فهرس المكتبة
الأمالي الجامية على الأصول الستة
إِنَّ الحَمْدَ للهِ ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ -وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ-.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران : 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء : 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأَحزاب : 70-71].
أَمَّا بَعْدُ :
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخير الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَة.
و َبَعْدُ :
فهذا جهد المقل في إبراز أثر من آثار العلامة الإمام محمد أمان بن علي الجامي – رحمه الله - في شرحه لرسالة من أهم رسائل التوحيد التي كتبها شيخ الإسلام الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – وهي رسالة (( الأصول الستة )).(1/1)
وهذا الشرح قد قمت بتفريغه من الأشرطة ، لذا فهو كغيره من الشروح التي تعتمد على الإلقاء بحاجة إلى المراجعة والضبط من الشيخ نفسه ، ولكن لما لم يكن ذلك في الاستطاعة لوفاة الشيخ – رحمه الله – قبل تفريغ هذا الشرح بزمن طويل ، ها نحن نضع لبنة أولى في سبيل خدمة علوم الشيخ وشروحه التي تسير في ضوء الكتاب والسنة وفهم سلفنا الصالح ، سائراً على خُطى أئمة الدعوة في نشر العلم النافع الصحيح ، وعلى رأس ذلك الدعوة إلى التوحيد وتصحيح العقيدة ، ونبذ كل ما خالف ذلك من الشرك والعقائد المنحرفة والبدع .
ولعل أحداً من طلبة العلم المقربين لورثة الشيخ يعتني بهذا التفريغ لشرح الشيخ ويضبطه ويطبعه بعد أخذ الإذن منهم .
رحم الله شيخنا محمد الجامي وأجزل له المثوبة ، وجمعنا وإياه في دار الكرامة في جناته جنات النعيم .
والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه
أبو عبد الله الأثري
المقدمة
قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى : من أعجب العجائب، وأكبر الآيات الدالات على قدرة الملك الغلاب : ستة أصول، بينها الله تعالى بياناً واضحاً للعوام، فوق ما يظنه الظانون ؛ ثم بعد هذا غلط فيها كثير من أذكياء العالم، وعقلاء بني آدم إلا أقل القليل .
الأصل الأول
الأصل الأول : إخلاص الدين لله وحده لا شريك له، وبيان ضده الذي هو الشرك بالله، وكون أكثر القرآن في بيان هذا الأصل من وجوه شتى، بكلام يفهمه أبلد العامة ؛ ثم لما صار على أكثر الأمة ما صار، أظهر لهم الشيطان : الإخلاص في صورة تنقص الصالحين، والتقصير في حقهم، وأظهر لهم الشرك بالله في صورة محبة الصالحين وأتباعهم .
الأصل الثاني(1/2)
الأصل الثاني : أمر الله بالإجماع في الدين، ونهى عن التفرق فيه، فبين الله هذا بيانا شافياً كافياً، تفهمه العوام ؛ ونهانا أن نكون كالذين تفرقوا قبلنا فهلكوا ؛ واذكر أنه أمر المرسلين بالاجتماع في الدين، ونهاهم عن التفرق فيه ؛ ويزيده وضوحاً ما وردت به السنة من العجب العجاب في ذلك ؛ ثم صار الأمر إلى أن الافتراق في أصول الدين وفروعه، هو العلم والفقه في الدين، وصار الأمر بالاجتماع في الدين لا يقوله إلا زنديق أو مجنون !
الشرح
قال العلامة محمد أمان بن علي الجامي رحمه الله :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الأصول الستة مستنبطة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام .
يقول المؤلف : (من أعجب العجائب، وأكبر الآيات الدالات على قدرة الملك الغلاب : ستة أصول، بينها الله تعالى بياناً واضحاً للعوام ) أي بالأسلوب الذي يفهمه العوام .
( فوق ما يظن الظانون ) ثم بعد هذا البيان الشافي الذي يفهمه حتى العوام (غلط فيها كثير من أذكياء العالم ، وعقلاء بني آدم إلا أقل القليل ) هذه الأصول الستة غلط فيها أذكياء العالم وعقلاء بني آدم إلا أقل القليل ، وذلك بعدم دراستهم للكتاب والسنة ، وأنهم لم يرفعوا رؤوسهم ليتعلموا ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ، واشتغلوا بعلوم أخرى قد تكون نافعة وقد تكون ضارة - الاشتغال بها - ولكن أُهمِل هذا الأصل العظيم ومعرفة ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الباب .(1/3)
الأصل الأول من هذه الأصول : إخلاص الدين لله تعالى وحده لا شريك له وبيان ضده الذي هو الشرك ؛ لا يشك أحد أن كل مسلم يدعي الإخلاص لله ، إخلاص الدين لله ولكن المهم التطبيق العملي ، معرفة الدين معرفة العبادة ، معرفة أنواع العبادة ومعرفة الشرك وأنواع الشرك ، هذه المعرفة التفصيلية هي التي تنقص كثيراً من العقلاء والأذكياء وإن كانوا عقلاء وإن كانوا أذكياء يفهمون أموراً كثيرة في دينهم لكن تنقصهم هذه المعلومات التفصيلية في هذا الباب ، وكون أكثر القرآن في بيان هذا الأصل من وجوه شتى ؛ القرآن كله في التوحيد من أوله إلى آخره ؛ إما هو يدعو إلى إفراد الله تعالى بالعبادة ,و إما يبين جزاء من وحد الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة ؛كيف يكرمهم الله في الدنيا إن شاء ، وقد يمتحنهم إن شاء وما اعد لهم في الآخرة ، وجزاء وعقوبة من أعرض عن التوحيد كيف عاقبهم الله سبحانه وتعالى في الدنيا وفي الآخرة عذاب شديد إلى غير ذلك ؛ القرآن كله في هذا الشأن .
وكون أكثر القرآن في بيان هذا الأصل من وجوه شتى :
يقول الله سبحانه وتعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } أمروا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ولم يؤمروا بالدين الذي لا إخلاص فيه .
يقول الله سبحانه وتعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } وهكذا القرآن بأساليب مختلفة عالج مشكلة الشرك والدعوة إلى الإخلاص ، يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي : (( أنا أغنى الشركاء من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه )) .
هذه النصوص التي جاءت في هذا المعنى أُهملت عند كثير من المتعلمين والمثقفين ، لذلك قد يقعون في الشرك من حيث لا يشعرون ؛ إما في الشرك في شعائر العبادة كما هو واقعُ كثير من أتباع المتصوفة أو الشرك في الطاعة والاتباع كما هو شأن كثير من القانونيين .(1/4)
ثم يقول المؤلف : (ثم لما صار على أكثر الأمة ما صار ) الذي صار هو إعراض عن تعلم هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام كما أشرنا ؛ أظهر لهم الشيطان الإخلاص في صورة تنقص الصالحين والتقصير في حقوقهم ، ومن رأوه يخلص العبادة لله تعالى اتهم بالتقصير .. اتهم في تنقيص الصالحين ..أنه ينقص الصالحين ويقصر في حقوقهم .
جعلوا للصالحين حقوقاً عظيمة أعظم من حق الله تعالى ؛ حق الله تعالى على عباده كما يعلم الجميع أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً .
وما هي حقوق الصالحين التي يتهم من أخلص العبادة لله سبحانه وتعالى بأنه ضيعها وأنه قصر في حقوق الصالحين ماهي هذه الحقوق ؟ أين جاء ذكرها في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام حتى شغلت بال كثير من الناس ؛ الاهتمام بحقوق الصالحين وتعظيم الصالحين ومحبة الصالحين والغلو في الصالحين ؟
حقيقيٌ وصحيحٌ أن الصالحين من عباد الله الصالحين الواجب علينا محبتهم في الله ؛ لكن فليسبق ذلك محبة الله وألا يحبوا مع الله .
ليس من حقوق الصالحين أن يحب الرجل الصالح مع الله حتى يجعل شريكاً لله بل من حقه علينا أن نحبه في الله .
التفريق بين الأمرين هو الذي قصر فيه كثير من الأذكياء كما قال الجامع لهذه الأصول حتى لم يفرقوا بين الحب في الله والحب مع الله .
الذي يجري الآن في المجتمعات الإسلامية في الغالب الكثير لدى أضرحة من سموهم بالصالحين الحب مع الله لا الحب في الله الحب مع الله من أعظم أنواع الشرك الأكبر .(1/5)
من أحب غير الله مع الله وعظمه كما يعظم الموحدون رب العالمين وتذلل له كما يتذلل الموحد لله سبحانه وتعالى ، وبالغ في تعظيمه إلى درجة اعتقاد أنه يعلم ما في الصدور وأنه ينفع ويضر هذا هو الشرك الأكبر الذي تورط فيه عوام المسلمين لدى كثرٍ من أضرحة الصالحين أو غير الصالحين ، وشجعهم على ذلك كثير من المنتسبين إلى العلم وزينوا لهم أن ما يفعلونه عند قبور الصالحين من الطواف بها والذبح لها والنذر لها كل ذلك من محبة الصالحين ومن التوسل بالصالحين وليست من العبادة في شيء هذا هو الواقع . كأن جامع هذه الأصول يدرس أحوال المسلمين وواقع المسلمين اليوم وخصوصاً في خارج هذا البلد .
( أظهر لهم الشيطان الإخلاص في صورة تنقص الصالحين ) من أخلص لله سبحانه وتعالى وحارب عبادة غير الله والتذلل لغير الله وابتعد عن الطواف بالأضرحة والذبح لها أن ذلك تنقص للصالحين وتقصير في حقوقهم وأظهر لهم الشرك بالله في صورة محبة الصالحين واتباع الصالحين أو في صورة محبة الصالحين وأتباع الصالحين ، ولعل الاتباع أفضل .
أظهر لهم الشرك بالله كما وصفنا أن يطوف بأضرحة الصالحين وأن يستغيث بهم ويستعين بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله ويعتقد فيهم أنهم يتصرفون كما تصرح بذلك كتب المتصوفة بأن أولياء الله تعالى مشغولون بالخدمة في حياتهم ، - المراد بالخدمة العبادة - فإذا ماتوا تفرغوا ليتصرفوا في هذا الكون لاتباعهم ، في خدمة أتباعهم في نفعهم ودفع الضر عنهم شركُ بواح . هذا ما تدعوا إليه كثيرٌ من كتب المتصوفة ، فهكذا أظهر الشيطان وانقلبت الحقائق لدى كثير من عوام المسلمين .
هذا هو الأصل الأول .(1/6)
أما الأصل الثاني : أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بالاجتماع في الدين، ونهى عن التفرق في الدين ، فبين الله هذا بيانا شافياً تفهمه العوام ونهانا سبحانه وتعالى أن نكون كالذين تفرقوا قبلنا فهلكوا ؛ وذكر أنه أمر المسلمين بالاجتماع في الدين، ونهاهم عن التفرق في الدين .
أمر الله سبحانه وتعالى أمراً صريحاً ونهى نهياً صريحاً بقوله : { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } .
واعتصموا بحبل الله جميعاً عبارة صريحة يفهم معناها كل من يفهم اللغة العربية ليس هنا مفرد غريب يسأل عنه الإنسان اللهم إلا إذا كان لفظة ( واعتصموا بحبل الله ) معنى حبل الله واعتصموا بحبل الله : بدين الله ، بكتاب الله ، بهدي رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وبما جاء به رسول الله ، هذا الاختلاف اختلاف تنوعي ، المعنى واحد ، واعتصموا بما جاء به محمدٌ رسول الله عليه الصلاة والسلام .
ثم فسر هذا الاعتصام بقوله : { واعتصموا بحبل الله جميعاً } أيها المؤمنون { ولا تفرقوا } الجملة الثانية تفسير للجملة الأولى ؛ لاتفرقوا في الدين لا تكونوا فرقاً وأحزاباً وجماعات .
وهل هنا أمرٌ أصرح من هذا الأمر ؟
وهل نهيٌ أصرح من هذا النهي من التفرق ؟
ومع ذلك كثرَ المغالطون الذين يغالطون هذه الأوامر الصريحة بإيجاد جماعات متفرقة والانتماءات المختلفة ؛ فإذا ذكرت هذه الآية غالطوها مغالطة قالوا : كلنا في الدين .. الجماعات كلها في الدين!
فإذا كانت الجماعات كلها في الدين فلماذا الاختلاف ؟!
وهذه المغالطة الصريحة ضرت كثيراً من شبابنا حيث زعم الزاعمون إن الجماعات الكثير التي في الساحة تتعاون في الدين تتعاون في سبيل الله وهل الله سبحانه وتعالى قال تفرقوا أو اعتصموا ولا تفرقوا ؟!
إن لم تكن الجماعات الموجودة في الساحة مضادة لهذه الآية الصريحة كيف تُفهم الآية ؟(1/7)
هذا ما يريد المؤلف الجامع عندما يقول : ( أمر الله بالاجتماع في الدين ونهى عن التفرق فبين الله هذا بيان شافياً تفهمه العوام ) العوام الذين سلموا بفطرهم من التشويش ومن التهييج يعيشون بعيداً من الانتماءات والجماعات يفهمون فهماً واضحاً لا لبس فيه .
ونهانا أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا قبلنا من اليهود والنصارى الذين افترقوا إلى فرق ، وبين النبي عليه الصلاة والسلام إن هذه الأمة تحذوا حذو اليهود والنصارى في التفرق وستتفرق ولا بد ولا محالة لأن ذلك سبق في علم الله وإن لم يكن مأموراً به ولكن شرٌ قد علمه الله وكتبه عنده إذ لا يقع في هذا الكون من خير وشرٍ إلا بعلم الله تعالى السابق وفي كتابه السابق وبمشيئته العامة كل ذلك داخلٌ في باب القضاء والقدر وليس كل ما وقع محبوباً عند الله ؛ بل إذا كنا تفرق بين الإرادة الشرعية الدينية وبين الإرادة الكونية هذا وقع بإرادة الله الكونية لا بإرادته الشرعية ، أي إن الله أمر الناس جميعاً بالإيمان . وهل آمن الجميع ؟ لأ .
أمر الناس جميعاً بالصلاة وهل الجميع صلوا ؟ لأ .
إذن الأمر الديني والإرادة الدينية الشرعية قد يتحقق مضمونها وقد لا يتحقق أما ما أراده الله كوناً لابد من وقوعه شراً كان أو خيراً ، كفراً أو إيماناً ، معصيةً أو طاعة ً ، ما أراد الله كوناً وقدراً لابد من وقوعه ولا يدل وقوعه بأنه محبوب عند الله ، الكفر الذي وقع بإرادة الله الكونية ليس محبوباً عند الله ؛ بل الله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده الكفر ، وينهى عن الفحشاء والمنكر ، وكل ذلك واقع بإرادته الكونية غير الإرادة الشرعية الدينية أي ليس بمأمور به ولا محبوباً عند الله ولكنه يقع كل ذلك بإرادة الله الكونية ولا محالة طالما أراد الله ذلك لذلك .(1/8)
لما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة لابد من وقوع ذلك ولا يدل وقوع ذلك أن ذلك أمر محبوبٌ عند الله ، هذا الذي أريد أن أصل إليه ، وإن كان واقعاً بإرادته الكونية ، ولكن ليس بمحبوب ؛ بل منهيٌ عنه ، إخبارُ النبي عليه الصلاة والسلام عن وقوع ذلك لابد من وقوعه ليصدق قوله عليه الصلاة والسلام ، يدل ذلك على أن هذا التفرق ليس بحبوبٍ عند الله على أن كلها في النار إلا واحدة الفرقة الناجية فرقة واحدة وهي التي كانت وتمسكت وصبرت على ما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه وهي الجماعة ؛ هُنا جماعة وجماعات ، الجماعة هي التي كانت على ما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام ، جماعة المسلمين سواءٌ كان لها إمام أو لم يكن لها إمام .
إن وجدت جماعة ولها إمام فعلى كل مسلم أن ينضم إلى هذه الجماعة ويعيش تحت طاعة هذا الإمام إمام الجماعة .
وإن وجدت جماعة في مكان ما ليس لها إمام عليه أن يعيش مع هذه الجماعة .
وإن لم توجد جماعة المسلمين المتمسكة بدين الله الفاهمة لشرع الله فليعش ولو كان وحيداً فهو الأمة وهو الجماعة .
أما تفسير هذه الجماعات بالجماعة والتلبيس على الناس هذا غلط ، هذا أمر لا يليق بطالب العلم ، وأن الجماعات غير الجماعة .
نحن مأمورون أن نكون جماعة ، دائماً جماعة واحدة ، ولا يجوز أن نكون جماعات فإذا وحدت جماعة المسلمين ولهم إمام حرُمَ إيجاد جماعات أخرى لأن الجماعات الأخرى وهي الجماعات السياسية تنافس القائم الموجود ، والإسلام شدد في هذا الأمر غاية التشديد إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ) .(1/9)
الجماعات السياسية عندما توجد وتنشئ إنما تعني إيجاد من يبايع .. إيجاد من ينافس الحكم القائم ومنافسة الحكم القائم على أيً كان الحاكم القائم عادلاً كان أو فاجراً طالما جمع الله المسلمين على يده يحرُم منافسة هذا الحكم وإيجاد من ينافس هذا الحكم ، وأن الجماعات الكثيرة الموجودة في الساحة الآن من هذا القبيل وإن ادعت أنها جماعات للدعوة إلى الإسلام ولكن الواقع يشهد لكل عاقل أنها جماعات سياسية وليست جماعة الدعوة ولو كانت جماعة الدعوة ما يحصل الاختلاف الدين واضح والمنهج واضح .
ولماذا تعمل الجماعات متنافسة وتعمل عملها في الغالب الكثير سراً ؟ لماذا ؟
إذن معنى ذلك هناك منافسة سياسية وأحقادٌ سياسية تلبس على الشباب أمر دينهم حتى لا يفهموا الحق من الباطل .
يقول جامع هذه الأصول : ( ونهانا كالذين تفرقوا واختلفوا قبلنا فهلكوا ) يقول الله سبحانه وتعالى : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } .
لا تكونوا كأولئك الذين تفرقوا { من بعد ما جاءهم البينات } الأمور واضحة عندنا ، الدين لا لبس فيه ولا غموض فيه في أصوله وفروعه ، وفي عقيدته وشريعته لذلك ما نعيشه اليوم من هذا التفرق الخطير كل ذلك يصطدم مع هذه النصوص وهذا ما يستغرب منه هذا الذي جمع هذه الأصول .
قال : ( وذكر أنه أمر المسلمين بالاجتماع في الدين ونهاهم عن التفرق فيه والأمر واضح ويزيده وضوحاً ما وردت به السنة من العجب العجاب في ذلك ) .
(( إن الله يرضى لكم ثلاثاً أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تعتصموا بحبل الله ولا ترقوا وأن تناصحوا من ولى الله أمركم )) أو كما قال عليه الصلاة والسلام حديث صحيح مؤيدٌ للآية السابقة ، الكتاب والسنة اجتمعا على الأمر بالاعتصام والاتحاد والنهي عن التفرق ، ثم صار الأمر إلى أن الافتراق في أصول الدين وفروعه هو العلم وهو الفقه في الدين .(1/10)
إن الافتراق في أصول الدين وقع أول ما وقع بعد انقراض القرون المفضلة وتوسع هذا التفرق في عهد العباسيين كما يعلم الجميع .
وسبب تفرق السلمين إلى هذه الفرق نشأة علم الكلام و وجود التصوف في أول الأمر ، ذكر شيخ الإسلام أن التصوف أول ما وجد أو نشأ أو ظهر صار في البصرة على أيدي عباد تقشفوا وزهدوا في الدين وانقطعوا لعبادة الله تعالى ولكن لما كان هذا التقشف والزهد على جهل زين لهم الشيطان بعض الأعمال :
أول ما بدءوا بلبس الصوف وقاطعوا القطن والكتان ، وظهروا واشتهروا بلبس الصوف ، ولذلك قيل لهم الصوفية نسبةٌ إلى الصوف ، وإن زعم من زعم منهم أن نسبة الصوفية نسبة إلى الصفة وأنهم من أهل الصفة في هذا المسجد هذا غلط حتى من الناحية اللغوية ؛ النسبة إلى الصفة ( صُفيٌ ) وليس ( صوفيٌ ) كذلك دعوى بان التصوف نسبة إلى الصفاء غلطٌ معنى ولغة لأن النسبة إلى الصفاء ( صفائيٌ ) هُنا النسبة صوفي نسبة إلى الصوف وليس هناك صفاء بل هناك ما يخالف الصفاء.
نشأة هذه الفرقة التصوف ثم دخل فيهم الزنادقة وكثرة الابتداع إلى أن انتهى أمرهم إلى وجود وحدة الوجود جماعة ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين وابن عجيبة هؤلاء الأبناء غير البررة هم الذين أفسدوا على كثير من المسلمين دينهم وعبادتهم .
الأمر الثاني ، تفرقهم في أصول الدين أي في باب العقيدة ، على يد علماء الكلام لما نشطت المعتزلة في عهد المأمون العباسي وما تبع ذلك من نشاط الأشاعرة هذا الذي سبب للمسلمين التفرق في أصول الدين حتى جُهِلَ منهج السلف بعد محنة الإمام أحمد إلى أن ظهر الإمام ابن تيمية وصدع بالحق وانتصر لمنهج السلف وأظهر الله على يده من جديد هذا المنهج الذي ندرسه اليوم .
إذن من عهد العباسيين إلى يومنا هذا والناس في الغالب الكثير متفرقون في أصول الدين في باب العبادة لأنها دخلت وثنية التصوف في عبادة الله تعالى ؛ عُبد غير الله مع الله ودعي غير الله مع الله كما تقدم .(1/11)
وفي باب الأسماء والصفات جُعلَ نفي الصفات هو التوحيد . من أصول المعتزلة الأصل الأول هو التوحيد ، ما هو التوحيد ؟ نفي الصفات ، سمي نفي الصفات توحيداً وسمي الخروج على السلطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهكذا تفرق المسلمون بسبب هذه الفرق من عهد العباسيين إلى يومنا هذا ولكن الله لم يترك المسلمين أن يضلوا جميعاً كلما تحتاج الأمة إلى التجديد يقيض الله من يجدد لهذه الأمة دينها ولما اشتدت الفتنة في عهد المأمون العباسي والمعتصم بالله والواثق بالله قيض الله لهذه الأمة إمام أهل السنة و الجماعة وقامع البدعة أحمد بن حنبل صبر واحتسب وأوذي وضرب حتى أبقى الله بصبره وتحمله على هذه العقيدة ، ولكن السلفيين كما يقول المقريزي تفرقوا في أنحاء الدنيا بعد محنة الإمام أحمد حتى جهل هذا المنهج .
وأخيراً قيض الله البطل المظلوم أحمد بن تيمية فجدد الله به هذا الدين الذي نعيش أثر تجديده .
ومما يلاحظ أن تجديد الإمام احمد لم يقيض الله له من يؤازره حتى يظهر أثره في ذلك الوقت لأن السلطة نفسها هي التي تعاديه .
إذن جرت سنة الله تعالى بإن الحق لا يظهر ولا يؤيد ولا ينتصر إلا على يد رجلين اثنين الداعية الشجاع الصريح الذي يبدأ بالحق والمؤازر الشجاع القوي الذي يتبنى تلك الدعوة .
جرت سنة الله تعالى لا يظهر الحق ولا ينتشر ولا يثبت بين الناس إلا على يد رجلين اثنين .
إذا راجعنا التاريخ نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما بدأ يدعو إلى الله يعرض نفسه على القبائل فيقول : (( من يحميني حتى أبلغ رسالة ربي )) فقيض الله له من يؤازره ؛ ومن العجيب خير من آزره وأيده حتى بلغ رسالة ربه رجلٌ لم يؤمن برسالته ولكنه عرف أن رسالته حق ولكن منعه ما منعه من الأسباب التي ذكرها هو !
أبوطالب هو المؤازر الأول لدعوة رسول الله عليه الصلاة والسلام وإن لم يؤمن بها .(1/12)
نجد الإمام أحمد كما قلنا لم يقيض الله له من يؤازر دعوته لذلك لم يستفد من تجديده الفائدة الملموسة في ذلك الوقت .
جاء ابن تيمية فأوذي وهل قيض الله له من يؤازره ؟ لا ، المجتمع يحبه والسلاطين يحترمونه لشجاعته وعلمه كان أعداؤه علماء السوء .
علماء السوء هم الذين لهم الشعبية والسلطة تجاملهم وكلما يطلب علماء السوء أن يرحلوه وينفوه إلى القاهرة إلى الإسكندرية أو أن يسجنوه فعلت السلطة ذلك .
إذن لمم يستفد من تجديده أيضاً ومن مؤلفاته الكثيرة التي كأنها خيال من الخيالات في كثرتها لم يستفد منها في وقته .
ولكن لما أراد الله أن يجدد هذا الدين في القرن الثاني عشر مرة ثانية قيض الله لهذا المجدد الأخير من يؤازره ، وهذه المؤازرة هي التي جعلتنا نستفيد اليوم من تجديد الإمام أحمد وتجديد الإمام أحمد بن تيمية إذ كتبهم وانتاجاتهم ومؤلفاتهم كانت مهجورة بل أكثرها كانت قد هاجرت إلى خارج بلاد المسلمين ولكن من أثر هذا التجديد المبارك الذي نعيش أثره جمعت تلك الكتب وطبعت ووزعت بين الناس وفي المكاتب حتى عرف الناس حقيقة الدين الإسلامي الذي جهله كثيرٌ من المثقفين الذي يشهد لهذا – طالما تعرضنا لهذه القصة – بعض الأزهريين الذين بعد أن تخصصوا في علم الكلام والمنطق والفلسفة أراد أن يرد على شيخ الإسلام ابن تيمية فجمع له كتبه ليرد عليه فإذا به بعد ثلاثة أشهر من دراسة هذه الكتب يعلن أنه لم يعلم حقيقة ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام إلا بعد دراسته لهذه الكتب فيتوب إلى الله ويكتب رسالة في الثناء على ابن تيمية قائلاً ابن تيمية السلفي .
رسالة دكتوراة بعد أن جمع هذه الكتب ليرد عليه.(1/13)
أريد أن أقول إن عدم دراسة المنهج السلفي الذي جدد بحمد الله هذا التجديد الواسع هو الذي جعل كثير من الناس لا يزالون يجهلون حقيقة ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام لذلك يتفرقون في أصول الدين وفي فروعه فصار العلم والعالم والفقيه من ينكر حقيقة ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام.
ناقشت فتاة دكتوراً كبيراً ومشهوراًَ لو ذكرنا اسمه عرفه كثير من الحاضرين من المتعلمين وقعت على هذا الخبر في إذاعة عربية - بغير قصد - .
تناقش فتاةٌ الدكتورَ في الحلف بغير الله ، وتذكر الأدلة والأحاديث ؛ ويقول الدكتور : لا نرى ذلك لا نرى بأن الحلف بغير الله شرك .
فتكرر الفتاة المناقشة وتذكر الأدلة .فيقول : بعض المتشددين يرون بأن الحلف بغير الله شرك فنحن لا نرى ذلك – هكذا بنون العظمة – لا نرى ذلك ولم يذكر دليلاً لرأيه . هو دكتور !
إذا كان يصل إلى هذه الدرجة كثير من المتعلمين والدكاترة لا يزالون يعتقدون بأن من يقول بأن الحلف بغير الله شرك وأن الاستغاثة شرك وأن الذبح والنذر شرك أن هؤلاء من المتشددين كيف يتفقه شبابنا في دين الله هذا ما يتعجب منه هذا الذي جمع هذه الأصول .
ويقول رحمه الله : ( ثم صار الأمر إلى أن الافتراق في أصول الدين وفروعه ) كما شرحنا .
( هو الفقه في الدين وصار الأمر بالاجتماع لا يقوله إلا زنديق أو مجنون ) وإن كان هذه العبارة فيها نوع من الشدة نوع ما ولكن الواقع ، لا يدعو إلى الاجتماع وعدم التفرق ووحدة المسلمين إلا إنسان ناقص عندهم في فهمه !(1/14)
وأما الإنسان المتطور والإنسان العصري العاقل الفاهم لا يدعو إلى هذه الدعوة ، لأن دعوة المسلمين اليوم بالاجتماع وعدم التفرق وعدم إيجاد جماعات وعدم إيجاد قوانين مرنة أن يبقى المسلمين في دينهم وعقيدتهم وأحكامهم على منهج واحد ، من يدعو إلى هذا ينتقص الآن لدى كثير من المثقفين وللأسف لدى كثير من المتأثرين بالثقافة الغربية الذين يرون أن العدالة كل العدالة في الديمقراطية الغربية وأن المسلمين تأخروا جداً مالم يطبقوا هذه الديمقراطية .
الأصل الثالث
الأصل الثالث : أن من تمام الاجتماع، السمع والطاعة لمن تأمر علينا، ولو كان عبداً حبشياً ؛ فبين الله هذا بياناً شافياً كافياً، بوجوه من أنواع البيان شرعاً وقدراً، ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم، فكيف العمل به ؟!
الأصل الرابع
الأصل الرابع : بيان العلم والعلماء، والفقه والفقهاء ؛ وبيان من تشبه بهم، وليس منهم ؛ وقد بيّن الله هذا الأصل في أول سورة البقرة من قوله : (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم )[ البقرة 40] إلى قوله قبل ذكر إبراهيم : ( يا بني إسرائيل اذكروا )[ البقرة 122] كالآية الأولى ؛ ويزيده وضوحاً : ما صرحت به السنة في هذا من الكلام الكثير البين الواضح للعامي البليد ؟ ثم صار هذا أغرب الأشياء ! وصار العلم والفقه هو البدع والضلالات، وخيار ما عندهم : لبس الحق الباطل! وصار العلم الذي فرضه الله على الخلق، ومدحه لا يتفوه به إلا زنديق أو مجنون ! وصار من أنكره وعاداه وجدّ في التحذير عنه، والنهي عنه، هو الفقيه العالم !!
الشرح
الأصل الثالث : من تمام الاجتماع ؛ لأنه ذكر في الأصل الثاني أمر الله بالاجتماع في الدين ونهيه عن التفرق .
وتقدم الكلام على وجوب الاجتماع في الدين وعدم جوز التفرق وأن التفرق يخالف روح الإسلام الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام .(1/15)
وفي الأصل الثالث يقول : إن من تمام الاجتماع الذي تقدم ذكره السمع والطاعة إذ لا يحصل الاجتماع ولا تستقيم السلطة إلا بالسمع والطاعة ولا يستقيم الدين إلا بالسلطة ولا تستقيم السلطة إلا بالسمع والطاعة إذن السمع والطاعة يعتبر هذا الأمر من الواجبات الأساسية في الإسلام لمن تأمر علينا ولو كان عبداً حبشياً ، أي بصرف النظر عن موقع ومكانة هذا الوالي ومن أي جنس كان ومن أي لون كان ، عادلاً كان أو فاجراً .
ولا يشترط أن يكون الوالي التي تجب طاعته والسماع له والولاء له والدعوة له لا يشترط أن يكون عادلاً ؛ بل من تولى أمور المسلمين وجمع الله على يده كلمة المسلمين وجبت طاعته والسمع له .
فبين النبي صلى الله عليه وسلم بياناً شائعاً ذا عيان ذاع بين المسلمين قديماً وحديثاً وبكل وجه من أنواع البيان شرعاً وقدراً بين ذلك شرعاً بما شرع الله وما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام قدراً فيما قدر الله .. علم وكتب عنده وشاء .. شاءَ الطاعة .. السمع والطاعة .. أو شاء خلاف ذلك بالنسبة للقدر .
وما أراد الله شرعاً وديناً ودعا إليه وأمر به ليس بلازم أن يتحقق إذ قد أمر الله الناس جميعاً بالإيمان ولم يؤمن الجميع وأمر العباد جميعاً بالطاعة أطاع من أطاع وخالف من خالف ولكن الإرادة التي لا يتخلف مرادها هي الإرادة القدرية الكونية إذاً فرقٌ بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية .
وأمر الله سبحانه وتعالى العبادَ جميعاً بطاعة الرسل وبطاعة أولي الأمر وبطاعته قبل ذلك منهم من أطاع ومنهم من عصى وعلم الله وقدر من يعصي ومن يطيع وما أراده الله كوناً وعلم وكتب وقدر وشاء لابد من تحققه فالله سبحانه وتعالى يريد بالإرادة الكونية الإيمان والكفر والطاعة والمعصية والخير والشر إذ لا يقع في ملكه إلا ما يشاء .(1/16)
ومن الخطأ اعتقاد بعض الناس إن الله إنما يريد الخير فقط ، من يطلق هذا إن أراد بالإرادة الإرادة الشرعية الدينية فصحيح ، وإن أطلق ينصرف عند الإطلاق إلى الإرادة الكونية القدرية ويريد الله سبحانه وتعالى بهذه القدرة كل كائن إذ لا يكون في ملكه إلا ما يشاء ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن بعد هذا صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم أمر الطاعة والسمع لا يعرف على الحقيقة عند أكثر من يدعي العلم فكيف العمل به إذا كان العلم نفسه مفقود فالعمل من باب أولى .
وربما علم بعضهم إن الطاعة إنما تجب ، والسمع إنما يجب إذا كان الوالي عادلاً عالماً تجب طاعته ، وتجب بيعته ، ويجب السمع له ، وإذا كان بخلاف ذلك فلا طاعة ولا سمع ولا بيعة هذه من الأخطاء الشائعة اليوم بين الناس وهذا خطأ شرعاً وعقلاً .
ومن رزقه ا لله العقل السليم ويدرك الأمور على حقيقتها وله معرفة بتاريخ سلفنا وله معرفة بالدين يدرك تماماً بأن السمع والطاعة والبيعة والمحافظة على ذلك واجبة مطلقاً سواءٌ كان الوالي عادلاً أو فاجراً أو مؤثراً أو منفقاً محسناً مسيئاً مطلقاً . مالم يظهر منه الكفر البواح معنى البواح الكفر الذي يبوح به ويعلنه هذا معنى البواح ليس الكفر الخفي الذي لا يدرك بل الكفر الذي يعلن به هو ويدعو إليه .(1/17)
لو دعا الحاكم إلى ترك الصلاة أباح بكفره أعلن ، لو أمر المجتمع بأن يتركوا صيام رمضان لئلا يضعفوا عن الإنتاج لينتجوا أعلن بكفره فهو كافر لا طاعة له ولا بيعة له ولا سمع له ولو أعلن أن الشريعة الإسلامية في الوقت الحاضر غير صالحة للعمل بها وقد كانت صالحة في العهد السابق أما الآن فلا تصلح ولابد من استيراد القوانين إما من الخارج أو من وضعها محلياً قوانين مرنة توافق رغبات الناس وهذه الشريعة جافة لا تصلح أعلن بكفره كفراً بواحاً لا طاعة له ولا سمع ولا بيعة هذا معنى الكفر البواح الكفر الذي أباح به أي أعلن به ولم يخف مالم يصل الحاكم إلى هذه الدرجة تجب طاعته والسمع له.
لو راجعنا تاريخنا نجد إن بعض الصحابة صغار الصحابة الذين أدركوا بعض الخلفاء والملوك الجائرين الظالمين كالحجاج كانوا يصلون خلفهم لأنه في العهد السابق الخلفاء هم الذين يؤمون الناس ، يصلون خلفهم ، ويجاهدون تحت رايتهم ، ويطيعونهم في كل ما يأمرون وينهون مالم يأمروا بمعصية على هذا مضوا السلف الصالح الذين أدركوا زمن الأهواء بعد أن فسدت أخلاق كثير من الأمراء والحكام .
هذا الذي عليه الناس قديماً واليوم لا يسع المسلمين إلا ما وسع الأولين يقول إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله - : (( لا يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها )) وفي رواية : (( لا يصلُح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولوها )) ولعله (( لا يُصلح )) أوضح .
لا يصلح أمر المسلمين اليوم إلا ما أصلح أمر المسلمين الأولين وإنما صلح أمرهم بالاجتماع وعدم التفرق ، وإنما صلح أمرهم بالطاعة والسمع ، بالسمع والطاعة وعدم الخروج .(1/18)
ولا يعني الخروج دائماً الخروج بالسلاح بل التمرد يعتبر خروجاً على السلطة ؛ التمرد على الأوامر يعتبر خروجاً على السلطة هذا ما يجهله كثير من المنتسبين إلى العلم فما بال الذين لا علم لديهم وإذا جهلوا هذا الجهل والعمل تابع لأن العلم قبل القول والعمل ؛ أولاً العلم ثانياً العمل ، ولا يتم العلم بمجرد الاطلاع على النصوص لأن النصوص الناس تتصرف فيها فيجب أن تفهم النصوص بمفهوم السلف الصالح طالما نحاول أن نفهم نصوص الكتاب والسنة بمفهوم السلف الصالح فنحن على خير فإذا أعرضنا عن منهجهم وعن مفهومهم وشققنا لنا طريقاً جديداً لنسير إلى الله مستقلين عن سلفنا الصالح ضعنا ضياعاً لا يمكن أن يعالج إلا بالتوبة والرجوع .
هذا ما وصل إليه أمر جمهور المسلمين اليوم إذ تركت العقيدة السلفية التي كان عليها سلف هذه الأمة وتركت الأحكام ؛ الأحكام الكتاب والسنة تركاً واضحاً وأُعرض عنها واستبدلت بأحكام وضعية وجهلت السياسة الشرعية تماماً واستبدلت بسياسة النفاق والكذب السياسة العصرية التي كلها كذب ونفاق هكذا أعرض جمهور المسلمين وخصوصاً المثقفين عن دين الله تعالى الذي جاء به هذا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام إذن لابد من الاجتماع على الدين ولا يتم الاجتماع إلا بالسمع والطاعة على ما شُرح .
( الأصل الرابع : بيان العلم والعلماء، والفقه والفقهاء ) .
من هم العلماء ؟ ما هو العلم أولاً ؟ ومن هم العلماء ؟ وما هو الفقه ؟ ومن هم الفقهاء ؟
العلم : صفة محبوبة كما أن الجهل صفة مذمومة .
لو قلت لعامي جاهل جاهلٍ مائة في المائة لو قلت له : أنت جاهل . يغضب لا يرضى يريد أن يكون جهله مستوراً لا تعلن بجهله وإن كان قد لا يوفق ليتعلم فيعالج جهله لكنه لا يرضى أبداً حتى الجاهل يكره الجهل العلم يحبه كل إنسان .
لو قلت للجاهل : أنت عالم .فرح وهو جاهل .
صفة محمودة ؛ لكن من العالم ؟ ما هو العلم ومن العالم ؟(1/19)
عندما نتحدث عن العلم في هذا المجال لا نعني مطلق المعرفة ومطلق الثقافة ولكن نعني العلم الذي أخرج الله به العباد من الظلمات إلى النور العلم ..الذي أخرج الله به العباد من الكفر إلى الإيمان .. العلم الذي بعث به النبي محمداً صلى الله عليه وسلم .
بين رسول الله عليه الصلاة والسلام مثل ما بعثه الله به من العلم والهدى والنور كمثل غيث ثم شبه القلوب بالأرض عندما ينزل الغيث المطر الغزير هل الأرض كلها بجميع طبقاتها في مستوىً واحد ؟ لا .
لها ثلاث حالات :
. أرض طيبة خصبة تقبل الماء وتبلع هذا الماء وتبقي بعضه على ظهر الأرض فتنبت العشب الكثير والكلأ فيستفيد الناس من الماء الذي على ظهر الأرض والغدران ، ويستفيدون من العشب والكلأ يشربون ويسقون ويزرعون هذا مثل القلب الطاهر الكامل أفضل القلوب وأكمل القلوب القلب الذي هذا مثله من رفع رأسه لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام وتعلم ووفقه الله فقبل ذلك العلم الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام وانتفع به في نفسه بأن عمل به ثم نشر هذا العلم بين الناس نفع الناس فتلك الأرض الطيبة قبل العلم والهدى والنور وانتفع فنفع هذا هو العلم .
. طائفة أخرى من الأرض صلبة ولكنها فيها انخفاض قبلت هذا الماء فحفظته على وجهها في الوديان والبرك والغدران انتفع الناس بهذا الماء وهي لم تنتفع لأن الماء لا يدخل في جوفها لتنتفع بهذا الماء لكن نفعت الناس ؛ خيرٌ من التي بعدها .
هذه الطبقة الثانية من بني آدم ؛ أناسٌ قد يدرسون ويحفظون القرآن ويحفظون السنن .. يحفظون أسماء الرجال .. يحفظون ويحفظون ؛ لكن لم يرزقوا الفقه في الدين . ((من أراد الله به خيراً يفقهه في الدين )) .
الفقه في الدين نور .
المفهوم الصحيح لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ، ليس الفقه دراسة تلك الآراء الكثيرة التي ملئت جوف تلك الكتب الضخمة ؛(1/20)
لأ .. الفقه في الدين الفهم الصحيح الثاقب المبني على الأدلة هذا الفهم الصحيح قد يكون الإنسان قليل الإطلاع ربما لم يطلع إلا على المتون لا يعرف من الشروح شيئاً لم يخض خوضاً لكن يرزقه الله فهماً صحيحاً ثاقباً فيفقه في الدين (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )) لم يرزق هذا الفقه ولكن حفظ المتون وحفظ القواعد وقعد القواعد وحفظ طلاب العلم يأخذ طلاب العلم قد ينتفعون به فتلك الأرض التي حفظت الماء ولم تنتفع بالماء ولكن الناس انتفعت بذلك الماء .
. الطبقة الثالثة : أرضٌ سبخة ورمل كلما ينزل الماء مهما يكون المطر غزيراً يضيع في بطنها لا تمسك على ظهرها ولا تنتفع بها ، أو تمسك في بطنها ولكن يضيع الماء في تلك السبخة والرمال هذا صفة جمهور المنتسبين إلى الإسلام ، المسلمون بالإسلام الرسمي شهادة الميلاد الديانة مسلم أكثر الدول من هذا القبيل حتى بالمستوى الدولي دولة إسلامية أي إسلام رسمي يعني مكتوب بين قوسين الديانة الإسلام ليست مسيحية أو يهودية مثل هذا الإسلام ينفع في المعاملات الدنيوية يعيش الإنسان بهذا الإسلام بين الناس لكنه إسلام مقبول عند الله لأ .
الإسلام المقبول عند الله الذي هدى الله به القلوب فأحبت الله ؛ فأحبت رسول الله الذي جاء بهذا الهدى ؛ فأحبت الدين ؛ فأحبت أولياء الله أحبت شريعة الله وطبقته .
الذين يحبون الإسلام عقيدة وشريعة فيطبقون هم الذين لديهم هذا العلم هذا هو العلم أما الثقافة العامة ما أكثرها أما بمعنى المعرفة الفقه بمعنى المعرفة في اللغة هذا كثير ولكن العلم المفقود هو هذا .
إذا علمنا العلم علمنا العلماء من يحملون هذا العلم النافع والعلماء الربانيون الذين يربون صغار الطلبة بصغار العلم ثم يتدرجون معهم حتى يتفقهوا في دين الله لا يبدؤون بالمطولات يبدؤون بالمختصرات حتى يصلوا إلى المطولات يربوهم بالتدريج هؤلاء هم العلماء الربانيون المربون .(1/21)
احذر أن تفهم من العبد الرباني أو العالم الرباني فهماً صوفياً ضالاً ؛ العبد الرباني عند المتصوفة الذي يصل إلى درجة يقول لشيءٍ كن فيكون . مفهوم ٌ صوفيٌ ضال مضلل ملحد يعني يعتقد أن معنى العبد الرباني العالم الرباني الذي يصل إلى هذه الدرجة إلى درجة الربوبية يقول للشيء كن فيكون هذه دعوة إلى الضلال إلى الشرك في الربوبية والألوهية معاً ، أدرك هذا الداعي أو لم يدركه فلنحذر كلما نذكر العالم الرباني أو العبد الرباني نحن لا نتحدث بأسلوب المتصوفة ولكننا نتحدث بأسلوب الفقهاء وأهل العلم .
هؤلاء هم العلماء الربانيون الذين تربى طلاب العلم على أيديهم غذوهم بصغار العلم إلى أن تبحروا في العلوم هؤلاء هم العلماء والفقه عرفنا معنى الفقه هو الفهم الصحيح الثاقب لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام .
ومن لديهم هذا الفقه هم الفقهاء العلماء والفقهاء قد يكون من الألفاظ المترادفة إلا أن العلماء أشمل والفقهاء أخص والله أعلم .
( وبيان من تشبه بهم ) كثُر الذين تشبهوا بالعلماء والفقهاء ؛ بل هذه الآونة غلب صغار طلبة العلم على العلماء فصار لفظ العلماء والدعاة علماً بالغلبة في أولئك الذين يشاغبون الشغب فأخذوا هذا اللقب من العلماء واستنكروا للعلماء وزهدوا الناس في العلماء .
العلماء الذين هم على ما وصفنا ربما تنكر لهم بعضهم فأنكروا علمهم وحاولوا أن يحولوا إلى أنفسهم صفة العلم وصفة الفقه وحمل الدعوة . والله المستعان .
( وبيان من تشبه بهم وليس منهم ) التشبه والدعوى لا تفيد إن كان التشبه بالقيام بما يقومون به إي اتباعهم والعمل كعملهم هذا تشبه نافع.
التشبه نوعان :
. التشبه بأهل العلم في أخلاقهم في علمهم في دعوتهم في سلوكهم محاولين أن يكونوا مثلهم هذا نافع كما قيل :
تشبهوا إن لم تكونوا مثلهم فإن التشبه بالرجال فلاح
هذا إذا كان بمعنى التأسي بهم .
. وإذا كان مجرد المحاكاة بالاسم بالألفاظ والدعايات هذا الذي لا يجدي .(1/22)
وقد بين الله تعالى هذا الأصل في أول سورة البقرة في وصف بني إسرائيل بنو إسرائيل اللهُ عاتبهم ووبخهم ووصفهم بصفات المتعلمون أو المنتسبون إلى العلم من هذه الأمة إما أن يكونوا علماء وفقهاء بالوصف الذي تقدم أو يكونوا متشبهين باليهود أو متشبهين بالنصارى .
من يعبد الله على جهل كالمتصوفة جهلة الصوفية تشبهوا بالنصارى لأن النصارى ضلوا ليسوا أهل علم وعباد هذه الأمة في الكثير في الغالب الكثير الذين تربوا في أحضان المتصوفة فيهم صفة النصارى العبادة على جهل العبادة بالتقليد ومحاربة أهل العلم المتصوفة أكره الناس عندهم طلبة العلم لأن طلبة العلم يبينون للناس الهدى والمتصوفة يريدوا أن يستغلوا جهل العوام وجهل أتباعهم يستغلوهم فيسخروهم في مصالحهم فهم يبتعدون عن العلماء ويعيشون في جهل ويعبدون الله على جهل عبادة شكلية صورية وليست بعبادة حقيقية .
ومن أهل العلم من تشبهوا باليهود الذين علموا ولم يعملوا فضلوا بعد العلم كاليهود هذه صفة بني إسرائيل لذلك الله عاتبهم كثيراً وقال لهم : { ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون } { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم } .
هذا ما يقع فيه كثيرٌ من المنتسبين إلى العلم متبعين للهوى .
الذي يوقع الإنسان ويورط الإنسان في هذه الصفة صفة اليهود التلبيس ؛ التلبيس يستلزم الكتمان من لبس قد كتم إذا لبس على الإنسان في أمر دينه وذكر له خلاف الواقع وأظهر له الباطل بصورة الحق والحق بصورة الباطل لبس وفي الوقت نفسه كتم الحق هذا ما وقع فيه بنو إسرائيل هو الذي يقع فيه كثيرٌ من المنتسبين إلى العلم مؤثرين المناصب والشهرة والسيطرة على العوام ويعرضون عن العلم علماً أي مع العلم لا عن جهل .
فالذي يُسئل عن النذر لغير الله يقول : ليس فيه شيء محبة الصالحين !
يُسئل عن الطواف بالأضرحة من محبة الصالحين من التوسل بهم ليس بشيء ليس بشرك !(1/23)
يسئل عن الحلف بغير الله يقول : ليس بشرك لا نرى ذلك . يناقشه السائل ويذكر له الأدلة كيف يرد الأدلة يرد الدليل بالدليل أو يناقش الدليل أو يدعي عدم صحة الدليل يقول : لأ ، نحن لا نرى ذلك . إذا قال له السائل : يقول النبي عليه الصلاة والسلام : (( من حلف بغير الله فقد أشرك )) (( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت )) . يقول الدكتور : نحن لا نرى ذلك . بنون العظمة مش لا أرى لأ ، نحن لا نرى ذلك ! من أنتم ؟ والرسول عليه الصلاة والسلام يقول (( شرك )) ، يقول : (( لا تحلفوا بغير الله )) فهذا العالم الذي فيه شبه من اليهود يقول : نحن لا نرى ذلك ، وإنما يقول بالشرك بعض المتشددين .
انظروا هذا التلبيس لبس على هذا الطالب السائل لبس عليه ؛ أن من يقول بأن الحلف بغير الله شركٌ هو من المتشددين وأما المعتدلون الطيبون لا يرون ذلك يمشون مع الناس لايشددوا على الناس لا ينفروا الناس لا يفرقوا الناس عقلاء !!
هذا هو أكثر صفات المنتسبين إلى العلم للأسف الشديد ولكن إخباراً بالواقع يقل هذا الصنف أو يكون معدوماً إن شاء الله في علماء هذا البلد ما نعلم جميعاً بأنهم كما هم معروفون بين القضاة بين المفتين من المدرسين إن شاء الله كلهم يصدرون من قول الله تعالى ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الأصل الخامس(1/24)
الأصل الخامس : بيان الله سبحانه للأولياء، وتفريقه بينهم وبين المتشبهين بهم من أعدائه المنافقين والفجار ؛ ويكفي في هذا آية [آل عمران : 31]وهى قوله تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) والآية التي في [المائدة: 54]وهي قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه ) الآية ، وآية في سورة يونس 62 وهي قوله تعالى : ( إلا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون ) . ثم صار الأمر عند أكثر من يدّعي العلم، وأنه من هداة الخلق، وحفاظ الشرع، إلى أن الأولياء : لابد فيهم من ترك اتباع الرسول، ومن اتبعه فليس منهم ! ولابد من ترك الجهاد، فمن جاهد فليس منهم !ولابد من ترك الإيمان، والتقوى ! فمن تقيد بالإيمان والتقوى، فليس منهم ! يا ربنا نسألك العفو والعافية، انك سميع الدعاء .
الأصل السادس
الأصل السادس : رد الشبه التي وضعها الشيطان، في ترك القرآن، والسنة، واتباع الآراء والأهواء المتفرقة المختلفة ؛ وهى أن القرآن والسنة لا يعرفها إلا المجتهد المطلق ؛ والمجتهد هو : الموصوف بكذا وكذا، أوصافاً لعلها لا توجد تامة في أبى بكر وعمر ! فان لم يكن الإنسان كذلك، فليعرض عنهما فرضاً حتماً لاشك ولا إشكال فيه ؛ ومن طلب الهدى منهما فهو إما زنديق، وإما مجنون، لأجل صعوبة فهمهما !!فسبحان الله وبحمده : كم بين الله سبحانه شرعا وقدرا، خلقا وأمراً في رد هذه الشبهة الملعونة من وجوه شتى، بلغت إلى حد الضروريات العامة ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون )[ الأعراف 187 ] ( لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون، إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ) إلى قوله تعالى ( فبشره بمغفرة وأجر كريم ) [ يس 7-11] .
الشرح(1/25)
قال المؤلف رحمه الله : ( الأصل الخامس : بيان الله سبحانه وتعالى لأوليائه ، وتفريقه بينهم وبين المتشبهين بهم من أعداء الله و المنافقين والفجار ) والعجب كل العجب كونه يلتبس على كثير من الناس أمر الأولياء أمر الأولياء أولياء الرحمن لم يترك الرب سبحانه وتعالى بيان الأولياء للأنبياء والصالحين والعلماء تولى اللهُ بيان الأولياء بنفسه ومع ذلك أكثر الخبط والخلط عند جمهور المنتسبين إلى الإسلام الذين تربوا في أحضان المتصوفة الذين تمكنوا من المسلمين بعد انقراض القرون المفضلة فصار المسلمون لا يعرفون العالم التقي إلا إذا كان صوفياً بسبب هؤلاء التبس الأمر على الناس وكثير من الناس في أمر الأولياء .
الإنسان بالنسبة لله تعالى إما وليٌ أو عدو وليٌ من الولاية وهي المحبة عبدٌ يحب الله ويحب دينه ويعظم الله ويعظم أمره ويخضع له ويخضع لشرعه ويتذلل له هذا هو الولي بصرف النظر من أي بيت هو .
لا توجد في الإسلام بيوت يتوارثون منها الولاية بيت ابن علوان بيت الولاية ، بيت غضنفر بيت الولاية ، بيت الليث والأسد بيت الولاية هذا غير موجود في الإسلام قد يولد الإنسان من أبوين كافرين فيصبح ولياً لله لأن الولاية أمر مكتسب والنبوة بالاصطفاء النبي اللهُ سبحانه وتعالى هو الذي يصطفي من شاء من عباده يصطفيهم اصطفاء ويختارهم اختياراً ويربيهم تربية خاصة فيوحي إليهم.
النبوة بالاصطفاء لكن الولاية بالاكتساب تكتسب أنت الولاية بصرف النظر عن أبويك وعن أصلك وفرعك قد يعيش الإنسان في أول حياته عدواً لله فيتحول إلى وليٍ لله تعالى بالاكتساب تكتسب . بما تُكتسب الولاية بالإيمان الصادق الصحيح وبالعمل الصالح .
بين الرب سبحانه وتعالى في الحديث القدسي كيف نكتسب الولاية انتبهوا1:(1/26)
إذا بدأت باكتساب الولاية ابدأ بأداء الفرائض (( ما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضته عليه )) أد الفرائض ، ليست الفرائض الصلوات الخمس فقط ، الفرائض فرائض عملية وفرائض تركية بمعنى ( كل ما أوجب الله تفعله ، وكل ما حرم الله تبتعد عنه ) هذا معنى أداء الفرائض ؛ أن تعمل بجميع الواجبات وتبتعد عن جميع المحرمات ؛ هذه الخطوة الأولى لتكتسب الولاية .
بعد هذا تكثر من النوافل ، نوافل الصلاة ، نوافل الصيام ، نوافل الإنفاق ، نوافل الحج ، من جميع النوافل ، أي التطوع – الشيء الذي ليس هو بواجب – من جميع العبادة أكثر .
فإذا أكثرت من هذه النوافل أحبك الله وصرت ولياً لله ؛ من هنا يوفقك فيكون بصرك الذي تبصر به ، وسمعك الذي تسمع به ، ويدك التي تبطش بها ، ورجلك التي تمشي بها ، إن سألت أعطاك ، وإن استعذت أعاذك ، وصلت إلى درجة المقربين .
أمرٌ ميسورٌ جداً على من يسره الله عليه ؛ لكن ما أصعبه بعدم التوفيق .
العبد يعيش بين هدايتين : الهداية العامة هداية إرشاد وبيان ، هذه الهداية عامة ، الله هدى الناس بهذه الهداية العامة ؛ والرسول هدى الناس { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } هداية إرشاد وتعليم وإيضاح والقرآن يهدي { يهدي للتي هي أقوم } .
هناك هداية أخرى بها يصير العبد ولياً لله ، يطلبُ هذه الهداية من الله ؛ هداية التوفيق وهي المنفية عن رسول الله عليه الصلاة والسلام { إنك لا تهدي من أحببت } هداية القلب والتوفيق بيد الله وحده .
كيف تصل إليه ؟
الله مع المنكسرة قلوبهم ، الذين لا يترفعون ويذكرون ذنوبهم ويبكون ، ويقومون في الليل ويتضرعون إلى الله ، فيطلبون من الله أن يهدي قلوبهم .
من هنا ومن هذا الباب تصل إلى درجة الولاية ، ليس ( الوِلاية ) الوَلاية بفتح الواو ، ( الوِلاية ) الإمارة ، نحن الآن نتحدث في الوَلاية .
إذن الوَلاية أمر مكتسب .
ما صفة الأولياء ؟(1/27)
اسمع لرب العالمين يقول الله سبحانه وتعالى : { ألا إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون } من هم ؟
{ الذين آمنوا وكانوا يتقون } من آمن الإيمان الصحيح الصادق إيمان القلب ، إيمان اللسان ، إيمان الجوارح ؛ قلبٌ خاشعٌ خاضعٌ متذللٌ لله ، يبعث على العمل والخشوع وخضوع القلب هؤلاء هم الأولياء .
العبد الولي .. العبد الصالح التقي . التقوى هاهُنا ، لكن التقوى التي ها هُنا ما علامتها ، وما دليلها ؟
فإذا حلت الهداية قلباً نشطت في العبادة الأعضاء ، إذا رأيت من نفسك النشاط والاندفاع في العبادة والرغبة فيما عند الله وعدم الكسل وعدم الركون إلى الراحة ، والطمع فيما عند الله رأيت من نفسك الحرص على هذا المعنى . هذا معنى هداية القلب .
هداية القلب تبعث على عمل الجوارح ، وأما قول العوام وأشباه العوام ، إذا أمرت ونهيت يقول : دعنا الإيمان هاهُنا .. الإيمان هُنا .
يا أخي صل .. يا أخي احرص على صلاة الجماعة ..يا أخي اترك كذا ..
لا لا دعنا الإيمان هاهُنا الإيمان في القلب .
هذا إرجاءٌ للأسف الشديد ، إرجاءٌ يقع فيه العوام ولا أدري متى درسوا الإرجاء ، هذه عقيدة المرجئة الذين يرون أن الإيمان مجرد التصديق .
لأ خطأ .. لو صح إيمانك الذي هُنا الذي تشير إليه لأنتج .
ما نتيجة هذا الإيمان ؟ لذلك عطف الله العمل الصالح على الإيمان { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } لأن العمل الصالح دليل على صحة إيمان القلب إيمان القلب عمل قلبي لا يُعرف ..
بم نعرف إنه مصدق تصديقاً صادقاً وخاشع وخائف من الله ومعظم ؟
نعرف بهذه الأعمال الظاهرة .
هؤلاء هم الأولياء .. الأولياء يعرفون بمحبة الله { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } ، علامة واضحة من صفات الأولياء اتباع رسول الله عليه الصلاة والسلام .
وهل اتباع الرسول بلا علم ؟(1/28)
لأ ؛ العلم قبل القول والعمل ، تَعَلَم هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام ، واعمل بهديه ، ذلك دليلٌ على أنك تحب الله لأنك ما تعلمت هدي النبي عليه الصلاة والسلام وأحببت رسول الله عليه الصلاة والسلام واتبعت هديه إلا لأنك آمنت بالله وعظمت الله ، وحبيت الله .
أمران لا يفترقان أبداً ، الإيمان بالله والإيمان برسول الله عليه الصلاة والسلام ، محبة الله ومحبة الرسول عليه الصلاة والسلام أمران متلازمان كما أن الشهادتين متلازمتين ، هل لو شهد الإنسان ( أشهد أن لا إله إلا الله ) وسكت تكفي ؟
لأ ؛ لا تقبل .. ولا قيمة لها ، { ورفعنا لك ذكرك } الله رفع ذكر محمد صلى الله عليه وسلم . شهادتك بالوحدانية لا تقبل حتى تشهد بالرسالة وتُجَرد له المتابعة .
صلاتك لا تقبل إلا بالصلاة عليه ، عليه الصلاة والسلام ، سبحان الله ، أذانُنا وإقامتنا كل ذلك لا يقبل حتى يضم اسم رسول الله إلى اسم الله - عليه الصلاة والسلام - انتبه ، تدبر في هذه الآية { قل إن كنتم تحبون الله } كما ادعيتم إن كنتم تحبون الله { فاتبعوني يحببكم الله } إذا اتبعتموني يحببكم الله { ويغفر لكم ذنوبكم } .
أعود فأقول لا يمكن اتباع النبي عليه الصلاة والسلام إلا على ضوء العلم ، علم هديه ، وتعلم هديه ، لذلك ننصح كثيراً من العباد الذين يلازمون الصفوف الأول مسندين ظهورهم إلى المصاحف ليل نهار ويعبدون على جهل ويتخبطون لا يعرفون شيئاً من صفات صلاة النبي عليه الصلاة والسلام .(1/29)
العبادة على جهل لا تجدي ، طلب العلم عبادة ، العلم النافع ، تعلمك لتحقيق التوحيد ، وتجريد المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام ، تعلمك لصفات صلاة النبي عليه الصلاة والسلام ، وتعلمك لحجة النبي عليه الصلاة والسلام وجميع ما للرسول ، هذه هي العبادة نفسها ، عبادة نافعة ليست العبادة أن تخرج من بيتك ، وتجلس إن شرقت الناس شرقت معهم ، وإن غربوا غربت ، ولو فعلت ما فعلت ، لو قيل لك : لماذا يا غضنفر ؟
نقول : ما تشوف الناس كيف يفعلون ، أنا مع الناس.
انظروا إلى هذا الصف الذي يقف أمام المحراب2 تاركين الصلاة والقراءة إلى أن يؤذن الآذان الثاني واقفين صف ( الطابور على لغتكم ) لو خرجت واحد من الطابور : لماذا يا غضنفر ؟
ما تشوف الناس واقفين .. أنا مع الناس !
شيء يؤسف ويحزن ، يحزن جداً .. يأتي الإنسان لأجل العبادة ، يأتون من أماكن بعيدة ويقومون آخر الليل .. يأتون ليتعبدوا ويقفوا ، تقليد ، هذا ما عليه أكثر المسلمين في عبادتهم .
اضرب لكم مثلاً آخر لتتأكدوا ، ولتحمدوا الله على ما أنتم عليه - من لم يكن كذلك .
وهل حضرتم في الحج ورأيتم في جبل الرحمة ما رأيتم ؟!
تلك الأمسية العظيمة التي يدنو رب العالمين من حجاج بيته بعرفة كما يليق به ، الله سبحانه وتعالى شأنه عظيم ، لا يدنوا من أهل مكة أو الذين بمزدلفة أو الضواحي هناك ، من أهل عرفة في موقفهم ، يدنو منهم ويباهي بهم ملائكته ، هذه الأمسية العظيمة التي كان الإنسان ينبغي أن يمضيها في البكاء والتضرع على الذنب ، تجد أُمة طالعة في الجبل ونازلة . لو أوقفت حاج تنصحه : يا حاج لا تضيع أمسيتك تعالى قف هُنا ، ادع الله .
_ لماذا ، روح عني يا شيخ ما تشوف الناس .. يالله رحت أمشي .
هذا ما عليه جمهور المسلمين في عباداتهم ، عبادة تقليدية لا دليل إلا أن الناس فعلوا ، هذه إمعة لا تكونوا إمعة .(1/30)
الإمعة الذي إذا صلح الناس صلح معهم ، إن فسدوا فسد معهم ماله مبدأ ، الله المستعان .
تريد أن تكون ولياً لله تعالى ابتعد عن هذه الصفات ، تعلم ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ، هل النبي تعب ذلك التعب إلا لأجلنا نحن ليعلمنا ، ليدعونا إلى الله ، تعب ووصل إلى هُنا بعد ذلك التعب ، ونشر العلم وقال لنا : (( تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك )) .
نترك هذه البيضاء إلى بنيات الطريق إلى الأزقة هُنا وهناك ؛ فلنرجع فلنتعلم ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام تلك هي العبادة ، فلنترك العبادة على جهل وعلى التقليد .
الأصل الخامس من هذه الأصول بيان الله سبحانه وتعالى بنفسه أوليائه ، وتفريقه بينهم وبين المتشبهين بهم من أعداء الله والمنافقين والفجار ؛ تقدم لكلام على معنى الولي .
الولي ضد العدو ، الإنسان بالنسبة لرب العالمين إما وليٌ وإما عدو ، ولكن الأولياء يتفاوتون في درجاتهم وفي قربهم من الله وفي محبتهم لله ، وفي تعظيمهم لشرع الله ؛ كما أن أعداء الله يتفاوتون في العداوة ؛ الأولياء ليسوا على درجة واحدة إنما المهم أن نفهم معنى الوَلاية ، وحقيقة الوَلاية ؛ الوَلاية كما تقدم أمر مكتسب يكتسبه العبد بإيمانه وعمله الصالح بتوفيق الله تعالى .
والأولياء في مقدمتهم الأنبياء ؛ أنبياء الله جميعاً أولياء الله ؛ ليس كما يزعم بعض جهلة الصوفية أن الوَلاية شيء آخر غير الأنبياء وغير الرسل – أي في زعم المتصوفة - : لا يطلق كلمة ولي أو الأولياء على الأنبياء والمرسلين هذا خطأ ؛ خطأ في التصور ، وهمٌ في طبيعة الأولياء ، في طبيعة أولياء الله تعالى الأنبياء ، ومن الأنبياء الرسل ، ومن الرسل أولوا العزم ثم سيدهم على الإطلاق ، سيد الأولياء سيد ولد آدم محمدٌ رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فهو سيد الأولياء ، وأولهم وأفضلهم على الإطلاق.(1/31)
ولو فهم المسلمون جميعاً معنى الوَلاية ، وأن أنبياء الله كلهم من أولياء الله تعالى وفي مقدمة الأولياء الأنبياء ،ثم أتباعهم من أصحابهم ثم الأمثل فالأمثل ،من العلماء الربانيين الفاهمين لدين الله تعالى والفقهاء هؤلاء هم الأولياء .
والولاية – مرة أخرى - أمر مكتسب ، لا يخضع للوراثة ، وليس بالاصطفاء .
النبوة أساساً بالاصطفاء ، والولاية التي دون النبوة بالاكتساب ؛ النبي الذي اصطفاه الله واختاره بالرسالة نبيٌ وولي ؛ رسولٌ نبيٌ وولي ؛ ثم يأتي دور آخر دور الولي الذي دون النبوة إذن بين النبوة وبين الولاية عموم وخصوص أي كل نبي فهو ولي ، وليس كلُ نبيٍ ولياً ؛ هذا يجب أن يفهمه طلاب العلم ، بينهما عموم وخصوص . النبوة أعم ، النبي هو نبيٌ وولي ، أي باعتبار ذواتهم والعاملين بباب الولاية ، النبي نبي وولي وليس كل نبي ولياً ، بل قد يكون ولياً وهو الكثير وليس بنبي .
أي بالاكتساب بالطريقة التي شرحناها في الليلة الماضية .(1/32)
يبدأ اكتساب الولاية ولاية الله سبحانه وتعالى بأداء الفرائض إذ لا يتقرب عبدٌ من عباد الله إلى الله بأمرٍ أحب إلى الله من أداء الفرائض كما في الحديث القدسي ؛ المراد بأداء الفرائض أداء ما أوجب الله على العبد جميع الواجبات من صلاة وصيام وزكاة وحج وعمرة وأمر بالمعروف ونهيً عن المنكر والجهاد في سبيل الله ، وطلب العلم الواجب ، وبر الوالدين ، وصلة الرحم إلى غير ذلك ؛ هذه أول ما يبدأ الولي في اكتساب الولاية يتقرب إلى الله بأداء هذه الواجبات ؛ ثم بعد ذلك يكثر من النوافل ، من الطاعات ، من الأمور غير الواجبة ، من تطوع الحج والصيام والصلاة والإنفاق ، والتوسع في العلم غير العلم الضروري ، وغير ذلك من الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها كل مسلم ، فإذا فعل ذلك أحبه الله لأنه تقرب إليه بالفرائض والنوافل معاً فإذا أحبه يقول الرب سبحانه وتعالى في الحديث القدسي : (( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ؛ ولأن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه )) يقول الحافظ ابن رجب وهذا الحديث من أشرف الأحاديث في باب الوَلاية وأعظمها وبيان حقيقة الولي ، معنى أنه يكون سمعه وبصره ويده ورجله بأن الله يوفقه توفيقاً تاماً بحيث لا يكاد يسمع بأذنيه إلا ما يرضي الله ، ولا يكاد ينظر إلى شيءٍ إلا في مرضاة الله ، لا يبطش ولا يضرب ولا يمد يده إلا في مرضاة الله تعالى ، كالجهاد في سبيل الله تعالى والقتال ، ولا يمشي بقدميه إلا في مرضاة الرب سبحانه وتعالى ، يوفقه الله في ذلك ، يكاد أن يكون في حكم المعصوم وإن لم يكن معصوماً بتوفيق الله تعالى .
هكذا يكون الولي ، والناس في هذا الباب كما تعلمون يتفاوتون ، الأنبياء خيرُ من يمثل هذا المعنى ؛ ثم أصحابهم وأتباعهم ثم المثل فالأمثل ، إذن الأولياء يتفاوتون ، وصفاتهم المعروفة التي وصفهم الله بها .(1/33)
يقول الله تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } أعظم صفة من صفات أولياء الله تعال- الأولياء بالحقيقة لا بالدعوى – اِتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم اتباعاً صادقاً ، وهل يمكن أن يتبع الإنسان رسول الله عليه الصلاة والسلام اتباعاً كاملاً إلا بمعرفة ما جاء به ، قبل أن تعرف ما جاء به كيف تتبعه لا يمكن عقلاً ومنطقاً ، لأنك إنما تتبع النبي عليه الصلاة والسلام بأقواله وأفعاله وتقريراته سنة النبي عليه الصلاة والسلام تنحصر في هذه الأمور الثلاثة ، أفعاله وأقواله وتقريراته إن لم تعلم ذلك كيف تتبعه إذن ؟!
يلزم من هذا أن تعلم ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام فرض عين على كل مسلم ومسلمة يتفاوت ذلك باعتبار المعلوم ؛ المعلوم يختلف .
لذلك أشرف العلم على الإطلاق علم العقيدة لأن معلوم هذا العلم من هو ؟ الله بأسمائه وصفاته ، موضوع علم العقيدة والمعلوم الذي نبحث عنه في باب العقيدة من هو ؟ الله رب العالمين بأسمائه وصفاته ؛إذن أشرف العلوم على الإطلاق علم العقيدة ، وعلوم القرآن داخلة في ذلك ، وعلوم الحديث أيضاً لأن معرفة الله لا تتم إلا في ضوء الآيات القرآنية والسنة الصحيحة النبوية ، هذه هي العقيدة عندنا ليست أراء الرجال .
تَعلُمُ هذا العلم لتتبعَ رسول الله عليه الصلاة والسلام فرضُ عينٍ بالنسبة للعلوم الضرورية التي لابد منها ، وفرض كفاية بالنسبة للتوسع في ذلك بحيث تكون مؤهلاً لرد الشبه عما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ؛ إذا قام بهذا القدر عددٌ من علماء المسلمين يسقط الإثم عن الآخرين وإلا يأثم الجميع ، فإذا اتبعت رسول الله عليه الصلاة والسلام أحبك الله . ماذا تريد بعد محبة الله ؟(1/34)
كُلنا ، يسعى العباد أن يصلوا إلى درجة بأن الله يرضى عنهم فيحبهم إذا رضي الله عنك وأحبك وأكرمك في دار الكرامة مكنك من رؤية وجهه سبحانه وتعالى ، وهي أعظم نعمة من نعم أهل الجنة ، النظر إلى وجه الله تعالى ، هذا بالنسبة لمن يؤمنون بوجهه ويثبتون وجه الله صفة ذاتية لله سبحانه وتعالى ، والمسألة فيها تفاصيل لو تعرضنا لشبه أهل الكلام في صفة الوجه ، فلنقتصر على ما تقدم .
ثم ساق المؤلف آية أخرى في صفات المؤمنين ، وصفات أولياء الله تعالى : { قل يا أيها الذين آمنوا من يرتدَ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه } الذي يرتد عن دينه إنما يضر نفسه ، الله سبحانه وتعالى غنيٌ عن عباده ، لا تضره معصيتهم وكفرهم ، ولا ينفعه إيمانهم وطاعتهم ، ولكن الله سبحانه وتعالى تفضلاً منه إن ارتد من ارتد فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه ؛ إذاً الله سبحانه وتعالى يُحِبُ فَيُحَبُ .
وبعض كتب الأشاعرة تنص على نفي هذا يقولون : ( الله لا يوصف بأنه يُحِبُ أو يُحَبُ ) ويتفلسفون فيقولون : ما العلاقة بين العبد وبين الخالق حتى تكون بينهم محبة ؟! لا علاقة بينهما .
سبحان الله !! إن لم تكن بيننا وبين ربنا علاقة لضعنا ، العلاقة علاقة العبودية نحن عبيده وهو ربنا ومولانا ، هذه هي العلاقة ، نحب ربنا وخالقنا وولي نعمتنا الذي وفقنا وهدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
الُله يحبُ عباده الصالحين المؤمنين وأولياؤه يحبونه ، ومحبة الله تعالى روح الإيمان ، والأشاعرة نفوا روح الإيمان من حيث لا يشعرون ، لا إيمان إلا بالمحبة قطعاً . لا إيمان بالله إلا بمحبة الله ، وفي تعريف الأولياء . لو قيل لك عرف لنا الولي ؟
التعريف هو الذي تتبين به الأشياء ، يسمى حداً وتعريفاً ، الله سبحانه وتعالى رحمة منه وتفضلاً منه وإحساناً تولى بنفسه تعريف الأولياء لئلا تختلف الناس ، من الولي ؟ كلٌ يُعرِفُ من بابه . لأ .(1/35)
يقول الله تعالى : { ألا } هذا للتنبيه والإثارة إثارة الهمم { إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون } سبحانه من لطفه قدم عدم الخوف والحزن قبل أن يعرفهم تشويقاً للعباد ، تشويقاً لقلوب عباده إليه سبحانه { ألا إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون } .
بعد هذا التشويق يقول الرب سبحانه { الذين آمنوا وكانوا يتقون } هذا تعريف الأولياء ، الولي المؤمن التقي ، لا تجد تعريفاً أبلغ وأشمل من هذا لتعريف وليٍ من أولياء الله تعالى بدأً من الأنبياء إلى آخر درجات الأولياء { الذين آمنوا } كم يدخل تحت هذه الجملة من المعاني ؟ الذين آمنوا بالله وآمنوا برسله وآمنوا بكتبه وآمنوا بالملآئكة وآمنوا باليوم الآخر وآمنوا بالقضاء والقدر ، وآمنوا بكل ما يجب الإيمان به ، الذين آمنوا الإيمان الكامل التام لا الدعوى { الذين آمنوا وكانوا يتقون } التقوى هُنا في هذا المكان تفسر بأعمال الجوارح في قوة الذين { آمنوا وعملوا الصالحات } هذه الآية في قوة { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } وإن كان في الأصل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( التقوى هاهُنا )) .
صحيحٌ التقوى هاهُنا ، والإيمان هاهُنا ، لكن الذي هاهُنا في القلب من التقوى والإيمان بحاجة إلى الدليل ، ما الدليل على أن هُنا إيمان في قلبك وفي قلبك تقوى وخوفٌ وتعظيمٌ لله ، ما الدليل على ذلك ؟(1/36)
لابد من الاستدلال على ذلك بإثبات ذلك ، لأن هذا عمل قلبي الذي يدل على ذلك قول اللسان وعمل الجوراح ، قول اللسان الإكثار من ذكر الله تعالى من أحب شيئاً أكثر من ذكره ، إذا أكثرت من ذكر الله في كل لحظة ، وأنت ماشي ، وأنت جالس بين الناس ، وحدك حيث لا يسمعك إلا إياه ، تكثر من ذكره ، من تلاوة كتابه بتدبر وتعقل ، وتكثر من الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ، وتكثر من الدعاء والتضرع إلى الله في كل لحظة ، هذا عمل هذه الأعمال تدل على صدق ذلك الإيمان المُدعى ، ذكرك لربك والإكثار من ذكر الله دليلٌ على المحبة والتعظيم ، ثم أعمال الجوارح نشاطك في عبادة الله تعالى في الصلاة أدائها في الجماعة في الصيام واجباً وتطوعاً في الإنفاق ، في الرحمة ، هذه الأعمال تدل على صدق إيمانك وإنك ترجو ما عنده سبحانه وتعالى ، ولذلك تعمل .
{ الذين آمنوا وكانوا يتقون } هؤلاء هم الأولياء ؛ ثم يقول صاحب المتن : فصار الأمر عند أكثر من يدعي العلم ويدعي أنه من هُداة الخلق وحفاظ الشرع وصل بهم الأمر إلى درجة أن الأولياء لابد فيهم من ترك اتباع الرسل ومن تبعهم فليس منهم ، هؤلاء عكسوا القضية تماماً .
وما يقوله المؤلف لا تحسبوا أنه من أساطير الأولين ، أو حكاية ، قصة خيالية ، لأ . أمور واقعة ، الأولياء عند المتصوفة هم أصحاب الأحوال والكشوفات ؛ كشوفات خاصة أصحاب الشعوذات ، الولي عندهم ما يكون ولياً صادقاً واصلاً إلى الله بزعمهم حتى يخالف الشريعة ليعمل بالحقيقة .
الذبن ليس لهم معرفة في هذا الباب يحسبون هذا الكلام فيه نوع من المبالغة ، وهذا واقعهم لأنهم قسموا الدين إلى قسمين : شريعةٌ وحقيقةٌ ، الشريعة للعلماء الجامدين الفقهاء الجامدين ، والحقيقة لمن ؟(1/37)
للعارفين بالله والواصلين إلى الله الذين استغنوا عن الشريعة ينظرون إلى اللوح المحفوظ فيأخذون التعليمات من اللوح المحفوظ رأساً ، زهدوا في الشريعة فيما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام قالوا هذه مرحلة ، لأن السير إلى الله على مراحل :
المرحلة الأولى : العمل بالشريعة .
ثم بعد ذلك : الانتقال إلى الحقيقة ، الحقيقة التي لا يعلمها إلا الخواص ، هم عندهم الخاصة وخاصة الخاصة ، هذا حقائق مكتوبة في الكتب في كتبهم .
زعم في وقت متأخر ؛ مهندسٌ أدعى أنه وصل إلى درجة أنه يقسم الرسالة إلى قسمين :
الرسالة الأولى : عمل بها الصحابة ، ولكن الرسالة الثانية حفظها رسول الله عليه الصلاة والسلام وكتمها للمهندس محمود محمد طه ، هذا المهندس هو الذي يتولى تبليغ الرسالة الثانية ، هل سمعتم عجباً ؟!
وهذا المهندس يقول : الرسالة الأولى مضمونها صلاة ذات ركوع وسجود ، والزكاة ذات المقادير عشرين مثقال ، مائتي درهم ، في خمس من الأبل كذا ، في أربعين من البقر كذا ، هذه كلها راحت مع الرسالة الأولى التي عمل بها الصحابة ، جاء وقتٌ يجب العمل بالرسالة الثانية التي كتمها النبي عليه الصلاة والسلام وأظهرها محمود محمد طه في أم درمان .
من مضمون الرسالة الثانية ، سمعت بأذني هاتين يقول لاتباعه : قوموا صلوا فنحن قد وصلنا قمنا الليالي وصمنا النهار فوصلنا إلى درجة سقطت عنا مضمون الرسالة الأولى ؛ الصلاة ذات ركوع وسجود ، لكن اتباعه يصلون ، انتبهوا يحسد اتباعه لا يخليهم يتخرجون مثله ، يجب أن يكونوا دائماً يصلون يكونوا تبعاً له ، هو الوحيد الذي وصل إلى هذه الدرجة ، أراد الله سلط عليه من شاء من عباده فقضي عليه فقتل ردةً يستحق ذلك لأنه ارتد.(1/38)
وفي الدين الإسلامي كُل من ادعى الاستغناء عن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهو مرتد ، هكذا ارتد ذلك المرتد ، فقتل ردة ، وكتبه موجودة لدينا ، واتباعه لا يزالون على قلة موجودين على ظهر الدنيا ، هؤلاء هذه درجة الواصلين إلى الله في زعمهم ، وفي الحقيقة هي درجة المارقين عن دين الإسلام ، لأن من وصل إلى هذه الدرجة مَرَق ، لذلك لا تستغرب عندما يقول الشيخ هُنا المؤلف : ثم صار الأمر عند أكثر من يدعي العلم علم الحقيقة لا علم الشريعة وأنه من هداة الخلق ، وأنه من الخاصة وخاصة الخاصة ، وحُفاظ الشرع ، حفظوا الشريعة فتجاوزوها إلى أن الأولياء لابد فيهم من ترك اتباع الرسل ، ومن تبعهم ليس منهم ليس من الأولياء ؛ بل من الفقهاء الجامدين الذين يجمدون دائماً عند الشريعة وعند اتباع الرسل ؛هذا ما وصل إليه أمر المسلمين أخيراً .
وهل تظنون أنه لا يوجد من يصدق هذه الثرثرة ، ويتبع هذا الكفر ، اتبعه كثير3 ، وكثيرٌ جداً ، وأكثر من اتبعه من الجنس الثاني – من النساء - ، أكثر اتباعه عندما كان نشيطاً ، كانت النساء أكثر الاتباع ، وهن اللاتي يبعن رسائله في السواق علناً وفي الرسالة ما يبيح للمرأة أن تطلق زوجها ، قرأنا رسالة من أيديهن فإذا الرسالة تتحدث أنه يجوز للمرأة أن تطلق زوجها كما يطلقها هو ، سواسية إخوان في الطلاق وفي كل شيء ، هذا العدد وهذا الصنف من الناس معدودين من أيش ؟ معدودين من المسلمين . كم عدد المسلمين ، كم مليون ؟ فعدوا فيهم هذا العدد هذا الصنف من المسلمين لأنهم بأسمائهم ليث ، غضنفر ، أسد ، كلهم من أسماء المسلمين الله المستعان !(1/39)
على كُلٍ المؤلف يريد أن يقول إن هذه الأصول معرفة العلم والعلماء معرفة الفقه والفقهاء ومعرفة الأولياء شيء بينه الله في كتابه مع ذلك كثُر من يجهل ، لو كان هذا مما كتبه كاتب أو اجتهد فيه عالم ، واختلفت الناس في ذلك لا غرابة ، لكن شيء بينه الله وأوضحه في كتابه ، وإن أجمل في الكتاب بين في السنة وفصله ، يأتي بعد ذلك أُناسٌ يعرضون عن هذا إعراضاً كلياً ويدعون ديناً آخر وإن لم يسموه ديناً آخر ، لكن هو دينٌ آخر وملةٌ أخرى .
( الأصل السادس : رد الشبه التي وضعها الشيطان، في ترك القرآن، والسنة، واتباع الآراء والأهواء المتفرقة المختلفة وهى ) ما هي هذه الشبهة ؟ الشبهة التي وضعها الشيطان هي ( أن القرآن والسنة لا يعرفها إلا المجتهد المطلق ) أي وصفوا القرآن والسنة بالصعوبة الشديدة بحيث زعموا بأنه لا يمكن أن يفهم القرآن إلا المجتهد المطلق الذي يحفظ الناسخ والمنسوخ ، والعام والمطلق ، والعام والخاص ، والمقيد والمطلق ، ويعرف من فروع اللغة العربية كذا وكذا ، ويعرف من أصول الفقه كذا وكذا عددوا صفاتٍ يقول المؤلف ( ربما لم تجتمع في أبي بكرٍ وعمر ) ألفوا هذه الشروط من عند أنفسهم قالوا من لم يصل على هذه الدرجة لا يفهم القرآن ، ولا يجوز له أن يتكلم في القرآن أو في الدين . إلى أن وصل الحال ببعض الذين صدقوا هذه الدعوى وهذه الشبهة قالوا : من الورع إذا أراد الإنسان أن يفسر القرآن يخرج من القرية في البادية هو و مجموعة من الذين يفسر لهم ربما تنزل صاعقة وعذاب من السماء فلينزل عليهم وهم في البادية ليسلم المسلمون أهل القرية ، يا سبحان الله !!(1/40)
انظروا إلى هذا الدين الجديد ، وهذا الفهم الجديد ، هذا المفهوم يعمل به بعض الناس إلى يومنا هذا في زعمهم بتعظيم كتاب الله ، تعظيم القرآن إبعاد الناس عن القرآن ، وجعلوا القرآن شيءٌ لا يفهم ، كتابٌ مبين ، تبيان لكل شيء مع ذلك زعموا أنه لا يفهم ، والسنة أيضاً إذن ما هي الفائدة من القرآن ؟ يتبرك به ، إذا مات الميت يقرأ على الميت في شهر رمضان يقرأ في البيوت تبركاً إلى درجة أن صحيح البخاري في بعض الأقطار يختم في البيوت تبركاً ، فهم لم يفهموا منه شيئاً ، من أوله إلى آخره صحيح البخاري يتبرك بقراءته لا لفهمه والعمل به ، لأ ، للتبرك !! القرآن يتبرك بتلاوته ، وكتب السنة يتبرك بتلاوتها ، وكفى ، هذا هو الإسلام كله بعد ذلك يصلي أو لا يصلي على حد سواء لأن الإيمان هاهُنا الإيمان في القلب ليس بلازم الصلاة !!
شبهة أبعدوا بها كثيراً من المسلمين عن كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام .(1/41)
ولكن تحدثاً بنعمة الله في هذا الوقت الذي نحن فيه تكاد تذهب إلا في مناطق نائية وبعيدة جداً عن الجزيرة العربية ، في البلدان الأعجمية التي في عمق العُجم هؤلاء قد تبقى عندهم هذه الشبه ، ولكنها اضمحلت بحمد الله تعالى ، وزالت وضعفت جداً لدى كثيرٍ من المسلمين وخصوصاً الذين ينطقون بالضاد لأن التعليم ، التعليم تعليم الدين الإسلامي في الآونة الأخيرة ، في حدود ثلاثين أو أربعين عاماً انتشر بحمد الله تعالى ، عندما أُنشأت الجامعة الإسلامية في عام ألفٍ وثلاثمائة وواحد وثمانين ، ووفد شباب المسلمين من أقطار الدنيا يأخذوا منحهم في هذه الجامعة في تلك الأيام الوضع غير هذا الوضع ، واليوم أحسن بكثير بكثيرٍ جداً ، لأن تلك الدفعات الأولى الأفواج التي تخرجت وانتشرت في العالم الإسلامي وغير الإسلامي تابعناهم فوجدنا بأنهم خففوا جداً من هذه الشبه ، ومن هذا الجهل المركب إلى أن بدأ المسلمون حتى في غير الدول العربية والإسلامية في أوربا وغيرها بدءوا يفهمون الإسلام وإن كان في فهمهم غبش ، وهذا الغبش سببه أنه لم يبقى الميدان لدعاة الحق الفاهمين للكتاب والسنة ؛ بل شاركهم في ميدان الدعوة أُناسُ آخرون ينتسبون إلى الدعوة الإسلامية وليسوا من الدعوة الإسلامية في شيء ؛ مسلمون جماعات تلك الجماعات نافست دعاة الحق ، وشوشت عليهم كثيراً .
لكن مع ذلك مع الصبر الطويل دعوة الحق انتصرت ، وانتشرت في كثير من الأقطار التي لا نظن أنها تبلغها ، ولكنها بلغت بمفهوم صحيح .
لعلي لا أبالغ إذا ذكرت قصة علِمتُها في قُطرٍ من الأقطار داعيةٌ من دعاة الحق من خريجي الجامعة الإسلامية هدى الله به العباد في بلد من البلدان ، وهداية الناس هؤلاء وقبولهم لدعوة الحق تضايق من ذلك مشايخ الطرق ورفعوا شكوى للحاكم المسيحي ، شكوا هذا الداعية إلى الضابط المسيحي حاكم البلد ، من توفيق الله تعالى إن هذا الحاكم مثقفٌ تعلم في أوربا .(1/42)
ولما تقدموا ، سألَ المُدعين من مشايخ الطرق : أنتم مسلمون ؟
_ نعم .
أين تعلمتم الإسلام ؟
_ هُنا في بلدنا .
وهذا المُدعى عليه ، اسمك من ؟
- اسمي فلان .
أين تعلمت ؟
_ في السعودية .
درست في السعودية ؟
_ نعم .
عندك شهادة ؟
_ نعم من الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية .
الحاكم العسكري المسيحي قال لهم : نحن لما تعلمنا في أوربا علمنا بأن هُنا لدى القساوسة في إفريقيا أمورٌ ليست من المسيحية في شيء ، يعملون بها ، أخشى أن تكونوا هُنا أيها المسلمون في أفريقيا ربما لم تفهموا الإسلام الصحيح الذي جاء به رسولكم أليس رسولكم في السعودية -يعني هو في فهمه السعودية في القديم اسمها السعودية - رسولكم في السعودية . ولد في مكة ودفن في المدينة إذن دينكم أصله من السعودية ، هذا الذي جاء من السعودية الصحيح هو الذي يفهم الإسلام ، لا أحد يتعرض له هذا هو الدين الصحيح لا أحد يشتكيه ، الذي يريد يتعلم ، يتعلم عليه ، والذي ما يريد يتعلم يبتعد عنه ، نحن لا نعترف إلا بالدين الذي يجي من السعودية لأن نبيكم في السعودية .
نصر الله الحق ، إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ، أيد الله الدعوة في تلك المنطقة بهذا الحاكم الفاجر الكافر المسيحي تصديقاً لخبره عليه الصلاة والسلام : (( إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر )) ؛ هكذا انتصر الحق .
وانتشرت بحمد الله في كثير من الأقطار دعوة الحق ، لذلك هذه الشبهة وما يشبهها إنما تبقى الآن في مناطق نائية وليس في الدنيا بُعدٌ اليوم ، هذا الانفتاح العظيم يقرب لجميع المناطق فعلى دعاتنا أن يحتسبوا الأجر ويعملوا حيث يمكن لهم العمل .
هكذا تتم هذه الأصول الستة وعلى شبابنا أن يفهموها ، ويحفظوها ويعملوا بها .
فليدرك شبابنا هُنا أنهم أسوة لشباب المسلمين في أقطار الدنيا .
أُريد أن أقول : يجب أن تعرفوا مكانتكم .(1/43)
قد لا تدركون مكانتكم في نفوس المسلمين في خارج هذا البلد ؛ شبابُ المسلمين ينظرون إليكم قدوةً وأسوةً ، كما ينظرون إلى علماء هذا البلد كذلك .
لذلك حققوا رغباتهم بأن تكونوا أسوة حسنةً لشباب المسلمين في أقطار الدنيا .
** هنا انتهى التفريغ من الأشرطة . والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
قام بهذا العمل الفقير إلى ربه / أبي عبد الله الأثري غفر الله له ولمشايخه ووالديه وذريته وإخوانه المسلمين .
---
1 نهاية الشريط الأول .
2 كان الشيخ رحمه الله يقصد بهذا الكلام أناساً في المسجد النبوي ، لأنه كان يلقي هذا الدرس فيه .
3 أي المهندس الذي ادعى ما أدعى من الكفر .(1/44)