مقدمة
بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ] ((1) ).
[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا] (2)
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ] (3) سورة الأحزاب
أما بعد:
[فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ] (4)
كم قرأنا هذه الآية في كتاب الله وكم سمعناها؟ ولكن هل وعيناها؟ وهل تنبهنا إلى ما فيها من تحذير ؟ نعم .. إنه تحذير شديد اللهجة، مصدره ليس أحد من البشر ولا حتى نبي من الأنبياء بل هو صادر عن رب العالمين تبارك وتعالى، ومن ماذا يحذرنا ؟ إنه يحذرنا من مخالفة أمر الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم..
فهذه رسالة نافعة في تعليم التوحيد وأثر مخالفة الله ورسوله وسميتها احذر المخالفة فتهلك ورتبتها على طريقة سؤال وجواب.
__________
(1) سورة آل عمران آية: 102.
(2) النساء : 1
(3) الأحزاب : 70 – 71.
(4) النور:63(1/1)
والله أسأل أن ينفعني وإخواني بهذه الكلمات، وحسبي منهم دعوة صالحة أو نصيحة صادقة. جعلنا الله من الداعين إلى سبيله على بصيرة وهو من وراء القصد.. وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
س1: إذا قيل لك: من ربك؟
ج: فقل: ربي الله.
س2: وما معنى الرب؟
ج: فقل: المالك المعبود والمعين.الله. ... ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين.
س3: فإذا قيل لك : بما عرفت ربك؟
ج: فقل : أعرفه بآياته ومخلوقاته، ومن آياته: الليل والنهار، والشمس والقمر.
ومن مخلوقاته: السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وما فيهما، والدليل على ذلك قوله تعالى : [إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ] ( (1).
س4: فإن قيل لك: لأي شيء خلقك؟
ج: فقل : لعبادته وحده لا شريك له، وطاعته بامتثال ما أمر به، وترك ما نهى عنه، كما قال الله تعالى: [ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ] (2) وكما قال تعالى: [إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ] (3)
والشرك : أن يجعل لله نداً يدعوه، ويرجوه، أو يخافه، أو يتوكل عليه، أو يرغب إليه من دون الله، وغير ذلك من أنواع العبادات.
فإن العبادة : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.
ومنها الدعاء، وقد قال تعالى:[ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ] (4)
__________
(1) الأعراف:54
(2) الذاريات:56
(3) المائدة:72
(4) الجن:18(1/2)
والدليل على أن دعوة غير الله كفر، كما قال تعالى: [ وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ] (1)
وذلك أن الدعاء من أعظم أنواع العبادات، كما قال ربكم: [ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ] (2).
وأول ما فرض الله على عباده الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، قال تعالى : [ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ] [(3)].
والطاغوت: ما عبد من دون الله والغالب المجذوم به هو الشيطان وكذا الطاغوت هو الكهانة، والمنجم، ومن يحكم بغير ما أنزل الله، وكل متبوع مطاع على غير الحق.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: » الطاغوت: ما يجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع «
س5: فإذا قيل لك: ما دينك؟
ج: فقل : ديني الإسلام.
ومعنى الإسلام: الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة وموالاة المسلمين ، ومعاداة المشركين.
__________
(1) المؤمنون:117
(2) غافر:60
(3) النحل:36(1/3)
قال تعالى: [ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ ] (1) وقال: [وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ] (2). روي البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رضى الله عنهما ـ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم » بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ « (3) ومعنى لا إله إلا الله:أي لا معبود بحق إلا الله ... كما قال تعالى : [ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ] (4).
والدليل على الصلاة والزكاة: قوله تعالى: [ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ] (5).
فبدأ في هذه الآية بالتوحيد والبراءة من الشرك : أعظم ما أمر به التوحيد ، وأكبر ما نهى عنه الشرك، وأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهذا هو معظم الدين وما بعده من الشرائع تابع له.والدليل على فرض الصيام: قوله تعالى: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ] إلى قوله: [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ] (6).
__________
(1) آل عمران:19
(2) آل عمران:85
(3) البخاري باب الايمان برقم 8
(4) الزخرف: 26-28
(5) البينة:5
(6) البقرة:183-185(1/4)
والدليل على فرض الحج : قوله تعالى : [ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ] (1).
وأصول الإيمان ستة:أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره. ودليله حديث جبريل المشهور: أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر يعني جديد الثياب، أسود الشعر، لا يعرفه أحد منا، ولا يرى عليه أثر السفر ليس من أهل البلد فنعرفه، وليس من أهل البلاد البعيدة فنرى عليه أثر السفر. إذن فما هو ليس من أهل البلاد المدينة وليس من أهل البلاد الأخرى، سأل النبي صلى الله عليه وسلم أسئلة، ومنها: قال: أخبرني عن الإيمان فقال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. فقال: صدقت. صدقه جبريل فدل على أن الإيمان بالقدر من جملة أركان الإيمان.
خيره وشره: يعني تؤمن أن الحوادث التي تحدث مقدرة، وأن المصائب مقدرة، وأن الخصب والجدب مقدرة، وأن الأمراض والصحة مقدرة، كل ما يحدث فإنه مكتوب ومقدر من الله تعالى، خيره وشره. كذلك ورد في الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم قال: آمنت بالقدر، خيره وشره، وحلوه ومره أي ما يناسب وما لا يناسب، آمنت بأن ذلك مقدر ومكتوب قبل أن يوجد الخلق.(2) .
س6: وإذا قيل لك : من نبيك؟
ج: فقل : نبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
اصطفاه الله تعالى من قريش وهم صفوة ولد إسماعيل، وبعثه إلى الأحمر والأسود، وأنزل عليه الكتاب والحكمة فدعى الناس إلى ترك الشرك وقاتلهم عليه وأن تخلصوا لعبادة الله كمال قال تعالى : [ قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ] (3)
__________
(1) آل عمران:97
(2) الذي في مسلم : الإيمان (8) , والترمذي : الإيمان (2610) , والنسائي : الإيمان وشرائعه (4990) , وأبو داود : السنة (4695) , وابن ماجه : المقدمة (63) , وأحمد (1/51
(3) الجن:20(1/5)
وقال تعالى: [ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي ] (1) .وقال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ } [(2)].وقال تعالى: [قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ ] (3).
ومن أصول الإيمان المنجي من الكفر: الإيمان بالبعث، والنشور، والجزاء، والحساب، والجنة، والنار وكل ذلك حق.
قال تعالى: [ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ] (4) .
وقال تعالى: [ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ ] (5).
وقد بعثه الله تعالى على رأس أربعين سنة من عمره صلي الله عليه وسلم، فدعا الناس إلى الإخلاص، وترك عبادة ما سوى الله نحواً من عشر سنين، ثم عرج به إلى السماء وفرض عليه الصلوات الخمس من غير واسطة بينه وبين الله تعالى في ذلك، ثم أمر بعد ذلك بالهجرة فهاجر إلى المدينة، وأُمر بالجهاد، فجاهد في الله حق جهاده نحواً من عشر سنين حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، فلما تمت ثلاث وستون سنة – والحمد لله – تم الدين وأنجز البَلاغ من إخبار الله تعالى له بقبضه صلوات الله عليه وسلم.
__________
(1) الزمر:14
(2) الرعد:36
(3) الزمر:64-66
(4) طه:55
(5) الرعد:5(1/6)
وأول الرسل نوح عليه السلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم .. قال تعالى: [ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ] (1) .
وقال تعالى: [ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ ] (2) .
وقال تعالى: [ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ] (3).
وأفضل الرسل: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأفضل البشر بعد الأنبياء صلى الله عليهم وسلم: أبو بكر رضي الله عنه ، وعمر رضي الله عنه، وعثمان رضي الله عنه، وعلي رضي الله عنه .. وبقية الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين.وخير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كما أخبر صلي الله عليه وسلم.وعيسى عليه السلام ينزل من السماء ويقتل الدجال.
س7: لماذا خلقنا الله تعالى ؟
ج: خلقنا لنعبده ولا نشرك به شيئًا .
الدليل من القرآن : [ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ] (4) .
__________
(1) النساء:163
(2) آل عمران:144
(3) الأحزاب:40
(4) الذاريات: 56(1/7)
الدليل من السنة: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: » كُنْتُ رَدِيفَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ فَقَالَ لِي يَا مُعَاذُ؟ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اَللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اَللَّهِ ؟ قُلْتُ اَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ حَقُّ اَللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اَللَّهِ أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، قُلْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَفَلا أُبَشِّرُ اَلنَّاسَ ؟ قَالَ لا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا «(1) .
س8: كيف نعبد الله تعالى ؟
ج: كما أمرنا الله و رسوله مع الإخلاص .
الدليل من القرآن : [ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ] ( (2) ).
الدليل من السنة: (عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ", وفي رواية (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "(3) ) ]أي مردود.
س9: هل نعبد الله خوفا و طمعًا ؟
ج: نعم , نعبده خوفا و طمعًا .
الدليل من القرآن : [ وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ] (4) ) أي خوفا من ناره و طمعا في جنته.
الدليل من السنة: ( أسأل الله الجنة و أعوذ به من النار ) (5).
__________
(1) البخاري : الجهاد والسير (2856) , ومسلم : الإيمان (30) , والترمذي : الإيمان (2643) , وابن ماجه : الزهد (4296) , وأحمد (3/260 ,5/236 ,5/242).
(2) البينة: 5
(3) من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد البخاري : الصلح (2697) , ومسلم : الأقضية (1718) , وأبو داود : السنة (4606) , وابن ماجه : المقدمة (14).
(4) الأعراف: 56
(5) صحيح رواه أبو داود 1/211 رقم 793(1/8)
س10: ما هو الإحسان في العبادة ؟
ج4: مراقبة الله وحده الذي يرانا .
الدليل من القرآن : [ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ](1) ) , [الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ] (2) , .
الدليل من السنة: » الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك (3)« .
س11: لماذا أرسل الله الرسل ؟
ج: للدعوة لعبادته و نفي الشرك عنه .
الدليل من القرآن : [ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ] (4) ) .
الدليل من السنة: » والأنبياء إخوة و دينهم واحد «(5) أي كل الرسل دعوا إلى التوحيد .
س12: ما هو توحيد الإله ؟
ج6: إفراده بالعبادة كالدعاء و النذر و الحكم .
الدليل من القرآن : [ فاعلم أنه لا إله إلا الله ] (6) ) أي لا معبود بحق إلا الله.
الدليل من السنة: » فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله (7)« .
س12: ما معنى لا إله إلا الله ؟
ج: لا معبود بحق إلا الله .
__________
(1) النساء:1
(2) الشعراء:218
(3) البخاري : الإيمان (50) , ومسلم : الإيمان (9) , والنسائي : الإيمان وشرائعه (4991) , وابن ماجه : المقدمة (64) , وأحمد (2/426).
(4) النحل:36
(5) جزء من حديث رواه البخاري (3442، 3443)، ومسلم (2365) (143، 144، 145) وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال في (مختار الصحاح): بنو العلات: أولاد الرجل من نسوة شتى، سميت بذلك لأن الذي تزوج أخرى على أولى قد كانت قبلها ناهل، ثم علَّ من هذه، والعلل: الشرب الثاني، يقال عَلَلُ بعد نهل ا. هـ. قال الحفظ ابن حجر رحمه الله: (معنى الحديث: أن أصل دينهم واحد وهو التوحيد وإن اختلفت فروع الشرائع) انظر فتح الباري (6/ 489).
(6) محمد: 19
(7) مسلم : الإيمان (19) , والترمذي : الزكاة (625) , والنسائي : الزكاة (2435) , وأبو داود : الزكاة (1584) , وابن ماجه : الزكاة (1783) , وأحمد (1/233) , والدارمي : الزكاة (1614).(1/9)
الدليل من القرآن : [ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ ] (1) ) .
الدليل من السنة: » من قال لا إله إلا الله و كفر بما يعبد من دون الله حرم ماله و دمه (2)« .
س13: ما هو التوحيد في صفات الله ؟
ج: إثبات ما وصف الله به نفسه أو رسوله .
الدليل من القرآن : [ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ] (3) ).
الدليل من السنة: » ينزل ربنا تبارك و تعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا»(4) نزولا يليق بجلاله.
س14: ما هي فائدة التوحيد للمسلم ؟
ج: الهداية في الدنيا و الأمن في الآخرة .
الدليل من القرآن : [ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ] (5) .
الدليل من السنة: » حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا (6)« .
س14: أين الله ؟
ج: الله على السماء فوق العرش .
الدليل من القرآن : [ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ](7) ) أي علا و ارتفع كما جاء في البخاري
__________
(1) لقمان: 30
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، برقم 23
(3) الشورى: 11
(4) البخاري : الجمعة (1145) , ومسلم : صلاة المسافرين وقصرها (758) , والترمذي : الصلاة (446) , وأبو داود : الصلاة (1315) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1366) , وأحمد (2/258) , ومالك : النداء للصلاة (496) , والدارمي : الصلاة (1478).
(5) الأنعام: 82
(6) البخاري : الجهاد والسير (2856) , ومسلم : الإيمان (30) , والترمذي : الإيمان (2643) , وابن ماجه : الزهد (4296) , وأحمد (3/260 ,5/236 ,5/242).
(7) طه:5(1/10)
الدليل من السنة: » إن الله كتب كتابًا إن رحمتي سبقت غضبي فهو مكتوب عنده فوق العرش(1)«.
س15: هل الله معنا بذاته أم بعلمه ؟
ج: الله معنا بعلمه يسمعنا و يرانا .
الدليل من القرآن [ قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ] (2) أي بحفظي و نصري و تأييدي. الدليل من السنة: » إنكم تدعون سميعًا قريبًا و هو معكم (3)«أي بعلمه يسمعكم و يراكم « .
س16: ما هو أعظم الذنوب ؟
ج: أعظم الذنوب الشرك بالله .
الدليل من القرآن : [ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ] (4) .
الدليل من السنة: » سئل رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم أي الذنب أكبر؟ قال: أن تدعوا لله ندا وهو خلقك (5)« .
س17: ما هو الشرك الأكبر ؟
ج: هو صرف العبادة لغير الله كالدعاء لغير الله .
الدليل من القرآن : [ قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ] (6) .
الدليل من السنة: » أكبر الكبائر الإشراك بالله (7)«.
س18: ما هو ضرر الشرك الأكبر ؟
ج: الشرك الأكبر يسبب الخلود في النار .
الدليل من القرآن : [ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ] (8) ) .
الدليل من السنة: » من مات يشرك بالله شيئًا دخل النار (9)« .
س19: هل ينفع العمل مع الشرك ؟
ج: لا ينفع العمل مع الشرك .
__________
(1) البخاري : التوحيد (7422) , ومسلم : التوبة (2751) , والترمذي : الدعوات (3543) , وابن ماجه : المقدمة (189) والزهد (4295) , وأحمد (2/259 ,2/313 ,2/358 ,2/381 ,2/466).
(2) طه:46
(3) الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار صحيح مسلم 4873
(4) لقمان: 13
(5) الإيمان صحيح مسلم رقم 125
(6) الجن: 20
(7) البخاري : الشهادات (2654) , ومسلم : الإيمان (87) , والترمذي : تفسير القرآن (3019) , وأحمد (5/36).
(8) المائدة: 72
(9) الإيمان صحيح مسلم رقم 134(1/11)
الدليل من القرآن : [ َلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُون ] (1) .
الدليل من السنة: » من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشِركَه(2)«.
س20: هل الشرك موجود في المسلمين ؟
ج: نعم , موجود بكثرة مع الأسف .
الدليل من القرآن : [ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ] (3) .
الدليل من السنة: » لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد الأوثان (4)«.
س21: ما حكم دعاء غير الله كالأولياء ؟
ج: دعائهم شرك يدخل النار .
الدليل من القرآن : [ فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ] (5) في النار.
الدليل من السنة: » من مات و هو يدعو من دون الله نِدًا دخل النار (6)«.
س22: هل الدعاء عبادة لله تعالى ؟
ج: نعم , الدعاء عبادة لله تعالى .
الدليل من القرآن : [ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ] (7) .
الدليل من السنة: » الدعاء هو العبادة «(8) .
س23: هل يسمع الأموات الدعاء ؟
ج: الأموات لا يسمعون الدعاء .
الدليل من القرآن : [ إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ] (9) , [وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ](10) ,
الدليل من السنة: » إن لله ملائكة سيًّاحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام (11)«.
س24: هل نستغيث بالأموات أو الغائبين ؟
__________
(1) الأنعام: 88
(2) الزهد والرقائق صحيح مسلم رقم 5300
(3) يوسف: 106
(4) الفتن- سنن الترمذي رقم 2145
(5) الشعراء: 213
(6) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً} برقم 4497
(7) غافر: 0 6
(8) تفسير القرآن - سنن الترمذي رقم 3170 قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
(9) النمل:80
(10) فاطر:22.
(11) مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه- مسند المكثرين من الصحابة - مسند أحمد رقم 3484(1/12)
ج: لا نستغيث بهم بل نستغيث بالله.
الدليل من القرآن : [إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ] (1) .
الدليل من السنة: » كان رسولنا الكريم إذا أصابه هم أو غم , قال: يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث (2)« .
س25: هل تجوز الاستعانة بغير الله ؟
ج21: لا تجوز الاستعانة إلا بالله .
الدليل من القرآن : [ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ] (3)
الدليل من السنة: » إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله (4)« .
س26: هل نستعين بالأحياء الحاضرين ؟
ج: نعم , فيما يقدرون عليه .
الدليل من القرآن : [ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ] (5) ) .
الدليل من السنة: » والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه (6)«.
س27: هل يجوز النذر لغير الله ؟
ج: لا يجوز النذر إلا لله .
الدليل من القرآن : [ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ] (7) .
الدليل من السنة: » من نذر أن يطيع الله فليطعه , ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه (8).
س28: هل يجوز الذبح لغير الله ؟
ج: لا يجوز لأنه من الشرك الأكبر .
الدليل من القرآن : [ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ] (9) ) - فصل لربك و أنحر - أي اذبح لله فقط .
الدليل من السنة: » لعن الله من ذبح لغير الله (10)«.
س29: هل يجوز الطواف بالقبور ؟
__________
(1) الأنفال: 9
(2) الدعوات - سنن الترمذي رقم 3446
(3) الفاتحة: 5
(4) صفة القيامة والرقائق والورع - سنن الترمذي رقم 2440 قال هذا حديث حسن صحيح
(5) المائدة: 2
(6) فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر - الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار - صحيح مسلم رقم 4867
(7) آل عمران: 35
(8) النذر فيما لا يملك وفي معصية - الأيمان والنذور - صحيح البخاري رقم 4206
(9) الكوثر:2
(10) تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله- الأضاحي - صحيح مسلم رقم 3659(1/13)
ج: لا يجوز الطواف إلا بالكعبة .
الدليل من القرآن : [ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ] (1) أي الكعبة.
الدليل من السنة: » مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ (2)«.
س30: هل تجوز الصلاة أمام القبر ؟
ج: لا تجوز الصلاة إلى القبر .
الدليل من القرآن : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) ](3) أي استقبل الكعبة[.
الدليل من السنة: » لا تجلسوا على القبور , ولا تصلوا إليها «(4).
س31:قتل المرء نفسه؟
ج:قال تعالى: [ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ] (5) ، قال صلى الله عليه وسلم: » : (مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)(6)« وتأمل الأخبار التي تسمعها عن الناس اليوم ممن قتلوا أنفسهم بالسلاح بأنواعه أو بأخذ جرعات زائدة كبيرة من الدواء، أو من يقتلون أنفسهم بالمخدرات وهؤلاء كثر.
س32:الجلوس في المجالس التي يُكْفَر فيها ويُستهزأ فيها بالدين وأهله ؟
__________
(1) الحج:29
(2) فضل الطواف- المناسك - سنن ابن ماجه رقم 2847
(3) البقرة: 144
(4) النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه- الجنائز- صحيح مسلم رقم 1613
(5) النساء 29:30
(6) شرب السم والدواء به وبما يخاف منه والخبيث - الطب - صحيح البخاري رقم 5333(1/14)
ج:ومن الأمور التي تساهل الناس فيها: الجلوس في المجالس التي يُكْفَر فيها ويستهزأ فيها بآيات الله: ( بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً )(1) ) كم من المسلمين اليوم يجلسون مع أناس يستهزئون بدين الله، ويلمزون شرع الله، أو عباد الله الصالحين، لا لشيء إلا لأنهم تمسكوا بدين الله، أو يعترضون على حكم الله وشريعته.
س33:ترك الشارب بدون قص ؟
ج:قال صلى الله عليه وسلم: » أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا «(2)
س34:حلق اللحى وعدم إعفائها ؟
__________
(1) النساء 138:140
(2) ما جاء في قص الشارب- الأدب - سنن الترمذي رقم 2685(1/15)
ج: وكذلك المسألة التي يزعم بعض الناس أنها من القشور، وليس لها تأثير، وهي إعفاء اللحى، كم كلمة وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (أعفوا اللحى)(1) ، ( خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ)(2) ، ( جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ) (3)، ( انْهَكُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى) (4)، ( خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَوْفُوا اللِّحَى)(5) ، قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : ( وأمَّا شَعر اللحية ففيه منافع ، منها : الزينة والوقار والهيبة ، ولهذا لا يرى على الصبيان والنساء من الهيبة والوقار ما يُرى على ذوي اللحى )(6) انتهى. و في هذا المعنى قصيدة ، منها :
حلقُ اللِّحَى مَهْمَا تطيلُ بِعَيْبِهِ.مَهْمَا جَهِدتَ خَفَتْكَ مِنهُ عيُوبُ
إنْ قُلتَ تشْويهاً فَتِلْكَ حَقيقَةٌ.. فاعجَبْ لأمْرٍ قُبْحُهُ مَرغُوبُ
إنَّ التشبَّهَ بالنساءِ نَقيصَةٌ .. لا يَرتضيهِ مِنَ الرِّجَالِ نَجِيبُ
وكذا التشبهَ بالصَّبِيِّ عَلاَمَةٌ .. للعقلِ أنَّ لبابَهُ مَنخوبُ
كيفَ التشبه بالذينَ تظاهَرُوا.. بالشِّركِ .. بُعْداً مَالَهُ تقْريبُ
يا مُثْلَة قَدْ خُيِّلَتْ لكَ زينةً .قَلْبُ الْحَقائقِ وَجْهُهُ مَكْبوبُ (7) )
س35: الصلاة في مسجد فيه قبر ؟
__________
(1) إحفاء الشارب - الزينة - سنن النسائي رقم 4960
(2) تقليم الأظفار- اللباس - صحيح البخاري رقم 5442
(3) خصال الفطرة - الطهارة - صحيح مسلم رقم 383
(4) إعفاء اللحى عفوا كثروا وكثرت أموالهم – اللباس- صحيح البخاري رقم 5443
(5) خصال الفطرة- الطهارة - صحيح مسلم رقم 382
(6) أنظر : التبيان في أقسام القرآن ، ص ( 198 )
(7) المخاطر الأربع ، ص ( 21 - 23 ) .(1/16)
ج: الحق أن الصلاة لا تجوز على مسجد فيه قبر أو قبور، سواء كان المقبور من الصالحين أو من غيرهم، لنهي النبي –صلى الله عليه وسلم- عن بناء المساجد على القبور والصلاة فيها، ولعنه من فعل ذلك. فعن عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَا لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ يَقُولُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا "(1) .وعن جندب قال: قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ "(2) . و عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَمَّا اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَتْ بَعْضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ
__________
(1) مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته - المغازي - صحيح البخاري رقم 4089، النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها- المساجد ومواضع الصلاة - صحيح مسلم رقم 426
(2) النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها - المساجد ومواضع الصلاة - صحيح مسلم رقم 827(1/17)
وَأُمُّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَتَتَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ فَذَكَرَتَا مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ أُولَئِكِ إِذَا مَاتَ مِنْهُمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّورَةَ أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ(1) . قال الحافظ ابن حجر(2): وفائدة التنصيص على زمن النهي الإشارة إلى أنه من المحكم الذي لم ينسخ؛ لكونه صدر في آخر حياته صلى الله عليه وسلم. عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ :كَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَخْرِجُوا يَهُودَ الْحِجَازِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَاعْلَمُوا أَنَّ شِرَارَ النَّاسِ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ " (3).وعلة المنع من دفن القبور في المساجد، أو اتخاذ المساجد على القبور سَدُّ ذريعة الشرك؛ يدل لهذا قول عائشة رضي الله عنها " لَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا ً" بعد روايتها " قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ "(4) .
__________
(1) بناء المسجد على القبر- الجنائز - صحيح البخاري رقم 1255
(2) فتح الباري 1/625)
(3) حديث أبي عبيدة بن الجراح واسمه عامر بن عبد الله رضي - مسند العشرة المبشرين بالجنة - مسند أحمد رقم 1602
(4) مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته – المغازي- صحيح البخاري رقم 4087(1/18)
قال الإمام النووي (1)قال العلماء نهى النبي –صلى الله عليه وسلم- عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً خوفاً من المبالغة في تعظيمه والافتتان به، فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية.وقال شيخ الإسلام ابن تيمية(2): ولا تصح الصلاة في المقبرة ولا إليها، والنهي عن ذلك إنما هو سَدُّ لذريعة الشرك.وقال الإمام القرطبي في تفسيره (3)عند قوله سبحانه "قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَسْجِداً [. وتنشأ هنا وسائل ممنوعة وجائزة، فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز... ثم ساق أدلة كثيرة، وقال: قال علماؤنا: وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد. وروى الأئمة عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا "(4) ، أي: لا تتخذوها قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى، فيؤدي إلى عبادة من فيها، كما كان السبب في عبادة الأصنام، فحذَّر النبي –صلى الله عليه وسلم- من مثل ذلك، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك، فقال ( قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ )(5).وقال ابن حجر الهيتمي(6): الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتسعون:اتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السرج عليها، واتخاذها أوثاناً، والطواف بها، واستلامها، والصلاة
__________
(1) شرح صحيح مسلم 5/12)
(2) الاختيارات الفقهية ص46)
(3) 13/242)
(4) النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه - الجنائز - صحيح مسلم رقم 1614
(5) النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها -المساجد ومواضع الصلاة - صحيح مسلم رقم 824
(6) الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/244)(1/19)
إليها.وقال الشيخ مرعي الكرمي المقدسي(1): أما بناء المساجد على القبور فقط صرح عامة علماء الطوائف بالنهي عنه متابعة للأحاديث. ثم ذكر هذه الأحاديث والمحرمات المترتبة على هذا الأمر.وقال(2): اعلم أن الصلاة عند القبور مطلقاً، أو اتخاذها مساجد، أو بناء المساجد عليها قد تواترت النصوص عن النبي –صلى الله عليه وسلم- بالنهي عن ذلك، والتغليظ فيه.وقال (3) : ومن لم تكن له بصيرة يدرك بها الفساد الناشئ من الصلاة عندها واتخاذها مساجد فيكفيه أن يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، فإنه لولا أن الصلاة عندها واتخاذها مساجد مما غلبت مفسدته على مصلحته لما نهى عنه.. وليس على المؤمن ولا له أن يطالب الرسل بتبيين وجوه المصالح أو المفاسد، وإنما عليه طاعتهم.وقال الإمام عبد العزيز بن باز(4): فهذه الأحاديث الصحيحة وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم اتخاذ المساجد على القبور، ولعن من فعل ذلك، كما تدل على تحريم البناء على القبور، واتخاذ القباب عليها وتجصيصها؛ لأن ذلك من أسباب الشرك بها وعبادة سكانها من دون الله، كما وقع ذلك قديماً وحديثاً.
وليراجع ما كتبه الأئمة: ابن قدامة في المغني، والنووي في المجموع، والألباني في تحذير المساجد من اتخاذ القبور مساجد، وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين الذين اتفقت كلمتهم واتحد رأيهم على تحريم البناء على القبور واتخاذها مساجد،وتحريم الصلاة بها، فكيف يقال بعد هذا إن الصلاة في المساجد التي بها أضرحة صحيحة بإجماع أهل العلم، نعوذ بالله من الضلال والإضلال.
هنا شبهة يشبه بها عباد القبور، وهي وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده ؟
__________
(1) شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور ص 183)
(2) ص189)
(3) ص196)
(4) مجموع الفتاوى 4/338)(1/20)
والجواب عن ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم لم يدفنوه في مسجده، وإنما دفنوه في بيت عائشة رضي الله عنها، فلما وسع الوليد بن عبد الملك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في المسجد، وقد أساء في ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم، ولكنه اعتقد أن ذلك لا بأس به من أجل التوسعة. فلا يجوز لمسلم أن يحتج بذلك على بناء المساجد على القبور، أو الدفن في المساجد؛ لأن ذلك مخالف للأحاديث الصحيحة؛ ولأن ذلك أيضاً من وسائل الشرك بأصحاب القبور، والله ولي التوفيق.
س36:الاستغاثة بالأموات شرك أصغر أم أكبر ؟(1/21)
ج:الاستغاثة هي طلب الغوث برفع الشدة من نصر على عدو وتفريج كربة، أو جلب ما يضطر إليه العبد من ضرورياته، وذلك كله لا يجوز طلبه إلا من الله، فلا تجوز الاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، وأما الاستغاثة بالمخلوق الحي الحاضر فيما يقدر عليه فذلك جائز، والميت لا يقدر على شيء مما يطلب منه، فالاستغاثة به من فعل المشركين؛ لأن الاستغاثة به تتضمن طلب الحوائج منه شفاء، أو نصراً، أو رزقاً، أو ولداً، إذا كان الإنسان لا يولد له، وذلك شرك أكبر، وكذلك النذر، فالنذر يقصد منه التقرب من المنذور له، فالمسلم ينذر لله يريد التقرب إلى الله بما نذر، فإن كان طاعة وجب عليه الوفاء به، لقوله – صلى الله عليه وسلم-: "من نذر أن يطيع الله فليطعه"(1) ، إذاً فالنذر للميت تقرباً إليه كما ينذر المسلم لله فذلك شرك أكبر، وأما الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر، فالشرك الأكبر هو اتخاذ المخلوق نداً لله في العبادة، كما قال سبحانه وتعالى: [لا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ](2) « ، وقال: [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ](3) « ، وقال – صلى الله عليه وسلم- لابن مسعود – رضي الله عنه- لما سأله: » أي الذنب أعظم، قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك (4)« ، وأما الشرك الأصغر فهو ما يكون في الألفاظ كقول الرجل: ما شاء الله وشئت، وكالحلف بغير الله، ومنه ما يكون بالقلب كالرياء وكالاعتماد على الأسباب، فذلك كله من الشرك الأصغر، جنبنا الله الشرك كله صغيره وكبيره، والله أعلم.
س37:حكم النذر ؟
__________
(1) البخاري (6696
(2) البقرة: 22]
(3) البقرة: 165]
(4) البخاري (4477)، ومسلم (86)(1/22)
ج: النذر جائز، ولكنه مكروه، ولا يأتي بخير كما صح عن النبي - قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قُدِّرَ لَهُ وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إِلَى الْقَدَرِ قَدْ قُدِّرَ لَهُ فَيَسْتَخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ فَيُؤْتِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُؤْتِي عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ(1).لكن من نذر وجب عليه الوفاء إذا لم يكن نذر معصية؛ لقوله – عليه الصلاة والسلام -: " مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ(2) ، عن عائشة ويفي بالنذر بعد حصول ما نذر عليه، فلو قال: لله علي إن شُفِي هذا المريض أن أصوم ستة أشهر، وجب عليه إن شَفَى الله ذلك المريض أن يصومها.. وهكذا الصدقة، ويخرجها بنية النذر. والله أعلم.
س38:الفرق بين اليمين والنذر؟
ج:اليمين هو توكيد المحلوف عليه بذكر اسم من أسماء الله أو صفة من صفاته وما ألحِق بذلك.وأما النذر فهو: إيجاب المكلف على نفسه أمرًا غير واجب. هذا هو الفرق بينهما، والنذر له أحكام، وقد يأخذ حكم اليمين إذا قصد فيه الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، ولو كان بالصدقة على عباد الله، مثل لو قال: إن لم أسافر اليوم إلى مكة فعليّ أن أصوم شهرًا، أو أتصدق بألف ريال، فهذا حكمه حكم اليمين. والله أعلم.
س39:النذر المعلق ؟
__________
(1) الوفاء بالنذر وقوله يوفون بالنذر- الأيمان والنذور- صحيح البخاري رقم6200
(2) النذر فيما لا يملك وفي معصية - الأيمان والنذور- صحيح البخاري رقم 6206(1/23)
ج:أولاً: النذر مكروه، لأن النبي – عليه الصلاة والسلام – نهى عن النذر، وقال: » أولم ينهوا عن النذر إن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن النذر لا يقدم شيئا ولا يؤخر وإنما يستخرج بالنذر من البخيل (1)« من حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-. وذهب بعض أهل العلم إلى تحريمه، وأما إذا نذر الإنسان طاعة، فإنه يجب عليه أن يوفي بها، لحديث عائشة – رضي الله عنها – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: » مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ (2)«فيجب عليه أن يوفي بذلك، وما دام أنه نذر إذا قتل أحد من الأعداء أن يتصدق، فعليه أن يتصدق حين يعلم بقتله أي عدو من الأعداء، إلا إذا خصص ذلك بمكان أو في زمان، أما إذا لم يخصص فإنه إذا علم فإنه يجب عليه أن يتصدق، أما إذا جهل فإنه لا يجب عليه؛ لأن الأصل براءة ذمته. وأما كونه يكفر كفارة يمين فهذا ليس ظاهراً، لأن هذا نذر قربة وطاعة يجب عليه أن يوفي به، ما دام مستطيعاً.
س40:شرب الدخان ؟
ج:الدخان معصية، وهو محرم قال تعالى: [ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ] » النساء:29 « ومعلوم أن الدخان سبب لأمراض كثيرة تؤدي بالإنسان إلى الموت، وقال تعالى: "وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" [البقرة:195].وغير ذلك من الآيات والأحاديث التي تنهى عن إضاعة المال، والإضرار بالنفس وبالغير
س41:الشرك بالله ؟
__________
(1) الوفاء بالنذر وقوله يوفون بالنذر- الأيمان والنذور- صحيح البخاري رقم6198
(2) النذر فيما لا يملك وفي معصية - الأيمان والنذور- صحيح البخاري رقم 6206(1/24)
ج:وهو أعظم المحرمات على الإطلاق لحديث أبي بكرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ(1).. وكل ذنب يمكن أن يغفره الله إلا الشرك فلا بد له من توبة مخصوصة قال الله تعالى ( ((نَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ))(2) والشرك منه ما هو أكبر مخرج عن ملة الإسلام ، صاحبه مخلد في النار إن مات على ذلك .
س42:ومن مظاهر هذا الشرك المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين ؟
__________
(1) بيان الكبائر وأكبرها الإيمان صحيح مسلم رقم 126- ما قيل في شهادة الزور الشهادات - صحيح البخاري رقم 2460
(2) النساء:48](1/25)
ج: عبادة القبور واعتقاد أن الأولياء الموتى يقضون الحاجات ويفرجون الكربات والاستعانة والاستغاثة بهم والله سبحانه وتعالى يقول : [((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ))[(1)] ، وكذلك دعاء الموتى من الأنبياء والصالحين أو غيرهم للشفاعة أو للتخليص من الشدائد والله يقول : [ أمن يجيب ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ))[(2)] وبعضهم يتخذ ذكر اسم الشيخ أو الولي عادته وديدنه إن قام وإن قعد وإن عثر وكلما وقع في ورطة أو مصيبة وكربة فهذا يقول يا فلان وهذا يقول يا فلان وهذا يقول .. والله يقول : [((ِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ))[(3)] وبعض عباد القبور يطوفون بها ويستلمون أركانها ويتمسحون بها ويقبلون أعتابها ويعفرون وجوههم في تربتها ويسجدون لها إذا رأوها ويقفون أمامها خاشعين متذللين متضرعين سائلين مطالبهم وحاجاتهم من شفاء مريض أو حصول ولد أو تيسير حاجة وربما نادى صاحب القبر يا سيدي جئتك من بلد بعيد فلا تخيبني والله عز وجل يقول [ ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))[(4)] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : » من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار « رواه البخاري الفتح 8/176 ، وبعضهم يحلقون رؤوسهم عند القبور ، وعند بعضهم كتب بعناوين مثل : » مناسك حج المشاهد « ويقصدون بالمشاهد القبور وأضرحة الأولياء ، وبعضهم يعتقد أن الأولياء يتصرفون في الكون وأنهم يضرون وينفعون والله عز وجل يقول : [ ((وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِه ))[(5)] « ، وكذلك من الشرك النذر لغير
__________
(1) الإسراء:23
(2) النمل:62
(3) الأعراف:194
(4) الأحقاف:5
(5) يونس:107(1/26)
الله كما يفعل الذين ينذرون الشموع والأنوار لأصحاب القبور .
ــ ومن مظاهر الشرك الأكبر الذبح لغير الله والله يقول : [ (( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ))[(1)] « أي انحر لله وعلى اسم الله وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله من ذبح لغير الله ) (2)، وقد يجتمع في الذبيحة محرمان وهما الذبح لغير الله والذبح على غير اسم الله وكلاهما مانع للأكل منها ، ومن ذبائح الجاهلية - الشائعة في عصرنا - " ذبائح الجن " وهي أنهم كانوا إذا اشتروا دارا أو بنوها أو حفروا بئرا ذبحوا عندها أو على عتبتها ذبيحة خوفا من أذى الجن (3)
ــ ومن أمثلة الشرك الأكبر العظيمة الشائعة تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله أو اعتقاد أن أحدا يملك الحق في ذلك غير الله عز وجل ، أو التحاكم إلى المحاكم والقوانين الجاهلية عن رضا واختيار واعتقاد بجواز ذلك وقد ذكر الله عز وجل هذا الكفر الأكبر في قوله : [اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ))[(4) « ولما سمع عدي بن حاتم نبي الله صلى الله عليه وسلم يتلوها قال : فقلت : إنهم لم يكونوا يعبدونهم قال : ( أجل ولكن يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه ويحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه فتلك عبادتهم لهم )(5) ، وقد وصف الله المشركين بأنهم (((وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ ))[(6)] ، وقال الله عز وجل :(قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ )[(7)]
__________
(1) الكوثر:2
(2) رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه رقم 1978 ط. عبد الباقي
(3) انظر تيسير العزيز الحميد ط. الإفتاء ص : 158 (
(4) التوبة:31
(5) رواه البيهقي السنن الكبرى 10/116 وهو عند الترمذي برقم 3095 وحسنه الألباني في غاية المرام
(6) التوبة:29
(7) يونس:59(1/27)
س43: ومن أنواع الشرك المنتشرة السحر والكهانة والعرافة ؟
ج:أما السحر فإنه كفر ومن السبع الكبائر الموبقات وهو يضر ولا ينفع قال الله تعالى عن تعلمه [وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ )[(1)] « ، وقال [((َلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ))[(2)] « ، والذي يتعاطى السحر كافر قال الله تعالى : [َمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ))[(3)] « وحكم الساحر القتل وكسبه حرام خبيث ، والجهال والظلمة وضعفاء الإيمان يذهبون إلى السحرة لعمل سحر يعتدون به على أشخاص أو ينتقمون منهم ومن الناس من يرتكب محرما بلجوئه إلى الساحر لفك السحر والواجب اللجوء إلى الله والاستشفاء بكلامه كالمعوذات وغيرها . أما الكاهن والعراف فكلاهما كافر بالله العظيم لادعائهما معرفة الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله وكثير من هؤلاء يستغفل السذج لأخذ أموالهم ويستعملون وسائل كثيرة من التخطيط في الرمل أو ضرب الودع أو قراءة الكف والفنجان أو كرة الكريستال والمرايا وغير ذلك وإذا صدقوا مرة كذبوا تسعا وتسعين مرة ولكن المغفلين لا يتذكرون إلا المرة التي صدق فيها هؤلاء الأفاكون فيذهبون إليهم لمعرفة المستقبل والسعادة والشقاوة في زواج أو تجارة والبحث عن المفقودات ونحو ذلك وحكم الذي يذهب إليهم إن كان مصدقا بما يقولون فهو كافر خارج عن الملة والدليل قوله صلى الله عليه وسلم : » من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد « (4)أما إن كان الذي يذهب إليهم غير مصدق بأنهم يعلمون الغيب ولكنه يذهب للتجربة ونحوها فإنه لا يكفر ولكن لا تقبل
__________
(1) البقرة:102
(2) طه:69
(3) البقرة:102
(4) رواه الإمام أحمد 2/429 وهو في صحيح الجامع 5939(1/28)
له صلاة أربعين يوما والدليل قوله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً "(1)، هذا مع وجوب الصلاة والتوبة عليه .
س44:الاعتقاد في تأثير النجوم والكواكب في الحوادث وحياة الناس ؟
ج:عن زيد بن خالد الجهني قال : صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ(2) " . ومن ذلك اللجوء إلى أبراج الحظ في الجرائد والمجلات فإن اعتقد ما فيها من أثر النجوم والأفلاك فهو مشرك وإن قرأها للتسلية فهو عاص آثم لأنه لا يجوز التسلي بقراءة الشرك بالإضافة لما قد يلقي الشيطان في نفسه من الاعتقاد بها فتكون وسيلة للشرك .
__________
(1) تحريم الكهانة وإتيان الكهان - السلام - صحيح مسلم رقم 4137
(2) قول الله تعالى وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون - الجمعة - صحيح البخاري رقم 980- أنظر فتح الباري 2/333(1/29)
ــ ومن الشرك اعتقاد النفع في أشياء لم يجعلها الخالق عز وجل كذلك كما يعتقد بعضهم في التمائم والعزائم الشركية وأنواع من الخرز أو الودع أو الحلق المعدنية وغيرها بناء على إشارة الكاهن أو الساحر أو اعتقاد متوارث فيعلقونها في رقابهم أو على أولادهم لدفع العين بزعمهم أو يربطونها على أجسادهم أو يعلقونها في سياراتهم وبيوتهم أو يلبسون خواتم بأنواع من الفصوص يعتقدون فيها أمورا معينة من رفع البلاء أو دفعه وهذا لاشك ينافي التوكل على الله ولا يزيد الإنسان إلا وهنا وهو من التداوي بالحرام وهذه التمائم التي تعلق في كثير منها شرك جلي واستغاثة ببعض الجن والشياطين أو رسوم غامضة أو كتابات غير مفهومة وبعض المشعوذين يكتبون آيات من القرآن ويخلطونها بغيرها من الشرك وبعضهم يكتب آيات القرآن بالنجاسات أو بدم الحيض وتعليق كل ما تقدم أو ربطه حرام لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من علق تميمة فقد أشرك )(1) . وفاعل ذلك إن اعتقد أن هذه الأشياء تنفع أو تضر من دون الله فهو مشرك شركا أكبر ، وإن اعتقد أنها سبب للنفع أو الضرر ، والله لم يجعلها سببا ، فهو مشرك شركا أصغر وهذا يدخل في شرك الأسباب
س45: الرياء بالعبادات ؟
__________
(1) رواه أحمد 4/156 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 492(1/30)
ج:من شروط العمل الصالح أن يكون خالصا من الرياء مقيدا بالسنة والذي يقوم بعبادة ليراه الناس فهو مشرك وعمله حابط كمن صلى ليراه الناس ، قال الله تعالى : [ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا )[(1)] «، وكذلك إذا عمل العمل لينتقل خبره ويتسامع به الناس فقد وقع في الشرك وقد ورد الوعيد لمن يفعل ذلك كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا : » مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ (2)« ومن عمل عبادة قصد بها الله والناس فعمله حابط كما جاء في الحديث قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ (3)« ومن ابتدأ العمل لله ثم طرأ عليه الرياء فإن كرهه وجاهده ودافعه صح عمله وإن استروح إليه وسكنت إليه نفسه فقد نص أكثر أهل العلم على بطلانه .
س46: الطيرة ؟
ج:وهي التشاؤم قال تعالى : [((َإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ))[(4)] وكانت العرب إذا أراد أحدهم أمرا كسفر وغيره أمسك بطائر ثم أرسله فإن ذهب يمينا تفاءل ومضى في أمره وإن ذهب شمالا تشاءم ورجع عما أراد وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكم هذا العمل بقوله : » الطيرة شرك «(5) .
__________
(1) النساء:142
(2) من أشرك في عمله غير الله الزهد والرقائق صحيح مسلم رقم 5301
(3) من أشرك في عمله غير الله الزهد والرقائق صحيح مسلم رقم 5300
(4) الأعراف:131
(5) رواه الإمام أحمد 1/389 وهو في صحيح الجامع 3955(1/31)
ومما يدخل في هذا الاعتقاد المحرم المنافي للتوحيد : التشاؤم بالشهور كترك النكاح في شهر صفر ، وبالأيام كاعتقاد أن آخر أربعاء من كل شهر يوم نحس مستمر أو الأرقام كالرقم 13 أو الأسماء أو أصحاب العاهات كما إذا ذهب ليفتح دكانه فرأى أعور في الطريق فتشاءم ورجع ونحو ذلك فهذا كله حرام ومن الشرك وقد برئ النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء فعن عمران بن حصين مرفوعا : » ليس منا من تطير ولا تطير له ولا تكهن ولا تكهن له ( وأظنه قال أو سحر أو سحر له (1)« . ومن وقع في شئ من ذلك فكفارته ما جاء في حديث عبدالله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك قالوا يا رسول الله ما كفارة ذلك قال أن يقول أحدهم : » اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك " (2).
والتشاؤم من طبائع النفوس يقل ويكثر وأهم علاج له التوكل على الله عز وجل كما في قول ابن مسعود : » وما منا إلا ( أي : إلا ويقع في نفسه شئ من ذلك ) ولكن الله يذهبه بالتوكل (3)« .
س47: الحلف بغير الله تعالى؟
ج:الله سبحانه وتعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته وأما المخلوق فلا يجوز له أن يقسم بغير الله ومما يجري على ألسنة كثير من الناس الحلف بغير الله والحلف نوع من التعظيم لا يليق إلا بالله عن ابن عمر مرفوعا : » ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (4)« . وعن ابن عمر مرفوعا : » من حلف بغير الله فقد أشرك «(5). وقال النبي صلى الله عليه وسلم : » من حلف بالأمانة فليس منا " (6) .
__________
(1) رواه الطبراني في الكبير 18/162 انظر صحيح الجامع 5435
(2) رواه الإمام أحمد 2/220 السلسلة الصحيحة 1065
(3) رواه أبو داود رقم 3910 وهو في السلسلة الصحيحة 430
(4) رواه البخاري انظر الفتح 11/530
(5) رواه الإمام أحمد 2/125 انظر صحيح الجامع 6204
(6) رواه أبو داود 3253 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 94(1/32)
فلا يجوز الحلف بالكعبة ولا بالأمانة ولا بالشرف ولا بالعون ولا ببركة فلان ولا بحياة فلان ولا بجاه النبي ولا بجاه الولي ولا بالآباء والأمهات ولا برأس الأولاد كل ذلك حرام ومن وقع في شيء من هذا فكفارته أن يقول لا إله إلا الله كما جاء في الحديث الصحيح : " من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله .. «(1).وعلى منوال هذا الباب أيضا عدد من الألفاظ الشركية والمحرمة التي يتفوه بها بعض المسلمين ومن أمثلتها : أعوذ بالله وبك ـ أنا متوكل على الله وعليك ـ هذا من الله ومنك ـ مالي إلا الله وأنت ـ الله لي في السماء وأنت لي في الأرض ـ لولا الله وفلان ـ أنا بريئ من الإسلام ـ يا خيبة الدهر ( وكذا كل عبارة فيها سب الدهر مثل هذا زمان سوء وهذه ساعة نحس والزمن غدار ونحو ذلك وذلك لأن سب الدهر يرجع على الله الذي خلق الدهر ) ـ شاءت الطبيعة ـ كل الأسماء المعبدة لغير الله كعبد المسيح وعبد النبي وعبد الرسول وعبد الحسين ومن المصطلحات والعبارات الحادثة المخالفة للتوحيد كذلك : اشتراكية الإسلام ـ ديموقراطية الإسلام ـ إرادة الشعب من إرادة الله ـ الدين لله والوطن للجميع ـ باسم العروبة ـ باسم الثورة . ومن المحرمات إطلاق لفظة ملك الملوك وما في حكمها كقاضي القضاة على أحد من البشر ـ إطلاق لفظة سيد وما في معناها على المنافق والكافر » سواء كان باللغة العربية أو بغيرها « ـ استخدام حرف لو الذي يدل على التسخط والتندم والتحسر ويفتح عمل الشيطان ـ قول اللهم اغفر لي إن شئت ـ » وللتوسع انظر معجم المناهي اللفظية : بكر أبو زيد «
س48:الجلوس مع المنافقين أو الفساق استئناسا بهم أو إيناسا لهم ؟
__________
(1) رواه البخاري فتح 536/11(1/33)
ج:يعمد كثير من الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم إلى مجالسة بعض أهل الفسق والفجور بل ربما جالسوا بعض الذين يطعنون في شريعة الله ويستهزئون بدينه وأوليائه ولاشك أن هذا عمل محرم يقدح في العقيدة قال الله تعالى : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )[(1)]فلا يجوز الجلوس معهم في هذه الحالة وإن اشتدت قرابتهم أو لطف معشرهم وعذبت ألسنتهم إلا لمن أراد دعوتهم أو رد باطلهم أو الإنكار عليهم أما الرضا أو السكوت فلا ، قال الله تعالى :(َإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ )[(2)]
س49:الزنا ؟
ج:لما كان من مقاصد الشريعة حفظ العرض وحفظ النسل جاء فيها تحريم الزنا قال الله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا )[(3)] ، بل وسدت الشريعة جميع الذرائع والطرق الموصلة إليه بالأمر بالحجاب وغض البصر وتحريم الخلوة بالأجنبية وغير ذلك .
__________
(1) الأنعام:68
(2) التوبة:96
(3) الإسراء:32(1/34)
والزاني المحصن يعاقب بأشنع عقوبة وأشدها وهي رجمه بالحجارة حتى يموت ليذوق وبال أمره وليتألم كل جزء من جسده كما استمتع به في الحرام والزاني الذي لم يسبق له الوطء في نكاح صحيح يجلد بأكثر عدد في الجلد ورد في الحدود الشرعية وهو مائة جلدة مع ما يحصل له من الفضيحة بشهادة طائفة من المؤمنين لعذابه والخزي بإبعاده عن بلده وتغريبه عن مكان الجريمة عاما كاملا . وعذاب الزناة والزواني في البرزخ أنهم يكونون في تنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نار يكونون فيه عراة فإذا أوقدت عليهم النار صاحوا وارتفعوا حتى يكادوا أن يخرجوا فإذا أخمدت رجعوا فيها وهكذا يفعل بهم إلى قيام الساعة . ويزداد الأمر قبحا إذا كان الرجل مستمرا في الزنا مع تقدمه في السن وقربه من القبر وإمهال الله له فعن أبي هريرة مرفوعا : " ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ (1)«. ومن شر المكاسب مهر البغي وهو ما تأخذه مقابل الزنا ، والزانية التي تسعى بفرجها محرومة من إجابة الدعوة عندما تفتح أبواب السماء في نصف الليل (2)» ، وليست الحاجة والفقر عذرا شرعيا مطلقا لانتهاك حدود الله وقديما قالوا تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها فكيف بفرجها . وفي عصرنا فتح كل باب إلى الفاحشة وسهل الشيطان الطريق بمكره ومكر أوليائه واتبعه العصاة والفجرة ففشا التبرج والسفور وعم انفلات البصر والنظر المحرم وانتشر الاختلاط وراجت مجلات الخنا وأفلام الفحش وكثر السفر إلى بلاد الفجور وقام سوق تجارة الدعارة وكثر انتهاك الأعراض وازداد عدد أولاد الحرام وحالات قتل الأجنة فنسألك اللهم رحمتك ولطفك وسترك
__________
(1) بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق – الإيمان- صحيح مسلم رقم 156
(2) الحديث في صحيح الجامع 2971(1/35)
وعصمة من عندك تعصمنا بها من الفواحش ونسألك أن تطهر قلوبنا وتحصن فروجنا وأن تجعل بيننا وبين الحرام برزخا وحجرا محجورا .
س50:اللواط ؟
ج:كانت جريمة قوم لوط هي إتيان الذكران من الناس قال الله تعالى : [(( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ))[(1)] « ولشناعة هذه الجريمة وقبحها وخطورتها عاقب الله مرتكبيها بأربعة أنواع من العقوبات لم يجمعها على قوم غيرهم وهي أنه طمس أعينهم وجعل عاليها سافلها وأمطرهم بحجارة من سجيل منضود وأرسل عليهم الصيحة وفي هذه الشريعة صار القتل بالسيف ـ على الراجح ـ هو عقوبة الفاعل والمفعول به إذا كان عن رضا واختيار فعن ابن عباس مرفوعا : » من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به « (2) وما ظهر في زماننا من الطواعين وأنواع الأمراض التي لم تكن في أسلافنا الذين مضوا بسبب الفاحشة كمرض الإيدز القاتل يدل على شئ من حكمة الشارع في تعيين هذه العقوبة البليغة .
س51: أكل الربا ؟
__________
(1) العنكبوت:28
(2) رواه الإمام أحمد 1/300 وهو في صحيح الجامع 6565(1/36)
ج:لم يؤذن الله في كتابه بحرب أحد إلا أهل الربا قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ )[(1)] ، وهذا كاف في بيان شناعة هذه الجريمة عند الله عز وجل والناظر على مستوى الأفراد والدول يجد مدى الخراب والدمار الذي خلفه التعامل بالربا من الإفلاس والكساد والركود والعجز عن تسديد الديون وشلل الاقتصاد وارتفاع مستوى البطالة وانهيار الكثير من الشركات والمؤسسات وجعل ناتج الكدح اليومي وعرق العمل يصب في خانة تسديد الربا غير المتناهي للمرابي وإيجاد الطبقية في المجتمع من جعل الأموال الطائلة تتركز في أيدي قلة من الناس ولعل هذا شيء من صور الحرب التي توعد الله بها المتعاملين بالربا . وكل من يشارك في الربا من الأطراف الأساسية والوسطاء والمعينين المساعدين ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ» هُمْ سَوَاءٌ (2)« وقال : هم سواء. وبناء عليه لا يجوز العمل في كتابة الربا ولا في تقييده وضبطه ولا في استلامه وتسليمه ولا في إيداعه ولا في حراسته وعلى وجه العموم تحرم المشاركة فيه والإعانة عليه بأي وجه من الوجوه . ولقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تبيان قبح هذه الكبيرة فيما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا : » الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم «(3). وبقوله فيما جاء عن عبد الله بن حنظلة رضي الله عنهما مرفوعا : » درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية« " (4)
__________
(1) البقرة:278
(2) لعن آكل الربا ومؤكله - المساقاة - صحيح مسلم رقم 2995
(3) رواه الحاكم في المستدرك /37 وهو في صحيح الجامع 3533
(4) رواه الإمام أحمد 5/225 انظر صحيح الجامع 3375(1/37)
. وتحريم الربا عام لم يخص بما كان بين غني وفقير كما يظنه بعض الناس بل هو عام في كل حال وشخص وكم من الأغنياء وكبار التجار قد أفلسوا بسببه والواقع يشهد بذلك وأقل ما فيه محق بركة المال وإن كان كثيرا في العدد قال النبي صلى الله عليه وسلم : » الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل « (1)ومعنى قل أي نقصان المال . وليس الربا كذلك مخصوصا بما إذا كانت نسبته مرتفعة أو متدنية قليلة أم كثيرة فكله حرام صاحبه يبعث من قبره يوم القيامة يقوم كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس والصرع .ومع فحش هذه الجريمة إلا أن الله أخبر عن التوبة منها وبين كيفية ذلك فقال تعالى لأهل الربا : [وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ )[(2)] وهذا عين العدل . ويجب أن تنفر نفس المؤمن من هذه الكبيرة وأن تستشعر قبحها وحتى الذين يضعون أموالهم في البنوك الربوية اضطرارا وخوفا عليها من الضياع أو السرقة ينبغي عليهم أن يشعروا بشعور المضطر وأنهم كمن يأكل الميتة أو أشد مع استغفار الله تعالى والسعي لإيجاد البديل ما أمكن ولا يجوز لهم مطالبة البنوك بالربا بل إذا وضع لهم في حساباتهم تخلصوا منه في أي باب جائز تخلصا لا صدقة فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ولا يجوز لهم الاستفادة منه بأي نوع من الاستفادة لا بأكل ولا شرب ولا لبس ولا مركب ولامسكن ولا نفقة واجبة لزوجة أو ولد أو أب أو أم ولا في إخراج الزكاة ولا في تسديد الضرائب ولا يدفع بها ظلما عن نفسه وإنما يتخلص منها خوفا من بطش الله تعالى .
س52:السرقة ؟
__________
(1) رواه الحاكم 2/37 وهو في صحيح الجامع 3542
(2) البقرة:279(1/38)
ج:قال تعالى : [ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )[(1)] ومن أعظم جرائم السرقة سرقة حجاج وعمار بيت الله العتيق وهذا النوع من اللصوص لا يقيم وزنا لحدود الله في أفضل بقاع الأرض وحول بيت الله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة صلاة الكسوف : (لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ.. )(2) . ومن أعظم السرقات السرقة من الأموال العامة وبعض الذين يفعلونها يقولون نسرق كما يسرق غيرنا وما علموا أن تلك سرقة من جميع المسلمين لأن الأموال العامة ملك لجميع المسلمين وفعل الذين لا يخافون الله ليس بحجة تبرر تقليدهم وبعض الناس يسرق من أموال الكفار بحجة أنهم كفار وهذا غير صحيح فإن الكفار الذين يجوز سلب أموالهم هم المحاربون للمسلمين وليس جميع شركات الكفار وأفرادهم يدخلون في ذلك ومن وسائل السرقة مد الأيدي إلى جيوب الآخرين خلسة وبعضهم يدخل بيوت الآخرين زائرا ويسرق وبعضهم يسرق من حقائب ضيوفه وبعضهم يدخل المحلات التجارية ويخفي في جيوبه وثيابه سلعا أو ما تفعله بعض النساء من إخفائها تحت ثيابها وبعض الناس يستسهل سرقة الأشياء القليلة أو الرخيصة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : » قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ (3)
__________
(1) المائدة:38
(2) ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف- الكسوف- صحيح مسلم رقم 1508
(3) قول الله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وفي -الحدود - صحيح البخاري رقم 6301(1/39)
«. ويجب على كل من سرق شيئا أن يعيده إلى صاحبه بعد أن يتوب إلى الله عز وجل سواء أعاده علانية أو سرا شخصيا أو بواسطة فإن عجز عن الوصول إلى صاحب المال أو إلى ورثته من بعده مع الاجتهاد في البحث فإنه يتصدق به وينوي ثوابه لصاحبه .
س53:أخذ الرشوة وإعطاؤها ؟
ج:إعطاء الرشوة للقاضي أو الحاكم بين الناس لإبطال حق أو تمشية باطل جريمة لأنها تؤدي إلى الجور في الحكم وظلم صاحب الحق وتفشي الفساد قال الله تعالى : ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )[(1)] وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : " لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم "(2).أما ما وقع للتوصل لحق أو دفع ظلم لا يمكن إلا عن طريق الرشوة فلا يدخل في الوعيد . وقد تفشت الرشوة في عصرنا تفشيا واسعاحتى صارت موردا أعظم من المرتبات عند بعض الموظفين بل صارت بندا في ميزانيات كثير من الشركات بعناوين مغلفة وصارت كثير من المعاملات لا تبدأ ولا تنتهي إلا بها وتضرر من ذلك الفقراء تضررا عظيما وفسدت كثير من الذمم بسببها وصارت سببا لإفساد العمال على أصحاب العمل والخدمة الجيدة لا تقدم إلا لمن يدفع ومن لا يدفع فالخدمة له رديئة أو يؤخر ويهمل وأصحاب الرشاوي الذين جاءوا من بعده قد انتهوا قبله بزمن وبسبب الرشوة دخلت أموال هي من حق أصحاب العمل في جيوب مندوبي المبيعات والمشتريات ولهذا وغيره فلا عجب أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم على الشركاء في هذه الجريمة والأطراف فيها أن يطردهم الله من رحمته فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعنة الله على الراشي والمرتشي " (3).
س54: أكل الحرام ؟
__________
(1) البقرة:188
(2) رواه الإمام أحمد 2/387 وهو في صحيح الجامع 5069
(3) رواه ابن ماجة 2313 وهو في صحيح الجامع 5114(1/40)
ج:من لا يخاف الله لا يبالي من أين اكتسب المال وفيم أنفقه بل يكون همه زيادة رصيده ولو كان سحتا وحراما من سرقة أو رشوة أو غصب أو تزوير أو بيع محرم أو مراباة أو أكل مال يتيم أو أجرة على عمل محرم ككهانة وفاحشة وغناء أو اعتداء على بيت مال المسلمين والممتلكات العامة أو أخذ مال الغير بالإحراج أو سؤال بغير حاجة ونحو ذلك ثم هو يأكل منه ويلبس ويركب ويبني بيتا أو يستأجره ويؤثثه ويدخل الحرام بطنه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : » كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به ... «(1). وسيسأل يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وهنالك الهلاك والخسار فعلى من بقي لديه مال حرام أن يسارع بالتخلص منه وإن كان حقا لآدمي فليسارع بإرجاعه إليه مع طلب السماح قبل أن يأتي يوم لا يتقاضى فيه بالدينار ولا بالدرهم ولكن بالحسنات والسيئات.
س55: شرب الخمر ولو قطرة واحدة ؟
ج:قال الله تعالى : [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[(2)] ، والأمر بالاجتناب هو من أقوى الدلائل على التحريم وقد قرن الخمر بالأنصاب وهي آلهة الكفار وأصنامهم فلم تبق حجة لمن يقول إنه لم يقل هو حرام وإنما قال فاجتنبوه !!
__________
(1) رواه الطبراني في الكبير 19/136 وهو في صحيح الجامع 4495
(2) المائدة:90(1/41)
وقد جاء الوعيد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم لمن شرب الخمر عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ وَجَيْشَانُ مِنْ الْيَمَنِ فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنْ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ قَالَ نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ قَالَ عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ (1)". وعن ابن عباس مرفوعا : " من مات مدمن خمر لقي الله وهو كعابد وثن " (2). وقد تنوعت أنواع الخمور والمسكرات في عصرنا تنوعا بالغا وتعددت أسماؤها عربية وأعجمية فأطلقوا عليها البيرة والجعة والكحول والعرق والفودكا والشمبانيا وغير ذلك وظهر في هذه الأمة الصنف الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بقوله : » ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها «(3). فهم يطلقون عليها مشروبات روحية بدلا من الخمر تمويها وخداعا ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ )[(4)] ». وقد جاءت الشريعة بالضابط العظيم الذي يحسم الأمر ويقطع دابر فتنة التلاعب وهو ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم : » أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ (5)
__________
(1) بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام – الأشربة- صحيح مسلم رقم 3732
(2) رواه الطبراني 12/45 وهو في صحيح الجامع 6525
(3) رواه الإمام أحمد 5/342 وهو في صحيح الجامع 5453
(4) البقرة:9
(5) بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام الأشربة صحيح مسلم رقم3734(1/42)
«. فكل ما خالط العقل وأسكره فهو حرام قليله وكثيره » حديث « » ما أسكر كثيره فقليله حرام « (1)ومهما تعددت الأسماء واختلفت فالمسمى واحد والحكم معلوم . وأخيرا فهذه موعظة من النبي صلى الله عليه وسلم لشراب الخمور ، قال عليه الصلاة والسلام : » من شرب الخمر وسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا وإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه وإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه وإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه وإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة قالوا يا رسول الله وما ردغة الخبال قال : عصارة أهل النار . (2).
س56:شهادة الزور ؟
__________
(1) قد رواه أبو داود رقم 3681 وهو في صحيح أبي داود رقم 3128 «
(2) رواه ابن ماجة رقم 3377 وهو في صحيح الجامع 6313(1/43)
ج:قال الله تعالى : (َاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ )[(1)] ، وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنهما عن أبيه قال : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ "(2) . وتكرار التحذير من شهادة الزور هنا لتساهل الناس بها وكثرة الدواعي إليها من العداوة والحسد ولما يترتب عليها من المفاسد الكثيرة فكم ضاع من الحقوق بشهادة الزور وكم وقع من ظلم على أبرياء بسببها أو حصل أناس على مالا يستحقون أو أعطوا نسبا ليس بنسبهم بناء عليها . ومن التساهل فيها ما يفعله بعض الناس في المحاكم من قوله لشخص يقابله هناك اشهد لي وأشهد لك فيشهد له في أمر يحتاج إلى علم بالحقيقة والحال كأن يشهد له بملكية أرض أو بيت أو تزكية وهو لم يقابله إلا على باب المحكمة أو في الدهليز وهذا كذب وزور فينبغي أن تكون الشهادة كما ورد في كتاب الله : [وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ ))[(3)]
س57: الغيبة ؟
__________
(1) الحج:30
(2) ما قيل في شهادة الزور الشهادات صحيح البخاري رقم 2460
(3) يوسف:81(1/44)
صارت فاكهة كثير من المجالس غيبة المسلمين والولوغ في أعراضهم وهو أمر قد نهى الله عنه ونفر عباده منه ومثله بصورة كريهة تتقزز منها النفوس فقال عز وجل : [((وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ و ))[(1)] وقد بين معناها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : » أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ (2)« فالغيبة ذكرك للمسلم بما فيه مما يكرهه سواء كان في بدنه أو دينه أو دنياه أو نفسه أو أخلاقه أو خلقته ولها صور متعددة منها أن يذكر عيوبه أو يحاكي تصرفا له على سبيل التهكم والناس يتساهلون في أمر الغيبة مع شناعتها وقبحها عند الله ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : » الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه « (3)ويجب على من كان حاضرا في المجلس أن ينهى عن المنكر ويدافع عن أخيه المغتاب وقد رغب في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : » من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة « (4)
س58:النميمة ؟
__________
(1) الحجرات:12
(2) تحريم الغيبة البر والصلة والآداب صحيح مسلم رقم 4690
(3) السلسلة الصحيحة 1871
(4) رواه أحمد 6/450 وهو في صحيح الجامع 6238(1/45)
ج:لا يزال نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض للإفساد بينهم من أعظم أسباب قطع الروابط وإيقاد نيران الحقد والعداوة بين الناس وقد ذم الله تعالى صاحب هذا الفعل فقال عز وجل :(( وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ))[(1)] وعن حذيفة مرفوعا : » لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ (2)« .وقيل القتات الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون ثم ينم . وعن عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ... (3)« . ومن الصور السيئة لهذا العمل تخبيب الزوج على زوجته والعكس وهو السعي في إفساد العلاقة بينهما وكذلك قيام بعض الموظفين في نقل كلام الآخرين للمدير أو المسؤول في نوع من الوشاية للإيقاع وإلحاق الضرر وهذا كله من المحرمات .
س59: الإسبال في الثياب ؟
__________
(1) القلم:10
(2) ما يكره من النميمة – الأدب- صحيح البخاري رقم 5596 انظر الفتح 10/472 وفي النهاية لابن الأثير 4/11
(3) النميمة من الكبائر – الأدب- صحيح البخاري رقم 5595 انظر فتح الباري 1/317(1/46)
ج:مما يحسبه الناس هينا وهو عند الله عظيم الإسبال وهو إطالة اللباس أسفل من الكعبين وبعضهم يمس لباسه الأرض وبعضهم يسحبه خلفه عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعا : » عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِرَارًا قَالَ أَبُو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ(1): المسبل ( وفي رواية : إزاره والمنفق سلعته بالحلف الكاذب )(2) والمنان ( وفي رواية : لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ) (3)والذي يقول إن إسبالي لثوبي ليس كبرا فهو يزكي نفسه تزكية غير مقبولة والوعيد للمسبل عام سواء قصد الكبر أم لم يقصده كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : » ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار (4)« . فإذا أسبل خيلاء صارت عقوبته أشد وأعظم وهي ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (5)« ، وذلك لأنه جمع بين محرمين والإسبال محرم في كل لباس كما يدل عليه حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا : » الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر منها شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة
__________
(1) بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق الإيمان صحيح مسلم رقم 154
(2) المنان بما أعطى الزكاة سنن النسائي رقم 2516
(3) بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق - الإيمان -صحيح مسلم رقم 155
(4) رواه الإمام أحمد 6/254 وهو في صحيح الجامع 5571
(5) قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا المناقب صحيح البخاري رقم 3392(1/47)
«(1). والمرأة يسمح لها أن ترخي شبرا أو شبرين لستر قدميها احتياطا لما يخشى من الانكشاف بسبب ريح ونحوها ولكن لا يجوز لها مجاوزة الحد كما في بعض ثياب العرائس التي تمتد أشبارا وأمتارا وربما حمل وراءها .
س60:الجلوس على القبر والوطء عليه وقضاء الحاجة في المقابر ؟
ج: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ «(2). أما الوطء على القبور فطائفة من الناس يفعلونه فتراهم عندما يدفنون ميتهم لا يبالون بالوطء ( وبأحذيتهم أحيانا ) على القبور المجاورة دون احترام لبقية الموتى وفي عظم هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم »لأن أمشي على جمرة أو سيف أو أخصف نعلي برجلي أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم ... « (3). فكيف بمن يستولي على أرض مقبرة ويقيم عليها مشروعا تجاريا أو سكنيا . أما التغوط في المقابر وقضاء الحاجة فيها فيفعله بعض من لا خلاق له إذا حضره قضاء الحاجة تسور مقبرة أو دخل فيها فآذى الموتى بنتنه ونجاسته ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم » وما أبالي أوسط القبر قضيت حاجتي أو وسط السوق « » التخريج السابق «. أي أن قبح قضاء الحاجة في المقبرة كقبح كشف العورة وقضاء الحاجة أمام الناس في السوق ، والذين يتعمدون إلقاء القاذورات والزبالة في المقابر ( خصوصا المهجورة والتي تهدمت أسوارها ) لهم نصيب من ذلك الوعيد . ومن الآداب المطلوبة عند زيارة المقابر خلع النعال عند إرادة المشي بين القبور .
س61:ذبيحة الكتابي ؟
__________
(1) رواه أبو داود 4/353 وهو في صحيح الجامع 2770
(2) النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه - الجنائز صحيح مسلم رقم 1612
(3) رواه ابن ماجة 1/499 وهو في صحيح الجامع 5038(1/48)
ج:أما الكتابي فقد قال الإمام مالك: لا تشترط في حقه التسمية؛ لأن اللَّه تعالى أباح ذبائح أهل الكتاب وهو يعلم أن منهم من يترك التسمية.واشترطها الجمهور في الكتابي: قال تعالى: [((لْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ))(1)طعام الذين أوتوا الكتاب: المراد به ذبائحهم عند الجمهور، وهو الراجح، لا الخبز والفاكهة والمطعومات، فهي مباحة للمؤمنين قبل أن تكون لأهل الكتاب، وبعد أن تكون لهم، فلا وجه لتخصيصها بأهل الكتاب.«أهل الكتاب»: المقصود بهم في باب الذبائح اليهودي والنصراني ذميًا كان كل منهما أو حربيًا، ذكرًا أو أنثى، حرًا أو رقيقًا، لا المجوس.(2)وخص هذا الحكم بأهل الكتاب لان المجوس لا يحل أكل ذبائحهم ولا التزوج بنسائهم، وكذلك فإن الوثنيين لا يحل أكل ذبائحهم ولا التزوج بنسائهم لقوله تعالى: [ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ] ، أما أهل الكتاب، فلهم حكم خاص من حيث الذبائح والنكاح. ولذلك فإن أطعمتهم التي فيها نجاسة كالخمر والخنزير يجب اجتنابها، فقد ذهب ابن عباس وغيره إلى أن الطعام الذي أحل لنا ذبائحهم.فعلى هذا تحل ذبيحة أهل الكتاب لأنه كتابي قد ذبح لدينه، وكانت هذه ذبائحهم قبل نزول القرآن وأحلها اللَّه في كتابه.وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (3/302) برقم (715):أهل الكتاب هم اليهود والنصارى مع شركهم، وقد كان هذا الشرك موجودًا فيهم وقت نزول القرآن على نبينا صلى الله عليه وسلم .فقد أخبر سبحانه عن تأليه النصارى المسيح عليه السلام وجعلهم إياه إلهًا مع اللَّه يعبدونه معه، فقال تعالى: [َقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ] » «(3) كما أخبر عن اليهود أنهم قالوا عزير ابن اللَّه، وأخبر سبحانه عن أهل الكتاب جميعًا أنهم اتخذوا أحبارهم
__________
(1) » المائدة: 5«
(2) البدائع 5/45
(3) المائدة: 17(1/49)
ورهبانهم أربابًا من دون اللَّه: [وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ...] (1)« .وقال تعالى: [ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ] (2)» « وأخبرنا سبحانه عن قولهم بالتثليث ونهاهم عنه. [ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا] »(3) « ، إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على شركهم وكفرهم وقت نزول الوحي، وقد سماهم أهل كتاب في غير موضع من القرآن. اهـ.وفي الفتوى)(4) أباح اللَّه للمسلمين أن يأكلوا من طعام الذين أوتوا الكتاب وهو ذبائحهم بقوله تعالى: [ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ] (5)« ، مع أن اللَّه تعالى أخبر عن اليهود والنصارى في نفس السورة بأنهم كفار، قال تعالى: [َقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ] [(6)].وجاء في فتاوى سماحة الشيخ ابن باز رحمه اللَّه في «مجموع فتاوى ومقالات متنوعة»(7): يجوز أكل ذبائحهم ما لم يعلم أنها ذبحت بغير الوجه الشرعي؛
__________
(1) التوبة: 30، 31
(2) آل عمران: 64
(3) النساء: 171
(4) لجنة الإفتاء السعودية رقم (6991 ص299
(5) » المائدة: 5
(6) المائدة: 17
(7) 5/396)(1/50)
لأن الأصل حِلّها كذبيحة المسلم. اهـ.ومذهب الجمهور على أن حل ذبائح أهل الكتاب في آية المائدة، مشروط بالإهلال عليها باسم اللَّه وحده. فإذا أهلَّ باسمه تعالى وحده، حلت ذبيحته كالمسلم سواء، وإذا أهل بغيره تعالى حرمت كالمسلم سواء، وإذا لم يعلم هل سمى اللَّه وحده أو سمى اللَّه مع غيره، أو سمى غير اللَّه فقط، فقد حلت ذبيحته. إذا ذبح اليهودي أو النصراني وذكر غير اللَّه تعالى وأنت تسمع فلا تأكل، فإذا غاب عنك فكل، فقد أحل اللَّه ذلك لك، روى البخاري(1) عن الزهري، لا بأس بذبيحة نصارى العرب، ومن إن سمعته يُسمى لغير اللَّه فلا تأكل، فإن لم تسمعه فقد أحله اللَّه وعلم كفرهم. (2)، وعن النخعي: إذا توارى عنك فكل، وعن حماد: كُلْ ما لم تسمعه أهلَّ به لغير اللَّه.
__________
(1) باب ذبيحة الأعراب ونحوهم رقم 5188
(2) الفتح 9/552](1/51)
وجاء في البدائع(1): وتؤكل ذبيحة الكتابي لقوله تعالى: [وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ] ، والمراد ذبائحهم، وإنما تؤكل ذبيحته إذا لم يشهد ذبحه، ولم يسمع منه شيئًا، أو سمع وشهد تسمية اللَّه تعالى وحده، لأنه إذا لم يسمع منه شيء يُحمل، على أنه سمى اللَّه تعالى، وجرّد التسمية تحسينًا للظن به كما بالمسلم، فأما إذا سمع منه أنه سمى المسيح وحده أو مع اللَّه، فإنه لا تؤكل ذبيحته لقوله تعالى: [وما أهل به لغير الله ]. اهـ. ملخصًا.وفي المغني لابن قدامة(2): فإن لم يعلم أسمى الذابح أم لا، أو ذكر اسم غير اللَّه أم لا، فذبيحته حلال، لأن اللَّه تعالى أباح لنا أكل ذبيحة المسلم والكتابي، وقد علم أننا لا نقف على كل ذابح. اهـ.وفي المحلى لابن حزم(3): وكل ما غاب عنا مما ذكاه مسلم فاسق، أو جاهل، أو كتابي فحلال أكله، لما أخرجه البخاري عن عائشة: أن قومًا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم اللَّه عليه أم لا ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «سموا اللَّه أنتم وكلوا». قالت عائشة: وكانوا حديثي عهد بكفر». حيث أباح لهم أكله بدون اهتمام بالسؤال عنه، وجملة القول في ذبيحة الكتابي: أنها تحل عند الجمهور إذا لم يُسمع وهو يهل بها لغير اللَّه، بخلاف ما إذا سمع فإنها تحرم، فما يذبحه إذا لم يعلم أنه ذكر اسم اللَّه عليه، أو لم يذكره حلال باتفاق، والله أعلم.
س62:حكم أكل ذبيحة من لا يعرف هل يصلي أم لا ؟
__________
(1) 5/46)
(2) 8/497)
(3) 9/457، 458)(1/52)
ج:إذا كنت بين مسلمين وفي بيت أخيك المسلم الذي لا تظن به إلا الخير فكل مما قدم إليك، ولا تشك في أخيك، ولا تحكم بسوء الظن، أما إذا كنت في مجتمع لا يصلي فاحذر، أو في مجتمع كافر فلا تأكل في بيوتهم، كل من الفاكهة والتمر ونحو ذلك مما لا تعلق له بالذبيحة. أما إذا كنت بين مسلمين أو في قرية مسلمة أو في جو مسلم فعليك بحسن الظن، ودع عنك سوء الظن، والله المستعان. )(1)
س63: ما حكم أكل اللحوم التي تباع في أسواق الدول غير الإسلامية وهل هي حلال أم حرام ؟
__________
(1) فتاوى نور علي الدرب ابن باز(1/53)
ج: قد أجمع علماء الإسلام على تحريم ذبائح المشركين من عباد الأوثان ومنكري الأديان ونحوهم من جميع أصناف الكفار غير اليهود والنصارى والمجوس، وأجمعوا على إباحة ذبيحة أهل الكتاب من اليهود والنصارى واختلفوا في ذبيحة المجوس عباد النار. فذهب الأئمة الأربعة والأكثرون إلى تحريمها إلحاقا للمجوس بعباد الأوثان وسائر صنوف الكفار من غير أهل الكتاب. وذهب بعض أهل العلم إلى حل ذبيحتهم إلحاقا لهم بأهل الكتاب وهذا قول ضعيف جداً بال باطل والصواب ما عليه جمهور أهل العلم من تحريم ذبيحة المجوس كذبيحة سائر المشركين لأنهم من جنسهم فيما عدا الجزية، وإنما شابه المجوس أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم فقط، والحجة في ذلك قوله الله سبحانه في كتابه الكريم (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ )[(1)] فصرح سبحانه بأن طعام أهل الكتاب حل لنا، وطعامهم ذبائحهم كما قاله ابن عباس وغيره من أهل العلم. ومفهوم الآية أن طعام غير أهل الكتاب من الكفار حرام علينا. وبذلك قال أهل العلم قاطبة إلا ما عرفت من الخلاف الشاذ الضعيف في ذبيحة المجوس. إذا علم هذا فاللحوم التي تباع في أسواق الدول غير الإسلامية إن علم أنها من ذبائح أهل الكتاب فهي حل للمسلمين إذا لم يعلم أنها ذبحت على غير الوجه الشرعي إذ الأصل حلها بالنص القرآني فلا يعدل عن ذلك إلا بأمر متحقق يقتضي تحريمها، أما إن كانت اللحوم من ذبائح بقية الكفار فهي حرام على المسلمين ولا يجوز لهم أكلها بالنص والإجماع، ولا تكفي التسمية عليها عند غسلها ولا عند أكلها، أما ما قد يتعلق به من قال ذلك فهو وارد في شأن أناس من المسلمين كانوا حديثي عهد بالكفر، فسأل بعض الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك : » عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قَوْمًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ
__________
(1) المائدة:5(1/54)
إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ «(1) وبذلك يصلح أنه لا شبهة لمن استباح اللحوم التي تجلب في الأسواق من ذبح الكفار غير أهل الكتاب بالتسمية عليها، لأن حديث عائشة المذكور وارد في المسلمين لا في الكفار فزالت الشبهة لأن أمر المسلم يحمل على السداد والاستقامة ما لم يعلم منه خلاف ذلك، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أمر هؤلاء الذين سألوه بالتسمية عند الأكل من باب الحيطة وقصد إبطال وساوس الشيطان لا لأن ذلك يبيح ما كان محرما من ذبائحهم. والله سبحانه وتعالى أعلم.وأما كون المسلم في تلك الدول غير الإسلامية يشق عليه تحصيل اللحم المذبوح على الوجه الشرعي ويمل من أكل لحم الدجاج ونحوه، فهذا ونحوه لا يسوغ له أكل اللحوم المحرمة ولا يجعله في حكم المضطر بإجماع المسلمين، فينبغي التنبيه لهذا الأمر والحذر من التساهل الذي لا وجه له. هذا ما ظهر لي في هذه المسألة التي عمت بها البلوى وأسال الله أن يوفق المسلمين لما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأن يعمر قلوبهم بخشية وتعظيم حرماته والحذر مما يخالف شرعه. وختاما هذا ما تيسر جمعه من المحرمات المنتشرة« نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى أن يقسم لنا من خشيته ما يحول بيننا وبين معاصيه ومن طاعته ما يبلغنا به جنته وأن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وأن يغنينا بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه وأن يتقبل توبتنا ويغسل حوبتنا إنه سميع مجيب وصلى وسلم على النبي الأمي محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
س64:حول قبر سيدنا الحسين أين مكانه ؟ وهل يستفيد المسلمون من معرفة مكانه بالتحديد ؟.
__________
(1) من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات- البيوع- صحيح البخاري رقك1916(1/55)
ج: بالواقع قد اختلف الناس في ذلك ، فقيل : إنه دفن في الشام ، وقيل : في العراق ، والله أعلم بالواقع . أما رأسه فاختلف فيه ؛ فقيل : في الشام ، وقيل في العراق ، وقيل : في مصر ، والصواب أن الذي في مصر ليس قبرا له ، بل هو غلط وليس به رأس الحسين ، وقد ألف في ذلك بعض أهل العلم ، وبينوا أنه لا أصل لوجود رأسه في مصر ولا وجه لذلك ، وإنما الأغلب أنه في الشام ؛ لأنه نقل إلى يزيد ابن معاوية وهو في الشام ، فلا وجه للقول بأنه نقل إلى مصر ، فهو إما حفظ في الشام في مخازن الشام ، وإما أعيد إلى جسده في العراق . وبكل حال فليس للناس حاجة في أن يعرفوا أين دفن وأين كان ، وإنما المشروع الدعاء له بالمغفرة والرحمة ، غفر الله له ورضي عنه ، فقد قتل مظلوما فيدعى له بالمغفرة والرحمة ، ويرجى له خير كثير ، وهو وأخوه الحسن سيدا شباب أهل الجنة ، كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، رضي الله عنهما وأرضاهما ، ولا تجوز الصلاة عند القبور ولا اتخاذها مساجد ؛ ولأن ذلك وسيلة للشرك وأن يعبدوا من دون الله بدعائهم والاستغاثة بهم والنذر لهم والتمسح بقبورهم طلبا لبركتهم ، فلهذا حذر النبي عليه الصلاة والسلام من ذلك ، وإنما تزار القبور زيارة شرعية فقط ، للسلام عليهم والدعاء لهم والترحم عليهم من دون شد رحل لذلك . والله هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
س65: يوجد في قريتنا مسجد وأمامه قبور ، وبينهما جدار ، ولكن يوجد منافذ في هذا الجدار تطل على القبور ، والقبور في قبلة المسجد ، فهل تجوز الصلاة في هذا المسجد ؟ حيث أن هناك من يقول بأنها تجوز ، والبعض الآخر يقول لا تجوز ، نرجو القول الفصل في هذا الموضوع الهام ؟ .(1/56)
ج: لا يجوز أن يصلى في هذا المسجد المجاور للقبر ، سيما إذا كان القبر في قبلة المصلين ، وبينهم وبينه جدار فيه نوافذ تطل على القبر ، ولو لم يخطر ببالهم تعظيم القبر ، فقد ورد النهي عن الصلاة في المقبرة ، ورأى عمر رجلاً يصلي عند قبر فنهاه ، وقال القبر القبر رواه البيهقي (2/435) وعلقه البخاري في صحيحه (1/523 فتح ) ووصله عبد الرزاق ( 1/404 رقم 1581 ) .
فعلى هذا يلزم نقل المسجد إلى موضع آخر ، أو التسوير على القبر بسور خاص حاجز بينه وبين جدار المسجد ، والله أعلم(1) .
س66: سؤال:عندنا إمام صوفي ، فهل تصح الصلاة خلفه ؟.
الجواب:الحمد لله ما يختص به الصوفية من الأعمال أو الأقوال أو الاعتقادات ، وليس له أصل في كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، منه ما هو بدع مكفرة ، ومنه ما هو بدع غير مكفِّرة ، فإن كان الإمام من أصحاب البدع الكفرية : فلا يصلَّى وراءه ولا كرامة ، وإن كان من أهل البدع غير المكفرة : فيجوز الصلاة وراءه ، وغيره من أهل السنَّة أولى ولا شك .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
إذا حضرت بقرية وكان إمامها من الصوفية ، ولا يقبض يده في الصلاة ، ولا يدلي بركبتيه قبل يديه إلى السجود ، فهل تجوز صلاتي معه ؟ .
فأجاب : إذا كان معروفاً بالتوحيد ليس مشركاً ، وإنما عنده شيء من الجهل أو التصوف ، ولكنه موحد مسلم يعبد الله وحده ، ولا يعبد المشايخ ، ولا غيرهم من المخلوقات كالشيخ عبد القادر وغيره : فمجرد كونه لا يضم يديه في الصلاة : لا يمنع من الصلاة خلفه ؛ لأن هذا أمر مسنون ، وليس بواجب ، وهو جعل كفه اليمنى على كفه اليسرى ورسغه وساعده على صدره حال القيام في الصلاة ، فمن أرسلها فلا حرج عليه وصلاته صحيحة ، (2)... .
__________
(1) من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 24 .
(2) " فتاوى الشيخ ابن باز " ( 12 / 120 ، 121 ) .(1/57)
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – أيضاً - : ما حكم الصلاة خلف من يذهب إلى قبور الصالحين للتبرك بها وتلاوة القرآن في الموالد وغيرها بأجر على ذلك ؟ .
فأجاب : هذا فيه تفصيل : إن كان مجرد الاحتفال بالموالد من دون شرك : فهذا مبتدع ، فينبغي أن لا يكون إماماً ؛ لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) (1)والاحتفال بالموالد من البدع ، أما إذا كان يدعو الأموات ويستغيث بهم ، أو بالجن ، أو غيرهم من المخلوقات فيقول : " يا رسول الله انصرني " ، أو " اشف مريضي " ، أو يقول : " يا سيدي الحسين " ، أو " يا سيدي البدوي " ، أو غيرهم من الأموات ، أو الجمادات كالأصنام ، المدد المدد : فهذا مشرك شركا أكبر ، لا يصلى خلفه ، ولا تصح إمامته - نسأل الله العافية - .
أما إذا كان يرتكب بدعة كأن يحضر المولد ولكن لا يأتي بالشرك ، أو يقرأ القرآن عند القبور ، أو يصلي عندها ، ولا يأتي بشرك : فهذا يكون قد ابتدع في الدين ، فيعلَّم ، ويوجَّه إلى الخير وصلاته صحيحة إذا لم يفعلها عند القبور ، أما الصلاة في المقبرة : فلا تصح ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) متفق عليه .(2)
المراجع.....
كتب التوحيد وفتاوي اللجنة الدائمة .
تخريج الأحاديث من موقع الاسلام – السعودية وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
__________
(1) رواه أبو داود ( 3991 )
(2) " فتاوى الشيخ ابن باز " ( 9 / 373 ، 374 ) و ( 12 / 108 ، 109 ) .(1/58)