى ، أو بعض حقوق الآدميين ، لأن العادل الخائف والمراقب لله عز وجل قَلَّ أن يأمر بمعصية وهو يعلم أنها معصية ، أما الذي قد يأمر بمعصية لله تعالى فهو
__________
(1) سورة ص آية 26 .
(2) منهاج السنة (1/232) .
(3) نفس المراجع (1/233) .(1/363)
الجائر والفاسق ، فهذا يطاع في طاعة الله ويعصى في معصية الله ، ما لم يصل به جوره وفسقه إلى الحد الذي يوجب عزله - وسيأتي بيان ذلك وأقوال العلماء وأدلتهم في فصل قادم إن شاء الله - والذي يدل على ذلك ما يلي :
(1) ما رواه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها » ، قالوا : يا رسول الله كيف تأمر من أدرك ذلك منا ؟ قال : « تؤدُّون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم » (1) .
(2) وعن سعيد بن حضير أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، استعملت فلانًا ولم تستعملني ، قال : « إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض » (2) .
(3) ومنها حديث سلمة بن يزيد أنه قال : يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ، ويمنعونا حقنا فما تأمرنا ؟ فأعرض عنه ، ثم سأله فأعرض عنه ... إلى أن قال : « اسمعوا وأطيعوا فإن عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم » (3) .
(
__________
(1) متفق عليه وسبق تخريجه (ص 244) من هذا الفصل .
(2) متفق عليه رواه البخاري في الفتن . ب : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « سترون بعدي أمورًا تنكرونها » . الفتح (13/5) ، ومسلم في الزكاة . ح1059 (2/733) ، والترمذي في : الفتن . ح2189 (4/482) ، والنسائي في : آداب القضاة . ب : 4 ، (8/224) .
(3) رواه مسلم في ك : الإمارة . ب : في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق ، ح1846 (3/1474) .(1/364)
4) ومنها ما رواه مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله : إنا كنا بِشَرّ فجاء الله بخير فنحن فيه ، فهل من وراء هذا الخير من شر ؟ قال : « نعم » ، قلت : وهل وراء هذا الشر خير ؟ قال : « نعم » ، قلت : فهل وراء هذا الخير شر ؟ قال : « نعم » ، قلت : كيف ؟ قال : « يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهدي ، ولا يستنون بسنتي ، وسيقوم فيكم رجال ، قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس » ، قال : قلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال : « تسمع وتطيع وإن ضُربَ ظهرك وأُخِذَ مالك فاسمع وأطع » (1) .
فهذه الأحاديث وما في معناها تَدُلّ في جملتها على أن الطاعة في المعروف واجبة على المسلم للإمام ، وإن منع بعض الحقوق واستأثر ببعض الأموال ، بل ولو تعدى ذلك إلى الضرر بالجسم كالضرب ، أو إلى أخذ المال ونحوه من الأمور الشخصية (2) ، فعلى المؤمن القيام بما أوجبه الله عليه من الطاعة في المعروف ، وأن يحتسب حقه عند الله عز وجل ، فعند الله تجتمع الخصوم ، وذلك سدًّا لفتح باب الفتن والاختلاف المذموم .
كما تدل على أن المؤمن ينبغي ألا يغضب ولا ينتقم إلا لله عز وجل ، لا لنفسه أسوة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيح : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله ) (3) فإذا قصرَّ الإمام في حقٍ
__________
(1) رواه مسلم في ك : الإمارة . ب : وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن ، (3/1476) .
(2) انظر : الشريعة للآجري (ص 40) .
(3) متفق عليه . رواه البخاري في ك : الأدب . ب : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - « يسروا ولا تعسروا » . فتح الباري (10/524) ، ومسلم في ك : الفضائل . ب : مباعدته - صلى الله عليه وسلم - للآثام ، ح2327 (4/1813) .(1/365)
من حقوق الدنيا لأحد الرعية فعليه أن يطيعه في طاعة الله ، ولا يعصيه بسبب منعه هذا الحق ، وإن كان يرتكب شيئًا من المعاصي في نفسه ، وعنده تقصير في أداء بعض الواجبات ، ففي هذه الحال على المؤمن نصحه وطاعته في طاعة الله ، أما إن تطرَّق الأمر إلى ما يمس الدين كأن يأمره بمعصية لله عز وجل فهنا لا سمع ولا طاعة ، بل يجب عليه العصيان وإن تَرتَّب على ذلك ما ترتَّب ، ورضى الله عن الصديق حيث يقول في خطبته المشهورة : ( أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ) (1) ، وكما في حديث عبادة بن الصامت الآنف الذكر وفيه : ( وأن نقول كلمة الحق ، ولا نخاف في الله لومة لائم ) في نفس مبايعتهم على السمع والطاعة في العسر واليسر ... إلخ . ولا شك أن من قام بالحق ودعا إليه فإن أمراء الجور سيتصدُّون له ، فعليه حينئذٍ أن يصبر ويثبت ويستمر ويحتسب ذلك عند الله تعالى ، قال تعالى : { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } (2) ولما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الجهاد أفضل ؟ قال : « كلمة حق عند سلطان جائر » (3) .
__________
(1) سيرة ابن هشام (4/661) .
(2) سورة لقمان آية 17.
(3) رواه أحمد (5/251) وابن ماجة في ك : الفتن . ب : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ح 4011 ، 4012 (2/1330) . قال في الزوائد : في إسناده : أبو غالب وهو : مختلف فيه ... وباقي رجال الإسناد ثقات ، ورواه الترمذي في الفتن . ب : أفضل الجهاد ، ح2174 (4/471) وقال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ، وروي عن طارق بن شهاب عند أحمد (/314) ، والنسائي (7/161) . قال الأرناؤوط : إسناده صحيح ، وصححه النووي والمدري انظر : تخريجه لشرح السنة (10/66) . والحديث حسنه البغوي شرح السنة (10/66) ..وصححه الألباني لطرقه وقد جمعها حفظه الله انظر : السلسلة الصحيحة ح491 (1/262) .(1/366)
وروى الحاكم عن عبد الرحمن بن بشير الأنصاري قال :
أتى رجل فنادى ابن مسعود فأكبَّ عليه ، فقال : يا أبا عبد الرحمن متى أضلُّ وأنا أعلم ؟ قال : إذا كانت عليك أمراء إذا أطعتهم أدخلوك النار ، وإذا عصيتهم قتلوك ) (1) فمثل هؤلاء مخالفتهم إذا أمروا بمعصية واجبة وإن حصل للإنسان أذى منهم .
ومع تقرير هذا يجب أن نُنَبِّه إلى أنه ليس متفقًا على وجوب الصبر على الأذى الشخصي عند السلف ، فقد خالف في ذلك ناس منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم ، عملاً بأدلة أخرى مثل :
1- قوله تعالى { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } (2) .
2- حديث « من قُتِلَ دون ماله فهو شهيد » (3) وما شابهها دون تفريق بين وقوع الظلم والبغي من حاكم أو غيره ، من ذلك ما روي أن معاوية أرسل إلى عامل له أن يأخذ الوهط - وهي أرض لعبد الله بن عمرو بالطائف ، فبلغ ذلك عبد الله بن عمرو فلبس سلاحه هو ومواليه وغلمته وقال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول « من قتل دون ماله مظلومًا فهو شهيد » (4) .
__________
(1) المستدرك (4/462) وقال الذهبي : صحيح .
(2) سورة الشورى آية 39 .
(3) متفق عليه . رواه البخاري في ك : المظالم والغصب . ب : من قاتل دون ماله فهو شهيد ، فتح الباري (5/123) ، ومسلم في ك : الإيمان . ح141 (1/124) ، وأبو داود في ك : السنة . ب : 29 ، والنسائي في تحريم الدم . ب : 22 ، والترمذي في : الديات . ب : 21 ، وأحمد في المسند (1/79) .
(4) أصل القصة في مسلم ك : الإيمان . ح141 (1/124) وعامل معاوية هو أخوه عنبسة بن أبي سفيان وانظر : زيادة بيان للقصة في فتح الباري (5/123) .(1/367)
لكن هذه الأدلة عامة وتلك أخص فتخصص العموم ، قال ابن المنذر : ( الذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع مما ذُكِر إذا أريد ظلمًا بغير تفصيل ، إلا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه ) (1) .
ومما تجدر الإشارة إليه أيضًا أن الإمام ابن احزم له موقف متشدد في هذه المسألة ، فهو يرى أن الصبر على الإمام إذا أخذ المال وضرب الظهر إنما هو إذا تَوَلَّى ذلك بحق ، وقال : ( أما إن كان ذلك بباطن فمعاذ الله أن يأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصبر على ذلك ) (2) وقد انتهى به الأمر إلى القول بأن هذه الأحاديث منسوخة وهذا بُعْدٌ منه رحمه الله .
وسيأتي زيادة بيان لهذه المسائل ولموقف أهل السنة من أئمة الجور عند مناقشة العزل إن شاء الله .
ثانيًا : النصرة والتقدير :
اتضح لنا عند ذكر واجبات الإمام عظم المسئولية الملقاة على عاتقه ، ومنها محاربته للفساد والمفسدين ، وهذه تجعله في خطر منهم ، لذلك فعلى الأمة أن تقوم بجانبه وتساعده على نوائب الحق ، ولا تُسْلِمُه لأعدائه المفسدين سواء كانوا داخل الدولة الإسلامية أو خارجها ، يدل على ذلك ما يلي :
(1) قول الله عز وجل : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ... } الآية (3) ولا شك أن معاضدة الإمام الحق ومناصرته من البر الذي يترتب عليه نصرة الإسلام والمسلمين .
(2) يدل على ذلك أيضًا ما رواه عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا رقبة الآخر ... » الحديث (4) .
__________
(1) فتح الباري (5/134) .
(2) الفصل في الملل والنحل (4/173) .
(3) المائدة آية 2 .
(4) رواه مسلم ، وأبو داود وغيرهما وسبق تخرجه (ص 204) .(1/368)
قال أبو يعلي : ( وإذا قام الإمام بحقوق الأمة وجب له عليهم حقان الطاعة والنصرة ما لم يوجد من جهته ما يخريج به عن الإمامة ) (1) .
وقال الأستاذ محمد أسد : ( إن على المسلمين أن يقفوا متحدين وراء الحكومة الشرعية يؤيدونها ويؤازرونها ويضحون من أجل هذه الوحدة بكل متعهم وملذاتهم وما يملكون من الدنيا وبحياتهم أيضًا ... ) (2) .
ولذلك شرع قتال أهل البغي إذا بدؤوا بقتال الإمام العادل بدون تأويل سائغ ، كما شرع حد الحرابة في قوله تعالى : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ... } الآية ( المائدة 33 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( إذا طلبهم - أي المحاربين - السلطان أو نوابه لإقامة الحد بلا عدوان فامتنعوا عليه ، فإنه يجب على المسلمين قتالهم باتفاق العلماء حتى يقدر عليهم كلهم (3) .
وللموضوع تفصيلات كثيرة مذكورة في كتب الفقه ليس هذا مقام تفصيلها . أما قتال أهل البغي فسيأتي له زيادة بيان إن شاء الله تعالى .
كما أن على المسلمين احترام الإمام العادل وتقديره والدعاء له وعدم إهانته حتى يكون له مهابة عند ضعاف النفوس ، فيرتدعون عما تمليه عليهم عواطفهم وشهواتهم يدل على ذلك ما يلي :
__________
(1) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص28) .
(2) منهاج الإسلام في الحكم (ص 132) .
(3) السياسة الشرعية (ص85) .(1/369)
1- ما روي عن زياد بن كسيب العدوي قال : كنت مع أبي بكرة - رضي الله عنه - تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق ، فقال أبو بلال : انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق ، فقال أبو بكرة : اسكت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله » (1) .
2- وعن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ، وإكرام ذي السلطان المقسط » (2) .
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : ( ما مشى قوم إلى سلطان الله في الأرض ليذلوه إلا أذلهم الله قبل أن يموتوا ) (3) .
وقال الفضيل بن عياض : ( لو أن لي دعوة مستجابة لجعلتها للإمام لأن به صلاح الرعية ، فإذا صلح أمنت العباد والبلاد ) (4) .
وقال سهل بن عبد الله رحمه الله : ( لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء ، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم ، وإن استخفوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخراهم ) (5) .
__________
(1) رواه الترمذي وقال : حسن غريب . ك : الفتن . ب : 47 ، (4/502) ، وروى الإمام أحمد نحوه عن أبي بكرة (5/42) ، ورواه الطيالسي (2/167) .
(2) رواه أبو داود في الأدب . ب : إنزال الناس منازلهم ، عون (13/192) . قال النووي : وهو حديث حسن . انظر : التبيان في آداب حملة القرآن (ص12) .
(3) شرح السنة للبغوي (10/54) تحقيق الأرناؤوط .
(4) البداية والنهاية (10/199) .
(5) تفسير القرطبي (5/260) .(1/370)
هذا بشرط أن يكون الإمام من أئمة العدل ، أما أئمة الجور والفسق فلا يعانون على فسقهم وظلمهم ، وقد قال مالك رحمه الله فيما رواه عنه ابن القاسم (1) أنه قال : ( إن كان الإمام مثل عمر بن عبد العزيز وجب على الناس الذب عنه والقتال معه ، وأما غيره فلا ، دعه وما يراد منه ينتقم الله من الظالم بظالم ، ثم ينتقم من كليهما ) (2) .
بل إذا رأى المسلم أنه لا فائدة من الدخول عليهم ومناصحتهم أو خاف على نفسه فتنتهم فعليه اعتزالهم ، وترك الدخول عليهم ، والحذر من موافقتهم على باطل ، يدل على ذلك ما يلي :
1- حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « سيكون بعدي أمراء ، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم ، وأعانهم على ظلمهم فليس مني ، ولست منه ، وليس بوارد عليَّ الحوض ، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ، ولم يصدقهم بكذبهم ، فهو مني وأنا منه ، وهو وارد عليَّ الحوض » (3) .
__________
(1) هو أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد ولد سنة 133 وتوفي 191 هـ . صحب مالكًا عشرين سنة ، وانتفع به أصحاب مالك بعد موته . وهو صاحب المدونة . قال عنه النسائي : لم يرو أحد الموطأ عن مالك أثبت من ابن القاسم . انظر : ترجمته في الجزء السادس من المدونة (ص470) . ن . دار صادر .
(2) شرح الخرشي على مختصر خليل (8/60) ن . دار صادر . بيروت . وأحكام القرآن لابن العربي (4/1721) .
(3) رواه الترمذي وقال : صحيح غريب . في : الفتن . باب : 72 ، (4/525) ، والنسائي ك : البيعة . ب : 35 ، (7/160) ، وابن حبان في صحيحه ، موارد الظمآن (ص 378) ، والطيالسي بدون ذكر الحوض (2/165) ، ورواه أحمد عن ابن عمر رقم (5702) . وقال أحمد شاكر : صحيح الإسناد (8/62) من المسند .(1/371)
قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله : ( ليت شعري من الذي يدخل إليهم اليوم (1) فلا يصدقهم على كذبهم ، ومن الذي يتكلم بالعدل إذا شهد مجالسهم ، ومن الذي ينصح ومن الذي ينتصح منهم ؟ إن أسلم لك يا أخي في هذا الزمان وأحوط لدينك أن تقل من مخالطتهم وغشيان أبوابهم ونسأل الله الغنى عنهم والتوفيق لهم ) (2) .
قلت : هذا في القرن الرابع الهجري فما بالك بالخامس عشر !!!
2- ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « من بدا جفا ، ومن اتبع الصيد غفل ، ومن أتي أبواب السلطان افتتن ، وما ازداد عبد من السلطان قربًا إلا ازداد من الله بعدًا » (3) .
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « ... وإن أبغض القراء إلى الله الذي يزورون الأمراء » (4) .
__________
(1) ولد الخطابي رحمه الله سنة 317 هـ وتوفي سنة 388هـ .
(2) العزلة للخطابي (ص92) .
(3) المسند (2/371) ورواه أيضًا من طريق أخرى عن أبي هريرة نفسه (2/440) لكن في إسناده رجل لم يسم ، ورواه أيضًا عن ابن عباس (1/357) ، وعزاه السيوطي إلى الطبراني في الكبير عن ابن عباس . انظر : صحيح الجامع الصغير (5/264) رقم الحديث (6000) . والحديث حسنه الألباني وذكره في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (1272) (3/267) ، وعزاه أيضًا إلى ابن عدي . والحديث رواه أيضًا الترمذي عن ابن عباس بدون زيادة ( وما ازداد عبد ... ) في : الفتن . باب : 69 ، رقم الحديث (2256) (4/523) وقال : حسن صحيح غريب من حديث ابن عباس لا نعرفه إلا من حديث الثوري . ورواه أبو داود في الأضاحي باب : 24، والنسائي في : الصيد . ب : 24. أيضًا .
(4) رواه ابن ماجة في المقدمة . ب : 23 ، ح256 (1/94) .(1/372)
4- وروي عن حذيفة رضي الله عنه قال : ( إياكم ومواطن الفتن ، قيل : وما هي ؟ قال : أبواب الأمراء يدخل أحدكم على الأمير ، فيصدقه بالكذب ويقول ما ليس فيه ) (1) .
وقال خالد بن زيد : سمعت محمد بن علي - الباقر - يقول : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( إذا رأيتم القارئ يحب الأغنياء فهو صاحب دنيا وإذا رأيتموه يلزم السلطان فهو لص ) (2) .
وقال أبو ذر لسلمة : ( يا سلمة لا تغش أبواب السلاطين ، فإنك لا تصيب من دنياهم شيئًا إلا أصابوا من دينك أفضل منه ) (3) .
وقال سعيد بن المسيب : ( لا تملئوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بالإنكار بقلوبكم لكي لا تحبط أعمالكم الصالحة ) (4) .
وروى الإمام أحمد عن معمر بن سليمان الرقي عن فرات بن سليمان عن ميمون بن مهران قال : ( ثلاث لا تبلون نفسك بهن ، لا تدخل على سلطان وإن قلت آمره بطاعة الله ، ولا تدخل على امرأة وإن قلت أعلمها كتاب الله ، ولا تصغين بسمعك إلى ذي هوى فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك من هواه ) (5) .
والمراد من كل ما سبق هم سلاطين الجور والظلم ، والنهي عن مخالطتهم وإتيانهم بقصد التقرب إليهم وحصول شيء من دنياهم .
وإعانتهم على ظلمهم قد تكون بمجالستهم ومؤازرتهم ، وقد تكون بتبرير أخطائهم ، بل قد تكون بالسكوت عنهم وعدم إنكار المنكر عليهم ، وتكون بالدعاء لهم كما قيل : ( من دعا لظالم بالبقاء ، فقد أحب أن يعصى الله في أرضه ) (6) .
__________
(1) حلية الأولياء (1/277) .
(2) البداية والنهاية (9/310) .
(3) إحياء علوم الدين (2/142) .
(4) البداية والنهاية (9/100) .
(5) البداية والنهاية (9/315) .
(6) رفعه الغزالي في الإحياء (2/87) ولا يصح ، قال العراقي : لم أجده مرفوعًا ، وإنما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت من قول الحسن . انظر : حاشية الإحياء نفس الصفحة .(1/373)
قال ابن تيمية : ( وقد قال غير واحد من السلف : أعوان الظلمة من أعانهم ولو أنه لاق لهم دواة أو برى لهم قلمًا . ومنهم من كان يقول : بل من يغسل ثيابهم من أعوانهم ، وأعوانهم هم أزواجهم المذكورون في الآية ) (1) .
يقصد قوله تعالى : { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ... } الآية (2) .
أما الدخول عليهم على سبيل النصح لهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر فهذا باب آخر كما سيأتي في النصح لهم ، كما أن خلفاء المسلمين العدول تجب مناصحتهم ومؤازرتهم ومشاركتهم في الرأي ، وقد كان القراء هم أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته (3) .
وقد عقد الغزالي في إحياء علوم الدين بابًا فيما يحل من مخالطة السلاطين الظلمة وما يحرم ، وحكم غشيان مجالسهم والدخول عليهم
والإكرام لهم . فقال : ( اعلم أن لك مع الأمراء والعمال الظلمة ثلاثة أحوال ( الحالة الأولى ) وهي : شرها أن تدخل عليهم . ( والثانية ) وهي : دونها أن يدخلوا عليك . ( والثالثة ) وهي : الأسلم أن تعتزل عنهم فلا تراهم ولا يرونك ... ) (4) .
قال : ( ولا يجوز الدخول إلا بعذرين :
أحدهما : أن يكون من جهتهم أمر إلزام لا أمر إكرام ، وعلم أنه لو امتنع أوذي أو ( فسد ) (5) عليهم طاعة الرعية واضطرب عليهم أمر السياسة ، فيجب عليه الإجابة لا طاعة لهم بل مراعاة لمصلحة الخلق حتى لا تضطرب الولاية .
والثاني : أن يدخل عليهم في دفع ظلم عن مسلم سواه أو عن نفسه ، إما بطريق الحسبة ، أو بطريق التظلم فذلك رخصة بشرط ألا يكذب ولا يثني ولا يدع نصيحة يتوقع لها قبولاً ، فهذا حكم الدخول ) (6) .
__________
(1) كتاب الإيمان لابن تيمية (ص 61) .
(2) سورة الصافات آية 22 .
(3) رواه البخاري في ك : الاعتصام . ب : 2 . انظر : فتح الباري (13/250) .
(4) إحياء علوم الدين (2/142) .
(5) كذا ولعلها ( فسدت ) .
(6) إحياء علوم الدين (2/145) .(1/374)
قلت : ويضاف إلى ما سبق أمر آخر وهو :
الثالث : الدخول عليهم بقصد مناصحتهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، كما دل عليه الحديث : « أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر » (1) . وغيره وسيأتي قريبًا زيادة بيان لهذه النقطة إن شاء الله .
وقد كان من شدة ورع بعض السلف رضوان الله عليهم أن نهوا عن الدخول عليهم ولو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وسبق ذكر بعض الآثار الدالة على ذلك - يقول الحافظ بن رجب الحنبلي رحمه الله : ( وقد كان كثير من السلف ينهونه عن الدخول على الملوك لمن أراد أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر أيضًا . وممن نهى عن ذلك عمر بن عبد العزيز ، وابن المبارك ،
والثوري وغيرهم من الأئمة . وقال ابن المبارك : ليس الآمر الناهي من اعتزلهم ، وسبب هذا ما يخشى من فتنة الدخول عليهم فإن النفس قد تخيل للإنسان إذا كان بعيدًا عنهم أنه يأمرهم وينهاهم ويغلظ عليهم ، فإذا شاهدهم قريبًا مالت النفس إليهم ، لأن محبة الشرف كامنة في النفس له ولذلك يداهنهم ويلاطفهم وربما مال إليهم وأحبهم ولا سيما إن لا طفوه وأكرموه وقبل ذلك منهم ) (2) .
__________
(1) سبق تخريجه (ص356) .
(2) من رسالة شرح حديث : ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم ... إلخ لابن رجب (ص 13) ضمن مجموعة الرسائل المنيرية المجلد الثاني : الجزء الثالث . الرسالة الأولى .(1/375)
قال : ( وقد جرى ذلك لعبد الله بن طاوس مع بعض الأمراء بحضرة أبيه طاوس فوبَّخَهُ على فعله ذلك ، وكتب سفيان الثوري إلى عبَّاد بن عبَّاد وكان في كتابه : ( إياك والأمراء أن تدنو منهم أو تخالطهم في شيء من الأشياء ، وإياك أن تخدع ويقال لك : لتشفع وتدرأ عن مظلوم أو ترد مظلمة ، فإن ذلك خديعة إبليس ، وإنما اتخذها فجار القراء سلمًا ، وما كفيت عن المسألة والفتيا فاغتنم ذلك ولا تنافسهم ، وإياك أن تكون ممن يحب أن يعمل بقوله ، أو ينشر قوله أو يسمع قوله ، فإذا ترك ذلك منه عرف فيه ، وإياك وحب الرياسة ، فإن الرجل يكون حب الرياسة أحب إليه من الذهب والفضة ، وهو : باب غامض لا يبصره إلا البصير من العلماء السماسرة فتفقد بقلب واعمل بنية ، واعلم أنه قد دنا من الناس أمر يشتهي الرجل أن يموت والسلام ) (1) .
ثالثا : المناصحة :
سبق أن قلنا إن الإمام بَشَرٌ ، يعتريه ما يعتري البشر من الضعف والخطأ والنسيان ، ولذلك شرعت النصيحة له لتذكيره وتبيين ما قد يخفى
عليه من الأمور ، وهذه من حقوقه على الرعية ، فعلى الرعية القيام بأدائها إليه سواء طلبها أم لا ، والأدلة على هذا كثيرة منها :
(1) ما رواه مسلم في صحيحه عن تميم الداري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « الدين النصيحة ». وفي رواية - قالها ثلاثًا - قلنا : لمن ؟ قال : « لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم » (2) .
__________
(1) المرجع السابق (ص13) .
(2) رواه مسلم في ك : الإيمان . ب : بيان أن الدين النصيحة ، ح95 (1/74) ، ورواه البخاري تعليقًا . ووصله ابن حجر في الفتح (1/137) ، ورواه الترمذي في : البر . ب : 17 (4/324) ، والنسائي في : البيعة . ب : 31 ، والدارمي في : الرقائق 41 ، وأحمد في المسند (1/351) .(1/376)
وهذا من الأحاديث العظيمة ومن جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - ، قال النووي : ( وأما ما قاله جماعة من العلماء أنه أحد أرباع الإسلام أي : أحد الأحاديث الأربعة التي تجمع أمور الإسلام فليس كما قالوا بل المدار على هذا وحده ) (1) .
ومعنى النصيحة لله كما نقله النووي عن الخطابي وغيره من العلماء : ( أن معناها منصرف إلى الإيمان به ، ونفي الشريك عنه ، وترك الإلحاد في صفاته ، ووصفه بصفات الكمال ، والجلال كلها ، وتنزيهه سبحانه وتعالى من جمع النقائص ، والقيام بطاعته ، واجتناب معصيته ، والحب فيه والبغض فيه ...
وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى : فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق ، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق ، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها .
وأما النصيحة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فتصديقه على الرسالة ، والإيمان بجميع ما جاء به ، وطاعته في أمره ونهيه ، ونصرته حيًا وميتًا ، ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه ، وإعظام حقه وتوقيره ، وإحياء سنته وبث دعوته ونشر شريعته ...
وأما النصيحة لأئمة المسلمين : فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه ، وأمرهم به وتذكريهم برفق ولطف ، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين ، وترك الخروج عليهم ، وتألف قلوب الناس لطاعتهم .
وأما النصيحة لعامة المسلمين وهم من عدا ولاة الأمر : فبإرشادهم إلى مصالحهم في آخرتهم ودنياهم ... وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ) (2) .
والنصيحة كما قال الخطابي : ( كلمة جامعة معناها : حيازة الحظ للمنصوح له ، قال : ويقال هو : من وجيز الأسماء ، ومختصر الكلام ، وليس في كلام العرب كلمة مفردة يستوفي بها العبارة عن هذه الكلمة ) (3) .
__________
(1) شرح صحيح مسلم للنووي (1/37) .
(2) شرح النووي لصحيح مسلم (1/38 ، 39 ) مختصرًا .
(3) المصدر السابق (1/37) .(1/377)
وقال أبو عمرو بن الصلاح : ( النصيحة : كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلاً ) (1) .
(2) ومنها ما رواه جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخيف من منى فقال : « نضر الله امرءًا سمع مقالتي فبلغها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن : إخلاص العمل لله ، والنصيحة لولاة المسلمين ، ولزوم جماعتهم ، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم » (2) .
مما سبق نستنتج أن النصيحة أصل عظيم من أصول الإسلام ولذلك عدها ابن بطة من أصول السنة عند السلف رضوان الله عليهم (3) .
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما يبايع أحدًا ، يشترط عليه النصح لكل مسلم . قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه : ( بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - على النصح لكل مسلم ) (4) .
__________
(1) جامع العلوم والحكم (ص76) .
(2) رواه ابن ماجة حديث رقم (3056) كتاب : المناسك . باب : الخطبة يوم النحر (2/1015) . قال في الزوائد : هذا إسناد فيه : محمد بن إسحاق وهو : مدلس وقد رواه بالعنعنة والمتن على حاله صحيح . قلت : ورواه أحمد من طريق ابن إسحاق نفسه أيضًا (4/80) وابن إسحاق مختلف فيه فمنهم من يصحح حديثه ومنهم من يحسنه ، وقد رواه ابن ماجة من طريق أخرى ليس فيها ابن إسحاق حديث رقم (230) في : المقدمة . باب 18 (1/84) ، ورواه عبد الله بن الإمام أحمد في المسند عن أنس (3/225) وأيضًا عن يزيد بن ثابت (5/183) .
(3) انظر : الشرح والإبانة عن أصول السنة والديانة (ص 179) رسالة ماجستير مقدمة من الطالب رضا معطي نعسان بجامعة أم القرى .
(4) رواه مسلم كتاب : الإيمان . باب : بيان أن الدين النصيحة ، حديث رقم (98) (1/75) ، والنسائي في : البيعة (6) .(1/378)
وقد دأب الصحابة رضوان الله عليهم على أداء هذا الحق لأئمتهم ، فقد روى الإمام أحمد بسنده إلى محمد بن عبد الله أن عبد الله بن عمر لقي
ناسًا خرجوا من عند مروان فقال : من أين جاء هؤلاء ؟ قالوا : خرجنا من عند الأمير مروان ، قال : وكل حق رأيتموه تكلًّمتم به وأعنتم عليه ، وكل منكر رأيتموه أنكرتموه عليه ؟ قالوا : لا والله ، بل يقول ما ينكر فنقول قد أصبت أصلحك الله ، فإذا خرجنا من عنده قلنا : قاتله الله ما أظلمه وأفجره . قال عبد الله : كنا بعهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعدُّ هذا نفاقًا لمن كان هكذا (1) .
وقد رغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن يؤدي المؤمن هذه النصيحة إلى أئمة الجور وإن خاف منهم الهلاك وعد ذلك من أفضل الجهاد يدل عليه الأحاديث التالية :
__________
(1) رواه أحمد في مسنده رقم (5373) بتحقيق أحمد شاكر وقال عنه : إسناد صحيح (7/198) . ورواه البخاري قريباً من عبد الله بن عمر عن أبيه في كتاب : الأحكام . باب ما يكره من ثناء السلطان وإذا خرج قال غير ذلك ، فتح الباري (13/170) . وروى نحوه البيهقي في سننه (8/165 ، 166) نحوه .(1/379)
1- عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رجلاً قال : يا رسول الله ! أي الجهاد أفضل ؟ ورسول الله يرمي الجمرة الأولى فأعرض عنه ، ثم قال له عند الجمرة الوسطى فأعرض عنه ، فلما رمى جمرة العقبة ووضع رجله في الغرز قال : أين السائل ؟ قال : أنا ذا يا رسول الله . قال : « أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر » (1) .
قال الخطابي : ( إنما كان هذا أفضل الجهاد لأن من جاهد العدو كان على أمل الظفر بعدوه ولا يتيقن العجز عنه ، لأنه لا يعلم يقينًا أنه مغلوب ، وهذا يعلم أن يد سلطانه أقوى من يده ، فصرات المثوبة فيه على قدر عظيم المئونة (2) .
__________
(1) رواه أحمد (5/251) ، ورواه ابن ماجه في : الفتن . باب : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حديث رقم (4011 و 4012) (2/1330) قال في الزوائد : في إسناده : أبو غالب وهو : مختلف فيه ، ضعَّفه ابن سعد ، وأبو حاتم ، والنسائي ، ووثقه الدارقطني . وقال ابن عدي : لا بأس به . وراشد بن سعد قال فيه أبو حاتم : صدوق ، وباقي رجال الإسناد ثقات . ورواه الترمذي عن أبي سعيد الخدري في كتاب : الفتن . باب : أفضل الجهاد ، رقم الحديث (2174) (4/471) وقال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ، ورواه عن طارق بن شهاب عند أحمد (4/314) ، والنسائي (7/161) . قال الأرناؤوط وإسناده صحيح . وصححه النووي ، والمنذري . انظر : تخريجه لشرح السنة (10/66) ، والحديث حسنه البغوي شرح السنة (10/66) . وصححه الألباني لطرقه وقد جمعها حفظه الله انظر : السلسلة الصحيحة (1/62) حديث رقم (491) .
(2) العزلة (ص 92) .(1/380)
2- وعن جابر بن رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « خير الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قام إلى رجل فأمره ونهاه في ذات الله فقتله على ذلك » (1) .
3- وروى أحمد بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له إنك أنت ظالم فقد تُوُدِّع منها » (2) .
وقد كان الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم يَحُثُّون أقوامهم على نصحهم وتقويمهم إذا أخطئوا ، فهذا أبو بكر رضي الله عنه يقول في خطبته المشهورة : ( أيها الناس إنما أنا متبع ، ولست بمبتدع ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن زغت فقوِّموني ) (3) .
وقال رضي الله عنه : ( إني قد وُلِّيت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوِّموني ) (4) .
وهذا عمر رضي الله عنه يقول فيما رواه سفيان بن عيينة عنه : ( وأحب الناس إلي من إلي رفع عيوبي ) (5) وكذلك بقية الخلفاء .
__________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه قال الذهبي : قلت : الصفار لا يدري من هو (3/195) . وقد ذكر الألباني هذا الحديث في : السلسلة الصحيحة ح374 ، المجلد الأول .
(2) رواه أحمد في مسنده رقم (6520) وقال أحمد شاكر : صحيح الإسناد (10/30) ، وعزاه السيوطي إلى الطبراني في الكبير ، والحاكم في المستدرك ، والبيهقي في الشعب . وضعفه الألباني . انظر : ضعيف الجامع الصغير وزيادته حديث رقم (600) (1/182) .
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/183) .
(4) البداية والنهاية (5/248) . قال ابن كثير : رواه ابن إسحاق بإسناد صحيح .
(5) الطبقات الكبرى (3/293) .(1/381)
كما أنه ينبغي للناصح للسلطان أن يراعي مكانته بحيث لا يخرق هيبته . يدل على ذلك حديث عياض بن غنم الأشعري رضي الله عنه قال : قال - صلى الله عليه وسلم - : « من كان عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علانية ، وليأخذ بيده فلْيخل به ، فإن قَبِلَهَا ، قَبِلَهَا ، وإلا كان قد أدى الذي عليه والذي له » (1) .
كما أنه يجب على الناصح أن يحذر التأنيب والتعيير (2) والغيبة والسعاية حتى تكون خالصة لله تعالى .
وقد كان علماء السلف رضوان الله عليهم يصدعون بقول الحق والنصح لأئمة الجور في وجوههم ، وإن توقعوا أو تيقنوا الإيذاء بسبب ذلك ، لا يخشون في الله لومة لائم ، لأنهم يعلمون أن من قتل بسبب ذلك فهو شهيد ، والشهادة أغلى أماني المؤمن المصدق بوعد الله ، لذلك قدموا على ذلك موطنين أنفسهم على الهلاك ومحتملين ألوان العذاب ، وصابرين عليه في ذات الله تعالى ، ومحتسبين لما يبذلونه من مهجهم عند الله .
والأمثلة على ذلك كثيرة نأخذ منها على سبيل المثال :
__________
(1) قال العراقي في تخريجه لأحاديث إحياء علوم الدين : أخرجه الحاكم في المستدرك . وقال : صحيح الإسناد . انظر : الحاشية (2/318) .
(2) ألف ابن رجب الحنبلي رسالة قيمة في الفرق بين النصيحة والتعيير حققها نجم عبد الرحمن خلف ونشرتها المكتبة القيمة .(1/382)
أ- قدم هشام بن عبد الملك حاجًا إلى مكة فلما دخلها قال : ائتوني برجل من الصحابة ، فقيل : يا أمير المؤمنين قد تفانوا ، فقال : من التابعين . فأتي بطاوس اليماني ، فلما دخل عليه خلع نعليه بحاشية بساطه ، ولم يسلم عليه بإمرة المؤمنين ، ولكن قال : السلام عليك يا هشام ، ولم يكنه ، وجلس بإزائه . وقال : كيف أنت يا هشام ؟ فغضب هشام غضبًا شديدًا حتى هم بقتله . فقيل له : أنت في حرم الله وحرم رسوله ، ولا يمكن ذلك . فقال : يا طاوس ما الذي حملك على ما صنعت ؟ قال : وما الذي صنعت ؟ فازداد غضبًا وغيظًا . قال : خلعت نعليك بحاشية بساطي ، ولم تقبل يدي ، ولم تسلم على بإمرة المؤمنين ولم تكنني ، وجلست بإزائي بغير إذني ، وقلت : كيف أنت يا هشام ؟ قال : أما ما فعلت من خلع نعلي بحاشية بساطك فإني أخلعهما بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات ، ولا يعاتبني ولا يغضب عليَّ ، وأما قولك لم تقبل يدي فإني سمعت أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب رضي الله عنه يقول : ( لا يحل لرجل أن يقبل يد أحد إلا امرأته من شهوة ، أو ولده من رحمة ) . وأما قولك لم تسلم علي بإمرة المؤمنين فليس كل الناس راضين بإمرتك فكرهت أن أكذب ، وأما قولك لم تكنني فإن الله تعالى سمى أنبياءه وأولياءه فقال : يا يحيى يا عيسى ، وكنى أعداءه فقال : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ، وأما قولك : جلست بإزائي فإني سمعت أمير المؤمنين عليًا رضي الله عنه يقول : ( إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام ) (1) . فانظر إلى عزة المؤمن كيف تفعل أمام السلاطين .
__________
(1) إحياء علوم الدين للغزالي (2/146) .(1/383)
ب- وروى أبو سليمان الخطابي بسنده إلى عبد الله بن بكر السهمي قال : سمعت بعض أصحابنا قالوا : أرسل عمر بن هبيرة - وهو على العراق - إلى فقهاء من فقهاء البصرة وفقهاء من فقهاء الكوفة ، وكان ممن أتاه من فقهاء البصرة الحسن ، ومن أهل الكوفة الشعبي ، فدخلوا عليه ، فقال لهم : إن أمير المؤمنين يزيد يكتب إلي في أمور أعمل بها فما تريان ؟ قال : فقال الشعبي :أصلح الله الأمير أنت مأمور والتبعة على من أمرك ، فأقبل على الحسن فقال : ما تقول ؟ قد قال هذا ، قل أنت ، قال : اتق الله يا عمر فكأنك بملك قد أتاك فاستزلك عن سريرك هذا ، وأخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ، إن الله تعالى ينجيك من يزيد ، وإن يزيد لا ينجيك من الله سبحانه ، فإياك أن تعرض لله تعالى بالمعاصي ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . ثم قام فتبعه الآذن فقال : أيها الشيخ ما حملك على ما استقبلت به الأمير ؟ قال : حملني عليه ما أخذ الله تعالى على العلماء في علمهم ثم تلا : { وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء
ظُهُورِهِمْ ... } الآية (1) ، (2) .
إلى غير ذلك من الأثلة التي لا حصر لها .
__________
(1) آل عمران 187 .
(2) العزلة للخطابي (ص96) .(1/384)
فهذه كانت سيرة العلماء وعاداتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لأئمة المسلمين وعامتهم ، وقلة مبالاتهم بسطوة السلاطين ، لكنهم اتكلوا على الله وقاموا بأداء ما أوجبه الله عليهم وسعوا في الطريق الموصل إلى الشهادة ، فلما أخلصوا لله النية أثر كلامهم في كثير من القلوب القاسية فلينها وأزال قسوتها ، أما الآن فقد قيدت الأطماع ألسنة العلماء فسكتوا ، وإن تكلموا لم تساعد أقوالهم أعمالهم فلم ينجحوا ، ولو صدقوا وقصدوا رضا الله في ذلك وأخلصوا له النية لأفلحوا ، ففساد الرعايا بفساد الملوك وفساد الملوك بفساد العلماء - كما مر - وفساد العلماء باستيلاء حب المال والجاه والمنصب ، ومن استولى عليه ذلك لم يقدر على الإنكار أو النصح لأراذل الناس ، فكيف على الملوك والأكابر ، ولو تكلم لم يسمع له لأنه لم ينصح نفسه فيصلحها فكيف يصلح غيره !
لذلك ركز أعداء الإسلام على هذه النقطة وهي إغراق العلماء بالدنيا وفتحها عليهم بدون حساب حتى ينشغلوا بها عن واجبهم الحقيقي ، وهو ميراث الأنبياء ، الذي هو العلم المستلزم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وهذه أخطر وسيلة لإفساد العلماء لأن مجابهتهم ومواجهتهم وإهانتهم تؤدي إلى ازدياد قوة إيمانهم وثباتهم على الحق . كما تؤدي إلى انتصار العامة لهم وبغضها لمن أهانهم ، ولذلك قال سفيان الثوري رحمه الله : ( ما أخاف من إهانتهم لي ، وإنما أخاف من إكرامهم فيميل قلبي إليهم ) (1) .
وبالفعل وللأسف عند تطبيقهم لهذه الوسيلة حصل لهم مطلوبهم - إلا ما شاء ربك - وهو الانشغال بالدنيا والسكوت عنهم وعما يرتكبونه من معاص في حقوق الله وحقوق العباد .
__________
(1) تلبس إبليس (ص122) .(1/385)
بل وصل الأمر إلى أن وجدوا لهم من يعينهم على ظلمهم ويبرر لهم أعمالهم وهو محسوب على العلماء ، ويتكلم باسمهم وباسم الإسلام . وهذا من أسباب تماديهم في غيهم وإعجابهم بآرائهم مهما كان بعدها عن الحق ، وهو : كثرة ثناء الناس عليهم خاصة العلماء فقد وجدوا من علماء الدنيا من يبرر لهم أعمالهم مهما كان خطؤها ، وقصده من ذلك حصول رضاهم والتقرب إليهم ، وبلوغ شيء من حطام هذه الدنيا الفانية التي بأيديهم .
ولو أن العلماء قاموا بتبيين ما أوجبه الله عليهم ، وأخلصوا ذلك لله وترفعوا وتنزهوا عن الدنيا وحطامها ، ووقفوا في وجه كل ظالم فدلوه على الحق ونصحوه ، وحذروه مغبة ما أقدم عليه من معصية الله لا رتدعت السلاطين الظلمة عن كثير من غيها ، ولأبصروا الحق ولم يخف عليهم شيء من أمرهم .
ولكن من هم بأمثال : الحسن ، وطاوس ، وسفيان الثوري ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وأبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، والبخاري ، والعز بن عبد السلام (1) ، وابن تيمية ، وأمثالهم من العلماء الأعلام المجاهدين المخلصين الذين يقفون في وجه الظالم فيقولون له ( أنت ظالم ) مهما كان منصب هذا الظالم ، ومهما كان إغراؤه لهم بالدنيا ، ومهما ترتب على مواقفهم هذه من أذي يصيب أجسادهم ، ولكنه يبقي للإسلام هيمنته ، وللأمة كرامتها ويردع الظالمين عن غيهم ... والله المستعان .
رابعًا : حق المال :
__________
(1) انظر : مواقفهم من الحكام في كتاب ( الإسلام بين العلماء والحكام ) لعبد العزيز البدري .(1/386)
واجبات الإمام كثيرة كما سبق تستدعي التفرغ التام لتدبير شؤون الرعية ، وهو كغيره من الناس في حاجة إلى المال لمأكله ومشربه وخدمه وعياله ونحو ذلك ، لذلك فقد جعل الإسلام له حقًا في مال المسلمين يأخذ منه ما يكفيه ومن يعول ، وقد أخذ أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ما يكفيهما من بيت المال . فقد روى ابن سعد في الطبقات بسنده عن عطاء بن السائب قال : لما استخلف أبو بكر رضي الله عنه أصبح غاديًا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها ، فلقيه عمر بن الخطاب ، وأبو عبيدة ابن الجراح فقال له : أين تريد يا خليفة رسول الله ؟ قال : السوق . قالا : تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين ؟ قال : فمن أين أطعم عيالي ؟ قالا له : انطلق حتى نفرض لك شيئًا فانطلق معهما ، ففرضوا له كل يوم شطر شاة وكسوة في الرأس والبطن ) (1) .
وروى البخاري وابن سعد بسنديهما عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( لما استخلف أبو بكر الصديق قال : لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مئونة أهلي ، وشغلت بأمر المسلمين ، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال ، واحترف للمسلمين فيه ) (2) .
ولما وُلي عمر بن الخطاب أمر المسلمين بعد أبي بكر مكث زمانًا لا يأكل من المال حتى دخلت عليه في ذلك خصاصة ، وأرسل إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستشارهم في ذلك فقال : قد شغلت نفسي في هذا الأمر فما يصلح لي فيه ؟ فقال عثمان بن عفان : كل وأطعم قال : وقال ذلك سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل . وقال عمر لعلي : ما تقول أنت في ذلك ؟ قال : غداء وعشاء ، فأخذ عمر بذلك ) (3) .
__________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/184) .
(2) البخاري كتاب : البيوع باب : 15 . كسب الرجل وعمله بيده الفتح (4/303) ، وابن سعد في الطبقات (3/185) .
(3) طبقات ابن سعد (3/307) .(1/387)
وروى أحمد بسنده إلى عبد الله بن زرير عن علي بن أبي طالب قال : يا ابن زرير إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان ، قصعة يأكلها هو وأهله ، وقصعة يضعها بين الناس » (1) .
وروى أيضًا ابن سعد وابن أبي شيبة عن حارثة بن مضرب قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة
مال اليتيم ، إن استغنيت استعففت ، وإن افتقرت أكلت بالمعروف ) (2) . قلت : أشار بذلك إلى قوله تعالى : { وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ }(3) . وتساءل بعض المسلمين عما يحلُّ لأمير المؤمنين من المال فقال عمر : ( أنا أخبركم بما أستحل منه ، يحل لي حلتان : حلة في الشتاء ، وحلة في القيظ . وما أحج عليه وأعتمر من الظهر، وقوتي وقوت أهلي كقوت رجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم ، ثم أنا بَعْدُ رجل من المسلمين يصيبني ما يصيبهم ) (4) .
__________
(1) المسند حديث رقم (578) وقد صححه أحمد شاكر (2/26) وإن كان في إسناده : ابن لهيعة والأكثرون على تضعيفه ، وعزاه صاحب كنز العمال إلى ابن عساكر انظر : الكنز (5/774) ح14349 .
(2) ابن سعد في الطبقات (3/276) . قال الحافظ ابن حجر : سنده صحيح . انظر : فتح الباري . (13/151) .
(3) سورة النساء آية : 6 .
(4) طبقات ابن سعد (3/276) . وقال ابن حجر : وأخرجه الكاربيسي بسند صحيح عن الأحنف ، قال : قال : كنا بباب عمر فذكر قصة وفيها ما سبق . فتح الباري (13/151) .(1/388)
مما سبق يتَّضح أن للإمام أن يأخذ من مال المسلمين راتبًا معيَّنا يَسُدُّ به حاجته ومن يعول من غير إسراف ولا تقتير ، وقد أثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحق لمن ولي ولاية من إمارة أو غيرها وإن كان موسرًا ، فقد روى البخاري بسنده إلى حويطب بن عبد العزى أخبره أن عبد الله بن السعدي أخبره أنه قدم على عمر في خلافته فقال له عمر : ألم أحدَّث أنك تلي من أعمال الناس أعمالاً فإذا أعطيت العمالة (1) كرهتها ؟ فقلت : بلى فقال عمر : ما تريد ذلك ؟ قلت : إني لي أفراسًا وأعبدًا وأنا بخير ،
وأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين ، قال عمر : لا تفعل فإني كنت أردت الذي أردت فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العطاء فأقول أعطه أفقر إليه مني ، حتى أعطاني مرة مالاً فقلت : أعطه أفقر إليه مني ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « خذه فتموّله وتصدق به فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وإلا فلا تتبعه نفسك » (2) . قال الحافظ ابن حجر : قال الطبري : ( في حديث عمر الدليل الواضح على أن من شُغل بشيء من أعمال المسلمين أخذ الرزق على عمله ذلك ) (3) . لكن عليه أن يتقي الله فيه ، فإنه أمانة في يده فعليه أن يأخذ ما يكفيه بلا إسراف ولا تقتير ، ولا يعبث بأموال المسلمين التي ائتمنه الله عليها .
خامسًا : الحكم مدة صلاحيته للإمامة :
__________
(1) قال ابن حجر : العُمالة بضم المهملة . وتخفيف الميم أي : أجرة العمل ، وأما العَمالة بفتح العين فهي نفس العمل فتح الباري (13/152) .
(2) رواه البخاري في : الأحكام . باب : رزق الحاكم والعاملين عليها ، الفتح (13/150) ، ورواه مسلم في : الزكاة . حديث (1045) (2/723) ، والنسائي في : الزكاة (3/105) ، وأبو داود في : الإمارة . باب : أرزاق العمال ، عون المعبود (8/161) ، وأحمد (1/71) .
(3) فتح الباري (13/154) .(1/389)
ومن حقوق الإمام أن يبقى حاكمًا ما دام صالحًا للإمامة وليس له وقت محدد ينتهي إليه ، حتى ينتهي أجله ، أو تنتهي قدرته وطاقته في القيام بها ، يقول الدكتور محمد الصادق عفيفي : ( وللخليفة الحق في أن يحكم مدى الحياة ، حتى يأمن الملق والنفاق ، وحتى لا يستكين لأحد طمعًا في تجديد انتخابه مرة ثانية ، والحاكم عندما ينظر يجب أن تكون نظرته شاملة ، أي : ينظر إلى الشعب في مجموعه دون تفرقة بين طائفة وأخرى ، وأن يعمل على أساس أنه باق مدى الحياة طال الزمن أو قصر ، حتى يكون عمله خالصًا من الشبهات ) (1) .
وهذا مما يخالف فيه الإسلام النظم الديمقراطية التي تحدد فترة معينة للرئيس ، ثم بعدها ينتخب انتخابًا ثانيًا ، وفي هذه الحالة يكون هَمُّه جمع أكبر عدد من الأصوات المرشِّحة له ، فيخصّ أعضاء حزبه ومرشحيه بالمصلحة دون غيرهم من الناس لكسب رضاهم ... والله أعلم .
* * * * *
المبحث الثالث
الشورى
بعد الحديث عن واجبات الإمام وحقوقه يحسن أن أفرد مبحثًا للحديث عن الشورى ومكانتها في الإسلام ، ولم أجعله داخلاً في مبحث واجبات الإمام ولا في حقوقه ، لأن المسألة خلافية ، فهناك من يعتبرها من واجبات الإمام وبعدها عند عرضه للواجبات ، أما الذين يرونها من المندوبات فهم لا يجعلونها من واجبات الإمام ، وهذا هو مفهوم عامة السلف من الفقهاء وغيرهم .
وفي هذا المبحث سأتحدث عن تعريف الشورى اللغوي والاصطلاحي ، ثم الحديث عن مشروعيتها وأدلة ذلك ، ثم عن حكمها وهل هي واجبة أو مستحبة ونعرض أدلة الرأيين ثم الرأي الراجح ، وأخيرًا الحديث عن مدى إلزام الإمام بها وآراء كل فريق ، ثم نذيِّل ذلك بالرأي الراجح في المسألة .
__________
(1) المجتمع الإسلامي وأصول الحكم (ص 195) .(1/390)
والحقيقة إني سأستعرض كل ما سبق بشيء من الإيجاز لأن هذه المسألة من المسائل الشائكة ، والكلام فيها طويل ، وقد كفانا مئونة هذا البحث بعض العلماء الأفاضل وألفوا فيها كتبًا مستقلة (1) ورسائل علمية .
تعريف الشورى
(1) في اللغة :
الشورى المشاورة والمشورة : مصادر للفعل شاور قال في اللسان : يقال : شار العسل يشوره شورًا ، وشيارة ومشارًا ومشارة استخرجه من الوَقْبَة واجتباه ، وقال أبو عبيد : شرت العسل واشترته اجتنيته وأخذته من موضعه ... ويقال : اشرني على العسل أي أعني ، وشرت الدابة شورًا عرضتها على البيع أقبلت بها وأدبرت ... إلخ ) (2) .
فأصل الشورى إذن الاستخراج والإظهار والإعانة على ذلك والمصدر مَشُورةَ ( بفتح الميم وضم المعجمة ) وبسكون المعجمة وفتح الواو ( مَشْوَرة ) لغتان ، قال ابن حجر : الأولى أرجح (3) .
(2) في الاصطلاح :
أما في الاصطلاح فهي : ( استطلاع الرأي من ذوي الخبرة فيه للتوصل إلى أقرب الأمور للحق ) (4) .
هذا وقد ذهب بعض المُحْدَثين إلى التفريق بين الشورى والمشْورة فجعل الشورى هي أخذ الرأي مطلقًا ، والمشْوَرة أخذ الرأي على سبيل الإلزام (5) ، ثم حاول الاستدلال على رأيه هذا ، ولكن الذي يظهر أنه لا فرق بينهما ، والأدلة التي أوردها غير مقنعة .
مشروعيتها
__________
(1) انظر على سبيل المثال : الشورى وأثرها في الديمقراطية للدكتور عيد الحميد إسماعيل الأنصاري في (470) صفحة ، ومبدأ الشورى في الإسلام د . يعقوب المليجي في (304) صفحات وغيرهم كثير .
(2) لسان العرب مادة ( شور ) (4/434 - 436) .
(3) فتح الباري (13/341) .
(4) الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي للأستاذ عبد الرحمن عبد الخالق (ص 14) ط . (1975) م . ن . الدار السلفية ودار القلم .
(5) قواعد نظام الحكم في الإسلام (ص 173) د . محمود عبد المجيد الخالدي .(1/391)
مشروعية الشورى ثابتة بالكتاب والسنة وسيرة الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم ، فقد رغَّب الإسلام فيها في أكثر من موضع ، وجعلها من الأمور التي لا غنى لطالب الحق عنها ، سواء كانت في الأمور الهامة كتدبير شؤون الأمة ، أو في الأمور الخاصة بالأفراد والشؤون الشخصية . وقد حملت هذا الاسم إحدى سور كتاب الله المنزَّل .
والأدلة على مشروعيتها كثيرة منها :
(1) من الكتاب :
أ- قول الله عز وجل : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } (1) .
قال ابن جرير الطبري بعد سرده لعدة آثار عن السلف في تفسير هذه الآية : ( وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال : إن الله عز وجل
أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بمشاورة أصحابه فيما حَزَبَه من أمر عدوه ومكايد حربه ، تألفًا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالإسلام البصيرة التي يؤمَن عليه معها فتنة الشيطان ، وتعريفًا منه أمته مَأْتَى الأمور التي تحزبهم من بعده ، ومطلبها ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنزل بهم ، فيتشاورا فيما بينهم كما كانوا يرونه في حياته - صلى الله عليه وسلم - يفعله ، فأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن الله كان يُعَرِّفه مطالب وجوه ما حزبه من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه صواب ذلك ، وأما أمته فإنهم إذا تشاوروا مستنِّين بفعله في ذلك على تصادق ، تَأَخٍّ (2) للحق وإرادة جميعهم للصواب من غير ميل إلى هوى ، ولا حيد عن هدى فالله مسددهم وموفقهم ) (3) .
__________
(1) سورة آل عمران آية 159 .
(2) توخي الأمر تحراه وقصده ويممه ، ثم تقلب واوه ألفًا فيقال : تأخيت الأمر .
(3) تفسير الطبري (7/345) تحقيق أحمد شاكر وأخيه .(1/392)
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : ( وقد علم الله أنه ما به إليهم حاجة ولكن أراد أن يستن به من بعده ) (1) .
وعن الضحاك بن مزاحم قال : ( ما أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالمشورة إلا لما علم فيها من الفضل ) (2) .
ب- قوله تعالى في سورة الشورى : { فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } (3) .
فقد بين الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات الصفات الأساسية التي تميز المؤمنين ومدحهم بها ، وذكر من ضمن هذه الصفات أن { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } قال القرطبي : ( فمدح الله المشاورة في الأمور بمدح القوم الذين كانوا يمتثلون ذلك ) (4) قيل : إنها نزلت في الأنصار ، قال النقاش : ( كانت الأنصار قبل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أرادوا أمرًا تشاوروا فيه ثم عملوا عليه فمدحهم الله به ) (5) لكن هذا بعيد ، لأنها ذكرت في ثنايا أوصاف المؤمنين التي لم تكن قبل الإسلام مثل إقام الصلاة والإنفاق ، وهذه لم تشرع إلا بعد مجيء الإسلام ولم يكونوا يعرفون الصلاة قبل أن يسلموا .
__________
(1) فتح الباري (13/340) . قال ابن حجر : إسناده حسن .
(2) تفسير الطبري (7/345) .
(3) سورة الشورى الآيات 36 - 38 .
(4) تفسير القرطبي (16/37) .
(5) نفس المرجع (16/37) .(1/393)
قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله : ( وهنا في هذه الآيات يصور خصائص هذه الأمة التي تطبعها وتميزها ، ومع أن هذه الآيات مكية نزلت قبل قيام الدولة المسلمة في المدينة ، فإننا نجد فيها أن من صفة هذه الجماعة المسلمة ( وأمرهم شورى بينهم ) ... مما يوحي بأن وضع الشورى أعمق في حياة المسلمين من مجرد أن يكون نظامًا سياسيًا للدولة ، فهو طابع أساسي للجماعة كلها ، يقوم عليه أمرها كجماعة ، ثم يتسرب من الجماعة إلى الدولة ) (1) .
ثانيًا : من السنة :
سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - العملية حافلة بالترغيب في الشورى والحض عليها وكانت سمة بارزة في سيرته - صلى الله عليه وسلم - وفي سيرة الخلفاء الراشدين من بعده لذلك فقد دل على مشروعيتها جانب السنة العملي أكثر من القولي .
أ- السنة القولية :
عند التتبع والتقصي للاستدلال على مشروعية الشورى بالسنة القولية لم أعثر على نص صريح سليم من مقال . نعم قد روي عدة أحاديث ولكن عند تمحيصها ووضعها تحت مجهر النقد لم أجد فيها شيئًا ليس فيه مقال في إسناده فضربت عن أكثرها صفحًا (2) ولعل من أحسنها ما يلي :
__________
(1) في ظلال القرآن (5/3160) ط . دار الشروق . 1396 هـ .
(2) انظر الأحاديث الواردة في هذه المسألة في : كتاب الشورى وأثرها في الديمقراطية (ص65) فما بعدها .(1/394)
1- ما روي عن عبد الرحمن بن غنم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر وعمر : « لو أنكما تتفقان على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدًا » (1) .
__________
(1) ذكر ابن حجر أن هذا الحديث في فضائل الصحابة لأسد بن موسى والمعرفة ليعقوب ابن سفيان بسند - لا بأس به - عن عبد الرحمن بن غنم وهو مختلف في صحبته فتح الباري (13/340) قلت : وقد رواه أحمد في المسند عن عبد الرحمن بن غنم أيضًا في (4/227) . وفيه عبد الحميد بن مهران عن شهر بن حوشب ، فعبد الحميد هذا وثقه يحيى بن معين وأبو داود الطيالسي ، وقال أبو حاتم : أحاديثه عن شهر صحاح ، وقال أحمد : أحاديثه عن شهر مقاربة ، وهناك من طعن فيه . انظر : ميزان الاعتدال (2/538) .
وشهر بن حوشب قال ابن معين : ثقة . وقال أبو حاتم ليس هو بدون أبي الزبير ولا يحتج به ، وقال أبو زرعة : لا بأس به ، وقال النسائي وابن عدي : ليس بالقوي . ميزان الاعتدال (2/283) ، وقد طعن فيه بعضهم أيضًا .(1/395)
2- أما حديث « المستشار مؤتمن » (1) فهذا وإن لم يكن فيه ترغيب صريح في الشورى ، إلا أنه إخبار بمعنى الطلب لمن استشير أن يكون أمينًا في أداء مشورته ، وقد روي من عدة طرق عن أبي هريرة وابن مسعود وعائشة وابن عمر وأم سلمة .
3- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( ما رأيت أحد أكثر مشورة لأصحابه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ) (2) .
ب- أما السنة الفعلية :
فيما يؤكد ترغيب الإسلام في الشورى بالإضافة إلى ما سبق هو فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مع جلالة قدره وعظيم منزلته وتأييده بالوحي الإلهي ، مع ذلك فقد كان كثير المشاورة لأصحابه ، كما مر في حديث أبي هريرة ،
والسيرة حافلة بالأمثلة الكثيرة لمشورته - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه :
__________
(1) رواه ابن ماجة عن أبي هريرة وعن أبي مسعود في : الأدب رقم (3745 ، 3746) . في باب : المستشار مؤتمن . قال في الزوائد : إسناد حديث ابن مسعود صحيح رجاله ثقات : السنن (2/1233) ، ورواه الطبراني عن عبد الله بن الزبير يرفعه . قال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح مجمع الزوائد (8/97) . ورواه الترمذي عن أبي هريرة . وقال : هذا حديث حسن حديث رقم (2822) كتاب : الأدب . باب : أن المستشار مؤتمن . قال : وفي الباب عن ابن مسعود وأبي هريرة وابن عمر وروي بنحوه عن أم سلمة وقال : هذا غريب من حديث أم سلمة (5/126) تحقيق أحمد شاكر وآخرين . ورواه أبو داود في سننه في : الأدب . باب في الشورى ، عون المعبود (14/36) عن أبي هريرة ، ورواه الدارمي في السير (13) وأحمد في المسند (5/274) .
(2) قال فيه ابن حجر : رجاله ثقات إلا أنه منقطع . فتح الباري (13/340) وقد أشار إليه الترمذي فقال : ويروى عن أبي هريرة فذكره - يعني بدون إسناد - في الجهاد . باب : 34 ، (4/214) ، ورواه الشافعي في الأم (7/95) ، ورواه البيهقي في سننه (10/109) ، والسيوطي في الدر المنثور (2/90) .(1/396)
- فقد شاورهم يوم بدر في التوجه إلى قتال المشركين (1) .
- وشاورهم قبل معركة أحد أيبقى في المدينة أم يخرج إلى العدو (2) ؟ .
- وشاورهم في أسرى بدر (3) .
- وشاور السعدين - سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة - يوم الخندق فأشارا عليه بترك مصالحة العدو على بعض ثمار المدينة مقابل انصرافهم عنها فأخذ برأيهما (4) .
- وشاورهم عام الحديبية (5) .
- وشاورهم في حصار الطائف (6) .
- واستشار - صلى الله عليه وسلم - عليًا وأسامة رضي الله عنهما في أمر عائشة في قصة الإفك (7) .
- واستشار في عقوبة المنافقين الذين آذوه في أهله فقال : « ما تشيرون
عليَّ في قوم يسبون أهلي ... » (8) .
إلى غير ذلك من الصور الكثيرة من استشارته - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه .
3- سيرة الخلفاء الراشدين وآثار السلف :
__________
(1) مسلم كتاب : الجهاد والسير . باب : في غزوة بدر حديث رقم (1717) (3/1403) ، وسيرة ابن هشام (2/614) .
(2) سيرة ابن هشام (3/63) .
(3) مسلم كتاب : الجهاد . حديث رقم (1763) (3/1384) ، والمسند (3/243) .
(4) المصنف لعبد الرزاق (5/368) ط . المكتب الإسلامي تحقيق عبد الرحمن الأعظمي . والبداية والنهاية (4/104) .
(5) المصنف (5/330) ، وسنن البيهقي (10/109) ، والبداية والنهاية (4/164) .
(6) مسلم كتاب : الجهاد والسير . باب غزوة الطائف ، حديث (1778) (3/1402) ، والمسند حديث رقم ( 4588) تحيق أحمد شاكر (6/268) ، وطبقات ابن سعد (2/159) .
(7) البخاري كتاب : الاعتصام . باب : 28 ، ( وأمرهم شورى بينهم ) فتح الباري (13/339) ، وزاد المعاد (2/126) .
(8) البخاري كتاب : الاعتصام . باب : 28 ، ( وأمرهم شورى بينهم ) ( 13/340) من الفتح ، ومسلم كتاب: التوبة ، حديث رقم (58 - 2770) (4/2137) .(1/397)
لقد ظَلَّت الشورى سمة واضحة في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، ولا يكاد يخلو بهم موقف من المواقف الحاسمة إلا تشاوروا فيه . والأمثلة على ذلك لا تحصى أهمها : قصة السقيفة وعهد عمر إلى الستة للتشاور بينهم - كما مرَّ - وجمع المصحف وتوحيد المسلمين على مصحف واحد ونحو ذلك ، بل قد كانوا يأمرون ولاتهم بأن لا يبرموا أمر إلا بعد التشاور فيه ، فهذا أبو بكر رضي الله عنه يكتب إلى خالد بن الوليد حين وجهه إلى حرب المرتدين : ( واستشر من معك من أكابر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن الله تعالى موفقك بمشورتهم ) (1) .
وعن ميمون بن مهران قال : كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه أمر نظر في كتاب الله ، فإن وجد فيه ما يقضي به قضى بينهم ، وإن علمه من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى به ، وإن لم يعلم خرج فسأل المسلمين عن السنة ، فإن أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم واستشارهم (2) .
وعلى هذا سار عمر رضي الله تعالى عنه فقد ( كان القراء أصحاب
مشورة عمر كهولاً كانوا أو شبابًا وكان قافًا عند كتاب الله عز وجل ) (3) .
وقد سبق كلام عمر في الشورى في الخلافة ، وعلى هذا سار الأئمة من بعدهم . قال البخاري : ( وكانت الأئمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها ، فإذا وضح الكتاب والسنة لم يتعدوه إلى غيره إقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ) (4) .
أما آثار السلف الدالة على الترغيب
في الشورى فكثيرة منها :
(
__________
(1) مجموعة الوثائق السياسية (ص 268) .
(2) أخرجه البيهقي بسند صحيح قاله الحافظ ابن حجر في الفتح (13/342) .
(3) ذكره البخاري في كتاب : الاعتصام . باب 28 ، قول الله تعالى { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } الفتح (13/339) .
(4) البخاري في صحيحه كتاب : الاعتصام . باب : 28 ، وأمرهم شورى بينهم (13/339) من الفتح .(1/398)
1) ما روي عن الحسن رحمه الله تعالى قال : ( ما تشاور قوم قط بينهم إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرهم ) وفي لفظ : ( إلا عزم الله لهم بالرشد أو بالذي ينفع ) (1) .
(2) قال قتادة : ( ما تشاور قوم يبتغون وجه الله إلا هُدُوا لأرشد أمرهم ) (2) .
وأسند الطبري عنه قوله : ( ... وإن القوم إذا شاروا بعضهم بعضًا وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم على رشده ) (3) .
الحكمة من مشروعية الشورى وشيء من فوائدها :
تختلف الحكمة من مشروعية الشورى بالنسبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - عنها بالنسبة لسائر الأئمة .
أ- أما بالنسبة للرسول - صلى الله عليه وسلم - : فقد قيل عن الحكمة من مشروعيتها ما يلي :
1- إنما ذلك ليستُنَّ به من بعده ، سبق كلام الحسن رحمه الله : ( قد علم أنه ما به إليهم حاجة ، ولكن أراد أن يستن به من بعده ) (4) .
وروى الطبراني عن سفيان بن عيينة قوله : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } قال : ( هي للمؤمنين أن يتشاورا فيما لم يأتهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أثر ) (5) .
قال أبو بكر ابن العربي : ( وكانت هذه فائدة لمن بعده ليستن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في المشاورة ) (6) .
__________
(1) قال الحافظ في الفتح : أخرجه البخاري في : الأدب المفرد . وابن أبي حاتم بسند قوي عن الحسن . قلت : وقد رواه الطبري عنه أيضًا (7/344) . تحقيق أحمد شاكر وروي مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لكنه لا يصح .
(2) الكلم الطيب لابن تيمية تحقيق الألباني (ص 71) ، والوابل الصيب لابن القيم (ص 235) .
(3) تفسير الطبري (7/344) .
(4) أخرجه ابن حاتم بسند حسن . فتح الباري (13/340) .
(5) تفسير الطبري (7/345) تحقيق أحمد شاكر .
(6) أحكام القرآن (1/298) .(1/399)
2- وقيل : بل هو لتطييب نفوس أصحابه رضوان الله عليهم ولتألف قلوبهم ، وليروا أنه يسمع منهم ويستعين بهم ، يدل على ذلك أول الآية { وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } فقد روى الطبري عن الربيع أنه قال : ( أمر الله نبيه أن يشاور أصحابه في الأمور ، وهو يأتيه الوحي من السماء لأنه أطيب لأنفسهم ) (1) وعن قتادة قوله : ( أمر الله عز وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه وحي السماء ، لأنه أطيب لأنفس القوم ... ) (2) . قيل : كانت سادات العرب إذا
لم يشاورا في الأمر شق عليهم ، فأمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بمشاورة أصحابه ، لئلا يثقل عليهم استبداده بالرأي دونهم (3) .
3- أما القول الثالث : فليبين له الرأي وأصوب الأمور في التدبير ، فقد روي عن الضحاك بن مزاحم قوله : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } قال : ما أمر الله عز وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالمشورة إلا لما علم فيها من الفضل ) (4) .
__________
(1) تفسير الطبري (7/344) .
(2) نفس المرجع .
(3) الكشاف للزمخشري (1/475) .
(4) تفسير الطبري (7/344) .(1/400)
قلت : هذا لا يكون إلا في الأمور الحربية والأمور الدنيوية التي قال فيها : « أنتم أعلم بأمور دنياكم » (1) . وقوله : « إن كان شيئًا من أمر دنياكم فشأنكم به ، وإن كان شيئًا من أمر دينكم فإليّ » (2) . ولاستجابته لرأي الحباب بن المنذر يوم بدر وسلمان الفارسي يوم الخندق ونحو ذلك . أما أمور التشريع فهو وإن كان يجتهد إذا لم ينزل عليه وحي ولكن الله عز وجل يقره على ذلك الاجتهاد إن أصاب الحق ويرشده ويرده إلى الصواب إن جانبه ، كما ورد في قصة أسرى بدر حينما أخذ الفدية من الأسرى فنزل العتاب من السماء { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ ... } (3) .
4- وهناك قول رابع : وهو : ( أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بالمشاورة لأنه في غزوة أحد كان معظم الصحابة قد أشاروا عليه بالخروج خاصة الذين لم يقاتلوا يوم
بدر - وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرى عدم الخروج والتحصن بالمدينة ، فلما خرج بناء على رأيهم وقع ما وقع من انهزام المسلمين ، فلو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ترك مشاورتهم بعد ذلك لاعتقدوا أن في قلبه منهم بسبب مشاورتهم بقية أثر ، فأمره الله سبحانه بالمشاورة بعد غزوة أحد حتى يدل ذلك على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يبق في قلبه أثر من تلك الواقعة ) (4) .
__________
(1) رواه مسلم عن أنس في : الفضائل . باب وجوب امتثال ما قاله شرعًا دون ما ذكره من معايش الدنيا على سبيل الرأي . حديث رقم (2363) (4/1836) . وسبق تخريجه في مقاصد الإمامة (ص92) .
(2) رواه ابن ماجة في كتاب : الرهون . باب : 15 ، تلقيح النخل ، حديث رقم (2471) ، والمسند (6/123) عن عائشة أيضًا .
(3) سورة الأنفال آية 67 .
(4) في ظلال القران (1/501) ، والتفسير الكبير للرازي (9/67) .(1/401)
والواقع أنه لا منافاة بين هذه الحكم جميعًا فقد تكون جميعها من حكم أمر الله سبحانه وتعالى رسوله بمشورة أصحابه . والله أعلم .
ب- الحكمة من مشروعيتها بالنسبة للخلفاء ولسائر الأمة :
أما بالنسبة للأئمة والأمراء وسائر البشر فالوضع يختلف - وقد سبق الحديث عن ضعف النفس البشرية غير المعصومة ، وأنها معرضة للهوى والخطأ والنسيان لذلك فهي في حاجة ماسة إلى استشارة غيرها ، والاستعانة بهم في الوصول إلى الصواب .
ومن الفوائد والحكم التي من أجلها شرعت الشورى ما يلي :
(1) إحراز الصواب غالبًا :
لأنه إذا طُرح الأمر للشورى فإنه سيجتهد كل من المستشارين في استخراج الوجه الأمثل في تلك الواقعة التي يستشار بشأنها ، فتصير الأرواح بذلك متطابقة متوافقة على تحصيل أصلح الوجوه وأمثلها ، وتطابق الأرواح الطاهرة على الشيء الواحد من أعظم أسباب حصوله ،
ولا شك أن الرأي الصادر من مجموعة مخلصة يكون أقرب إلى الصواب من رأي الفرد غالبًا ، وقد يختص بعضهم بمعرفة المصلحة والصواب فيكون في الاستشارة كشفًا لهذا المستور فتعم الفائدة ، وقال ابن الأزرق (( كان يقال : من أُعْطِيَ أربعًا لم يمنع أربعًا ، من أُعْطِيَ الشكر لم يمنع المزيد ، ومن أُعْطِيَ التوبة لم يمنع القبول ، ومن أُعْطِيَ الاستخارة لم يمنع الخيرة ، ومن أُعْطِيَ المشورة لم يمنع الصواب )) (1) .
ولكن هذا ليس على الإطلاق فربما ينفرد الفرد أو الأقلية برأي هو عين الصواب ، ورأي الجماعة هو خطأ ، كما سيأتي تقريره عند الحديث عن مدى إلزامية الشورى للإمام .
(2) الأمن من ندم الاستبداد بالرأي الظاهر خطؤه :
__________
(1) بدائع السلك (1/304) .(1/402)
والذي قد يولد في النفوس ما لا تحمد عقباه ، وقد رأينا ذلك في الحكمة من مشروعية الشورى بالنسبة للنبي ص فبالنسبة إلى غيره أولى ، وقد قيل : (( ما خاب من استخار ، ولا ندم من استشار )) (1) . وروي مرفوعًا إلى النبي ص أيضًا : (( استرشدوا العاقل ترشدوا ، ولا تعصوه فتندموا )) (2) .
(3) ازدياد العقل بها واستحكامه :
قال الطرطوشي : (( المستشير وإن كان أفضل رأيًا من المستشار فإنه يزداد برأيه رأيًا كما تزداد النار بالسليط ضوء )) (3) . وقال ابن الأزرق : (( وقد قيل : المشاورة لقاح العقل ورائد الصواب ، ومن شاور عاقلاً أخذ نصف عقله )) (4) . وقال بعض الحكماء : (( حق على العاقل الحازم أن يضيف إلى رأيه آراء العقلاء ، فإذا فعل أمن من عثاره ، ووصل إلى اختياره )) (5) .
(4) الأمن من عتب الأمة عند الخطأ وإقامة الحجة على المعترض : لأنه إذا نوقشت المسألة الاجتهادية من جانب أهل الشورى ، فلو حصل خطأ بعد ذلك فإن اللوم لا يكون على الإمام وحده ، ولا يكون هناك حجة لمعترض بعد ذلك . وقيل : ومن أكثر المشورة لم يعدم عند الصواب قادحًا (6) وعند الخطأ عاذرًا )) (7) .
(5) التجرد بها عن الهوى والبعد عن الوقوع في شباكه :
__________
(1) روي مرفوعًا إلى النبي ص رواه الطبراني في أوسطه ، والقضاعي عن أنس وحسنه السيوطي ( انظر تفسير القرطبي ( الحاشية ) (4/250) وقال العجلوني : (( في سنده ضعيف جدًا )) انظر كشف الخفاء ومزيل الإلباس (2/260) .
(2) أخرجه الخطيب من رواية مالك عن أبي هريرة مرفوعًا ( الدر المنثور (6/10) .
(3) سراج الملوك للطرطوشي ص 68 .
(4) بدائع السلك (1/304) .
(5) بدائع السلك (1/304) .
(6) كذا والصواب (( مادحًا )) .
(7) بدائع السلك (1/304) .(1/403)
لأن النفس البشرية معرضة دائمًا إلى ذلك إلا من عصمه الله لذلك . قال بعض الحكماء : إنما يحتاج اللبيب ذو التجربة إلى المشاورة ليتجرد له رأيه من هواه ،. وسئل أحدهم : (( لم يكن رأي المستشار أفضل
من رأي المستشير ؟ فقال : لأن رأي المستشار معرى من الهوى (1) . وما أحسن ما قاله بشار بن برد :
( إذا بلغ الرأي النصيحة فاستعن برأي نصيح أو نصيحة حازم ولا تجعل الشورى عليك غضاضة مكان الخوافي قوة للقوادم وخل الهوينا للضعيف ولا تكن نؤمًا فإن الحزم ليس بنائم ) (2) .
قال الأصمعي : قلت لبشار : يا أبا معاذ إن الناس يتعجبون من أبياتك في المنشورة - يعني هذه الأبيات فقال : يا أبا سعد إن المشاور بين صواب بفوز بثمرته أو خطأ يشارك في مكروهه . فقلت له : أنت في قولك هذا أشعر منك في شعرك (3) .
(6) استمناح الرحمة والبركة :
كما قال عمر بن العزيز رحمه الله : ( المشورة والمناظرة بابا رحمة ، ومفتاحا بركة ، لا يضل معهما رأي ولا يفقد معهما حزم ) (4) كما يدل العمل بها على الهداية والسداد قول علي رضي الله عنه : ( المشورة عين الهداية وقد خاطر من استغنى برأيه ) (5) . وروي عن سهل بن سعد الساعدي عن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « ما شقي قط عبد بمشورة ، وما سعد باستغناء رأي » (6) .
(
__________
(1) بدائع السلك (1/304 ، 305) .
(2) ديوان بشار بن برد (4/172 ، 173) ط . 1376 . شرح وتعليق : محمد الطاهر بن عاشور . ن . لجنة التأليف والترجمة والنشر القاهرة .
(3) بدائع السلك (1/310) .
(4) نفس المرجع (1/305) ، وانظر : أدب الدنيا والدين للماوردي (ص 289) ط . ثالثة .
(5) نفس المراجع .
(6) تفسير القرطبي . والحديث ضعيف قال ابن حزم : مرسل . قال أحمد شاكر : فيه عيسى الواسطي غير معروف . انظر : الأحكام في أصول الأحكام تحقيق أحمد شاكر (ص771) ط . 1970 م نقلاً عن المشورة وأثرها في الديمقراطية (ص 69) .(1/404)
7) كما أن من فوائد الشورى أنها خير وسيلة للكشف عن الكفاءات والقدرات وبها يظهر الأكفاء ، وتستفيد الأمة من كفاءاتهم ، قال صحاب العقد الفريد : ( من فضل الشورى أنها تكشف لك طباع الرجال ، فمتى طلبت اختيار رجل فشاوره في أمر من الأمور ، يظهر لك رأيه وفكره وعدله وجوره وخير وشره ) (1) .
مجالات الشورى ( فيم تكون ؟ )
من المعلوم بداهة والمتفق عليه بين العلماء أن الشورى لا تكون فيما نزل فيه وحي ، كما اتفقوا على تخصيص عموم قوله تعالى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } و { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } بما لم ينزل فيه وحي ، إلا أنهم اختلفوا في مدى هذه الخصوصية على أقوال ثلاثة :
(1) فمنهم من قال : إنه خاص في أمور الحرب مما ليس فيه حكم ، وقد نسب هذا القول ابن حجر إلى الداودي (2) ، وقال أبو بكر ابن العربي : ( قال علماؤنا : المراد به الاستشارة في الحرب ، ولا شك في ذلك ، لأن الأحكام لم يكن لهم فيها رأي بقول ، وإنما هي بوحي مطلق من عند الله عز وجل ،
أو باجتهاد من النبي - صلى الله عليه وسلم - على من يجوز له الاجتهاد ) (3) .
(2) ومنهم من قال بأنه خاص في الأمور الدنيوية (4) فقط الحربية وغير الحربية قال الزمخشري : ( في أمر الحرب ونحوه مما لم ينزل فيه وحي ) (5) .
(
__________
(1) العقد الفريد لأبي سالم محمد بن طلحة القرشي النصيبي (ص43) ط . مطبعة الوطن سنة 1306 هـ . القاهرة .
(2) فتح الباري (13/340) .
(3) أحكام القرآن (1/297) .
(4) انظر : فتح الباري (13/340) .
(5) الكشاف (1/474) .(1/405)
3) أنه في كل أمر ليس فيه نص : قال سفيان بن عيينة في قوله تعالى : { وَشَاوِرْهُمْ في الأَمْرِ } : ( هو للمؤمنين أن يتشاوروا فيما لم يأتهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه أثر ) (1) . ويؤيده ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ! الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل فيه قرآن ، ولم يسمع منك فيه بشيء ، قال : « اجمعوا له العابد من أمتي واجعلوه بينكم شورى ، ولا تنقضوه برأي واحد » (2) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ذكره لفوائد الشورى : ( وليستخرج منهم الرأي فيما لم ينزل فيه وحي من أمر الحروب والأمور الجزئية وغير ذلك ... ) (3) . وقال الجصاص : ( ولما لم يخص الله تعالى أمر الدين من أمور الدنيا في أمره - صلى الله عليه وسلم - وجب أن يكون ذلك فيهما جميعًا ) (4) وبناء على هذا فلا تكون الشورى إلا في الأمر الذي لا نص فيه فهي في الأمور التي فيها مسرح للعقل لاستخلاص الرأي الذي يؤدي إلى رعاية شؤون المسلمين على جهة الخير والصلاح والسداد ، كما قال ابن خويرز منداد : ( واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون ، وما
أشكل عليهم من أمور الدين ، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحروب ، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح ، ووجوه الوزراء والكتاب والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها ) (5) .
الرأي المختار :
__________
(1) تفسير الطبري (7/245) .
(2) أخرجه الخطيب من رواية مالك . انظر : الدر المنثور (6/10) ، والدارمي عن أبي سلمة .
(3) السياسة الشرعية لابن تيمية (ص 158) .
(4) أحكام القرآن (2/330) .
(5) أحكام القرآن (4/250 ، 251) ، وفتح القدير للشوكاني (2/41) .(1/406)
بعد النظر واستعراض المجالات التي شاور النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها أصحابه نجدها ليست محصورة في الأمور المتعلقة بشؤون الحرب . صحيح أن أكثر حالات الشورى التي تمت في عهده - صلى الله عليه وسلم - كانت في أمور الحرب ولكنها لم تقتصر على ذلك بل شملت أيضًا كثيرًا من الأمور الدنيوية الأخرى ذات الأهمية والخطر بالنسبة للجماعة ومستقبلها ، والأمور الشرعية الاجتهادية التي لم يرد فيها نص ، أو في التي ورد فيها نص بعد الاجتهاد يقرر هذا الاجتهاد أو يقومه ويصلح اعوجاجه . ومن الأمثلة على ذلك ما يلي :
(1) ما رواه الترمذي وحسنه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ( لما نزلت { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ ... } الآية (1) قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : « ما ترى دينار ؟ » . قلت لا يطيقونه ، قال « فنصف دينار ؟ » قلت : لا يطيقونه ، قال « فكم ؟ » قلت : شعيرة ، قال : « إنك لزهيد » . فنزلت : { أَأَشْفَقْتُمْ ... } الآية . فبي خفف الله عن هذه الأمة ) (2) . قال ابن حجر : ( ففي هذه الحديث المشاورة في بعض الأحكام ) (3) . قلت : وذلك في
تحديد ما أوكل إلى اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - مثل مقدار الصدقة هنا .
(2) وكذلك ما ورد في قصة أسرى بدر ، وهي من الأمور الشرعية الاجتهادية قبل نزول النص ، فنزل النص يقوم خطأ اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - ويبين الحق في هذه المسألة والنماذج في مثل هذا كثيرة .
__________
(1) سورة المجادلة آية 12 .
(2) رواه الترمذي في سننه في كتاب : التفسير . باب : تفسير سورة المجادلة ، 59 (5/406) وقال : حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال الحافظ ابن حجر : ورواه ابن حبان وصححه . الفتح (13/340) .
(3) فتح الباري (13/340) .(1/407)
وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم قد تشاوروا في بعض الأحكام ، مثل ميراث الجدة ، وحد شرب الخمر وعدده ، وفي إملاص المرأة ، وقتال ما نعي الزكاة ، وغيرها من الأمور الشرعية ، وبهذا يتبين رجحان الرأي الثالث .
لكن مما ينبغي التنبه له أن مشاورتهم في الأمور الشرعية هو البحث عن النص واستطلاع الرأي ، لأنه ربما يكون في المسألة نص خفي على بعضهم دون بعض ، أو تكون مشاورتهم بقصد الوصول إلى فهم صحيح لنص معين اختلفت الأنظار في فهمه ، فإذا وضح النص وصح فلا مجال للتشاور بعد ذلك بل التسليم المطلق والانقياد لأمر الله ورسوله . ولذلك كان من سنة الصحابة رضوان الله عليهم سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند إرادة طرح وجهات نظرهم في مسألة ما هل هو أمر منزل لا مجال فيه للرأي أم لا ؟ نحو قول الحباب بن المنذر : ( هل هو منزل أنزلكه الله ؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ ) . ونحو كلام السعدين يوم الخندق وغيرهما .
لا كما يدار اليوم في برلمانات الطواغيت هل نطبق شرع الله أم شرع فرنسا وإيطاليا ؟ وهل نطبق هذا الحد الثابت في الكتاب والسنة أم لا ؟
فهذه ليست شورى ، بل كفر وردة عن دين الله وعن الإسلام والعياذ بالله . لأن الإسلام
هو الاستسلام لله بإتباع أمره ووحيه والانقياد لذلك { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } (1) . والله المستعان .
حكم الشورى
لقد اختلف العلماء قديمًا وحديثًا في حكم الشورى ، هل هو للوجوب أو للندب ، وذلك بالنسبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم لمن بعده ، فإذا وجبت عليه - صلى الله عليه وسلم - فمن باب أولى ولاة الأمر من بعده ، وإذا لم تكن واجبة عليه لم تكن واجبة على الولاة من بعده .
__________
(1) النساء آية 65 .(1/408)
وعند استعراض أقوال العلماء قديمًا وحديثًا نجد أن عامة علماء السلف على أنها للندب لا للوجوب ، وهناك منهم من قال : بأنها للوجوب كما سيأتي .
أما الكتاب المحدثون فأكثرهم على وجوب الشورى ، ونحن لا نريد الخوض في أعماق المسألة لأنها مسألة بحثت قديمًا ، وأشبعت بحثًا في العصر الحديث ، وإنما سنستعرض أهم الأدلة التي يستند إليها هؤلاء وأولئك ، ثم نبين ما يترجح في آخر البحث .
القائلون بالوجوب :
قلنا : إن عامة الفقهاء المحدثين يرون وجوب الشورى بالنسبة للإمام ، وإلى ذلك ذهب بعض الفقهاء الأقدميين منهم :
(1) أبو بكر الجصاص في كتابه أحكام القرآن حيث يقول : ( وغير جائز أن يكون الأمر بالمشاورة على جهة تطييب نفوسهم ورفع أقدارهم ولتقتدي الأمة به في مثله ، لأنه لو كان معلومًا عندهم إنهم إذا استفرغوا مجهودهم في استنباط ما شاوروا فيه وصواب الرأي فيما سئلوا عنه ، ثم لم يكن ذلك كذلك معمولاً عليه ولا متلقى منهم بالقبول بوجه ، لم يكن في ذلك تطييب نفوسهم ولا رفع لأقدارهم بل فيه إيحاشهم وأعلامهم بأن آراءهم غير مقبولة ولا معمول عليها . فهذا تأويل ساقط لا معنى له ) (1) . يقصد صرف الأمر من الوجوب إلى الندب .
(2) ابن خويز منداد (2) : حيث نقل القرطبي عنه قوله : ( واجب على الولاة مشاورة العلماء ) (3) .
(3) ابن عطية المالكي (4) : فقد نقل عنه القرطبي أيضًا قوله : ( إن الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ، ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب ) (5) .
(
__________
(1) أحكام القرآن للجصاص (2/330) تحقيق محمد الصادق قمحاوي . ن . دار المصحف .
(2) أبو عبد الله الفقيه الأصولي المالكي توفي سنة 400 هـ . الديباد المذهب لابن فرحون (2/229) .
(3) تفسير القرطبي (4/249) .
(4) عبد الحق المفسر والقاضي المالكي توفي سنة 541 هـ . طبقات المفسرين للداودي (1/260) .
(5) تفسير القرطبي (4/249) .(1/409)
4) فخر الدين الرازي حيث يقول : ( والتحقيق في القول إنه تعالى أمر أولي الأبصار بالاعتبار فقال : { فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ } وكان عليه السلام سيد
أولي الأبصار ، ومدح المستنبطين فقال : { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ } وكان أكثر الناس عقلاً وذكاءً ، وهذا يدل على أنه كان مأمورًا بالاجتهاد إذا لم ينزل عليه وحي ، والاجتهاد يتقوى بالمناظرة والمباحثة ، فلهذا كان مأمورًا بالمشاورة ...ثم قال : ( ظاهر الأمر للوجوب فقوله { شَاوِرْهُمْ } يقتضي الوجوب ) (1) .
هذا وقد نسب هذا الشوكاني للهادوية فقال : ( وقد ذهبت الهادوية إلى وجوب استشارة الإمام لأهل الفضل ) (2) .
أما المحدثون فغالبيتهم كما قلنا ، ومن أشهرهم : محمد عبده ورشيد رضا (3) ، والأستاذ عبد القادر عودة (4) ، وأبو زهرة (5) ، ومحمود شلتوت (6) ، ود . عبد الكريم زيدان (7) ، ود . عبد الحميد إسماعيل الأنصاري (8) ، وضياء الدين الريس (9) ، ود . يعقوب المليجي (10) ، وغيرهم .
أدلتهم :
استدل القائلون بالوجوب على ما ذهبوا إليه بالتالي :
(
__________
(1) التفسير الكبير المسمى مفاتيح الغيب (9/67) ط . 2 .
(2) نيل الأوطار (7/256) .
(3) تفسير المنار (4/45) ط . 3 .
(4) الإسلام وأوضاعنا السياسية (ص 194) حيث قال : هي صفة لازمة للمسلم لا يكمل إيمانه إلا بتوفرها .
(5) ابن حزم (ص 252) .
(6) الإسلام عقيدة وشريعة (ص 438) فما بعدها ط . ثامنة .
(7) أصول الدعوة (ص 207) .
(8) الشورى وأثرها في الديمقراطية (ص 108) .
(9) النظريات السياسية في الإسلام (ص 333) .
(10) مبدأ الشورى في الإسلام (ص 100) .(1/410)
1) أهم وأقوى دليل على إيجاب الشورى عند من قال بإيجابها هو قوله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } (1) .
قالوا : فهذا أمر ظاهره الوجوب ولا قرينة تصرفه عن ذلك ، فدل على أنه واجب في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو في حق من هو دونه أولى (2) .
(2) ومنها قوله تعالى : { فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ... } إلى قوله : { وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } (3) .
فقد بين الله سبحانه وتعالى صفات المؤمنين الأساسية والمميزة لهم ومدحهم على ذلك ، ومن هذه الصفات الشورى . وقد ذكرها الله بعد صفة الصلاة التي هي عماد الدين وقبل صفة الزكاة ، فوضع الشورى بين إقام الصلاة وأداء الزكاة من أكبر الأدلة على وجوبها ، ودل هذا على أنه إذا كانت الصلاة فريضة عبادية ، والزكاة فريضة اجتماعية ، فإن الشورى
فريضة سياسية (4) .
__________
(1) سورة آل عمران 159.
(2) انظر : الإسلام وأوضاعنا السياسية (ص 194) ، والشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي (ص 36) ، والشورى وأثرها في الديمقراطية (ص 57) .
(3) سورة الشورى الآيات 36 - 38 .
(4) انظر : الشورى وأثرها في الديمقراطية (ص 53) نقلاً عن المشروعية الإسلامية العليا د . على جريشه (ص 254) . وانظر : الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي (ص 38) .(1/411)
... (3) كما استدلوا على ذلك بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - على جلالة قدره ، وعظيم منزلته . كان كثير المشاورة لأصحابه - وسردوا كثيرًا من الأمثلة على ذلك وسبق ذكر أهمها وإذا كان ذلك بالنسبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فبالنسبة لولاة الأمر بعده ألزم وأوجب .
(4) واستدلوا ببعض الأحاديث المنسوبة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) وسبق ذكر أهمها علمًا بأني لم أجد فيها ما ينهض لدرجة الحسن ، حتى يكون صالحًا للاحتجاج فآثرت الصفح عنها .
(5) واستدلوا كذلك بنماذج من سنن الخلفاء الراشدين وسيرتهم كتولية الإمام وما يتعلق بالحروب وتولية الأمراء على الأقاليم وغيرها من المشاكل الطارئة والتي تتطلب حلاً غير مقرر في القرآن والسنة كجمع القرآن وجمع الأمة على مصحف واحد وغير ذلك (2) .
القائلون بالندب :
أما من ذهب إلى القول بأنها للندب وأنها من السنن المؤكدة التي دل الكتاب والسنة على مشروعيتها وإن كانت لا تصل إلى حد الوجوب هم كما
سبق معظم السلف وبعض الخلف . وقد سبق معنا تعليل الأمر بالمشورة وأقوال الحسن، وقتادة ، والربيع ، وسفيان بن عيينة ، والضحاك (3) .
__________
(1) انظر : الشورى وأثرها في الديمقراطية (ص 65) ، ومبدأ الشورى في الإسلام للمليجي (ص 95) .
(2) انظر بالتفصيل : الشورى وأثرها في الديمقراطية (ص 77) .
(3) انظر : (ص 417) فما بعدها من هذا البحث .(1/412)
وممن ذهب إلى أن الأمر الوارد للندب لا للوجوب الإمام الشافعي (1) رحمه الله ، والإمام أحمد حيث يقول : ( ما أحسن هذا - أي المشاورة - لو كان الحكام يفعلونه يشاورون وينتظرون ) (2) لكن يلاحظ أنه يريد القضاة ، قال ابن قدامة : ( ولا مخالف في استحباب ذلك ) (3) أي : المشورة بالنسبة للقضاة (4) .
وقد أشار إلى الاستحباب شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال : ( لا غنى لولي الأمر عن المشاورة ، فإن الله تعالى أمر بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - (5) وهذه العبارة لا يفهم منها الوجوب كما فهمه بعض الكتاب (6) ومما يعضد هذا الفهم - أي أنها ليست للوجوب - قوله عند تفسير قول الله تعالى : { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } قال : ( والمقصود هنا أن الله لما حمدهم على هذه الصفات من الإيمان والتوكل ومجانبة الكبائر ، والاستجابة لربهم ، وإقام الصلاة ، والإشتوار في أمرهم ... كان
__________
(1) الأم (5/18) ط . ثانية 1393 .
(2) المغني والشرح الكبير (11/369) .
(3) المغني والشرح الكبير (11/369) .
(4) ممن قال باستحبابها للقاضي من الفقهاء : النووي في : روضة الطالبين (11/142) ، والسرخسي في المبسوط (16/71) . قال : ( إن القاضي وإن كان عالمًا فينبغي له ألا يدع مشاورة العلماء ) ، والشربيني في مغني المحتاج (4/391) ط . 1377 هـ . ن . مصطفي البابي وانظر : حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/125) وغيرهم .
(5) السياسة الشرعية (ص 157) ، وانظر : مجموعة الفتاوى (28/386) .
(6) كما ذهب إلى ذلك الأستاذ عبد الرحمن عبد الخالق فقال : إن ممن قال بالوجوب شيخ الإسلام ابن تيمية ثم ذكر هذا النص . انظر : الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي (ص 130) .(1/413)
هذا دليلاً على أن ضدَّ هذه الصفات ليس محمودًا بل مذمومًا ، وعدم المحمود لا يكون محمودًا إلا أن يخلفه ما هو محمود . ولأن حمدها والثناء عليها طلب لها وأمر بها ولو أنه أمر استحباب ) (1) والملاحظ أن الصفات التي ذكرها كلها مجمع على أن الأمر بها للوجوب وهي : الإيمان ، والتوكل ، ومجانبة الكبائر ، والاستجابة لله ، وإقام الصلاة . وليس فيها ما يحتمل الاستحباب إلا صفة المشاورة ، فدلّ على أنه يقصد بأمر الاستحباب الأمر بالإشتوار والله أعلم .
وقد صرح بالاستحباب تلميذه ابن القيم رحمه الله فقال في معرض تعداده للفوائد الفقهية المستنبطة من قصة الحديبية قال : ( ومنها استحباب مشاورة الإمام رعيته وجيشه استخراجًا لوجه الرأي واستطابة لنفوسهم ، وأمنًا لعتبهم وتعرفًا لمصلحة يختص بعلمها بعضهم دون بعض وامتثالاً لأمر الرب في قوله : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } . ) (2) .
وممن قال بالاستحباب أيضًا الحافظ ابن حجر ، ونسب ذلك إلى البيهقي وأبي نصر القشيري أيضًا فقال : ( اختلفوا في وجوبها فنقل البيهقي في المعرفة الاستحباب وبه جزم أبو نصر القشيري في تفسيره وهو المرجَّح ) (3) .
ويظهر أن هذا هو ما ذهب إليه الماوردي وأبو يعلى لأنهما لما عَدُّوا واجبات الأئمة لم يذكروا منها الشورى ، وإنما ذكراها من وظائف أمير الحرب اللازمة له (4) . كما أن الفقهاء عند مناقشتهم لها لم يناقشوها على أساس أنها من وظائف الإمام بل ناقشوها بالنسبة للقاضي كما مرّ .
__________
(1) مجموعة الفتاوى (16/37) .
(2) زاد المعاد (2/141) ، وانظر : إعلام الموقعين (4/256) .
(3) فتح الباري (13/341) .
(4) الأحكام السلطانية للماوردي (ص 43) ، ولأبي يعلى (ص 45) .(1/414)
وقد حكى النووي الإجماع على استحبابها بالنسبة للأمة فقال عند شرحه لحديث بدء الأذان في مسلم : ( وفيه التشاور في الأمور لا سيما المهمة ، وذلك مستحب في حق الأمة بإجماع العلماء ) (1) .
وهناك من العلماء من يقول بأنها واجبة في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - مستحبة في حق الأمة ، فالنووي رحمه الله يقول : ( واختلف أصحابنا هل كانت المشاورة واجبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم كانت سنة في حقه - صلى الله عليه وسلم - كما في حقنا ) ، قال : ( والصحيح عندهم وجوبها ، وهو المختار ، قال الله تعالى { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } والمختار الذي عليه جمهور الفقهاء ومحققو الأصول أن الأمر للوجوب ) (2) .
وفي البجيرمي على الخطيب قوله : ( قال في الخصائص وشرحها للمناوي : واختص - صلى الله عليه وسلم - بوجوب المشاورة عليه لذوي الأحلام والعقلاء في الأمر ، قال : وجوب المشاورة - أي بالنسبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - هو ما صححه الرافعي والنووي ) (3) .
__________
(1) شرح النووي لصحيح مسلم (4/76) .
(2) نفس المرجع (4/76) .
(3) البجيرمي على الخطيب (4/327) ط . أخيرة 1370 هـ . ن . مصطفى البابي الحلبي .(1/415)
والواقع أنه لو ثبت وجوبها بالنسبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فوجوبها على غيره من باب أولى ، لكن يظهر أن الذي جعلهم يقصرون الوجوب على النبي - صلى الله عليه وسلم - دون غيره هو تخصيصهم الخطاب في قوله تعالى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } على النبي - صلى الله عليه وسلم - دون غيره من سائر الأمة ، والواقع أن الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - أولاً ، ثم لسائر الأمة بطريق التَّبع ما لم يَرِدْ قرينة تخصصه ، ويستأنس بقولهم : ( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ) . والأمثلة على ذلك في القرآن الكريم كثيرة مثل قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ... } ، { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ
وَالْمُنَافِقِينَ ... } الآية . و { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء ... } ونحوها . فقد يكون الخطاب خاصًا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والحكم عام له ولأمته .
الأدلة :
يستدل القائلون بأن الشورى للندب لا للوجوب بما يلي :
(1) ليس هناك دليل يدلّ على الوجوب إلا الأمر في قوله تعالى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } ولكن هذا الأمر للندب لا للوجوب يدل على ذلك مما يلي :
أ- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بحاجة للشورى فقد أغناه الله بتوفيقه للصواب وبالوحي عن الشورى ، ولذلك رُوي عن بعض كبار التابعين في المعنى المقصود والحكمة من هذا الأمر عدة روايات (1) ، وكلها دالة على الندب لا على الوجوب .
__________
(1) سبق ذكر هذه الروايات (ص 417) فما بعدها من هذا البحث .(1/416)
ب- ومع التسليم بأن هذا الأمر يقتضي الوجوب فهو خاصّ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قال الشوكاني : ( والاستدلال بالآية على الوجوب إنما يتمُّ بعد تسليم أنها غير خاصة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو بعد تسليم أن الخطاب الخاص به يعمّ الأمة أو الأئمة وذلك مختلف فيه عند أهل الأصول ) (1) وقد سبق كلام الرافعي والنووي من الشافعية في أن الأمر خاصّ به - صلى الله عليه وسلم - .
فالمقصود : إن كان هناك وجوب فهو خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وقياس الأئمة على النبي قياس مع الفارق .
(2) أما الآية الثانية وهي قوله تعالى : { وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } ( الشورى 38) فلا دلالة فيها ألبتة على وجوب الشورى ، وإنما هي مدح من الله سبحانه وتعالى لمن اتصف بهذه الصفة - كما مر تقرير ذلك عند الحديث على مشروعيتها - وقلنا : إنها أمر مطلوب ومرغَّب فيه ، لكن ليس هناك ما يدل على الوجوب .
__________
(1) نيل الأوطار (7/256) .(1/417)
أما كونها وقعت بين الصلاة والنفقة وهما فرضان ولذلك تأخذ حكمهما ، فهذا مبني على القول بأن كل معطوف يأخذ حكم المعطوف عليه من ناحية الإيجاب أو التحريم ، وهذا ليس بصحيح ، هذا على فرض أن النفقة المذكورة هي الزكاة المفروضة ، أما أن تكون عامة شاملة للمفروضة والتطوع فهذا أقرب لأن السورة مكية ، والزكاة لم تحدد أنصبتها وفي أي شيء تكون إلا في السنة الثالثة من الهجرة ، وهذا مما يؤكد ما ذهبنا إليه . بل ومما يدل على أن المعطوف لا يأخذ حكم المعطوف عليه - الشرعي لا اللغوي - هو أنه قد ذكر في هذه الصفات ما ليس بواجب بل هو من محاسن الأخلاق المندوبة ، وهي قوله تعالى : { وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ } فلا أحد يقول أنه يجب على المسلم المغفرة عند الغضب لمن أغضبه ، بل قد قال تعالى : { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } لا من واجبتها ، وقال : { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ... } .
فالمقصود أن هذه الآية ليس فيها دلالة على وجوب الشورى ، بل مدح لمن اتصف بهذه الصفة ، وهذا يقتضي مدح الفعل ، وهذا ما نقول به .
(3) أما الأحاديث والآثار الواردة في ذلك فالأحاديث ضعيفة - كما مر تقريره والآثار جملة ليس فيها دلالة على الوجوب بل على الترغيب والحثِّ ، وهذا
مما لا خلاف فيه .
((1/418)
4) أما كون النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يشاور أصحابه ، وقد شاورهم في مواقف كثيرة كما مر فهذا - كما يظهر - لا يدل على وجوبها بل على مشروعيتها ، وأنها من فضائل الأعمال ومستحباتها ، وينبغي للعاقل أن يأخذ بها أسوة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - (1) .
هذا وقد رجح الدكتور محمود عبد المجيد الخالدي قول من قال : بأنها للندب لا للوجوب ، واستدل على ذلك بقوله : ( إن الأمر الوارد في القرآن قد اقترن بقرينة تدلُّ على عدم الجزم اللازم لتعيين الحكم في الوجوب ، وذلك ظاهر في كون الشورى لا تكون في فرض ولا مندوب ولا مكروه ولا حرام ، لأن الحكم قد عُيِّن في كل منها فالشرع يلزم الأمة بأخذه كما عُيِّن ... ) إلى أن قال : ( وكون الشورى لا تكون إلا في المباحات يدلُّ على أنها ليست فرضًا إلا أن الذي رجح كونها مندوبة وليست مباحة ثناء الله تبارك وتعالى على المسلمين الذين يجعلون إبرام أمورهم شورى بينهم بقوله تعالى : { وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ ... } الآية فالمدح هنا قرينة على أن فعلها مرجح على عدم فعلها ، فكان كذلك قرينة على تعيين حكم الندب في الشورى ) (2) .
الرأي الراجح :
الذي يترجح لي بعد النظر والتدقيق في الأدلة والاعتراضات عليها ، أنه ليس هناك دليل صريح على الوجوب إلا قوله تعالى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } وقد مرّ معنا ذكر ما يصرف هذا الأمر إلى الندب والاستحباب - خاصة في حق الأمة - أما غيره من الأدلة فلا تصل إلى حد الإلزام والإيجاب ، وإنما فيها الحثّ على فعلها ، والترغيب في ذلك وأنها من عزائم الأمور ومستحباتها .
__________
(1) هذا وقد رد أصحاب القول على هذه الاعتراضات ردودًا طويلة ولا نريد أن نتوسع في هذه القضية الشائكة فهي تحتاج إلى رسائل خاصة وقد كفينا عناء ذلك ولله الحمد ، انظر بالتفصيل : الشورى وأثرها في الديمقراطية (ص 52) فما بعده .
(2) قواعد نظام الحكم في الإسلام (ص152 ، 153) .(1/419)
وليس معنى قولنا إنها من الأمور المشروعة والمستحبة التي حثّ عليها الإسلام أنه من السهل تركها والتهاون بها ، وخصوصًا وقد علمنا مبلغ حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته على التمسك بمثل هذه الأمور وإن كانت ليست من الفروض والواجبات فقد كانوا لا يَدَعون الأمور المستحبة كقيام الليل والسنن الرواتب بعد الصلاة والوتر وركعتي الفجر ، فلم يكن يدعمها النبي - صلى الله عليه وسلم - لا في سفر ولا حضر - وهذا على قول من قال : بأنها من السنن المؤكدة لا من الواجبات - وكذلك الأئمة الذين نتحدث عنهم فهم كما عرفت من ذكر الشروط الواجب توفرها فيهم من العلم والعدل والورع والأمانة ... إلخ فمن كانت فيه هذه الشروط الواجب فمن المؤكد أنه لن يتأخر عنها ساعة خاصة في مهمات الأمور ، بل هو الذي سيطلب الاستشارة من تلقاء نفسه دون أن تفرض عليه لما لها من الفضل وسداد الرأي وأنها أقرب طريق للوصول إلى الحق .
أما إذا كانوا من جبابرة السلاطين المتغلبة فهؤلاء عادة يكونون من أجهل الناس لانشغالهم بالملذات وشهوات أنفسهم ، وهؤلاء يجب عليهم السؤال والمشاورة لذوي الخبرة والعلم عما يجهلونه لإكمال ما نقص فيهم من شروط الإمامة قال تعالى : { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ( النحل : 43 ) وكذلك من يجهل النص في قضية من القضايا وهو يظن وجوده
ففي هذه الحال عليه أن يسأل ويستشير العلماء وإن كان مجتهدًا .
والذي يلفت الانتباه حقًا في هذا المقام هو تشدُّد أكثر الكتاب المُحْدثين في هذا الموضوع مع أنه من المعروف عنهم في الغالب التساهل وتتبع الرخص وغضِّ الطرف عن كثير من المسائل الإلزامية الواجبة بالنصوص الصريحة .(1/420)
فالذي حدا بهم إلى ذلك - كما يبدو لي والله أعلم - ليس هو بسبب قوة الدليل وثبوته عندهم ، فالسلف أكثر فهمًا لها - أي الأدلة - منهم وأحرص على العمل بها والتمسك بها - وقد يكون سببًا عند بعضهم لكنهم قلة - فالسبب الذي دعا إلى ذلك في نظري هو أحد الأمور الثلاثة التالية :
(1) هو بسبب ما ابتلوا به من حكام جهلة ظلمة ، لا علم سديد عندهم يدلَّهم على الخير والصواب ، ولا خوف من الله وورع يجعلهم يحرصون على إصابة الحق والاهتمام بشؤون رعاياهم ، ويجعلهم يرفعون الظلم والاستبداد ، والتعسف عمن تحت أيديهم ، فهم يحاولون الحدّ من ذلك عن طريق إيجاب الشورى ، ومن ثم إنشاء مجالس للشورى تدافع عن حقوقهم المهضومة .
(2) كما أن من دوافع بعض الكتَّاب إلى التشدد في مثل هذا الموضوع هو التأثر والانبهار بديمقراطيات الغرب الوثنية ، فهم يحاولون أن يثبتوا مثل هذا الموضوع حتى يقال إن ما عندكم في الديمقراطية هو عندنا في الإسلام أو في ( ديمقراطية الإسلام )كما يحلوا لبعضهم أن يسميها !!
ومن ثم فلا فرق بيننا وبين الغرب !! وشتان بين الشورى في الإسلام والديمقراطية عند الغرب .
(3) كما أن من أسباب الاهتمام عند بعض الباحثين في هذا الموضوع والتشدد فيه هو للرد على اتهام المستشرقين للإسلام بأنه دين الاستبداد والتعسف فحتى يردوا مثل هذا الاتهام يوجبون مثل هذا الموضوع حتى يقال : ليس صحيحًا أن الإسلام دين الاستبداد والتعسف بدليل أنه يوجب الشورى ويلزم بها الحكام .(1/421)
هذه هي الأسباب في نظري فمنها ما يدل على حسن نية . كالذين دفعهم إلى ذلك السبب الأول ، والثالث . ولكني أخالفهم في العلاج ، فالعلاج ليس هو أن نؤول النصوص ونوجب شيئًا لم يوجبه الله ورسوله حتى نسلم من هذه البلوى أو ندفع هذه التهمة . وإنما نرجع أولاً إلى سبب نشوء هذه البلايا، وتصديق ضعاف العقول بهذه التهم ، وهو : غياب الإسلام عن التطبيق في الواقع . فالعلاج الصحيح إذًا هو السعي إلى قيام الخلافة الإسلامية الصحيحة النظيفة التي تمثل الإسلام تمثيلاً صادقًا ، ومن ثم فإنها سترفع مشكلة الاستبداد والظلم وستسد كل باب للاتهام والافتراء على الإسلام وتلقم المعاند الحجر وتقنع طالب الحق بالواقع لا بالكلام .
أما ما دام الإسلام في طيات الكتب على الرفوف ، فالظلم والاستبداد سيبقى وإن أنشئ هناك مجالس صورية للشورى تنتظر الإشارة من رؤسائها فقط فتقر الذي يهْوَوْن كما هو واقع اليوم . كما أن الشبه والاتهامات ستبقى لأنه لا يدفع مثل هذا الاتهام الحبر الذي على الورق . ولن يردع الظلمة عن ظلمهم القول بأن الشورى واجبة فعليكم العمل بها ، لأنهم قد استحلوا ما هو من أعظم الكبائر وأشد الذنوب التي لا شك في حرمتها ، بل ما هو كفر والعياذ بالله كتحكيم غير شرع الله . فكيف ينصاعون إلى قول القائل : إن الشورى واجبة عليكم ، فعليكم العمل بها .(1/422)
وقد يستغرب كثير من الناس هذا الحل وهو العلاج ويقولون : إنه من طلب المستحيل وإنه مطلب صحيح ولكنه بعيد المنال . ونحن نقول لهم : ليس الأمر كما تفهمون بل هو وارد وواقع إن شاء الله . فلو أصلح كل منا نفسه ومن تحت يده لصلحت بذلك الشعوب وإذا صلحت واستقامت على منهج الله فلن يبقى لظالم أو متعسف مكان بين هذه الشعوب ، وإنما سيتولى القيادات من صالحي هذه الشعوب ( وكما تكونوا يول عليكم ) وهذا هو المطلوب وبشائر الأحاديث النبوية تدل على ذلك إن شاء الله مثل فتح روميه وقتال يهود على جانبي النهر وغير ذلك كثير وهو قريب إن شاء الله .
أما دعاة الديمقراطية ومحاكاة الغرب في كل شيء ومحاولات التقريب بين الإسلام والكفر المتمثل في وثنيات الغرب المعاصرة فهذا هو طلب المستحيل حقًا ، لأنه لن يجتمع الحق مع الباطل أبدًا وإن التقيا في بعض الجوانب وتلك سنة الله في خلقه ، فالإسلام شرع الله ومنهجه ومضمونه عبادة الله وحده لا شريك له ، أما الديمقراطية فشرع الكفار ومنهجهم ومضمونها عبادة البشر بعضهم لبعض ووسيلتها الأولى : فصل الدين عن واقع الحياة العملي . وشتان بين الكفر والإيمان . ولهؤلاء نقول : صححوا إيمانكم ومعرفتكم بالله وشرعه أولاً ثم بعد ذلك تعالوا لتعالجوا مثل هذه القضايا . فإن في شريعتنا - ولله الحمد - الغناء كل الغناء ، والاكتفاء كل الاكتفاء { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } (1) .
هل الشورى ملزمة أو معلمة ؟
كما سبق أن بيَّنا أن العلماء على ضربين في حكم الشورى ، فهم كذلك هنا فمنهم من يرى أن الشورى ملزمة للإمام وعليه الانقياد للغالبية منهم ، ومنهم من يرى أنها فقط معلمة يستخرج بها الصواب ، فعندما يشاور الإمام أهل الرأي ينظر على آرائهم ثم يختار منها ما يظنه أقرب للصواب سواء كان رأي الأغلبية أم رأي الأقلية أم رأيه هو وحده .
__________
(1) سورة المائدة آية 50 .(1/423)
والآن نستعرض أدلة كل من الفريقين بإيجاز ، ثم نرى الرأي الراجح :
أدلة القائلين بأن الشورى ملزمة :
(1) استدلوا بقوله تعالى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ } . قالوا : فالعزم : هو الأخذ برأي الأكثرية أو هو دال على الأخذ برأي الأكثرية (1) . ويدلُّ على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العزم فقال : « مشاورة أهل الرأي ثم إتباعهم » (2) .
وما روي عن خالد بن معدان وعبد الرحمن بن أبي حسين أن رجلاً
قال : يا رسول الله ما العزم ؟ قال : « أن تشاور ذا رأي ثم تطيعه » (3) . قال الجصاص : ( وفي ذكر العزيمة عقيب المشاورة دلالة على أنها صدرت عن المشورة ) (4) .
(2) كما استدلوا بقوله : { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } فقالوا : ( الآية تفيد الوجوب ، ولو كان أخذ الشورى بمجرد الرأي فقط دون التقيد برأي الأكثرية لما كان الأمر شورى حقًا ) (5) ولما كان للمشورة فائدة .
(3) كما استدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : « لو أنكما تتفقان - يعني أبا بكر وعمر - على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدًا » (6) . قالوا : فالحديث دال على رجحان رأي الاثنين على الواحد ، ومن ثم رجحان رأي الأكثرية على الأقلية (7) .
(
__________
(1) الشورى وأثرها في الديمقراطية (ص 193) .
(2) عزاه ابن كثير في تفسيره لابن مردويه (2/129) ، وكذلك السيوطي في الدر المنثور (2/90) ولم يذكرا له سند ولم يحكما عليه .
(3) سنن البيهقي كتاب : آداب القاضي (10/112) ، ورواه السيوطي في الدر المنثور (2/90) وهو : مرسل .
(4) أحكام القرآن (2/331) .
(5) الشورى وأثرها في الديمقراطية (ص 193) .
(6) سبق تخريجه (ص 412) .
(7) الشورى وأثرها في الديمقراطية (ص 196) .(1/424)
4) كما استدلوا بالسنة الفعلية حيث قالوا : إنه لم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شاور أصحابه ثم أعرض عن رأي الغالبية ، قال الأستاذ عبد الرحمن عبد الخالق : إنه لم ترد ( حادثة واحدة تدل على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تمسَّك برأيه في أمر شورى ) (1) .
كما استدلوا بآراء وحجج عقلية وأحاديث عامة في الأمر بلزوم الجماعة والسواد الأعظم ونحو ذلك (2) .
أدلة القائلين بعدم إلزامية الشورى للإمام وإنما هي معلمة :
استدلوا على ذلك بالآتي :
(1) قوله تعالى : { ... وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرَِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ } فالآية : خطاب موجَّه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بدأت بالعفو والاستغفار للصحابة الذين أشاروا عليه بالخروج يوم أحد لملاقاة العدو ، وأصابهم ما أصابهم في ذلك اليوم ( فكيف يلزم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بآراء من يفترقون إلى عفوه واستغفاره ، فهو في المحل الأعلى وهم في المحل الأدنى ) (3) قال الطبري : ( فإذا صحَّ عزمك بتثبيتنا إياك وتسديدنا لك فيما نابك وحزبك من أمر دينك ودنياك فامض لما أمرناك على ما أمرناك به ، وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك أو خالفها ، ( وتوكل ) فيما تأتي من أمورك أو تدع وتحاول أو تزاول ( على الله ) فثق به في كل ذلك وارض بقضائه في جميعه دون آراء سائر خلقه ومعونتهم فـ { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } وهم الراضون بقضائه ، والمستسلمون لحكمه فيهم ، وافق ذلك منهم هوى أو خالفه ) (4) .
__________
(1) الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي (ص 106) .
(2) راجع إن شئت : الشورى وأثرها في الديمقراطية (ص 206) وما بعدها ، والشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي (ص 107) فما بعدها .
(3) الشورى في الإسلام د . حسن هويدي (ص 8) .
(4) تفسير الطبري (7/346) تحقيق أحمد شاكر وأخيه .(1/425)
وقد سرد الدكتور عبد الحميد إسماعيل الأنصاري أقوال خمسة عشر مفسرًا كلها تدور حول هذا المعنى (1) .
(2) كما استدلوا أيضًا بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ... } الآية (2) .
فالآية تدل على أنه إذا حصل خلاف بين أولي الأمر والرعية ، فإنه يجب الردّ إلى كتاب الله وسنة نبيه ، فإذا وجد الحكم وجب إتباعه ، ولا طاعة لأحد في مخالفته وإن لم يكن الحكم صريحًا ، وقد تنازع المسلمون فيه ( فينبغي أن يستخرج من كل منهم رأيه ، فأي الآراء أشبه بكتاب الله وسنة رسوله عمل به ) (3) . لا بقول الأكثرية ولا بالأقلية ، أما في المسائل المباحة الاجتهادية فنحن ملزمون بطاعتهم بنص الآية ( فكيف يأمرنا الله بطاعة الخليفة ، وتقضي الشورى بمخالفته ! ) (4) .
(3) كما استدلوا بحوادث من السيرة لم يلتزم الرسول - صلى الله عليه وسلم - برأي الأغلبية ، مثل بعض المواقف في صلح الحديبية (5) وكذلك الخلفاء الراشدين من بعده ، مثل موقف أبي بكر من حروب الردة ، وإصرار أبي بكر رضي الله عنه على رأيه ، وفي تنفيذه لجيش أسامة ، وقد كان الصحابة يشيرون عليه بعدم إنفاذه لخطورة الموقف ، وقاسم عمر رضي الله عنه ولاته نصف أموالهم وهم كبار الصحابة : كأبي هريرة وعمرو بن العاص ، وابن عباس ، وسعد بن أبي وقاص بغير شورى (6) .
__________
(1) الشورى وأثرها في الديمقراطية (ص 115 ، 116) .
(2) سورة النساء آية 59 .
(3) السياسة الشرعية (ص 158) .
(4) الشورى في الإسلام د . حسن هويدي (ص 19) .
(5) نفس المرجع (ص 9) .
(6) نفس المرجع (ص 18) .(1/426)
ولم يأخذ عثمان رضي الله عنه بمشورة الصحابة الذين أشاروا عليه باستعمال الشدة مع أصحاب الإشاعات ، وكذلك علي رضي الله عنه فقد سارع بعد توليه الخلافة إلى عزل ولاة الأمصار ، ولم يسمع لمشورة الصحابة بأن لا يتعجل بنزعهم حتى يتمّ له أمره ويستقر حكمه (1) .
(4) ومن الأدلة أيضًا أن الخليفة مكتمل الشروط يكون في الغالب مجتهدًا ، والمجتهد يحرم عليه التقليد ، فإن رأى رأيًا صوابًا وخالفه فيه الأكثرية من أهل الشورى فهل يجوز له شرعًا أن يرجع عن رأيه الصواب فيقلِّدهم في رأيهم الذي يراه خطاء ؟ (2) كما أن الإمام مسئول مسئولية كاملة عن أعماله فلا يجوز إلزامه بتنفيذ رأي غيره إن لم يقتنع بصوابه ، لأن كون الإنسان مسئولاً عن عمله يعني أنه يعمله باختياره ورأيه ، لا أن يعمل وينفذ رأي غيره على وجه الإلزام وهو كاره له غير مقتنع به ، ثم يسأل هو عن هذا الرأي ونتائجه ، قال شارح الطحاوية : ( وقد دلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة أن ولي الأمر وإمام الصلاة والحاكم وأمير الحرب وعامل الصدقة يطاع في مواضع الاجتهاد وليس عليه أن يطيع أتباعه في موارد الاجتهاد ، بل عليهم طاعته في ذلك وترك رأيهم لرأيه ) (3) .
(6) إن الكثرة ليست مناطًا للصواب ولا دليلاً قاطعًا أو راجحًا عليه ، إذ أن صواب الرأي أو خطأه يستمدان من ذات الرأي لا من كثرة أو قلة القائلين ) (4) . فالإسلام لا يجعل كثرة العدد ميزانًا للحق والباطل كما تفعله
__________
(1) مبدأ الشورى في الإسلام للمليجي (ص 125 ، 126) .
(2) الشورى في الإسلام (ص 22) .
(3) شرح العقدية الطحاوية (ص 362) ط . ثالثة .
(4) أصول الدعوة د . عبد الكريم زيدان (ص 213) .(1/427)
الديمقراطيات الحديثة ، ( ومبدأ الأكثرية هذا مبدأ غير إسلامي ) (1) قال الأستاذ المودودي : ( فإن من الممكن في نظر الإسلام أن يكون الرجل الفرد أصوب رأيًا وأحدَّ بصرًا في مسألة من المسائل من سائر أعضاء المجلس ) (2) .
وقد ورد في القرآن كثير من الآيات تدل على أن الكثرة غالبًا على خلاف الحق نحو قوله تعالى : { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ } (3) وقوله : { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } (4) وقوله عز وجل : { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنّاً } (5) وقوله تعالى : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ } (6) وغيرها كثير والله أعلم .
الرأي الراجح
بعد النظر في الأدلة والتحقيق نجد أن من الخطأ إصدار حكم عام على مسائل مختلفة مثل هذه ، ونقول : إن الشورى ملزمة للإمام أو غير ملزمة على الإطلاق ، ولكن الأمر يحتاج إلى تفصيل نذكره باختصار ، لأن منها ما هو ملزم ، ومنها ما هو غير ملزم وهي كالتالي :
(1) إذا كان في الأمر المطروح للمشاورة حكم شرعي ، ولم يعرف الإمام حكمه فحينئذ يجب عليه المشاورة فيه وسؤال أهل العلم حتى يتبين له الدليل فيحكم به وإذا اتضح له الدليل وجب عليه الالتزام به ، كما قال تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } (7) .
__________
(1) الشورى وأثرها في الديمقراطية (ص 172) .
(2) نظرية الإسلام وهديه للمودودي (ص 59) .
(3) سورة غافر آية 59 .
(4) سورة يوسف آية 103 .
(5) سورة يونس آية 36 .
(6) سورة الأنعام آية 116 .
(7) سورة الأحزاب آية 36 .(1/428)
أما إذا لم يكن في المسألة دليل صريح فإنه في هذه الحال يأخذ من كلٍّ رأيه ، ثم يعرضها على الكتاب والسنة ، فما كان أشبه بهما أخذ به ، ووجب على الناس طاعته ، كما كان الخلفاء رضي الله عنهم يفعلونه ، مثل ما حصل في : ميراث الجدة ، وإملاص المرأة . وهو في هذه الحال غير ملزم برأي معين من هذه الآراء سواء كان عليه الأكثر أم الأقل .
(2) أما الأحكام والقضايا الاجتهادية التي لم يرد فيها دليل ولا شبهة دليل وإنما هي من مسائل الاجتهاد المفوضة ففي هذه المسألة على الإمام أن يُعْمِل رأيه ، ثم يعزم على ما يؤديه إليه اجتهاده ، وينبغي له في مثل هذا الحال أن يستنير بآراء العلماء وذوي الخبرة ويستشيرهم ، وفي مثل هذه الحال لا يُلْزَم برأي معيِّن من آراء المستشارين قلُّوا أو كثروا ، بل يكون اجتهاده الذي عزم عليه واجب الطاعة لقوله تعالى : { أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ .... } (1) وهذا لا يكون إلا في الأمور التي لا نص فيها .
(3) أما القضايا الفنية التي يختص بمعرفتها ذوو الخبرات والاختصاصات فهذه ينبغي للإمام ألا يشاور فيها إلا ذوي الاختصاص ، وأن يتَّبع الصواب ولو من واحد ، إذا اتضح له أو ترجح عنده أن هذا هو
الصواب ، ولا يُعَرِّج على الكثرة أو القلة ، وذلك كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر عندما أراد النزول فأخبره صاحب الخبرة والاستراتيجية العسكرية - بلغة العصر - الحباب بن المنذر رضي الله عنه بالمكان المناسب للنزول ، فوافقه النبي - صلى الله عليه وسلم - على رأيه ، ونحوه قصة سليمان الفارسي وحفر الخندق .
(
__________
(1) سورة النساء آية 59 .(1/429)
4) أما ما سوى ذلك من الأمور العامة ، فإنه ينبغي للإمام أن يستشير فيها ويكثر من ذلك كما دلَّت على ذلك النصوص السابقة ، ولا بأس أن يجعل المرجِّح هو رأي الأغلبية كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحَد حينما ألحَّ عليه بالخروج الصحابةة الذين لم يشاركوا في بدر طلبًا للشهادة ، وقد كان يرى عدم الخروج هو وبعض كبار الصحابة ، وكما حصل عند حصاره للطائف لما هَمَّ بالرجوع والانسحاب ، فرأى القوم يكرهونه فتركهم حتى اتضح له منهم الرغبة في الانسحاب ، فضحك منهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمر بالرحيل (1) .
أما إذا أصرَّ على رأيه فعلى الرعية الطاعة والانقياد له في غير معصية ، وقد يقال فما الفائدة إذًا من الشورى ؟
والجواب : أن فائدة الشورى تظهر في ظهور الرأي الصواب ، والمظنون في الخليفة مكتمل الشروط أن يأخذ بالصواب وما فيه مصلحة لا بهواه وشهوته ، وليس معنى وجود كثير من الحوادث في السيرة وفيها يرجع الإمام عن رأيه ويأخذ برأي المستشارين ما يدل على إلزاميتها له ، فهذا لا حجة فيه بل المفروض في الخليفة وغيره من أهل النصيحة أن يتبع الحق حيثما ظهر ، وذلك كثير في تاريخنا وهو من ثمرات الشورى الطيبة فقد يرجع عن رأيه إلى رأيهم ، وقد يرجعون عن رأيهم إلى رأيه ، وإلا فلا فائدة للشورى أصلاً ويكون تشريعها عبثًا ، لذلك فتلك الحوادث لا تدل على إلزامية الشورى للإمام والله أعلم .
تنبيه
الحديث عن الشورى في هذا المبحث المقصود بها الشورى بين الإمام ورعيته أي في حالة وجود الإمام ، وهذه الأحكام خاصة بالشورى في مثل هذه الحال .
__________
(1) رواه مسلم ومر تخريجه (ص 428) .(1/430)
أما الشورى بين أهل الحل والعقد لاختيار الإمام فهي تخالف وتغاير ما هنا ، وقد سبق أن بيَّنا أنها هي الطريق الشرعي الأول لتعيين الإمام ، وهي المسماة ( الانتخاب ) وتلك لها أحكامها الخاصة المغايرة للشورى المذكورة في هذا المبحث ، فهي واجبة إذا لم يكن هناك عهد من الخليفة السابق ، كما قال عمر رضي الله عنه : ( من بايع إمامًا من غير مشورة المسلمين فلا يبايع . وفي رواية : ( يتابع ) هو ولا الذي بايعه تَغرَّه أن يقتلا ) (1) كما أن تلك الشورى ملزمة للناس إذا اختاره أهل الحل والعقد وبايعوه كما سبق . والله أعلم .
* * * * *
الفصل الثالث
عزل الإِمام والخروج على الأئمة
الفصل الثالث
عزل الإِمام والخروج على الأئمة
ذكرنا في الفصل السابق الواجبات المنوطة بالأئمة والحقوق المترتبة على تلك الواجبات ، ومن قبله ذكرنا الشروط التي تشترط في الإِمام حتى يكون أهلاً لها المنصب ، لكن لو نقص شرط من هذه الشروط أو قصَّر الإمام في واجب من هذه الواجبات فما الحكم ؟
لهذا جاء الإسلام بعلاج شاف يعالج به هذه المشكلة الخطيرة ، وهذا العلاج يختلف باختلاف الداء ، فقد يكون هذا العلاج هو النصح والتذكير والتقويم ، وقد يكون الهجر والخذلان والمقاطعة ، وقد يكون العزل بالوسائل السليمة وقد يكون في بعض الحالات بالخروج عليه وسلِّ السيوف .
__________
(1) البخاري كتاب : الحدود . باب : رجم الحبلى رقم (31) فتح الباري (12/144) . وانظر : تخريجه (ص 137) من فصل طرق الانعقاد .(1/431)
ونظرًا لأهمية هذا الموضوع وخطورته ، ولقلة التفصيل الوارد فيه من علمائنا الأقدمين والمحدثين ، واختلاف وجهات النظر فيه قديمًا وحديثًا ، ولكل وجهة أدلتها الشرعية الخاصة بها ، لذلك كله رأيت من الواجب على تجزئة الموضوع وتفصيله قدر المستطاع حتى يتكون عندنا صورة واضحة لهذا القضية ، لذلك كان لا بد من تبيان المسببات الموجبة للعزل وآراء العلماء فيها ، ثم الحديث عن وسائل العزل وآراء العلماء في كل وسيلة ، ثم الحديث عن أحوال الأئمة المخروج عليهم من عدالة وفسق وكفر ، ثم أحوال الخارجين على أولئك من خوارج ومحاربين وبغاة وأهل حق ، وذلك لكي تتضح الصورة ويزول اللبس عن هذه القضية فأقول :
المبحث الأول
مسببات العزل
من المتفق عليه بين العلماء أن الإمام ما دام قائما بواجباته الملقاة على عاتقه ، مالكا القدرة على الاستمرار في تدبير شؤون رعيته ، عادلاً بينهم فإنه لا يجوز عزله ولا الخروج عليه ، بل ذلك مما حذر منه الإسلام وتوعد الغادر بعذاب أليم يوم القيامة ، كما أن الأخطاء اليسيرة ، لا تجوز عزل الإمام ، لأن الكمال لله وحده والمعصوم من عصمه الله ، وكل ابن آدم خطاء وخير الخطابين التوابون ، لكن هناك أمور عظيمة لها تأثير على حيات المسلمين الدينية والدنيوية ، منها ما يؤدي إلى ضرورة عزل الإمام المرتكب لها ، وهذه الأمور منها : ما هو متفق عليه بين العلماء . ومنها : ما هو مختلف فيه . والآن نستعرض هذه الأسباب لنرى آراء العلماء فيها :
الأول : الكفر والردَّة بعد الإسلام :(1/432)
أول الأمور وأعظم الأسباب الموجبة لعزل الوالي وخلعه عن تدبير أوامر المسلمين هو الردة والكفر بعد الإيمان ، فإذا ما ارتكب الإمام جرمًا عظيمًا يؤدي إلى الكفر والارتداد عن الدين فإنه ينعزل بذلك عن تدبير أمر المسلمين ، ولا يكون له ولاية على مسلم بحال ، قال تعالى : { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } (1) وأي سبيل أعظم من سبيل الإمامة ؟ وفي الحديث الذي رواه عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال : ( بايعنا - أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا
وأثرة علينا ، وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان ) (2) .
قال الخطابي : ( معنى « بواحًا » يريد ظاهرًا باديًا من قولهم باح بالشيء يبوح بوحًا وبواحًا إذا أذاعه وأظهره ) (3) « وعندكم من الله فيه برهان » قال الحافظ ابن حجر : ( أي : نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل ) (4) . وقال النووي : ( المراد بالكفر هنا المعصية ، ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولاياتهم ، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرًا محققًا تعلمونه من قواعد الإسلام ) (5) .
__________
(1) النساء آية 141 .
(2) متفق عليه . رواه البخاري في ك : الفتن . ب : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - « سترون بعدي أمورًا تنكرونها » فتح الباري (13/5) ، ورواه مسلم في ك : الإمارة . ب : وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ، (3/1470) ح1709 .
(3) فتح الباري (13/8) .
(4) نفس المصدر (13/5) .
(5) صحيح مسلم بشرح النووي (12/229) .(1/433)
ومن مفهوم هذا الحديث أنه لا يشترط أن يعلن هذا الحاكم الردة عن الإسلام أو الكفر ، بل يكفي إظهاره لبعض المظاهر الموجبة للكفر قال الكشميري : ( ودل - أي هذا الحديث - أيضًا على هذا أن أهل القبلة يجوز تكفيرهم وإن لم يخرجوا عن القبلة ، وأنه قد يلزم الكفر بلا التزام وبدون أن يريد تبديل الملة ، وإلا لم يحتج الرائي إلى برهان ) (1) .
فظاهر الحديث أن من طرأ عليه الكفر فإنه يجب عزله ، وهذا أهون ما يجب على الأمة نحوه ، إذ الواجب أن يقاتل ويباح دمه بسبب ردته امتثالاً
لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه ابن عباس : « من بدل دينه فاقتلوه » (2) .
وقد سبق عند ذكر الشروط أن الكافر لا ولاية له على المسلم بحال وهذا السبب في عزل الإمام محل اتفاق بين العلماء ، ومجمع عليه عندهم ، قال أبو يعلي : ( إن حدث منه ما يقدح في دينه ، نظرت فإن كفر بعد إيمانه فقد خرج عن الإمامة ، وهذا لا إشكال فيه لأنه قد خرج عن الملة ووجب قتله ) (3) .
__________
(1) إكفار الملحدين (ص 22) للكشميري ط . 1388 ن . المجلس العلمي في كراتشي .
(2) رواه البخاري في ك : الجهاد . ب : لا يعذب بعذاب الله ، (6/149) من الفتح . ورواه أبو داود في ك : الحدود . ب : 35 . انظر : عون المعبود (12/3) ، وابن ماجة في ك : الحدود . ب : 3 ، (2/848) والنسائي ، وأحمد .
(3) المعتمد في أصول الدين (ص 243) .(1/434)
وقال القاضي عياض : ( أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك ، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر ) (1) . وقال الحافظ ابن حجر : ( أنه - أي الإمام - ينعزل بالكفر إجماعًا ، فيجب على كل مسلم القيام في ذلك فمن قوي على ذلك فله الثواب ، ومن داهن فعليه الإثم ، ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض (2) .
وقال السفاقسي : ( أجمعوا على أن الخليفة إذا دعا إلى كفر أو بدعة يثار عليه ) (3) .
الثاني : ترك الصلاة والدعوة إليها :
كما أن من الأسباب الموجبة لعزل الإمام ترك الصلاة والدعوة إليها ، إما جحودًا فهذا كفر ويدخل في السبب الآنف الذكر ، وإما تهاونًا وكسلاً فعلى رأي بعض العلماء أنه معصية وكبيرة من الكبائر ، وعلى الرأي الآخر أنه كفر ، وهناك أحاديث صحيحة تشهد لهذا الرأي منها قوله - صلى الله عليه وسلم - : « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر » (4) . وغيره من الأحاديث وليس هذا محل بحث لهذه المسألة . فعلى أي الحالين يجب عزل الإمام الذي يترك الصلاة عملاً بالأحاديث الواردة في ذلك والتي نهت عن منابذة الأئمة الجورة ونقض بيعتهم وعن مقاتلتهم بشرط إقامتهم الصلاة ومن الأحاديث :
__________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي (12/229) .
(2) فتح الباري (13/123) .
(3) إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري (10/217) .
(4) رواه الترمذي في ك : الإيمان . ب : 9 ، ترك الصلاة . وقال : حسن صحيح غريب . (5/14) ح 2618 ، ورواه النسائي في ك : الصلاة . ب 8 ، الحكم في تارك الصلاة (1/231) ، ورواه ابن ماجة في : الإقامة . باب : 77 ، فيمن ترك الصلاة (1/342) ، وأحمد في مسنده (5/346) .(1/435)
1- ما رواه مسلم عن عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، وتصلون عليهم ويصلون عليكم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم » . قال : قلنا يا رسول الله : أفلا ننابذهم عند ذلك ؟ قال : « لا ما أقاموا فيكم الصلاة ، لا ما أقاموا فيكم الصلاة ... » الحديث (1) . ومن مفهوم الحديث أنه متى تركوا إقامة الصلاة فإنهم ينابذون ، والمنابذة هي المدافعة والمخاصمة والمقاتلة .
2- كما يدل على ذلك أيضًا الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون ، فمن كره فقد برئ ، ومن أنكر فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع » ، قالوا : أفلا نقاتلهم ؟ قال : « لا ما صلوا » (2) .
وهذا الحديث فيه التصريح بمقاتلة الأمراء الذين لا يصلون ، ومعلوم أن المقاتلة هي آخر وسيلة من وسائل العزل كما سيأتي .
وقد سبق ذكر كلام القاضي عياض وادعاؤه إجماع العلماء على عزل الإمام ( لو ترك إقامة الصلاة والدعوة إليها ) (3) .
الثالث : ترك الحكم بما أنزل الله :
وهذا السبب أيضًا كالذي قبله تستوي فيه الصور من الحكم بغير ما أنزل الله المخرجة لفاعلها من الإسلام ، وكذلك الصور التي لا تخرجه من الملة ، وقد سبق بحث هذه الصور وتفنيدها .
__________
(1) رواه مسلم في ك : الإمارة . ب : خيار الأئمة وشرارهم ، (3/1482) ح 1855 .
(2) رواه مسلم في ك : الإمارة . ب : وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع ، (3/1483) ح 1854 ، ورواه الترمذي في ك : الفتن . ب : 78 . وقال : حسن صحيح (4/529) ح2265 ، ورواه أبو داود في ك : السنة . ب : في قتل الخوارج ، عون المعبود (13/106) ، ورواه أحمد في مسنده (6/395) .
(3) صحيح مسلم بشرح النووي (12/229) .(1/436)
والذي يدل على أن هذا السبب موجب لعزل الإمام بجميع صوره المكفرة والمفسقة هو ورودها مطلقة في الأحاديث النبوية الصحيحة الآتية :
1- عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله » (1) .
2- وعن أم الحصين الأحمسية رضي الله تعالى عنها قالت : ( حججت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع ... إلى أن قالت : ثم سمعته يقول : « إن أمر عليكم عبد مجدع - حسبتها قالت : أسود - يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا » . وفي رواية : الترمذي والنسائي سمعته يقول : « يا أيها الناس اتقوا الله وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام فيكم كتاب الله » (2) .
فهذه الأحاديث واضحة الدلالة على أنه يشترط للسمع والطاعة أن يقود الإمام رعيته بكتاب الله . أما إذا لم يحكم فيهم شرع الله فهذا لا سمع له ولا طاعة وهذا يقتضي عزله ، وهذا في صور الحكم بغير ما أنزل الله المفسقة ، أما المكفرة فهي توجب عزله ولو بالمقاتلة كما سبق بيانه في السبب الأول والله أعلم .
الرابع : الفسق والظلم والبدعة :
سبق الحدث على أن من المتفق عليه بين العلماء أن الإمامة لا تعقد لفاسق ابتداء . قال القرطبي : ( لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز
أن تعقد الإمامة لفاسق (3) . وسبق تفصيل الأدلة الواردة في ذلك عند الحديث عن شرط العدالة .
__________
(1) رواه البخاري في : الأحكام . باب : السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية ، وغيره وسبق تخريجه في الشروط (ص229) .
(2) رواه مسلم في ك : الإمارة . ب : وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ، ح1838 (3/1468) ، والترمذي في ك : الجهاد . ب : ما جاء في طاعة الإمام ، ح1706 (4/209) ، والنسائي ك : في البيعة . ب : الحض على طاعة الإمام (7/154) .
(3) الجامع لأحكام القرآن (1/270) .(1/437)
لكن لو انعقدت الإمامة لعادل ثم طرأ عليه الفسق فما الحكم ؟ هنا حصل الخلاف بين العلماء فمنهم من قال يستحق العزل وتنتقض بيعته ، ومنهم من قال باستدامة العقد ما لم يصل به الفسق إلى ترك الصلاة أو الكفر ، وفصل آخرون القول في ذلك على ما سيأتي :
(1) القائلون بالعزل مطلقًا :
وهؤلاء يرون أن طروء الفسق كأصالته في إبطال العقد وذلك لانتفاء الغرض المقصود أصلاً من الإمامة ، ونسب القرطبي هذا القول للجمهور فقال : ( قال الجمهور : إنه تنفسخ إمامته ، ويخلع بالفسق الظاهر المعلوم ، لأنه قد ثبت أن الإمام إنما يقام لإقامة الحدود واستيفاء الحقوق ، وحفظ أموال الأيتام والمجانين ، والنظر في أمورهم ، وما فيه من الفسق يقعده عن القيام بهذه الأمور والنهوض بها ... ) .
قال : ( فلو جوزنا أن يكون فاسق أدى إلى إبطال ما أقيم له ، وكذلك هذا مثله ) (1) .
ونسب الزبيدي هذا القول إلى الشافعي في القديم (2) ، وإليه ذهب بعض أصحابه ) (3) وهو المشهور عن أبي حنيفة .
وهو مذهب المعتزلة والخوارج ، أما المعتزلة فقد قال عنهم القاضي عبد الجبار : ( فأما الأحداث التي يخرج بها من كونه إمامًا فظهور الفسق سواء بلغ حد الكفر أو لم يبلغ لأن ذلك يقدح في عدالته ) قال : ( ... لا فرق بين الفسق بالتأويل ، وبين الفسق بأفعال الجوارح في هذا الباب عند مشايخنا ... وهذا مما لا خلاف فيه ، لأنهم أجمعوا أنه يهتك بالفجور وغيره ( وكذا ) أنه لا يبقى على إمامته ) (4) .
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن (1/271) .
(2) إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين (2/233) .
(3) مآثر الإنافة (1/72) .
(4) المغني في أبواب التوحد والعدل (20/170) ق 2 .(1/438)
وأما الخوارج فإنهم لما كانوا يقولون بأن الفسق يخرج مرتكبه من الإيمان قالوا بانعزال الإمام إذا فسق لأنه حينئذ ليس مؤمنًا - على مذهبهم - وغير المؤمن لا يصلح أن يكون إمامًا ، ومما أجمعت عليه الخوارج هو ( الخروج على الأئمة ) (1) .
(2) القائلون بعدم العزل بالفسق مطلقًا :
وهم جمهور أهل السنة ، قال القاضي عياض : ( وقال جمهور أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك بل يجب وعظه وتخويفه ) (2) .
وقال النووي : ( إن الإمام لا ينعزل بالفسق على الصحيح ) (3) وقال أبو يعلى في المعتمد : ( ذكر شيخنا أبو عبد الله في كتابه عن أصحابنا أنه لا ينخلع بذلك ، أي بفسق الأفعال كأخذ الأموال وضرب الأبشار ، ولا يجب الخروج عليه ، بل يجب وعظه وتخويفه ، وترك طاعته في شيء مما
يدعو إليه من معاصي الله تعالى ) (4) .
وذهب في كتابه ( الأحكام السلطانية ) إلى أن الفسق ( لا يمنع من استدامة الإمامة سواء كان متعلقًا بأفعال الجوارح وهو ارتكاب المحظورات وإقدامه على المنكرات إتباعًا لشهوة ، أو كان متعلقًا بالاعتقاد وهو : المتأول لشبهة تعرض يذهب فيها إلى خلاف الحق ) (5) .
ثم استدل على ما ذهب إليه بكلام الإمام أحمد في المنع من الخروج على الأئمة لما في ذلك من إحياء الفتنة ، وبالأحاديث الآمرة بالصبر على جور الأئمة وسيأتي ذلك موضحًا فيما بعد .
__________
(1) الفرق بين الفرق (ص73) .
(2) شرح النووي لصحيح مسلم (12/229) .
(3) روضة الطالبين (10/48) .
(4) المعتمد في أصول الدين (ص243) .
(5) ص20) .(1/439)
لكن مما ينبغي التنبيه إليه في هذا المقام هو أن المراد هنا هل الفسق يجعله مستحقًا للعزل أم لا ؟ أما عن الخروج والمقاتلة بالسيف فهذه سيأتي الكلام عليها ، علمًا بأن هناك طرقًا للعزل غير السيف ، سيأتي إيضاحها قريبًا ، وليس كل من استحق العزل يعزل ، وإنما ينظر إلى ما سيترتب على هذا العزل ، فإن ترتب عليه فتنة أكبر لم يجز العزل والخروج عليه . كما لا يجوز إنكار المنكر بمنكر أعظم منه ، أما إذا أمنت الفتنة وقدر على عزله بوسيلة لا تؤدي إلى فتنة ففي هذه الحال يقوم أهل الحل والعقد بعزله لأنهم الذين أبرموا معه عقد الإمامة ، فهم الذين يملكون نقضه .
(3) ومنهم من فصل في ذلك :
وهذا التفصيل من جهتين : من جهة ماهية الفسق ، ومن جهة زمان العزل .
أ- فأما ما يتعلق بماهية الفسق : فقد ذكر الماوردي الشافعي أن الفسق المانع لعقد الإمامة واستدامتها على ضربين :
أحدهما : ما تابع فيه الشهوة . وهو : فسق الجوارح ، وهو : ارتكابه المحظورات ، وإقدامه على المنكرات ، تحكيمًا للشهوة وانقيادًا للهوى . قال : ( فهذا فسق يمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها ، فإذا طرأ على من انعقدت إمامته خرج منها ) (1) .
الثاني منهما متعلق : بالاعتقاد والمتأول لشبهة تعترض فيتأول لها خلاف الحق ، فقد اختلف العلماء فيها ( فذهب فريق منهم إلى أنها تمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها ويخرج بحدوثه منها ... وقال كثير من علماء البصرة : إنه لا يمنع من انعقاد الإمامة ولا يخرج به منها ، كما لا يمنع ولاية القضاء وجواز الشهادة ) (2) .
ب- أما ما يتعلق بزمان العزل ففيها ثلاثة أوجه وهي كالتالي :
أحدها : ينخلع بنفس الفسق ... كما لو مات .
والثاني : لا ينخلع حتى يحكم بخلعه ، كما إذا فك عنه الحجر ثم صار مبذرًا ، فإنه لا يصح أن يصير محجورًا عليه إلا بالحكم .
__________
(1) الأحكام السلطانية للماوردي (ص17) .
(2) الأحكام السلطانية (ص17) .(1/440)
والثالث : إن أمكن استتابته وتقويم اعوجاجه لم يخلع وإن لم يمكن ذلك خلع (1) .
وهذا الوجه هو الذي رجحه الجويني (2) وذهب إليه ابن حزم الظاهري فقال : ( والواجب إن وقع شيء من الجور وإن قل أن يكلم الإمام في ذلك ويمنع منه ، فإن امتنع وراجع الحق وأذعن للقود من البشرة أو الأعضاء ولإقامة حد الزنا والقذف والخمر عليه فلا سبيل إلى خلعه . وهو : إمام كما كان لا يحل خلعه ، فإن امتنع من إنفاذ شيء من هذه الواجبات عليه ولم يراجع وجب خلعه وإقامة غيره ممن يقوم بالحق ) (3) .
وقد استدل القائلون بالعزل بالأدلة الدالة على اشتراطه في عقد الإمامة ابتداء - وسبق ذكرها - قالوا : فكذلك هنا ، ولأن الغرض من المنصب هو حماية جناب الدين ورفع الظلم وتحقيق العدل ، فإذا انتفت هذه الخصال انتفى مقصود الإمامة والإمامة واجبة شرعًا كما مر فدل على أنه لا بد أن يكون الإمام عادلاً .
واستدل المانعون بالأحاديث الصحيحة الكثيرة في الأمر بالصبر على جور الأئمة وعدم نزع اليد من الطاعة ، وبما يترتب على العزل من
فتن وإراقة الدماء وقد يجلب دفع هذا المنكر منكرًا أكبر منه وهذا لا يجوز ، وسيأتي زيادة بيان وتفصيل لهذه الأدلة قريبًا إن شاء الله .
الخامس : نقص التصرف :
ومن مسببات العزل أيضًا نقص التصرف ، وذلك بأن يطرأ على الإمام ما يقيد تصرفاته أو يبطلها ، وقد قسمه العلماء إلى حجر وقهر :
أ- فالحجر : ( هو : أن يستولي عليه من أعوانه من يستبد بتنفيذ الأمور من غير تظاهر بمعصية ولا مجاهرة بمشاقه ) (4) .
فهذا لا يقتضي عزله وخروجه من أحكام الإمامة ، وإنما ينظر إلى أفعال من استولى على أموره وهي : لا تخرج عن صورتين .
__________
(1) انظر : تكملة المجموع للمطيعي (17/520) .
(2) غياث الأمم (ص92) ، وانظر : (ص76) و (ص88) .
(3) الفصل (4/176) .
(4) الأحكام السلطانية للماوردي (ص19) ، ولأبي يعلى (ص22) .(1/441)
1- أما أن تكون جارية على أحكام الدين ومقتضى العدل ، وفي هذه الحالة يجوز ( إقراره عليها تنفيذًا لها وإمضاء لأحكمها ، لئلا يقف من الأمور الدينية ما يعود بفساد على الأمة ) (1) .
2- وإما أن تكون أفعاله خارجية عن حكم الدين ومقتضى العدل ففي هذه الحال ( لم يجز إقراره عليها ، ولزمه أن يستنصر من يقبض يده ويزيل تغلبه ) (2) .
ب- أما الفهر فله صورتان :
الأولى : الأسر :
وهو : أن يصير مأسورًا في يد عدو قاهر لا يقدر على الخلاص منه ، سواء كان هذا العدو مشركًا أو مسلمًا باغيًا ، وهذا المسألة تحتاج إلى تفصيل كما سيأتي :
1- أن يكون مرجو الخلاص من هذا الأسر فهو في هذه حال باق على إمامته ، قال الماوردي : ( وهو على إمامته ما كان مرجو الخلاص مأمول الفكاك إما بقتال أو بفداء ) (3) وعلى كافة الأمة استنقاذه لما أوجبته الإمامة من نصرته .
2- أن يكون ميئوسًا من خلاصه ، وفي هذه الحال ينظر إلى الآسر :
أ- فإن كانوا المشركين : فعلى أهل الحل والعقد استئناف بيعة غيره على الإمامة .
ب- وإن كانوا بغاة : فلن يخلو حالهم من أمرين :
1- إما أن يكونوا قد نصبوا لأنفسهم إمامًا دخلوا في بيعته ، وانقادوا لطاعته ففي هذه الحال يكون ( الإمام المأسور في أيديهم خارجًا من
الإمامة بالإياس من خلاصه ، لأنهم قد انحازوا بدار تفرد حكمها عن الجماعة وخرجوا بها عن الطاعة ، فلم يبق لأهل العدل بهم نصرة وللمأسور معهم قدرة ، وعلى أهل الاختيار في دار العدل أن يعقدوا الإمامة لمن ارتضوا لها فإن خلص المأسور لم يعد إلى الإمامة لخروجه منها ) (4) .
__________
(1) نفس المرجع للماوردي (ص20) ، لأبي يعلى (ص23) .
(2) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص23) ، وللماوردي (ص20) .
(3) المصدر السابق (نفس الصفحات) .
(4) الأحكام السلطانية لأبي يعلي (ص23) ، وللماوردي (ص20) .(1/442)
2- وإما أن يكونوا لم ينصبوا لهم إمامًا ، بل كانوا فوضى لا إمام لهم ففي هذه الحالة يكون ( الإمام المأسور في أيديهم على إمامته ، لأن بيعتهم له لازمة وطاعته عليهم واجبة ، فصار معهم كمصيره مع أهل العدل إذا صار تحت الحجر ، وعلى أهل الاختيار أن يستنيبوا عنه ناظرًا يخلفه إن لم يقدر على الإستنابة ، فإن قدر عليها كان أحق باختيار من يستنيبه منهم ) (1) .
الصورة الثانية : أن يخرج عليه من يستولي على الإمامة بالقوة :
وهذا أحد طرق انعقاد الإمامة كما سبق ذكره ، وهو ما يسمى بالقهر والغلبة ، وفي هذه الحال إذا تمكن هذا القاهر وغلب على الإمام الأول ، واستولى على تدبير الأمور ، فإن الإمام السابق في هذا الحال يكون معزولاً ، وتنعقد الإمامة لهذا المستولي الجديد للضرورة ، وحتى لا يقع الناس في الفوضى والفتنة ، ويعمّ الفساد ، وقد صلى ابن عمر
رضي الله تعالى عنهما بأهل المدينة يوم الحرَّة (2) وقال : ( نحن مع من غلب ) (3) . وقال : ( لا أقاتل في الفتنة ، وأصلي وراء من غلب ) (4) .
__________
(1) الأحكام السلطانية للماوردي (ص20) ، ولأبي يعلي (ص23) .
(2) الحرة موضع قريب من المدينة ، ووقعة الحرة هذه هي الوقعة التي حصلت بين يزيد ابن معاوية وبين أهل المدينة لما خلعوه لما أخذوا عليه من فسق ، فبعث إليهم من يردهم إلى الطاعة ، وأنظرهم ثلاثة أيام ، فلما رجعوا قاتلهم واستباح المدينة ثلاثة أيام ... انظر : البداية والنهاية (8/232) .
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/110) .
(4) الطبقات أيضًا (4/149) . وإسناده صحيح إلى سيف المازني ، أما هو فأورده ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً . انظر : إرواء الغليل (2/304) .(1/443)
وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى بطلان إمامة السابق كما في رواية أبي الحارث : ( في الإمام يخرج عليه من يطلب الملك ، فيفتتن الناس فيكون مع هذا قوم ومع هذا قوم ، مع من تكون الجمعة ؟ قال : ( مع من غلب ) (1) .
وقد سبق الحديث عن هذه الطريقة ، وأدلة ثبوتها ، وأقوال العلماء فيها وأنها ليست من الطرق المشروعة وإنما للضرورة ، ولأن مصلحة المسلمين تقتضي ذلك . والله أعلم .
السادس : نقص الكفاءة :
وذلك بعجز عقلي أو جسدي له تأثير على الرأي أو العمل : وهذه منها ما يمنع عقد الإمامة ابتداء ويمنع استدامتها ، ومنها ما يمنع عقدها ابتداء فقط - كما سبق بيانه عند الحديث على الشروط
- ومنها ما لا يمنع العقد لا ابتداء ولا يمنع من استدامتها ، ونحن في هذا المقام سنقتصر على ما يمنع من عقد الإمامة ابتداء ومن استدامتها ، لأن ذلك هو الموجب للعزل فقط .
أ- زوال العقل : بجنون ونحوه ، وهذا مما لا خلاف فيه (2) إذا كان دائمًا لا ينفك ، لأن الجنون يمتد عادة ( فلو لم ينصبوا إمامًا آخر لأدى ذلك إلى اختلال الأمور ، ولأن المجنون يجب ثبوت الولاية عليه ، فكيف يكون وليًا لكافة الأمة ) ؟ (3) وأيضًا لأن ذلك ( يمنع المقصود الذي هو إقامة الحدود واستيفاء الحقوق وحماية المسلمين ) (4) .
__________
(1) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 23) .
(2) حكى الجويني الإجماع على ذلك . انظر : غياث الأمم (ص 93) .
(3) مآثر الإنافة (1/67) .
(4) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 21) .(1/444)
هذا إذا كان مطبقًا لا يتخلله إفاقة ، أما إذا كان يتخلله إفاقة يعود فيها إلى حال السلامة ففي هذه الناحية يحتاج الأمر إلى تفصيل ( فإن كان أكثر زمانه الخبل فهو كما لو كان مطبقًا - أي يمنع ابتداء العقد واستدامته - وإن كان أكثر زمانه الإفاقة فقد قيل : يمنع من عقدها ، وهل يمنع من استدامتها ؟ فقيل : يمنع من استدامتها كما يمنع من ابتدائها ، لأن في ذلك إخلالاً بالنظر المستحق فيه ، وقد قيل : لا يمنع من استدامتها وإن منع من عقدها ، لأنه يراعى في ابتداء عقدها سلامة كاملة وفي الخروج منها نقص كامل ) (1) أما إن كان عارضًا يرجى زواله كالإغماء ونحوه فهذا
لا يمنع العقد ابتداء ، ومن ثم لا يمنع استدامتها من باب أولى .
ب- فقد بعض الحواس المؤثرة في الرأي أو العمل مثل :
1- العمى : فهذا يمنع من عقدها ومن استدامتها ، لأنه يُبْطِل القضاء ويمنع من جواز الشهادة - على رأي الجمهور - فأولى أن يمنع من صحة الإمامة (2) . أما عشى العين وضعف البصر فلا يمنع من الاستدامة .
2- الصمم والخرس : ففي انعزاله بطروئهما عليه ثلاثة مذاهب حكاها الماوردي وهي :
الأول : ينعزل بذلك كما ينعزل بالعمى لتأثيرهما في التدبير والعمل ، ورجّح هذا القول (3) ، وعليه اقتصر الرافعي والنووي (4) .
الثاني : لا ينعزل لقيام الإشارة مقام السمع ، والخروج من الإمامة لا يكون إلا بنقص كامل .
الثالث : إن كان يحسن الكتابة لم يعزل ، وإن كان لا يحسنها انعزل ، لأن الكتابة مفهومة والإشارة موهومة (5) .
__________
(1) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 21) ، وللماوردي (ص 18) .
(2) نفس المصدر والصفحة .
(3) الأحكام السلطانية للماوردي (ص 18) .
(4) مآثر الإناقة (1/68) .
(5) الأحكام السلطانية (ص 18) .(1/445)
أما ما لا يؤثر ذهابه في الرأي والعمل كالخَشَم في الأنف الذي يمنع إدراك الروائح ، وفقد الذوق الذي يعرف به الطعوم فإنهما لا يوجبان العزل بلا خلاف ، وكذلك لا ينعزل بتمتمة
اللسان ونحوها لأن نبي الله موسى عليه السلام لم تمنعه عقدة لسانه من النبوة فأولى ألا يمنع الإمامة (1) .
هذا وقد سبقت الإشارة إلى أن من الفقهاء من لا يشترط هذه الأمور في الإمامة عند ابتداء العقد ، ومن باب أولى بعد العقد كابن حزم وغيره لكنه رأي مرجوح كما سبق تبيان ذلك .
جـ- فقد بعض الأعضاء المخل فقدها بالعمل أو النهوض :
وذلك كذهاب اليدين أو الرجلين . فإذا طرأ على الإمام شيء من ذلك انعزل لعجزه عن كمال القيام بحقوق الأمة . أما ما يؤثر في بعض العمل دون بعض كذهاب إحدى اليدين أو إحدى الرجلين ففيه وجهان :
الأول : أنه لا يؤثر وإن كان ذلك يمنع عقد الإمامة ابتداء ، لأن المعتبر في عقدها كمال السلامة ، فيعتبر في الخروج منها كمال النقص ، وهذا هو الراجح .
والثاني : يؤثر لنقص الحركة ، فلو كان ذلك لا يؤثر فقده في عمل ولا نهوض كقطع الذكر أو الأنثيين ، فهذا لا يمنع من الإمامة ولا من استدامتها ، لأن ذلك مؤثر في التناسل فقط ... وقد استدلوا على ذلك بوصف الله ليحيى بن زكريا عليهما السلام وثنائه عليه فقال تعالى : { وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ } (2) وقد رُوي عن
__________
(1) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 21) ، وانظر : مآثر الإناقة (1/69) .
(2) سورة آل عمران آية 39 .(1/446)
ابن عباس رضي الله عنهما ( أنه لم يكن له ذكر يغشى به النساء ... ) (1) قالوا : ( فلما لم يمنع ذلك من النبوة ، فأولى أن لا يمنع من الإمامة ) (2) .
ونحو ذلك سمل إحدى العينين وجدع الأنف والأذن لأن ذلك لا تأثير له على الحقوق والله أعلم .
المبحث الثاني
وسيلة العزل
بعد الحديث عن الأسباب المسببة لعزل أئمة الجور بقي النظر في الوسيلة التي يمكن أن يُعزل بها الإمام المستحق لذلك وهنا ثلاث وسائل هي :
(1) أن يعزل الإمام نفسه :
__________
(1) روي عن ابن عباس وغيره هذا القول ورواه ابن أبي حاتم مرفوعًا بسنده إلى ابن العاص - لا يدري عبد الله أو عمرو - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه موقوفًا على سعيد بن المسيب . قال ابن كثير : وهو أقوى إسنادًا من المرفوع ، بل وفي صحة المرفوع نظر . ووصفه بأنه غريب جدًا . انظر : تفسير ابن كثير (2/31) وكذلك رواه الطبري في التفسير (6/378) تحقيق أحمد شاكر ، والسيوطي في الدر المنثور ج (2/22) المرفوع والموقوف وقال : ( وهو أقوى إسنادًا من المرفوع ) ولعل الراجح في تفسير ( حصورًا ) أي : معصومًا من الذنوب كما رجح ذلك القاضي عياض في الشفاء ، وابن كثير في : التفسير وليس كما ورد . انظر التفسير (2/31) .
(2) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 21) .(1/447)
وقد اتفق العلماء على أن الإمام إذا أحس من نفسه عدم القدرة على القيام بأعباء الإمامة فإن له عزل نفسه ، قال القرطبي : ( يجب عليه أن يخلع نفسه إذا وجد في نفسه نقصًا يؤثر في الإمامة ) (1) وكذلك إذا كان في عزله إخماد لفتنة قد تزداد وتستمر إذا أصرَّ على منصبه ، بل هو محمود في مثل هذه الحالة إذا عزل نفسه ، ولذلك أثنى جميع المسلمين على سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن بن علي رضي الله عنهما حينما عزل نفسه وتنازل عن الإمامة لمعاوية رضي الله عنه ، بعد أن بايعه أهل العراق حقنًا لدماء المسلمين ، بل قد أثنى عليه قبل وقوعه جده - صلى الله عليه وسلم - حينما قال : ( إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ) (2) .
أما إذا لم يكن هناك عذر شرعي للعزل ، بل طلبًا للتخفيف في الدنيا والآخرة فللفقهاء في هذه المسألة رأيان :
الأول : ينعزل : لأن إلزامه بالاستمرار قد يلحق الضرر به قي آخرته ودنياه (3) ولأنه كما لم تلزمه الإجابة إلى المبايعة لا يلزمه الثبات (4) ، ولأنه وكيل للمسلمين وللوكيل عزل نفسه (5) .
الثاني : لا ينعزل : واستدلوا على ذلك بما روي أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه
طلب من المسلمين أن يقيلوه من منصب الخلافة حينما قال : ( أقيلوني أقيلوني ، قالوا : لا والله لا نقيلك ولا نستقيلك ، رضيك رسول الله لديننا أفلا نرضاك لدنيانا ) (6) .
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/272) .
(2) رواه البخاري من حديث أبي بكرة في ك : الفتن . ب : 20 ، انظر : فتح الباري (13/61) .
(3) مآثر الإنافة (1/66) .
(4) نفس المرجع (1/65) .
(5) المعتمد في أصول الدين (ص 240) .
(6) ضعيف . قال ابن حجر : رواه الطالقاني في السنة من طريق شبابة بن سوار عن شعيب بن ميمون . قال : هو منكر متنًا ، منقطع سندًا . انظر : تلخيص الحبير (4/52) .(1/448)
فلو كان عزل نفسه مؤثرًا لما طلب منهم الإقالة (1) .
والحق أن ذلك راجع إلى مصلحة المسلمين العامة ، فإن كان في بقائه مصلحة كإخماد فتنة ونحوها فعليه البقاء ، وإن كان في بقائه مفسدة أكبر من المصلحة المترتبة على بقائه فعليه الاستقالة ، كما فعل الحسن رضي الله عنه ، وإن كان الأمران متساوين فهو بالخيار والله أعلم .
(2) السيف ( القتال والثورة المسلحة ) :
وهذا هو أخطر الطرق وبسببه تنشأ الفتن عادة ، وهو الذي يراه جميع فرق الزيدية (2) وجميع الخوارج (3) - ومن أجله سموا خوارج - وجميع المعتزلة لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحد أصولهم الخمسة وكثير من المرجئة وبعض الأشاعرة وبعض أهل السنة كما تقدم ، وإن كان فيمن سبق أن ذكرنا أنه مع القائلين باستحقاق أئمة الجور والفسق العزل . إلا أنهم ليسوا مجمعين على هذه الطريقة في كل وقت وهي سل السيوف ، لما يترتب عليها
من مفاسد أعظم من المصلحة المرجوة من عزله .
فالمقصود أنه لا يلزم من قول القائل إن الإمام الجائر الظالم يستحق العزل ويرى الخروج عليه أنه يرى الخروج دائمًا ، لأن هناك طرقًا للعزل غير هذه الطريقة ولا يترتب عليها ما يترتب على هذه . كما أن كثيرًا ممن ذكرناه لا يرى الخروج على الأئمة ويمنع من ذلك وهم الغالبية من أهل السنة ، أنهم يقصدون هذه الطريقة دون غيرها ، يدلّ على ذلك مقاطعتهم وانعزالهم عن أئمة الجور ، وتبيين فسادهم وتحذير الناس منه ، وهذا هو الذي تدل عليه الأدلة المانعة من الخروج .
__________
(1) مآثر الإنافة (1/65) .
(2) مقالات الإسلاميين (1/150) .
(3) نفس المرجع (1/204) .(1/449)
هذا وقد اختلف القائلون بالسيف والثورة في تحديد العدد الذي ينبغي الخروج عنده إذا اجتمع ( فقال بعض الزيدية : إذا اجتمع عدد مثل أهل بدر ، وقالت المعتزلة : إذا كُنَّا جماعة ، وكان الغالب فينا أنا نكفي مخالفينا ، وقال آخرون : أَيُّ عدد اجتمع ، وقال قائلون : إذا كان مقدار أهل الحق نصف مقدار أهل البغي ) (1) .
(3) الطرق السلمية الأخرى :
وهناك طرق غير ما تقدم ، منها أن يتقدم إلى الإِمام الجائر أهل الحل والعقد الذين عقدوا له البيعة وينصحونه وينذرونه مغبَّة انحرافه ، ويمهلونه ويصبرون عليه فترة من الزمن لعله يرجع أو يرعوي عما هو عليه من ظلم وطغيان ، فإن أصرّ على ذلك فعليهم أن يعملوا لعزله بكل الوسائل الممكنة ، بشرط ألا يترتب على ذلك مفسدة أكبر من المفسدة
المرجو إزالتها ، لأن عزله من النهي عن المنكر ، والمنكر لا يرفع بما هو أنكر منه .
ومن هذه الوسائل ما يسمى في العصر الحديث بالعصيان المدني (2) وهذه الطريقة تكون على النحو التالي : ( إذا شعرت الأمة بأن هذا الإمام فاسق مستهتر وجائر لا يصلح للإمامة ، وتقدمت إليه بالنصيحة ولكنه أبى واستكبر ، فما عليها إلا أن تقاطعه وتقاطع من له به أية علاقة ، وحينئذ يجد نفسه منبوذًا من أمته فإما اعتدل وإما اعتزل ) (3) .
__________
(1) انظر : المقالات (2/157 ، 158) .
(2) النظام السياسي في الإسلام لأبي فارس (ص 273) .
(3) نفس المرجع .(1/450)
قلت : وهذه لها مستند من الشرع ، وهو ما جاء في الطبراني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة ، ووزراء فسقة ، وقضاة خونة ، وفقهاء كذبة ، فمن أدرك منكم ذلك فلا يكونن لهم جابيًا ولا عريفًا ولا شرطيًا » (1) . والله أعلم .
المبحث الثالث
الخروج على الأئمة
الخروج في العرف الشرعي كلمة تطلق على أحوال متفاوتة ، وتسري عليها أحكام مختلفة ، فقد يكون المراد بالخروج هو عدم الإقرار بإمامة الإِمام ،
وقد يكون بالتحذير منه ومن طاعته ومساعدته والدخول عليه ، وقد يراد به المقاتلة والمنابذة بالسيف ، وهذا الأخير هو المراد في أكثر عبارات السلف حينما ينصُّون على تحريم الخروج والنهي عنه عند ذكر عقائدهم .
وبناء على تفاوت هذه الأحوال ، فإنه تعتريه الأحكام الخمسة نظرًا لاختلاف الأسباب والملابسات ، فقد يكون محرمًا وكبيرة من الكبائر ، وقد يكون مكروهًا ، وقد يكون مباحًا ، وقد يكون مندوبًا ، وقد يكون واجبًا ، لذلك فمن الخطأ إطلاق القول فيه بحكم خاص دون مراعاة للأسباب والملابسات الداعية إلى ذلك ، ولهذا فإنه عند إرادة إطلاق الحكم الشرعي على هذه القضية فإنه يجب أن ينظر إلى جميع أطرافها بالمنظار الشرعي ومن ثم يتبين الحكم .
والذي يظهر لي أن أطراف هذه القضية التي لها تأثير مباشر على الحكم ثلاثة هي :
أ- الخارجون .
ب- المخروج عليهم .
جـ- وسيلة الخروج .
وقد سبق الحديث عن وسيلة العزل بما فيه الكفاية ، فيبقى الطرفان الآخران ، ولذلك كان لزامًا علينا في هذا المبحث أن نخُصّهما بشيء من التفصيل ، حتى تكون الرؤية أمامنا واضحة فنقول :
__________
(1) رواه الطبراني في المعجم الصغير (1/204) وقال : لم يروه عن قتادة إلا ابن أبي عروبة ، ولا عنه إلا ابن المبارك تفرد به داود بن سليمان وهو شيخ لا بأس به . وبنحوه عند أبي يعلى ، ورجاله رجال الصحيح خلا عبد الرحمن بن مسعود وهو ثقة . انظر : مجمع الزوائد (5/240) .(1/451)
أولاً الخارجون :
قسَّم العلماء الخارجين على الأئمة إلى أربعة أقسام وهم :
1- الخوارج :
وهم أصحاب المذهب المعروف ، وهم الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي أبي طالب رضي الله تعالى عنه يوم التحكيم ثم صار لهم آراء ومعتقدات خاصة بهم ، منها إكفار عثمان وعلي والحكمين . وأصحاب الجمل ومن رضي بتحكيم الحكمين رضي الله عنهم أجمعين ، ومنها الإكفار بارتكاب الذنوب ووجوب الخروج على الإمام الجائر (1) ، ويسمون بالحرورية والشراة والمارقة والمحكمة وهم يصلون إلى عشرين فرقة (2) .
وهؤلاء قد ورد نص صريح من النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأمر بمقاتلتهم ، فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان ، سفهاء الأحلام . يقولون من قول خير البرية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة » (3) . وغير ذلك من
الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي أمرت بقتالهم ، ووعدت من قتلهم أو قتلوه بالأجر الجزيل عند الله يوم القيامة .
2- المحاربون :
__________
(1) الفرق بين الفرق (ص73) .
(2) انظر لزيادة تفصيل عنهم : الفرق الإسلامية للغرابي (ص264) وغيره من كتب الفرق والملل .
(3) متفق عليه . رواه البخاري في ك : استتابة المرتدين . ب : 6 ، قتل الخوارج ... ، فتح الباري (12/283) ، ومسلم في ك : الزكاة . ب : التحريض على قتال الخوارج ، ح 1066 (2/746) وأبو داود في ك : السنة . ب : 8 ، والترمذي ك : الفتن . ب : 24 ، والنسائي ، وابن ماجة ، والدارمي ، وأحمد ، وغيرهم .(1/452)
وهم قطاع الطرق المفسدون في الأرض إذا كان لهم منعة وسلاح واستعرضوا الناس ، فإن على الإمام - إذا تمكن منهم أن يقيم فيهم حكم الله في قوله - تعالى : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ... } الآية (1) وكما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعرنيين ، أما إذا لم يتمكن الإمام منهم بعسكره فإن على باقي الرعية أن تقاتل معه حتى يقيم الحد عليهم إذا استوجبوا ذلك .
3- البغاة :
وهم الذين يخرجون على الإمام العادل طلبًا للملك بتأويل سائغ ، أو غير سائغ (2) ، وفي حكمهم من خرج على الإمام
__________
(1) سورة المائدة آية 33 .
(2) انظر : فتح الباري (12/286) وقد اختلف أصحاب المذاهب في تحديد البغي ، ولكن الذي يستخلص من جميع آرائهم هو اتفاق الحنفية والمالكية والظاهرية على أن البغي هو الخروج على الإمام العادل مع اشتراط المنعة والتأويل ، كما يتبين أن الشافعية والحنابلة يعتبرون البغي هو الخروج بالتأويل والمنعة على الإمام العادل والجائر . انظر تفصيل المسألة في كتاب : أحكام البغاة والمحاربين . للدكتور خالد رشيد الجميلي (1/40) فيما بعدها . رسالة دكتوراه من جامعة القاهرة ط . 1977 م . ن : دار الحرية للطباعة والنشر ، بغداد ، وقد ساعدت جامعة بغداد على نشره .(1/453)
الحق انتقامًا أو عصبية ، أو قبلية ، أو لغرض دنيوي ، ونحو ذلك ، فهؤلاء لا يقاتلون ابتداء ، وإنما يسعى في الصلاح بينهم وبين الإمام ، فإن كان لهم مظلمة رفعت عنهم ، وإن كان لهم شبهة بين لهم وجه الحق فيها ، وإن كان لهم حق أعطوا إياه ، فإن لم ينصاعوا بعد ذلك إلى الإصلاح وبدأوا في القتال ففي هذه الحالة يقاتلون عملاً بقوله تعالى : { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (1) . ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : « من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه » (2) .
وهذه الأقسام الثلاثة أوجزنا الحديث عنها لأن محل استكمال الحديث عنها كتب الفقه لمن شاء التفصيل والزيادة على خلاف بين الفقهاء في أحكامهم ، أما الذي يلزم بيانه في هذا الفصل فهم أهل القسم الرابع التالي :
4- أهل الحق :
وهم أهل عدل خرجوا على إمام جائر ، أو هم كما قال الحافظ ابن حجر : ( قسم خرجوا غضبًا للدين من أجل جور الولاة
__________
(1) سورة الحجرات 9 .
(2) رواه مسلم في ك : الإمارة . ب : حكم من فرق أمر المسلمين ، ح 1852 (3/1480) .(1/454)
وترك عملهم بالسنة النبوية ، فهؤلاء هم أهل حق ، ومنهم الحسين بن علي وأهل المدينة في الحرِّة والقراء الذين خرجوا على الحجاج ) (1) فهؤلاء لا تجوز مقاتلتهم على الصحيح ، قال الحافظ : ( وأما من خرج عن طاعة إمام جائر أراد الغلبة على ماله أو نفسه أو أهله فهو معذور ولا يحلُّ قتاله ، وله أن يدفع عن نفسه وماله وأهله بقدر طاقته ) . وقد أَوْرَدَ على هذا القول ما يدل عليه فقال : ( قد أخرج الطبري بسند صحيح عن عبد الله بن الحارث عن رجل من بني نضر (2) عن - علي وذكر الخوارج - فقال : ( إن خالفوا إمامًا عادلاً فقاتلوهم ، وإن خالفوا إمامًا جائرًا فلا تقاتلوهم ، فإن لهم مقالاً ) (3) .
وقال ابن حزم : ( وأما الجورة من غير قريش فلا يحل أن يقاتل مع أحد منهم ، لأنهم كلهم أهل منكر إلا أن يكون أحدهم أقلّ جورًا فيقاتل معه من هو أجور منه ) (4) .
وعلى هذا فإنه إذا كان الإمام جائرًا وخرج عليه عادل فلا تجوز مقاتلة العادل ، أما إذا كان الإمام عادلاً وخرج عليه عادل مثله (5) أو كان جائرًا وخرج عليه جائر مثله ، ففي مثل هذه الحالة يكون القتال قتال فتنة ، والأولى ترك القتال فيها للنصوص الواردة - وستأتي قريبًا إن شاء الله .
__________
(1) فتح الباري (12/286) .
(2) لا حظ أن في السند جهالة وقد حكم بصحته فكيف يكون ذلك ؟!
(3) فتح الباري (12/301) .
(4) المحلى (10/508) .
(5) العادل لا يخرج على العادل عادة ، وخروجه على العادل يشهد بأنه ليس بعادل ، لأن الخروج على الإمام العادل ظلم وفسق كبيرة من الكبائر كما سبق بيانه .(1/455)
كما لا تجب طاعة الإمام وإن كان عادلاً إذا أمر بمقاتلتهم ( إذ طاعته إنما تجب فيما لم يعلم المأمور أنها معصية بالنص ، فمن علم أن هذا هو قتال الفتنة الذي تركه خير من فعله لم يجب عليه أن يعدل عن نصٍّ معين خاص - أي الأحاديث الناهية عن القتال في الفتنة - إلى نص عام مطلق في طاعة أولي الأمر ، ولاسيما وقد أمر الله تعالى عند التنازع بالرد إلى الله والرسول (1) قال الطبري : ( والصواب أن يقال : إن الفتنة أصلها الابتلاء ، وإنكار المنكر واجب على كل من قدر عليه ، فمن أعان المحق أصاب ، ومن أعان المخطئ أخطأ ، وإن أشكل الأمر فهي الحالة التي ورد النهي عن القتال فيها ) (2) .
هذا فيما يخص مقاتلة أهل الحق أما مقاتلة الكفار والمرتدين فهذا واجب مع جميع الأئمة سواء كانوا عدولاً أم فجارًا ، كما تجب الصلاة خلفهم في الجمعة والجماعات ، لأن هذه الأمور كلها أمور تعبدية طاعة لله تعالى تجب إقامتها ، سواء كان هناك إمامًا أم لا ، سواء كان هذا الإمام صالحًا أم فاجرًا ، لأن صلاحه وفجوره في هذا المقام على نفسه ، وهذا محل اتفاق بين أهل السنة والجماعة ، ولم يشذ عنهم إلا بعض أهل البدع ، وكانوا ينصّون عليه عادة عند ذكر عقائدهم ، قال الإمام أحمد : ( الجهاد ماض قائم مع الأئمة بروا أو فجروا . لا يبطله جور جائر ، ولا عدل عادل ، والجمعة والعيدان والحج مع السلطان وإن لم يكونوا بررة عدولاً أتقيا ... ) (3) .
هذه هي أقسام الذين يخرجون على الأئمة . ولكل قسم من هذه
__________
(1) مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (4/443) .
(2) فتح الباري (13/31) .
(3) طبقات الحنابلة (1/26) وبنحوه انظر : عقيدة السلف وأصحاب الحديث لأبي عثمان الصابوني ضمن مجموعة الرسائل المنيرية (1/129) وغيرها .(1/456)
الأقسام أحكامه الخاصة به في القتال ، وكل واحد منها يغاير الآخر ، ولذلك فقد عاب شيخ الإسلام ابن تيمية على كثير من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم من المصنفين في ( قتال أهل البغي ) فإنهم قد يجعلون قتال أبي بكر لمانعي الزكاة ، وقتال علي الخوارج ، وقتاله لأهل الجمل وصفين ، إلى غير ذلك من قتال المنتسبين إلى الإسلام من باب قتال أهل البغي ، (1) قال : ( أما جمهور أهل العلم فيفرقون بين ( الخوارج المارقين ) وبين أهل الجمل وصفين وغير أهل الجمل وصفين ممن يُعدّ من البغاة المتأولين ، وهذا هو المعروف عن الصحابة ، وعليه عامة أهل الحديث والفقهاء والمتكلمين ) وقال في موضع آخر : ( والمصنفون في الأحكام يذكرون قتال البغاة والخوارج جميعًا ، وليس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتال البغاة حديث (2) إلا حديث كوثر بن حكيم عن نافع وهو موضوع ، وأما كتب الحديث المصنفة مثل صحيح البخاري والسنن فليس فيها إلا قتال أهل الردة والخوارج ، وهم أهل الأهواء وكذلك كتب السنة المنصوص عليها عن الإمام أحمد ونحوه ، وكذلك فيما أظن - والكلام لابن تيمية - كتب مالك وأصحابه ليس فيها باب قتال البغاة وإنما ذكروا أهل الردة والأهواء ، قال : ( وهذا هو الأصل الثابت بكتاب الله وسنة رسوله ، وهو الفرق بين القتال لمن خرج عن الشريعة والسنة ، فهذا الذي أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأما القتال لمن لم يخرج إلا عن طاعة إمام معين فليس في النصوص أمر بذلك ) (3) ثم بين ما نتج عن هذا الخلط فقال :
( فارتكب الأولون ثلاثة محاذير :
__________
(1) مجموعة الفتاوى (35/53) .
(2) قال الإمام أحمد : ( وهو - أي علي بن أبي طالب رضي الله عنه - الذي سنَّ قتالهم - أي البغاة - وأحكامهم ، ليس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الخلفاء غيره فيه سنة ) مناقب الشافعي للبيهقي (1/451) .
(3) مجموعة الفتاوى (4/451) .(1/457)
الأول : قتال من خرج عن طاعة ملك معين ، وإن كان قريبًا منه أو مثله في السنة والشريعة لوجود الافتراق ، والافتراق هو الفتنة .
ثانيًا : التسوية بين هؤلاء وبين المرتدِّين عن بعض شرائع الإسلام .
والثالث : التسوية بين هؤلاء وبين قتال الخوارج المارقين من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، ولهذا تجد تلك الطائفة يَدْخلون في كثير من أهواء الملوك وولاة الأمور ويأمرون بالقتال معهم لأعدائهم بناء على أنهم أهل العدل وأولئك البغاة ، وهم في ذلك بمنزلة المتعصبين لبعض أئمة العلم أو أئمة الكلام أو أئمة المشيخة على نظرائهم مدّعين أن الحق معهم ، أو أنهم أرجح بهوى قد يكون فيه تأويل بتقصير لا بالاجتهاد ، وهذا كثير في علماء الأمة وعبادها وأمرائها وأجنادها ، وهو من البأس الذي لم يرفع من بينها ، فنسأل الله العدل فإنه لا حول ولا قوة إلا به ) (1) . أ . هـ .
هذه أقسام الخارجين وأحكام مقاتلتهم ، أما عن أحكام خروجهم وقتالهم :
فالقسم الأول : من فعل فعلهم واعتقد عقائدهم فهو مشكوك في إسلامه ، خصوصًا وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : « يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية » (2) ، وقد اختلف أهل السنة في تكفير الخوارج (3) .
أما القسم الثاني : فمن فعل فعلهم فهو عاص لله تعالى مستحق إقامة الحد المذكور . حد الحرابة .
__________
(1) مجموعة الفتاوى (2/452) .
(2) سبق تخريجه قريبًا (ص 492) .
(3) ممن ذهب إلى تكفير الخوارج : الإمام البخاري ةالقاضي أبو بكر والسبكي والقرطبي ، ونقله أيضًا عن صاحب الشفاء - القاضي عياض – وكذلك صاحب الروضة – الإمام النووي )) انظر فتح الباري (12/300) وممن قال بعدم تكفيرهم الإمام علي بن أبي طالب وعمر بن عبد العزيز والشافعي والخطابي وابن بطال والجويني وأكثر أهل الأصول ، وابن تيمية والشاطبي . انظر فتح الباري (12/300) ، ومنهاج السنة (3/60 ، 62 ) والاعتصام (2/186) ، وكنز العمال (11/320) .(1/458)
أما القسم الثالث : فلا يجوز فعلهم لما سبق أن ذكرنا من تحريم الخروج على أئمة العدل والوعيد الوارد في ذلك . وهذا محل اتفاق بين أهل السنة والجماعة .
أما القسم الرابع : فهو محل نظر وهو مجال البحث في هذا الفصل وستتبين لنا النتيجة آخر الفصل إن شاء الله .
ثانيًا المخروج عليهم :
أما المخروج عليهم ( الأئمة ) فأحوالهم متباينة من شخص لآخر ، وواحدهم لا يخرج عن أحد ثلاثة : إما أن يكون عادلاً مسقطًا ، وإما أن يكون كافرًا مجرمًا ، وإما أن يكون حاله مترددًا بين هذين وهو الفاسق أو الظالم ، وهذا قد يكون فسقه وظلمه على نفسه وفي أعماله الخاصة ، وقد يتعدى ذلك إلى الرعية إما في أموالهم وأنفسهم أو في دينهم وأعراضهم . ولكل واحد من هؤلاء حكم خاص .
1- الإمام العادل المقسط :
فهذا يحرم الخروج عليه مطلقًا وباتفاق العلماء ، يدل على ذلك الآية والأحاديث الآمرة بالطاعة لأولي الأمر من المسلمين - وقد سبق تفصيلها عند الحديث على الحقوق بما يغني عن الإعادة - ويدل على ذلك أيضًا الآيات والأحاديث الواردة في وجوب الوفاء بالبيعة ، وما ورد من
النهي والتحذير من نكثها في ذلك - وسبق تفصيلها أيضًا (1) - حتى ولو وجد بعد إبرام العقد والمبايعة لمن هو أفضل وأكمل شروطًا - كما سبق بيانه عند الحديث عن اشتراط الأفضلية (2) - بل تجب مناصرته ومقاتلة من ناوأه وبغى عليه إذا لم يفيء إلى أمر الله (3) .
__________
(1) انظر : فصل طرق الانعقاد (ص 201) فما بعدها .
(2) انظر : فصل شروط الإمام (ص 284) فما بعدها .
(3) للاستزادة انظر : فصل واجبات الإمام وحقوقه (ص383) فما بعدها .(1/459)
هذا وقد سبق أن بيَّنَّا أن العدالة المطلوبة التي باتصاف الإِمام بها يحرم الخروج عليه كائنًا من كان هذا الخارج لا تقتضي أن يكون معصومًا في أقواله وأفعاله ، بل كل بشر عرضة للوقوع في الخطأ وفي بعض الذنوب ، لكن إذا كان حريصًا على التحرز من ذلك ويرجع عن خطئه إذا تبين له ذلك ويستغفر ويتوب إلى الله عما بدر منه ، ويرجع حقوق الآدميين إلى أصحابها إذا ظهر له الخطأ في تصرفه فيها إذا أمكن ذلك . فهو بهذه الصفات من أئمة العدل الواجب طاعتهم والمحرم الخروج عليهم بكل صور الخروج المختلفة . ولهؤلاء الأئمة نرجو من الله المغفرة لهم فيما يقعون فيه من خطأ ولهم ثواب الاجتهاد الذي بذلوه في سبيل الوصول إلى الحق سواء أصابوه أم خالفوه ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .
2- الخروج على الحاكم الكافر المرتد :
وهذا - أيضًا - متفق على وجوب الخروج عليه ومنابذته بالسيف إذا قُدر على ذلك ، أما إذا لم يكن لهم قدرة عليه فعليهم السعي إلى سلوك أقرب طريق للإطاحة به ، وتخليص المسلمين من تسلطه عليهم
مهما كلَّف ذلك من جهد ، يدل على ذلك حديث عُبادة الآنف الذكر « ... وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان » (1) .
قال الحافظ بن حجر : ( وإذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك ، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها كما في الحديث ... يعني حديث عبادة الآنف الذكر ) (2) .
وقال في موضع آخر : ( إنه - أي الحاكم - ينعزل بالكفر إجماعًا ، فيجب على كل مسلم القيام في ذلك ، فمن قوي على ذلك فله الثواب ، ومن داهن فعليه الإثم ، ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض ) (3) .
__________
(1) متفق عليه . وسبق تخريجه (ص 454) من هذا الفصل .
(2) فتح الباري (13/7) .
(3) فتح الباري (13/123) .(1/460)
وقد سبق الكلام على أنه لا ولاية لكافر على مسلم بحال عند الحديث عن شرط الإسلام (1) ، وعلى وجوب العزل لمن ارتد عن الإسلام عند الحديث عن أسباب العزل (2) بما يغني عن الإعادة والله أعلم .
3- الخروج على الإمام الفاسق :
سبق الحديث عن اختلاف العلماء في الفسق هل هو من
مسببات العزل أم لا ؟ . وبناء على ذلك الاختلاف اختلفوا أيضًا في الخروج على أئمة الجور وسلاطين الظلم ، والذي يظهر لي أن سبب اختلافهم هو اختلاف أفهامهم للنصوص الشرعية الناهية عن الخروج ، والأخرى المؤيدة له ، كما أن أحوال أولئك السلاطين غير منضبطة وغير ثابتة ، فمنهم القريب إلى العدل ، ومنهم القريب إلى الكفر ، ومنهم الغامض ، ومنهم من يكون في عصر يندر فيه الأخيار ، ومنهم من يكون بخلاف ذلك ، ثم إن من العلماء من ينظر إلى الحسنات ويقتصر على نصوص الطاعة ، ومنهم من يحصر نظره على السيئات ويستشهد بأحاديث الخروج ، ومن ناحية ثالثة ينظر بعض الفقهاء إلى كون الخارج مساويًا للمخروج عليه أو أظلم منه بينما يرى الآخرون أنه أعدل وأحق .
لذلك فمن الصعب أن يكون هناك قاعدة منضبطة ثابتة لهذا الصنف المتذبذب في حقيقته وفي نظرة الناس إليه ، ولكن قد يجمعهم مذهبان ، مذهب لا يرى الخروج على أئمة الظلم ولا يجيزه ، ومذهب آخر يرى ذلك ويوجبه ، والآن نستعرض هذين المذهبين وأدلة كل منهما حتى يتضح لنا وجه الحق إن شاء الله :
المذهب الأول
القائلون بعدم جواز الخروج على الأئمة الظلمة :
ذهب غالب أهل السنة والجماعة إلى أنه لا يجوز الخروج على أئمة الظلم والجور بالسيف ما لم يصل بهم ظلمهم وجورهم إلى الكفر البواح ، أو ترك الصلاة والدعوة إليها أو قيادة الأمة بغير كتاب الله تعالى
__________
(1) انظر : فصل شروط الإمام : الشرط الأول (ص 222) فما بعدها .
(2) انظر : (ص 453) من هذا الفصل .(1/461)
كما نصت عليها الأحاديث السابقة في أسباب العزل (1) .
وهذا المذهب منسوب إلى الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة التي وقعت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما . وهم : سعد بن أبي وقاص ، وأسامة بن زيد ، وابن عمر ، ومحمد بن مسلمة (2) ، وأبو بكرة رضي الله تعالى عنهم أجمعين . وهو : مذهب الحسن البصري (3) والمشهور عن الإمام أحمد بن حنبل وعامة أهل الحديث . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( ... ولهذا كان مذهب أهل الحديث ترك الخروج بالقتال على الملوك البغاة والصبر على ظلمهم إلى أن يستريح بر ، أو يستراح من فاجر ... ) (4) .
هذا وقد ادعى الإجماع على ذلك بعض العلماء كالنووي في شرحه لصحيح مسلم (5) وكابن مجاهد البصري الطائي (6) فيما حكاه عنه ابن حزم (7) ولكن دعوى الإجماع فيها نظر ، لأن هناك من أهل السنة من خالف في ذلك كما سيأتي :
الأدلة :
استدلوا على مذهبهم وهو ترك الخروج على أئمة الظلم بالسيف بالأدلة التالية :
أولاً : الأحاديث الواردة في الأمر بالطاعة وعدم نكث البيعة والأمر بالصبر على جورهم وإن رأى الإنسان ما يكره . وهي أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر المعنوي كما ذكر ذلك الشوكاني (8) رحمه الله . أهمها :
__________
(1) انظر : (ص 453 - 457) من هذا الفصل .
(2) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (4/171) .
(3) البداية والنهاية لابن كثير (9/135) .
(4) مجموعة الفتاوى (4/444) .
(5) 12/229) .
(6) هو : أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مجاهد البصري الطائي المتكلم . من كبار الأشاعرة وهو : شيخ الباقلاني .
(7) مراتب الإجماع لابن حزم (ص 199) .
(8) نيل الأوطار (7/199) .(1/462)
1- حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال : ( بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ، وعلى أثرة علينا وعلى ألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان ) . وفي رواية : ( وعلى ألا ننازع الأمر أهله ، وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ) (1) . قال ابن تيمية بعد ذكره لهذا الحديث : ( فهذا أمر الطاعة مع استئثار ولي الأمر ، وذلك ظلم منه ، ونهي عن منازعة الأمر أهله وذلك نهي عن الخروج عليه ) (2) .
2- حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « إنه يستعمل عليكم أمراء ، فتعرفون وتنكرون ، فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع » ، قالوا : أفلا نقاتلهم قال : « لا ما صلوا » (3) .
3- حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من
رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات ... مات ميتة تجاهلية » (4) .
__________
(1) متفق عليه . وسبق تخريجه قريبًا (ص 454) من هذا الفصل .
(2) منهاج السنة (2/88) .
(3) رواه مسلم والترمذي وأبو داود وغيرهم . وسبق تخرجه (ص457) من هذا الفصل .
(4) متفق عليه . رواه البخاري في الفتن . ب : سترون بعدي أمورًا تنكرونها ، فتح الباري (13/5) ، ومسلم في ك : الإمارة . ب : ملازمة جماعة المسلمين ... ح1849 ، (3/1477) ، وأحمد في المسند (1/275) .(1/463)
4- حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، وتصلون عليهم ويصلون عليكم . وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم » . قال : قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم ؟ قال : « لا ما أقاموا فيكم الصلاة ، ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ، ولا ينزعن يدًا من طاعة » (1) .
5- حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » (2) .
6- حديث حذيفة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس » قال : قلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال : « تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع
وأطع » وفي رواية : « تلزم جماعة المسلمين وإمامهم » . قال فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : « فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة ، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك » (3) .
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة في هذا المعنى ، وهي جميعها صريحة في النهي عن الخروج على الأئمة ، وإن رأى الإنسان ما يكره ، وصريحة كذلك في الأمر بالصبر على جورهم وعدم نزع اليد من الطاعة .
ثانيا : الأحاديث الدالة على تحريم اقتتال المسلمين فيما بينهم ، وعلى النهي عن القتال في الفتنة :
__________
(1) رواه مسلم وسبق تخريجه (ص 456) .
(2) رواه مسلم . وسبق تخريجه (ص 44 ، 204) عن البيعة .
(3) متفق عليه . رواه البخاري في : الفتن . باب : كيف الأمر إذا لم تكن جماعة . الفتح (13/35) ، ومسلم في : الإمارة . ح1847 (3/1475) .(1/464)
ومن الأدلة على عدم جواز الخروج على الأئمة الفساق الأحاديث الدالة على تحريم الاقتتال بين المسلمين ، وهذا يقع عادة عندما تخرج طائفة عن طاعة إمامها ، لأنه يستنجد بجنده من المسلمين فيحصل الاقتتال بينهم ، وهناك ما يدل على غلظ تحريم قتل المسلم أخاه المسلم ، وعلى النهي عن الاقتتال بين المسلمين ، ومن هذه الأدلة :
1- ما رواه البخاري (1) بسنده إلى طريف أبي تميمة قال : شهدت صفوان (2) وجندبًا (3) وأصحابه وهو يوصيهم فقالوا : هل سمعت من
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا ؟ قال سمعته يقول : « من سمع سمع الله به يوم القيامة » . قال : « ومن شاق شقق الله عليه يوم القيامة » . فقالوا : أوصنا . فقال إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبًا فليفعل ومن استطاع أن لا يحال بينه وبين الجنة بملء كف من دم هراقه (4) فليفعل .
قال الحافظ ابن حجر : ( وهذا وإن لم يرد مصرحًا برفعه لكان في حكم المرفوع ، لأنه لا يقال بالرأي ) (5) .
2- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « سباب المسلم فسوق وقتاله كفر » (6) .
__________
(1) رواه في كتاب : الأحكام . باب : 9 ، من شاق شق الله عليه ، حديث رقم (7152) الفتح (13/128) .
(2) هو : ابن محرز بن زياد التابعي الثقة المشهور من أهل البصرة عن الفتح (13/129) .
(3) هو : ابن عبد الله البجلي الصحابي المشهور .
(4) هراقه : أي : صبه .
(5) فتح الباري (13/130) .
(6) متفق عليه . رواه البخاري في ك : الأيمان . ب : 36 ، خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر . الفتح (1/108) ، ومسلم في ك : الإيمان . ب : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « سباب المسلم فسوق » . ح116 (1/81) .(1/465)
3- وعن الأحنف بن قيس رضي الله تعالى عنه قال : ذهبت لأنصر هذا الرجل - يعني على بن أبي طالب رضي الله عنه - فلقيني أبو بكرة فقال أين تريد ؟ فقلت : أنصر هذا الرجل ، فقال : ارجع فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار » . فقلت : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : « إنه كان حريصًا على قتل صاحبه » (1) .
4- وعن جرير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له في حجة الوداع : استنصت الناس فقال : « لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض » (2) .
فهذه الأحاديث وما في معناها تدل على تحريم اقتتال المسلمين فيما بينهم ، وهذا لا شك يكون عند الخروج على الأئمة بالسيف ، فدل على تحريم ذلك الخروج .
أحاديث النهي عن القتال في الفتنة :
كما أن مما يدل على ذلك الأحاديث الواردة في النهي عن القتال في الفتنة ، وهي أحاديث كثيرة منها :
__________
(1) متفق عليه . رواه البخاري في ك : الإيمان . ب : 22 ، ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ... ) الفتح (1/85) ، ورواه مسلم في ك : الفتن .ح2888 (4/2213) ، ورواه أبو داود ، والنسائي ، وأحمد ، ورواه ابن ماجة عن أبي موسى بنحوه في الفتن رقم (3964) (2/1311) .
(2) متفق عليه . رواه البخاري في ك : العلم . ب : 43 ، الإنصات للعلماء . الفتح (1/217) .
ومسلم في ك : الإيمان ، ح118 (1/82) . باب : بيان معنى قول النبي : « لا ترجعوا بعدي كفارًا ... » . ورواه الترمذي في : الفتن . باب : لا ترجعوا بعدي كفارًا ، ح2193 (4/486) .(1/466)
1- عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ، والقائم خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، من تشرف لها تستشرفه ، ومن وجد فيها ملجأ فليعذ به » (1) . أي : من وجد عاصمًا وموضعًا يلتجئ إليه ويعتزل فيه فليعتزل (2) .
2- وعن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع
القطر ، يفر بدينه من الفتن » (3) .
وهذا يدل على فضل اعتزال الفتن عند وقوعها ، وأنها مفسدة للدين الذي هو أول ما يجب على المسلم صيانته وحفظه .
__________
(1) متفق عليه . رواه البخاري في ك : الفتن . ب : 9 ، الفتح (13/30) ، ومسلم في ك : الفتن . ب : نزول الفتن كمواقع القطر ، ح2886 ، وروى نحوه الترمذي عن سعد بن أبي وقاص في ك : الفتن . ح2194 (4/486) ، وأحمد في المسند (1/169) .
(2) انظر : فتح الباري (13/30) بتصرف يسير .
(3) رواه البخاري في : الفتن . ب : التغرب في الفتنة الفتح (13/40) ، وأبو داود في الفتن . ب : 4 ، عون (11/349) ، والنسائي في : الإيمان . ب : 30 ، وابن ماجة في : الفتن . باب : 13، ح3980 (1317) .(1/467)
3- وعن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إنها ستكون فتن . ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي فيها ، والماشي فيها خير من الساعي إليها . ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه » . قال : فقال رجل : يا رسول الله أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض ؟ قال : « يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ، ثم لينج إن استطاع النجاء . اللهم هل بلغت - ثلاثًا - » . قال : فقال رجل : يا رسول الله أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه أو يجئ سهم فيقتلني ؟ قال : « يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار » (1) .
4- وعن عديسة بنت إهبان بن صيفي الغفاري قالت : جاء علي بن أبي طالب إلى أبي فدعاه للخروج معه ، فقال له أبي : إن خليلي وابن عمك عهد إلى إذا اختلف الناس أن اتخذ سيفًا من خشب فقد اتخذته فإن شئت خرجت به معك ... قالت : فتركه (2) .
5- وعن أبي موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الفتن : « كسروا فيها سيوفكم وقطعوا أوتاركم واضربوا بسيوفكم الحجارة ، فإن دخل على أحدكم فليكن كخير ابني آدم » (3) .
__________
(1) رواه مسلم في : الإمارة . ب : نزول الفتن كمواقع القطر . ح2887 (3/2212) .
(2) رواه الترمذي واللفظ له . في : الفتن . ب : 33 ، ح2203 . وقال : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عبيد (4/490) ، ورواه ابن ماجة في : الفتن . ب : 11 ، ح3960 (2/1309) . وانظر : مسند الإمام أحمد (5/69) بنحوه .
(3) رواه ابن ماجة مختصرا في ك : الفتن . ب : 11 ، ح3961 (2/1310) ، والترمذي في الفتن . ب : 33 ، ح2204 . وقال : هذا حديث حسن غريب صحيح (4/491) ، وأبو داود في : الفتن . ب : 2 ، عون المعبود (12/337) .(1/468)
فهذه النصوص جميعها تدل على النهي عن القتال في الفتنة ولا شك أن الخروج على الأئمة مما يؤدي إلى الفتنة ، فدل ذلك على النهي عن الخروج على الأئمة الظلمة . قال الحافظ ابن حجر : ( والمراد بالفتنة في هذا الباب : هو ما ينشأ عن الاختلاف في طلب الملك حيث لا يعلم المحق من المبطل ) (1) .
ثالثا : الأحاديث الدالة على أن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر :
فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : « إن الله يؤيد هذا اليدين بالرجل الفاجر » (2) . وفي رواية « ... بأقوام لا خلاق لهم » (3) .
فإذا كان الدين قد يؤيد وينصر بسبب رجل فاجر ، ولا يضر الدين فجوره فلا يجوز الخروج على الأئمة الفجرة لمجرد فجورهم ، لأن
فجور الفاجر منهم لا يضر هذا الدين وإنما ضرره على نفسه ، وقد يجر هذا الخروج إلى فتن وويلات لا تحمد عقباها .
رابعاً : ومن الأدلة على عدم الخروج أيضًا موقف الصحابة الذين توقفوا عن القتال في الفتنة ، وموقف علماء السلف أيام حكم بني أمية وبني العباس وكان في بعضهم فسوق وظلم ، ومنهم الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كفره بعضهم ، وكان الحسن البصري يقول : ( إن الحجاج عذاب الله فلا تدافعوا عذاب الله بأيديكم ولكن عليكم الإستكانة والتضرع فإن الله تعالى يقول : {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } (4) ) (5) .
__________
(1) فتح الباري (13/31) .
(2) سنن الدارمي (2/241) .
(3) متفق عليه . رواه البخاري في ك : الجهاد . ب : 182 ، إن الله ليؤيد هذا الدين ... فتح الباري (6/179) ، ومسلم في : الإيمان . ب : غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه ، ح178 (1/105) . وذلك في قصة الرجل الذي قاتل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال عنه إنه من أهل النار ، وظهر بعد ذلك أنه قتل نفسه .
(4) سورة المؤمنون آية 76 .
(5) منهاج السنة (1/241) .(1/469)
وقيل للشعبي في فتنة ابن الأشعث (1) : أين كنت يا عامر ؟ قال : ( كنت
حيث يقول الشاعر :
عوى الذئب فاستأنت بالذئب إذ عوى ... وصوت إنسان فكدت أطير (2)
أصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء ) (3) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( ولهذا استقر رأي أهل السنة على ترك القتال في الفتنة ، للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم (4) .
__________
(1) كانت سنة إحدى وثمانين حينما بعث الحجاج ابن الأشعث قائدًا على الجيش لمحاربة رتبيل ملك الترك ، وكان كل منهما يكره الآخر ، فمضى ابن الأشعث ، وفتح كثيرًا من البلاد ، ورأى التوقف في فصل الشتاء حتى يذهب البرد ، ويتقوى المسلمون ، فعاتبه الحجاج ، وكتب إليه بكلام بذيء ، فلم يحتمله ابن الأشعث فشاور أصحابه في خلعه ، فوافقوه ، وجعل الناس يلتفون حوله ، فسير إليه الخليفة عبد الملك بن مروان جيشًا بقيادة الحجاج ، فهزمهم ابن الأشعث ودخل البصرة ، ثم رأى أن يخلع الخليفة أيضًا ، فوافقه جميع من في البصرة من الفقهاء والقراء والشيوخ والشباب ، ثم أخذت تدور بينهم المعارك ، منها معركة (دير الجماجم ) المشهورة ، وراح ضحية لهذه الفتنة خلق كثير من الصالحين . انظر بتوسع : البداية والنهاية (9/35) فما بعدها .
(2) هذا البيت في غريب الحديث للحربي (ص 732) تحقيق سليمان العايد رسالة دكتوراه من جامعة أم القرى 1402 هـ . ورواه ابن قتيبة في الشعر والشعراء (787) ، وعزاه للأحيمر السعدي ، وانظر كتاب : العزلة للخطابي (ص 56) فقد رواه بسنده إلى الشافعي وعزاه إلى تأبط شرًا .
(3) منهاج السنة (2/241) .
(4) منهاج السنة (2/241) .(1/470)
قلت : ولا يكاد أحد من علماء السلف يذكر عقيدته إلا وينص على هذه المسألة ذاتها ، ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره الإمام أحمد في عقيدته في أكثر من رواية حيث قال : ( ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق (1) وسيأتي تقرير مذهب الإمام أحمد قريبًا إن شاء الله . وبنحو كلام الإمام أحمد هذا . نص على ذلك أبو زرعة ، وابن أبي حاتم الرازيان (2) ،
وعلي بن المديني (3) ، وغيرهم كثير : كالطحاوي (4) ، وأبي عثمان الصابوني (5) وغيرهم .
خامسًا : ومن الأدلة على النهي عن الخروج على الأئمة صلاة الصحابة رضوان الله عليهم خلف أئمة الجور والمبتدعة ، وهذا يقتضي الإقرار بإمامتهم .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( إذا ظهر من المصلي بدعة أو فجور وأمكن الصلاة خلف من يعلم أنه مبتدع أو فاسق مع إمكان الصلاة خلف غيره ، فأكثر أهل العلم يصححون صلاة المأموم ، وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وهو : أحد القولين في مذهب مالك وأحمد ، وأما إذا لم يمكن الصلاة إلا خلف المبتدع أو الفاجر كالجمعة التي إمامها مبتدع أو فاجر وليس هناك جمعة أخرى فهذه تصلى خلف المبتدع والفاجر عند عامة أهل السنة والجماعة ، وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة السنة بلا خلاف عندهم ) (6) .
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي تحقيق أحمد سعد حمدان : رسالة دكتوراه عام 1401 هـ . جامعة أم القرى (ص 158) .
(2) نفس المرجع (ص 167) و(ص 179) .
(3) نفس المرجع (ص 164) .
(4) شرح العقيدة الطحاوية (ص 366) ط . 3 .
(5) رسالة عقيدة السلف وأصحاب الحديث لأبي عثمان ضمن مجموعة الرسائل المنيرية (1/129) .
(6) مجموعة الرسائل والمسائل الرسالة الأخيرة (5/198) تعليق محمد رشيد رضا . ن . لجنة التراث العربي .(1/471)
والذي يدل على ذلك الجواز فعل الصحابة رضوان الله عليهم حيث كانوا يصلون خلف من يعرفون فجوره ، كما صلى عبد الله بن
مسعود وغيره من الصحابة خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وقد كان يشرب الخمر ، وصلى مرة الصبح أربعًا ، وجلده عثمان رضي الله عنه على ذلك ، وكان عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة يصلون خلف الحجاج بن يوسف (1) ، وكان الصحابة والتابعون يصلون خلف ابن أبي عبيد وكان متهمًا بالإلحاد (2) ، وأخرج ابن سعد عن زيد بن أسلم : ( أن ابن عمر كان في زمان الفتنة لا يأتي أميرًا إلا صلى خلفه وأدى إليه زكاة ماله ) (3) .
سادسًا : ومن الأدلة على عدم جواز الخروج على الأئمة الفسقة مراعاة مقاصد الشريعة إذ أن من أهداف الشريعة الإسلامية تحقيق أكمل المصلحتين بتفويت أدناهما ، ودفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما . ولا شك أن الضرر في الصبر على جور الحكام أقل منه في الخروج عليهم لما يؤدي إليه من الهرج والمرج ، فقد يرتكب في فوضى ساعة من المظالم ما لا يرتكب في جور سنين . قال ابن تيمية : ( وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر ، أعظم مما تولد من الخير ) (4) .
ولذلك ( فلا يهدم أصل المصلحة شغفًا بمزاياها ، كالذي يبني قصرًا ويهدم مصرًا ) (5) .
وذكر ابن الأزرق في معرض استدلاله أن جور الإمام لا
__________
(1) حديث كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج ذكره ابن أبي شيبة في المصنف . وقال عنه الألباني : سنده صحيح على شرط الستة . انظر : إرواء الغليل (2/303) .
(2) انظر : مجموعة الرسائل والمسائل (5/199) .
(3) قال الألباني : سنده صحيح . انظر : إرواء الغليل (2/204) .
(4) منهاج السنة (2/241) .
(5) إحياء علوم الدين على هامشه إتحاف السادة المتقين للزبيدي (2/233) .(1/472)
يسقط وجوب الطاعة قال : ( الثاني : دلالة وجوب درء أعظم المفاسد عليه ، إذا لا خفاء أن مفسدة عصيانه تربو على مفسدة إعانته بالطاعة له كما قالوا في الجهاد معه ، ومن ثَمَّ قيل : عصيان الأئمة هدم أركان الملة ) (1) كما أن في الصبر على جورهم واحتساب ذلك عند الله تكفير السيئات ومضاعفة الأجور ( فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا ، والجزاء من جنس العمل فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل ) (2) . وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الحكمة التي راعاها الشارع في النهي عن الخروج على الأمراء وندب إلى ترك القتال في الفتنة لما في المقاتلة من قتل للنفوس بلا حصول للمصلحة المطلوبة . قال : ( وإن كان الفاعلون لذلك يرون أن مقصودهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالذين خرجوا بالحرة وبدير الجماجم على يزيد والحجاج وغيرهما ... ) (3) قال : ( لكن إذا لم يزل المنكر إلا بما هو أنكر منه صارت إزالته على هذا الوجه منكرًا ، وإذا لم يحصل المعروف إلا بمنكر ، مفسدته أعظم من مصلحة ذلك المعروف ، كان تحصيل ذلك المعروف على هذا الوجه منكرًا ، وبهذا الوجه صارت الخوارج يستحلون السيف على أهل القبلة حتى قاتلت عليًا - رضي الله تعالى عنه - وغيره من المسلمين ، وكذلك من وافقهم في الخروج على الأئمة بالسيف في الجملة من المعتزلة والزيدية والفقهاء وغيرهم ) (4) .
ويقرر تلميذه ابن القيم رحمهما الله هذه المسألة فيقول : ( إن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من
__________
(1) بدائع السلك (1/78) .
(2) شرح العقيدة الطحاوية (ص 368) .
(3) منهاج السنة (2/243) .
(4) نفس المرجع .(1/473)
المعروف ما يحبه الله ورسوله ، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله ، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم ، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر ، وقد استأذن الصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ، وقالوا : أفلا نقاتلهم ؟ فقال : « لا ، ما أقاموا الصلاة » ، وقال : « ومن رأى من أميره ما يكرهه ، فليصبر ولا ينزعن يدًا من طاعة » . ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار ، رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكره ، فطلب إزالته فتولَّد منه ما هو أكبر منه ، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها ، بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت وردِّه على قواعد إبراهيم ، ومنعه من ذلك مع قدرته عليه - خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك ، لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر ، ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه ... ) (1) إلى أن قال : ( فإنكار المنكر أربع درجات :
الأولى : أن يزول ، ويخلفه ضده .
الثانية : أن يقلّ وإن لم يُزل بجملته .
[ الثالثة : أن يتساويا .
الرابعة ] (2) : أن يخلفه ما هو شر منه ) .
قال : ( فالدرجتان الأوليان مشروعتان ، والثالثة موضع اجتهاد ،
__________
(1) إعلام الموقعين (3/4) .
(2) ما بين القوسين ليس في المطبوعة ، لكن السياق يقتضيه ، ولعله سقط عند الطبع .(1/474)
والرابعة محرمة ) (1) ثم ضرب الأمثلة على كل درجة ، ومنها قوله في التمثيل على الرابعة : ( سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدّس الله سره ونوّر ضريحه يقول : ( مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر ، فأنكر عليهم من كان معي ، فأنكرت عليه وقلت له : إنما حرَّم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، وهؤلاء تصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذراري وأخذ الأموال فدعهم ) (2) .
سابعًا : ومن الأدلة على عدم جواز الخروج على الأئمة أننا عند استعراضنا للفتن التي قامت في التأريخ الإسلامي الأول نجد أنها لم تؤت الثمار المرجوة من قيامها ، بل بالعكس قد أدت إلى فتن وفرقة بين المسلمين لا يعلم عظم فسادها إلا الله ، يقول المعلمي : ( وقد جرَّب المسلمون الخروج فلم يروا منه إلا الشر :
1- خرج الناس على عثمان يرون أنهم يريدون الحق .
2- ثم خرج أهل الجمل يرى رؤساؤهم ومعظمهم أنهم إنما يطلبون الحق ، فكانت ثمرة ذلك بعد اللقيا ، والتي أن انقطعت خلافة النبوة وتأسست دولة بني أمية .
3- ثم اضطر الحسين بن علي إلى ما اضطر إليه فكانت تلك المأساة .
4- ثم خرج أهل المدينة فكانت وقعة الحرَّة .
5- ثم خرج القرَّاء مع ابن الأشعث فماذا كان ؟
6- ثم كانت قضية زيد بن علي ، وعرض عليه الروافض أن ينصروه على أن يتبرأ من أبي بكر وعمر ، فخذلوه ، فكان ما كان ) (3) .
__________
(1) إعلام الموقعين (3/4) .
(2) نفس المرجع (3/5) .
(3) التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل لعبد الرحمن بن يحيى المعلمي (1/94) ط . أولى . 1401 هـ . باكستان ، لاهور .(1/475)
قلت : وقد عدَّ أبو الحسن الأشعري خمسة وعشرين خارجًا كلهم من آل البيت (1) ولم يكتب لأحد منهم نصيب في الخروج ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وقلَّ من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر ، أعظم مما تولَّد من الخير ... ) (2) .
فإذا كان هذا مآل الخارج ، وإن كان قصده حسنًا ، ولا يريد إلا الخير وإصلاح الأوضاع ، فكيف يجوز الخروج ؟
المذهب الثاني
القائلون بالخروج على أئمة الجور والظلم
ذهبت طوائف من أهل السنة وبعض الأشاعرة والمعتزلة والخوارج (3) والزيدية (4) وكثير من المرجئة إلى الخروج على أئمة الجور ، وسلِّ السيول واستخدام القوة في تغيير المنكر إذا لم يمكن دفع المنكر إلا بذلك ولو لم يصلوا إلى درجة الكفر . قال ابن حزم ( إن سلَّ السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إذا لم يمكن دفع المنكر إلا بذلك ) (5) ونسب هذا القول إلى بعض الصحابة وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم . فقال : ( وهذا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكل من معه من الصحابة ، وقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وطلحة والزبير . وكل من كان معهم من الصحابة . وقول
__________
(1) انظر : مقالات الإسلاميين (1/151 - 166) .
(2) منهاج السنة (2/241) .
(3) انظر : مقالات الإسلاميين (1/204) .
(4) نفس المرجع (1/150) .
(5) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/171) .(1/476)
معاوية ، وعمرو ، والنعمان بن بشير ، وغيرهم ممن معهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين . وهو : قول عبد الله بن الزبير ، ومحمد بن الحسن بن علي ، وبقية الصحابة من المهاجرين والأنصار القائمين يوم الحرَّة رضي الله عن جميعهم أجمعين . وقول كل من قام على الفاسق الحجاج ومن والاه من الصحابة رضي الله عن جميعهم : كأنس بن مالك . وكل من كان ممن ذكرنا من أفاضل التابعين ... ثم من بعد هؤلاء من تابعي التابعين ومن بعدهم : كعبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر ، وكعبد الله بن عمر ، ومحمد بن عجلان ، ومن خرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن ، وهاشم بن بشر ، ومطر الوراق ، ومن خرج مع إبراهيم بن عبد الله ، وهو الذي تدل عليه أقوال الفقهاء : كأبي حنيفة ، والحسن بن حي وشريك ، ومالك ، والشافعي ، وداود وأصحابهم . فإن كلّ من ذكرنا من قديم وحديث إما ناطق بذلك في فتواه ، وإما فاعل لذلك بسل سيفه في إنكار ما رأوه منكرًا ... ) أ . هـ . (1) .
الأدلة :
استدل القائلون بالخروج على أئمة الجور وإن لم يَصِلُوا إلى حدّ الكفر بالأدلة التالية :
أولاً من القرآن الكريم :
1- قال الله تعالى : { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ... } الآية (2) .
ففي هذه الآية أمر الله عز وجل بقتال الفئة الباغية سواء كان الإمام معها أم مع العادلة - إذ ليس من شرطه أن يكون مع العادلة دائمًا - هذا مع أن هذه الفئة الباغية التي يجب أن تقاتل لم توصف بالكفر البواح . بل وصفت بالإيمان .
__________
(1) الفصل (4/171 ، 172) .
(2) سورة الحجرات آية 19 .(1/477)
وبناء على هذا فلو خرجت طائفة محقة على إمام جائر وجب على المسلمين نصرتها وقتاله وإن لم يكن كفر كفرًا بواحًا ، وعليه جرى العمل زمن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين حيث أن معظمهم أيد عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في خروجه على بني أمية وقتالهم (1) .
2- كما استدلوا لمذهبهم بقوله تعالى لإبراهيم عليه السلام : { قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } (2) . والإمامة عهد الله فلا يجوز أن ينال هذا العهد ظالم ، وإن ناله وجب الخروج عليه وإرجاعه عن ظلمه أو طرده عن منصب الإمامة .
3- واستدلوا أيضًا بقوله تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (3) . قالوا : فعدم الخروج على الإمام الظالم والسكوت عنه من التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه ، وإنكار المنكر ومجاهدة الظلمة والفسقة من البر الذي أمر الله تعالى بالتعاون عليه .
ثانيًا : كما ستدلوا بالآيات والأحاديث على وجوب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر فمنها :
__________
(1) انظر : البداية والنهاية لابن كثير (238) . وقد اختلف الناس في هذه المسألة فمن قائل فتنة ابن الزبير ، ومن قائل : خلافة ابن الزبير . والله أعلم بالصواب .
(2) سورة البقرة آية 124 .
(3) سورة المائدة آية 2 .(1/478)
1- قول الله عز وجل : { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (1) وقوله عز وجل : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } (2) .
2- ومنها ما ورد عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه عند قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } (3) حينما قام خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية - وتلاها - وإنكم تضعونها على غير موضعها ، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك الله عز وجل أن يعمهم بعقابه » . وفي رواية : « إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه » (4) .
3- ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - : « من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع
__________
(1) سورة آل عمران آية 104 .
(2) سورة المائدة آية 78 ، 79 .
(3) سورة المائدة 105 .
(4) رواه أحمد في المسند (1/153) حديث رقم (1) وقال أحمد شاكر إسناده صحيح ، ورواه الترمذي في ك : الفتن . ب : ما حاء في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر ، ح2168 . وقال : حديث صحيح (4/467) ، ورواه أبو داود في : الملاحم . ب : الأمر والنهي ، عون (11/489) ، وابن ماجة في : الفتن . ب : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ح4005 (2/1327) ، ورواه النسائي ، وابن حبان في صحيحه وغيرهم .(1/479)
فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان » (1) .
__________
(1) رواه مسلم في ك : الإيمان . ب : كون النهي عن المنكر من الإيمان ، ح49 (1/69) ، ورواه الترمذي في : الفتن . ب : ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ح2172 (4/470) ، ورواه أبو داود في ك : الملاحم . ب : الأمر والنهي عن أبي سعيد . انظر : عون المعبود (11/491) .(1/480)
4- ومنها ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول : يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ونزل فيهم القرآن فقال : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ... } إلى قوله { فَاسِقُونَ } - وكان - صلى الله عليه وسلم - متكئًا ثم جلس - ثم قال : « كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، ثم لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرًا ، ولتقصرنه على الحق قصرًا ، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ، ثم يلعنكم كما لعنهم » (1) . قالوا : فإنكار المنكر واجب على كل مسلم سواء صدر هذا المنكر من أمير أو حقير ، أو شريف أو وضيع ، ولم يرد في الآيات والأحاديث الآمرة بذلك استثناء للأمراء ، فدل على وجوب إنكار المنكر عليهم ، وإزالته ولو بالقوة عند الاستطاعة .
ثالثًا : الأحاديث الدالة على عزل الظالم والخروج عليه وكفه عن ظلمه
كما أن هناك أحاديث دالة على وجوب مجاهدة الظلمة وكفهم عن ظلمهم منها :
__________
(1) رواه أبو داود في ك : الملاحم . ب : الأمر والنهي ، عون (11/487) ، ورواه الترمذي وحسنه في كتاب : التفسير . ح3047 ، 3048 (5/252) ، وابن ماجة في : الفتن . باب : الأمر بالمعروف . (4/4006) ، (2/1323) بألفاظ متقاربة . وروياه أيضًا مرسلاً – أي الترمذي وابن ماجة – قال ابن مفلح الحنبلي : وإسناد هذا الخبر ثقات . وأبو عبيد لم يسمع من أبيه عندهم . انظر : الآداب الشرعية (1/193) .(1/481)
1- حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره . ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون . فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل » (1) .
قال ابن رجب الحنبلي : ( وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد ) (2) وهو نص صريح في المسألة .
2- ومنها حديث عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له : إنك أنت ظالم فقد تودع منهم » (3) .
3- وعن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال - في حديث طويل - : قلت يا رسول الله أرأيت هذا الخير الذي أعطانا الله أيكون بعده شر كما كان قبله ؟ قال : « نعم » ، قلت : فما العصمة من ذلك ؟ قال : « السيف » ، قلت :
__________
(1) رواه مسلم في ك : الإيمان . ب : النهي عن المنكر من الإيمان ، ح50 (1/70) .
(2) جامع العلوم والحكم (ص 304) .
(3) مسند الإمام أحمد (2/163) . وقد صحح الأستاذ أحمد شاكر هذا الحديث . انظر : تخريجه المسند . حديث رقم (6521) (10/30) .(1/482)
يا رسول الله ثم ماذا يكون ؟ قال : « إن كان لله خليفة في الأرض فضرب ظهرك ، وأخذ مالك فأطعه ، وإلا فمت وأنت عاض بجذل شجرة » ، قلت : ثم ماذا ؟ قال : « الدجال ... » . وفي رواية : قلت : فما العصمة يا رسول الله ؟ قال : « السيف » ، قال : قلت : وهل بعد هذا السيف بقية ؟ قال : « نعم ، تكون أمارة على أقذاء وهدنة على دخن » ، قال : قلت : ثم ماذا ؟ قال : « تنشأة دعاة الضلالة ... » (1) .
4- وعن عقبة بن مالك رضي الله تعالى عنه من رهطه قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فسلمت رجلاً منهم سيفًا فلما رجع قال : لو رأيت ما لامنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : « أعجزتم إذا بعثت رجلاً فلم يمض لأمري أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري » (2) .
وهذا الحديث يدل على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الإمام إذا لم يمض على سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحاد عنها ، فإنه يعزل ويجعل مكانه من يتبع السنة ويسير على منهاجها .
5- وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
«
__________
(1) رواه أبو داود في الفتن . ب : ذكر الفتن ودلائلها ، عون المعبود (11/312) . ورواه الإمام أحمد بعدة أسانيد في المسند (5/403 ، 404) . وحسنه الألباني في الجامع الصغير ح2992 (3/54 . ) .
(2) رواه أبو داود في ك : الجهاد . ب : في الطاعة . عون (7/291) . وقال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط : إسناده حسن ، قال المنذري : ذكر أبو عمر النمري وغيره أن عقبة هذا روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا واحدًا .
انظر : جامع الأصول لابن الأثير (4/71) ، وكلام المنذري في عون المعبود (7/291) ، وعزاه صاحب كنز العمال إلى الخطيب البغدادي في المتفق (5/297) ح14415 .(1/483)
سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا يفعلون . فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس منى ولست منه ولن يرد على الحوض » (1) .
6- هذا وقد قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه في خطبته المشهورة لما انعقدت له الخلافة : ( أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني ... ) (2) فهذا أمر منه رضي الله عنه للصحابة بالتقويم عند حصول الانحراف في رعايته لهم وهو أبو بكر الصديق ، فأولى بالتقويم من يأتي من بعده ، ويحيد عن الطريق (3) .
رابعًا : الأحاديث الدالة على خطر الأئمة المضلين :
وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة أحاديث تحذر من الأئمة المضلين ، وأنهم خطر كبير على الأمة وعلى دينها ، لذلك يجب السعي إلى إبعاد خطرهم
عن هذه الأمة ، التي تجب حمايتها على كل مسلم إذا غزيت أرضها أو نهبت أموالها فكيف إذا غزي دينها ؟
ومن هذه الأحاديث ما يلي :
__________
(1) رواه أحمد في المسند . وصححه أحمد شاكر حديث رقم (5702) (8/62) . وقال في مجمع الزوائد : رواه أحمد والبزار ... وفيه : إبراهيم بن قعيس . ضعفه أبو حاتم ، ووثقه ابن حبان ، وبقية رجاله رجال الصحيح (5/247) ، وفي المسند أيضًا عن جابر وهو في الترغيب والترهيب (3/150) ، ورواه الترمذي عن كعب بن عجرة في : الفتن . باب : 72 ، رقم (2259) وقال : حديث صحيح غريب لا نعرفه من حديث مسهر إلا من هذا الوجه (4/525) .
(2) انظر : سير ابن هشام (4/161) ، والبداية والنهاية (6/301) قال ابن كثير : إسناده صحيح .
(3) وهناك أحاديث أخرى كثيرة في هذا الباب منها « ... فضعوا سيوفكم على عواتقكم فأبيدوا خضراءهم ... » ونحوها . ولكني آثرت الصفح عنها لأنها لا تسلم من مقال .(1/484)
1- عن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ... » (1) .
2- وعن ثوبان رضي الله عنه في الحديث الطويل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « زويت لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها ... » إلى أن قال : « وإنما أتخوف على أمتي أئمة مضلين ... » (2) .
3- وفي رواية عند الطيالسي : « أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين » (3) .
4- وروى أحمد بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « أشد الناس عذابًا يوم القيامة : رجل قتله نبي ، أو قتل نبيًا ،
__________
(1) رواه الترمذي في : الفتن . ب : ما جاء في الأئمة المضلين ، ح2229 . وقال : حسن صحيح (4/504) . وصححه الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح (3/1484) .
(2) رواه أبو داود في : الفتن . ب : 1 ، عون (11/322 ، 323) ، وابن ماجة في : الفتن . ب : 9 ، ح3952 (2/1304) ، ورواه الإمام أحمد في المسند (4/123) عن شداد بن أوس ، وأصل الحديث بدون زيادة « وإنما أتخوف ... » في مسلم في ك : الفتن . ح2889 (4/2215) .
(3) مسند الطيالسي (2/165) . وبنحوه في المسند عن شداد بن أوس . قال في مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح (5/239) .(1/485)
وإمام ضلالة ، وممثل من الممثلين » (1) ولذلك فقد قال عمر لكعب : أني أسألك عن أمر فلا تكتمني قال : والله لا أكتمك شيئًا أعلمه قال : أخوف شيء تخوفه على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : « أئمة مضلين » ، قال عمر : صدقت ، قد أسر ذلك إليّ وأعلمنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) (2) .
وروى أبو شامة بسنده إلى زياد بن حدير قال : ( قال لي عمر : هل تعرف ما يهدم الإسلام ؟ قلت : لا ، قال : يهدمه زلة عالم وجدال منافق بالكتاب ، وحكم الأئمة المضلين ) (3) .
فإذا كانت هذه خطورتهم فمجاهدتهم واجبة تمليه المصلحة الشرعية .
خامسًا : ومن الأدلة على تحريم الخروج على أئمة الضلالة :
هو إجماع العلماء على قتال أي طائفة امتنعت عن شريعة من شرائع الإسلام ، فهذه يجب جهادها وقتالها باتفاق المسلمين . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وأيما طائفة انتسبت إلى الإسلام وامتنعت عن بعض شرائعه الظاهرة المتواترة فإنه يجب جهادها باتفاق المسلمين ... ) قال :
(
__________
(1) رواه الإمام أحمد في المسند رقم (3868) . وقال أحمد شاكر : إسناده صحيح (5/332) . قال الهيثمي رواه البزار .. ورجاله ثقات وكذلك رواه الإمام أحمد مجمع الزوائد (5/236) . والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (1/335) .
(2) مسند الإمام أحمد حديث رقم (293) . قال في مجمع الزوائد : رجاله ثقات (5/238) . وحسن الأستاذ أحمد شاكر إسناده (1/282) .
(3) الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة (ص 15) .(1/486)
فثبت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أنه يقاتل من خرج عن شريعة الإسلام وإن تكلم بالشهادتين ، وقد اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة لو تركت السنة الراتبة كركعتي الفجر هل يجوز قتالهما ؟ على قولين ، فأما الواجبات والمحرمات الظاهرة والمستفيضة فيقاتل عليها بالاتفاق (1) . فهذه الطائفة يجب جهادها سواء كان الإمام معها أم لا . فدل على وجوب الخروج على أئمة الجور إذا امتنعوا عن شريعة من شرائع الإسلام ، أو تركوا شيئًا من الواجبات ، أو فعلوا المحرمات الظاهرة .
وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون » (2) وفي رواية : « لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من يخذلهم حتى يأتي أمر الله » (3) .
هذا وقد جاء تفسير هذا الظهور بأنه النصر في القتال كما في الروايات التالية :
1- حديث جابر بن سمرة : « لن يبرح هذا الدين قائمًا يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة » (4) .
2- رواية جابر بن عبد الله : « لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق
ظاهرين إلى يوم القيامة » (5) . وفي رواية عمران بن الحصين : « ... يقاتلون على الحق
__________
(1) مجموعة الفتاوى (28/357 ، 358) .
(2) متفق عليه . رواه البخاري في ك : الاعتصام . ب : 10 ، الفتح (13/293) ، ورواه مسلم في ك : الإمارة . ح192 (3/1523) كلاهما عن المغيرة بن شعبة .
(3) رواه مسلم عن ثوبان في : الإمارة . ح1920 (3/1523) . والترمذي في : الفتن . ب : ما جاء في الأئمة المضلين ، ح2229 . وقال : حسن صحيح (4/504) ، وأبو داود في : الفتن . في باب : 1 . عون المعبود (11/324) .
(4) مسلم في الإمارة حديث رقم (1922) (3/1524) ، وقريب من هذا اللفظ في المسند (5/92) عن جابر نفسه .
(5) مسلم في الإيمان رقم (156) (1/137) ، وفي : الإمارة . رقم (1923) (3/1524) ، وأحمد (3/345) .(1/487)
ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال » (1) .
3- رواية عقبة بن عامر : « لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوِّهم ، لا يضرُّهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك » (2) .
فهذه الطائفة المنصورة تقاتل قطعًا وليس قتالها خاصًا بالكفار الصرحاء فحسب ، بل تقاتل كل من يخذلها ويخالفها ، وأعظمهم الأئمة المضلون كما في الأحاديث السابقة لاسيما إذا كانوا أخطر على الدين من الكفار الصرحاء ، فدلّ على أن الله قد وعد الخارج لنصرة دينه بالنصر والتمكين ، وهذا يدل على مشروعية مثل هذا الخروج .
سادسًا : ومن الأدلة أيضًا فعل الصحابة والسلف رضوان الله عليهم أجمعين :
فالصحابة الذين عاصروا الفتنة التي وقعت بين علي وأصحاب الجمل رضي الله عنهم أجمعين لم يكونوا يرون أن المبرر الوحيد للخروج هو الكفر يدلّ على ذلك أن الصحابة كانوا في زمن علي ثلاثة أقسام :
الأول : من كان مع علي .
الثاني : من كان مع معاوية (3) .
الثالث : الذين توقفوا ، وهم القلَّةُ رضي الله عنهم أجمعين .
__________
(1) أبو داود في الجهاد : باب : 4 ، في دوام الجهاد . عون المعبود (7/162) .
(2) مسلم في : الإمارة . حديث رقم (1924) (3/1525) .
(3) أهل الشام هم الفئة الباغية لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - « عمار تقتله الفئة الباغية ... » وعلي أقرب إلى الحق لقوله - صلى الله عليه وسلم - عن الخوراج : « تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق ... » . والله أعلم .(1/488)
فأما علي ومن معه فلو أنهم يعلمون أنه لا يصح الخروج إلا في حالة الكفر لكان هذا وحده كافيًا في الاحتياج على من خالفهم ، ولا اشتهر ذلك عنهم ، وأفحموا خصومهم ، ولا سيما أصحاب الجمل ، فإن من الثابت أن أصحاب الجمل ( طلحة ، والزبير ، وعائشة ) بايعوا عليًا ، ثم خرجوا عليه ، ومع ذلك لم ينقل عن علي وأصحابه أنهم احتجوا عليهم بأن عليًا لم يكفر فلا يجوز لكم الخروج بل كل ما احتجوا به أنهم خرجوا عن الطاعة دون سبب وجيه ، يدل على ذلك ما رواه البخاري (1) عن عبد الله بن زياد الأسدي قال : ( لما سار طلحة ، والزبير ، وعائشة إلى البصرة . بعث علي : عمار بن ياسر ، والحسن بن علي ، فقدما الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه ، وقام عمار أسفل من الحسن ، فاجتمعنا إليه ، فسمعت عمارًا يقول : ( إن عائشة قد سارت إلى البصرة ، والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ، ولكن الله ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي ) أما علي نفسه فما زاد أن قال في حق طلحة والزبير : ( بايعاني بالمدينة وخالفاني بالبصرة ، ولو أن رجلاً ممن بايع أبا بكر خالفه لقاتلناه ، وكذلك عمر ) (2) وكل الروايات الحديثية والتأريخية التي روت المحاورات والحجج التي حصلت بين الطرفين لم تذكر أحدًا منهم احتج بأنه لا يجوز الخروج على الإمام إلا أن يكفر ، فدل على أنهم لا يرون ذلك .
__________
(1) الجامع الصحيح ك : الفتن . ب : 18 ، فتح الباري (13/53) .
(2) أخرجه إسحاق بن راهويه من طريق سالم المرادي انظر : فتح الباري (13/53) . وانظر : تاريخ الإسلام للذهبي (3/391) بلفظ (خلعاني ) بدلاً من ( خالفاني ) .(1/489)
أما طلحة والزبير وأهل الشام وفيهم معاوية والنعمان بن بشير والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم أجمعين فلو أنهم يعلمون أن سبب الخروج هو الكفر وحده ثم خرجوا وقاتلوا المسلمين لكان معنى هذا أنهم متعمدون استحلال مقاتلة الإمام وإراقة دماء المسلمين ، وليسوا مجتهدين مخطئين ، وهذا لا يجوز في حقهم قطعًا ، ولو أنهم يعلمون ذلك ولم يخرجوا حتى كفر علي - حاشا لله أن يكفر - لا حتجوا به وأظهروه ، ولم يعللوا خروجهم بالمطالبة بدم عثمان -فدل على أنهم يرون الخروج على الإمام ولو لم يكفر .
أما الذين توقفوا ، وأشهرهم عبد الله بن عمر ، وسعد بن أبي وقاص ، وأسامة بن زيد ، ومحمد بن مسلمة ، وأبو موسى ، فهؤلاء لم ينقل عنهم أن سبب توقفهم هو أن أحدًا من الفئتين لم يكفر فلا يجوز الخروج عليه ، بل الثابت أن توقفهم كان عن اجتهاد ووجهة نظر إذ رأوا أنها فتنة لم يتبين لهم الأمر فيها وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن القتال في الفتنة ، والذي يدل على أن هذا هو سبب توقفهم ما يلي :
1- أما أسامة بن زيد فقد روى البخاري أن حرملة قال : ( أرسلني أسامة إلى علي وقال إنه سيسألك الآن فيقول : ما خلف صاحبك ؟ - أي الذي أخره عنا - فقل له : يقول لك : لو كنت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه ، ولكن هذا الأمر لم أره ) (1) .
2- أما عبد الله بن عمر فقد كان يرى الكف ، عملاً بأحاديث النهي عن القتال في الفتنة ، ومثله سعد ، ومحمد بن مسلمة ، إلا أن ابن عمر وسعدًا نقل عنهما الندم على أنهما لم يقاتلا الفئة الباغية التي قتلت عمارًا . فقد روي عن عبد الله بن عمر أنه قال : ( من هي الفئة الباغية ؟ ولو علمنا ما سبقتني أنت ولا غيرك على قتالها ) (2) وروي عنه أنه قال : ( ما أجد في نفسي شيئًا
__________
(1) صحيح البخاري في ك : الفتن . ب : 20 ، فتح الباري (13/61) .
(2) الفصل (4/171) .(1/490)
إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي بن أبي طالب ) (1) أما سعد فقد روي عنه أنه قال : ( ندمت على تركي قتال الفئة الباغية ) (2) .
3- أما أبو موسى وأبو مسعود فقد دخلا على عمار حين بعثه علي إلى أهل الكوفة يستنفرهم فقالا : ما رأيناك أتيت أمرًا أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت ، فقال عمار : ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمرًا أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر ... ) (3) فالملاحظ أن كلاً من الطرفين قد عاب الآخر بالنسبة لما يعتقده ، ولم يذكر واحد من الثلاثة الكفر أو عدمه .
وهذا حذيفة رضي الله عنه - الذي اشتهر بروايته لأحاديث الفتن ، لأنه كان يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الشر ليجتنبه - يقول : ( يا أيها الناس ألا تسألوني ؟ فإن الناس كانوا يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر ، أفلا تسألون عن ميت الأحياء ؟ فقال : إن الله تعالى بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فدعا الناس من الضلالة إلى الهدى ، ومن الكفر إلى الإيمان ، فاستجاب من استجاب ، فحي بالحق من كان ميتًا ، ومات بالباطل من كان حيًا ، ثم ذهبت النبوة فكانت الخلافة على منهاج النبوة ، ثم يكون ملكًا عضوضًا ، فمن الناس من ينكر بقلبه ، ويده ، ولسانه ، والحق استكمل ، ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه ، كافًا يده وشُعْبَةً من الحق ترك ، ومنهم من ينكر بقلبه كافًا يده ولسانه ، وشعبتين من الحق ترك ، ومنهم من لا ينكر بقلبه ولسانه فذلك ميت الأحياء ) (4) .
__________
(1) سير أعلام النبلاء (3/232) ، وروي عنه أن الفئة الباغية يعني بها الحجاج وإسناده صحيح . انظر : سير أعلام النبلاء (3/232) .
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/319) .
(3) رواه البخاري في صحيحه في ك : الفتن . ب : 18 ، انظر : فتح الباري (13/53) .
(4) حلية الأولياء لأبي نعيم مسندًا (1/274 ، 275) .(1/491)
من كل ما سبق نستطيع أن نقول : إن أكثر الصحابة رضوان الله عليهم يرون جواز الخروج والمقاتلة فيما دون الكفر , وهو ما يسمى بالخروج لتصحيح الأوضاع - أي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ومستندهم آية الحجرات : { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ َ } (1) حيث أمر الشارع بقتال الفئة الباغية مع وصفها بالإيمان ، وقد تكون طائفة الإمام هي الباغية وذلك إذا تجاوزت حدود الشرع ، ولذلك قال العلماء : ( إن حكمة الله تعالى في حرب الصحابة التعريف منهم لأحكام قتال أهل التأويل ، إذ كان أحكام قتال أهل الشرك قد عرفت على لسان الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفعله ) (2) .
موقف السلف من غير الصحابة
أما من جاء بعد الصحابة رضوان عليهم من أهل القرون المفضلة وغيرهم من السلف ، فقد كان يرى كثير منم الخروج على الأئمة الفسقة الظلمة ، وقد قام بعضهم فعلاً على بعض الأمراء الظلمة ، فمن الصحابة الحسين بن علي ، وعبد الله بن الزبير ، ومن معهم رضي الله عن جميعهم . وقام جمع عظيم من التابعين والصدر الأول على الحجاج بن يوسف الثقفي مع ابن الأشعث . قال ابن كثير : ( ووافقه - أي ابن الأشعث - على خلعهما - أي الحجاج وعبد الملك بن مروان - جميع من في البصرة من الفقهاء والقراء والشيوخ والشباب ، حتى قيل : إنه خرج معه ثلاثة وثلاثون ألف فارس ومائة وعشرون ألف راجل ) (3) . ووقعت بينهم وقعة دير الجماجم سنة 82 هـ (4) . ومن
__________
(1) سورة الحجرات آية 9 .
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/319) .
(3) البداية والنهاية (9/36) .
(4) نفس المرجع (9/96) .(1/492)
هؤلاء أيضًا كبير التابعين سعيد بن جبير (1) ، وطلق بن حبيب (2) ، وقتبية بن مسلم (3) . ( كما خرج الناس على الوليد بن يزيد بن عبد الملك لما رأوا فسقه وحاصروه ثم قتلوه ) (4) . قال الذهبي : ( لم يصح عن الوليد كفر ولا زندقة ، بل اشتهر بشرب الخمر والتلوط ، فخرجوا عليه لذلك ) (5) . أما عمر بن عبد العزيز : فقد روي عنه أنه ( أمر بضرب من سمى يزيد بن معاوية أمير المؤمنين عشرين سوطًا ) (6) وهذا يدل على أنه لا يقر له بإمامة .
وقال الحافظ ابن حجر في ترجمة الحسن بن صالح في الرد على التهم التي وجهت إليه قال : ( قولهم كان يرى السيف ، يعني كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور ... قال : وهذا مذهب للسلف قديم ، لكن استقر الأمر على ترك ذلك لما رأوه قد أفضى إلى ما هو أشد منه ... ) (7) .
آراء أئمة المذاهب الأربعة :
سبق أن عد ابن حزم الأئمة الثلاثة - أبا حنيفة ، ومالكًا ، والشافعي . بأنهم : ممن يرى سل السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإنكار منكرات الأئمة الظلمة .
__________
(1) نفس المرجع (9/49) .
(2) نفس المراجع (9/101) .
(3) البداية والنهاية (9/167) .
(4) انظر : القاضي أبو يعلي وكتابه الأحكام السلطانية . د . محمد عبد القادر أبو فارس (ص450) .
(5) تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص 251) .
(6) الصواعق المحرقة (ص 224) . وانظر الروض الباسم (2/190) .
(7) تهذيب التهذيب (2/288) .(1/493)
أما أبو حنيفة رحمه الله تعالى فقد كان يرى الخروج على أئمة الجور ، وهو ظاهر مذهبه على قول أبي بكر الجصاص ، فقد قال : ( ومن الناس من يظهر أن مذهب أبي حنيفة تجويز إمامة الفاسق وخلافته ، وأنه يفرق بينه وبين الحاكم فلا يجيز حكمه ، وذكر ذلك عن بعض المتكلمين .. ) . قال : ( ولا فرق عند أبي حنيفة بين القاضي والخليفة في أن شرط كل منهما العدالة ، وأن الفاسق لا يكون خليفة ، ولا يكون حاكمًا ، كما لا تقبل شهادته ... ) . قال : ( وكان مذهبه رحمه الله مشهورًا في قتال الظلمة وأئمة الجور ، ولذلك قال الأوزاعي : ( احتملنا أبا حنيفة على كل شيء حتى جاءنا بالسيف - يعني قتال الظلمة - فلم نحتمله ... ) قال : ( وقضيته في أمر زيد بن علي مشهورة ، وفي حمله المال إليه وفتياه الناس سرًا في وجوب نصرته والقتال معه ، وكذلك أمره مع محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن ) . ) (1) .
وقال أبو إسحاق الفزاري لأبي حنيفة : ( ما اتقيت الله حيث حثثت أخي على الخروج مع إبراهيم ، فقال : أنه كما لو قتل يوم بدر ، وقال شعبة : والله لهي عندي بدر الصغرى ) (2) وكان يقول في المنصور وأشياعه : ( لو أرادوا بناء مسجد وأرادوني على عد آجره لما فعلت ) (3) .
أما الإمام مالك فقد روى ابن جرير عنه أنه أفتى الناس بمبايعة محمد ابن عبد الله بن حسن - خرج سنة 45 هـ - فقيل له : ( فإن في أعناقنا بيعة للمنصور : فقال : إنما كنتم مكرهين ، وليس لمكره بيعة ، فبايعه الناس عند ذلك عن قول مالك ، ولزم مالك بيته ) (4) . وقال ابن العربي من المالكية : ( قال
__________
(1) أحكام القرآن للجصاص (1/70) ط 1335 هـ . ن . دار الكتاب العربي . وانظر : الملل والنحل للشهرستاني (1/158) .
(2) شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (1/214) . ونحوه في تاريخ بغداد (13/384) .
(3) الكشاف للزمخشري (1/309) .
(4) البداية والنهاية (10/84) .(1/494)
علماؤنا في رواية سحنون : إنما يقاتل مع الإمام العدل سواء كان الأول أو الخارج عليه ، فإن لم يكونا عدين فأمسك عنهما إلا أن تراد بنفسك أو مالك أو ظلم المسلمين فادفع ذلك ... قال : ( وقد روى ابن القاسم عن مالك : إذا خرج على الإمام العدل خارج وجب الدفع عنه ، مثل عمر بن عبد العزيز ، فأما غيره فدعه ينتقم الله من ظالم بمثله ، ثم ينتقم من كليهما ، قال الله تعالى : { فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } (1) . قال مالك : إذا بويع للإمام فقام عليه إخوانه قوتلوا إذا كان الأول عدلاً ، فأما هؤلاء فلا بيعة لهم إذا كان بويع لهم على الخوف ) (2) .
ومشهور في التاريخ أن سبب جلد الإمام هو قوله بعدم انعقاد أيمان البيعة ، لأن البيعة عنده ولاء قلبي ، وليست مواثيق تؤخذ على الاستكراه ، فقد روى ابن أبي حاتم بسنده إلى حرملة قال : سمعت الشافعي قال : كان على أهل المدينة الهاشمي (3) فأرسل إلى مالك وقال : أنت الذي تفتي في الإكراه وإبطال البيعة ؟ فضربه مجردًا مائة ، حتى أصاب كتفه خلع ، وكان لا يزر إزاره بيده ) (4) .
أما الإمام الشافعي رحمه الله فقد نسبه إلى هذا القول التفتازاني في شرحه للعقائد النسفية (5) ، ونسبه إلى ذلك الزبيدي من أصحابه ، وقال : أنه
رأيه في القديم من مذهبه (6) .
__________
(1) سورة الإسراء آية 5 .
(2) أحكام القرآن لابن العربي (4/1721) ، وبعضه في الخرشي على مختصر خليل (8/60) .
(3) هو : جعفر بن سليمان ابن عم المنصور . انظر : الانتقاء لابن عبد البر (ص 44) .
(4) آداب الشافعي ومناقبه للرازي (ص 203) .
(5) ص 145) نقلاً عن النظريات السياسية الإسلامية (ص 339) .
(6) إتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين (2/233) .(1/495)
أما الإمام أحمد رحمه الله فالروايات عنه في هذه القضية مختلفة - كما هو الغالب على مذهبه رحمه الله وهو تعدد الروايات - والمشهور عنه هو القول بعدم جواز الخروج على الأئمة الفسقة ، فقد نقل عنه ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة من رواية الإصطخري (1) قوله : ( والانقياد إلى من ولاه الله أمركم ، ولا تنزع يدًا من طاعته ، ولا تخرج عليه بسيفك حتى يجعل الله فرجًا ومخرجًا ، ولا تخرج على السلطان ، وتسمع وتطيع ولا تنكث بيعة ، فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف للجماعة ) (2) . وقال في رواية عبدوس بن مالك القطان : ( ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إمامًا ، برًا كان أو فاجرًا ، فهو أمير المؤمنين ) (3) .
وقال الخلال : ( أخبرني محمد بن أبي هارون ومحمد بن جعفر أن أبا الحارث حدثهم قال : سألت أبا عبد الله في أمير كان حدثهم ببغداد ، وهم قوم بالخروج معه ، فقلت : يا أبا عبد الله ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم ؟ فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول : سبحان الله ، الدماء ، الدماء لا أرى ذلك ولا أمرته ، الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة ، تسفك فيها الدماء ،
__________
(1) أحمد بن جعفر بن يعقوب بن عبد الله أبو العباس الإصطخري أحد تلاميذ الإمام أحمد وممن روى عنه . انظر : طبقات الحنابلة (1/24) .
(2) طبقات الحنابلة (1/26) . ونحوه في مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (ص 176) ، وانظر : شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي (ص 158) . رسالة دكتوراه إعداد أحمد سعد حمدان جامعة أم القرى 1401 هـ .
(3) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 20) .(1/496)
وتستباح فيها الأموال ، وتنتهك فيها ( الحرمات ) (1) ، أما علمت ما كان الناس فيه ؟ يعني أيام الفتنة ، قلت : والناس اليوم في فتنة يا أبا عبد الله ، قال : وإن كان . فإنما هي فتنة خاصة ، فإذا وقع السيف عمت الفتنة وانقطعت السبل ، الصبر على هذا ويسلم لك دينك خير لك ) (2) .
وقال حنبل في ولاية الواثق : ( اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبد الله وقالوا : هذا أمر قد تفاقم وفشا - يعنون إظهار خلق القرآن - نشاورك في أنا لسنا نرضى بإمرته ولا سلطانه فقال : ( عليكم النكرة بقلوبكم ، ولا تخلعوا يدًا من طاعة ، ولا تشقوا عصا المسلمين ) (3) .
وقال في رواية المروزي وذكر الحسن بن صالح فقال : ( كان يرى السيف ولا نرضى بمذهبه ) (4) .
كل ما سبق يدل على أن الإمام أحمد رحمه الله كان لا يرى الخروج على الأئمة وإن ظلموا وجاروا ، وارتكبوا بعض البدع ، لكن نجد هناك روايات معارضة لما سبق منها :
ما ورد في رواية حنبل قال عن المأمون : ( وأي بلاء كان أكبر من الذي أحدث عدو الله ، وعدو الإسلام من إماتة السنة ؟ ... ) (5) .
وقال أبو يعلي : ( قال الإمام أحمد فيما رأيته على ظهر جزء من كتب أخي رحمه الله ، حدثنا أبو الفتح بن منيع قال : سمعت جدي يقول : ( كان أحمد إذا ذكر المأمون قال : كان لا مأمون ) (6) . وقال في رواية الأثرم في امرأة لا ولي لها ( السلطان ) ، فقيل له : تقول السلطان ونحن على ما ترى اليوم ؟ وذلك وقت يمتحن فيه القضاة . فقال : ( أنا لا أقول على ما نرى ، إنما قلت : السلطان ) (7) .
__________
(1) الأصل مطموس والسياق يقتضيه .
(2) المسند من مسائل الإمام أحمد (مخطوط) ورقة (9) .
(3) الأحكام السلطانية (ص 21) .
(4) نفس المرجع والصفحة .
(5) نفس المرجع (ص20) . ونحوه في المسند من مسائل الإمام أحمد ورقة (2) .
(6) الأحكام السلطانية (ص 20) .
(7) نفس المرجع والصفحة .(1/497)
بل قد صرَّح بالخلع للمبتدع عند الاستطاعة فذكر ابن أبي يعلى في ذيل كتابه - طبقات الحنابلة - كتابًا ذكر فيه بالسند المتصل اعتقاد الإمام أحمد قال فيه : وكان يقول : ( من دعا منهم إلى بدعة فلا تجيبوه ولا كرامة ، وإن قدرتم على خلعه فافعلوا ) (1) . فهذا تصريح منه رحمه الله بأن صاحب البدعة إن قدر على خلعه فللمسلمين ذلك .
وهذا لا شك معارض للروايات السابق ذكرها ، ويصعب الجمع بينهما إلا إذا قلنا : إن الفسق والجور والبدعة مختلفة ، فمنها ما لا يجوز معه الخروج ، وتحمل عليه تلك الروايات القائلة بالمنع ، ومنها ما هو أعظم فيجوز الخروج بشرط الاستطاعة وتحمل عليه هذه الروايات . أو أنه منع من الخروج لأنه يشك في نوايا الخارجين ، أو يعلم ضعفهم وأنهم سيحدثون فتنًا وملاحم بين المسلمين ، وأجاز لمن سوى ذلك ، والله أعلم .
أما مذهب الحنابلة فهو عدم جواز الخروج على الإمام الجائر (2) ،
وخالف في ذلك ابن رزين وابن عقيل وابن الجوزي (3) فهم يرون الخروج .
قصة أحمد بن نصر الخزاعي :
وممن طبَّق الخروج فعلاً على السلطان المبتدع الواثق بالله القائل بخلق القرآن أحمد بن نصر الخزاعي الذي وصفه ابن كثير بأنه : ( من أهل العلم والديانة ، والعمل الصالح ، والاجتهاد في الخير ، وكان من أئمة السنة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ) (4) . والذي قال عنه الإمام أحمد : ( رحمه الله ما أسخاه لقد جاد بنفسه له ) (5) .
__________
(1) طبقات الحنابلة (2/305) .
(2) انظر : المغني والشرح الكبير (10/52) .
(3) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (10/311) .
(4) البداية والنهاية (10/303) .
(5) نفس المرجع (10/304) .(1/498)
وقصته : إنه قد ساءه ما رآه من انحراف الخلافة وإظهار البدعة ، فقام بدعوة سرّية إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونشط هو وأصحابه في جميع الألوف من أهل بغداد ، فلما كان شهر شعبان من سنة إحدى وثلاثين ومائتين انتظمت البيعة له في السرّ على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والخروج على السلطان لبدعته ودعوته إلى القول بخلق القرآن ، ولما هو عليه هو وأمراؤه وحاشيته من المعاصي والفواحش وغيرها ، ولكن الخطة اكتشفت في نهايتها بسبب خلل في الميعاد المتفق عليه وذهب أحمد بن نصر شهيدًا ، وحزن عليه أهل بغداد سنين طويلة لا سيما الإمام أحمد رحمه الله ) (1) .
وأخيرًا فهذه آراء العلماء في هذه المسألة ، وهذه أقوال كل طائفة . وهذه أدلتهم والآن نناقش هذه الآراء ، ونرى الراجح منها .
مناقشة أدلة الطرفين
أولاً : مناقشة أدلة المذهب الأول : وهو عدم الخروج :
عند النظر في الأدلة الدالة على تحريم الخروج على الأئمة الظلمة نلاحظ ما يلي :
1- أما الأحاديث الآمرة بالطاعة فهي : مقيدة بالمعروف ، وبما لم يكن فيه لله معصية . أما الأحاديث الناهية عن الخروج ، والآمرة بالصبر ، وإن رأى الإنسان ما يكره فهي مقيَّدة بما تروا كفرًا بواحًا ... وما أقاموا الصلاة ... وما قادوكم بكتاب الله . وهي بحق أحاديث صريحة في المسألة يجب العمل بها .
2- أما الاستدلال بالأحاديث الناهية عن الاقتتال بين المسلمين ، وعن القتال في الفتنة ، فهذا وارد فيما إذا لم يتبين للإنسان وجه الحق في القتال ففي هذه الحالة عليه أن يعتزل ، أما إذا تبيَّن له وجه الحق فعليه أن ينصر الحق كما فعل الصحابة أيام الفتنة ، فمنهم من رأى أن الحق مع علي فقاتل معه ، ومنهم من رأى أن الحق مع معاوية فقتل معه ، ومنهم من لم يتبيَّن له وجه الحق فتوقف .
__________
(1) القصة مختصرة من البداية والنهاية (10/303 - 306) .(1/499)
3- أما الاستدلال بالأحاديث الدالة على أن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ، فليس كل فاجر مؤيدًا للدين ، بل الغالب منهم حرب على الدين ، وإلا لم يكونوا فجرة ، وإنما معنى الحديث أنهم في بعض المواقف قد يكون لهم مواقف حسنة تؤيد الدين وتنصره ، كما يدل على ذلك
سبب الحديث وهو الرجل الذي كان يقاتل مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلما أصابه جرح قتل نفسه .
4- أما الاستدلال بفعل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فالذي يتضح من سياق أدلة الفريقين - المانعين والمجيزين - لأن كلاً منهما يستدل بفعل بعض الصحابة - أن هناك من تبيَّن له وجه الحق مع علي فقاتل معه ومنهم من تبين له وجه الحق مع معاوية والمطالبة بدم عثمان فقاتل معه ، ومنهم من لم يتبين له وجه الحق مع أحدٍ منهما فتوقف واعتزل ، وكلهم مجتهدون ، فالمصيب منهم مأجور والمخطئ معذور ، وله أجر اجتهاده إن شاء الله ، وليس لنا إتباع أحد منهم مع اختلافهم إلا إذا تبيَّن لنا وجه الحق من ذلك بدليل من كتاب أو سنة صحيحة فعلينا إتباع الدليل .
والأولى : الإمساك عما جرى بينهم ، وعدم الاحتجاج بفعلهم وقت الخلاف ، ونتبع ما ورد عن السلف وموقفهم من ذلك ، فقد سئل الحسن البصري رحمه الله عن قتالهم فقال : ( قتال شهده أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغبنا ، وعلموا وجهلنا ، واجتمعوا فاتبعنا ، واختلفوا فوقفنا ) (1) قال المحاسبي : ( فنحن نقول كما قال الحسن ، ونعلم أن القوم كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا ، ونتبع ما اجتمعوا عليه ، ونقف عندما اختلفوا فيه ، ولا نبتدع رأيا منا ، ونعلم أنهم اجتهدوا وأرادوا الله عز وجل ، إذ كانوا غير مهتمين في الدين ، ونسأل الله التوفيق ) (2) . قلت : ونحن نقول كما قالوا رحمهم الله تعالى ورضي عنهم .
هذا وقد قال أبو سليمان الخطابي : ( أما ما شجر بين الصحابة من
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/322) .
(2) المصدر السابق .(1/500)
الأمور ، وحدث في زمانهم من اختلاف الآراء ، فإنه باب كلما قلَّ التَّسرع فيه والبحث عنه كان أولى بنا وأسلم ، ومما يجب علينا أن نعتقده في أمرهم أنهم كانوا أئمة علماء ، وقد اجتهدوا في طلب الحق ، وتحرَّوا جهته ، وتوخوا قصده ، فالمصيب منهم مأجور ، والمخطئ معذور ، وقد تعلق كل منهم بحجة ، وفزع إلى عذر ، والمقايسة عليهم ، والمباحثة عنهم ، اقتحام فيما لا يعنينا ... ) (1) .
وروى رحمه الله بسنده إلى الشافعي قوله : قيل لعمر بن عبد العزيز : ما تقول في أهل صفين ؟ قال : ( تلك دماء طهر الله يدي منها ، فلا أحب أن أخضب لساني بها ) (2) . ونقول كما قال تعالى : { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (3) .
أما الاستدلال بصلاة الصحابة خلف المبتدعة ، فهذه لا تقتضي الإقرار بإمامتهم ، ولأن الصلاة لا يلحق ضرر إمامها المأموم ، بل هو عليه وحده ، وهذا لا منازع فيه عند أهل السنة (4) وليست في محل الإشكال . والله أعلم .
5- أما الاستدلال بأن المصلحة في ترك القتال فهذه متوقفة على غالب الظن ، وقوة الخارج والمخروج عليه ، وما يحيط بالمسألة من أحوال ، فإذا كان الغالب على الظن حصول منكر أكبر مما سعى إلى دفعه فالواجب
المنع ، وإن كان الغالب على الظن أن المصلحة في الخروج ، وأنه قد يترتب على تركه مفسدة أعظم من ذلك ، فالواجب الخروج . فالراجح المصلحة العامة على كل حال .
__________
(1) العزلة للخطابي (ص 23) .
(2) نفس المرجع ( ص 44) ، ورواه أبو حاتم الرازي في : آداب الشافعي ومناقبه (ص 314) ، وكذلك البيهقي في : مناقب الشافعي (1/449) ، ورواه أبو نعيم في الحلية (9/114) .
(3) سورة البقرة آية 134 .
(4) انظر : الفصل (4/176) قال : وخلاف هذا القول بدعة محدثة .(2/1)
هذا وإن كان فيما سبق أن غالبية من خرج لم يتم على أيديهم خير ، ولم يؤمر بسببهم بمعروف أو ينه عن منكر ، وما حصل من الشر والفتنة كان أعظم . ولم يحرزوا النصر فهذه لا تصلح دليلاً قاطعًا وإنما ترد للاستئناس فقط وترجيح كفة أن المنع من الخروج فيه من المصلحة أكثر مما في الخروج . والله أعلم .
ثانيًا : مناقشة أدلة القائلين بالخروج :
إذا سبرنا أدلة القائلين بالخروج وسلِّ السيوف على أئمة الجور وإزالة منكراتهم نلاحظ ما يلي :
1- أما الاستدلال بالآيات السابق ذكرها في هذا المقام فغير مُسَلَّم به ، إذ هي ضعيفة الدلالة على هذه المسألة ، وذلك لأن الآية الأولى : { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ... } تبين الحكم عند حصول القتال ومعرفة الفئة الباغية من العادلة ، ولم تأمر الآية بالخروج والقتال ابتداءً . بل أمرت بالإصلاح . أما الآيتان الثانية والثالثة فهي من العموميات المخصصة بالأحاديث الناهية عن الخروج على الأئمة الظلمة ، كما أنهما ليستا صريحتي الدلالة على هذه المسألة ، فالأولى قد يستفاد منها النهي عن تولية الظالم ابتداء لا على الخروج عليه بعد توليته ، والثانية يستفاد منها التعاون على البر والتقوى عمومًا ، وليس كل خروج على الأئمة الظلمة يعتبر من البر المأمور بالتعاون عليه ، بل قد يكون من الإثم والعدوان المنهي عنه في نفس الآية ، وهذا راجع إلى المصلحة والمضرة
المترتبة على الخروج .(2/2)
2- أما الاستدلال بالآيات والأحاديث الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر على الخروج فهذا وارد إذا توافرت شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن هذه الشروط ألا يترتب على إنكار المنكر منكر أعظم منه ، كما أن من شروطها الاستطاعة ، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أن يذل المؤمن نفسه ، فعن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه » ، قالوا : كيف يذل نفسه ؟ قال : « يتعرض من البلاء لما لا يطيق » (1) .
وعلى كل حال فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب عل كل حال بشروطه ودرجاته المعروفة . وهي عامة ، أما الأحاديث الناهية عن الخروج على الأئمة . فهي أخص ، فيقدم الخاص على العام .
3- أما الاستدلال بالأحاديث الدالة على عزل الظلمة ومجاهدتهم فهذه قد ترد على وسائل العزل غير السيف ، وليس فيها ما يدل على السيف إلا الحديث الأول « فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ... » كما أنها عامة في كل ظالم والسابقة خاصة بأئمة الجور فيستثنون من العموم .
4- أما الاستدلال بالأدلة الدالة على خطر الأئمة المضلين على الخروج ، فهو استدلال ضعيف ، فالأحاديث تبين مالهم من خطورة ، ولذلك ينبغي ألا يولوا أمور المسلمين ابتداء ، أما إذا تولوا فلا يعانون ولا يقربون ، وقد تدل على العزل بالوسائل السلمية ، أما السيف فليس في تلك الأحاديث
أي دلالة عليه .
5- أما الاستدلال بإجماع العلماء على قتال الطائفة الممتنعة عن بعض الشرائع الإسلامية ، فهذا استدلال وارد بشرط الاستطاعة ، وإلا فلا ، لأن جهاد الكفار يشرط فيه غالبية الظن على النصر ، فكذلك هنا ، أما التهور وتعريض الأمة للفتن مع عدم حصول النتيجة المرجوة فهذا لا يجوز .
__________
(1) رواه الترمذي في الفتن . ب : 67 ح2254 . وقال : حسن غريب (4/523) ، ورواه أحمد في المسند (5/405) .(2/3)
6- أما استدلالهم بفعل الصحابة والسلف ، فهذا يرد عليه ما ورد على استدلال أصحاب المذهب الأول على الدليل نفسه .
الرأي الراجح والنتيجة
مما سبق يتضح لنا قوة أدلة أصحاب المذهب الأول ، وأنها صريحة في المسألة ، وإن كان في أدلة أصحاب المذهب الثاني ما لم يرد عليه اعتراض ، وهو قوي الدلالة في بابه لذلك فيمكننا الجمع بين الأدلة السالمة من الاعتراض (1) عند الطرفين ، وهو الذي يترجح عندنا ، ونستنتجه من هذا الفصل ، وذلك كالتالي :
1- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب باليد وباللسان وبالقلب بشرط : القدوة والاستطاعة ، وأنه : لا يجوز إنكار المنكر بمنكر أكبر منه .
2- وجوب إقامة الحج والجهاد والجمعة والعيدين مع الأئمة وإن كانوا فسقة لأنه حق لله ، لا يمنعه جور جائر ، ولا عدل عادل .
3- تحريم الخروج على الإمام العادل سواء كان الخارج عادلاً أم جائرًا ، وإن ذلك مما نهى عنه الإسلام أشد النهي وأمر بطاعتهم ، ومن خرج عليهم فهو باغ ، وعليه تحمل الأحاديث المطلقة في السمع والطاعة .
4- أما الإمام المقصر وهو الذي يصدر منه مخالفات عملية ، أو تساهل في الالتزام بأحكام الشرع ، فهذا تجب طاعته ونصحه وعليه تحمل أحاديث « ... فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدًا من طاعة » . وما في معناها ، وأن الخروج عليه حرام ، وإذا كان باجتهاد فهو خطأ .
__________
(1) ذهب ابن حزم إلى دعوى أن الأحاديث الآمرة بالصبر على جور الأئمة وعلى الكف عن قتالهم منسوخة بآيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر انظر : الفصل (4/173) . وقد أبعد النجعة في هذه الدعوى لأنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا وقع التعارض التام ، ولم يمكن الجمع بين الأدلة ، وعلم المتقدم من المتأخر . ولكن كل هذا غير وارد في هذه المسألة ، لأنه لا تعارض فيما بينها ولكل دلالته في بابه ويمكن العمل بها جميعًا .(2/4)
5- أما الفاسق والظالم والمبتدع : وهو المرتكب للمحظورات والكبائر دون ترك الصلاة لا سيما ظلم الحقوق أو دعوة إلى بدعة فهذا يطاع في طاعة الله ويعصى مع الإنكار عليه في المعصية ، ويجوز عزله إن أمكن بإحدى الطرق السلمية السابقة - عدا السيف - بشرط ألا يترتب على ذلك مفسدة أكبر ، فإن لم يكن ذلك وجب المبالغة في الإنكار عليه والتحذير من ظلمه وبدعته حتى لو أدى الأمر إلى الاعتزال عن العمل معه والتعرض لأذاه بشرط ألا يكون سبب ذلك حقًا شخصيًا ، وعلى هذا تحمل أحاديث : « من جاهدهم بنفسه فهو مؤمن ... » . وحديث : « من دخل عليهم وأعانهم على ظلمهم ... » . وما في معناها مع حديث : « فاصبر وإن جلد ظهرك وأخذ مالك ... » . وعلى هذا تحمل أيضًا أقوال الأئمة الأربعة ونحوهم وأفعالهم ، وما أصابهم بسبب ذلك من محن .
6- الحاكم الكافر والمرتد ، وفي حكمه تارك الصلاة ونحوه ، فهؤلاء يجب الخروج عليهم ولو بالسيف إذا كان غالب الظن القدرة عليهم ، عملاً بالأحاديث : « ... لا إلا أن تروا كفرًا بواحًا ... » و « لا ما أقاموا فيكم الصلاة ... » و « ... ما قادوكم بكتاب الله » . ونحوها مع الآيات
والأحاديث الآمرة بمجاهدة الكفار والمنافقين لتكون كلمة الله هي العليا . أما إذا لم يكن هناك قدرة على الخروج عليه فعلى الأمة أن تسعى لإعداد القدرة والتخلص من شره .
7- وبناء على ما سبق فإنه يمكننا أن نستنبط ضوابط لمشروعية العزل في النقاط التالية :
أ- قيام السبب المقتضي للعزل .
ب- رجحان المصلحة العامة على المضرة .
جـ- أن يصدر العزل عن أهل الحل والعقد في الأمة ، لأنهم هم الذين أبرموا العقد معه ، فلهم وحدهم حق حله إذا استوجب ذلك شرعًا .
8- يلاحظ تشديد السلف رضوان الله عليهم في النهي عن الخروج على أئمة الجور بالسيف والأمر بالصبر عليهم ، وذلك لما يلي :
أ- عملاً بالأحاديث الواردة في ذلك كما سبق .(2/5)
ب- حرصًا على تجنب الفتن وتعرض الأمة لها ، وإراقة الدماء في غير محلها .
جـ- ومحافظة على هذا المنصب الجليل في الأمة الذي متى ضعف استهانت بهم أعداؤهم ، ومتى قوي خافتهم وهابتهم .
ولا ينبغي أن يفهم من ذلك أنه الإجلال لأولئك العصاة واحترامهم ، ولا خوف منهم ، ولا الطمع فيما في أيديهم وكسب رضاهم ، يدل على ذلك سيرتهم معهم ، وما يلقونه بسببهم من المحن ، وهي مشهورة منشورة ، ومدونة في بطون الكتب . والله أعلم .
* * * * *
الفصل الرابع
موقفهم من تعدد الأئمة
موقف أهل السنة من تعدد الأئمة
سبق الحديث في الفصول السابقة عن شروط الأئمة وحقوقهم وواجباتهم ومتى يستحقون العزل وما إلى ذلك من الأحكام .
وبقي هناك موضوع في غاية الأهمية ، وجدير بالبحث والمعالجة وهو : هل يوجب الإسلام على الأمة الإسلامية أن تكون دولة واحدة بإمام واحد ؟ أو يجيز للأمة الإسلامية أن تكون دويلات عديدة ، كل واحدة مستقلة عن الأخرى ، لها إمامها ولها سياستها المستقلة التي قد تتعارض مع أختها المجاورة ، كما كان قائما في فترة من الفترات الماضية ، وكما هو حاصل الآن في الحاضر من انقسام الأمة الإسلامية إلى دويلات طائفية صغيرة تتناحر وتتنافر فيما بينها ؟ .
الواقع أن لإسلام قد جاء بالدواء الشافي لهذا الداء العضال ، ولذلك فمن الواجب علينا الكشف عن هذا الدواء ، وإظهاره للمسلمين لعلهم يرععون إلى الحق ، ويرجعون إلى رشدهم بجمع كلمتهم ، وتوحيد صفهم ، ووقوفهم أما أعدائهم صفًا واحدًا ، بدلاً من هذه الفرقة والضعف والهوان ،
وهو ما أراده لهم أعداؤهم ، فنقول :
درس علماؤنا هذه المسألة وناقشوها وبيَّنوا وجه الحق فيها ، ومن خلال هذه الدارسة اتضح أن في المسألة مذهبين :
المذهب الأول(2/6)
وهو مذهب جماهير المسلمين من أهل السنة والجماعة وغيرهم قديمًا وحديثًا وهو أنه : لا يجوز تعدد الأئمة في زمن واحد وفي مكان واحد ، قال الماوردي : ( إذا عقدت الإمامة لإمامين في بلدين لم تنعقد إمامتهما ، لأنه لا يجوز أن يكون للأمة إمامان في وقت واحد ، وإن شذ قوم فجوزوه ) (1) .
وقال النووي : ( اتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد ... ) (2).
وهؤلاء القائلون بالمنع على مذهبين :
أ- قوم قالوا بالمنع مطلقًا سواء اتسعت رقعة الدولة الإسلامية أم لا ، وإلى هذا القول ذهب أكثر أهل السنة والجماعة ، وبعض المعتزلة حتى زعم النووي اتفاق العلماء عليه (3).
ب- وهناك من قال بالمنع إلا أن يكون هناك سبب مانع من الإتحاد على إمام واحد ، ويقتضي هذا السبب التعدد ، ففي هذه الحالة يجوز التعدد . وذكر إمام الحرمين الجويني أهم هذه الأسباب في قوله : ( منها اتساع الخطة ، وانسحاب الإسلام على أقطار متباينة ، وجزائر في الحج متقاذفة ، وقد يقع قوم من الناس نبذة من الدنيا لا ينتهي إليهم نظر الإمام ، وقد يتولج خط من ديار الكفر بين خطة الإسلام ، وينقطع بسبب ذلك نظر الإمام عن الذين وراءه من المسلمين ... ) قال : ( فإذا اتفق ما ذكرناه فقد صار صائرون عند ذلك إلى تجويز نصب إمام في القطر الذي لا يبلغه أثر نظر الإمام (4) .
__________
(1) الأحكام السلطانية (ص 9) .
(2) شرح النووي لصحيح مسلم (12/233) .
(3) نفس المرجع .
(4) غياث الأمم (ص 28) .(2/7)
وعزا الجويني هذا القول إلى شيخه أبي الحسن الأشعري ، والأستاذ أبي إسحاق الأسفراييني (1) ، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي (2) ، ورجحه أبو منصور البغدادي (3) ، وإلى ذلك ذهب القرطبي في تفسيره فقال : ( لكن إذا تباعدت الأقطار ، وتباينت كالأندلس وخراسان ، جاز ذلك ) (4) .
لكن يلاحظ من أقوال المجيزين عند اتساع الرقعة ، إنما ذلك بسبب الضرورة ، وإلا فإن وحدة الإمامة هي الأصل ، وإن التعدد إنما أبيح على سيبل الاستثناء المحض ، ولضرورات تجيزه ، والضرورة تقدر
بقدرها وإذا زالت الضرورة زال حكمها وبقي الأصل .
المذهب الثاني
القائلون بجواز التعدد مطلقًا
وإلى ذلك ذهب بعض المعتزلة كالجاحظ ، وبعض الكرامية (5) وعلى رأسهم محمد بن كرام السجستاني (6) . الذي ينتسبون إليه وكذلك أبو الصباح السمرقندي (7) ، وغرض الكرامية من ذلك هو إثبات إمامة كل من علي ومعاوية رضي الله عنهما أيام الفتنة (8) .
وهو مذهب الحمزية من الخوارج (9) ، والزيدية من الشيعة حيث جوزوا لـ ( كل فاطمي عالم شجاع سخي خرج بالإمامة أن يكون إمامًا واجب الطاعة ، وجوزوا خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال ، ويكون كل واحد منهما واجب الطاعة ) (10) .
__________
(1) هو : إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران . فقيه جليل وعالم أصولي توفي سنة 418 هـ . وفيات الأعيان (1/28) ، وطبقات الشافعية (4/256) ، والأعلام (1/59) .
(2) مآثر الإنافة للقلشندي (1/46) .
(3) أصول الدين (ص 274) .
(4) الجامع لأحكام القرآن (1/273) .
(5) أصول الدين (ص 274) .
(6) الفصل (4/88) ، والفرق بين الفرق (ص 223) .
(7) الفصل (4/88) .
(8) انظر : منهاج السنة (1/144) .
(9) الملل والنحل (1/130) . وهم أتباع حمزة بن أدرك ، وفي الفرق بين الفرق (ص 98) . (أكرك) .
(10) الملل والنحل (1/155) .(2/8)
وقالت الرافضة : ( يجوز أن يكون إمامان في وقت واحد . أحدهما : صامت . والآخر ناطق . وزعموا : أن الحسين بن علي كان صامتًا في وقت
الحسن (1) رضي الله عنهما ثم نطق بعد موته ) .
الأدلة
والآن نورد أدلة كل مذهب لنرى وجه الحق فيهما ، ونناقش منها ما يستحق النقاش فنقول :
أولا : أدلة أصحاب المذهب الأول : وهم القائلون بمنع التعدد :
استدلوا على ما ذهبوا إليه بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول :
1- من الكتاب :
فقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تدعو المسلمين وتأمرهم بالإجماع والتآلف ، وتنهى عن التفرق والاختلاف المؤديين إلى التنازع والفشل ، فمن هذه الآيات قوله تعالى : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ... } الآية (2) .
ومنها قوله تعالى : { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (3) .
ومنها قوله عز من قائل : { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ
وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } (4) . إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة في هذا المعنى .
__________
(1) مقالات الإسلاميين (2/150) ، وأصول الدين (ص 274) .
(2) سورة آل عمران آية 103 .
(3) سورة آل عمران آية 105 .
(4) سورة الأنفال آية 46 .(2/9)
ووجه الدلالة من هذه الآيات أنها جميعًا جاءت متفقة على الأمر بالوحدة والتضامن ، والنهي عن التشتت والافتراق والاختلاف ، لما ينجم عن ذلك عادة من التنازع والفشل الممقوت ، وكلها تدل على وجوب وحدة الأمة الإسلامية وتضامنها ، وذلك لا يتأتى إلا إذا كان إمامها واحدًا لا ينازعه أحد ، إذ إن وجود إمامين فأكثر يؤدي إلى غيرة أحدهما من الآخر ، ومنافسته له ، ومحاولة التعالي عليه ، ومن ثم إلى الشقاق والتناحر لا محالة ، وهذا مما نهى الإسلام عنه ، فدل على وجوب أن يكون إمام المسلمين واحدًا ، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
2- من السنة :
أما من السنة فقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث صحيحة صريحة في هذه تدل على وجوب منع تعدد الأئمة في الزمن الواحد ومن هذه الأحاديث :
أ- ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما » (1) . فالأمر بقتل الآخر يدل على تحريم نصب إمامين في آن واحد ، لأن القتل لا يكون إلا عن كبيرة يتفاقم خطرها . لذلك فلا يجوز عقد البيعة لخليفتين في زمن واحد .
وأول بعض العلماء القتل هنا بالخلع والاعتراض عليه لا بالقتل الحقيقي (2) .
ولكن هذا التأويل لا محل له ومردود بالحديث التالي :
ب- ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : « من بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا رقبة الآخر ... » الحديث (3) .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب : الإمارة . باب : إذا بويع لخليفتين . حديث رقم (1853) (3/1480) .
(2) انظر : فتح الباري (12/156) .
(3) رواه مسلم وغيره وسبق تخريجه في فصل واجبات الإمام وحقوقه (ص 204) .(2/10)
جـ- ما رواه أبو حازم قال : قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبي خلفه نبي ، وأنه لا نبي بعدي ، وستكون خلفاء فتكثر ، قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : « فوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم » (1) .
د- ومنها ما رواه عرفجة بن شريح قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد ، يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه » (2) .
3- الإجماع :
فإن الصحابة رضي الله عنهم قد اتفقوا على أنه لا يجوز أن يلي إمامة الأمة أكثر من واحد ، ودليل ذلك أن المهاجرين لم يوافقوا الأنصار في طلبهم أن يكون منهم أمير ، ومن المهاجرين أمير حينما طلبوا ذلك في سقيفة بني ساعدة ، وكان مما روي في ذلك الموقف قول أبي بكر رضي الله عنه : ( هيهات أن يجتمع سيفان في غمد ) (3) عندئذٍ رضي الأنصار بذلك ، فصار ذلك منهم إجماعًا على عدم جواز تعدد الأئمة ، بل روى البيهقي في الخطبة نفسها عبارة أكثر تصريحًا من السابقة وهي قوله : ( أنه لا يحل أن يكون للمسلمين أميران ، فإنه مهما يكن ذلك يختلف أمرهم وأحكامهم ، وتتفرق جماعتهم ويتنازعون فيما بينهم ، هنالك تترك السنة ، وتظهر البدعة ، وتعظم الفتنة ، وليس لأحد على ذلك صلاح ) (4) .
__________
(1) رواه الشيخان وسبق تخريجه (ص 36) .
(2) رواه مسلم في : الإمارة . باب : حكم من فرق أمر المسلمين . حديث رقم (1852) (3/1480) .
(3) انظر : فتح الباري (12/153) . وقيل : إنه من قول عمر . وهو عند البزار وغيره .
(4) السنن الكبرى للبيهقي (8/145) عن ابن إسحاق .(2/11)
أما من بعدهم فقد نقل الإجماع على ذلك النووي (1) ، وإمام الحرمين الجويني (2) ، والقرطبي (3) ، والقاضي عبد الجبار (4) ( من المعتزلة ) وابن حزم حيث قال : ( واتفقوا أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان ، لا متفقان ولا مفترقان ، ولا في مكانين ولا في مكان واحد (5) وخالفه في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فقال :
( النزاع في ذلك معروف بين المتكلمين في هذه المسألة كأهل الكلام والنظر ، فمذهب الكرامية وغيرهم جواز ذلك ، وأن عليًا كان إمامًا ومعاوية كان إمامًا ، وأما أئمة الفقهاء فمذهبهم أن كلاً منهم ينفذ حكمه في أهل ولايته كما ينفذ حكم الإمام الواحد ، وأما جواز العقد لهما فهذا لا يفعل مع اتفاق الأمة ... ) (6) لكن نفاذ حكم الثاني كنفاد حكم الإمام المتغلب على حد سواء ، فلا ينافي هذا الحكم المجمع عليه ، وليس الكلام إلا حكم الشرع ، أما الأمور الطارئة فلها مجال آخر ، وتأخذ أحكام الضرورة .
والمراد بالإجماع المذكور هنا هو : إجماع الصحابة وسلف هذه الأمة ، وإلا فقد سبق أن ذكرنا من خالف في هذه المسألة من الكرامية وغيرهم من أهل الأهواء ، ولكن مخالفتهم لا تؤثر في إجماع أهل السنة والجماعة على ذلك ، لأن الإجماع المقصود : إجماعهم لا إجماع جميع الناس ... والله أعلم .
4- المعقول :
__________
(1) شرحه لصحيح مسلم (12/232) .
(2) نفس المرجع (12/232) علمًا بأنه من القائلين بجواز التعدد عند وجود السبب المؤدي إلى ذلك كما مر .
(3) الجامع لأحكام القرآن (1/273) .
(4) المغني في أبواب التوحيد والعدل (20/243) ق 1 .
(5) مراتب الإجماع لابن حزم (ص 144) .
(6) نقد مراتب الإجماع لابن تيمية (ص 216) بذيل كتاب مراتب الإجماع لابن حزم .(2/12)
أما الدليل بالمعقول فإن تعدد الأئمة للأمة الإسلامية الواحدة يؤدي إلى الاختلاف والشقاق والخصومات وحصول الفتن والاضطرابات والقلاقل ، واختلاف أمر الدين والدنيا ، وهذا لا يجوز . وبناء على ذلك فلا تجوز الإمامة لأكثر من واحد في زمن واحد .
وكذلك لو جاز في العالم إمامان لجاز أن يكون ثلاثة وأربعة وأكثر ، فإن منع من ذلك مانع كان متحكمًا بلا برهان ، ومدعيًا بلا دليل ، وهذا
الباطل الذي لا يعجز عنه أحد ، وإن جاز ذلك الأمر حتى يكون في كل عام إمام ، أوفي كل مدينة إمام ، أو في كل قرية إمام ، أو يكون كل واحد إمامًا وخليفة في منزله ، وهذا الفساد المحض وهلاك الدين والدنيا (1) .
ثانيا : أدلة القائلون بالجواز :
استدل القائلين بجواز تعدد الأئمة بما يلي :
(1) إن المقصود من نصب الإمام إنما هو تحقيق مصالح الرعية ، وهذا إنما يتحقق بانضباط ودقة أكثر إذا كان هناك أكثر من إمام ، فكلما كان في كل قطر إمام كان كل واحد منهم أقدر على القيام بأعباء منصبه ومتابعة رعيته ، وما يحتاجون إليه ، ومراقبة من يعينهم من الولاة والقضاة والعمال وغيرهم ، وذلك بسبب قلة المشاكل والحوادث الناشئة من ضيق المساحة التي تحت يده (2) .
(2) إنه لما جاز أن يوجد أكثر من نبي في زمن واحد ، ولم يفض ذلك إلى إبطال النبوة ، التي هي الأصل ، جاز ذلك في الإمامة من باب أولى ، لأنها فرع النبوة ) (3) .
الجواب على هذه الأدلة
__________
(1) انظر : الفصل (4/88) ، والملل والنحل (1/113) ، وأصول الدين (ص 275) .
(2) منهاج اليقين شرح أدب الدنيا والدين لأويس وفا بن محمد (ص 223) . نقلاً عن رئاسة الدولة (ص 249) .
(3) الجامع لأحكام القرآن (1/273) . وانظر : المرجع السابق .(2/13)
أول ما يلاحظ على استدلالهم على هذه المسألة ، أنها أدلة عقلية ، ليس فيها أدلة من كتاب الله ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - تقابل تلك الأدلة السابقة . وهي مع ذلك ضعيفة الدلالة ، مردودة ومجاب عليها بما يلي :
(1) أما الدليل الأول : فالجواب عنه يتلخص في : أن منصب الرئاسة لم يجعل لتحقيق المصالح الدنيوية فحسب كما زعمتم ، بل جُعل أيضًا لحراسة الدين ، والمحافظة على المصالح الدينية إلى جانب المصالح الدنيوية التي أشرتم إليها ، وهذا لا يتأتى مع تعدد الأئمة ، بل بالعكس إذا كان الإمام واحد أمكنه السيطرة على جميع أقطار المسلمين وأصبحوا يدًا واحدة متحدين في أمورهم الدينية والدنيوية ، وأمكنهم التكامل الاقتصادي والبشري ، وأصبحوا قوة عظيمة على من ناوأهم .
كما أنه إذا تباعدت الأقطار فيمكن التغلب على ذلك عن طريق الولاة والنواب الذين يعينهم الإمام ، ويقومون هم بدورهم بتنفيذ أوامره الصادرة إليهم .
يضاف إلى ذلك ما ينجم عن التعدد من مفاسد ، ومن فتن وحروب وقطيعة بين المسلمين ، ربما كانت أكثر ضررًا من المصالح المشار إليها فهؤلاء قد نظروا إلى بعض وجوه المصلحة وأغفلوا النظر عن وجود المفسدة التي تتضاءل أمامها هذه المصلحة .
(2) وجوابًا على الدليل الثاني : أن قياس الإمامة على النبوة قياس مع الفارق فهو قياس باطل ، لأن الأنبياء معصومون من عداوة بعضهم لبعض بعكس حال الأئمة ففي حال التعدد ، سيكون هناك اختلاف وشقاق لا
محالة لما جبلت عليه النفس البشرية من حب العلو والاعتداء والسيطرة على الآخرين .(2/14)
أما ما دعا الكرامية إلى القول بجواز التعدد ، وذلك لإثبات إمامة كل من علي ومعاوية رضي الله عنهما فلا شك عند أهل السنة أن الإمام في ذلك الوقت هو : علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخليفة الراشد الرابع ، ومعاوية رضي الله عنه لم يخرج عليه طلبًا للإمامة ، وإنما طلبا للثأر من قتلة عثمان الذين دخلوا في صف علي - وعلي معذور في تأخير إقامة الحد عليهم لما هم من شوكة ومنعة ولأن الأمور مضطربة ولم تستقر له بعد - وقد كان معاوية واليًا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه على الشام ، ثم لعثمان بن عفان رضي فأراد البقاء على ولايته تلك ، ولذلك فأهل الشام أول ما بايعوا معاوية ( بايعوه على الطلب بدم عثمان أميرًا ولا يطمع في الخلافة ) (1) . ولم يدع معاوية الخلافة إلى بعد تنازل الحسن ومبايعته ، ومبايعة المسلمين له بالخلافة . والأولى عدم الخوض فيما شجر بينهم رضي الله عنهم جميعًا وأرضاهم .
الترجيح :
يتبين لنا مما سبق أن الحق مع أصحاب المذهب الأول ، لما ورد في هذه المسألة من نصوص شرعية يحرم على المسلم تخطيها ، ولا معارض لها عند الطرف المنازع . ويعضد ما سبق الأمور التالية :
(1) أن التعدد يؤدي إلى الاختلاف والتحاسد والتناحر ، كما هو طبيعة النفس البشرية ، وحالة الحكومات اليوم خير شاهد على ذلك . وهذا التشتت المخطط له من قبل أعداء المسلمين هو من أكبر الأسباب التي أدت إلى ضعف المسلمين وإذلالهم وتسلط أعدائهم عليهم .
(
__________
(1) وقعة صفين لنصر بن مزاحم (ص 82) تحقيق عبد السلام هارون . الطبعة الثالثة 1401 هـ . وانظر : المسألة في العواصم من القواصم ( الحاشية ) (ص 127) ، والصواعق المحرقة للهيتمي (ص 216) ، وسير أعلام النبلاء للذهبي (3/140) ، وتاريخ الإسلام له (3/324) .(2/15)
2) أن الادعاء بأن تعدد الرؤساء يسهل مهمة الإشراف وتحقيق المصالح للرعية غير مسلم به , لا سيما في عصرنا الحاضر ، بسبب ما أحرز من تقدم هائل يبهر العقول في جميع أجهزة المواصلات والاتصالات ، وهذا مما لا يدع مجالاً للشك في تحقيق المتابعة والإشراف بكل يسر وسهولة ، وإذن فمن الممكن إسناد الأعمال وتصريف شؤون الأمة في كل قطر إلى ولاة أكفاء ، يقومون بها تحت إشراف الإمام ومتابعته .
(3) أنه ما دامت وحدة الأمة الإسلامية قد تحققت فعلاً في العصور الأولى ، على الرغم من اتساع رقعة الدولة الإسلامية وصعوبة المواصلات والاتصالات بالنسبة لذلك الوقت ، ومع ذلك رسمت أنصع صفحات التأريخ لهذه الأمة من القوة وحسن الإدارة ، فمن الممكن اليوم تحقيقها من باب أولى بكل يسر وسهولة ، ولذلك فلا يبقى للمحتجين بالضرورة حجة بعد اليوم .
الحكم لو وقع بيعتان في زمن واحد
هذا هو الحكم الشرعي في منع تعدد الأئمة ، وأن ذلك لا يجوز ، ولكن لو حصلت بيعتان لإمامين في زمن واحد ، ففي هذه الحالة العلماء فيها ثلاث طوائف وهي :
(1) ذهبت طائفة إلى أن الإمامة الصحيحة تسلم للإمام الذي عقدت إمامته
في البلد الذي مات فيه الإمام السابق .
(2) وذهبت طائفة ثانية إلى أنه يجب على كل واحد من الإمامين أن يتخلَّى عن الإمامة لصاحبه ، وعندئذٍ يختار أهل الحل والعقد منهما من تتوفر فيه هذه الشروط المطلوبة .
(3) وذهبت طائفة ثالثة أن الإمامة تنعقد لأسبقهما بيعة (1) وهذا هو الصواب المؤيَّد بالدليل السابق : « فوا ببيعة الأول فالأول » (2) . قال الماوردي : ( والصحيح في ذلك وما عليه الفقهاء المحققون أن الإمامة لأسبقهما بيعة وعقدًا ) (3) .
__________
(1) انظر : الأحكام السلطانية للماوردي (ص 9) .
(2) رواه مسلم ، وسبق تخريجه (ص 36) .
(3) الأحكام السلطانية (ص 9) . وانظر : المحلى (10/504) .(2/16)
هذا إذا عُلم السابق أما إذا جُهِل أو بويع لهما في لحظة واحدة فللعلماء فيها ثلاثة أقوال هي :
(1) القرعة بينهما .
(2) إبطال العقدين ، واستئناف عقد جديد لأحدهما أو لغيرهما .
(3) وحُكي عن الغزالي أنه قال بالأكثرية : ( فالإمام من انعقدت له البيعة من أكثر الخلق ، والمخالف للأكثر باغ يجب ردُّه إلى الانقياد إلى الحق ) (1) .
والذي يظهر - والله أعلم - هو إبطال العقدين واستئناف الخيار من جديد وذلك لأن أحدهما باطل ولا يمكن تمييز الباطل منهما فيبطلان ، ويعقد لمن يختاره أهل الحلِّ والعقد من جديد . والله أعلم .
الخاتمة
ونتيجة البحث
بعد هذا الاستعراض الطويل ، والدراسة المستفيضة لتلك الموضوعات الكثيرة يمكننا أن نحدِّد بعض النقاط المستنتجة مما سبق وهي :
(1) أن الإسلام جاء بنظام كامل للحكم ، وهذا يدلُّنا على شمول الإسلام ، وصلاحه لكل زمان ومكان ، فهذه الرسالة هي الرسالة الخالدة والباقية . صالحة للتطبيق إلى قيام الساعة ، وأنه لن يَصْلُح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها .
(2) أن الإمامة ثابتة الوجوب بالكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والقواعد الشرعية . وهو وجوب كفائي ، متوجِّه إلى أهل الحل والعقد باعتبارهم الممثلون للأمة ، النائبون عنها في هذه المهمة الخطيرة . وإذا تقاعس أهل الحل والعقد فإن الإثم يلحق كل من له قدرة واستطاعة ، حتى يسعى لإقامة هذا الواجب بقدر ما أوتي من قوة واستطاعة .
(3) بطلان دعوى من قال بأن الإسلام لم يأت بنظام للحكم ، وأنه لم يوجب على المسلمين إقامة دولة إسلامية متميزة .
(4) أن الإمامة في حدِّ ذاتها وسيلة لا غاية ، وسيلة إلى إقامة أمة تقف نفسها على الخير والعدل ، تحقّ الحق وتبطل الباطل أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله ، أمة تقوم بأداء رسالتها السماوية على منهاج الإسلام الذي رسمه الله لها .
(
__________
(1) المسامرة شرح المسايرة (ص 170) ط . ثانية .(2/17)
5) أن من أهداف الإمامة هو حفظ الدين ، وسياسة الدنيا به ، وأن ذلك أهم الواجبات الملقاة على عاتق الإمام ، وكفر من فرَّق بين الدين وساس الدنيا بغير هذا الدين .
(6) أنه لا عِزَّ ، ولا رفعة ، ولا قيام للأمة الإسلامية إلا بالرجوع إلى التحاكم
إلى كتاب الله وسنة رسوله ، والسعي إلى إقامة الخلافة الإسلامية التي تحفظ الدين وتعيد للمسلمين عزتهم وكرامتهم .
(7) أن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ثبتت باختيار المسلمين له ، ومبايعتهم له مع وجود الكثير من النصوص التي تدُّل على أن المسلمين لن يختاروا غيره ، وعلى رضى الله ورسوله بذلك ، وأنه أفضل الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم - .
(8) أن خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه تثبت باختيار المسلمين ومبايعتهم له ، وأنه ليس هناك نصٌّ من النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه بالخلافة ، ولم يَدَّع هو شيئًا من ذلك ، وأنه بريء من كل ما تنسبه الرافضة إليه .
(9) ثبوت شرعية الطرق التي تَّمت بها مبايعة وتولية الخلفاء الراشدين ، وأننا مأمورون بإتباعهم في ذلك .
(10) أن الذي يقوم باختيار الإمام هم عقلاء الأمة ، وعلماؤها ( أهل الحل والعقد ) ولا دخل للعامة ، والدهماء في الاختيار ، ولذلك فلا يختار العقلاء عادة إلا الأعقل ، والأصلح لهذا المنصب الخطير ، ولذلك فلا مجال للدعاية والتلميع وبذل الأموال الباطلة لكسب الأصوات الرخيصة كما في الديمقراطيات الحديثة .
(11) مشروعية الاستخلاف ، مع ضرورة موافقة أهل الحل والعقد ، ومبايعتهم للمستخلف .
(12) يجتمع طريق الاختيار من طريق الاستخلاف في أن كلاً منهما يُشترط فيه رضى أهل الحل والعقد ومبايعتهم .
(13) أن الإمامة لا تورث .
(14) تحريم نكث البيعة ، وأنها واجبة في عنق المسلم متى وُجِد الإمام المستحق لها .
(15) طريقة القهر والغلبة ليست من الطرق الشرعية ، وإنما تنعقد الإمامة(2/18)
بها نظرًا لمصلحة المسلمين لما قد يجرُّ ذلك عادة من الفتن .
(16) للإمام شروط لا بد من توفُّرها ، حتى يكون أهلاً لهذا المنصب العظيم ، أما عند القهر والغلبة فلا تشترط جميع تلك الشروط .
(17) ثبوت إشتراط القرشية ، وأن الإمامة فيهم لا يجوز صرفها إلى غيرهم ، وأن ذلك ليس من العصبية المذمومة في شيء ، لأن الإمامة في نظر الإسلام تكليف لا تشريف .
(18) عدم اشتراط أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه ، وإنما الأولى اختيار الأصلح والأنفع للمسلمين .
(19) الخلفاء الراشدون الأربعة مرتَّبون في الخلافة على ترتيبهم في الأفضلية ، وأنه ليس من السلف أحد يقدِّم على أبي بكر ثم عمر وغيرهما ، أما المفاضلة بين عثمان ، وعلي رضي الله عنهما فهي دون تلك ، وقد اختلفوا في تبديع من قدَّم عليًا على عثمان في الفضل ، وأن من السنة التفضيل بينهم على ما جاءت به الآثار .
(20) على الإمام واجبات كثيرة ، يجب عليه القيام بها ، كما أن له حقوقًا أخرى تعينه على القيام بتلك الواجبات .
(21) طاعة الإمام واجبة فيما وافق الشرع ، ومحرَّمة فيما خالف الشرع ، وأن سلطات الأئمة مقيَّدة بكونها موافقة للكتاب والسنة ، فيطاعون فيما هو لله طاعة ، ويعصون فيما هو لله معصية ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ومن أطاعهم في معصية فالإثم على الآمر والمأمور .
(22) مشروعية الشورى ، وأنها واجبة عند اختيار الإمام ، أما في تدبير شؤون الرعيَّة فهي مستحبة ، ينبغي للإمام أن يشاور ، وليست واجبة عليه ، كما أنه لو استشار فإنه ليس ملزمًا بإتباع مستشاريه ، لأنه المسئول الأول عن تصريف الأمور فيحتمل وحده تبعات خطئه .
(23) تحريم الخروج على أئمة العدل وإثارة الفتن ، وأن ذلك من أكبر الذنوب .
(24) أن بقاء الحاكم في منصبه منوط بصلاحيته لتولي قيادة المسلمين ، أما(2/19)
إذا فقد هذه الصلاحية ، وارتكب شيئًا من مسببات العزل فللأمة ممثَّلة في أهل الحل والعقد أن تطلب منه أن يعزل نفسه ، فإن أبي فلها أن تعلن عزله عن منصبه إذا أمنت وقوع الفتنة . كما لا يجوز لها إقصاؤه عن الحكم بقوة السلاح إلا في أضيق نطاق عند ظهور الكفر البواح ، والخطر المتيقَّن على المسلمين في دينهم ، فإذا كان ذلك فليقدِّم المسلم دمه دون دينه .
(25) وجوب اتحاد المسلمين فيما بينهم ، وأن يكون إمامهم واحد مهما اتسعت رقعة ديار الإسلام ، وتحريم البيعة لأكثر من إمام في زمن واحد .
(26) تميُّز نظام الحكم في الإسلام عن جميع أنظمة الحكم الوضيعة ، القديم منها والحديث ، وأن الخلاف بينه وبينها في الغاية والوسيلة والأهداف . فهو نظام متميَّز لا ينطبق عليه أي وصف من الأوصاف المعهودة لنظم الحكم الوضيعة .
انتهى ولله الحمد والمنَّة وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين
الفهارس العامة
أولاً : فهرست الآيات .
ثانيًا : فهرست الأحاديث والآثار .
ثالثًا : فهرست الأعلام المترجم لهم .
رابعًا : قائمة المراجع والمصادر .
خامسًا : فهرست الموضوعات العامة .
تنبيه واعتذار
وقع في ترتيب الفهارس حيث جاءت غير مطابقة لمكان الموضوعات في داخل الكتاب ونحن إذ نعتذر من القراء الكرام نرجو الانتباه إلى التعديل التالي في أرقام صفحات الفهرس وذلك للحصول على الأرقام الصحيحة .
أولاً :
فهرست الآيات القرآنية
فهرست الآيات القرآنية
حرف الألف (أ)
الآية ... الصفحة
وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ........ ... 395
فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ ........................... ... 54
وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ................................... ... 242
وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ...... ... 40(2/20)
اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ . ... 97 ، 374
وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً . ... 30
اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ... 265
وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي ... 362
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ . ... 403
فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ . ... 48
وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ... 82
وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ... 198
وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ... 110
فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ . ... 536
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ... 33
وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ... 116
فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ... 452
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ... 362
وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ ... 555
وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا ... 115 ، 555
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبْصَارِ ... 442
...
وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ... 354
إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ... 84
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ... 80
إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ... 80
فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ ... 48(2/21)
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ................................... ... 277 ، 283
إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ............................................. ... 93
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ... 106
إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ... 203 ، 217
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى ... 110
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ... 110 ، 378
إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم ... 202
إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ... 261
فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ... 96 ، 137 ، 383
أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ... 165 ، 244
وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ... 461
إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ... 306 ، 364
وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ... 494 ، 519 ، 544
انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً ... 84
إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ ... 364
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ . ... 55
إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ . ... 106
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ . ... 116
أنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ... 197
\
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ ... 338 ، 353
إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً . ... 398 ، 493
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ... 293(2/22)
إِن نَّظُنُّ إِلا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ... 303
وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ ... 27
وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ... 107
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ... 364
وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ... 210
وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ ... 210
حرف التاء (ت )
وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى ... 397 ، 520
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ... 543
حرف الجيم (ج )
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ... 25
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ . ... 26
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ . ... 293
***** حرف الحاء (ح) ، والخاء (خ)
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ . ... 3 ، 106
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ... 339 ، 342
\
حرف الذال (ذ)
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ . ... 211
الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ .......... ... 79 ، 377
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ ........... ... 396
حرف الراء (ر)
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ . ... 164 ، 244
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي ... ... 265
حرف السين (س)
وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ ....... ... 485
حرف الشين (ش)
وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ........ ... 247
حرف الفاء ( ف )(2/23)
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ .................... ... 423 ، 444
فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .................. ... 424 ، 444
***** حرف القاف (ق)
فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ .............. ... 31
قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ ...... ... 349
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ . ... 83
وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ . ... 40
قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ ......... ... 247
قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ....... ... 30 ، 198 ، 252 ، 520
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً ... ... 247
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ............. ... 245
قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ .... ... 242
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ... ... 82
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ...... ... 247
حروف الكاف (ك)
كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ....... ... 68
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ .......... ... 84
وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ .. ... 113
وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ .. ... 374
كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ .. ... 372
كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ ............ ... 360
حرف اللام (ل)(2/24)
وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ .......... ... 521
...
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ ........... ... 91 ، 521 ، 522
وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ . ... 511
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ................... ... 48
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ .. ... 302 ، 315
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ............. ... 461
فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً ................... ... 54
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ .. ... 101
وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ .... ... 450
وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً .... ... 42 ، 163 ، 226 ، 234 ، 468
وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ... 162 ، 385
حرف الميم (م)
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ .............. ... 137
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ..... ... 54
وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ ... ... 352
مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ... ... 355
وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ . ... 461
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ . ... 333
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ . ... 100 ، 333
مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ......... ... 94
مَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ............ ... 68(2/25)
وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً ........... ... 84
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ... 462
...
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ . ... 432
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ .... ... 55
وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً .................... ... 461
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ... 455
فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ .... ... 450
وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ... ... 102
وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ... ... 102
وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ .... ... 102 ، 105 ، 208
وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ .... ... 216
فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ ... ... 101
***** حرف النون (ن)
وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ... ... 31
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ... ... 94
حرف الهاء (هـ)
هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ... ... 120
حرف (لا)
وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً ... ... 237
وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ... ... 253
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ ... ... 116 ، 555
وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ .. ... 65
...
وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ ... ... 116(2/26)
فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ... ... 96 ، 102 ، 441
لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء ... ... 234
وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ ... ... 390
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ ... ... 111
لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ... ... 68
حرف الياء (ي)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ .......... ... 521
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ ............. ... 88
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ............ ... 162 ، 235 ، 378 ، 382 ، 386 ، 459
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً .. ... 439
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ... 253
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ . ... 210
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ .. ... 234
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء .. ... 236
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ ... ... 362
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ ... ... 365
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى ... ... 117
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ... ... 448
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ... ... 200 ، 384
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء ... ... 17 ، 449(2/27)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ... ... 448
\
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ... ... 111 ، 367 ، 392
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ .. ... 354
يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ... ... 68
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ .... ... 93 ، 94 ، 96
ثانياً
فهرست الأحاديث والآثار
فهرست الأحاديث والآثار
حرف الألف (أ)
طرف الحديث ... الصفحة
إئذن له وبشره بالجنة . ... 323
أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده (قول عبد الرحمن بن عوف ... 208
أبغض الناس إلى الله ثلاثة . ... 107
أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة . ... 317
أتجعلونه إليَّ والله عليَّ أن لا آلو عن أفضلكم ؟ قالوا : نعم ( من قول عبد الرحمن بن عوف . ... 152
اجمعوا له العابد من أمتي ثم اجعلوه بينكم شورى . ... 438
أحب الناس إليَّ من رفع إليَّ عيوبي ( من قول عمر ) . ... 411
احلف لهم وأكذبهم ولا تعطهم شيئًا ( من قول الثوري ) . ... 348
أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين . ... 526
ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابًا . ... 130 ، 186
ادفعوا صدقاتكم إلى من ولاه الله أمركم ( من قول ابن عمر ) . ... 346
ادفعها إليهم فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا أن ندفعها إليهم ( من قول المغيرة بن شعبة ) . ... 346
إذا أراد الله بالأمير خيرًا جعل له وزير صدق . ... 363
إذا ابتغى الأمير الريبة في الناس أفسدهم . ... 371
إذا التقا المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار . ... 507
إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما . ... 207 ، 556
إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم . ... 50
إذا رأيتم القارئ يحب الأغنياء فهو صاحب دنيا ، وإذا رأيتموه يلزم السلطان فهو لص ( من قول عمر ) . ... 402
إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له إنك أنت ظالم فقد تودع منها . ... 410 ، 523(2/28)
إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة . ... 365
فإذا مت فتشاورا ثلاثة أيام ، ولا يأتين اليوم الرابع إلا وعليكم أمير منكم ( من قول عمر ) ... هامش 74
أرأيتم إن استعملت عليكم خير ما أعلم ثم أمرته بالعدل أقضيت ما علي؟(من قول عمر ) . ... 369
أربع من أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن . ... 278
ارجع فقد بايعتك . ... 218
أرضوا مصدقيكم . ... 345
استرشدوا العاقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا . ... 434
استقيموا لقريش ما استقاموا لكم . ... 286
اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي . ... 229 ، 264 ، 366 ، 373 ، 458
أسرعوا بالجنازة ... 56
اسمع وأطع ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة . ... 380
اسكن أحد فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان . ... 323
أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبيًا . ... 526
أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ( من قول أبي بكر ) . ... 147 ، 207 ، 395
أعْلمهم أن الله افترض عليهم في أموالهم صدقة . ... 339
أفعن معادن العرب تسألوني ؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ... 282
اقتدوا باللذين من بعدي . ... 126 ، 131
...
أقْرَأْنَا أُبَيَّ ( من قول عمر ) . ... هامش 129
أقيموا حدود الله في القريب والبعيد . ... 90
أقيلوني أقيلوني قالوا : لا والله لا نقيلك ولا نستقيلك (من قول أبي بكر ) ... 488
الأئمة من قريش . ... 31 ، 275
الأئمة من قريش . فإن أمرت قريش فيكم عبدًا حبشيًا مجدعًا فاسمعوا له وأطيعوا . ... 243
الأئمة من قريش إن لهم عليكم حقًا ولكم عليهم حقًا ، ما إن استرحموا رحموا ... 271
الإمام الأعظم الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته . ... 31 ، 335
الناس سواسية كأسنان المشط . ... 117
أليسوا يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه قال : قلت بلى ، قال : فتلك عبادتهم . ... 389
امدد يدك أبايعك فيقول الناس عم رسول الله بايع ابن أخيه ( من قول العباس ... 171
أمروني جميعًا أن أدفعها إلى السلطان ما اختلف علي منهم أحد ( من قول أبي صالح ) . ... 346(2/29)
امهلوا فإن حدث بي حدث فليصلِّ بالناس صهيب ( من قول عمر ) . ... 206
إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته ( من قول عمر ) . ... 276
إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني ( من قول عمر ) . ... 134، 160، 186
إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته . ... 112
إن الله أذهب عنكم عِبَّية الجاهلية وفخرها بالآباء . ... 117 ، 278
إن الناس تشاطوا في الآذان يوم القادسية ، فأقرع بينهم سعد ( من قول أبي شبرمه ) . ... 171
إنا لا نستعين بمشرك . ... 235
إن القلم رفع عن ثلاثة . ... 238
إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل . ... 267 ، 283 ، 294
إنا لا نولي هذا من سأله ولا من حرص عليه . ... 264 ، 365
إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق . ... 314
إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء . ... 316
إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس . ... 353
إنا وبنوا المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام . إنما نحن وهم شيء واحد . ... 353
أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، وأيما رجل مات وترك دينًا فإلّي ، ومن ترك مالاً فلورثته . ... 361
إن الله لم يبعث نبيًا إلا وله بطانتان . ... 363
إن القوم إذا شاور بعضهم بعضًا وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم على رشدهم ( من قول قتادة ) . ... 430
إن أمر عليكم عبد فاسمعوا له وأطيعوا ما قادكم بكتاب الله . ... 473
إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به فئتين متقاتلين من المسلمين . ... 487
إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر أو بأقوام لا خلاق لهم . ... 510
إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك الله عز وجل أن يعمهم بعقابه . ... 521
إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه . ... 521
إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل . ... 522
إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص كان الرجل يرى أخاه على الذنب . ... 91
أنتم أعلم بأمور ديناكم . ... 100 ، 432(2/30)
إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينًا زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة . ... 135 ، 160
...
إن خليلي وابن عمك عهد إلّي إذا اختلف الناس أن أتخذ سيفًا من خشب ( من قول اهبان بن صيفي ) . ... 509
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما انتقم قط إلا أن تنتهك حرمات الله . ... 394
إن شر الرعاء الحطمة . ... 371
إن عائشة قد سارت إلى البصرة والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ( من قول عمار ) . ... 530
إن عمر بن الخطاب سأل عن الفرق بين الخلافة والملك ( قول سلمان ) ... 39 ، 40
إن عليًّا بايع أبا بكر بعد وفاة فاطمة . ... 143
إنكم سترون بعدي أثرة وأمور تنكرونها . ... 380 ، 393
إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض . ... 393
إن كان شيئًا من أمور دنياكم فشأنكم به ، وإن كان شيئًا من أمر دينكم فإلّي . ... 432
إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم . ... 371
إن لم تجديني فأتي أبا بكر . ... 130
إن للقرشي مثلي قوة الرجل من غير قريش . ... 295
إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين . ... 526
إنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم . ... 367
إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه . ... 114
إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي . ... 399
إن من أبغض القراء إلى الله الذين يزورون الأمراء . ... 401
إنها كانت أول الفتن - أي حادثة استشهاد عثمان وآخرها فتنة المسيح ( من قول حذيفة ... 154
إنها ستكون فتن ألا ثُمَّ تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي . ... 509
إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبَّه الله في النار . ... 270
إنه سيلي أمركم من بعدي رجال يطفئون السنة ويحدثون البدعة . ... 388
إنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي . ... 51
إنه قد نزل بي ما لا ترون ، ولا أظنني إلا لمأتّي وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي ( من قول أبي بكر ) . ... 149(2/31)
إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون . فمن كره فقد بريء ومن أنكر فقد سلم . ... 109 ، 256 ، 472
إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون . ... 109 ، 256 ، 472
إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك بن مروان (من قول ابن عمر) ... 208 ، 219
إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة اليتيم ( من قول عمر ) . ... 417 ، 418
إني إنما فعلت ذلك لتألفهم - لما أعطى الأقرع بن حابس وصحبه - . ... 359
إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا . ... 56
إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ( من قول عمر ) . ... 115
إني لا أصافح النساء . ... 218
إني لأتحرج أن استعمل الرجل وأنا أجد من هو أقوى منه (من قول عمر) ... 299
إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني ( من قول أبي بكر ) . ... 411
أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي . ... 241
إلا أن تروا كفرًا بواحًا . ... 380
ألا من ولي عليه وآل فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله . ... 225
ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ... 323
\ ...
ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ... 325
أي الناس أحب إليك ؟ قال - صلى الله عليه وسلم - عائشة . قلت ومن الرجال ؟ قال أبوها ... 314 ، 315
أي الجهاد أفضل ؟ قال . كلمة حق عند سلطان جائر . ... 395 ، 409
إياكم ومواطن الفتن قيل وما هي ؟ قال : أبواب الأمراء ( من قول حذيفة ) . ... 402
أيها الناس إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعهد في هذه الإمارة شيئًا (من قول علي) ... 140
أيها الناس أني قد وليت عليكم ولست بخيركم ( من قول أبي بكر ) . ... 147 ، 525
أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني ( من قول أبي بكر ) . ... 411
حرف الباء (ب)
بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على شهادة ألا إله إلا الله . ... 200
بايعهن واستغفر لهن الله . ... 217
بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في العسر واليسر . ... 205 ، 380 ، 468 ، 504(2/32)
بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - على النصح لكل مسلم ( جرير بن عبد الله ) . ... 408
أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم . ... 201 ، 193
بايعاني بالمدينة وخالفاني بالبصرة ( من قول علي ) . ... 530
بعثني بنو المصطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن سله إلى من ندفع صدقتنا ؟ ... 131
حرف التاء (ت)
تأخذون بما تعرفون وتدعون ما تنكرون . ... 215
تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع . ... 394 ، 505 ، 506
تعوذوا بالله من رأس السبعين ومن إمارة الصبيان . ... 238
تكون النبوة ما شاء الله فيكم أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها . ... 37 ، 38
تقتلهم - أي الخوارج - أدنى الطائفتين إلى الحق . ... 515
حرف الثاء (ث)
ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم . ... 376 ، 377
حرف الجيم (ج)
جاء عبد يبايع النبي? - صلى الله عليه وسلم - ?على الهجرة فبايعه - فجاء سيده يريده فقال : بعنيه . ... 166
حرف الحاء (ح)
حد يعمل به في الأرض خير من أن يمطروا أربعين صباحًا . ... 90
حرف الخاء (ح)
خذه فتموله وتصدق به فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف له ، ولا سائل فخذه وإلا فلا تتبعه نفسك . ... 419
...
خلافة النبوة ثلاثون سنة . ... 33 ، 326
خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم . ... 471 ، 505
حرف الدال (د)
دعا أبو بكر بالزبير فقال : قلت ابن عمة رسول الله ؟ - فقال : لا تثريب يا خليفة رسول الله ؟ ... 142
الدين النصيحة قلنا لمن ؟ قال : لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم . ... 406
حرف الذال (ذ)
ذهب أهل الهجرة بما فيها . ... 204
حرف الراء (ر)
رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها . ... 88
رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه . ... 88
رحمك الله إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك ( من قول علي ) . ... 313
رضينا لدنيانا من رضي رسول الله? - صلى الله عليه وسلم - ?لديننا ( من قول علي ) . ... 140(2/33)
الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله فإن رتع الإمام رتعوا ( من قول عمر ) . ... 372 ، 373
حرف الزاي (ز)
زويت لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها . ... 526
حرف السين (س)
سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن العزم فقال : مشاورة أهل الرأي ثم إتباعهم . ... 456
سئل النبي? - صلى الله عليه وسلم - ?عن العزم فقال : أن تشاور ذا رأي ثم تطيعه . ... 457
سباب المسلم فسوق وقتاله كفر . ... 507
سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله . ... 111 ، 334 ، 344
ستكون الخلافة من بعدي ثلاثون ثم يكون الملك . ... 38
ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم . ... 508
حديث السقيفة ( فيه أحاديث كثيرة ) . ... 56 ، 126، 133 ، 143
سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية . ... 492
سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم . ... 400
سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا يفعلون فمن صدقهم . ... 525
سيليكم أمراء بعدي يعرفونكم ما تنكرون ، وينكرون عليكم ما تعرفون ... 374
حرف الضاد (ض)
ضعوها في مواضعها - أي الصدقة - ( من قول ابن عمر ) ... 348
حرف العين (ع)
أعجزتم إذا بعثت رجلاً فلم يمض لأمري أن تجعلوا مكانه من يمض لأمري ... 524
على المرء السمع والطاعة فيما أحب وأكره إلا أن يؤمر بمعصية . ... 386
على أي شيء بايعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية قال :على الموت . من قول سلمة بن الأكوع ) . ... 194 ، 195
عمار تقتله الفئة الباغية . ... 530
لعمل الإمام العادل في رعيته يومًا أفضل من عبادة العابد في أهله مائة عام أو خمسين عامًا . ... 112
عهد أبي بكر لعمر . ... 141 ، 142
العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر . ... 471
عهد عمر بالأمر إلى الستة . ... 186 ، 187
حرف الغين (غ)
الغنيمة لمن شهد الوقعة ( من قول عمر ) . ... 354
حرف الفاء (ف)
فوا ببيعة الأول فالأول . ... 41 ، 207 ، 213 ، 557 ، 564
حرف القاف (ق)(2/34)
قد اخترت لكم هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم . ( من قول أبي بكر ) ... 125
وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأصحابه ( من كلام النجاشي ) . ... 219
وقد عتقت يا كيسان ؟ قال : نعم . قال : بها أنت فأقسمها . ( من قول عمر ) . ... 344
قدموا قريشًا ولا تقدموها . ... 268
قريش ولاة الناس في الخير والشر إلى يوم القيامة . ... 288
قريش ولاة هذا الأمر . فقال سعد : صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء . ... 271 ، 272 ، 279
قيل لعلي : استخلف قال : ما استخلف رسول الله? - صلى الله عليه وسلم - ?فأستخلف . ( من قول علي ) . ... 141
حرف الكاف (ك)
كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء . ... 41 ، 213 ، 557
كسروا فيها سيوفكم وقطعوا أوتاركم . ... 510
كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون . ... 259
كما تكونوا يولى عليكم . ... 374 ، 455
كنا بعهد رسول الله? - صلى الله عليه وسلم - ?نعد هذا نفاقًا لمن كان هكذا . ( من قول عبد الله بن عمر ) . ... 395
كنا نبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة يقول لنا فيما استطعت . ( من قول ابن عمر ) . ... 205
كنا نخير بين الناس في زمن النبي? - صلى الله عليه وسلم - ?فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان . ( من قول ابن عمر ) . ... 312
كنت أرجو أن يعيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يدبرنا . ( من قول عمر ) ... 147
...
حرف اللام (ل)
لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله . ... 325
لبسوا علينا لبس الله عليهم . ( من قول ابن عمر ) . ... 348
لست خليفة الله ، ولكني خليفة رسول الله . ( قول أبي بكر ) . ... 33
لعن الله من ذبح لغير الله . ... 140
لقد عففت فعفت رعيتك ولو رتعت لرتعوا . ( من قول علي ) . ... 372
لقد كان فيمن قبلكم محدثون . ... 315
لكني أكره أن أبايع أميرين قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد . ( من قول ابن عمر ) . ... 215
للرجل سهم وللفرس سهمان . ... 355(2/35)
والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه . ( من قول أبي بكر ) . ... 338
اللهم أنت الصاحب في السفر . ... 33
والله لا أحد أحق بهذا المال من أحد . ( من قول عمر ) . ... 356
والله ما مست يد رسول الله? - صلى الله عليه وسلم - ?يد امرأة قط . ... 218
اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فأشقق عليه . ... 370
والله ما عهد إليّ رسول الله? - صلى الله عليه وسلم - ?إلا شيئًا عهده إلى الناس ( من قول علي ) ... 141
لما قضى الله الخلق كتب في كتابه .. إن رحمتي تغلب غضبي . ... 68 ، 69
لم نبايع رسول الله? - صلى الله عليه وسلم - ?على الموت ، وإنما بايعناه على ألا نفر (عن جابر) ... 195
لما نزلت { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول ... } قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما ترى ؟ ... 439
لن يبرح هذا الدين قائمًا يقاتل عليه عصابة من المسلمين . ... 528
\
لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة . ... 164 ، 244
لو أدركني أحد هذين الرجلين ثم جعلت هذا الأمر إليه لوثقت به . ( من قول عمر ) . ... 277
لو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسموا وأطيعوا . ... 226
لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه . ... 327
لو أنكما تتفقان على أمر واحد ما خالفتكما . ... 426 ، 457
لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف . ... 387
لو سلك الناس واديًا لسلكت وادي الأنصار وشعبها . ... 271
لو علمت أحدًا من الناس أقوى عليه مني لكنت أقدم فتضرب عنقي أحب إلى من أن أليه . ( من قول عمر ) . ... 299
لو كان بعدي نبي لكان عمر . ... 316
لو كنت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه ، ولكن هذا الأمر لم أره . ( من قول أسامة لعلي ) . ... 531
لو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر . ... 314
ليس من وال أمة قلت أو كثرت لا يعدل فيها إلا كبه الله في النار . ... 111
لينقض عرى الإسلام عروة عروة . ... 51
أليسوا يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ؟ ... 98
حرف الميم (م)(2/36)
ما أجد في نفسي شيئًا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي . ( من قول ابن عمر ) . ... 531 ، 532
ما استخلف خليفة إلا له بطانتان . ... 362
ما أنا إلا رجل من المسلمين . ( من قول علي ) . ... 312
ما بقاء هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية ؟ قال : (ما استقامت بكم أئمتكم ) . ( من قول أبي بكر ) . ... 372
\
مات رسول الله? - صلى الله عليه وسلم - ?ولم يوص . ( من قول ابن عباس ) . ... 135
ما تشاور قوم قط إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرهم . (من قول الحسن ) ... 430
ما تشاور قوم قط يبتغون وجه الله إلا هدوا لأرشد أمرهم . (من قول قتادة ) ... 430
ما تقل الغبراء ولا تظل الخضراء على ذي لهجة أصدق وأوفى من أبي ذر . ... 305
ما خاب من استخار ولا ندم من استشار . ... 434
ما خصنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء لم يعم به الناس . ( من قول علي ) . ... 140
ما رأيت أحدًا أكثر مشورة لأصحابه من النبي? - صلى الله عليه وسلم - ???( من قول أبي هريرة ) . ... 427
ما رأيناك أتيت أمرًا أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر . ( من قول أبي موسى وأبي مسعود ) . ... 532
ما شقي قط عبد بمشورة ، وما سعد باستغناء رأي . ... 437
ما مشى قوم إلى سلطان الله ليذلوه إلا أذلهم الله قبل أن يموتوا . ( من قول حذيفة ) . ... 385
ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً لا يفكه إلا العدل أو يوبقه الجور . ... 112
ما من عبد يسترعيه الله رعية من المسلمين ثم يموت وهو غاش لهم إلا لم يدخل الجنة معهم ... 370
ما من عبد يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل الجنة معهم . ... 370
ما من نبي بعثه الله قبلي إلا كان له من أمته حواريون . ... 523
...
المدينة كالكير تنفي خبثها ، وتنصع طيبها . ... 201
مروا أبا بكر فليصل بالناس . ... 128
المستشار مؤتمن . ... 427
المسلم أخو المسلم . ... 116 ، 117
المسلمون على شروطهم . ... 208
المشورة عين الهداية وقد خاطر من استغنى برأيه . ( من قول علي ) . ... 436(2/37)
المقسطون على منابر من نور . ... 112
من أتاكم وأمركم جميع على رجل منكم يريد أن يشق عصاكم فاقتلوه ... 479 ، 541
من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله . ... 35 ، 379
من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد . ... 181
من استخلف ؟ لو كان أبو عبيدة ابن الجراح . ( من قول عمر ) . ... 195 ، 196
من استعمل رجلاً على عصابة وفيهم أرضى الله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين . ... 299
من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله . ... 399
من بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع فإن جاء آخر ينازعه فأضربوا عنق الآخر . ... 213 ، 398 ، 557
من بايع رجلاً من غير مشورة المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا . ( من قول عمر ) . ... 161 ، 180 ، 206
من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل . ... 401
من بدل دينه فاقتلوه . ... 470
من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضار الله من أمره ... 90
من حكم بغير ما أنزل الله فحكم الجاهلية . ( من كلام الحسن البصري ) ... 107
من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه . ... 403
من رابط في شيء من سواحل المسلمين ثلاثة أيام أجزأت عنه رباط سنة ... 89
من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر . ... 203 ، 505
من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده . ... 521 ، 522
من زعم أن عليًا أحق بالولاية فقد خطأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار . ( من قول سفيان الثوري ) . ... 313
من سمع سمع الله به يوم القيامة ، ومن شاق شقق الله عليه يوم القيامة . ... 507
من قتل تحت راية عمية يدعوا إلى عصبية . ... 118
من قتل دون ماله فهو شهيد . ... 382
من كان رسول الله مستخلفًا لو استخلف ؟ قالت : أبو بكر . ( من قول عائشة ) . ... 134
من كان عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علانية . ... 411
من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة . ... 361
من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية . ... 76
من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية . ... 50 ، 505(2/38)
من ولاه الله شيئًا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم . ... 368
من هي الفئة الباغية ؟ لو علمنا ما سبقتني أنت ولا غيرك على قتالها . ( من قول ابن عمر ) . ... 531
من يحفر بئر رومة فله الجنة . ... 322
حرف النون (ن)
ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبد الطلب وربيعة بن الحارث . ... 266
الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم ، وكافرهم تبع لكافرهم . ... 270 ، 271
الناس على دين ملوكهم . ... 374
نحن المؤمنون وعمر أميرنا . ( قول بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) . ... 35
نحن مع من غلب . ( من قول ابن عمر ) . ... 223
ندمت على تركي قتال الفئة الباغية . ( من قول ابن عمر ) . ... 532
نضر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها فرب حامل فقه غير فقيه . ... 408
نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها . ... 345
حرف الهاء (هـ)
هات يدك أبايعك على الإسلام فبايعه فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى قومك قال : وعلي قومي ( عن ضماد ) . ... 201
فهلا جلست في بيت أبيك أو بيت أمك حتى تأتيك هديتك . ... 352
هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم . ... 355
حرف اللا (لا)
لا آمركم ولا أنهاكم أنتم أبصر . ( من قول علي ) ... 197
لا أبايع اثنين ما اختلف الليل والنهار . ( من قول سعيد بن المسيب ) . ... 207
لا أقاتل في الفتنة وأصلي وراء من غلب . ( من قول بن عمر ) . ... 214 ، 467
لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري . ( من قول علي ) . ... 312
لا بل عبدًا رسولاً . ... 39
لا تدفعها إليهم فقد أضاعوا الصلاة . ( من قول ابن عمر ) . ... 347
لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض . ... 508
لا تريدوني ، إني لكم وزير خير مني لكم أمير . ( من قول علي ) . ... 155
لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله . ... 528 ، 529
لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق . ... 529
لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه . ... 270
لا حتى تأطروهم على الحق أطرًا . ... 92(2/39)
لا ضرر ولا ضرار . ... 65
لا ما أقاموا فيكم الصلاة . ... 226 ، 471 ، 505 ، 547
لا نبرح حتى نناجز القوم . ... 203
لا وإنما أترككم كما ترككم رسول الله? - صلى الله عليه وسلم - ???( من قول علي ) . ... 196
لا يبقين باب إلا سدَّ إلا باب أبي بكر . ... 129
لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا أحدهم . ... 50
لا يحل للخليفة من هذا المال إلا قصعتان . ... 417
لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان . ... 270
لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه . ... 545
حرف الياء (ي)
يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة . ... 260 ، 305
يا أبا عبد الرحمن متى أضل وأنا أعلم ؟ قال : إذا كانت عليك أمراء إذا أطعتهم أدخلوك النار ، وإذا عصيتهم قتلوك . ( من قول ابن مسعود ) . ... 396
يا أيها الناس ألا تسألوني ؟ فإن الناس كانوا يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخير وكنت أسأله عن الشر . ( من قول حذيفة ) . ... 532
يا أيها الناس إن ربكم واحد . ... 117
يا أيها الناس عن ملأ وإذن ، إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق. ( من قول علي ) ... 156
يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله . ... 128 ، 248 ، 249
يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا . ... 63
يا عبد الرحمن بن سمره لا تسأل الإمارة . ... 264 ، 365
يا رسول الله أرأيت هذا الخير الذي أعطانا الله أيكون بعده شر كما كان قبله ؟ قال : نعم ، قلت : ما العصمة ؟ قال: السيف . ... 523
يا رسول الله إن القوم من أصحاب الصدقة يعتدون علينا أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا ؟ قال : لا . ... 349
يا رسول الله بايعه فقال - صلى الله عليه وسلم - هو صغير فمسح رأسه ودعا له . ( عن زينب بنت جحش ) . ... 206
يا معشر قريش إنكم أهل هذا الأمر ما لم تعصوا الله فإذا عصيتموه بعث عليكم من يلحاكم . ... 285
يا معشر النساء تصدقن . ... 232
يحبس لأهله قوت سنتهم ويجعل ما بقي في الكراع . ... 356
يحق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة . (من قول عليَّ) ... 381
\(2/40)
يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش . ... 41
يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي . ... 394 ، 505
يكون دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها . ... 215
يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم . ... 508 ، 509
يهدمه أي الإسلام ، زلة عالم وجدال منافق بالكتاب ، وحكم الأئمة المضلين . ( من قول عمر ) . ... 527
* * * * *
ثالثًا :
فهرست الأعلام المترجم لهم
إبراهيم بن محمد .. أبو إسحاق الأسفراييني . ... 537
ابن خويز منداد . ... 428
ابن عطية المالكي . ... 428
أبو بكر عبد الرحمن الأصم . ... 39
أبو جعفر محمد بن عوف الحمصي . ... 54
جندب بن عبد الله . ... 491
شبيب بن يزيد الشيباني ( الخارجي ) . ... 234
صفوان بن محرز ... 491
عبد الرحمن بن القاسم بن خالد . ... 386
عمرو بن بحر الجاحظ . ... 59
محمد نجيب المطيعي . ... 24
محمد بن مجاهد . ... 488
مصطفى كمال أتاتورك . ... 111
هشام بن عمرو الفوطي . ... 39
ملحوظة :
اقتصرت على ذكر الصفحة التي وردت فيها الترجمة فقط .
رابعًا :
قائمة المراجع والمصادر
رابعًا :
قائمة المراجع والمصادر
1- القرآن الكريم .
2- الإبانة عن أصول الديانة لأبي الحسن الأشعري ( ت : 324هـ ) تحقيق د . فوقيه حسين محمود . ط : أولى 1397 هـ . ن : دار الأنصار - القاهرة .
3- ابن حزم - حياته وعصره وآراؤه الفقهية ، لمحمد أبي زهرة . ط 1373 هـ . ن : دار الفكر العربي .
4- إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين . لمحمد بن محمد الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى . ط : بدون . ن : دار إحياء التراث العربي ، بيروت - لبنان .
5- الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر . د . محمد محمد حسين ت : 1403 هـ . ط : ثالثة . 1392 هـ . ن : دار النهضة المصرية .
6- أحكام أهل الذمة لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر ابن القيم (691- 751هـ) تحقيق : د . صبحي الصالح . ط : الثانية . 1401 هـ . ن : دار العلم للملايين . بيروت - لبنان .(2/41)
7- أحكام البغاة والمحاربين د . خالد رشيد الجميلي رسالة دكتوراه من جامعة القاهرة ط : 1977 م . ن : دار الحرية للطباعة والنشر . وقد ساعدت جامعة بغداد على نشره .
8- الأحكام السلطانية والولايات الدينية لعلي بن محمد الماوردي ت : 450 هـ . ط : الثالثة 1393 هـ . ن : شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي - القاهرة .
9- الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلي محمد بن الحسين الفراء الحنبلي ت : 458 هـ . تحقيق : محمد حامد الفقي . ط : ثانية 1386 هـ . ن : شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي . القاهرة - مصر .
10- أحكام القرآن - لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي (468 - 543 هـ) تحقيق : علي محمد البجاوي . ط : ثالثة 1392 . ن : مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه .
11- أحكام القرآن لأحمد بن علي أبي بكر الرازي المعروف بالجصاص (305 - 370 هـ) ط : الأولى 1335 هـ . طبع بمطبعة الأوقاف الإسلامية في دار الخلافة العلية . ن : دار الكتاب العربي بيروت - لبنان .
- نسخة أخرى بتحقيق : محمد الصادق قمحاوي . ط : الثانية . ن دار المصحف - القاهرة .
12- إحياء علوم الدين لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت : 505 هـ) ط : بدون . ن : دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان .
13- الآداب الشرعية لإبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي (ت : 884 هـ) ط : 1972 م . ن . دار العلم للجميع .
14- آداب الشافعي ومناقبه لأبي محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي (240 - 327 هـ) تحقيق وتعليق : عبد الرحمن عبد الخالق . ط : 1373 هـ .
15- أدب الدنيا والدين لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي (ت : 450 هـ) ط : ثالثة .
16- الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد لأبي المعالي الجويني (ت : 419 هـ) تحقيق : محمد يوسف موسى وعلى عبد المنعم عبد الحميد . ط : 1369 هـ . ن : مكتبة الخانجي بمصر .(2/42)
17- إرشاد الساري شرح صحيح البخاري لشهاب الدين أحمد بن محمد بن الخطيب القسطلاني وبهامشه متن صحيح مسلم وشرح النووي عليه (851 - 923 هـ) ط : سابعة . سنة 1323 هـ . بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق . مصر .
18- إرواء الغليل تخريج أحاديث منار السبيل للشيخ محمد ناصر الدين الألباني ط . أولى 1399 هـ . ن : المكتب الإسلامي .
19- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر على هامش كتاب الإصابة لابن حجر . ط : أولى 1390 هـ . ن . مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة .
20- الإسلام د . أحمد شلبي . ط : سادسة 1979 م . ن . مكتبة النهضة المصرية . القاهرة - مصر .
21- الإسلام بين العلماء والحكام لعبد العزيز البدري . ط : 1966 م . ن . المكتبة العلمية بالمدينة المنورة .
22- الإسلام عقيدة وشريعة لمحمود شلتوت . ط : ثامنة 1395 هـ . ن : دار الشروق .
23- الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق . ط : 1978 م . تعليق د : محمود حقي . ن : دار مكتبة الحياة . بيروت .
24- الإسلام وأوضاعنا السياسية للأستاذ عبد القادر عودة . ط : بدون ن : مؤسسة الرسالة . بيروت .
25- الإسلام والخلافة في العصر الحديث نقد كتاب الإسلام وأصول الحكم د . ضياء الدين الريس . ط : أولى 1393 هـ . ن : منشورات العصر الحديث بيروت - لبنان .
26- الإسلام والخلافة د . علي حسني الخربوطلي . ط : 1969 م . دار بيروت للطباعة والنشر . بيروت - لبنان .
27- الإسلام وفلسفة الحكم د محمد عمارة . ط : 1979 م . ن : دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
28- الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ أحمد بن علي العسقلاني المعروف بابن حجر (773 - 852 هـ) . تحقيق : محمد الزيني . ط : الأولى 1390 هـ . ن : مكتبة الكليات الأزهرية وبهامشه الاستيعاب لابن عبد البر .
29- أصول الدعوة لعبد الكريم زيدان . ط : ثالثة 1396 هـ . ن : مكتبة المنار الإسلامية .(2/43)
30- أصول الدين لأبي منصور عبد القادر بن طاهر التميمي البغدادي (ت : 429 هـ) ط : ثانية 1400 هـ . ن : دار الكتب العلمية بيروت - لبنان .
31- أصول الكافي لأبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني (ت : 328 هـ) ط : ثالثة . ن : دار الكتب الإسلامية . طهران .
32- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن . لمحمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي - طبع على نفقة محمد بن عوض بن لادن رحمه الله . ط : الثانية 1400 هـ . ن : مكتبة التراث الإسلامي . حلب .
33- الاعتصام لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي (ت : 790 هـ) ط : 1323 هـ . المكتبة التجارية الكبرى . مصر .
34- اعتقادات فرق المسلمين والمشركين . لفخر الدين محمد بن عمر الخطيب الرازي (544 - 606 هـ) . ط : 1398 هـ . ن : مكتبة الكليات الأزهرية .
35- الإعلام قاموس التراجم ، لخير الدين الزركلي . ط : الرابعة 1979 م . ن : دار العلم للملايين بيروت - لبنان .
36-إعلام الموقعين عن رب العالمين لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن القيم (ت : 751 هـ) راجعه وعلق عليه : طه عبد الرؤوف سعد . ط : 1973 م . ن : دار الجيل للنشر والتوزيع بيروت - لبنان .
37- الاقتصاد في الاعتقاد لأبي حامد الغزالي (ت : 505 هـ) تحقيق : محمد مصطفى أبو العلا . ط : 1393 هـ . ن : مكتبة الجندي بالقاهرة .
38- إكفار الملحدين في ضروريات الدين لمحمد نور شاه الكشميري (ت : 1352 هـ) ط : 1388 هـ . ن : المجلس العلمي بكراتشي - باكستان .
39- الأم . لمحمد بن إدريس الشافعي . ط : أولى 1381 هـ . ن : مكتبة الكليات الأزهرية . ونسخة ثانية . ط : ثانية 1393 هـ . ن : دار المعرفة .
40- الإمامة لمحمد حسين آلياسين . ط : ثانية . ن : المكتب العالمي . بيروت .
41- الإمامة لدى الشيعة الإثنى عشرية . د . أحمد محمود صبحي . ط : بدون . ن : دار المعارف . مصر .(2/44)
42-الإمامة وقائم القيامة . د . مصطفى غالب . ط : 1981 م . مكتبة الهلال .
43- الأموال . لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت : 224 هـ) تحقيق : محمد خليل هراس . ن . مكتبة الكليات الأزهرية . دار الفكر . القاهرة .
44- الانتقاء في فضائل الثلاثة أئمة الفقهاء مالك والشافعي وأبي حنيفة . لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر (ت : 463 هـ) .
45-الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به للقاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني (ت : 403 هـ) تحقيق : محمد زاهد الكوثري . ط : ثانية 1382 هـ . ن : مؤسسة الخانجي للطباعة والنشر والتوزيع بالقاهرة .
46- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل (817 - 885 هـ) صححه وحققه : محمد حامد الفقي . ط : الأولى 1374 هـ . ن : بدون .
47- الإيضاح والتباين في معرفة المكيال والميزان لأبي العباس نجم الدين بن الرفعة الأنصاري (ت : 710 هـ) تحقيق : د . محمد أحمد اسماعيل الخاروف . ط : 1400 هـ . ن : مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى .
48- الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية (661 - 728 هـ) ط : الثالثة 1399 هـ . المكتب الإسلامي .
حرف الباء (ب)
49- الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة (599 - 665 هـ) . تحقيق : عثمان أحمد عنبر . ط : أولى 1398 هـ . ن : دار الهدى للنشر والتوزيع .
50- البجيرمي علي الخطيب للشيخ سليمان البجيرمي المسماه تحفة الحبيب على شرح الخطيب ، والخطيب هو : محمد الشربيني الخطيب . ط : أخيرة 1370 هـ . ن : مصطفى البابي الحلبي مصر .
51- بدائع السلك في طبائع الملك لأبي عبد الله بن الأزرق (ت : 896 هـ) تحقيق وتعليق : د علي سامي النشار . ن : وزارة الإعلام الجمهورية العراقية .
52- البداية والنهاية للحافظ عماد الدين ابن كثير (ت :774 هـ) ط : ثالثة 1979م . ن : مكتبة المعارف بيروت - لبنان .
حرف التاء (ت)(2/45)
53- تاج العروس من جواهر القاموس لمحمد مرتضى الزبيدي . ط : بدون . ن : دار مكتبة الحياة . بيروت - لبنان .
54- تاج اللغة وصحاح العربية . لإسماعيل بن حماد الجوهري . تحقيق : أحمد عبد الغفور عطار . ط : الثانية 1399 هـ . ن : دار العلم للملايين . بيروت .
55- تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والإعلام للحافظ محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت : 748 هـ) تحقيق : حسام الدين القدسي . ن : مطبعة القدس .
56- تاريخ الأمامية وأسلافهم من الشيعة . لعبد الله فياض . ط : بغداد 1970م .
57- تاريخ بغداد أو مدينة السلام . للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت : 463) ن : دار الكتاب العربي . بيروت - لبنان .
58- تاريخ الخلفاء لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت : 911 هـ) تحقيق : محمد محيى الدين عبد الحميد . ط : أولى 1371 هـ . ن : المكتبة التجارية الكبرى بمصر .
59- تاريخ الطبري المسمى ( تاريخ الرسل والملوك ) لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (224 - 310 هـ) تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم . ط : الرابعة . ن : دار المعارف . القاهرة .
60- تاريخ المذاهب الإسلامية الجزء الأول في السياسة والعقائد لمحمد أبي زهرة . ط : بدون . ن : دار الفكر العربي .
61- التبر المسبوك في نصيحة الملوك لأبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي (ت : 505 هـ) تحقيق : محمد مصطفى أبو العلا . ط : شركة الطباعة الفنية المتحدة . ن : مكتبة الجندي . القاهرة .
62- التبيان في آداب حملة القرآن . ليحي بن شرف الدين النووي . ط : بدون . توزيع مكتبة المعارف بالرياض .
63- تحكيم القوانين للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت : 1389 هـ) ط : 1380 هـ . ن : مطابع الثقافة بمكة المكرمة .(2/46)
64- تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي لأبي العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري (1283 - 1353 هـ) مراجعة : عبد الرحمن محمد عثمان . ط : ثالثة 1399 هـ . ن : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع . بيروت - لبنان .
65- تدريب الراوي شرح تقريب النووي . لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (849 - 911 هـ) ط : الثانية 1385 هـ . ن : المكتبة السلفية .
66- التطور التشريعي في المملكة العربية السعودية . د . محمد عبد الجواد محمد . ط : 1397 هـ : منشأة المعارف الإسكندرية .
67- تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار لمحمد رشيد رضا . ط : الثالثة .
68- تفسير القرآن العظيم لعماد الدين ابن كثير (700 - 774 هـ) تحقيق : د . محمد إبراهيم البنا . محمد أحمد عاشور . عبد العزيز غنيم . ط : .... ن : دار الفكر العربي .
69- تلبس إبليس . لجمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (ت : 597 هـ) ط : ثانية 1368 هـ . ن : دار الكتب العلمية . بيروت - لبنان .
70- تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير للحافظ أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (ت : 852 هـ) تحقيق وتعليق : شعبان محمد إسماعيل . ط : 1399 هـ . ن : مكتبة الكليات الأزهرية .
71- تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة . لأبي الحسن علي بن محمد بن عراق الكناني (907 - 963 هـ) تحقيق : عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصديق . ط : أولى 1399 هـ . ن : دار الكتب العلمية . بيروت - لبنان .
72- التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل . لعبد الرحمن بن يحيى المعلمي . ط : أولى 1401 هـ . لاهور - باكستان .
73- تهذيب التهذيب للحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت : 852 هـ) ط : أولى 1325 هـ . مطبعة دار المعارف النظامية في حيدر أباد - الدكن - الهند .
حرف الجيم (ج)(2/47)
74- جامع الأصول في أحاديث الرسول للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري . (ت : 606 هـ) تحقيق عبد القادر الأرناؤوط . ن : مكتبة الحلواني ومطبعة الملاح ومكتبة دار البيان .
75- جامع البيان عن تأويل آي القرآن ( تفسير الطبري ) لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (224 - 310 هـ) ط : الثالثة 1388 هـ . ن : مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي . القاهرة . نسخة أخرى تحقيق أحمد شاكر ومحمود شاكر . ط : ثانية . ن : دار المعارف بمصر .
76- جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله . لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي (ت : 463 هـ) ط : 1398 هـ . ن : دار الباز للنشر والتوزيع بمكة .
77- جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم . تأليف زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين بن أحمد بن رجب الحنبلي ( من علماء القرن الثامن الهجري ) ط : بدون . ن : دار المعرفة للطباعة والنشر . بيروت - لبنان .
78- الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي . ط : ثالثة 1387 هـ . ن : دار الكتاب العربي للطباعة والنشر . القاهرة .
79- جمهرة أنساب العرب لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (384 - 456 هـ) تحقيق عبد السلام هارون . ط : الرابعة . ن : دار المعارف بمصر .
* * * * *
حرف الحاء (ح)
80- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير . الحاشية للعلامة شمس الدين محمد بن عرفة الدسوقي . والشرح الكبير لأبي البركات سيدي أحمد الدردير . ط : المكتبة التجارية الكبرى . ن : دار الفكر .
81- حجة الله البالغة . لشاه ولي الله الدهلوي . تحقيق السيد سابق ن : دار الكتب الحديثة . القاهرة .
82- الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية . تحقيق : صلاح عزام . ط : أولى 1976 م . ن : دار الشعب .
83- حق اليقين في معرفة أصول الدين . لعبد الله شبر (1118 - 1243هـ) ن : دار الكتاب الإسلامي .(2/48)
84- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت : 430هـ) ط : 1394هـ . ن : مطبعة السعادة . القاهرة .
حرف الخاء (خ)
85- الخراج - للقاضي أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم (113 - 182هـ) ط : الرابعة 1392هـ . المطبعة السلفية ومكتبتها . القاهرة .
86- الخطط . لتقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المعروف بالمقريزي . ط : بولاق 1270هـ . ن : دار التحرير للطبع والنشر . القاهرة .
87- الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الإثنى عشرية لمحب الدين الخطيب . ط : التاسعة . ن : المطبعة السلفية ومكتبتها . القاهرة .
88- الخوارج ( تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها ) للطالب غالب بن علي عواجي . إشراف د . عثمان عبد المنعم عيش . لنيل الماجستير في العقيدة . جامعة الملك عبد العزيز بمكة عام 98/ 1399هـ .
89- الخلافة أو الإمامة العظمى لمحمد رشيد رضا . مطبعة المنار سنة 1341هـ .
90- والخلافة والملك لأبي الأعلى المودودي . تعريب أحمد إدريس . ط : أولى 1398هـ . ن : دار العلم . الكويت .
91- الخلافة وسلطة الأمة لجماعة من الأتراك . تعريب عبد الغني سني ط : 1342هـ .مطبعة الهلال .
92- الخليفة توليته وعزله . د . صلاح الدين دبوس . ط : بدون . ن : مؤسسة الثقافة الجامعية .
حرف الدال (د)
93- الدرر السنية في الأجوبة النجدية . جمع عبد الرحمن بن قاسم العصامي القحطاني . ط : ثانية 1385 هـ .
94- الدر المنثور في التفسير بالمأثور . جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (849 - 911هـ) ط : بدون . ن : محمد أمين دمج . بيروت - لبنان .
95- الدولة في الإسلام لخالد محمد خالد . ط : أولى 1401هـ . ن : دار ثابت القاهرة .
96- الديمقراطية في الإسلام لعباس محمود العقاد . ط : رابعة . ن : دار المعارف . مصر .
97- ديوان الأفوه ألأودي ضمن مجموعة الطرائف الأدبية للميمني . ن : دار الكتب العلمية .(2/49)
98- ديوان بشار بن برد . ط : 1376هـ . شرح وتعليق محمد الطاهر بن عاشور . ن : لجنة التأليف والترجمة والنشر . القاهرة .
حرف الراء (ر)
99- رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي د . محمد رأفت عثمان . ط : مطبعة السعادة . مصر . ن : دار الكتاب الجامعي .
100- الرسالة للإمام محمد بن إدريس الشافعي تحقيق أحمد شاكر ط : ثانية 1399هـ . ن : مكتبة دار التراث .
101- رسالة شرح حديث « ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم .. » إلخ . للحافظ عبد الرحمن بن شهاب الدين بن أحمد بن رجب الحنبلي (ت : 795هـ) ضمن مجموعة الرسائل المنيرية المجلد الثاني الرسالة الأولى . ط : 1346هـ . بإدارة الطباعة المنيرية .
102- رسالة في العقل والروح لشيخ الإسلام ابن تيمية ضمن مجموعة الرسائل المنيرية الرسالة الثانية من الجزء الثاني من المجلد الأول . ط : 1343هـ . إدارة الطباعة المنيرية . ن : محمد أمين دمج . بيروت - لبنان .
103- الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم . لأبي عبد الله السيد محمد بن إبراهيم الوزير (775 - 840هـ) ط : 1385هـ . ن : المطبعة السلفية ومكتبتها . القاهرة .
104- روضة الطالبين ليحيى بن شرف الدين النووي (631 - 676هـ) ن : المكتب الإسلامي .
105- روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه . لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (541 - 620هـ) ط : الرابعة 1397هـ . ن : المطبعة السلفية ومكتبتها . القاهرة .
106- الروض النضير للقاضي شرف الدين الحسين بن أحمد السياغي (1180 - 1221هـ) مع التتمة للسيد العباس بن أحمد الحسني . ط : الثانية 1388 هـ . ن : مكتبة المؤيد بالطائف .
حرق الزاء (ز)
107- زاد المعاد في هدى حير العباد - لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن القيم (691 - 751هـ) راجعه وقدم له : طه عبد الرؤوف طه . ط : 1390هـ . شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي . القاهرة .
حرف السين (س)(2/50)
108- سبل السلام شرح بلوغ المرام لمحمد بن إسماعيل الأمير اليمني الصنعاني (1059 - 1182هـ) ن : دار الفكر .
109- سراج الملوك . لأبي بكر محمد بن محمد بن الوليد الفهري الطرطرشي (ت : 520هـ) ط : أولى 1319هـ . ن : دار الأنصار . القاهرة .
110- سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها للأستاذ محمد ناصر الدين الألباني ط : الثانية 1399هـ . ن : المكتب الإسلامي .
111- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة للأستاذ محمد ناصر الدين الألباني . ط : الرابعة 1398هـ . ن : المكتب الإسلامي .
112- سنن أبي داود لسليمان بن الأشعث بن إسحاق (202 - 275هـ) المطبوع على متن عون المعبود بشرح أبي داود لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي . ط : الثالثة 1399هـ . ن : المكتبة السلفية .
113- سنن ابن ماجة للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجة (207 - 275هـ) حقق نصوصه ورقمه : محمد فؤاد عبد الباقي ط : بدون . ن : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع .
114- سنن الترمذي المسمى ( الجامع الصحيح ) لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سوره (209 - 279هـ) تحقيق وشرح : أحمد محمد شاكر وغيره . ط : الثانية 1398هـ . ن : شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي . القاهرة .
115- سنن الدارمي لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي (ت : 225هـ) ن : دار إحياء السنن النبوية .
116- السنن الكبرى لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت : 458هـ) وفي ذيله الجوهر النفيس لعلاء الدين بن علي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني (ت : 745هـ) ط : بدون . ن : دار الفكر . بيروت - لبنان .
117- السنة . لأبي بكر عمر بن أبي عاصم الضحاك من مخلد الشيباني (ت : 287هـ) ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة للأستاذ محمد ناصر الدين الألباني . ط : الأولى 1400هـ . ن : المكتب الإسلامي .(2/51)
118- السياسة الشرعية لشيخ الإسلام ابن تيمية . ط : رابعة 1969 م . ن : دار الكتاب العربي . بيروت .
119- السياسة الشرعية أو نظام الدولة الإسلامية في الشؤون الدستورية والخارجية والمالية للشيخ عبد الوهاب خلاف . ط : 1370هـ . ن : دار الأنصار . القاهرة .
120- سير أعلام النبلاء لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت : 748هـ) تحقيق : شعيب الأرناؤوط . ط : ثانية 1402هـ . ن : مؤسسة الرسالة .
121- سيرة ابن هشام لأبي محمد عبد الملك بن هشام المعافري . تحقيق : مصطفى السقا . إبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي . ط : الثانية 1375هـ . ن : مكتبة ومطبعة مصطفي البابي الحلبي . مصر .
حرف الشين (ش)
122- شذرات الذهب في أخيار من ذهب لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي (ت : 1089هـ) ط : بدون . ن : دار الآفاق الجديدة . بيروت - لبنان .
123- شرح ابن القيم لسنن أبي داود المطبوع على هامش عون المعبود . تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان . ط : الثالثة 1399هـ . ن : المكتبة السلفية .
124- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة . لأبي القاسم هبة الله بن الحسين بن منصور الطبري اللالكائي . تحقيق : أحمد بن سعد حمدان . رسالة دكتوراه من جامعة أم القرى . إشراف د . عثمان عبد المنعم عيش عام 401هـ . طبع استانسل .
125- شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار بن أحمد : تعليق : أحمد بن الحسين بن أبي هاشم تحقيق : دكتور عبد الكريم عثمان . ط : أولى 1384هـ . ن : مكتبة وهبة . القاهرة .
126- شرح ثلاثيات المسند للشيخ محمد السفاريني الحنبلي . تحقيق : زهير الشاويش . ط : أولى . ن : المكتب الإسلامي .
127- شرح الخرشي على مختصر خليل لمحمد الخرشي . وبهامشه حاشية الشيخ علي العدوي . ط : بدون ن : دار صادر . بيروت - لبنان .
128- شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي اعز الحنفي تخريج : محمد ناصر الدين الألباني . ط : ثالثة ، ن : المكتب الإسلامي .(2/52)
129- شرح السعد على العقائد النسفية لنجم الدين عمر النسفي . والشارح سعد الدين سعود بن عمر (ت : 792هـ) ط : 1326هـ . ن : شركة الصحافة العثمانية .
130- شرح السنة لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي . تحقيق وتخريج شعيب الأرناؤوط . ط : أولى 1394هـ . ن : المكتب الإسلامي .
131- شرح السير الكبير لمحمد بن الحسين الشيباني . إملاء محمد بن أحمد السرخسي ( من علماء القرن الخامس الهجري ) تحقيق : صلاح الدين المنجد . ط : 1971 م . ن : مطبعة شركة الإعلانات الشرقية بالتعاقد مع معهد المخطوطات العربية . القاهرة .
132- شرح فتح القدير . للكمال بن الهمام . ط : بولاق سنة 1315هـ نسخة ثانية . ط : الحلبي 1398هـ .
133- شرح الكوكب المنير . تأليف محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي الحنبلي المعروف بابن النجار (ت : 972هـ) تحقيق د . محمد الزحيلي ، ود . نزيه حماد . ط : أولى 1400هـ . من منشوارت مركز البحث العلمي واحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى .
134- شرح منتهى الإرادات لابن النجار الحنبلي (ت : 972هـ) ط : بدون . دار الفكر .
135-شرح المواقف للسيد علي بن محمد الجرجانب (ت : 816هـ) ط : أولى 1325هـ . ن : مطبوعات السعادة . مصر .
136- شرح المواهب اللدنية للقسطلاني . تأليف محمد بن عبد الباقي الزرقاني . ط : أولى 1325هـ . ن : المطبعة الأزهرية المصرية .
137- شرح النووي على صحيح مسلم . ليحيى بن شرف الدين النووي (631 - 676هـ) ن : المطبعة المصرية ومكتبتها .
138- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد . تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم . ط : أولى 1378هـ . ن : دار إحياء الكتب العربية . عيسى البابي الحلبي وشركاه . مصر .
139-الشرح والإبانة عن أصول أهل السنة والديانة لابن بطة العبكري رسالة ماجستير في العقيدة مقدمة من الطالب رضى معطي نعسان بجامعة أم القرى .(2/53)
140- الشريعة . لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري (ت : 360هـ) تحقيق محمد حامد الفقي . ط : أولى 1369هـ . ن : مطبعة السنة المحمدية .
141- شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل . لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن القيم (ت : 751هـ) تحرير : الحساني حسن عبد الله ، ط : الثانية . ن : دار التراث . القاهرة .
142- الشورى في الإسلام . د . حسن هويدي . ط : 1395 هـ . ن : مكتبة المنار الإسلامية . الكويت .
143- الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي . عبد الرحمن عبد الخالق . ط : 1975 م . ن : الدار السلفية ودار القلم . الكويت .
144- الشورى وأثرها في الديمقراطية . د . عبد الحميد إسماعيل الأنصاري . ط : الأولى 1400هـ . ن : المطبعة السلفية ومكتبتها . القاهرة .
حرف الصاد (ص)
145- صبح الأعشى في صياغة الإنشا لأبي العباس أحمد بن علي القلقشندي (ت : 821هـ) مصورة عن الطبعة الأميرية .
146- صحيح البخاري المسمى ( الجامع الصحيح ) لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (194 - 256هـ) المطبوع على متن فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ترقيم : محمد فؤاد عبد الباقي ط ..... ، ن : المكتبة السلفية .
147- صحيح الجامع الصغير وزياداته للحافظ جلال الدين السيوطي . تحقيق : محمد ناصر الدين الألباني . ط : أولى 1374هـ . ن : دار إحياء الكتب العربية . القاهرة .
148- صحيح مسلم . لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206 - 261هـ) ترقيم وتحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي . ط : أولى 1374 هـ . ن : دار إحياء الكتب العربية . القاهرة .
149- الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة . لأحمد بن حجر الهيتمي المكي (899 - 974 هـ) . ط : الثانية 1385 هـ . ن : مكتبة القاهرة . مصر .
حرف الضاد (ض)(2/54)
150- ضعيف الجامع الصغير وزياداته للسيوطي . تحقيق وترتيب وتخريج الشيخ ناصر الدين الألباني . ط : ثانية 1399 هـ . ن . المكتب الإسلامي .
حرف الطاء (ط)
151- طبقات الحنابلة للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى وذيله لأبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين بن رجب الحنبلي (636 - 795 هـ) ط : بدون . ن : دار المعرفة للطباعة والنشر . بيروت - لبنان .
152- طبقات الشافعية الكبرى . لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي (727 - 771 هـ) تحقيق : عبد الفتاح محمد الحلو ود . محمود الطناحي . ط : أولى 1383 هـ . ن : عيسى البابي الحلبي . القاهرة .
153- الطبقات الكبرى لأبي عبد الله محمد بن سعد بن منيع البصري (168 - 230 هـ ) ط : 1398 هـ . ن : دار بيروت للطباعة والنشر . بيروت - لبنان .
154- الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لشمس الدين محمد بن أبي بكر ابن القيم (ت : 751 هـ) ن : دار الباز للنشر والتوزيع . مكة المكرمة .
حرف العين (ع)
155- العثمانية . لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (150 - 255 هـ) تحقيق : عبد السلام هارون . ط : 1374 هـ . ن : دار الكتاب العربي . بيروت .
156- العزلة لأبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي (317 - 388 هـ) ط : ثانية 1399 هـ . ن : المطبعة السلفية ومكتبتها القاهرة .
157 - عقائد الإمامية الإثنى عشرية ، لإبراهيم الموسوي الزنجاني ط : ثانية 1393 هـ . ن : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات . بيروت - لبنان .
158- العقد الفريد لأحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي . (ت : 328 هـ) تحقيق : محمد سعيد العريان ط : ثانية 1372 هـ . ن : المكتبة التجارية الكبرى بمصر .
159- عقيدة السلف وأصحاب الحديث . لأبي عثمان الصابوني ضمن مجموعة الرسائل المنيرية . المجلد الأول - الجزء الأول - الرسالة السادسة . ط : 1343 هـ . إدارة الطباعة المنيرية . ن : محمد أمين دمج . بيروت - لبنان .(2/55)
160- علم أصول الفقه . لعبد الوهاب خلاف . ط : الثانية عشرة 1398 هـ . ن : دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع . الكويت .
161- العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة للأستاذ سفر بن عبد الرحمن الحوالي . ط : أولى 1402 هـ . منشورات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى .
162- العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - . تأليف القاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي (468 - 543 هـ) تحقيق وتعليق : محب الدين الخطيب . راجع أحاديثه : محمود مهدي استانبولي . ط : بدون . ن : دار المعرفة . بيروت - لبنان .
163- عون المعبود شرح سنن أبي داود لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي . ط : الثالثة 1399 هـ . ن : المكتبة السلفية .
164- عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري نسخة مصورة عن طبعة دار الكتاب . ن : المؤسسة المصرية العامة للتأليف (1383 هـ) .
حرف الغين (غ)
165- غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام . للشيخ محمد ناصر الدين الألباني . ط : أولى 1400 هـ . ن : المكتب الإسلامي .
166- غريب الحديث . لأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي (ت : 285 هـ) المجلدة الخامسة . تحقيق ودراسة : سليمان إبراهيم العابد . إشراف الدكتور : محمود محمد الطناحي . رسالة دكتوراه مقدمة لجامعة أم القرى عام 1402 هـ .
167- غريب الحديث لأبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي (317 - 388 هـ) تحقيق : عبد الكريم إبراهيم العزباوي . ط : 1402 هـ . من منشورات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي : بجامعة أم القرى .
168- غياث الأمم في التياث الظلم . لأبي المعالي إمام الحرمين عبد الملك الجويني . تحقيق : د . مصطفى حلمي ، د . فؤاد عبد المنعم . ط : أولى 1400 هـ . ن : دار الدعوة . الإسكندرية .
* * *
حرف الفاء (ف)(2/56)
169- فتح الباري بشرح صحيح الإمام البخاري للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 - 852 هـ) تصحيح وتعليق : عبد العزيز بن عبد الله بن باز - أشرف على طبعه : محب الدين الخطيب . ورقم أبوابه وأحاديثه محمد فؤاد عبد الباقي . ن : المكتبة السلفية .
170- الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ومعه كتاب بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني :كلاهما تأليف أحمد بن عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي. ط : ثانية . ن : دار إحياء التراث العربي .
171- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير . تأليف محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت : 1250 هـ) ط : ثانية 1383 هـ . ن : مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر .
172- الفرق بين الفرق لعبد القادر بن طاهر بن محمد البغدادي (ت : 429 هـ) تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد . ط : بدون . ن : دار المعرفة للطباعة والنشر . بيروت - لبنان .
174- فرق وطبقات المعتزلة تأليف القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني (ت : 415 هـ) تحقيق وتعليق : د . علي سامي النشار والأستاذ عصام الدين محمد علي ط : 1972 م . ن : دار المطبوعات الجامعية .
175- فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب . تأليف ميزرا حسن محمد النووي الطبرسي . مصور عن طبعة إيران 1298 هـ .
176- الفصل في الملل والأهواء والنحل لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري وبهامشه الملل والنحل للشهرستاني . ط : ثانية 1395 هـ . ن : دار المعرفة للطباعة والنشر . بيروت .
177- فضائح الباطنية . لأبي حامد الغزالي . تحقيق : عبد الرحمن بدوي . ط : أولى . ن : مؤسسة دار الكتب الثقافية . الكويت .
178- الفقه الأكبر لأبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي مع شرحه للملا علي القاري الحنفي . ط : 1399 هـ . ن : دار الكتب العلمية . بيروت - لبنان .(2/57)
179- فقه الزكاة ليوسف القرضاوي . ط : أولى 1389هـ . ن : دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع . بيروت - لبنان .
180- الفكر الإسلامي وصلته بالاستعمار العربي . د . محمد البهي . ط : الثامنة 1395 هـ . ن : مكتبة وهبة . القاهرة - مصر .
181- في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب . ط : 1396 هـ . ن : دار الشروق .
حرف القاف (ق)
182- القاموس المحيط . لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز أبادي . تحقيق محمد مصطفى أبو العلا . ط : بدون . ن : دار الجيل بيروت - لبنان .
183- القاضي أبو يعلي وكتابه الأحكام السلطانية . د . محمد عبد القادر أبو فارس . رسالة دكتوراه في السياسة الشرعية من الأزهر . ط : 1401هـ . ن : وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمقدسات في المملكة الأردنية الهاشمية . عمان - الأردن .
184- قبسات من الرسول للأستاذ / محمد قطب . ط : سابعة 1400 هـ . ن : دار الشروق .
185- قطر الولي على حديث الولي أو ( ولاية الله والطريق إليها ) لمحمد بن علي الشوكاني (ت : 1250هـ) تقديم وتحقيق : د . إبراهيم هلال . ط : 1370 هـ . ن : دار الكتب الحديثة مصر .
186- القواعد في الفقه الإسلامي للحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي (736 - 795هـ) راجعه وقدم له وعلق عليه : طه عبد الرؤوف سعد . ط : أولى 1392 هـ . ن : مكتبة الكليات الأزهرية . القاهرة - مصر .
187- قواعد نظام الحكم في الإسلام . د . محمود عبد المجيد الخالدي . ط : أولى 1400 هـ . ن : دار البحوث العلمية .
حرف الكاف (ك)
188- كتاب حكم هيئة كبار العلماء في كتاب الإسلام وأصول الحكم ط : ثانية 1344 هـ . ن : المطبعة السلفية ومكتبتها القاهرة .(2/58)
189- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل . تأليف أبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري (467 - 538هـ) ومعه حاشية الجرجاني . وكتاب الإنصاف لابن المنير الأسكندري . تحقيق محمد الصادق قمحاوي . ط : أخيرة 1392 هـ . ن : شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده - مصر .
190- كشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور بن يونس بن إدريس البهوتي (1000 - 1051هـ) ط : 1394 هـ . ن : مطبعة الحكومة بمكة المكرمة .
191- كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس . للشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني (ت : 1162هـ) أشرف على طبعه : أحمد القلاش . ط : بدون . ن : مكتبة التراث الإسلامي بحلب ودار التراث بالقاهرة .
192- كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد . لنصير الدين الطوسي (ت : 672هـ) والشرح للحسين بن يوسف المطهر الحلي (726هـ) ط . أولى 1399 هـ . ن : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات . بيروت - لبنان .
193- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال لعلاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري (ت : 975هـ) ضبطه وفسر غريبه : الشيخ حسن رزوق . صححه ووضع فهارسه صفوت السقا . ط : أولى 1389 هـ . ن : مكتبة التراث الإسلامي بحلب .
194- الكلم الطيب لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (661 - 728هـ) تحقيق وتخريج محمد ناصر الدين الألباني . ط : الثالثة 1397 هـ . ن . المكتب الإسلامي .
حرف اللام (ل)
195- لسان العرب لجمال الدين محمد بن مكرم بن منظور (630 - 711هـ) . ط : 1388 هـ . ن : دار صادر ودار بيروت للطباعة والنشر . بيروت - لبنان .
حرف الميم (م)
196- مآثر الانافة في معالم الخلافة لأحمد بن علي القلقشندي (756 - 820هـ) تحقيق عبد الستار أحمد فراج . ط : ثانية 1380 هـ . ن : عالم الكتب . بيروت - لبنان .(2/59)
197- مبادئ نظام الحكم في الإسلام . لعبد الحميد متولي . ط . ثانية 1374 هـ . ن : منشأة المعارف بالإسكندرية .
198- مبدأ الشورى في الإسلام . د . يعقوب محمد المليجي . ط : بدون . ن : مؤسسة الثقافة الجامعية بالإسكندرية .
199- المبسوط لشمس الدين محمد بن أبي سهل الرضى . ط : ثانية . ن : دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع . بيروت - لبنان .
200- المجتمع الإسلامي لمحمد أمين المصري . ط : أولى 1400 هـ . ن : دار الأرقم - الكويت .
201- المجتمع الإسلامي وأصول الحكم . د . محمد الصادق عفيفي . ط : أولى 1400 هـ . ن : دار الاعتصام - القاهرة .
202- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت : 807هـ) ط : ثانية 1402 هـ . ن : دار الكتاب العربي . بيروت - لبنان .
203- المجموع شرح المهذب . لأبي زكريا محي الدين يحيى بن شرف الدين النووي (ت : 676هـ) مع التكملة لمحمد نجيب المطيعي . ن : زكريا علي يوسف . مطبعة الإمام - مصر .
- نسخة أخرى نشر مكتبة دار الإرشاد بجدة التكملة . ط : أولى . ن . المكتبة العلمية بالفجالة .
204- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية . جمع عبد الرحمن بن قاسم وابنه . ط : أولى 1386 هـ - الرياض .
205- مجموعة الرسائل والمسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية . تعليق محمد رشيد رضا . ن : لجنة التراث العربي .
206- مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة . د . محمد حميد الله آبادي . ط : ثالثة 1389 هـ .
207- محاسن التأويل ( تفسير القاسمي ) لمحمد جمال الدين القاسمي (1283 - 1332هـ) وقف على طبعه ورقمه : محمد فؤاد عبد الباقي . ط : ثانية 1389 هـ . ن : دار الفكر . بيروت - لبنان .
208- المحلى لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت : 456هـ) تصحيح : حسن زيدان طلبة . ط : 1390 هـ . ن : مكتبة الجمهورية بمصر .(2/60)
209- مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة تأليف محمد بن أبي بكر بن القيم . اختصره الشيخ محمد بن الموصلي . ط : بدون . ن : مكتبة الرياض الحديثة .
210- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد للشيخ عبد القادر بن أحمد بن مصطفى المعروف بابن بدران الدمشقي . ط : إدارة الطباعة المنيرية . وأعاد طبعه ونشره دار إحياء التراث العربي .
211- المدونة الكبرى للإمام مالك بن أنس . ط : بمطبعة السعادة بمصر . ن : دار صادر بيروت - لبنان .
212- مراتب الإجماع لابن حزم وبذيله نقد مراتب الإجماع لابن تيمية . ط : أولى 1978 هـ . ن : دار الآفاق بيروت - لبنان .
213- مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله : تحقيق : زهير الشاويش . ط : أولى 1401 هـ . ن : المكتب الإسلامي .
214- المسامرة للكمال بن أبي شريف في شرح المسايرة للكمال بن الهمام في علم الكلام . ط : ثانية 1347 هـ . ن : مطبعة السعادة - مصر .
215- المستدرك على الصحيحين للحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري (ت : 455هـ) ن : دار الكتاب العربي . بيروت - لبنان .
216- مسند الإمام أحمد بن محمد بن حنبل (164 - 241هـ) وبهامشه منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال . ن : المكتب الإسلامي ودار صادر بيروت - لبنان .
217- المسند من مسائل الإمام أحمد . رواية أبي بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال ( مخطوط ) صورة منه في مكتبة الجامعة الإسلامية والأصل في المتحف البريطاني تحت رقم :
Order SCH 4849 Catologue oriental : 2675
218- مصنف ابن أبي شيبة المسمى الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار . لعبد الله بن محمد بن أبي شيبة (ت : 235هـ) طبع ونشر الدار السلفية . بومباي - الهند .
219- المصنف لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (126 - 211هـ) تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي . ط : أولى 1391 هـ . ن : المجلس العلمي بكراتشي .(2/61)
220- معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد للشيخ حافظ بن أحمد حكمي . ط : بدون . ن : جماعة إحياء التراث . مصر .
221- المعارف لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدنيوري (213- 276هـ)ط :الثانية .
222- المتعمد في أصول الدين لأبي يعلي محمد بن الحسين الفراء (ت : 458هـ) تحقيق : د . وديع زيدان حداد . ط : دار الشرق . ن : المكتبة الشرقية . بيروت - لبنان .
223- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي - رتبه ونظمه لفيف من المستشرقين ونشره . د . أ . ي . ونستك . ط : 1936 م . مكتبة بريل في مدينة ليدن .
224- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم . وضعه محمد فؤاد عبد الباقي . ن : دار إحياء التراث العربي . بيروت - لبنان .
225- المغني لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة ( ت : 620هـ) ومعه الشرح الكبير لأبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت : 682هـ) ط : بدون . ن : المكتبة السلفية بالمدينة المنورة . ومكتبة المؤيد بالطائف .
226- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربيني الخطيب ( من أعيان علماء الشافعيين في القرن العاشر الهجري ) على متن المنهاج للنووي . ط : بدون . ن : المكتبة الإسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ .
- نسخة أخرى . ط : 1377 هـ شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده . القاهرة - مصر .
227- المغني في أبواب التوحيد والعدل . للقاضي أبي الحسن عبد الجبار الأسد أبادي ( المعتزلي ) (ت : 415هـ) تحقيق : د . عبد الحليم محمود . ود . سليمان دنيا ، مراجعة د . إبراهيم مدكور . إشراف . د . طه حسين . ط : 1966 م . ن : الدار المصرية للتأليف والترجمة .
228- مفاتيح الغيب المشهور بـ ( التفسير الكبير ) لأبي عبد الله محمد بن عمر بن حسين القرشي الملقب بفخر الدين الرازي (544 - 606هـ) ط : بدون . ن : مؤسسة المطبعة الإسلامية بالقاهرة . \(2/62)
- نسخة أخرى ط : ثانية . ن : دار الكتب العلمية طهران .
229- مقالات الإسلاميين لأبي الحسن على بن إسماعيل الأشعري (ت : 330هـ) تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد . ط : ثانية . 1389هـ . ن : مكتبة النهضة المصرية .
230- المقدمة . لابن خلدون . ط : الرابعة 1398 هـ . ن : دار الباز للنشر والتوزيع . مكة المكرمة .
231- الملل والنحل . لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني ( 479 - 548هـ ) تحقيق : محمد سيد كيلاني . ط : ثانية 1395 هـ . ن : دار المعرفة . بيروت - لبنان .
232-مناقب الشافعي لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ( 384 - 458 ) تحقيق : السيد أحمد صقر . ط : أولى 1391 هـ . ن : مكتبة دار التراث .
233- مناقب عمر بن الخطاب لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي (508 - 597) تحقيق : د . زينب إبراهيم القاروط . ط : أولى 1400 هـ . ن : دار الباز للنشر والتوزيع بمكة المكرمة .
234- المنتقي من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال لشيخ الإسلام ابن تيمية اختصره الحافظ أبو عبد الله محمد بن عثمان الذهبي (673 - 748هـ) تحقيق : محب الدين الخطيب . ط : بدون ن : بدون .
235- منحه المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود لأحمد عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي ، والمسند لأبي داود سليمان بن داود بن الجارود المعروف بالطيالسي (ت : 204هـ) ط : ثانية . ن : المكتبة الإسلامية .
236- منهاج الإسلام في الحكم لمحمد أسد . نقله إلى العربية منصور محمد ماضي . ط : خامسة 1978 م . ن : دار العلم للملايين . بيروت لبنان .
237- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية وبهامشه بيان موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول كلاهما لشيخ الإسلام ابن تيمية (ت : 728هـ) ن : دار الكتب العلمية . بيروت - لبنان .(2/63)
238- موارد الظمآن إلى زوائد ابن حيان للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت : 807هـ) تحقيق محمد عبد الرزاق حمزة . ط : بدون . ن : المطبعة السلفية ومكتبتها - القاهرة .
239- المواقف في علم الكلام . للقاضي عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي . ن : عالم الكتب . بيروت - لبنان . ومكتبة المتنبي - القاهرة . ومكتبة سعد الدين - دمشق .
240- موسوعة إبراهيم النخعي الفقهية . د . محمد رواس قلعة جي الكتاب الثاني . ط : أولى 1399 هـ . ن : مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي - جامعة أم القرى .
241- الموطأ للإمام مالك بن أنس . صححه ورقمه وخرج أحاديثه محمد فؤاد عبد الباقي . ط : بدون . ن : دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه .
242- موقف العقل والعلم والدين من رب العالمين وعباده المرسلين لمصطفى صبري ( شيخ الإسلام للدولة العثمانية سابقًا ) ط : 1369 هـ . ن : المكتبة الإسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ .
243- ميزان الاعتدال في نقد الرجال لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت : 748هـ) تحقيق : علي محمد البجاوي . ط : أولى 1382 هـ . ن : دار المعرفة للطباعة والنشر . بيروت - لبنان .
* * * * *
حرف النون (ن)
244- نسب قريش لأبي عبد الله المصعب بن عبد الله بن المصعب الزبيري (156 - 236هـ) تحقيق : أ . ليقي بروفنال . ط : ثانية . ن : دار المعارف . مصر .
245- نشأة السلافة في معرفة الخلافة لعبد القادر أحمد الطبري ( مخطوط ) في المكتبة المركزية بجامعة أم القرى تحت رقم تسلسل 1225 رقم تسجيل 1818 .
246- نظام الإسلام ( الحكم والدولة ) للأستاذ / محمد المبارك . ط : ثالثة 1400 هـ . ن : دار الفكر . بيروت - لبنان .
247- نظام الحكم في الإسلام . د . محمد يوسف موسى . ط : ثانية 1964 م . ن : دار المعرفة بالقاهرة .(2/64)
248- نظام الحكم في الإسلام . د . محمد فاروق النبهان . ط : 1394 هـ مطبوعات جامعة الكويت . ن : دار السياسة .
249- نظام الحكم في الشريعة والتأريخ الإسلامي . د . ظافر القاسمي . ط : ثانية 1397 هـ . ن : دار النفائس بيروت - لبنان .
250- نظام الخلافة في الفكر الإسلامي . د . مصطفى حلمي . ط : بدون . ن : دار الأنصار . القاهرة - مصر .
251- النظريات السياسية الإسلامية للدكتور ضياء الدين الريس . ط : سابعة 1979م. ن : دار التراث . القاهرة .
252- نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور لأبي الأعلى المودودي ط : 1389 هـ . ن : مؤسسة الرسالة . بيروت - لبنان .
253- نقد مراتب الإجماع لشيخ الإسلام ابن تيمية بذيل مراتب الإجماع لابن حزم . ط : أولى 1978 م . ن : دار الآفاق الجديدة . بيروت - لبنان .
254- نهاية الإقدام في علم الكلام . لمحمد بن عبد الكريم الشهرستاني (479 - 548هـ) ط : بدون . ن : مكتبة المثنى ببغداد .
255- النهاية في غريب الحديث والأثر لأبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري (ت : 606هـ) تحقيق : محمود محمد الطناحي وطاهر أحمد الزاوي . ط : ثانية 1399هـ . ن : دار الفكر .
256- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لأبي العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملي (ت : 1004هـ) ط : 1357 هـ . ن : شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي . القاهرة - مصر .
- نسخة أخرى . ط : أخيرة . 1386 هـ . ن . مصطفى البابي الحلبي - مصر .
257- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار . تأليف محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت : 1250هـ) ط : الأخيرة . ن : مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر .
حرف الواو (و)(2/65)
258- الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب لأبي عبد الله محمد بن القيم (691 - 751هـ) تحقيق وتعليق : إسماعيل الأنصاري . ط : بدون ن . رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية .
259- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان (608 - 681هـ) حققه : إحسان عباس . ط : بدون . ن : دار الثقافة . بيروت - لبنان .
260- وقعة صفين لنصر بن مزاحم المنقري (ت : 212هـ) تحقيق : عبد السلام هارون . ط : ثالثة 1401 هـ . ن : مكتبة الحانجي بمصر .
* * * * *
خامسًا
فهرست الموضوعات العامة
فهرست الموضوعات العامة
الموضوع ... الصفحة
المقدمة ... 5
منهج البحث ... 11
خطة البحث ... 13
صلة الموضوع بالعقيدة ... 17
الباب الأول
الفصل الأول
تعريف الإمامة
التعريف اللغوي . ... 27
التعريف الاصطلاحي . ... 28
التعريف المختار وسبب الاختيار . ... 29
لفظ ( الإمام ) في الكتاب والسنة . ... 30
الترادف بين ألفاظ : الإمام ، الخليفة ، أمير المؤمنين . ... 32
استعمالات لفظي الإمامة والخلافة . ... 36
الفرق بين الخلافة والملك . ... 37
جواز إطلاق لفظ خليفة على غير الراشدين . ... 40
الفصل الثاني
وجوب الإمامة
وجوب الإمامة ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والقواعد الشرعية . ... 45
الأدلة ................................................................. ... 47
أولاً : الأدلة من القرآن الكريم . ... 47
ثانيًا : من السنة . ... 49
أ- السنة القولية . ... 49
ب- السنة الفعلية . ... 52
ثالثًا : الإجماع . ... 54
رابعًا : القاعدة الشرعية ( ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) . ... 58
خامسًا : دفع أضرار الفوضى . ... 60
سادسًا : كونها مما تقتضيه الفطرة وعادات الناس . ... 62
مناقشة الآراء المخالفة . ... 64
1- القائلون بوجوبها عقلاً لا شرعًا والرد عليهم . ... 65
2- القائلون بوجوبها عقلاً على الله تعالى والرد على ( الرافضة ) . ... 67
3- القائلون بعدم وجوبها مطلقاً . ... 70(2/66)
4- القائلون بأن الإسلام لم يأت بنظام للحكم وإنما هو دين فقط . ... 70
المكلف بإقامة هذا الواجب . ... 73
الفصل الثالث
مقاصدها
مقاصد الإمامة ... 79
المقصد الأول : إقامة الدين ويتمثل في : ... 80
أولاً : حفظه : وذلك يكون بالأمور التالية : ... 80
1- نشره والدعوة إليه بالقلم واللسان والسنان . ... 81
2- دفع الشبه والبدع والأباطيل ومحاربتها . ... 85
3- حماية البيضة وتحصين الثغور . ... 87
ثانيًا : تنفيذه وذلك بالأمور التالية : ... 89
1- إقامة الشرائع والحدود وتنفيذ الأحكام . ... 89
2- حمل الناس عليه بالترغيب والترهيب . ... 91
المقصد الثاني : سياسة الدنيا به . ... 93
عموم الرسالة المحمدية وشمولها لجميع متطلبات الحياة . ... 93
جوانب الحياة البشرية . ... 97
حكم سياسة الدنيا بغير الدين . ... 101
كلام الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله . ... 103
المراد بالجاهلية . ... 107
كلام الأستاذ أحمد شاكر . ... 107
المقاصد الفرعية الناتجة عن هذا المقصد : ... 110
1- العدل ورفع الظلم . ... 110
2- جمع الكلمة وعدم الفرقة . ... 115
3- القيام بعمارة الأرض واستخراج خيراتها . ... 120
الفصل الرابع ... 123
طرق الانعقاد
شرعية الطرق التي انعقدت بها الخلافة للخلفاء الأربعة الراشدين . ... 125
الكلام في النصية على أبي بكر . ... 127
المذهب الأول . ... 128
المذهب الثاني . ... 130
رأي شيخ الإسلام ابن تيمية . ... 132
الرأي الراجح وأدلته . ... 133
دعوى النصية على علي . ... 135
الآثار المروية عن علي والدالة على عدم النصية لا عليه ولا على غيره . ... 140
ثبوت مبايعة علي والزبير لأبي بكر رضي الله عنهم قبل دفن النبي - صلى الله عليه وسلم - . ... 142
استعراض تأريخي لطرق تولية الخلفاء الراشدين . ... 144
تولية أبي بكر الخلافة رضي الله عنه . ... 144
النتائج المستخلصة . ... 147
تولية عمر رضي الله عنه . ... 149
النتائج المستخلصة . ... 151
تولية عثمان رضي الله عنه . ... 151
النتائج المستخلصة . ... 153
تولية علي رضي الله عنه . ... 154
الطرق الشرعية لتولية الإمام المستنبطة مما سبق . ... 158(2/67)
الطريقة الأولى : الاختيار . ... 158
أهمية الاختيار . ... 158
أدلة مشروعيته . ... 160
أهل الحل والعقد . ... 162
شروطهم . ... 163
هل لأهل العاصمة مزية على غيرهم ؟ ... 168
وظائفهم . ... 169
عددهم وفيه عدة مذاهب . ... 173
الأول . ... 173
الثاني . ... 176
الثالث . ... 181
الرأي الراجح وأدلة الترجيح . ... 183
الطريقة الثانية : الاستخلاف ( العهد ) . ... 184
تعريفه . ... 184
أدلة مشروعيته . ... 185
البيعة للمعهود له . ... 189
شروطه . ... 192
العهد للآباء والأبناء وفيه ثلاثة مذاهب . ... 194
المذهب الأول . ... 194
المذهب الثاني . ... 194
المذهب الثالث . ... 195
الرأي الراجع وأدلة الترجيح . ... 195
البيعة . ... 198
تعريفها . ... 199
أنواعها . ... 200
شروط صحتها . ... 206
حكم نكثها . ... 210
من يأخذها ؟ ... 217
صورها . ... 217
أقسامها : ... 220
أ- بيعة الانعقاد . ... 220
ب- البيعة العامة . ... 220
أسبابها . ... 221
طريق القهر والغلبة وآراء العلماء فيه . ... 222
* * * * *
الباب الثاني
الفصل الأول
شروط الإمام ... 231
شروط الإمام : ... 233
الشرط الأول : الإسلام . ... 234
الشرط الثاني : البلوغ . ... 237
الشرط الثالث : العقل . ... 239
الشرط الرابع : الحرية . ... 240
الشرط الخامس : أن يكون ذكرًا . ... 243
الشرط السادس : العلم . ... 247
هل يشترط الاجتهاد ؟ على قولين . ... 247
الأول : قالوا باشتراط بلوغ درجة الاجتهاد . ... 248
الأدلة على ذلك . ... 248
الثاني : قالوا بعدم اشتراطه . ... 250
الأدلة : ... 250
القول الراجح . ... 251
الشرط السابع : العدالة . ... 251
الشرط الثامن : الكفاءة النفسية . ... 259
الشرط التاسع : الكفاءة الجسمية . ... 261
الشرط العاشر : عدم الحرص على الإمامة . ... 264
الشرط الحادي عشر : القرشية . ... 265
من هم قريش ؟ ... 266
أدلة اشتراط هذا الشرط . ... 269
القائلون بعدم اشتراط القرشية . ... 274
أدلتهم . ... 276
مناقشة هذه الأدلة . ... 278
تقييد سلطة قريش والتوعد بخروج الأمر عنهم . ... 285
هل يجوز خلو قريش ممن هو صالح للإمامة ؟ ... 287
الحكمة من اشتراط القرشية . ... 288
رأي ابن خلدون . ... 288(2/68)
مناقشة هذا الرأي . ... 290
رأي ولي الله الدهلوي . ... 291
رأي محمد رشيد رضا . ... 291
مناقشة هذين الرأيين . ... 292
الرأي الراجح . ... 294
الكلام في اشتراط الأفضلية . ... 296
القائلون باشتراط الأفضلية . ... 297
أدلتهم . ... 299
القائلون بجواز إمامة المفضول . ... 300
أدلتهم . ... 301
مناقشة الأدلة . ... 303
الرأي الراجح . ... 305
أسباب العدول عن الأفضل إلى المفضول . ... 307
مبحث في المفاضلة بين الخلفاء الراشدين . ... 309
مذهب أهل السنة والجماعة في المفاضلة بينهم . ... 311
أدلتهم ... 312
من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه . ... 314
من فضائل الفاروق رضي الله عنه . ... 315
المفاضلة بين عثمان وعلي رضي الله عنهما . ... 317
أدلة تفضيل عثمان على علي . ... 318
من فضائل ذي النورين رضي الله عنه . ... 322
من فضائله التي شارك فيها أبا بكر وعمر . ... 323
من فضائل علي رضي الله عنه . ... 324
هل من السنة المفاضلة بينهم كما سبق أم الأولى أن نحبهم ولا نفاضل بينهم ؟ ... 327
موقف بعض الفرق الإسلامية من التفضيل . ... 328
الأشاعرة . ... 328
المعتزلة . ... 328
الخوارج . ... 330
الروافض . ... 330
الفصل الثاني
واجبات الإمام وحقوقه
تمهيد . ... 333
المبحث الأول :
واجبات الإمام . ... 334
أولاً : واجبات أساسية وتتمثل في . ... 335
مقاصد الإمامة وسبق الكلام عليها . ... 335
ثانيًا : واجبات فرعية وتتمثل في . ... 336
أولاً : استيفاء الحقوق المالية وصرفها في مصارفها الشرعية . ... 337
موارد بيت المال . ... 338
1- الزكاة . ... 338
أدلة كونها من واجبات الإمام وأنه المختص بصرفها . ... 340
الحكمة في دفعها للإمام . ... 341
أضرب الأموال المزكاة . ... 431
أ- الأموال الظاهرة . ... 342
ب- الأموال الباطنة . ... 342
دفعها إلى أئمة الجور . ... 345
الأدلة على ذلك . ... 345
القائلون بعدم جواز دفعها إلى أئمة الجور وأدلتهم . ... 347
القول الراجح . ... 349
2- الجزية . ... 349
3- الخراج . ... 350
4- العشور . ... 351
5- الغنائم . ... 351
6- الفيء . ... 352
7- الموارد الأخرى . ... 352
مصارف بيت المال . ... 353
1- الزكاة . ... 353(2/69)
2- الجزية والخراج والعشور ونحوها . ... 354
3- الغنائم . ... 354
4- الفيء . ... 355
5- المصارف الأخرى . ... 357
وجوه صرف الأموال . ... 357
ثانيًا : اختيار الأكفاء للمناصب القيادية . ... 361
محاسبتهم . ... 366
ثالثًا : الإشراف بنفسه على تدبير الأمور وتفقد أحوال الرعية . ... 367
رابعًا : الرفق بالرعية والنصح لهم وعدم تتبع عوراتهم . ... 370
خامسًا : أن يكون قدوة حسنة لرعيته . ... 371
المبحث الثاني : حقوق الإمام . ... 375
أولاً : حق الطاعة . ... 375
أدلة وجوبها . ... 377
طاعة الأئمة ليست مطلقة . ... 381
أدلة تقييد سلطة الحاكم . ... 382
طاعة الإمام الجائر . ... 392
ثانيًا : النصرة والتقدير . ... 397
ثالثًا : المناصحة . ... 405
رابعًا : حق المال . ... 416
خامسًا : الحكم مدة صلاحيته للإمامة . ... 419
المبحث الثالث : الشورى . ... 421
محتويات المبحث . ... 421
تعريف الشورى . ... 422
1- في اللغة . ... 422
2- في الاصطلاح . ... 422
أدلة مشروعيتها . ... 423
1- من الكتاب . ... 423
2- من السنة . ... 425
أ- السنة القولية . ... 426
ب- السنة الفعلية . ... 427
3- سيرة الخلفاء الراشدين . ... 429
آثار السلف الدالة على الترغيب فيها . ... 430
الحكمة من مشروعيتها وشيء من فوائدها . ... 431
أ- بالنسبة للرسول - صلى الله عليه وسلم - . ... 431
ب- بالنسبة للخلفاء ولسائر الأمة . ... 433
موضوعات الشورى ( فيم تكون ؟ ) . ... 437
الرأي المختار . ... 439
حكم الشورى . ... 441
القائلون بالوجوب . ... 441
أدلتهم . ... 444
القائلون بالندب . ... 445
أدلتهم . ... 449
الرأي الراجح . ... 452
أسباب اهتمام أغلبية المحدثين بالقول بوجوبها . ... 453
الشورى ملزمة أو معلمة ؟ ... 456
أدلة القائلين بأن الشورى ملزمة . ... 456
أدلة القائلين بأن الشورى غير ملزمة للإمام وإنما هي ( معلمة ) . ... 458
الرأي الراجح . ... 461
تنبيه . ... 464
الفصل الثالث
العزل والخروج على الأئمة ... 467
فيه ثلاث مباحث :
المبحث الأول : مسببات العزل : ... 468
الأول : الكفر والردة بعد الإسلام . ... 468
الثاني : ترك الصلاة والدعوة إليها . ... 471(2/70)
الثالث : ترك الحكم بما أنزل الله . ... 472
الرابع : الفسق والظلم والبدعة وهذا فيه ثلاث مذاهب : ... 473
1- القائلون بالعزل مطلقًا . ... 474
2- القائلون بعدم العزل مطلقًا . ... 475
3- ومنهم من فصل في ذلك :
أ- من جهة ماهية الفسق . ... 477
ب- من جهة زمان العزل . ... 477
الخامس : نقص التصرف : وهو على ضربين : ... 479
أ– الحجر . ... 479
ب- القهر وهو على صورتين . ... 480
الأولى : الأسر . ... 480
الثانية : أن يخرج عليه من يستولى على الإمامة بالقوة . ... 481
السادس : نقص الكفاءة وذلك بـ : ... 482
أ- زوال العقل . ... 483
ب- فقد بعض الحواس المؤثرة في الرأي والعمل . ... 484
جـ- فقد بعض الأعضاء المخل فقدها بالعمل أو النهوض . ... 485
المبحث الثاني : وسائل العزل : ... 486
1- أن يعزل الإمام نفسه . ... 487
2- السيف ( القتال والثورة المسلحة ) . ... 488
3- الطرق السلمية الأخرى . ... 489
المبحث الثالث : الخروج على الأئمة : ... 490
أولاً : الخارجون : وهم أربعة أقسام . ... 491
1- الخوارج . ... 492
2- المحاربون . ... 493
3- البغاة . ... 493
4 - أهل الحق . ... 494
ثانيًا : المخروج عليهم وهم ثلاثة أقسام : ... 499
1- الإمام العادل . ... 499
2- الحاكم الكافر المرتد . ... 500
3- الإمام الفسق وفيه مذهبان : ... 501
المذهب الأول : القائلون بعدم جواز الخروج على الأئمة الظلمة . ... 502
الأدلة : وهي : ... 504
أولاً : أحاديث الأمر بالطاعة وعدم نكث البيعة والأمر بالصبر على جوره . ... 504
ثانيًا : الأحاديث الدالة على تحريم اقتتال المسلمين فيما بينهم وعن القتال في الفتنة . ... 506
ثالثًا : الأحاديث الدالة على أن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر . ... 510
رابعًا : موقف الصحابة الذين وقفوا عن القتال في الفتنة . ... 511
خامسًا : صلاة الصحابة خلف أئمة الجور والمبتدعة . ... 513
سادسًا : تحقيق أكمل المصلحتين بتفويت أدناهما . ... 514
سابعًا : تجارب السابقين تدل على أن الفتن لا تأت بخير . ... 517
المذهب الثاني : ... 518
القائلون بالخروج على أئمة الجور والظلم . ... 518(2/71)
الأدلة . ... 519
أولاً : من القرآن الكريم . ... 519
ثانيًا : الأحاديث الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ... 520
ثالثًا : الأحاديث الدالة على عزل الظالم والخورج عليه وكفه عن الظلم . ... 523
رابعًا : الأحاديث الدالة على خطر الأئمة المضلين . ... 525
خامسًا : إجماع العلماء على قتال أي طائفة امتنعت عن شريعة من شرائع الإسلام . ... 527
سادسًا : فعل الصحابة والسلف رضوان الله عليهم أجمعين . ... 529
موقف السلف من غيرهم . ... 533
آراء أئمة المذاهب الأربعة : ... 534
الإمام أبو حنيفة . ... 535
الإمام مالك . ... 535
الإمام الشافعي . ... 536
الإمام أحمد بن حنبل . ... 537
قصة أحمد بن نصر الخزاعي . ... 540
مناقشة أدلة الطرفين : ... 541
أولاً : مناقشة أدلة المذهب الأول وهو عدم الخروج . ... 541
ثانيًا : مناقشة أدلة المذهب الثاني وهم القائلون بالخروج . ... 544
الرأي الراجح والنتيجة . ... 546
الفصل الرابع ... 549
موقفهم من تعدد الأئمة
المذاهب في هذه المسألة مذهبان :
الأول : المنع من تعدد الأئمة وهم على مذهبين : ... 552
أ- قوم قالوا بالمنع مطلقًا وهو مذهب أكثر أهل السنة والجماعة . ... 552
ب- قوم قالوا بالمنع إلا أن يكون هناك مانع كاتساع الرقعة . ... 553
الثاني : القائلون بجواز التعدد مطلقًا . ... 554
الأدلة . ... 555
أولاً : أدلة القائلين بمنع التعدد . ... 555
1- من الكتاب . ... 555
2- من السنة . ... 556
3- الإجماع . ... 558
4- المعقول . ... 559
ثانيًا : أدلة القائلين بالجواز . ... 560
الجواب على هذه الأدلة . ... 561
الترجيح . ... 562
الحكم لو وقع بيعتين في زمن واحد . ... 563
الخاتمة ونتيجة البحث : ... 565
الفهارس العامة :
أولاً : فهرست الآيات القرآنية . ... 573
ثانيًا : فهرست الأحاديث النبوية والآثار . ... 585
ثالثًا : فهرست الأعلام المترجم لهم . ... 606
رابعًا : قائمة المراجع والمصادر . ... 609
خامسًا : فهرست الموضوعات العامة . ... 643
* * * * *
ملحق فهرس الآيات والأحاديث
بترتيب لجنة تبع الناشر على الشبكة
بين يدي الفهرس :(2/72)
1- لم ننظر إلى ( ال ) التعريف بعين الاعتبار . فلفظ الناس تجد في حرف النون .
2- أيضًا لم ننظر للحرف المشدد باعتباره حرفين ، بل اعتبرناه حرفًا واحدًا .
3- لفظ الجلالة ( الله ) اعتبرناه في حرف الألف ثم اللام ، وكذا اللهم ، والذي والذين .
4- الهمزة التي على الواو أو الياء لم نعتبرها همزة في حرف الهمزة بل التي على الواو تجدها في الواو ، والتي على الياء تجدها في الياء .
أولاً
فهرست الآيات القرآنية
حرف الألف (أ)
الآية ... الصفحة
اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ ........................ ... 105 ، 389
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ .......... ... 293
اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ .......................... ... 265
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ..................................... ... 403
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ........ ... 3 ، 106
إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ....................................... ... 84
الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ ........................... ... 79 ، 377
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ................... ... 101
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ......................................... ... 277 ، 283
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى .............. ... 106
إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ .................................. ... 203 ، 217(2/73)
إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم ......................... ... 202
إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ................. ... 261
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى ...................... ... 110
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا .......................... ... 110 ، 378
أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ........................... ... 165 ، 232
إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ................................................... ... 93
إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ............................... ... 306 ، 364
إِن نَّظُنُّ إِلا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ................................. ... 303
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ......................................... ... 115
إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ....................................... ... 80
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ..................................... ... 80
انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً .................................................. ... 84
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ............................................. ... 55
إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ .......................................... ... 364
أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ......................................... ... 197
إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً ...... ... 398 ، 493(2/74)
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ ................................... ... 338 ، 353
إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ........ ... 106
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ................................................ ... 116
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ..................... ... 293
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ............................................... ... 364
حرف التاء (ت )
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ .................... ... 543
حرف الخاء (خ)
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً .............................................. ... 339 ، 342
حرف الراء (ر)
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي ................. ... 265
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ........... ... 164 ، 244
حرف الفاء ( ف )
فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ ..................................... ... 54
فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ ...... ... 48
فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ .......... ... 536
فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ............................... ... 452
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبْصَارِ ............................................ ... 442
فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ........................ ... 96 ، 137 ، 383(2/75)
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ............................................................ ... 423 ، 444
فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ ................................. ... 31
فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ................. ... 96 ، 102 ، 441
فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً ........................................... ... 54
فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .............................. ... 424 ، 444
فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ............... ... 450
فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ ................................... ... 101
حرف القاف (ق)
قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ .......................... ... 349
قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ .................................... ... 247
قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ .......................................................... ... 30 ، 198 ، 252 ، 520
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي ............. ... 265
قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ........................... ... 242
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ............. ... 82
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ...................... ... 247
حروف الكاف (ك)(2/76)
كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ...................................... ... 68
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ................................... ... 84
كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ..................... ... 372
كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ ............................... ... 360
حرف اللام (ل)
لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء ............................ ... 234
لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ..................................... ... 68
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ ................................... ... 91 ، 521 ، 522
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ .......................................... ... 48
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ................ ... 203 ، 315
حرف الميم (م)
مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى .............................. ... 355
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ ................ ... 432
مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ...................................... ... 94
مَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ............................................ ... 68
حرف الهاء (هـ)
هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ............................. ... 120
حرف الواو (و)
وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ............................................... ... 242
وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ .......................... ... 40
وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي .............................. ... 362(2/77)
وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ............................................... ... 30
وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ............................ ... 82
وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ...................................... ... 198
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً .................. ... 33
وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى .................................. ... 110
وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ........... ... 116
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ................. ... 362
وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ ............................ ... 555
وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا ........................ ... 115 ، 555
وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ................................................ ... 354
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ .. ... 211
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ ............................... ... 396
وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ............... ... 395
وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ................... ... 461
وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ..................... ... 494 ، 519 ، 544(2/78)
وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ ................................................. ... 27
وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ ......................................... ... 210
وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ................................ ... 210
وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى .......................................... ... 397 ، 520
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ ............... ... 31
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ....................................... ... 30
وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ ................................. ... 485
وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ....................... ... 247
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ ........................ ... 83
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً .................... ... 247
وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ....... ... 40
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ................................................... ... 245
وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ ....................... ... 113
وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ................ ... 374
وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ...... ... 253
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ .................................. ... 116 ، 555(2/79)
وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ....................................... ... 65
وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ ................................................ ... 116
وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً ................... ... 237
وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ ............................ ... 390
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ ....................... ... 111
وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ .................................. ... 521
وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ............. ... 511
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ........................................ ... 461
وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ........................... ... 450
وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ......................... ... 42 ، 163 ، 226 ، 234 ، 468
وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ... 162 ، 385
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ..................... ... 54
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ............................ ... 137
وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ ... ... 352
وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ............................... ... 461
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ................................ ... 100 ، 333(2/80)
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ .................................................. ... 462
وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً ..................................... ... 84
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ........................ ... 55
وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً ............................................ ... 461
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ .............................. ... 455
وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ .................. ... 102
وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .................. ... 102
وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ .................. ... 102 ، 105 ، 208
وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ........................................ ... 216
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ........................... ... 333
وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ .................................... ... 31
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ................................ ... 94
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً .. ... 439
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ .................................. ... 88
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ....... ... 162 ، 235 ، 378 ، 382 ، 386 ، 459(2/81)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ....................... ... 253
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ..................................... ... 210
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ...... ... 521
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ ....................... ... 362
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ........ ... 234
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء ................. ... 236
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ ........................... ... 365
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى ............................. ... 117
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ................................................ ... 448
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ............................. ... 200 ، 384
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء ........................................ ... 17 ، 449
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ................................. ... 448
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ........ ... 111 ، 367 ، 392
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ........................ ... 354
يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ..................................... ... 68(2/82)
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ........................................... ... 93 ، 94 ، 96
%
فهرس الأحاديث والآثار
حرف الألف (أ)
طرف الحديث ... الصفحة
أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده (قول عبد الرحمن بن عوف ... 208
أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم . ... 201
أبغض الناس إلى الله ثلاثة . ... 107
أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة . ... 317
أتجعلونه إليَّ والله عليَّ أن لا آلو عن أفضلكم ؟ قالوا : نعم ( من قول عبد الرحمن بن عوف . ... 152
اجمعوا له العابد من أمتي ثم اجعلوه بينكم شورى . ... 438
أحب الناس إليَّ من رفع إليَّ عيوبي ( من قول عمر ) . ... 411
احلف لهم وأكذبهم ولا تعطهم شيئًا ( من قول الثوري ) . ... 348
أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين . ... 526
ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابًا . ... 130 ، 186
ادفعها إليهم فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا أن ندفعها إليهم ( من قول المغيرة بن شعبة ) . ... 346
ادفعوا صدقاتكم إلى من ولاه الله أمركم ( من قول ابن عمر ) . ... 346
إذا ابتغى الأمير الريبة في الناس أفسدهم . ... 371
إذا أراد الله بالأمير خيرًا جعل له وزير صدق . ... 363
إذا التقا المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار . ... 507
إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما . ... 207 ، 556
إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم . ... 50
إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له إنك أنت ظالم فقد تودع منها . ... 410 ، 523
إذا رأيتم القارئ يحب الأغنياء فهو صاحب دنيا ، وإذا رأيتموه يلزم السلطان فهو لص ( من قول عمر ) . ... 402
إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة . ... 365
أرأيتم إن استعملت عليكم خير ما أعلم ثم أمرته بالعدل أقضيت ما علي؟(من قول عمر ) . ... 369
أربع من أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن . ... 278
ارجع فقد بايعتك . ... 218
أرضوا مصدقيكم . ... 345
استرشدوا العاقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا . ... 434
استقيموا لقريش ما استقاموا لكم . ... 286(2/83)
أسرعوا بالجنازة ... 56
اسكن أحد فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان . ... 323
اسمع وأطع ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة . ... 380
اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي . ... 229 ، 264 ، 366 ، 373 ، 458
أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبيًا . ... 526
أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ( من قول أبي بكر ) . ... 147 ، 207 ، 395
أعجزتم إذا بعثت رجلاً فلم يمض لأمري أن تجعلوا مكانه من يمض لأمري ... 524
أعْلمهم أن الله افترض عليهم في أموالهم صدقة . ... 339
أفعن معادن العرب تسألوني ؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ... 282
اقتدوا باللذين من بعدي . ... 126 ، 131
أقْرَأْنَا أُبَيَّ ( من قول عمر ) . ... هامش 129
أقيلوني أقيلوني قالوا : لا والله لا نقيلك ولا نستقيلك (من قول أبي بكر ) ... 488
أقيموا حدود الله في القريب والبعيد . ... 90
ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ... 323
إلا أن تروا كفرًا بواحًا . ... 380
ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ... 325
ألا من ولي عليه وآل فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله . ... 225
اللهم أنت الصاحب في السفر . ... 33
اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فأشقق عليه . ... 370
أليسوا يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه قال : قلت بلى ، قال : فتلك عبادتهم . ... 389
أليسوا يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ؟ ... 106
الإمام الأعظم الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته . ... ، 335
امدد يدك أبايعك فيقول الناس عم رسول الله بايع ابن أخيه ( من قول العباس ... 171
أمروني جميعًا أن أدفعها إلى السلطان ما اختلف علي منهم أحد ( من قول أبي صالح ) . ... 346
أمهلوا فإن حدث بي حدث فليصلِّ بالناس صهيب ( من قول عمر ) . ... 206
إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به فئتين من المسلمين . ... 487
إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته ( من قول عمر ) . ... 276(2/84)
إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني ( من قول عمر ) . ... 134، 160، 186
إن الله أذهب عنكم عِبَّية الجاهلية وفخرها بالآباء . ... 117 ، 278
إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل . ... 267 ، 283 ، 294
إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق . ... 314
إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته . ... 112
إن الله لم يبعث نبيًا إلا وله بطانتان . ... 363
إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر أو بأقوام لا خلاق لهم . ... 510
إن أمر عليكم عبد فاسمعوا له وأطيعوا ما قادكم بكتاب الله . ... 473
إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء . ... 316
إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل . ... 522
إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص كان الرجل يرى أخاه على الذنب . ... 91
أن تشاور ذا رأي ثم تطيعه ... 457
إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينًا زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة . ... 135 ، 160
إن خليلي وابن عمك عهد إلّي إذا اختلف الناس أن أتخذ سيفًا من خشب ( من قول اهبان بن صيفي ) . ... 509
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما انتقم قط إلا أن تنتهك حرمات الله . ... 394
إن شر الرعاء الحطمة . ... 371
إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس . ... 353
إن عائشة قد سارت إلى البصرة والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ( من قول عمار ) . ... 530
إن عليًّا بايع أبا بكر بعد وفاة فاطمة . ... 143
إن عمر بن الخطاب سأل عن الفرق بين الخلافة والملك ( قول سلمان ) ... 39 ، 40
إن القلم رفع عن ثلاثة . ... 238
إن القوم إذا شاور بعضهم بعضًا وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم على رشدهم ( من قول قتادة ) . ... 430
إن كان شيئًا من أمور دنياكم فشأنكم به ، وإن كان شيئًا من أمر دينكم فإلّي . ... 432
إن للقرشي مثلي قوة الرجل من غير قريش . ... 295
إن لم تجديني فأتي أبا بكر . ... 130
إن من أبغض القراء إلى الله الذين يزورون الأمراء . ... 401(2/85)
إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي . ... 399
إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه . ... 521
إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك الله عز وجل أن يعمهم بعقابه . ... 521
إن الناس تشاطوا في الآذان يوم القادسية ، فأقرع بينهم سعد ( من قول أبي شبرمه ) . ... 171
إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبَّه الله في النار . ... 270
أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، وأيما رجل مات وترك دينًا فإلّي ، ومن ترك مالاً فلورثته . ... 361
إنا لا نستعين بمشرك . ... 235
إنا لا نولي هذا من سأله ولا من حرص عليه . ... 264
إنا والله لا نُوَلِّي هذا العمل أحدًا سأله أو أحدًا حرص عليه ... 365
إنا وبنوا المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام . إنما نحن وهم شيء واحد ... 353
أنتم أعلم بأمور ديناكم . ... 100 ، 432
إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم . ... 371
إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض . ... 393
إنكم سترون بعدي أثرة وأمور تنكرونها . ... 256
إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين . ... 526
إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه . ... 114
إنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم . ... 367
إنه سيلي أمركم من بعدي رجال يطفئون السنة ويحدثون البدعة . ... 388
إنه قد نزل بي ما لا ترون ، ولا أظنني إلا لمأتّي وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي ( من قول أبي بكر ) . ... 149
إنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي . ... 51
إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون . فمن كره فقد بريء ومن أنكر فقد سلم . ... 109 ، 256 ، 472
إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها ... 380 ، 393
إنها ستكون فتن ألا ثُمَّ تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي . ... 509
إنها كانت أول الفتن - أي حادثة استشهاد عثمان وآخرها فتنة المسيح ( من قول حذيفة ... 154(2/86)
إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك بن مروان ( من قول ابن عمر ) ... 208 ، 219
إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة اليتيم ( من قول عمر ) . ... 417 ، 418
إني إنما فعلت ذلك لتألفهم - لما أعطى الأقرع بن حابس وصحبه - . ... 359
إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني ( من قول أبي بكر ) . ... 411
إني لا أصافح النساء . ... 218
إني لأتحرج أن استعمل الرجل وأنا أجد من هو أقوى منه ( من قول عمر ) . ... 299
إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا . ... 56
إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ( من قول عمر ) . ... 115
أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي . ... 241
أي الجهاد أفضل ؟ قال : كلمة حق عند سلطان جائر . ... 395 ، 409
أي الناس أحب إليك ؟ قال - صلى الله عليه وسلم - عائشة . قلت ومن الرجال ؟ قال أبوها ... 314 ، 315
إياكم ومواطن الفتن قيل وما هي ؟ قال : أبواب الأمراء (من قول حذيفة ) ... 402
إئذن له وبشره بالجنة . ... 323
الأئمة من قريش . ... 31 ، 275
الأئمة من قريش ، أبرارها أمراء أبرارها ... 243
الأئمة من قريش ما فعلوا ثلاثًا ، ما إن استرحموا ... 285
الأئمة من قريش إن لهم عليكم حقًا ولكم عليهم حقًا ، ما إن استرحموا رحموا ... 271
الأئمة من قريش ...... فإن أمرت قريش فيكم عبدًا حبشيًا مجدعًا فاسمعوا له وأطيعوا ... 243
أيها الناس إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئًا ( من قول علي ) ... 140
أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني ( من قول أبي بكر ) . ... 411
أيها الناس أني قد وليت عليكم ولست بخيركم ( من قول أبي بكر ) . ... 147 ، 525
حرف الباء (ب)
بايعاني بالمدينة وخالفاني بالبصرة ( من قول علي ) . ... 530
بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على شهادة ألا إله إلا الله . ... 200
بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - على النصح لكل مسلم ( جرير بن عبد الله ) . ... 408(2/87)
بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في العسر واليسر . ... 205 ، 380 ، 468 ، 504
بايعهن واستغفر لهن الله . ... 217
بعثني بنو المصطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن سله إلى من ندفع صدقتنا ؟ ... 131
حرف التاء (ت)
تأخذون بما تعرفون وتدعون ما تنكرون . ... 215
تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع . ... 394 ، 505 ، 506
تعوذوا بالله من رأس السبعين ومن إمارة الصبيان . ... 238
تقتلهم - أي الخوارج - أدنى الطائفتين إلى الحق . ... 530
تكون النبوة ما شاء الله فيكم أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها . ... 37 ، 38
حرف الثاء (ث)
ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم . ... 376 ، 377
حرف الجيم (ج)
جاء عبد يبايع النبي - صلى الله عليه وسلم - على الهجرة فبايعه - فجاء سيده يريده فقال : بعنيه ... 166
حرف الحاء (ح)
حد يعمل به في الأرض خير من أن يمطروا أربعين صباحًا . ... 90
حديث السقيفة ( فيه أحاديث كثيرة ) . ... 56 ، 126 ، 133 ، 143 ، 154 ، 175 ، 179 ، 273 ، 276
حرف الخاء (ح)
خذه فتموله وتصدق به فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف له ، ولا سائل فخذه وإلا فلا تتبعه نفسك . ... 419
خلافة النبوة ثلاثون سنة . ... 38 ، 326
خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم . ... 471 ، 505
حرف الدال (د)
دعا أبو بكر بالزبير فقال : قلت ابن عمة رسول الله ؟ - فقال : لا تثريب يا خليفة رسول الله ؟ ... 142
الدين النصيحة قلنا لمن ؟ قال : لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم . ... 406
حرف الذال (ذ)
ذهب أهل الهجرة بما فيها . ... 204
حرف الراء (ر)
رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها . ... 88
رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه . ... 88
رحمك الله إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك ( من قول علي ) . ... 313
رضينا لدنيانا من رضي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لديننا ( من قول علي ) . ... 140(2/88)
الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله فإن رتع الإمام رتعوا ( من قول عمر ) ... 372 ، 373
حرف الزاي (ز)
زويت لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها . ... 526
حرف السين (س)
سباب المسلم فسوق وقتاله كفر . ... 507
سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله . ... 111 ، 334 ، 344
ستكون الخلافة من بعدي ثلاثون ثم يكون الملك . ... 38
ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم . ... 508
سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية . ... 492
سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم . ... 400
سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا يفعلون فمن صدقهم . ... 525
سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن العزم فقال : مشاورة أهل الرأي ثم إتباعهم . ... 456
سيليكم أمراء بعدي يعرفونكم ما تنكرون ، وينكرون عليكم ما تعرفون ... 374
حرف الضاد (ض)
ضعوها في مواضعها - أي الصدقة - ( من قول ابن عمر ) ... 348
حرف العين (ع)
على أي شيء بايعتم رسول الله? - صلى الله عليه وسلم - ?يوم الحديبية قال : على الموت . من قول سلمة بن الأكوع ) . ... 203 ، 204
على المرء السمع والطاعة فيما أحب وأكره إلا أن يؤمر بمعصية . ... 386
عمار تقتله الفئة الباغية . ... 530
عهد أبي بكر لعمر . ... 150 ، 151
العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر . ... 471
عهد عمر بالأمر إلى الستة . ... 186 ، 187
حرف الغين (غ)
الغنيمة لمن شهد الوقعة ( من قول عمر ) . ... 354
حرف الفاء (ف)
فإذا مت فتشاورا ثلاثة أيام ، ولا يأتين اليوم الرابع إلا وعليكم أمير منكم ( من قول عمر ) ... هامش 74
فهلا جلست في بيت أبيك أو بيت أمك حتى تأتيك هديتك . ... 352
فوا ببيعة الأول فالأول . ... 41 ، 207 ، 213 ، 557 ، 564
حرف القاف (ق)
قد اخترت لكم هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم . ( من قول أبي بكر ) . ... 134
قدموا قريشًا ولا تقدموها . ... 280
قريش ولاة الناس في الخير والشر إلى يوم القيامة . ... 288(2/89)
قريش ولاة هذا الأمر . فقال سعد : صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء . ... 271 ، 272 ، 279
قيل لعلي : استخلف قال : ما استخلف رسول الله? - صلى الله عليه وسلم - ?فأستخلف . ( من قول علي ) . ... 141
حرف الكاف (ك)
كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء . ... 41 ، 213 ، 557
كسروا فيها سيوفكم وقطعوا أوتاركم . ... 510
كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون . ... 259
كلهم من قريش . ... 41
كما تكونوا يولى عليكم . ... 374 ، 455
كنا بعهد رسول الله? - صلى الله عليه وسلم - ?نعد هذا نفاقًا لمن كان هكذا . ( من قول عبد الله بن عمر ) . ... 409
كنا نبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة يقول لنا فيما استطعت . ( من قول ابن عمر ) . ... 205
كنا نخير بين الناس في زمن النبي? - صلى الله عليه وسلم - ?فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان . ( من قول ابن عمر ) . ... 312
كنت أرجو أن يعيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يدبرنا . ( من قول عمر ) ... 147
حرف اللام (ل)
لا آمركم ولا أنهاكم أنتم أبصر . ( من قول علي ) ... 196
لا أبايع اثنين ما اختلف الليل والنهار . ( من قول سعيد بن المسيب ) . ... 207
لا أقاتل في الفتنة وأصلي وراء من غلب . ( من قول بن عمر ) . ... 482
لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري . ( من قول علي ) . ... 312
لا بل عبدًا رسولاً . ... 39
لا تدفعها إليهم فقد أضاعوا الصلاة . ( من قول ابن عمر ) . ... 347
لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض . ... 508
لا تريدوني ، إني لكم وزير خير مني لكم أمير . ( من قول علي ) . ... 155
لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله . ... 528 ، 529
لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق . ... 529
لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه . ... 270
لا حتى تأطروهم على الحق أطرًا . ... 92
لا ضرر ولا ضرار . ... 65
لا ما أقاموا فيكم الصلاة . ... 226 ، 471 ، 505 ، 547
لا نبرح حتى نناجز القوم . ... 203(2/90)
لا وإنما أترككم كما ترككم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ( من قول علي ) . ... 196
لا يبقين باب إلا سدَّ إلا باب أبي بكر . ... 129
لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا أحدهم . ... 50
لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان . ... 417
لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان . ... 287
لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان . ... 270
لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه . ... 545
لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ... 325
لبسوا علينا لبس الله عليهم . ( من قول ابن عمر ) . ... 348
لست خليفة الله ، ولكني خليفة رسول الله . ( قول أبي بكر ) . ... 33
لعمل الإمام العادل في رعيته يومًا أفضل من عبادة العابد في أهله مائة عام أو خمسين عامًا . ... 112
لعن الله من ذبح لغير الله . ... 140
لقد عففت فعفت رعيتك ولو رتعت لرتعوا . ( من قول علي ) . ... 372
لقد كان فيمن قبلكم محدثون . ... 315
لكني أكره أن أبايع أميرين قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد . ( من قول ابن عمر ) . ... 215
للرجل سهم وللفرس سهمان . ... 355
لم نبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الموت ، وإنما بايعناه على ألا نفر . ( عن جابر ) . ... 204
لما قضى الله الخلق كتب في كتابه .. إن رحمتي تغلب غضبي . ... 68 ، 69
لما نزلت { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول ... } قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ما ترى ؟ ... 439
لن يبرح هذا الدين قائمًا يقاتل عليه عصابة من المسلمين . ... 528
لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة . ... 164 ، 244
لو أدركني أحد هذين الرجلين ثم جعلت هذا الأمر إليه لوثقت به. ( من قول عمر ) . ... 277
لو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسموا وأطيعوا . ... 226
لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه . ... 327
لو أنكما تتفقان على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدًا ... 426 ، 457
لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف . ... 387(2/91)
لو سلك الناس واديًا لسلكت وادي الأنصار وشعبها . ... 271
لو علمت أحدًا من الناس أقوى عليه مني لكنت أقدم فتضرب عنقي أحب إلى من أن أليه . ( من قول عمر ) . ... 299
لو كان بعدي نبي لكان عمر . ... 316
لو كنت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه ، ولكن هذا الأمر لم أره . ( من قول أسامة لعلي ) . ... 531
لو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر . ... 314
ليس من وال أمة قلت أو كثرت لا يعدل فيها إلا كبه الله في النار . ... 111
لينقض عرى الإسلام عروة عروة . ... 51
حرف الميم (م)
ما أجد في نفسي شيئًا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي . ( من قول ابن عمر ) . ... 531 ، 532
ما استخلف خليفة إلا له بطانتان . ... 362
ما أنا إلا رجل من المسلمين . ( من قول علي ) . ... 312
ما بقاء هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية ؟ قال : (ما استقامت بكم أئمتكم ) . ( من قول أبي بكر ) . ... 372
ما تشاور قوم قط إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرهم . ( من قول الحسن ) ... 430
ما تشاور قوم قط يبتغون وجه الله إلا هدوا لأرشد أمرهم . (من قول قتادة ... 430
ما تقل الغبراء ولا تظل الخضراء على ذي لهجة أصدق وأوفى من أبي ذر . ... 305
ما خاب من استخار ولا ندم من استشار . ... 434
ما خصنا رسول الله? - صلى الله عليه وسلم - ?بشيء لم يعم به الناس . ( من قول علي ) . ... 140
ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من النبي - صلى الله عليه وسلم - . ( من قول أبي هريرة ) ... 427
ما رأيناك أتيت أمرًا أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر . ( من قول أبي موسى وأبي مسعود ) . ... 532
ما شقي قط عبد بمشورة ، وما سعد باستغناء رأي . ... 437
ما مشى قوم إلى سلطان الله ليذلوه إلا أذلهم الله قبل أن يموتوا . ( من قول حذيفة ) . ... 385
ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً لا يفكه إلا العدل أو يوبقه الجور . ... 112
ما من عبد يسترعيه الله رعية من المسلمين ثم يموت وهو غاش لهم إلا لم يدخل الجنة معهم ... 370(2/92)
ما من عبد يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل الجنة معهم . ... 370
ما من نبي بعثه الله قبلي إلا كان له من أمته حواريون . ... 523
مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يوص . ( من قول ابن عباس ) . ... 135
المدينة كالكير تنفي خبثها ، وتنصع طيبها . ... 201
مروا أبا بكر فليصل بالناس . ... 128
المستشار مؤتمن . ... 427
المسلم أخو المسلم . ... 116 ، 117
المسلمون على شروطهم . ... 99
المشورة عين الهداية وقد خاطر من استغنى برأيه . ( من قول علي ) . ... 436
المقسطون على منابر من نور . ... 112
من أتاكم وأمركم جميع على رجل منكم يريد أن يشق عصاكم فاقتلوه ... 494 ، 557
من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد . ... 181
من استخلف ؟ لو كان أبو عبيدة ابن الجراح . ( من قول عمر ) . ... 195 ، 196
من استعمل رجلاً على عصابة وفيهم أرضى الله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين . ... 299
من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله . ... 35 ، 379
من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله . ... 399
من بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع فإن جاء آخر ينازعه فأضربوا عنق الآخر . ... 213 ، 398 ، 557
من بايع رجلاً من غير مشورة المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا . ( من قول عمر ) . ... 161 ، 180 ، 206
من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل . ... 401
من بدل دينه فاقتلوه . ... 470
من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضار الله من أمره ... 90
من حكم بغير ما أنزل الله فحكم الجاهلية . ( من كلام الحسن البصري ) . ... 107
من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه . ... 403
من رابط في شيء من سواحل المسلمين ثلاثة أيام أجزأت عنه رباط سنة . ... 89
من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر ... 212 ، 505
من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده . ... 521 ، 522(2/93)
من زعم أن عليًا أحق بالولاية فقد خطأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار ( من قول سفيان الثوري ) . ... 313
من سمع سمع الله به يوم القيامة ، ومن شاق شقق الله عليه يوم القيامة . ... 507
من قتل تحت راية عمية يدعوا إلى عصبية . ... 118
من قتل دون ماله فهو شهيد . ... 396
من قتل دون ماله مظلومًا فهو شهيد ... 396
من قلد رجلاً عملاً على عصابة ، وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه ... 363
من كان رسول الله مستخلفًا لو استخلف ؟ قالت : أبو بكر . ( من قول عائشة ) . ... 134
من كان عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علانية . ... 411
من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة . ... 361
من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية . ... 84
من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية . ... 50 ، 505
من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية ... 216 ، 217
من هي الفئة الباغية ؟ لو علمنا ما سبقتني أنت ولا غيرك على قتالها . ( من قول ابن عمر ) . ... 531
من ولاه الله شيئًا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم . ... 368
من يحفر بئر رومة فله الجنة . ... 322
حرف النون (ن)
الناس تبع لقريش ... 272
الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم ، وكافرهم تبع لكافرهم . ... 270 ، 271
الناس سواسية كأسنان المشط . ... 117
الناس على دين ملوكهم . ... 374
ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبد الطلب وربيعة بن الحارث . ... 266
نحن مع من غلب . ( من قول ابن عمر ) . ... 223 ، 482
نحن المؤمنون وعمر أميرنا . ( قول بعض أصحاب رسول الله? - صلى الله عليه وسلم - ?) . ... 35
ندمت على تركي قتال الفئة الباغية . ( من قول ابن عمر ) . ... 532
نضر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها فرب حامل فقه غير فقيه . ... 408
نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها . ... 345
حرف الهاء (هـ)
هات يدك أبايعك على الإسلام فبايعه فقال الرسول? - صلى الله عليه وسلم - ?وعلى قومك قال : وعلي قومي ( عن ضماد ) . ... 201
هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم . ... 355
حرف الواو (و)(2/94)
والله لا أحد أحق بهذا المال من أحد . ( من قول عمر ) . ... 356
والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه . ( من قول أبي بكر ) . ... 338
والله ما عهد إليّ رسول الله? - صلى الله عليه وسلم - ?إلا شيئًا عهده إلى الناس . ( من قول علي ) ... 141
والله ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط . ... 218
وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأصحابه ( من كلام النجاشي ) . ... 219
وقد عتقت يا كيسان ؟ قال : نعم . قال : بها أنت فأقسمها . ( من قول عمر ) . ... 334
ولا يبقين باب إلا سدَّ إلا باب أبي بكر . ... 129
ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ... 505
حرف الياء (ي)
يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة . ... 260 ، 305
يا أبا عبد الرحمن متى أضل وأنا أعلم ؟ قال : إذا كانت عليك أمراء إذا أطعتهم أدخلوك النار ، وإذا عصيتهم قتلوك . ( من قول ابن مسعود ) . ... 396
يا أيها الناس ألا تسألوني ؟ فإن الناس كانوا يسألون النبي? - صلى الله عليه وسلم - ?عن الخير وكنت أسأله عن الشر . ( من قول حذيفة ) . ... 532
يا أيها الناس إن ربكم واحد . ... 117
يا أيها الناس عن ملأ وإذن ، إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق . ( من قول علي ) . ... 156
يا رسول الله أرأيت هذا الخير الذي أعطانا الله أيكون بعده شر كما كان قبله ؟ قال : نعم ، قلت : ما العصمة ؟ قال: السيف . ... 523
يا رسول الله إن القوم من أصحاب الصدقة يعتدون علينا أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا ؟ قال : لا . ... 349
يا رسول الله بايعه فقال - صلى الله عليه وسلم - هو صغير فمسح رأسه ودعا له . ( عن زينب بنت جحش ) . ... 206
يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا . ... 69
يا عبد الرحمن بن سمره لا تسأل الإمارة . ... 264 ، 365
يا معشر قريش إنكم أهل هذا الأمر ما لم تعصوا الله فإذا عصيتموه بعث عليكم من يلحاكم . ... 285
يا معشر النساء تصدقن . ... 244(2/95)
يحبس لأهله قوت سنتهم ويجعل ما بقي في الكراع . ... 356
يحق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة . ( من قول عليَّ ) ... 381
يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش . ... 41
يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهدي ولا يستنون بسنتي . ... 394 ، 490
يكون دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها . ... 215
يهدمه أي الإسلام ، زلة عالم وجدال منافق بالكتاب ، وحكم الأئمة المضلين . ( من قول عمر ) . ... 527
يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم . ... 508 ، 509
يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله . 128 ... 128 ، 248 ، 249
* * * * *(2/96)