الكتاب : إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة
المؤلف : حمود بن عبد الله التويجري (المتوفى : 1413هـ)
مصدر الكتاب : موقع رسالة الإسلام http://www.resaltalislam.org
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع](/)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي امتن على عباده المؤمنين ببعثة الرسول الصادق الأمين، فأخرجهم به من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم واليقين، وأخبرهم على لسانه بما كان وما يكون إلى يوم الدين، وأخبرهم عن الدار الآخرة بأكمل إيضاح وأعظم تبيين، فمن آمن به وبما جاء به؛ فهو من المفلحين، ومن كان في ريب مما صح عنه؛ فهو من الخاسرين.
أحمده سبحانه حمد أوليائه المتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ترك أمته على المنهج الواضح المستبين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فقد طلب مني بعض الإخوان أن أجمع الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن والملاحم وأشراط الساعة وغير ذلك من الأمور التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها ستكون بعده إلى قيام الساعة، فأجبتهم إلى سؤالهم؛ رجاء عموم النفع بذلك.
والله المسؤول أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وزلفى لديه في جنات النعيم.(1/5)
فصل
وكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بوقوعه؛ فالإيمان به واجب على كل مسلم، وذلك من تحقيق الشهادة بأنه رسول الله.
وقد قال تعالى: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } .
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "كلما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إسناد جيد؛ أقررنا به، وإذا لم نقر بما جاء به الرسول ودفعناه ورددناه؛ رددنا على الله أمره؛ قال الله تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } .
وقال الموفق أبو محمد المقدسي في كتابه "لمعة الاعتقاد": "ويجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح به النقل عنه فيما شهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه؛ مثل: حديث الإسراء والمعراج، ومن ذلك أشراط الساعة؛ مثل: خروج الدجال ، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل ". انتهى.
وروى الطبراني عن عمر رضي الله تعالى عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله عز وجل قد رفع لي الدنيا؛ فأنا أنظر إليها وإلى ما هو كائن فيها إلى يوم القيامة كأنما أنظر إلى كفي هذه » .
فصل
وكل شيء أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون بعده، فوقع الأمر فيه طبق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم؛ فهو من معجزاته وأعلام نبوته.(1/6)
وظهور المعجزات بعد زمان النبوة - ولا سيما في هذه الأزمان البعيدة من زمنه صلى الله عليه وسلم - مما يزيد المؤمنين إيمانا به، وتصديقا بما أخبر به من الغيوب الماضية والغيوب الآتية مما لم يقع بعد.
فصل
وليس التواتر في الإخبار عن المغيبات شرطا لوجوب الإيمان بها؛ كما قد زعم ذلك بعض أهل البدع ومن تبعهم من المتفقهة المقلدين وغيرهم من جهلة العصريين وزنادقهم، بل كل ما صح سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالإيمان به واجب، سواء كان متواترا أو آحادا، وهذا قول أهل السنة والجماعة.
وقد قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } .
فأمر تبارك وتعالى بالتثبت في خبر الفاسق؛ لأنه محتمل للصدق والكذب؛ فلا يسارع إلى تصديقه؛ خشية أن يكون كاذبا، ولا يسارع إلى تكذيبه؛ خشية أن يكون صادقا، وبالتثبت تنجلي حقيقة خبره.
ومفهوم الآية الكريمة دال على قبول خبر الواحد العدل من عير توقف فيه.
وقال الله تعالى: { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } .
وهذه الآية الكريمة دالة على قبول خبر الواحد العدل؛ لأن الطائفة تقع على الواحد فصاعدا.
قال ابن الأثير في "النهاية": الطائفة: الجماعة من الناس، وتقع على(1/7)
الواحد.
وكذا قال ابن منظور في "لسان العرب".
ويدل على ذلك قول الله تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } ... الآية.
قال البخاري رحمه الله تعالى في "صحيحه": "ويسمى الرجل طائفة؛ لقوله تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا } ، فلو اقتتل رجلان؛ دخلا في معنى الآية ". انتهى.
ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الطائفة: الرجل فما فوقه". وقال مجاهد وعكرمة : "الطائفة: الرجل الواحد إلى الألف ". وقال إبراهيم النخعي : "أقله رجل واحد فما فوقه". وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "الطائفة تصدق على واحد". ذكره ابن كثير عنه.
ويدل على ذلك أيضا قول الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } .
قال القرطبي في "تفسيره": "فيه دليل على وجوب العمل بقول الواحد؛ لأنه لا يجب عليه البيان؛ إلا وقد وجب قبول قوله، وقال: { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا } . فحكم بوقوع البيان بخبرهم ". انتهى.
ولهذه الآية نظائر من القرآن تدل على ما دلت عليه من وجوب العمل بقول(1/8)
الواحد.
ويدل على ذلك أيضا قول الله تعالى: { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ } .
قال القرطبي في "تفسيره": "أمر الله سبحانه وتعالى أن يخبرن بما ينزل من القرآن في بيوتهن، وما يرين من أفعال النبي عليه الصلاة والسلام ويسمعن من أقواله، حتى يبلغن ذلك إلى الناس؛ فيعملوا ويقتدوا. وهذا يدل على جواز قبول خبر الواحد من الرجال والنساء في الدين". انتهى.
ويدل على ذلك أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: « بلغوا عني ولو آية » ... الحديث.
رواه: الإمام أحمد ، والبخاري ، والدارمي ، والترمذي؛ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وقال الترمذي : "هذا حديث صحيح".
والأمر بالتبليغ يعم الواحد فما فوقه، وهذا يدل على وجوب العمل بأخبار الآحاد .
ويدل على ذلك أيضا قوله: صلى الله عليه وسلم: « نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه؛ فرب مبلغ أوعى من سامع » .
رواه: الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن حبان في "صحيحه" بنحوه، وقال الترمذي : "حديث حسن صحيح ".
وهذا يدل على قبول خبر الواحد.
وقد روي نحوه عن زيد بن ثابت وأنس وجبير بن مطعم والنعمان بن بشير وغيرهم رضي الله تعالى عنهم.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث رسله آحادا، ويرسل كتبه مع الآحاد، ولم(1/9)
يكن المرسل إليهم يقولون: لا نقبل أخبارهم لأنها أخبار آحاد.
وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم خبر تميم الداري عن الدجال ، وروى ذلك عنه على المنبر؛ كما ثبت ذلك في "صحيح مسلم " وغيره.
وقد كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يعملون بأخبار الآحاد من الثقات.
ولما حولت القبلة إلى الكعبة؛ خرج رجل ممن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمر على أهل قباء وهم يصلون، فقال: « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة؛ فاستقبلوها » . وكانت وجوههم إلى الشام؛ فاستداروا إلى الكعبة.
متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
ولهما أيضا عن البراء بن عازب رضي الله عنهما نحوه، وكذا عن أنس رضي الله عنه عند أحمد ومسلم وأبي داود .
فهؤلاء أهل قباء قبلوا خبر الواحد العدل وعملوا به وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
قال الخطابي في الكلام على حديث أنس رضي الله عنه: " فيه دليل على وجوب قبول أخبار الآحاد " .
وقال أبو البركات ابن تيمية : "هو حجة في قبول أخبار الآحاد".
وكذا قال غيرهما من المحققين.
وروى البخاري في "الأدب المفرد" عن أنس رضي الله عنه؛ قال: "إني لأسقي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم عند أبي طلحة؛ مر رجل فقال: إن الخمر قد حرمت. فما قالوا: متى ؟ أو: حتى ننظر. قالوا: يا أنس ! أهرقها...."(1/10)
الحديث.
وهو مخرج في "الصحيحين" من طرق عن أنس رضي الله عنه، وفي بعض طرقه عندهما: قال أنس رضي الله عنه: "إني لقائم أسقيها أبا طلحة وأبا أيوب ورجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا؛ إذ جاء رجل، فقال: هل بلغكم الخبر ؟ قلنا: لا. قال: فإن الخمر قد حرمت. فقال: يا أنس ! أرق هذه القلال. قال: فما راجعوها ولا سألوا عنها بعد خبر الرجل".
فهؤلاء قبلوا خبر الواحد العدل، وعملوا به، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
قال النووي رحمه الله تعالى في الكلام على هذا الحديث: "فيه العمل بخبر الواحد، وأن هذا كان معروفا عندهم". انتهى.
وقال الدارقطني في (باب النوادر) من آخر "سننه": "حدثنا عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله : حدثنا الحسن بن غليب الأزدي : حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي : حدثنا سليمان بن حبان : حدثنا حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه؛ قال: كان أبو طلحة وأبي بن كعب وسهيل بن بيضاء عند أبي طلحة يشربون من شراب تمر أو بسر - أو قال: رطب - وأنا أسقيهم من الشراب حتى كاد يأخذ منهم، فمر رجل من المسلمين، فقال: ألا هل علمتم أن الخمر قد حرمت ؟ فقالوا: يا أنس ! اكف ما في إنائك. وما قالوا: حتى نتبين ! قال: فكفأته".
قال الدارقطني : "قال أبو عبد الله - وهو عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله -: هذا يدل على أن خبر الواحد يوجب العمل". انتهى.
فقد دل كتاب الله تعالى على قبول خبر الواحد العدل، ودلت على ذلك السنة المطهرة فعلا منه صلى الله عليه وسلم وتقريرا عليه.
وقد قبل الصحابة رضي الله عنهم أخبار الآحاد من الثقات، وعملوا بها(1/11)
في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك كانوا يفعلون بعد مماته، ولم ينقل عن أحد منهم إنكار ذلك، فكان كالإجماع منهم على قبولها.
وكذلك كان التابعون ومن تبعهم بإحسان إلى زماننا لا يتوقفون في قبول أخبار الآحاد إذا كان رواتها من أهل الضبط والعدالة، وإنما خالف في ذلك بعض أهل البدع كما ذكرنا، ولا عبرة بخلافهم.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب "الصواعق المرسلة": أنه ذهب جماعة من أصحاب أحمد وغيرهم إلى تكفير من يجحد ما ثبت بخبر الواحد العدل . قال: "والتكفير مذهب إسحاق بن راهويه ". انتهى.
فصل
وبعض الأمور التي ورد الإخبار بوقوعها لم ترو إلا من طرق ضعيفة ، وقد ظهر مصداق كثير منها، ولا سيما في زماننا، وذلك مما يدل على صحتها في نفس الأمر، وكفى بالواقع شاهدا بثبوتها وخروجها من مشكاة النبوة، وأنا أذكر منها ما تيسر، وأنبه على ما يحتاج إلى التنبيه عليه إن شاء الله تعالى.
باب
الإخبار بما كان وما يكون إلى قيام الساعة
قد تقدم في الفصل الأول حديث عمر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله عز وجل قد رفع لي الدنيا؛ فأنا أنظر إليها وإلى ما هو كائن فيها إلى يوم القيامة، كأنما أنظر إلى كفي هذه » .
رواه الطبراني .(1/12)
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: « لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما ترك فيها شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه وجهله من جهله، إن كنت لأرى الشيء قد نسيت فأعرفه كما يعرف الرجل الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه » .
متفق عليه، وهذا لفظ البخاري .
ولفظ مسلم : قال: « قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما، ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة؛ إلا حدث به، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته، فأراه، فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه » .
وقد رواه أبو داود في "سننه" بنحو رواية مسلم .
ورواه الإمام أحمد في "مسنده"، ولفظه: قال: « قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما، فما ترك شيئا يكون بين يدي الساعة؛ إلا ذكره في مقامه ذلك؛ حفظه من حفظه ونسيه من نسيه » . قال حذيفة : "فإني لأرى أشياء قد كنت نسيتها فأعرفها كما يعرف الرجل وجه الرجل قد كان غائبا عنه؛ يراه فيعرفه".
« وعن حذيفة أيضا رضي الله عنه: أنه قال: "أخبرني النبي صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، فما منه شيء إلا قد سألته؛ إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة ؟ » .
رواه: الإمام أحمد ، ومسلم .
وقد رواه أبو داود الطيالسي ، ولفظه: « قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرنا بما هو كائن إلى يوم القيامة؛ إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة ؟ » .
وعن أبي زيد - وهو عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه - قال:(1/13)
« صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا » .
رواه: الإمام أحمد ، ومسلم .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: « صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة العصر بنهار، ثم قام خطيبا، فلم يدع شيئا يكون إلى قيام الساعة؛ إلا أخبر به، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه » .... الحديث، وفي آخره: « قال: وجعلنا نلتفت إلى الشمس هل بقي منها شيء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها؛ إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه » .
رواه: الإمام أحمد ، وأبو داود الطيالسي ، والترمذي ، والحاكم ، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن". قال: "وفى الباب عن المغيرة بن شعبة وأبي زيد بن أخطب وحذيفة وأبي مريم ، ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة".
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أنه قال: « قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما أخبرنا بما يكون في أمته إلى يوم القيامة، وعاه من وعاه ونسيه من نسيه » .
رواه: الإمام أحمد ، والطبراني، قال الهيثمي : "ورجال أحمد رجال الصحيح؛ غير عمر بن إبراهيم بن محمد، وقد وثقه ابن حبان ".
وعن عمر رضي الله عنه؛ قال: « قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاما، فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه » .
رواه البخاري تعليقا مجزوما به، ووصله الطبراني وأبو نعيم .(1/14)
« وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما؛ قال: "والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا، والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته » .
رواه أبو داود .
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: « ما من صاحب فتنة يبلغون ثلاثمائة إنسان؛ إلا ولو شئت أن أسميه باسمه واسم أبيه ومسكنه إلى يوم القيامة، كل ذلك مما علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ". قالوا: بأعيانها ؟! قال: "أو أشباهها؛ يعرفها الفقهاء (أو قال: العلماء)، إنكم كنتم تسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وأسأله عن الشر، وتسألونه عما كان وأسأله عما يكون » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "ما أنا إلى طريق من طرقكم بأهدى مني بكل فتنة هي كائنة وسائقها وقائدها إلى يوم القيامة".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "والله؛ ما أنا بالطريق إلى قرية من القرى ولا إلى مصر من الأمصار بأعلم مني بما يكون من بعد عثمان بن عفان ".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "لو حدثتكم بكل ما أعلم؛ ما رقدتم في الليل".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "لو حدثتكم ما أعلم لافترقتم على ثلاث(1/15)
فرق: فرقة تقاتلني، وفرقة لا تنصرني، وفرقة تكذبني".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه؛ قال: « لما كان في غزوة تبوك؛ تسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنادى في الناس: الصلاة جامعة ! قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ممسك بعيره وهو يقول: ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم ؟ . فناداه رجل: نعجب منهم يا رسول الله ! قال: أفلا أنبئكم بأعجب من ذلك؟ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وما هو كائن بعدكم؛ فاستقيموا وسددوا؛ فإن الله عز وجل لا يعبأ بعذابكم شيئًا، وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم بشيء » .
رواه الإمام أحمد، قال ابن كثير : "إسناده حسن، ولم يخرجوه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: « جاء ذئب إلى راعي غنم، فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي حتى انتزعها منه. قال: فصعد الذئب على تل، فأقعى واستذفر، فقال: عمدت إلى رزق رزقنيه الله عز وجل انتزعته ؟ فقال الرجل: تالله؛ إن رأيت كاليوم ذئبا يتكلم ! قال الذئب: أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى وبما هو كائن بعدكم، وكان الرجل يهوديا، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم، وأخبره، فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها أمارة من أمارات بين يدي الساعة، قد أوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى تحدثه نعلاه وسوطه ما أحدث أهله بعده » .
رواه الإمام أحمد، ورواته ثقات.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: « بينا أعرابي في بعض نواحي المدينة في غنم له؛ عدا عليه الذئب، فأخذ شاة من غنمه، فأدركه الأعرابي، فاستنقذها منه وهجهجه، فعانده الذئب يمشي، ثم أقعى مستذفرا »(1/16)
« بذنبه يخاطبه، فقال: أخذت رزقا رزقنيه الله ؟ قال: واعجبا من ذئب مقع مستذفر بذنبه يخاطبني ! فقال: والله؛ إنك لتترك أعجب من ذلك. قال: وما أعجب من ذلك ؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في النخلتين بين الحرتين يحدث الناس عن نبأ ما قد سبق وما يكون بعد ذلك. قال: فنعق الأعرابي بغنمه حتى ألجأها إلى بعض المدينة، ثم مشى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حتى ضرب عليه بابه، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أين الأعرابي صاحب الغنم ؟ . فقام الأعرابي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: حدث الناس بما سمعت وبما رأيت . فحدث الأعرابي الناس بما رأى من الذئب وما سمع منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: صدق؛ آيات تكون قبل الساعة، والذي نفسي بيده؛ لا تقوم الساعة حتى يخرج أحدكم من أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده » .
رواه الإمام أحمد، ورواته ثقات.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: « كان راع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ جاء الذئب، فأخذ شاة، ووثب الراعي حتى انتزعها من فيه، فقال له الذئب: أما تتقي الله أن تمنعني طعمة أطعمنيها الله تنزعها مني ؟ فقال له الراعي: العجب من ذئب يتكلم ! فقال الذئب: أفلا أدلك على ما هو أعجب من كلامي ؟ ذلك الرجل في النخل يخبر الناس بحديث الأولين والآخرين أعجب من كلامي. فانطلق الراعي حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره وأسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: حدث به الناس » .
رواه البيهقي من طريق أبي أحمد بن عدي، ثم قال: "قال الحافظ ابن عدي : قال لنا أبو بكر بن أبي داود : ولد هذا الراعي يقال لهم: بنو مكلم الذئب، ولهم أموال ونعم، وهم من خزاعة، واسم مكلم الذئب: أهبان ". قال: " ومحمد بن أشعث الخزاعي من ولده".(1/17)
قال البيهقي : "فدل على اشتهار ذلك، وهذا مما يقوي الحديث".
انتهى.
وعن أبي ذر رضي الله عنه؛ قال: « لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء؛ إلا ذكر لنا منه علما » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني . قال الهيثمي : "ورجال الطبراني رجال الصحيح، غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، وهو ثقة".
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه؛ قال: « لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في السماء طائر يطير بجناحيه؛ إلا ذكر لنا منه علما » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".(1/18)
كتاب الفتن
باب
التعوذ من الفتن ومن إدراك زمانها
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن » .
رواه مسلم في حديث طويل.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن » .
رواه ابن أبي شيبة .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ في دبر صلاته من أربع؛ يقول: أعوذ بالله من عذاب القبر، وأعوذ بالله من عذاب النار، وأعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأعوذ بالله من فتنة الأعور الكذاب » .
رواه الإمام أحمد .
وعن عصمة بن قيس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أنه كان يتعوذ في صلاته من فتنة المغرب » .
رواه: البخاري في "التاريخ الكبير"، والطبراني، وابن عبد البر،(1/19)
وغيرهم.
وفي رواية للطبراني عنه رضي الله عنه: « أنه كان يتعوذ من فتنة المشرق، قيل له: فكيف فتنة المغرب ؟ قال: تلك أعظم وأعظم » .
قال الهيثمي : "رجاله ثقات".
ورواه نعيم بن حماد في "الفتن" بنحوه، وقال في آخره: « تلك أعظم وأطم » .
وقد ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب" بنحوه.
وهذا الأثر له حكم المرفوع؛ لأنه إخبار عن أمر غيبي، فلا يقال إلا عن توقيف.
وعن زيد بن عبد الرحمن بن أبي سلامة عن أبي الرباب وصاحب له: أنهما سمعا أبا ذر رضي الله عنه يدعو يتعوذ في صلاة صلاها أطال قيامها وركوعها وسجودها. قال: فسألناه: مم تعوذت ؟ وفيم دعوت ؟ قال: "تعوذت بالله من يوم البلاء يدركني ويوم العورة أن أدركه ". فقلنا: وما ذاك ؟ فقال: "أما يوم البلاء؛ فتلتقي فئتان من المسلمين، فيقتل بعضهم بعضا، وأما يوم العورة؛ فإن نساء من المسلمات يسبين، فيكشف عن سوقهن، فأيتهن كانت أعظم ساقا؛ اشتريت على عظم ساقها، فدعوت الله أن لا يدركني هذا الزمان ولعلكما تدركانه". قال: فقتل عثمان، ثم أرسل معاوية بسر بن أرطاة إلى اليمن، فسبى نساء مسلمات، فأقمن في السوق.
رواه: ابن أبي شيبة، وابن عبد البر في "الاستيعاب" من طريقه.
وقد وقع في زماننا من المقلدات لنساء الإفرنج والمتشبهات بهن ما هو أعظم وأفحش من يوم العورة الذي كان أبو ذر رضي الله عنه يتعوذ من إدراكه،(1/20)
فكان هؤلاء النسوة الضائعات على الحقيقة يمشين في الأسواق، ويحضرن في مجامع الرجال ومعارضهم ومؤسساتهم شبه عاريات؛ قد كشفن عن رؤوسهن ووجوههن ورقابهن ونحورهن وأيديهن إلى المناكب أو قريب منها وعن سوقهن وبعض أفخاذهن، وقد طلين وجوههن بالمسحوق، وصبغن شفاههن بالصبغ الأحمر، وتصنعن غاية التصنع للرجال الأجانب، ومشين بينهم متبخترات مائلات مميلات يفتن من أراد الله بهم الفتنة.
فهذه هي أيام العورة على الحقيقة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تعوذوا بالله من رأس السبعين، ومن إمارة الصبيان » .
رواه: الإمام أحمد، والبزار . قال الهيثمي : "ورجال أحمد رجال الصحيح؛ غير كامل بن العلاء، وهو ثقة".
وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « اللهم لا يدركني زمان (أو: لا تدركوا زمانًا) لا يتبع فيه العليم، ولا يستحيى فيه من الحليم، قلوبهم قلوب الأعاجم، وألسنتهم ألسنة العرب » .
رواه الإمام أحمد .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « اللهم لا يدركني زمان (أو : لا أدرك زمان) قوم لا يتبعون العليم، ولا يستحيون من الحليم، قلوبهم قلوب الأعاجم، وألسنتهم ألسنة العرب » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".(1/21)
باب
عرض الفتن على القلوب
عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها؛ نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها؛ نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادًا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا؛ إلا ما أشرب من هواه » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم .
قال النووي : "قال أهل اللغة: أصل الفتنة في كلام العرب : الابتلاء والامتحان. قال القاضي: ثم صارت في عرف الكلام لكل أمر كشفه الاختبار عن سوء. قال أبو زيد : فتن الرجل يفتن فتونًا: إذا وقع في الفتنة، وتحول من حال حسنة إلى سيئة".
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وتطلق الفتنة على الكفر والغلو في التأويل البعيد، وعلى الفضيحة، والبلية، والعذاب، والقتال، والتحول من الحسن إلى القبيح، والميل إلى الشيء والإعجاب به، وتكون في الخير والشر؛ كقوله تعالى: { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً } " . انتهى.
قلت: والمراد بما في حديث حذيفة رضي الله عنه: الفتنة في الشر؛ لقوله: « فأي قلب أشربها؛ نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها؛ نكت فيه نكتة بيضاء » . والله أعلم.
وعن ميمون بن أبي شبيب؛ قال: قيل لحذيفة رضي الله عنه: أكفرت بنو إسرائيل في يوم واحد ؟ قال: "لا؛ ولكن كانت تعرض عليهم الفتنة، فيأبونها،(1/22)
فيكرهون عليها، ثم تعرض عليهم فيأبونها، حتى ضربوا عليها بالسياط والسيوف، حتى خاضوا خاضة الماء، حتى لم يعرفوا معروفا ولم ينكروا منكرا".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن أبي ثعلبة رضي الله عنه: أنه قال: "أبشروا بدنيا عريضة تأكل إيمانكم، فمن كان منكم يومئذ على يقين من ربه؛ أتته فتنة بيضاء مسفرة، ومن كان منكم على شك من ربه؛ أتته فتنة سوداء مظلمة، ثم لم يبال الله في أي الأودية هلك".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
باب
أن الفتن تذهب العقول
عن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "ما الخمر صرفا بأذهب بعقول الرجال من الفتن".
رواه: ابن أبي شيبة، وأبو نعيم في "الحلية".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "تكون فتنة تعوج فيها عقول الرجال، حتى ما تكاد ترى رجلا عاقلا ".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن". قال في "كنز العمال": "وهو صحيح".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "ستكون فتنة بعدها جماعة، ثم تكون بعدها جماعة، ثم تكون فتنة لا تكون بعدها جماعة؛ ترفع فيها الأصوات، وتشخص الأبصار، وتذهل العقول، فلا تكاد ترى رجلا عاقلا".
رواه الديلمي .(1/23)
وقد رواه: ابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد بغير هذا اللفظ، وسيأتي في ذكر الفتن الكبار إن شاء الله تعالى.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "أخاف عليكم فتنا كأنها الليل؛ يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
باب
ما تعرف به الفتنة
عن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "إذا أحب أحدكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا؛ فلينظر، فإن كان رأى حلالا كان يراه حراما؛ فقد أصابته الفتنة، وإن كان يرى حراما كان يراه حلالا؛ فقد أصابته ".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد رواه: ابن أبي شيبة، وأبو نعيم في "الحلية" بأبسط من هذا.
ولفظه عند أبي نعيم : "وقال: إن الفتنة تعرض على القلوب، فأي قلب أشربها؛ نكتت فيه نكتة سوداء، فإن أنكرها؛ نكتت فيه نكتة بيضاء، فمن أحب منكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا؛ فلينظر، فإن كان يرى حراما ما كان يراه حلالا، أو يرى حلالا ما كان يراه حراما؛ فقد أصابته الفتنة".
وفي رواية ابن أبي شيبة؛ قال: "إن الفتنة لتعرض على القلوب، فأي قلب أشربها؛ نقط على قلبه نقطة سوداء، وأي قلب أنكرها؛ نقط على قلبه نقطة بيضاء". والباقي بنحو ما تقدم.(1/24)
باب
بيان أشد الفتن
ذكر أبو عمر بن عبد البر في "الاستيعاب" عن حذيفة رضي الله عنه: أنه سئل: أي الفتن أشد ؟ قال: "أن يعرض عليك الخير والشر فلا تدري أيهما تركب".
وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن خالد بن الوليد رضي الله عنه: أنه قال: "الفتنة: أن تكون في أرض يعمل فيها بالمعاصي وتريد أن تخرج منها إلى أرض لم يعمل فيها بالمعاصي فلا تجدها".
وروى رسته في "الإيمان" عن علي رضي الله عنه مرفوعا: « تكون فتن لا يستطيع أن يغير فيها بيد ولا بلسان » .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لتغشين أمتي بعدي فتن يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
باب
في الذين وكلت بهم الفتنة
عن زيد بن وهب؛ قال: سمعت حذيفة رضي الله عنه يقول: "إن الفتنة وكلت بثلاثة: بالحادِّ النحرير الذي لا يرتفع له شيء إلا قمعه بالسيف، وبالخطيب الذي يدعو إليها، وبالسيد. فأما هذان؛ فتبطحهما لوجوههما، وأما السيد؛ فتبحثه حتى تبلو ما عنده".
رواه أبو نعيم في "الحلية" بإسناد صحيح.(1/25)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: « أسعد الناس في الفتن كل خفي تقي إن ظهر لم يعرف وإن غاب لم يفتقد، وأشقى الناس فيها كل خطيب مصقع أو راكب موضع، لا يخلص من شرها إلا من أخلص الدعاء كدعاء الغرق في البحر » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن" بإسناد ضعيف.
وعن حذيفة بن أسيد وابن مسعود وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم نحو ذلك.
وسيأتي ذكرها في آخر الباب الذي بعد هذا الباب إن شاء الله تعالى.
باب
ذكر الفتن والتحذير منها والأمر باعتزالها وكف اللسان واليد فيها
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما؛ قال: « أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم من آطام المدينة، فقال: هل ترون ما أرى ؟ . قالوا: لا. قال: فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وابن أبي شيبة، وغيرهم.
وعن عبيد بن عمير؛ قال: « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الحجرات، فقال: يا أهل الحجرات ! سعرت النار، وجاءت الفتن كأنها قطع الليل المظلم، لو تعلمون ما أعلم؛ لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا » .
رواه ابن أبي شيبة .
وعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها؛ قالت: « استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعا يقول: سبحان الله ! ماذا أنزل الله من الخزائن ؟ وماذا أنزل من »(1/26)
« الفتن ؟ من يوقظ صواحب الحجرات - يريد أزواجه - لكي يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، وقال: "هذا حديث صحيح".
« وعن زينب بنت جحش رضي الله عنها؛ قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فزعا محمرا وجهه يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه (وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها ) . قالت: فقلت: يا رسول الله ! أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: نعم؛ إذا كثر الخبث » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي، وابن ماجه .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "خص العرب بذلك لأنهم كانوا حينئذ معظم من أسلم، والمراد بالشر: ما وقع بعده من قتل عثمان، ثم توالت الفتن، حتى صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكلة؛ كما وقع في الحديث الآخر: « يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها » ، وأن المخاطب بذلك العرب". انتهى.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ويل للعرب من شر قد اقترب، موتوا إن استطعتم » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « ويل للعرب من شر قد اقترب، أفلح من كف يده » .(1/27)
رواه: الإمام أحمد - وإسناده صحيح على شرط الشيخين - وأبو داود ، وهذا لفظه، وإسناده صحيح على شرط البخاري .
وقد رواه الإمام أحمد عن محمد بن عبيد الطنافسي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه - قال الأعمش : لا أراه إلا وقد رفعه - قال: « ويل للعرب من أمر قد اقترب، أفلح من كف يده » .
إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وعنه رضي الله عنه يرويه: قال: « ويل للعرب من شر قد اقترب، على رأس الستين تصير الأمانة غنيمة والصدقة غرامة والشهادة بالمعرفة والحكم بالهوى » .
رواه: عبد الرزاق في "مصنفه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه الزيادات"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "ليوشكن أن يصب عليكم الشر من السماء حتى يبلغ الفيافي". قيل: وما الفيافي يا أبا عبد الله ؟ قال: "الأرض القفر".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إياكم والفتن؛ فإن اللسان فيها مثل وقع السيف » .
رواه ابن ماجه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ستكون فتن؛ القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من »(1/28)
« الساعي، من تشرف لها تستشرفه، ومن وجد فيها ملجأ أو معاذًا؛ فليعذ به » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
ورواه: أبو داود الطيالسي، ومسلم من طريقه، ولفظ أبي داود : « إنها ستكون فتنة (أو فتن)؛ النائم فيها خير من اليقظان، والماشي فيها خير من الساعي، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، فمن وجد منها ملجأ أو معاذًا؛ فليستعذ به » .
وعن عبد الرحمن بن حسين الأشجعي : أنه سمع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ستكون فتنة؛ القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، ويكون الماشي فيها خيرا من الساعي، (قال: وأراه قال: ) والمضطجع فيها خير من القاعد » .
رواه الإمام أحمد بإسناد جيد.
ورواه الحاكم في "مستدركه" من حديث أبي عثمان النهدي عن سعد بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ستكون فتنة؛ القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، والساعي خير من الراكب، والراكب خير من الموضع » .
قال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد رواه: الإمام أحمد أيضا، والترمذي؛ عن بسر بن سعيد : « أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال عند فتنة عثمان بن عفان رضي الله عنه : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي . قال: أفرأيت إن دخل علي بيتي »(1/29)
« فبسط يده إلي ليقتلني. قال: كن كابن آدم » .
قال الترمذي : "هذا حديث حسن". قال: "وفي الباب عن أبي هريرة وخباب بن الأرت وأبي بكرة وابن مسعود وأبي واقد وأبي موسى وخرشة ".
قلت: وقد تقدم حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وستأتي أحاديث الباقين إن شاء الله تعالى.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنها ستكون فتنة؛ المضطجع فيها خير من الجالس، والجالس خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي . قال: فقال رجل: يا رسول الله ! فما تأمرني ؟ قال: من كانت له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه، ومن لم يكن له شيء من ذلك فليعمد إلى سيفه، فليضرب بحده صخرة، ثم لينج إن استطاع النجاة » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود . ورجالهما رجال الصحيح.
ورواه: الإمام أحمد أيضا، ومسلم بأبسط من هذا، ولفظ مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنها ستكون فتن، ألا ثم تكون فتنة؛ القاعد فيها خير من الماشي فيها، والماشي فيها خير من الساعي إليها، ألا فإذا نزلت أو وقعت؛ فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه . قال: فقال رجل: يا رسول الله ! أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض ؟ قال: يعمد إلى سيفه، فيدق على حده بحجر، ثم لينج إن استطاع النجاء. اللهم ! هل بلغت ؟ اللهم ! هل بلغت ؟ اللهم هل بلغت ؟ . قال: فقال رجل: يا رسول الله ! أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين، فضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني ؟ قال: يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار » .(1/30)
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، فكسروا قسيكم، وقطعوا أوتاركم، واضربوا بسيوفكم الحجارة، فإن دخل على أحدكم؛ فليكن كخير ابني آدم » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه - وهذا لفظه - وابن حبان في "صحيحه" بنحوه.
وقال الترمذي : "هذا حديث حسن غريب".
وقد رواه: الإمام أحمد، وأبو داود أيضا؛ من وجه آخر عن أبي موسى رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن بين أيديكم فتنًا كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا ، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي . قالوا: فما تأمرنا ؟ قال: كونوا أحلاس بيوتكم » .
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" من طريق أبي داود، ثم قال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي في "تلخيصه".
ورواه الطبراني في "الكبير"، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إني لأعلم فتنة صماء؛ النائم فيها خير من الجالس، والجالس فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي » .
قال عمر بن صالح البغدادي : "قلت لأحمد - يعني: ابن حنبل -: ما الحلس ؟ قال: قطعة مسح في البيت ملقى". ذكره عنه في "مختصر طبقات الحنابلة".
وعن طاوس : أن رجلا اعترض لأبي موسى الأشعري، فقال: "هذه الفتنة(1/31)
التي كانت تذكر؟ (وذلك حين افترق هو عمرو بن العاص حين حكما) فقال أبو موسى : ما هذه إلا حيصة من حيصات الفتن، وبقيت الرداح المطبقة، من أشرف لها؛ أشرفت له، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، والصامت خير من المتكلم، والنائم خير من المستيقظ".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن أبي موسى أيضا رضي الله عنه: أنه قال: "يا أيها الناس إنها فتنة باقرة؛ تدع الحليم فيها كأنما ولد أمس، تأتيكم من مأمنكم كداء البطن لا يدرى أنى يؤتى، المضطجع فيها خير من القاعد، و القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن"، والروياني، وابن عساكر في "تاريخه".
وعنه رضي الله عنه؛ قال: « ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة بين يدي الساعة ، قال: قلت: وفينا كتاب الله ؟ قال: وفيكم كتاب الله . قال: قلت: ومعنا عقولنا ؟ قال: ومعكم عقولكم » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعنه رضي الله عنه؛ قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدي الساعة فتنة. ثم قال أبو موسى رضي الله عنه: "والذي نفسي بيده؛ ما لي وما لكم منها مخرج إن أدركناها فيما عهد إلينا نبينا صلى الله عليه وسلم؛ إلا أن نخرج منها كما دخلناها، ولا نحدث فيها شيئا ".
رواه: ابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد في "الفتن".
وعن حذيفة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ستكون بعدي فتنة؛ »(1/32)
« الراقد فيها خير من اليقظان، والمضطجع فيها خير من القاعد، و القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ويهلك فيها كل راكب موضع، وكل خطيب مصقع، فإن أدركتها؛ فألصق بطنك بالأرض حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر » .
رواه أبو يعلى .
وعن أنيس بن أبي مرثد الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ستكون فتنة عمياء بكماء صماء؛ المضطجع فيها خير من القاعد، و القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، فمن أتي فليمدد عنقه » .
رواه: بقي بن مخلد في "مسنده"، والبخاري في "التاريخ"، وابن السكن، وابن شاهين، وغيرهم.
وعن خريم بن فاتك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ستكون فتنة: النائم فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، والساعي فيها خير من الراكب » .
رواه الطبراني .
وعن نوفل بن معاوية رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ستكون فتنة كرياح الصيف؛ القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، من استشرف لها استشرفته » .
رواه الطبراني .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله: « ستكون فتن كرياح الصيف؛ القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، من »(1/33)
« استشرف لها استشرفته » .
رواه ابن حبان في "صحيحه".
وعن عمرو بن وابصة الأسدي عن أبيه - وهو « وابصة بن معبد، وله صحبة - قال: إني بالكوفة في داري؛ إذ سمعت على باب الدار: السلام عليكم، أألج ؟ قلت: عليكم السلام، فلج. فلما دخل؛ فإذا هو عبد الله بن مسعود . قلت: أبا عبد الرحمن ! أية ساعة زيارة هذه ؟ وذلك في نحر الظهيرة ، قال: طال علي النهار، فذكرت من أتحدث إليه. قال: فجعل يحدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثه. قال: ثم أنشأ يحدثني؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تكون فتنة النائم فيها خير من المضطجع ، والمضطجع فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الراكب، والراكب خير من المجري؛ قتلاها كلها في النار . قال: قلت: يا رسول الله ! ومتى ذلك؟ قال: ذلك أيام الهرج . قلت: ومتى أيام الهرج ؟ قال: حين لا يأمن الرجل جليسه . قال: قلت: فما تأمرني إن أدركت ذلك ؟ قال: اكفف نفسك ويدك، وادخل دارك . قال: قلت: يا رسول الله ! أرأيت إن دخل رجل علي داري ؟ قال: فادخل بيتك . قال: قلت: أفرأيت إن دخل علي بيتي ؟ قال: فادخل مسجدك، واصنع هكذا (وقبض بيمينه على الكوع)، وقل: ربي الله، حتى تموت على ذلك » .
رواه: الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد، والطبراني، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد رواه أبو داود في "سننه" مختصرا من طريق عمرو بن وابصة عن أبيه وابصة عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول،(1/34)
فذكر بعض حديث أبي بكرة؛ قال: قتلاها كلهم في النار . وقال: قلت: متى ذاك يابن مسعود ؟ قال: تلك أيام الهرج، حيث لا يأمن الرجل جليسه .
قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان ؟ قال: تكف لسانك ويدك، وتكون حلسًا من أحلاس بيتك . فلما قتل عثمان طار قلبي مطاره، فركبت حتى أتيت دمشق، فلقيت خريم بن فاتك، فحدثته، فحلف بالله الذي لا إله إلا هو لسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنيه ابن مسعود .
وعن خرشة بن الحر رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ستكون من بعدي فتنة؛ النائم فيها خير من اليقظان، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الساعي، فمن أتت عليه؛ فليمش بسيفه إلى صفاة، فليضربه بها حتى ينكسر، ثم ليضطجع لها حتى تنجلي عما انجلت » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والطبراني .
وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أنه ذكر فتنة؛ القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي. قال: فإن أدركت ذلك؛ فكن عبد الله المقتول (أحسبه قال: ) ولا تكن عبد الله القاتل » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والطبراني .
وعن جندب بن سفيان رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ستكون بعدي فتن كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا . فقال رجل من المسلمين: كيف نصنع عند ذلك يا رسول الله ؟ ! قال: ادخلوا بيوتكم وأخملوا ذكركم . فقال: أرأيت إن دخل على أحدنا بيته ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليمسك بيده، وليكن عبد الله المقتول ولا يكن عبد الله القاتل؛ فإن الرجل يكون في فئة الإسلام، فيأكل مال »(1/35)
« أخيه، ويسفك دمه، ويعصي ربه، ويكفر بخالقه، وتجب له النار » .
رواه الطبراني .
« وعن خالد بن عرفطة رضي الله عنه؛ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خالد ! إنه سيكون بعدي أحداث وفتن واختلاف، فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول لا القاتل؛ فافعل » .
رواه: الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والبزار، والطبراني، والحاكم . قال الهيثمي : "وفيه علي بن زيد، وفيه ضعف، وهو حسن الحديث، وبقية رجاله ثقات".
وعن أبي واقد الليثي رضي الله عنه: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ونحن جلوس على بساط: إنها ستكون فتنة . قالوا؛ فكيف نفعل يا رسول الله ؟ فرد يده إلى البساط، فأمسك به، فقال: تفعلون هكذا . وذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أنها ستكون فتنة، فلم يسمعه كثير من الناس، فقال معاذ بن جبل: ألا تسمعون ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: ما قال ؟ قال: إنها ستكون فتنة . فقالوا: فكيف لنا يا رسول الله ؟ ! وكيف نصنع ؟ ! قال: ترجعون إلى أمركم الأول » .
رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه عبد الله بن صالح، وقد وثق، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ستكون فتن؛ يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا؛ إلا من أحياه الله بالعلم » .
رواه: ابن ماجه، والطبراني، والآجري في كتاب "الشريعة".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ويل للعرب من شر قد اقترب؛ فتنًا كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا،
»(1/36)
« يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر (أو قال: على الشوك) » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا؛ ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، والترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح".
وفي رواية لأحمد : « يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل » .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « تكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا؛ ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا » .
رواه: الترمذي، والحاكم في "مستدركه". وقال الترمذي : "غريب".
قال: "وفي الباب عن أبي هريرة وجندب والنعمان بن بشير وأبي موسى رضي الله عنهم".
ثم قال الترمذي : حدثنا صالح بن عبد الله : حدثنا جعفر بن سليمان عن هشام عن الحسن؛ قال: كان يقول في هذا الحديث: « يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا » ؛ قال: يصبح محرما لدم أخيه وعرضه وماله ويصبح مستحلا له.
قلت: ويدل لما قاله الحسن رحمه الله تعالى ما ثبت في "الصحيحين"(1/37)
وغيرهما من عدة أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال في حجة الوداع: « لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض » .
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما؛ قال: صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعناه يقول: « إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع أقوام خلاقهم فيها بعرض من الدنيا يسير » . قال الحسن: "والله؛ لقد رأيناهم صورا بلا عقول، أجساما بلا أحلام، فراش نار، وذبان طمع، يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين، يبيع أحدهم دينه بثمن العنز".
رواه: الإمام أحمد، والطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه مبارك بن فضالة؛ وثقه جماعة، وفيه لين، وبقية رجاله رجال الصحيح".
قلت: وقد رواه الحاكم في "مستدركه" من طريق مبارك بن فضالة، ولم يتكلم عليه الحاكم ولا الذهبي .
وعن الضحاك بن قيس رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم، فتن كقطع الدخان؛ يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه؛ يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع فيها أقوام خلاقهم ودينهم بعرض من الدنيا » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني . قال الهيثمي : "وفيه علي بن زيد، وهو سيئ الحفظ، وقد وثق، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح ".
قلت: وقد رواه الحاكم في "مستدركه" من طريق علي بن زيد، ولم يتكلم عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الإسلام »(1/38)
« بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء، وإن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم؛ يمسي الرجل فيها مؤمنًا ويصبح كافرًا، ويصبح مؤمنًا ويمسي كافرًا، يبيع أقوام دينهم فيها بعرض من الدنيا » .
رواه الطبراني .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليغشين أمتي من بعدي فتن كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع أقوام دينهم فيها بعرض من الدنيا قليل » .
رواه الطبراني، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "هذه الفتن قد أظلت كقطع الليل المظلم، كلما ذهب منها رسل؛ بدا رسل آخر؛ يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيها بدنه، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع فيها أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "أخاف عليكم فتنا كأنها الليل؛ يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
« وعن حذيفة رضي الله عنه يرفعه؛ قال: أتتكم الفتن كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع فيها أحدهم دينه بعرض من الدنيا قليل . قلت: فكيف نصنع يا رسول الله ؟ ! قال: »(1/39)
« تكسر يدك . قلت: فإن انجبرت ؟ قال: تكسر الأخرى . قلت: فإن انجبرت ؟ قال: تكسر رجلك . قلت: فإن انجبرت ؟ قال: تكسر الأخرى قلت: حتى متى ؟ قال: حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية » .
رواه: الطبراني في "الأوسط"، وابن عساكر في "تاريخه".
قوله: تكسر يدك و تكسر رجلك : ليس هو على ظاهره، وإنما معناه الحث على كف اليدين والرجلين في أيام الفتن، فلا يمشي في الفتنة، ولا يقاتل مع أهلها، بل يكون كمن كسرت يده ورجله. والله أعلم.
« وعن وائل بن حجر رضي الله عنه: أن معاوية رضي الله عنه قال له: ما منعك من نصرنا وقد اتخذك عثمان ثقة وصهرا ؟ فقال له وائل : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رفع رأسه نحو المشرق وقد حضره جمع كثير، ثم رد إليه بصره، فقال: أتتكم الفتن كقطع الليل المظلم ، فشدد أمرها وعجله وقبحه. فقلت له من بين القوم: يا رسول الله وما الفتن ؟ فقال: يا وائل ! إذا اختلف سيفان في الإسلام؛ فاعتزلهما » .
رواه: الطبراني في "الصغير" و "الكبير". قال الهيثمي : "وفيه محمد بن حجر، وهو ضعيف".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ستكون فتن يفارق الرجل فيها أباه وأخاه، تطير الفتنة في قلوب رجال منهم إلى يوم القيامة، حتى يعير الرجل فيها بصلاته كما تعير الزانية بزناها » .
رواه: نعيم بن حماد في "الفتن" والطبراني . قال الهيثمي : "وفيه محمد بن سفيان الحضرمي، ولم أعرفه، وابن لهيعة لين".
قلت: وقد ذكر لنا عن بعض السفهاء في زماننا أنهم كانوا يستهزئون(1/40)
بالصلاة والمصلين والآمرين بالصلاة، ويلمزونهم، ويسخرون منهم، وهذا من مصداق هذا الحديث، وكثير من السفهاء يعيرون المتمسكين بالسنن، ولا سيما إعفاء اللحية، وهذا من غلبة الفتنة عليهم، وتمكنها من قلوبهم؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
« وعن محمد بن مسلمة رضي الله عنه؛ قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا، فقال: قاتل به المشركين ما قوتلوا، فإذا رأيت أمتي يضرب بعضها بعضًا؛ فائت به أُحدًا، فاضرب به حتى ينكسر، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية » .
رواه: ابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد في "الفتن".
وعن أبي بردة؛ قال: دخلت على محمد بن مسلمة رضي الله عنه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إنها ستكون فتنة وفرقة واختلاف، فإذا كان كذلك؛ فائت بسيفك أحدًا، فاضربه حتى ينقطع، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قَاضية » ؛ فقد وقعت وفعلت ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه ابن ماجه، ورواته ثقات، وقد رواه ابن أبي شيبة بنحوه.
ورواه الطبراني في "الأوسط"، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا رأيت الناس يقتتلون على الدنيا؛ فاعمد بسيفك إلى أعظم صخرة في الحرة؛ فاضربه بها حتى ينكسر، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية » .
ففعلت ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الهيثمي : "رجاله ثقات".
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: حدثنا يزيد: حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي بردة؛ قال: مررت بالربذة فإذا فسطاط، فقلت: لمن(1/41)
هذا ؟ فقيل: لمحمد بن مسلمة . فاستأذنت عليه، فدخلت عليه، فقلت: رحمك الله؛ إنك من هذا الأمر بمكان، فلو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إنها ستكون فتنة وفرقة واختلاف، فإذا كان ذلك؛ فأت بسيفك أحدًا، فاضرب به عرضه، وكسر نبلك، واقطع وترك، واجلس في بيتك، حتى تأتيك يد خاطئة أو يعافيك الله » . فقد كان ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعلت ما أمرني به، ثم استنزل سيفا كان معلقا بعمود الفسطاط، واخترطه؛ فإذا سيف من خشب، فقال: قد فعلت ما أمرني به، واتخذت هذا أرهب به الناس.
وعن محمود بن لبيد « عن محمد بن مسلمة رضي الله عنه: أنه قال: يا رسول الله ! كيف أصنع إذا اختلف المصلون ؟ قال: اخرج بسيفك إلى الحرة، فتضربها به، ثم تدخل بيتك حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة » .
رواه: الحاكم، والبيهقي، وابن عساكر في "تاريخه".
« وعن سعيد بن زيد الأشهلي رضي الله عنه: أنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم سيفا من نجران (أو: أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم سيف من نجران)، فأعطاه محمد بن مسلمة، فقال: جاهد بهذا في سبيل الله، فإذا اختلفت أعناق الناس؛ فاضرب به الحجر، ثم ادخل بيتك؛ فكن حلسًا ملقى حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية » .
رواه: الطبراني في "الكبير" و "الأوسط". قال الهيثمي : "ورجال "الكبير" ثقات".
قلت: ورواه الحاكم في "مستدركه" بنحوه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: « أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى محمد بن مسلمة سيفا، فقال: قاتل المشركين ما قوتلوا، فإذا رأيت سيفين اختلفا بين »(1/42)
« المسلمين؛ فاضرب به الحجر حتى ينثلم، واقعد في بيتك حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة » . ثم أتيت ابن عمر رضي الله عنهما؛ فحذا لي على مثاله عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه الطبراني، قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: أعطى « رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة سيفا، فقال: قاتل به المشركين ما قاتلوكم، فإذا اقتتل المسلمون؛ فائت بهذا السيف أحدًا، فاضرب به حتى ينثلم وينقطع، ثم ارجع إلى بيتك، فكن حلسًا من أحلاس بيتك، حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية » .
رواه ابن عساكر في "تاريخه".
وعن عبد الله بن عبيد « عن عديسة بنت أهبان بن صيفي الغفاري؛ قالت: "جاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى أبي، فدعاه إلى الخروج معه، فقال له أبي: إن خليلي وابن عمك عهد إلي إذا اختلف الناس أن أتخذ سيفا من خشب؛ فقد اتخذته، فإن شئت خرجت به معك » . قالت: " فتركه".
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث حسن غريب".
ورواه ابن ماجه من حديث عبد الله بن عبيد؛ قال: حدثتني « عديسة بنت أهبان؛ قالت: "لما جاء علي بن أبي طالب هاهنا البصرة؛ دخل على أبي فقال: يا أبا مسلم ! ألا تعينني على هؤلاء القوم ؟ قال: بلى. قال: فدعا جارية له، فقال: يا جارية ! أخرجي سيفي. قال: فأخرجته، فسل منه قدر شبر؛ فإذا هو خشب، فقال: إن خليلي وابن عمك صلى الله عليه وسلم عهد إلي إذا كانت الفتنة بين المسلمين فاتخذ سيفا من خشب، فإن شئت خرجت معك. قال: لا حاجة لي فيك ولا في سيفك » .
وقد رواه الإمام أحمد عن عفان وأسود بن عامر ومؤمل؛ ثلاثتهم عن حماد(1/43)
بن سلمة : حدثنا أبو عمرو السلمي عن بنت أهبان الغفاري : « أن عليّا رضي الله عنه أتى أهبان رضي الله عنه، فقال: ما يمنعك أن تتبعنا ؟ فقال: أوصاني خليلي وابن عمك صلى الله عليه وسلم: أن ستكون فرقة واختلاف، فإذا كان ذلك؛ فاكسر سيفك، واقعد في بيتك، واتخذ سيفًا من خشب » .
زاد مؤمل في روايته: « واقعد في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية » .
وقد رواه: نعيم بن حماد في "الفتن"، والطبراني، وأبو نعيم؛ بمثل رواية أحمد عن عفان وأسود .
وعن ابن الحكم بن عمرو الغفاري؛ قال: حدثني جدي؛ قال: « كنت عند الحكم بن عمرو رضي الله عنه جالسا حين جاءه رسول علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: إنك أحق من أعاننا على هذا الأمر. فقال: سمعت خليلي ابن عمك صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كان هكذا أو مثل هذا: أن اتخذ سيفًا من خشب فقد اتخذت سيفا من خشب » .
رواه الطبراني .
« وعن أبي الأشعث الصنعاني؛ قال: "بعثني يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن أبي أوفى ومعي ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما تأمرون به الناس ؟ فقال: أوصاني أبو القاسم صلى الله عليه وسلم إن أنا أدركت شيئا من هذه الفتن؛ أن أعمد إلى أحد وأكسر سيفي وأقعد في بيتي، فإن دخل علي بيتي؛ قال: اقعد في مخدعك ، فإن دخل عليك؛ فاجث على ركبتيك، وتقول: بؤ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين. فقد كسرت سيفي، فإذا دخل علي بيتي؛ دخلت مخدعي، فإذا دخل علي مخدعي؛ جثوت على ركبتي، فقلت ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول » .(1/44)
رواه البزار.
وقد رواه الإمام أحمد في "مسنده"، فقال: حدثنا عبد الصمد : حدثنا زياد بن أبي مسلم أبو عمر : حدثنا أبو الأشعث الصنعاني؛ قال: "بعثنا يزيد بن معاوية إلى ابن الزبير، فلما قدمت المدينة دخلت على فلان - نسي زياد اسمه - فقال: إن الناس قد صنعوا ما صنعوا، فما ترى ؟ قال: « أوصاني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : إن أدركت شيئًا من هذه الفتن؛ فاعمد إلى أحد، فاكسر به حد سيفك، ثم اقعد في بيتك، فإن دخل عليك أحد البيت؛ فقم إلى المخدع، فإن دخل عليك المخدع؛ فاجث على ركبتيك، وقل: بؤ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ، فقد كسرت سيفي وقعدت في بيتي » .
إسناده لا بأس به، وقد وقع هذا الحديث في مسند محمد بن مسلمة عند الإمام أحمد، وليس هو لمحمد بن مسلمة؛ لأنه لم يدرك أيام يزيد بن معاوية، وإنما هو لعبد الله بن أبي أوفى؛ كما تقدم مصرحا به في رواية البزار . والله أعلم.
وعن ربعي بن حراش؛ قال: سمعت رجلا في جنازة حذيفة رضي الله عنه يقول: سمعت صاحب هذا السرير يقول: "ما بي بأس بعدما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولئن اقتتلتم لأدخلن بيتي، فلئن دخل علي؛ فلأقولن: ها؛ بؤ بإثمي وإثمك".
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح، غير الرجل المبهم".
قلت: وقد رواه: أبو داود الطيالسي، وابن أبي شيبة؛ بنحوه.
وعن ربعي بن حراش أيضا عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: "قيل: يا أبا عبد الله ! ما تأمرنا إذا اقتتل المصلون ؟ قال: آمرك أن تنظر أقصى بيت من دارك،(1/45)
فتلج فيه، فإن دخل عليك، فتقول: ها؛ بؤ بإثمي وإثمك، فتكون كابن آدم".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي في "تلخيصه".
وعن سحيم بن نوفل؛ قال: "قال لي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كيف أنتم إذا اقتتل المصلون ؟ ! قلت: ويكون ذلك ؟ قال: نعم؛ أصحاب محمد . قلت: وكيف أصنع ؟ ! قال: كف لسانك، وأخف مكانك، وعليك بما تعرف، ولا تدع ما تعرف لما تنكر". رواه ابن أبي شيبة .
« وعن أبي ذر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنت يا أبا ذر وموتًا يصيب الناس حتى يقوم البيت بالوصيف (يعني: القبر) ؟ ! . قلت: ما خار الله لي ورسوله (أو قال: الله ورسوله أعلم). قال: تصبر . قال: كيف أنت وجوعًا يصيب الناس حتى تأتي مسجدك فلا تستطيع أن ترجع إلى فراشك ولا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك . قلت: الله ورسوله أعلم (أو : ما خار الله لي ورسوله). قال: عليك بالعفة . ثم قال: كيف أنت وقتلًا يصيب الناس حتى تغرق حجارة الزيت بالدم ؟ ! . قلت: ما خار الله لي ورسوله. قال: الحق بمن أنت منه . قال: قلت: يا رسول الله ! أفلا آخذ سيفي فأضرب به من فعل ذلك ؟ قال: شاركت القوم إذًا، ولكن ادخل بيتك . قلت: يا رسول الله ! فإن دخل بيتي ؟ قال: إن خشيت أن يبهرك شعاع السيف؛ فألق طرف ردائك على وجهك، فيبوء بإثمه وإثمك، فيكون من أصحاب النار » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني، وابن ماجه - وهذا لفظه - وابن حبان في " صحيحه "، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد زعم أبو عبية في تعليقه على "النهاية لابن كثير " في (صفحة 58):(1/46)
أنه يرى أثر الوضع جليّا واضحا على هذا الحديث، وعلل ذلك بأنه يتعارض ومبدأ الدفاع عن النفس الذي شرعه الإسلام !
والجواب أن يقال: ليس في الحديث ما يدل على أثر الوضع كما قد توهمه أبو عبية، بل الحديث صحيح، لا مطعن فيه بوجه من الوجوه، وله شواهد كثيرة مما تقدم، وما يأتي عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما.
وأما الدفاع عن النفس؛ فإنما هو مشروع في غير أيام الهرج، وأما أيام الهرج فالمشروع فيها كف اليد واللسان ولزوم البيت وإذا دخل على أحد بيته؛ فإنه مأمور بأن يكون كخير ابني آدم؛ كما تقدم في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. والله أعلم.
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: "إني لأعلم فتنة يوشك أن يكون الذي قبلها معها كنفجة أرنب، وإني لأعلم المخرج منها. قلنا: وما المخرج منها ؟ قال: أمسك يدي حتى يجيء من يقتلني".
رواه: عبد الرزاق في "مصنفه"، والحاكم في "مستدركه"؛ من طريقه، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "إياكم والفتن؛ لا يشخص إليها أحد، فوالله ما شخص فيها أحد إلا نسفته كما ينسف السيل الدمن، إنها مشبهة مقبلة حتى يقول الجاهل: هذه سنة، وتبين مدبرة، فإذا رأيتموها؛ فاجثموا في بيوتكم، وكسروا سيوفكم، وقطعوا أوتاركم، وغطوا وجوهكم".
رواه: عبد الرزاق في "مصنفه"، والحاكم في "مستدركه"، وأبو نعيم في "الحلية" من طريقه. وقال الحاكم : "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".(1/47)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « كيف بكم وبزمان (أو: يوشك أن يأتي زمان) يغربل الناس فيه غربلة، تبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فكانوا هكذا (وشبك بين أصابعه). فقالوا: كيف بنا يا رسول الله ؟ ! قال: تأخذون ما تعرفون وتذرون ما تنكرون، وتقبلون على أمر خاصتكم وتذرون أمر عامتكم » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وفي رواية لأحمد وأبي داود والنسائي والحاكم عنه رضي الله عنه؛ قال: « بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ ذكر الفتنة، فقال: إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم وكانوا هكذا (وشبك بين أصابعه) ؟ ! . قال: فقمت إليه، فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك ؟ قال: الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامة » .
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
رواه: ابن حبان في "صحيحه"، والطبراني في "الأوسط"؛ بإسنادين؛ قال الهيثمي : "رجال أحدهما رجال الصحيح".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "إذا وقع الناس في الفتنة، فقالوا: اخرج؛ لك بالناس أسوة. فقل: لا أسوة لي بالشر".(1/48)
رواه الطبراني .
وعن أبي الطفيل؛ قال: قال حذيفة رضي الله عنه: "كيف أنت وفتنة خير أهلها فيها كل غني خفي ؟ !". قال: قلت: والله ما هو إلا عطاء أحدنا، ثم نطرح هاهنا وهاهنا، ونرمى كل مرمى. قال: "أفلا تكون كابن اللبون؛ لا ركوبة فتركب، ولا حلوبة فتحلب ؟ !".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن حذيفة أيضا رضي الله عنه: أنه قال: "أتتكم الفتن مثل قطع الليل المظلم؛ يهلك فيها كل شجاع بطل، وكل راكب موضع، وكل خطيب مصقع".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن أبي الطفيل عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد رضي الله عنه: أنه قال: "أنا لغير الدجال أخوف علي وعليكم". قال: فقلنا: ما هو يا أبا سريحة ؟ قال: "فتن كأنها قطع الليل المظلم". قال: فقلنا: أي الناس فيها شر ؟ قال: "كل خطيب مصقع، وكل راكب موضع". قال: فقلنا: أي الناس فيها خير ؟ قال: "كل غني خفي". قال: فقلت: ما أنا بالغني ولا بالخفي. قال: "فكن كابن اللبون؛ لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد رواه عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر عن قتادة؛ قال: قال حذيفة - يعني ابن أسيد - (فذكره بنحوه).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: " خير الناس في الفتنة أهل شاء(1/49)
سود ترعى في شغف الجبال ومواقع القطر، وشر الناس فيها كل راكب موضع وكل خطيب مصقع".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن زيد بن وهب عن حذيفة رضي الله عنه، قال: "أتتكم الفتنة ترمي بالرضف، أتتكم الفتنة السوداء المظلمة، إن للفتنة وقفات ونقفات، فمن استطاع منكم أن يموت في وقفاتها؛ فليفعل".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وزاد في رواية أخرى عن زيد بن وهب؛ قال: "سئل حذيفة رضي الله عنه: ما وقفاتها ؟ قال: إذا غمد السيف. قال: ما نقفاتها ؟ قال: إذا سل السيف".
قال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد رواه أبو نعيم في "الحلية" بنحوه مختصرا.
ورواه ابن أبي شيبة ، ولفظه: قال: "إن للفتنة وقفات وبعثات، فإن استطعت أن تموت في وقفاتها؛ فافعل".
قال ابن منظور في "لسان العرب": " (النقف): كسر الهامة عن الدماغ ونحو ذلك، كما ينقف الظليم الحنظل عن حبه، والمناقفة: المضاربة بالسيوف على الرؤوس، ونقف رأسه ينقفه نقفا ونقحه: ضربه على رأسه حتى يخرج دماغه".
وقال أيضا تبعا لابن الأثير : "وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "اعدد اثني عشر من بني كعب بن لؤي، ثم يكون النقف والنقاف"؛ أي: القتل والقتال. و (النقف): هشم الرأس؛ أي: تهيج الفتن والحروب(1/50)
بعدهم. وفي حديث مسلم بن عقبة المري : "لا يكون إلا الوقاف ثم النقاف ثم الانصراف"؛ أي: المواقفة في الحرب ثم المناجزة بالسيوف ثم الانصراف عنها". انتهى.
« وعن حذيفة أيضا رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن تفنى أمتي حتى يظهر فيهم التمايز والتمايل والمعامع . قلت: يا رسول الله ! ما التمايز ؟ قال: التمايز عصبية يحدثها الناس بعدي في الإسلام . قلت: فما التمايل ؟ قال: تميل القبيلة على القبيلة فتستحل حرمتها . قلت: فما المعامع ؟ قال: سير الأمصار بعضها إلى بعض تختلف أعناقهم في الحرب » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد"، وتعقبه الذهبي بأن فيه سعيد بن سنان؛ قال: " وسعيد متهم به".
وقد رواه نعيم بن حماد في "الفتن" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وهذا الحديث، وإن كان ضعيف الإسناد؛ فقد ظهر مصداقه بما أحدثه الناس من العصبية في الإسلام، ومن هذه العصبية ما يسمى في زماننا بـ (القومية العربية)، وكذلك ميل القبائل بعضها على بعض، واستحلال بعضهم لحرمة بعض، وكذلك سير الأمصار بعضهم إلى بعض، واختلاف أعناقهم في الحرب؛ كل ذلك قد وقع في هذه الأمة، وهذا مما يشهد لهذا الحديث، ويدل على أن له أصلا. والله أعلم.
وعن المستظل بن الحصين؛ قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "قد علمت ورب الكعبة متى يهلك العرب ؟ إذا ولي أمرهم من لم يصحب الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يعالج أمر الجاهلية".
رواه: ابن سعد، والحاكم، والبيهقي، وقال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".(1/51)
باب
ما جاء في ذكر الفتن الكبار
وقد تقدمت الإشارة إليها في كثير من الأحاديث التي تقدم ذكرها.
وعن أبي الغادية المزني رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ستكون بعدي فتن غلاظ شداد، خير الناس فيها مسلمو أهل البوادي، الذين لا يتندون من دماء المسلمين ولا أموالهم شيئًا » .
رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير". قال الهيثمي : "وفيه حيان بن حجر، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".
وعن أبي إدريس الخولاني؛ قال: سمعت حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما يقول: والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما بي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر إلي في ذلك شيئا لم يحدثه غيري، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعد الفتن: « منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئًا، ومنهن فتن كرياح الصيف؛ منها صغار، ومنها كبار » . قال حذيفة رضي الله عنه: فذهب أولئك الرهط كلهم غيري.
رواه: الإمام أحمد، ومسلم .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يكون في هذه الأمة أربع فتن، في آخرها الفناء » .
رواه: ابن أبي شيبة، وأبو داود .
وعن حذيفة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يكون في أمتي أربع فتن، وفي الرابعة الفناء » .(1/52)
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
« وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: كنا قعودا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الفتن، فأكثر في ذكرها، حتى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله ! وما فتنة الأحلاس ؟ قال: هي هرب وحرب. ثم فتنة السراء؛ دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي، يزعم أنه مني وليس مني، وإنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع. ثم فتنة الدهيماء؛ لا تدع أحدًا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة، فإذا قيل انقضت؛ تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكم؛ فانتظروا الدجال من يومه أو غده » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والحاكم في "مستدركه"، وأبو نعيم في "الحلية"، وقال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
(الأحلاس): جمع حلس؛ بكسر الحاء وسكون اللام.
قال ابن الأثير : "وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب، شبهها به للزومها ودوامها".
وقال الخطابي : "إنما أضيفت الفتنة إلى الأحلاس؛ لدوامها وطول لبثها؛ يقال للرجل إذا كان يلزم بيته لا يبرح منه: هو حلس بيته؛ لأن الحلس يفترش فيبقى على المكان ما دام لا يرفع، وقد يحتمل أن تكون هذه الفتنة إنما شبهت بالأحلاس لسواد لونها وظلمتها".
قوله: "هي هرب وحرب".(1/53)
قال ابن الأثير : "الحرب بالتحريك: نهب مال الإنسان وتركه لا شيء له".
وقال الخطابي : "الحرب: ذهاب المال والأهل، يقال : حرب الرجل فهو حريب: إذا سلب أهله وماله".
قوله: ثم فتنة السراء .
قال القاري: "المراد بالسراء: النعماء التي تسر الناس من الصحة والرخاء والعافية من البلاء والوباء، وأضيفت إلى السراء؛ لأن السبب في وقوعها ارتكاب المعاصي بسبب كثرة التنعم، أو لأنها تسر العدو".
قوله: دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي .
قال ابن الأثير : "يعني: ظهورها وإثارتها، شبهها بالدخان المرتفع، والدخن بالتحريك: مصدر دخنت النار تدخن، إذا ألقي عليها حطب رطب فكثر دخانها ".
وقال الخطابي : " (الدخن): الدخان؛ يريد أنها تثور كالدخان من تحت قدميه".
قلت: وهذه الفتنة تنطبق على ما وقع بين أهل نجد وبين الأتراك والمصريين من الحروب العظيمة في القرن الثالث عشر من الهجرة، وقد كانت هذه الفتنة من أعظم الفتن التي وقعت في هذه الأمة، وقد وهى الإسلام بسببها وانطمست أعلامه، حتى رد الله الكرة لأهل نجد بعد ذلك، فعاد الإسلام عزيزا، ولله الحمد والمنة.
وقد يكون المراد بفتنة السراء غيرها مما وقع في هذه الأمة أو ما سيقع فيما بعد، والله أعلم بمراد رسوله صلى الله عليه وسلم.(1/54)
قوله: « ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع » :
قال ابن الأثير : "أي: يصطلحون على أمر واه؛ لا نظام له ولا استقامة؛ لأن الورك لا يستقيم على الضلع، ولا يتركب عليه؛ لاختلاف ما بينهما وبعده".
وقال الخطابي : "قوله: كورك على ضلع : مثل، ومعناه: الأمر الذي لا يثبت ولا يستقيم، وذلك أن الضلع لا يقوم بالورك ولا يحمله؛ يريد أن هذا الرجل غير خليق للملك ولا مستقل به".
قوله: ثم فتنة الدهيماء .
قال الخطابي : " (الدهيماء): تصغير الدهماء، وصغرها على مذهب المذمة لها".
وذكر ابن منظور في "لسان العرب" عن أبي عبيدة أنه قال: "قوله: الدهيماء : نراه أراد الدهماء فصغرها. قال شمر: أراد بـ (الدهماء): الفتنة السوداء المظلمة، والتصغير فيها للتعظيم".
وكذا قال ابن الأثير في "النهاية": "إن الدهيماء تصغير الدهماء؛ يريد الفتنة المظلمة، والتصغير فيها للتعظيم".
وقيل: أراد بالدهيماء الداهية، ومن أسمائها: الدهيم، زعموا أن الدهيم اسم ناقة كان غزا عليها سبعة إخوة فقتلوا عن آخرهم وحملوا عليها حتى رجعت بهم فصارت مثلا في كل داهية.
ونقل ابن منظور في "لسان العرب" عن شمر؛ قال: "سمعت ابن الأعرابي يروي عن ابن المفضل أن هؤلاء بنو الزبان بن مجالد، خرجوا في طلب إبل لهم، فلقيهم كثيف بن زهير، فضرب أعناقهم، ثم حمل رؤوسهم في جوالق، وعلقه في عنق ناقة يقال لها: الدهيم، وهي ناقة عمرو بن الزبان، ثم(1/55)
خلاها في الإبل، فراحت على الزبان، فقال لما رأى الجوالق: أظن بني صادوا بيض نعام، ثم أهوى بيده، فأدخلها في الجوالق؛ فإذا رأس، فلما رآه قال: آخر البز على القلوص، فذهبت مثلا. وقيل: أثقل من حمل الدهيم، وأشأم من الدهيم". قال: "وضربت العرب الدهيم مثلا في الشر والداهية".
قوله: « حتى يصير الناس إلى فسطاطين..... » إلى آخره:
قال ابن الأثير : " (الفسطاط) بالضم والكسر: المدينة التي فيها مجتمع الناس، وكل مدينة فسطاط".
وقال الزمخشري : "هو ضرب من الأبنية في السفر دون السرادق، وبه سميت المدينة، ويقال لمصر والبصرة: الفسطاط".
وقال ابن الأثير في "جامع الأصول": "الفسطاط: الخيمة الكبيرة، وتسمى مدينة مصر: الفسطاط، والمراد به في الحديث الفرقة المجتمعة المنحازة عن الفرقة الأخرى؛ تشبيها بانفراد الخيمة عن الأخرى، أو تشبيها بانفراد المدينة عن الأخرى" انتهى.
قلت: وفتنة الدهيماء لم تقع إلى الآن، ولعلها الفتنة التي تستنظف العرب؛ كما سيأتي ذكرها في الباب الذي بعد هذا إن شاء الله تعالى.
والدليل على أنها لم تقع إلى الآن قوله في آخر الحديث: « فإذا كان ذاكم؛ فانتظروا الدجال من يومه أو غده » ؛ فهذا يدل على أنها من آخر ما يقع في هذه الأمة من الفتن، وأنها قبيل فتنة الدجال . والله أعلم.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ستكون بعدي فتن، منها فتنة الأحلاس، يكون فيها هرب وحرب، ثم بعدها فتن أشد منها، ثم تكون فتنة؛ كلما قيل انقطعت؛ تمادت، حتى لا يبقى بيت إلا دخلته، ولا »(1/56)
« مسلم إلا شكته، حتى يخرج رجل من عترتي » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر الفتنة الرابعة: « لا ينجو من شرها إلا من دعا كدعاء الغرق، وأسعد الناس فيها كل تقي خفي: إذا ظهر لم يعرف، وإذا جلس لم يفتقد، وأشقى الناس فيها كل خطيب مصقع أو راكب موضع » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن علي رضي الله عنه: أنه قال: "ستكون فتنة عمياء مظلمة منكسفة، لا ينجو منها إلا النومة". قيل: وما النومة ؟ قال: "الذي لا يدري ما الناس فيه".
رواه العسكري في "المواعظ"، ونقله عنه صاحب "كنز العمال".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تدوم الفتنة الرابعة اثني عشر عامًا، ثم تنجلي حين تنجلي وقد انحسر الفرات عن جبل من ذهب تكب عليه الأمة، فيقتل عليه من كل تسعة سبعة » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن زيد بن وهب عن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "أتتكم الفتن ترمي بالنشف، ثم أتتكم ترمي بالرضف، ثم أتتكم سوداء مظلمة".
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وقد رواه الحاكم في "مستدركه"، ولفظه: قال: "أتتكم الفتن ترمي بالعسف، ثم التي بعدها ترمي بالرضخ، ثم التي بعدها المظلمة...." الحديث.(1/57)
قال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي الطفيل عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: "ثلاث فتن، والرابعة تسوقهم إلى الدجال : التي ترمي بالرضف، والتي ترمي بالنشف، والسوداء المظلمة التي تموج كموج البحر، والرابعة تسوقهم إلى الدجال ".
رواه: ابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد، وأبو نعيم في "الحلية"، وهذا لفظه.
قال ابن الأثير في "النهاية" وتبعه ابن منظور في "لسان العرب": "ومنه حديث حذيفة رضي الله عنه: "أظلتكم الفتن ترمي بالنشف، ثم التي تليها ترمي بالرضف"؛ يعني: أن الأولى من الفتن لا تؤثر في أديان الناس لخفتها، والتي بعدها كهيئة حجارة قد أحميت بالنار فكانت رضيفا؛ فهي أبلغ في أديانهم وأثلم لأبدانهم".
وقال ابن منظور : "وفي حديث حذيفة رضي الله عنه: أنه ذكر فتنا فقال: "أتتكم الدهيماء ترمي بالنشف، ثم التي تليها ترمي بالرضف"؛ أي: في شدتها وحرها كأنها ترمي بالرضف ". انتهى.
وعن حذيفة أيضا رضي الله عنه: أنه قال: "في هذه الأمة أربع فتن، تسلمهم الرابعة إلى الدجال : الرقطاء، والمظلمة، وهنة وهنة".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعنه رضي الله عنه أنه قال: "ليكونن فيكم أيتها الأمة أربع فتن: الرقطاء، والمظلمة، وفلانة وفلانة، ولتسلمنكم الرابعة إلى الدجال ".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".(1/58)
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: " الفتن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة أربع: فالأولى خمس، والثانية عشر، والثالثة عشرون، والرابعة الدجال ".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "تكون فتنة، ثم تكون بعدها جماعة وتوبة، ثم فتنة، ثم جماعة وتوبة.............. حتى ذكر الرابعة، ثم لا تكون بعدها توبة ولا جماعة".
رواه: ابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد في "الفتن".
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سيكون بعدي أربع فتن: الأولى يستحل فيها الدم، والثانية: يستحل فيها الدم والمال، والثالثة: يستحل فيها الدم والمال والفرج » .
رواه: الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، ولم يذكر غير ثلاث، وقد رواه نعيم بن حماد في كتاب "الفتن"، وزاد: "والرابعة الدجال ".
وقد وقع استحلال الدم بعد قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ووقع استحلال الدم والمال بعد ذلك في فتن كثيرة، ووقع استحلال الفروج في فتن كثيرة أيضا، أولها في خلافة معاوية وابنه يزيد .
فأما في خلافة معاوية رضي الله عنه؛ فذكر ابن عبد البر في "الاستيعاب" عن أبي عمرو الشيباني : أن معاوية رضي الله عنه وجه بسر بن أرطاة الفهري لقتل شيعة علي رضي الله عنه. قال ابن عبد البر : "وفي هذه الخرجة أغار بسر بن أرطاة على همدان وسبى نساءهم، فكن أول مسلمات سبين في الإسلام".
ثم روى من طريق بقي بن مخلد؛ قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة؛(1/59)
قال: حدثنا زيد بن الحباب؛ قال: حدثني موسى بن عبيدة؛ قال: "حدثنا زيد بن عبد الرحمن بن أبي سلامة عن أبي الرباب وصاحب له: أنهما سمعا أبا ذر رضي الله عنه يدعو يتعوذ في صلاة صلاها أطال قيامها وركوعها وسجودها. قال: فسألناه: مم تعوذت ؟ وفيم دعوت ؟ قال: تعوذت بالله من يوم البلاء يدركني، ويوم العورة أن أدركه. فقلنا: وما ذاك ؟ فقال: أما يوم البلاء؛ فتلتقي فئتان من المسلمين فيقتل بعضهم بعضا، وأما يوم العورة؛ فإن نساء من المسلمات يسبين، فيكشف عن سوقهن، فأيتهن كانت أعظم ساقا؛ اشتريت على عظم ساقها، فدعوت الله أن لا يدركني هذا الزمان، ولعلكما تدركانه.
قال: فقتل عثمان رضي الله عنه، ثم أرسل معاوية بسر بن أرطاة إلى اليمن، فسبى نساء مسلمات، فأقمن في السوق".
وأما في خلافة يزيد بن معاوية؛ فذلك في فتنة الحرة، حيث استحلت فيها الدماء والأموال والفروج.
قال المدائني: "أباح مسلم بن عقبة المدينة ثلاثة أيام؛ يقتلون من وجدوا من الناس، ويأخذون الأموال، ووقعوا على النساء، حتى قيل: إنه حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج".
قال المدائني : "عن أبي قرة؛ قال: قال هشام بن حسان : ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرة من غير زوج".
وقد ذكر ابن كثير وغيره: أن يزيد بن معاوية أمر مسرف بن عقبة أن يبيح المدينة ثلاثة أيام؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « أربع فتن تكون بعدي: الأولى: يسفك فيها الدماء، والثانية: يستحل فيها الدماء والأموال، والثالثة: يستحل فيها الدماء والأموال والفروج، والرابعة: صماء عمياء مطبقة »(1/60)
« تمور مور الموج في البحر حتى لا يجد أحد من الناس منها ملجأ، تطيف بالشام، وتغشى العراق، وتخبط الجزيرة بيدها ورجلها، تعرك الأمة فيها بالبلاء عرك الأديم، ثم لا يستطيع أحد من الناس أن يقول فيها: مه مه، لا يدفعونها من ناحية إلا انفتقت من ناحية أخرى » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن". قال في "كنز العمال": "ورجاله ثقات، ولكن فيه انقطاع".
قلت: وله شواهد كثيرة مما ذكر في هذا الباب وفي الباب بعده.
وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « تأتيكم من بعدي أربع فتن؛ فالرابعة الصماء العمياء المطبقة، تعرك الأمة فيها بالبلاء عرك الأديم، حتى ينكر فيها المعروف ويعرف فيها المنكر، تموت فيها قلوبهم كما تموت أبدانهم » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن". قال في "كنز العمال": "وسنده ضعيف".
قلت: وله شواهد كثيرة مما ذكر في هذا الباب وفي الباب بعده.
وعن الحكم بن نافع بلاغا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « تكون في أمتي أربع فتن، تصيب أمتي في آخرها فتن مترادفة: فالأولى: يصيبهم فيها بلاء، حتى يقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف. والثانية: حتى يقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف. ثم الثالثة؛ كلما انقطعت تمادت. والفتنة الرابعة: يصيرون فيها إلى الكفر إذا كانت الأمة مع هذا مرة ومع هذا مرة ومع هذا مرة؛ بلا إمام وجماعة، ثم المسيح، ثم طلوع الشمس من مغربها، ودون الساعة اثنان وسبعون دجالًا، منهم من لا يتبعه إلا رجل واحد » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن"، وله شواهد كثيرة.(1/61)
وعن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه؛ قال: "جعلت في هذه الأمة خمس فتن: فتنة عامة، ثم فتنة خاصة، ثم فتنة عامة، ثم فتنة خاصة، ثم تأتي الفتنة العمياء الصماء المطبقة التي يصير الناس فيها كالأنعام ".
رواه: عبد الرزاق في "مصنفه"، والحاكم في "مستدركه" من طريقه، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه الحاكم أيضا من حديث محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه؛ قال: "تكون في هذه الأمة خمس فتن: فتنة عامة، وفتنة خاصة، ثم فتنة عامة، وفتنة خاصة، ثم تكون فتنة سوداء مظلمة يكون الناس فيها كالبهائم".
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن رجل من أهل الشام يقال له عمار؛ قال: أدربنا عاما ثم قفلنا، وفينا شيخ من خثعم، فذكر الحجاج، فوقع فيه وشتمه، فقلت له: لم تسبه وهو يقاتل أهل العراق في طاعة أمير المؤمنين ؟ قال: إنه هو الذي أكفرهم. ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يكون في هذه الأمة خمس فتن » ؛ فقد مضت أربع وبقيت واحدة، وهي الصيلم، وهي فيكم يا أهل الشام، فإن أدركتها، فاستطعت أن تكون حجرا؛ فكنه، ولا تكن مع واحد من الفريقين، وإلا فاتخذ نفقا في الأرض. قلت: أنت سمعت هذا من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم.
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : " وعمار هذا لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح".
قال ابن الأثير وابن منظور : "الصيلم: الداهية، والياء زائدة".
قال ابن منظور : "والصيلم: الأمر المستأصل، ووقعة صيلمة من ذلك، والاصطلام: الاستئصال، واصطلم القوم: أبيدوا".(1/62)
وقال ابن الأثير وابن منظور أيضا في (مادة: صرم): "وفي الحديث: « في هذه الأمة خمس فتن، قد مضت أربع وبقيت واحدة، وهي الصيرم » ، وكأنها بمنزلة الصيلم، وهي الداهية التي تستأصل كل شيء، كأنها فتنة قطاعة، وهي من الصرم: القطع، والياء زائدة". انتهى.
وعن الوليد بن عياش عن إبراهيم عن علقمة؛ قال: قال ابن مسعود رضي الله عنه: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أحذركم سبع فتن تكون بعدي: فتنة تقبل من المدينة، وفتنة بمكة، وفتنة تقبل من اليمن، وفتنة تقبل من الشام، وفتنة تقبل من المشرق، وفتنة تقبل من المغرب، وفتنة من بطن الشام، وهي السفياني » .
قال: فقال ابن مسعود رضي الله عنه: منكم من يدرك أولها، ومن هذه الأمة من يدرك آخرها. قال الوليد بن عياش : فكانت فتنة المدينة من قبل طلحة والزبير، وفتنة مكة فتنة عبد الله بن الزبير، وفتنة الشام من قبل بني أمية، وفتنة المشرق من قبل هؤلاء.
رواه الحاكم في "مستدركه" من طريق نعيم بن حماد، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وتعقبه الذهبي فقال: "هذا من أوابد نعيم".
قلت : لم يكن نعيم بن حماد كذابا ولا متروكا حتى يقال: "هذا من أوابده"، وكيف يقال فيه هذا القول وقد وثقه الإمام أحمد وابن معين والعجلي ؟ ! وحسبك بتوثيق أحمد ويحيى، وقال أبو حاتم : "صدوق"، وروى عنه البخاري في "صحيحه" ومسلم في مقدمة "صحيحه"، وروى عنه أيضا ابن معين والذهلي وغيرهما من الأئمة، ومن كان بهذه المثابة عند هؤلاء الأئمة؛ فحديثه مقبول. والله أعلم.
وقد وقع مصداق هذا الحديث، سوى فتنة السفياني؛ فهي لم تقع إلى الآن، ولم يجئ في خروجه حديث صحيح يعتمد عليه.(1/63)
وقول الوليد بن عياش : "وفتنة المشرق من قبل هؤلاء": الظاهر - والله أعلم - أنه يعني السفاح وأعوانه كأعمامه وأبي مسلم الخراساني وغيرهم ممن سعى في تلك الفتنة التي وقعت بين بني العباس وبني أمية.
وأما الفتنة التي تقبل من المغرب؛ فهي - والله أعلم - ما وقع من الأتراك والمصريين من محاربة أهل نجد في القرن الثالث عشر من الهجرة، وهي من أعظم الفتن وأنكاها لدين الإسلام.
وقد وقع في اليمن فتن عظيمة، من آخرها ما وقع منذ سنوات بين إمام أهل اليمن محمد بن أحمد بن يحيى وبين المصريين وأشياعهم من أهل اليمن، وهي فتنة عظيمة؛ أريقت فيها دماء كثيرة، ونهبت فيها الأموال، وانتهكت المحارم، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وعن كرز بن علقمة الخزاعي رضي الله عنه؛ قال: « قال أعرابي: يا رسول الله ! هل للإسلام من منتهى ؟ قال: نعم؛ أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيرًا؛ أدخل عليهم الإسلام . قالوا: ثم ماذا يا رسول الله ؟ قال: ثم تقع فتن كأنها الظلل . قال: فقال أعرابي: كلا يا رسول الله ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده؛ لتعودن فيها أساود صبًا يضرب بعضكم رقاب بعض » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد، والبزار، والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
قوله: كأنها الظلل :
قال ابن الأثير وابن منظور : "هي كل ما أظلك، واحدتها: ظلة، أراد:(1/64)
كأنها الجبال أو السحب ".
و (الأساود): الحيات. قاله الزهري راوي الحديث.
وذكر ابن منظور عن شمر : أنه قال: "الأسود أخبث الحيات وأعظمها وأنكاها، وليس شيء من الحيات أجرأ منه، وربما عارض الرفقة وتبع الصوت، وهو الذي يطلب بالذحل ولا ينجو سليمه".
وقوله: "صبا".
قال ابن الأثير : " (الصبا): جمع صبوب".
وذكر ابن منظور عن الزهري - وهو راوي الحديث -: أنه قال: "هو من الصب".
قال: "والحية إذا أراد النهش؛ ارتفع ثم صب على الملدوغ".
وذكر ابن الأثير نحو هذا عن النضر بن شميل .
وذكر ابن منظور عن ابن الأعرابي: أنه قال: "صبا ينصب بعضكم على بعض بالقتل " انتهى.
وعن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « أتت الفتن كقطع الليل؛ يركب بعضها بعضًا، الآخرة أشد من الأولى » .
رواه الإمام أحمد .
وفي رواية: قال: « أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم؛ يتبع أولها آخرها، الآخرة شر من الأولى » .
إسناده جيد.
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم نصف(1/65)
النهار مشتملا بثوبه، محمرة عيناه، وهو ينادي بأعلى صوته: « أيها الناس أظلتكم الفتن كقطع الليل المظلم، أيها الناس لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرًا وضحكتم قليلًا » .
رواه الإمام أحمد، ورجاله رجال الصحيح.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرًا ولضحكتم قليلًا؛ يظهر النفاق، وترفع الأمانة، وتقبض الرحمة، ويتهم الأمين، ويؤتمن غير الأمين، أناخ بكم الشرف الجون . قالوا: وما الشرف الجون يا رسول الله ؟ قال: فتن كقطع الليل المظلم » .
رواه: ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
(الشرف)؛ بضم الشين وسكون الراء وبالفاء: جمع شارف، وهي الناقة المسنة. و (الجون): السود.
قال ابن الأثير : "شبه الفتن في اتصالها وامتداد أوقاتها بالنوق المسنة السود، ويروى هذا الحديث بالقاف؛ يعني: الفتن التي تجيء من جهة المشرق". انتهى.
« وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنها: أنه قال: يا رسول الله ! إنا كنا في شر فذهب الله بذلك الشر، وجاء بالخير على يديك؛ فهل بعد الخير من شر ؟ قال: نعم . قال: ما هو ؟ قال: فتن كقطع الليل المظلم، يتبع بعضها بعضًا، تأتيكم مشتبهة كوجوه البقر، لا تدرون أيا من أي » .
رواه الإمام أحمد .
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "هذه فتن قد أظلت كجباه البقر؛ يهلك(1/66)
فيها أكثر الناس؛ إلا من كان يعرفها قبل ذلك".
رواه: ابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد في "الفتن".
وعن خرشة بن الحر؛ قال: "قال حذيفة رضي الله عنه: كيف أنتم إذا تركت تجر خطامها، فأتتكم من هاهنا وهاهنا ؟ ! قالوا: لا ندري والله. قال: لكني والله أدري، أنتم يومئذ كالعبد وسيده، إن سبه السيد؛ لم يستطع العبد أن يسبه، وإن ضربه؛ لم يستطع العبد أن يضربه ".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن حذيفة أيضا رضي الله عنه: أنه قال: "تكون فتنة لها رجال فيضربون خيشومها حتى تذهب، ثم تكون أخرى، فيقوم لها رجال فيضربون خيشومها حتى تذهب، ثم تكون أخرى، فيقوم لها رجال، فيضربون خيشومها حتى تذهب، ثم تكون أخرى، فيقوم لها رجال، فيضربون خيشومها حتى تذهب، ثم تكون الخامسة دهماء مجللة تنبثق في الأرض كما ينبثق الماء".
رواه ابن أبي شيبة .
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "والله لا يأتيهم أمر يضجون منه؛ إلا ردفهم أمر يشغلهم عنه".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كيف أنت يا عوف إذا افترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وسائرهن في النار ؟ !. قلت: ومتى ذلك يا رسول الله ؟ قال: إذا كثرت الشرط، وملكت الإماء، وقعدت الحملان على المنابر، واتخذ القرآن مزامير، وزخرفت المساجد، ورفعت المنابر، واتخذ الفيء دولًا، والزكاة مغرمًا، والأمانة »(1/67)
« مغنمًا، وتفقه في الدين لغير الله، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه وأقصى أباه، ولعن آخر هذه الأمة أولها، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل اتقاء شره؛ فيومئذ يكون ذلك، ويفزع الناس إلى الشام، وإلى مدينة منها يقال لها: دمشق، من خير مدن الشام، فتحصنهم من عدوهم. قلت: وهل تفتح الشام ؟ قال: نعم وشيكًا، ثم تقع الفتن بعد فتحها، ثم تجيء فتنة غبراء مظلمة، ثم يتبع الفتن بعضها بعضًا، حتى يخرج رجل من أهل بيتي يقال له: المهدي، فإن أدركته فاتبعه وكن من المهتدين » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه عبد الحميد بن إبراهيم، وثقه ابن حبان، وهو ضعيف، وفيه جماعة لم أعرفهم".
وعن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة؛ قال: انتهيت إلى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وهو جالس في ظل الكعبة، فسمعته يقول: « بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر؛ إذ نزل منزلا، فمنا من يضرب خباءه، ومنا من هو في جشره، ومنا من ينتضل؛ إذ نادى مناديه: الصلاة جامعة ! قال: فاجتمعنا . قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطبنا فقال: إنه لم يكن نبي قبلي؛ إلا دل أمته على ما يعلمه خيرًا لهم، ويحذرهم ما يعلمه شرًا لهم، وإن أمتكم هذه جعلت عافيتها في أولها، وإن آخرها سيصيبهم بلاء شديد وأمور تنكرونها، تجيء فتن يرقق بعضها لبعض، تجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ! ثم تنكشف، ثم تجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه ! ثم تنكشف، فمن سره منكم أن يزحزح عن النار وأن يدخل الجنة؛ فلتدركه موتته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إمامًا، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه؛ فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه؛ فاضربوا عنق الآخر . قال: فأدخلت رأسي من بين الناس، فقلت: أنشدك بالله؛ أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأشار بيده إلى أذنيه، فقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي. »(1/68)
« قال: فقلت: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا بأكل أموالنا بيننا بالباطل، وأن نقتل أنفسنا، وقد قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } . قال: فجمع يديه، فوضعهما على جبهته، ثم نكس هنية، ثم رفع رأسه فقال: أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله عز وجل » .
رواه: الإمام أحمد - واللفظ له - ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
قوله: "ومنا من هو في جشره".
قال النووي : "هو بفتح الجيم والشين، وهي الدواب التي ترعى وتبيت مكانها".
وذكر ابن منظور عن أبي عبيد : أنه قال: " (الجشر): القوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى، ويبيتون مكانهم ولا يأوون إلى البيوت".
وقوله: "ومنا من ينتضل": هو من المناضلة، وهي المراماة بالسهام.
وقوله: "تجيء فتن يرقق بعضها لبعض":
قال النووي : "هذه اللفظة رويت على أوجه: أحدها - وهو الذي نقله القاضي عن جمهور الرواة -: يرقق؛ بضم الياء وفتح الراء وبقافين؛ أي: يصير بعضها رقيقا -أي: خفيفا- لعظم ما بعده، فالثاني يجعل الأول رقيقا، وقيل: معناه: يشبه بعضها بعضا، وقيل: يدور بعضها في بعض ويذهب ويجيء، وقيل: معناه: يسوق بعضها إلى بعض بتحسينها وتسويلها. والوجه الثاني: فيرفق؛ بفتح الياء وإسكان الراء وبعدها فاء مضمومة. والثالث: فيدفق؛ بالدال المهملة الساكنة وبالفاء المكسورة؛ أي: يدفع ويصب، والدفق الصب". انتهى.(1/69)
وفيه وجه رابع: فيدقق؛ بدال مهملة ثم قاف مشددة مكسورة؛ أي: يجعل بعضها بعضا دقيقا، وهذه رواية النسائي .
قال السندي في "حاشيته على سنن النسائي ": "وفي بعض النسخ براء ومهملة موضع الدال؛ أي: يصير بعضها بعضا رقيقا خفيا". قال: "والحاصل أن المتأخرة من الفتن أعظم من المتقدمة، فتصير المتقدمة عندها دقيقة رقيقة، وروي براء ساكنة ففاء مضمومة؛ من الرفق؛ أي: توافق بعضها بعضا، أو يجيء بعضها عقب بعض، أو في وقته، وروي بدال مهملة ساكنة ففاء مكسورة؛ أي: يدفع ويصب" انتهى.
وعن أبي إدريس الخولاني؛ قال: سمعت حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما يقول: « كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله ! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير؛ فهل بعد هذا الخير شر ؟ قال: نعم. فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال: نعم؛ وفيه دخن. قلت: وما دخنه ؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال: نعم؛ دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها؛ قذفوه فيها. فقلت: يا رسول الله ! صفهم لنا. قال: نعم؛ قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا. قلت: يا رسول الله ! فما ترى إن أدركني ذلك ؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك » .
متفق عليه، وهذا لفظ مسلم .
وفي رواية له عن أبي سلام؛ قال: « قال حذيفة بن اليمان رضي الله »(1/70)
« عنهما: قلت: يا رسول الله ! إنا كنا بشر، فجاءنا الله بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر ؟ قال: "نعم". قلت: هل وراء ذلك الشر خير ؟ قال: "نعم". قلت: فهل وراء ذلك الخير شر ؟ قال: "نعم". قلت: كيف ؟ قال: "يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس". قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال: "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك؛ فاسمع وأطع » .
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" من حديث عبد الرحمن بن قرط؛ قال: دخلت المسجد؛ فإذا حلقة كأنما قطعت رؤوسهم، وإذا فيهم رجل يحدث؛ فإذا حذيفة رضي الله عنه؛ قال: « كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر كيما أعرفه فأتقيه، وعلمت أن الخير لا يفوتني. قال: فقلت: يا رسول الله ! هل بعد هذا الخير الذي نحن فيه من شر ؟ قال: "يا حذيفة ! تعلم كتاب الله تعالى واعمل بما فيه". فأعدت قولي عليه ، فقال في الثالثة: "فتنة واختلاف". قلت: يا رسول الله ! هل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال: "يا حذيفة ! تعلم كتاب الله تعالى واعمل بما فيه". فقلت: يا رسول الله ! هل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال: "فتن على أبوابها دعاة إلى النار؛ فلأن تموت وأنت عاض على جذل شجرة خير لك من أن تتبع أحدًا منهم » .
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد رواه ابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن قرط عن حذيفة رضي الله عنه مختصرا، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تكون فتن على أبوابها دعاة إلى النار، فأن تموت وأنت عاض على جذل شجرة خير لك من أن تتبع أحدًا منهم » .(1/71)
ورواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وأبو نعيم في "الحلية"؛ من حديث نصر بن عاصم الليثي؛ قال: أتيت اليشكري في رهط من بني ليث؛ قال: ما جاء بكم يا بني ليث ؟ قلنا: جئنا نسألك عن حديث حذيفة رضي الله عنه ؟ قال: غلت الدواب، فأتينا الكوفة نجلب منها دوابا، فقلت لصاحبي: أدخل المسجد، فإذا كانت الحلقة خرجت إليها. فدخلت المسجد، فإذا حلقة كأنما قطعت رؤوسهم، مجتمعون على رجل، فجئت، فقمت، فقلت: من هذا ؟ قالوا: من أهل الكوفة أنت ؟ قلت: لا؛ بل من أهل البصرة. قالوا: لو كنت من أهل الكوفة؛ ما سألت عن هذا، هذا حذيفة بن اليمان . فدنوت منه، فسمعته يقول: « كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر وعرفت أن الخير لن يسبقني. قلت: يا رسول الله ! أبعد هذا الخير شر ؟ قال: "يا حذيفة ! تعلم كتاب الله واتبع ما فيه"؛ قالها ثلاثًا. قال: قلت: يا رسول الله ! هل بعد هذا الخير شر ؟ قال: "فتنة وشر" (وفي رواية أبي داود الطيالسي : فقال: هدنة على دخن) . قلت: يا رسول الله ! ما الهدنة على الدخن ؟ قال: "لا ترجع قلوب أقوام إلى ما كانت عليه". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثم تكون فتنة عمياء صماء، دعاة الضلالة (أو قال: دعاة النار)، فلأن تعض على جذل شجرة خير لك من أن تتبع أحدًا منهم » .
ورواه أبو داود السجستاني من حديث نصر بن عاصم؛ قال: أتينا اليشكري في رهط من بني ليث، فقال: من القوم ؟ فقلنا: بنو ليث؛ أتيناك نسألك عن حديث حذيفة (فذكر الحديث)..... « قال: قلت : يا رسول الله ! هل بعد هذا الخير شر ؟ قال: "فتنة وشر". قال: قلت: يا رسول الله ! بعد هذا الشر خير ؟ قال: "يا حذيفة ! تعلم كتاب الله واتبع ما فيه"؛ ثلاث مرات. قال: قلت: يا رسول الله ! هل بعد هذا الشر خير؟ قال: "هدنة على دخن، وجماعة على أقذاء فيها أو فيهم". قلت: يا رسول الله ! الهدنة على الدخن؛ ما هي ؟ قال: »(1/72)
« "لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه ". قال: قلت: يا رسول الله ! هل بعد هذا الخير شر ؟ قال: "فتنة عمياء صماء، عليها دعاة على أبواب النار، فإن تمت يا حذيفة وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدًا منهم » .
ورواه: أبو داود أيضا، والحاكم؛ من حديث نصر بن عاصم عن سبيع بن خالد؛ قال: أتيت الكوفة في زمن فتحت تستر أجلب منها بغالا، فدخلت المسجد؛ فإذا صدع من الرجال، وإذا رجل جالس تعرف إذا رأيته أنه من رجال أهل الحجاز. قال: قلت: من هذا ؟ فتجهمني القوم، وقالوا: أما تعرف هذا ؟ ! هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقال حذيفة رضي الله عنه: « إن الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر، فأحدقه القوم بأبصارهم، فقال: إني قد أرى الذي تنكرون، إني قلت: يا رسول الله ! أرأيت هذا الخير الذي أعطانا الله تعالى، أيكون بعده شر كما كان قبله ؟ قال: "نعم". قلت: فما العصمة من ذلك ؟ قال: "السيف". قلت: يا رسول الله ! ثم ماذا يكون ؟ قال: "إن كان لله تعالى خليفة في الأرض، فضرب ظهرك، وأخذ مالك؛ فأطعه، وإلا فمت وأنت عاض بجذل شجرة". قلت: ثم ماذا ؟ قال: "ثم يخرج الدجال معه نهر ونار، فمن وقع في ناره وجب أجره وحط وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره وحط أجره". قال: قلت: ثم ماذا ؟ قال: "هي قيام الساعة » .
هذا لفظ أبي داود .
وفي رواية الحاكم بعد قوله: « قلت: يا رسول الله ! فما العصمة من ذلك ؟ قال: "السيف ": "قلت: وهل للسيف من بقية ؟ قال: نعم. قال: قلت: ثم ماذا ؟ قال: ثم هدنة على دخن (قال: جماعة على فرقة)، فإن كان لله عز وجل يومئذ خليفة ضرب ظهرك وأخذ مالك؛ فاسمع وأطع » (وذكر بقيته بنحو ما تقدم) " .(1/73)
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" من حديث « قتادة عن سبيع بن خالد (أو خالد بن سبيع)؛ قال: غلت الدواب، فأتينا الكوفة نجلب منها دوابا، فدخلت المسجد؛ فإذا رجل صدع من الرجال حسن الثغر يعرف أنه من رجال الحجاز، وإذا ناس مشرئبون إليه، فقال: لا تعجلوا علي أحدثكم؛ فإنا كنا حديث عهد بجاهلية، فلما جاء الإسلام؛ فإذا أمر لم أر قبله مثله، وكان الله رزقني فهما في القرآن، وكان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وأسأله عن الشر ، فقلت: يا رسول الله هل بعد هذا الخير شر كما كان قبله شر ؟ قال: "نعم". قلت: فما العصمة يا رسول الله ؟ قال: "السيف". قلت: فهل للسيف من بقية ؟ فما يكون بعده ؟ قال: "يكون هدنة على دخن ". قال: قلت: فما يكون بعد الهدنة ؟ قال: "دعاة الضلالة، فإن رأيت يومئذ لله عز وجل في الأرض خليفة فالزمه وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فإن لم تر خليفة؛ فاهرب حتى يدركك الموت وأنت عاض على جذل شجرة". قلت: يا رسول الله ! فما يكون بعد ذلك ؟ قال: " الدجال » .
هذا حديث صحيح، رواته كلهم ثقات.
قوله: "صدع من الرجال": قال الخطابي : "الصدع من الرجال مفتوحة الدال: هو الشاب المعتدل القناة، ومن الوعول الفتي". وقال ابن الأثير في "النهاية": "صدع من الرجال؛ أي: رجل بين الرجلين". وقال في "غريب جامع الأصول": "الصدع بسكون الدال وربما حرك: الخفيف من الرجال الدقيق، فأما في الوعول؛ فلا يقال إلا بالتحريك". والخطابي لم يفرق بينهما في التحريك.(1/74)
وقوله: "فتجهمني القوم": قال ابن الأثير في "جامع الأصول": "تجهمت فلانا: كلحت في وجهه وتقبضت عند لقائه". وقال ابن منظور : "تجهمه وتجهم له: إذا استقبله بوجه كريه".
وقوله: "مشرئبون إليه": قال ابن منظور : "اشرأب الرجل للشيء وإلى الشيء: مد عنقه إليه".
وسيأتي تفسير قوله في الفتنة: "عمياء صماء"، في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى.
باب
ما جاء في الفتنة التي تجترف العرب
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنها ستكون فتنة تستنظف العرب، قتلاها في النار، اللسان فيها أشد من وقع السيف » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن غريب".
قلت: ورواته كلهم ثقات؛ سوى ليث بن أبي سليم؛ فقد تكلم فيه، وقد روى له البخاري في "صحيحه" تعليقا، ومسلم مقرونا بآخر، وروى عنه غير واحد من أكابر الأئمة منهم معمر وشعبة والثوري، وقال الدارقطني : "إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد "، وعلى هذا فحديثه هذا حسن إن شاء الله تعالى.
وقد رواه ابن عساكر في "تاريخه"، ولفظه: « سيكون بعدي فتن يصطلم »(1/75)
« فيها العرب، اللسان فيها أشد من السيف، قتلاها جميعًا في النار » .
قوله: "تستنظف العرب " : قال ابن الأثير وابن منظور : "أي: تستوعبهم هلاكا؛ يقال: استنظفت الشيء: إذا أخذته كله، ومنه قولهم: استنظفت الخراج، ولا يقال: نظفته". وقال علي القاري في "المرقاة": "وقيل: أي تطهرهم من الأرذال وأهل الفتن ".
قلت: وهذا قول قوي من حيث الدليل، وإن كان القول الأول أقوى من حيث اللغة.
ويشهد لما قاله القاري ما تقدم في ذكر فتنة الدهيماء : أنها لا تدع أحدًا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة . وقال فيها: حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه ؛ فهذا يدل على أن فتنة الدهيماء تنظف المؤمنين من أهل الفتن والريب والنفاق، لا أنهم يستأصلون بالكلية، وفتنة الدهيماء هي أعظم فتنة تكون قبل فتنة الدجال .
والدليل على أن الفتن لا تستوعب العرب هلاكا ما رواه: مسلم في "صحيحه"، والترمذي في "جامعه"؛ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: أخبرتني أم شريك أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « ليفرن الناس من الدجال في الجبال. قالت أم شريك : يا رسول الله فأين العرب يومئذ ؟ قال: "هم قليل » .
قال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح غريب".
ويدل على ذلك أيضا ما رواه ابن ماجه في "سننه" عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه في حديثه الطويل في ذكر الدجال، وفيه: « فقالت أم شريك بنت أبي العكر : يا رسول الله ! فأين العرب يومئذ ؟ قال: هم قليل، وجلهم يومئذ ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم »(1/76)
« الصبح؛ إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليقدم عيسى يصلي، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له: تقدم فصل؛ فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم » ... الحديث.
ويدل على ذلك أيضا ما في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في بني تميم: هم أشد أمتي على الدجال » .
وبنو تميم قبيلة كبيرة من العرب.
ويدل على ذلك أيضا ما رواه الحاكم في "مستدركه" عن حسان بن عطية عن ذي مخمر - رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن أخي النجاشي - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « تصالحون الروم صلحًا آمنًا، حتى تغزون أنتم وهم عدوًا من ورائهم، فتنصرون وتغنمون وتنصرفون، حتى تنزلوا بمرج ذي تلول، فيقول قائل من الروم: غلب الصليب ! ويقول قائل من المسلمين: بل الله غلب ! فيتداولانها بينهم، فيثور المسلم إلى صليبهم - وهم منهم غير بعيد - فيدقه، ويثور الروم إلى كاسر صليبهم فيقتلونه، ويثور المسلمون إلى أسلحتهم فيقتتلون، فيكرم الله عز وجل تلك العصابة من المسلمين بالشهادة، فيقول الروم لصاحب الروم: كفيناك حد العرب، فيغدرون، فيجتمعون للملحمة، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا » .
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
والمقصود من هذا الحديث: قول الروم لصاحبهم: "كفيناك حد العرب"، وأنهم يغدرون ويجتمعون للملحمة، وهذا يدل على أن الملحمة الكبرى تكون بين العرب والروم.
وقد روى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم؛(1/77)
من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « الملحمة الكبرى، وفتح القسطنطينية، وخروج الدجال؛ في سبعة أشهر » .
فهذه الأحاديث الأربعة دالة على بقاء جملة كبيرة من العرب بعد الفتنة العظيمة التي تقدم ذكرها في أول الباب.
وعلى هذا؛ فقوله: "تستنظف العرب "؛ معناه: أنها تستوعب أكثرهم هلاكا، وأقيم الأكثر مقام الكل كما هو شائع في كلام العرب. والله أعلم.
وقوله: "قتلاها في النار": قال بعض العلماء: "وإنما كانوا في النار لأنهم ما قصدوا بالقتال إعلاء كلمة الله ودفع الظلم أو إعانة أهل الحق، وإنما قصدوا التباهي والتفاخر، وفعلوا ذلك طمعا في المال والملك ".
قلت: وقد جاء في الحديث الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من قاتل تحت راية عمية؛ يغضب لعصبية، أو يدعو إلى عصبية، أو ينصر عصبية، فقتل؛ فقتلة جاهلية » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه؛ من حيث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي رواية لمسلم : « ومن قتل تحت راية عمية؛ يغضب للعصبة، ويقاتل للعصبة؛ فليس من أمتي » .
قال أبو زيد اللغوي : " (العمية): الدعوة العمياء؛ فقتيلها في النار".
وسيأتي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه التصريح بوقوع فتنة على دعوى جاهلية، قتلاها في النار.
وقوله: "اللسان فيها أشد من وقع السيف": هذا قد ظهر مصداقه في زماننا حين وجدت الإذاعات والصحف المنتشرة في جميع أرجاء الأرض، فكانت(1/78)
ألسنة المتكلمين فيها - بسب المخالفين لهم، وتنقصهم، وذكر مثالبهم، وتهييج الفتن بينهم، وإثارة الأحقاد والضغائن فيهم - أعظم من وقع السيف بكثير.
وهذه الفتنة العظيمة لم تقع إلى الآن، ولعلها فتنة الدهيماء التي تكون قبيل خروج الدجال . والله أعلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ستكون فتنة صماء، بكماء، عمياء، من أشرف لها استشرفت له، وإشراف اللسان فيها كوقوع السيف » .
رواه أبو داود .
قال الجوهري : "الصماء: الداهية، وفتنة صماء: شديدة".
وقال ابن الأثير وتبعه ابن منظور في "لسان العرب": "ومنه الحديث: "ستكون فتنة صماء، بكماء، عمياء"؛ أراد أنها لا تسمع، ولا تبصر، ولا تنطق؛ فهي لذهاب حواسها لا تدرك شيئا، ولا تقلع، ولا ترتفع. وقيل: شبهها لاختلاطها وقتل البريء فيها والسقيم بالأصم الأخرس الأعمى الذي لا يهتدي إلى شيء؛ فهو يخبط خبط عشواء".
وقال ابن الأثير في موضع آخر، وتبعه ابن منظور في "لسان العرب": "الفتنة الصماء العمياء: هي التي لا سبيل إلى تسكينها؛ لتناهيها في دهائها؛ لأن الأصم لا يسمع الاستغاثة، فلا يقلع عما يفعله، وقيل: هي كالحية الصماء التي لا تقبل الرقى".
وقوله: "من أشرف لها؛ استشرفت له"؛ أي: من تطلع إليها وتعرض لها؛ واتته، فوقع فيها.
وقوله: "وإشراف اللسان فيها كوقوع السيف": إشراف اللسان معناه:(1/79)
إطلاقه بالكلام فيما يثير الفتن ويهيجها، ومن ذلك ما يفعله أهل الإذاعات في زماننا؛ كما تقدم ذكره. والله أعلم.
وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « ويل للعرب من شر قد اقترب، من فتنة عمياء صماء بكماء، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، وويل للساعي فيها من الله يوم القيامة » .
رواه: نعيم بن حماد في "الفتن"، وابن حبان في "صحيحه".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "ويل للعرب من شر قد اقترب، أظلت ورب الكعبة أظلت، والله لهي أسرع إليهم من الفرس المضمر السريع، الفتنة العمياء الصماء المشبهة، يصبح الرجل فيها على أمر ويمسي على أمر، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي. ولو أحدثكم بكل الذي أعلم؛ لقطعتم عنقي من هاهنا (وأشار إلى قفاه، ويقول: ) اللهم لا تدرك أبا هريرة إمرة الصبيان".
رواه ابن أبي شيبة .
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « تكون فتنة يقتتلون عليها، على دعوى جاهلية، قتلاها في النار » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد كثر في زماننا القتل والقتال على دعوى الجاهلية، ولا سيما على إزالة الإمامة والخلافة، وإحلال الجمهورية محلها، وهذا محض التشبه بأمم الكفر والضلال في زماننا، واتباع سننهم حذو النعل بالنعل، ولا يستبعد أن تكون فتنة(1/80)
الدهيماء على هذه الدعوى الجاهلية؛ عياذا بالله من الفتن.
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه؛ قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم في عدة من أصحابه - أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن ومعاذ وحذيفة وسعد - بعد الهجرة بثمان سنين في السنة التاسعة، فقال له حذيفة : فداك أبي وأمي يا رسول الله ! حدثنا في الفتن. قال: « يا حذيفة ! أما إنه سيأتي على الناس زمان؛ القائم فيه خير من الماشي، والقاعد فيه خير من القائم، القاتل والمقتول في النار » .
رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه يزيد بن مروان الخلال، وهو ضعيف".
وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه؛ قال: « أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال: "اعدد ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطًا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا » .
رواه البخاري، وقد رواه الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم مطولا، وستأتي رواياتهم في ذكر الملاحم إن شاء الله تعالى.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن حذيفة رضي الله عنه: أنه ذكر فتنة يقال لها: الجارفة، تأتي على صريح العرب وصريح الموالي وذوي الكنوز وبقية الناس، ثم تنجلي عن أقل القليل.
رواه الحاكم في "مستدركه"، وصححه، وإسناده ضعيف.(1/81)
باب
فضل من جنب الفتن
عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه؛ قال: ايم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر؛ فواها » .
رواه أبو داود، وإسناده صحيح.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: أنه قال: "حبذا موتا على الإسلام قبل الفتن".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
باب
الصبر عند الفتن
فيه حديث المقداد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن السعيد لمن جنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر؛ فواها » .
قال الخطابي : " (واها): كلمة معناها التلهف، وقد توضع أيضا موضع الإعجاب بالشيء". وكذا قال ابن الأثير وابن منظور؛ قالا: "وقد ترد بمعنى التوجع". وقال الجوهري : "إذا تعجبت من طيب الشيء؛ قلت: واها ما أطيبه".
قال أبو النجم :
واها لريا ثم واها واها ... يا ليت عينيها لنا وفاها
بثمن نرضي به أباها(1/82)
وزاد ابن منظور في "لسان العرب":
فاضت دموع العين من جراها ... هي المنى لو أننا نلناها
قال ابن منظور : "ومن العرب من يتعجب بـ (واها)، فيقول: واها لهذا؛ أي: ما أحسنه".
قلت: وعلى هذا؛ فمعنى الحديث: التعجب من حسن فعل الصابر على البلاء وطيبه، أو التلهف على ما حصل له والتوجع لمصابه، ويحتمل أن يكون كل من هذه الأمور مرادا. والله أعلم.
وعن أبي مالك والأشعري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الفتنة ترسل ، ويرسل معها الهوى والصبر، فمن اتبع الهوى كانت قتلته سوداء ، ومن اتبع الصبر كانت قتلته بيضاء » .
رواه الطبراني بإسناد ضعيف.
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "تعودوا الصبر قبل أن ينزل بكم البلاء؛ فإنه يوشك أن ينزل بكم البلاء، مع أنه لن يصيبكم أشد مما أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
رواه: نعيم بن حماد في "الفتن"، والبيهقي، وابن عساكر في "تاريخه".
وقد ورد الأمر بالصبر عند الفتن في أحاديث كثيرة تقدم ذكرها في (باب التحذير من الفتن):
منها : حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إنها ستكون فتنة » ....... الحديث، وفيه: قال: « أفرأيت إن دخل علي بيتي، فبسط يده إلي ليقتلني ؟ قال: كن كابن آدم » .
رواه: الإمام أحمد، والترمذي .(1/83)
ومنها: حديث أبي بكرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إنها ستكون فتن » ... الحديث، وفيه: « فقال رجل: يا رسول الله ! أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين، فضربني رجل بسيفه، أو يجيء سهم فيقتلني ؟ قال: يبوء بإثمه وإثمك، ويكون من أصحاب النار » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم .
ومنها: حديث أبي موسى رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم » ........ الحديث، وفيه: « فإن دخل على أحدكم؛ فليكن كخير ابني آدم » .
رواه: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه .
ومنها: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « تكون فتنة » ..... الحديث، وفيه: « قلت: فما تأمرني إن أدركت ذلك ؟ قال: اكفف نفسك ويدك، وادخل دارك . قال: قلت: يا رسول الله ! أرأيت إن دخل رجل علي داري ؟ قال: فادخل بيتك . قال: قلت: أفرأيت إن دخل علي بيتي ؟ قال: فادخل مسجدك، واصنع هكذا (وقبض بيمينه على الكوع)، وقل: ربي الله؛ حتى تموت على ذلك » .
رواه: الإمام أحمد، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ومنها: حديث خرشة بن الحر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ستكون بعدي فتنة » ..... الحديث، وفيه: « فمن أتت عليه فليمش بسيفه إلى صفاة، فليضربه بها حتى ينكسر، ثم ليضطجع لها حتى تنجلي عما انجلت » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والطبراني .
ومنها: حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر(1/84)
فتنة................ الحديث، وفيه: قال: « فإن أدركت ذلك؛ فكن عبد الله المقتول، (أحسبه قال:) ولا تكن عبد الله القاتل » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والطبراني .
ومنها: حديث جندب بن سفيان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سيكون بعدي فتن كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا. فقال رجل من المسلمين: كيف نصنع عند ذلك يا رسول الله ؟ قال: "ادخلوا بيوتكم، وأخملوا ذكركم". فقال: أرأيت إن دخل على أحدنا بيته ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليمسك بيده، وليكن عبد الله المقتول، ولا يكن عبد الله القاتل » .
رواه الطبراني .
ومنها حديث خالد بن عرفطة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: « يا خالد ! إنه سيكون بعدي أحداث وفتن واختلاف، فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول لا القاتل؛ فافعل » .
رواه: الإمام أحمد، والبزار، والطبراني، والحاكم .
ومنها: حديث حذيفة رضي الله عنه يرفعه؛ قال: « أتتكم الفتن كقطع الليل المظلم » .... ، ثم أمر باعتزالها حتى تأتي يد خاطئة أو منية قاضية.
رواه الطبراني .
ومنها: حديث محمد بن مسلمة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إنها ستكون فتنة وفرقة واختلاف، فإذا كان كذلك؛ فأت بسيفك أحدًا، فاضربه حتى ينقطع، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية » .
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، والطبراني .(1/85)
ومنها: حديث سعيد بن زيد الأشهلي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى محمد بن مسلمة سيفا، فقال: « جاهد بهذا في سبيل الله، فإذا اختلفت أعناق الناس؛ فاضرب به الحجر، ثم ادخل بيتك، فكن حلسًا ملقى، حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية » .
رواه الطبراني .
ومنها: حديث ابن عباس رضي الله عنهما بنحو حديث سعيد بن زيد الأشهلي .
وكذلك ابن عمر رضي الله عنهما بمثله.
رواه الطبراني .
ومنها: حديث عديسة بنت أهبان عن أبيها رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ستكون فرقة وفتنة واختلاف، فإذا كان ذلك؛ فاكسر سيفك، واقعد في بيتك؛ حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية » .
رواه الإمام أحمد .
ومنها حديث أبي الأشعث الصنعاني عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه؛ قال: « أوصاني أبو القاسم صلى الله عليه وسلم إن أنا أدركت شيئًا من هذه الفتن: أن أعمد إلى أحد، وأكسر سيفي، وأقعد في بيتي، فإن دخل علي بيتي؛ قال: اقعد في مخدعك، فإن دخل عليك فاجث على ركبتيك، وتقول: بؤ بإثمي وإثمك؛ فتكون من أصحاب النار، وذلك جزاء الظالمين » .
رواه: الإمام أحمد، والبزار .
ومنها حديث ربعي بن حراش عن حذيفة رضي الله عنه: أنه قيل له: يا أبا عبد الله ! ما تأمرنا إذا اقتتل المصلون ؟ قال: "آمرك أن تنظر أقصى بيت من(1/86)
دارك، فتلج فيه، فإن دخل عليك؛ فتقول: ها ! بؤ بإثمي وإثمك، فتكون كابن آدم".
رواه الحاكم وقال: "على شرط الشيخين".
ومنها: « حديث أبي ذر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كيف أنت وقتلًا يصيب الناس حتى تغرق حجارة الزيت بالدم ؟ قلت: ما خار الله لي ورسوله. قال: "الحق بمن أنت منه". قال: قلت: يا رسول الله ! أفلا آخذ بسيفي فأضرب به من فعل ذلك ؟ قال: "شاركت القوم إذًا، ولكن ادخل بيتك" قلت: يا رسول الله ! فإن دخل بيتي ؟ قال: "إن خشيت أن يبهرك شعاع السيف؛ فألق طرف ردائك على وجهك، فيبوء بإثمه وإثمك، فيكون من أصحاب النار » .
رواه: أبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني، وابن ماجه، والحاكم، وقال: "على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ومنها: حديث أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: "إني لأعلم فتنة يوشك أن يكون الذي قبلها معها كنفجة أرنب، وإني لأعلم المخرج منها". قلنا: وما المخرج منها ؟ قال: "أمسك يدي حتى يجيء من يقتلني".
رواه الحاكم، وقال: "على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ومنها: حديث حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "إياكم والفتن، لا يشخص إليها أحد، فوالله ما شخص فيها أحد؛ إلا نسفته كما ينسف السيل الدمن، إنها مشبهة مقبلة حتى يقول الجاهل: هذه تشبه، وتبين مدبرة، فإذا رأيتموها فاجثموا في بيوتكم، وكسروا سيوفكم، وقطعوا أوتاركم، وغطوا وجوهكم".
رواه: الحاكم، وأبو نعيم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي في(1/87)
"تلخيصه".
وعن حذيفة أيضا رضي الله عنه: أنه قال: "كيف أنتم إذا سئلتم الحق فأعطيتموه وسألتم حقكم فمنعتموه ؟ ". قالوا: نصبر. قال: "دخلتموها ورب الكعبة (يعني: الجنة) ".
رواه: عبد الرزاق في "مصنفه"، وابن جرير، وهذا لفظه.
باب
الحث على كثرة الدعاء عند ظهور الفتن
فيه: حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: « أسعد الناس في الفتن كل خفي تقي، إن ظهر لم يعرف، وإن غاب لم يفتقد، وأشقى الناس فيها كل خطيب مصقع أو راكب موضع، لا يخلص من شرها إلا من أخلص الدعاء كدعاء الغرق في البحر » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن"، وتقدم في (باب ذكر الذين وكلت بهم الفتنة).
وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه: أنه قال: "تكون فتنة لا ينجي منها إلا دعاء كدعاء الغرق".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "يأتي عليكم زمان لا ينجو فيه إلا من دعا دعاء الغرق".
رواه: ابن أبي شيبة، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".(1/88)
باب
جواز التعرب في الفتنة
فيه: حديث أبي بكرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إنها ستكون فتن، ألا ثم تكون فتنة؛ القاعد فيها خير من الماشي فيها، والماشي فيها خير من الساعي إليها، ألا فإذا نزلت أو وقعت؛ فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه » .
الحديث رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، وقد تقدم بتمامه في (باب ذكر الفتن والتحذير منها).
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لعن الله من بدا بعد هجرته؛ إلا في الفتنة؛ فإن البدو خير من المقام في الفتنة » .
رواه الطبراني .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمًا يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن » .
رواه: مالك، وأحمد، والبخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
« وعن أم مالك البهزية رضي الله عنها؛ قالت: ذكر رسول الله فتنة فقربها. قالت: قلت: يا رسول الله من خير الناس فيها ؟ قال: رجل في ماشيته؛ يؤدي حقها ويعبد ربه، ورجل آخذ برأس فرسه؛ يخيف العدو ويخوفونه » .
رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وهذا لفظه، وقال: "هذا حديث غريب"، قال: "وفي الباب عن أم مبشر وأبي سعيد الخدري وابن عباس رضي(1/89)
الله عنهم".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « غشيتكم الفتن كقطع الليل المظلم، أنجى الناس فيها رجل صاحب شاهقة يأكل من رسل غنمه، أو رجل آخذ بعنان فرسه من وراء الدرب يأكل من سيفه » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن كرز بن علقمة الخزاعي رضي الله عنه؛ قال: « أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي، فقال: يا رسول الله ! هل لهذا الأمر من منتهى ؟ قال: نعم؛ فمن أراد الله به خيرًا من أعجم أو عرب؛ أدخله عليهم، ثم تقع فتن كالظلل؛ تعودون فيها أساود صبًا يضرب بعضكم رقاب بعض، وأفضل الناس يومئذ مؤمن معتزل في شعب من الشعاب؛ يتقي ربه تبارك وتعالى، ويدع الناس من شره » .
رواه: الإمام أحمد، والبزار، والطبراني . قال الهيثمي : "وأحد أسانيده رجاله رجل الصحيح".
قلت: وقد رواه: ابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد في "الفتن"؛ بنحوه.
ورواه أبو داود الطيالسي مختصرا، وإسناده على شرط الشيخين. ورواه أيضا: ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه" مختصرا وصححه، ووافقه الذهبي على تصحيحه. وقد تقدم ذكره في (باب ذكر الفتن الكبار).
وعن أبي التياح؛ قال: صلينا الجمعة، فانضم الناس بعضهم إلى بعض حتى كانوا كالرحى حول أبي رجاء العطاردي، فسألوه عن الفتنة ؟ فقال: جاء رجلان إلى مجلس عبادة بن الصامت رضي الله عنه، فقالا: يابن الصامت ! تعيد الحديث الذي حدثتناه ؟ فقال: نعم؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يوشك أن يكون خير المال شاتين مكية ومدنية؛ ترعى فوق رؤوس الضراب، »(1/90)
« تأكل من ورق القتاد والبشام، ويأكل أهله من لحمانه، ويشربون من ألبانه، وجراثيم العرب ترتهش فيها الفتن (يقولها ثلاثًا ثم قال: ) والذي نفسي بيده؛ لأن يكون لأحدكم ثلاثمائة شاة يأكل من لحمانها ويشرب من ألبانها أحب إليه من سواريكم هذه ذهبًا وفضة » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن مخول البهزي رضي الله عنه؛ قال: أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدثنا، فقال: « إنه سيأتي على الناس زمان يكون خير مال الناس غنم بين شجر؛ تأكل الشجر، وترد المياه، يأكل أهلها من رسلها، ويشربون من ألبانها، ويلبسون من أشعارها (أو قال: من أصوافها)، والفتن ترتكس بين جراثيم العرب؛ يفتنون والله، يفتنون والله، يفتنون والله (يقولها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا) » .
رواه الطبراني بإسناد ضعيف، والحديث قبله يشهد له ويقويه.
وقد تقدم حديث أبي الغادية المزني رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ستكون فتن غلاظ شداد، خير الناس فيها مسلمو أهل البوادي الذين لا ينتدون من دماء الناس ولا أموالهم شيئًا » .
رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير". قال الهيثمي : "وفيه حيان بن حجر، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".
وتقدم أيضا قول ابن مسعود رضي الله عنه: " خير الناس في الفتنة أهل شاء سود ترعى في شعف الجبال ومواقع القطر، وشر الناس فيها كل راكب موضع وكل خطيب مصقع".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن ".(1/91)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: "ليأتين على الناس زمان خير منازلهم البادية".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن ".
وعن طاوس : أنه قال: "ليأتين على الناس زمان، وخير منازلهم التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ البادية".
رواه عبد الرزاق في "مصنفه"، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص : أن أخاه عمر انطلق إلى سعد رضي الله عنه في غنم له خارجا من المدينة، فلما رآه سعد رضي الله عنه؛ قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب. فلما أتاه قال: يا أبت أرضيت أن تكون أعرابيا في غنمك والناس يتنازعون في الملك بالمدينة ؟ ! فضرب سعد رضي الله عنه صدر عمر وقال: اسكت ! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن الله عز وجل يحب العبد التقي الغني الخفي » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وهذا لفظ أحمد .
وعن الحسين بن خارجة؛ قال: "لما كانت الفتنة الأولى أشكلت علي؛ فقلت: اللهم أرني أمرا من أمر الحق أتمسك به. قال: فأريت الدنيا والآخرة، وبينهما حائط غير طويل، وإذا أنا بجائز، فقلت: لو تشبثت بهذا الجائز؛ لعلي أهبط إلى قتلى أشجع فيخبروني. قال: فهبطت بأرض ذات شجر، وإذا أنا بنفر جلوس، فقلت: أنتم الشهداء ؟ قالوا: لا؛ نحن الملائكة. قلت: فأين الشهداء ؟ قالوا: تقدم إلى الدرجات العلى، إلى محمد صلى الله عليه وسلم. فتقدمت؛ فإذا أنا بدرجة الله أعلم ما هي في السعة والحسن؛ فإذا أنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم صلى الله عليه وسلم، وهو يقول لإبراهيم : استغفر لأمتي. فقال له إبراهيم : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك؛ أراقوا دماءهم، وقتلوا إمامهم، ألا فعلوا كما فعل خليلي سعد ؟(1/92)
قلت: أراني قد أريت، أذهب إلى سعد فأنظر مع من هو فأكون معه، فأتيته فقصصت عليه الرؤيا، فما أكثر بها فرحا، وقال: قد شقي من لم يكن له إبراهيم خليلا. قلت: في أي الطائفتين أنت ؟ قال: لست مع واحد منهما. قلت: فكيف تأمرني ؟ قال: ألك ماشية ؟ قلت: لا. قال: فاشتر ماشية واعتزل فيها حتى تنجلي".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن ثعلبة بن ضبيعة؛ قال: "دخلنا على حذيفة رضي الله عنه، فقال: إني لأعرف رجلا لا تضره الفتن شيئا. قال: فخرجنا؛ فإذا فسطاط مضروب فدخلنا؛ فإذا فيه محمد بن مسلمة، فسألناه عن ذلك فقال: ما أريد أن يشتمل على شيء من أمصاركم حتى تنجلي عما انجلت".
رواه: أبو داود، والحاكم في "مستدركه"، وصححه، ووافقه الذهبي على تصحيحه.
وفي رواية لأبي داود عن محمد بن سيرين؛ قال: قال حذيفة رضي الله عنه: ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه؛ إلا محمد بن مسلمة؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تضرك الفتنة » .
باب
فضل العبادة في زمن الفتن
عن معقل بن يسار رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « العبادة في الهرج كهجرة إلي » .(1/93)
رواه: أبو داود الطيالسي، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن غريب".
ورواه الإمام أحمد، ولفظه: قال: « العبادة في الفتنة كالهجرة إلي » .
ورواه الطبراني في "الصغير"، ولفظه: قال: « العمل في الهرج والفتنة كالهجرة إلي » .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: "وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم ولا يرجعون إلى دين؛ فيكون حالهم شبيها بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه، ويتبع مراضيه، ويجتنب مساخطه؛ كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مؤمنا به، متبعا لأوامره، مجتنبا لنواهيه". انتهى.
باب
النهي عن بيع السلاح في الفتنة
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم « نهى عن بيع السلاح في الفتنة » .
رواه البزار بإسناد ضعيف.
باب
تحريم قتال المسلمين والتشديد في ذلك
عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من حمل علينا السلاح؛ فليس منا » .(1/94)
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والشيخان، والنسائي، وابن ماجه .
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « من حمل علينا السلاح؛ فليس منا » .
رواه: الشيخان، والترمذي، وابن ماجه . وقال الترمذي : "حديث حسن صحيح".
ولفظ ابن ماجه : « من شهر علينا السلاح؛ فليس منا » .
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « من سل علينا السيف؛ فليس منا » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، والدارمي .
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من حمل علينا السلاح؛ فليس منا » .
رواه: مسلم، وابن ماجه .
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من حمل علينا السلاح؛ فليس منا » .
رواه الإمام أحمد .
وعن عمرو بن عوف رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من شهر علينا السلاح؛ فليس منا » .
رواه البزار .
وعن ابن الزبير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « ليس منا من حمل »(1/95)
« علينا السلاح » .
رواه الطبراني .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « من حمل علينا السلاح؛ فليس منا » .
رواه الطبراني .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من رمانا بالنبل؛ فليس منا » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "وفيه يحيى بن أبي سليمان؛ وثقه ابن حبان، وضعفه آخرون، وبقية رجاله رجال الصحيح".
قلت: إذا كان الأمر هكذا فيمن رمى المسلمين بالنبل؛ فكيف بمن رماهم بالقنابل ونحوها من الأسلحة المدمرة التي تهلك الحرث والنسل؛ كما يفعله بعض المنتسبين إلى الإسلام في زماننا ؟ وهؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } .
وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار » .
متفق عليه.
وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال أبو القاسم(1/96)
صلى الله عليه وسلم: « من أشار إلى أخيه بحديدة؛ فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه » .
ورواه الإمام أحمد بنحوه.
ورواه الترمذي مختصرا، وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب"، قال: "وفي الباب عن أبي بكرة وعائشة وجابر رضي الله عنهم".
وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يشهرن أحد على أخيه بالسيف؛ لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من حفر النار » .
رواه الطبراني .
وعن أبي بكرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إذا شهر المسلم على أخيه سلاحًا؛ فلا تزال ملائكة الله تلعنه حتى يشيمه عنه » .
رواه البزار .
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم « كان ينهى أن يسل المسلم على المسلم السلاح » .
رواه: البزار والطبراني .
وعن أبي بكرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا أشار المسلم على أخيه المسلم بالسلاح؛ فهما على جرف جهنم، فإذا قتله خرا جميعًا فيها » .
رواه: أبو داود الطيالسي، والنسائي .
ورواه: الإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إذا
»(1/97)
« المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح؛ فهما على جرف جهنم، فإذ قتل أحدهما صاحبه دخلاها جميعًا » .
ورواه النسائي بهذا اللفظ ولم يرفعه.
وعن الحسن - البصري - عن الأحنف بن قيس؛ قال: خرجت وأنا أريد هذا الرجل، فلقيني أبو بكرة رضي الله عنه، فقال: أين تريد يا أحنف ؟ قال: قلت: أريد نصر ابن عم رسول الله - يعني: عليا - قال: فقال لي: يا أحنف ارجع؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إذا تواجه المسلمان بسيفيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار » . قال: فقلت (أو قيل): يا رسول الله ! هذا القاتل؛ فما بال المقتول ؟ قال: إنه قد أراد قتل صاحبه .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، وهذا لفظ مسلم .
وفي رواية للبخاري : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إذا التقى المسلمان بسيفيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار . فقلت: يا رسول الله ! هذا القاتل، فما بال المقتول ؟ ! قال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه » .
ورواه النسائي أيضا بنحوه.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إذا تواجه المسلمان بسيفيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار » . قال: فقلت (أو قيل): يا رسول الله هذا القاتل؛ فما بال المقتول ؟ قال: « إنه قد أراد قتل صاحبه » .
رواه: الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجه؛ بأسانيد صحيحة.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « ما من مسلمين التقيا بأسيافهما؛ إلا كان القاتل والمقتول في النار » .(1/98)
رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والشيخان، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « قتال المسلم كفر، وسبابه فسوق » .
رواه: الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وأبو يعلى، والطبراني والضياء في "المختارة".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر » .
رواه ابن ماجه، وإسناده حسن.
وعن عمرو بن النعمان بن مقرن رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال صحيح؛ غير أبي خالد الوالبي، وهو ثقة".
وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر » .
رواه الطبراني في "الأوسط"، وفي إسناده ضعف.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال في حجة الوداع:(1/99)
« ويحكم (أو قال: ويلكم)؛ لا تراجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
زاد النسائي : « ولا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه » .
وعن جرير رضي الله عنه؛ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: « استنصت الناس. ثم قال: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض » .
رواه: أبو داود الطيالسي، والشيخان، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر: « لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، وقال: "هذا حديث حسن صحيح"، قال: "وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وجرير وابن عمر وكرز بن علقمة وواثلة بن الأسقع والصنابحي رضي الله عنهم".
وعن أبي بكرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر: « لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وهذا لفظ البخاري .
ولفظ مسلم : « لا ترجعوا بعدي كفارًا أو ضلالًا يضرب بعضكم رقاب بعض » .
ورواه: أبو داود الطيالسي، والنسائي، ولفظهما؛ قال: « لا ترجعوا بعدي كفارًا أو ضلالًا يضرب بعضكم رقاب بعض » .(1/100)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني . قال الهيثمي : "ورجالهم رجال الصحيح".
وزاد في رواية للبزار : « ولا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه » .
قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
وعن الصنابحي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إني مكاثر بكم الأمم؛ فلا ترجعن بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى .
ورواه ابن ماجه بإسناد صحيح، ولفظه: عن الصنابح الأحمسي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ألا إني فرطكم على الحوض، وإني مكاثر بكم الأمم؛ فلا تقتلن بعدي » .
ورواه الإمام أحمد بنحوه، وإسناده صحيح.
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال لأصحابه: « لا أعرفنكم ترجعون بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض » .
رواه: البزار، وأبو يعلى؛ بإسناد ضعيف.
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قي حجة الوداع: « لا ترتدوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، لا يؤخذ الرجل بجريرة أخيه ولا بجريرة أبيه » .
رواه الطبراني بإسناد ضعيف.(1/101)
وعن أبي حرة الرقاشي عن عمه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في وسط أيام التشريق: « ألا لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض » .
رواه الإمام أحمد .
وعن حجير بن أبي حجير رضي الله عنه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع (فذكر الحديث، وفيه): « لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض » .
رواه الطبراني . قال الحافظ ابن حجر : "وإسناده صالح".
وعن أبي غادية الجهني رضي الله عنه؛ قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العقبة (فذكر الحديث، وفيه): « ألا لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
قلت : ورواه يعقوب بن شيبة في "مسنده"، ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في "الكبير" بإسنادين. قال الهيثمي : "رجال أحدهما رجال الصحيح".
باب
تعظيم قتل المسلم بغير حق
قال الله تعالى: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لزوال الدنيا
»(1/102)
« أهون عند الله من قتل رجل مسلم » .
رواه: النسائي، والترمذي مرفوعا وموقوفا، ورجح الترمذي الموقوف.
وعن بريدة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا » .
رواه: النسائي، والبيهقي .
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق » .
رواه ابن ماجه . قال المنذري : "وإسناده حسن". وقال البوصيري في "الزوائد": "وإسناده صحيح، ورجاله موثقون".
ورواه البيهقي والأصبهاني، وزادا فيه: « ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن؛ لأدخلهم الله النار » .
وفي رواية للبيهقي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لزوال الدنيا أهون على الله من دم سفك بغير حق » .
وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن؛ لأكبهم الله في النار » .
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث حسن غريب".
وعن أبي بكرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لو أن أهل السماء وأهل الأرض اجتمعوا على قتل مسلم؛ لكبهم الله جميعًا على وجوههم في النار » . رواه الطبراني .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لو اجتمع أهل »(1/103)
« السماء والأرض على قتل مؤمن؛ لكبهم الله في النار » .
رواه الطبراني .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: « قتل بالمدينة قتيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم من قتله، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر، فقال: يا أيها الناس ! يقتل قتيل وأنا فيكم ولا يعلم من قتله ! لو اجتمع أهل السماء والأرض على قتل مؤمن لعذبهم الله؛ إلا أن يفعل ما يشاء » .
رواه البيهقي، ورواه الطبراني بنحوه؛ إلا أنه قال: « لعذبهم الله بلا عدد ولا حساب » . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح، غير عطاء بن أبي مسلم؛ وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة ".
وعن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال: « قتل قتيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر خطيبا، فقال: ألا تعلمون من قتل هذا القتيل؟ بين أظهركم (ثلاث مرات). قالوا: اللهم لا. فقال: والذي نفس محمد بيده؛ لو أن أهل السماوات والأرض اجتمعوا على قتل مؤمن؛ أدخلهم الله جميعًا جهنم » .
رواه: البزار، والحاكم؛ بإسناد ضعيف.
وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين الجنة ملء كف من دم امرئ مسلم يهريقه كأنما يذبح دجاجة، كلما تعرض لباب من أبواب الجنة؛ حال بينه وبينه، ومن استطاع منكم أن لا يجعل في بطنه إلا طيبًا؛ فليفعل؛ فإن أول ما ينتن من الإنسان بطنه » .
رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط". قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح". وقال المنذري : "رواته ثقات ". ورواه البيهقي مرفوعا وموقوفا،(1/104)
وقال: "والصحيح أنه موقوف".
قلت: وقد رواه البخاري في كتاب "الأحكام" من صحيحه موقوفا، وذكر الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" رواية الطبراني له مرفوعا، ثم قال: "وهذا لو لم يرد مصرحا برفعه لكان في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال بالرأي، وهو وعيد شديد لقتل المسلم بغير حق" انتهى.
وعن عبد الملك بن مروان؛ قال: كنت أجالس بريرة بالمدينة قبل أن ألي هذا الأمر، فكانت تقول: يا عبد الملك إني لأرى فيك خصالا، وخليق أن تلي أمر هذه الأمة، فإن وليته فاحذر الدماء؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن الرجل ليدفع عن باب الجنة أن ينظر إليها على محجمة من دم يريقه من مسلم بغير حق » .
رواه الطبراني، وفي إسناده ضعف.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يرفعه؛ قال: « لا يعجبك رحب الذراعين يسفك الدماء؛ فإن له عند الله قاتلًا لا يموت » .
رواه: أبو داود الطيالسي والطبراني؛ بإسناد ضعيف.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري .
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: « إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله » .
رواه البخاري .
وعن خالد بن دهقان؛ قال: كنا في غزوة القسطنطينية بذلقية، فأقبل رجل(1/105)
من أهل فلسطين من أشرافهم وخيارهم، يعرفون ذلك له، يقال له: هانئ بن كلثوم بن شريك الكناني، فسلم على عبد الله بن أبي زكريا، وكان يعرف له حقه. قال لنا خالد : فحدثنا عبد الله بن أبي زكريا؛ قال: سمعت أم الدرداء تقول: سمعت أبا الدرداء رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « كل ذنب عسى الله أن يغفره؛ إلا من مات مشركًا، أو مؤمنًا قتل مؤمنًا متعمدًا » .
فقال هانئ بن كلثوم : سمعت محمود بن الربيع يحدث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « من قتل مؤمنًا، فاعتبط بقتله؛ لم يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا » . قال لنا خالد : ثم حدثنا ابن أبي زكريا عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا يزال المؤمن معنقًا صالحًا ما لم يصب دمًا حرامًا، فإذا أصاب دمًا حرامًا؛ بلح » . وحدث هانئ بن كلثوم عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله سواء.
رواه أبو داود، وإسناده جيد.
ثم روى أبو داود عن خالد بن دهقان : سألت يحيى بن يحيى الغساني عن قوله: "اعتبط بقتله" ؟ قال: الذين يقاتلون في الفتنة، فيقتل أحدهم، فيرى أنه على هدى، فلا يستغفر الله تعالى؛ يعني: من ذلك.
قال ابن الأثير في "النهاية": "وهذا تفسير يدل على أنه من الغبطة؛ بالغين المعجمة، وهي الفرح والسرور وحسن الحال؛ لأن القاتل يفرح بقتل خصمه، فإذا كان المقتول مؤمنا، وفرح بقتله؛ دخل في هذا الوعيد".
وقال الخطابي في "معالم السنن": "قوله: "فاعتبط قتله"؛ يريد أنه قتله ظلما لا عن قصاص، يقال: عبطت الناقة واعتبطتها: إذا نحرتها من غير داء أو آفة تكون بها، ومات فلان عبطة: إذا كان شابا واحتضر قبل أوان الشيب والهرم،(1/106)
قال أمية بن أبي الصلت :
من لم يمت عبطة يمت هرما
"
وقال ابن الأثير : "كل من مات بغير علة فقد اعتبط، ومات فلان عبطة؛ أي: شابا صحيحا".
وقوله: "معنقا": قال الخطابي : "يريد خفيف الظهر، يعنق في مشيه سير المخف، والعنق: ضرب من السير وسيع، يقال: أعنق الرجل في سيره فهو معنق، وهو من نعوت المبالغة". وقال ابن الأثير : "معنقا صالحا؛ أي: مسرعا في طاعته، منبسطا في عمله، وقيل: أراد يوم القيامة".
وقوله: "بلح": قال الخطابي : "معناه: أعيا وانقطع، ويقال: بلح علي الغريم: إذا قام عليك فلم يعطك حقك، وبلحت الركية: إذا انقطع ماؤها".
وقال ابن الأثير : "بلح الرجل: إذا انقطع من الإعياء، فلم يقدر أن يتحرك، وقد أبلحه السير فانقطع به، يريد به وقوعه في الهلاك بإصابة الدم الحرام، وقد تخفف اللام ". انتهى.
وعن معاوية رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « كل ذنب عسى الله أن يغفره؛ إلا الرجل يموت كافرًا، أو الرجل يقتل مؤمنًا متعمدًا » .
رواه: الإمام أحمد، والنسائي، والحاكم في "مستدركه"، وقال "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « كل ذنب عسى الله أن يغفره؛ إلا الرجل يموت مشركًا أو الرجل يقتل مؤمنًا متعمدًا » .
رواه: أبو داود وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".(1/107)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه سأله سائل ؟ فقال: يا أبا العباس ! هل للقاتل من توبة ؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما كالمعجب من شأنه: ماذا تقول ؟ ! فأعاد عليه مسألته. فقال: ماذا تقول؛ مرتين أو ثلاثا ؟ ! قال ابن عباس رضي الله عنهما: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: « يأتي المقتول؛ معلقًا رأسه بإحدى يديه، ملببًا قاتله باليد الأخرى، تشخب أوداجه دمًا، حتى يأتي به العرش، فيقول المقتول لرب العالمين: هذا قتلني. فيقول الله عز وجل للقاتل: تعست ! ويذهب به إلى النار » .
رواه الطبراني في "الأوسط"، وقال المنذري والهيثمي : "رواته رواة الصحيح".
وقد رواه: الترمذي، والنسائي؛ من حديث عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة؛ ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخب دمًا؛ يقول: يا رب ! قتلني هذا، حتى يدنيه من العرش » . قال: فذكروا لابن عباس رضي الله عنهما التوبة، فتلا هذه الآية: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } . قال: ما نسخت هذه الآية ولا بدلت، وأنى له التوبة ؟ !.
قال الترمذي : "هذا حديث حسن".
وسيأتي نحو هذا عن ابن مسعود وجندب في (باب القتال على الملك) إن شاء الله تعالى.
وعن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلا أتاه فقال: أرأيت رجلا قتل رجلا متعمدا ؟ قال: جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما. قال: لقد أنزلت في آخر ما نزل، ما نسخها شيء حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نزل وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أرأيت(1/108)
إن تاب وعمل صالحا ثم اهتدى ؟ قال: وأنى له بالتوبة وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ثكلته أمه، رجل قتل رجلًا متعمدًا، يجيء يوم القيامة آخذًا قاتله بيمينه (أو بيساره)، وآخذًا رأسه بيمينه (أو شماله)، تشخب أوداجه دمًا، في قبل العرش؛ يقول: يا رب سل عبدك فيم قتلني ؟ » .
رواه: الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وهذا لفظ أحمد .
وعن سعيد بن جبير؛ قال: "سألت ابن عباس رضي الله عنهما ، فقال: لما نزلت التي في الفرقان: { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } ؛ قال مشركو أهل مكة: قد قتلنا النفس التي حرم الله، ودعونا مع الله إلها آخر، وأتينا الفواحش. فأنزل الله: { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } ؛ فهذه لأولئك.
قال: وأما التي في النساء: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } .... الآية؛ قال: الرجل إذا عرف شرائع الإسلام ثم قتل مؤمنا متعمدا؛ فجزاؤه جهنم، لا توبة له. فذكرت هذا لمجاهد ، فقال: إلا من ندم".
رواه: الشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن جرير، وهذا لفظ أبي داود، وقد رواه الحاكم في "مستدركه" بنحو رواية أبي داود، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه؛ قال: "نزلت هذه الآية: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا } ، بعد التي في الفرقان: { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } ؛ بستة أشهر ".
رواه: أبو داود، والنسائي .(1/109)
وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يخرج عنق من النار يتكلم؛ يقول: وكلت اليوم بثلاثة: بكل جبار عنيد، ومن جعل مع الله إلهًا آخر، ومن قتل نفسًا بغير حق، فينطوي عليهم، فيقذفهم في حمراء جهنم » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والطبراني في "الأوسط" بإسنادين؛ قال المنذري والهيثمي : "رواة أحدهما رواة الصحيح".
ورواه البزار، ولفظه: « يخرج عنق من النار يتكلم بلسان طلق ذلق، لها عينان تبصر بهما، ولها لسان تتكلم به، فتقول: إني أمرت بمن جعل مع الله إلهًا آخر، وبكل جبار عنيد، وبمن قتل نفسًا بغير نفس، فتنطلق بهم قبل سائر الناس بخمسمائة عام » .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « اجتنبوا السبع الموبقات. قيل: يا رسول الله ! وما هن ؟ قال: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات » .
رواه: الشيخان، وأبو داود، والنسائي .
(الموبقات): هن المهلكات.
وقد جاء ذكر قتل النفس بغير حق مع الكبائر في عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فرواه: الإمام أحمد، والشيخان؛ من حديث أنس رضي الله عنه. ورواه: الإمام أحمد، والنسائي؛ من حديث أبي أيوب رضي الله عنه. ورواه: أبو داود، والنسائي، والحاكم؛ من حديث عمير بن قتادة رضي الله عنه. ورواه ابن جرير، وابن مردويه؛ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. ورواه ابن(1/110)
مردويه عن عمرو بن حزم رضي الله عنه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لا حرج إلا في قتل مسلم (ثلاث مرات) » .
رواه الطبراني .
قال ابن الأثير : "الحرج: الضيق، ويقع على الإثم والحرام، وقيل: الحرج: أضيق الضيق". انتهى.
وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من لقي الله عز وجل لا يشرك به شيئًا، لم يتند بدم حرام؛ دخل الجنة » .
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه .
وفي رواية أحمد؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ليس من عبد يلقى الله عز وجل؛ لا يشرك به شيئًا، لم يتند بدم حرام؛ إلا دخل الجنة، من أي أبواب الجنة شاء » .
ورواه الحاكم في "مستدركه"، وصححه الذهبي في "تلخيصه".
وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من مات لا يشرك بالله شيئًا، ولم يتند بدم حرام؛ دخل من أي أبواب الجنة شاء » .
رواه الحاكم في "مستدركه".
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « إذا أصبح إبليس؛ بث جنوده، فيقول: من أضل اليوم مسلمًا؛ ألبسته التاج. قال : فيجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى طلق امرأته. فيقول: يوشك أن يتزوج. ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى عق والديه. فيقول: يوشك أن يبرهما. ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى أشرك. فيقول: أنت أنت. ويجيء هذا فيقول: لم »(1/111)
« أزل به حتى قتل، فيقول: أنت أنت. ويلبسه التاج » .
رواه: ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه » .
رواه البخاري .
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: "أخبر صلى الله عليه وسلم أن أبغض الناس إلى الله هؤلاء الثلاثة، وذلك لأن الفساد إما في الدين وإما في الدنيا، فأعظم فساد الدنيا قتل النفوس بغير حق، ولهذا كان أكبر الكبائر بعد أعظم فساد الدين الذي هو الكفر". انتهى.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن أعتى الناس على الله من قتل في حرم الله، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحول الجاهلية » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، ورجاله ثقات.
(الذحول): جمع ذحل؛ بفتح الذال وسكون الحاء.
قال ابن الأثير : "الذحل: الوتر، وطلب المكافأة بجناية جنيت عليه من قتل أو جرح ونحو ذلك، والذحل: العداوة أيضا". انتهى.
وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: وجد في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابان: « إن أشد الناس عتوا: رجل ضرب غير ضاربه، ورجل قتل غير قاتله، ورجل تولى غير أهل نعمته، فمن فعل ذلك فقد كفر بالله ورسوله، ولا يقبل منه صرف ولا عدل » .(1/112)
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي شريح العدوي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ومن أعتى الناس على الله تعالى من قتل غير قاتله، أو طلب بدم في الجاهلية من أهل الإسلام، ومن يصر عينيه في النوم ما لم تبصر » .
رواه: الإمام أحمد ، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
« وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه: أنه قال: يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلًا من الكفار، فقاتلني، فضرب إحدى يدي بالسيف، فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله. أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقتله ". قال: فقلت: يا رسول الله إنه قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها، أفأقتله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقتله؛ فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال » .
رواه: الإمام أحمد ، والشيخان، وأبو داود، والنسائي .
« وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما؛ قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة، فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلًا منهم، فلما غشيناه؛ قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته. قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا أسامة أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله ؟ . قال: قلت : يا رسول الله ! إنما كان متعوذًا. قال: فقال: "أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله ؟" قال: فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي .(1/113)
وفي رواية لمسلم : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أقال لا إله إلا الله وقتلته ؟ قال: قلت: يا رسول الله ! إنما قالها خوفًا من السلاح. قال: "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ؟ " » .
وقد رواه ابن إسحاق من حديث أسامة بن محمد بن أسامة عن أبيه عن جده أسامة رضي الله عنه بنحوه، وزاد فيه: « فقلت: إني أعطي الله عهدًا أن لا أقتل رجلًا يقول لا إله إلا الله أبدًا. فقال: بعدي يا أسامة. فقلت: بعدك » .
وعن صفوان بن محرز : أنه حدث « أن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه بعث إلى عسعس بن سلامة زمن فتنة ابن الزبير، فقال: اجمع لي نفرا من إخوانك حتى أحدثهم، فبعث رسولا إليهم، فلما اجتمعوا جاء جندب وعليه برنس أصفر، فقال: تحدثوا بما كنتم تحدثون به، حتى دار الحديث، فلما دار الحديث إليه حسر البرنس عن رأسه، فقال: إني أتيتكم ولا أريد إلا أن أخبركم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثًا من المسلمين إلى قوم من المشركين، وإنهم التقوا، فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وإن رجلًا من المسلمين قصد غفلته - قال: وكنا نحدث أنه أسامة بن زيد - فلما رفع عليه السيف قال: لا إله إلا الله. فقتله، فجاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فأخبره حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع، فدعاه فسأله، فقال: "لم قتلته؟". قال: يا رسول الله أوجع في المسلمين، وقتل فلانًا وفلانًا (وسمى له نفرًا )، وإني حملت عليه، فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقتلته ؟". قال: نعم. قال: "فكيف تصنع بـ (لا إله إلا الله) إذا جاءت يوم القيامة ؟". قال: يا رسول الله استغفر لي . قال: "وكيف تصنع بـ (لا إله إلا الله) إذا جاءت يوم القيامة ؟ » .(1/114)
رواه: مسلم .
وعن عقبة بن مالك الليثي رضي الله عنه؛ قال: « بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، فأغارت على قوم، فشذ من القوم رجل، فأتبعه رجل من السرية شاهرًا سيفه، فقال الشاذ من القوم: إني مسلم ! فلم ينظر فيما قال، فقتله، فنمي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال فيه قولًا شديدًا، فبلغ القاتل، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب؛ إذ قال القاتل: والله ما قال الذي قال إلا تعوذًا من القتل. قال: فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وعمن قبله من الناس، وأخذ في خطبته. ثم قال أيضًا: يا رسول الله ! ما قال الذي قال إلا تعوذًا من القتل. فأعرض عنه وعمن قبله من الناس، وأخذ في خطبته. ثم لم يصبر حتى قال الثالثة: والله يا رسول الله ما قال الذي قال إلا تعوذًا من القتل، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرف المساءة في وجهه، فقال: إن الله أبى على من قتل مؤمنًا (ثلاثًا) » .
رواه: الإمام أحمد، والنسائي، وأبو يعلى، والطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير بشر بن عاصم الليثي، وهو ثقة".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: « بعث النبي صلى الله عليه وسلم محلم بن جثامة مبعثًا، فلقيهم عامر بن الأضبط، فحياهم بتحية الإسلام، وكانت بينهم إحنة في الجاهلية، فرماه محلم بسهم فقتله، فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكلم فيه عيينة والأقرع، فقال الأقرع: يا رسول الله ! سن اليوم وغير غدًا. فقال عيينة: لا والله؛ حتى تذوق نساؤه من الثكل ما ذاق نسائي. فجاء محلم في بردين، فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا غفر الله لك ". فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه، فما مضت له سابعة؛ حتى مات ودفنوه، فلفظته الأرض، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا ذلك له، فقال: "إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم، ولكن الله أراد أن يعظكم". ثم طرحوه »(1/115)
« بين صدفي جبل، وألقوا عليه من الحجارة، ونزلت: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا } ... الآية » .
« وعن عمران بن الحصين رضي الله عنهما؛ قال: أتى نافع بن الأزرق وأصحابه، فقالوا: هلكت يا عمران ! قال: ما هلكت. قالوا: بلى. قال: ما الذي أهلكني ؟ قالوا: قال الله: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } . قال: قد قاتلناهم حتى نفيناهم، فكان الدين كله لله، إن شئتم حدثتكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: وأنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم؛ شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بعث جيشًا من المسلمين إلى المشركين، فلما لقوهم قاتلوهم قتالًا شديدًا ، فمنحوهم أكتافهم ، فحمل رجل من لحمتي على رجل من المشركين بالرمح، فلما غشيه قال: أشهد أن لا إله إلا الله؛ إني مسلم. فطعنه فقتله، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ! هلكت. قال: "وما الذي صنعت؟ (مرة أو مرتين) " فأخبره بالذي صنع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فهلا شققت عن بطنه فعلمت ما في قلبه !". قال: يا رسول الله ! لو شققت بطنه لكنت أعلم ما في قلبه ؟ قال: "فلا أنت قبلت ما تكلم به، ولا أنت تعلم ما في قلبه". قال: فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يلبث إلا يسيرًا حتى مات، فدفناه، فأصبح على ظهر الأرض، فقالوا: لعل عدوًا نبشه ! فدفناه ، ثم أمرنا غلماننا يحرسونه، فأصبح على ظهر الأرض، فقلنا: لعل الغلمان نعسوا ! فدفناه ثم حرسناه بأنفسنا، فأصبح على ظهر الأرض، فألقيناه في بعض تلك الشعاب » .
رواه ابن ماجه، وإسناده صحيح على شرط مسلم .
وفي رواية له عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما؛ قال: « بعثنا رسول »(1/116)
« الله صلى الله عليه وسلم في سرية؛ فحمل رجل من المسلمين على رجل من المشركين (فذكر الحديث وزاد فيه: ) فنبذته الأرض، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "إن الأرض لتقبل من هو شر منه، ولكن الله أحب أن يريكم تعظيم حرمة لا إله إلا الله » .
إسناده حسن.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال : « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك وأطيب ريحك ! ما أعظمك وأعظم حرمتك ! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك؛ ماله ودمه وأن نظن به إلا خيرًا » .
رواه ابن ماجه، وإسناده حسن.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والشيخان، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقتل نفس ظلمًا؛ إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .
باب
ما جاء فيمن أمر بقتل مسلم
عن مرثد بن عبد الله المزني عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القاتل والآمر ؟ فقال: « قسمت النار سبعين جزءًا؛ فللآمر تسعة »(1/117)
« وستون، وللقاتل جزء، وحسبه » .
رواه الإمام أحمد .
قال الهيثمي : "ورجاله رجال صحيح؛ غير محمد بن إسحاق، وهو ثقة، ولكنه مدلس".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله جزأ النار سبعين جزءًا، تسعة وستون للآمر، وجزء للقاتل، وحسبه » .
رواه الطبراني في "الصغير"، وفي إسناده ضعف.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يؤتى بالقاتل والمقتول يوم القيامة، فيقول: أي رب ! سل هذا فيم قتلني ؟ فيقول: أي رب ! أمرني هذا. فيؤخذ بأيديهما جميعًا، فيقذفان في النار » .
رواه الطبراني .
قال الهيثمي : " رجاله كلهم ثقات".
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « يقعد المقتول بالجادة، فإذا مر به القاتل أخذه، فيقول: يا رب ! هذا قطع علي صومي وصلاتي. قال: "فيعذب القاتل والآمر به » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه شهر بن حوشب، وقد وثق، وفيه ضعف".
قلت: قد وثقه أحمد وابن معين وحسبك بتوثيقهما، ووثقه أيضا العجلي والفسوي، وقال أبو زرعة : "لا بأس به"، وروى له مسلم مقرونا بغيره، واحتج به غير واحد، وعلى هذا فحديثه صحيح إن شاء الله.(1/118)
باب
ما جاء فيمن أعان على قتل مسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة؛ لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله » .
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، والأصبهاني، وزاد: "قال سفيان بن عيينة : هو أن يقول: اق؛ يعني: لا يتم كلمة اقتل".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من أعان على دم امرئ مسلم بشطر كلمة؛ كتب بين عينيه يوم القيامة: آيس من رحمة الله » .
رواه البيهقي .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من شرك في دم حرام بشطر كلمة؛ جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه عبد الله بن خراش؛ ضعفه البخاري وجماعة، ووثقه ابن حبان وقال: ربما أخطأ، وبقية رجاله ثقات".
باب
النهي عن حضور قتل المسلم
عن خرشة بن الحر رضي الله عنه - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لا يشهد أحدكم قتيلًا؛ لعله أن يكون قتل مظلومًا فتصيبه »(1/119)
« السخطة » .
رواه: الإمام أحمد، والبزار، والطبراني؛ إلا أنه قال: « فعسى أن يقتل مظلومًا، فتنزل السخطة عليهم، فتصيبه معهم » . قال المنذري: "رجال أحمد والبزار رجال الصحيح؛ خلا ابن لهيعة ". وقال الهيثمي : "فيه ابن لهيعة، وفيه ضعف، وهو حسن الحديث، وبقية رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يقفن أحدكم موقفًا يقتل فيه رجل ظلمًا؛ فإن اللعنة تنزل على كل من حضر حين لم يدفعوا عنه، ولا يقفن أحدكم موقفًا يضرب فيه رجل ظلمًا؛ فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه » .
رواه: الطبراني، والبيهقي . قال المنذري : "وإسناده حسن".
باب
ما يرجى للمقتول من الرحمة
عن عبد الرحمن بن سميرة؛ قال: كنت أمشي مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ فإذا نحن برأس منصوب على خشبة. قال: فقال: شقي قاتل هذا. قال: قلت: أنت تقول هذا يا أبا عبد الرحمن ؟ ! قال: فشد يده من يدي، وقال أبو عبد الرحمن : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إذا مشى الرجل من أمتي إلى الرجل ليقتله؛ فليقل هكذا؛ فالمقتول في الجنة، والقاتل في النار » .
رواه الإمام أحمد، ورجاله رجال الصحيح؛ خلا عبد الرحمن بن سميرة، وقد وثقه ابن حبان .
ورواه أبو داود في "سننه"، ولفظه: قال: كنت آخذا بيد ابن عمر رضي(1/120)
الله عنهما في طريق من طرق المدينة؛ إذ أتى على رأس منصوب، فقال: شقي قاتل هذا. فلما مضى قال: وما أرى هذا إلا قد شقي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله؛ فليقل هكذا؛ فالقاتل في النار، والمقتول في الجنة » .
إسناده جيد، رواته رواة الصحيح؛ خلا عبد الرحمن بن سميرة، وهو ثقة.
ورواه الطبراني في "الأوسط"، ولفظه: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إذا مشى الرجل إلى الرجل، فقتله؛ فالمقتول في الجنة، والقاتل في النار » .
قال الهيثمي : "رجاله رجال صحيح".
وفي رواية لأحمد : أن ابن عمر رضي الله عنهما رأى رأسا، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما يمنع أحدكم إذا جاء من يريد قتله أن يكون مثل ابني آدم: القاتل في النار، والمقتول في الجنة » .
إسناده جيد.
« وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه؛ قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنا كقطع الليل المظلم - أراه قال: قد يذهب فيها الناس أسرع ذهاب - قال: فقيل: أكلهم هالك أم بعضهم ؟ قال: "حسبهم (أو: بحسبهم) القتل » .
رواه الإمام أحمد، ورواته ثقات.
ورواه أبو داود بإسناد جيد، ولفظه: « قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر فتنة، فعظم أمرها، فقلنا (أو قالوا): يا رسول الله ! لئن أدركتنا هذه لتهلكنا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلا؛إن بحسبكم القتل » . قال سعيد : فرأيت إخواني قتلوا.
ورواه ابن أبي شيبة بنحوه.(1/121)
وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن أمتي أمة مرحومة، ليس عليها في الآخرة عذاب؛ إنما عذابها في الدنيا: القتل، والبلابل، والزلازل » .
رواه الإمام أحمد وأبو داود، وفيه المسعودي : روى له البخاري تعليقا، ووثقه أحمد وابن معين وابن المديني، وذكر أحمد وأبو حاتم أنه تغير في آخر عمره، وبقية رواته ثقات.
وعن أبي بردة؛ قال: بينا أنا واقف في السوق في إمارة زياد؛ ضربت بإحدى يدي على الأخرى تعجبا، فقال رجل من الأنصار قد كانت لوالده صحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: مما تعجب يا أبا بردة ؟ قلت: أعجب من قوم دينهم واحد، ونبيهم واحد، ودعوتهم واحدة، وحجهم واحد، وغزوهم واحد؛ يستحل بعضهم قتل بعض. قال: فلا تعجب؛ فإني سمعت والدي أخبرني: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن أمتي أمة مرحومة، ليس عليها في الآخرة حساب ولا عذاب إنما عذابها في القتل والزلازل والفتن » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
قلت: وفيه رجل لم يسم؛ ففي تصحيحهما له نظر.
وعن أبي بردة أيضا؛ قال: كنت عند عبيد الله بن زياد، فأتي برؤوس خوارج، فكلما مروا عليه برأس؛ قال: إلى النار. فقال له عبد الله بن يزيد : أولا تدري ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « عذاب هذه الأمة جعل بأيديها في دنياها » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".(1/122)
وهذه الأحاديث تدل على أن المقتول ظلما ترجى له المغفرة؛ بخلاف القاتل، ومن قتل وكان حريصا على قتل صاحبه؛ فقد تقدمت الأحاديث الصحيحة أن كلا منهما في النار، وقد ذكرتها في باب تحريم قتال المسلمين، وهي لا تعارض بمثل هذه الأحاديث. والله أعلم.
باب
ما جاء في القتال على الملك وفيمن أعان على ذلك
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « شر قتيل بين صفين أحدهما يطلب الملك » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه عبد الأول أبو نعيم، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".
« وعن ثروان بن ملحان؛ قال: كنا جلوسًا في المسجد، فمر علينا عمار بن ياسر، فقلنا له: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الفتنة، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يكون بعدي قوم يأخذون الملك، يقتل عليه بعضهم بعضًا » . قال: قلنا له: لو حدثنا غيرك ما صدقناه. قال: فإنه سيكون.
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، وأبو يعلى . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير ثروان، وهو ثقة".
وعن سعيد بن جبير؛ قال: "خرج علينا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فرجونا أن يحدثنا حديثا حسنا. قال: فبادرنا إليه رجل، فقال: يا أبا عبد الرحمن ! حدثنا عن القتال في الفتنة والله يقول: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } . فقال: هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك ؟ إنما كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنة، وليس كقتالكم على الملك".(1/123)
رواه: الإمام أحمد، والبخاري .
وعن أبي المنهال؛ قال: "لما كان ابن زياد ومروان بالشام، ووثب ابن الزبير بمكة، ووثب القراء بالبصرة، فانطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي حتى دخلنا عليه في داره وهو جالس في ظل علية له من قصب، فجلسنا إليه، فأنشأ أبي يستطعمه الحديث، فقال: يا أبا برزة ! ألا ترى ما وقع فيه الناس ؟ فأول شيء سمعته تكلم به: إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطا على أحياء قريش، إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة، وإن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم حتى بلغ بكم ما ترون هذه الدنيا التي أفسدت بينكم، إن ذاك الذي بالشام والله إن يقاتل إلا على الدنيا، وإن هؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلا على الدنيا، وإن ذاك الذي بمكة والله؛ إن يقاتل إلا على الدنيا".
رواه البخاري .
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" من طريق عبد الله - وهو ابن المبارك -: أنبأنا عوف عن أبي المنهال عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه؛ قال: "إن ذلك الذي بالشام (يعني: مروان ) والله؛ إن يقاتل إلا على الدنيا، وإن ذلك الذي بمكة (يعني: ابن الزبير ) إن يقاتل إلا على الدنيا، وإن الذين تدعونهم قراءكم والله إن يقاتلون إلا على الدنيا". فقال له أبي: فما تأمرنا إذا ؟ قال: "لا أرى خير الناس إلا عصابة ملبدة - وقال بيده - خماص البطون من أموال الناس خفاف الظهور من دمائهم".
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه قال لرجل يسأله عن القتال مع الحجاج أو مع ابن الزبير ؟ فقال له ابن عمر رضي الله عنهما: مع أي الفريقين قاتلت فقتلت؛ ففي لظى".(1/124)
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: أنه قال: "اتقوا فرقتين تقتتلان على الدنيا؛ فإنهما يجران إلى النار جرا".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير؛ فقالا: إن الناس صنعوا، وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم، فما يمنعك أن تخرج ؟ فقال: يمنعني أن الله حرم دم أخي. فقالا: ألم يقل الله: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } ؟ فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله".
رواه البخاري .
وفي رواية له عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رجلا جاءه، فقال: يا أبا عبد الرحمن ! ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا } إلى آخر الآية؛ فما يمنعك أن لا تقاتل كما ذكر الله في كتابه ؟ فقال: يا أخي ! أغتر بهذه الآية ولا أقاتل أحب إلي من أن أغتر بهذه الأمة التي يقول الله تعالى: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } ..... إلى آخرها. قال: فإن الله يقول: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } . قال ابن عمر رضي الله عنهما: قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان الإسلام قليلا، فكان الرجل يفتن في دينه: إما يقتلوه، وإما يوثقوه، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة".
وعن أبي ظبيان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما؛ قال: « بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية (فذكر الحديث، وفي آخره) قال: فقال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلمًا حتى يقتله ذو البطين؛ يعني: أسامة. قال: قال رجل: ألم يقل »(1/125)
« الله: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } ؟ فقال سعد رضي الله عنه: قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة، وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة » .
رواه مسلم .
وعن ابن سيرين؛ قال: "لما قيل لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ألا تقاتل؛ فإنك من أهل الشورى، وأنت أحق بهذا الأمر من غيرك ؟ قال: لا أقاتل حتى يأتوني بسيف له عينان ولسان وشفتان، يعرف المؤمن من الكافر؛ فقد جاهدت وأنا أعرف الجهاد".
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
قلت : ورواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن قيس بن أبي حازم وعامر الشعبي؛ قالا: "قال مروان بن الحكم لأيمن بن خريم - يعني: الأسدي -: ألا تخرج فتقاتل معنا ؟ فقال: إن أبي وعمي شهدا بدرا، وإنهما عهدا إلي أن لا أقاتل أحدا يقول: لا إله إلا الله، فإن أنت جئتني ببراءة من النار قاتلت معك. قال: فاخرج عنا. قال: فخرج وهو يقول:
ولست بقاتل رجلا يصلي ... على سلطان آخر من قريش
له سلطانه وعلي إثمي ... معاذ الله من جهل وطيش
أأقتل مسلما في غير جرم ... فليس لنافعي ما عشت عيشي
" رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".(1/126)
وقد رواه أبو يعلى والطبراني من حديث عامر الشعبي، قال الهيثمي : "ورجال أبي يعلى رجال الصحيح؛ غير زكريا بن يحيى رحمويه، وهو ثقة".
وعن أبي عمران - وهو الجوني - قال: قلت لجندب : إني قد بايعت هؤلاء -يعني: ابن الزبير - وإنهم يريدون أن أخرج معهم إلى الشام. فقال: أمسك. فقلت: إنهم يأبون. قال: افتد بمالك. فقلت: إنهم يأبون إلا أن أضرب معهم بالسيف. فقال جندب: حدثني فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يجيء المقتول بقاتله يوم القيامة، فيقول: يا رب سل هذا فيم قتلني ؟ (قال شعبة: وأحسبه قال: ) فيقول: علام قتلته ؟ فيقول: قتلته على ملك فلان » . قال: فقال جندب : فاتقها.
رواه: الإمام أحمد، والطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
قلت: وقد روى النسائي المرفوع منه فقط، ورواته كلهم ثقات.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يجيء الرجل آخذا بيد الرجل، فيقول: يا رب ! هذا قتلني. فيقول الله له: لم قتلته ؟ فيقول: قتلته لتكون العزة لك. فيقول: فإنها لي. ويجيء الرجل آخذا بيد الرجل، فيقول: إن هذا قتلني. فيقول الله له: لم قتلته. فيقول: لتكون العزة لفلان. فيقول: إنها ليست لفلان. فيبوء بإثمه » .
رواه النسائي بإسناد حسن.
وقد رواه ابن مردويه، وزاد في آخره: "قال: فيهوي في النار سبعين خريفا".
وعن أبي أمامة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من شر الناس »(1/127)
« منزلة عند الله يوم القيامة عبد أذهب آخرته بدنيا غيره » .
رواه ابن ماجه بإسناد حسن.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يأتي على الناس زمان، يخير فيه الرجل بين العجز والفجور، فمن أدرك ذلك الزمان؛ فليختر العجز على الفجور » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى؛ عن شيخ عن أبي هريرة، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وقد رواه الحاكم من هذا الوجه من وجه آخر، وسمى المبهم فيه سعيد بن أبي خيرة، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
باب
تسليط الظلمة على الظلمة
عن جابر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله عز وجل يقول: أنتقم ممن أبغض بمن أبغض، ثم أصير كلا إلى النار » .
رواه الطبراني في "الأوسط"، وفي إسناده ضعف.
باب
النهي عن القتال في الفتنة
تقدم فيه أحاديث كثيرة في (باب ذكر الفتن والتحذير منها )؛ فلتراجع. وتقدم أيضا في (باب القتال على الملك) أحاديث كثيرة في ذلك.(1/128)
وعن حميد بن هلال؛ قال: "لما هاجت الفتنة؛ قال عمران بن حصين رضي الله عنهما لحجير بن الربيع العدوي : اذهب إلى قومك فانههم عن الفتنة. قال: إني لمغموز فيهم وما أطاع. قال: فأبلغهم عني وانههم عنها".
قال: "وسمعت عمران رضي الله عنهم يقسم بالله: لأن أكون عبدا حبشيا أسود في أعنز خصبات في رأس جبل أرعاهن حتى يدركني أجلي أحب إلي من أن أرمي أحد الصفين بسهم أخطأت أم أصبت".
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: "إذا وقع الناس في الفتنة، فقالوا: اخرج لك بالناس أسوة ! فقل: لا أسوة لي بالشر".
رواه الطبراني :. قال الهيثمي : "وفيه حديج بن معاوية، وثقه أحمد وغيره، وضعفه جماعة".
قلت: لم ينص أحمد على توثيقه، وإنما ذكر المزي والذهبي وابن حجر وغيرهم عن أحمد : أنه قال فيه: "لا أعلم إلا خيرا "، وهذا ليس بتوثيق، وإنما هو إخبار عن كونه مستور الحال.
وعن يحيى بن حبان : أنه كان مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال له في الفتنة: لا ترون القتل شيئا ؟ ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للثلاثة: « لا ينتجي اثنان دون صاحبهما » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير يحيى بن حبان، ووثقه ابن حبان ".
ومراد ابن عمر رضي الله عنهما تعظيم القتال في الفتنة، وأنه إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتناجى اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك يؤذيه؛ فكيف بقتال المسلمين وإراقة دمائهم ؟ !(1/129)
باب
النهي عن تكثير السواد في الفتن
عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من كثر سواد قوم؛ فهو منهم، ومن رضي عمل قوم؛ كان شريك من عمل به » .
رواه أبو يعلى .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وله شاهد عن أبي ذر رضي الله عنه في "الزهد" لابن المبارك غير مرفوع".
وعن محمد بن عبد الرحمن أبي الأسود؛ قال: "قطع على أهل المدينة بعث، فاكتتبت فيه، فلقيت عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما، فأخبرته، فنهاني عن ذلك أشد النهي، ثم قال: أخبرني ابن عباس رضي الله عنهما: أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين، يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتي السهم، فيرمى به، فيصيب أحدهم، فيقتله، أو يضرب فيقتل، فأنزل الله: { الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } الآية ".
رواه البخاري .
وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض؛ يخسف بأولهم وآخرهم. قالت: قلت: يا رسول الله ! كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم ؟ ! قال: يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم » .
متفق عليه، وهذا لفظ البخاري .
قال المهلب: "في هذا الحديث أن من كثر سواد قوم في المعصية مختارا أن العقوبة تلزمه معهم".(1/130)
وقال النووي : "في هذا الحديث من الفقه: التباعد من أهل الظلم، والتحذير من مجالستهم ومجالسة البغاة ونحوهم من المبطلين؛ لئلا يناله ما يعاقبون به. وفيه أن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا ". انتهى.
باب
قول الله تعالى: { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً }
عن مطرف - وهو ابن عبد الله بن الشخير - قال: قلنا للزبير رضي الله عنه: يا أبا عبد الله ! ما جاء بكم ؟ ! ضيعتم الخليفة حتى قتل ثم جئتم تطلبون بدمه ؟ ! قال الزبير : "إنا قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان : { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } ، لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت".
رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.
وعن الحسن؛ قال: قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: "نزلت هذه الآية ونحن متوافرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } ، فجعلنا نقول: ما هذه الفتنة ؟ ! وما نشعر أنها تقع حيث وقعت".
رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.
وعن مجاهد في قوله تعالى: { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } ؛ قال: "هي أيضا لكم".
رواه ابن جرير .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً }(1/131)
قال: "أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم، فيعمهم الله بالعذاب ".
رواه ابن جرير .
قال ابن كثير : "وهذا تفسير حسن جدا". قال: "والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم، وإن كان الخطاب معهم، هو الصحيح، ويدل عليه الأحاديث الواردة في التحذير من الفتن ". انتهى.
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس » . فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل، فقلنا: نخاف ونحن ألف وخمسمائة ؟ ! فلقد رأيتنا ابتلينا حتى إن الرجل ليصلي وحده وهو خائف.
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وابن ماجه، وهذا لفظ البخاري .
ولفظ مسلم : قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: « أحصوا لي كم يلفظ بالإسلام. فقلنا: يا رسول الله ! أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة والسبعمائة. قال: "إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا ". فابتلينا، حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرًا » .
ورواه ابن أبي شيبة بهذا اللفظ.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "يشبه أن يكون أشار بذلك إلى ما وقع في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه من ولاية بعض أمراء الكوفة؛ كالوليد بن عقبة؛ حيث كان يؤخر الصلاة أو لا يقيمها على وجهها، وكان بعض الورعين يصلي وحده سرا ثم يصلي معه خشية من وقوع الفتنة. وقيل: كان ذلك حين أتم عثمان الصلاة في السفر، وكان بعضهم يقصر سرا وحده خشية الإنكار عليه. ووهم من قال: إن ذلك كان أيام قتل عثمان؛ لأن حذيفة لم يحضر ذلك.(1/132)
وفي ذلك علم من أعلام النبوة؛ لما فيه من الإخبار بالشيء قبل وقوعه، وقد وقع أشد من ذلك بعد حذيفة في زمن الحجاج وغيره". انتهى.
وقول من قال: إن ذلك كان أيام قتل عثمان رضي الله عنه؛ محتمل؛ لأن حذيفة رضي الله عنه بقي بعد قتل عثمان رضي الله عنه أربعين يوما أو نحوها. والله أعلم.
باب
قول الله تعالى: { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ }
عن جابر رضي الله عنه؛ قال: « لما نزلت هذه الآية: { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ } ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بوجهك"، قال: { أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } ؛ قال: "أعوذ بوجهك"، { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا أهون (أو: هذا أيسر) » .
رواه: البخاري، والنسائي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن مردويه، وابن حبان في "صحيحه".
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ قال: « أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررنا على مسجد بني معاوية، فدخل، فصلى ركعتين، وصلينا معه، وناجى ربه عز وجل طويلا؛ قال: سألت ربي عز وجل ثلاثًا: سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وابن أبي شيبة، وابن خزيمة، وابن حبان .(1/133)
وعن جابر بن عتيك رضي الله عنه: أنه قال: « جاءنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في حرة بني معاوية (قرية من قرى الأنصار)، فقال لي: هل تدري أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدكم هذا ؟ فقلت: نعم. فأشرت إلى ناحية منه. فقال: هل تدري ما الثلاث التي دعا بهن فيه ؟ فقلت: نعم. فقال: أخبرني بهن. فقلت: دعا أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم ولا يهلكهم بالسنين فأعطيهما، ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعها. قال: صدقت؛ فلا يزال الهرج إلى يوم القيامة » .
رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما؛ قال: « خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حرة بني معاوية. قال: فصلى ثماني ركعات، فأطال فيهن، ثم التفت إلي، فقال: "حبستك يا حذيفة ؟ ". قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "إني سألت الله ثلاثًا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة: سألته أن لا يسلط على أمتي عدوًا من غيرهم فأعطاني، وسألته أن لا يهلكهم بغرق فأعطاني، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني » .
رواه: ابن إسحاق، وابن مردويه من طريقه.
وعن جابر بن عتيك رضي الله عنه؛ قال: « سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد بني معاوية ثلاثًا، فأعطاه اثنتين ومنعه واحدة: سأله أن لا يهلك أمته جوعًا وأن لا يظهر عليهم عدوًا فأعطيهما، وسأله أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعها » .
رواه الطبراني بإسناد فيه ضعف.
« وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل لي: خرج قبل. قال: فجعلت لا أمر بأحد؛ إلا قال: مر قبل، حتى مررت، فوجدته قائما يصلي. قال: فجئت حتى قمت خلفه. قال: فأطال الصلاة، فلما قضى »(1/134)
« صلاته؛ قلت: يا رسول الله ! قد صليت صلاة طويلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني صليت صلاة رغبة ورهبة، إني سألت الله عز وجل ثلاثًا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة: سألته أن لا يهلك أمتي غرقًا فأعطاني، وسألته أن لا يظهر عليهم عدوًا ليس منهم فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فردها علي » .
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه . ورواته كلهم ثقات.
وعن أبي مالك الأشجعي عن نافع بن خالد الخزاعي عن أبيه - وكان من أصحاب الشجرة رضي الله عنه - قال: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى والناس حوله صلى صلاة خفيفة تامة الركوع والسجود. قال: فجلس يوما فأطال الجلوس حتى أومأ بعضنا إلى بعض: أن اسكتوا؛ إنه ينزل عليه، فلما فرغ قال له بعض القوم: يا رسول الله ! لقد أطلت الجلوس حتى أومأ بعضنا إلى بعض أنه ينزل عليك. قال: لا؛ ولكنها كانت صلاة رغبة ورهبة، سألت الله فيها ثلاثًا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألت الله أن لا يعذبكم بعذاب عذب به من كان قبلكم فأعطانيها، وسألت الله أن لا يسلط على أمتي عدوًا يستبيحها فأعطانيها، وسألته أن لا يلبسكم شيعًا وأن لا يذيق بعضكم بأس بعض فمنعنيها » . قال أبو مالك : فقلت له: أبوك سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم، سمعته يقول إنه سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد أصابعي هذه العشر الأصابع.
رواه: ابن جرير، وابن مردويه، والبزار، والطبراني؛ بأسانيد، قال الهيثمي : "ورجال بعضها رجال الصحيح؛ غير نافع بن خالد ". وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه أحد.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر صلى سبحة الضحى ثماني ركعات، فلما انصرف؛ قال: إني صليت صلاة رغبة ورهبة، وسألت ربي ثلاثًا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة: سألته أن لا يبتلي »(1/135)
« أمتي بالسنين ففعل، وسألته أن لا يظهر عليهم عدوهم ففعل، وسألته أن لا يلبسهم شيعًا فأبى علي » . رواه: الإمام أحمد، والنسائي . ورواته كلهم ثقات.
وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه؛ قال: « وافيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة صلاها كلها حتى كان مع الفجر، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته، فقلت: يا رسول الله ! لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صليت مثلها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أجل؛ إنها صلاة رغب ورهب، سألت ربي عز وجل فيها ثلاث خصال فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة: سألت ربي عز وجل أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا فأعطانيها، وسألت ربي عز وجل أن لا يظهر علينا عدوًا من غيرنا فأعطانيها، وسألت ربي عز وجل أن لا يلبسنا شيعًا فمنعنيها » .
رواه: الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن حبان في "صحيحه". وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح". قال: "وفي الباب عن سعد وابن عمر رضي الله عنهم ".
وعن ثوبان رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله عز وجل زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد ! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ، وإني أعطيتك لأمتك: أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبرقاني في "صحيحه". وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح".(1/136)
وزاد أحمد وأبو داود وابن ماجه والبرقاني : « وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله » .
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" بهذه الزيادة، وبزيادة أكثر منها، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن شداد بن أوس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها، وإني أعطيت الكنزين: الأبيض والأحمر، وإني سألت ربي عز وجل أن لا يهلك أمتي بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًا فيهلكهم بعامة، وأن لا يلبسهم شيعًا، وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فقال: يا محمد ! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ، وإني قد أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوًا ممن سواهم فيهلكهم بعامة، حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا وبعضهم يقتل بعضًا وبعضهم يسبي بعضًا » . قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « إني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين، فإذا وضع السيف في أمتي؛ لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة » .
رواه: الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم، ورواه أيضا: ابن جرير، والبزار، وابن مردويه .
وعن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سألت »(1/137)
« ربي عز وجل أربعًا، فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدة، سألت الله أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها، وسألت الله أن لا يظهر عليهم عدوًا من غيرهم فأعطانيها، وسألت الله أن لا يهلكهم بالسنين كما أهلك الأمم قبلهم فأعطانيها، وسألت الله عز وجل أن لا يلبسهم شيعًا وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض؛ فمنعنيها » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني . وفيه راو لم يسم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « سألت ربي لأمتي أربع خلال، فمنعني واحدة وأعطاني ثلاثًا: سألته أن لا تكفر أمتي صفقة واحدة فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوًا من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا يعذبهم بما عذب به الأمم قبلهم فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وقد رواه: ابن أبي حاتم، وابن مردويه؛ بنحوه.
ورواه ابن مردويه أيضا مختصرا، ولفظه: « سألت ربي ثلاثًا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة: سألته أن لا يسلط على أمتي عدوًا من غيرهم فأعطاني، وسألته أن لا يهلكهم بالسنين فأعطاني، وسألته أن لا يلبسهم شيعًا وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعني » .
ورواه البزار بنحوه.
وعن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سألت ربي ثلاث خصال، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. فقلت: يا رب ! لا تهلك أمتي جوعًا. فقال: هذه لك. قلت: يا رب ! لا تسلط عليهم عدوًا من غيرهم (يعني: أهل »(1/138)
« الشرك) فيجتاحهم. قال: ذلك لك. قلت: يا رب ! لا تجعل بأسهم بينهم. قال: فمنعني هذه » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه أبو حذيفة الثعلبي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « دعوت ربي عز وجل أن يرفع عن أمتي أربعًا، فرفع الله عنهم ثنتين، وأبي علي أن يرفع عنهم ثنتين: دعوت ربي أن يرفع الرجم من السماء، والغرق من الأرض، وأن لا يلبسهم شيعًا، وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فرفع الله عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض، وأبى الله أن يرفع اثنتين: القتل والهرج » .
رواه ابن مردويه .
وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه؛ قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: « تزعمون أني من آخركم وفاة، ألا وإني من أولكم وفاة، وستتبعوني أفنادًا، يضرب بعضكم رقاب بعض » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والطبراني، وابن حبان في "صحيحه".
قال الهيثمي : "ورجال أحمد رجال الصحيح".
وقد رواه ابن عساكر في "تاريخه" بنحوه، قال في "كنز العمال": "ورجاله ثقات".
وعن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
رواه: أبو يعلى، والطبراني . قال الهيثمي : "ورجالهما ثقات".
وعن سلمة بن نفيل السكوني رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ستأتوني أفنادًا يفني بعضكم بعضًا » ... الحديث.(1/139)
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والبزار، وأبو يعلى . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وقد رواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه، فقال: « إني غير لابث فيكم ولستم لابثين بعدي إلا قليلًا ، وستأتوني أفنادًا يفني بعضكم بعضًا، وبين يدي الساعة موتان شديد، وبعده سنوات الزلازل » .
باب
ابتداء ظهور الفتن من العراق وكثرتها فيه وفيما يليه من المشرق
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « رأس الكفر نحو المشرق، والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم » .
رواه: الإمام أحمد والشيخان، والترمذي .
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق يقول: « ألا إن الفتنة هاهنا، ألا إن الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
وفي رواية لمسلم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عند باب حفصة، فقال بيده نحو المشرق: الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان ؛ قالها مرتين أو ثلاثا » . وقال عبيد الله بن سعيد - وهو أحد شيوخ مسلم - في روايته: « قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند باب عائشة » . ورواه الإمام(1/140)
أحمد، وقال: « كان قائما عند باب عائشة » .
وقد رواه: مالك، وأحمد، والبخاري؛ من حديث عبد الله بن دينار : سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشار بيده نحو المشرق فقال: "ها إن الفتن من هاهنا، إن الفتن من هاهنا، إن الفتن من هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان » .
هذا لفظ إحدى روايات أحمد .
ورواه: الإمام أحمد أيضا، والشيخان، والترمذي؛ من حديث الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قام إلى جنب المنبر، فقال: « الفتنة هاهنا الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان (أو قال: قرن الشمس) » .
هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو مستقبل المشرق: « ها إن الفتنة هاهنا، ها إن الفتنة هاهنا، ها إن الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان » .
وفي رواية الترمذي : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فقال: « هاهنا أرض الفتن (وأشار إلى المشرق) حيث يطلع قرن الشيطان (أو قال: قرن الشمس) » .
قال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح".
ورواه: الإمام أحمد، ومسلم أيضا؛ من حديث حنظلة (وهو ابن أبي سفيان المكي )؛ قال: سمعت سالما يقول: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده نحو المشرق ويقول: ها إن الفتنة هاهنا، ها إن الفتنة هاهنا، ها إن الفتنة هاهنا، من حيث يطلع الشيطان قرنيه » .
هذا لفظ أحمد .
وفي رواية له أخرى عن حنظلة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر(1/141)
رضي الله عنهما؛ قال: « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده يؤم العراق: ها إن الفتنة هاهنا، ها إن الفتنة هاهنا، ها إن الفتنة هاهنا (ثلاث مرات) من حيث يطلع قرن الشيطان » .
وفي هذه الرواية فائدة جليلة، وهي البيان بأن منشأ الفتن من جهة العراق لا من جهة نجد التي هي أرض العرب؛ ففيها رد على من زعم من الزنادقة أن المراد بذلك أرض العرب.
ورواه: الإمام أحمد، ومسلم أيضا؛ من حديث عكرمة بن عمار عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة رضي الله عنها، فقال: رأس الكفر هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان ؛ يعني: المشرق » .
ورواه مسلم أيضا من حديث ابن فضيل عن أبيه؛ قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: يا أهل العراق ! ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة ! سمعت أبي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن الفتنة تجيء من هاهنا (وأومأ بيده نحو المشرق)، من حيث يطلع قرنا الشيطان » ، وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ، فقال الله عز وجل له: { وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا } .
وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « من هاهنا جاءت الفتن (نحو المشرق)، والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين أهل الوبر عند أصول أذناب الإبل والبقر ، في ربيعة ومضر » .
رواه البخاري .
وعن ابن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(1/142)
« اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا. قالوا: وفي نجدنا. قال: "اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا". قالوا: وفي نجدنا. قال: "هنالك الزلازل والفتن، منها (أو قال: بها) يطلع قرن الشيطان » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب".
ورواه الإمام أحمد أيضا من حديث عبد الرحمن بن عطاء عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا (مرتين). فقال: رجل: وفي مشرقنا يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هنالك يطلع قرن الشيطان، ولها تسعة أعشار الشر » .
قال الهيثمي : "رجاله رجال الصحيح؛ غير عبد الرحمن بن عطاء، وهو ثقة، وفيه خلاف لا يضر".
وقد رواه الطبراني في "الأوسط"، ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « "اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا". فقال رجل: وفي مشرقنا يا رسول الله ! فقال: "اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا". فقال رجل: وفي مشرقنا يا رسول الله ! فقال: "اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا، إن من هنالك يطلع قرن الشيطان، وبه تسعة أعشار الكفر، وبه الداء العضال » .
ورواه الإمام أحمد أيضا من حديث بشر بن حرب : سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « "اللهم بارك لنا في مدينتا، وفي صاعنا، ومدنا، ويمننا، وشامنا". ثم استقبل مطلع الشمس فقال: "من هاهنا يطلع قرن الشيطان، من هاهنا الزلازل والفتن » .
وعن سالم بن عبد الله عن أبيه: أن عمر رضي الله عنه؛ قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « "اللهم بارك في صاعنا وفي مدنا"، فرددها ثلاث مرات، فقال »(1/143)
« رجل: يا رسول الله ! ولعراقنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بها الزلازل والفتن، ومنها يطلع قرن الشيطان » .
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وعن سالم عن أبيه رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « "اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مكتنا، وبارك لنا في شامنا، وبارك لنا في يمننا، وبارك لنا في صاعنا ومدنا". فقال رجل: يا رسول الله ! وفي عراقنا. فأعرض عنه، فقال: "فيها الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان » .
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا؛ قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، ثم أقبل على القوم، فقال: « "اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مدنا وصاعنا، اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا". فقال رجل: والعراق يا رسول الله ! قال: "من ثم يطلع قرن الشيطان وتهيج الفتن » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: « دعا نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا، وبارك لنا في شامنا ويمننا". فقال رجل من القوم: يا نبي الله ! وعراقنا. قال: "إن بها قرن الشيطان، وتهيج الفتن، وإن الجفاء بالمشرق » .
رواه الطبراني في "الكبير". قال المنذري والهيثمي : "ورواته ثقات".
وعن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يخرج إلى العراق، فقال له كعب الأحبار : "لا تخرج إليها يا أمير المؤمنين ! فإن بها تسعة أعشار السحر، وبها فسقة الجن، وبها الداء العضال".(1/144)
ذكره في "الموطأ".
وقد رواه عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه؛ قال: "أراد عمر رضي الله عنه أن يسكن العراق، فقال له كعب : لا تفعل؛ فإن فيها الدجال، وبها مردة الجن، وبها تسعة أعشار السحر، وبها كل داء عضال"؛ يعني: الأهواء.
قال الخطابي : " (القرن): الأمة من الناس يحدثون بعد فناء آخرين، وقرن الحية: أن يضرب المثل فيما لا يحمد من الأمور".
نقله عنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"؛ قال: "وقال غيره: كان أهل المشرق يومئذ أهل كفر، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك الناحية، فكان كما أخبر، وأول الفتن كان من قبل المشرق، فكان ذلك سببا للفرقة بين المسلمين، وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به. وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة. وقال الخطابي : نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة؛ كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة، وأصل نجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور؛ فإنه ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور، ومكة من تهامة".
قال الحافظ ابن حجر : "وعرف بهذا وهاء ما قاله الداوودي أن نجدا من ناحية العراق؛ فإنه توهم أن نجدا موضع مخصوص، وليس كذلك، بل كل شيء ارتفع بالنسبة إلى ما يليه يسمى المرتفع نجدا والمنخفض غورا".
قلت: وقد تقدم ما رواه سالم عن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه؛ قال: « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده يؤم العراق: "ها إن الفتنة هاهنا.... » الحديث، وهذه الرواية فيها تعيين المراد مما أبهم في غيرها من الروايات؛ كقولهم: "وفي نجدنا "، وقولهم: "وفي مشرقنا"؛ فالمراد بذلك كله أرض العراق وما يليه من المشرق.(1/145)
وقد وقع مصداق ذلك، فكان قتل عثمان رضي الله عنه على أيدي أهل العراق ومن مالأهم من أجلاف أهل مصر، وبقتله انفتح باب الفتن إلى يوم القيامة. وكانت في العراق أيضا وقعة الجمل وصفين وقتل فيه الحسين بن علي رضي الله عنهما وأصحابه. وكانت فيه أيضا فتنة المختار وفتنة الحجاج وغير ذلك من الفتن العظيمة. وكذلك كانت فتنة بني العباس ودعاتهم في العراق وخراسان. وكذلك فتن الأهواء المضلة؛ فكلها ظهرت أول ما ظهرت بأرض العراق؛ كفتنة الخوارج، والرافضة، والقدرية، والمرجئة، والمعتزلة، والجهمية، ثم انتشرت بعد ذلك في أرجاء الأرض، وآخر ذلك فتنة المسيح الدجال، وهي أعظم فتنة تكون على وجه الأرض، وقد جاء في بعض الأحاديث: أنه يخرج من خراسان، وفي بعضها: أنه يخرج من العراق، وستأتي الأحاديث بذلك في ذكر الدجال إن شاء الله تعالى.
وعلى هذا؛ فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد بقوله: « قرني الشيطان » : أول الفتن وآخرها وما بين ذلك من الفتن العظيمة، ويحتمل أنه أراد بذلك فتنة الهرج وفتنة الأهواء المضلة. والله أعلم بمراد رسوله صلى الله عليه وسلم.
باب
أمان الناس من الفتن في حياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عن ربعي - وهو ابن حِراش - عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: كنا عند عمر رضي الله عنه، فقال: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن ؟ فقال قوم: نحن سمعناه. فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره ؟ قالوا: أجل. قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن التي تموج موج البحر ؟ قال حذيفة : فأسكت القوم، فقلت: أنا. قال:(1/146)
أنت لله أبوك. قال حذيفة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها؛ نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها؛ نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرْبَادًا كالكوز مُجْخِيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا؛ إلا ما أشرب من هواه » . قال حذيفة : وحدثته أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر. قال عمر : أكسرا لا أبا لك ؟ ! فلو أنه فتح لعله كان يعاد. قلت: لا بل يكسر. وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت؛ حديثا ليس بالأغاليط.
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأبو نعيم في "الحلية".
وعن أبي وائل شقيق بن سلمة عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: كنا عند عمر رضي الله عنه، فقال: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة كما قال ؟ قال: فقلت: أنا. قال: إنك لجريء، وكيف قال ؟ قال: قلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » . فقال عمر : ليس هذا أريد، إنما أريد التي تموج كموج البحر. قال: فقلت: ما لك ولها يا أمير المؤمنين ؟ ! إن بينك وبينها بابا مغلقا. قال: أفيكسر الباب أم يفتح ؟ قال: قلت: لا؛ بل يكسر. قال: ذلك أحرى أن لا يغلق أبدا. قال: فقلنا لحذيفة : هل كان عمر يعلم من الباب ؟ قال: نعم؛ كما يعلم أن دون غد الليلة؛ إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط. قال: فَهِبْنا أن نسأل حذيفة : من الباب ؟ فقلنا لمسروق : سله. فسأله ، فقال: عمر .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وابن أبي شيبة، والشيخان، والترمذي، وابن ماجه . وهذا لفظ مسلم .(1/147)
وفي رواية أبي داود الطيالسي : "فقال عمر : فأخبرني عن الباب؛ يكسر كسرا أم يفتح فتحا ؟ قال: بل يكسر كسرا. فقال عمر : إذا لا يغلق إلى يوم القيامة. قال أبو وائل : قلنا لمسروق : سل حذيفة عن الباب: من هو ؟ فسأله ؟ فقال: الباب عمر ".
وفي رواية للبخاري : "فقال: الباب عمر ".
وعن قدامة بن مظعون رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أدرك عثمان بن مظعون وهو على راحلته وعثمان على راحلته على ثنية الأثاية من العرج، فقطعت راحلته راحلة عثمان وقد مضت راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام الركب، فقال عثمان بن مظعون : أوجعتني يا غلق الفتنة ! فلما استسهلت الرواحل دنا منه عمر بن الخطاب، فقال: يغفر الله لك أبا السائب ! ما هذا الاسم الذي سميتنيه ؟ فقال: لا والله؛ ما أنا سميتكه، سماك رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو أمام الركب يقدم القوم، مررت يوما ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: « هذا غلق الفتنة (وأشار بيده)، لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش هذا بين ظهرانَيكم » .
رواه: البزار، والطبراني .
وعن أبي ذر رضي الله عنه: أنه لقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأخذ بيده فغمزها، وكان عمر رجلا شديدا، فقال: أرسل يدي يا قفل الفتنة ! فقال عمر : وما قفل الفتنة ؟ ! قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وقد اجتمع عليه الناس، فجلست في آخرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تصيبكم فتنة ما دام هذا فيكم » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الحافظ ابن حجر : "ورجاله ثقات". وقال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير السري بن يحيى، وهو ثقة ثبت،(1/148)
ولكن الحسن البصري لم يسمع من أبي ذر فيما أظن".
وعن معاذ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا يزال باب الفتنة مغلقًا عن أمتي ما عاش لهم عمر بن الخطاب، فإذا هلك عمر تتابعت عليهم الفتن » .
رواه الديلمي .
وروي: "أن عمر رضي الله عنه دخل على أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما، فوجدها تبكي، فقال: ما يبكيك ؟ ! قالت: هذا اليهودي - لكعب الأحبار - يقول: إنك باب من أبواب جهنم. فقال عمر : ما شاء الله ! ثم خرج فأرسل إلى كعب فجاءه، فقال: يا أمير المؤمنين ! والذي نفسي بيده؛ لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة. فقال: ما هذا ؟ مرة في الجنة ومرة في النار ؟ ! فقال: إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم؛ تمنع الناس أن يقتحموا فيها، فإذا مت اقتحموا".
رواه الخطيب في "الرواة عن مالك ".
وعن خالد بن الوليد رضي الله عنه؛ قال: "كتب إلي أمير المؤمنين - يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه - حين ألقى الشام بوانيه بثنية وعسلا، فأمرني أن أسير إلى الهند - والهند في أنفسنا يومئذ البصرة - قال: وأنا لذلك كاره. قال: فقام رجل، فقال: اتق الله يا أبا سليمان ! فإن الفتن قد ظهرت. فقال: وابن الخطاب حي ؟ ! إنما تكون بعده والناس بذي بليان وذي بليان، فينظر الرجل فيفكر هل يجد مكانا لم ينزل فيه مثل ما نزل بمكانه الذي هو به من الفتنة والشر فلا يجد، وتلك الأيام التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدي الساعة، أيام الهرج، فنعوذ بالله أن تدركنا وإياكم تلك الأيام".
رواه: الإمام أحمد، والطبراني في "الكبير" و "الأوسط". قال الهيثمي :(1/149)
"ورجاله ثقات، وفي بعضهم ضعف".
وقد ذكر هذا الأثر ابن كثير في "تاريخه" عن عزرة بن قيس؛ قال: "خطبنا خالد بن الوليد رضي الله عنه، فقال: إن أمير المؤمنين عمر بعثني إلى الشام، فحين ألقى بوانيه بثنية وعسلا؛ أراد أن يؤثر بها غيري ويبعثني إلى الهند. فقال رجل من تحته: اصبر أيها الأمير ! فإن الفتن قد ظهرت. فقال خالد : أما وابن الخطاب حي؛ فلا، وإنما ذاك بعده".
وروى ابن عساكر في "تاريخه" عن عزرة بن قيس : "أن رجلا قال لخالد بن الوليد رضي الله عنه: إن الفتن قد ظهرت. فقال: أما وابن الخطاب حي فلا؛ إنها إنما تكون بعده"، ثم ذكر بقيته بنحو ما تقدم في رواية أحمد والطبراني .
وروى: نعيم بن حماد في "الفتن"، وابن عساكر في "تاريخه"؛ عن عزرة بن قيس أيضا؛ قال: "قام رجل إلى خالد بن الوليد بالشام وهو يخطب، فقال: إن الفتن قد ظهرت. فقال خالد : أما وابن الخطاب حي فلا؛ إنما ذاك إذا كان الناس بذي بلى وذي بلى، وجعل الرجل يذكر الأرض ليس بها مثل الذي يفر إليها منه ولا يجده؛ فعند ذلك تظهر الفتن".
وروى ابن أبي شيبة عن طارق بن شهاب؛ قال: "جلد خالد بن الوليد رضي الله عنه رجلا حدّا، فلما كان من الغد؛ جلد رجلا آخر حدّا، فقال رجل: هذه والله الفتنة؛ جلد أمس رجلا في حد، وجلد اليوم رجلا في حد. فقال خالد : ليس هذه بفتنة، إنما الفتنة أن تكون في أرض يعمل فيها بالمعاصي، فتريد أن تخرج منها إلى أرض لا يعمل فيها بالمعاصي، فلا تجدها".
قوله: "بوانيه" أي: خيره وما فيه من السعة والنعمة. قاله ابن الأثير وابن منظور في "لسان العرب". قال ابن منظور : "ويقال: ألقى عصاه وألقى بوانيه".(1/150)
قال ابن الأثير : "و (البواني) في الأصل: أضلاع الصدر، وقيل: الأكتاف والقوائم، الواحدة: بانية".
وقوله: "بثنية": قال ابن منظور : "وفيه قولان: قيل: البثنية: حنطة منسوبة إلى بلدة معروفة بالشام من أرض دمشق (قال ابن الأثير : وهي ناحية من رستاق دمشق، يقال بها: البثنية). والآخر: أنه أراد البثنية الناعمة من الرملة اللينة، يقال لها: بثنة، وتصغيرها بثينة، فأراد خالد أن الشام لما سكن وذهبت شوكته وصار لينا لا مكروه فيه خصبا كالحنطة والعسل؛ عزلني". قال: "والبثنة: الزبدة الناعمة؛ أي: لما صار زبدة ناعمة وعسلا صرفني؛ لأنها صارت تجبى أموالها من غير تعب".
وقوله: "بذي بليان وذي بليان": هذا مثل للبعد والتفرق.
قال ابن منظور في "لسان العرب": "وهو بذي بلي وبلي، وبلى وبلى، وبليان وبليان؛ بفتح الباء واللام: إذا بعد عنك حتى لا تعرف موضعه".
وقال صاحب "القاموس": "وهو بذي بلى؛ كـ (حتى) و (إلا) و (رضي) ويكسر، وبليان؛ محركة وبكسرتين مشددة الثالث: إذا بعد عنك حتى لا تعرف موضعه".
ثم ذكر ابن منظور عن أبي عبيد : أنه قال: "أراد تفرق الناس، وأن يكونوا طوائف وفرقا من غير إمام يجمعهم، وكذلك كل من بعد عنك حتى لا تعرف موضعه فهو بذي بلي، وهو من بل في الأرض: إذا ذهب، أراد ضياع أمور الناس بعده". وكذا قال ابن الأثير في "النهاية". قال ابن منظور : "وفيه لغة أخرى: بذي بليان؛ يعني: بكسر الباء واللام المشددة".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "كان عمر بن الخطاب حائطا حصينا على الإسلام، يدخل الناس فيه ولا يخرجون منه، فانثلم الحائط،(1/151)
والناس يخرجون منه ولا يدخلون فيه".
رواه ابن وضاح .
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "ما بينكم وبين أن يرسل عليكم الشر فراسخ إلا موت عمر ".
رواه: ابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد في "الفتن"، وابن عساكر في "تاريخه".
باب
ما جاء في سنة خمس وثلاثين وسنة سبعين
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عامًا. قال: قلت: أمما مضى أم مما بقي ؟ قال: "مما بقي" » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني، وابن حبان في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وفي رواية أبي داود الطيالسي والحاكم وبعض روايات أحمد : « فقال عمر : يا رسول الله ! بما مضى أو بما بقي ؟ قال: بما بقي » .
قال الخطابي : "دوران الرحى كناية عن الحرب والقتال، شبهها بالرحى الدوارة التي تطحن الحب؛ لما يكون فيها من تلف الأرواح وهلاك الأنفس، قال الشاعر يصف حربا:
فدارت رحانا واستدارت رحاهم ... سراة النهار ما تولى المناكب(1/152)
وقال صعصعة بن صوحان جد الفرزدق: أتيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين رفع يده عن مرحى الجمل؛ يريد: حرب الجمل".
وقال ابن الأثير : "إن كان أراد سنة خمس وثلاثين من الهجرة؛ ففيها خرج أهل مصر وحصروا عثمان رضي الله عنه، وجرى فيها ما جرى، وإن كانت ستا وثلاثين؛ ففيها كانت وقعة الجمل، وإن كانت سبعا وثلاثين؛ ففيها كانت وقعة صفين".
وقوله: "وإن يقم لهم دينهم": قال الخطابي : "يريد بالدين هاهنا الملك؛ قال زهير :
لئن حللت بجو في بني أسد ... في دين عمرو وحالت بيننا فدك
يريد: ملك عمرو وولايته".
قال: "ويشبه أن يكون أريد بهذا ملك بني أمية وانتقاله عنهم إلى بني العباس، وكان ما بين أن استقر الأمر لبني أمية إلى أن ظهرت الدعوة بخراسان وضعف أمر بني أمية ودخل الوهن فيهم نحوا من سبعين سنة". انتهى.
وروى عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر عن أبي إسحاق عن رجل عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: "إذا كانت سنة خمس وثلاثين حدث أمر عظيم، فإن تهلكوا فبالحري، وإن تنجوا فعسى، وإذا كانت سبعين رأيتم ما تنكرون".
باب
ما جاء في قتل عثمان رضي الله عنه وظهور الفتن بسبب قتله
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه؛ قال: « كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة، فجاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "افتح له »(1/153)
« وبشره بالجنة". ففتحت له؛ فإذا هو أبو بكر، فبشرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله. ثم جاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "افتح له وبشره بالجنة". ففتحت له؛ فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله. ثم استفتح رجل، فقال لي: "افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه". فإذا عثمان، فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم قال: الله المستعان » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي، وهذا لفظ البخاري .
وعند مسلم : أن عثمان رضي الله عنه قال: اللهم صبرا، أو: الله المستعان. وفي رواية لأحمد : فجعل يقول: اللهم صبرا حتى جلس......
وعن نافع بن عبد الحارث رضي الله عنه؛ قال: « خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل حائطًا، فقال: "أمسك علي الباب". فجاء حتى جلس على القف ودلى رجليه، فضرب الباب، فقلت: من هذا ؟ فقال: أبو بكر. فقلت: يا رسول الله ! هذا أبو بكر. قال: "ائذن له وبشره بالجنة ". فدخل، فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على القف، ودلى رجليه في البئر. ثم ضرب الباب، فقلت: من هذا ؟. قال: عمر. قلت: يا رسول الله ! هذا عمر. قال: "ائذن له وبشره بالجنة". ففعلت، فجاء، فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على القف، ودلى رجليه في البئر. ثم ضرب الباب، فقلت: من هذا ؟ قال: عثمان. قلت: يا رسول الله ! هذا عثمان. قال: "ائذن له وبشره بالجنة معها بلاء". فأذنت له وبشرته بالجنة، فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على القف، ودلى رجليه في البئر » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني . قال الهيثمي : "ورجال أحمد رجال الصحيح".
قال ابن كثير : "هكذا وقع في هذه الرواية، فيحتمل أن أبا موسى ونافع بن عبد الحارث كانا موكلين بالباب أو أنها قصة أخرى ".(1/154)
وقد رواه الإمام أحمد عن عفان عن وهيب عن موسى بن عقبة : سمعت أبا سلمة ولا أعلمه إلا عن نافع بن عبد الحارث : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطًا، فجلس على قف البئر، فجاء أبو بكر، فاستأذن، فقال لأبي موسى: "ائذن له وبشره بالجنة". ثم جاء عمر، فقال: "ائذن له وبشره بالجنة". ثم جاء عثمان، فقال: "ائذن له وبشره بالجنة وسيلقى بلاء » .
قال ابن كثير : "وهذا السياق أشبه من الأول، على أنه قد رواه النسائي من حديث صالح بن كيسان عن أبي الزناد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن نافع بن عبد الحارث عن أبي موسى الأشعري . فالله أعلم". انتهى.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: « كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حش من حشان المدينة، فاستأذن رجل، فقال: "ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه"؛ فإذا هو عثمان رضي الله عنه، فجعل يقول: اللهم صبرًا؛ حتى جلس. فقلت: أين أنا. فقال: "أنت مع أبيك » .
رواه البخاري في "التاريخ الكبير" بإسناد صحيح، ورواه الإمام أحمد بزيادة ونقص.
ورواه الطبراني، ولفظه: قال: « كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم بحش من حشان المدينة، فجاء رجل، فاستأذن، فقال: "قم فائذن له وبشره بالجنة". فقمت فأذنت له؛ فإذا هو أبو بكر، فبشرته بالجنة، فجعل يحمد الله حتى جلس. ثم جاء رجل فاستأذن فقال: "قم فائذن له وبشره بالجنة". فقمت فأذنت له؛ فإذا هو عمر، فأذنت له وبشرته بالجنة، فجعل يحمد الله حتى جلس. ثم جاء خفيض الصوت، فقال: "قم فائذن له وبشره بالجنة في بلوى تصيبه". فقمت فأذنت له؛ فإذا هو عثمان، فبشرته بالجنة على بلوى تصيبه، فقال: اللهم صبرًا؛ حتى جلس. قلت: يا رسول الله ! فأين أنا ؟ قال: "أنت مع أبيك » .(1/155)
قال الهيثمي : "بعض رجال الطبراني وأحمد رجال الصحيح".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: « وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسواف وبلال معه، فدلى رجليه في البئر وكشف عن فخذيه، فجاء أبو بكر يستأذن، فقال: "يا بلال ! ائذن له وبشره بالجنة ". فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلى رجليه في البئر، وكشف عن فخديه. ثم جاء عمر يستأذن، فقال: "ائذن له يا بلال وبشره بالجنة ". فدخل فجلس عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلى رجليه في البئر، وكشف عن فخديه. ثم جاء عثمان يستأذن، فقال: "ائذن له يا بلال وبشره بالجنة على بلوى تصيبه". فدخل عثمان، فجلس قبالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلى رجليه في البئر، وكشف عن فخديه » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير شيخ الطبراني علي بن سعيد، وهو حسن الحديث".
(الأسواف): موضع بالمدينة شامي البقيع.
وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه؛ قال: « بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "انطلق حتى تأتي أبا بكر، فتجده في بيته جالسًا محتبيًا، فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك: أبشر بالجنة. ثم انطلق حتى تأتي الثنية، فتلقى عمر فيها على حمار تلوح صلعته، فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك: أبشر بالجنة، ثم انطلق حتى تأتي السوق، فتلقى عثمان فيها يبيع ويبتاع، فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة بعد بلاء شديد". فانطلقت إلى أبي بكر، فوجدته في بيته جالسًا محتبيًا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة. فقال: وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت: في مكان كذا وكذا. فقام إليه. ثم أتيت الثنية؛ فإذا فيها عمر على حمار تلوح صلعته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، »(1/156)
« فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة. فقال: وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت: في مكان كذا وكذا. فانطلق. ثم انطلقت حتى أتيت السوق، فلقيت عثمان فيها يبيع ويبتاع كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة بعد بلاء شديد. فقال: وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأخذ بيدي، فجئنا جميعًا حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له عثمان : يا رسول الله ! إن زيدًا أتاني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة بعد بلاء شديد؛ فأي بلاء يصيبني يا رسول الله ؟ ! والذي بعثك بالحق ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك. فقال: "هو ذاك » .
رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير"، وزاد فيه: « إن الله مقمصك قميصًا، فإذا أرادك المنافقون على خلعه؛ فلا تخلعه » . قال الهيثمي : "فيه عبد الأعلى بن أبي المساور، وقد ضعفه الجمهور، ووثق في رواية عن يحيى بن معين، والمشهور عنه تضعيفه..... وقد رواه البيهقي بنحوه، وقال : عبد الأعلى ضعيف".
وعن قيس بن أبي حازم عن أبي سهلة عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "ادعوا لي بعض أصحابي ". قلت: أبو بكر ؟ قال: "لا". قلت: عمر ؟ قال: "لا". قلت: ابن عمك علي ؟ قال: "لا". قالت: قلت : عثمان ؟ قال: "نعم". فلما جاء قال: "تنحي". فجعل يساره ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار وحصر فيها؛ قلنا: يا أمير المؤمنين ألا تقاتل ؟ ! قال: لا؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدًا، وإني صابر نفسي عليه » .
رواه: الإمام أحمد بإسناد جيد، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".(1/157)
وروى الترمذي طرفا من آخره، ولفظه: عن قيس : حدثني أبو سهلة؛ قال: قال لي عثمان يوم الدار: « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلي عهدا؛ فأنا صابر عليه » .
ثم قال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح".
ورواه ابن ماجه عن قيس بن أبي حازم عن عائشة رضي الله عنها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: « "وددت أن عندي بعض أصحابي". قلنا: يا رسول الله ! ألا ندعو لك أبا بكر ؟ فسكت. قلنا: ألا ندعو لك عمر ؟ فسكت. قلنا: ألا ندعو لك عثمان ؟ قال: "نعم". فجاء، فخلا به، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه ووجه عثمان يتغير » . قال قيس : فحدثني أبو سهلة مولى عثمان : أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال يوم الدار: " « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا فأنا صائر إليه (وفي رواية: وأنا صابر عليه) » . قال قيس : فكانوا يرونه ذلك اليوم.
إسناده صحيح على شرط الشيخين، ورواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: « أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفان، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأينا إقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان؛ أقبلت إحدانا على الأخرى، فكان من آخر كلمة أن ضرب منكبه وقال: "يا عثمان ! إن الله عسى أن يلبسك قميصًا، فإن أرادك المنافقون على خلعه؛ فلا تخلعه حتى تلقاني (ثلاثًا) » . فقلت لها: يا أم المؤمنين فأين كان هذا عنك ؟ ! قالت: نسيته، والله ما ذكرته.
قال: فأخبرته معاوية بن أبي سفيان، فلم يرض بالذي أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين: أن اكتبي إلي به، فكتبت إليه به كتابا.
رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه . وهذا لفظ أحمد، ورواية(1/158)
الترمذي مختصرة، وقال: "هذا حديث حسن غريب".
ورواه الإمام أحمد أيضا عن عبد الرحمن بن مهدي : حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن أبي قيس : حدثني النعمان بن بشير رضي الله عنهما؛ قال: كتب معي معاوية إلى عائشة رضي الله عنها كتابا، فدفعت إليها كتابه، فحدثتني أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعثمان : « إن الله لعله يقمصك قميصًا، فإن أرادك أحد على خلعه فلا تخلعه (ثلاث مرات) » . قال النعمان : فقلت ك يا أم المؤمنين فأين كنت عن هذا الحديث ؟ فقالت: يا بني ! والله أنسيته.
إسناده صحيح على شرط مسلم .
وقد رواه ابن حبان في "صحيحه" من طريق زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح، وفيه أن عائشة رضي الله عنها قالت للنعمان بن بشير رضي الله عنهما: ألا أحدثك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت: بلى. قالت: « إني عنده ذات يوم أنا وحفصة، فقال صلى الله عليه وسلم: "لو كان عندنا رجل يحدثنا". فقلت: يا رسول الله ! أبعث إلى عمر فيجيء فيحدثنا ؟ قالت: فسكت. قالت: فدعا رجلًا، فأشار إليه بشيء دوننا، فذهب فجاء بعثمان، فأقبل عليه بوجهه، فسمعته يقول صلى الله عليه وسلم: "يا عثمان إن الله يقمصك قميصًا، فإن أرادوك على خلعه؛ فلا تخلعه (ثلاثًا) » . قلت: يا أم المؤمنين ! فأين كنت عن هذا الحديث ؟ قالت: يا بني ! أنسيته كأني لم أسمعه قط.
ورواه الطبراني في "الأوسط" من حديث أبي عبد الله الجسري؛ قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها، فذكر الحديث، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يا عثمان ! عسى أن يقمصك الله قميصًا، فإن أرادك المنافقون على خلعه؛ فلا تخلعه (ثلاث مرات) » . فقال لها النعمان بن بشير : يا أم المؤمنين ! أين كنت عن(1/159)
هذا الحديث ؟ ! فقالت: نسيته ورب الكعبة حتى قتل الرجل.
وفي رواية عند الطبراني أيضا: "فما فجأني إلا وعثمان جاث على ركبتيه قائلا: أظلما وعدوانا يا رسول الله ؟ ! فحسبت أنه أخبره بقتله".
قال الهيثمي : "أحد إسنادي الطبراني حسن".
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: حدثنا محمد بن كناسة الأسدي أبو يحيى : حدثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه؛ قال: بلغني أن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: ما استمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة؛ فإن عثمان جاءه في نحر الظهيرة، فظننت أنه جاءه في أمر النساء، فحملتني الغيرة على أن أصغيت إليه، فسمعته يقول: « إن الله ملبسك قميصًا تريدك أمتي على خلعه؛ فلا تخلعه » . فلما رأيت عثمان يبذل لهم ما سألوه إلا خلعه؛ علمت أنه عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عهد إليه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: « ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة، فمر رجل، فقال: "يقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلومًا". قال: فنظرت؛ فإذا هو عثمان بن عفان » .
رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وقال: "هذا حديث حسن غريب".
وعن موسى بن عقبة؛ قال: حدثني جدي أبو أمي أبو حبيبة : أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يستأذن عثمان في الكلام، فأذن له فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « "إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافًا". فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله ؟ ! قال: "عليكم بالأمين وأصحابه"، وهو يشير إلى عثمان بذلك » .
رواه: الإمام أحمد، والحاكم في "مستدركه"، وقال "صحيح الإسناد(1/160)
ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه"، وفي رواية الحاكم : قال: « عليكم بالأمير وأصحابه » .
ورواه الحاكم أيضا من حديث موسى ومحمد وإبراهيم بني عقبة؛ قالوا: حدثنا أبو أمنا أبو حسنة؛ قال: شهدت أبا هريرة .............. فذكره بنحو ما تقدم، وصححه هو والذهبي .
وعن عبد الله بن حوالة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « " يابن حوالة : كيف تفعل في فتن تخرج من أطراف الأرض كأنها صياصي بقر ؟ ! " قلت: لا أدري؛ ما خار الله لي ورسوله. قال: "اتبعوا هذا" ورجل مقفي حينئذ، فانطلقت فسعيت، فأخذت بمنكبه، فأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قلت: هذا ؟ قال: "نعم". فإذا هو عثمان بن عفان » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني . قال الهيثمي : "ورجالهما رجال الصحيح".
وعن مرة البهزي رضي الله عنه؛ قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة، فقال: « "كيف تصنعون في فتنة تثور في أقطار الأرض كأنها صياصي بقر ؟ ! " قالوا : نصنع ماذا يا رسول الله ؟ قال: "عليكم هذا وأصحابه (أو: اتبعوا هذا وأصحابه ) " قال: فأسرعت حتى عييت، فأدركت الرجل، فقلت: هذا يا رسول الله ؟ قال: "هذا ". فإذا هو عثمان بن عفان » .
رواه: الإمام أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وصححه.
وعن أبي الأشعث الصنعاني : أن خطباء قامت بالشام، وفيهم رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقام آخرهم رجل يقال له: مرة بن كعب رضي الله عنه، فقال: « لولا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ما قمت، وذكر الفتن فقربها، فمر رجل مقنع في ثوب، فقال: "هذا يومئذ على الهدى". فقمت إليه؛ فإذا هو »(1/161)
« عثمان بن عفان، فأقبلت عليه بوجهه، فقلت: هذا ؟ قال: "نعم » .
رواه: الترمذي، والحاكم، وهذا لفظ الترمذي، وقال: "هذا حديث حسن صحيح". قال: "وفي الباب عن ابن عمر وعبد الله بن حوالة وكعب بن عجرة ". وقال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه الطبراني من حديث جبير بن نفير؛ قال: بينا نحن معسكرين مع معاوية رضي الله عنه بعد قتل عثمان رضي الله عنه، فقام مرة بن كعب البهزي رضي الله عنه، فقال: أنا والله لولا شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ما قمت هذا المقام. فلما سمع معاوية رضي الله عنه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أجلس الناس؛ قال: « بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس؛ إذ مر بنا عثمان بن عفان مترجلًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتخرجن فتنة من تحت رجلي (أو من تحت قدمي) هذا، ومن اتبعه يومئذ على الهدى". فقمت حتى أخذت بمنكبي عثمان حتى بينته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: هذا ؟ قال: "نعم؛ هذا ومن اتبعه يومئذ على الهدى » . فقام عبد الله بن حوالة الأزدي من عند المنبر، فقال: إنك لصاحب هذا. قال: نعم. قال: أما والله إني حاضر ذلك المجلس، ولو كنت أعلم أن لي في الجيش مصدقا لكنت أول من تكلم به. قال الهيثمي : "رجاله وثقوا".
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه؛ قال: « ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها وعظمها. قال: ثم مر رجل مقنع في ملحفة، فقال: "هذا يومئذ على الحق". قال: فانطلقت مسرعًا أو محضرًا، وأخذت بضبعيه فقلت: هذا يا رسول الله ؟ قال: "هذا". فإذا هو عثمان بن عفان » .
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه .
وعن جابر رضي الله عنه: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتنة، فقال أبو بكر : أنا »(1/162)
« أدركها ؟ فقال: "لا". فقال عمر : أنا يا رسول الله أدركها ؟ قال: "لا". فقال عثمان : يا رسول الله ! فأنا أدركها ؟ قال: "بك يبتلون » .
رواه البزار . قال الهيثمي : "وفيه ماعز التميمي، ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه أحد، وبقية رجاله ثقات".
وعن عثمان رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنك ستبتلى بعدي؛ فلا تقاتلن » .
رواه أبو يعلى . قال الهيثمي : "وشيخه غير منسوب، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات، وقد رواه الحافظ الضياء المقدسي من طريق أبي يعلى وصححه".
وعن أبي عون الأنصاري : أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال لابن مسعود رضي الله عنه: هل أنت منته عما بلغني عنك ؟ فاعتذر بعض العذر، فقال عثمان : ويحك ! إني قد سمعت وحفظت وليس كما سمعت، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سيقتل أمير وينتزي منتز » . وإني أنا المقتول وليس عمر، إنما قتل عمر واحد وإنه يجتمع علي.
رواه الإمام أحمد، ورواته ثقات؛ إلا أنه منقطع بين عثمان وأبي عون .
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم، وتجتلدوا بأسيافكم، ويرث دنياكم شراركم » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وابن ماجه .
وعن عبد الله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من نجا من ثلاث؛ فقد نجا (ثلاث مرات): موتي، والدجال، وقتل خليفة مصطبر بالحق يعطيه » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والحاكم في "مستدركه". قال الهيثمي :(1/163)
"ورجال أحمد رجال الصحيح؛ غير ربيعة بن لقيط، وهو ثقة". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ثلاث من نجا منها؛ فقد نجا: من نجا عند موتي فقد نجا، ومن نجا عند قتل خليفة يقتل مظلومًا وهو مصطبر يعطي الحق من نفسه؛ فقد نجا، ومن نجا من فتنة الدجال فقد نجا » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه إبراهيم بن يزيد المصري، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".
وعن عمر بن ربيعة : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل إلى كعب الأحبار، فقال: "يا كعب ! كيف تجد نعتي ؟ ". قال: أجد نعتك قرنا من حديد. قال: "وما قرن من حديد ؟ !". قال: أمير شديد لا تأخذه في الله لومة لائم. قال: "ثم مه ؟". قال: ثم يكون من بعدك خليفة تقتله فئة ظالمة. قال: "ثم مه ؟". قال: ثم يكون البلاء.
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن ثمامة بن حزن القشيري؛ قال: « شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان رضي الله عنه، فقال: ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم علي. قال: فجيء بهما كأنهما جملان (أو كأنهما حماران). قال: فأشرف عليهم عثمان رضي الله عنه، فقال: أنشدكم بالله والإسلام؛ هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول الله: "من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة "، فاشتريتها من صلب مالي، فأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر. قالوا: اللهم نعم. فقال: أنشدكم بالله والإسلام؛ هل تعلمون أن المسجد »(1/164)
« ضاق بأهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة"، فاشتريتها من صلب مالي، وأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين. قالوا: اللهم نعم. قال : أنشدكم بالله والإسلام؛ هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي ؟ قالوا: اللهم نعم. ثم قال: أنشدكم بالله والإسلام؛ هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا، فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض. قال: فركضه برجله، فقال: "اسكن ثبير؛ فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان". قالوا: اللهم نعم. قال: الله أكبر ! شهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد (ثلاثًا) » .
رواه: الترمذي، والنسائي، وعبد الله ابن الإمام أحمد، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن". قال: "وقد روي من غير وجه عن عثمان رضي الله عنه ".
وعن عبد الملك بن عمير عن ابن أخي عبد الله بن سلام؛ قال: "لما أريد عثمان رضي الله عنه؛ جاء عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فقال له عثمان : ما جاء بك ؟ قال: جئت في نصرتك. قال: اخرج إلى الناس فاطردهم عني؛ فإنك خارج خير لي منك داخل. قال: فخرج عبد الله بن سلام إلى الناس، فقال: أيها الناس ! إنه كان اسمي في الجاهلية فلان، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، ونزلت في آيات من كتاب الله، نزلت في: { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } ، ونزلت في: { كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } ، إن لله سيفا مغمودا عنكم، وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل فيه نبيكم؛ فالله الله في هذا الرجل أن تقتلوه، فوالله إن قتلتموه لتطردن جيرانكم الملائكة، ولتسلن سيف الله المغمود عنكم فلا يغمد إلى يوم القيامة. قال: فقالوا: اقتلوا اليهودي، واقتلوا عثمان ".
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث غريب". قال: "وقد رواه شعيب بن(1/165)
صفوان عن عبد الملك بن عمير عن ابن محمد بن عبد الله بن سلام عن جده عبد الله بن سلام ".
قلت: وهذه الرواية عند الطبراني من طريق عبد الملك بن عمير : أن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام استأذن على الحجاج بن يوسف، فأذن له، فدخل وسلم، وأمر رجلين مما يلي السرير أن يوسعا له، فأوسعا له، فجلس، فقال له الحجاج : لله أبوك، أتعلم حديثا حدثه أبوك عبد الملك بن مروان عن جدك عبد الله بن سلام ؟ قال: فأي حديث ؟ قال: حديث المصريين حين حصروا عثمان . قال: قد علمت ذلك الحديث: "أقبل عبد الله بن سلام رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه محصور، فانطلق، فدخل عليه، فوسعوا له حتى دخل، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ! فقال: وعليك السلام، ما جاء بك يا عبد الله بن سلام ؟ ! قال: جئت لأثبت حتى أستشهد أو يفتح الله لك، ولا أرى هؤلاء القوم إلا قاتلوك، فإن يقتلوك فذاك خير لك وشر لهم. فقال عثمان : أسألك بالذي لي عليك من الحق؛ لما خرجت إليهم؛ خير يسوقه الله بك، وشر يدفعه الله بك. فسمع وأطاع، فخرج عليهم، فلما رأوه اجتمعوا وظنوا أنه قد جاءهم ببعض ما يسرون به، فقام خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد؛ فإن الله عز وجل بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بشيرا ونذيرا؛ يبشر بالجنة من أطاعه، وينذر بالنار من عصاه، وأظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون، ثم اختار له المساكن، فاختار له المدينة، فجعلها دار الهجرة، وجعلها دار الإيمان، فوالله ما زالت الملائكة حافين بالمدينة منذ قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، وما زال سيف الله مغمودا عنكم مذ قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم. ثم قال : إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، فمن اهتدى؛ فإنما يهتدي بهدى الله، ومن ضل؛ فإنما يضل بعد البيان والحجة، وإنه لم يقتل نبي فيما مضى؛ إلا قتل به سبعون ألف مقاتل؛ كلهم يقتل به، ولا قتل خليفة قط؛ إلا(1/166)
قتل به خمسة وثلاثون ألف مقاتل؛ كلهم يقتل به، فلا تعجلوا على هذا الشيخ بقتل، فوالله لا يقتله رجل منكم؛ إلا لقي الله يوم القيامة ويده مقطوعة مشلولة، واعلموا أنه ليس لوالد على ولد حق إلا لهذا الشيخ عليكم مثله. قال: فقاموا، فقالوا: كذبت اليهود، كذبت اليهود. فقال: كذبتم والله، وأنتم آثمون، ما أنا بيهودي، وإني لأحد المسلمين، يعلم الله بذلك ورسوله والمؤمنون، وقد أنزل الله في القرآن: { قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } ، وقد أنزل الآية الأخرى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ } . قال: فقاموا، فدخلوا على عثمان فذبحوه كما يذبح الحلان. قال شعيب : فقلت لعبد الملك بن عمير : ما الحلان ؟ ! قال: الحمل. قال: وقد قال عثمان لكثير بن الصلت: يا كثير ! أنا والله مقتول غدا. قال: بل يعلي الله كعبك ويكبت عدوك. قال: ثم أعادها الثالثة، فقال مثل ذلك. قال: عم تقول يا أمير المؤمنين ؟ ! قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر، فقال لي: يا عثمان ! أنت عندنا غدا، وأنت مقتول غدا؛ فأنا والله مقتول. قال: فقتل، فخرج عبد الله بن سلام إلى القوم قبل أن يتفرقوا، فقال: يا أهل مصر ! يا قتلة عثمان ! قتلتم أمير المؤمنين، أما والله؛ لا يزال عهد منكوث ودم مسفوح ومال مقسوم، لا سقيتم".
قال الهيثمي : "رجاله ثقات".
وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه: "أنه قال حين هاج الناس في أمر عثمان : أيها الناس ! لا تقتلوا هذا الشيخ واستعتبوه؛ فإنه لن تقتل أمة نبيها فيصلح أمرهم حتى يهراق دماء سبعين ألفا منهم، ولن تقتل أمة خليفتها فيصلح أمرهم حتى يهراق دماء أربعين ألفا منهم، فلم ينظروا فيما قال، وقتلوه. فجلس لعلي في الطريق، فقال: أين تريد ؟ فقال: أريد أرض العراق. قال: لا تأت(1/167)
العراق، وعليك بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فوثب إليه أناس من أصحاب علي، وهموا به، فقال علي رضي الله عنه: دعوه؛ فإنه منا أهل البيت. فلما قتل علي رضي الله عنه؛ قال عبد الله لابن معقل : هذه رأس الأربعين، وسيكون على رأسها صلح، ولن تقتل أمه نبيها؛ إلا قتل به سبعون ألفا، ولن تقتل أمة خليفتها؛ إلا قتل به أربعون ألفا".
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
وعن عبد الرحمن بن جبير؛ قال: "سمع عبد الله بن سلام رضي الله عنه رجلا يقول لآخر: قتل عثمان بن عفان، فلم ينتطح فيه عنزان . فقال ابن سلام رضي الله عنه: أجل؛ إن البقر والمعز لا تنطح في قتل الخليفة، ولكن ينتطح فيه الرجال بالسلاح، والله ليقتلن به أقوام إنهم لفي أصلاب آبائهم ما ولدوا بعد".
رواه محمد بن عائذ، وذكره ابن كثير في "تاريخه".
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه؛ قال: "قال رجل لما قتل عثمان : لا ينتطح فيه عنزان . قلت: بلى وتفقأ فيها عيون كثيرة".
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وإسناده حسن".
وعن قيس بن عباد؛ قال: سمعت عليا رضي الله عنه يوم الجمل يقول: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاؤوني للبيعة، فقلت: والله إني لأستحي من الله أن أبايع قوما قتلوا رجلا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة » ، وإني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد. فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس فسألوني البيعة، فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه. ثم جاءت عزيمة فبايعت؛ فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين ! فكأنما صدع(1/168)
قلبي، وقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن محمد بن حاطب : أنه قال لعلي رضي الله عنه: إنا قادمون المدينة والناس سائلونا عن عثمان؛ فماذا نقول فيه ؟ قال: فتكلم عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر فقالا وقالا، فقال لهما علي : يا عمار ! ويا محمد ! تقولان: إن عثمان استأثر وأساء الإمرة، وعاقبتم والله فأسأتم العقوبة، وستقدمون على حكم عدل يحكم بينكم. ثم قال: "يا محمد بن حاطب ! إذا قدمت المدينة، وسئلت عن عثمان ؟ قل: كان والله من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، والله يحب المحسنين، وعلى الله فليتوكل المؤمنون".
رواه الحاكم في "مستدركه".
وعن ميمون بن مهران : أنه ذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "ما يسرني أني أخذت سيفي في قتل عثمان وأن لي الدنيا وما فيها ".
رواه الحاكم في "مستدركه".
وعن طلق بن خشاف؛ قال: "وفدنا إلى المدينة لننظر فيم قتل عثمان، فانطلقت حتى أتيت عائشة رضي الله عنها، فسلمت عليها، فردت السلام وقالت: من الرجل ؟ قلت: من أهل البصرة. قالت: ومن أي أهل البصرة ؟ قلت: من بكر بن وائل . فقالت: ومن أي بكر بن وائل ؟ فقلت: من بني قيس بن ثعلبة . فقالت: من آل فلان ؟ فقلت لها: يا أم المؤمنين ! فيم قتل عثمان أمير المؤمنين ؟ قالت: قتل والله مظلوما، لعن الله قتلته، أقاد الله من ابن أبي بكر به، وساق الله إلى أعين بني تميم هوانا في بيته، وأراق الله دماء ابني بديل على ضلالة، وساق الله إلى الأشتر سهما من سهامه. فوالله؛ ما من القوم رجل إلا(1/169)
أصابته دعوتها".
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير طلق، وهو ثقة".
وقد روى البخاري في "التاريخ الكبير" طرفا منه، وهو قول عائشة في عثمان : "إنه قتل مظلوما، ولعن الله قتلته".
وعن محمد بن سيرين : "أن محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة وكعبا ركبا سفينة في البحر، فقال محمد : يا كعب ! أما تجد سفينتنا هذه في التوراة كيف تجري ؟ قال: لا؛ ولكن أجد فيها رجلا أشقى الفتية من قريش، ينزو في الفتنة نزو الحمار؛ فاتق لا تكن أنت هو". قال ابن سيرين : "فزعموا أنه كان هو".
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "أول الفتن قتل عثمان، وآخر الفتن خروج الدجال، والذي نفسي بيده لا يموت رجل وفي قلبه مثقال حبة من حب قتل عثمان إلا تبع الدجال إن أدركه، وإن لم يدركه آمن به في قبره".
ذكره ابن كثير في "تاريخه" عن الأعمش عن زيد بن وهب عن حذيفة، وقد رواه: ابن أبي شيبة مختصرا، وابن عساكر في "تاريخه" مطولا بنحو ما ذكر هاهنا.
وعن محمد بن سيرين : أن حذيفة رضي الله عنه قال: "اللهم إن كان قتل عثمان بن عفان خيرا؛ فليس لي فيه نصيب، وإن كان قتله شرا فأنا منه بريء، والله لئن كان قتله خيرا ليحلبنه لبنا، وإن كان قتله شرا ليمتص به دما".(1/170)
رواه ابن أبي الدنيا .
وعن أبي عبد الله البحراني : "أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما في مرضه الذي هلك فيه كان عنده رجل من إخوانه وهو يناجي امرأته، ففتح عينيه، فسألهما ؟ فقالا خيرا. فقال: إن شيئا تسرانه دوني ما هو بخير ! قال: قتل الرجل (يعني: عثمان ). قال: فرجع، ثم قال: اللهم إني كنت من هذا الأمر بمعزل، فإن كان خيرا فهو لمن حضره وأنا منه بريء، وإن كان شرا فهو لمن حضره وأنا منه بريء، اليوم تغيرت القلوب يا عثمان . الحمد لله الذي سبق بي الفتن قادتها وعلوجها".
رواه محمد بن عائذ، وذكره ابن كثير في "تاريخه".
وعن الحسن؛ قال: لما حضر حذيفة الموت؛ قال: "الحمد لله الذي سبق بي الفتنة قادتها وعلوجها".
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وعن قتادة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أنه قال: "لو كان قتل عثمان هدى لاحتلبت به الأمة لبنا، ولكنه كان ضلالا، فاحتلبت به الأمة دما".
رواه الحسن بن عرفة، ورجاله رجال الصحيح؛ إلا أنه منقطع بين قتادة وأبي موسى .
وعن قيس بن أبي حازم؛ قال: سمعت سعيد بن زيد رضي الله عنه يقول: "لقد رأيتني وإن عمر موثقي على الإسلام، ولو انقض أحد مما فعلتم بعثمان كان محقوقا أن ينقض".
رواه البخاري، وفي رواية: "ولو أن أحدا ارفض للذي صنعتم بعثمان؛ لكان محقوقا أن يرفض ".(1/171)
ومعنى (ارفض): زال من مكانه، ومعنى (انقض): سقط.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وإنما قال ذلك سعيد لعظم قتل عثمان، وهو مأخوذ من قوله تعالى: { تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا } ".
وعن زهدم الجرمي؛ قال: "خطب ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: لو لم يطلب الناس بدم عثمان لرموا بالحجارة من السماء".
رواه محمد بن سعد، وذكره ابن كثير في "تاريخه"، قال: "وقد روي من غير هذا الوجه عنه".
باب
ما جاء في واقعة الجمل ومسير عائشة رضي الله عنها إلى العراق
عن مطرف - وهو ابن عبد الله بن الشخير - قال: قلت للزبير رضي الله عنه: يا أبا عبد الله ما جاء بكم ؟ ضيعتم الخليفة حتى قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه ؟ ! قال الزبير : "إنا قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان : { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } ، لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت".
رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح، وقد تقدم ذكره وذكر ما رواه الحسن عن الزبير في ذلك.
وعن قيس بن أبي حازم؛ قال: " جاء الزبير رضي الله عنه إلى عمر رضي الله عنه يستأذنه في الغزو. فقال عمر : اجلس في بيتك، فقد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ". قال: "فردد ذلك عليه، فقال عمر في الثالثة أو التي تليها: اقعد في(1/172)
بيتك؛ فوالله إني لأجد بطرف المدينة منك ومن أصحابك أن تخرجوا فتفسدوا على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ".
رواه: البزار، والحاكم في "مستدركه"، وصححه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، وتكون بينهما مقتلة عظيمة، ودعواهما واحدة » .
متفق عليه.
وعن الشعبي؛ قال: "قالت عائشة رضي الله عنها لأبي بكر رضي الله عنه: إني رأيت بقرا تنحر حولي. قال: إن صدقت رؤياك قتلت حولك فئة".
رواه: ابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد في "الفتن"، وابن أبي الدنيا .
وعن مسروق؛ قال: "قالت لي عائشة رضي الله عنها: إني رأيتني على تل وحولي بقر تنحر. فقلت لها: لئن صدقت رؤياك لتكونن حولك ملحمة. قالت: أعوذ بالله من شرك، بئس ما قلت. فقلت لها: فلعله إن كان أمرا سيسوؤك. فقالت: والله لئن أخر من السماء أحب إلي من أن أفعل ذلك..." الحديث. رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: " لو حدثتكم أن أمكم تغزوكم أتصدقوني ؟ !". قالوا: أوحق ذلك ؟ ! قال: "نعم".
رواه: نعيم بن حماد في "الفتن"، وابن عساكر في "تاريخه".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال لرجل: "ما فعلت أمك ؟ ". قال: قد ماتت قال: "أما إنك ستقاتلها". فعجب الرجل من ذلك حتى خرجت عائشة .(1/173)
رواه ابن أبي شيبة .
وعن خيثمة بن عبد الرحمن؛ قال: "كنا عند حذيفة رضي الله عنه، فقال بعضنا: حدثنا يا أبا عبد الله ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: لو فعلت لرجمتموني". قال: "قلنا: سبحان الله ! أنحن نفعل ذلك ؟! قال: أرأيتكم لو حدثتكم أن بعض أمهاتكم تأتيكم في كتيبة كثير عددها شديد بأسها؛ صدقتم به؟ قالوا: سبحان الله ! ومن يصدق بهذا ؟ ! ثم قال حذيفة : أتتكم الحميراء في كتيبة، يسوقها أعلاجها، حيث تسوء وجوهكم. ثم قام فدخل مخدعا".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن زيد بن وهب؛ قال: "بينا نحن حول حذيفة رضي الله عنه؛ إذ قال: كيف أنتم وقد خرج أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وسلم فرقتين يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف ؟ ! فقلنا: يا أبا عبد الله ! وإن ذلك لكائن ؟ ! فقال بعض أصحابه: يا أبا عبد الله ! فكيف نصنع إن أدركنا ذلك الزمان ؟ قال: انظروا الفرقة التي تدعو إلى أمر علي فالزموها؛ فإنها على الهدى".
رواه البزار . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنه سيكون بعدي اختلاف أو أمر، فإن استطعت أن تكون السلم؛ فافعل » .
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند"، ورواته ثقات.
وعن أبي رافع رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: « إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر . قال: أنا يا رسول الله ؟ قال: "نعم". قال: أنا أشقاهم يا رسول الله ؟ قال: "لا، ولكن إذا كان ذلك؛ فارددها إلى مأمنها » .(1/174)
رواه: الإمام أحمد، والبزار، والطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن أم سلمة رضي الله عنها؛ قالت: « ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة، فقال لها: "انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت" ثم التفت إلى علي، وقال: "يا علي ! إن وليت من أمرها شيئًا؛ فارفق بها » .
رواه: الحاكم، والبيهقي . وقال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". وقال ابن كثير : "هذا حديث حسن غريب جدا".
قلت: وله شاهد مما قبله وما بعده.
وعن قيس بن أبي حازم : « أن عائشة رضي الله عنها لما نزلت على الحوأب؛ سمعت نباح الكلاب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا: "أيتكن ينبح عليها كلاب الحوأب ؟ !". فقال لها الزبير : ترجعين ؟ عسى الله أن يصلح بك بين الناس » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والبزار، وابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "مستدركه".
قال الحافظ ابن حجر : "وسنده على شرط الصحيح".
وقال الهيثمي : "رجال أحمد رجال الصحيح".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه: « ليت شعري ! أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تخرج فينبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير، ثم تنجو بعدما كادت ؟ ! » .
رواه البزار . قال الهيثمي والحافظ ابن حجر : "رجاله ثقات". ورواه أيضا ابن أبي شيبة بنحوه.(1/175)
(الأدبب): بهمزة مفتوحة ودال ساكنة ثم موحدتين الأولى مفتوحة.
قال ابن الأثير : "أراد الأدب، فأظهر الإدغام لأجل الحوأب، والأدب: الكثير وبر الوجه". قال: "والحوأب: منزل بين مكة والبصرة".
قلت: وهو بفتح الحاء وسكون الواو وبعدها همزة ثم موحدة. وفي رواية لأحمد : أنه من مياه بني عامر.
وعن عمير بن سعيد؛ قال: "كنا جلوسا مع ابن مسعود وأبو موسى عنده، وأخذ الوالي رجلا فضربه وحمله على جمل، فجعل الناس يقولون: الجمل الجمل. فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن ! هذا الجمل الذي كنا نسمع ؟ ! قال: فأين البارقة".
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
(البارقة): السيوف؛ يريد أن الجمل الذي كانوا يسمعون عنه يكون عنده مقتلة تبرق فيها السيوف؛ أي: تلمع عند الضرب بها، وليس هذا به.
وعن الحسن - وهو البصري - عن أبي بكرة رضي الله عنه؛ قال: لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل، لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارسا ملكوا ابنة كسرى؛ قال: « لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي، وهذا لفظ البخاري .
ولفظ الترمذي؛ قال: « لقد عصمني الله بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما هلك كسرى؛ قال: "من استخلفوا ؟ " قالوا: ابنته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة » . قال: فلما قدمت عائشة - يعني: البصرة - ذكرت قول رسول الله، فعصمني الله به. قال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح".(1/176)
ورواه الحاكم في "مستدركه" بنحوه، ورواه أيضا من وجه آخر، ولفظه: قال: لما كان يوم الجمل؛ أردت أن آتيهم أقاتل معهم، حتى ذكرت حديثا سمعته رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه بلغه أن كسرى أو بعض ملوك الأعاجم مات فولوا أمرهم امرأة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يفلح قوم تملكهم امرأة » .
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقد تقدم أن البخاري رواه، ولكن بغير هذا اللفظ.
وقد رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" عن عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن عن أبيه عن أبي بكرة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة » .
عيينة وأبوه كل منهما ثقة.
وروى: ابن أبي شيبة، والبزار، والبيهقي؛ بإسناد ضعيف عن أبي بكرة رضي الله عنه: أنه قيل له: ما منعك أن تقاتل مع أهل البصرة يوم الجمل ؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يخرج قوم هلكى لا يفلحون، قائدهم امرأة، قائدهم في الجنة » .
قال ابن كثير: "وهذا منكر جدا".
وروى عمر بن شبة من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن : أن عائشة رضي الله عنها أرسلت إلى أبي بكرة رضي الله عنه، فقال: إنك لأم، وإن حقك لعظيم، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة » .
وعن عبد الله بن زياد الأسدي؛ قال: "لما سار طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم إلى البصرة؛ بعث علي رضي الله عنه عمار بن ياسر وحسن بن علي رضي الله عنهما، فقدما علينا الكوفة، فصعدا المنبر، فكان الحسن بن(1/177)
علي فوق المنبر في أعلاه، وقام عمار أسفل من الحسن، فاجتمعنا إليه، فسمعت عمارا يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة، ووالله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك تعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي".
رواه البخاري .
وعن أبي وائل؛ قال: "قام عمار رضي الله عنه على منبر الكوفة، فذكر عائشة، وذكر مسيرها، وقال: إنها زوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكنها مما ابتليتم".
رواه: الإمام احمد، والبخاري، وهذا لفظه.
وعن أبي وائل أيضا؛ قال: "كنت جالسا مع أبي مسعود وأبي موسى وعمار رضي الله عنهم، فقال أبو مسعود : ما من أصحابك أحد إلا لو شئت لقلت فيه؛ غيرك، وما رأيت منك شيئا منذ صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعيب عندي من استسراعك في هذا الأمر. قال عمار : يا أبا مسعود ! وما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئا منذ صحبتما رسول الله صلى الله عليه وسلم أعيب عندي من إبطائكما في هذا الأمر. فقال أبو مسعود - وكان موسرا -: يا غلام ! هات حلتين، فأعطى إحداهما أبا موسى والأخرى عمارا، وقال: روحا فيه إلى الجمعة".
رواه: الإمام احمد، والبخاري .
وعن أبي يزيد المدينى؛ قال: "قال عمار بن ياسر رضي الله عنه لعائشة رضي الله عنها لما فرغوا من الجمل: ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليكم (يشير إلى قوله تعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } . فقالت: أبو اليقظان ؟ قال: نعم. قالت: والله إنك - ما علمت - لقوال بالحق. قال: الحمد لله الذي قضى لي على لسانك".(1/178)
رواه ابن جرير . قال الحافظ ابن حجر : "وسنده صحيح".
وعن هشام وقيس وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: "وددت أني كنت ثكلت عشرة مثل الحارث بن هشام وأني لم أسر مسيري مع ابن الزبير ".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن محمد بن قيس؛ قال: "ذكر لعائشة رضي الله عنها يوم الجمل. قالت: والناس يقولون: يوم الجمل ؟ ! قالوا: نعم. قالت: وددت أني كنت جلست كما جلس أصحابي، وكان أحب إلي أن أكون ولدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ومثل عبد الله بن الزبير ".
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه أبو معشر نجيح، وهو ضعيف يكتب حديثه، وبقية رجاله ثقات".
وعن قتادة؛ قال: « "لما ولى الزبير رضي الله عنه يوم الجمل؛ بلغ عليًا رضي الله عنه، فقال: لو كان ابن صفية يعلم أنه على حق ما ولى. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيهما في سقيفة بني ساعدة، فقال: "أتحبه يا زبير ؟". فقال: وما يمنعني ؟ ! قال: "فكيف بك إذا قاتلته وأنت ظالم له ؟ !" » . قال: "فيرون أنه إنما ولى لذلك".
رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة، وهو مرسل صحيح الإسناد.
وعن أبي جرو المازني؛ قال: « شهدت عليًا والزبير رضي الله عنهما حين تواقفا، فقال له علي : يا زبير ! أنشدك الله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنك تقاتلني وأنت ظالم" ؟ ! قال: نعم. ولم أذكر إلا في موقفي هذا » . ثم انصرف.(1/179)
رواه: أبو يعلى، والبيهقي؛ بإسناد ضعيف.
وعن يزيد الفقير عن أبيه وعن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن أبيه - دخل حديث أحدهما في حديث صاحبه - قالا: « لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير، ودنت الصفوف بعضها من بعض؛ خرج علي رضي الله عنه وهو على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنادى: ادعوا لي الزبير بن العوام؛ فإني علي، فدعي له الزبير، فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما، فقال علي : يا زبير ! نشدتك بالله أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مكان كذا وكذا، فقال: "يا زبير ! تحب عليًا ؟ ". فقلت: ألا أحب ابن خالي وابن عمي وعلى ديني ؟ ! فقال: "يا علي ! أتحبه ؟ ". فقلت: يا رسول الله ! ألا أحب ابن عمتي وعلى ديني ؟ فقال: "يا زبير ! أما والله لتقاتلنه وأنت ظالم له". فقال الزبير : بلى، والله؛ لقد نسيته منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك. » فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله بن الزبير، فقال: ما لك ؟ فقال: ذكرني علي حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول: « لتقاتلنه وأنت ظالم له » ؛ فلا أقاتله. فقال: وللقتال جئت ؟ ! إنما جئت لتصلح بين الناس ويصلح الله بك هذا الأمر. قال: قد حلفت أن لا أقاتله. قال: فأعتق غلامك خير وقف حتى تصلح بين الناس. فأعتق غلامه، ووقف، فلما اختلف أمر الناس ذهب على فرسه.
رواه البيهقي . قال ابن كثير : "وهو غريب".
وعن عبد الرحمن بن أبزى؛ قال: "انتهى عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي إلى عائشة رضي الله عنها يوم الجمل وهي في الهودج، فقال: يا أم المؤمنين ! أتعلمين أني أتيتك عندما قتل عثمان، فقلت: ما تأمريني ؟ فقلت: الزم عليا ؟ فسكتت. فقال: اعقروا الجمل ! فعقروه، فنزلت أنا وأخوها محمد، فاحتملنا هودجها، فوضعناه بين يدي علي، فأمر بها، فأدخلت بيتا".(1/180)
رواه ابن أبي شيبة، قال الحافظ ابن حجر : "وسنده جيد".
وعن عمرة بنت عبد الرحمن ؛ قالت: "لما سار علي رضي الله عنه إلى البصرة؛ دخل على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها يودعها، فقالت: سر في حفظ الله وفي كنفه؛ فوالله إنك لعلى الحق والحق معك، ولولا أني أكره أن أعصي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نقر في بيوتنا؛ لسرت معك، ولكن والله لأرسلن معك من هو أفضل عندي وأعز علي من نفسي، ابني عمر ".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي سعيد التيمي عن أبي ثابت مولى أبي ذر؛ قال: كنت مع علي رضي الله عنه يوم الجمل، فلما رأيت عائشة رضي الله عنها واقفة؛ دخلني بعض ما يدخل الناس، فكشف الله عني ذلك عند صلاة الظهر، فقاتلت مع أمير المؤمنين، فلما فرغ ذهبت إلى المدينة، فأتيت أم سلمة رضي الله عنها، فقلت: إني والله ما جئت أسأل طعاما ولا شرابا ولكني مولى لأبي ذر . فقالت: مرحبا. فقصصت عليها قصتي، فقالت: أين كنت حين طارت القلوب مطائرها ؟ قلت: إلى حيث كشف الله ذلك عني عند زوال الشمس. قالت: أحسنت؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد، وأبو سعيد التيمي هو عقيصاء : ثقة مأمون، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
قلت: عقيصاء اسمه دينار : قال النسائي : "ليس بالقوي". وقال البخاري : "يتكلمون فيه". وذكر الذهبي في "الميزان" عن الدارقطني أنه قال: "متروك الحديث". وقال السعدي : "غير ثقة". وذكر ابن حجر في "لسان(1/181)
الميزان" عن ابن معين أنه قال: "ليس بشيء". وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": "متروك الحديث".
وعلى هذا ففي تصحيح الحاكم والذهبي لهذا الحديث نظر، والله أعلم.
وعن جري بن سمرة؛ قال: "لما كان من أهل البصرة الذي كان بينهم وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ انطلقت حتى أتيت المدينة، فأتيت ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وهي من بني هلال، فسلمت عليها، فقالت: ممن الرجل ؟ قلت: من أهل العراق. قالت: من أي أهل العراق ؟ قلت: من أهل الكوفة. قالت: من أي أهل الكوفة ؟ قلت: من بني عامر. قالت: مرحبا؛ قربا على قرب، ورحبا على رحب، فمجيء ما جاء بك ؟ قلت: كان بين علي وطلحة الذي كان، فأقبلت فبايعت عليا . قالت: فالحق به؛ فوالله ما ضل ولا ضل به؛ حتى قالتها ثلاثا".
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير جري بن سمرة، وهو ثقة".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: كنا عند بيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من المهاجرين والأنصار، فقال: « ألا أخبركم بخياركم ؟ ". قالوا: بلى. قال: "الموفون المطيبون، إن الله يحب الخفي التقي". قال: ومر علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: "الحق مع ذا، الحق مع ذا » .
رواه أبو يعلى . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وسيأتي حديث سعد بن أبي وقاص وأم سلمة رضي الله عنهما بنحوه في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى.
وعن قيس بن عباد؛ قال: "قال علي رضي الله عنه لابنه الحسن بن علي(1/182)
يوم الجمل: يا حسن ! ليت أباك مات منذ عشرين سنة. قال: فقال له الحسن : يا أبت ! قد كنت أنهاك عن هذا. قال: يا بني ! لم أر أن الأمر يبلغ هذا".
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة"، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وعن محمد بن حاطب : "أن الحسن بن علي رضي الله عنهما ؛ قال: يا أبت ! قد كنت أنهاك عن هذا المسير؛ فغلبك على رأيك فلان وفلان. قال: قد كان ذاك يا بني، ولوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة".
رواه الحاكم في "مستدركه".
باب
ما جاء في وقعة صفين وقتل عمار بن ياسر رضي الله عنه
عن حرملة بن عمران؛ قال: سمعت يزيد بن أبي حبيب يحدث محمد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي؛ قال: "اصطحب قيس بن خرشة وكعب ذو الكتابين (يعني: كعب الأحبار، وإنما سماه ذا الكتابين لأنه قرأ التوراة والقرآن)، حتى إذا بلغا صفين وقف كعب ساعة، فقال: لا إله إلا الله؛ ليهراقن من دماء المسلمين بهذه البقعة شيء لا يهراق ببقعة من الأرض. فغضب قيس، ثم قال: وما يدريك يا أبا إسحاق ما هذا ؟ هذا من الغيب الذي استأثر الله به ! فقال كعب : ما من الأرض شبر إلا وهو مكتوب في التوراة التي أنزل الله على موسى ما يكون عليه وما يخرج فيه إلى يوم القيامة".
رواه: الحسن بن سفيان في "مسنده"، والطبراني، وابن عبد البر في "الاستيعاب"، وهو مرسل.
وقد تقدم حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا »(1/183)
« تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، وتكون بينهما مقتلة عظيمة، ودعواهما واحدة » .
متفق عليه.
وتقدم أيضا قول حذيفة رضي الله عنه: "انظروا الفرقة التي تدعو إلى أمر علي؛ فالزموها؛ فإنها على الهدى".
رواه البزار . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وتقدم أيضا قول أم سلمة رضي الله عنها لعلي رضي الله عنه: "إنك لعلى الحق، والحق معك".
رواه الحاكم، وقال: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وتقدم أيضا حديث أبي ثابت مولى أبي ذر عن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « علي مع القرآن والقرآن مع علي » .
رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وتقدم أيضا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: « أن عليًا رضي الله عنه لما مر من عند النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحق مع ذا، الحق مع ذا » .
رواه أبو يعلى . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وتقدم أيضا حديث جري بن سمرة عن ميمونة رضي الله عنها: أنها أمرته أن يلحق بعلي رضي الله عنه، وقالت: « والله ما ضل ولا ضل به » .
رواه الطبراني .
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" عن جري بن كليب العامري؛ قال: "لما(1/184)
سار علي رضي الله عنه إلى صفين كرهت القتال، فأتيت المدينة، فدخلت على ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، فقالت: ممن أنت ؟ قلت: من أهل الكوفة. قالت: من أيهم ؟ قلت: من بني عامر. قالت: رحبا على رحب، وقربا على قرب؛ فمجيء ما جاء بك ؟ قال: قلت: سار علي إلى صفين، وكرهت القتال، فجئنا إلى هاهنا. قالت: أكنت بايعته ؟ قال: قلت: نعم. قالت: فارجع إليه؛ فكن معه، فوالله ما ضل ولا ضل به".
قال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، دعواهما واحدة، تمرق بينهما مارقة، يقتلها أولاهما بالحق » .
رواه الإمام أحمد، وإسناده حسن.
وعن محمد بن إبراهيم التيمي : أن فلانا دخل المدينة حاجا، فأتاه الناس يسلمون عليه، فدخل سعد رضي الله عنه، فسلم، فقال: وهذا لم يعنا على حقنا على باطل غيرنا. قال: فسكت عنه. فقال: ما لك لا تتكلم ؟ فقال: هاجت فتنة وظلمة، فقلت لبعيري: إخ ! إخ ! فأنخت حتى انجلت، فقال رجل: إني قرأت كتاب الله من أوله إلى آخره، فلم أر فيه: إخ ! إخ ! فقال: أما إذ قلت ذاك؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « علي مع الحق (أو: الحق مع علي ) حيث كان » . قال: من سمع ذلك ؟ قال: قاله في بيت أم سلمة . قال: فأرسل إلى أم سلمة رضي الله عنها، فسألها ؟ فقالت: قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي. فقال الرجل لسعد : ما كنت عندي قط ألوم منك الآن. فقال: ولم ؟ قال: لو سمعت هذا من النبي صلى الله عليه وسلم لم أزل خادما لعلي حتى أموت.(1/185)
رواه البزار . قال الهيثمي : "وفيه سعد بن شبيب، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وقد ذكره ابن كثير في "تاريخه" عن كثير النواء عن عبد الله بن بديل؛ قال: دخل سعد رضي الله عنه على معاوية رضي الله عنه، فقال له: ما لك لم تقاتل معنا ؟ فقال: إني مرت بي ريح مظلمة، فقلت: إخ ! إخ ! فأنخت راحلتي حتى انجلت عني، ثم عرفت الطريق فسرت. فقال معاوية رضي الله عنه: ليس في كتاب الله إخ ! إخ !ولكن قال الله تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } ، فوالله ما كنت مع الباغية على العادلة، ولا مع العادلة على الباغية. فقال سعد رضي الله عنه: ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى؛ غير أنه لا نبي بعدي » . فقال معاوية : من سمع هذا معك ؟ ! فقال: فلان وفلان وأم سلمة . فقال معاوية : أما إني لو سمعته منه صلى الله عليه وسلم لما قاتلت عليا .
وفي رواية من وجه آخر: أن هذا الكلام كان بينهما وهما بالمدينة في حجة حجها معاوية، وأنهما قاما إلى أم سلمة رضي الله عنها، فسألاها فحدثتهما بما حدث به سعد رضي الله عنه، فقال معاوية رضي الله عنه: "لو سمعت هذا قبل هذا اليوم؛ لكنت خادما لعلي حتى يموت أو أموت".
قال ابن كثير : "وفي إسناد هذا ضعف".
وعن عبد الله بن سلمة؛ قال: رأيت عمارا يوم صفين شيخا كبيرا آدم طوالا أخذ الحربة بيده ويده ترعد، فقال: "والذي نفسي بيده؛ لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة، والذي نفسي بيده؛ لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر؛ لعرفت أن مصلحينا على الحق وأنهم على(1/186)
الضلالة".
رواه: الإمام أحمد، والطبراني؛ إلا أنه قال: "لقد قاتلت صاحب هذه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة". قال الهيثمي : "ورجال أحمد رجال الصحيح". ورواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".
وعن عبد الله بن سلمة أيضا: أن عمارا رضي الله عنه قال: "والله؛ إني لأرى قوما ليضربنكم ضربا يرتاب له المبطلون، والله؛ لو قاتلوا حتى بلغوا بنا سعفات هجر؛ لعلمت أن صاحبنا على الحق، وهم على الباطل".
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن سيار أبي الحكم؛ قال: "قالت بنو عبس لحذيفة رضي الله عنه: إن أمير المؤمنين عثمان قد قتل؛ فما تأمرنا ؟ قال: آمركم أن تلزموا عمارا . قالوا: إن عمارا لا يفارق عليا . قال: إن الحسد هو أهلك الجسد، وإنما ينفركم من عمار قربه من علي، فوالله؛ لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عمارا لمن الأحباب، وهو يعلم أنهم إن لزموا عمارا كانوا مع علي ".
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات؛ إلا أني لم أعرف الرجل المبهم".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « إذا اختلف الناس؛ فابن سمية مع الحق » .
رواه: الطبراني، والبيهقي .
وعن حبة العرني؛ قال: دخلنا مع أبي مسعود الأنصاري على حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أسأله عن الفتن ؟ فقال: دوروا مع كتاب الله حيثما دار،(1/187)
وانظروا الفئة التي فيها ابن سمية؛ فاتبعوها؛ فإنه يدور مع كتاب الله حيثما دار.
قال: فقلنا له: ومن ابن سمية ؟ قال: عمار؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: « لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية؛ تشرب شربة ضياح تكن آخر رزقك من الدنيا » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال: كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة، وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عن رأسه الغبار وقال: « ويح عمار ! تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار » .
رواه البخاري، وفي رواية له أخرى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ويح عمار؛ يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار » . قال: يقول عمار : أعوذ بالله من الفتن.
ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" مختصرا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في عمار : « تقتلك الفئة الباغية » .
ورواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: أخبرني من هو خير مني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه؛ يقول: « بؤس ابن سمية، تقتله فئة باغية » .
ورواه: مسلم أيضا، والنسائي في "خصائص علي رضي الله عنه "؛ عن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال: "حدثني من هو خير مني، أبو قتادة ".
ورواه أبو داود الطيالسي من حديث أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال: "حدثي أصحابي..." فذكره بنحوه.
وعن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار : « تقتلك الفئة »(1/188)
« الباغية » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم، والنسائي في "خصائص علي رضي الله عنه ".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أبشر يا عمار ! تقتلك الفئة الباغية » .
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب". قال: "وفي الباب عن أم سلمة وعبد الله بن عمرو وأبي اليسر وحذيفة رضي الله عنهم".
وعن عبد الله بن الحارث؛ قال: إني لأسير مع معاوية رضي الله عنه في منصرفه من صفين بينه وبين عمرو بن العاص رضي الله عنه؛ قال: فقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: يا أبت ! ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار : « ويحك يابن سمية ! تقتلك الفئة الباغية » . قال: فقال عمرو لمعاوية : ألا تسمع ما يقول هذا ؟ فقال معاوية : لا تزال تأتينا بهنة، أنحن قتلناه ؟ ! إنما قتله الذين جاؤوا به.
رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.
(الهنة)؛ بفتح الهاء والنون، وتجمع على هنات وهنوات، وهي الشدائد والأمور العظام.
وقوله: "إنما قتله الذين جاؤوا به": تأويل بعيد جدا، ولو كان الأمر على ما قاله معاوية رضي الله عنه؛ لكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم الذين قتلوا حمزة وغيره من الشهداء في يوم أحد وغيره من المشاهد، وهذا معلوم البطلان بالضرورة؛ فكذلك قول معاوية رضي الله عنه: "إنما قتله الذين جاؤوا به"، وإنما قال معاوية رضي الله عنه ما قال خوفا من تفرق جنده عنه وذهابهم إلى علي(1/189)
رضي الله عنه. والله أعلم.
وقد رواه الإمام أحمد أيضا من حديث حنظلة بن خويلد العنزي؛ قال: بينما أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار؛ يقول كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ليطب به أحدكما نفسا لصاحبه؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « تقتله الفئة الباغية » . قال معاوية : فما بالك معنا ؟ قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: « أطع أباك ما دام حيًا ولا تعصه » ؛ فأنا معكم ولست أقاتل.
ورواه ابن أبي شيبة، وابن عساكر في "تاريخه" بنحوه، ورواه النسائي في كتاب "خصائص علي رضي الله عنه "، بإسناد حسن، وليس فيه قول معاوية لعبد الله بن عمرو وجواب عبد الله له.
وعن أبي اليسر كعب بن عمرو وزياد بن الغرد رضي الله عنهما: أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار : « تقتلك الفئة الباغية » .
رواه الطبراني بإسناد منقطع.
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، وضرب جنب عمار؛ قال: « إنك لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية » الحديث .
رواه الطبراني بإسناد ضعيف.
وعن عمار رضي الله عنه؛ قال: « أخبرني حبيبي صلى الله عليه وسلم: أنه تقتلني الفئة الباغية، وأن آخر زادي مذقة من لبن » .
رواه: أبو يعلى، والطبراني، ورواه البزار مختصرا. قال الهيثمي "وإسناده حسن".
وعن عبد الله بن الحارث : أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال(1/190)
لمعاوية رضي الله عنه: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار : « إنك حريص على الجهاد، وإنك لمن أهل الجنة، ولتقتلنك الفئة الباغية ؟ » قال: بلى. قال: فلم قتلتموه ؟ قال: والله؛ ما تزال تدحض في بولك، نحن قتلناه ؟ إنما قتله الذي جاء به.
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
ورواه النسائي في "خصائص علي رضي الله عنه " بإسناد حسن، ولفظه: عن عبد الله بن الحارث؛ قال: "إني لأساير عبد الله بن عمرو بن العاص ومعاوية، فقال عبد الله بن عمرو : يا معاوية ألا تسمع ما يقولون: تقتله الفئة الباغية ؟ فقال: لا تزال داحضا في بولك، أنحن قتلناه ؟ وإنما قتله من جاء به إلينا".
(دحض في بوله): زلق فيه.
وعن حبة؛ قال: اجتمع حذيفة وأبو مسعود رضي الله عنهما، فقال أحدهما لصاحبه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « تقتل عمارًا الفئة الباغية » ، وصدقه الآخر.
رواه الطبراني .
وعن أبي رافع رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تقتل عمارًا الفئة الباغية » .
رواه الطبراني .
وعن عثمان رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار : « تقتلك الفئة الباغية » .
رواه: أبو يعلى، والطبراني .(1/191)
وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية » .
رواه: أبو يعلى، والطبراني .
وعن محمد بن عمرو بن حزم؛ قال: لما قتل عمار بن ياسر رضي الله عنه؛ دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص، فقال: قتل عمار، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « تقتله الفئة الباغية » . فقام عمرو بن العاص يرجع حتى دخل على معاوية، فقال معاوية : مه ؟ فقال: قتل عمار . فقال معاوية : قد قتل عمار؛ فماذا ؟ قال عمرو : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « تقتله الفئة الباغية » . فقال له معاوية : دحضت في بولك، أنحن قتلناه ؟ إنما قتله علي وأصحابه، جاؤوا به حتى ألقوه بين رماحنا (أو قال: بين سيوفنا).
رواه: الإمام أحمد، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرطهما ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت؛ قال: ما زال جدي كافا سلاحه حتى قتل عمار بصفين، فسل سيفه، فقاتل حتى قتل؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « تقتله الفئة الباغية » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والحاكم في "مستدركه".
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "روى حديث « تقتل عمارًا الفئة الباغية » جماعة من الصحابة؛ منهم قتادة بن النعمان وأم سلمة عند مسلم، وأبو هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفسه، وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة أو حسنة، وفيه عن جماعة آخرين يطول عدهم، وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة،(1/192)
وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار، ورد على النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في حروبه". انتهى.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: "لم أجدني آسى على شيء؛ إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي ".
رواه الطبراني بأسانيد. قال الهيثمي : "وأحدها رجاله رجال الصحيح".
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" مطولا من حديث الزهري : "أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر : أنه بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ إذ جاءه رجل من أهل العراق، فقال: يا أبا عبد الرحمن ! إني والله لقد حرصت أن أتسمت بسمتك وأقتدي بك في أمر فرقة الناس وأعتزل الشر ما استطعت، وإني أقرأ آية من كتاب الله محكمة قد أخذت بقلبي، فأخبرني عنها، أرأيت قول الله عز وجل: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } ؟ أخبرني عن هذه الآية. فقال عبد الله رضي الله عنه: ما لك ولذلك ؟ ! انصرف عني. فانطلق حتى توارى عنا سواده، وأقبل علينا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال: ما وجدت في نفسي من شيء في أمر هذه الآية ما وجدت في نفسي أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله عز وجل" .
قال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي وائل؛ قال: لما قدم سهل بن حنيف رضي الله عنه من صفين؛ أتيناه نستخبره، فقال: "اتهموا الرأي؛ فلقد رأيتني يوم أبي جندل، ولو أستطيع أن أرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره لرددت، والله ورسوله أعلم، وما وضعنا أسيافنا(1/193)
على عواتقنا لأمر يفظعنا؛ إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه قبل هذا الأمر، ما نسد منها خصما إلا انفجر علينا خصم؛ ما ندري كيف نأتي له ؟ !".
رواه: الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والشيخان، وهذا لفظ البخاري، وزاد في رواية له عن الأعمش : قال: "وقال أبو وائل : شهدت صفين وبئست صفون".
(الخصم)؛ بضم الخاء: طرف الشيء وناحيته.
قال النووي : "شبهه بخصم الراوية وانفجار الماء من طرفها، أو بخصم الغرارة والخرج وانصباب ما فيه بانفجاره".
وعن عبد الكريم بن رشيد : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "يا أصحاب رسول الله ! تناصحوا؛ فإنكم إن لم تفعلوا غلبكم عليها - يعني الخلافة - مثل عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان ".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
باب
الثناء على الحسن بن علي رضي الله عنهما
وما جرى على يديه من الصلح وتسكين الفتن
عن إسرائيل أبي موسى؛ قال: سمعت الحسن (يعني: البصري ) يقول: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص : إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها. فقال له معاوية - وكان والله خير الرجلين -: أي عمرو ! إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء؛ من لي بأمور الناس ؟ ! من لي بنسائهم ؟ ! من لي بضيعتهم ؟ ! فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس: عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز، فقال: اذهبا(1/194)
إلى هذا الرجل، فاعرضا عليه، وقولا له، واطلبا إليه. فأتياه، فدخلا عليه، فتكلما، وقالا له، وطلبا إليه، فقال لهما الحسن بن علي : إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها. قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك، ويسألك. قال: فمن لي بهذا ؟ قالا: نحن لك به. فما سألهما شيئا؛ إلا قالا: نحن لك به؛ فصالحه. فقال الحسن (أي: البصري ): ولقد سمعت أبا بكرة رضي الله عنه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي رضي الله عنهما إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى، ويقول: « إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري .
وقد رواه: الإمام أحمد أيضا، وأبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني، والترمذي، والنسائي؛ من حديث الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه مختصرا، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح".
وعن جابر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن ابني هذا (يعني: الحسن ) سيد، وليصلحن الله عز وجل به بين فئتين من المسلمين » .
رواه الطبراني، ورجاله ثقات.
قال الخطابي : "قد خرج مصداق هذا القول فيه بما كان من إصلاحه بين أهل العراق وأهل الشام، وتخليه عن الأمر؛ خوفا من الفتنة، وكراهية لإراقة الدم، ويسمى ذلك العام سنة الجماعة، وفي الخبر دليل على أن واحدا من الفريقين لم يخرج بما كان منه في تلك الفتنة من قول أو فعل عن ملة الإسلام، إذ قد جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين، وهكذا سبيل كل متأول فيما تعاطاه من رأي ومذهب دعا إليه إذا كان قد تأوله بشبهة، وإن كان مخطئا في ذلك، ومعلوم أن(1/195)
إحدى الفئتين كانت مصيبة والأخرى مخطئة". انتهى.
وقال ابن كثير : "قد شهد الصادق المصدوق للفرقتين بالإسلام، فمن كفرهم أو واحدا منهم لمجرد ما وقع؛ فقد أخطأ وخالف النص النبوي المحمدي الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى". انتهى.
وعن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه؛ قال: "قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما: إن الناس يقولون: إنك تريد الخلافة ! فقال: قد كانت جماجم العرب في يدي؛ يحاربون من حاربت، ويسالمون من سالمت؛ تركتها ابتغاء وجه الله تعالى، وحقن دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم أثيرها ثانيا من أهل الحجاز ؟ !".
رواه: ابن سعد، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
باب
ذكر محاسن الصحابة والكف عما شجر بينهم
عن سعد بن عبيدة؛ قال: "جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما، فسأله عن عثمان رضي الله عنه، فذكر عن محاسن عمله؛ قال: لعل ذاك يسوؤك ؟ قال: نعم. قال: فأرغم الله بأنفك. ثم سأله عن علي رضي الله عنه، فذكر محاسن عمله؛ قال: هو ذاك، بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال: لعل ذاك يسوؤك ؟ قال: أجل. قال: فأرغم الله بأنفك. انطلق فاجهد على جهدك".
رواه البخاري .
وعن نافع : "أن رجلا أتى ابن عمر رضي الله عنهما، فقال: يا أبا عبد الرحمن ! ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله(1/196)
عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه ؟ قال: يابن أخي ! بني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله، والصلوات الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت . قال: يا أبا عبد الرحمن ! ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } ، { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } ؟ قال: فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الإسلام قليلا، فكان الرجل يفتن في دينه. إما قتلوه، وإما يعذبوه، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة. قال: فما قولك في علي وعثمان ؟ ! قال: أما عثمان؛ فكان الله عفا عنه، وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه، وأما علي؛ فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه، وأشار بيده، فقال: هذا بيته حيث ترون".
رواه البخاري .
وعن عثمان بن عبد الله بن موهب؛ قال: جاء رجل من أهل مصر حج البيت، فرأى قوما جلوسا، فقال: من هؤلاء القوم ؟ قالوا: هؤلاء قريش. قال: فمن الشيخ فيهم ؟ قالوا: عبد الله بن عمر . قال: يابن عمر ! إني سائلك عن شيء؛ فحدثني عنه: هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد ؟ قال: نعم. فقال: تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد ؟ قال: نعم. قال: هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها ؟ قال: نعم. قال: الله أكبر. قال ابن عمر رضي الله عنهما: تعال أبين لك: أما فراره يوم أحد؛ فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له، وأما تغيبه عن بدر؛ فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مريضة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه » . وأما تغيبه عن بيعة الرضوان؛ فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان، وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى: « هذه يد عثمان ، فضرب بها على يده، فقال: "هذه »(1/197)
« لعثمان » . فقال له ابن عمر رضي الله عنهما: اذهب بها الآن معك.
رواه: الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا ذكر أصحابي؛ فأمسكوا » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه مسهر بن عبد الملك، وثقه ابن حبان وغيره، وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضًا بعدي ، فمن أحبهم؛ فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم؛ فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم؛ فقد آذاني، ومن آذاني؛ فقد آذى الله، ومن آذى الله؛ يوشك أن يأخذه » .
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث غريب".
وعن طارق بن أشيم رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « بحسب أصحابي القتل » .
رواه: الإمام أحمد، والبزار، والطبراني . قال الهيثمي : "ورجال أحمد رجال الصحيح".
وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سيكون بعدي فتن يكون فيها ويكون. فقلنا: إن أدركنا ذلك هلكنا. قال: بحسب أصحابي القتل » .
رواه الطبراني بأسانيد. قال الهيثمي : "ورجال أحدها ثقات. وقد رواه: الإمام أحمد، وأبو داود بلفظ آخر، تقدم ذكره في (باب ما يرجى للمقتول من(1/198)
الرحمة)، ورواتهما ثقات".
وعن أبي راشد؛ قال: جاء رجال من أهل البصرة إلى عبيد بن عمير، فقالوا: إن إخوانك من أهل البصرة يسألونك عن علي وعثمان ؟ فقال: وما أقدمكم شيء غير هذا ؟ قالوا: نعم. قال: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .
رواه الطبراني . وقال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وسئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عما جرى بين علي ومعاوية ؟ فقرأ: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .
ذكره ابن كثير في "تاريخه"؛ قال: "وكذا قال غير واحد من السلف".
وعن أبي زرعة الرازي : "أنه قال له رجل: إني أبغض معاوية . فقال له: ولم ؟ قال: لأنه قاتل عليا بغير حق. فقال له أبو زرعة : ويحك ! إن رب معاوية رب رحيم، وخصم معاوية خصم كريم؛ فما دخولك أنت بينهما رضي الله عنهما".
رواه ابن عساكر، وذكره ابن كثير في "تاريخه" وابن حجر في "فتح الباري".
باب
ما جاء في خلافة النبوة
عن سعيد بن جهمان عن سفينة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء » . قال سعيد : قال(1/199)
لي سفينة : أمسك عليك: أبا بكر سنتين، وعمر عشرا، وعثمان اثنتي عشرة، وعلي كذا. قال سعيد : قلت لسفينة : إن هؤلاء يزعمون أن عليا رضي الله عنه لم يكن بخليفة ! قال: كذبت أستاه بني الزرقا (يعني: بني مروان ).
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وهذا لفظ أبي داود .
ولفظ الترمذي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم ملك بعد ذلك » . ثم قال لي سفينة : أمسك خلافة أبي بكر، ثم قال: وخلافة عمر، وخلافة عثمان، ثم قال: أمسك خلافة علي . فوجدناها ثلاثين سنة. قال سعيد : فقلت له: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم ! قال: كذبوا بنو الزرقا، بل هم ملوك من شر المملوك.
قال الترمذي : "هذا حديث حسن، قد رواه غير واحد عن سعيد بن جهمان، ولا نعرفه إلا من حديثه".
قلت: قد رواه عبد الله ابن الإمام أحمد من حديث أبي ريحانة - واسمه عبد الله بن مطر البصري - عن سفينة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « الخلافة بعدي ثلاثون سنة » . فقال رجل كان حاضرا في المجلس: قد دخلت من هذه الثلاثين سنة ستة شهور في خلافة معاوية . فقال: من هاهنا أتيت تلك الشهور. كانت البيعة للحسن بن علي، بايعه أربعون ألفا، أو اثنان وأربعون ألفا.
وفي رواية لابن حبان من حديث سعيد بن جهمان عن سفينة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « الخلافة ثلاثون سنة، وسائرهم ملوك » .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "وكانت خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال، وكانت خلافة عمر رضي الله عنه عشر سنين(1/200)
وستة أشهر وأربعة أيام، وخلافة عثمان رضي الله عنه اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوما، وكانت خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه خمس سنين إلا شهرين".
قال " "وتكميل الثلاثين الحسن بن علي رضي الله عنهما نحوا من ستة أشهر، حتى نزل عنها لمعاوية رضي الله عنه عام أربعين من الهجرة".
وقال ابن كثير أيضا: "إنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما، فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه في ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين، وذلك كمال الثلاثين سنة من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه توفي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وهذا من دلائل النبوة صلوات الله وسلامه عليه".
وقال ابن كثير أيضا: "والسنة أن يقال لمعاوية رضي الله عنه: ملك، ولا يقال له: خليفة؛ لحديث سفينة رضي الله عنه: « الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكًا عضوضًا » . انتهى.
قوله: "كذبت أستاه بني الزرقاء": (الأستاه): جمع است، وهي العجيزة، وتطلق على حلقة الدبر، وأصله: سته؛ بفتحتين، والجمع: أستاه، والمراد أنها كلمة كاذبة؛ فهي كالضرطة التي تخرج من أدبارهم، فلا قيمة لها. و ( الزرقاء ): امرأة من أمهات بني أمية. قاله بعض شراح السنن.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « خلافة نبوة ثلاثون عامًا، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء » . فقال معاوية : رضينا بالملك.
رواه يعقوب بن سفيان، وذكره ابن كثير في "تاريخه"، ثم قال: "وهذا الحديث فيه رد صريح على الروافض المنكرين لخلافة الثلاثة، وعلى النواصب(1/201)
من بني أمية ومن تبعهم من أهل الشام في إنكار خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ". انتهى.
وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة؛ قال: وفدنا على معاوية مع زياد، ومعنا أبو بكرة رضي الله عنه، فدخلنا عليه، فقال له معاوية رضي الله عنه: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، عسى الله أن ينفعنا به. قال: نعم. « كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الرؤيا الصالحة ويسأل عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكم رأى رؤيا ؟". فقال رجل: أنا يا رسول الله؛ إني رأيت رؤيا؛ رأيت كأن ميزانًا دلي من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر، فرجحت بأبي بكر، ثم وزن أبو بكر بعمر، فرجح أبو بكر بعمر، ثم وزن عمر بعثمان، فرجح عمر بعثمان، ثم رفع الميزان. فاستاء لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "خلافة نبوة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء » . فغضب معاوية، فزخ في أقفائنا وأخرجنا، فقال زياد لأبي بكرة : أما وجدت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا تحدثه غير هذا ؟ فقال: والله لا أحدثه إلا به حتى أفارقه. قال: فلم يزل زياد يطلب الإذن حتى أذن لنا، فأدخلنا، فقال معاوية رضي الله عنه: يا أبا بكرة ! حدثنا بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله أن ينفعنا به. قال: فحدثه أيضا بمثل حديثه الأول، فقال له معاوية : لا أبا لك ! تخبرنا أنا ملوك؛ فقد رضينا أن نكون ملوكا.
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وهذا لفظه، وأبو داود السجستاني مختصرا، وهو حديث حسن، رواه علي بن زيد بن جدعان، وفيه كلام، وقد وثق، وحسن الترمذي حديثه، وأخرج له مسلم في "صحيحه" مقرونا بآخر، وأخرج له البخاري في غير الصحيح، وبقية رجاله رجال الصحيح.
قوله: " فاستاء لها "؛ قال الخطابي : "أي: كرهها حتى تبينت المساءة في وجهه، ووزنه: افتعل، من السوء ". انتهى.(1/202)
و (الزخ): الدفع.
وقد رواه: أبو داود السجستاني أيضا، والترمذي، والحاكم؛ من حديث الأشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه: « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: "من رأى منكم رؤيا ؟". فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزانًا نزل من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر، فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن أبو بكر وعمر، فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان، فرجح عمر، ثم رفع الميزان. فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم » .
قال الترمذي : "وهذا حديث حسن صحيح". وقال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". قال الذهبي : "وأشعث هذا ثقة، لكن ما احتجا به".
فلت: قد وثقه يحيى القطان وابن معين والنسائي، وروى له البخاري تعليقا، وصحح الترمذي حديثه.
وعن سعيد بن جهمان عن سفينة مولى أم سلمة رضي الله عنهما؛ قال: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح أقبل على أصحابه فقال: "أيكم رأى الليلة رؤيا ؟". قال: فصلى ذات يوم، فقال: "أيكم رأى رؤيا ؟". فقال رجل: أنا رأيت يا رسول الله كأن ميزانًا دلي به من السماء، فوضعت في كفة ووضع أبو بكر في كفة أخرى، فرجحت بأبي بكر، فرفعت وترك أبو بكر مكانه، فجيء بعمر بن الخطاب، فوضع في الكفة الأخرى، فرجح به أبو بكر، فرفع أبو بكر، وجيء بعثمان فوضع في الكفة الأخرى، فرجح عمر بعثمان، ثم رفع عمر وعثمان ورفع الميزان. قال: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "خلافة النبوة ثلاثون عامًا، ثم تكون ملكًا » . قال سعيد بن جهمان : فقال لي سفينة : أمسك سنتي أبي بكر، وعشر عمر، ثنتي عشرة عثمان، وست علي رضي الله عنهم.(1/203)
رواه: البزار مختصرا، والحاكم في "مستدركه" ، وهذا لفظه. قال الهيثمي : "وفيه مؤمل بن إسماعيل، وثقه ابن معين وابن حبان، وضعفه البخاري وغيره، وبقية رحاله ثقات".
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم، ونيط عمر بأبي بكر، ونيط عثمان بعمر » . قال جابر رضي الله عنه: فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قلنا: أما الرجل الصالح فرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما تنوط بعضهم ببعض؛ فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم.
رواه: أبو داود، والحاكم في "مستدركه"، وصححه، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
قال الخطابي : "قوله: (نيط)؛ معناه: علق، والنوط: التعليق، والتنوط: التعلق". انتهى.
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه: « "أن رجلًا قال: يا رسول الله ! رأيت كأن دلوًا دلي من السماء، فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شربًا ضعيفًا، ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع، ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع، ثم جاء علي فأخذ بعراقيها وانتشطت وانتضح عليه منها شيء » .
رواه أبو داود .
وعن الأقرع مؤذن عمر بن الخطاب؛ قال: "بعثني رضي الله عنه إلى الأسقف، فدعوته، فقال له عمر رضي الله عنه: وهل تجدني في الكتاب ؟ قال: نعم. قال: كيف تجدني ؟ ! قال: أجدك قرنًا. فرفع عليه الدرة، فقال: قرن(1/204)
مه ؟ ! قال: قرن حديد أمين شديد. قال: كيف تجد الذي يجيء من بعدي ؟ فقال: أجده خليفة صالحًا غير أنه يؤثر قرابته. قال عمر رضي الله عنه: يرحم الله عثمان؛ ثلاثًا. فقال: كيف تجد الذي بعده ؟ قال: أجده صدأ حديد. فوضع عمر رضي الله عنه يده على رأسه، فقال: يا دفراه ! يا دفراه ! فقال: يا أمير المؤمنين ! إنه خليفة صالح، ولكنه يستخلف حين يستخلف والسيف مسلول والدم مهراق" .
رواه أبو داود، ورواته ثقات.
قال أبو داود : " (الدفر): النتن". وقال الخطابي : " (الدفر)؛ بفتح الدال وسكون الفاء: النتن، ومنه قيل للدنيا: أم دفر، فأما الذفر؛ بالذال المعجمة وفتح الفاء؛ فإنه يقال لكل ريح ذكية شديدة من طيب أو نتن". انتهى.
وعن عمر بن ربيعة : "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل إلى كعب الأحبار، فقال: يا كعب ! كيف تجد نعتي ؟ قال: أجد نعتك قرنا من حديد. قال: وما قرن من حديد ؟ قال: أمير شديد لا تأخذه في الله لومة لائم. قال: ثم مه ؟ قال: ثم يكون من بعدك خليفة تقتله فئة ظالمة. قال: ثم يكون البلاء" . رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما؛ قال: "بينما زيد بن خارجة يمشي في بعض طرق المدينة؛ إذ خر ميتا بين الظهر والعصر، فنقل إلى أهله، وسجي بين ثوبين وكساء، فلما كان بين المغرب والعشاء؛ اجتمعن نسوة من الأنصار، فصرخوا حوله؛ إذ سمعوا صوتا من تحت الكساء يقول: أنصتوا أيها الناس ! مرتين، فحسر عن وجهه وصدره، فقال: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الأمي خاتم النبيين، كان ذلك في الكتاب. ثم قيل على لسانه: صدق صدق. أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم القوي الأمين، كان ضعيفا في بدنه قويا(1/205)
في أمر الله، كان ذلك في الكتاب الأول. ثم قيل على لسانه: صدق صدق. والأوسط عبد الله أمير المؤمنين رضي الله عنه، الذي كان لا يخاف في الله لومة لائم، وكان يمنع الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم، كان ذلك في الكتاب الأول، ثم قيل على لسانه: صدق صدق. ثم قال: عثمان أمير المؤمنين، رحيم بالمؤمنين، خلت اثنتان وبقي أربع، واختلف الناس ولا نظام لهم، وانتحبت الأجماء؛ يعني: تنتهك المحارم، ودنت الساعة، وأكل الناس بعضهم بعضا ".
رواه الطبراني في "الكبير " و "الأوسط" بإسنادين. قال الهيثمي : "ورجال أحدهما في "الكبير" ثقات".
باب
ما جاء في الخلفاء الاثني عشر
عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا يزال هذا الدين قائمًا حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة؛ كلهم تجتمع عليه الأمة . فسمعت كلاما من النبي صلى الله عليه وسلم لم أفهمه، قلت لأبي: ما يقول ؟ قال: "كلهم من قريش » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي، وهذا لفظ أبي داود .
وفي رواية لمسلم : قال: انطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي أبي، فسمعته يقول: « لا يزال هذا الدين عزيزًا منيعًا إلى اثني عشر خليفة. فقال كلمة صمنيها الناس، فقلت لأبي: ما قال ؟ قال: "كلهم من قريش » .
ورواه أبو داود، ولفظه: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا يزال هذا الدين عزيزًا إلى اثني عشر خليفة. قال: فكبر الناس وضجوا، ثم قال كلمة »(1/206)
« خفية. قلت لأبي: يا أبه ! ما قال ؟ قال: "كلهم من قريش » . وزاد أبو داود في رواية: « فلما رجع إلى منزله أتته قريش، فقالوا: ثم يكون ماذا ؟ قال: "ثم يكون الهرج » .
قوله: "صمنيها الناس"؛ قال النووي : "هو بفتح الصاد وتشديد الميم المفتوحة؛ أي: أصموني عنها فلم أسمعها لكثرة الكلام".
وعن أبي جحيفة رضي الله عنه؛ قال: كنت مع عمي عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقال: « لا يزال أمر أمتي صالحًا حتى يمضي اثنا عشر خليفة. وخفض بها صوته، فقلت لعمي - وكان أمامي -: ما قال يا عم ؟ قال: "كلهم من قريش » .
رواه: البزار، والطبراني في "الكبير " و "الأوسط". قال الهيثمي : "ورجال الطبراني رجال الصحيح".
وعن مسروق؛ قال: كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو يقرئنا القرآن، فقال له رجل: « يا أبا عبد الرحمن ! هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟ فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك. ثم قال: نعم؛ ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والبزار . قال الهيثمي : "وفيه مجالد بن سعيد، وثقه النسائي وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات".
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا ملك اثنا عشر من بني كعب بن لؤي؛ كان النقف والنقاف إلى يوم القيامة » .
رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد ضعيف، وأشار إليه الترمذي في(1/207)
"جامعه".
وقد رواه نعيم بن حماد في الفتن من حديث أبي الطفيل؛ قال: أخذ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بيدي، فقال: "يا عامر بن واثلة ! سيكون اثنا عشر خليفة من بني كعب بن لؤي، ثم النقف والنقاف، لن يجتمع أمر الناس على إمام حتى تقوم الساعة".
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "ظهر لي في النقف: أنه بفتح النون وسكون القاف، وهو كسر الهامة عن الدماغ. والنقاف: بوزن فعال منه، وكنى بذلك عن القتل والقتال، ويؤيده قوله في بعض طرق حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما: ثم يكون الهرج".
قلت: وقد تقدم كلام ابن الأثير وابن منظور في النقف والنقاف في آخر (باب ذكر الفتن والتحذير منها)؛ فليراجع.
وعن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنه قال: "وجدت في بعض الكتب يوم اليرموك: أبو بكر الصديق أصبتم اسمه، عمر الفاروق قرنا من حديد أصبتم اسمه، وعثمان ذو النورين كفلين من الرحمة لأنه يقتل مظلوما أصبتم اسمه". قال: "ثم يكون ملك الأرض المقدسة وابنه".
قال عقبة : قلت لعبد الله : سمهما. قال: " معاوية وابنه. ثم يكون سفاح، ثم يكون منصور، ثم يكون جابر، ثم مهدي، ثم يكون الأمين، ثم يكون سين ولام (يعني: صلاحا وعاقبة) ثم يكون أمراء العصب، ستة منهم من ولد كعب بن لؤي، ورجل من قحطان؛ كلهم صالح لا يرى مثله". قال أيوب : فكان ابن سيرين إذا حدث بهذا الحديث قال: يكون على الناس ملوك بأعمالهم.
ذكر هذا الأثر الأزهري، ونقله عنه ابن منظور في "لسان العرب"، ثم قال: "قال الأزهري : هذا حديث عجيب، وإسناده صحيح".(1/208)
وقد رواه نعيم بن حماد في كتاب "الفتن" عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنه قال: "سيكون على هذه الأمة اثنا عشر خليفة: أبو بكر الصديق أصبتم اسمه، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه، عثمان بن عفان ذو النورين قتل مظلوما أوتي كفلين من الرحمة، ملك الأرض المقدسة معاوية وابنه، ثم يكون السفاح ومنصور وجابر والأمين وسلام وأمير العصب لا يرى مثله ولا يدرك مثله؛ كلهم من بني كعب بن لؤي، فيهم رجل من قحطان، منهم من لا يكون إلا يومين، ومنهم من يقال له: لتبايعنا أو لنقتلنك، فإن لم يبايعهم قتلوه".
باب
ما جاء في الخلافة والملك العضوض والجبرية
عن حبيب بن سالم؛ قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما يقول: كنا قعودا في المسجد، وكان بشير رجلا يكف حديثه، فجاء أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه، فقال: يا بشير بن سعد ! أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء ؟ وكان حذيفة رضي الله عنه قاعدا مع بشير، فقال حذيفة رضي الله عنه: أنا أحفظ خطبته. فجلس أبو ثعلبة، فقال حذيفة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة » ، ثم سكت. قال حبيب : فلما قام عمر بن عبد العزيز، وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته، فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه، فقلت: إني لأرجو أن يكون(1/209)
أمير المؤمنين (يعني: عمر ) بعد الملك العاض والجبرية، فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز، فسر به وأعجبه.
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والبزار، والطبراني في "الأوسط" ببعضه. قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن مكحول عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أول دينكم نبوة ورحمة، ثم ملك ورحمة، ثم ملك أعفر، ثم ملك وجبروت يستحل فيها الخمر والحرير » .
رواه الدارمي في "سننه"، وقال: "وقد سئل عن أعفر؟ فقال: يشبهه بالتراب وليس فيه خير".
وقال ابن الأثير في "النهاية": "أي ملك يساس بالنكر والدهاء، من قولهم للخبيث المنكر: عفر، والعفارة: الخبث والشيطنة، ومنه الحديث: « إن الله تعالى يبغض العفرية النفرية » ؛ هو الداهي الخبيث الشرير، ومنه العفريت". انتهى.
وعن عبد الرحمن بن سابط عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « إن الله عز وجل بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة، وكائنًا خلافة ورحمة، وكائنًا ملكًا عضوضًا، وكائنًا عتوًا وجبرية وفسادًا في الأرض؛ يستحلون الفروج والخمور والحرير، وينصرون على ذلك، ويرزقون أبدًا حتى يلقوا الله » .
رواه: أبو داود الطيالسي، والطبراني . قال الهيثمي : "وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ثقة، ولكنه مدلس، وبقية رجاله ثقات".
قال ابن الأثير في "النهاية": "ثم يكون ملك عضوض" أي : يصيب(1/210)
الرعية فيه عسف وظلم، كأنهم يعضون فيه عضا، والعضوض من أبنية المبالغة.
وقال أيضا: " (ثم يكون ملك وجبروت)؛ أي: عتو وقهر؛ يقال: جبار بين الجبرية والجبروت ". انتهى.
وعن أبي ثعلبة رضي الله عنه؛ قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: « يا رسول الله ! ادفعني إلى رجل حسن التعليم. فدفعني إلى أبي عبيدة بن الجراح، ثم قال: "قد دفعتك إلى رجل يحسن تعليمك وأدبك » فأتيت أبا عبيدة وهو وبشير بن سعد أبو النعمان بن بشير يتحدثان، فلما رأياني سكتا، فقلت: يا أبا عبيدة ! والله ما هكذا أوصاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقال: إنك جئت ونحن نتحدث حديثا سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاجلس حتى نحدثك. فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن فيكم النبوة، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم تكون ملكًا وجبرية » .
رواه أبو نعيم في "المعرفة".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أول هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملكًا ورحمة، ثم يكون إمارة ورحمة، ثم يتكادمون عليها تكادم الحمير؛ فعليكم بالجهاد، وإن أفضل جهادكم الرباط، وإن أفضل رباطكم عسقلان » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سيكون من بعدي خلفاء، ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج من أهل بيتي يملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا، ثم يؤمر القحطاني، فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه » .(1/211)
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه جماعة لم أعرفهم".
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ثلاثون نبوة، وثلاثون ملك وجبروت، وما وراء ذلك لا خير فيه » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : " وفيه مطر بن العلاء الرملي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".
وعن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: إن الله بدأ هذا الأمر حين بدأ بنبوة ورحمة، ثم يعود إلى خلافة ورحمة، ثم يعود إلى سلطان ورحمة، ثم يعود ملكا ورحمة، ثم يعود جبرية يتكادمون تكادم الحمير. أيها الناس ! عليكم بالغزو والجهاد ما كان حلوا خضرا قبل أن يكون مرا عسرا، ويكون ثماما قبل أن يكون رماما أو يكون حطاما؛ فإذا شاطت المغازي، وأكلت الغنائم، واستحل الحرام؛ فعليكم بالرباط فإنه خير جهادكم".
رواه: نعيم بن حماد في "الفتن"، والحاكم في "مستدركه".
قال ابن الأثير وابن منظور : " (الثمام): نبت ضعيف قصير لا يطول.
و (الرمام): البالي والحطام المتكسر المتفتت. المعنى: اغزوا وأنتم تنصرون وتوفرون غنائمكم قبل أن يهن ويضعف ويكون كالثمام". انتهى.
وعن عمر أيضا رضي الله عنه: أنه قال: "أول هذه الأمة نبوة، ثم خلافة ورحمة، ثم ملك ورحمة، ثم ملك وجبرية؛ فإذا كان ذلك فبطن الأرض يومئذ خير من ظهرها".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن أبي الطفيل : أنه سمع حذيفة رضي الله عنه يقول: "يا أيها الناس !(1/212)
ألا تسألوني؛ فإن الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر ؟ أفلا تسألون عن ميت الأحياء ؟ فقال: إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم، فدعا الناس من الضلالة إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإيمان، فاستجاب له من استجاب، فحيي بالحق من كان ميتا، ومات بالباطل من كان حيا، ثم ذهبت النبوة، فكانت الخلافة على منهاج النبوة، ثم يكون ملكا عضوضا، فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه، والحق استكمل، ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه كافا يده، وشعبة من الحق ترك، ومنهم من ينكر بقلبه كافا يده ولسانه، وشعبتين من الحق ترك، ومنهم من لا ينكر بقلبه ولسانه؛ فذلك ميت الأحياء".
رواه أبو نعيم في "الحلية"، وله وللأثرين قبله حكم الرفع؛ لأن فيها إخبارا عن أمر غيبي، وذلك لا يقال من قبل الرأي، وإنما يقال عن توقيف.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يكون بعد الأنبياء خلفاء يعملون بكتاب الله ويعدلون في عباد الله، ثم يكون من بعد الخلفاء ملوك يأخذون بالثأر ويقتلون الرجال ويصطفون الأموال؛ فمغير بيده، ومغير بلسانه، ومغير بقلبه، وليس وراء ذلك من الإيمان شيء » .
رواه البيهقي .
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سيكون بعدي خلفاء يعملون بما يعلمون، ويفعلون ما يؤمرون، وسيكون من بعدهم خلفاء يعملون بما لا يعلمون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن أنكر برئ، ومن أمسك سلم، ولكن من رضي وتابع » .
رواه ابن حبان في "صحيحه".
وعنه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « كانت بنو إسرائيل »(1/213)
« تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وإنه سيكون خلفاء فيكثرون. قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم؛ فإن الله سائلهم عما استرعاهم » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وابن ماجه .
باب
ما جاء في أئمة السوء ومن يغشاهم من الناس
عن أبي رافع؛ قال: أخبرني ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إنه لم يكن نبي قط إلا وله ومن أصحابه حواري وأصحاب يتبعون أثره ويقتدون بهديه، ثم يأتي من بعد ذلك خوالف أمراء، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وهذا لفظ أحمد .
وزاد مسلم : « فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل » . قال أبو رافع : فحدثته عبد الله بن عمر، فأنكره علي، فقدم ابن مسعود فنزل بقناة، فاستتبعني إليه عبد الله بن عمر يعوده، فانطلقت معه، فلما جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث، فحدثنيه كما حدثته ابن عمر .
وعن عطاء بن يسار (وهو قاضي المدينة)؛ قال: سمعت ابن مسعود رضي الله عنه وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سيكون أمراء من بعدي؛ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، لا إيمان بعده » .
قال عطاء : فحين سمعت الحديث منه انطلقت إلى عبد الله بن عمر، فأخبرته، فقال:(1/214)
أنت سمعت ابن مسعود يقول هذا (كالمدخل عليه في حديثه) ؟ قال عطاء : فقلت: هو مريض؛ فما يمنعك أن تعوده ؟ قال: فانطلق بنا إليه ! فانطلق وانطلقت معه، فسأله عن شكواه ، ثم سأله عن الحديث قال: فخرج ابن عمر وهو يقلب كفه وهو يقول: ما كان ابن أم عبد يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه: الإمام أحمد مختصرا، وابن حبان في "صحيحه"، وهذا لفظه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا يفعلون، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ولن يرد علي الحوض » .
رواه: الإمام أحمد، والبزار . وهذا لفظ أحمد .
ولفظ البزار : قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم وفي المسجد تسعة نفر، أربعة من الموالي وخمسة من العرب، فقال: « إنها ستكون عليكم أمراء، فمن أعانهم على ظلمهم، وصدقهم بكذبهم، وغشي أبوابهم؛ فليس مني، ولست منه، ولن يرد علي الحوض، ومن لم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم؛ فهو مني، وأنا منه، وسيرد علي الحوض » .
قال الهيثمي : "فيه إبراهيم بن قعيس، ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه؛ قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن تسعة، خمسة وأربعة؛ أحد العددين من العرب والآخر من العجم، فقال: « اسمعوا ! هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء؛ من دخل عليهم، فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم؛ فليس مني، ولست منه، وليس بوارد علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم، ولم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم؛ فهو مني، وأنا منه، وسيرد علي الحوض » .(1/215)
رواه: الترمذي، والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال الترمذي : "هذا حديث صحيح غريب".
وفي رواية للترمذي : قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون من بعدي، فمن غشي أبوابهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم؛ فليس مني ولست منه، ولا يرد علي الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش ولم يصدقهم في كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم؛ فهو مني وأنا منه، وسيرد علي الحوض » .
قال الترمذي : "هذا حديث حسن غريب".
وقد رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده"، ولفظه: قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فقال: « من هاهنا ! هل تسمعون ؟ إنه يكون بعدي أمراء يعملون بغير طاعة الله، فمن شركهم في عملهم، وأعانهم على ظلمهم؛ فليس مني، ولست منه، ومن لم يشركهم في عملهم، ولم يعنهم على ظلمهم؛ فهو مني، وأنا منه » .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة : « "أعاذك الله من إمارة السفهاء". قال: وما إمارة السفهاء ؟ قال: "أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم؛ فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون علي حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم؛ فأولئك مني وأنا منهم، وسيردون علي حوضي" » .
رواه: الإمام أحمد، والبزار . قال المنذري : "ورواتهما محتج بهم في الصحيح". وقال الهيثمي: "رجالهما رجال الصحيح".
ورواه: عبد الرزاق في "مصنفه"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم(1/216)
في "مستدركه"؛ بنحوه.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يكون أمراء يغشاهم غواش ( أو حواش ) من الناس، يكذبون ويظلمون، فمن دخل عليهم، فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم؛ فليس مني، ولست منه، ومن لم يدخل عليهم، ولم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم؛ فهو مني، وأنا منه » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى وابن حبان في "صحيحه".
وفي رواية أبي يعلى وابن حبان : « فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم؛ فأنا منه بريء » . زاد ابن حبان : « وهو مني بريء » .
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما؛ قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في المسجد بعد صلاة العشاء، فرفع بصره إلى السماء، ثم خفض حتى ظننا أنه قد حدث في السماء أمر، فقال: « ألا إنه سيكون بعدي أمراء يظلمون ويكذبون؛ فمن صدقهم بكذبهم، ومالأهم على ظلمهم؛ فليس مني، ولا أنا منه، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يمالئهم على ظلمهم؛ فهو مني، وأنا منه » .
رواه الإمام أحمد . قال المنذري : "وفي إسناده راو لم يسم، وبقيته ثقات محتج بهم في الصحيح". وقال الهيثمي نحو قول المنذري .
وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « إنه سيكون عليكم أمراء يظلمون ويكذبون؛ فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم؛ فليس مني، ولست منه، ولا يرد علي الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم؛ فهو مني، وأنا منه، وسيرد علي الحوض » .
رواه: الإمام أحمد، والبزار، والطبراني في "الكبير" و "الأوسط". قال الهيثمي : "وأحد أسانيد البزار رجاله رجال الصحيح، ورجال أحمد كذلك".(1/217)
وعن عبد الله بن خباب عن أبيه رضي الله عنه؛ قال: « كنا قعودا عند باب النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج علينا، فقال: "اسمعوا !" قلنا: قد سمعنا. قال: "اسمعوا !" قلنا: قد سمعنا. قال: "إنه سيكون بعدي أمراء؛ فلا تصدقوهم بكذبهم، ولا تعينوهم على ظلمهم؛ فإنه من صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم؛ لم يرد علي الحوض » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه". قال الهيثمي : "ورجال الطبراني رجال الصحيح؛ خلا عبد الله بن خباب، وهو ثقة".
قلت: وكذا رجال أحمد . وقال الحاكم : "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « "سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنة ويعملون بالبدعة ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها". فقلت: يا رسول الله ! إن أدركتهم كيف أفعل؟ قال: "تسألني يابن أم عبد كيف تفعل ؟ ! لا طاعة لمن عصى الله » .
رواه الإمام أحمد وابنه عبد الله، ورجالهما ثقات. ورواه ابن ماجه بإسنادين؛ رجال أحدهما ثقات، وفي الآخر إسماعيل بن عياش، وروايته عن الحجازيين ضعيفة، وبقية رجاله ثقات.
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « سيلي أموركم بعدي رجال؛ يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون؛ فلا طاعة لمن عصى الله تعالى » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني . قال الهيثمي : "ورجالهما ثقات؛ إلا أن إسماعيل بن عياش رواه عن الحجازيين، وروايته عنهم ضعيفة".(1/218)
ورواه الحاكم في "مستدركه" من طرق وصححه.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « خذوا العطاء ما دام العطاء، فإذا صار رشوة على الدين؛ فلا تأخذوه، ولستم بتاركيه؛ يمنعكم الفقر والحاجة، ألا إن رحى الإسلام دائرة؛ فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان؛ فلا تفارقوا الكتاب، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم؛ فإذا عصيتموهم قتلوكم، وإن أطعتموهم أضلوكم. قالوا: يا رسول الله كيف نصنع ؟ قال: "كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم ؛ نشروا بالمناشير، وحملوا على الخشب؛ موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : " ويزيد بن مرثد لم يسمع من معاذ، والوضين بن عطاء وثقه ابن حبان وغيره، وبقية رجاله ثقات".
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « "يكون عليكم أمراء؛ إن أطعتموهم أدخلوكم النار، وإن عصيتموهم قتلوكم ". فقال رجل: يا رسول الله ! سمهم لنا لعلنا نحثو في وجوههم التراب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلهم يحثون في وجهك ويفقؤون عينك » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه سنيد بن داود؛ ضعفه أحمد ووثقه ابن حبان وأبو حاتم الرازي، وبقية رجاله ثقات".
وقد رواه ابن أبي شيبة عن ميمون بن أبي حبيب؛ قال: "قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أتمنى لحبيبي أن يقل ماله ويعجل موته. فقيل له ، فقال: أخشى أن يدرككم أمراء إن أطعتموهم أدخلوكم النار، وإن عصيتموهم قتلوكم. فقال رجل: أخبرنا من هم حتى نفقأ أعينهم أو نحثو في وجوههم التراب ؟ فقال: عسى أن تدركوهم فيكونوا هم الذين يفقؤون عينك(1/219)
ويحثون في وجهك التراب".
وعن أبي سلالة الأسلمي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « سيكون عليكم أئمة؛ يملكون أرزاقكم، يحدثونكم فيكذبون، ويعملون ويسيئون العمل، لا يرضون منكم حتى تحسنوا قبيحهم وتصدقوا كذبهم، فأعطوهم الحق ما رضوا به، فإذا تجاوزوا؛ فمن قتل على ذلك فهو شهيد » .
رواه: البخاري في "الكنى"، والطبراني، وابن السكن، وفيه عاصم بن عبيد الله، وهو ضعيف.
وعن أبي برزة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن بعدي أئمة إن أطعتموهم أكفروكم، وإن عصيتموهم قتلوكم، أئمة الكفر ورؤوس الضلالة » . رواه الطبراني .
وعن عبد الرحمن بن بشير الأنصاري؛ قال: "أتى رجل فنادى ابن مسعود رضي الله عنه، فأكب عليه، فقال: يا أبا عبد الرحمن متى أضل وأنا أعلم ؟ قال: إذا كانت عليك أمراء إذا أطعتهم أدخلوك النار، وإذا عصيتهم قتلوك ".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "هذا موقوف صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "لا تزالون بخير ما لم يكن عليكم أمراء لا يرون لكم حقا إلا إذا شاؤوا ".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "يكون أمراء يعذبونكم ويعذبهم الله".(1/220)
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "ليكونن عليكم أمراء لا يزن أحدهم عند الله يوم القيامة قشرة شعيرة".
رواه أبو نعيم في "الحلية".
ورواه نعيم بن حماد في "الفتن"، ولفظه: قال: "لا تقوم الساعة حتى يقوم على الناس من لا يزن قشر شعيرة يوم القيامة".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « سيكون بعدي أئمة؛ يعطون الحكمة على منابرهم، فإذا نزلوا نزعت منهم، وأجسادهم شر من الجيف » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه سعد بن مسلمة؛ ضعفه الجمهور ووثقه ابن حبان، وقال: يخطئ، وليث مدلس".
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه؛ قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: « إنها ستكون عليكم أمراء من بعدي؛ يعظون بالحكمة على منابر، فإذا نزلوا اختلست منهم، وقلوبهم أنتن من الجيف » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما؛ قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليأتين على الناس زمان يكون عليهم أمراء سفهاء؛ يقدمون شرار الناس، ويظهرون بخيارهم، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفًا ولا شرطيًا ولا جابيًا ولا خازنًا » .
رواه أبو يعلى . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح، خلا عبد الرحمن(1/221)
ابن مسعود، وهو ثقة".
ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: « ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها » (والباقي بمثله) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة ووزراء فسقة وقضاة خونة وفقهاء كذبة، فمن أدرك ذلك الزمان منكم فلا يكونن لهم جابيًا ولا عريفًا ولا شرطيًا » .
رواه الطبراني في "الصغير " و "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه داود بن سليمان الخراساني؛ قال الطبراني : لا بأس به، ومعاوية بن الهيثم لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يبعث الله أمراء كذبة، ووزراء فجرة، وأمناء خونة، وقراء فسقة، سمتهم سمة الرهبان، وليس لهم رغبة (أو قال: رعة، أو قال: زعة)، فيلبسهم الله فتنة غبراء مظلمة، يتهوكون فيها تهوك اليهود في الظلم » .
رواه البزار . قال الهيثمي : "وفيه حبيب بن عمران الكلاعي، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح ". انتهى.
وقد رواه: البخاري في "التاريخ الكبير"، وعبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد" مختصرا موقوفا.
قوله: "وليس لهم رغبة"؛ أي: في الخير. "أو قال: رعة"؛ بكسر الراء؛ أي: ورع عن المحرمات. "أو قال: زعة"؛ بكسر الزاي؛ أي: وازع يمنعهم من مخالفة الأوامر وارتكاب النواهي.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « والذي نفسي »(1/222)
« بيده لا تقوم الساعة حتى يبعث الله أمراء كذبة، ووزراء وأعوانًا خونة، وعرفاء ظلمة، وقراء فسقة؛ سيماهم سيما الرهبان، وقلوبهم أنتن من الجيف، أهواؤهم مختلفة، فيفتح الله لهم فتنة غبراء مظلمة، فيتهاوكون، والذي نفس محمد بيده لينقضن الإسلام عروة عروة، حتى لا يقال: الله، الله » .
رواه ابن أبي الدنيا .
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة...........(فذكر الحديث وفيه: ) وكان الأمراء فجرة، والوزراء كذبة، والأمناء خونة، والعرفاء ظلمة، والقراء فسقة؛ إذا لبسوا مسوك الضأن، قلوبهم أنتن من الجيفة وأمر من الصبر، يغشيهم الله فتنة يتهاوكون فيها تهاوك اليهود الظلمة » . رواه أبو نعيم في "الحلية".
وعن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سيكون بعدي سلاطين، الفتن على أبوابهم كمبارك الإبل، لا يعطون أحدًا شيئًا إلا أخذوا من دينه مثله » .
رواه الطبراني، والحاكم في "مستدركه"، وإسناده ضعيف جدا.
وعن أبي قبيل عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: أنه صعد المنبر يوم الجمعة، فقال في خطبته: إنما المال مالنا، والفيء فيئنا، فمن شئنا أعطيناه ومن شئنا منعناه. فلم يجبه أحد. فلما كان في الجمعة الثانية قال مثل ذلك. فلم يجبه أحد. فلما كان في الجمعة الثالثة قال مثل مقالته. فقام إليه رجل ممن حضر المسجد، فقال: كلا، إنما المال مالنا، والفيء فيئنا، فمن حال بيننا وبينه حاكمناه إلى الله بأسيافنا. فنزل معاوية، فأرسل إلى الرجل، فأدخله، فقال القوم: هلك الرجل. ثم دخل الناس فوجدوا الرجل معه على السرير، فقال معاوية للناس: إن هذا أحياني أحياه الله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/223)
يقول: « سيكون بعدي أمراء؛ يقولون ولا يرد عليهم، يتقاحمون في النار كما تتقاحم القردة » ، وإني تكلمت أول جمعة، فلم يرد علي أحد، فخشيت أن أكون منهم، ثم تكلمت في الجمعة الثانية، فلم يرد علي أحد، فقلت في نفسي: إني من القوم، ثم تكلمت في الجمعة الثالثة، فقام هذا الرجل، فرد علي، فأحياني أحياه الله.
رواه: الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وأبو يعلى . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « إنه سيكون أمراء يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، ألا فصل الصلاة لوقتها، ثم ائتهم: فإن كانوا قد صلوا كنت قد أحرزت صلاتك، وإلا صليت معهم، فكانت لك نافلة » .
رواه: أبو داود الطيالسي، ومسلم، وأهل السنن. وقال الترمذي : "حديث حسن". قال: "وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها ؟". قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك يا رسول الله ؟ قال: "صل الصلاة لميقاتها، واجعل صلاتك معهم سبحة » .
رواه: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه مرفوعا. ورواه: الإمام أحمد، ومسلم؛ موقوفا.
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنها ستكون عليكم بعدي أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها حتى يذهب وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها. فقال رجل: يا رسول الله ! أصلي معهم ؟ قال: »(1/224)
« "نعم؛ إن شئت » .
رواه: أبو داود، وابن ماجه .
وعن قبيصة بن وقاص رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة؛ فهي لكم وهي عليهم، فصلوا معهم ما صلوا القبلة » .
رواه أبو داود .
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما؛ قال: « قلت: يا رسول الله ! إنا كنا بشر، فجاءنا الله بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر ؟ قال: "نعم". قلت: هل وراء ذلك الشر خير ؟ قال: "نعم". قلت: فهل وراء ذلك الخير شر ؟ قال: "نعم". قلت: كيف ؟ قال: "يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ". قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ ! قال: "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك؛ فاسمع وأطع » .
رواه مسلم .
وعن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم، والبخاري في "التاريخ الكبير"، وأبو داود، والترمذي، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
وزاد أحمد : « وقالوا: يا رسول الله ! أفلا نقاتلهم ؟ قال: "لا ما صلوا لكم الخمس » .(1/225)
وعند مسلم : قال: « لا؛ ما صلوا » . ثم قال: أي: من كره بقلبه وأنكر بقلبه.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: "إنها ستكون عليكم أمراء يدعون من السنة مثل هذه، فإن تركتموها جعلوها مثل هذه، فإن تركتموها؛ جاؤوا بالطامة الكبرى".
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
ورواه الحاكم في "مستدركه" بأبسط من هذا، ولفظه قال: "يكون عليكم أمراء يتركون من السنة مثل هذا (وأشار إلى أصل إصبعه)، وإن تركتموهم؛ جاؤوا بالطامة الكبرى، وإنها لم تكن أمة إلا كان أول ما يتركون من دينهم السنة، وآخر ما يدعون الصلاة، ولولا أنهم يستحيون ما صلوا".
قال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يكون عليكم أمراء هم شر من المجوس » .
رواه الطبراني في "الصغير" و "الأوسط". قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ خلا مؤمل بن إهاب، وهو ثقة".
وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم . قال: قلنا: يا رسول الله ! أفلا ننابذهم عند ذلك (وفي رواية: أفلا ننابذهم بالسيف ) ؟ قال: "لا؛ ما أقاموا فيكم الصلاة، لا؛ ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا »(1/226)
« من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئًا من معصية الله؛ فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدًا من طاعة » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « ألا أخبركم بخيار أمرائكم وشرارهم ؟ خيارهم الذين تحبونهم ويحبونكم وتدعون لهم ويدعون لكم، وشرار أمرائكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم » .
رواه الترمذي، وقال: "حديث غريب".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يكون عليكم أمراء تطمئن إليهم القلوب، وتلين لهم الجلود، ثم يكون عليكم أمراء تشمئز منهم القلوب، وتقشعر منهم الجلود. فقال رجل: أنقاتلهم ؟ قال: "لا؛ ما أقاموا الصلاة" » .
رواه الإمام أحمد .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا كانت أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاءكم، وأموركم شورى بينكم؛ فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كانت أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاؤكم، وأموركم إلى نسائكم؛ فبطن الأرض خير لكم من ظهرها » .
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث حسن غريب".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنها ستكون بعدي أثره وأمور تنكرونها . قالوا: يا رسول الله كيف تأمر من أدرك ذلك منا ؟ قال: "تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم » .(1/227)
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والشيخان، والترمذي .
وفي رواية لأحمد : « إنه سيكون عليكم أمراء وترون أثرة » . وفي رواية له: « إنها ستكون فتن وأمور تنكرونها » . والباقي بنحوه.
باب
ما جاء في بني أمية وما في زمانهم من الفتن
عن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "ليكونن بعد عثمان اثنا عشر ملكا من بني أمية ". قيل له: خلفاء ؟ قال: "بل ملوك".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تعوذوا بالله من رأس السبعين، ومن إمارة الصبيان » .
رواه: الإمام أحمد، والبزار . قال الهيثمي : "ورجال أحمد رجال الصحيح؛ غير كامل بن العلاء، وهو ثقة".
وعن عمير بن هانئ؛ قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: "اللهم لا تدركني سنة ستين". قال: فتوفي فيها أو قبلها بسنة.
رواه يعقوب بن سفيان وغيره.
ورواه: علي بن معبد، وابن أبي شيبة؛ من وجه آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: « "أعوذ بالله من إمارة الصبيان". قالوا: وما إمارة الصبيان ؟ قال: "إن أطعتموهم هلكتم، وإن عصيتموهم أهلكوكم » .
قال الحافظ ابن حجر : " (هلكتم)؛ أي: في دينكم، و (أهلكوكم)؛ أي: في دنياكم؛ بإزهاق النفس، أو بإذهاب المال، أو بهما".(1/228)
قال: "وفي رواية ابن أبي شيبة : أن أبا هريرة كان يمشي في السوق ويقول: "اللهم لا تدركني سنة ستين، ولا إمارة الصبيان " ".
قال: "وفي هذا إشارة إلى أن أول الأغيلمة - يعني: الآتي ذكرهم في حديث أبي هريرة - كان في سنة ستين، وهو كذلك؛ فإن يزيد بن معاوية استخلف فيها، وبقي إلى سنة أربع وستين، فمات، ثم ولي ولده معاوية، ومات بعد أشهر ". انتهى.
ورواه ابن أبي شيبة أيضا، ولفظه: قال: "ويل للعرب من شر قد اقترب: إمارة الصبيان، إن أطاعوهم أدخلوهم النار، وإن عصوهم ضربوا أعناقهم".
وقد رواه البيهقي، ولفظه: قال: كان أبو هريرة رضي الله عنه يمشي في سوق المدينة وهو يقول: "اللهم لا تدركني سنة الستين، ويحكم ! تمسكوا بصدغي معاوية، اللهم لا تدركني إمارة الصبيان".
وعن الشعبي؛ قال: لما رجع علي رضي الله عنه من صفين؛ قال: "أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية؛ فإنه لو قد فقدتموه لقد رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كالحنظل".
رواه البيهقي، وهو مرسل.
وقد رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة" من حديث الشعبي عن الحارث الأعور؛ قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: "لا تكرهوا إمارة معاوية، والذي نفسي بيده ما بينكم وبين أن تنظروا إلى جماجم الرجال تندر عن كواهلها كأنها الحنظل؛ إلا أن يفارقكم معاوية ".
الحارث فيه كلام، وبقية رواته ثقات.
وقد رواه ابن أبي شيبة من حديث الحارث عن علي رضي الله عنه بنحوه.(1/229)
قال البيهقي : " علي وأبو هريرة إنما يقولان هذا لشيء سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وعن أبي يزيد المديني؛ قال: قام أبو هريرة رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم دون مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعتبة، فقال: "ويل للعرب من شر قد اقترب، ويل لهم من إمارة الصبيان؛ يحكمون فيهم بالهوى ويقتلون بالغضب".
رواه أبو بكر بن مالك، وذكره ابن كثير في "تاريخه".
وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه: أنه قال: "ويل للعرب من شر قد اقترب، أظلت ورب الكعبة أظلت، والله لهي أسرع إليهم من الفرس المضمر السريع، الفتنة العمياء الصماء المشبهة؛ يصبح الرجل فيها على أمر ويمسي على أمر، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ولو أحدثكم بكل الذي أعلم لقطعتم عنقي من هاهنا (وأشار إلى قفاه). ويقول: اللهم لا تدرك أبا هريرة إمرة الصبيان".
رواه ابن أبي شيبة .
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يهلك أمتي هذا الحي من قريش. قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "المراد بالأمة هنا: أهل ذلك العصر ومن قاربهم، لا جميع الأمة إلى يوم القيامة. وقوله: "لو أن الناس اعتزلوهم": محذوف الجواب، وتقديره: لكان أولى بهم، والمراد باعتزالهم: أن لا يداخلوهم، ولا يقاتلوا معهم، ويفروا بدينهم من الفتن. ويؤخذ من هذا(1/230)
الحديث استحباب هجران البلدة التي يقع فيها إظهار المعصية؛ فإنها سبب وقوع الفتن التي ينشأ عنها عموم الهلاك. قال ابن وهب عن مالك : تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهارا، وقد صنع ذلك جماعة من السلف". انتهى.
وعن عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد؛ قال: أخبرني جدي؛ قال: كنت جالسا مع أبي هريرة رضي الله عنه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ومعنا مروان، قال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يقول: « هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش » . فقال مروان : لعنة الله عليهم غلمة. فقال أبو هريرة رضي الله عنه: لو شئت أن أقول: بني فلان وبني فلان ؛ لفعلت. فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام، فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم ؟ قلنا: أنت أعلم.
رواه البخاري .
ورواه الإمام أحمد من حديث عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص : أخبرني جدي سعيد بن عمرو بن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش » . قال مروان وهو معنا في الحلقة قبل أن يلي شيئا: فلعنة الله عليهم غلمة. قال: أما والله لو أشاء أن أقول: بني فلان وبني فلان؛ لفعلت. قال: فكنت أخرج مع أبي وجدي إلى بني مروان بعدما ملكوا، فإذا هم يبايعون الصبيان، ومنهم من يبايع له وهو في خرقة. قال لنا: عسى أصحابكم هؤلاء أن يكونوا الذي سمعت أبا هريرة يذكر؛ إن هذه الملوك يشبه بعضها بعضا.
ورواه: الإمام أحمد أيضا، وأبو داود الطيالسي، والحاكم في "مستدركه"؛ من حديث مالك بن ظالم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه حدث مروان بن الحكم؛ قال: حدثني حبي أبو القاسم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: « أن »(1/231)
« هلاك أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش » .
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وفي رواية لأحمد : قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا القاسم الصادق المصدوق يقول: « إن هلاك أمتي (أو فساد أمتي ) رؤوس أمراء أغيلمة سفهاء من قريش » .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "هذه الرواية تخصص رواية أبي زرعة عن أبي هريرة بلفظ: « يهلك الناس هذا الحي من قريش » ، وأن المراد بعض قريش، وهم الأحداث منهم، لا كلهم، والمراد أنهم يهلكون الناس بسبب طلبهم الملك والقتال لأجله، فتفسد أحوال الناس، ويكثر الخبط بتوالي الفتن، وقد وقع الأمر كما أخبر صلى الله عليه وسلم ". انتهى.
قال ابن الأثير : "الأغيلمة: الصبيان، ولذلك صغرهم".
قال ابن حجر : "وقد يطلق الصبي والغليم بالتصغير على الضعيف العقل والتدبير والدين، ولو كان محتلما، وهو المراد هنا؛ فإن الخلفاء من بني أمية لم يكن فيهم من استخلف وهو دون البلوغ، وكذلك من أمروه على الأعمال؛ إلا أن يكون المراد بالأغيلمة أولاد بعض من استخلف فوقع الفساد بسببهم، فنسب إليهم، والأولى الحمل على أعم من ذلك".
قلت: وقد تقدم في رواية أحمد أنهم يبايعون الصبيان، ومنهم من يبايع له وهو في خرقة، وإذا حمل الحديث على العموم؛ دخل فيه الصغار في السن والصغار في الدين والعقل والتدبير. والله أعلم.
وقال الحافظ ابن حجر : "يتعجب من لعن مروان الغلمة المذكورين، مع(1/232)
أن الظاهر أنهم من ولده، فكأن الله تعالى أجرى ذلك على لسانه؛ ليكون أشد في الحجة عليهم لعلهم يتعظون، وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد، أخرجها الطبراني وغيره، غالبها فيه مقال، وبعضها جيد، ولعل المراد تخصيص الغلمة المذكورين بذلك". انتهى.
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما؛ قال: أخبرني أعرابي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « "ما أخاف على قريش إلا أنفسها". قلت: ما لهم ؟ قال: "أشحة بجرة، وإن طال بك عمر لتنظرن إليهم يفتنون الناس، حتى يرى الناس بينهم كالغنم بين الحوضين، إلى هذا مرة وإلى هذا مرة » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح، خلا بلال بن يحيى العبسي، وهو ثقة".
وعنه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « "إني لا أخشى على قريش إلا أنفسها". قلت: وما هو ؟ قال: "أشحة بجرة، إن طال بك عمر رأيتهم يفتنون الناس حتى يرى الناس بينهم كالغنم بين الحوضين، مرة إلى هذا ومرة إلى هذا » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
قال الجوهري : " (البجر)؛ بالتحريك: خروج السرة ونتوها وغلظ أصلها".
وقال ابن الأثير وابن منظور : " (بجرة): جمع باجر، وهو العظيم البطن، يقال: بجر يبجر بجرا فهو أبجر وباجر، وصفهم بالبطانة ونتو السرر، ويجوز أن يكون كناية عن كنزهم الأموال واقتنائهم لها، وهو أشبه بالحديث؛ لأنه قرنه بالشح، وهو أشد البخل". انتهى.
وعن بشير بن أبي عمرو الخولاني : أن الوليد بن قيس التجيبي حدثه: أنه(1/233)
سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يكون خلف من بعد الستين سنة؛ أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيًا، ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر » . قال بشير : فقلت للوليد : ما هؤلاء الثلاثة ؟ قال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به.
رواه: الإمام أحمد، وابن أبي حاتم، والحاكم في "مستدركه". قال ابن كثير : "وإسناده جيد قوي". وقال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يزال أمر أمتي قائمًا بالقسط حتى يكون أول من يلثمه رجل من بني أمية يقال له يزيد » .
رواه: أبو يعلى، والبزار . قال الهيثمي : "ورجال أبي يعلى رجال الصحيح؛ إلا أن مكحولا لم يدرك أبا عبيدة ".
قلت: وقد رواه يعقوب بن سفيان من حديث مكحول عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وعن أبي العالية؛ قال: كنا بالشام مع أبي ذر رضي الله عنه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « أول رجل يغير سنتي رجل من بني فلان » . فقال يزيد بن أبي سفيان : أنا هو ؟ قال: "لا".
رواه ابن عساكر في "تاريخه".
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: أنه قال: "إذا قتل الخليفة الشاب من(1/234)
بني أمية بين الشام والعراق مظلوما؛ لم تزل طاعة مستخف بها، ودم مسفوك على وجه الأرض بغير حق"؛ يعني: الوليد بن يزيد .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن عبد الله بن موهب : أنه كان عند معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، فدخل عليه مروان، فكلمه في حاجته، فقال: اقض حاجتي يا أمير المؤمنين ! فوالله إن مؤنتي لعظيمة، أصبحت أبا عشرة وأخا عشرة وعم عشرة. فلما أدبر مروان وابن عباس رضي الله عنهما جالس مع معاوية على سريره، فقال معاوية : أنشدك الله يابن عباس ! أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إذا بلغ بنو أبي الحكم ثلاثين رجلًا؛ اتخذوا مال الله بينهم دولًا، وعباد الله خولًا، وكتاب الله دغلًا، فإذا بلغوا سبعة وتسعين وأربعمائة ؛ كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة » . فقال ابن عباس رضي الله عنهما: اللهم ! نعم. قال: وذكر مروان حاجة له، فرد مروان عبد الملك إلى معاوية، فكلمه فيها، فلما أدبر عبد الملك؛ قال معاوية : أنشدك الله يابن عباس ! أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر هذا، فقال: أبو الجبابرة الأربعة ؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: اللهم ! نعم.
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف، وحديثه حسن". وقال ابن كثير : "فيه غرابة ونكارة شديدة، وابن لهيعة ضعيف".
قلت: قد روى له مسلم وابن خزيمة في "صحيحيهما" مقرونا بغيره، وروى له البخاري في عدة مواضع من "صحيحه" مقرونا بغيره، ولكنه لم يسمه، قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب": "وهو ابن لهيعة لا شك فيه"، وحسن ابن عدي والهيثمي حديثه، وكذا حسن له ابن كثير في "البداية والنهاية" في ذكر ورقة بن نوفل، ووثقه أحمد بن صالح، وعلى هذا فأوسط الأقوال في حديثه أن يكون من قبيل الحسن. والله أعلم.(1/235)
قال ابن الأثير : " (الدول): جمع دولة؛ بالضم، وهو ما يتداول من المال، فيكون لقوم دون قوم".
وقوله: "خولا"؛ قال ابن الأثير : "أي: خدما وعبيدا؛ يعني: أنهم يستخدمونهم ويستعبدونهم".
وقوله: "دغلا"؛ قال ابن الأثير : "أي: يخدعون به الناس".
وعن حلام بن جذل الغفاري؛ قال: سمعت أبا ذر جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلًا؛ اتخذوا مال الله دولًا، وعباد الله خولًا، ودين الله دغلًا » . قال حلام: فأنكر ذلك على أبي ذر، فشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ما أضلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر » ، وأشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله.
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في منامه كأن بني الحكم ينزون على منبره وينزلون، فأصبح كالمتغيظ، فقال: « ما لي رأيت بني الحكم ينزون على منبري نزو القردة ؟ » . قال: فما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا بعد ذلك حتى مات صلى الله عليه وسلم.
رواه أبو يعلى . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير مصعب بن عبد الله بن الزبير، وهو ثقة". ورواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". وقال الذهبي في "تلخيصه": "على شرط مسلم ".(1/236)
وعنه رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بني أمية، فيسيل رعافه » . فحدثني من رأى عمرو بن سعيد بن العاص رعف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سال رعافه.
رواه الإمام أحمد، وفيه راو لم يسم.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ قال: « ولد لأخي أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم غلام، فسموه: الوليد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سميتموه بأسماء فراعنتكم ؟ ! ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له: الوليد؛ لهو أشر على هذه الأمة من فرعون لقومه » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "وإسناده حسن" . وقال في موضع آخر: "رجاله ثقات".
وعن سعيد بن المسيب؛ قال: « ولد لأخي أم سلمة رضي الله عنها غلام، فسموه الوليد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد جعلتم تسمون بأسماء فراعنتكم ؟ ! إنه سيكون في هذه الأمة رجل يقال له: الوليد، هو أضر على أمتي من فرعون على قومه » .
رواه يعقوب بن سفيان من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب .
قال أبو عمرو الأوزاعي : "فكان الناس يرون أنه الوليد بن عبد الملك، ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد؛ لفتنة الناس به حتى خرجوا عليه فقتلوه وانفتحت على الأمة الفتنة والهرج".
وقد رواه البيهقي من طريق بشر بن بكر عن الأوزاعي، فذكره ولم يذكر قول الأوزاعي، ثم قال: "وهذا مرسل حسن".(1/237)
ورواه نعيم بن حماد عن الوليد بن مسلم، وعنده: "قال الزهري : إن استخلف الوليد بن يزيد؛ فهو هو، وإلا فهو الوليد بن عبد الملك ".
باب
ما جاء في قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: « أن ملك القطر استأذن أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن له، فقال لأم سلمة رضي الله عنها: "املكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد". قال: وجاء الحسين بن علي رضي الله عنهما ليدخل فمنعته، فوثب فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وعلى منكبه وعلى عاتقه. قال: فقال الملك للنبي صلى الله عليه وسلم: أتحبه ؟ قال: "نعم". قال: إن أمتك ستقتله، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه، فضرب بيده، فجاء بطينة حمراء، فأخذتها أم سلمة، فصرتها في خمارها. قال ثابت: بلغنا أنها كربلاء » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني؛ بأسانيد، وفيها عمارة بن زاذان؛ قال الهيثمي : "وثقه جماعة، وفيه ضعف، وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح".
وعن أبي الطفيل رضي الله عنه نحو حديث أنس رضي الله عنه.
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وإسناده حسن".
« وعن عائشة أو أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإحداهما: لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها؛ قال: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها . قال: "فأخرج تربة حمراء » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".(1/238)
وعن نجي الحضرمي : أنه سار مع علي رضي الله عنه، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين، فنادى علي : اصبر أبا عبد الله ! اصبر أبا عبد الله ! بشط الفرات. قلت: وماذا ؟ قال: « دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله ! أغضبك أحد ؟ ما شأن عينيك تفيضان ؟ ! قال: "بل قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات ". قال: "فقال: هل لك أن أشمك من ترتبه ؟". قال: " قلت: نعم. فمد يده فقبض قبضة من تراب، فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات، ولم ينفرد نجي بهذا".
وعن أم سلمة رضي الله عنها؛ قالت: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا ذات يوم في بيتي؛ قال: "لا يدخل علي أحد". فانتظرت، فدخل الحسين، فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل. فقال: "إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت؛ قال: أفتحبه ؟ قلت: أما في الدنيا فنعم. قال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها: كربلاء"، فتناول جبريل من تربتها، فأراها النبي صلى الله عليه وسلم » . فلما أحيط بحسين حين قتل؛ قال: ما اسم هذه الأرض ؟ قالوا: كربلاء. فقال: صدق الله ورسوله: كرب وبلاء. وفي رواية: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرض كرب وبلاء.
رواه الطبراني بأسانيد. قال الهيثمي : "ورجال أحدها ثقات".
وعن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بنصف النهار أشعث أغبر، معه قارورة فيها دم يلتقطه أو يتتبع فيها شيئا. قال: قلت: يا رسول الله ! ما هذا ؟ قال: "دم الحسين(1/239)
وأصحابه، لم أزل أتبعه منذ اليوم ". قال عمار : فحفظنا ذلك اليوم، فوجدناه قتل ذلك اليوم. رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم .
وعن سلمى - وهي مولاة بكر بن وائل - قالت: دخلت على أم سلمة وهي تبكي، فقلت: ما يبكيك ؟ قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (تعني: في المنام) وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لك يا رسول الله ؟ قال: "شهدت قتل الحسين آنفا".
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث غريب".
وعن يزيد بن الأصم؛ قال: "خرجت مع الحسن رضي الله عنه وجارية تحت شيئا من حناء عن أظافره، فجاءت إضبارة من كتب، فقال: يا جارية ! هاتي المخضب ! فصب فيه ماء، وألقى الكتب في الماء، فلم يفتح منها شيئا، ولم ينظر إليه. فقلت: يا أبا محمد ! ممن هذه الكتب. قال: من أهل العراق، من قوم لا يرجعون إلى حق ولا يقصرون عن باطل، أما إني لست أخشاهم على نفسي، ولكني أخشاهم على ذلك، وأشار إلى الحسين ".
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير عبد الله بن الحكم بن أبي زياد، وهو ثقة".
(الإضبارة): الحزمة من الكتب. و (المخضب): هو الإجانة التي تغسل فيها الثياب.
وعن ابن أبي نعم؛ قال: كنت جالسا عند ابن عمر رضي الله عنهما، فجاءه رجل يسأل عن دم البعوض، فقال له ابن عمر رضي الله عنهما: ممن أنت ؟ قال: أنا من أهل العراق. قال: انظروا إلى هذا ! يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « هما ريحانتاي »(1/240)
« من الدنيا » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والبخاري، والترمذي، وقال: "هذا حديث صحيح".
وقد رواه النسائي في "خصائص علي رضي الله عنه " بإسناد جيد، ولفظه: قال: كنت عند ابن عمر رضي الله عنهما، فأتاه رجل، فسأله عن دم البعوض يكون في ثوبه ويصلي فيه ؟ فقال ابن عمر رضي الله عنهما: ممن أنت ؟ قال: من أهل العراق. فقال ابن عمر رضي الله عنهما: يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه وفي أخيه: « هما ريحانتاي من الدنيا » .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "أورد ابن عمر رضي الله عنهما هذا متعجبا من حرص أهل العراق على السؤال عن الشيء اليسير وتفريطهم في الشيء الجليل".
وقال أيضا: "والذي يظهر أن ابن عمر رضي الله عنهما لم يقصد ذلك الرجل بعينه، بل أراد التنبيه على جفاء أهل العراق وغلبة الجهل عليهم بالنسبة لأهل الحجاز ". انتهى.
وعن شهر بن حوشب؛ قال: "سمعت أم سلمة رضي الله عنها حين جاء نعي الحسين بن علي رضي الله عنهما لعنت أهل العراق، وقالت: قتلوه قتلهم الله عز وجل، غروه ودلوه لعنهم الله".
رواه: الإمام أحمد، والطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله موثوقون".
وفي الباب أحاديث وآثار كثيرة، تركت ذكرها خشية الإطالة، وفيما ذكرته كفاية إن شاء الله تعالى.(1/241)
باب
ما جاء في وقعة الحرة
عن سعيد بن المسيب؛ قال: "وقعت الفتنة الأولى (يعني: مقتل عثمان ) فلم تبق من أصحاب بدر أحدا، ثم وقعت الفتنة الثانية (يعني: الحرة) فلم تبق من أصحاب الحديبية أحدا، ثم وقعت الثالثة فلم ترتفع وللناس طباخ".
رواه البخاري تعليقا مجزوما به، ووصله أبو نعيم في "مستخرجه".
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "أخرج ابن أبي خيثمة هذا الأثر، وفيه: "ولو وقعت الثالثة"، وذكر ابن التين أن مالكا روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري؛ قال: "لم تترك الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوم قتل عثمان ويوم الحرة" " .
قال الحافظ: "ثم وجدت ما أخرجه الدارقطني في "غرائب مالك " بإسناد صحيح إليه عن يحيى بن سعيد نحو هذا الأثر، وقال في آخره: "وإن وقعت الثالثة لم ترتفع وبالناس طباخ".
وقال الحافظ في قوله: "لم تبق من أصحاب بدر أحدا": "أي أنهم ماتوا منذ قامت الفتنة بمقتل عثمان إلى أن قامت الفتنة الأخرى بوقعة الحرة، وكان آخر من مات من البدريين سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ومات قبل وقعة الحرة ببضع سنين.
وقوله: "طباخ"؛ بفتح المهملة والموحدة الخفيفة وآخره معجمة؛ أي: قوة. قال الخليل : أصل الطباخ: السمن والقوة، ويستعمل في العقل والخير.
قال حسان رضي الله عنه:
المال يغشى رجالا لا طباخ لهم ... كالسيل يغشى أصول الدندن البالي(1/242)
و (الدندن)؛ بكسر المهملتين وسكون النون الأولى: ما اسود من النبات". انتهى.
وقال ابن الأثير : "أصل الطباخ: القوة والسمن، ثم استعمل في غيره، فقيل: فلان لا طباخ له؛ أي: لا عقل له ولا خير عنده". انتهى.
وعن نافع؛ قال: "لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر رضي الله عنهما حشمه وولده، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة » ، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدرا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال، وإني لا أعلم أحدا منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر؛ إلا كانت الفيصل بيني وبينه".
رواه الإمام أحمد، والبخاري، وهذا لفظ البخاري .
وفي رواية لأحمد عن نافع : أن ابن عمر رضي الله عنهما جمع بنيه حين انتزى أهل المدينة مع ابن الزبير وخلعوا يزيد بن معاوية، فقال: إنا قد بايعنا هذا الرجل ببيع الله ورسوله، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان » ، وإن من أعظم الغدر - إلا أن يكون الإشراك بالله تعالى - أن يبايع الرجل رجلا على بيع الله ورسوله ثم ينكث بيعته، فلا يخلعن أحد منكم يزيد، ولا يشرفن أحد منكم في هذا الأمر؛ فيكون صيلما فيما بيني وبينكم.
(الانتزاء) و (التنزي): تسرع الإنسان إلى الشر. و (الفيصل) و (الصيلم)؛ معناهما واحد.
قال ابن الأثير : "الفيصل : القطيعة التامة" . وقال أيضا : "الصيلم : القطيعة المنكرة" انتهى .(1/243)
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "في هذا الحديث وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة، والمنع من الخروج عليه، ولو جار في حكمه، وأنه لا ينخلع بالفسق". انتهى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: "جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة: { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا } ؛ قال: لأعطوها (يعني: إدخال بني حارثة أهل الشام على أهل المدينة في وقعة الحرة) ".
رواه يعقوب ين سفيان . قال ابن كثير وابن حجر العسقلاني : "إسناده صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما ". قال ابن كثير : "وتفسير الصحابي في حكم المرفوع عند كثير من العلماء".
وعن أيوب بن بشير المعافري : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في سفر من أسفاره، فلما مر بحرة زهرة وقف فاسترجع، فساء ذلك من معه، وظنوا أن ذلك من أمر سفرهم، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله ! ما الذي رأيت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إن ذلك ليس من سفركم هذا . قالوا: فما هو يارسول الله ؟ قال: يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي » .
رواه يعقوب بن سفيان . قال ابن كثير : "وهو مرسل".
وعن أبي ذر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كيف أنت وقتلًا يصيب الناس حتى تغرق حجارة الزيت بالدم ؟ ! قلت: ما خار الله لي ورسوله. قال: "الحق بمن أنت منه". قال قلت: يا رسول الله ! أفلا آخذ بسيفي فأضرب به من فعل ذلك ؟ قال: "شاركت القوم إذًا، ولكن ادخل بيتك ". قلت: يا رسول الله ! فإن دخل بيتي ؟ قال: "إن خشيت أن يبهرك شعاع السيف؛ فألق طرف ردائك على وجهك؛ فيبوء بإثمه وإثمك، فيكون من أصحاب النار » .(1/244)
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني، وابن ماجه، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه"، وقد تقدم ذكره في (باب الفتن) مطولا.
وعن محمد بن سعيد (يعني: ابن رمانة ): "أن معاوية رضي الله عنه لما حضره الموت؛ قال ليزيد بن معاوية : قد وطأت لك البلاد، وفرشت لك الناس، ولست أخاف عليكم إلا أهل الحجاز، فإن رابك منهم ريب؛ فوجه إليهم مسلم بن عقبة المري؛ فإني قد جربته غير مرة، فلم أجد له مثلا لطاعته ونصيحته. فلما جاء يزيد خلاف ابن الزبير ودعاؤه إلى نفسه؛ دعا مسلم بن عقبة المري وقد أصابه الفالج، وقال: إن أمير المؤمنين عهد إلي في مرضه إن رابني من أهل الحجاز رائب أن أوجهك إليهم، وقد رابني. فقال: إني كما ظن أمير المؤمنين؛ اعقد لي، وعب الجيوش. قال: فورد المدينة، فأباحها ثلاثا، ثم دعاهم إلى بيعة يزيد أنهم أعبد له قن في طاعة الله ومعصيته، فأجابوه إلى ذلك؛ إلا رجلا واحدا من قريش، أمه أم ولد، فقال له: بايع ليزيد على أنك عبد في طاعة الله ومعصيته. قال: لا؛ بل في طاعة الله. فأبى أن يقبل ذلك منه، وقتله. فأقسمت أمه قسما؛ لئن أمكنها الله من مسلم حيا أو ميتا أن تحرقه بالنار. فلما خرج مسلم بن عقبة من المدينة؛ اشتدت علته فمات، فخرجت أم القرشي بأعبد لها إلى قبر مسلم، فأمرت به أن ينبش من عند رأسه، فلما وصلوا إليه؛ إذا ثعبان قد التوى على عنقه قابضا بأرنبة أنفه يمصها. قال: فكاع القوم عنه، وقالوا: يا مولاتنا ! انصرفي؛ فقد كفاك الله شره، وأخبروها. قالت: لا؛ أو أوفي لله بما وعدته. ثم قالت: انبشوا من عند الرجلين. فنبشوا، فإذا الثعبان لاو ذنبه برجليه. قال: فتنحت، فصلت ركعتين، ثم قالت: اللهم ! إن كنت تعلم أنما غضبت على مسلم بن عقبة اليوم لك؛ فخل بيني وبينه. ثم تناولت عودا، فمضت إلى ذنب الثعبان، فانسل من مؤخر رأسه، فخرج من القبر،(1/245)
ثم أمرت به، فأخرج من القبر، فأحرق بالنار".
رواه الطبراني .
قوله: "فكاع القوم عنه"؛ أي: جبنوا وأحجموا عنه.
باب
ما جاء في فتنة الحجاج وقتل ابن الزبير رضي الله عنهما
عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن في ثقيف كذابًا ومبيرًا » .
رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وأبو يعلى . وقال الترمذي : "هذا حديث حسن غريب". قال: "وفي الباب عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ".
قال: "ويقال: الكذاب: المختار بن أبي عبيد، والمبير: الحجاج بن يوسف ".
وقال النووي : "اتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن أبي عبيد، وبالمبير الحجاج بن يوسف ". انتهى.
وقال ابن الأثير : " (مبير)؛ أي: مهلك يسرف في إهلاك الناس". انتهى.
وعن أبي نوفل؛ قال: "رأيت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما على عقبة المدينة. قال: فجعلت قريش تمر عليه والناس، حتى مر عليه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فوقف عليه، فقال: السلام عليك أبا خبيب ! السلام عليك أبا خبيب ! السلام عليك أبا خبيب ! أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله؛ إن كنت ما علمت صواما قواما وصولا للرحم، أما والله لأمة أنت أشرها لأمة خير. ثم نفذ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فبلغ الحجاج موقف عبد الله(1/246)
وقوله، فأرسل إليه، فأنزل عن جذعه، فألقي في قبور اليهود، ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، فأبت أن تأتيه، فأعاد عليها الرسول لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك. قال: فأبت وقالت: والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني. قال: فقال: أروني سبتي. فأخذ نعليه، ثم انطلق يتوذف حتى دخل عليها، فقال: كيف رأيتني صنعت بعدو الله ؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك. بلغني أنك تقول له: يابن ذات النطاقين ! أنا والله ذات النطاقين: أما أحدهما؛ فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبي بكر من الدواب، وأما الآخر؛ فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه. أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه. قال: فقام عنها ولم يراجعها".
رواه مسلم . وقد رواه: الطبراني والحاكم؛ من حديث أبي نوفل بن أبي عقرب العرنجي بنحوه . قال الهيثمي : "ورجال الطبراني رجال الصحيح". ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" مختصرا، وإسناده صحيح.
وعن أبي الصديق الناجي؛ قال: "لما ظفر الحجاج بابن الزبير فقتله ومثل به، ثم دخل على أم عبد الله، وهي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، فقالت: كيف تستأذن علي وقد قتلت ابني ؟ ! فقال: إن ابنك ألحد في حرم الله فقتلته ملحدا عاصيا، حتى أذاقه الله عذابا أليما، وفعل به وفعل. فقالت: كذبت يا عدو الله وعدو المسلمين ! والله لقد قتلته صواما قواما برا بوالديه حافظا لهذا الدين؛ ولئن أفسدت عليه دنياه لقد أفسد عليك آخرتك، « ولقد حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه يخرج من ثقيف كذابان، الآخر منهما أشر من الأول، وهو المبير » ، وما هو إلا أنت يا حجاج ".(1/247)
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والحاكم، وهذا لفظه، وزاد في رواية له: "فقال الحجاج : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقت، أنا المبير، أبير المنافقين". قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي المحياة عن أمه؛ قالت: لما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما؛ دخل على أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما فقال: يا أمه ! إن أمير المؤمنين أوصاني بك؛ فهل لك من حاجة ؟ فقالت: لست لك بأم، ولكني أم المصلوب على رأس الثنية، وما لي من حاجة، ولكن انتظر حتى أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول: « يخرج من ثقيف كذاب ومبير » ، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت. فقال الحجاج : مبير المنافقين.
رواه البيهقي .
وعن سلامة بنت الحر رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « في ثقيف كذاب ومبير » .
رواه أبو يعلى، وإسناده حسن.
وعن مجاهد؛ قال: قال لي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: انظر إلى المكان الذي به ابن الزبير؛ فلا تمر بي عليه. قال: فسها الغلام؛ فإذا ابن عمر ينظر إلى ابن الزبير مصلوبا. فقال: يغفر الله لك (ثلاثا)، والله ما علمتك إلا كنت صواما قواما وصولا للرحم، أما والله إني لأرجو مع مساوي ما أصبت أن لا يعذبك الله بعدها أبدا. ثم التفت إلي فقال: سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من يعمل سوءًا يجز به في الدنيا » .(1/248)
رواه: ابن مردويه، والحاكم في "مستدركه"، وابن عساكر في "تاريخه".
وعن ابن سيرين؛ قال: "قال ابن الزبير رضي الله عنهما: ما شيء كان يحدثناه كعب إلا قد أتى على ما قال؛ إلا قوله: إن فتى ثقيف يقتلني، وهذا رأسه بين يدي (يعني: المختار ) ". قال ابن سيرين : "ولا يشعر أن أبا محمد قد خبئ له (يعني: الحجاج ) ".
رواه عبد الزراق في "مصنفه"، وإسناده صحيح على شرط الشيخين، والطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" من حديث الأعمش عن شمر بن عطية عن هلال بن يساف : "حدثني البريد الذي أتى ابن الزبير برأس المختار، فلما رآه قال ابن الزبير : ما حدثني كعب بحديث إلا وجدت مصداقه؛ إلا أنه حدثني أن رجلا من ثقيف سيقتلني ". قال الأعمش : وما يدري أن أبا محمد خذله الله خبئ له.
وعن عامر بن عبد الله بن الزبير : أن أباه حدثه: « أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: "يا عبد الله ! اذهب بهذا الدم؛ فأهرقه حيث لا يراك أحد"، فلما برزت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عمدت إلى الدم فحسوته، فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: "ما صنعت يا عبد الله ؟ ". قال: جعلته في مكان ظننت أنه خاف على الناس. قال: "فلعلك شربته ؟". قلت: نعم. قال: "ومن أمرك أن تشرب الدم ؟ ! ويل لك من الناس وويل للناس منك ! » .
رواه: أبو يعلى، والحاكم، والبيهقي .
وعن أبي عذبة الحمصي؛ قال: "جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأخبره أن أهل العراق قد حصبوا أميرهم، فخرج غضبان، فصلى لنا صلاة، فسها فيها، حتى جعل الناس يقولون: سبحان الله ! سبحان الله ! فلما(1/249)
سلم أقبل على الناس، فقال: من هاهنا من أهل الشام؛ فقام رجل، ثم قام آخر، ثم قمت أنا ثالثا (أو رابعا)، فقال: يا أهل الشام ! استعدوا لأهل العراق؛ فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ، اللهم إنهم قد لبسوا علي فألبس عليهم بالغلام الثقفي يحكم فيهم بحكم أهل الجاهلية؛ لا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم".
رواه البيهقي .
وعن الحسن؛ قال: قال علي رضي الله عنه لأهل الكوفة: "اللهم كما ائتمنتهم فخانوني، ونصحت لهم فغشوني؛ فسلط عليهم فتى ثقيف الذيال الميال؛ يأكل خضرتها، ويلبس فروتها، ويحكم فيهم بحكم الجاهلية". قال الحسن : وما خلق الله الحجاج يومئذ.
رواه: عبد الرزاق، والبيهقي في "الدلائل"، وهو منقطع، قال البيهقي : "ولا يقول علي ذلك إلا توقيفا".
وعن مالك بن أوس بن الحدثان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه قال: "الشاب الذيال الميال أمير المصرين؛ يلبس فروتها، ويأكل خضرتها، ويقتل أشراف أهلها، يشتد منه الفرق، ويكثر منه الأرق، ويسلطه الله على شيعته".
رواه البيهقي في "الدلائل".
وعن أم حكيم بنت عمرو بن سنان الجدلية؛ قالت: "استأذن الأشعث بن قيس على علي رضي الله عنه، فرده قنبر، فأدمى أنفه، فخرج علي رضي الله عنه، فقال ما لك وله يا أشعث ؟ ! أما والله لو بعبد ثقيف تحرشت لاقشعرت شعيرات استك. قيل له: يا أمير المؤمنين ومن عبد ثقيف ؟ قال: غلام يليهم لا يبقى أهل بيت من العرب إلا ألبسهم ذلا. قيل: كم يملك ؟ قال: عشرين(1/250)
إن بلغ".
رواه الطبراني .
وعن هشام بن حسان؛ قال: قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: "لو أن الأمم تخابثت يوم القيامة، فأخرجت كل أمة خبيثها، ثم أخرجنا الحجاج؛ لغلبناهم".
رواه أبو نعيم في "الحلية"، ورواه البيهقي من حديث هشام بن يحيى الغساني عن عمر بن عبد العزيز بنحوه.
وقال ابن أبي الدنيا وإبراهيم الحربي : حدثنا سليمان بن أبي سنح : حدثنا صالح بن سليمان؛ قال: قال عمر بن عبد العزيز : "لو تخابثت الأمم، فجاءت كل أمة بخبيثها، وجئنا بالحجاج؛ لغلبناهم ، وما كان الحجاج يصلح لدنيا ولا لآخرة، لقد ولي العراق وهو أوفر ما يكون في العمارة، فأخس به إلى أن صيره إلى أربعين ألف ألف، ولقد أدى إلي عمالي في عامي هذا ثمانين ألف ألف، وإن بقيت إلى قابل؛ رجوت أن يؤدى إلي ما أدي إلى عمر بن الخطاب مائة ألف وعشرة آلاف ألف".
وعن عمرو بن عثمان عن أبيه عن جده؛ قال: كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى إلى عدي بن أرطاة : "بلغني أنك تستن بسنة الحجاج، فلا تستن بسنته؛ فإنه كان يصلي الصلاة لغير وقتها، ويأخذ الزكاة من غير حقها، وكان لما سوى ذلك أضيع".
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وعن الزبير بن عدي؛ قال: أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه نشكو إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: « اصبروا؛ فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده »(1/251)
« شر منهه، حتى تلقوا ربكم. سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
وعن هشام بن حسان؛ قال: "أحصوا ما قتل الحجاج صبرا، فبلغ مائة ألف وعشرين ألف قتيل".
رواه الترمذي .
وقال الأصمعي : "حدثنا أبو عاصم عن عباد بن كثير عن قحدم؛ قال: أطلق سليمان بن عبد الملك في غداة واحدة أحدا وثمانين ألف أسير كانوا في سجن الحجاج، وقيل: إنه لبث في سجنه ثمانون ألفا، منهم ثلاثون ألف امرأة، وعرضت السجون بعد الحجاج فوجدوا فيها ثلاثة وثلاثين ألفا لم يجب على أحد منهم قطع ولا صلب، وكان فيمن حبس أعرابي وجد يبول في أصل ربض مدينة واسط، وكان فيمن أطلق، فأنشأ يقول:
إذا نحن جاوزنا مدينة واسط ... خرينا وصلينا بغير حساب
"
ذكره ابن كثير في "تاريخه".
قال: "وقال الرياشي : حدثنا عباس الأزرق عن السري بن يحيى؛ قال: مر الحجاج في يوم الجمعة، فسمع استغاثة، فقال: ما هذا ؟ فقيل: أهل السجون يقولون: قتلنا الحر. فقال: قولوا لهم: اخسؤوا فيها ولا تكلمون. قال: فما عاش بعد ذلك إلا أقل من جمعة، حتى قصمه الله قاصم كل جبار".
وعن الشعبي : أنه قال: "يأتي على الناس زمان يصلون فيه على الحجاج ".
رواه ابن عساكر في "تاريخه".(1/252)
قلت: وقد ذكر لي عن بعض المنتسبين إلى العلم في زماننا: أنه كان يثني على الحجاج، ويتمنى أن يكون في زماننا من هو مثله أو كمثله مرتين، فذكر له عمر بن عبد العزيز، فقال كلاما يتضمن الغض منه، وأنه ضعيف، وهذا يدل على سريرة خبيثة عند ذلك الرجل، وأنه يحب الظلم وأهل الظلم، ويكره العدل وأهل العدل.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « المرء مع من أحب » .
متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
ولهما أيضا من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
باب
ما جاء في بني العباس
عن العباس رضي الله عنه؛ قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقال: « "انظر؛ هل ترى في السماء من نجم ؟ ". قال: قلت: نعم. قال: "ما ترى ؟". قال: قلت: أرى الثريا. قال: "أما إنه يلي هذه الأمة بعددها من صلبك اثنين في فتنة » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والحاكم في "مستدركه"، والبيهقي من طريق الحاكم . قال الهيثمي : "وفيه أبو ميسرة مولى العباس، ولم أعرفه إلا في ترجمة أبي قبيل، وبقية رجال أحمد ثقات".
قوله: "اثنين في فتنة": يحتمل أن يكون مرفوعا وأن يكون منصوبا وأن يكون مجرورا: والرفع أقرب؛ لاستغنائه عن التقديرات، وتكون هذه اللفظة باقية على طريقة المتقدمين في الخط؛ فإنهم يسوون بين المرفوع والمنصوب(1/253)
في الخط ويفرقون بينهما في اللفظ، وأما النصب والجر؛ فيحتاجان إلى تقدير، والجر أقرب، وتقديره: تكون ولاية اثنين في فتنة. وتقدير النصب: توقع الولاية اثنين في فتنة. والله أعلم.
وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة؛ لكونه وقع كما أخبر؛ فإنه ولي أمر هذه الأمة من بني العباس عدد كثير سبعة وثلاثون خليفة، منهم اثنان في فتنة عظيمة، وهما المأمون والمعتصم؛ فإنهما افتتنا بالقول بخلق القرآن ونفي الصفات عن الله عز وجل، وفتنا كثيرا من الناس بدعائهم إلى هذه المحنة، حتى أجابوا مكرهين، ومن امتنع من إجابتهم كالإمام أحمد وغيره عذبوه بأنواع العذاب؛ من حبس وضرب وإهانة، ثم سلك الواثق سبيلهما في الدعاء إلى هذه الفتنة الصماء والمحنة الشنعاء، وقتل بسببها أحمد بن نصر الخزاعي رحمه الله تعالى، وروي أن الواثق رجع في آخر عمره عن القول بخلق القرآن، ذكر ذلك الخطيب والآجري وأبو نعيم في حكاية عن المهتدي بالله ابن الواثق، فإن كان ذلك صحيحا فقد انحصرت الفتنة في المأمون والمعتصم، وإن لم يكن صحيحا؛ فليس في الخبر ما ينفي الزيادة عن الاثنين، ويكون الاقتصار عليهما لعظم ضررهما. والله أعلم.
وعن أبان بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط؛ قال: "قدم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما على معاوية رضي الله عنه وأنا حاضر، فأجازه، فأحسن جائزته، ثم قال: يا أبا العباس ! هل لكم دولة ؟ فقال: أعفني يا أمير المؤمنين ! فقال: لتخبرني. قال: نعم. فأخبره. قال: فمن أنصاركم ؟ قال: أهل خراسان ولبني أمية من بني هاشم بطحات".
رواه: يعقوب بن سفيان، والبيهقي .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: « "مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإذا معه »(1/254)
« جبريل، وأنا أظنه دحية الكلبي، فقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه لوسخ الثياب وسيلبس ولده من بعده السواد » .
رواه البيهقي، وقال: "تفرد به حجاج بن تميم، وليس بالقوي".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس: « فيكم النبوة وفيكم الملك » .
رواه البيهقي، وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن العامري، قال ابن كثير : "وهو ضعيف".
وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى تكون الدنيا للكع بن لكع » . قال معمر : هو أبو مسلم الخراساني؛ يعني: الذي أقام دولة بني العباس.
قلت: هذا الحديث قد روي موصولا من حديث أبي هريرة وحذيفة وأم سلمة رضي الله عنهم، وسيأتي ذكر ذلك في أشراط الساعة إن شاء الله تعالى، ولعل مراد معمر أن أبا مسلم الخراساني ممن يشمله هذا الحديث، لا أنه المراد به وحده؛ فإن الحديث عام يدخل فيه أبو مسلم وغيره من اللئام الذين نالوا شهواتهم من حظوظ الدنيا وسعدوا بالرياسات والمناصب الزائلة.
وعن عبد الله بن المبارك : "أنه سئل عن أبي مسلم : أهو خير أم الحجاج ؟ فقال: لا أقول: إن أبا مسام كان خيرا من أحد، ولكن كان الحجاج شرا منه، قد اتهمه بعضهم على الإسلام، ورموه بالزندقة، ولم أر فيما ذكروه عن أبي مسلم ما يدل على ذلك، بل على أنه كان ممن يخاف الله من ذنوبه، وقد ادعى التوبة فيما كان منه من سفك الدماء في إقامة الدولة العباسية، والله أعلم بأمره".(1/255)
رواه البيهقي .
وذكر ابن جرير : "أن أبا مسلم قتل في حروبه وما كان يتعاطاه لأجل دولة بني العباس ستمائة ألف صبرا، زيادة عمن قتل بغير ذلك".
قلت: وهذا أكثر مما ذكر عن الحجاج؛ كما تقدم ذكر ذلك قريبا.
باب
انتزاع الملك من قريش بسبب المعصية
عن معاوية رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن هذا الأمر في قريش؛ لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري .
قال البيهقي : "أي: أقاموا معالمه، وإن قصروا هم في أعمال أنفسهم".
قلت: وفي تقييده صلى الله عليه وسلم بقاء ملك قريش بإقامة الدين دليل على أنهم إذا لم يقيموا الدين فإن الأمر يخرج عنهم إلى غيرهم، وهكذا وقع الأمر؛ كما هو معروف عند أهل العلم.
ويستفاد من هذا الحديث أن ملك ملوك المسلمين مرتبط بإقامة دين الإسلام، فمن أقامه ثبت ملكه، ومن ضيعه خرج الأمر من يده ولا بد.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في قريب من ثمانين رجلًا من قريش...(فذكر الحديث، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تشهد ثم قال: ) « أما بعد ! يا معشر قريش ! فإنكم أهل هذا الأمر ما لم تعصوا الله، فإذا عصيتموه بعث إليكم من يلحاكم كما يلحى هذا القضيب »(1/256)
« (لقضيب في يده ، ثم لحا قضيبه ؛ فإذا هو أبيض يصلد » ) " .
رواه الإمام أحمد ، قال الهيثمي : "رجاله رجال الصحيح" . ورواه أبو يعلى والطبراني في "الأوسط" ، قال الهيثمي : "ورجال أبي يعلى ثقات " .
قال الجوهري : " ( اللحاء ) ممدود : قشر الشجر ، ولحوت العصا ألحوها لحوا : إذا قشرتها" . انتهى.
و ( يصلد ) : معناه : يبرق ويبص . قاله ابن الأثير وابن منظور في " لسان العرب " .
وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يزال هذا الأمر فيكم وأنتم ولاته ما لم تحدثوا أعمالا تنزعه منكم ، فإذا فعلتم ذلك سلط الله عليكم شرار خلقه فالتحوكم كما يلتحى القضيب » .
رواه: الإمام أحمد ، والطبراني ، والحاكم وهذا لفظه .
قال الهيثمي : "ورجال أحمد رجال الصحيح ؛ خلا القاسم بن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث ، وهو ثقة " . وقال الحاكم : " صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في " تلخيصه " .
وعن عطاء بن يسار : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقريش : « أنتم أولى الناس بهذا الأمر ما كنتم مع الحق ، إلا أن تعدلوا عنه ، فتلحون كما تلحى هذه الجريدة ( يشير إلى جريدة في يده ) » .
رواه الشافعي في " مسنده " وهو مرسل صحيح الإسناد .
وقد وقع الأمر طبق ما في هذه الأحاديث ، فبعث الله على بني أمية لما عصوه من لحاهم وانتزع الأمر من أيديهم ، وكذلك بنو العباس لما كثرت معاصيهم بعث الله عليهم من لحاهم ، وانتزع الأمر من أيديهم ، وكذلك وقع(1/257)
لكثير سواهم من ولاة الأمور الذين عصوا الله ورسوله، فسلط الله عليهم من لحاهم، وانتزع الأمر من أيديهم.
ليعابر ولاة الأمور بمن خلا قبلهم من ولاة الأمور الذين سلبوا ملكهم، وبدلوا بالعز ذلا، وبالكرامة إهانة؛ جزاء على مخالفتهم لأوامر الله وارتكابهم لمحارمه.
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن هذا الحي من مضر لا يدع عبدًا لله في الأرض صالحًا إلا فتنة وأهلكه، حتى يدركهم الله بعد بجنود من عنده أو من السماء، فيذلها حتى لا تمنع ذنب تلعة » .
رواه أبو داود الطيالسي، وإسناده صحيح على شرط "الشيخين"، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" من طريق أبي داود الطيالسي، وإسناده على شرط مسلم .
وقد رواه ابن أبي شيبة، ولفظه: عن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: « لا تدع مضر عبدا لله مؤمنا؛ إلا فتنوه أو قتلوه، أو يضربهم الله والملائكة والمؤمنون حتى لا يمنعوا ذنب تلعة ". فقال له رجل: يا أبا عبد الله ! تقول هذا وأنت رجل من مضر ؟ ! قال: ألا أقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » ؟ !.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
رواه الإمام أحمد : قال الهيثمي : "وفيه مجالد بن سعيد، وثقه النسائي وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات".
قلت: والحديث قبله يشهد له ويقويه.
وقد وقع مصداق هذين الحديثين في بني أمية وبني العباس؛ كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.(1/258)
أبواب
ما جاء في فتن الأهواء والبدع
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال « : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } وليسوا منك، هم أهل البدع وأهل الشبهات وأهل الضلالة من هذه الأمة » .
رواه ابن جرير والطبراني وابن مردويه، وفيه عباد بن كثير؛ قال البخاري والنسائي وغيرهما: "متروك الحديث". قال ابن كثير : "ولم يختلق هذا الحديث، ولكنه وهم في رفعه؛ فإنه رواه سفيان الثوري عن ليث - وهو ابن أبي سليم - عن طاوس عن أبي هريرة رضي الله عنه في الآية: أنه قال: "نزلت في هذه الأمة".
وعن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: « يا عائش ! { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا } هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء من هذه الأمة » .
رواه: الطبراني، وابن مردويه، والبيهقي، وأبو نعيم . قال ابن كثير : "وهو غريب، ولا يصح رفعه".
وعن أبي برزة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى » .
رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.
وعن حذيفة رضي الله عنه: "أنه أخذ حجرين، فوضع أحدهما على الآخر، ثم قال لأصحابه: هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور ؟ قالوا: يا أبا عبد الله ! ما نرى بينهما من النور إلا قليلا. قال: والذي نفسي بيده لتظهرن(1/259)
البدع حتى لا يرى من الحق إلا قدر ما ترون ما بين هذين الحجرين من النور، والله لتفشون البدع حتى إذا ترك منها شيء؛ قالوا: تركت السنة".
رواه ابن وضاح .
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "يأتي على الناس زمان يصبح الرجل بصيرا ويمسي وما يبصر شعرة".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
ورواه ابن أبي شيبة، ولفظه: قال: "والله إن الرجل ليصبح بصيرا ثم يمسي وما ينظر بشفر".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "والله ليركبن الباطل على الحق حتى لا تروا من الحق إلا شيئا خفيا".
رواه ابن أبي شيبة .
باب
فيما يعصم من الفتن
عن علي رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ألا إنها ستكون فتنة . فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال: "كتاب الله؛ فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار؛ قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره؛ أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم » .
رواه الترمذي، وقال: "غريب".
وقد رواه الإمام أحمد بإسناد ضعيف، ولفظه: قال: سمعت رسول الله(1/260)
صلى الله عليه وسلم يقول: « "أتاني جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد ! إن أمتك مختلفة بعدك". قال: "فقلت: فأين المخرج يا جبريل ؟ ". قال: "فقال: كتاب الله تعالى؛ به يقصم الله كل جبار، من اعتصم به نجا، ومن تركه هلك (مرتين)، قول فصل، وليس بالهزل، لا تختلقه الألسن، ولا تفنى أعاجيبه، فيه نبأ ما قبلكم، وفصل ما بينكم، وخبر ما هو كائن بعدكم » .
وقد رواه ابن مردويه بنحوه مختصرا.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو رواية الترمذي .
وإسناده ضعيف.
باب
افتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو ثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، ومحمد بن نصر المروزي وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، والآجري في "كتاب الشريعة". وقال الترمذي : "حسن صحيح". وقال الحاكم : "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه". قال الترمذي : "وفي الباب عن سعد وعبد الله بن عمرو وعوف بن مالك رضي الله عنهم ".
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله: « افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين ملة، ولن تذهب الأيام والليالي حتى تفترق أمتي على مثلها (أو قال: على مثل ذلك)، فكل فرقة منها في النار؛ إلا واحدة، »(1/261)
« وهي الجماعة » .
رواه: محمد بن نصر المروزي وأبو بكر الآجري في "كتاب الشريعة".
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية؛ لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة؛ كلهم في النار إلا ملة واحدة. قالوا: من هي يا رسول الله ؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي » .
رواه: الترمذي، ومحمد بن وضاح، ومحمد بن نصر، والحاكم، والآجري . وقال الترمذي : "هذا حديث حسن غريب".
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة؛ فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة؛ فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة؛ فواحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار. قيل: يا رسول الله ! من هم ؟ قال: الجماعة » .
رواه ابن ماجه .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة؛ كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة » .
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، وهذا لفظه. قال في "الزوائد": "إسناده صحيح، رجاله ثقات".
ورواه أبو بكر الآجري من طرق عن أنس رضي الله عنه، وفي بعض(1/262)
طرقه: « كلها في النار إلا السواد الأعظم » .
ورواه الطبراني في "معجمه الصغير"، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة؛ كلهم في النار؛ إلا واحدة. قالوا: وما هي تلك الفرقة ؟ قال: "ما أنا عليه اليوم وأصحابي » .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وأمتي تزيد عليهم فرقة؛ كلهم في النار إلا السواد الأعظم » .
رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير". قال الهيثمي : وفيه أبو غالب؛ وثقه ابن معين وغيره، وبقية رجال "الأوسط" ثقات، وكذلك أحد إسنادي "الكبير".
وعن عمرو بن عوف رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ألا إن بني إسرائيل افترقت على موسى عليه السلام سبعين فرقة؛ كلها ضالة؛ إلا فرقة واحدة: الإسلام وجماعتهم، ثم إنها افترقت على عيسى عليه السلام على إحدى وسبعين فرقة؛ كلها ضالة إلا واحدة: الإسلام وجماعتهم، ثم إنكم تكونون على اثنتين وسبعين فرقة؛ كلها في النار إلا واحدة: الإسلام وجماعتهم » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه كثير بن عبد الله، وهو ضعيف، وقد حسن الترمذي له حديثا، وبقية رجاله ثقات".
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" من حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده: (فذكره بنحوه).
وعن أبي الدرداء وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع وأنس بن مالك رضي الله عنهم؛ قالوا: « خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتمارى في شيء من الدين، »(1/263)
« فغضب غضبًا شديدًا لم يغضب مثله...(الحديث، وفيه): "ذروا المراء؛ فإن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة؛ كلها على الضلالة؛ إلا السواد الأعظم ". قالوا: يا رسول الله ! ما السواد الأعظم ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "من كان على ما أنا عليه وأصحابي » .
رواه: الطبراني، والآجري . وفي إسناده ضعف.
وتفسير السواد الأعظم في هذا الحديث بأنهم من كان على ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، يدفع ما قد يتوهمه من قل نصيبه من العلم من أن السواد الأعظم المذكور في حديث أنس وحديث أبي أمامة رضي الله عنهما يراد به معظم المنتسبين إلى الإسلام وجمهورهم؛ نظرا منهم إلى ظاهر اللفظ.
فإن قيل: إن هذا الحديث ضعيف. قيل: قد تقدم ما يشهد له من حديث عبد الله بن عمرو وأنس رضي الله عنهم.
وروي أيضا عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما ما يؤيد ذلك، فروى العسكري عن سليم بن قيس العامري؛ قال: سأل ابن الكواء عليا رضي الله عنه عن السنة والبدعة وعن الجماعة والفرقة ؟ فقال: " يابن الكواء ! حفظت المسألة؛ فافهم الجواب: السنة والله سنة محمد صلى الله عليه وسلم، والبدعة ما فارقها، والجماعة والله مجامعة أهل الحق وإن قلوا، والفرقة مجامعة أهل الباطل وإن كثروا".
وقال عمرو بن ميمون الأودي : "صحبت معاذا باليمن، فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام، ثم صحبت بعده أفقه الناس: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فسمعته يقول: عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة. ثم سمعته يوما من الأيام وهو يقول: سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن(1/264)
مواقيتها؛ فصلوا الصلاة لميقاتها؛ فهي الفريضة، وصلوا معهم؛ فإنها لكم نافلة. قال: قلت: يا أصحاب محمد ! ما أدري ما تحدثونا ؟ قال: وما ذاك ؟ قلت: تأمرني بالجماعة وتحضني عليها، ثم تقول: صل الصلاة وحدك وهي فريضة، وصل مع الجماعة وهي نافلة ! قال: يا عمرو بن ميمون ! قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية؛ تدري ما الجماعة ؟ قلت: لا. قال: إن جمهور الجماعة الذين فارقوا الجماعة، الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك".
وفي رواية: فقال ابن مسعود رضي الله عنه وضرب على فخذي: "ويحك ! إن جمهور الناس فارقوا الجماعة، وإن الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى ".
قال نعيم بن حماد : "يعني: إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وإن كنت وحدك؛ فإنك أنت الجماعة حينئذ".
رواه البيهقي في كتاب "المدخل "، ونقله أبو شامة في كتاب "الباعث على إنكار البدع والحوادث"، وابن القيم في كتاب "الإغاثة".
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وكان محمد بن أسلم الطوسي الإمام المتفق على إمامته مع رتبته أتبع الناس للسنة في زمانه، حتى قال: ما بلغني سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إلا عملت بها، ولقد حرصت على أن أطوف بالبيت راكبا فما مكنت من ذلك، فسئل بعض أهل العلم في زمانه عن السواد الأعظم الذين جاء فيهم الحديث: « إذا اختلف الناس؛ فعليكم بالسواد الأعظم » . فقال: محمد بن أسلم الطوسي هو السواد الأعظم".
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وصدق والله؛ فإن العصر إذا كان فيه عارف بالسنة داع إليها؛ فهو الحجة وهو الإجماع وهو السواد الأعظم، وهو سبيل المؤمنين التي من فارقها واتبع سواها ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم(1/265)
وساءت مصيرا". انتهى.
وقد قال أبو نعيم في "الحلية": "حدثنا أبي: حدثنا خالي أحمد بن محمد ابن يوسف : حدثنا أبي؛ قال: قرأت على أبي عبد الله محمد بن القاسم الطوسي خادم ابن أسلم؛ قال: سمعت إسحاق بن راهويه يقول.....(وذكر في حديث رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ) « إن الله لم يكن ليجمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة، فإذا رأيتم الاختلاف؛ فعليكم بالسواد الأعظم » . فقال رجل: يا أبا يعقوب ! من السواد الأعظم ؟ فقال: محمد بن أسلم وأصحابه ومن اتبعه. ثم قال: سأل رجل ابن المبارك، فقال: يا أبا عبد الرحمن ! من السواد الأعظم ؟ قال: أبو حمزة السكري . ثم قال إسحاق : في ذلك الزمان (يعني: أبا حمزة)، وفي زماننا محمد بن أسلم ومن تبعه. ثم قال إسحاق : لو سألت الجهال: من السواد الأعظم ؟ قالوا: جماعة الناس، ولا يعلمون أن الجماعة عالم متمسك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم وطريقه، فمن كان معه وتبعه فهو الجماعة، ومن خالفه فقد ترك الجماعة. ثم قال إسحاق : لم أسمع عالما منذ خمسين سنة أعلم من محمد بن أسلم ". انتهى ما ذكره أبو نعيم .
وجزم البخاري في (كتاب الاعتصام) من "صحيحه" أن الجماعة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزومها هم أهل العلم.
وقال أبو شامة في كتاب "الباعث على إنكار البدع والحوادث": "حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة؛ فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك بالحق قليلا والمخالف له كثيرا؛ لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم". انتهى.
وقد نقل ابن القيم رحمه الله تعالى كلام أبي شامة في كتاب " الإغاثة"(1/266)
واستحسنه.
وقد وصفت الفرقة الناجية في الأحاديث التي تقدم ذكرها بثلاث صفات:
إحداها: أنهم الجماعة.
الثانية: أنهم السواد الأعظم.
الثالثة: أنهم من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، وهذه الصفة تبين المراد من الصفتين قبلها وتدل على أن أهل الحق هم الجماعة والسواد الأعظم من كانوا وأين كانوا، ولو كانوا من أقل الناس. والله أعلم.
وقد روى اللالكائي عن أبي الطفيل؛ قال: "كان علي رضي الله عنه يقول: إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به، ثم يتلو هذه الآية: { إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ } ؛ يعني: محمدا والذين اتبعوه؛ فلا تغتروا؛ فإنما ولي محمد من أطاع الله، وعدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته".
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: أنه لما قدم مكة حاجا؛ قام حين صلى صلاة الظهر، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة (يعني: الأهواء)؛ كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه؛ لا يبقى عرق ولا مفصل إلا دخله » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، ومحمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة"، والحاكم في "مستدركه".(1/267)
وزاد أحمد ومحمد بن نصر والحاكم : « والله يا معشر العرب ! لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم؛ لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به » .
صححه الحاكم، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
قال الخطابي رحمه الله تعالى: " (الكلب): داء يعرض للإنسان من عضة الكلب الكلب، وهو داء يصيب الكلب؛ كالجنون، وعلامة ذلك فيه: أن تحمر عيناه، وأن لا يزال يدخل ذنبه بين رجليه، وإذا رأى إنسانا ساوره، فإذا عقر هذا الكلب إنسانا عرض له من ذلك أعراض رديئة، منها: أن يمتنع من شرب الماء حتى يهلك عطشا، ولا يزال يستسقي، حتى إذا سقي الماء لم يشربه. ويقال: إن هذه العلة إذا استحكمت بصاحبها فقعد للبول؛ خرج منه هنات مثل صور الكلاب؛ فالكلب داء عظيم؛ إذا تجارى بالإنسان تمادى وهلك ". انتهى.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن في أمتي نيفًا وسبعين داعيًا؛ كلهم داع إلى النار، لو أشاء لأنبأتكم بآبائهم وأمهاتهم وقبائلهم » .
رواه أبو يعلى . قال الهيثمي : "وفيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات".
باب
ما جاء في اتباع هذه الأمة لسنن أعداء الله
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا شبرًا وذراعًا ذراعًا، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم . قلنا: يا رسول الله ! اليهود والنصارى ؟ قال: "فمن ؟ ! » .(1/268)
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: « لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها؛ شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع . فقيل: يا رسول الله ! كفارس والروم ؟ فقال: "ومن الناس إلا أولئك ؟ ! » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري، وهذا لفظه.
ورواه ابن ماجه، ولفظه: « لتتبعن سنن من كان قبلكم؛ باعًا بباع، وذراعًا بذراع، وشبرًا بشبر، حتى لو دخلوا جحر ضب؛ لدخلتم فيه. قالوا: يا رسول الله ! اليهود والنصارى ؟ قال: "فمن إذًا ؟ ! » .
ورواه: الإمام أحمد أيضا، والحاكم في "مستدركه"؛ بنحو رواية ابن ماجه، ثم قال الحاكم : "صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذا اللفظ"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لتتبعن سنن من كان قبلكم؛ شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، وباعًا بباع، حتى لو دخلوا جحر ضب؛ لدخلتموه. قالوا: من يا رسول الله ؟ اليهود النصارى ؟ قال: "فمن إلا هم ؟ ! » .
رواه محمد بن نصر المروزي في "كتاب السنة"، وإسناده جيد.
وعن سهل بن سعد الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « والذي نفسي بيده؛ لتركبن سنن من كان قبلكم مثلًا بمثل، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال: "فمن إلا اليهود والنصارى ؟ ! » .
رواه: الإمام أحمد مختصرا، والطبراني بتمامه.(1/269)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « لتركبن سنن من كان قبلكم؛ شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، وباعًا بباع، حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم، وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق؛ لفعلتموه » .
رواه محمد بن نصر المروزي والبزار بأسانيد جيدة، والحاكم في "مستدركه"، وصححه، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية؛ لكان في أمتي من يصنع ذلك » .
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث حسن غريب".
وقد رواه محمد نصر المروزي في كتاب "السنة" بنحوه مختصرا، وإسناده حسن.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل، لتركبن طريقهم حذو القذة بالقذة، حتى لا يكون فيهم شيء إلا كان فيكم مثله، حتى إن القوم لتمر عليهم المرأة فيقوم إليها بعضهم فيجامعها، ثم يرجع إلى أصحابه يضحك إليهم ويضحكون إليه » .
رواه الطبراني .
وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لتسلكن سنن الذين من قبلكم حذو النعل بالنعل، ولتأخذن مثل مأخذهم؛ إن شبرًا فشبر، وإن ذراعًا فذراع، وإن باعًا فباع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتم فيه » .
رواه: محمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة"، والآجري في كتاب(1/270)
"الشريعة".
وعن شداد بن أوس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « ليحملن شرار هذه الأمة على سنن الذين خلوا من قبلهم حذو القذة بالقذة » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومحمد بن نصر المروزي والطبراني، والآجري .
وعن أبي واقد الليثي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « والذي نفسي بيده؛ لتركبن سنة من كان قبلكم » .
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده"، وابن حبان في "صحيحه"، ولفظهما: « إنكم ستركبون سنن من كان قبلكم » .
ورواه محمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة" بنحوه، وأسانيده كلها جيدة.
وعن المستورد بن شداد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تترك هذه الأمة شيئًا من سنن الأولين حتى تأتيه » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "لتتبعن أمر من كان قبلكم حذو النعل بالنعل، لا تخطئون طريقتهم ولا تخطئكم".
رواه الآجري في كتاب "الشريعة".
ورواه الحاكم في "مستدركه"، ولفظه: "لتسلكن طريق من كان قبلكم؛ حذو القذة بالقذة، وحذو النعل بالنعل، لا تخطئون طريقهم، ولا تخطئكم".(1/271)
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه محمد بن وضاح بزيادة كثيرة ولفظه: "لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، حتى لا يقول عبد: مه، مه ؟ ولتركبن سنن الأمم قبلكم حذو النعل بالنعل؛ لا تخطئون طريقهم، ولا تخطئكم، حتى لو أنه كان فيمن كان قبلكم من الأمم أمة يأكلون العذرة رطبة أو يابسة؛ لأكلتموها، وستفضلونهم بثلاث خصال لم تكن فيمن كان قبلكم من الأمم: نبش القبور، وسمنة النساء؛ تسمن الجارية حتى تموت شحما، وحتى يكتفي الرجال بالرجال دون النساء، والنساء بالنساء دون الرجال، ايم الله إنها لكائنة، ولو قد كانت؛ خسف بهم ورجموا كما فعل بقوم لوط، والله ما هو بالرأي، ولكنه الحق اليقين".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "لا يكون في بني إسرائيل شيء؛ إلا كان فيكم مثله". فقال رجل: يكون فينا مثل قوم لوط ؟ قال: "نعم".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "أنتم أشبه الناس ببني إسرائيل، والله لا تدعون شيئا عملوه إلا عملتموه، ولا كان فيهم شيء إلا سيكون فيكم مثله ". فقال رجل: أيكون فينا مثل قوم لوط ؟ فقال: "نعم، ممن أسلم وعرف نسبه".
رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة".
وعنه رضي الله عنه : أنه قال: "أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتا وهديا، تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة؛ غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا ؟".
ذكره البغوي في "تفسيره".(1/272)
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "لتركبن سنة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل (أو القذة بالقذة)؛ غير أني لا أدري تعبدون العجل أم لا ؟ !".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "أنتم أشبه الناس سمتا وهديا ببني إسرائيل، لتسلكن طريقهم؛ حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل ".
رواه ابن أبي شيبة .
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "إن أشبه الناس سمتا وهيئة ببني إسرائيل أنتم، تتبعون آثارهم حذو القذة بالقذة، لا يكون فيهم شيء إلا كان فيكم مثله". رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال: "لم يكن في بني إسرائيل شيء إلا وهو كائن فيكم".
رواه: نعيم بن حماد في "الفتن"، ومحمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة".
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أنه قال: "والله ما من شيء كان ممن قبلكم إلا سيكون فيكم".
رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة".
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه قال: "لتركبن سنة من كان قبلكم حلوها ومرها".
رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة".
وعن همام بن الحارث؛ قال: كنا عند حذيفة رضي الله عنه، فذكروا:(1/273)
{ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } ، فقال رجل من القوم: إنما هذا في بني إسرائيل. فقال حذيفة رضي الله عنه: "نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل، إن كان لكم الحلو ولهم المر، كلا والذي نفسي بيده؛ حتى تحذى السنة بالسنة حذو القذة بالقذة".
رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة".
وعن بكر بن سوادة : أن موسى بن الأشعث حدثه أن الوليد حدثه: "أنه انطلق هو وأبيض - رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - إلى رجل يعودانه. قال: فدخلنا المسجد فرأينا الناس يصلون، فقلت: الحمد لله الذي جمع بالإسلام الأحمر والأسود. فقال أبيض: والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى لا تبقى ملة إلا ولها منكم نصيب. قلت: يبادرون يخرجون من الإسلام ؟ قال: يصلون بصلاتكم، ويجلسون مجالسكم، وهم معكم في سوادكم، ولكل ملة منهم نصيب".
رواه عبدان في كتاب "الصحابة".
وهذه الموقوفات لها حكم الرفع؛ لأن فيها إخبارا عن أمر غيبي، وذلك لا يقال من قبل الرأي، وإنما يقال عن توقيف. والله أعلم.
باب
ما جاء في الخوارج
وهم أول من كفر المسلمين بالذنوب، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلون دمه وماله.
قال البخاري رحمه الله تعالى في "صحيحه": "وكان ابن عمر رضي الله(1/274)
عنهما يراهم شر خلق الله، وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين". انتهى.
وحكي عنهم أنهم لا يتبعون النبي صلى الله عليه وسلم إلا فيما بلغه عن الله تعالى من القرآن والسنة المفسرة له، وأما ظاهر القرآن إذا خالفه الرسول فلا يعملون إلا بظاهره. ذكر ذلك شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى.
ولهذا كانوا مارقين، مرقوا من الإسلام مروق السهم من الرمية؛ كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم.
وقد تواترت الأحاديث في ذكر الخوارج، وصحت من نحو من أربعين وجها، وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
وبدعة الخوارج هي أول بدعة حدثت في الإسلام، وأول قرن طلع منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو « ذو الخويصرة التميمي، الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم، وطعن عليه في قسمته العادلة بالاتفاق، وقال له في وجهه: اتق الله واعدل؛ فإنك لم تعدل ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويلك ! ومن يعدل إذا لم أكن أعدل » ؟ ! ، وسيأتي هذا الحديث قريبا إن شاء الله تعالى.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه: « أن نبي الله صلى الله عليه وسلم مر برجل ساجد وهو ينطلق إلى الصلاة، فقضى الصلاة ورجع عليه وهو ساجد، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من يقتل هذا ؟ " فقام رجل فحسر عن يديه، فاخترط سيفه وهزه وقال: يا نبي الله ! بأبي أنت وأمي ! كيف أقتل رجلًا ساجدًا يشهد أن لا إله إلا الله وإن محمدًا عبده ورسوله ؟ ! ثم قال: "من يقتل هذا ؟". فقام رجل، فقال: أنا، فحسر عن ذراعيه، واخترط سيفه فهزه حتى أرعدت يده، فقال: يا نبي الله ! كيف أقتل رجلًا ساجدًا يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله ؟ ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو قتلتموه لكان أول فتنة وآخرها » .(1/275)
رواه: الإمام أحمد، والطبراني . وإسناد أحمد صحيح على شرط مسلم .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: « أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ! إني مررت بوداي كذا وكذا؛ فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اذهب إليه فاقتله". قال: فذهب إليه أبو بكر رضي الله عنه، فلما رآه على تلك الحال؛ كره أن يقتله، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : "اذهب فاقتله". فذهب عمر رضي الله عنه، فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر . قال: فكره أن يقتله. قال: فرجع فقال: يا رسول الله ! إني رأيته يصلي متخشعًا، فكرهت أن أقتله. قال: "يا علي ! اذهب فاقتله". فذهب علي رضي الله عنه، فلم يره، فرجع علي رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله ! لم أره. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه؛ فاقتلوهم؛ هم شر البرية » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: « ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، له نكاية في العدو واجتهاد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أعرف هذا". فبينما هم كذلك إذ طلع رجل، فقالوا: هو هذا يا رسول الله. فقال عليه الصلاة والسلام: "ما كنت أعرف هذا، هذا أول قرن رأيته في أمتي؛ إن به لسفعة من الشيطان". فلما دنا الرجل سلم، فرد عليه القوم السلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنشدك بالله؛ هل حدثت نفسك حين طلعت علينا أن ليس في القوم أحد أفضل منك ؟". قال: اللهم نعم. فدخل المسجد يصلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: "قم فاقتله". فدخل أبو بكر المسجد، فوجده قائمًا يصلي، فقال أبو بكر في نفسه: إن للصلاة حرمة وحقًا، ولو أني استأمرت رسول »(1/276)
« الله صلى الله عليه وسلم. فجاء إليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أقتلته ؟". قال: لا؛ رأيته قائمًا يصلي ورأيت للصلاة حرمة وحقًا، وإن شئت أن أقتله قتلته. قال: "لست بصاحبه، اذهب أنت يا عمر فاقتله". فدخل عمر رضي الله عنه المسجد فإذا هو ساجد، فانتظره طويلًا، ثم قال عمر في نفسه: إن للسجود حقًا، ولو أني استأمرت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد استأمره من هو خير مني. فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "أقتلته ؟". قال: لا؛ رأيته ساجدًا، ورأيت للسجود حقًا، وإن شئت أن أقتله قتلته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لست بصاحبه، قم يا علي فاقتله، أنت صاحبه إن وجدته". فدخل علي رضي الله عنه المسجد، فلم يجده، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قتل اليوم ما اختلف من أمتي رجلان حتى يخرج الدجال » .
رواه أبو يعلى، والآجري؛ من طرق عن أنس رضي الله عنه، وكلها ضعيفة، وأحسنها ما رواه أبو يعلى من طريق يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه، قال الهيثمي : " يزيد الرقاشي ضعفه الجمهور، وفيه توثيق لين، وبقية رجاله رجال الصحيح". قال: "وقد صح قبله حديث أبي بكرة وأبي سعيد رضي الله عنهما". قال: "رواه البزار باختصار، ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم".
وعن جابر رضي الله عنه؛ قال: « مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، فقالوا فيه وأثنوا عليه، فقال: "من يقتله؟ ". فقال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. فذهب، فوجده قد خط على نفسه خطة وهو يصلي فيها، فلما رآه على تلك الحال رجع ولم يقتله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يقتله ؟". فقال عمر رضي الله عنه: أنا. فذهب، فرآه في خطة قائمًا يصلي، فرجع ولم يقتله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من له (أو : من يقتله؟) ". فقال علي رضي الله عنه: أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت، ولا أراك تدركه". فانطلق، فرآه قد ذهب » .(1/277)
رواه أبو يعلى . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: « بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس الحنظلي، وعيينة بن بدر الفزاري، وعلقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب، وزيد الخير الطائي ثم أحد بني نبهان. قال: فغضبت قريش والأنصار، فقالوا: أيعطي صناديد نجد ويدعنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم". فجاء رجل كث اللحية، مشرف الوجنتين، غائر العينين، ناتئ الجبين، محلوق الرأس، فقال: اتق الله يا محمد ! قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فمن يطع الله إن عصيته ؟ ! أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني ؟ !". قال: ثم أدبر الرجل، فاستأذن رجل من القوم في قتله (يرون أنه خالد بن الوليد ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من ضئضئ هذا قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والشيخان، وأبو داود، والنسائي .
وفي رواية للشيخين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: « بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهبية في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها. قال: فقسمها بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة بن علاثة وإما عامر بن الطفيل . فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء. قال: فبلغ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحًا ومساءً ؟ !". قال: فقام رجل؛ غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز »(1/278)
« الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله ! اتق الله. قال: "ويلك ! أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله ؟". قال: ثم ولى الرجل، فقال خالد بن الوليد : يا رسول الله ! ألا أضرب عنقه ؟ قال: "لا؛ لعله أن يكون يصلي". فقال خالد : وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم". قال: ثم نظر إليه وهو مقف، فقال: "إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبًا لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية (وأظنه قال: ) لئن أدركتهم؛ لأقتلنهم قتل ثمود » .
وفي رواية لمسلم : « فقام إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله ! ألا أضرب عنقه ؟ قال: "لا ". قال: ثم أدبر، فقام إليه خالد سيف الله، فقال: يا رسول الله ! ألا أضرب عنقه ؟ قال: "لا". فقال: "إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله لينًا رطبًا » .
وفي رواية لأحمد والشيخين والنسائي في "خصائص علي رضي الله عنه" عن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال: « بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسمًا أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله ! اعدل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويلك ! ومن يعدل إن لم أعدل ؟ ! قد خبت وخسرت إن لم أعدل". فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله ! ائذن لي فيه أضرب عنقه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعه؛ فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه؛ فلا يوجد فيه شيء - وهو القدح - ثم ينظر إلى قذذه؛ فلا يوجد فيه شيء، سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة (أو مثل البضعة) تدردر، »(1/279)
« يخرجون على حين فرقة من الناس » . قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس، فوجد، فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت.
هذا لفظ مسلم، وزاد أحمد والبخاري : قال: فنزلت فيه: { وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ } .
قوله: « يخرج من ضئضئ هذا » .
قال الخطابي وابن الأثير وغيرهما: "الضئضئ الأصل". قال الخطابي : "يريد أنه يخرج من نسله الذين هو أصلهم، أو يخرج من أصحابه وأتباعه الذين يقتدون به ويبنون رأيهم ومذهبهم على أصل قوله".
قلت: وهذا الأخير أرجح، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: « إن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم » ، وقوله في الحديث الآخر: « إن له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه » .
وهذا هو اختيار ابن كثير؛ قال: "لأن الخوارج لم يكونوا من سلالته، ولا أعلم أحدا منهم من نسله، وإنما أراد: "من ضئضئ هذا"؛ أي: من شكله وعلى صفته". انتهى.
وقد اختلف في معنى قوله: "قد خبت وخسرت"؛ بناء على اختلاف الرواية في ضبط هذين الحرفين، فروي بضم المثناة.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح البارى": "بضم المثناة للأكثر، ومعناه ظاهر ولا محذور فيه، والشرط لا يستلزم الوقوع؛ لأنه ليس ممن لا يعدل حتى يحصل له الشقاء، بل هو عادل فلا يشقى، وحكى عياض فتحها، ورجحه(1/280)
النووي، وحكاه الإسماعيلي عن رواية شيخه المنيعي من طريق عثمان بن عمر عن قرة، والمعنى: لقد شقيت؛ أي: ضللت أنت أيها التابع حيث تقتدي بمن لا يعدل أو حيث تعتقد في نبيك هذا القول الذي لا يصدر عن مؤمن". انتهى.
واختار هذا القول الأخير أبو العباس ابن تيمية وابن القيم رحمة الله عليهما:
قال شيخ الإسلام أبو العباس رحمه الله تعالى: " إذا جوز أن الرسول يجوز أن يخون ويظلم فيما ائتمنه الله عليه من الأموال وهو معتقد أنه أمين الله على وحيه؛ فقد اتبع ظالما كاذبا، وجوز أن يخون ويظلم فيما ائتمنه من المال من هو صادق أمين فيما ائتمنه الله عليه من خبر السماء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: « أيأمنني من في السماء ولا تأمنوني ؟ ! » ، أو كما قال؛ يقول صلى الله عليه وسلم: إن أداء الأمانة في الوحي أعظم، والوحي الذي أوجب الله طاعته هو الوحي بحكمه وقسمته". انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في "تهذيب السنن": "الصواب فتح التاء من "خبت وخسرت"، والمعنى: إنك إذا خائب خاسر إن كنت تقتدي في دينك بمن لا يعدل، وتجعله بينك وبين الله، ثم تزعم أنه ظالم غير عادل، ومن رواه بضم التاء لم يفهم معناه هذا". انتهى.
قلت: وضم التاء أرجح من نصبها لوجوه:
أحدها: أنه رواية الأكثر.
الثاني: ما جاء في "صحيح ابن حبان " في هذا الحديث: أن « الرجل لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: اعدل؛ فإنك لم تعدل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا ويلي ! لقد شقيت إن لم أعدل » . فظاهر هذا السياق يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم عنى بذلك نفسه.(1/281)
الثالث: أن في توجيه المعنى على النصب تكلفا، وأما الرفع؛ فليس فيه تكلف.
الرابع: أن الرفع يتأيد بأدلة كثيرة من القرآن:
كقوله تعالى: { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } .
وقوله تعالى: { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .
وقوله تعالى: { قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } .
وقوله تعالى: { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } .
وقوله تعالى: { وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ } .
وقوله تعالى: { وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ } .
وقوله تعالى: { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } .
وقوله تعالى: { لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ } .
وقوله تعالى: { لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } .
والمعنى في هذه الآيات وفي الحديث أيضا: أنه لو فرض وجود الشرط؛ لكان المشروط، ولكن هذا كله محال وممتنع في حق الله تعالى وحق رسوله صلى الله عليه وسلم، والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضا؛ فإن الله سبحانه وتعالى أحد(1/282)
صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن له كفوا أحد ، تعالى وتقدس وتنزه عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وقد عصم الله تبارك وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من الشرك والظلم والجور والغي والضلال ومتابعة أهواء اليهود والنصارى والمشركين، وبرأه من كل نقص وعيب، وكذلك سائر الأنبياء والمرسلين؛ فكلهم معصومون مبرؤون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
والمقصود هنا أن توجيه المعنى على الرفع صحيح ولا محذور فيه. والله أعلم.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: « أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة منصرفه من حنين، وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها يعطي الناس، فقال: يا محمد ! اعدل. قال: ويلك ! ومن يعدل إذا لم أكن أعدل ؟ ! لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل . فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق. فقال: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي ! إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية » .
رواه الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه .
وعن أبي سلمة وعطاء بن يسار : أنهما أتيا أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، فسألاه عن الحرورية : هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها ؟ قال: لا أدري من الحرورية، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يخرج في هذه الأمة (ولم يقل منها) قوم تحتقرون صلاتكم مع صلاتهم، فيقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم (أو حناجرهم)، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله إلى رصافه، فيتمارى في الفوقة هل علق بها من الدم شيء » .(1/283)
متفق عليه.
وقد رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه؛ من حديث أبي سلمة عن أبي سعيد رضي الله عنه بنحوه.
وفي رواية لأحمد والبخاري عن أبي سلمة عن أبي سعيد رضي الله عنه: أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يخرج فيكم قوم؛ تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وأعمالكم مع أعمالهم؛ يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية؛ ينظر في النصل فلا يرى شيئًا، ثم ينظر في القدح فلا يرى شيئًا، ثم ينظر في الريش فلا يرى شيئًا، ويتمارى في الفوق » .
وعن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قوما يكونون في أمته، يخرجون في فرقة من الناس، سيماهم التحليق؛ قال: هم شر الخلق (أو من شر الخلق)، يقتلهم أولى الطائفتين بالحق. قال: فضرب النبي صلى الله عليه وسلم لهم مثلًا (أو قال: قولًا): "الرجل يرمي الرمية (أو قال : الغرض)، فينظر في النصل فلا يرى بصيرة، وينظر في النضي فلا يرى بصيرة، وينظر في الفوق فلا يرى بصيرة" . فقال أبو سعيد رضي الله عنه: وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق » !
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي في "خصائص علي رضي الله عنه ".
وفي رواية لهم عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين، يقتلها أولى الطائفتين بالحق » .
ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده"، ولفظه: قال: « تكون فرقة بين »(1/284)
« طائفتين من أمتي، تمرق بينهما مارقة، تقتلها أولى الطائفتين بالحق » . وفي رواية لمسلم : « تكون في أمتي فرقتان، فتخرج من بينهما مارقة، يلي قتلهم أولاهم بالحق » .
ورواه الإمام أحمد، ولفظه: قال: « لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، دعواهما واحدة، تمرق بينهما مارقة، يقتلها أولاهما بالحق » .
ورواه الحاكم في "مستدركه" من حديث عبد الملك بن أبي نضرة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه مال، فجعل يضرب بيده فيه، فيعطي يمينًا وشمالًا، وفيهم رجل مقلص الثياب، ذو سيماء، بين عينيه أثر السجود، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب بيده يمينًا وشمالًا، حتى نفد المال، فلما نفد المال؛ ولى مدبرًا، وقال: والله ما عدلت منذ اليوم. قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلب كفيه ويقول: "إذا لم أعدل؛ فمن ذا يعدل بعدي ؟ !أما إنه ستمرق مارقة، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، ثم لا يعودون إليه حتى يرجع السهم على فوقه، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يحسنون القول ويسيئون الفعل، فمن لقيهم فليقاتلهم، فمن قتلهم فله أفضل الأجر، ومن قتلوه فله أفضل الشهادة، هم شر البرية، برئ الله منهم، يقتلهم أولى الطائفتين بالحق » .
قال الحاكم : "صحيح، ولم يخرجاه بهذه السياقة"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن الضحاك المشرقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكر فيه قومًا يخرجون على فرقة من الناس مختلفة؛ يقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق.
رواه: الإمام أحمد، ومسلم .(1/285)
وعن معبد بن سيرين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يخرج ناس من قبل المشرق، ويقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه. قيل: ما سيماهم ؟ قال: "سيماهم التحليق (أو قال: التسبيد) » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري، وعبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
(التسبيد): بمعنى التحليق: قال أبو داود : " (التسبيد): استئصال الشعر". وقال الجوهري : " (تسبيد الرأس): استئصال شعره. و (التسبيد) أيضا: ترك الادهان ". وكذا قال ابن الأثير وغيره من أهل اللغة.
وعن يزيد الفقير؛ قال: قلت لأبي سعيد : إن منا رجالا هم أقرؤنا للقرآن، وأكثرنا صلاة، وأوصلنا للرحم، وأكثرنا صوما، خرجوا علينا بأسيافهم. فقال أبو سعيد رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « يخرج قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية » .
رواه الإمام أحمد، قال ابن كثير : "وإسناده لا بأس به، رجاله كلهم ثقات".
وعن عاصم بن شميخ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف واجتهد في اليمين؛ قال: « والذي نفس أبي القاسم بيده؛ ليخرجن قوم من أمتي؛ تحقرون أعمالكم مع أعمالهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية. قالوا: فهل من علامة يعرفون بها ؟ قال: "فيهم رجل ذو يدية (أو ثدية)، محلقي رؤوسهم » . قال أبو سعيد : فحدثني عشرون أو بضع وعشرون من أصحاب(1/286)
النبي صلى الله عليه وسلم: أن عليا رضي الله عنه ولي قتلهم. قال: فرأيت أبا سعيد بعدما كبر ويداه ترتعش يقول: قتالهم أحل عندي من قتال عدتهم من الترك.
رواه الإمام أحمد، وإسناده حسن.
وظاهر هذا الحديث يدل على أن أبا سعيد رضي الله عنه لم يشهد قتال الخوارج، والصحيح أنه قد شهد قتالهم؛ لما رواه الإمام أحمد والشيخان عن أبي سعيد رضي الله عنه: أنه قال: "أشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه......" الحديث، وقد تقدم ذكره، وهو مقدم على ما في هذه الرواية، ويحتمل أن يكون المراد بتحديث العشرين أو البضع والعشرين أنهم شهدوا عند أبي سعيد رضي الله عنه بمثل ما شهد به هو من قتال علي رضي الله عنه للخوارج، وحينئذ فلا منافاة بين الروايتين. والله أعلم.
وعن قتادة عن أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « سيكون في أمتي اختلاف وفرقة؛ قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ثم لا يرجعون حتى يرتد السهم على فوقه، هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم. قالوا: يا رسول الله ! ما سيماهم ؟ قال: "التحليق » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والحاكم في "مستدركه"، وهذا لفظ أحمد . وصححه الحاكم عن أنس رضي الله عنه، وقال: "على شرط الشيخين".
قال المنذري : "قتادة لم يسمع من أبي سعيد وسمع من أنس بن مالك . وقال الحاكم : لم يسمع هذا الحديث قتادة من أبي سعيد الخدري، إنما سمعه(1/287)
من أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد . ثم ساق بإسناده عن قتادة عن على الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « مثلهم مثل رجل يرمي رمية، فيتوخى السهم حيث وقع، فأخذه، فنظر إلى فوقه فلم ير به دسمًا ولا دمًا، ثم نظر إلى ريشه فلم ير به دسمًا ولا دمًا، ثم نظر إلى نصله فلم ير به دسمًا ولا دمًا » ؛ كما لم يتعلق به شيء من الدسم والدم كذلك لم يتعلق هؤلاء بشيء من الإسلام".
ورواه الحاكم أيضا من حديث أنس وحده بنحو ما تقدم عنه وعن أبي سعيد، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "، وأقره الذهبي في "تلخيصه".
ورواه أبو داود في "سننه" عن الحسن بن علي (يعني: الحلواني ) عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه (أي: نحو ما تقدم عن أبي سعيد وأنس رضي الله عنهما)، وقال: « سيماهم التحليق والتسبيد، فإذا رأيتموهم فأنيموهم » .
إسناده صحيح على شرط الشيخين.
ورواه ابن ماجه عن بكر بن خلف أبي بشر عن عبد الرزاق بنحوه مختصرا ولفظه: قال: « يخرج قوم في آخر الزمان (أو: في هذه الأمة)؛ يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم (أو: حلوقهم)، سيماهم التحليق، إذا رأيتموهم (أو: إذا لقيتموهم)؛ فاقتلوهم » .
إسناده صحيح.
ورواه الحاكم من طريق هشام بن يوسف الصنعاني عن معمر عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، وسيجيء قوم يعجبونكم وتعجبهم أنفسهم، الذين يقتلونهم أولى بالله منهم، »(1/288)
« يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يدعون إلى الله وليسوا من الله في شيء، فإذا لقيتموهم؛ فأنيموهم . قالوا: يا رسول الله ! انعتهم لنا. قال: "آيتهم الحلق والتسبيت » ؛ يعني: استئصال التقصير. قال: والتسبيت استئصال الشعر.
قال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن مقسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل؛ قال: خرجت أنا وتليد ابن كلاب الليثي حتى أتينا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وهو يطوف بالبيت معلقا نعليه بيده، فقلنا له: هل حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم حنين ؟ قال: نعم؛ « أقبل رجل من بني تميم، يقال له: ذو الخويصرة، فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعطي الناس؛ قال: يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أجل؛ فكيف رأيت ؟". قال: لم أرك عدلت. قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "ويحك ! إن لم يكن العدل عندي؛ فعند من يكون ؟ !". فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله ! ألا نقتله ؟ قال: "لا؛ فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية؛ ينظر في النصل فلا يوجد شيء، ثم في القدح؛ فلا يوجد شيء، ثم في الفوق؛ فلا يوجد شيء، سبق الفرث والدم » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني باختصار. قال الهيثمي : "ورجال أحمد ثقات".
وعن عقبة بن وساج؛ قال: كان صاحب لي يحدثني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في شأن الخوارج، فحججت، فلقيت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، فقلت: إنك بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جعل الله(1/289)
عندك علما، إن ناسا يطعنون على أمرائهم ويشهدون عليهم بالضلالة ؟ قال: على أولئك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، « أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسقاية من ذهب أو فضة، فجعل يقسمها بين أصحابه، فقام رجل من أهل البادية، فقال: يا محمد ! لئن كان الله أمرك بالعدل؛ فلم تعدل. فقال: "ويلك ! فمن يعدل عليكم بعدي ؟ !". فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في أمتي أشباه هذا؛ يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، فإن خرجوا فاقتلوهم، ثم إن خرجوا فاقتلوهم (قال ذلك ثلاثًا) » .
رواه البزار . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
وعن شريك بن شهاب؛ قال: كنت أتمنى أن ألقى رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثني عن الخوارج، فلقيت أبا برزة رضي الله عنه في يوم عرفة في نفر من أصحابه، فقلت: يا أبا برزة ! حدثنا بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله في الخوارج. قال: أحدثك بما سمعت أذناني ورأت عيناي: « أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنانير، فكان يقسمها، وعنده رجل أسود مطموم الشعر، عليه ثوبان أبيضان، بين عينيه أثر السجود، فتعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه من قبل وجهه؛ فلم يعطه شيئًا، فأتاه من قبل يمينه؛ فلم يعطه شيئًا، ثم أتاه من خلفه؛ فلم يعطه شيئًا، فقال: والله يا محمد ما عدلت في القسمة منذ اليوم. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا، ثم قال: "والله لا تجدون بعدي أحدًا أعدل عليكم مني" قالها ثلاثًا، ثم قال: "يخرج من قبل المشرق رجال، كأن هذا منهم، هديهم هكذا؛ يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لا يرجعون إليه (ووضع يده على صدره)، سيماهم التحليق، لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم، فإذا رأيتموهم فاقتلوهم (قالها ثلاثًا)؛ شر الخلق والخليقة (قالها ثلاثًا) » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والنسائي، والحاكم في(1/290)
"مستدركه"، وهذا لفظ أحمد، وفي رواية له: « لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال » . ورواه: أبو داود الطيالسي، والنسائي؛ بنحوه.
فيه الأزرق بن قيس : قال الهيثمي : "وثقه ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح". وقال الحاكم : "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي في "تلخيصه".
وعن عامر بن واثلة رضي الله عنه؛ قال: « لما كان يوم حنين أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل مجزوز الرأس (أو: محلوق الرأس)؛ قال: ما عدلت. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فمن يعدل إذا لم أعدل أنا ؟ !" قال: فغفل عن الرجل، فذهب، فقال: "أين الرجل ؟ ". فطلب، فلم يدرك، فقال: "إنه سيخرج في أمتي قوم سيماهم سيما هذا، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في قدحه فلم ير شيئًا، ينظر في رصافه فلم ير شيئًا، ينظر في فوقه فلم ير شيئًا" » . رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن شهر بن حوشب؛ قال: لما جاءتنا بيعة يزيد بن معاوية قدمت الشام، فأخبرت بمقام يقومه نوف فجئته؛ إذ جاء رجل فاشتد الناس، عليه خميصة، وإذا هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، فلما رآه نوف؛ أمسك عن الحديث، فقال عبد الله : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إنها ستكون هجرة بعد هجرة، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم ، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم، تقذرهم نفس الله، تحشرهم النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل من تخلف » .
قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « سيخرج أناس من أمتي من قبل المشرق؛ يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج منهم قرن قطع، كلما خرج منهم قرن قطع، (حتى عدها زيادة على عشر مرات: كلما خرج منهم قرن قطع)، »(1/291)
« حتى يخرج الدجال في بقيتهم » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "وشهر ثقة، وفيه كلام لا يضر، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وقد رواه: أبو داود الطيالسي في "مسنده"، والحاكم في "مستدركه"، وأبو نعيم في "الحلية"؛ بنحوه. وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وروى أبو داود في "سننه" طرفا من أوله.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يخرج من أمتي قوم يسيئون الأعمال، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يحقر أحدكم عمله مع عملهم، يقتلون أهل الإسلام، فإذا خرجوا فاقتلوهم؛ فطوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه، كلما طلع منهم قرن قطعه الله، كلما طلع منهم قرن قطعه الله، كلما طلع منهم قرن قطعه الله (فردد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين مرة أو أكثر وأنا أسمع) » .
رواه الإمام أحمد بهذا اللفظ، وإسناده ضعيف.
وقد رواه ابن ماجه بإسناد صحيح على شرط البخاري، ولفظه: قال: « ينشأ نشء، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج قرن قطع (قال ابن عمر رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلما خرج قرن قطع؛ أكثر من عشرين مرة)، حتى يخرج في عراضهم الدجال » .
وعن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن بعدي من أمتي (أو: سيكون بعدي من أمتي) قوم يقرؤون القرآن؛ لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، »(1/292)
« ثم لا يعودون فيه، وهم شر الخلق والخليقة » . فقال ابن الصامت : فلقيت رافع بن عمرو الغفاري أخا الحكم الغفاري . قلت: ما حديث سمعته من أبي ذر كذا وكذا (فذكرت له هذا الحديث) ؟ فقال: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يخرج قوم في آخر الزمان: سفهاء الأحلام، أحداث (أو حدثاء) الأسنان، يقولون من خير قول الناس، يقرؤون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فمن أدركهم فليقتلهم؛ فإن في قتلهم أجرًا عظيمًا عند الله لمن قتلهم » .
رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي : " هذا حديث حسن صحيح".
وعن سويد بن غفلة؛ قال: قال علي رضي الله عنه: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أقول عليه ما لم يقل، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « سيخرج في آخر الزمان قوم: أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني، والنسائي .
وعن سويد بن غفلة أيضا عن علي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يكون في آخر الزمن قوم: يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من »(1/293)
« الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، قتالهم حق على كل مسلم » .
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط الشيخين، ورواه النسائي في "خصائص علي رضي الله عنه " بنحوه، وزاد في رواية: « سيماهم التحليق » .
وعن زيد بن وهب الجهني : أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي رضي الله عنه الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي رضي الله عنه: أيها الناس ! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم؛ لاتكلوا على العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلًا له عضد وليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض » . فذكر الحديث في قتلهم الخوارج؛ قال: وقتل بعضهم على بعض، وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان، فقال علي رضي الله عنه: التمسوا فيهم المخدج. فالتمسوه فلم يجدوه. فقام علي رضي الله عنه بنفسه، حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض، قال: أخروهم، فوجدوه مما يلي الأرض، فكبر ثم قال: صدق الله وبلغ رسوله. قال: فقام إليه عبيدة السلماني، فقال: يا أمير المؤمنين ! آلله الذي لا إله إلا هو؛ لسمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: إي والله الذي لا إله إلا هو. حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له.
رواه: مسلم، وأبو داود، والنسائي في "خصائص علي رضي الله عنه "، وعبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند" وروايته مختصرة ورواه أيضا في كتاب "السنة" مطولا بنحو رواية مسلم، وأبي داود .(1/294)
وعن محمد بن سيرين عن عبيدة : عن علي رضي الله عنه: "أنه ذكر الخوارج، فقال: فيهم رجل مخدج اليد (أو: مودن اليد، أو: مثدون اليد)، لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم. قال: قلت: آنت سمعته من محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال: إي ورب الكعبة، إي ورب الكعبة، إي ورب الكعبة".
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم، وابن ماجه، وعبد الله ابن الإمام أحمد، والنسائي في "خصائص علي رضي الله عنه ".
قال وكيع : " (مودن اليد): ناقص اليد، و (المخدج): ضامره، و (مثدون اليد): فيها شعرات زائدة".
رواه عنه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
وقال ابن الأثير : " (مثدون اليد)؛ أي: صغير اليد مجتمعها، و (المثدن) و (المثدون): الناقص الخلق".
وعن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الحرورية لما خرجت وهو مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ قالوا: لا حكم إلا لله. قال علي رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء، يقولون الحق بألسنتهم، لا يجوز هذا منهم (وأشار إلى حلقه)، من أبغض خلق الله إليه، منهم أسود، إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي. فلما قتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ قال: انظروا. فنظروا، فلم يجدوا شيئا. فقال: ارجعوا، فوالله ما كذبت ولا كذبت (مرتين أو ثلاثا). ثم وجدوه في خربة، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه". قال عبيد الله : وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي فيهم.
رواه: مسلم، والنسائي في "خصائص علي رضي الله عنه "، وأبو بكر(1/295)
الآجري في كتاب "الشريعة".
وزاد مسلم في رواية عن ابن حنين : أنه قال: "رأيت ذلك الأسود".
وعن أبي كثير مولى الأنصار؛ قال: "كنت مع سيدي مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قتل أهل النهروان، فكأن الناس وجدوا في أنفسهم من قتلهم، فقال علي رضي الله عنه: يا أيها الناس ! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدثنا بأقوام يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون فيه أبدا حتى يرجع السهم على فوقه، وإن آية ذلك أن فيهم رجلا أسود مخدج اليد، إحدى يديه كثدي المرأة، لها حلمة كحلمة ثدي المرأة، حوله سبع هلبات؛ فالتمسوه؛ فإني أراه فيهم، فالتمسوه، فوجدوه إلى شفير النهر تحت القتلى، فأخرجوه، فكبر علي رضي الله عنه، فقال: الله أكبر ! صدق الله ورسوله. وإنه لمتقلد قوسا له عربية، فأخذها بيده، فجعل يطعن بها في مخدجته، ويقول: صدق الله ورسوله. وكبر الناس حين رأوه واستبشروا، وذهب عنهم ما كانوا يجدون".
رواه الإمام أحمد .
وعن طارق بن زياد؛ قال: خرجنا مع علي رضي الله عنه إلى الخوارج، فقتلهم، ثم قال: انظروا؛ فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: « إنه سيخرج قوم يتكلمون بالحق، لا يجوز حلوقهم، يخرجون من الحق كما يخرج السهم من الرمية، سيماهم أن منهم رجلًا أسود مخدج اليد، في يده شعرات سود » ، إن كان هو فقد قتلتم شر الناس، وإن لم يكن هو فقد قتلتم خير الناس، فبكينا، ثم قال: اطلبوا. فطلبنا، فوجدنا المخدج، فخررنا سجودا، وخر علي رضي الله عنه معنا ساجدا.
رواه: الإمام أحمد، والنسائي في "خصائص علي رضي الله عنه ".(1/296)
وعن أبي جحيفة رضي الله عنه؛ قال: "قال علي رضي الله عنه حين فرغ من الحرورية: إن فيهم رجلا مخدج اليد، ليس على عضده عظم، في عضده حلمة كحلمة الثدي، عليها شعرات طوال عقف، فالتمس، فلم يوجد. قال: وأنا فيمن يلتمس، فما رأيت عليا رضي الله عنه جزع قط أشد من جزعه يومئذ. قالوا: ما نجده يا أمير المؤمنين ! قال: ما اسم هذا المكان ؟ قالوا: النهروان. قال: كذبتم؛ إنه لفيهم فالتمسوه. قال: فثورنا القتلى فلم نجده، فعدنا إليه فقلنا: يا أمير المؤمنين ! ما نجده. قال: ما اسم هذا المكان ؟ قلنا: النهروان. قال: صدق الله ورسوله وكذبتم؛ إنه لفيهم فالتمسوه. فالتمسناه، فوجدناه في ساقية، فجئنا به، فنظرت إلى عضده ليس فيها عظم وعليها كحلمة ثدي المرأة عليها شعرات طوال عقف".
رواه: عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة"، والخطيب البغدادي في "تاريخه".
وعن أبي الوضيء (واسمه عباد بن نسيب )؛ قال: "شهدت عليا حيث قتل أهل النهروان؛ قال: التمسوا لي المخدج. فطلبوه في القتلى، فقالوا: ليس نجده. فقال: ارجعوا فالتمسوا، فوالله ما كذبت ولا كذبت. فرجعوا فطلبوه، فردد ذلك مرارا، كل ذلك يحلف بالله ما كذبت ولا كذبت، فانطلقوا فوجدوه تحت القتلى في طين، فاستخرجوه، فجيء به". فقال أبو الوضيء : "فكأني أنظر إليه؛ حبشي عليه ثدي، قد طبق إحدى يديه مثل ثدي المرأة، عليها شعرات مثل شعرات تكون على ذنب اليربوع".
رواه: أبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني، وعبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند"؛ بأسانيد صحيحة.
وفي رواية لعبد الله : "قال علي رضي الله عنه: لا يأتيكم أحد يخبركم(1/297)
من أبوه. فجعل الناس يقولون: هذا مالك، هذا مالك. يقول علي رضي الله عنه: ابن من هو ؟ ".
وفي رواية له أخرى: "قال علي رضي الله عنه: أما إن خليلي أخبرني بثلاثة إخوة من الجن، هذا أكبرهم، والثاني له جمع كثير، والثالث فيه ضعف".
قال الهيثمي : "رجاله ثقات".
وقد رواه الحاكم في "مستدركه"، وساق هذه الروايات مساقا واحدا، وذكر قصة مجيء ذي الثدية إلى الكوفة، فقال بعد قوله: "فجعل الناس يقولون: هذا مالك، هذا مالك": "يقول علي رضي الله عنه: ابن من هو ؟ يقولون: لا ندري ؟ فجاء رجل من أهل الكوفة، فقال: أنا أعلم الناس بهذا، كنت أروض مهرة لفلان ابن فلان ، شيخ من بني فلان، وأضع على ظهرها جوالق سهلة أقبل بها وأدبر؛ إذ نفرت المهرة، فناداني، فقال: يا غلام ! انظر؛ فإن المهرة قد نفرت. فقلت: إني لأرى خيالا كأنه غراب أو شاة. إذ أشرف هذا علينا، فقال: من الرجل ؟ فقال : رجل من أهل اليمامة. قال: وما جاء بك شعثا شاحبا ؟ قال: جئت أعبد الله في مصلى الكوفة. فأخذ بيده، ما لنا رابع إلا الله، حتى انطلق به إلى البيت، فقال لامرأته: إن الله تعالى قد ساق إليك خيرا. قالت: والله إني إليه لفقيرة؛ فما ذلك ؟ قال: هذا رجل شعث شاحب كما ترين، جاء من اليمامة ليعبد الله في مصلى الكوفة، فكان يعبد الله فيه ويدعو الناس، حتى اجتمع الناس إليه. فقال علي رضي الله عنه: أما إن خليلي صلى الله عليه وسلم أخبرني أنهم ثلاثة إخوة من الجن: هذا أكبرهم، والثاني له جمع كثير، والثالث فيه ضعف".
قال الحاكم : "صحيح الإسناد"، وأقره الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال: « حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو يقسم........(فذكر الحديث إلى أن قال: ) "علامتهم رجل يده كثدي المرأة، »(1/298)
« كالبضعة تدردر، فيها شعرات، كأنها سبلة سبع » . قال أبو سعيد رضي الله عنه: فحضرت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وحضرت مع علي رضي الله عنه قتلهم بنهروان. قال: فالتمسه علي رضي الله عنه، فلم يجده. قال: ثم وجده بعد ذلك تحت جدار على هذا النعت، فقال علي رضي الله عنه: أيكم يعرف هذا ؟ فقال رجل من القوم: نحن نعرفه، هذا حرقوص، وأمه هاهنا. قال: فأرسل علي رضي الله عنه إلى أمه، فقال: من هذا ؟ فقالت: ما أدري يا أمير المؤمنين، إلا أني كنت أرعى غنما لي في الجاهلية بالربذة، فغشيني شيء كهيئة الظلمة، فحملت منه، فولدت هذا.
رواه أبو يعلى . قال الهيثمي : "وفيه أبو معشر نجيح، وهو ضعيف يكتب حديثه".
قلت: وحديث أبي الوضيء يشهد له ويقويه.
وعن أبي مريم (وهو قيس الثقفي المدائني )؛ قال: حدثنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن قومًا يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، علامتهم رجل مخدج اليد » .
رواه: أبو داود الطيالسي، وعبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند" وهذا لفظه، ورواتهما ثقات.
وعنه أيضا؛ قال: "إن كان ذلك المخدج لمعنا يومئذ في المسجد، نجالسه بالليل والنهار، وكان فقيرا، ورأيته مع المساكين يشهد طعام علي رضي الله عنه مع الناس، وقد كسوته برنسا لي". قال أبو مريم : "وكان المخدج يسمى نافعا، ذا الثدية، وكان في يده مثل ثدي المرأة، على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي، وعليه شعيرات مثل سبالة السنور".(1/299)
رواه أبو داود .
وعن عاصم بن كليب عن أبيه؛ قال: كنت جالسا عند علي رضي الله عنه، فقال: إني دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عنده أحد إلا عائشة، فقال: « " يابن أبي طالب ! كيف أنت وقوم كذا وكذا ؟". قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "قوم يخرجون من المشرق؛ يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فيهم رجل مخدج اليد كأن يديه ثدي حبشية » .
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند"، وفي "كتاب السنة"، وإسناده جيد.
ورواه: أبو يعلى بزيادة فيه، والبزار بنحوه، ولفظ أبي يعلى : قال: كنت جالسا عند علي رضي الله عنه وهو في بعض أمر الناس؛ إذ جاءه رجل عليه ثياب السفر، فقال: يا أمير المؤمنين ! فشغل عليا رضي الله عنه ما كان فيه من أمر الناس. فقال كليب : قلت: ما شأنك ؟ فقال: كنت حاجا أو معتمرا (قال: لا أدري أي ذلك). قال: فمررت على عائشة رضي الله عنها، فقالت: من هؤلاء القوم الذين خرجوا قبلكم يقال لهم: الحرورية ؟ قال: فقلت: في مكان يقال له: حروراء، فسموا بذلك: الحرورية. فقالت: طوبى لمن شهد هلكتهم، أما والله لو شاء ابن أبي طالب لأخبركم، فمن ثم جئت أسأل عن ذلك ؟ قال: وفرغ علي رضي الله عنه، فقال: أين المستأذن ؟ فقام فقص عليه مثل ما قص علي. قال: فأهل علي رضي الله عنه ثلاثا، ثم قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عنده أحد إلا عائشة . قال: فقال لي: « يا علي ! كيف أنت وقوم يخرجون بمكان كذا وكذا (وأومأ بيده نحو المشرق )؛ يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم (أو تراقيهم)، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فيهم »(1/300)
« رجل مخدج اليد، كأن يده ثدي حبشية » . ثم قال: نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو أحدثتكم أنه فيهم ؟ قالوا: نعم. فذهبتم، فالتمستموه، ثم جئتم به تسحبونه كما نعت لكم. قال: ثم قال: صدق الله ورسوله (ثلاث مرات).
قال الهيثمي : "رجاله ثقات".
وقد رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة" بنحوه، ورواته ثقات.
وعن علي رضي الله عنه: أنه قال: "لقد علم أولو العلم من آل محمد وعائشة بنت أبي بكر - فاسألوها - أن أصحاب ذي الثدية ملعونون على لسان النبي الأمي صلى الله عليه وسلم (وفي رواية: أن أصحاب النهروان) ".
رواه الطبراني في "الصغير" و "الأوسط" بإسنادين. قال الهيثمي : "ورجال أحدهما ثقات".
وعن يزيد بن أبي زياد؛ قال: "سألت سعيد بن جبير عن أصحاب النهر ؟ فقال: حدثني مسروق؛ قال: سألتني عائشة رضي الله عنها، فقالت: أبصرت أنت الرجل الذي يذكرون ذا الثدية ؟ قلت: لم أره، ولكن قد شهد عندي من قد رآه. قالت: فإذا قدمت الأرض فاكتب إلي شهادة نفر قد رأوه أمناء، فجئت والناس أسباع، فكلمت من كل سبع عشرة ممن قد رآه، فقلت: كل هؤلاء عدول. فقالت: قاتل الله فلانا؛ فإنه كتب إلي أنه أصابه بمصر".
قال يزيد : وحدثني من سمع عائشة رضي الله عنها تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إنهم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي » ، وما كان بيني وبينه إلا ما كان بين المرأة وأحمائها.
رواه أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة"، ورواه البيهقي في "دلائل(1/301)
النبوة" من طريق عامر الشعبي عن مسروق........(فذكره بنحوه)، وفي آخره أن عائشة رضي الله عنها بكت، فلما سكنت عبرتها؛ قالت: "رحم الله عليا؛ لقد كان على الحق، وما كان بيني وبينه إلا كما يكون بين المرأة وأحمائها".
وعن سعد بن أبي وقاص : « أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر (يعني: ذا الثدية الذي يوجد مع أهل النهروان)، فقال: "شيطان الردهة، يحتدره رجل من بجيلة؛ يقال له: الأشهب (أو ابن الأشهب)، علامة في قوم ظلمة » . قال سفيان : قال عمار الدهني حين حدث: جاء به رجل منا من بجيلة، فقال: أراه من دهن، يقال له: الأشهب (أو ابن الأشهب).
رواه: الإمام أحمد، وابن أبي شيبة مختصرا، ويعقوب بن سفيان، وأبو يعلى، والبزار . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
« وعن يسير بن عمرو؛ قال: قلت لسهل بن حنيف رضي الله عنه: هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الخوارج شيئًا ؟ قال: سمعته يقول (وأهوى بيده قبل العراق ): "يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، والنسائي، وهذا لفظ البخاري، وفي رواية لأحمد ومسلم : قال: « يتيه قوم قبل المشرق، محلقة رؤوسهم » .
وعن أنس رضي الله عنه؛ قال: ذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - ولم أسمعه منه -: « إن فيكم قومًا، يتعبدون فيدأبون حتى يعجب بهم الناس وتعجبهم أنفسهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
وعن مسلم بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله(1/302)
صلى الله عليه وسلم: « سيخرج قوم أحداث، أحداء، أشداء، ذليقة ألسنتهم بالقرآن، يقرؤونه لا يجاوز تراقيهم، فإذا لقيتموهم فأنيموهم، ثم إذا لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإنه يؤجر قاتلهم » .
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم، ورواه الطبراني والبزار والحاكم بنحوه، وقال الحاكم : "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي غالب؛ قال: رأى أبو أمامة رضي الله عنه رؤوسا منصوبة على درج مسجد دمشق، فقال: « كلاب النار، شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه (ثم قرأ: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } إلى آخر الآية) » . قلت لأبي أمامة : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: لو لم أسمعه إلا مرة، أو مرتين، أو ثلاثا، أو أربعا (حتى عد سبعا)؛ ما حدثتكموه.
رواه: الإمام أحمد، والترمذي وقال: "هذا حديث حسن ".
ورواه ابن ماجه، ولفظه: قال: « شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء، وخير قتيل من قتلوا، كلاب أهل النار، قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفارًا » . قلت: يا أبا أمامة ! هذا شيء تقوله ؟ قال: بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية لأحمد عن أبي غالب؛ قال: لما أتي برؤوس الأزارقة، فنصبت على درج دمشق؛ جاء أبو أمامة رضي الله عنه، فلما رآهم؛ دمعت عيناه، فقال: « كلاب النار (ثلاث مرات)، هؤلاء شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء، وخير قتلى قتلوا تحت أديم السماء الذين قتلهم هؤلاء » . قال: فقلت: فما شأنك دمعت عيناك ؟ قال: رحمة لهم؛ إنهم كانوا من أهل الإسلام. قال: قلنا: أبرأيك قلت: هؤلاء كلاب النار ، أو شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: إني لجريء ! بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا ثنتين ولا ثلاث. قال: فعد مرارا.(1/303)
ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" مختصرا، ورواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة" من طرق عن أبي غالب عن أبي أمامة رضي الله عنه.
ورواه الطبراني في "الصغير" من طريق الوليد بن مسلم: حدثنا خليد بن دعلج : حدثنا أبو غالب؛ قال: "جيء برؤوس الخوارج، فنصبت على درج مسجد دمشق، فجعل الناس ينظرون إليها وخرجت أنا أنظر إليها، فجاء أبو أمامة رضي الله عنه على حمار وعليه قميص سنبلاني، فنظر إليهم، فقال: ما صنع الشيطان بهذه الأمة (يقولها ثلاثا) ؟ شر قتلى تحت ظل السماء هؤلاء، خير قتلى تحت ظل السماء من قتله هؤلاء، كلاب النار (يقولها ثلاثا)، ثم بكى، ثم انصرف. قال أبو غالب : فاتبعته، فقلت: سمعتك تقول قولا قبل، أفأنت قلته ؟ فقال: سبحان الله ! إني إذا لجريء ! بل سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا. فقلت له: رأيتك بكيت ، فقال: رحمة لهم، كانوا من أهل الإسلام مرة. ثم قال لي: أما تقرأ ؟ قلت: بلى. قال: فاقرأ من آل عمران. فقرأت، فقال: أما تسمع قول الله عز وجل: { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } ؟ كان في قلوب هؤلاء زيغ فزيغ بهم. اقرأ رأس المائة. فقرأت، حتى إذا بلغت: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } ، فقلت: يا أبا أمامة ! أهم هؤلاء ؟ قال: نعم؛ هم هؤلاء ".
وقد رواه الإمام أحمد من وجه آخر، فقال: حدثنا أبو سعيد (يعني: مولى بني هاشم ): حدثنا عبد الله بن بحير : حدثنا سيار؛ قال: جيء برؤوس من قبل العراق، فنصبت عند باب المسجد، وجاء أبو أمامة رضي الله عنه....(فذكر الحديث بنحو ما تقدم في حديث أبي غالب).
ورواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة" من وجه آخر، فقال: حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب : حدثنا عمر بن يونس الحنفي : حدثنا عكرمة بن(1/304)
عمار : حدثنا شداد بن عبد الله؛ قال: "وقف أبو أمامة وأنا معه على رؤوس الحرورية بالشام (فذكر نحو ما تقدم في حديث أبي غالب ، وفيه: ) فقال له رجل: رأيتك دمعت عيناك ، فقال: رحمة رحمتهم، كانوا مؤمنين فكفروا بعد إيمانهم، ثم قرأ هذه الآية: { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } ........... الآية ".
إسناده صحيح على شرط مسلم .
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" من حديث عكرمة بن عمار، فذكره بنحوه، وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه عبد الله أيضا من وجه آخر، فقال: حدثنا أبي: حدثنا أنس بن عياض (وهو أبو ضمرة المدني )؛ قال: سمعت صفوان بن سليم يقول: "دخل أبو أمامة الباهلي دمشق، فرأى رؤوس الحرورية ....... (فذكر نحو ما تقدم، وفيه: ) قال: أبكي لخروجهم من الإسلام، هؤلاء الذين تفرقوا واتخذوا دينهم شيعا".
إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وعن أبي غالب عن أبي أمامة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الخوارج كلاب النار » .
رواه الطبراني.
وعن سعيد بن جهمان؛ قال: "أتيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصر، فسلمت عليه، قال لي: من أنت ؟ فقلت: أنا سعيد بن جهمان . قال:(1/305)
فما فعل والدك ؟ قال: قلت: قتلته الأزارقة. قال: لعن الله الأزارقة، لعن الله الأزارقة، « حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كلاب النار » . قال: قلت: الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها ؟ قال: بل الخوارج كلها".
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وإسناده جيد.
وفي رواية لأحمد بن سعيد بن جُهْمَان؛ قال: "كنا نقاتل الخوارج وفينا عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه... (فذكر الحديث وفيه: ) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « طوبى لمن قتلهم وقتلوه » .
إسناده جيد.
وعن الأعمش عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « الخوارج هم كلاب النار » .
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، وأبو بكر الآجري، وأبو نعيم في "الحلية".
باب
ما جاء في الروافض والنواصب
أما الروافض فهم الذين أفرطوا في حب علي رضي الله عنه وحب أهل بيته، وزعموا أنهم شيعة أهل البيت، وليسوا كذلك، وسموا رافضة لرفضهم زيد بن علي بن الحسين لما ترحم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقيل: لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. ذكره أبو الحسن الأشعري في كتاب "المقالات".
وقد حدثت بدعتهم في خلافة علي رضي الله عنه بعد بدعة الخوارج.(1/306)
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: " أول بدعة حدثت في الإسلام بدعة الخوارج والشيعة، حدثتا في أثناء خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فعاقب الطائفتين: أما الخوارج فقاتلوه فقتلهم، وأما الشيعة فحرق غاليتهم بالنار، وطلب قتل عبد الله بن سبأ، فهرب منه، وأمر بجلد من يفضله على أبي بكر وعمر ".
وقال الشيخ أيضا في موضع آخر: " ابن سبأ هو أول من ابتدع الرفض، وكان منافقا زنديقا، أراد إفساد دين الإسلام كما فعل بولص صاحب الرسائل التي بأيدي النصارى، حيث ابتدع لهم بدعا أفسد بها دينهم، وكان يهوديا فأظهر النصرانية نفاقا لقصد إفساد ملتهم، وكذلك كان ابن سبأ يهوديا فقصد ذلك وسعى في الفتنة، فلم يتمكن، لكن حصل بين المؤمنين تحريش وفتنة، فقتل فيها عثمان بن عفان رضي الله عنه، وتبع ابن سبأ جماعات على بدعته وضلالته، وقال هؤلاء: إن عليا رضي الله عنه لم يمت، وإنما الذي قتله عبد الرحمن بن ملجم شيطان، وأما علي ففي السحاب، والرعد صوته، والبرق سوطه، وأنه ينزل إلى الأرض ويملأها عدلا، ويقولون عند الرعد: عليك السلام يا أمير المؤمنين".
وقال الشيخ أيضا في موضع آخر: "لما حدثت بدع الشيعة في خلافة علي رضي الله عنه؛ ردها، وكانت ثلاث طوائف: غالية، وسبابة، ومفضلة: فأما الغالية فإنه حرقهم بالنار؛ فإنه خرج ذات يوم من باب كندة، فسجد له أقوام، فقال: ما هذا ؟ فقالوا: أنت هو الله ! فاستتابهم ثلاثا فلم يرجعوا، فأمر في اليوم الثالث بأخاديد فخدت، وأضرم فيها النار ثم قذفهم فيها. وأما السبابة؛ فإنه لما بلغه أن ابن سبأ يسب أبا بكر وعمر طلب قتله، فهرب إلى قرقيسيا. وأما المفضلة؛ فقال: لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر؛ إلا جلدته حد المفتري". انتهى.(1/307)
وقد قال عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند": حدثنا عثمان بن أبي شيبة : حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة؛ قال: "قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما: إن الشيعة يزعمون أن عليا يرجع ! قال: كذب؛ أولئك الكذابون، لو علمنا ذاك ما تزوج نساؤه، ولا قسمنا ميراثه".
إسناده جيد.
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" من طريق زهير بن معاوية؛ قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن عمرو بن الأصم؛ قال: "قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما: إن هذه الشيعة يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة ! قال: كذبوا والله؛ ما هؤلاء بشيعته، لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه ولا اقتسمنا ماله".
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد : حدثنا جرير عن حصين بن عبد الرحمن عن عمران بن الحارث؛ قال: "بينما نحن عند ابن عباس رضي الله عنهما؛ إذ جاءه رجل، فقال له: من أين جئت ؟ قال: من العراق. قال: من أيه ؟ قال: من الكوفة. قال: فما الخبر ؟ قال: تركتهم يتحدثون أن عليا رضي الله عنه خارج إليهم، ففزع، ثم قال: ما تقول لا أبا لك ؟ ! لو شعرنا ما أنكحنا نساءه ولا قسمنا ميراثه".
ورواه الحاكم في "مستدركه" من حديث جرير به، وقال الذهبي في "تلخيصه": "صحيح".
وأما النواصب : فهم الذين أفرطوا في بغض علي رضي الله عنه .
قال ابن منظور في "لسان العرب": "النواصب: قوم يتدينون ببغضة علي رضي الله عنه ".
وقال صاحب القاموس: "النواصب، والناصبية، وأهل النصب:(1/308)
المتدينون ببغضة علي رضي الله عنه؛ لأنهم نصبوا له؛ أي: عادوه". انتهى.
وعن ربيعة بن ناجذ عن علي رضي الله عنه؛ قال: دعاني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « يا علي ! إن لك من عيسى مثلًا: أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به » .
رواه: البخاري في "التاريخ الكبير"، والنسائي في "خصائص علي "، وعبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند" وفي كتاب "السنة" وزاد: " ألا وإنه يهلك في اثنان: محب مفرط يقرظني بما ليس في، ومبغض مفتر يحمله شنآني على أن يبهتني، ألا إني لست بنبي، ولا يوحى إلي، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما استطعت، فما أمرتكم به من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم"، ورواه الحاكم في "مستدركه" وزاد: "وما أمرتكم بمعصية أنا وغيري فلا طاعة لأحد في معصية الله عز وجل، إنما الطاعة في المعروف".
وعن زاذان عن علي رضي الله عنه؛ قال: "مثلي في هذه الأمة كمثل عيسى ابن مريم : أحبته طائفة فأفرطت في حبه فهلكت، وأبغضته طائفة فأفرطت في بغضه فهلكت، وأحبته طائفة فاقتصرت في حبه فنجت".
ذكره عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
وعن أبي البختري أو عبد الله بن سلمة؛ قال: قال علي رضي الله عنه: "يهلك في رجلان: محب مفرط، ومبغض مفتر".
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
وعن أبي السوار؛ قال: قال علي رضي الله عنه: "ليحبني قوم حتى يدخلوا النار في حبي، وليبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بغضي".(1/309)
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
وعن أبي مريم؛ قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: "يهلك في رجلان: مفرط غال، ومبغض قال".
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
وعن أبي جحيفة رضي الله عنه؛ قال: سمعت عليا رضي الله عنه على المنبر يقول: "هلك في رجلان: محب غال، ومبغض غال".
رواه أحمد بن منيع . قال في "كنز العمال": "ورواته ثقات".
وعن الشعبي؛ قال: لقيت علقمة، فقال: "أتدري ما مثل علي في هذه الأمة ؟ قال: قلت: وما مثله ؟ قال: مثل ابن مريم ، أحبه قوم حتى هلكوا في حبه، وأبغضه قوم حتى هلكوا في بغضه".
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
وعن الشعبي أيضا عن علقمة؛ قال: "لقد غلت هذه الشيعة في علي كما غلت النصارى في عيسى ابن مريم ". وكان الشعبي يقول: لقد بغضوا إلينا حديث علي .
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
وعن علي رضي الله عنه؛ قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: « إن قومًا لهم نبز، يقال لهم: الرافضة، إن أدركتهم فاقتلهم؛ فإنهم مشركون » . قال علي رضي الله عنه: ينتحلون حبنا أهل البيت وليسوا كذلك، وآية ذلك أنهم يشتمون أبا بكر وعمر .
رواه: عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة"، ورواه اللالكائي في "السنة" بنحوه، وروى ابن أبي عاصم في "السنة" وابن شاهين المرفوع منه(1/310)
بنحوه، وزادا: « قلت: يا نبي الله ! ما العلامة فيهم ؟ قال: "يقرظونك بما ليس فيك، ويطعنون على أصحابي ويشتمونهم » .
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يظهر في أمتي في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة، يرفضون الإسلام » .
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند" وفي كتاب "السنة"، ورواه البخاري في "التاريخ الكبير"، ولفظه: « يكون قوم نبزهم الرافضة، يرفضون الدين » ، وفي رواية لعبد الله ابن الإمام أحمد: « يجيء قوم قبل قيام الساعة يسمون الرافضة، برآء من الإسلام » .
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: " تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، شرها فرقة تنتحل حبنا وتفارق أمرنا".
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يكون في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة، يرفضون الإسلام، فإذا رأيتموهم فاقتلوهم؛ فإنهم مشركون » .
رواه: عبد بن حميد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني . قال الهيثمي : "رجاله وثقوا وفي بعضهم خلاف".
وفي رواية للطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده علي رضي الله عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « يا علي ! سيكون في أمتي قوم ينتحلون حب أهل البيت، لهم نبز، يسمون الرافضة؛ قاتلوهم فإنهم مشركون » .
قال الهيثمي : "إسناده حسن".(1/311)
وعن أم سلمة رضي الله عنها؛ قالت: كانت ليلتي وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندي، فأتته فاطمة، فسبقها علي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: « يا علي ! أنت وأصحابك في الجنة، ألا إنه ممن يزعم أنه يحبك أقوام يرفضون الإسلام ثم يلفظونه، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، لهم نبز، يقال لهم: الرافضة، فإن أدركتهم فجاهدهم؛ فإنهم مشركون. قلت: يا رسول الله ! ما العلامة فيهم ؟ قال: "لا يشهدون جمعة ولا جماعة، ويطعنون على السلف الأول" » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه الفضل بن غانم، وهو ضعيف".
وعن فاطمة رضي الله عنها؛ قالت: « نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي، فقال: "هذا في الجنة، وإن من شيعته أقوامًا يلفظون الإسلام ويرفضونه، لهم نبز، يسمون الرافضة، من لقيهم فليقتلهم؛ فإنهم مشركون » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات؛ إلا أن زينب بنت علي لم تسمع من فاطمة فيما أعلم".
وعن علي رضي الله عنه؛ قال: "يخرج في آخر الزمان قوم لهم نبز، يقال لهم: الرافضة، يعرفون به، ينتحلون شيعتنا وليسوا من شيعتنا، وآية ذلك أنهم يشتمون أبا بكر وعمر، أينما أدركتموهم فاقتلوهم؛ فإنهم مشركون".
رواه اللالكائي .
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "يهلك فينا أهل البيت فريقان: محب مطر، وباهت مفتر".
رواه ابن أبي عاصم .
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "اللهم العن كل مبغض لنا غال وكل محب(1/312)
لنا غال".
رواه: ابن أبي شيبة، وابن أبي عاصم، واللالكائي في "السنة".
باب
ما جاء في القدرية والمرجئة
فأما القدرية؛ فقال يحيى بن أبي كثير : "هم الذين يقولون: إن الله لم يقدر الشر".
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
وقال الشافعي : "القدري: الذي يقول: إن الله لم يخلق الشر حتى عمل به". رواه أبو نعيم في "الحلية".
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "القدرية: هم الذين يزعمون أن الاستطاعة والمشيئة والقدرة إليهم، وأنهم يملكون لأنفسهم الخير والشر، والضر والنفع، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة؛ بدءا من أنفسهم، من غير أن يكون سبق لهم ذلك من الله أو في علم الله، وقولهم يضارع قول المجوسية والنصرانية".
وقال ابن الأثير في "جامع الأصول": " القدرية في إجماع أهل السنة والجماعة : هم الذين يقولون: إن الخير من الله، والشر من الإنسان، وإن الله لا يريد أفعال العصاة، وسموا بذلك لأنهم أثبتوا للعبد قدرة توجد الفعل بانفرادها واستقلالها دون الله تعالى، ونفوا أن تكون الأشياء بقدر الله وقضائه". انتهى.
وقد حدثت بدعة القدرية في آخر عصر الصحابة، فأنكرها عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، وكذلك أئمة(1/313)
التابعين ومن بعدهم من الأئمة.
وأما المرجئة؛ فقال إسحاق بن منصور : "قلت لأحمد : فسر لي المرجئة. قال: المرجئة تقول: الإيمان قول".
ذكره القاضي أبو الحسين في "الطبقات".
ورأيت في عقيدة منسوبة للإمام أحمد ما نصه: " المرجئة : هم الذين يزعمون أن الإيمان مجرد التصديق، وأن الناس لا يتفاضلون في الإيمان، وأن إيمانهم وإيمان الملائكة والأنبياء واحد، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن الإيمان ليس فيه استثناء، وأن من آمن بلسانه ولم يعمل فهو مؤمن حقا. هذا كله قول المرجئة، وهو أخبث الأقاويل".
وقال حرب بن إسماعيل الكرماني صاحب الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه في "مسائله" المشهورة: "من زعم أن الإيمان قول بلا عمل فهو مرجئ، ومن زعم أن الإيمان هو القول والأعمال شرائع؛ فهو مرجئ، ومن زعم أن الإيمان يزيد ولا ينقص؛ فقد قال بقول المرجئة، ومن لم ير الاستثناء في الإيمان؛ فهو مرجئ، ومن زعم أن إيمانه كإيمان جبريل والملائكة؛ فهو مرجئ، ومن زعم أنه المعرفة في القلب وإن لم يتكلم لها؛ فهو مرجئ".
وهذا الذي قاله حرب كله من كلام الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وقد ساقه بهذا اللفظ القاضي أبو الحسين في ترجمة أحمد بن جعفر بن يعقوب أبي العباس الفارسي الإصطخري .
وقال ابن الأثير في "النهاية": "المرجئة فرقة من فرق الإسلام، يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة، سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي؛ أي: أخره عنهم، والمرجئة تهمز ولا تهمز، وكلاهما بمعنى التأخير".(1/314)
وقال أيضا في "جامع الأصول": " المرجئة طائفة من فرق المسلمين، يقولون: إنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة . وهذا مذهب سوء؛ أما في جانب الكفر فصحيح أنه لا ينفع معه طاعة، وأما في جانب الإيمان فكيف لا تضر معه المعاصي ؟ ! والقائل بهذا يفتح باب الإباحة؛ فإن الإنسان إذا علم أنه لا تضره المعاصي مع إيمانه؛ ارتكب كل ما تحدثه به نفسه منها، علما أنها لا تضره، وهؤلاء هم أضداد القدرية؛ فإن من مذهبهم أن الكبيرة إذا لم يتب منها يخلد صاحبها في النار وإن كان مؤمنا.
فانظر إلى هذا الاختلاف العظيم والتناقض الزائد في الآراء والأهواء، وانظر كيف هدى الله أهل الحق والعدل إلى أقوم طريق، فأثبتوا للمعاصي جزاء، ونفوا الخلود في النار عليها، الذي هو جزاء الكافرين". انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "المرجئة؛ بضم الميم وكسر الجيم بعدها ياء مهموزة ويجوز تشديدها بلا همز: نسبوا إلى الإرجاء، وهو التأخير؛ لأنهم أخروا الأعمال عن الإيمان، فقالوا: الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، ولم يشترط جمهورهم النطق، وجعلوا للعصاة اسم الإيمان على الكمال، وقالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب أصلا، وإن إيمان الصديقين وغيرهم بمنزلة واحدة". انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في "الكافية الشافية":
"
وكذلك الإرجاء حين تقر بال ... معبود تصبح كامل الإيمان
فارم المصاحف في الحشوش وخ ... رب البيت العتيق وجد في العصيان
واقتل إذا ما اسطعت كل موحد ... وتمسحن بالقس والصلبان
واشتم جميع المرسلين ومن أتوا ... من عنده جهرا بلا كتمان
وإذا رأيت حجارة فاسجد لها ... بل خر للأصنام والأوثان(1/315)
وأقر أن الله جل جلاله ... هو وحده الباري لذي الأكوان
وأقر أن رسوله حقا أتى ... من عنده بالوحي والقرآن
فتكون حقا مؤمنا وجميع ذا ... وزر عليك وليس بالكفران
هذا هو الإرجاء عند غلاتهم ... من كل جهمي أخي الشيطان
"
وقد حدثت بدعة الإرجاء في آخر عصر الصحابة رضي الله عنهم بعد بدعة القدرية، وتكلم فيها آكابر التابعين ومن بعدهم من الأئمة، وأنكروا على أهلها، وصاحوا بهم من كل جانب، وبدعوهم وضللوهم، وحذروا منهم، واستقر الأمر عند أهل السنة والجماعة على أن الإيمان قول وعمل؛ يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وأن المؤمنين يتفاضلون في الإيمان، وأنه يستثنى فيه ويعاب على من لا يستثني.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة، والقدرية » .
رواه: الترمذي، وابن ماجه . وقال الترمذي : "هذا حديث حسن غريب". قال: "وفي الباب عن عمر وابن عمر ورافع بن خديج رضي الله عنهم".
ورواه ابن ماجه أيضا من حديث ابن عباس وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم؛ قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: أهل الإرجاء، وأهل القدر » .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة، والقدرية » .
رواه أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة".(1/316)
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « صنفان من أمتي لا يردان علي الحوض ولا يدخلان الجنة: القدرية، والمرجئة » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير هارون بن موسى الفروي، وهو ثقة".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يزال أمر هذه الأمة مواتيًا أو مقاربًا (أو كلمة تشبهها) ما لم يتكلموا في الولدان والقدر » .
رواه: البزار، والطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وابن حبان في "صحيحه". قال الهيثمي : "ورجال البزار رجال الصحيح".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « أخر الكلام في القدر لشرار هذه الأمة » .
رواه: البزار، والطبراني في "الأوسط"، ولفظه: قال: « أخر الكلام في القدر لشرار أمتي في آخر الزمان » . قال الهيثمي : "ورجال البزار في أحد الإسنادين رجال الصحيح؛ غير عمر بن أبي خليفة، وهو ثقة".
وعن أني بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة؛ فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير هارون بن موسى الفروي، وهو ثقة".
وعن أبي حازم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم » .(1/317)
رواه: أبو داود، والحاكم في "مستدركه" وقال: "صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه". وقال المنذري : "هذا منقطع، أبو حازم سلمة بن دينار لم يسمع من ابن عمر، وقد روي هذا الحديث من طرق عن ابن عمر ليس فيها شيء يثبت". انتهى.
وقد روى هذا الحديث أبو بكر الآجري من طريقين عن أبي حازم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولكن قال أبو داود : "إن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنكره من حديث أبي حازم عن نافع ".
ورواه الآجري أيضا من طريق الجعيد بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنه سيكون في آخر الزمان قوم يكذبون بالقدر، ألا وأولئك مجوس هذه الأمة، فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم » .
ورواه الطبراني في "الصغير" من حديث الجعيد به.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله: إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم » .
رواه: ابن ماجه، والطبراني، والآجري باختصار، ورواته ثقات.
وقد أعل هذا الحديث بأن بقية بن الوليد عنعنه مع كثرة تدليسه، وهذا تعليل ضعيف؛ لأن بقية بن الوليد رواه عن الأوزاعي، وهو من شيوخه، وقد قال ابن عدي : "إذا حدث بقية عن أهل الشام فهو ثبت".
وعن مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن لكل أمة مجوسًا، وإن مجوس هذه الأمة القدرية؛ فلا تعودوهم إذا مرضوا، »(1/318)
« ولا تصلوا عليهم إذا ماتوا » .
رواه أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة" من طريقين ، رجال أحدهما رجال الصحيح.
وقد أعل هذا الحديث بالانقطاع؛ قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "لم يسمع مكحول من أبي هريرة ".
وعن عمر مولى غفرة عن رجل من الأنصار عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لكل أمه مجوس، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون: لا قدر؛ من مات منهم فلا تشهدوا جنازته، ومن مرض منهم فلا تعودوهم، وهم شيعة الدجال، وحق على الله أن يلحقهم بالدجال » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني، وعبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة". قال المنذري : " عمر مولى غفرة لا يحتج بحديثه، ورجل من الأنصار مجهول، وقد روي من طريق آخر عن حذيفة ولا يثبت". انتهى.
وعن حذيفة أيضا رضي الله عنه: أنه قال: "لتتبعن أمر من كان قبلكم حذو النعل بالنعل، لا تخطئون طريقتهم ولا تخطئكم، ولتنقصن عرى الإسلام عروة فعروة، ويكون أول نقضها الخشوع، حتى لا ترى خاشعا، وحتى يقول أقوام: ذهب النفاق من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فما بال صلوات الخمس؛ لقد ضل من كان قبلنا، حتى ما يصلون بصلاة نبيهم، أولئك المكذبون بالقدر، وهم أسباب الدجال، وحق على الله أن يمحقهم".
رواه: الآجري، والحاكم، وهذا لفظ الآجري .
ولفظ الحاكم : قال: "أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ولتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، وليصلين النساء(1/319)
وهن حيض، ولتسلكن طريق من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، وحذو النعل بالنعل؛ لا تخطئون طريقهم ولا تخطئكم، حتى تبقى فرقتان من فرق كثيرة، فتقول إحداهما: ما بال الصلوات الخمس ؟ لقد ضل من كان قبلكم؛ إنما قال الله تبارك وتعالى: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ } ؛ لا تصلوا إلا ثلاثا. وتقول الأخرى: إيمان المؤمنين بالله كإيمان الملائكة ما فينا كافر ولا منافق. حق على الله أن يحشرهما مع الدجال".
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وفي رواية للحاكم عن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "إني لأعلم أهل دينين من أمة صلى الله عليه وسلم في النار: قوم يقولون: إن كان أولنا ضلالا، ما بال خمس صلوات في اليوم والليلة ؟ ! إنما هما صلاتان: العصر، والفجر. وقوم يقولون: إنما الإيمان كلام، وإن زنى وإن قتل".
قال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "نلخيصه".
وقد رواه: عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة"، والآجري في كتاب "الشريعة" بنحوه.
وعن نافع قال: كان لابن عمر رضي الله عنهما صديق من أهل الشام يكاتبه، فكتب إليه مرة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إنه بلغني أنك تكلمت في شيء من القدر؛ فإياك أن تكتب إلي؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، وعبد الله ابن الإمام أحمد، والحاكم وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".(1/320)
وفي رواية لأحمد عن نافع؛ قال: بينما نحن عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قعودا؛ إذ جاء رجل، فقال: إن فلانا يقرأ عليك السلام (لرجل من أهل الشام). فقال عبد الله : بلغني أنه أحدث حدثا، فإن كان كذلك فلا تقرأن عليه مني السلام؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إنه سيكون في أمتي مسخ وقذف، وهو في الزنديقية والقدرية » .
إسناده صحيح على شرط مسلم .
ورواه الترمذي وابن ماجه بنحوه، وعندهما أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يكون في هذه الأمة (أو: في أمتي) خسف أو مسخ أو قذف، في أهل القدر » . هذا لفظ الترمذي، وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب". وفي رواية ابن ماجه : « يكون في أمتي (أو في هذه الأمة) مسخ وخسف وقذف، وذلك في أهل القدر » . فأفادت رواية ابن ماجه أن (أو) في رواية الترمذي بمعنى الواو، وليست للشك.
وعن نافع؛ قال: "قيل لابن عمر رضي الله عنهما: إن قوما يقولون: لا قدر ! فقال: أولئك القدريون، أولئك مجوس هذه الأمة".
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
وعن عطاء بن أبي رباح؛ قال: "أتيت ابن عباس رضي الله عنهما وهو ينزع من زمزم وقد ابتلت أسافل ثيابه، فقلت له: قد تكلم في القدر، فقال: أوقد فعلوها ؟ قلت: نعم. قال: فوالله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم: { ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } ، أولئك شرار هذه الأمة؛ فلا تعودوا مرضاهم، ولا تصلوا على موتاهم، إن رأيت أحدا منهم فقأت عينيه بأصبعي هاتين".
رواه ابن أبي حاتم .(1/321)
وعن ابن زرارة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: « أنه تلا هذه الآية: { ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } ؛ قال: نزلت في أناس من أمتي يكونون في آخر الزمان يكذبون بقدر الله » .
رواه ابن أبي حاتم .
باب
ما جاء في أهل الرأي والقياس
عن عوف بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم، فيحلون الحرام ويحرمون الحلال » .
رواه: الطبراني في "الكبير"، والبزار . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح ". ورواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعًا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهال، يستفتون فيفتون برأيهم، فيضلون ويضلون » .
رواه البخاري بهذا اللفظ، وأصله متفق عليه.
وعنه رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلًا حتى نشأ فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم، فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا » .
رواه ابن ماجه، وإسناده جيد، وقد رواه البزار بنحوه. قال ابن القطان:(1/322)
"وإسناده حسن".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "ما من عام إلا الذي بعده شر منه، لا أقول عام أخصب من عام، ولا أمير خير من أمير، ولكن ذهاب علمائكم وخياركم، ويحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم، فينهدم الإسلام وينثلم".
رواه: ابن وضاح، والدارمي، والطبراني، والبيهقي .
باب
ما جاء في الأئمة المضلين
عن ثوبان رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي، والبرقاني في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه". وقال الترمذي : "هذا حديث صحيح". وقال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن شداد بن أوس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إني لا أخاف علي أمتي إلا الأئمة المضلين » .
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم . ورواه أيضا: ابن جرير، والبزار، وابن مردويه، وابن حبان في "صحيحه".
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والدارمي، والطبراني، وفيه(1/323)
راويان لم يسميا.
« وعن أبي ذر رضي الله عنه؛ قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "لغير الدجال أخوفني على أمتي (قالها ثلاثًا) ". قال: قلت: يا رسول الله ! ما هذا الذي غير الدجال أخوفك على أمتك ؟ قال: "أئمة مضلين » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات".
وعن علي رضي الله عنه؛ قال: « كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فذكرنا الدجال، فاستيقظ محمرًا وجهه، فقال: "غير الدجال أخوف على أمتي عندي؛ أئمة مضلين » .
رواه أبو يعلى . قال الهيثمي : "وفيه جابر الجعفي، وهو ضعيف وقد وثق".
وعن عمير بن سعد - وكان عمر رضي الله عنه ولاه حمص - قال: « قال عمر رضي الله عنه لكعب : إني سائلك عن أمر فلا تكتمني ! قال: والله ما أكتمك شيئا أعلمه. قال: ما أخوف ما تخاف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أئمة مضلين. قال عمر رضي الله عنه: صدقت؛ قد أسر إلي وأعلمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي أئمة مضلين: إن أطاعوهم فتنوهم، وإن عصوهم قتلوهم » .
رواه الطبراني(1/324)
وعن زياد بن حدير؛ قال: "قال لي عمر رضي الله عنه: هل تعرف ما يهدم الإسلام ؟ قال: قلت: لا ! قال: يهدمه: زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين".
رواه الدارمي .
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « أخوف ما أخاف على أمتي ثلاث: رجل قرأ كتاب الله تعالى، حتى إذا رئيت عليه بهجته، وكان عليه رداء الإسلام أعاره الله إياه؛ اخترط سيفه، فضرب به جاره، ورماه بالشرك (قيل: يا رسول الله ! الرامي أحق به أو المرمي ؟ قال: الرامي) ورجل آتاه الله سلطانًا، فقال: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، وكذب، ليس بخليفة أن يكون جنة دون الخالق. ورجل استخفته الأحاديث، كلما قطع أحدوثة حدث بأطول منها، إن يدرك الدجال؛ يتبعه » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه شهر بن حوشب، وهو ضعيف يكتب حديثه". انتهى.
قلت: قد وثقه أحمد وابن معين وحسبك بتوثيقهما، ووثقه أيضا العجلي ويعقوب بن شيبة ويعقوب بن سفيان، وروى له البخاري تعليقا ومسلم، وصحح الترمذي حديثه. ويكفي هذا في قبول حديثه.
باب
ما جاء أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة
عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله أجاركم من ثلاث خلال: لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعًا، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وأن لا تجتمعوا على ضلالة » .(1/325)
رواه أبو داود .
وعن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سألت الله أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها » ... الحديث.
رواه: الإمام أحمد، والطبراني .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله لا يجمع أمتي (أو قال: أمة محمد ) على ضلالة، ويد الله على الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار » .
رواه: الترمذي، والحاكم، وأبو نعيم في "الحلية". وقال الترمذي وأبو نعيم : "غريب "
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن أمتي لا تجتمع على ضلالة » ..... الحديث.
رواه ابن ماجه .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يجمع الله أمتي على ضلالة أبدًا » .
رواه الحاكم في "مستدركه".
باب
ما جاء في الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.(1/326)
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس » .
رواه الإمام أحمد، والشيخان. وزاد أحمد والبخاري : قال عمير بن هانئ : "فقال مالك بن يخامر : قال معاذ: وهم بالشام. فقال معاوية : هذا مالك يزعم أنه سمع معاذا يقول: وهم بالشام".
وعن ثوبان رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك » .
رواه: الإمام أحمد ، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبرقاني في "صحيحه". وقال الترمذي : "هذا حديث صحيح".
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لن يبرح هذا الدين قائمًا يقاتل عليه عصابة من المسلمين، حتى تقوم الساعة » .
رواه: أحمد، ومسلم .
وعن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تزال طائفة من أمتي منصورين، لا يضرهم من خذلهم، حتى تقوم الساعة » .
رواه: الإمام أحمد ، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه". وقال الترمذي : "هذا حديث صحيح".
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة » .
رواه: أبو داود الطيالسي، والطبراني في "الصغير" و "الكبير"، والحاكم(1/327)
في "مستدركه". قال الهيثمي : "ورجال "الكبير" رجال الصحيح". قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله، لا يضرها من خالفها » .
رواه ابن ماجه وإسناده جيد، ورواه البزار بنحوه. قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير زهير بن محمد بن قمير، وهو ثقة".
ورواه: الإمام أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، ولفظهما: قال: « لا يزال على هذا الأمر عصابة على الحق، لا يضرهم خلاف من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله عز وجل وهم على ذلك » .
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين على من نأواهم، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن جابر بنعبد الله رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة . قال: فينزل عيسى ابن مريم ، فيقول أميرهم: تعال صل لنا ! فيقول: لا؛ إن بعضكم على بعض أمراء؛ تكرمه الله هذه الأمة » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من جابههم إلا ما »(1/328)
« أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك . قالوا: يا رسول الله ! وأين هم ؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس » .
رواه: عبد الله ابن الإمام أحمد وجادة عن خط أبيه، والطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم خذلان من خذلهم ، ظاهرين على الحق، إلى أن تقوم الساعة » .
رواه أبو يعلى . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة » .
رواه مسلم .
وعن عبد الرحمن بن شماسة المهري؛ قال: كنت عند مسلمة بن مخلد وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال عبد الله : « لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم". فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر، فقال له مسلمة : يا عقبة اسمع ما يقول عبد الله . فقال عقبة : هو أعلم، وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك . فقال عبد الله : أجل، "ثم يبعث الله ريحا كريح المسك، مسها مس الحرير، فلا تترك نفسا في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس، عليهم تقوم الساعة » .
رواه مسلم .(1/329)
والمراد بالطائفة المذكورة في هذه الأحاديث: أهل السنة والجماعة.
وجزم البخاري أنهم أهل العلم، قال في (كتاب الاعتصام) من "صحيحه": "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: « لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون » ، وهم أهل العلم ". وقال أيضا: "باب قول الله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } ، وما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة، وهم أهل العلم ".
وقال الترمذي في "جامعه": "قال محمد بن إسماعيل : قال علي بن المديني : هم أصحاب الحديث".
وكذا قال ابن المبارك وأحمد بن سنان وابن حبان وغيرهم.
وبوب عليه ابن حبان في "صحيحه"، فقال: "ذكر إثبات النصرة لأصحاب الحديث إلى قيام الساعة".
وقال يزيد بن هارون وأحمد بن حنبل : "إن لم يكونوا أهل الحديث؛ فلا أدري من هم".
رواه عنهما الحاكم في "علوم الحديث".
قال القاضي عياض : "إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث".
وعن علي بن المديني رواية أنهم العرب، واستدل بحديث: « لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة » . قال: "والمراد بالغرب: الدلو؛ أي: العرب؛ لأنهم أصحابها، لا يستقي بها أحد غيرهم".
ذكره يعقوب بن شيبة، ونقله عنه صاحب "المشارق" وغيره.
قلت: ويؤيد هذا القول ما رواه ابن ماجه من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه في ذكر الدجال، وفيه: « فقالت أم شريك بنت أبي العكر : يا رسول »(1/330)
« الله ! فأين العرب يومئذ ؟ قال: "هم قليل، وجلهم يومئذ ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح؛ إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليقدم عيسى يصلي، فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول له: تقدم فصل؛ فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم » .... الحديث.
وأصل هذه القطعة ثابت في "صحيح مسلم " و "جامع الترمذي " من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: « أخبرتني أم شريك : أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ليفرن الناس من الدجال في الجبال". قالت أم شريك : يا رسول الله ! فأين العرب يومئذ ؟ قال: "هم قليل » .
قال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح غريب".
ويؤيده أيضا ما في "الصحيحين" و "مسند الإمام أحمد " عن أبي هريرة رضي الله عنه: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في بني تميم: هم أشد أمتي على الدجال » .
وبنو تميم قبيلة كبيرة من العرب؛ ففي حديث أبي أمامة وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما دليل على أن العرب هم الطائفة المنصورة التي تقاتل المسيح الدجال في آخر الزمان، ويدخل مع العرب تبعا من كان متمسكا بالكتاب والسنة من غيرهم.
قال النووي : "يحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين؛ منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد، وآمرون بالمعروف، وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض". قال: "وفيه دليل لكون الإجماع حجة، وهو أصح ما استدل به له من الحديث". انتهى.(1/331)
واحتج به الإمام أحمد رحمه الله تعالى على أن الاجتهاد لا ينقطع ما دامت هذه الطائفة موجودة.
وقد اختلف في محل هذه الطائفة:
فقال ابن بطال : إنها تكون في بيت المقدس كما رواه الطبراني من حديث أبي أمامة رضي الله عنه: « قيل: يا رسول الله ! أين هم ؟ قال: ببيت المقدس . وقال معاذ رضي الله عنه: "هم بالشام » .
وفي كلام الطبري ما يدل على أنه لا يجب أن تكون في الشام أو في بيت المقدس دائما، بل قد تكون في موضع آخر في بعض الأزمنة.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى: "ويشهد له الواقع، وحال أهل الشام وأهل بيت المقدس من أزمنة طويلة، لا يعرف فيهم من قام بهذا الأمر بعد شيخ الإسلام ابن تيمية وأصحابه في القرن السابع وأول الثامن؛ فإنهم في زمانهم على الحق؛ يدعون إليه، ويناظرون عليه، ويجاهدون فيه، وقد يجيء من أمثالهم بعد بالشام من يقوم مقامهم بالدعوة إلى الحق، والتمسك بالسنة، والله على كل شيء قدير.
ومما يؤيد هذا: أن أهل الحق والسنة في زمن الأئمة الأربعة وتوافر العلماء في ذلك الزمان وقبله وبعده لم يكونوا في محل واحد، بل هم في غالب الأمصار؛ في الشام منهم أئمة، وفي الحجاز، وفي مصر، وفي العراق، واليمن، وكلهم على الحق؛ يناضلون ويجاهدون أهل البدع، ولهم المصنفات التي صارت أعلاما لأهل السنة وحجة على كل مبتدع.
فعلى هذا؛ فهذه الطائفة قد تجتمع وقد تفترق، وقد تكون في الشام وقد تكون في غيره؛ فإن حديث أبي أمامة وقول معاذ لا يفيد حصرها بالشام، وإنما يفيد أنها تكون في الشام في بعض الأزمان لا في كلها".(1/332)
قلت: الظاهر من حديث أبي أمامة وقول معاذ أن ذلك إشارة إلى محل هذه الطائفة في آخر الزمان عند خروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام.
ويدل على ذلك ما تقدم ذكره من حديث أبي أمامة الذي رواه ابن ماجه، وفيه: « فقالت أم شريك : يا رسول الله ! فأين العرب يومئذ ؟ قال: هم قليل، وجلهم يومئذ ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح » .... الحديث.
ويدل على ذلك ما رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والبخاري في "تاريخه"، والحاكم في "مستدركه"؛ من حديث عبد الله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه؛ قال: « وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده علي رأسي (أو: على هامتي)، ثم قال: " يابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة؛ فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك » .
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وفي "المسند" أيضا و "جامع الترمذي " عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ستخرج نار من حضرموت (أو: من نحو بحر حضرموت) قبل يوم القيامة تحشر الناس . قالوا: يا رسول الله ! فما تأمرنا ؟ فقال: "عليكم بالشام » .
قال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر رضي الله عنهما".
وفي "المسند" أيضا و "سنن أبي داود " و "مستدرك الحاكم " عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « فسطاط المسلمين يوم الملحمة »(1/333)
« الكبرى بأرض يقال لها: الغوطة، فيها مدينة يقال لها: دمشق، خير منازل المسلمين يومئذ » .
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
قال المنذري في "تهذيب السنن": قال يحيى بن معين، وقد ذكروا عنده أحاديث من ملاحم الروم، فقال يحيى : ليس من حديث الشاميين شيء أصح من حديث صدقة بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « معقل المسلمين أيام الملاحم دمشق » انتهى.
ففي هذه الأحاديث دليل على أن جل الطائفة المنصورة يكون بالشام في آخر الزمان، حيث تكون الخلافة هناك، ولا يزالون هناك ظاهرين على الحق، حتى يرسل الله الريح الطيبة، فتقبض كل من في قلبه إيمان؛ كما تقدم في الأحاديث الصحيحة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك » .
وقال معاذ : "وهم بالشام".
فأما في زماننا وما قبله؛ فهذه الطائفة متفرقة في أقطار الأرض كما يشهد له الواقع من حال هذه الأمة منذ فتحت الأمصار في عهد الخلفاء الراشدين إلى اليوم، وتكثر في بعض الأماكن أحيانا، ويعظم شأنها، ويظهر أمرها؛ ببركة الدعوة إلى الله تعالى وتجديد الدين.
ومن أعظم المجددين بركة في آخر هذه الأمة شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية وأصحابه في آخر القرن السابع من الهجرة وأول القرن الثامن.
ومن أعظم المجددين بركة في آخر هذه الأمة أيضا شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب وأولاده وأحفاده وغيرهم من علماء نجد الأعلام في آخر القرن الثاني عشر من الهجرة والقرن الثالث عشر والرابع عشر، وقد جعل الله تعالى(1/334)
في دعوة هذا الشيخ بركة عظيمة، وأيدها بالجهابذة المحققين يجادلون من عارضها بالحجة والبرهان، وأيدها بالأبطال الشجعان يجالدون من عاندها بالسيف والسنان، فأصبح الإسلام ظاهرا عزيزا بعد طول اغترابه، وصارت الطائفة المنصورة دولة عظيمة ذات شوكة قوية وبأس شديد بعدما كانوا قليلا مستضعفين في الأرض يخافون أن يتخطفهم الناس، فآواهم الله وأيدهم بنصره ورزقهم من الطيبات لعلهم يشكرون.
فلله الحمد رب السموات ورب الأرض ورب العالمين، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله.
وقد قال الله تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } .
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } .
وقال: { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ } .
باب
ما جاء في المجددين للدين
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها » .(1/335)
رواه: أبو داود، والحاكم في "مستدركه".
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في كتاب "النهاية": "وقد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث، والظاهر - والله أعلم - أنه يعم حملة العلم من كل طائفة وكل صنف من أصناف العلماء؛ من مفسرين، ومحدثين، وفقهاء، ونحاة، ولغويين... إلى غير ذلك من الأصناف، والله أعلم ". انتهى كلامه رحمه الله تعالى، وما قاله حسن جدا.
وأما قصر الحديث على أشخاص معدودين، في كل مائة سنة واحد منهم؛ فهو بعيد جدا، والحديث لا يدل على ذلك؛ لأن لفظة (من) يراد بها الواحد ويراد بها الجماعة، وعلى هذا فحمل الحديث على الجماعة القائمين بنشر العلم وتجديد الدين أولى من حمله على واحد بعد واحد منهم.
ويؤيد هذا ما رواه الترمذي وحسنه عن عمرو بن عوف رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن الدين بدأ غريبًا ويرجع غريبًا؛ فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي » .
ورواه إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، ولفظه: قال: « إن هذا الدين بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء . قيل: يا رسول الله ! ومن الغرباء ؟ قال: الذين يحيون سنتي من بعدي، ويعلمونها عباد الله » .
ويؤيده أيضا ما رواه ابن وضاح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه قال: "الحمد لله الذي امتن على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم؛ يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويحيون بكتاب الله أهل العمى...." إلى آخر خطبته رضي الله عنه.
فهذا يدل على أن التجديد يكون في جماعة من أهل العلم، ولا ينحصر في واحد بعد واحد منهم. والله أعلم.(1/336)
باب
ما جاء في فتنة النساء
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وابن ماجه .
وعن أسامة بن زيد وسعيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنهم: أنهما حدثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء » .
رواه: مسلم، والترمذي، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون ؟ فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه، وهذا لفظ مسلم . وقال الترمذي : "هذا حديث حسن".
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « أخوف ما أخاف على أمتي: النساء، والخمر » .
رواه محمد بن إسحاق السراج في "مسنده".
وعن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما من صباح؛ إلا وملكان يناديان: ويل للرجال من النساء، وويل للنساء من الرجال » .
رواه: ابن ماجه، والحاكم بإسناد ضعيف.(1/337)
وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص؛ قال : « كان سعد رضي الله عنه يعلمنا هذا الدعاء، ويذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم ! إني أعوذ بك من فتنة النساء، وأعوذ بك من عذاب القبر » .
رواه شعبة عن عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال: "لم يكفر من كفر ممن مضى إلا من قبل النساء، وكفر من بقي من قبل النساء".
رواه الحسن بن عرفة، وإسناده حسن.
وعن علي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كيف بكم إذا فسق فتيانكم وطغى نساؤكم ؟ ! قالوا: يا رسول الله ! وإن ذلك لكائن ؟ قال: "نعم، وأشد » .
رواه رزين .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كيف بكم أيها الناس إذا طغى نساؤكم وفسق فتيانكم ؟ ! قالوا: يا رسول الله ! إن هذا لكائن ؟ قال: "نعم، وأشد منه" » .
رواه: أبو يعلى، والطبراني في "الأوسط"؛ إلا أنه قال: « فسق شبابكم » ، وإسناد كل منهما ضعيف.
وعن ابن عباس الحميري عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال « كيف بكم إذا فسق نساؤكم ؟ ! » .
رواه البخاري في "تاريخه".
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أنه قال: "ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وستبتلون بفتنة السراء، وأخوف ما أخاف عليكم: فتنة النساء إذا(1/338)
تسورن الذهب والفضة، ولبسن رباط الشام وعصب اليمن، فأتعبن الغني، وكلفن الفقير ما لا يجد".
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنساء: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن » .
متفق عليه.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذوي الألباب وذوي الرأي منكن » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، والترمذي، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « وما وجد من ناقص الدين والرأي أغلب للرجال ذوي الأمر على أمورهم من النساء » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي بكرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « هلكت الرجال إذا أطاعت النساء، هلكت الرجال إذا أطاعت النساء (ثلاثًا) » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".(1/339)
وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا كانت أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاءكم، وأموركم شورى بينكم؛ فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كانت أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاءكم، وأموركم إلى نسائكم؛ فبطن الأرض خير لكم من ظهرها » .
رواه الترمذي .
وعن علي رضي الله عنه مرفوعا: « يأتي على الناس زمان: همتهم بطونهم، وشرفهم متاعهم، وقبلتهم نساؤهم، ودينهم دراهمهم ودنانيرهم، أولئك شرار الخلق لا خلاق لهم عند الله » .
رواه الديلمي .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها » .
رواه: الترمذي مختصرا، والبزار، وابن أبي الدنيا، والطبراني؛ بأسانيد صحيحة. وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح غريب". وصححه أيضا ابن خزيمة وابن حبان .
وفي رواية للطبراني؛ قال: « النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس، فيستشرفها الشيطان، فيقول: إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبتيه، وإن »(1/340)
« المرأة لتلبس ثيابها، فيقال: أين تريدين ؟ فتقول: أعود مريضًا، أو أشهد جنازة، أو أصلي في مسجد. وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها » .
قال المنذري : "إسناده حسن".
« وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه قال لفاطمة رضي الله عنها: ما خير للنساء ؟ قالت: أن لا يرين الرجال ولا يرونهن. فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنما فاطمة بضعة مني » .
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وعن أنس رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "ما خير للنساء ؟ ". فلم ندر ما نقول، فسار علي رضي الله عنه إلى فاطمة رضي الله عنها، فأخبرها بذلك، فقالت: فهلا قلت له: خير لهن أن لا يرين الرجال ولا يرونهن. فرجع فأخبره بذلك، فقال له: من علمك هذا ؟ قال: فاطمة. قال: "إنها بضعة مني » .
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات، لو كان وراءكم أمة من الأمم لخدمن »(1/341)
« نساؤكم نساءهم كما يخدمنكم نساء الأمم قبلكم » .
رواه: الإمام أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والطبراني، وعنده في أوله: « سيكون في أمتي رجال يركبون نساءهم على سروج كأشباه الرحال » .
ورواه الحاكم في "مستدركه"، ولفظه: قال: « سيكون في آخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر حتى يأتوا أبواب مساجدهم، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات، لو كان وراءكم أمة من الأمم لخدمنهم كما خدمكم نساء الأمم قبلكم . فقلت لأبي: وما المياثر ؟ قال: سروجا عظاما » .
قال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والقائل لأبيه: ما المياثر ؟ هو عبد الله بن عياش القتباني ، أحد رواته".
وعن أبي شقرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا رأيتم اللاتي ألقين على رؤوسهن مثل أسنمة البقر؛ فأعلموهن أنه لا تقبل لهن صلاة » .
رواه: البزار، والطبراني . قال الهيثمي : "وفيه حماد بن يزيد عن مخلد بن عقبة، ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات".
قلت: قد ذكرهما البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيهما جرحا ولا تعديلا.
وهذا الحديث مطابق لحال كثير من النساء في زماننا، وقد جاء في الحديث: « لعن الله المجممات من النساء » ، ذكره ابن الأثير في "النهاية"، وقال: "هن اللاتي يتخذن شعورهن جمة تشبيها بالرجال". وقال أيضا: "الجمة من شعر الرأس: ما سقط على المنكبين".(1/342)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجمة للحرة، والقصة للأمة » .
رواه: الطبراني في "الكبير" و "الصغير". قال الهيثمي : "ورجال الصغير ثقات".
وعن عبد الكريم الجزري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال: "إنما هلكت نساء بني إسرائيل من قبل أرجلهن، وتهلك نساء هذه الأمة من قبل رؤوسهن".
رواه عبد الرزاق في "مصنفه"، ورجاله رجال الصحيح؛ إلا أن فيه انقطاعا بين الجزري وابن عباس رضي الله عنهما.
باب
ما جاء في فتنة المال
عن كعب بن عياض رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن لكل أمة فتنة، وإن فتنة أمتي المال » .
رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه". وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح غريب". وقال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه". وذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب" وصححه.
وعن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما: « أن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه - وكان شهد بدرًا - أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين »(1/343)
« وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: "أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين ؟ " فقالوا: أجل يا رسول الله. قال: "فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي، وابن ماجه .
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يومًا، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر، فقال: "إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض (أو: مفاتيح الأرض)، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: « جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله، فقال: إن مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها » ... الحديث.
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والشيخان، وابن ماجه .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم؛ أي قوم أنتم ؟ ! قال عبد الرحمن بن عوف : نقول كما أمرنا الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو غير ذلك؛ »(1/344)
« تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون (أو نحو ذلك)، ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض » .
رواه: مسلم، وابن ماجه .
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه، فقال: « الفقر تخافون أو العوز أم تهمكم الدنيا؛ فإن الله فاتح عليكم فارس والروم، وتصب عليكم الدنيا صبًا، حتى لا يزيغكم بعدي إن أزاغكم إلا هي » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والبزار بنحوه. قال الهيثمي : "ورجاله وثقوا؛ إلا أن بقية مدلس وإن كان ثقة".
قلت: وقد صرح بالتحديث في رواية الإمام أحمد، فانتفى عنه التدليس، وصح هذا الحديث، ولله الحمد.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمها أبناء الملوك: أبناء فارس والروم؛ سلط شرارها على خيارها » .
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث غريب".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا مشت أمتي المطيطاء، وخدمتهم فارس والروم؛ تسلط بعضهم على بعض » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وإسناده حسن".
وعن خولة بنت قيس رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا مشت أمتي المطيطاء، وخدمتهم فارس والروم؛ سلط بعضهم على بعض » .
رواه ابن حبان في "صحيحه".(1/345)
قال ابن الأثير في "جامع الأصول": " (المطيطاء)؛ بضم الميم والمد: المشي بتبختر، وهي مشية المتكبرين المفتخرين، من: مط يمط؛ إذا مد".
وعن أبي سنان الدؤلي : أنه دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعنده نفر من المهاجرين الأولين، فأرسل عمر رضي الله عنه إلى سفط أتى به من قلعة من العراق، فكان فيه خاتم، فأخذه بعض بنيه، فأدخله في فيه، فانتزعه عمر رضي الله عنه منه، ثم بكى عمر رضي الله عنه، فقال له من عنده: لم تبكي وقد فتح الله لك وأظهرك على عدوك وأقر عينك ؟ ! فقال عمر رضي الله عنه: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تفتح الدنيا على أحد؛ إلا ألقى الله عز وجل بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ، وأنا أشفق من ذلك » .
رواه: الإمام أحمد، والبزار، وأبو يعلى . قال الهيثمي : "وإسناده حسن".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إنه سيصيب أمتي داء الأمم . قالوا: يا رسول الله ! وما داء الأمم ؟ قال: "الأشر، والبطر، والتكاثر، والتنافس في الدنيا، والتباغض، والتحاسد؛ حتى يكون البغي ثم يكون الهرج » .
رواه ابن أبي الدنيا .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه كان يعطي الناس عطاءهم، فجاءه رجل، فأعطاه ألف درهم، ثم قال: خذها؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إنما أهلك من كان قبلكم الدينار والدرهم، وهما مهلكاكم » .
رواه البزار . قال المنذري والهيثمي : "وإسناده جيد".
وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن هذا »(1/346)
« الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم، ولا أراهما إلا مهلكيكم » .
رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط". قال الهيثمي : "وإسناده حسن".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما أخشى عليكم الفقر، ولكن أخشى عليكم التكاثر، وما أخشى عليكم الخطأ، ولكن أخشى عليكم التعمد » .
رواه: الإمام أحمد بإسناد صحيح، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي ذر رضي الله عنه؛ قال: « بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس؛ إذ قام أعرابي فيه جفاء، فقال: يا رسول الله ! أكلتنا الضبع. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "غير ذلك أخوف لي عليكم، حين تصب عليكم الدنيا صبًا، فيا ليت أمتي لا تلبس الذهب » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والبزار، والطبراني . ورجال أحمد وأبي داود رجال الصحيح.
(الضبع): هي السنة المجدبة.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لأنا لفتنة السراء أخوف عليكم من فتنة الضراء، إنكم قد ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وإن الدنيا خضرة حلوة » .
رواه: أبو يعلى، والبزار . قال المنذري والهيثمي : "فيه رجل لم يسم، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه؛ قال: « ابتلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالضراء فصبرنا، ثم ابتلينا بعده بالسراء فلم نصبر » .(1/347)
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث حسن".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: « نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجوع في وجوه أصحابه، فقال: "أبشروا؛ فإنه سيأتي عليكم زمان يغدى على أحدكم بالقصعة من الثريد ويراح عليه بمثلها". قالوا: يا رسول الله ! نحن يومئذ خير ؟ قال: "بل أنتم اليوم خير منكم يومئذ » .
رواه البزار . قال المنذري والهيثمي : "وإسناده جيد".
وعن عبد الله بن يزيد الخطمي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « "أنتم اليوم خير أم إذا غدت على أحدكم صحفة وراحت أخرى، وغدا في حلة وراح في أخرى، وتكسون بيوتكم كما تكسى الكعبة ؟". فقال رجل: نحن يومئذ خير؟ قال: "بل أنتم اليوم خير » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير أبي جعفر الخطمي، وهو ثقة".
وعن أبي جحيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنها ستفتح عليكم الدنيا حتى تنجدوا بيوتكم كما تنجد الكعبة . قلنا: ونحن على ديننا اليوم ؟ قال: "وأنتم على دينكم اليوم". قلنا: فنحن يومئذ خير أم ذلك اليوم ؟ قال: "بل أنتم اليوم خير » .
رواه البزار . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير عبد الجبار بن العباس الشبامي، وهو ثقة".
(التنجيد): التزيين، يقال: بيت منجد؛ أي: مزين. قال ابن منظور في "لسان العرب": " (النجد): ما ينضد به البيت من البسط والوسائد والفرش".
قال: "ونجدت البيت: بسطته بثياب موشية. والتنجيد: التزيين. وبيت منجد:(1/348)
إذا كان مزينا بالثياب والفرش، ونجوده ستوره التي تعلق على حيطانه يزين بها". انتهى.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ قال: « إنا لجلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد؛ إذ طلع علينا مصعب بن عمير، ما عليه إلا بردة له مرقوعة بفرو، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بكى للذي كان فيه من النعمة والذي هو فيه اليوم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة وراح في حلة، ووضعت بين يديه صحفة ورفعت أخرى، وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة ؟ !". قالوا: يا رسول الله ! نحن يومئذ خير منا اليوم؛ نتفرغ للعبادة، ونكفى المؤنة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا؛ أنتم اليوم خير منكم يومئذ » .
رواه: الترمذي، وأبو يعلى . وقال الترمذي : "هذا حديث حسن غريب".
وعن طلحة بن عمرو النصري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سيأتي عليكم زمان (أو: من أدركه منكم) تلبسون مثل استار الكعبة، ويغدى ويراح عليكم بالجفان ". قالوا: يا رسول الله ! أنحن يومئذ خير أم اليوم ؟ قال: "بل أنتم اليوم خير، أنتم اليوم إخوان، وأنتم يومئذ يضرب بعضكم رقاب بعض » .
رواه: الإمام أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والبزار، والطبراني، والبيهقي وهذا لفظه. قال الهيثمي : "ورجال البزار رجال الصحيح؛ غير محمد بن عثمان العقيلي، وهو ثقة".
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" بنحوه، وقال فيه: قال داود (يعني: ابن أبي هند ): قال لي أبو حرب (يعني: ابن أبي الأسود ): يا داود ! وهل تدري ما كان أستار الكعبة يومئذ ؟ قلت: لا. قال: ثياب بيض كان يؤتى بها من اليمن.(1/349)
ثم قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن فضالة الليثي رضي الله عنه؛ قال: « قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان من كان له عريف نزل على عريفه، ومن لم يكن له عريف نزل الصفة، فلم يكن لي عريف، فنزلت الصفة، فناداه رجل يوم الجمعة، فقال: يا رسول الله ! أحرق بطوننا التمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "توشكون أن من عاش منكم يغدى عليه بالجفان ويراح، وتكتسون كما تستر الكعبة » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه المقدام بن داود، وهو ضعيف وقد وثق، وبقية رجاله ثقات".
وعن جابر رضي الله عنه؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « هل لكم من أنماط ؟". قلت: وأنى يكون لنا الأنماط ؟ قال: "أما إنه سيكون لكم الأنماط" . فأنا أقول لها (يعني: امرأته): أخري عنا أنماطك ! فتقول: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها ستكون لكم الأنماط" ؟ فأدعها » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
وعن كعب بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه » .
رواه: الإمام أحمد، والترمذي، والدارمي، وابن حبان في "صحيحه".
وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما ذئبان ضاريان جائعان باتا في زريبة غنم أغفلها أهلها يفترسان ويأكلان بأسرع فيها فسادًا من حب المال والشرف في دين المرء المسلم » .(1/350)
رواه: أبو يعلى، والطبراني . قال المنذري : "وإسنادهما جيد".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما ذئبان ضاريان في حظيرة يأكلان ويفسدان بأضر فيها من حب الشرف وحب المال في دين المرء المسلم » .
رواه البزار . قال المنذري : "وإسناده حسن".
وقد تقدم في أول الكتاب حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه: أنه قال: "أبشروا بدنيا عريضة تأكل إيمانكم، فمن كان منكم يومئذ على يقين من ربه؛ أتته فتنة بيضاء مسفرة، ومن كان منكم على شك من ربه؛ أتته فتنة سوداء مظلمة، ثم لم يبال الله في أي الأودية سلك".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن"، وله حكم الرفع؛ لأنه لا مجال للرأي في مثل هذا، وإنما يقال عن توقيف.(1/351)
كتاب الملاحم
(الملاحم): جمع ملحمة.
قال ابن الأثير : " (الملحمة): هي الحرب وموضع القتال؛ مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها كاشتباك لحمة الثوب بالسدى. وقيل: هو من اللحم؛ لكثرة لحوم القتلى فيها ". انتهى.
وقيل: إن الملحمة اسم للقتال الشديد بين المسلمين والكفار؛ بخلاف ما كان بين المسلمين؛ فإنه يسمى فتنة. والله أعلم.
باب
ما جاء في قتال أهل الردة وفارس والروم وظهور المسلمين عليهم
عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما عن نافع بن عتبة بن أبي وقاص رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم تغزون فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله . قال: فقال نافع : يا جابر ! لا نرى الدجال يخرج حتى تفتح الروم » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه، والبخاري في "تاريخه".
وقد رواه: ابن جرير، وابن عبد البر من طريقه، والحاكم في "مستدركه"؛ من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما عن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص(1/353)
رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يظهر المسلمون على جزيرة العرب، ويظهر المسلمون على فارس، ويظهر المسلمون على الروم، ويظهر المسلمون على الأعور الدجال » .
قال البغوي : "الصواب عن نافع بن عتبة ". وقال ابن السكن : "الحديث لنافع بن عتبة؛ إلا أن يكون نافع وهاشم سمعاه جميعا".
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « يظهر المسلمون على الروم، ويظهر المسلمون على فارس، ويظهر المسلمون على جزيرة العرب » .
رواه البزار، وفيه راو لم يسم.
وعن أبي سكينة (رجل من المحررين) عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق؛ عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر... (فذكر الحديث، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ضربها ثلاث مرات حتى ذهبت، وفيه: ) قال سلمان رضي الله عنه: يا رسول الله ! رأيتك حين ضربت ما تضرب ضربة إلا كانت معها برقة ! قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا سلمان ! رأيت ذلك ؟ !". فقال: إي؛ والذي بعثك بالحق يا رسول الله. قال: "فإني حين ضربت الضربة الأولى رفعت لي مدائن كسرى وما حولها ومدائن كثيرة حتى رأيتها بعيني". قال له من حضره من أصحابه: يا رسول الله ! ادع الله أن يفتحها علينا، ويغنمنا ذراريهم، ويخرب بأيدينا بلادهم. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. "ثم ضربت الضربة الثانية، فرفعت لي مدائن قيصر وما حولها، حتى رأيتها بعيني". قالوا: يا رسول الله ! ادع الله أن يفتحها علينا، ويغنمنا ذراريهم، ويخرب بأيدينا بلادهم. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. "ثم ضربت الثالثة، فرفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى، حتى رأيتها بعيني". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: »(1/354)
« "دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم » .
رواه النسائي، وروى أبو داود طرفا منه، وهو قوله: دعوا الحبشة........ إلى آخره.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما؛ قال: « أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق. قال: وعرض لنا صخرة في مكان من الخندق لا تأخذ فيها المعاول. قال: فشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحسبه وضع ثوبه، ثم هبط إلى الصخرة، فأخذ المعول، فقال: "بسم الله". فضرب ضربة، فكسر ثلث الحجر، وقال: "الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا". ثم قال: "بسم الله". وضرب أخرى، فكسر ثلث الحجر، فقال: "الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا". ثم قال: "بسم الله". وضرب ضربة أخرى، فقلع بقية الحجر، فقال: "الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "وفيه ميمون أبو عبد الله، وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: « أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، فخندق على المدينة، فقالوا: يا رسول الله ! إنا وجدنا صفاة لا نستطيع حفرها. فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا معه، فلما أتى أخذ المعول فضرب به ضربة وكبر، فسمعت هزة لم أسمع مثلها قط، فقال: "فتحت فارس". ثم ضرب أخرى وكبر، فسمعت هدة لم أسمع مثلها قط، فقال: "فتحت الروم". ثم ضرب أخرى، فسمعت هزة لم أسمع مثلها قط، فقال: "جاء الله بحمير أعوانًا وأنصارًا » .(1/355)
رواه الطبراني بإسنادين. قال الهيثمي : "وفي أحدهما حيي بن عبد الله، وثقه ابن معين وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: « احتفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق (فذكر الحديث، وفيه: ) فقال: "اذهبوا بنا إلى سلمان ". وإذا صخرة بين يديه قد ضعف عنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "دعوني؛ فأكون أول من ضربها". فقال: "بسم الله". فضربها، فوقعت فلقة ثلثها. فقال: "الله أكبر، قصور الروم ورب الكعبة". ثم ضرب أخرى، فوقعت فلقة، فقال: "الله أكبر، قصور فارس ورب الكعبة". فقال عندها المنافقون: نحن نخندق وهو يعدنا قصور فارس والروم » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير عبد الله بن أحمد بن حنبل ونعيم العنبري، وهما ثقتان ".
وعن عبد الله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه: أن رسول الله قال: « "ليفتحن لكم الشام والروم وفارس (أو: الروم وفارس)، حتى يكون لأحدكم من الإبل كذا وكذا، ومن البقر كذا وكذا، ومن الغنم كذا وكذا، وحتى يعطى أحدكم مائة دينار فيسخطها". ثم وضع يده على رأسي أو هامتي، فقال: "يابن حوالة ! إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة؛ فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري في "تاريخه"، والحاكم في "مستدركه" وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي في "تلخيصه"، ورواه أبو داود في "سننه" مختصرا.
وعن جبير بن نفير؛ قال: قال ابن حوالة : « كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكوا إليه الفقر والعري وقلة الشيء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبشروا، فوالله لأنا لكثرة »(1/356)
« الشيء أخوف عليكم من قلته، والله لا يزال هذا الأمر فيكم حتى يفتح لكم جند بالشام وجند بالعراق وجند باليمن، حتى يعطى الرجل المائة فيسخطها. قال عبد الله بن حوالة : ومتى نستطيع الشام مع الروم ذات القرون ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليفتحها لكم ويستخلفكم فيها حتى تظل العصابة منهم البيض قمصهم المحلقة أقفاؤهم قيامًا على الرويجل الأسيود منكم، ما أمرهم بشيء فعلوه، وإن بها اليوم رجالًا لأنتم أحقر في أعينهم من القردان في أعجاز الإبل » .
رواه الطبراني بإسنادين. قال الهيثمي : "رجال أحدهما رجال الصحيح؛ غير نصر بن علقمة، وهو ثقة".
وقد رواه البيهقي، ولفظه: قال عبد الله بن حوالة : « كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكونا إليه العري والفقر وقلة الشيء، فقال: "أبشروا، فوالله لأنا بكثرة الشيء أخوف عليكم من قلته، والله لا يزال هذا الأمر فيكم حتى يفتح الله عليكم أرض الشام (أو قال: أرض فارس، وأرض الروم، وأرض حمير)، وحتى تكونوا أجنادًا ثلاثة: جند بالشام، وجند بالعراق، وجند باليمن » وذكر بقية الحديث بنحو ما تقدم، وزاد: قال أبو علقمة نصر بن علقمة : سمعت عبد الرحمن بن جبير بن نفير يقول: فعرف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نعت هذا الحديث في جزء بن سهيل السلمي، وكان على الأعاجم في ذلك الزمان، فكانوا إذا رجعوا من المسجد؛ نظروا إليه وإليهم قياما حوله، فيعجبون لنعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وفيهم.
ورواه: ابن عساكر في "تاريخه"، وثابت بن قاسم في "الدلائل"؛ بنحوه وزادا بعد قوله: "وكان على الأعاجم ": "وكان أسود قصيرا؛ فكانوا يرون تلك الأعاجم وهم حوله قيام؛ لا يأمرهم بشيء إلا فعلوه، فيتعجبون من هذا الحديث".(1/357)
وعن جبير بن نفير؛ قال: كان عبد الله بن وراح قديما له صحبة، وحدثنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يوشك أن يؤمر عليكم الرويجل، فيجتمع عليه قوم، محلقة أقفيتهم بيض قمصهم، فإذا أمرهم بشيء حضروا . ثم إن عبد الله بن وراح ولي على بعض المدن، فاجتمع إليه قوم من الدهاقين، محلقة أقفيتهم بيض قمصهم، فكان إذا أمرهم بشيء، حضروا، فيقول: صدق الله ورسوله » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة ": (وراح) براء ثقيلة، ثم حاء مهملة ".
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "تمثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب، وإنكم ستفتحونها". فقام رجل فقال: يا رسول الله، هب لي بنت بقيلة. فقال: "هي لك" فأعطوه إياها. فجاء أخوها فقال: أتبيعها ؟ قال: نعم. قال: فاحتكم ما شئت. قال: بألف درهم. قال: قد أخذتها بألف. قالوا: لو قلت ثلاثين ألفًا ؟ قال: وهل عدد أكثر من ألف ؟ » .
رواه ابن حبان في "صحيحه"، والطبراني وهذا لفظه. قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
وعنه رضي الله عنه؛ قال: « بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل، فشكى إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكى إليه قطع السبيل، فقال: "يا عدي، هل رأيت الحيرة ؟ " قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها. قال: "فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدًا إلا الله". قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دعار طيئ الذين قد سعروا البلاد ؟ ! "ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى". قلت: كسرى بن هرمز؟ "ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه؛ فلا يجد أحدًا يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه »(1/358)
« ترجمان يترجم له، فيقول: ألم أبعث إليك رسولًا فيبلغك ؟ فيقول: بلى. فيقول: ألم أعطك مالًا وأفضل عليك ؟ فيقول: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم » . قال عدي رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة . قال عدي رضي الله عنه: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: يخرج ملء كفه » .
رواه البخاري .
وعنه رضي الله عنه؛ قال: « أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلمني الإسلام ونعت لي الصلاة وكيف أصلي كل صلاة لوقتها، ثم قال لي: كيف أنت يابن حاتم إذا ركبت من قصور اليمن لا تخاف إلا الله حتى تنزل قصور الحيرة ؟ قال: قلت: يا رسول الله ! فأين مقانب طيئ ورجالها ؟ قال: "يكفيك الله طيئًا ومن سواها » .
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم .
(المقانب): جمع مقنب؛ بكسر الميم: جماعة الخيل والفرسان.
وعنه رضي الله عنه؛ قال: « دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: "يا عدي بن حاتم ! أسلم تسلم (ثلاثًا) ". قال: قلت: إني على دين. قال: "أنا أعلم بدينك منك". فقلت: أنت أعلم بديني مني ؟ ! قال: " نعم؛ ألست من الركوسية وأنت تأكل مرباع قومك ؟ " قلت: بلى. قال: "فإن هذا لا يحل لك في دينك". قال: فلم يعد أن قالها، فتواضعت لها، فقال: "أما إني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام تقول: إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة له وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة ؟". قلت: لم أرها وقد سمعت بها. قال: "فوالذي نفسي »(1/359)
« بيده؛ ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، وليفتحن كنوز كسرى بن هرمز ". قال: قلت: كسرى بن هرمز ؟ ! قال: " نعم، كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد » . قال عدي بن حاتم : فهذه الظعينة تخرج من الحيرة، فتطوف بالبيت في غير جوار، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها.
رواه الإمام أحمد وإسناده حسن، وقد رواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "مستدركه" بنحوه، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يفتح القصر الأبيض الذي في المدائن، ولا تقوم الساعة حتى تسير الظعينة من الحجاز إلى العراق آمنة لا تخاف شيئًا ؛ فقد رأيتهما جميعا، ولا تقوم الساعة حتى يكون على الناس إمام يحثي المال حثيًا » .
رواه ابن النجار .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي .
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله تبارك وتعالى » .(1/360)
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
وعنه رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لتفتحن عصابة من المسلمين (أو من المؤمنين) كنز آل كسرى الذي في الأبيض » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم . وزاد أحمد في رواية له: "قال جابر : فكنت فيهم فأصابني ألف درهم".
وعن ثوبان رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض » ... الحديث.
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأهل السنن إلا النسائي، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح".
وعن شداد بن أوس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله عز وجل زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها، وإني أعطيت الكنزين الأبيض والأحمر » ... الحديث.
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم . ورواه أيضا: ابن جرير، والبزار، وابن مردويه .
قال النووي : "قال العلماء: المراد بالكنزين: الذهب والفضة، والمراد كنز كسرى وقيصر ملكي العراق والشام". انتهى.
وعن ابن محيريز؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « فارس نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعد هذا أبدًا، والروم ذات القرون، كلما هلك قرن خلفه قرن، أهل صخر وأهل بحر، هيهات لآخر الدهر هم أصحابكم ما دام في العيش خير » .
رواه الحارث بن أبي أسامة مرسلا، والواقع يشهد له بالصحة.(1/361)
قال ابن الأثير في "النهاية": "وفيه: فارس نطحة أو نطحتين ثم لا فارس بعدها أبدًا معناه: أن فارس تقاتل المسلمين مرة أو مرتين، ثم يبطل ملكها ويزول". انتهى.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إنكم منصورون، ومصيبون، ومفتوح لكم، فمن أدرك ذلك منكم؛ فليتق الله، وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر » ... الحديث.
رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح". وقال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي أيوب رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ستفتح عليكم الأمصار، وستكون جنود مجندة » ... الحديث.
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود .
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ستفتح عليكم أرضون، ويكفيكم الله؛ فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، والترمذي، ولفظه: « ألا إن الله سيفتح لكم الأرض، وستكفون المؤنة؛ فلا يعجزن أحدكم أن يلهو بأسهمه » .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إنها ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتًا يقال لها: الحمامات » ... الحديث.
رواه: أبو داود، وابن ماجه .
وعن وحشي بن حرب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لعلكم »(1/362)
« تستفتحون بعدي مدائن عظامًا، وتتخذون في أسواقها مجالس، فإذا كان ذلك فردوا السلام، وغضوا من أبصاركم، واهدوا الأعمى، وأعينوا المظلوم » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "رجاله كلهم وثقوا، وفي بعضهم ضعف".
باب
ما جاء في فتح مصر
عن عبد الرحمن بن شماسة المهري؛ قال: سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنكم ستفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط؛ فاستوصوا بأهلها خيرًا؛ فإن لهم ذمة ورحمًا؛ فإذا رأيتم رجلين يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها . قال: فمر بربيعة وعبد الرحمن ابني شرحبيل بن حسنة يتنازعان في موضع لبنة، فخرج منها » .
رواه: الإمام أحمد ، ومسلم، وهذا لفظه.
وفي رواية لهما عن عبد الرحمن بن شماسة عن أبي بصرة عن أبي ذر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذمة ورحمًا (أو قال: ذمة وصهرًا)؛ فإذا رأيت رجلين يختصمان في موضع لبنة؛ فاخرج منها . قال: فرأيت عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وأخاه ربيعة يختصمان في موضع لبنة، فخرجت منها » .
وقد حكى الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة : أنه سئل عن قوله: "ذمة ورحما" ؟ فقال: من الناس من قال: إن أم إسماعيل هاجر كانت قبطية، ومن الناس من قال: أم إبراهيم؛ يعني: ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(1/363)
قال ابن كثير بعد أن ذكر هذا القول: "والصحيح الذي لا شك فيه أنهما قبطيتان". قال: "ومعنى قوله: "ذمة"؛ يعني بذلك هدية المقوقس إليه، وقبوله ذلك منه، وذلك نوع ذمام ومهادنة". انتهى.
ومعنى قوله: "رحما": أن أم إسماعيل كانت من القبط، وهي أم جميع العرب العدنانية؛ فبين العرب العدنانية وبين القبط رحم من جهة أم إسماعيل . والله أعلم.
وعن كعب بن مالك رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إذا فتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا؛ فإن لهم ذمًا ورحمًا » . وفي رواية « إن لهم ذمة ورحمًا » ؛ يعني: أن أم إسماعيل كانت منهم.
رواه الطبراني بإسنادين. قال الهيثمي : "ورجال أحدهما رجال الصحيح".
وعن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى عند وفاته فقال: « الله الله في قبط مصر؛ فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانًا في سبيل الله » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
وعن حميد بن هانئ : أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي وعمرو بن حريث وغيرهما يقولان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إنكم ستقدمون على قوم جعد رؤوسهم فاستوصوا بهم خيرًا؛ فإنهم قوة لكم وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله يعني: قبط مصر » .
رواه: ابن حبان في "صحيحه"، وأبو يعلى . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".(1/364)
باب
ما جاء في غزوة الهند
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: « وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الهند، فإن أدركتها أنفق نفسي ومالي، فإن أقتل كنت من أفضل الشهداء، وإن أرجع فأنا أبو هريرة المحرر » .
رواه: الإمام أحمد، والنسائي، والحاكم .
وفي رواية لأحمد : قال: حدثني خليلي الصادق المصدوق رسول الله صلى الله عليه وسلم « أنه يكون في هذه الأمة بعث إلى السند والهند » ... ، وذكر بقيته بنحوه، وزاد: قد أعتقني من النار .
وهذه الزيادة تبين معنى قوله: "المحرر".
وعن ثوبان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار: عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام » .
رواه: الإمام أحمد، والنسائي، والطبراني .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وذكر الهند -: « يغزو الهند منكم جيش؛ يفتح الله عليهم حتى يأتوا بملوكهم مغللين بالسلاسل، يغفر الله ذنوبهم، فينصرفون حين ينصرفون، فيجدون ابن مريم بالشام » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
قال ابن كثير في "البداية والنهاية": "وقد غزى المسلمون الهند في أيام(1/365)
معاوية سنة أربع وأربعين، وكانت هنالك أمور، وقد غزا الملك الكبير الجليل محمود بن سبكتكين صاحب غزنة في حدود أربعمائة بلاد الهند، فدخل فيها وقتل أسر وسبى وغنم ودخل السومنات وكسر البد الأعظم الذي يعبدونه واستلب شنوفه وقلائده، ثم رجع سالما مؤيدا منصورا ". انتهى.
قلت: وقد استوفى أبو الحسن علي بن محمد بن الأثير الجزري أخبار غزو السلطان محمود للهند في كتابه "الكامل في التاريخ"؛ فلتراجع هناك.
وما ذكر في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه نعيم بن حماد من غزو الهند؛ فهو لم يقع إلى الآن، وسيقع عند نزول عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام إن صح الحديث بذلك. والله أعلم.
باب
ما جاء في قتال الترك وخوز وكرمان
عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا نعالهم الشعر، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا صغار الأعين ذلف الآنف، كأن وجوههم المجان المطرقة » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وأهل السنن إلا النسائي، وهذا لفظ أبي داود . وقال الترمذي : "وهذا حديث حسن صحيح". قال: "وفي الباب عن أبي بكر الصديق وبريدة وأبي سعيد وعمرو بن تغلب ومعاوية رضي الله عنهم".(1/366)
قلت: أما حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ فسيأتي مع الأحاديث في شيعة الدجال وأتباعه، وأحاديث الباقين تأتي في هذا الباب إن شاء الله تعالى.
قال ابن الأثير : " (الذلف)؛ بالتحريك: قصر الأنف وانبطاحه، وقيل: ارتفاع طرفه مع صغر أرنبته، و (الذلف)؛ بسكون اللام: جمع أذلف ؛ كأحمر وحمر". وقال الخطابي : "يقال: أنف أذلف: إذا كان فيه غلظ وانبطاح. و (المجان): جمع المجن، وهو الترس. و (المطرقة): التي قد عليت بطارق، وهو الجلد الذي يغشاه. وشبه وجوههم في عرضها ونتوء وجناتها بالترس قد ألبست الأطرقة". وقال ابن الأثير : " " كأن وجوههم المجان المطرقة "؛ أي: التراس التي ألبست العقب شيئا فوق شيء، ومنه: طارق النعل؛ إذا صيرها طاقا فوق طاق، وركب بعضها فوق بعض". انتهى.
وعن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا نعالهم الشعر، وحتى تقاتلوا الترك: صغار الأعين، حمر الوجوه، ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وابن ماجه، وهذا لفظ البخاري .
وعن سهيل (وهو ابن أبي صالح ) عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك؛ قومًا وجوههم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر » .
رواه: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وهذا لفظ مسلم .
وعن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزًا وكرمان من الأعاجم : حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين، كأن وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر » .(1/367)
رواه: الإمام أحمد، والبخاري، وهذا لفظه.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": " (خوز)؛ بضم الخاء المعجمة وسكون الواو بعدها زاي: قوم من العجم. و (كرمان)؛ بكسر الكاف على المشهور - ويقال: بفتحها - والراء ساكنة على كل حال. وتقدم في الرواية التي قبلها: "تقاتلون الترك"، واستشكل؛ لأن خوزا وكرمان ليسا من بلاد الترك: أما خوز فمن بلاد الأهواز، وهي من عراق العجم، وقيل: الخوز صنف من الأعاجم. وأما كرمان فبلدة مشهورة من بلاد العجم أيضا، بين خراسان وبحر الهند، ويمكن أن يجاب بأن هذا الحديث غير حديث قتال الترك، ويجتمع منهما الإنذار بخروج الطائفتين".
قلت: وسيأتي في أحاديث الدجال أنه ينزل خوز وكرمان في سبعين ألفا وجوههم كالمجان المطرقة، رواه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وعلى هذا فلعل المراد بما في حديث همام أعوان الدجال، ووقع الإنذار بهم وبالترك لشدة بأس كل من الطائفتين. والله أعلم.
وعن قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تقاتلون بين يدي الساعة قومًا نعالهم الشعر، كأن وجوههم المجان المطرقة، حمر الوجوه، صغار الأعين » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وهذا لفظ مسلم .
وفي رواية أحمد: أنه قال: « قريب بين يدي الساعة تقاتلون قومًا نعالهم الشعر، وتقاتلون قومًا صغار الأعين، حمر الوجوه، كأنها المجان المطرقة » .
ولفظ البخاري : قال: « سمعته يقول (وقال هكذا بيده): "بين يدي الساعة تقاتلون قومًا نعالهم الشعر" وهو هذا البارز » . وقال سفيان مرة: « وهم أهل البازر » .(1/368)
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وقع ضبط الأولى بفتح الراء بعدها زاي، وفي الثانية بتقديم الزاي على الراء، والمعروف الأول، ووقع عند ابن السكن وعبدوس بكسر الزاي وتقديمها على الراء، وبه جزم الأصيلي وابن السكن، ومنهم من ضبطه بكسر الراء. قال القابسي : معناه البارزين لقتال أهل الإسلام؛ أي: الظاهرين في براز من الأرض. ويقال: معناه القوم الذين يقاتلون، تقول العرب: هذا البارز: إذا أشارت إلى شيء ضار. وقال ابن كثير : قول سفيان المشهور في الرواية من تقديم الراء على الزاي، وعكسه تصحيف، كأنه اشتبه على الراوي، من البارز، وهو السوق بلغتهم. وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق مروان بن معاوية وغيره عن إسماعيل، وقال فيه أيضا: وهم هذا البارز.
وأخرجه أبو نعيم من طريق إبراهيم بن بشار عن سفيان، وقال في آخره: قال أبو هريرة رضي الله عنه: وهم هذا البارز؛ يعني: الأكراد. وقال غيره: البارز: الديلم؛ لأن كلا منهما يسكنون في براز من الأرض أو الجبال وهي بارزة عن وجه الأرض. وقيل: هي أرض فارس؛ لأن منهم من يجعل الباء موحدة والزاي سينا.
وقيل غير ذلك. وقيل: البارز ناحية قريبة من كرمان، بها جبال، فيها أكراد، فكأنهم سموا باسم بلادهم". قال: "وقد ظهر مصداق هذا الخبر". انتهى المقصود من كلامه ملخصا.
وعن الحسن؛ قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا ينتعلون الشعر، وحتى تقاتلوا قومًا عراض الوجوه، خنس الأنوف، صغار الأعين، كأن وجوههم المجان المطرقة » .
رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين، ثم روى بالإسناد نفسه عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.
وعن عمرو بن تغلب رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن من »(1/369)
« أشراط الساعة أن تقاتلوا قومًا ينتعلون نعال الشعر، وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قومًا عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والبخاري، وابن ماجه .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "هذا والحديث الذي بعده - يعني حديث الأعرج عن أبي هريرة وحديث ابن المسيب عن أبي هريرة - ظاهر في أن الذين ينتعلون الشعر غير الترك، وقد وقع للإسماعيلي من طريق محمد بن عباد؛ قال: بلغني أن أصحاب بابك كانت نعالهم الشعر".
قال ابن حجر : " ( بابك )؛ بموحدتين مفتوحتين وآخره كاف، يقال له: الخرمي؛ بضم المعجمة وتشديد الراء المفتوحة، وكان من طائفة من الزنادقة استباحوا المحرمات، وقامت لهم شوكة كبيرة في أيام المأمون، وغلبوا على كثير من بلاد العجم؛ كطبرستان والري، إلى أن قتل بابك المذكور في أيام المعتصم، وكان خروجه في سنة إحدى ومئتين أو قبلها، وقتله في سنة اثنتين وعشرين؛ يعني بعد المئتين ". انتهى.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا صغارا الأعين، عراض الوجوه، كأن أعينهم حدق الجراد، وكأن وجوههم المجان المطرقة، ينتعلون الشعر، ويتخذون الدرق، حتى يربطوا خيولهم بالنخل » .
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، وإسناد أحمد صحيح على شرط مسلم، وإسناد ابن ماجه جيد أيضا.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
رواه البزار .(1/370)
وعن عامر بن واثلة عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه مرفوعا: « يوشك خيل الترك مخرمة الآذان أن تربط بسعف نخل نجد » .
رواه ابن قانع، وذكره صاحب "كنز العمال".
وقد ظهر مصداق هذا الحديث في أثناء القرن الثاني عشر من الهجرة، حين جاء الترك وأعوانهم من المفسدين في الأرض، فعاثوا في بلاد نجد بالقتل والتخريب والإفساد.
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه؛ قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « إن أمتي يسوقها قوم عراض الأوجه، صغار الأعين، كأن وجوههم الحجف (ثلاث مرار)، حتى يلحقوهم بجزيرة العرب: أما السياقة الأولى فينجو من هرب منهم، وأما الثانية فيهلك بعض وينجو بعض، وأما الثالثة؛ فيصطلمون كلهم من بقي منهم ". قالوا: يا نبي الله من هم ؟ قال: "الترك". قال: "أما والذي نفسي بيده ليربطن خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين" . قال: وكان بريدة لا يفارقه بعيران أو ثلاثة ومتاع السفر والأسقية بعد ذلك؛ للهرب مما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم من البلاء من أمراء الترك » . رواه الإمام أحمد وإسناده صحيح على شرط مسلم .
وقد رواه: أبو داود، والبزار، والحاكم مختصرا، ولفظ الحاكم : قال: « يجيء قوم صغار العيون، عراض الوجوه، كأن وجوههم الحجف، فيلحقون أهل الإسلام بمنابت الشيح، كأني أنظر إليهم وقد ربطوا خيولهم بسواري المسجد . فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ! من هم ؟ قال: "الترك » .
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".(1/371)
(الحجف): جمع حجفة، وهي الترس.
(الاصطلام): الاستئصال: قال أبو داود : "وهو القطع المستأصل". وقال الخطابي : "أصله من الصلم، وهو القطع". وقال ابن الأثير: "الاصطلام: استئصال الشيء وأخذه جملة".
وعن معاوية بن حديج رضي الله عنه؛ قال: « كنت عند معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما حين جاءه كتاب من عامله يخبره أنه أوقع بالترك وهزمهم وكثرة من قتل منهم وكثرة ما غنم، فغضب معاوية من ذلك، ثم أمر أن يكتب إليه: قد فهمت ما ذكرت مما قتلت وغنمت؛ فلا أعلمن ما عدت لشيء من ذلك، ولا قاتلتهم؛ حتى يأتيك أمري. قلت له: لم يا أمير المؤمنين ؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لتظهرن الترك على العرب حتى تلحقها بمنابت الشيح والقيصوم فأنا أكره قتالهم لذلك » .
رواه أبو يعلى . قال الهيثمي : "وفيه من لم أعرفهم".
قلت: وحديث بريدة يشهد له ويقويه.
وأيضا فقد ظهر مصداقه، وشهد له الواقع بالصحة، وذلك حين ظهرت التتار على المسلمين، وألحقوا العرب بمنابت الشيح والقيصوم من جزيرة العرب.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "يوشك أن لا تأخذوا من الكوفة نقدا ولا درهما". قيل: وكيف ؟ قال: "يجيء قوم كأن وجوههم المجان المطرقة، حتى يربطوا خيولهم على السواد، فيجلوكم إلى منابت الشيح، حتى إن البعير والزاد أحب إلى أحدكم من القصر من قصوركم هذه".
رواه ابن أبي شيبة .(1/372)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: "تضاف العرب إلى منازلها الأولى، حتى يكون خير مالها الشاة والبعير".
رواه عبد الرزاق في "مصنفه"، وإسناده صحيح على شرط مسلم .
وعن أبي بكرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لتنزلن طائفة من أمتي أرضًا يقال لها البصرة، يكثر بها عددهم، ويكثر بها نخلهم، ثم يجيء بنو قنطوراء: عراض الوجوه، صغار العيون، حتى ينزلوا على جسر لهم، يقال له: دجلة، فيتفرق المسلمون ثلاث فرق: فأما فرقة فتأخذ بأذناب الإبل وتلحق بالبادية وهلكت، وأما فرقة فتأخذ على أنفسها، فكفرت؛ فهذه وتلك سواء، وأما فرقة فيجعلون عيالهم خلف ظهورهم ويقاتلون؛ فقتلاهم شهداء، ويفتح الله على بقيتهم » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وابن أبي شيبة، وأبو داود السجستاني، وابن حبان في "صحيحه".
قال العوام بن حوشب أحد رواته: "بنو قنطوراء هم الترك". ذكره الإمام أحمد في روايته.
« وعن إبراهيم بن صالح بن درهم؛ قال: سمعت أبي يقول: انطلقنا حاجين؛ فإذا رجل، فقال لنا: إلى جنبكم قرية يقال لها: الأبلة ؟ قلنا: نعم. قال: من يضمن لي منكم أن يصلي في مسجد العشار ركعتين أو أربعا، ويقول: هذه لأبي هريرة ؟ سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يبعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء، لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم » .
رواه أبو داود، وقال: "هذا المسجد بباب النهر" .
قال ابن الأثير : " (الأبلة)؛ بضم الهمزة والباء وتشديد اللام: البلد(1/373)
المعروف قرب البصرة من جانبها البحري، قيل: هو اسم نبطي". انتهى.
وعن عقبة بن عمرو بن أوس السدوسي؛ قال: "أتينا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وعليه بردان قطريان وعليه عمامة وليس عليه سربال (يعني: القميص)، فقلنا له: إنك قد رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورويت الكتب. فقال: ممن أنتم ؟ قال: فقلنا: من أهل العراق. فقال: إنكم يا أهل العراق تكذبون وتكذبون وتسخرون. قال: فقلت: لا والله لا نكذبك ولا نكذب عليك ولا نسخر منك. قال: فإن بني قنطوراء بن كركر لا يخرجون حتى يربطوا خيولهم بنخل الأبلة، كم بينها وبين البصرة ؟ قال: فقلنا: أربع فراسخ. قال: فيبعثون أن خلوا بيننا وبينها. قال: فيلحق ثلث بهم وثلث بالكوفة وثلث بالأعراب. ثم يبعثون إلى أهل الكوفة أن خلوا بيننا وبينها، فيلحق ثلث بهم وثلث بالأعراب وثلث بالشام. قال: فقلنا: ما أمارة ذلك ؟ قال: إذا طبقت الأرض إمارة الصبيان ".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال: "يوشك بنو قنطوراء بن كركر أن يخرجوا أهل العراق من أرضهم. قلت: ثم يعودون ؟ قال: إنك لتشتهي ذلك ؟ قال: ويكون لهم سلوة من عيش".
رواه الحاكم في "مستدركه".
وقد رواه عبد الرزاق في "مصنفه" والحاكم من طريقه، ولفظه: "قال عبد الله بن عمرو : أوشك بنو قنطوراء أن يخرجوكم من أرض العراق. قال: قلت: ثم يعودون ؟ قال: وذاك أحب إليك؟ ثم يعودون ويكون لهم بها سلوة من(1/374)
عيش".
قال الحاكم :"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
قال الحاكم : "وبنو قنطوراء هم الترك". وكذا قال الخطابي وابن منظور في "لسان العرب". وقد تقدم قول العوام بن حوشب في ذلك. قال الخطابي : "يقال: إن قنطوراء اسم جارية كانت لإبراهيم صلوات الله وسلامه عليه، ولدت له أولادا جاء من نسلهم الترك". وكذا قال ابن الأثير، وابن منظور، وزادا: "أن الصين من نسلها أيضا". قال ابن منظور : "وقيل: بنو قنطوراء هم السودان".
وقال صاحب "القاموس": "بنو قنطوراء هم الترك، أو السودان، أو هي جارية لإبراهيم من نسلها الترك". انتهى.
والقول الأول هو المشهور، ويدل له حديث بريدة وحديث معاوية، وقد تقدم ذكرهما قريبا، ويدل له أيضا حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وسيأتي في آخر الباب، وحديثه الآخر وسيأتي في الباب بعد هذا. والله أعلم.
وقال ابن حجر في "فتح الباري": "اختلف في أصل الترك: فقال الخطابي : هم بنو قنطوراء، أمة كانت لإبراهيم عليه السلام. وقال كراع: هم الديلم. وتعقب بأنهم جنس من الترك، وكذلك الغز. وقال أبو عمر : هم من أولاد يافث، وهم أجناس كثيرة. وقال وهب بن منبه : هم بنو يأجوج ومأجوج، لما بنى ذو القرنين السد كان بعض يأجوج ومأجوج غائبين؛ فتركوا لم يدخلوا مع قومهم؛ فسموا الترك، وقيل: إنهم من نسل تبع، وقيل: من ولد أفريدون بن سام بن نوح . وقيل: ابن يافث لصلبه. وقيل: ابن كومي بن يافث ". انتهى.
والمشهور ما قاله أبو عمر ووهب بن منبه، والله أعلم.(1/375)
قال سعيد بن المسيب : "ولد نوح عليه الصلاة والسلام ثلاثة: سام وحام ويافث : فولد سام العرب وفارس والروم، وفي كل هؤلاء خير، وولد حام السودان والبربر والقبط، وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج".
رواه الحاكم في "مستدركه".
وقد رواه البزار في "مسنده" من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ولد لنوح سام وحام ويافث، فولد لسام العرب وفارس والروم، والخير فيهم، وولد ليافث يأجوج ومأجوج والترك والسقالبة، ولا خير فيهم، وولد لحام القبط والبربر والسودان » .
في إسناده محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي عن أبيه، وكلاهما ضعيف.
قال ابن كثير : "والمحفوظ عن سعيد من قوله ، وهكذا روي عن وهب بن منبه مثله ". انتهى.
وعن عبد الله بن بريدة الأسلمي : "أن سلمان بن ربيعة العنزي حدثه: أنه حج مرة في إمرة معاوية ومعه المنتصر بن الحارث الضبي في عصابة من قراء أهل البصرة. قال: فلما قضوا نسكهم قالوا: والله لا نرجع إلى البصرة حتى نلقى رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مرضيا يحدثنا بحديث يستظرف نحدث به أصحابنا إذا رجعنا إليهم. قال: فلم نزل نسأل حتى حدثنا أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما نازل بأسفل مكة فعمدنا إليه؛ فإذا نحن بثقل عظيم يرتحلون ثلاثمائة راحلة، منها مائة راحلة ومئتا زاملة، فقلنا: لمن هذا الثقل ؟ قالوا: لعبد الله بن عمرو، فقلنا: أكل هذا له وكنا نحدث أنه من أشد الناس تواضعا ؟ ! قال: فقالوا: ممن أنتم ؟ فقلنا: من أهل العراق. قال: فقالوا: العيب منكم حق يا أهل العراق، أما هذه المائة راحلة؛ فلإخوانه يحملهم عليها، وأما المئتا زاملة؛ فلمن نزل عليه من الناس. قال: فقلنا: دلونا عليه. فقالوا: إنه(1/376)
في المسجد الحرام. قال: فانطلقنا نطلبه، حتى وجدناه في دبر الكعبة جالسا؛ فإذا هو قصير، أرمص، أصلع، بين بردين وعمامة، ليس عليه قميص، قد علق نعليه في شماله. فقلنا: يا عبد الله ! إنك رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فحدثنا حديثا ينفعنا الله تعالى به بعد اليوم. قال: فقال لنا: ومن أنتم ؟ قال: فقلنا له: لا تسأل من نحن؛ حدثنا غفر الله لك. قال: فقال: ما أنا بمحدثكم شيئا حتى تخبروني من أنتم ؟ قلنا: وددنا أنك لم تنقدنا، وأعفيتنا، وحدثتنا بعض الذي نسألك عنه. قال: فقال: والله لا أحدثكم حتى تخبروني من أي الأمصار أنتم ؟ قال: فلما رأيناه حلف ولج؛ قلنا: فإنا ناس من العراق. قال: فقال: أف لكم كلكم يا أهل العراق؛ إنكم تكذبون وتكذبون وتسخرون. قال: فلما بلغ إلى السخرى وجدنا من ذلك وجدا شديدا. قال: فقلنا: معاذ الله أن نسخر من مثلك ! أما قولك الكذب؛ فوالله لقد فشا في الناس الكذب وفينا. وأما التكذيب؛ فوالله إنا لنسمع الحديث لم نسمع به من أحد نثق به؛ فإذا نكاد نكذب به. وأما قولك السخرى؛ فإن أحدا لا يسخر بمثلك من المسلمين، فوالله إنك اليوم لسيد المسلمين فيما نعلم نحن؛ إنك من المهاجرين الأولين، ولقد بلغنا أنك قرأت القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يكن في الأرض قرشي أبر بوالديه منك، وأنك كنت أحسن الناس عينا فأفسد عينيك البكاء، ثم لقد قرأت الكتب كلها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أحد أفضل منك علما في أنفسنا، وما نعلم بقي من العرب رجل كان يرغب عن فقهاء أهل مصره حتى يدخل إلى مصر آخر يبتغي العلم عند رجل من العرب غيرك؛ فحدثنا غفر الله لك. فقال: ما أنا بمحدثكم حتى تعطوني موثقا أن لا تكذبوني، ولا تكذبون علي، ولا تسخرون. قال: فقلنا: خذ علينا ما شئت من مواثيق. فقال: عليكم عهد الله ومواثيقه أن لا تكذبوني ولا تكذبون علي ولا تسخرون لما أحدثكم. قال: فقلنا له: علينا ذاك. قال: فقال: إن الله تعالى عليكم كفيل ووكيل؟ فقلنا: نعم.(1/377)
فقال: اللهم اشهد عليهم. ثم قال عند ذاك: أما ورب هذا المسجد والبلد الحرام واليوم الحرام والشهر الحرام، ولقد استسمنت اليمين، أليس هكذا ؟ قلنا: نعم قد اجتهدت. قال: ليوشكن بنو قنطوراء بن كركرى: خنس الأنوف، صغار الأعين، كأن وجوههم المجان المطرقة في كتاب الله المنزل: أن يسوقوكم من خراسان وسجستان سياقا عنيفا، قوم يوفون اللمم، وينتعلون الشعر، ويحتجزون السيوف على أوساطهم، حتى ينزلوا الأبلة. ثم قال: وكم الأبلة من البصرة ؟ قلنا: أربع فراسخ. قال: ثم يعقدون بكل نخلة من نخل دجلة رأس فرس، ثم يرسلون إلى أهل البصرة أن اخرجوا منها قبل أن ننزل عليكم، فيخرج أهل البصرة من البصرة؛ فيلحق لاحق ببيت المقدس، ويلحق آخرون بالمدينة، ويلحق آخرون بمكة، ويلحق آخرون بالأعراب. قال: فينزلون بالبصرة سنة، ثم يرسلون إلى أهل الكوفة أن اخرجوا منها قبل أن ننزل عليكم، فيخرج أهل الكوفة منها، فيلحق لاحق ببيت المقدس، ولاحق بالمدينة، وآخرون بمكة، وآخرون بالأعراب؛ فلا يبقى أحد من المصلين إلا قتيلا أو أسيرا يحكمون في دمه ما شاؤوا. قال: فانصرفنا عنه وقد ساءنا الذي حدثنا، فمشينا من عنده غير بعيد، ثم انصرف المنتصر بن الحارث الضبي، فقال: يا عبد الله بن عمرو قد حدثتنا فطعنتنا؛ فإنا لا ندري من يدركه منا؛ فحدثنا هل بين يدي ذلك علامة ؟ فقال عبد الله بن عمرو : لا تعدم عقلك؛ نعم بين يدي ذلك أمارة. قال المنتصر بن الحارث : وما الأمارة ؟ قال: الأمارة العلامة. قال: وما تلك العلامة ؟ قال: هي إمارة الصبيان، فإذا رأيت إمارة الصبيان قد طبقت الأرض اعلم أن أن الذي أحدثك قد جاء. قال: فانصرف عنه المنتصر، فمشى قريبا من غلوة ثم رجع إليه. قال: فقلنا له: علام تؤذي هذا الشيخ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: والله لا أنتهي حتى يبين لي، فلما رجع إليه بينه".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم(1/378)
يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي الأسود الديلي؛ قال: « انطلقت أنا وزرعة بن ضمرة الأشعري إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلقينا عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، فقال: يوشك أن لا يبقى في أرض العجم من العرب إلا قتيل أو أسير يحكم في دمه. فقال زرعة : أيظهر المشركون على أهل الإسلام ؟ فقال: ممن أنت ؟ قال: من بني عامر بن صعصعة. فقال: لا تقوم الساعة حتى تدافع نساء بني عامر على ذي الخلصة (وثن كان يسمى في الجاهلية). قال: فذكرنا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قول عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، فقال عمر رضي الله عنه (ثلاث مرار): عبد الله بن عمرو أعلم بما يقول. فخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم الجمعة، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين حتى يأتي أمر الله . قال: فذكرنا قول عمر لعبد الله بن عمرو . فقال: صدق نبي الله صلى الله عليه وسلم، إذا كان ذلك كان الذي قلت » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وقال الذهبي في "تلخيصه": "على شرط البخاري ومسلم ". وقد رواه أبو يعلى عن شيخه أبي سعيد . قال الهيثمي : "فإن كان هو مولى بني هاشم فرجاله رجال الصحيح".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "يأتيكم قوم من قبل المشرق: عراض الوجوه، صغار العيون، كأنما نبتت أعينهم في الصخر، كأن وجوههم المجان المطرقة، حتى يربطوا خيولهم بشط الفرات".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن ابن سيرين : أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كأني بالترك قد أتتكم على براذين مجذمة الآذان حتى تربطها بشط الفرات".(1/379)
رواه عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين . ورواه الحاكم في "مستدركه" من طريق عبد الرزاق ولم يتكلم عليه، وقال الذهبي في "تلخيصه": "على شرط البخاري ومسلم ". ورواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح إن كان ابن سيرين سمع من ابن مسعود رضي الله عنه ".
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: "كأني بهم مشرقي آذان خيلهم رابطيها بحافتي الفرات".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن يزيد بن معاوية العامري : أنه سمع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: "كيف أنتم إذا رأيتم قوما (أو : أتاكم قوم) فطح الوجوه ؟ ! ".
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
قوله: "فطح الوجوه"؛ يعني: عراض الوجوه، وقد جاء ذلك صريحا فيما تقدم عن أبي هريرة وعمرو بن تغلب وأبي سعيد وبريدة وأبي بكرة والحسن رضي الله عنهم. قال ابن منظور في "لسان العرب": "الفطح: عرض في وسط الرأس والأرنبة حتى تلتزق بالوجه، كالثور الأفطح". انتهى.
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يوشك أن يملأ الله عز وجل أيديكم من العجم، ثم يكونون أسدًا لا يفرون، فيقتلون مقاتلتكم، ويأكلون فيأكم » .
رواه: الإمام أحمد بأسانيد صحيحة، والبزار، والطبراني، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".
وعن أنس وعبد الله بن عمرو وحذيفة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم(1/380)
نحوه، وفي أسانيدها ضعف.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يوشك أن يكثر فيكم من العجم أسد لا يفرون، فيقتلون مقاتلتكم، ويأكلون فيأكم » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
باب
النهي عن تهييج الترك والحبشة
عن أبي سكينة (رجل من المحررين) عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم » .
رواه: أبو داود، والنسائي .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « اتركوا الحبشة ما تركوكم؛ فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة » .
رواه: أبو داود، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف؛ قال: سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « اتركوا الحبشة ما تركوكم؛ فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة » . رواه: الإمام أحمد، ورجاله رجال الصحيح؛ غير موسى بن جبير، وهو ثقة.
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « اتركوا الترك ما تركوكم » .(1/381)
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات".
وعن عمر رضي الله عنه: أنه قال: « اتركوا هذه الفطح الوجوه ما تركوكم، فوالله لوددت أن بيننا وبينهم بحرًا لا يطاق » .
رواه ابن أبي شيبة .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اتركوا الترك ما تركوكم؛ فإن أول من يسلب أمتي ملكهم وما خولهم الله بنو قنطوراء » .
رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه عثمان بن يحيى القرقساني، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وقد وقع مصداق هذا الحديث والأحاديث المذكورة في الباب قبله.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وقد كان مشهورا في زمن الصحابة رضي الله عنهم حديث: « اتركوا الترك ما تركوكم » ، فروى الطبراني من حديث معاوية رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله.
وقاتل المسلمون الترك في خلافة بني أمية، وكان ما بينهم وبين المسلمين مسدودا، إلى أن فتح ذلك شيئا بعد شيء، وكثر السبي منهم، وتنافس الملوك فيهم؛ لما فيهم من الشدة والبأس، حتى كان أكثر عسكر المعتصم منهم، ثم غلب الأتراك على الملك، فقتلوا ابنه المتوكل، ثم أولاده واحدا بعد واحد، إلى أن خالط المملكة الديلم، ثم كان ملوك السامانية من الترك أيضا، فملكوا بلاد العجم، ثم غلب على تلك الممالك آل سبكتكين، ثم آل سلجوق، وامتدت مملكتهم إلى العراق والشام والروم، ثم كان بقايا أتباعهم بالشام، وهم آل زنكي، وأتباع هؤلاء، وهم بيت أيوب، واستكثر هؤلاء أيضا من الترك، فغلبوهم على المملكة بالديار المصرية والشامية والحجازية، وخرج على آل سلجوق في(1/382)
المائة الخامسة الغز، فخربوا البلاد، وفتكوا في العباد، ثم جاءت الطامة الكبرى بالتتر، فكان خروج جنكز خان بعد الستمائة، فأسعرت بهم الدنيا نارا، خصوصا المشرق بأسره، حتى لم يبق بلد منه إلا دخله شرهم، ثم كان خراب بغداد وقتل الخليفة المستعصم آخر خلفائهم على أيديهم في سنة ست وخمسين وستمائة ، ثم لم تزل بقاياهم يخربون، على أن كان آخرهم اللنك، ومعناه: الأعرج، واسمه تمر؛ بفتح المثناة وضم الميم وربما أشبعت، فطرق الديار الشامية، وعاث فيها، وحرق دمشق حتى صارت خاوية على عروشها، ودخل الروم والهند وما بين ذلك، وطالت مدته، إلى أن أخذه الله، وتفرق بنوه البلاد.
وظهر بجميع ما أوردته مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: « إن بني قنطوراء أول من يسلب أمتي ملكهم » ، وهو حديث أخرجه الطبراني من حديث معاوية، وكأنه يريد بقوله: "أمتي": أمة النسب لا أمة الدعوة؛ يعني: العرب. والله أعلم ". انتهى.
باب
ما جاء في تداعي الأمم على المسلمين
عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها . قال: قلنا: يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ ؟ قال: "أنتم يومئذ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل، ينتزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن". قال: قلنا: وما الوهن ؟ قال: "حب الحياة وكراهية الموت » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والبيهقي في "دلائل النبوة"، وهذا لفظ أحمد، وإسناده حسن.(1/383)
(الغثاء): الزبد، وما ارتفع على الماء مما لا ينتفع به. قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى، ونقله عنه البخاري رحمه الله تعالى في "صحيحه". وقال الراغب الأصفهاني : "يضرب به المثل فيما يضيع ويذهب غير معتد به".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لثوبان : كيف أنت يا ثوبان إذا تداعت عليكم الأمم كتداعيكم على قصعة الطعام تصيبون منه ؟ قال ثوبان : بأبي وأمي يا رسول الله أمن قلة بنا ؟ قال: "لا؛ أنتم يومئذ كثير، ولكن يلقى في قلوبكم الوهن". قالوا: وما الوهن يا رسول الله ؟ قال: "حبكم الدنيا، وكراهيتكم القتال » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني في "الأوسط" بنحوه. قال الهيثمي : "وإسناد أحمد جيد".
باب
ما جاء في حصر المسلمين بالمدينة
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يوشك المسلمون أن يحصروا بالمدينة حتى يكون أبعد مسالحهم سلاح » .
رواه: أبو داود، والطبراني في "الصغير"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
قال الزهري : " و (سلاح): قريب من خيبر".
رواه أبو داود .
وعن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يوشك أن »(1/384)
« يكون أقصى مسالح المسلمين سلاح » ، وسلاح: من خيبر.
رواه الطبراني في "الصغير".
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" من حديث الزهري عن سالم : أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: "يوشك أن يكون أقصى مسالح المسلمين سلاح"، وسلاح: قريب من خيبر.
وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يوشك أن يرجع الناس إلى المدينة، حتى تصير مسالحهم بسلاح » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر".
وهذا الحصر لم يقع إلى الآن، وكذلك الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية ورومية وقتل اليهود؛ فكل ذلك لم يقع إلى الآن. والله المستعان، وعليه التكلان.
باب
ارتفاع الفتن عند وقوع الملاحم
عن عوف بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لن يجمع الله على هذه الأمة سيفين: سيفًا منها، وسيفًا من عدوها » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود؛ بأسانيد جيدة، وفيها إسماعيل بن عياش، وفيه مقال، وقد وثقه أحمد وابن معين ودحيم والفلاس والبخاري والفسوي وابن عدي في أهل الشام، وضعفوه في أهل الحجار، وهذا من روايته عن الشاميين؛ فالحديث لذلك صحيح. والله أعلم.(1/385)
باب
ما جاء في الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية ورومية
عن أبي إدريس (وهو الخولاني )؛ قال: سمعت عوف بن مالك رضي الله عنه؛ قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال: « اعدد ستًا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطًا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا » .
رواه: البخاري، وابن ماجه، وهذا لفظ البخاري .
ولفظ ابن ماجه : قال: « أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في غزوة تبوك وهو في خباء من أدم، فجلست بفناء الخباء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادخل يا عوف !" فقلت: بكلي يا رسول الله ؟ قال: "بكلك". ثم قال: "يا عوف احفظ خلالًا ستًا بين يدي الساعة؛ إحداهن: موتي". قال: فوجمت عندها وجمة شديدة، فقال: "قل: إحدى، ثم فتح بيت المقدس، ثم داء يظهر فيكم يستشهد الله به ذراريكم وأنفسكم ويزكي به أعمالكم، ثم تكون الأموال فيكم حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطًا، وفتنة تكون بينكم لا يبقى بيت مسلم إلا دخلته، ثم تكون بينكم وبين بني الأصفر هدنة، فيغدرون بكم، فيسيرون إليكم في ثمانين غاية، تحت كل اثنا عشر ألفًا » .
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" بنحو رواية البخاري، وزاد: قال الوليد بن مسلم : فذاكرنا هذا الحديث شيخا من شيوخ أهل المدينة قوله: « ثم فتح بيت المقدس » ، فقال الشيخ: أخبرني سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه كان يحدث بهذه الستة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول بدل: « فتح بيت »(1/386)
« المقدس » : « عمران بيت المقدس » .
قال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه الحاكم أيضا من حديث الشعبي عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه؛ قال: « بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة من أدم؛ إذ مررت فسمع صوتي، فقال: "يا عوف بن مالك ! ادخل" فقلت: يا رسول الله ! أكلي أم بعضي ؟ فقال: "بل كلك" قال: فدخلت، فقال: "يا عوف اعدد ستًا بين يدي الساعة". فقلت: ما هن يا رسول الله ؟ قال: "موت رسول الله". فبكى عوف، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل إحدى". قلت: إحدى. ثم قال: "وفتح بيت المقدس، قل: اثنين". قلت: اثنين. قال: "وموت يكون في أمتي كقعاص الغنم، قل: ثلاث". قلت: ثلاث. قال: "وتفتح لهم الدنيا حتى يعطى الرجل المائة فيسخطها، قل: أربع. وفتنة لا يبقى أحد من المسلمين إلا دخلت عليه بيته، قل: خمس ". قلت: خمس. "وهدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر؛ يأتونكم على ثمانين غاية، كل غاية اثنا عشر ألفًا، ثم يغدرون بكم حتى حمل امرأة » . قال: فلما كان عام عمواس؛ زعموا أن عوف بن مالك قال لمعاذ بن جبل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: « اعدد ستًا بين يدي الساعة » ؛ فقد كان منهن ثلاث، وبقي الثلاث. فقال معاذ : إن لهذه مدة، ولكن خمس أظلتكم، من أدرك منهن شيئا، ثم استطاع أن يموت فليمت: أن يظهر التلاعن على المنابر، ويعطى مال الله على الكذب والبهتان ، وسفك الدماء بغير حق، وتقطع الأرحام، ويصبح العبد لا يدري أضال هو أم مهتد.
قال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".(1/387)
وقد رواه الإمام أحمد من حديث جبير بن نفير عن عوف بن مالك رضي الله عنه؛ قال: « أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه، فقال: " عوف ؟ " فقلت: نعم. فقال: "ادخل". قال: قلت: كلي أو بعضي؟ قال: "بل كلك". قال: "اعدد يا عوف ستًا بين يدي الساعة: أولهن موتي". قال: فاستبكيت حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكتني. قال: قلت: إحدى. "والثانية فتح بيت المقدس". قلت: اثنين. "والثالثة موتان يكون في أمتي يأخذهم مثل قعاص الغنم". قال: "ثلاثًا. والرابعة فتنة تكون في أمتي (وعظمها)، قل: أربعًا. والخامسة يفيض المال فيكم حتى إن الرجل ليعطى المائة دينار فيتسخطا. قل: خمسًا. والسادسة هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيسيرون إليكم على ثمانين غاية ". قلت: وما الغاية ؟ قال: "الراية، تحت كل راية اثنا عشر ألفًا، فسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها: الغوطة، في مدينة يقال لها: دمشق » .
إسناده صحيح على شرط مسلم . ورواه أيضا من حديث هشام بن يوسف عن عوف بن مالك رضي الله عنه بنحوه مختصرا، ورواته ثقات. ورواه أيضا من حديث محمد بن أبي محمد عن عوف بن مالك رضي الله عنه بنحوه، وفيه: « وفتنة تدخل بيت كل شعر ومدر » ، ورواته ثقات. وروى أبو داود طرفا من أوله، ثم روى عن صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم عن عثمان بن أبي العاتكة؛ قال: إنما قال: "أدخل كلي"؛ من صغر القبة.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "قوله: "غاية"؛ أي: راية، وسميت بذلك لأنها غاية المتبع إذا وقفت وقف". قال: "وجملة العدد المشار إليه تسعمائة ألف وستون ألفا، ولعل أصله ألف ألف، فألغيت كسوره. قال المهلب : فيه أن الغدر من أشراط الساعة، وفيه أشياء من علامات النبوة قد ظهر أكثرها. وقال ابن المنير : أما قصة الروم فلم تجتمع إلى الآن، ولا بلغنا أنهم غزوا في البر في هذا العدد؛ فهي من الأمور التي لم تقع بعد. وفيه بشارة ونذارة،(1/388)
وذلك أنه دل على أن العاقبة للمؤمنين مع كثرة ذلك الجيش، وفيه إشارة إلى أن عدد جيوش المسلمين سيكون أضعاف ما هو عليه". انتهى.
وقال ابن حجر أيضا: "والسادسة لم تجئ بعد".
قلت: ولم تقع إلى الآن، وستقع بلا شك، والله أعلم متى تكون.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ست من أشراط الساعة : موتي، وفتح بيت المقدس، وموت يأخذ في الناس كقعاص الغنم، وفتنة يدخل حربها بيت كل مسلم، وأن يعطى الرجل ألف دينار فيتسخطها، وأن تغدر الروم فيسيرون في ثمانين بندًا، تحت كل بند أثنا عشر ألفًا » .
رواه: الإمام أحمد ، والطبراني، وفيه النهاس بن قهم، وهو ضعيف، وحديث عوف بن مالك يشهد به ويقويه.
قال الجوهري وغيره من أهل اللغة: " (القعاص): داء يأخذ الغنم لا يلبثها أن تموت". وقال ابن منظور في "لسان العرب": " (القعاص): داء يأخذ في الصدر، كأنه يكسر العنق. والقعاص داء يأخذ الدواب، فيسيل من أنوفها شيء.
والقعاص داء يأخذ الغنم، لا يلبثها أن تموت". انتهى.
وقوله: "حربها": قال ابن الأثير : " (الحرب)؛ بالتحريك: نهب مال الإنسان وتركه لا شيء له ".. وقال الخطابي : " (الحرب): ذهاب المال والأهل، يقال: حرب الرجل فهو حريب: إذا سلب أهله وماله. و (البند): العلم الكبير، فارسي معرب، قاله الجوهري وغيره من أهل اللغة، وجمعه بنود". قال ابن منظور : " و(البند): كل علم من الأعلام، وفي المحكم من أعلام الروم يكون للقائد تحت كل علم عشرة آلاف رجل أو أقل أو أكثر".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: « دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم »(1/389)
« وهو يتوضأ وضوءًا مكيثًا، فرفع رأسه، فنظر إلي، فقال: "ست فيكم أيتها الأمة: موت نبيكم صلى الله عليه وسلم ". فكأنما انتزع قلبي من مكانه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "واحدة". قال: "ويفيض المال فيكم حتى إن الرجل ليعطى عشرة آلاف، فيظل يتسخطها ". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثنتين". قال: "وفتنة تدخل بيت كل رجل منكم". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث". قال: "وموت كقعاص الغنم". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع. وهدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، يجمعون لكم تسعة أشهر كقدر حمل المرأة، ثم يكونون أولى بالغدر منكم". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمس". قال: "وفتح مدينة". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ست". قلت: يا رسول الله ! أي مدينة ؟ قال: "قسطنطينية » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني . قال الهيثمي : "وفيه أبو جناب الكلبي، وهو مدلس".
قلت: وحديث عوف بن مالك رضي الله عنه يشهد له ويقويه.
وعن ذي مخمر (رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن أخي النجاشي رضي الله عنه ): أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « تصالحون الروم صلحًا آمنًا، حتى تغزون أنتم وهم عدوًا من ورائهم، فتنصرون وتغنمون وتنصرفون، حتى تنزلوا بمرج ذي تلول، فيقول قائل من الروم: غلب الصليب، ويقول قائل من المسلمين: بل الله غلب، فيتداولانها بينهم، فيثور المسلم إلى صليبهم وهم منه غير بعيد فيدفعه، ويثور الروم إلى كاسر صليبهم فيقتلونه، ويثور المسلمين إلى أسلحتهم، فيقتتلون، فيكرم الله عز وجل تلك العصابة من المسلمين بالشهادة، فيقول الروم لصاحب الروم: كفيناك حد العرب، فيغدرون، فيجتمعون للملحمة، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا » .(1/390)
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وهذا لفظه، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن إسحاق بن عبد الله : « أن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح له، فسلم عليه، ثم قال: هنيئًا لك يا رسول الله ! قد أعز الله نصرك، وأظهر دينك، ووضعت الحرب أوزارها بجرانها. قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة من أدم، فقال: "ادخل يا عوف !". فقال: أدخل كلي أو بعضي ؟ فقال: "ادخل كلك". فقال: "إن الحرب لن تضع أوزارها حتى تكون ست: أولهن موتي". فبكى عوف . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل: إحدى. والثانية فتح بيت المقدس، والثالثة موت يكون في الناس كقعاص الغنم، والرابعة فتنة تكون في الناس ، لا يبقى أهل بيت إلا دخل عليهم نصيبهم منها، والخامسة يولد في بني الأصفر غلام من أولاد الملوك يشب في اليوم كما يشب الصبي في الجمعة، ويشب في الجمعة كما يشب الصبي في الشهر، ويشب في الشهر كما يشب الصبي في السنة، فلما بلغ اثنتي عشرة سنة ملكوه عليهم، فقام بين أظهرهم فقال: إلى متى يغلبنا هؤلاء القوم على مكارم أرضنا ؟ إني رأيت أن أسير إليهم حتى أخرجهم منها. فقام الخطباء، فحسنوا له رأيه، فبعث في الجزائر والبرية بصنعة السفن، ثم حمل فيها المقاتلة، حتى ينزل بين أنطاكية والعريش » . قال ابن شريح (أحد رواته): فسمعت من يقول: « "إنهم اثنا عشر غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا، فيجتمع المسلمون إلى صاحبهم ببيت المقدس، فأجمعوا رأيهم أن يسيروا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يكون مسالحهم بالسرح وخيبر » . قال ابن أبي جعفر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يخرجون أمتي من منابت الشيح » . قال: وقال الحارث بن يزيد : إنهم سيقيمون فيها هنالك، « فيفر منهم الثلث، فيهزمهم الله بالثلث »(1/391)
« الصابر » . وقال خالد بن يزيد : « يومئذ يضرب الله بسيفه ويطعن برمحه ، ويتبعهم المسلمون حتى يبلغوا المضيق الذي عند القسطنطينية، فيجدونه قد يبس ماؤه، فيجيزون إلى المدينة حتى ينزلوا بها، فيهدم الله جدرانهم بالتكبير، ثم يدخلونها، فيقسمون أموالهم بالأترسة » . وقال أبو قبيل المعافري : « فبينما هم على ذلك إذ جاءهم راكب، فقال: أنتم هاهنا والدجال قد خالفكم في أهليكم ؟ وإنما كانت كذبة، فمن سمع العلماء في ذلك أقام على ما أصابه، وأما غيرهم فانفضوا، ويكون المسلمون يبنون المساجد في القسطنطينية، ويغزون وراء ذلك، حتى يخرج الدجال، السادسة » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وتعقبه الذهبي بأن فيه انقطاعا.
قلت: ولبعضه شواهد مما تقدم وما يأتي.
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما؛ قال: « فتح لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتح، فقلت: يا رسول الله ! اليوم ألقى الإسلام بجرانه، ووضعت الحرب أوزارها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن دون أن تضع الحرب أوزارها خلالًا ستًا: أولهن موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم فئتان من أمتي دعواهم واحدة يقتل بعضهم بعضًا، ويفيض المال حتى يعطى الرجل المائة دينار فيتسخط، وموت يكون كقعاص الغنم، وغلام من بني الأصفر ينبت في اليوم كنبات الشهر وفي الشهر كنبات السنة، فيرغب فيه قومه، فيملكونه؛ يقولون: نرجو أن يربك علينا ملكنا ! فيجمع جمعًا عظيمًا، ثم يسير حتى يكون فيما بين العريش وأنطاكية، وأميركم يومئذ نعم الأمير، فيقول لأصحابه: ما ترون ؟ فيقولون: نقاتلهم حتى يحكم الله »(1/392)
« بيننا وبينهم. فيقول: لا أرى ذلك؛ نحرز ذرارينا وعيالنا، ونخلي بينهم وبين الأرض، ثم نغزوهم وقد أحرزنا ذرارينا. فيسيرون، فيخلون بينهم وبين أرضهم، حتى يأتوا مدينتي هذه، فيستهدون أهل الإسلام، فيهدونهم، ثم يقول: لا ينتدبن معي إلا من يهب نفسه لله حتى نلقاهم نلقاهم فنقاتل حتى يحكم الله بيني وبينهم. فينتدب معه سبعون ألفًا، ويزيدون على ذلك، فيقول: حسبي سبعون ألفًا؛ لا تحملهم الأرض، وفيهم عين لعدوهم. فيأتيهم، فيخبرهم بالذي كان، فيسيرون إليهم، حتى إذا التقوا سألوا أن يخلى بينهم وبين من كان بينهم وبينه نسب، فيدعونهم، فيقولون: ما ترون فيما يقولون ؟ فيقول: ما أنتم بأحق بقتالهم ولا أبعد منهم. فيقول: فعندكم؛ فاكسروا أغمادكم. فيسل الله سيفه عليهم، فيقتل منهم الثلثان، ويفر في السفن الثلث، وصاحبهم فيهم، حتى إذا تراءت لهم جبالهم بعث الله عليهم ريحًا، فردتهم إلى مراسيهم من الشام، فأخذوا، فذبحوا عند أرجل سفنهم عند الساحل؛ فيومئذ تضع الحرب أوزارها » .
رواه ابن أبي حاتم .
وقد رواه نعيم بن حماد في "الفتن"، ولفظه: قال: « فتح لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتح لم يفتح له مثله منذ بعثه الله، فقلت له: يهنيك الفتح يا رسول الله ! قد وضعت الحرب أوزارها. فقال: "هيهات، هيهات، والذي نفسي بيده إن دونها يا حذيفة لخصالًا ستًا: أولهن موتي". قال: قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. "ثم يفتح بيت المقدس، ثم يكون بعد ذلك فتنة تقتتل فيها فئتان عظيمتان يكثر فيها القتل ويكثر فيها الهرج؛ دعوتهما واحدة، ثم يسلط عليكم موت، فيقتلكم قعصًا كما تموت الغنم، ثم يكثر المال فيفيض، حتى يدعى الرجل إلى مائة دينار، فيستنكف أن يأخذها، ثم ينشأ لبني الأصفر غلام من أولاد ملوكهم". قلت: ومن بنو الأصفر يا رسول الله ؟ قال: "الروم. فيشب في اليوم الواحد كما يشب »(1/393)
« الصبي في الشهر، ويشب في الشهر كما يشب الصبي في السنة، فإذا بلغ أحبوه واتبعوه ما لم يحبوا ملكًا قبله، ثم يقوم بين ظهرانيهم، فيقول: إلى متى تترك هذه العصابة من العرب لا يزالون يصيبون منكم طرفًا ونحن أكثر منهم عددًا وعدة في البر والبحر ؟ ! إلى متى يكون هذا ؟ ! فأشيروا علي بما ترون ! فيقوم أشرافهم فيخطبون بين أظهرهم ويقولون: نعم ما رأيت، والأمر أمرك » .
وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « والذي نفسي بيده؛ ليأرزن الإسلام إلى ما بين المسجدين كما تأزر الحية إلى جحرها، وليأرزن الإيمان إلى المدينة كما يحوز السيل الدمن، فبينما هم على ذلك استغاث العرب بأعرابها، فخرجوا في مجلبة لهم كالصالح ممن مضى وخير من بقي، فاقتتلوا هم والروم؛ فتنقلب بهم الحرب حتى يردوا عميق أنطاكية، فيقتتلون بها ثلاث ليال، فيرفع الله النصر عن كلا الفريقين حتى تخوض الخيل في الدم إلى ثنتها، وتقول الملائكة: أي رب ! ألا تنصر عبادك ؟ ! فيقول: حتى تكثر شهداؤهم. فيستشهد ثلث، وينصر ثلث، ويرجع ثلث شاكًا فيخسف بهم. فتقول الروم: لن ندعكم إلا أن تخرجوا إلينا كل من كان أصله منا. فتقول العرب للعجم: الحقوا بالروم. فتقول العجم: الكفر بعد الإيمان ؟ ! فيغضبون عند ذلك، فيحملون على الروم، فيقتتلون، فيغضب الله عند ذلك، فيضرب بسيفه ويطعن برمحه » . قيل: يا عبد الله بن عمرو ! وما سيف الله ورمحه ؟ قال: سيف المؤمن ورمحه، « "حتى يهلك الروم جميعًا، فيفتحون حصونها ومدائنها بالتكبير؛ يكبرون تكبيرة فيسقط جدار، ثم يكبرون تكبيرة أخرى فيسقط جدار، ثم يكبرون تكبيرة أخرى فيسقط جدار آخر، ويبقى جدارها البحري لا يسقط، ثم يستجيزون إلى رومية، فيفتحونها بالتكبير، ويتكايلون يومئذ غنائمهم كيلًا بالغرائز » .
رواه نعيم بن حماد .(1/394)
قوله: « حتى تخوض الخيل في الدم إلى ثننها » : قال ابن الأثير : " (الثنن): شعرات في مؤخر الحافر من اليد والرجل".
وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة؛ قال: "أتيت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في بيته، وحوله سماطان من الناس، وليس على فراشه أحد، فجلست على فراشه مما يلي رجليه، فجاء رجل أحمر عظيم البطن، فجلس، فقال: من الرجل ؟ قلت: عبد الرحمن بن أبي بكرة . فقال: ومن أبو بكرة ؟ فقال: وما تذكر الرجل الذي وثب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من سور الطائف ؟ فقال: بلى. فرحب، ثم أنشأ يحدثنا، فقال: يوشك أن يخرج ابن حمل الضأن (ثلاث مرات). قلت: وما حمل الضأن ؟ قال: رجل أحد أبويه شيطان؛ يملك الروم، يجيء في ألف ألف من الناس، خمسمائة ألف في البر وخمسمائة ألف في البحر، ينزلون أرضا يقال لها: العميق، فيقول لأصحابه: إن لي في سفينتكم بقية، فيحرقها بالنار، ثم يقول: لا رومية لكم ولا قسطنطينية لكم؛ من شاء أن يفر، ويستمد المسلمون بعضهم بعضا، حتى يمدهم أهل عدن أبين، فيقول لهم المسلمون: الحقوا بهم ! فكونوا سلاحا واحدا. فيقتتلون شهرا، حتى تخوض في سنابكها الدماء، وللمؤمن يومئذ كفلان من الأجر على من كان قبله؛ إلا ما كان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا كان آخر يوم من الشهر؛ قال الله تبارك وتعالى: اليوم أسل سيفي وأنصر ديني، وأنتقم من عدوي. فيجعل الله لهم الدائرة عليهم، فيهزمهم الله حتى تستفتح القسطنطينية، فيقول أميرهم: لا غلول اليوم. فبينما هم كذلك يقتسمون بترسهم الذهب والفضة؛ إذ نودي فيهم: ألا إن الدجال قد خلفكم في دياركم، فيدعون ما بأيديهم ويقتلون الدجال".
رواه البزار موقوفا، وله حكم الرفع؛ لأنه لا دخل للرأي في مثل هذا، وإنما يقال عن توقيف. قال الهيثمي : "وفيه علي بن زيد، وهو حسن الحديث، وبقية رجاله ثقات".(1/395)
وسيأتي نحوه في حديث طويل في ذكر نزول عيسى ابن مريم إن شاء الله تعالى.
وعن ابن سيرين عن عقبة بن أوس الدوسي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال: "يكون على الروم ملك لا يعصونه (أو: لا يكادون بعصونه)، فيجيء حتى ينزل بأرض كذا وكذا". قال عبد الله : "أنا ما نسيتها". قال: "ويستمد المؤمنون بعضهم بعضا، حتى يمدهم أهل عدن أبين على قلصاتهم". قال عبد الله : "إنه لفي الكتاب مكتوب: فيقتتلون عشرا لا يحجز بينهم إلا الليل، ليس لكم طعام إلا ما في أداويكم، لا تكل سيوفهم وأنتم أيضا كذلك، ثم يأمر ملكهم بالسفن فتحرق (يعني: ملك الروم) ".
قال: "ثم يقول: من شاء الآن فليفر. فيجعل الله الدبرة عليهم، فيقتلون مقتلة لم ير مثلها (أو: لا يرى مثلها)، حتى إن الطائر ليمر بهم فيقع ميتا من نتنهم، للشهيد يومئذ كفلان على من مضى قبله من الشهداء، وللمؤمن يومئذ كفلان على من مضى قبله من المؤمنين". قال: "وبقيتهم لا يزلزلهم شيء أبدا، وبقيتهم يقاتل الدجال". قال ابن سيرين : فكان عبد الله بن سلام يقول: إن أدركني هذا القتال وأنا مريض؛ فاحملوني على سريري حتى تجعلوني بين الصفين.
رواه عبد الرزاق في "مصنفه"، ورواته ثقات.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق ( أو: بدابق)، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم. فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا. فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدًا، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتح الثلث لا يفتنون أبدًا، فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون؛ إذ صاح فيهم الشيطان: إن »(1/396)
« المسيح قد خلفكم في أهليكم ! فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاؤوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف؛ إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته » .
رواه مسلم .
قال النووي : " (الأعماق) و (دابق): موضعان بالشام بقرب حلب". وقال صاحب "القاموس": " (الأعماق ): بلد بين حلب وأنطاكية، مصب مياه كثيرة لا تجف إلا صيفا، وهو العمق، جمع بأجزائه". وذكر مرتضى الحسيني في "تاج العروس" أنه بقرب دابق. وقال صاحب "القاموس" أيضا: " (دابق): قرية بحلب". قال مرتضى الحسيني : "وهي على أربعة فراسخ من حلب".
وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يجيش الروم على وال من عترتي، اسمه يواطئ اسمي، فيلتقون بمكان يقال له: العماق، فيقتتلون، فيقتل من المسلمين الثلث أو نحو ذلك، ثم يقتتلون يومًا آخر، فيقتل من المسلمين نحو ذلك، ثم يقتتلون اليوم الثالث، فيكون على الروم، فلا يزالون حتى يفتحوا القسطنطينية، فبينما هم يقتسمون فيها بالأترسة؛ إذ أتاهم صارخ أن الدجال قد خلفكم في ذراريكم » .
رواه الخطيب في "المتفق والمفترق".
وعن يسير بن جابر؛ قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هجيرى إلا يا عبد الله بن مسعود ! جاءت الساعة . قال: فقعد وكان متكئا، فقال: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة. ثم قال بيده هكذا ونحاها نحو الشام، فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع لهم أهل(1/397)
الإسلام. قلت: الروم تعني ؟ قال: نعم، وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة، فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يمسوا، فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، فإذا كان يوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام، فيجعل الله الدبرة عليهم، فيقتلون مقتلة (إما قال: لا يرى مثلها، وإما قال: لم ير مثلها)، حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتا، فيتعاد بنو الأب كانوا مائة، فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد؛ فبأي غنيمة يفرح أو أي ميراث يقاسم ؟ ! فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك، فجاءهم الصريخ أن الدجال قد خلفهم في ذراريهم، فيرفضون ما في أيديهم، ويقبلون، فيبعثون عشرة فوارس طليعة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إني لأعرف أسماءهم، وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ، (أو: من خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ) » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم . وقد رواه عبد الرزاق في "مصنفه"، وزاد بعد قوله: "أو أي ميراث يقاسم ؟ ": "قال معمر : وكان قتادة يصل هذا الحديث. قال: فينطلقون حتى يدخلوا قسطنطينية، فيجدون فيها من الصفراء والبيضاء ما إن الرجل يتحجل حجلا". وزاد أيضا بعد قوله: « هم خير الفوارس في الأرض » : « فيقاتلهم الدجال فيستشهدون » .
قوله: (هجيرى)؛ بكسر الهاء والجيم المشددة؛ أي: شأنه ودأبه ذلك.
وعن عمرو بن عوف رضي الله عنه؛ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « "لا »(1/398)
« تقوم الساعة حتى تكون رابطة من المسلمين ببولان، يا علي (قال المزني : يعني: علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) قال: لبيك يا رسول الله. قال: أعلم أنكم ستقاتلون بني الأصفر ويقاتلهم من بعدكم من المؤمنين، ثم يخرج إليهم روقة المسلمين أهل الحجاز، الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، حتى يفتح الله عليهم قسطنطينية ورومية بالتسبيح والتكبير، فيهدوا حصنهما، ويصيبوا مالًا عظيمًا لم يصيبوا مثله قط، حتى يقتسموا بالترسة، ثم يصرخ صارخ: يا أهل الإسلام ! قد خرج المسيح الدجال في بلادكم وذراريكم. فينقبض الناس عن المال، فمنهم الآخذ ومنهم التارك، فالآخذ نادم والتارك نادم، ثم يقولون: من هذا الصارخ - ولا يعلمون من هو - فيقولون: ابعثوا طليعة إلى لد، فإن يكن المسيح قد خرج فسيأتيكم بعلمه، فيأتون فيبصرون ولا يرون شيئًا، ويرون الناس ساكنين، فيقولون: ما صرخ الصارخ إلا إلينا؛ فاعتزموا ثم ارشدوا، فنخرج بأجمعنا إلى لد، فإن يكن بها المسيح الدجال؛ نقاتله حتى يحكم الله بيننا وبينه وهو خير الحاكمين، وإن تكن الأخرى فإنها بلادكم وعشائركم وعساكركم رجعتم إليها » .
رواه: ابن ماجه مختصرا، والطبراني وهذا لفظه، والحاكم في "مستدركه" بنحوه. قال الهيثمي : "وفيه كثير بن عبد الله، وقد ضعفه الجمهور، وحسن الترمذي حديثه".
وقد رواه الديلمي مختصرا، ولفظه: « لا تقوم الساعة حتى يفتح الله على المؤمنين القسطنطينية ورومية بالتسبيح والتكبير » .
قال ابن الأثير وابن منظور : " "فيخرج إليهم روقة المؤمنين"؛ أي: خيارهم وسراتهم، وهي جمع رائق، من: راق الشيء: إذا صفا وخلص". انتهى.
وقد زعم أبو عبية في تعليقه على هذا الحديث في (صفحة 77) من(1/399)
"النهاية" لابن كثير : أن روقة الإسلام يهزمون أعداءهم بقوة الإيمان وثبات اليقين الذي ينعكس أثره على الألسنة تسبيحا وتكبيرا. انتهى.
وهذا واضح في إنكاره أن يكون الفتح بالتسبيح والتكبير الذي يكون للمؤمنين في ذلك الزمان أعظم من الأسلحة الثقلية والفتاكة.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه مسلم في " صحيحه": « أن المسلمين إذا نزلوا على المدينة التي جانب منها في البر وجانب منها في البحر؛ لم يقاتلوا بسلاح، ولم يرموا بسهم؛ قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط أحد جانبيها، ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر؛ فيفرج لهم فيدخلوها » .
ونظير هذا ما يأتي في باب قتال اليهود: « أن الحجر والشجر يقول: يا مسلم ! يا عبد الله ! هذا يهودي خلفي؛ فتعال فاقتله » .
وهذا من كرامات الأولياء وخوارق العادات، ومن أصول أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات، فمن لم يصدق بما ثبتت به الأخبار من ذلك فقد اتبع غير سبيل المؤمنين. والله أعلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « "سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر ؟ " قالوا: نعم يا رسول الله. قال: "لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفًا من بني إسحاق ، فإذا جاؤوها نزلوا، فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط أحد جانبيها (قال ثور - وهو ابن زيد الديلي أحد رواته -: لا أعلمه إلا قال: الذي في البحر)، ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر، فيفرج لهم، فيدخلوها، فيغنموا، فبينما »(1/400)
« هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ، فقال: إن الدجال قد خرج، فيتركون كل شيء ويرجعون » .
رواه مسلم .
قوله: « من بني إسحاق » : قال النووي : "قال القاضي: كذا هو في جميع أصول "صحيح مسلم ": « من بني إسحاق » . قال: قال بعضهم : المعروف المحفوظ: « من بني إسماعيل » ، وهو الذي يدل عليه الحديث وسياقه؛ لأنه إنما أراد العرب، وهذه المدينة هي القسطنطينية ".
قلت: ومما يدل على أنه إنما أراد العرب - وهم بنو إسماعيل - ما تقدم في حديث ذي مخمر رضي الله عنه: أن الروم يقولون لصاحبهم: كفيناك حد العرب، ثم يغدرون ويجتمعون للملحمة. فدل هذا على أن الملحمة تكون بين العرب وبين الروم.
وظواهر أحاديث هذا الباب تدل على ذلك أيضا، والذين يباشرون القتال في الملحمة الكبرى هم الذين يفتحون القسطنطينية.
ويدل على ذلك أيضا قوله في حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه: « ثم يخرج إليهم روقة المسلمين أهل الحجاز » ، فدل على أنهم بنو إسماعيل لا بنو إسحاق . والله أعلم.
وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنكم ستفتحون مدينة هرقل (أو قيصر )، وتقتسمون أموالها بالأترسة، ويسمعهم الصريخ أن الدجال قد خلفهم في أهاليهم، فيلقون ما معهم، ويخرجون فيقاتلونه » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "ورجاله ثقات". وقد رواه(1/401)
نعيم بن حماد في "الفتن"، ولفظه: قال: « لا تقوم الساعة حتى تفتح مدينة قيصر أو هرقل، ويؤذن فيها المؤمنون، ويقتسمون الأموال فيها بالأترسة، فيقبلون بأكثر أموال على الأرض، فيلقاهم الصريخ أن الدجال قد خلفكم في أهليكم، فيلقون ما معهم ويجيئون فيقاتلونه » .
ورواه ابن أبي شيبة بنحو هذا اللفظ.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: "إنكم ستغزون القسطنطينية ثلاث غزوات: الأولى يصيبكم فيها بلاء، والثانية يكون بينكم وبينهم صلح حتى تبنوا في مدينتهم مسجدا ، وتغزون أنتم وهم عدوا وراء القسطنطينية، ثم ترجعون إلى القسطنطينية، وأما الثالثة؛ فيفتحها الله عليكم بالتكبيرات، فيخرب ثلثها، ويحرق الله ثلثها، وتقتسمون الثلث الباقي كيلا".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: "لا تذهب الليالي والأيام حتى يغزو العادي رومية، فيفعل إلى القسطنطينية، فيرى أن قد فعل".
رواه عبد الرزاق في "مصنفه"، ورجاله كلهم ثقات.
وعن عبد الله بن بشر الخثعمي عن أبيه رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش » . قال: فدعاني مسلمة بن عبد الملك، فسألني فحدثته، فغزا القسطنطينية.
رواه: الإمام أحمد، وابنه عبد الله، والبزار، وابن خزيمة، والطبراني .
قال الهيثمي : "ورجاله ثقات". ورواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".(1/402)
وعن أبي قبيل؛ قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وسئل: أي المدينتين تفتح أولا: القسطنطينية أو رومية ؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق. قال: فأخرج منه كتابا. قال: فقال عبد الله : « بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب؛ إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولًا: قسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مدينة هرقل تفتح أولًا » ؛ يعني: قسطنطينية.
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح، غير أبي قبيل، وهو ثقة". ورواه الدارمي في "سننه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه قال: " فتح القسطنطينية مع قيام الساعة".
رواه الترمذي؛ قال: "وقال محمود (وهو ابن غيلان شيخ الترمذي ): هذا حديث غريب، والقسطنطينية هي مدينة الروم، تفتح عند خروج الدجال، والقسطنطينية قد فتحت في زمان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ". انتهى كلام الترمذي .
قال ابن كثير : "هكذا قال: إنها فتحت في زمن الصحابة ! وفي هذا نظر؛ فإن معاوية رضي الله عنه بعث إليها ابنه يزيد في جيش فيهم أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، ولكن لم يتفق فتحها، وحاصرها مسلمة بن عبد الملك بن مروان في زمان دولتهم، ولم تفتح أيضا، ولكن صالحهم على بناء مسجد بها".
قلت: وقد فتحت القسطنطينية في سنة سبع وخمسين وثمانمائة على يد السلطان العثماني التركماني محمد الفاتح (وسمي الفاتح لفتحه القسطنطينية)، ولم تزل القسطنطينية في أيدي العثمانيين إلى زماننا هذا في آخر القرن الرابع(1/403)
عشر من الهجرة، وهذا الفتح ليس هو المذكور في الأحاديث التي تقدم ذكرها؛ لأن ذاك إنما يكون بعد الملحمة الكبرى، وقبل خروج الدجال بزمن يسير؛ كما تقدم بيان ذلك في عدة أحاديث من أحاديث هذا الباب، وكما سيأتي أيضا في حديثي معاذ وعبد الله بن بشر رضي الله عنهما، ويكون فتحها بالتسبيح والتهليل والتكبير لا بكثرة العدد والعدة؛ كما تقدم مصرحا به في غير ما حديث من أحاديث هذا الباب، ويكون فتحها على أيدي العرب لا أيدي التركمان؛ كما يدل على ذلك قوله في حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه: « ثم يخرج إليهم روقة المسلمين أهل الحجاز، الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، حتى يفتح الله عليهم قسطنطينية ورومية بالتسبيح والتكبير » . وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم : « فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ » .
وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: « ويستمد المسلمون بعضهم بعضًا حتى يمدهم أهل عدن أبين » . وفي حديث ذي مخمر رضي الله عنه: « أن الروم يقولون لصاحبهم: كفيناك حد العرب، ثم يغدرون ويجتمعون للملحمة » . فدل هذا على أن الملحمة الكبرى تكون بين العرب والروم، والذين يباشرون القتال في الملحمة الكبرى هم الذين يفتحون القسطنطينية، وأمير الجيش الذي يفتحها في آخر الزمان عند خروج الدجال هو الممدوح هو وجيشه؛ كما تقدم ذلك في حديث عبد الله بن بشر الخثعمي عن أبيه رضي الله عنه، وتقدم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه الخطيب في "المتفق والمفترق ": "أن أمير الجيش إذ ذاك من عترة النبي صلى الله عليه وسلم ".
والمقصود هاهنا التنبيه على أن الفتح المنوه بذكره في أحاديث هذا الباب لم يقع إلى الآن، وسيقع في آخر الزمان عند خروج الدجال، ومن حمل ذلك على ما وقع في سنة سبع وخمسين وثمانمائة؛ فقد أخطأ وتكلف ما لا علم له به. والله أعلم.(1/404)
باب
علامة فتح القسطنطينية
عن أبي ثعلبة الخشني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه: أنه قال وهو بالفسطاط في خلافة معاوية رضي الله عنه - وكان معاوية أغزى الناس القسطنطينية - فقال: "والله؛ لا تعجز هذه الأمة من نصف يوم، إذا رأيت الشام مائدة رجل واحد وأهل بيته؛ فعند ذلك فتح القسطنطينية ".
رواه: الإمام أحمد، والحاكم في "مستدركه"، وإسناد كل منهما صحيح على شرط مسلم، وقد روى أبو داود طرفا منه، وقال فيه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "، ورواته ثقات.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية وفتح القسطنطينية خروج الدجال. ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه أو منكبه، ثم قال: إن هذا الحق كما أنك هاهنا (أو: كما أنك قاعد) » ؛ يعني: معاذا .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود . وفيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان : وثقه دحيم. وقال يعقوب بن شيبة : "كان رجل صدق". وقال المنذري : "كان رجلا صالحا، وثقه بعضهم، وتكلم فيه غير واحد". وبقية رجالهما ثقات. وقال ابن كثير في "النهاية" بعد إيراد هذا الحديث بإسناده عند الإمام أحمد وأبي داود ما نصه: "وهذا إسناد جيد وحديث حسن، وعليه نور الصدق وجلالة النبوة". انتهى.
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" موقوفا على معاذ رضي الله عنه، وقال: "إسناده صحيح"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".(1/405)
قال ابن كثير : "وليس المراد أن المدينة تخرب بالكلية قبل خروج الدجال، وإنما ذلك في آخر الزمان؛ كما سيأتي بيانه في الأحاديث الصحيحة، بل يكون عمارة بيت المقدس سببا في خراب المدينة النبوية؛ فإنه قد ثبت في الأحاديث أن الدجال لا يقدر على دخولها، يمنع من ذلك بما على أنقابها من الملائكة بأيديهم السيوف الصلتة". انتهى.
باب
في تواتر الملاحم في آخر الزمان
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الملحمة الكبرى، وفتح القسطنطينية، وخروج الدجال؛ في سبعة أشهر » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم في "مستدركه". وقال الترمذي : "هذا حديث حسن". قال: "وفي الباب عن الصعب بن جثامة وعبد الله بن بسر وعبد الله بن مسعود وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم".
وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين، ويخرج المسيح الدجال في السابعة » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، ورواته كلهم ثقات، وقد صرح بقية بن الوليد بالتحديث في رواية الإمام أحمد، فزال ما يخشى من تدليسه.
قال أبو داود : "وهذا أصح من حديث عيسى، يعني الحديث الذي قبله".(1/406)
وهذا جواب عما يقال بين المحدثين من التعارض، فأشار أبو داود إلى أن الحديث الثاني أقوى إسنادا، فلا يعارضه الحديث الأول. وقيل: يمكن أن يكون بين أول الملحمة وآخرها ست سنين، ويكون آخرها وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر، وفي هذا جمع بين الحديثين. والله أعلم.
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "يابن أخي ! لعلك تدرك فتح القسطنطينة؛ فإياك إن أدركت فتحها أن تترك غنيمتك منها؛ فإن بين فتحها وبين خروج الدجال سبع وسنين ".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "إذا أتاكم خبر الدجال وأنتم فيها فلا تدعوا غناءمكم فيها؛ فإن الدجال لم يخرج".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
باب
في معاقل المسلمين من الملاحم
عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة، إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق، من خير مدائن الشام » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، ورجالهما رجال الصحيح؛ سوى زيد بن أرطاة، وهو ثقة.
وقد رواه الحاكم في "مستدركه"، ولفظه: قال: « يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين بأرض يقال لها: الغوطة، فيها مدينة يقال لها: دمشق، خير »(1/407)
« منازل المسلمين يومئذ » .
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، ووفقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن جبير بن نفير؛ قال: حدثنا رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ستفتح عليكم الشام، فإذا خيرتم المنازل فيها؛ فعليكم بمدينة يقال لها: دمشق؛ فإنها معقل المسلمين من الملاحم، وفسطاطها منها بأرض يقال لها: الغوطة » .
رواه الإمام أحمد، وفي إسناد ضعف.
وعن الحسن بن جابر وأبي الزاهرية عن كعب؛ قال: "إن المعاقل ثلاثة: فمعقل الناس يوم الملاحم بدمشق، ومعقل الناس يوم الدجال نهر أبي قطرس، ومن الناس من يقول: بيت المقدس، ومعقلهم يوم يأجوج ومأجوج بطور سيناء".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال الذهبي : "منقطع".
وقد رواه ابن أبي شيبة عن أبي الزاهرية مرسلا، ولفظه: قال: "معقل المسلمين من الملاحم دمشق، ومعقلهم من الدجال بيت المقدس، ومعقلهم من يأجوج ومأجوج الطور".
باب
في تأييد الدين بالموالي إذا وقعت الملاحم
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا وقعت الملاحم بعث الله بعثًا من الموالي، هم أكرم العرب فرسًا، وأجوده سلاحًا، »(1/408)
« يؤيد الله بهم الدين » .
رواه: ابن ماجه، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه "، وقال الذهبي في "تلخيصه": "وعلى شرط مسلم ".
باب
ما جاء في قتال اليهود
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « تقاتلكم اليهود، فتسلطون عليهم، حتى يقول الحجر: يا مسلم ! هذا يهودي ورائي فاقتله » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي .
وفي رواية لمسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لتقاتلن اليهود فلتقتلنهم، حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي؛ فتعال فاقتله » .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر، فيقول الحجر: يا مسلم ! هذا يهودي يختبئ ورائي تعال فاقتله » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وهذا لفظ أحمد، ولفظ البخاري نحوه.
ولفظ مسلم : قال: « لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم ! يا عبد الله ! هذا يهودي خلفي؛ فتعال فاقتله؛ إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود » .(1/409)
ورواه الإمام أحمد أيضا بهذا اللفظ.
قال النووي : " (الغرقد): نوع من شجر الشوك، معروف ببلاد بيت المقدس، وهناك يكون قتل الدجال واليهود". وقال أبو حنيفة الدينوري : "إذا عظمت العوسجة؛ صارت غرقدة".
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وفي الحديث ظهور الآيات قرب قيام الساعة؛ من كلام الجماد من شجر وحجر، وظاهره أن ذلك ينطق حقيقة، ويحتمل المجاز؛ بأن يكون المراد أنهم لا يفيدهم الاختباء، والأول أولى".
قلت: بل هو المتعين، ولا ينبغي أن يقال فيه باحتمال المجاز، لا سيما وقد صرح في حديث أبي أمامة الآتي بأن الجمادات والدواب تنطق بالدلالة على اليهود، وهذا ينفي احتمال المجاز، وصرح أيضا في حديث سمرة الآتي بأن الجمادات تنادي المسلمين وتدلهم على اليهود، وهذا أيضا ينفي احتمال المجاز، وأيضا فحمل كلام الجمادات وندائها على المجاز ينفي وجود المعجزة في قتال اليهود في آخر الزمان، ويقتضي التسوية بينهم وبين غيرهم من أصناف الكفار الذين قاتلهم المسلمون وظهروا عليهم، إذ لا بد أن يختبئ المختبئ منهم بالأشجار والأحجار، ومع هذا لم يرد في أحد منهم مثل ما ورد في اليهود، فعلم اختصاص قتال اليهود بهذه الآية، وأن الجمادات تنطق حقيقة بنداء المسلمين ودلالتهم على اليهود.
ونظير هذا قوله صلى الله عليه وسلم: « والذي نفسي بيده؛ لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، وحتى تكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله، وتخبره فخذه بما أحدث أهله بعده » .
رواه: الإمام أحمد، والترمذي؛ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله(1/410)
عنه. وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح غريب".
وروى الإمام أحمد أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه نحوه.
فتكليم السباع للإنس وتكليم العذبة والشراك والفخذ مثل نداء الشجر والحجر بالدلالة على اليهود، وذلك كله على الحقيقة لا على المجاز. والله أعلم.
قال الحافظ ابن حجر : "وفيه أن الإسلام يبقى إلى يوم القيامة.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: « تقاتلكم اليهود » : جواز مخاطبة الشخص، والمراد من هو منه بسبيل؛ لأن الخطاب كان للصحابة، والمراد من يأتي بعدهم بدهر طويل، لكن لما كانوا مشتركين معهم في أصل الإيمان ناسب أن يخاطبوا بذلك". انتهى.
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه؛ قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدجال.....(فذكر الحديث بطوله وفيه:) « فقالت أم شريك بنت أبي العكر : يا رسول الله ! فأين العرب يومئذ ؟ قال: "هم قليل، وجلهم ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح؛ إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم ، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى يصلي بالناس، فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول له: تقدم فصل فإنها لك أقيمت. فيصلي بهم إمامهم، فإذا انصرف قال عيسى عليه السلام: افتحوا الباب ! فيفتح، ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي، كلهم ذو سيف محلى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هاربًا، ويقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها. فيدركه عند باب اللد الشرقي، فيقتله، فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء؛ لا حجر »(1/411)
« ولا شجر ولا حائط ولا دابة - إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق - إلا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال اقتله » .
رواه ابن ماجه .
قال الجوهري : " (السياج): الطيلسان الأخضر، والجمع سيجان". وقال ابن منظور في "لسان العرب": " (السياج): الطيلسان الضخم الغليظ. وقيل: هو الطيلسان المقور ينسج كذلك. وقيل: هو طيلسان أخضر". وقال ابن الأعرابي : " (السيجان): الطيالسة السود واحدها ساج".
وعن ثعلبة بن عباد العبدي من أهل البصرة؛ قال: شهدت يوما خطبة لسمرة بن جندب رضي الله عنه، فذكر في خطبته حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بينا أنا وغلام من الأنصار نرمي في غرضين لنا.....(فذكر الحديث في كسوف الشمس، وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بهم، وخطبته بعد الصلاة، وإخباره بخروج الدجال، وفيه: ) « وإنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس، وإنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس، فيزلزلون زلزالًا شديدًا، ثم يهلكه الله تبارك وتعالى وجنوده، حتى إن جذم الحائط وأصل الشجرة لينادي: يا مؤمن (أو قال: يا مسلم) ! هذا يهودي (أو قال: هذا كافر)؛ تعال فاقتله » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، وابن خزيمة، والطبراني في "الكبير" وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن سمرة أيضا رضي الله عنه مرفوعا: « لا تقوم الساعة حتى يدل الحجر على الرجل اليهودي مختبئًا كان يطرده رجل مسلم، فاطلع قدامه فاختبأ؛ يقول الحجر: يا عبد الله ! هذا ما تبتغي » .
رواه الطبراني .(1/412)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ينزل الدجال في هذه السبخة بمرقناة، فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطًا مخافة أن تخرج إليه، ثم يسلط الله المسلمين عليه فيقتلونه ويقتلون شيعته، حتى إن اليهودي ليختبئ تحت الشجرة أو الحجر، فيقول الحجر أو الشجرة للمسلم: هذا يهودي تحتي؛ فاقتله » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه ابن إسحاق، وهو مدلس".
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يخرج الدجال..........(فذكر الحديث بطوله، وأن عيسى عليه الصلاة والسلام يقتل الدجال، وقال في آخره: ) حتى إن الشجرة والحجر ينادي: يا روح الله هذا يهودي؛ فلا تترك ممن كان يتبعه أحدًا؛ إلا قتله » .
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وهذا آخر الجزء الأول من كتاب "إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة "، ويليه الجزء الثاني، وأوله: "كتاب أشراط الساعة".(1/413)
كتاب أشراط الساعة
قال الله تعالى: { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } .
قال الجوهري وغيره من أهل اللغة: "أشراط الساعة علاماتها". وقال ابن الأثير في "جامع الأصول" : "علاماتها ودلائلها التي تتقدم عليها، واحدها: شرط؛ بالفتح". انتهى.
وقد تقدم ذكر جملة كثيرة من أشراط الساعة في الفتن والملاحم.
و (الساعة): اسم ليوم القيامة. قال الزجاج : "معنى الساعة في كل القرآن: الوقت الذي تقوم فيه القيامة ". قال ابن الأثير : "يريد أنها ساعة خفيفة، يحدث فيها أمر عظيم، فلقلة الوقت الذي تقوم به سماها ساعة". انتهى.
باب
أن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة
قال الحسن البصري : "بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة".
ذكره ابن كثير في "تفسيره"، وقال: "هو كما قال".
وقال ابن كثير أيضا: "بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة؛ لأنه خاتم(2/5)
الرسل الذي أكمل الله به الدين وأقام به الحجة على العالمين".
وقال البغوي في "تفسيره": "وكان النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة".
وذكر الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" عن الضحاك : أنه قال: "أول أشراطها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ".
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه؛ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بإصبعيه هكذا - بالوسطى والتي تلي الإبهام -: « بعثت والساعة كهاتين » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، واللفظ للبخاري .
وفي رواية له عن سهل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « بعثت أنا والساعة كهاتين (ويشير بإصبعيه فيمدهما) » .
وفي رواية لأحمد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « مثلي ومثل الساعة كهاتين (وفرق بين إصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام) ، ثم قال: مثلي ومثل الساعة كمثل فرسي رهان ، ثم قال: مثلي ومثل الساعة كمثل رجل بعثه قومه طليعة، فلما خشي أن يسبق؛ ألاح بثوبه: أتيتم أتيتم ، ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا ذلك » .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « بعثت أنا والساعة كهاتين » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والشيخان، والترمذي .
زاد مسلم : قال شعبة : "وسمعت قتادة يقول في قصصه: "كفضل إحداهما على الأخرى"؛ فلا أدري أذكره عن أنس أو قاله قتادة ؟".
وفي رواية له عن معبد (وهو ابن هلال ) عن أنس رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « بعثت أنا والساعة كهاتين » . قال: وضم السبابة والوسطى.(2/6)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « بعثت أنا والساعة كهاتين (وجمع بين إصبعيه) » .
رواه: البخاري، وابن ماجه، وهذا لفظه.
وعن جبر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، ويقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين"، ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه .
وعن المستورد بن شداد الفهري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « بعثت أنا في نفس الساعة، فسبقتها كما سبقت هذه هذه (لأصبعيه السبابة والوسطى) » .
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث غريب".
قال الحافظ ابن حجر : "قوله: "في نفس"؛ بفتح الفاء، وهو كناية عن القرب؛ أي: بعثت عند نفسها". انتهى.
وعن بريدة رضي الله عنه؛ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « بعثت أنا والساعة جميعا، إن كادت لتسبقني » .
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم .
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما؛ قال: « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعيه ويقول: "بعثت أنا والساعة كهذه من هذه » .
رواه الإمام أحمد، وإسناده حسن.
ورواه ابن جرير ولفظه: قال: « كأني أنظر إلى إصبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، »(2/7)
« أشار بالمسبحة والتي تليها وهو يقول: "بعثت أنا والساعة كهذه من هذه » . وفي رواية: « وجمع بين إصبعيه السبابة والوسطى » .
وفي هذه الأحاديث على اختلاف ألفاظها إشارة إلى قلة المدة التي بين بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وبين قيام الساعة.
قال عياض وغيره: "والتفاوت إما في المجاورة وإما في قدر ما بينهما، ويعضده (أي: القول الأخير) قوله: "كفضل إحداهما على الأخرى". وقال القرطبي في "المفهم": "حاصل الحديث تقريب أمر الساعة، وسرعة مجيئها". وقال البيضاوي : "معناه أن نسبة تقدم البعثة النبوية على قيام الساعة كنسبة فضل إحدى الإصبعين على الأخرى". ورجح الطيبي هذا القول. ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في "فتح الباري".
باب
في ذكر كثير من أشراط الساعة
عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه؛ قال: « أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال: "اعدد ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم مَوَتَان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا » .
رواه: الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والبخاري، وابن ماجه، والحاكم(2/8)
مختصرا ومطولا، وهذا لفظ البخاري، وقد ذكرت ألفاظه في (باب الملحمة الكبرى)؛ فليراجع هناك.
وفي رواية للحكام: قال: فلما كان عام عمواس؛ زعموا أن عوف بن مالك رضي الله عنه قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: "اعدد ستا بين يدي الساعة"؛ فقد كان منهن الثلاث، وبقي الثلاث. فقال معاذ : إن لهذا مدة، ولكن "خمس أظلتكم، من أدرك منهن شيئا، ثم استطاع أن يموت؛ فليمت: أن يظهر التلاعن على المنابر، ويعطى مال الله على الكذب والبهتان، وسفك الدماء بغير حق، وتقطع الأرحام، ويصبح العبد لا يدري أضال هو أم مهتد ؟ ! » .
قال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن معاذ بن جبل وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث عوف بن مالك رضي الله عنه، وقد تقدم ذكرهما في (كتاب الملاحم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة ، دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين ، كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج (وهو القتل)، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه ! وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس؛ آمنوا أجمعون؛ فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، ولتقومن »(2/9)
« الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها » .
رواه البخاري بهذا اللفظ، وقد روى الإمام أحمد ومسلم بعضه مفرقا.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: « أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن الساعة. قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ، قال: فأخبرني عن أماراتها ، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان.......... » الحديث.
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأهل السنن، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح".
وقد رواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: « قال: فمتى الساعة ؟ قال: سبحان الله ! ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن إن شئت نبأتك عن أشراطها. قال: أجل. قال: إذا رأيت الحفاة العراة يتطاولون في البناء وكانوا ملوكا. قال: ما العالة الحفاة العراة ؟ قال: العُرَيب. قال: وإذا رأيت الأمة تلد ربها؛ فذاك من أشراط الساعة. قال: صدقت » .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: « أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ! متى الساعة ؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ، ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها؛ فذاك من أشراطها، وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس؛ فذاك من أشراطها، وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان؛ فذاك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا الله (ثم تلى صلى الله عليه وسلم: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } » .(2/10)
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وابن ماجه . وفي رواية أحمد : « وإذا كانت العراة الحفاة الجفاة رؤوس الناس؛ فذاك من أشراطها » . وفي رواية مسلم : « وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض؛ فذاك من أشراطها » .
وعن أبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهما: « أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا محمد ! أخبرني متى الساعة ؟ قال: فنكس فلم يجبه شيئا. ثم أعاد ، فلم يجبه شيئا. ثم أعاد ، فلم يجبه شيئا، ورفع رأسه، فقال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن لها علامات تُعرف بها: إذا رأيت الرعاء البهم يتطاولون في البنيان، ورأيت الحفاة العراة ملوك الأرض، ورأيت المرأة تلد ربها، خمس لا يعلمها إلا الله: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } إلى قوله: { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } » .
رواه النسائي .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: « أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: حدثني متى الساعة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله ! في خمس من الغيب لا يعلمهن إلا هو { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ، ولكن إن شئت حدثتك بمعالم لها دون ذلك. قال: أجل يا رسول الله ! فحدثني. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيت الأمة ولدت ربتها (أو ربها)، ورأيت أصحاب الشاء تطاولوا بالبنيان، ورأيت الحفاة الجياع العالة كانوا رؤوس الناس؛ فذلك من معالم الساعة وأشراطها. قال: يا رسول الله ! ومن أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة ؟ قال: العرب » .
رواه الإمام أحمد، وفي إسناده شهر بن حوشب، وهو ثقة وفيه كلام،(2/11)
وبقية رجاله ثقات.
وعن عامر (أو: أبي عامر، أو: أبي مالك ) رضي الله عنه: « أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله ! خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله عز وجل: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } )، ولكن إن شئت حدثتك بعلامتين تكونان قبلها. فقال: حدثني. فقال: إذا رأيت الأمة تلد ربها، ويطول أهل البنيان بالبنيان، وعاد العالة الحفاة رؤوس الناس. قال: ومن أولئك يا رسول الله ؟ قال: العريب » .
رواه الإمام أحمد، وفي إسناده شهر بن حوشب، وهو ثقة وفيه كلام، وبقية رجاله ثقات.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من اقتراب الساعة أن ترفع الأشرار وتوضع الأخيار، ويفتح القول ويخزن العمل، ويقرأ في القوم المثناة ليس فيهم أحد ينكرها. قيل: وما المثناة ؟ قال: "ما اكتتبت سوى كتاب الله عز وجل » .
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه". وقد رواه الطبراني بنحوه. قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه "غريب الحديث" (282\4): "سألت رجلا من أهل العلم بالكتب الأولى ، قد عرفها وقرأها عن المثناة ؟ فقال: إن الأحبار والرهبان من بني إسرائيل بعد موسى وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله تبارك وتعالى، فسموه المثناة، كأنه يعني أنهم أحلوا فيه(2/12)
ما شاؤوا، وحرموا ما شاؤوا، على خلاف كتاب الله تبارك وتعالى ". انتهى.
وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كيف أنت يا عوف إذا افترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة في الجنة وسائرهن في النار ؟ قلت: ومتى ذلك يا رسول الله ؟ قال: "إذا كثرت الشرط، وملكت الإماء، وقعدت الحملان على المنابر، واتخذ القرآن مزامير، وزخرفت المساجد، ورفعت المنابر، واتخذ الفيء دولا، والزكاة مغرما، والأمانة مغنما، وتفقه في الدين لغير الله، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه وأقصى أباه، ولعن آخر هذه الأمة أولها، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل اتقاء شره؛ فيومئذ يكون ذلك، ويفزع الناس إلى الشام، وإلى مدينة منها يقال لها: دمشق؛ من خير مدن الشام، فتحصنهم من عدوهم ".
قلت: وهل تفتح الشام ؟ قال: "نعم؛ وشيكا، ثم تقع الفتن بعد فتحها، ثم تجيء فتنة غبراء مظلمة، ثم يتبع الفتن بعضها بعضا، حتى يخرج رجل من أهل بيتي يقال له: المهدي، فإن أدركته فاتبعه، وكن من المهتدين » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه عبد الحميد بن إبراهيم، وثقه ابن حبان وهو ضعيف، وفيه جماعة لم أعرفهم".
(الحملان)؛ بضم الحاء: جمع حمل؛ بفتح الحاء والميم، وهو الجذع من ولد الضأن فما دونه، والمراد هاهنا الصبيان، وإنما شبهوا بالصغار من أولاد الضأن تحقيرا لهم وتصغيرا لشأنهم، وأنهم ليسوا بأهل القعود على المنابر. والله أعلم.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة؛ حل بها البلاء". قيل: وما هي يا رسول الله ؟ قال: "إذا كان المغنم دولا، والأمانة مغنما، والزكاة مغرما، وأطاع الرجل »(2/13)
« زوجته، وعق أمه، وبر صديقه، وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وشربت الخمور، ولبس الحرير، واتخذت القينات والمعازف، ولعن آخر هذه الأمة أولها؛ فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء أو خسفًا أو مسخًا » .
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث حسن غريب".
وقد رواه ابن أبي الدنيا، وعنده: « فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء أو خسفًا أو مسخًا » .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا اتخذ الفيء دولًا، والأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا، وتُعُلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأُكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف، وشُربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها؛ فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء وزلزلة وخسفًا ومسخًا وقذفًا، وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع » .
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث حسن غريب".
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة، إذا رأيتم الناس أماتوا الصلاة، وأضاعوا الأمانة، وأكلوا الربا، واستحلوا الكذب، واستخفوا بالدماء، واستعلوا البناء، وباعوا الدين بالدنيا، وتقطعت الأرحام، ويكون الحكم ضعفًا، والكذب صدقًا، والحرير لباسًا، وظهر الجور، وكثر الطلاق وموت الفجأة، وائتمن الخائن، وخون الأمين، وصدق الكاذب، وكذب الصادق، وكثر القذف، وكان المطر قيظًا، والولد غيظًا، وفاض اللئام فيضًا، وغاض الكرام غيضًا، وكان الأمراء »(2/14)
« فجرة، والوزراء كذبة، والأمناء خونة، والعرفاء ظلمة، والقراء فسقة، إذا لبسوا مسوك الضمان، قلوبهم أنتن من الجيفة، وأمر من الصبر، يغشيهم الله فتنة يتهاوكون فيها تهاوك اليهود الظلمة، وتظهر الصفراء (يعني: الدنانير)، وتطلب البيضاء (يعني: الدراهم)، وتكثر الخطباء، ويقل الأمر بالمعروف، وحليت المصاحف، وصورت المساجد، وطولت المنابر، وخربت القلوب، وشربت الخمور، وعطلت الحدود، وولدت الأمة ربتها، وترى الحفاة العراة صاروا ملوكًا، وشاركت المرأة زوجها في التجارة، وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وحلف بغير الله، وشهد المرء من غير أن يستشهد، وسلم للمعرفة، وتفقه لغير الدين، وطلبت الدنيا بعمل الآخرة، واتخذ المغنم دولًا، والأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا، وكان زعيم القوم أرذلهم، وعق الرجل أباه، وجفا أمه، وبر صديقه، وأطاع امرأته، وعلت أصوات الفسقة في المساجد ، واتخذت القينات والمعازف، وشربت الخمور في الطرق، واتخذ الظلم فخرًا، وبيع الحكم، وكثرت الشرط، واتخذ القرآن مزامير، وجلود السباع صفافا، والمساجد طرقًا، ولعن آخر هذه الأمة أولها؛ فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء وخسفًا ومسخًا وقذفًا وآيات » .
رواه أبو نعيم في الحلية بإسناد ضعيف، وله شواهد من حديث علي وأبي هريرة وغيرهما مما تقدم وما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
ولم يذكر فيه سوى سبع وستين خصلة، فلعل الباقي سقط من بعض النساخ، وكل ما فيه قد ظهر مصداقه؛ سوى خصلة أو خصلتين.
قوله: « يتهاوكون تهاوك اليهود » : قال الجوهري : " (التهوك): التحير، والتهوك أيضًا مثل التهور، وهو الوقوع في الشيء بقلة مبالاة". وقال ابن الأثير : " (التهوك): كالتهور، وهو الوقوع في الأمر بغير روية، والمتهوك الذي يقع في(2/15)
كل أمر، وقيل: هو التحير". وقال ابن منظور : " (التهوك): السقوط في هوة الردى، وإنه لمتهوك لما هو فيه؛ أي: يركب الذنوب والخطايا، والمتهوك: الذي يقع في أكل أمر".
قوله: "وجلود السباع صفافًا": جمع صفة: قال ابن الأثير وابن منظور : "وهي للسرج بمنزلة الميثرة من الرحل".
وعن مكحول عن علي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من اقتراب الساعة : إذا رأيتم الناس أضاعوا الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلوا الكبائر، وأكلوا الربا، وأخذوا الرشى، وشيدوا البناء، واتبعوا الهوى، وباعوا الدين بالدنيا، واتخذوا القرآن مزامير، واتخذوا جلود السباع صفافا، والمساجد طرقًا، والحرير لباسًا، وكثر الجور، وفشا الزنى، وتهاونوا بالطلاق، وائتمن الخائن، وخون الأمين، وصار المطر قيظًا، والولد غيظًا، وأمراء فجرة، ووزراء كذبة، وأمناء خونة، وعرفاء ظلمة، وقلت العلماء، وكثرت القراء، وقلت الفقهاء، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطولت المنابر، وفسدت القلوب، واتخذوا القينات، واستحلت المعازف، وشربت الخمور، وعطلت الحدود، ونقصت الشهور، ونقضت المواثيق، وشاركت المرأة زوجها في التجارة، وركب النساء البراذين، وتشبهت النساء بالرجال والرجال بالنساء، ويحلف بغير الله، ويشهد الرجل من غير أن يستشهد، وكانت الزكاة مغرمًا، والأمانة مغنمًا، وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه، وأقصى أباه، وصارت الإمارات مواريث، وسب آخر هذه الأمة أولها، وأكرم الرجل اتقاء شره، وكثرت الشرط، وصعدت الجهال المنابر، ولبس الرجال التيجان، وضيقت الطرقات، وشيد البناء، واستغنى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وكثرت خطباء منابركم، وركن علماؤكم إلى ولاتكم؛ فأحلوا لهم الحرام، وحرموا عليهم الحلال، وأفتوهم بما يشتهون، وتعلم علماؤكم العلم ليجلبوا به دنانيركم ودراهمكم، »(2/16)
« واتخذتم القرآن تجارة، وضيعتم حق الله في أموالكم، وصارت أموالكم عند شراركم، وقطعتم أرحامكم، وشربتم الخمور في ناديكم، ولعبتم بالميسر، وضربتم بالكبر والمعزفة والمزامير، ومنعتم محاويجكم زكاتكم ورأيتموها مغرمًا، وقتل البريء ليغيظ العامة بقتله، واختلفت أهواؤكم، وصار العطاء في العبيد والسقاط، وطففت المكاييل والموازين، ووليت أموركم السفهاء » .
رواه: أبو الشيخ في "الفتن"، والديلمي، وغيرهما.
وقد ذكر فيه ثلاث وسبعون خصلة، منها أربع وأربعون قد ذكرت في حديث حذيفة الذي تقدم ذكره، وتسع وعشرون لم تذكر فيه.
وعن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من اقتراب الساعة: إذا كثر خطباء المنابر، وركن علماؤكم إلى ولاتكم، فأحلوا لهم الحرام، وحرموا عليهم الحلال، فأفتوهم بما يشتهون، وتعلم علماؤكم ليجلبوا به دنانيركم ودراهمكم، واتخذتم القرآن تجارة » .
رواه الديلمي .
وعن عتي السعدي؛ قال: "خرجت في طلب العلم حتى قدمت الكوفة، فإذا أنا بعبد الله بن مسعود رضي الله عنه بين ظهراني أهل الكوفة، فسألت عنه فأرشدت إليه؛ فإذا هو في مسجدها الأعظم، فأتيته، فقلت: أبا عبد الرحمن ! إني جئت إليك أضرب إليك ألتمس منك علمًا لعل الله أن ينفعنا به بعدك. فقال لي: ممن الرجل ؟ قلت: رجل من أهل البصرة. قال: ممن ؟ قلت: من هذا الحي من بني سعد . فقال: يا سعدي ! لأحدثن فيكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل، فقال: يا رسول الله ! ألا أدلك على قوم كثيرة أموالهم، كثيرة شوكتهم، تصيب منهم مالًا كثيرًا ؟ قال: من هم ؟ قال: هذا الحي من بني سعد من أهل الرمال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مه ! فإن بني »(2/17)
« سعد عند الله ذو حظ عظيم » . سل يا سعدي ، قلت: يا أبا عبد الرحمن ! هل للساعة من علم تعرف به ؟ قال: وكان متكئًا، فاستوى جالسًا، فقال: يا سعدي ! سألتني عما سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ « قلت: يا رسول الله ! هل للساعة من علم تعرف به ؟ قال: "نعم يا ابن مسعود ! إن للساعة أعلامًا، وإن للساعة أشراطًا، ألا وإن من أعلام الساعة وأشراطها : أن يكون الولد غيظًا، وأن يكون المطر قيظًا، وأن تفيض الأشرار فيضًا. يا ابن مسعود ! إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن يصدق الكاذب، وأن يكذب الصادق. يا ابن مسعود ! إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن يؤتمن الخائن، وأن يخون الأمين. يا ابن مسعود ! إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن تواصل الأطباق، وأن تقطع الأرحام. يا ابن مسعود ! إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن يسود كل قبيلة منافقوها، وكل سوق فجارها. يا ابن مسعود ! إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن تزخرف المحاريب، وأن تخرب القلوب. يا ابن مسعود ! إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن يكون المؤمن في القبيلة أذل من النقد. يا ابن مسعود ! إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن يكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء. يا ابن مسعود ! إن من أعلام الساعة وأشراطها: ملك الصبيان، ومؤامرة النساء. يا ابن مسعود ! إن من أشراط الساعة وأعلامها: أن يعمر خراب الدنيا، ويخرب عمرانها. يا ابن مسعود ! إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن تظهر المعازف، والكبر، وشرب الخمور. يا ابن مسعود ! إن من أعلام الساعة وأشراطها أن يكثر أولاد الزنى". قلت: أبا عبد الرحمن ! وهم مسلمون ؟ ! قال: نعم. قلت: أبا عبد الرحمن ! وأنى ذلك ؟ ! قال: يأتي على الناس زمان يطلق الرجل المرأة طلاقها، فتقيم على طلاقها؛ فهما زانيان ما أقاما » .
رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير". قال الهيثمي : "وفيه سيف بن مسكين وهو ضعيف".(2/18)
قلت: وله شواهد تقويه، وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
وأيضًا؛ فقد ظهر مصداق أكثر ما ذكر فيه، وشهد الواقع بخروجه من مشكاة النبوة. والله أعلم.
وقد رواه ابن النجار في ترجمة محمد بن علي المحاملي من طريق سيف ابن مسكين - وفيه زيادة ونقص - ولفظه: قال: خرجت في طلب العلم، فقدمت الكوفة؛ فإذا أنا بابن مسعود رضي الله عنه، فقلت له: هل للساعة من علم تعرف به ؟ قال: « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال: "من أعلام الساعة: أن يكون الولد غيظًا، والمطر قيظًا، وتفيض الأشرار فيضًا، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، ويسود كل قبيلة منافقوها، وكل سوق فجارها، وتزخرف المحاريب، وتخرب القلوب، ويكتفي النساء بالنساء، والرجال بالرجال، ويخرب عمران الدنيا، ويعمر خرابها، وتظهر الغيبة وأكل الربا، وتظهر المعازف، والكبر، وشرب الخمر، ويكثر الشرط، والغمازون، والهمازون » .
ورواه البيهقي في كتاب "البعث والنشور" بنحوه، ثم قال: "هذا إسناد فيه ضعف؛ إلا أن كثيرًا من ألفاظه قد روي بأسانيد أخر متفرقة". وقال ابن كثير : "لهذا الحديث شواهد كثيرة". انتهى.
وفي رواية الطبراني : « إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن تكنف المساجد، وأن تعلو المنابر، وإن من أعلام الساعة وأشراطها: أن تكثر الشرط، والهمازون، والغمازون، واللمازون، وأن تكثر أولاد الزنى » .
قوله: "أن تواصل الأطباق"؛ يعني: البعداء والأجانب. قاله ابن الأثير وابن منظور .
و (النقد): صغار الغنم.(2/19)
و (الكبر)؛ بفتح الكاف والباء: هو العود، وقيل الدف، وقيل: هو الطبل ذو الرأسين، وقيل: الطبل الذي له وجه واحد.
قوله: "أن تكنف المساجد": يحتمل أن يكون معناه: تستر أرضها بما يفرش فوقها من البسط وغيرها؛ قال ابن منظور في "لسان العرب": "كل ما ستر فقد كنف، ومنه قيل للمذهب: كنيف، وكل ساتر كنيف". ويحتمل أن يكون معناه: يتخذ لها الكنف؛ قال ابن منظور : "كنف الدار يكنفها كنفًا: اتخذ لها كنيفًا، والكنيف: الخلاء". ويحتمل أن يكون معناه: يجعل على أبوابها ظلة ونحوها؛ قال ابن منظور : "والكنيف: الكنة تشرع فوق باب الدار". قال ابن سيده : "والكنة؛ بالضم: جناح يخرجه من الحائط، وقيل: هي السقيفة تشرع فوق باب الدار، وقيل: الظلة تكون هنالك ". انتهى.
وكل من هذه الأمور الثلاثة واقع في زماننا وقبله، ويحتمل أن يكون المراد غير ذلك. والله أعلم.
قوله: "ويكثر الهمازون والغمازون واللمازون": قال الجوهري : "الهمز مثل اللمز، والهامز والهماز: العياب، والهمزة مثله، يقال: رجل همزة وامرأة همزة". وقال ابن الأثير : "الهمز: الغيبة والوقيعة في الناس وذكر عيوبهم، وقد همز يهمز فهو هماز، وهمزة للمبالغة". وقد ذكر ابن منظور في "لسان العرب" نحو هذا عن الليث؛ قال: "والهمزة: الذي يخلف الناس من ورائهم ويأكل لحومهم، وهو مثل العيبة، ويكون ذلك بالشدق والعين والرأس". انتهى.
وأما الغمز؛ فقال الراغب الأصفهاني : "أصله الإشارة بالجفن أو اليد طلبًا إلى ما فيه معاب، ومنه قيل: ما في فلان غميزة؛ أي: نقيصه مشار بها إليه".
وقال ابن منظور : "الغمز: الإشارة بالعين والحاجب والجفن". قال: "والمغموز المتهم ". انتهى.(2/20)
وأما اللمز؛ فقال الراغب الأصفهاني : "هو الاغتياب وتتبع المعاب، ورجل لماز ولمزة: كثير اللمز". وقال الجوهري : "اللمز: العيب، وأصله الإشارة بالعين ونحوها، ورجل لماز ولمزة؛ أي: عياب". وقال ابن منظور : "اللمز كالغمز في الوجه، تلمزه بفيك بكلام خفي، ورجل لمزة: يعيبك في وجهك، ورجل همزة: يعيبك بالغيب". قال الزجاج : "الهمزة اللمزة الذي يغتاب الناس ويغضهم". وكذلك قال ابن السكيت، ولم يفرق بينهما. وقال ابن منظور أيضًا: "واللمز: العيب في الوجه، وأصله الإشارة بالعين والرأس والشفة مع كلام خفي، وقيل: هو الاغتياب". قال: "ورجل لماز ولمزة؛ أي: عياب، وكذلك امرأة لمزة، والهاء فيهما للمبالغة لا للتأنيث". ونقل عن الليث أنه قال: "الهماز والهمزة: الذي يهمز أخاه في قفاه من خلفه، واللمز في الاستقبال ".
وعن ابن الأعرابي : "الهمازون : العيابون في الغيب، واللمازون : المغتابون بالحضرة". وقال أبو إسحاق الزجاج : "الهمزة اللمزة: الذي يغتاب الناس ويغضهم "، وأنشد:
"إذا لقيتك عن شحط تكاشرني ... وإن تغيبت كنت الهامز اللمزة"
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: « حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، ثم أخذ بحلقة باب الكعبة، فقال: "أيها الناس ! ألا أخبركم بأشراط الساعة ؟ " فقام إليه سلمان رضي الله عنه، فقال: أخبرنا فداك أبي وأمي يا رسول الله ! قال: "إن من أشراط الساعة : إضاعة الصلاة، والميل مع الهوى، وتعظيم رب المال" فقال سلمان : ويكون هذا يا رسول الله ؟ قال: "نعم؛ والذي نفس محمد بيده؛ فعند ذلك يا سلمان تكون الزكاة مغرمًا، والفيء مغنمًا، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، ويتكلم الرويبضة" قال: وما الرويبضة ؟ قال: "يتكلم في الناس من لم يتكلم، وينكر الحق تسعة أعشارهم، ويذهب الإسلام فلا يبقى إلا اسمه، ويذهب القرآن فلا »(2/21)
« يبقى إلا رسمه، وتحلى المصاحف بالذهب، وتتسمن ذكور أمتي، وتكون المشورة للإماء، ويخطب على المنابر الصبيان، وتكون المخاطبة للنساء؛ فعند ذلك تزخرف المساجد كما تزخرف الكنائس والبيع، وتطول المنابر، وتكثر الصفوف مع قلوب متباغضة وألسن مختلفة وأهواء جمة" قال سلمان : ويكون ذلك يا رسول الله ؟ قال: "نعم؛ والذي نفس محمد بيده. عند ذلك يا سلمان يكون المؤمن فيهم أذل من الأمة، يذوب قلبه في جوفه كما يذوب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيره، ويكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية البكر. فعند ذلك يا سلمان يكون أمراء فسقة، ووزراء فجرة، وأمناء خونة؛ يضيعون الصلاة، ويتبعون الشهوات، فإن أدركتموهم؛ فصلوا صلاتكم لوقتها. عند ذلك يا سلمان يجيء سبي من المشرق وسبي من المغرب، جثاؤهم جثاء الناس، وقلوبهم قلوب الشياطين، لا يرحمون صغيرًا ولا يوقرون كبيرًا. عند ذلك يا سلمان يحج الناس إلى هذا البيت الحرام؛ تحج ملوكهم لهوًا وتنزهًا، وأغنياؤهم للتجارة، ومساكينهم للمسألة، وقراؤهم رياء وسمعة" قال: ويكون ذلك يا رسول الله ؟ قال: "نعم، والذي نفسي بيده. عند ذلك يا سلمان يفشو الكذب، ويظهر الكوكب له الذنب، وتشارك المرأة زوجها في التجارة، وتتقارب الأسواق". قال: وما تقاربها ؟ قال: "كسادها وقلة أرباحها. عند ذلك يا سلمان يبعث الله ريحًا فيها حيات صفر، فتلتقط رؤساء العلماء لما رأوا المنكر فلم يغيروه". قال: ويكون ذلك يا رسول الله ؟ قال: "نعم، والذي بعث محمدًا بالحق » .
رواه ابن مردويه .
وقد رواه القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا في كتابه "الجليس والأنيس" بأبسط من هذا، ولفظه: عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: « لما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع؛ أخذ بحلقتي باب الكعبة، ثم أقبل على الناس، فقال: "يا »(2/22)
« أيها الناس ! ألا أخبركم بأشراط القيامة ؟ إن من أشراط القيامة إماتة الصلوات، واتباع الشهوات، والميل مع الهوى، وتعظيم رب المال " قال: فوثب سلمان، فقال: بأبي أنت وأمي إن هذا لكائن ؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده، عندها يذوب قلب المؤمن كما يذوب الملح في الماء مما يرى ولا يستطيع أن يغير" قال سلمان : بأبي أنت وأمي إن هذا لكائن ؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده؛ عندها يكون المطر قيظًا، والولد غيظًا، ويفيض اللئام فيضًا، ويغيض الكرام غيضًا" قال سلمان : بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن ؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده؛ للمؤمن يومئذ أذل من الأمة، فعندها يكون المنكر معروفًا، والمعروف منكرًا، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، ويصدق الكذاب، ويكذب الصادق" قال سلمان : بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن ؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده؛ عندها يكون أمراء جورة، ووزراء فسقة، وأمناء خونة، وإمارة النساء، ومشاورة الإماء، وصعود الصبيان المنابر" قال سلمان : بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن ؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده يا سلمان؛ عندها يليهم أقوام: إن تكلموا قتلوهم ن وإن سكتوا استباحوهم، ويستأثرون بفيئهم، وليطؤن حريمهم، ويجار في حكمهم، ويليهم أقوام جثاهم جثا الناس (قال القاضي أبو الفرج : هو هكذا في الكتاب، والصواب: جثثهم جثث الناس) وقلوبهم قلوب الشياطين؛ لا يوقرون كبيرًا، ولا يرحمون صغيرا " قال سلمان : بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن ؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده يا سلمان ! عندها تزخرف المساجد كما تزخرف الكنائس والبيع، وتحلى المصاحف، ويطيلون المنابر، ويكثر العقوق ، قلوبهم متباغضة، وأهواؤهم جمة، وألسنتهم مختلفة" قال سلمان : بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن ؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده، عندها يكون الكذب ظرفًا، والزكاة مغرمًا، ويظهر الرشا، ويكثر الربا، ويتعاملون بالعينة، ويتخذون المساجد طرقًا ". قال سلمان : بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن ؟ قال: "إي؛ »(2/23)
« والذي نفسي بيده يا سلمان ! عندها تتخذ جلود النمور صفوفًا، ويتحلى ذكور أمتي بالذهب، ويلبسون الحرير، ويتهاونون بالدماء، وتظهر الخمور والقينات والمعازف، وتشارك المرأة زوجها في التجارة". قال سلمان : بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن ؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده يا سلمان ! عندها يطلع كوكب الذنب، ويكثر السيجان، ويتكلم الرويبضة". قال سلمان : وما الرويبضة ؟ قال: "يتكلم في العامة من لم يكن يتكلم، ويحتقن الرجل للسمنة، ويتغنى بكتاب الله عز وجل، ويتخذ القرآن مزامير، ويباع الحكم، ويكثر الشرط". قال سلمان : بأبي وأمي إن هذا لكائن ؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده؛ يحج أمراء الناس لهوًا وتنزهًا، وأوساط الناس للتجارة، وفقراء الناس للمسألة، وقراء الناس للرياء والسمعة". قال سلمان : بأبي أنت وأمي، إن هذا لكائن ؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده، عندها يغار على الغلام كما يغار على الجارية البكر، ويخطب الغلام كما تخطب المرأة، ويهيأ كما تهيأ المرأة، ويتشبه النساء بالرجال، ويتشبه الرجال بالنساء، ويكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، وتركب ذوات الفروج على السروج؛ فعليهن من أمتي لعنة الله ". قال سلمان : بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن ؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده، عندها يظهر قراء عبادتهم التلاوم بينهم، أولئك يسمون في ملكوت السماء الأنجاس الأرجاس". قال سلمان : بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن ؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده، عندها يتشبب المشيخة، إن الحمرة خضاب الإسلام، والصفرة خضاب الإيمان، والسواد خضاب الشيطان". قال سلمان : بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن ؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده، عندها يوضع الدين، وترفع الدنيا، ويشيد البناء، وتعطل الحدود، ويميتون سنتي؛ فعندها يا سلمان لا ترى إلا ذمًا، ولا ينصرهم الله". قال: بأبي أنت وأمي، وهم يومئذ مسلمون كيف لا ينصرون ؟ ! قال: " يا سلمان ! إن نصرة الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، »(2/24)
« وإن أقوامًا يذمون الله تعالى، ومذمتهم إياه أن يشكوه، وذلك عند تقارب الأسواق". قال: وما تقارب الأسواق ؟ قال: "عند كسادها، كل يقول ما أبيع ولا أشتري ولا أربح، ولا رازق إلا الله تعالى ". قال سلمان : بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن ؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده، عندها يجفو الرجل والديه، ويبر صديقه، ويتحالفون بغير الله تعالى، ويحلف الرجل من غير أن يستحلف، ويتحالفون بالطلاق، يا سلمان ! لا يحلف بها إلا فاسق، ويفشو موت الفجأة، ويحدث الرجل سوطه". قال سلمان: بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن ؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده، تخرج الدابة، وتطلع الشمس من مغربها، ويخرج الدجال، وريح حمراء، ويكون خسف ومسخ وقذف، ويأجوج ومأجوج، وهدم الكعبة، وتمور الأرض » .
هذا حديث ضعيف، وفي بعض سياقه نكارة، ولبعضه شواهد مما تقدم وما يأتي، وقد ظهر مصداق بعض ما ذكر فيه.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه كان يقول كل عشية خميس: "سيأتي على الناس زمان: تمات فيه الصلاة، ويشرف فيه البنيان، ويكثر فيه الحلف والتلاعن، ويفشو فيه الرشا والزنى، وتباع الآخرة بالدنيا؛ فإذا رأيت ذلك؛ فالنجا النجا". قيل: وكيف النجا ؟ قال: "كن حلسًا من أحلاس بيتك، وكف لسانك ويدك".
رواه ابن أبي الدنيا في "العزلة"، وله حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي، وإنما يقال عن توقيف.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: « أتى رجل فقال: يا رسول الله ؟ متى الساعة ؟ قال: "ما المسؤول بأعلم من السائل". قال: فلو علمتنا أشراطها ؟ قال: "تقارب الأسواق". قلت: وما تقارب الأسواق ؟ قال: "أن يشكو الناس »(2/25)
« بعضهم إلى بعض قلة إصابتهم، ويكثر ولد البغي، وتفشو الغيبة، ويعظم رب المال، وترتفع أصوات الفساق في المساجد، ويظهر أهل المنكر، ويظهر البناء » .
رواه ابن مردويه .
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "من أشراط الساعة: سوء الجوار، وقطيعة الأرحام، وأن يعطل السيف من الجهاد، وأن تختل الدنيا بالدين » .
رواه: ابن مردويه، والديلمي، وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان".
وعن علي رضي الله عنه: « أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: متى الساعة ؟ فقال: "لقد سألتموني عن أمر ما يعلمه جبريل ولا ميكائيل، ولكن إن شئتم أنبأتكم بأشياء إذا كانت لم يكن للساعة كثير لبث: إذا كانت الألسن لينة، والقلوب جنادل، ورغب الناس في الدنيا، وظهر البناء على وجه الأرض، واختلف الأخوان فصار هواهما شتى، وبيع حكم الله بيعًا » .
رواه ابن أبي شيبة .
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه؛ قال: "إن من اقتراب الساعة: أن يظهر البناء على وجه الأرض، وأن تقطع الأرحام، وأن يؤذي الجار جاره".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: "إن من أشراط الساعة أن يظهر الفحش والتفحش وسوء الخلق وسوء الجوار".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن المنتصر بن عمارة بن أبي ذر الغفاري عن أبيه عن جده رضي الله(2/26)
عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « "إذا اقترب الزمان؛ كثر لبس الطيالسة، وكثرت التجارة، وكثر المال، وعظم رب المال بماله، وكثرت الفاحشة، وكانت إمارة الصبيان، وكثر النساء، وجار السلطان، وطفف في المكيال والميزان، ويربي الرجل جرو كلب خير له من أن يربي ولدًا له، ولا يوقر كبير، ولا يرحم صغير، ويكثر أولاد الزنى حتى إن الرجل ليغشى المرأة على قارعة الطريق، فيقول أمثلهم في ذلك الزمان: لو اعتزلتما عن الطريق ! ويلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أمثلهم في ذلك الزمان المداهن » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "هذا حديث تفرد به سيف بن مسكين عن المبارك بن فضالة، والمبارك بن فضالة ثقة". قال الذهبي : " وسيف واه، ومنتصر وأبوه مجهولان". وقد رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه سيف بن مسكين، وهو ضعيف".
وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ قال: « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة وأنا شاهد. فقال: "لا يعلمها إلى الله، ولا يجليها لوقتها إلى هو، ولكن سأحدثكم بمشاريطها وما بين يديها، ألا إن بين يديها فتنة وهرجًا". فقيل: يا رسول الله ! أما الفتن؛ فقد عرفناها؛ فما الهرج ؟ قال: "بلسان الحبشة: القتل، وأن يلقى بين الناس التناكر، فلا يعرف أحد أحدًا، وتجف قلوب الناس، وتبقى رجراجة لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه من لم يسم".
قوله: "وتجف قلوب الناس "؛ أي: تضطرب من الخوف.
و (الرجراجة): شرار الناس وأرذالهم ورعاعهم الذين لا عقول لهم ولا خير فيهم.
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "لا تقوم الساعة حتى »(2/27)
« يكون القرآن عارا، ويتقارب الزمان، وتنتقض عراه، وتنتقص السنون والثمرات، ويؤتمن التهماء، ويتهم الأمناء، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويكثر الهرج". قالوا: ما الهرج يا رسول الله ؟ قال: "القتل. ويظهر البغي والحسد والشح، وتختلف الأمور بين الناس، ويتبع الهوى، ويقضى بالظن، ويقبض العلم، ويظهر الجهل، ويكون الولد غيظًا، والشتاء قيظًا، ويجهر بالفحشاء، وتزوى الأرض زيًا » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات، وفي بعضهم خرف".
وقد رواه ابن أبي الدنيا بأبسط من هذا، ولفظه قال: « "لا تقوم الساعة حتى يجعل كتاب الله عارًا، ويكون الإسلام غريبًا، وحتى تبدو الشحناء بين الناس، وحتى يقبض العلم، ويهرم الزمان، وينقص عمر البشر، وتنقص السنون والثمرات، ويؤتمن التهماء، ويتهم الأمناء، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويكثر الهرج - وهو القتل - وحتى تبنى الغرف فتطاول، وحتى تحزن ذوات الأولاد، وتفرح العواقر، ويظهر البغي والحسد والشح، ويهلك الناس، ويكثر الكذب، ويقل الصدق، وحتى تختلف الأمور بين الناس، ويتبع الهوى، ويقضى بالظن، ويكثر المطر، ويقل الثمر، ويغيض العلم غيضًا، ويفيض الجهل فيضًا، ويكون الولد غيظًا، والشتاء قيظًا، وحتى يجهر بالفحشاء، وتزوى الأرض زيًا، وتقوم الخطباء بالكذب، فيجعلون حقي لشرار أمتي، فمن صدقهم بذلك ورضي به؛ لم يرح رائحة الجنة » .
وقد رواه أيضًا: أبو نصر السجزي في "الإبانة"، وابن عساكر . قال في "كنز الأعمال": "ولا بأس بسنده".
قلت: وقد ظهر مصداق كثير مما ذكر فيه.
وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « "لا »(2/28)
« تقوم الساعة حتى يكون الولد غيظًا، والمطر قيظًا، وتفيض اللئام فيضًا، وتغيض الكرام غيضًا، ويجترئ الصغير على الكبير، واللئيم على الكريم » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه جماعة لم أعرفهم".
وعن عروة بن محمد بن عطية السعدي عن أبيه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « "ثلاث إذا رأيتهن؛ فعندك عندك: إخراب العامر، وإعمار الخراب، وأن يكون الغزو رفدًا، وأن يتمرس الرجل بأمانته تمرس البعير بالشجرة » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه يحيى بن عبد الله البابلتي، وهو ضعيف".
وقد رواه ابن عساكر في "تاريخه"، ولفظه: قال: « "ثلاث إذا رأيتهن؛ فعندك: خراب العامر وعمارة الخراب، وأن يكون المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، وأن يتمرس الرجل بالأمانه تمرس البعير بالشجرة » .
وعن عبد الله بن زبيب الجندي؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "يا أبا الوليد ! يا عبادة بن الصامت ! إذا رأيت الصدقة كتمت وغلت، واستؤجر على الغزو، وأخرب العامر، وعمر الخراب، وصار الرجل يتمرس بأمانته تمرس البعير بالشجرة؛ فإنك والساعة كهاتين (وأشار بإصبعيه السبابة والتي تليها » .
رواه: عبد الرزاق، والطبراني .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: « أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة ؟ فقال: "ذاك عند حيف الأئمة، وتصديق بالنجوم، وتكذيب بالقدر، وحتى تتخذ الأمانة مغنمًا، والصدقة مغرمًا، والفاحشة زيارة؛ فعند ذلك هلاك قومك » .(2/29)
رواه البزار . قال الهيثمي : "وفيه من لم أعرفهم".
وقد رواه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" بنحوه، وزاد: « فسألته عن الفاحشة زيارة ؟ فقال: "الرجلان من أهل الفسق، يصنع أحدهما طعامًا وشرابًا، ويأتيه بالمرأة، فيقول: اصنع لي كما صنعت ! فيتزاورون على ذلك". قال: "فعند ذلك هلكت أمتي » .
وعن أبي تميمة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « "لا تزال أمتي على الفطرة؛ ما لم يتخذوا الأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا، والخلافة ملكًا، والزيارة فاحشة، ويؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم" قيل: وما الزيارة فاحشة ؟ قال: "الرجل يصنع طعامًا لأخيه يدعوه، فيكون في صنيعه النساء الخبائث » .
رواه العقيلي في كتابه في الصحابة، ونقله ابن عبد البر في كتاب "الاستيعاب" عنه، ثم قال: "وهذا الحديث لا يصح إسناده، ولا يعرف في الصحابة أبو تميمة ".
وعن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « "بين يدي الساعة: تسليم الخاصة، وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وفشو القلم، وظهور الشهادة بالزور، وكتمان شهادة الحق » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري في "الأدب المفرد"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وفي رواية للحاكم : قال عبد الله : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن بين يدي الساعة: تسليم الخاصة، وفشو التجارة، حتى تعين المرأة زوجها على »(2/30)
« التجارة، وحتى يخرج الرجل بماله إلى أطراف الأرض، فيرجع، فيقول: لم أربح شيئًا » .
وفي رواية له أيضًا عن خارجة بن الصلت البرجمي؛ قال: دخلت مع عبد الله يومًا المسجد؛ فإذا القوم ركوع، فركع، فمر رجل فسلم عليه، فقال عبد الله : صدق الله ورسوله. ثم وصل إلى الصف. فلما فرغ سألته عن قوله: صدق الله ورسوله ؟ فقال: إنه كان يقول: « لا تقوم الساعة حتى تتخذ المساجد طرقًا، وحتى يسلم الرجل على الرجل بالمعرفة، وحتى تتجر المرأة وزوجها، وحتى تغلو الخيل والنساء ثم ترخص فلا تغلو إلى يوم القيامة » .
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد رواه أبو داود الطيالسي والطبراني بنحوه.
وفي رواية الإمام أحمد عن الأسود بن هلال عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن من أشراط الساعة: أن يسلم الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة » .
وفي رواية له أيضًا عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن من أشراط الساعة: إذا كانت التحية على المعرفة » .
وفي رواية للطبراني؛ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تقوم الساعة حتى يكون السلام على المعرفة، وحتى تتخذ المساجد طرقًا؛ فلا يسجد لله فيها، وحتى يبعث الغلام الشيخ بريدًا بين الأفقين، وحتى يبلغ التاجر بين الأفقين؛ فلا يجد ربحًا » .
وفي رواية البزار : « وأن يجتاز الرجل بالمسجد؛ فلا يصلي فيه » . وفي(2/31)
رواية للطبراني عن سلمة بن كهيل عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن من أشراط الساعة: أن يمر الرجل في طول المسجد لا يصلي فيه ركعتين، وأن لا يسلم الرجل إلا على من يعرف، وأن يبرد الصبي الشيخ » .
قال الهيثمي : "رجاله رجال الصحيح؛ إلا أن سلمة، وإن كان سمع من الصحابة، لم أجد له رواية عن ابن مسعود رضي الله عنه ".
وقد رواه: ابن مردويه، والبيهقي في "شعب الإيمان" بنحو ما تقدم، وزادا: « وإن تتطاول الحفاة العراة رعاء الشاء في البنيان » .
قوله: "تسليم الخاصة": قد بينه في رواية خارجة بن الصامت والأسود بن هلال والأسود بن يزيد بأنه تسليم الرجل على الرجل بالمعرفة، وأصرح من ذلك قوله في رواية سلمة بن كهيل : « وأن لا يسلم الرجل إلا على من يعرف » ، وهذا مما ظهر مصداقه في زماننا.
وقوله: "يبرد الصبي الشيخ"؛ أي: يجعله رسولًا في حوائجه. قاله المناوي في "شرح الجامع الصغير".
وعن العداء بن خالد رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تقوم الساعة حتى لا يسلم الرجل إلا على من يعرف، وحتى تتخذ المساجد طرقًا، وحتى تتجر المرأة وزوجها، وحتى ترخص النساء والخيل فلا تغلو إلى يوم القيامة » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه من لم أعرفهم".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « إن من أمارات الساعة أن يرى الهلال لليلة، فيقال: لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقًا، وأن يظهر موت الفجأة » .(2/32)
رواه الطبراني في "الصغير" و "الأوسط" عن شيخه الهيثم بن خالد المصيصي . قال الهيثمي : "وهو ضعيف".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن من علامات البلاء، وأشراط الساعة : أن تعزب العقول، وتنقص الأحلام، ويكثر القتل، وترفع علامات الخير، وتظهر الفتن » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه عافية بن أيوب، وهو ضعيف".
ورواه نعيم بن حماد في "الفتن" من حديث كثير بن مرة مرسلًا مثله؛ إلا أنه قال: « وترفع علامات الحق، ويظهر الظلم » .
وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن من أشراط الساعة أن تنتقص العقول، وتعزب الأحلام، ويكثر الهم » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: أنه قال: "يأتي على الناس زمان يصبح الرجل بصيرًا ويمسي ما يبصر شعرة".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن، ويكثر الكذب، وتتقارب الأسواق، ويتقارب الزمان، ويكثر الهرج . قلت: وما الهرج ؟ قال: "القتل » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير سعد بن سمعان، وهو ثقة". وقد رواه ابن حبان في "صحيحه"، وزاد فيه: « ويقبض العلم » .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم »(2/33)
« الساعة حتى يظهر: الفحش، والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة، وحتى يؤتمن الخائن، ويخون الأمين » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد رواه البزار بنحوه مختصرًا، وزاد: « قيل: يا رسول الله ! فكيف المؤمن يومئذ ؟ قال: "كالنحلة؛ وقعت فلم تفسد، وأكلت فلم تكسر، ووضعت طيبًا » .
قال الهيثمي : "وفيه عبد الرحمن بن مغراء، وثقه أبو زرعة وجماعة، وضعفه ابن المديني، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وعن أنس رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن من أشراط الساعة : الفحش، والتفحش، وقطيعة الأرحام، وائتمان الخائن، (أحسبه قال: ) وتخوين الأمين (أو كلمة نحوها) » .
رواه البزار : قال الهيثمي : "وفيه شبيب بن بشر وهو لين، ووثقه ابن حبان وقال: يخطئ، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وعن سعيد بن جبير عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « "والذي نفس محمد بيده؛ لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل، ويخون الأمين، ويؤتمن الخائن، وتهلك الوعول، وتظهر التحوت ". قالوا: يا رسول الله ! وما الوعول ؟ وما التحوت ؟ قال: "الوعول وجوه الناس وأشرافهم، والتحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم » .
رواه: ابن حبان في "صحيحه"، والطبراني في "الأوسط"، وأبو نعيم في "الحلية"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "رواته كلهم مدنيون ممن لم ينسبوا إلى نوع من الجرح"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وروى الطبراني أيضًا من طريق أبي علقمة حليف بني هاشم؛ قال:(2/34)
سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: « "إن من أشراط الساعة أن يظهر الشح والفحش، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، وتظهر ثياب تلبسها نساء كاسيات عاريات، ويعلو التحوت الوعول". أكذاك يا عبد الله بن مسعود سمعته من حبي ؟ قال: نعم، ورب الكعبة. قلنا: وما التحوت ؟ قال: "فسول الرجال وأهل البيوت الغامضة يرفعون فوق صالحيهم، والوعول: أهل البيوت الصالحة » .
قال الهيثمي : "رجاله رجال الصحيح؛ غير محمد بن الحارث بن سفيان، وهو ثقة". وقد رواه البخاري في "الكنى" بنحوه، ورواته ثقات.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "إن أمام الدجال سنين خداعة؛ يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرويبضة ". قيل: وما الرويبضة ؟ قال: "الفويسق يتكلم في أمر العامة » .
رواه الإمام أحمد، وفي إسناده محمد بن إسحاق، وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "سيأتي على الناس سنوات خداعات؛ يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة". قيل: يا رسول الله ! وما الرويبضة ؟ قال: "الرجل التافه يتكلم في أمر العامة" » .
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وفي رواية لأحمد والحاكم : « قيل: يا رسول الله ! وما الرويبضة ؟ قال: "السفيه يتكلم في أمر العامة » . وفي رواية للحاكم : قال: « "وتشيع فيها الفاحشة » .(2/35)
وقد رواه نعيم بن حماد في "الفتن"، ولفظه: « "تكون قبل خروج المسيح الدجال سنوات خداعة؛ يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، ويتكلم الرويبضة ". قيل: وما الرويبضة ؟ قال: "الوضيع من الناس » .
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "يكون أمام الدجال سنون خوادع: يكثر فيها المطر، ويقل فيها النبت، ويكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة". قيل: يا رسول الله ! وما الرويبضة ؟ قال: "من لا يؤبه له » .
رواه الطبراني بأسانيد. قال الهيثمي : "وفي أحسنها ابن إسحاق، وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات ". قال الجوهري : " (الرويبضة): التافه الحقير ".
وقال ابن الأثير : "التافه الحقير الخسيس".
وقد تحصل من الأحاديث مع كلام أهل اللغة أن الرويبضة هو: السفيه، الفاسق، التافه، الوضيع، الحقير، الخسيس.
وعن أم سلمة رضي الله عنها: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « ليأتين على الناس زمان: يكذب فيه الصادق، ويصدق فيه الكاذب، ويخون فيه الأمين، ويؤتمن فيه الخؤون، ويشهد فيه المرء وإن لم يستشهد، ويحلف وإن لم يستحلف، ويكون أسعد الناس في الدنيا لكع ابن لكع، لا يؤمن بالله ورسوله » .
رواه: البخاري في "تاريخه"، والطبراني .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « والذي نفسي بيده؛ لا تقوم الساعة حتى يبعث الله: أمراء كذبة، ووزراء فجرة، وأعوانًا خونة، وعرفاء ظلمة، وقراء فسقة؛ سيماهم سيما الرهبان، وقلوبهم أنتن من الجيف، »(2/36)
« أهواؤهم مختلفة، فيفتح الله لهم فتنة غبراء مظلمة، فيتهاوكون فيها، والذي نفس محمد بيده؛ لينقضن الإسلام عروة عروة، حتى لا يقال: لا إله إلا الله » .
رواه ابن أبي الدنيا .
وعن مكحول عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أنه قال: "لا تذهب الدنيا حتى يأتي: أمراء كذبة، ووزراء فجرة، وعرفاء ظلمة، وقراء فسقة، أهواؤهم مختلفة، ليست لهم زعة، يلبسون ثياب الرهبان، وقلوبهم أنتن من الجيف، فيلبسهم الله فتنة ظلماء، يتهوكون فيها تهوك اليهود".
ذكره أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الخالق في كتاب "الورع".
ورواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد" من حديث علي المرادي عن معاذ رضي الله عنه مختصرًا؛ قال: "يكون في آخر الزمان: قراء فسقة، ووزراء فجرة، وأمناء خونة، وعرفاء ظلمة، وأمراء كذبة".
وهكذا رواه البخاري في "التاريخ الكبير"؛ إلا أنه قال: عن عيسى المرادي .
وقد رواه البزار من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يبعث الله: أمراء كذبة، ووزراء فجرة، وأمناء خونة، وقراء فسقة؛ سمتهم سمة الرهبان، وليس لهم رغبة (أو قال: رعة، أو قال: زعة)، فيلبسهم الله فتنة غبراء مظلمة، يتهوكون فيها تهوك اليهود في الظلم » .
قال الهيثمي : "فيه حبيب بن عمران الكلاعي، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح".
قوله: "وليس لهم رغبة"؛ أي: في الخير. "أو قال: رعة"؛ بكسر الراء؛(2/37)
أي: ورع عن المحرمات. " أو قال: زعة"؛ بكسر الزاي؛ أي: وازع يمنعهم من مخالفة الأوامر وارتكاب النواهي.
وعن علي رضي الله عنه: أنه قال: "ليأتين على الناس زمان؛ يطرى فيه الفاجر، ويقرب فيه الماحل، ويعجز فيه المنصف، في ذلك الزمان تكون الأمانة فيه مغنمًا، والزكاة فيه مغرمًا، والصلاة تطاولًا، والصدقة منا، وفي ذلك الزمان استشارة الإماء، وسلطان النساء، وإمارة السفهاء ".
رواه ابن المنادي .
(الماحل): هو المماكر والمكايد. قال الجوهري : "المحل: المكر والكيد، يقال: محل به: إذا سعى به إلى السلطان". قال: "والمماحلة: المماكرة والمكايدة ". وقال ابن الأثير : "ورجل محل؛ أي: ذو كيد".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سيجيء أقوام في آخر الزمان، تكون وجوههم وجوه الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين، أمثال الذئاب الضواري، ليس في قلوبهم شيء من الرحمة، سفاكون للدماء، لا يرعون عن قبيح؛ إن تابعتهم واربوك، وإن تواريت عنهم اغتابوك، وإن حدثوك كذبوك، وإن ائتمنتهم خانوك، صبيهم عارم، وشابهم شاطر، وشيخهم لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، الاعتزاز بهم ذل، وطلب ما في أيديهم فقر، الحليم فيهم غاو، والآمر فيهم بالمعروف متهم، والمؤمن فيهم مستضعف، والفاسق فيهم مشرف، السنة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سنة؛ فعند ذلك يسلط الله عليهم شرارهم، فيدعو خيارهم، فلا يستجاب لهم » .
رواه: الطبراني في "الصغير" و "الأوسط"، والخطيب في "تاريخه"، وهو حديث ضعيف، ومع ذلك؛ فهو مطابق لحال كثير من المنتسبين إلى الإسلام في زماننا غاية المطابقة.(2/38)
وقوله: "لا يرعون عن قبيح": هو بكسر الراء؛ أي: لا يكفون عنه ولا يتحرجون من إتيانه.
وقوله: "واربوك": قال ابن الأثير : "أي: خادعوك، من الورب، وهو الفساد". ونقل ابن منظور عن الليث : أنه قال: "المواربة: المداهاة والمخاتلة ". قال: "وقال أبو منصور : المواربة مأخوذة من الأرب، وهو الدهاء فحولت الهمزة واوًا".
قوله: "صبيهم عارم"؛ أي: شرس. قال ابن الأثير وابن منظور : "العرام : الشدة والقوة والشراسة، ورجل عارم؛ أي: خبيث شرير".
قوله: "وشابهم شاطر": قال الجوهري : "الشاطر: الذي أعيى أهله خبثًا".
ونقل ابن منظور عن أبي إسحاق : أنه قال: "قول الناس: فلان شاطر؛ معناه: أنه أخذ في نحو غير الاستواء، ولذلك قيل له: شاطر؛ لأنه تباعد عن الاستواء".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه قال: "يأتي على الناس زمان هم ذئاب، فمن لم يكن ذئبًا؛ أكلته الذئاب".
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه من لم أعرفهم".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل: { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } إلى آخر الآية؛ قال: كان رجل من بني إسرائيل آتاه الله مالًا، فمات، فورثه ابن له تافه (أي: فاسد). فكان يعمل في مال الله بمعاصي الله، فلما رأى ذلك إخوان أبيه؛ أتوا الفتى، فعذلوه، ولاموه، فضجر الفتى، فباع عقاره بصامت، ثم رحل، فأتى عينًا ثجاجة، فسرح فيها ماله، وابتنى قصرًا، فبينما هو ذات يوم جالس؛ إذ شملت عليه ريح بامرأة من أحسن الناس وجهًا وأطيبهم أرجًا (أي: ريحًا)، فقالت: من أنت يا عبد الله ؟ فقال: أنا امرؤ من بني إسرائيل. قالت: فلك هذا القصر وهذا المال ؟ فقال: نعم. قالت:(2/39)
فهل لك من زوجة ؟ قال: لا. قالت: فكيف يهنيك العيش ولا زوجة لك ؟ قال: قد كان ذاك. قال: فهل لك من بعل ؟ قالت: لا. قال: فهل لك إلى أن أتزوجك ؟ قالت: إني امرأة منك على مسيرة ميل، فإذا كان غدا؛ فتزود زاد يوم وائتني، وإن رأيت في طريقك هولًا؛ فلا يهولنك. فلما كان من الغد؛ تزود زاد يوم وانطلق، فانتهى إلى قصر، فقرع رتاجه، فخرج إليه شاب من أحسن الناس وجهًا وأطيبهم أرجًا (أي: ريحًا)، فقال: من أنت يا عبد الله ؟ فقال: أنا إسرائيلي. قال : فما حاجتك ؟ قال: دعتني صاحبة هذا القصر إلى نفسها. قال: صدقت. قال: فهل رأيت في الطريق هولًا ؟ قال: نعم؛ ولولا أنها أخبرتني أن لا بأس علي؛ لهالني الذي رأيت. قال: ما رأيت ؟ قال: أقبلت، حتى إذا انفرج بي السبيل؛ إذا أنا بكلبة فاتحة فاها، ففزعت، فوثبت؛ فإذا أنا من ورائها، وإذا جراؤها ينبحن في بطنها. فقال الشاب: لست تدرك هذا، هذا يكون في آخر الزمان، يقاعد الغلام المشيخة في مجلسهم، ويسرهم حديثه. قال: ثم أقبلت، حتى إذا انفرج بي السبيل؛ إذا أنا بمائة عنز حفل، وإذا فيها جدي يمصها، فإذا أتى عليها وظن أنه لم يترك شيئًا؛ فتح فاه يلتمس الزيادة. فقال: لست تدرك هذا، هذا يكون في آخر الزمان، ملك يجمع صامت الناس كلهم، حتى إذا ظن أنه لم يترك شيئًا؛ فتح فاه يلتمس الزيادة. قال: ثم أقبلت، حتى إذا انفرج بي السبيل؛ إذا أنا بشجر، فأعجبني غصن من شجرة منها ناضرة، فأردت قطعه، فنادتني شجرة أخرى: يا عبد الله ! مني فخذ ! حتى ناداني الشجر أجمع: يا عبد الله ! مني فخذ ! فقال: لست تدرك هذا، هذا يكون في آخر الزمان، يقل الرجال ويكثر النساء، حتى إن الرجل ليخطب المرأة، فتدعوه العشر والعشرون إلى أنفسهن. قال: ثم أقبلت، حتى إذا انفرج بي السبيل؛ فإذا أنا برجل قائم على عين، يغرف لكل إنسان من الماء، فإذا تصدعوا عنه؛ صب في جرته، فلم تعلق جرته من الماء بشيء. قال: لست تدرك هذا، هذا يكون(2/40)
في آخر الزمان، القاص يعلم الناس العلم ثم يخالفهم إلى معاصي الله تعالى. قال: ثم أقبلت، حتى إذا انفرج بي السبيل؛ إذا أنا بعنز، وإذا بقوم قد أخذوا بقوائمها، وإذا رجل قد أخذ بقرنيها، وإذا رجل قد أخذ بذنبها، وإذا راكب قد ركبها، وإذا رجل يحتلبها. فقال: أما العنز؛ فهي الدنيا، والذين أخذوا بقوائمها يتساقطون من عيشها، وأما الذي قد أخذ بقرنيها؛ فهو يعالج من عيشها ضيقًا، وأما الذي أخذ بذنبها؛ فقد أدبرت عنه، وأما الذي ركبها؛ فقد تركها، وأما الذي يحلبها؛ فبخ بخ، ذهب ذلك بها. قال: ثم أقبلت، حتى إذا انفرج بي السبيل؛ إذا أنا برجل يمتح على قليب، كلما أخرج دلوه؛ صبه في الحوض، فانساب الماء راجعًا إلى القليب. قال: هذا رجل رد الله عليه صالح عمله فلم يقبله. قال: ثم أقبلت، حتى إذا انفرج بي السبيل؛ إذا أنا برجل يبذر بذرًا، فيستحصد؛ فإذا حنطة طيبة. قال: هذا رجل قبل الله صالح عمله وأزكاه له. قال: ثم أقبلت، حتى إذا انفرج بي السبيل؛ إذا أنا برجل مستلق على قفاه. قال: يا عبد الله ! ادن مني؛ فخذ بيدي وأقعدني، فوالله؛ ما قعدت منذ خلقني الله تعالى، فأخذت بيده، فقام يسعى حتى ما أراه. فقال له الفتى: هذا عمر الأبعد نفد، وأنا ملك الموت، أمرني الله تعالى بقبض روح الأبعد في هذا المكان، ثم أصيره إلى نار جهنم. قال: ففيه نزلت الآية: { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } الآية.
رواه ابن أبي حاتم .
قال ابن كثير : "وهذا أثر غريب، وفي صحته نظر، وتنزيل الآية عليه وفي حقه؛ بمعنى أن الكفار كلهم يتوفون وأرواحهم متعلقة بالحياة الدنيا؛ كما جرى لهذا المغرور المفتون، ذهب يطلب مراده، فجاءه ملك الموت فجأة بغتة، وحيل بينه وبين ما يشتهي". انتهى.(2/41)
والمقصود من إيراد هذا الحديث ما فيه من الإخبار عما يكون في آخر الزمان، والله الموفق.
وقد أوردت في هذا الباب أحاديث كثيرة من الأحاديث الضعيفة، وإنما أوردتها لمطابقة بعض ما جاء فيها للواقع.
باب
ما جاء في المتنبئين
عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
ورواه الإمام أحمد، ومسلم أيضًا، والترمذي من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يبعث كذابون دجالون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله » .
قال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح". قال: "وفي الباب عن جابر بن سمرة وابن عمر رضي الله عنهم".
قلت: وسيأتي ذكر حديثيهما قريبًا إن شاء الله تعالى.
ورواه: الإمام أحمد أيضًا، وأبو داود؛ من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالون، كلهم يزعم أنه رسول الله » .
ورواه: الإمام أحمد، وأبو داود أيضًا؛ من حديث أبي سلمة عن أبي(2/42)
هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابًا دجالًا، كلهم يكذب على الله وعلى رسوله » .
ورواه أبو داود أيضًا من حديث إبراهيم النخعي؛ قال: قال عبيدة السلماني (بهذا الخبر). قال: فذكر نحوه. فقلت له: أترى هذا منهم (يعني: المختار) ؟ فقال عبيدة : أما إنه من الرؤوس.
ورواه الإمام أحمد أيضًا، فقال: حدثنا يحيى عن عوف : حدثنا خلاس عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « بين يدي الساعة قريب من ثلاثين دجالًا كذابين، كلهم يقول: أنا نبي ! أنا نبي ! » .
قال ابن كثير : "وهذا إسناد حسن جيد تفرد به أحمد ".
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن بين يدي الساعة كذابين؛ فاحذروهم » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم، وهذا لفظ إحدى روايات أحمد .
وعن ثوبان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبرقاني في "صحيحه". وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح". وصححه أيضًا ابن حبان، والحاكم وقال: "على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن حذيفة رضي الله عنه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: « في أمتي كذابون ودجالون سبعة وعشرون، منهم أربع نسوة، وإني خاتم النبيين لا نبي بعدي » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، والبزار، والضياء(2/43)
المقدسي . قال الهيثمي : "ورجال البزار رجال الصحيح".
وعن أبي بكر رضي الله عنه؛ قال: أكثر الناس في شأن مسيلمة قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئًا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا، فقال: « أما بعد؛ ففي شأن هذا الرجل الذي قد أكثرتم فيه، وإنه كذاب من ثلاثين كذابًا يخرجون بين يدي الساعة » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والحاكم في "مستدركه". قال الهيثمي : "وأحد أسانيد أحمد والطبراني رجاله رجال الصحيح ". قال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي في "تلخيصه".
وعن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « بين يدي الساعة كذابون: منهم صاحب اليمامة، ومنهم صاحب صنعاء العنسي، ومنهم صاحب حمير، ومنهم الدجال، وهو أعظمهم فتنة » . قال جابر : وبعض أصحابي يقول: قريب من ثلاثين كذابًا.
رواه: الإمام أحمد، والبزار، وابن حبان في "صحيحه". قال الهيثمي : "وفي إسناد البزار عبد الرحمن بن مغراء، وثقه جماعة وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح، وفي إسناد أحمد ابن لهيعة، وهو لين".
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « وإنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابًا ، آخرهم الأعور الدجال » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، في "الكبير" والحاكم في "مستدركه". وقال : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه كان عنده رجل من أهل(2/44)
الكوفة، فجعل يحدثه عن المختار، فقال ابن عمر رضي الله عنه: إن كان كما تقول؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن بين يدي الساعة ثلاثين دجالًا كذابًا » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى . وفي رواية: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال وكذابون ثلاثون أو أكثر » . وفي رواية: « "ليكونن قبل المسيح الدجال كذابون ثلاثون أو أكثر". »
ورواه الطبراني، ولفظه: قال: « "بين يدي الساعة الدجال، وبين يدي الدجال كذابون ثلاثون أو أكثر ". قلنا: ما آيتهم ؟ قال: "أن يأتوكم بسنة لم تكونوا عليها يغيرون بها سنتكم ودينكم، فإذا رأيتموهم؛ فاجتنبوهم وعادوهم » .
وعن أبي الجلاس؛ قال: سمعت عليًا رضي الله عنه يقول لعبد الله السبئي : ويلك ! والله؛ ما أفضى إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء كتمه أحدًا من الناس، ولكن سمعته يقول: « إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابًا ، وإنك لأحدهم » .
رواه: ابن أبي شيبة، وابن أبي عاصم، وعبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة"، وأبو يعلى . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « "إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابًا، منهم الأسود العنسي صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة » .
رواه: الطبراني، وأبو يعلى، والبزار؛ باختصار. قال الهيثمي : "وفيه قيس بن الربيع، وثقة شعبة والثوري، وضعفه جماعة".
ورواه البيهقي، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يخرج »(2/45)
« ثلاثون كذابًا، منهم مسيلمة والعنسي والمختار » .
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن بين يدي الساعة كذابين » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير جندل بن والق، وهو ثقة".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن في ثقيف كذابًا ومبيرًا » .
رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وأبو يعلى . وقال الترمذي : "هذا حديث حسن غريب". قال: "وفي الباب عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما".
قال: "ويقال: الكذاب: المختار بن أبي عبيد، والمبير: الحجاج بن يوسف ".
وقال النووي : "اتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا: المختار بن أبي عبيد، وبالمبير: الحجاج بن يوسف " انتهى.
وعن أبي نوفل بن أبي عقرب « عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنها قالت للحجاج : أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابًا ومبيرًا، فأما الكذاب؛ فقد رأيناه، وأما المبير؛ فلا إخالك إلا إياه » .
رواه: أبو داود الطيالسي، ومسلم، والطبراني، والحاكم .
وعن أبي الصديق الناجي : أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أنه يخرج من ثقيف كذابان، الآخر منهما أشر من الأول، وهو مبير » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".(2/46)
وعن هارون بن عنترة عن أبيه: أن أسماء رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يخرج من ثقيف كذابان، الآخر منهما أشر من الأول، وهو مبير » .
رواه الإمام أحمد، وإسناده جيد.
وعن أبي المحياة عن أمه: أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت للحجاج : انتظر حتى أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول: « يخرج من ثقيف كذاب ومبير . فأما الكذاب؛ فقد رأيناه، وأما المبير؛ فأنت.
» رواه البيهقي .
وعن سلامة بنت الحر رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « وفي ثقيف كذاب ومبير » .
رواه أبو يعلى بإسناد حسن.
باب
ما جاء في دعاة الضلالة
عن أبي إدريس الخولاني؛ قال: سمعت حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما يقول: « كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله ! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير؛ فهل بعد هذا الخير شر ؟ قال: "نعم". فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال: "نعم، وفيه دخن". قلت: وما دخنه ؟ قال: "قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر". فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال: "نعم؛ دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها؛ قذفوه فيها"، فقلت: يا رسول الله ! صفهم لنا. قال: "نعم؛ قوم من جلدتنا، »(2/47)
« ويتكلمون بألسنتا". قلت: يا رسول الله ! فما ترى إن أدركني ذلك ؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم". فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك » .
متفق عليه، وهذا لفظ مسلم .
وفي رواية له عن أبي سلام؛ قال: قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: « قلت: يا رسول الله ! إنا كنا بشر، فجاءنا الله بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر ؟ قال: "نعم". قلت: هل وراء ذلك الشر خير ؟ قال: "نعم". قلت: هل وراء ذلك الشر خير ؟ قال: "نعم". قلت: كيف ؟ قال: "يكون بعدي أئمة؛ لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس". قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال: "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك؛ فاسمع وأطع » .
وقد رواه ابن عساكر في "تاريخه" بنحوه، وقال في آخره: « اسمع للأمير الأعظم، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك » .
ورواه: ابن ماجه، والحاكم؛ من حديث عبد الرحمن بن قرط عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تكون فتن على أبوابها دعاة إلى النار؛ فأن تموت وأنت عاض على جذل شجرة خير لك من أن تتبع أحدًا منهم » .
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني، وأبو نعيم في "الحلية"؛ من حديث نصر بن عاصم الليثي عن اليشكري عن حذيفة(2/48)
رضي الله عنه، وفي آخره: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ثم تكون فتنة عمياء صماء، دعاة الضلالة (أو قال: دعاة النار)، فلأن تعض على جذل شجرة خير لك من أن تتبع أحدًا منهم » .
هذا لفظ أبي داود الطيالسي .
ورواه ابن أبي شيبة من حديث نصر بن عاصم الليثي؛ قال: سمعت حذيفة رضي الله عنه يقول: (فذكره بنحوه).
ورواه أبو داود الطيالسي أيضًا من حديث سبيع بن خالد (أو خالد بن سبيع ) عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: « كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وأسأله عن الشر، فقلت: يا رسول الله ! هل بعد هذا الخير شر كما كان قبله شر ؟ قال: "نعم". قلت: فما العصمة يا رسول الله ؟ قال: "السيف". قلت: فهل للسيف من بقية ؟ فما يكون بعده ؟ قال: "يكون هدنة على دخن". قال: قلت: فما يكون بعد الهدنة ؟ قال: "دعاة الضلالة، فإن رأيت يومئذ لله عز وجل في الأرض خليفة؛ فالزمه، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فإن لم تر خليفة؛ فاهرب، حتى يدركك الموت وأنت عاض على جذل شجرة". قلت: يا رسول الله ! فما يكون بعد ذلك ؟ قال: " الدجال » .
ورواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والحاكم بنحوه، وقال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم في مقدمة "صحيحه"، والبخاري في "تاريخه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "هذا حديث ذكره مسلم في خطبة الكتاب مع الحكايات، ولم يخرجاه في أبواب الكتاب، وهو صحيح على(2/49)
شرطهما جميعًا، ومحتاج إليه في الجرح والتعديل، ولا أعلم له علة"، وأقره الذهبي في "تلخيصه".
وفي رواية لمسلم : « يكون في آخر الزمان دجالون كذابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم؛ فإياكم وإياهم، لا يضلونكم ولا يفتنونكم » .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن في أمتي نيفًا وسبعين داعيًا؛ كلهم داع إلى النار، لو أشاء لأنبأتكم بآبائهم وأمهاتهم وقبائلهم » .
رواه أبو يعلى . قال ابن كثير : " إسناده لا بأس به". وقال الهيثمي : " فيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات".
وعن طاوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنه قال: "إن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان، يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنًا".
رواه عبد الرزاق في "مصنفه" بإسناد صحيح، ومسلم في مقدمة "صحيحه".
ورواه الدارمي في "سننه"، ولفظه: قال: "يوشك أن تظهر شياطين قد أوثقها سليمان يفقهون الناس في الدين".
وروى محمد بن وضاح من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه؛ قال: قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "يوشك أن تظهر شياطين؛ يجالسونكم في مجالسكم، ويفقهونكم في دينكم، ويحدثونكم، وإنهم(2/50)
لشياطين !".
وقال ابن وضاح أيضًا: حدثنا محمد بن عمرو؛ قال: حدثنا مصعب عن سفيان بن سعيد الثوري : أنه قيل لسفيان : إن ابن منبه يقول: "سيأتي على الناس زمان يجلس في مساجدهم شياطين يعلمونهم أمر دينهم". قال سفيان : قد بلغنا ذلك عن عبد الله بن عمرو : أنه قال: "سيأتي على الناس زمان يجلس في مساجدهم شياطين، كان سليمان بن داود قد أوثقهم في البحر، يخرجون يعلمون الناس أمر دينهم". قال سفيان : بقيت أمور عظام. قال محمد بن وضاح : قال زهير بن عباد : يعني سفيان : يعلمون الناس، فيدخلون في خلال ذلك الأهواء المحدثة، فيحلون لهم الحرام، ويشككونهم في الفضل والصبر والسنة، ويبطلون فضل الزهد في الدنيا، ويأمرونهم بالإقبال على طلب الدنيا، وهي رأس كل خطيئة.
باب
الثناء على القرون المفضلة وما يكون في الذين بعدهم
من ضعف الدين وسمن الأبدان
عن زهدم بن مضرب؛ قال: سمعت عمران بن حصين رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، (قال عمران : فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة)، ثم إن بعدكم قومًا: يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن" » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
ورواه: الإمام أحمد، ومسلم أيضًا، وأبو داود الطيالسي، وأبو داود(2/51)
السجستاني، والترمذي؛ من حديث زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، وقال فيه: « ويفشو فيهم السمن » .
قال الترمذي : " هذا حديث حسن صحيح".
ورواه: الإمام أحمد، والترمذي أيضًا؛ من حديث هلال بن يساف عن عمران بن حصين رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي من بعدهم قوم يتسمنون ويحبون السمن، يعطون الشهادة قبل أن يسألوها » .
وقد رواه ابن حبان في "صحيحه" من هذا الوجه مختصرًا.
وعن بريدة الأسلمي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « خير أمتي قرني منهم، ثم الذين يلونهم، (قال: لا أدري أذكر الثالث أم لا)، ثم يخلف أقوام يظهر فيهم السمن، يهريقون الشهادة ولا يسألونها » .
رواه الإمام أحمد، ورجاله ثقات.
وفي رواية له عن بريدة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « خير هذه الأمة القرن الذين بعثت أنا فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون قوم تسبق شهادتهم أيمانهم، وأيمانهم شهادتهم » .
وفي لفظ آخر؛ قال: « القرن الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم » .
وإسناده جيد.
وعن بلال بن سعد بن تميم السكوني عن أبيه رضي الله عنه؛ قال: « قلت: يا رسول الله ! أي الناس خير ؟ قال: "أنا وأقراني". قلنا: ثم ماذا يا رسول »(2/52)
« الله ؟ قال: "ثم القرن الثاني". قلنا: يا رسول الله ! ثم ماذا ؟ قال: " القرن الثالث". قلنا: ثم ماذا يا رسول الله ؟ قال: "ثم يكون قوم: يحلفون ولا يستحلفون، ويشهدون ولا يستشهدون، ويؤتمنون ولا يؤدون » .
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وعن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي، وابن ماجه .
وزاد أحمد والشيخان: قال إبراهيم : وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار.
ورواه أبو داود الطيالسي، ولفظه: قال: « خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادتهم، ويشهدون قبل أن يستشهدوا » .
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم تسبق أيمانهم شهادتهم، وشهادتهم أيمانهم » .
رواه: الإمام أحمد، وابن حبان في "صحيحه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « خير أمتي القرن الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، (والله أعلم أذكر الثالث أم لا ؟ قال: ) ثم يخلف قوم يحبون السمانة، يشهدون قبل أن يستشهدوا » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم .(2/53)
قال النووي : " (السمانة)؛ بفتح السين: هي السمن. قال جمهور العلماء في معنى هذا الحديث: المراد بالسمن هنا: كثرة اللحم، ومعناه أنه يكثر ذلك فيهم، وليس معناه أن يتمحضوا سمانًا. قالوا: والمذموم منه من يستكسبه، وأما من هو فيه خلقة؛ فلا يدخل في هذا، والمتكسب له هو المتوسع في المأكول والمشروب زائدًا على المعتاد. وقيل: المراد بالسمن هنا: أنهم يتكثرون بما ليس فيهم، ويدعون ما ليس لهم من الشرف وغيره. وقيل: المراد جمعهم الأموال". انتهى.
والصحيح أن المراد بالسمن كثرة الشحم، ويدل على ذلك قوله في حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما: « ويظهر فيهم السمن » ، وقد وقع مصداق ذلك، ولا سيما في زماننا؛ فقد ظهر فيه السمن، وفشى في الرجال والنساء؛ بسبب الراحة، والتوسع في المأكولات والمشروبات، حتى كانت بطون كثير منهم أكبر من بطون الحوامل بكثير.
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما؛ قال: خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجابية، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا مثل مقامي فيكم، فقال: « احفظوني في أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب، حتى يشهد الرجل وما يستشهد، ويحلف وما يستحلف » .
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، والطبراني، وابن حبان في " صحيحه" وهذا لفظ ابن ماجه .
ورواه: الإمام أحمد أيضًا، والترمذي، والحاكم؛ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: خطبنا عمر رضي الله عنه بالجابية، فقال: يا أيها الناس ! إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، فقال: « أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب، حتى يحلف الرجل ولا »(2/54)
« يستحلف، ويشهد الشاهد ولا يستشهد » ........ الحديث.
قال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح غريب". وقال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقال الترمذي : "وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
ورواه الحاكم أيضًا من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ قال: وقف عمر رضي الله عنه بالجابية، فقال: (وذكره بنحو ما تقدم من حديث جابر بن سمرة وابن عمر رضي الله عنهم ).
صححه الحاكم، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه البخاري في "التاريخ الكبير" من حديث عبد الله بن مالك بن إبراهيم بن الأشتر النخعي عن أبيه عن جده؛ قال: قام عمر رضي الله عنه عند باب الجابية، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: « إن يد الله على الجماعة، والفذ مع الشيطان، والحق أصل في الجنة، والباطل أصل في النار، وإن أصحابي خياركم؛ فأكرموهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يظهر الكذب والهرج » ... الحديث.
باب
ما جاء في النشء المترفين
عن أبي أمامة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سيكون رجال من أمتي: يأكلون ألوان الطعام، ويشربون ألوان الشراب، ويلبسون ألوان الثياب، ويتشدقون في الكلام؛ فأولئك شرار أمتي » .(2/55)
رواه: الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وأبو نعيم في "الحلية"، ورواه البزار وزاد: « الذين غذوا بالنعيم ونبتت عليه أجسامهم » . قال الهيثمي : "وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وقد وثق، والجمهور على تضعيفه، وبقية رجاله ثقات".
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « شرار أمتي الذين غذوا في النعيم، الذين يتقلبون في ألوان الطعام والثياب، الثرثارون الشداقون بالكلام » .
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « شرار أمتي الذين ولدوا في النعيم، وغذوا به، يأكلون من الطعام ألوانًا، ويتشدقون بالكلام » .
رواه الطبراني في "الأوسط".
وعن بكر بن سوادة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سيكون نشو من أمتي؛ يولدون في النعيم، ويغذون به، همتهم ألوان الطعام وألوان الثياب، يتشدقون بالقول، أولئك شرار أمتي » .
رواه الإمام أحمد في "الزهد"، وهو مرسل.
وعن فاطمة بنت الحسين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن من شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم، الذين يطلبون ألوان الطعام وألوان الثياب، يتشادقون في الكلام » .
رواه الإمام أحمد في "الزهد"، وهو مرسل.
قال ابن الأثير : " (المتشدقون": هم المتوسعون في الكلام من غير(2/56)
احتياط واحتراز. وقيل: أراد بالمتشدق المستهزئ بالناس يلوي شدقه بهم وعليهم".
قلت: والأول أصح، وبه جزم النووي؛ فإنه قال: " (المتشدق): المتطاول على الناس بكلامه، ويتكلم بملء فيه تفاصحًا وتعظيمًا لكلامه ". انتهى. وكل من الضربين كثير في زماننا.
وعن علي رضي الله عنه: "يأتي على الناس زمان: همتهم بطونهم، وشرفهم متاعهم، وقبلتهم نساؤهم، ودينهم دراهمهم ودنانيرهم، أولئك شرار الخلق لا خلاق لهم عند الله".
رواه الديلمي .
باب
ارتفاع الأسافل وتوفر حظوطهم من الدنيا
قد تقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة أحاديث كثيرة في ذلك:
منها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « من اقتراب الساعة: أن ترفع الأشرار، وتوضع الأخيار » .
رواه: الطبراني، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه". وقال الهيثمي : "رجال الطبراني رجال الصحيح".
وقد رواه نعيم بن حماد في الفتن ، ولفظه: قال: « إن من أشراط الساعة أن يوضع الأخيار، ويشرف الأشرار، ويسود كل قوم منافقوهم » .
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه: البخاري في(2/57)
"الكنى"، والطبراني، وأبو نعيم، والحاكم، وفيه: « وتهلك الوعول، وتظهر التحوت » (وفي رواية: « ويعلو التحوت الوعول » ) ". قالوا: وما التحوت ؟ قال: "فسول الرجال، وأهل البيوت الغامضة، والوعول أهل البيوت الصالحة" .
ومنها حديث عوف بن مالك رضي الله عنه الذي رواه الطبراني، وفيه: « وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم » .
ومنها حديث علي رضي الله عنه الذي رواه الترمذي، وفيه: « وكان زعيم القوم أرذلهم » .
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه الترمذي وفيه: « وكان زعيم القوم أرذلهم » .
ومنها حديث حذيفة رضي الله عنه الذي رواه أبو نعيم، وفيه: « وفاض اللئام فيضًا، وغاض الكرام غيضًا » . وفيه أيضًا: « وكان زعيم القوم أرذلهم » .
ومنها حديث مكحول الذي رواه أبو الشيخ والديلمي، وفيه: « وصارت أموالكم عند شراركم » . وفيه أيضًا: « ووليت أموركم السفهاء » .
ومنها حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي رواه الطبراني وغيره، وفيه: « وأن تفيض الأشرار فيضًا » . وفيه أيضًا: من أعلام الساعة وأشراطها: أن يسود كل قبيلة منافقوها، وكل سوق فجارها .
ومنها: حديث أبي موسى، وحديث عائشة، وحديث عبد الله بن عمرو، وحديث أنس، وحديث أبي هريرة، وحديث عوف بن مالك رضي الله عنهم في ائتمان الخونة وتصديق الكذبة.
ومنها: حديث أم سلمة رضي الله عنها الذي رواه البخاري في "تاريخه" والطبراني، وفيه: « ويصدق فيه الكاذب، ويخون فيه الأمين، ويؤتمن »(2/58)
« فيه الخؤون » . وفيه أيضًا: « ويكون أسعد الناس في الدنيا لكع ابن لكع لا يؤمن بالله ورسوله » .
وعن علي رضي الله عنه: أنه قال: يأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه ولم يؤمر بذلك؛ قال الله عز وجل: { وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } وينهد الأشرار، ويستذل الأخيار، ويبايع المضطرون .
الحديث رواه: الإمام أحمد، وأبو داود .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنه قال: "لكل شيء دولة تصيبه؛ فللأشراف على الصعاليك دولة، ثم للصعاليك وسفلة الناس في آخر الزمان حتى يدال لهم من أشراف الناس؛ فإذا كان ذلك؛ فرويدك الدجال، ثم الساعة، والساعة، والساعة أدهى وأمر".
رواه ابن وضاح .
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « ضاف ضيف رجلًا من بني إسرائيل وفي داره كلبة مجح، فقالت الكلبة: والله لا أنبح ضيف أهلي". قال: "فعوى جراؤها في بطنها". قال: "قيل: ما هذا ؟". قال: "فأوحى الله عز وجل إلى رجل منهم: هذا مثل أمة تكون من بعدكم؛ يقهر سفهاؤها حلماءها » .
رواه: الإمام أحمد، والبزار، والطبراني . قال الهيثمي : "وفيه عطاء بن السائب، وقد اختلط".
وفي رواية للطبراني : « فأوحي إلى رجل منهم: إن مثل هذه الكلبة مثل أمه يأتون من بعدكم، يستعلي سفهاؤها على علمائها » .
وفي رواية: « يغلب سفهاؤها علماءها » .
قال ابن الأثير : " (المجح): الحامل المقرب التي دنا ولادها". انتهى.(2/59)
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها » .
رواه: البزار، والطبراني؛ بإسناد ضعيف.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه مبارك بن فضالة، وهو مدلس، وحبيب بن فروخ لم أعرفه".
وعن كثير بن مرة مرسلًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من أشراط الساعة أن يملك من ليس أهلًا أن يملك، ويرفع الوضيع، ويوضع الرفيع » .
رواه: نعيم بن حماد في كتاب "الفتن"، وابن وضاح من طريقه.
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع » .
رواه: الإمام أحمد، والترمذي، والضياء المقدسي، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تذهب الدنيا حتى تصير للكع ابن لكع » .
رواه الإمام أحمد، ورجاله رجال الصحيح؛ غير كامل بن العلاء، وهو ثقة.
وعن أبي بردة بن نيار رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تذهب الدنيا حتى تكون للكع ابن لكع » .
رواه الإمام أحمد، وفيه الجهم بن أبي الجهم، ذكره ابن حبان في(2/60)
"الثقات"، وبقية رجاله ثقات.
وقد رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من أشراط الساعة أن يغلب على الدنيا لكع ابن لكع » .
رواه الطبراني في "الأوسط" بإسنادين. قال الهيثمي : "ورجال أحدهما ثقات".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تذهب الأيام والليالي حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير الوليد بن عبد الملك بن مسرح، وهو ثقة".
وقد رواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: « لا تنقضي الدنيا حتى تكون عند لكع ابن لكع » .
وعن أبي ذر رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لا تقوم الساعة حتى يغلب على الدنيا لكع ابن لكع » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "ورجاله وثقوا، وفي بعضهم ضعف".
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن من أشراط الساعة أن يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع » .
رواه ابن مردويه .
قال الجوهري : "رجل لكع؛ أي: لئيم، ويقال: هو العبد الذليل النفس".(2/61)
وقال ابن الأثير : "اللكع عند العرب: العبد، ثم استعمل في الحمق والذم؛ يقال للرجل: لكع، وللمرأة: لكاع، وهو اللئيم، وقيل: الوسخ، وقد يطلق على الصغير، فإن أطلق على الكبير؛ أريد به الصغير العلم والعقل ". انتهى.
والمعنى في هذه الأحاديث أن المال في آخر الزمان يتحول في أيدي اللئام بني اللئام، وأنهم يكونون أسعد الناس بنعيم الدنيا وملاذها والوجاهة فيها.
باب
ما جاء في إقبال الدين وإدباره
عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « إن لكل شيء إقبالًا وإدبارًا، وإن من إقبال هذا الدين ما كنتم عليه من العمى والجهالة، وما بعثني الله به، وإن من إقبال هذا الدين أن تفقه القبيلة بأسرها حتى لا يوجد فيها إلا الفاسق والفاسقان؛ فهما مقهوران ذليلان، إن تكلما؛ قمعا وقهرا واضطهدا، وإن من إدبار هذا الدين: أن تجفو القبيلة بأسرها، حتى لا يرى فيها إلا الفقيه والفقيهان؛ فهما مقهوران ذليلان، إن تكلما فأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر؛ قمعا وقهرا واضطهدا؛ فهما مقهوران ذليلان، لا يجدان على ذلك أعوانًا ولا أنصارًا » .
رواه الطبراني .
ورواه الحارث بن أبي أسامة مطولًا، ولفظه: قال: « لكل شيء إقبال وإدبار، وإن من إقبال هذا الدين ما بعثني الله به، حتى إن القبيلة لتتفقه كلها من عند آخرها، حتى لا يبقى فيها إلا الفاسق والفاسقان؛ فهما مقهوران مقموعان ذليلان، إن تكلما أو نطقا؛ قمعا وقهرا واضطهدا..... (ثم ذكر من إدبار »(2/62)
« هذا الدين: ) أن تجفو القبيلة كلها من عند آخرها، حتى لا يبقى فيها إلا الفقيه أو الفقيهان؛ فهما مقهوران مقموعان ذليلان، إن تكلما أو نطقا؛ قمعا وقهرا واضطهدا وقيل لهما: أتطعنان علينا ؟ ! حتى يشرب الخمر في ناديهم ومجالسهم وأسواقهم، وتنحل الخمر غير اسمها، حتى يلعن آخر هذه الأمة أولها، ألا حلت عليهم اللعنة، ويقولون: لا نأمن هذا الشراب، يشرب الرجل منهم ما بدا له، ثم يكف عنه، حتى تمر المرأة بالقوم، فيقوم إليها بعضهم، فيرفع ذيلها، فينكحها وهم ينظرون؛ كما يرفع ذنب النعجة، وكما أرفع ثوبي هذا (ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبًا عليه من هذه السحولية) فيقول القائل منهم: لو نحيتها عن الطريق؛ فذاك فيهم كأبي بكر وعمر، فمن أدرك ذلك الزمان، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر؛ فله أجر خمسين ممن صحبني وآمن بي وصدقني أبدًا » .
ورواه الطبراني أيضًا بنحوه باختصار، وفيه علي بن يزيد الألهاني، وفيه ضعف.
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله » .
رواه الحاكم في "مستدركه": "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
باب
ما جاء في غربة الإسلام
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود كما بدأ غريبًا؛ فطوبى للغرباء » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه .(2/63)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها » .
رواه مسلم .
وقد رواه الحافظ محمد بن وضاح في كتاب "البدع"، ولفظه: قال: « بدأ الإسلام غريبًا، ولا تقوم الساعة حتى يكون غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء حين يفسد الناس، ثم طوبى للغرباء حين يفسد الناس » .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا؛ فطوبى للغرباء » .
رواه ابن ماجه .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا؛ فطوبى للغرباء". قال: قيل: ومن الغرباء ؟ قال: "النزاع من القبائل » .
رواه: الإمام أحمد، وابنه عبد الله، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي، وابن وضاح، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن مسعود ". قال: "وفي الباب عن سعد وابن عمر وجابر وأنس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم".
وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها، وليعقلن الدين في الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل، إن الدين بدأ غريبًا، ويرجع غريبًا؛ فطوبى للغرباء، الذين يصلحون ما أفسد الناس من »(2/64)
« بعدي من سنتي » .
رواه: الترمذي وقال: "هذا حديث حسن"، ورواه أبو نعيم في "الحلية" مختصرًا.
ورواه إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، ولفظه: قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن هذا الدين بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء". قيل: يا رسول الله ! ومن الغرباء ؟ قال: "الذين يحيون سنتي من بعدي، ويعلمونها عباد الله » .
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن الإيمان بدأ غريبًا، وسيعود كما بدأ؛ فطوبى يومئذ للغرباء إذا فسد الناس، والذي نفس أبي القاسم بيده؛ ليأرزن الإيمان بين هذين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها » .
رواه: الإمما أحمد، والبزار، وأبو يعلى . قال الهيثمي : "ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح".
وعن عبد الرحمن بن سنة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « بدأ الإسلام غريبًا، ثم يعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء". قيل: يا رسول الله ! ومن الغرباء ؟ قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس، والذي نفسي بيده؛ لينحازن الإيمان إلى المدينة كما يجوز السيل، والذي نفسي بيده ليأرزن الإسلام إلى ما بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها » .
رواه: عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند"، والطبراني، وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو متروك، ولكن لحديثه هذا شواهد مما تقدم وما يأتي.(2/65)
قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة": " (سنة): بفتح المهملة وتشديد النون، وحكى ابن السكن فيه المعجمة والموحدة". انتهى.
وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء". قيل: ومن الغرباء يا رسول الله ؟ قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس » .
رواه الطبراني في الثلاثة. قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير بكر بن سليم، وهو ثقة".
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا؛ فطوبى للغرباء". قيل: ومن الغرباء يا رسول الله ؟ قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، وهو ضعيف، وقد وثق".
وعن أبي الدرداء وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع وأنس بن مالك رضي الله عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء". قالوا: يا رسول الله ! ومن الغرباء ؟ قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس » .
رواه الطبراني في "الكبير". قال الهيثمي : "وفيه كثير بن مروان، وهو ضعيف جدًا".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء » .
رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه ليث بن أبي(2/66)
سليم، وهو ثقة".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه عطية (يعني: العوفي)، وهو ضعيف ".
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء » .
رواه الطبراني، وإسناده ضعيف.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن عنده: « طوبى للغرباء". فقيل: من الغرباء يا رسول الله ؟ قال: "ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني . قال المنذري : "وأحد إسنادي الطبراني رواته رواة الصحيح ". وفي رواية لأحمد : « طوبي للغرباء (ثلاثًا) » . ورواه ابن وضاح بهذا اللفظ في كتاب "البدع والنهي عنها".
وعن بكر بن عمرو المعافري؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « طوبى للغرباء، الذين يمسكون بكتاب الله حين يترك، ويعملون بالسنة حين تطفأ » .
رواه ابن وضاح .
وعن شريح بن عبيد الحضرمي؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن » .
رواه ابن جرير .(2/67)
باب
ما جاء في ضعف الإيمان وقلته في آخر الزمان
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال: « يأتي على الناس زمان يحجون ويصلون ويصومون وما فيهم مؤمن » .
رواه أبو شعيب الحراني في "فوائده"، وإسناده لا بأس به.
وقد رواه ابن أبي شيبة، ولفظه: قال: « يأتي على الناس زمان يجتمعون ويصلون في المساجد وليس فيهم مؤمن » .
ورواه الحاكم في "مستدركه" بنحوه، وقال: "صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وهذا الحديث له حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال من قبل الرأي، وإنما يقال عن توقيف.
والمراد بما ذكر فيه الأكثر والأغلب، لا العموم؛ لما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم؛ حتى يأتي أمر الله تعالى » .
وقد تقدمت الأحاديث بذلك في (باب ما جاء في الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة)؛ فلتراجع.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سيأتي على الناس زمان، يصلي في المسجد منهم ألف رجل أو زيادة، لا يكون فيهم مؤمن » .
رواه الديلمي .
وعنه رضي الله عنه : أن رسول الله قال: « يؤذن المؤذن ويقيم الصلاة قوم »(2/68)
« وما هم بمؤمنين » .
رواه: الطبراني، وأبو نعيم في "الحلية".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: "إن من اقتراب الساعة أن يصلي خمسون نفسًا لا تقبل لأحدهم صلاة".
رواه أبو الشيخ في كتاب "الفتن"، ونقله عنه صاحب "كنز العمال".
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سيأتي على الناس زمان يقعدون في المساجد حلقًا حلقًا، إنما همتهم الدنيا؛ فلا تجالسوهم؛ فإنه ليس لله فيهم حاجة » .
رواه أبو نعيم في "الحلية".
ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سيكون في آخر الزمان قوم يكون حديثهم في مساجدهم، ليس لله فيهم حاجة » .
وعن الحسن مرسلًا: « يأتي على الناس زمان يكون حديثهم في مساجدهم في أمر دنياهم؛ فلا تجالسوهم؛ فليس لله فيهم حاجة » .
رواه البيهقي في "شعب الإيمان".
وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يأتي على الناس زمان يجتمعون في مساجدهم لا يصلون » .
رواه ابن عساكر في "تاريخه".
وعن علي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يوشك أن يأتي على الناس زمان؛ لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا يبقى من القرآن إلا رسمه، مساجدهم يومئذ عامرة وهي خراب من الهدى، علماؤهم شر من تحت أديم السماء، من عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود » .(2/69)
رواه: البيهقي في "شعب الإيمان"، وابن بطة في "الحيل"، والعسكري في "المواعظ"، ونقله عنه صاحب "كنز العمال".
وقد ذكره الإمام أحمد في كتاب "الصلاة" مختصرًا بدون إسناد، فقال: وجاء عنه صلى الله عليه وسلم: « يأتي زمان؛ لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه » .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه، ولا من الإسلام إلا اسمه، يتسمون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود » .
رواه الحاكم في "تاريخ نيسابور".
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه نحوه.
رواه الديلمي .
وقد تقدم حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي رواه ابن مردويه مطولًا، وفيه: « ويذهب الإسلام فلا يبقى إلا اسمه » .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يوشك الإسلام أن يدرس؛ فلا يبقى إلا اسمه، ويدرس القرآن؛ فلا يبقى إلا رسمه » .
رواه الديلمي .
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يأتي على الناس زمان: علماؤها فتنة، وحكماؤها فتنة، تكثر المساجد والقراء، لا يجدون عالمًا إلا الرجل بعد الرجل » .(2/70)
رواه أبو نعيم .
وعن عبد الله بن بسر المازني رضي الله عنه؛ قال: لقد سمعت حديثًا منذ زمان: « إذا كنت في قوم عشرين رجلًا أو أقل أو أكثر، فتصفحت في وجوههم، فلم تر فيهم رجلًا يهاب في الله؛ فاعلم أن الأمر قد رق » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والبيهقي في "شعب الإيمان". قال الهيثمي : "وإسناد أحمد جيد".
باب
انضمام الإيمان إلى الحرمين الشريفين
قد تقدم في باب غربة الإسلام أربعة أحاديث في ذلك، عن: عبد الله بن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن سنة، وعمرو بن عوف رضي الله عنهم.
وعن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وابن ماجه .
وفي رواية لأحمد : « إن الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها » .
قال الجوهري وغيره من أهل اللغة: "أي: ينضم إليها، ويجتمع بعضه إلى بعض فيها".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها » .(2/71)
رواه ابن حبان في "صحيحه".
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه قال: « والذي نفسي بيده؛ ليعودن الأمر كما بدأ، ليعودن كل إيمان إلى المدينة كما بدأ منها، حتى يكون كل إيمان بالمدينة » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط مسلم "، وأقره الذهبي في "تلخيصه"، وله حكم المرفوع؛ لأن مثله لا يقال من قبل الرأي، وإنما يقال عن توقيف.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة، حتى يكون أبعد مسالحهم سلاح » .
رواه: أبو داود، والطبراني، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه"، زاد أبو داود : "قال الزهري : « وسلاح قريب من خيبر » .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يوشك أن يكون أقصى مسالح المسلمين بسلاح ، وسلاح من خيبر » .
رواه الطبراني . وقد رواه الحاكم في "مستدركه" موقوفًا على أبي هريرة رضي الله عنه.
باب
ما جاء في نقض عرى الإسلام
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، وكلما انتقضت عروة؛ تشبث الناس بالتي تليها، »(2/72)
« فأولهن نقضًا الحكم، وآخرهن الصلاة » .
رواه: الإمام أحمد في "مسنده"، وابنه عبد الله في كتاب "السنة"، والطبراني بأسانيد صحيحة، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح ولم يخرجاه".
وقد وقع مصداق هذا الحديث في زماننا، حيث نبذ كثير من المنتسبين إلى الإسلام الحكم بالشريعة المحمدية وراء ظهورهم، واعتاضوا عنها بالقوانين الوضعية التي هي من حكم الطاغوت والجاهلية، وكل ما خرج عن حكم الكتاب والسنة؛ فهو من حكم الطاغوت والجاهلية، وقد نقض الأكثرون أيضًا غير ذلك من عرى الإسلام؛ كما لا يخفى على من له أدنى علم ومعرفة؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وعن فيروز الديلمي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لينقضن الإسلام عروة عروة كما ينقض الحبل قوة قوة » .
رواه الإمام أحمد، ورجاله ثقات.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « والذي نفس محمد بيده؛ لينقضن الإسلام عروة عروة، حتى لا يقال: الله، الله ! » .
رواه ابن أبي الدنيا .
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: أنه قال: « لتتبعن أمر من كان قبلكم حذو النعل بالنعل، لا تخطئون طريقتهم ولا تخطئكم، ولتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، ويكون أول نقضها الخشوع، حتى لا ترى خاشعًا » ....". الحديث.
رواه الآجري في كتاب "الشريعة".(2/73)
ورواه الحاكم في "مستدركه"، ولفظه: قال: « أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ولتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، وليصلين النساء وهن حيض » (وذكر تمام الحديث) ".
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه ابن وضاح، ولفظه: قال: « أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون الصلاة، ولتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، ولتصلين نساؤهم حيضًا » .
وعن أبي الطفيل عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: "أنه أخذ حصاة بيضاء، فوضعها في كفه، ثم قال: إن هذا الدين قد استضاء إضاءة هذه الحصاة. ثم أخذ كفًا من تراب، فجعل يذره على الحصاة حتى واراها، ثم قال: والذي نفسي بيده؛ ليجيئن أقوام يدفنون الدين كما دفنت هذه الحصاة".
رواه ابن وضاح في كتاب "البدع والنهي عنها".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: « إن هذا الدين قد تم، وإنه صائر إلى نقصان، وإن أمارة ذلك: أن تقطع الأرحام، ويؤخذ المال بغير حقه، ويسفك الدماء، ويشتكي ذو القرابة قرابته ولا يعود عليه بشيء، ويطوف السائل بين الجمعتين لا يوضع في يده شيء، فبينما هم كذلك؛ إذ خارت خوار البقر، يحسب كل الناس أنما خارت من قبلهم، فبينما الناس كذلك؛ إذ قذفت الأرض بأفلاذ كبدها من الذهب والفضة، لا ينفع بعد ذلك شيء من الذهب والفضة » .
رواه الحاكم في "مستدركه "، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".(2/74)
وهذا الحديث والحديثان قبله لها حكم المرفوع؛ لأنه لا دخل للرأي في مثل هذا، وإنما يقال ذلك عن توقيف.
باب
ما جاء في ذهاب الخشوع من الناس
قد تقدم حديث حذيفة رضي الله عنه في ذلك.
وعن جبير بن نفير عن أبي الدرداء رضي الله عنه؛ قال: « كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشخص ببصره إلى السماء، ثم قال: "هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء". فقال زياد بن لبيد الأنصاري رضي الله عنه: كيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن ؟ ! فوالله؛ لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا. قال: "ثكلتك أمك يا زياد ! إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى؛ فماذا تغني عنهم ؟ ! » . قال جبير : فلقيت عبادة بن الصامت، فقلت: ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء ؟ فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء ، قال: صدق أبو الدرداء، إن شئت لأحدثنك بأول علم يرفع من الناس: الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد الجامع؛ فلا ترى فيه رجلًا خاشعًا.
رواه: الترمذي، والحاكم . وقال الترمذي : "هذا حديث حسن غريب". وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن جبير بن نفير أيضًا؛ قال: قال عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه: « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى السماء يومًا، فقال: "هذا أوان يرفع العلم". فقال له رجل من الأنصار يقال له: ابن لبيد : يا رسول الله ! كيف يرفع العلم وقد أثبت في الكتاب ووعته القلوب ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كنت لأحسبك من أفقه أهل المدينة....(ثم ذكر ضلالة اليهود والنصارى على ما في أيديهم من »(2/75)
« كتاب الله) » . قال: فلقيت شداد بن أوس، فحدثته بحديث عوف بن مالك ؟ فقال: صدق عوف، ألا أخبرك بأول ذلك يرفع ؟ قلت: بلى. قال: الخشوع، حتى لا ترى خاشعًا.
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وأبو نعيم في "الحلية"، وهذا لفظ الحاكم، وقال: "هذا صحيح، وقد احتج الشيخان بجميع رواته "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
باب
ما جاء في تضييع الأمانة
عن أبي هريرة رضي الله عنه: « أن أعرابيًا قال: يا رسول الله ! متى الساعة ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "إذا ضيعت الأمانة؛ فانتظر الساعة". قال: كيف إضاعتها ؟ قال: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله؛ فانتظر الساعة » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري . وفي رواية للبخاري : « إذا أسند الأمر إلى غير أهله؛ فانتظر الساعة » .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": " إسناد الأمر إلى غير أهله إنما يكون عند غلبة الجهل ورفع العلم، وذلك من جملة الأشراط، ومقتضاه أن العلم ما دام قائمًا؛ ففي الأمر فسحة".
وقال أيضًا: "المراد من الأمر جنس الأمور التى تتعلق بالدين؛ كالخلافة، والإمارة، والقضاء، والإفتاء، وغير ذلك. قال ابن بطال : معنى "أسند الأمر إلى غير أهله": أن الأئمة قد ائتمنهم الله على عباده وفرض عليهم النصيحة لهم؛ فينبغي لهم تولية أهل الدين، فإذا قلدوا غير أهل الدين؛ فقد ضيعوا الأمانة التي قلدهم الله تعالى إياها". انتهى.(2/76)
باب
ما جاء في رفع الأمانة والحياء
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما؛ قال: « حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا: "أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة". وحدثنا عن رفعها؛ قال: "ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة، فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل؛ كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرًا وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا، ويقال للرجل: ما أعقله ! وما أظرفه ! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان"، ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلمًا؛ رده علي الإسلام، وإن كان نصرانيًا؛ رده علي ساعيه، فأما اليوم؛ فما كنت أبايع إلا فلانًا وفلانًا » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والشيخان، والترمذي، وابن ماجه .
قال البخاري رحمه الله تعالى: "سمعت أبا أحمد بن عاصم يقول: سمعت أبا عبيد يقول: قال الأصمعي وأبو عمرو وغيرهما: جذر قلوب الرجال: (الجذر): الأصل من كل شيء. و (الوكت): أثر الشيء اليسير منه، و (المجل): أثر العمل في الكف إذا غلظ". انتهى.
والجذر بفتح الجيم وكسرها، والوكت بفتح الواو وسكون الكاف، والمجل بفتح الميم وسكون الجيم، والمنتبر: هو المرتفع المتنفط.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أول »(2/77)
« ما يرفع من الناس الأمانة، وآخر ما يبقى الصلاة، ورب مصل لا خير فيه » .
رواه الطبراني في "الصغير". قال الهيثمي : "وفيه حكيم بن نافع، وثقه ابن معين وضعفه أبو زرعة، وبقية رجاله ثقات".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أول ما يرفع من هذه الأمانة الحياء والأمانة، وآخر ما يبقى الصلاة، (يخيل إلي أنه قال: ) وقد يصلي قوم لا خلاق لهم » .
رواه أبو يعلى بإسناد ضعيف، وحديث عمر رضي الله عنه يشهد له ويقويه.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: « أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما يبقى من دينكم الصلاة، وليصلين قوم لا دين لهم » .
رواه: الطبراني بهذا اللفظ، والحاكم مختصرًا. قال الهيثمي : "ورجال الطبراني رجال الصحيح؛ غير شداد بن معقل، وهو ثقة". وقال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد ذكره الإمام أحمد في كتاب "الصلاة" مرفوعًا، فقال: وجاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون الصلاة، وليصلين أقوام لا خلاق لهم » .
باب
ما جاء في ترك الجهاد
عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد »(2/78)
« في سبيل الله؛ أنزل الله بهم بلاء، فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم » .
رواه: الإمام أحمد، والبزار، وأبو يعلى، وأبو نعيم في "الحلية"، والبيهقي في "شعب الإيمان".
ورواه أبو داود في "سننه"، ولفظه: « إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلًا لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم » .
وفي رواية لأحمد : « لئن تركتم الجهاد، وأخذتم بأذناب البقر، وتبايعتم بالعينة؛ ليلزمنكم الله مذلة في رقابكم، لا تنفك عنكم حتى تتوبوا إلى الله وترجعوا على ما كنتم عليه » .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من أشراط الساعة: سوء الجوار، وقطيعة الأرحام، وأن يعطل السيف من الجهاد، وأن تختل الدنيا بالدين » .
رواه: ابن مردويه، والديلمي، وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ليأتين على الناس زمان قلوبهم قلوب الأعاجم". قيل: وما قلوب الأعاجم ؟ قال: "حب الدنيا، سنتهم سنة العرب، ما آتاهم الله من رزق؛ جعلوه في الحيوان، يرون الجهاد ضرارًا والصدقة مغرمًا » .
رواه: أبو يعلى مرفوعًا، والحارث بن أبي أسامة موقوفًا. قال الحافظ ابن حجر : "وهو أصح".
قلت: والموقوف له حكم المرفوع؛ لأن مثله لا يقال من قبل الرأي، وإنما يقال عن توقيف.(2/79)
باب
ما جاء في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة.... (فذكر الحديث بطوله، وفيه: ) ويقل الأمر بالمعروف » .
رواه أبو نعيم في "الحلية"، وقد تقدم ذكره.
وعن علي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "كيف بكم إذا فسق فتيانكم وطغى نساؤكم ؟ !". قالوا: يا رسول الله ! وإن ذلك لكائن ؟ قال: "نعم، وأشد. كيف أنتم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر ؟ !". قالوا: يا رسول الله ! وإن ذلك لكائن ؟ قال: "نعم، وأشد. كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ !". قالوا: يا رسول الله ! وإن ذلك لكائن ؟ قال: "نعم، وأشد. كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرًا والمنكر معروفًا ؟ ! ". قالوا: يا رسول الله ! وإن ذلك لكائن ؟. قال: "نعم » .
رواه رزين .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « " كيف بكم أيها الناس إذا طغى نساؤكم وفسق فتيانكم ؟ !". قالوا: يا رسول الله ! إن هذا لكائن ؟ قال: "نعم، وأشد منه. كيف بكم إذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ !". قالوا: يا رسول الله ! إن هذا لكائن ؟ قال: "نعم، وأشد منه. كيف بكم إذا رأيتم المنكر معروفًا، والمعروف منكرًا ؟ ! » .
رواه: أبو يعلى، والطبراني في "الأوسط"؛ إلا أنه قال: فسق شبابكم وإسناد كل منهما ضعيف.(2/80)
وعن ضمام بن إسماعيل المعافري عن غير واحد من أهل العلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « كيف بكم إذا فسق شبابكم وطغت نساؤكم وكثر جهالكم ؟ !". قالوا: وإن ذلك كائن يا رسول الله ؟ قال: "وأشد من ذلك. كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر ؟ !". قالوا: وإن ذلك كائن يا رسول الله ؟ قال: "وأشد من ذلك. كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرًا ورأيتم المنكر معروفًا ؟ !" » .
رواه ابن وضاح .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "يأتي على الناس زمان؛ تكون السنة فيه بدعة، والبدعة سنة، والمعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، وذلك إذا اتبعوا واقتدوا بالملوك والسلاطين في دنياهم".
رواه ابن وضاح .
وعن أبي بكرة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يأتي على الناس زمان لا يأمرون فيه بمعروف ولا ينهون عن منكر » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه بسطام بن حبيب، ولم أعرفه".
وعنه رضي الله عنه: "أنه قال: والله؛ ما من نفس تخرج أحب إلي من نفس أبي بكرة . ففزع القوم، فقالوا: لم ؟ قال: إني أخشى أن أدرك زمانًا لا أستطيع أن آمر بالمعروف ولا أنهى عن منكر، ولا خير يومئذ".
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: « قيل: يا رسول الله ! متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قال: "إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم »(2/81)
« قبلكم". قلنا: يا رسول الله ! وما ظهر في الأمم قبلنا ؟ قال: "الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم، والعلم في رذالتكم » .
رواه ابن ماجه . قال في "الزوائد": "وإسناده صحيح رجاله ثقات".
قال ابن ماجه : "قال زيد (يعني: ابن يحيى بن عبيد الخزاعي أحد رواته): تفسير معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: « والعلم في رذالتكم » : إذا كان العلم في الفساق " .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري ": " وأخرج ابن أبي خيثمة من طريق مكحول عن أنس رضي الله عنه: « قيل: يا رسول الله ! متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قال: "إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل، إذا ظهر الإدهان في خياركم، والفحش في شراركم، والملك في صغاركم، والفقه في رذالكم" » .
قلت: ورواه أبو نعيم في "الحلية" من طريق مكحول عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: « قيل: يا رسول الله ! متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قال: "إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل قبلكم". قالوا: وما ذاك يا رسول الله ؟ قال: "إذا ظهر الإدهان في خياركم، والفاحشة في شراركم، وتحول الفقه في صغاركم ورذالكم » .
ورواه ابن وضاح بنحوه؛ إلا أنه قال: « وتحول الملك في صغاركم، والفقه في أرذالكم » .
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: « قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ! متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما سيدا أعمال أهل البر ؟ قال: " إذا أصابكم ما أصاب بني إسرائيل ". قلت: يا رسول الله ! وما أصاب بني إسرائيل ؟ قال: إذا داهن خياركم فجاركم، وصار الفقة في شراركم، وصار الملك في »(2/82)
« صغاركم؛ فعند ذلك تلبسكم فتنة؛ تكرون ويكر عليكم » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه عمار بن سيف، وثقه العجلي وغيره وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف".
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « "لا تذهب الأيام والليالي حتى يخلق القرآن في صدور أقوام من هذه الأمة كما تخلق الثياب، ويكون ما سواه أعجب إليهم، ويكون أمرهم طمعًا كله، لا يخالطه خوف، إن قصر عن حق الله؛ منته نفسه الأماني، وإن تجاوز إلى ما نهى الله عنه؛ قال: أرجو أن يتجاوز الله عني؛ يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أفضلهم في أنفسهم المداهن". قيل: ومن المداهن ؟ قال: "الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر" » .
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وعن أبي العالية؛ قال: « يأتي على الناس زمان: تخرب صدورهم من القرآن، ولا يجدون له حلاوة ولا لذاذة، إن قصروا عما أمروا به؛ قالوا: إن الله غفور رحيم، وإن عملوا بما نهوا عنه؛ قالوا: سيغفر لنا؛ إنا لم نشرك بالله شيئًا، أمرهم كله طمع، ليس معه صدق، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أفضلهم في دينه المداهن » .
رواه الإمام أحمد في "الزهد".
وعن زيد بن وهب؛ قال: سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: « لا يأتي عليكم يوم؛ إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله، حتى تقوم الساعة، لست أعني رخاء من العيش يصيبه، ولا مالًا يفيده، ولكن لا يأتي عليكم يوم؛ إلا وهو أقل علمًا من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء؛ استوى الناس؛ فلا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر؛ فعند ذلك »(2/83)
« يهلكون » .
رواه يعقوب بن شيبة، وله حكم الرفع، وكذلك الحديث الذي قبله.
باب
ما جاء في الذين لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا
عن الحسن عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض، فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا » .
رواه الإمام أحمد مرفوعًا وموقوفًا، ورجاله رجال الصحيح. ورواه الحاكم في "مستدركه" مرفوعًا، وقال: "صحيح على شرط الشيخين إن كان الحسن سمعه من عبد الله بن عمرو "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ قال: « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة وأنا شاهد، فقال: "لا يعلمها إلا الله، ولا يجليها لوقتها إلا هو، ولكن سأحدثكم بمشاريطها وما بين يديها، ألا إن بين يديها فتنة وهرجًا". فقيل: يا رسول الله ! أما الفتن؛ فقد عرفناها؛ فما الهرج ؟ قال: "بلسان الحبشة: القتل، وأن يلقى بين الناس التناكر؛ فلا يعرف أحد أحدًا، وتجف قلوب الناس، وتبقى رجراجة لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه من لم يسم".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: « يذهب الصالحون أسلافًا، ويبقى أهل الريب: من لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح". ورواه أيضًا أبو(2/84)
نعيم وغيره. وله حكم الرفع كنظائره.
وعن علي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يأتي على الناس زمان: لا يتبع فيه العالم، ولا يستحيى فيه من الحليم، ولا يوقر فيه الكبير، ولا يرحم فيه الصغير، يقتل بعضهم بعضًا على الدنيا، قلوبهم قلوب الأعاجم، وألسنتهم ألسنة العرب، لا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا، يمشي الصالح فيهم مستخفيًا، أولئك شرار خلق الله، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة » .
رواه الديلمي .
باب
ما جاء في الذين يرون المعروف منكرًا والمنكر معروفًا
قد تقدم في باب ما جاء في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عدة أحاديث في ذلك عن: علي، وأبي هريرة، وضمام بن إسماعيل المعافري، وابن مسعود؛ رضي الله عنهم؛ فلتراجع.
باب
ما جاء في ظهور أهل المنكر على أهل المعروف
قد تقدم حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر أشراط الساعة، وفيه: « ويظهر أهل المنكر » .
رواه ابن مردويه .
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للساعة أشراط". قيل: وما أشراطها ؟ قال: "غلو أهل الفسق في المساجد، وظهور أهل المنكر على أهل المعروف ". قال أعرابي: فما تأمرني يا رسول الله ؟ قال: "دع وكن »(2/85)
« حلسًا من أحلاس بيتك » .
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يأتي على الناس زمان يكون المؤمن فيه أذل من شاته » .
رواه ابن عساكر في "تاريخه".
وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
رواه ابن عساكر أيضًا.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يا ابن مسعود ! إن من أعلام الساعة وأشراطها أن يكون المؤمن في القبيلة أذل من النقد » .
رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير" بإسناد ضعيف، وقد تقدم ذكره في حديث طويل.
(النقد): صغار الغنم.
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "يأتي على الناس زمان: المؤمن فيه أذل من الأمة، أكيسهم الذي يروغ بدينه روغان الثعلب".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن علي رضي الله عنه: أنه قال: "يأتي على الناس زمان المؤمن فيه أذل من الأمة".
رواه سعيد بن منصور في "سننه".
وعن جابر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يأتي على الناس زمان يستخفي المؤمن فيهم كما يستخفي المنافق فيكم اليوم » .(2/86)
رواه: ابن السني، والديلمي .
وذكر الأوزاعي عن حسان بن عطية مرسلًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « سيظهر شرار أمتي على خيارها، حتى يستخفي المؤمن فيهم كما يستخفي المنافق فينا اليوم » .
رواه أبو شعيب الحراني في "فوائده".
وعن علي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يأتي على الناس زمان: لا يتبع فيه العالم، ولا يستحيى فيه من الحليم، ولا يوقر فيه الكبير، ولا يرحم فيه الصغير، يقتل بعضهم بعضًا على الدنيا، قلوبهم قلوب الأعاجم، وألسنتهم ألسنة العرب، لا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا، يمشي الصالح فيهم مستخفيًا، أولئك شرار خلق الله، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة » .
رواه الديلمي .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « "إن كلبة كانت في بني إسرائيل مجحًا، فضاف أهلها ضيف، فقالت: لا أنبح ضيفنا الليلة! فعوى جراؤها في بطنها! فأوحى الله إلى رجل منهم إن مثل هذه الكلبة مثل أمة يأتون من بعدكم، يستعلي سفهاؤها على علمائها (وفي رواية: يغلب سفهاؤها علماؤها) » .
رواه: الإمام أحمد، والبزار، والطبراني واللفظ له، وقد تقدم ذكره في (باب ارتفاع الأسافل).
وعن عطاء بن ميسرة الخراساني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سيأتي على الناس زمان يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الثلج في الماء. قيل: يا نبي الله ! ومم ذاك ؟ قال: "يرى المنكر يعمل به فلا يستطيع أن يغيره » .(2/87)
رواه ابن وضاح .
وذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه قال: "توشك القرى أن تخرب وهي عامرة". قيل: وكيف تخرب وهي عامرة ؟ قال: "إذا علا فجارها أبرارها وساد القبيلة منافقها".
وقد رواه أبو موسى المديني في كتاب "دولة الأشرار"، ونقله عنه صاحب "كنز العمال".
وعن طارق بن شهاب؛ قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إنكم في زمان: القائل فيه بالحق خير من الصامت، والقائم فيه خير من القاعد، وإن بعدكم زمانًا: الصامت فيه خير من الناطق، والقاعد فيه خير من القائم". قال: فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن ! كيف يكون أمر من أخذ به اليوم؛ كان هدى، ومن أخذ به بعد اليوم؛ كان ضلالة ؟ قال: "قد فعلتموها. اعتبروا ذلك برجلين مرا بقوم يعملون بالمعاصي، فأنكرا كلاهما، وصمت أحدهما فسلم، وتكلم الآخر فقال: إنكم تفعلون وتفعلون ! فأخذوه وذهبوا به إلى ذي سلطانهم، فلم يزل (أو: لم يزالوا) به حتى أخذ بأخذه وعمل بعمله".
رواه الحاكم في "مستدركه "، وقال: "صحيح على شرط الشيخين لم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
باب
ما جاء في أيام الصبر
وفضل التمسك بالدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ذلك الزمان
عن أنس رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر » .(2/88)
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث غريب".
وعن القاسم أبي عبد الرحمن : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سينقض الإسلام، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر أو خبط الشوك » .
رواه ابن وضاح، وهو مرسل.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ويل للعرب من شر قد اقترب، فتنًا كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر (أو قال: على الشوك) » .
رواه الإمام أحمد . وقال الهيثمي : "وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وعن أبي أمية الشعباني؛ قال: « أتيت أبا ثعلبة الخشني رضي الله عنه، فقلت له: كيف تصنع في هذه الآية ؟ قال: أية آية ؟ قلت: قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } . قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرًا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: "بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحًا مطاعًا، وهوى متبعًا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه؛ فعليك بخاصة نفسك، ودع العوام؛ فإن من ورائكم أيامًا؛ الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عملكم". قيل: يا رسول الله ! أجر خمسين رجلًا منا أو منهم ؟ قال: "لا، بل أجر خمسين رجلًا منكم » .
رواه: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن وضاح، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبغوي في "تفاسيرهم". وقال الترمذي : "هذا حديث حسن غريب". وقال الحاكم :(2/89)
"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وفي رواية لابن وضاح عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « "المتمسك بديني وسنتي في زمان المنكر كالقابض على الجمر، للعامل منهم يومئذ بسنتي أجر خمسين منكم". قلنا: يا رسول الله ! منهم ؟ قال: "بل منكم » .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « "إن من بعدكم أياما؛ الصابر فيها المتمسك بدينه مثل ما أنتم عليه اليوم له أجر خمسين منكم". قيل: يا رسول الله ! منهم ؟ قال: "بل منكم » .
رواه ابن وضاح .
وعن عتبة بن غزوان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من ورائكم أيام الصبر، للمتمسك فيهن يومئذ بمثل ما أنتم عليه له كأجر خمسين منكم". قالوا: يا نبي الله ! أو منهم ؟ قال: " بل منكم (ثلاث مرات أو أربعًا) » .
رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط" عن شيخه بكر بن سهل عن عبد الله بن يوسف . قال الهيثمي : "وكلاهما قد وثق، وفيهما خلاف".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن كقبض على الجمر، للعامل فيها أجر خمسين". قالوا: يا رسول الله ! أجر خمسين منهم أو خمسين منا ؟ قال: "خمسين منكم » .
رواه: البزار، والطبراني بنحوه؛ إلا أنه قال: « "للمتمسك أجر خمسين شهيدًا". فقال عمر : يا رسول الله ! منا أو منهم ؟ قال: "منكم » .
قال الهيثمي : "ورجال البزار رجال الصحيح؛ غير سهل بن عامر(2/90)
البجلي، وثقه ابن حبان ".
وعن سعيد أخي الحسن يرفعه (قيل لسفيان بن عيينة : عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم)؛ قال: « "إنكم اليوم على بينة من ربكم؛ تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتجاهدون في الله، ولم تظهر فيكم السكرتان: سكرة الجهل، وسكرة حب العيش، وستحولون عن ذلك؛ فلا تأمرون بالمعروف، ولا تنهون عن المنكر، ولا تجاهدون في الله، وتظهر فيكم السكرتان؛ فالمتمسك يومئذ بالكتاب والسنة له أجر خمسين ". قيل: منهم ؟ قال: "لا؛ بل منكم" » .
رواه ابن وضاح .
وقد رواه أبو نعيم في "الحلية" في ترجمة إبراهيم بن أدهم من حديث سفيان بن عيينة عن أسلم البصري : أنه سمع سعيد بن أبي الحسن يذكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "أنتم اليوم على بينة من ربكم؛ تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتجاهدون في سبيل الله، ولم تظهر فيكم السكرتان: سكرة الجهل، وسكرة حب العيش، وستحولون عن ذلك؛ فلا تأمرون بمعروف، ولا تنهون عن منكر، ولا تجاهدون في سبيل الله، والقائمون يومئذ بالكتاب والسنة لهم أجر خمسين صديقًا". قالوا: يا رسول الله ! منا أو منهم ؟ قال: "لا، بل منكم » .
قال أبو نعيم : "ورواه محمد بن قيس عن عبادة بن نسي عن الأسود بن ثعلبة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله".
قلت: وسيأتي حديث معاذ رضي الله عنه.
وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « غشيتكم السكرتان: سكرة حب العيش، وحب الجهل؛ فعند ذلك لا تأمرون بالمعروف، ولا تنهون عن المنكر، والقائمون بالكتاب والسنة كالسابقين الأولين من »(2/91)
« المهاجرين والأنصار » .
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا ظهرت فيكم السكرتان: سكرة الجهل، وسكرة حب العيش، وجاهدوا في غير سبيل الله؛ فالقائمون يومئذ بكتاب الله سرًا وعلانية كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن"، وابن وضاح من طريقه.
وقد رواه البزار بأبسط من هذا، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنكم على بينة من ربكم؛ ما لم تظهر فيكم سكرتان: سكرة الجهل، وسكرة حب العيش، وأنتم تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتجاهدون في سبيل الله؛ فإذا ظهر فيكم حب الدنيا؛ فلا تأمرون بالمعروف، ولا تنهون عن المنكر، ولا تجاهدون في سبيل الله، القائلون يومئذ بالكتاب والسنة كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار » .
وقد تقدم قبل عشرة أبواب حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر إدبار الدين، وفي آخره: قال: « فمن أدرك ذلك الزمان، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر؛ فله أجر خمسين ممن صحبني وآمن بي وصدقني أبدًا » .
رواه: الحارث بن أبي أسامة، والطبراني .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "يكون في آخر الزمان ديدان القراء.... (الحديث، وفيه: ) والمتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر، والمتمسك يومئذ بدينه أجره كأجر خمسين". قالوا: منا أو منهم ؟ قال: "بل منكم » .(2/92)
رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"، وسيأتي بتمامه في (باب ما جاء في القراء الفسقة) إن شاء الله تعالى.
وعن عبد الرحمن بن العلاء الحضرمي؛ قال: حدثني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « إنه سيكون في آخر هذه الأمة قوم لهم مثل أجر أولهم؛ يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، يقاتلون أهل الفتن » .
رواه البيهقي في "دلائل النبوة". وقد رواه: الإمام أحمد، وابن وضاح مختصرًا.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد » .
رواه: الطبراني، وأبو نعيم في "الحلية".
باب
ما جاء في قبض العلم وظهور الجهل
عن أنس رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن من أشراط الساعة: أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
وفي رواية: قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « من أشراط الساعة: أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنى، وتكثر النساء، ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد » . هذا لفظ البخاري، ولفظ أحمد نحوه.
ولفظ مسلم : « إن من أشراط الساعة: أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنى، ويشرب الخمر، ويذهب الرجال، وتبقى النساء؛ حتى يكون »(2/93)
« لخمسين امرأة قيم واحد » .
وقد رواه: أبو داود الطيالسي، والترمذي؛ بنحو رواية البخاري .
ورواه ابن ماجه بمثل رواية مسلم، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح".
قوله: " ويثبت الجهل ": قال النووي في "شرح مسلم ": "هكذا هو في كثير من النسخ: " يثبت الجهل "؛ من الثبوت، وفي بعضها: "يبث"؛ بضم الياء وبعدها موحدة مفتوحة ثم مثلثة مشددة؛ أي: ينشر ويشيع". انتهى.
قال الكرماني : "وفي رواية: "وينبت"؛ بالنون بدل المثلثة، من النبات".
ذكر ذلك عنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"؛ قال: "وحكى ابن رجب عن بعضهم: "وينث "؛ بنون ومثلثة، من النث، وهو الإشاعة". قال ابن حجر : "وليست هذه في شيئ من "الصحيحين". انتهى.
وقد ظهر مصداق هذا الحديث في زماننا، ما عدا خصلتين، وهما: ذهاب الرجال، وكثرة النساء.
فأما العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيهم وأئمة العلم والهدى من بعدهم؛ فقد هجره الأكثرون، وقل الراغبون فيه والمعتنون به، وقد انصرفت همم الأكثرين إلى الصحف والمجلات وما شاكل ذلك مما كثير منه مشتمل على الجهل الصرف الذي قد ظهر في زماننا، وثبت فيه، وبث في مشارق الأرض ومغاربها به غاية البث، ونث بين الخاصة والعامة غاية النث، وشغف به الكثير من الناس، وسموه العلم والثقافة والتقدم، ومن يعتني به هو المهذب المثقف عندهم ! وقد زاد الحمق والغرور ببعض السفهاء حتى أطلقوا على المعتنين بالعلوم الشرعية اسم الرجعيين، وسموا كتب العلم النافع الكتب الصفراء؛ تحقيرًا لها وتنفيرًا منها.(2/94)
وهذا مصداق ما رواه ابن أبي شيبة عن الشعبي : أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى يصير العلم جهلًا، والجهل علمًا".
وأما الزنى؛ فقد جعل له أسواق معروفة في كثير من البلاد التي ينتسب أهلها إلى الإسلام، وما يفعل في غير الأسواق أكثر وأكثر.
وكذلك الخمر قد فشى شربها وبيعها وابتياعها في كثير من البلاد التي ينتسب أهلها إلى الإسلام. فالله المستعان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "يتقارب الزمان، وينقص العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرج". قيل: يا رسول الله ! أيما هو ؟ قال: "القتل، القتل » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، وابن ماجه، وفي رواية لأحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « "ويل للعرب من شر قد اقترب، ينقص العلم، ويكثر الهرج". قلت: يا رسول الله ! وما الهرج ؟ قال: "القتل » .
وفي رواية له أيضًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « تظهر الفتن، ويكثر الهرج ويرفع العلم » . فلما سمع عمر رضي الله عنه أبا هريرة رضي الله عنه يقول: يرفع العلم؛ قال عمر : أما إنه ليس ينزع من صدور العلماء، ولكن يذهب العلماء.
وقد رواه ابن أبي شيبة ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "تكثر الفتن، ويكثر الهرج". قلنا: وما الهرج ؟ قال: "القتل. ويقبض العلم". قال: "أما إنه ليس ينزع من صدور الرجال، ولكن يقبض العلماء » .
وعن عبد الله بن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهما؛ قالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إن بين يدي الساعة لأيامًا ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج، والهرج القتل » .(2/95)
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
ورواه ابن ماجه عن كل منهما على حدته، ورواه أبو داود الطيالسي من حديث ابن مسعود وحده، ورواه الترمذي من حديث أبي موسى وحده، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا؛ اتخذ الناس رؤساء جهالًا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي، وابن ماجه .
وفي رواية لأحمد والشيخين عنه رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاهموه انتزاعًا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهال؛ يستفتون، فيفتنون برأيهم، فيضلون ويضلون » .
هذا لفظ البخاري .
ورواه أبو داود الطيالسي، ولفظه: قال: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله تبارك وتعالى لا يرفع العلم بقبض يقبضه، ولكن يرفع العلماء بعلمهم، حتى إذا لم يبق عالم؛ اتخذ الناس رؤساء جهالًا؛ فسئلوا، فحدثوا، فضلوا وأضلوا » .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء، فإذا ذهب العلماء؛ اتخذ الناس رؤساء، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل » .(2/96)
رواه الطبراني في "الأوسط"، وفي إسناده ضعف، وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يشهد له وللأحاديث الثلاثة بعده.
وعنه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « إن الله لا ينزع منكم العلم بعدما أعطاكموه انتزاعًا، ولكن يقبض العلماء بعلمهم، ويبقى جهال، فيسألون، فيفتون، فيضلون ويضلون » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، وهو ضعيف، وقد وثق".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يقبض الله العلماء، ويقبض العلم معهم، فينشأ أحداث؛ ينزو بعضهم على بعض نزو العير على العير، ويكون الشيخ فيهم مستضعفًا » .
رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد ضعيف.
وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله تبارك وتعالى لا ينزع العلم من الناس انتزاعًا بعد أن يؤتيهم إياه، ولكن يذهب بالعلماء، فكلما ذهب عالم؛ ذهب بما معه من العلم، حتى يبقى من لا يعلم، فيضلوا ويضلوا » .
رواه البزار . قال الهيثمي : "وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، وهو ضعيف، ووثقه عبد الملك بن شعيب بن الليث ".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "لا يأتي عليكم عام إلا وهو شر من الذي كان قبله، أما إني لست أعني عامًا أخصب من عام، ولا أميرًا خيرًا من أمير، ولكن علماؤكم وخياركم يذهبون، ثم لا تجدون منهم خلفًا، ويجيء قوم يقيسون الأمور بآرائهم، فيهدم الإسلام ويثلم".(2/97)
رواه: الديلمي، وابن وضاح، وغيرهما.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سيأتي على أمتي زمان؛ يكثر فيه القراء، ويقل الفقهاء، ويقبض العلم، ويكثر الهرج ". قالوا: وما الهرج يا رسول الله ؟ قال: "القتل بينكم، ثم يأتي من بعد ذلك زمان يقرأ القرآن رجال من أمتي لا يجاوز تراقيهم، ثم يأتي من بعد ذلك زمان يجادل المشرك بالله المؤمن في مثل ما يقول » .
رواه: الطبراني في "الأوسط"، والحاكم في "مستدركه "، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد ظهر مصداق هذا الحديث في زماننا: فقل الفقهاء العارفون بما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكثر القراء في الكبار والصغار والرجال والنساء؛ بسبب كثرة المدارس وانتشارها، والمراد بالقراء - والله أعلم - الذين يجيدون القراءة ويقرؤون ما يكتب لهم، وليس في الحديث ما يدل على أن ذلك خاص بالذين يقرؤون القرآن دون الذين يقرؤون غيره من الكتب والصحف والمجلات وغيرها، مما قد كثر في زماننا، وانتشر غاية الانتشار، وشغف به الأكثرون من الكبار والصغار، وأكثر القراء في زماننا قد أعرضوا عن قراءة القرآن، وأقبلوا على قراءة الصحف والمجلات، وقصص الحب والغرام، وغيرها من القصص التي لا خير فيها، وكثير منها مفتعل مكذوب، ومع ذلك؛ فالأكثرون مكبون على القراءة فيما ذكرنا.
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يأتي على الناس زمان: علماؤها فتنة، وحكماؤها فتنة، تكثر المساجد والقراء، لا يجدون عالمًا إلا الرجل بعد الرجل » .
رواه أبو نعيم .(2/98)
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إني امرؤ مقبوض؛ فتعلموا القرآن وعلموه الناس، وتعلموا الفرائض وعلموها الناس، وتعلموا العلم وعلموه الناس؛ فإني مقبوض، وإنه سيقبض العلم، وتظهر الفتن، حتى يختلف الاثنان في الفريضة؛ فلا يجدان من يفصل بينهما » .
رواه: أبو داود الطيالسي، وأبو يعلى، والبزار .
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: « لما كان في حجة الوداع؛ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مردف الفضل بن عباس على جمل آدم، فقال: "يا أيها الناس ! خذوا من العلم قبل أن يقبض العلم وقبل أن يرفع العلم "، وقد كان أنزل الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } . قال: فكنا قد كرهنا كثيرًا من مسألته واتقينا ذلك حين أنزل الله ذلك على نبيه صلى الله عليه وسلم. قال: فأتينا أعرابيًا، فرشوناه بردًا، فاعتم به. قال: حتى رأيت حاشيته خارجة على حاجبه الأيمن. قال: ثم قلنا له: سل النبي صلى الله عليه وسلم. فقال له: يا نبي الله ! كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف، وقد تعلمنا ما فيها وعلمناها نساءنا وذرارينا وخدمنا ؟ قال: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه وقد علت وجهه حمرة من الغضب. قال: فقال: "أي ثكلتك أمك ! وهذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف، لم يصبحوا يتعلقوا منها بحرف مما جاءتهم به أنبياؤهم، ألا وإن ذهاب العلم ذهاب حملته (ثلاث مرات) » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني في "الكبير"، وروى ابن ماجه طرفًا من أوله.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يوشك أن يرفع العلم (فرددها ثلاثًا). فقال زياد بن لبيد : يا نبي الله ! بأبي وأمي، وكيف »(2/99)
« يرفع العلم منا وهذا كتاب الله قد قرأناه ويقرئه أبناؤنا أبناءهم ؟ ! فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ثكلتك أمك يا زياد بن لبيد ! إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة ! أوليس هؤلاء اليهود والنصارى عندهم التوراة والإنجيل؛ فما أغنى عنهم، إن الله ليس يذهب بالعلم رفعًا يرفعه، ولكن يذهب بحملته (أحسبه)، ولا يذهب عالم من هذه الأمة؛ إلا كان ثغرة في الإسلام لا تسد إلى يوم القيامة » .
رواه البزار . قال الهيثمي : "وفيه سعيد بن سنان، وقد ضعفه البخاري ويحيى بن معين وجماعة؛ إلا أن أبا مسهر قال: حدثنا صدقة بن خالد؛ قال: حدثني أبو مهدي سعيد بن سنان مؤذن أهل حمص وكان ثقة مرضيًا.
وعن زياد بن لبيد رضي الله عنه؛ قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، فقال: « ذاك عند أوان ذهاب العلم". قلت: يا رسول الله ! وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة ؟ ! فقال: "ثكلتك أمك زياد ! إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل لا يعملون بشيء مما فيهما ؟ ! » .
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، والحاكم في "مستدركه "، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن وحشي بن حرب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يوشك العلم أن يختلس من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء". فقال زياد بن لبيد : وكيف يختلس منا العلم وقد قرأنا القرآن وأقرأناه أبناءنا ؟ ! فقال: "ثكلتك أمك يا ابن لبيد ! هذه التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى ما يرفعون بها رأسًا » .
رواه الطبراني في "الكبير". قال الهيثمي : "وإسناده حسن".
وقد تقدم في (باب ذهاب الخشوع) حديث جبير بن نفير عن أبي الدرداء(2/100)
وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما بنحو حديث زياد بن لبيد رضي الله عنه، وفيه: أن أول علم يرفع من الناس الخشوع .
وتقدم فيه أيضًا حديث جبير بن نفير عن عوف بن مالك الأشجعي وشداد بن أوس رضي الله عنهما، وفيه: أن أول ما يرفع الخشوع.
وفيه أيضًا عند الإمام أحمد : أن شداد بن أوس رضي الله عنهما قال لجبير بن نفير : وهل تدري ما رفع العلم ؟ قال: قلت: لا أدري. قال: ذهاب أوعيته.
باب
ما جاء في كثرة القراء والخطباء وقلة الفقهاء
قد تقدم في الباب قبله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سيأتي على أمتي زمان؛ يكثر فيه القراء، ويقل الفقهاء، ويقبض العلم، ويكثر الهرج » ..... الحديث.
رواه: الطبراني في "الأوسط"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وتقدم أيضًا حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يأتي على الناس زمان: علماؤها فتنة، وحكماؤها فتنة، تكثر المساجد والقراء، لا يجدون عالمًا إلا الرجل بعد الرجل » .
رواه أبو نعيم .
وعن أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إنكم في زمان علماؤه كثير، وخطباؤه قليل، من ترك فيه عشير ما يعلم؛ هوى، وسيأتي على الناس زمان يقل علماؤه، ويكثر خطباؤه، من تمسك فيه بعشير ما يعلم؛ نجا » .(2/101)
رواه الإمام أحمد، وفيه رجل لم يسم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « إنكم في زمان، من ترك منكم عشر ما أمر به؛ هلك، ثم يأتي زمان من عمل منهم بعشر ما أمر به؛ نجا » .
رواه: الترمذي، والطبراني في "الصغير". وقال الترمذي : "هذا حديث غريب". قال: "وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد رضي الله عنهما".
وعن حزام بن حكيم بن حزام عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « إنكم قد أصبحتم في زمان كثير فقهاؤه، قليل خطباؤه، كثير معطوه، قليل سؤاله، العمل فيه خير من العلم، وسيأتي زمان قليل فقهاؤه، كثير خطباؤه، وكثير سؤاله، قليل معطوه، العلم فيه خير من العمل » .
رواه الطبراني في "الكبير"، وفي إسناده ضعف.
وعن حزام بن حكيم عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله.
رواه الطبراني في "الكبير"، وفي إسناده ضعف.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "إنكم في زمان الصلاة فيه طويلة، والخطبة فيه قصيرة، وعلماؤه كثير، وخطباؤه قليل، وسيأتي على الناس زمان الصلاة فيه قصيرة، والخطبة فيه طويلة، خطباؤه كثير، وعلماؤه قليل، يؤخرون الصلاة؛ صلاة العشي، إلى شرق الموتى، فمن أدرك ذلك؛ فليصل(2/102)
الصلاة لوقتها، وليجعلها معهم تطوعًا".
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
وقد رواه البخاري في "الأدب المفرد" من حديث زيد بن وهب؛ قال: سمعت ابن مسعود رضي الله عنه يقول: "إنكم في زمان كثير فقهاؤه، قليل خطباؤه، قليل سؤاله، كثير معطوه، العمل فيه قائد للهوى، وسيأتي من بعدكم زمان قليل فقهاؤه، كثير خطباؤه، كثير سؤاله، قليل معطوه، الهوى فيه قائد للعمل، اعلموا أن حسن الهدى في آخر الزمان خير من بعض العمل".
ورواه الحاكم في "مستدركه" من حديث هزيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مختصرًا، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه الإمام مالك في "موطئه" عن يحيى بن سعيد : أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال لإنسان: « إنك في زمان كثير فقهاؤه، قليل قراؤه، تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع حروفه، قليل من يسأل، كثير من يعطي، يطيلون فيه الصلاة، ويقصرون الخطبة، يبدون أعمالهم قبل أهوائهم، وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه، كثير قراؤه، تحفظ فيه حروف القرآن، وتضيع حدوده، كثير من يسأل، قليل من يعطي، يطيلون فيه الخطبة، ويقصرون الصلاة، يبدون فيه أهواءهم قبل أعمالهم » .
وهذا الحديث له حكم المرفوع لأنه إخبار عن أمر غيبي ومثله لا يقال من قبل الرأى، وإنما يقال عن توقيف.
وقوله: "تضيع حروفه": ليس معناه على ظاهره، وإنما معناه أنهم لا يتكلفون في قراءه القرآن كما يتكلف كثير من المتأخرين، ولا يتقعرون في أداء(2/103)
حروفه كما يتقعر كثير من المتأخرين، ولا يتوسعون في معرفة أنواع القراءات كما فعل ذلك من بعدهم. والله أعلم.
وقوله: "يبدون"؛ بضم الياء، وفتح الباء، وتشديد الدال؛ معناه: يقدمون.
وقد ظهر مصداق هذا الحديث في زماننا، فقل فيه الفقهاء، وكثر فيه القراء، الذين يحفظون حروف القرآن، ويتقعرون في أدائها، ويضيعون حدود القرآن، ولا يبالون بمخالفة أوامره وارتكاب نواهيه، يطيلون الخطب، ويقصرون الصلاة، ويقدمون أهواءهم قبل أعمالهم، وقد رأينا من هذا الضرب كثيرًا. فالله المستعان.
وعن عبد الرحمن بن عمرو الأنصاري؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من اقتراب الساعة: كثرة القطر، وقلة النبات، وكثرة القراء، وقلة الفقهاء، وكثرة الأمراء، وقلة الأمناء » .
رواه الطبراني بإسناد ضعيف.
باب
ما جاء في الخطباء الكذابين
عن أبي موسى رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يجعل كتاب الله عارًا ويكون الإسلام غريبًا.. (الحديث، وفيه: ) ويقوم الخطباء بالكذب، فيجعلون حقي لشرار أمتي، فمن صدقهم بذلك ورضي به؛ لم يرح رائحة الجنة » .
رواه ابن أبي الدنيا، وقد تقدم بطوله في الباب الثاني من أشراط الساعة(2/104)
وقد ظهر مصداق هذا الحديث في زماننا، فكان بعض المنافقين من الخطباء والكتاب يجعلون حق النبي صلى الله عليه وسلم للفجرة الطغاة من الرؤساء، فيصفون بعضهم بأنه رسول السلام، ويجعلون عهد بعضهم وقوانينه خيرًا من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وشريعته... إلى غير ذلك من أنواع الكذب الذي يصفون به الطغاة ويتقربون به إليهم.
باب
التماس العلم عند الأصاغر
عن أبي أمية الجمحي رضي الله عنه: « أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة ؟ فقال: من أشراطها ثلاث: إحداهن التماس العلم عند الأصاغر » .
رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير". قال الهيثمي : "وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "لا يزال الناس مشتملين بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم، وتفرقت أهواؤهم؛ هلكوا".
رواه: أبو عبيد، ويعقوب بن شيبة، والطبراني في "الكبير" و "الأوسط".
قال الهيثمي : "ورجاله موثقون". وقد رواه عبد الرزاق في "مصنفه" بنحوه، وإسناده صحيح على شرط مسلم . ورواه أبو نعيم في "الحلية"، ولفظه: قال: "لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من علمائهم وكبرائهم وذوي أسنانهم، فإذا أتاهم العلم عن صغارهم وسفهائهم؛ فقد هلكوا ". ورواه الخطيب البغدادي في "تاريخه" بنحوه، وفي روايته: "فإذا أتاهم العلم عن صغارهم وسفلتهم؛ فقد هلكوا".(2/105)
باب
في عودة العلم جهلًا والجهل علمًا
عن الشعبي : أنه قال: « لا تقوم الساعة حتى يصير العلم جهلًا والجهل علمًا » .
رواه ابن أبي شيبة .
وهذا الأثر له حكم المرفوع؛ لأنه إخبار عن أمر غيبي، ومثله لا يقال من قبل الراي، وإنما يقال عن توقيف.
وقد ظهر مصداقة في زماننا حيث زهد الأكثرون في العلوم الشرعية، وأعرضوا عنها، وأقبلوا على ما لا خير فيه من الجرائد والمجلات وما شابهها من الكتب العصرية، ومن الجهل الذي يعتنون بتعلمه وتعليمه في المدارس أعظم مما يعتنون بتعلم القرآن وتعليمه: رسم التصوير المحرم، واللعب بالكرة، وغير ذلك مما يسمونه بالعلوم الرياضية.
باب
الإشارة إلى الجرائد والمجلات
عن الضحاك : أنه قال: « يأتي على الناس زمان تكثر فيه الأحاديث، حتى يبقى المصحف عليه الغبار لا ينظر فيه » .
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد"، وفي إسناده رجل لم يسم، وبقية رجاله ثقات.
ومثله لا يقال من قبل الراي، وإنما يقال عن توقيف.
وقد كثرت أحاديث الجرائد والمجلات في زماننا، وكذلك أحاديث(2/106)
الإذاعات، وأكثر الكتب العصرية، وافتتن بذلك الأكثرون من الخاصة والعامة، وأعرضوا عن كتاب الله تعالى، وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وآثار السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة العلم والهدى من بعدهم، ولعل زماننا هو الزمان الذي ذكر عنه الضحاك ما ذكر. والله أعلم.
باب
بث العلم في آخر الزمان والتباهي به وقلة العمل به
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أنه قال: « إن من ورائكم فتنًا؛ يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن، حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والعبد والحر، فيوشك قائل أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن، ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره؛ فإياكم وما ابتدع؛ فإن ما ابتدع ضلالة » ... الحديث.
رواه: عبد الرزاق، وأبو داود، وابن وضاح، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه"، وقد رواه الدارمي في "مسنده" بنحوه.
وهذا الأثر له حكم المرفوع؛ لأنه لا دخل للرأي في مثل هذا، وإنما يقال عن توقيف.
وعن أبي الزاهرية (واسمه حدير بن كريب ) يرفع الحديث: « أن الله تعالى قال: أبث العلم في آخر الزمان حتى يعلمه الرجل والمرأة، والعبد والحر، والصغير والكبير؛ فإذا فعلت ذلك بهم؛ أخذتهم بحقي عليهم » .
رواه: الدارمي، وأبو نعيم في "الحلية".
وعن علي رضي الله عنه: أنه قال: « يا حملة العلم ! اعلموا به؛ فإنما »(2/107)
« العالم من عمل بما علم ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم؛ لا يجاوز تراقيهم، يخالف عملهم علمهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حلقًا، فيباهي بعضهم بعضًا، حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله » .
رواه الدارمي .
وهذا الأثر له حكم المرفوع؛ لأنه إخبار عن أمر غيبي، فلا يقال إلا عن توقيف.
وعن سعيد بن المسيب؛ قال: قال عمر رضي الله عنه: "لا رأيت زمانًا يتغاير فيه الرجال على العلم تغاير الرجال على النساء".
رواه البخاري في "تاريخه".
وعن كعب الأحبار : أنه قال: "يوشك أن تروا جهال الناس؛ يتباهون بالعلم، يتغايرون عليه كما يتغاير النساء على الرجال؛ فذلك حظهم من العلم ".
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وعن كعب أيضًا: أنه قال: "إني لأجد نعت قوم يتعلمون لغير العمل، ويتفقهون لغير العبادة، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة، ويلبسون جلود الضأن، وقلوبهم أمر من الصبر، يقول الله تعالى: فبي يغترون، أو إياي يخادعون ؟ ! فحلفت بي؛ لأتيحن لهم فتنة تترك الحليم فيها حيرانًا".
رواه الدارمي .
وعن سفيان بن سعيد الثوري؛ قال: "بلغنا أنه يأتي على الناس زمان تكثر علماؤهم؛ فلا ينتفعون بعلمهم، ولا ينفعهم الله بعلمهم؛ فخيرهم من كان متمسكًا بالقرآن وقراءته".(2/108)
رواه ابن وضاح .
وعن محمد بن يوسف الفريابي؛ قال: "كان سفيان الثوري لا يحدث النبط ولا سفل الناس، وكان إذا رآهم؛ ساءه ! فقيل له في ذلك ؟ فقال: إن العلم إنما أخذ عن العرب، فإذا صار إلى النبط وسفل الناس؛ قلبوا العلم".
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وقد ظهر مصداق هذه الآثار في زماننا كما لا يخفى على من له علم وفهم، وبث العلم في زماننا بسبب المطابع بثًا لم يعهد مثله فيما مضى.
باب
ما جاء في ظهور القلم
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « بين يدي الساعة: تسليم الخاصة، وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وفشو القلم، وظهور الشهادة بالزور، وكتمان شهادة الحق » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري في "الأدب المفرد"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه". وفي رواية أحمد : « وظهور القلم » .
وعن عمرو بن تغلب رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن من أشراط الساعة: أن يكثر التجار ويظهر القلم » .
رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده".
وقد رواه النسائي في "سننه" بإسناد صحيح على شرط الشيخين، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن من أشراط الساعة: أن يفشو المال ويكثر، وتفشو »(2/109)
« التجارة، ويظهر العلم، ويبيع الرجل البيع، فيقول: لا؛ حتى استأمر تاجر بني فلان، ويلتمس في الحي العظيم الكاتب فلا يوجد » .
ورواه الحاكم في "مستدركه"، ولفظه: « إن من أشراط الساعة: أن يفيض المال، ويكثر الجهل، وتظهر الفتن، وتفشو التجارة » .
ثم قال: "هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وإسناده على شرطهما صحيح"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
قوله في رواية النسائي : « ويظهر العلم » ؛ معناه - والله أعلم -: ظهور وسائل العلم، وهي كتبه، وقد ظهرت في هذه الأزمان ظهورًا باهرًا، وانتشرت في جميع أرجاء الأرض، ومع هذا؛ فقد ظهر الجهل في الناس، وقل فيهم العلم النافع، وهو علم الكتاب والسنة والعمل بهما، ولم تغن عنهم كثرة الكتب شيئًا.
وهذا اللفظ موافق لما في حديث أبي الزاهرية الذي تقدم في الباب الذي قبل هذا الباب: « أن الله تعالى قال: أبث العلم في آخر الزمان » ...... الحديث، ويحتمل أنه وقع في هذه اللفظة تحريف من بعض النساخ، وأن أصلها: « ويظهر القلم » ؛ كما جاء في رواية أبي داود الطيالسي، وكما ثبت ذلك في حديث ابن مسعود رضي الله عنه. والله أعلم.
وقوله: « حتى استأمر تاجر بني فلان » ؛ أي: أستشيره، وقد وقع هذا في زماننا، حيث وجدت التلفونات وغيرها مع وسائل نقل الكلام بغاية السرعة، فصار التجار يشاور بعضهم بعضا في البيع من الأماكن القريبة والبعيدة.
وأما قوله: « ويلتمس في الحي العظيم الكاتب؛ فلا يوجد » : فقد وقع مصداقة فيما قبل زماننا؛ فإن الكتاب كانوا قليلًا في القرى، وهم في البادية أقل، وكثير من أحياء البادية لا يوجد فيهم الكاتب.(2/110)
باب
ما جاء في الذين يفتخرون بالقراءة والعلم
عن أم الفضل (وهي أم عبد الله بن عباس رضي الله عنهم): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ليظهرن الإسلام حتى يرد الكفر إلى مواطنه، وليخوضن رجال البحار بالإسلام، وليأتين على الناس زمان يتعلمون القرآن ويقرؤون، ثم يقولون: قرأنا وعلمنا، فمن هذا الذي هو خير منا ؟ فهل في أولئك من خير ؟ ". قالوا: يا رسول الله ! فمن أولئك ؟ قال: "أولئك منكم، وهم وقود النار » .
رواه ابن أبي حاتم، وابن مردويه .
باب
ما جاء في تعلم العلم لغير الدين
قد تقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة عدة أحاديث في ذلك:
منها حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه الذي رواه الطبراني، وفيه: « وتفقه في الدين لغير الله » .
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه الترمذي، وفيه: « وتعلم لغير الدين » .
ومنها حديث حذيفة رضي الله عنه الذي رواه أبو نعيم في "الحلية"، وفيه: « وتفقه لغير الدين » .
ومنها حديث مكحول الذي رواه أبو الشيخ والديلمي، وفيه: « وتعلم علماؤكم العلم ليجلبوا به دنانيركم ودراهمكم » .
ومنها حديث علي رضي الله عنه الذي رواه الديلمي أيضًا، وفيه نحو ما(2/111)
في حديث مكحول . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: « أنه قال: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة؛ يهرم فيها الكبير، ويربو فيها الصغير، ويتخذها الناس سنة، فإذا غيرت؛ قالوا: غيرت السنة. قيل: متى ذلك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال: إذا كثرت قراؤكم، وقلت فقهاؤكم، وكثرت أموالكم، وقلت أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة، وتفقه لغير الدين » .
رواه: عبد الرزاق، والدارمي، وابن وضاح، ونعيم بن حماد في "الفتن"، والحاكم في "مستدركه"، ولم يتكلم عليه، ورمز الذهبي في "تلخيصه" إلى أنه على شرط البخاري ومسلم .
وقد رواه ابن أبي شيبة بزيادة، ولفظه: قال: « كيف بكم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير، ويربو فيها الصغير، يتخذها الناس سنة، إذا ترك منها شيء؛ قيل: تركت السنة ؟ ! قيل: يا أبا عبد الرحمن ! ومتى ذلك ؟ قال: إذا كثرت جهالكم، وقلت علماؤكم، وكثرت خطباؤكم، وقلت فقهاؤكم، وكثرت أمراؤكم وقلت أمناؤكم، وتفقه لغير الدين، والتمست الدنيا بعمل الآخرة » .
وعن أبان عن سليم بن قيس الحنظلي؛ قال: "خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي أن يؤخذ الرجل منكم البريء، فيؤشر كما تؤشر الجزور، ويشاط لحمه كما يشاط لحمها، ويقال: عاص، وليس بعاص. قال: فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو تحت المنبر: ومتى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وبما تشتد البلية وتظهر الحمية وتسبى الذرية وتدقهم الفتن كما تدق الرحى ثفلها وكما تدق النار الحطب ؟ قال: ومتى ذلك يا علي ؟ قال: إذا تفقه المتفقه لغير الدين، وتعلم المتعلم لغير العمل، والتمست الدنيا بعمل الآخرة".(2/112)
رواه: عبد الرزاق في "مصنفه"، والحاكم في "مستدركه" من طريقه، وقال الذهبي في "تلخيصه": " أبان؛ قال أحمد : تركوا حديثه".
قلت: ولهذا الحديث شاهد مما تقدم قبله.
باب
ما جاء في الزمان الذي لا يتبع فيه العليم
عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « اللهم لا يدركني زمان، ولا تدركوا زمانًا: لا يتبع فيه العليم، ولا يستحيى فيه من الحليم، قلوبهم قلوب الأعاجم، وألسنتهم ألسنة العرب » .
رواه الإمام أحمد .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « اللهم لا يدركني زمان (أو: لا أدرك زمان) قوم لا يتبعون العليم، ولا يستحيون من الحليم، قلوبهم قلوب الأعاجم، وألسنتهم ألسنة العرب » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وهذا الحديث والذي قبله مطابقان لحال الأكثرين في زماننا؛ فإنهم لا يتبعون العليم، ولا يستحيون من الحليم. وإنما شبه قلوبهم بقلوب الأعاجم؛ لقلة فقههم في الدين، وانحرافهم عن المروءات والشيم العربية، وتخلقهم بأخلاق الأعاجم من طوائف الإفرنج وغيرهم من أعداء الله تعالى، وشدة ميلهم إلى مشابهتهم في الزي الظاهر وجميع الأحوال، واتباع سننهم حذو القذة بالقذة، والمشابهة في الظاهر إنما تنشأ من تقارب القلوب وتشابهها؛ كما قال(2/113)
الله تعالى: { كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } .... الآية.
وعن علي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يأتي على الناس زمان؛ لا يتبع فيه العالم، ولا يستحيى فيه من الحليم، ولا يوقر فيه الكبير، ولا يرحم فيه الصغير، يقتل بعضهم بعضًا على الدنيا، قلوبهم قلوب الأعاجم، وألسنتهم ألسنة العرب، لا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا، يمشي الصالح فيهم مستخفيًا، أولئك شرار خلق الله، لا ينظر الله إليهم يوم القيامة » .
رواه الديلمي .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ليأتين على الناس زمان قلوبهم قلوب الأعاجم". قيل: وما قلوب الأعاجم ؟ قال: "حب الدنيا. سنتهم سنة العرب، ما آتاهم الله من رزق جعلوه في الحيوان، يرون الجهاد ضرارًا، والصدقة مغرمًا » .
رواه: أبو يعلى مرفوعًا، والحارث بن أبي أسامة موقوفًا. قال الحافظ ابن حجر : "وهو أصح".
قلت: والموقوف له حكم المرفوع؛ لأن مثله لا يقال من قبل الرأي، وإنما يقال عن توقيف.
باب
ما جاء في القضاة الخونة والفقهاء الكذبة
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يكون في آخر الزمان: أمراء ظلمة، ووزراء فسقة، وقضاة خونة، وفقهاء كذبة، فمن أدرك ذلك »(2/114)
« الزمان منكم؛ فلا يكونن لهم جابيًا، ولا عريفًا، ولا شرطيًا » .
رواه الطبراني في "الصغير" و "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه داود بن سليمان الخراساني؛ قال الطبراني : لا بأس به، ومعاوية بن الهيثم؛ لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".
باب
ما جاء في القراء الفسقة
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يكون في آخر الزمان عباد جهال وقراء فسقة » .
رواه أبو نعيم في "الحلية"، والحاكم في "مستدركه"، والبيهقي في "شعب الإيمان".
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يبعث الله: أمراء كذبة، ووزراء فجرة، وأمناء خونة، وقراء فسقة؛ سمتهم سمة الرهبان، وليس لهم رغبة (أو قال: رعة، أو قال: زعة)، فيلبسهم الله فتنة غبراء مظلمة، يتهوكون فيها تهوك اليهود في الظلم » .
رواه البزار . قال الهيثمي : "وفيه حبيب بن عمران الكلاعي، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح".
قلت: ورواه: ابن أبي شيبة، والبخاري في "التاريخ الكبير"، وعبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد" مختصرًا موقوفًا.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « والذي نفسي بيده؛ لا تقوم الساعة حتى يبعث الله: أمراء كذبة، ووزراء فجرة، وأعوانًا خونة، »(2/115)
« وعرفاء ظلمة، وقراء فسقة، سيماهم سيما الرهبان، وقلوبهم أنتن من الجيف، أهواؤهم مختلفة، فيفتح الله لهم فتنة غبراء مظلمة، فيتهاوكون فيها » .
رواه ابن أبي الدنيا .
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة » .... (فذكر الحديث، وفيه: ) « وكان الأمراء فجرة، والوزراء كذبة، والأمناء خونة، والعرفاء ظلمة، والقراء فسقة، إذا لبسوا مسوك الضأن، قلوبهم أنتن من الجيفة وأمر من الصبر، يغشيهم الله فتنة، يتهاوكون فيها تهاوك اليهود الظلمة » .
رواه أبو نعيم في "الحلية"، وقد تقدم بطوله في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن بشير بن أبي عمرو الخولاني : أن الوليد بن قيس التجيبي حدثه: أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يكون خلف بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيًا، ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر . قال بشير : فقلت للوليد : ما هؤلاء الثلاثة ؟ فقال: المؤمن مؤمن به، والمنافق كافر به، والفاجر يتأكل به. »
رواه: الإمام أحمد، وابن أبي حاتم، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، والبيهقي في "شعب الإيمان "، وقال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يكون في آخر الزمان ديدان القراء، فمن أدرك ذلك الزمان؛ فليتعوذ بالله من الشيطان »(2/116)
« الرجيم، وهم الأنتنون، ثم تظهر قلانس البرد؛ فلا يستحيى يومئذ من الزنى، والمتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر، والمتمسك يومئذ بدينه أجره كأجر خمسين". قالوا: منا أو منهم ؟ قال: "بل منكم » .
رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول".
باب
ما جاء في الذين يتخذون القرآن مزامير
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم » .
رواه: أبو عبيد القاسم بن سلام، وابن وضاح، والطبراني في "الأوسط" والبيهقي في "شعب الإيمان".
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : حدثنا يزيد عن شريك عن أبي اليقظان عثمان بن عمير عن زاذان أبي عمر عن عليم؛ قال: « كنا على سطح، ومعنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (قال يزيد : لا أعلمه إلا قال: عابس الغفاري )، فرأى الناس يخرجون في الطاعون، قال: ما هؤلاء ؟ قال: يفرون من الطاعون. قال: يا طاعون خذني. فقالوا: أتتمنى الموت وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يتمنين أحدكم الموت ؟ ! فقال: إني أبادر خصالًا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوفهن على أمته: " بيع الحكم، والاستخفاف بالدم، وقطيعة الرحم، وقوم يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم؛ ليس بأفقههم ولا أفضلهم؛ إلا ليغنيهم به غناء (وذكر خلتين أخرتين) » .(2/117)
قلت: هما كثرة الشرط، وإمارة السفهاء؛ كما سيأتي بيانه في رواية البخاري وما بعدها.
قال أبو عبيد : وحدثنا يعقوب بن إبراهيم عن ليث بن أبي سليم عن عثمان ابن عمير عن زاذان عن عابس الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أو نحوه.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "وهذه طرق حسنة في باب الترهيب". انتهى.
وقد رواه البخاري في "التاريخ الكبير" من حديث ليث عن عثمان عن زاذان سمع عابسًا الغفاري رضي الله عنه؛ قال: « سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يتخوفهن على أمته من بعده: إمارة السفهاء، وبيع الحكم، واستخفاف بالدم، وقطيعة الرحم، وكثرة الشرط، ونشو يتخذون القرآن مزامير يتغنون غناء؛ يقدمون الرجل ليس بأفقههم ولا بأعلمهم، لا يقدمونه إلا ليتغنى بهم » .
ثم رواه من طريق زاذان عن عليم سمع عبسًا الغفاري .
ورواه: الإمام أحمد، والبزار، والطبراني في "الأوسط" و "الكبير" من حديث زاذان عن عليم؛ قال: « كنا جلوسا على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (قال عليم : لا أعلمه إلا عابس أو عبس الغفاري رضي الله عنه )، والناس يخرجون في الطاعون، فقال: يا طاعون ! خذني؛ ثلاثًا. فقلت: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمن أحدكم الموت؛ فإنه عند انقطاع عمله، ولا يرد فيستعتب ؟ ! فقال: سمعته يقول: بادروا بالأعمال ستًا: إمارة السفهاء، وكثرة الشرط، وبيع الحكم، واستخفافًا بالدم، وقطيعة الرحم، ونشئًا يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليغنيهم وإن كان أقلهم فقهًا » .
وفد رواه ابن أبي شيبة بنحوه.(2/118)
وفي رواية للطبراني عن عابس الغفاري رضي الله عنه؛ قال: « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف على أمته ست خصال: "إمرة الصبيان، وكثرة الشرط، والرشوة في الحكم، وقطيعة الرحم، واستخفافًا بالدم، ونشوًا يتخذون القرآن مزامير يقدمون الرجل ليس بأفقههم ولا بأفضلهم يغنيهم غناءًا » .
قال الهيثمي : "في إسناد أحمد عثمان بن عمير البجلي، وهو ضعيف وأحد إسنادي "الكبير" رجاله رجال الصحيح ".
وعن شداد أبي عمار الشامي؛ قال: قال عوف بن مالك رضي الله عنه: « يا طاعون خذني إليك. قال: فقالوا: أليس قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما عمر المسلم كان خيرًا له ؟ ! قال: بلى، ولكني أخاف ستًا: إمارة السفهاء، وبيع الحكم، وكثرة الشرط، وقطيعة الرحم، ونشوًا ينشؤون يتخذون القرآن مزامير، وسفك الدم » .
رواه: الإمام أحمد، وابن أبي شيبة .
ورواه الطبراني عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « إني أخاف عليكم ستًا: إمارة السفهاء، وسفك الدماء » .
قال الهيثمي : "فيه النهاس بن قهم، وهو ضعيف".
قلت: وله شاهد مما تقدم وما يأتي.
وعن الحسن؛ قال: قال الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه: « يا طاعون خذني إليك. فقال له رجال من القوم: لم تقول هذا وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ؟ ! قال: قد سمعت ما سمعتم، ولكن أبادر ستًا: بيع الحكم، وكثرة الشرط، وإمارة الصبيان، وسفك الدماء، وقطيعة الرحم، ونشوًا يكونون في آخر الزمان يتخذون القرآن مزامير » .(2/119)
رواه الحاكم في "مستدركه".
وروى عبد الرزاق في "جامعه" عن ابن جريج؛ قال: حدثني غير واحد عن أبي هريرة رضي الله عنه: « أنه سمع رجلًا ذكروا أنه الحكم الغفاري : أنه قال: يا طاعون خذني إليك. قال أبو هريرة رضي الله عنه: يا فلان ! أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدعو أحدكم بالموت؛ فإنه لا يدري على أي شيء هو منه" ؟ ! قال: بلى؛ ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ستًا أخشى أن يدركني بعضهن. قال أبو هريرة : وما هي ؟ قال: "بيع الحكم، وإضاعة الدم، وإمارة السفهاء، وكثرة الشرط، وقطيعة الرحم، وناس يتخذون القرآن مزامير يتغنون به » .
وعن عطاء قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: « إذا رأيتم ستًا؛ فإن كانت نفس أحدكم في يده؛ فليرسلها؛ فلذلك أتمنى الموت؛ أخاف أن تدركني: "إذا أمرت السفهاء، وبيع الحكم، وتهون بالدم، وقطعت الأرحام، وكثرت الجلاوزة، ونشأ نشء يتخذون القرآن مزامير » .
رواه أبو نعيم في "الحلية".
(الجلاوزة): هم الشرط وأعوان السلطان.
وهذا الحديث والذي قبله لهما حكم المرفوع؛ لأنه لا دخل للرأي في مثل هذا، وإنما يقال عن توقيف، وقد تقدم ذلك مرفوعًا من حديث عابس الغفاري رضي الله عنه.
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة » .... (فذكر الحديث، وفيه: ) « وبيع الحكم، وكثرت الشرط، واتخذ القرآن مزامير، وجلود السباع صفافًا، ولعن آخر هذه الأمة أولها؛ فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء وخسفًا ومسخًا وقدفًا وآيات » .(2/120)
رواه أبو نعيم في "الحلية"، وقد تقدم بطولة في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن مكحول عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: من اقتراب الساعة.... (فذكر الحديث، وفيه: ) « واتخذوا القرآن مزامير » .
رواه: أبو الشيخ، والديلمي، وغيرهما.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في حديثه الطويل؛ قال: « ويتغنى بكتاب الله عز وجل، ويتخذ القرآن مزامير » .
رواه: ابن مردويه، والقاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا في كتابه "الجليس والأنيس"، وقد تقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وقد وقع مصداق هذه الأحاديث، ومن آخرها ظهورًا النشء الذين يتخذون القرآن مزامير؛ فهؤلاء لم يوجدوا إلا في زماننا هذا، وهم القراء الذين يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح ! وكثيرًا ما نسمع صوت القارئ في بعض الإذاعات فلا ندري قبل أن نفهم ما يلفظ به؛ هل هو يقرأ أو يغني ؟ ! لما بين الغناء وبين قراءتهم من المشابهة التامة، ونذكر بذلك قوله في حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعًا: « وسيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم » ، وظهور النشء الذين يتخذون القرآن مزامير في زماننا فيه تصديق لما في حديث الحكم بن عمرو رضي الله عنه أنهم يكونون في آخر الزمان. والله أعلم.
وعن كعب الأحبار : أنه قال: « ليقرأن القرآن رجال، وإنهم أحسن أصواتًا من العزافات وحداة الإبل، لا ينظر الله إليهم يوم القيامة » .
رواه أبو نعيم في "الحلية".(2/121)
باب
ما جاء في الذين يتكلفون في قراءة التجويد
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: « خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن، وفينا العجمي والأعرابي. قال: فاستمع، فقال: اقرؤوا؛ فكل حسن، وسيأتي قوم يقيمونه كما يقام القدح؛ يتعجلونه ولا يتأجلونه » .
رواه: الإمام أحمد ورواته ثقات، وأبو داود وإسناده صحيح على شرط مسلم .
وفي رواية لأحمد؛ قال: « دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد؛ فإذا فيه قوم يقرؤون القرآن؛ قال: اقرؤوا القرآن وابتغوا به الله عز وجل من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح؛ يتعجلونه ولا يتأجلونه » .
إسناده صحيح على شرط مسلم .
وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه؛ قال: « خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا ونحن نقتري، فقال: الحمد لله، كتاب الله واحد، وفيكم الأحمر، وفيكم الأبيض، وفيكم الأسود، اقرؤوه قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقوم السهم؛ يتعجل أجره ولا يتأجله » .
رواه أبو داود وإسناده حسن.
ورواه الإمام أحمد، ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « فيكم كتاب الله؛ يتعلمه الأسود والأحمر والأبيض، تعلموه قبل أن يأتي زمان يتعلمه ناس ولا يجاوز تراقيهم، ويقومونه كما يقوم السهم، فيتعجلون أجره ولا يتأجلونه » .
وقد رواه ابن حبان في "صحيحه" بنحو رواية أبي داود .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: « بينما نحن نقرأ فينا العربي »(2/122)
« والعجمي والأسود والأبيض؛ إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أنتم في خير، تقرؤون كتاب الله، وفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيأتي على الناس زمان يثقفونه كما يثقفون القدح؛ يتعجلون أجورهم ولا يتأجلونها » .
رواه الإمام أحمد .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه؛ قال: « أقرأ الناس لهذا القرآن المنافق؛ لا يذر منه ألفًا ولا واوًا، يلفه بلسانه كما تلف البقرة الكلأ بلسانها » .
رواه عبد الرزاق، ورجاله كلهم ثقات.
وقد رواه ابن أبي شيبة بنحوه؛ إلا أنه قال: "عن حذيفة "، وزاد في آخره: « لا يجاوز ترقوته » ، وإسناده كلهم ثقات.
وفي هذه الأحاديث فوائد: إحداها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب القراءة السهلة.
الثانية : أنه كان يأمر أصحابه أن يقرأ كل منهم بما تيسر عليه وسهل على لسانه.
الثالثة : ثناؤه عليهم بعدم التكلف في القراءة.
الرابعة : أنه لم يكن يعلمهم التجويد ومخارج الحروف، وكذلك أصحابه رضي الله عنهم لم ينقل عن أحد منهم أنه كان يعلم في التجويد ومخارج الحروف، ولو كان خيرًا؛ لسبقوا إليه ! ومن المعلوم ما فتح عليهم من أمصار العجم من فرس وروم وبربر وغيرهم، وكانوا يعلمونهم القرآن بما يسهل على ألسنتهم، ولم ينقل عنهم أنهم كانوا يعلمونهم مخارج الحروف، ولو كان التجويد لازمًا؛ ما أهملوا تعلمه وتعليمه.
الخامسة : ذم المتكلفين في القراءة، المتعمقين في إخراج الحروف.(2/123)
السادسة : الرد على من زعم أن قراءة القرآن لا تجوز بغير التجويد، أو أن ترك التجويد يخل بالصلاة، وقد أخبرني بعض من أم في المسجد النبوي أن جماعة من المتكلفين أنكروا عليه إذ لم يقرأ في الصلاة بالتجويد، وما علم أولئك المتكلفون الجاهلون أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الأعرابي والعجمي والأحمر والأبيض والأسود على قراءتهم، وقال لهم: كل حسن ، وأنه صلى الله عليه وسلم ذم المتكلفين الذين يقيمونه كما يقام القدح والسهم ويثقفونه ويتنطعون في قراءته كما هو الغالب على كثير من أهل التجويد في هذه الأزمان.
السابعة : الأمر بقراءة القرآن ابتغاء وجه الله عز وجل.
الثامنة : ذم من يأخذ على القراءة أجرًا كما عليه كثير من القراء الذين يتأكلون بالقراءة في المآتم والمحافل وغيرها، وكذلك من يجعل القراءة وسيلة لسؤال الناس، وقد رأيتهم يفعلون ذلك في المسجد الحرام؛ يجلس أحدهم، فيقرأ قراءة متكلفة يتنطع فيها، ويعالج في أدائها أعظم شدة ومشقة، وتنتفخ أوداجه، ويحمر وجهه، ويكاد يغشى عليه مما يصيبه من الكرب في تكلفه وتنطعه، ويفرش عنده منديلًا أو نحوه؛ ليلقي فيه المستمعون لقراءته ما يسمحون به من أوساخهم، وهذا مصداق ما في حديث عمران بن حصين وحديث أبي سعيد رضي الله عنهما، وسيأتي ذكرهما في الباب الذي بعد هذا الباب إن شاء الله تعالى.
باب
ما جاء في الذين يقرؤون القرآن يسألون به الناس
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: أنه مر على قارئ يقرأ ثم سأل، فاسترجع ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من قرأ القرآن؛ فليسأل الله به؛ فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس » .(2/124)
رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وقال: "هذا حديث حسن".
وعن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من اقتراب الساعة إذا كثر خطباء المنابر » ... (الحديث وفيه: ) « واتخذتم القرآن تجارة » .
رواه الديلمي، وقد تقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن مكحول عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
رواه: أبو الشيخ، والديلمي، وقد تقدم بطوله في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن بشير بن أبي عمرو الخولاني : أن الوليد بن قيس التجيبي حدثه: أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يكون خلف من بعد الستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيًا، ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر . قال بشير : فقلت للوليد : ما هؤلاء الثلاثة ؟ قال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به » .
رواه: الإمام أحمد، وابن أبي حاتم، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، والبيهقي في "شعب الإيمان". قال ابن كثير : (وإسناده جيد قوي". وقال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
باب
ما جاء في الذين يختلون الدنيا بالدين
قد تقدم حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وفيه: « والتمست الدنيا بعمل »(2/125)
« الآخرة » .
رواه: عبد الرزاق، والدارمي، وابن وضاح، والحاكم .
وتقدم أيضًا حديث حذيفة الطويل، وفيه: « وطلبت الدنيا بعمل الآخرة » .
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يخرج في آخر الزمان رجال: يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلة من السكر، وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله: أبي تغترون ؟ أم علي تجترئون ؟ فبي حلفت؛ لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيرانًا » .
رواه الترمذي .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « إن الله تبارك وتعالى قال: لقد خلقت خلقًا؛ ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر؛ فبي حلفت؛ لأتيحنهم فتنة تدع الحليم منهم حيرانًا؛ فبي يغترون ؟ أم علي يجترئون ؟ » .
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث حسن غريب".
قوله: « يختلون الدنيا بالدين » ؛ يعني: أنهم يطلبون الدنيا بعمل الآخرة، والختل: الخداع، يقال: ختله يختله: إذا خدعه وراوغه. وهذا مطابق لحال الذين اتخذوا الأمور الدينية طرقًا للتكسب وجمع الأموال، وهو بالقراء الفسقة أخص؛ لما تقدم في حديثي معاذ وحذيفة رضي الله عنهما من التصريح بذلك. وقوله: « يلبسون للناس جلود الضأن من اللين » : كناية عن تملقهم للناس، وتحسين الخلق في وجوههم، وإظهار البشاشة لهم واللين معهم، وكل(2/126)
ذلك منافقة باللسان، وتكلف وتصنع في الظاهر، وأما في الباطن؛ فهم بخلاف ذلك، ولهذا وصف ألسنتهم بغاية الحلاوة، فقال في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: « ألسنتهم أحلى من السكر » ، وقال في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: « ألسنتهم أحلى من العسل » ، وشبه قلوبهم بقلوب الذئاب؛ لما انطوت عليه من مزيد الخبث والغدر والفجور، ووصفها بغاية المرارة، فقال في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: « وقلوبهم أمر من الصبر » ، وقد وصفها أيضًا بغاية النتن مع شدة المرارة، فقال في حديث حذيفة رضي الله عنه الطويل الذي تقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة: « قلوبهم أنتن من الجيفة وأمر من الصبر » ، وقال في حديث مكحول عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: « وقلوبهم أنتن من الجيف » ، وفي وصفهم بهذه الصفات الذميمة إرشاد إلى التباعد منهم، وعدم الاغترار بتملقهم وتصنعهم للناس.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من أشراط الساعة: سوء الجوار، وقطيعة الأرحام، وأن يعطل السيف من الجهاد، وأن تختل الدنيا بالدين » .
رواه: ابن مردويه، والديلمي، وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان".
باب
ما جاء في الذين يأكلون بألسنتهم
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر بألسنتها » .
رواه الإمام أحمد .(2/127)
باب
ما جاء في قلة المال الحلال
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سيأتي عليكم زمان لا يكون فيه شيء أعز من ثلاثة: درهم من حلال، أو أخ يستأنس به، أو سنة يعمل بها » . رواه: الطبراني في "الأوسط"، وأبو نعيم في "الحلية" ، قال الهيثمي : "فيه روح بن صلاح؛ ضعفه ابن عدي ووثقه ابن حبان والحاكم، وبقية رجاله ثقات".
ورواه: الحسن بن عرفة في "جزئه"، والديلمي، ولفظهما: « لا تقوم الساعة حتى يعز الله عز وجل ثلاثة: درهمًا من حلال، وعلمًا مستفادًا، وأخًا في الله عز وجل » .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أقل ما يوجد في آخر الزمان: درهم من حلال، أو أخ يوثق به » .
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وعن الأوزاعي : أنه قال: كان يقال: « يأتي على الناس زمان؛ أقل شيء في ذلك الزمان: أخ مؤنس، أو درهم من حلال، أو عمل في سنة » .
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد".
باب
ما جاء في عدم المبالاة بأكل الحرام
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ليأتين على الناس »(2/128)
« زمان؛ لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام ؟ » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري، والدارمي .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « والذي بعثني بالحق؛ لتكونن بعدي فترة في أمتي، يبتغى فيها المال من غير حله، وتسفك فيها الدماء، ويستبدل فيها الشعر من القرآن » .
رواه الديلمي .
باب
ما جاء في أكل الربا
عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ليأتين على الناس زمان؛ لا يبقى منهم أحد إلا أكل الربا، فمن لم يأكله؛ أصابه من غباره » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، وقال: "صحيح إن صح سماع الحسن من أبي هريرة ". قال الذهبي في "تلخيصه" "سماع الحسن من أبي هريرة بهذا صحيح".
وهذا الحديث مطابق لحال أهل البنوك ومن يعاملهم بالمعاملات الربوية .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « بين يدي الساعة يظهر الربا والزنى والخمر » .
رواه الطبراني . قال المنذري : "ورواته رواة الصحيح".(2/129)
باب
ما جاء في الزمان العضوض
عن علي رضي الله عنه: أنه قال: « يأتي على الناس زمان عضوض؛ بعض الموسر على ما في يديه". قال: "ولم يؤمر بذلك؛ قال الله عز وجل: { وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } ، وينهد الأشرار، ويستذل الأخيار، ويبايع المضطرون". قال: "وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطرين، وعن بيع الغرر، وعن بيع الثمرة قبل أن تدرك » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود .
باب
ما جاء في فشو التجارة
قد تقدم في (باب ظهور القلم) حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « بين يدي الساعة تسليم الخاصة وفشو التجارة » .... الحديث.
رواه: الإمام أحمد، والبخاري في "الأدب المفرد"، والحاكم في "مستدركه"، وصححه، ووافقه الذهبي على "تصحيحه".
وتقدم فيه أيضًا حديث عمرو بن تغلب رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن من أشراط الساعة: أن يكثر التجار، ويظهر القلم » .
رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده".
ورواه النسائي ولفظه: « إن من أشراط الساعة أن يفشو المال ويكثر وتفشو التجارة » .... الحديث.(2/130)
ورواه الحاكم بنحوه، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « إذا اقترب الزمان؛ كثر لبس الطيالسة، وكثرت التجارة، وكثر المال، وعظم رب المال » .... الحديث.
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه سيف بن مسكين، وهو ضعيف".
قلت: وهو مع ضعف إسناده مطابق للواقع؛ من كثرة التجارة، وكثرة المال، وتعظيم رب المال.
باب
ما جاء في اتجار النساء مع الرجال
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « بين يدي الساعة: تسليم الخاصة، وفشو التجارة، حتى تعين المرأة زوجها على التجارة » .... الحديث.
رواه: الإمام أحمد، والبخاري في "الأدب المفرد"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة » .... (فذكر الحديث، وفيه: ) « وشاركت المرأة زوجها في التجارة » .
رواه أبو نعيم في "الحلية"، وقد تقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن مكحول عن علي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من »(2/131)
« أشراط الساعة » .... (فذكر الحديث، وفيه: ) « وشاركت المرأة زوجها في التجارة » .
رواه: أبو الشيخ، والديلمي، وقد تقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في حديثه الطويل؛ قال: « وتشارك المرأة زوجها في التجارة » .
رواه: ابن مردويه، والقاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا في كتابه "الجليس والأنيس"، وقد تقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن العداء بن خالد رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تقوم الساعة حتى لا يسلم الرجل إلا على من يعرف، وحتى تتخذ المساجد طرقًا، وحتى تتجر المرأة وزوجها » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه من لم أعرفهم".
وسيأتي ذكر الأحاديث في فيضان المال والاستغناء عن الصدقة فيما بعد إن شاء الله تعالى.
باب
ما جاء في السلام على المعرفة
قد تقدم في الباب قبله حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « بين يدي الساعة تسليم الخاصة » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري في "الأدب المفرد"، والحاكم في "مستدركه"، وصححه، ووافقه الذهبي على تصحيحه.(2/132)
وفي رواية لأحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن من أشراط الساعة: أن يسلم الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة » .
ورواه: الطبراني، والحاكم؛ بنحوه.
وفي رواية أخرى لأحمد : « إن من أشراط الساعة إذا كانت التحية على المعرفة » .
وتقدم أيضًا حديث العداء بن خالد رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تقوم الساعة حتى لا يسلم الرجل إلا على من يعرف » .
رواه الطبراني . وقد ظهر مصداق هذين الحديثين في زماننا، ورأينا ذلك في بلدان شتى.
باب
ما جاء في الذين يبدلون السلام بالتلاعن
عن معاذ بن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تزال الأمة على الشريعة ما لم تظهر فيهم ثلاث: ما لم يقبض منهم العلم، ويكثر فيهم ولد الحنث، ويظهر فيهم الصقارون ". قالوا: وما الصقارون يا رسول الله ؟ قال: "نشء يكونون في آخر الزمان، تكون تحيتهم بينهم إذا تلاقوا التلاعن » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والحاكم . قال الهيثمي : "وفيه ابن لهيعة وزبان، وكلاهما ضعيف، وقد وثقا".
قال ابن الأثير : " (السقار) و (الصقار): اللعان لمن لا يستحق اللعن، سمي بذلك لأنه يضرب الناس بلسانه، من الصقر، وهو ضربك الصخرة(2/133)
بالصاقور، وهو المعول". وكذا قال ابن منظور في "لسان العرب".
وهذا النشء المرذول كثير جدًا في زماننا، إذا تلاقوا؛ كانت تحيتهم بينهم التلاعن، والرمي بالكفر أو الفجور أو اليهودية أو النصرانية.... أو نحو ذلك من الألفاظ القبيحة، وقد سمعنا ذلك منهم كثيرًا.
باب
ما جاء في تشبب المشيخة
قد تقدم في الباب الثاني من أشراط لساعة حديث ابن عباس رضي الله عنهما الطويل، وفيه: « ويتشبب المشيخة؛ إن الحمرة خضاب الإسلام، والصفرة خضاب الإيمان، والسواد خضاب الشيطان » .
رواه القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا في كتاب "الجليس والأنيس". وعنه رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يكون في آخر الزمان قوم يسودون أشعارهم، لا ينظر الله إليهم » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وإسناده جيد".
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي بأسانيد جيدة، والحافظ الضياء المقدسي في "المختارة"، وصححه غير واحد من الحفاظ.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "إسناده قوي؛ إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه، وعلى تقدير ترجيح وقفه؛ فمثله لا يقال بالرأي؛ فحكمه الرفع". انتهى.(2/134)
وعن مجاهد : أنه قال: « يكون في آخر الزمن قوم يصبغون بالسواد، لا ينظر الله إليهم، أو قال: لا خلاق لهم » .... ".
رواه عبد الرزاق في "مصنفه"، وله حكم الرفع.
باب
ما جاء في تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال
عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة » .... (فذكر الخصال، ومنها: ) « وتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال » .... الحديث.
رواه أبو نعيم في "الحلية"، وتقدم بتمامه في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن مكحول عن علي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من اقتراب الساعة » .... (الحديث، وفيه: ) « وتشبهت النساء بالرجال، والرجال بالنساء » .
رواه: أبو الشيخ في "الفتن"، والديلمي، وقد تقدم بتمامه في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وقد ظهر مصداق هذين الحديثين في زماننا.
باب
ما جاء في تقديم النساء في المخاطبة
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن من أشراط الساعة » .... (فذكر الحديث، وفيه: ) « وتكون المخاطبة للنساء » .(2/135)
رواه ابن مردويه، وقد تقدم بتمامه في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وقد ظهر مصداقه في زماننا، ولا سيما عند أهل الإذاعات؛ فإن غالبهم يقدمون النساء على الرجال في المخاطبة، وهذا خلاف المشروع من تقديم الرجال على النساء.
قال الله تعالى: { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } .
باب
ما جاء في طغيان النساء وفسق الفتيان
عن علي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "كيف بكم إذا فسق فتيانكم وطغى نساؤكم ؟ !". قالوا: يا رسول الله ! وإن ذلك لكائن ؟. قال: "نعم، وأشد » .
رواه رزين .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "كيف بكم أيها الناس إذا طغى نساؤكم وفسق فتيانكم ؟ !". قالوا: يا رسول الله ! إن هذا لكائن ؟ قال: "نعم، وأشد منه » .
رواه: أبو يعلى، والطبراني في "الأوسط".
وعن ضمام بن إسماعيل المعافري عن غير واحد من أهل العلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « "كيف بكم إذا فسق شبانكم وطغت نساؤكم وكثر جهالكم ؟ !". قالوا: وإن ذلك كائن يا رسول الله ؟ قال: "وأشد من ذلك » .
رواه ابن وضاح .
وعن ابن عباس الحميري عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال:(2/136)
« كيف بكم إذا فسق نساؤكم ؟ ! » .
رواه البخاري في "التاريخ الكبير".
وعن رجل من الصحابة؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ليت شعري ! كيف أمتي بعدي حين تتبختر رجالهم وتمرح نساؤهم ؟ ! وليت شعري حين يصيرون صنفين: صنفًا ناصبي نحورهم في سبيل الله، وصنفًا عمالًا لغير الله » .
رواه ابن عساكر في "تاريخه".
وقد ظهر مصداق هذه الأحاديث في زماننا، والله المستعان.
باب
الإخبار عن الكاسيات العاريات
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهم كأسنمة البخت العجاف، العنوهن؛ فإنهن ملعونات، لو كان وراءكم أمة من الأمم؛ لخدمن نساؤكم نساءهم كما يخدمنكم نساء الأمم قبلكم » .(2/137)
رواه: الإمام أحمد، وابن حبان في "صحيحه".
ورواه الطبراني، وعنده في أوله: « سيكون في أمتي رجال يركبون نساءهم على سروج كأشباه الرحال » .
ورواه الحاكم في "مستدركه"، ولفظه: « سيكون في آخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر، حتى يأتوا أبواب مساجدهم، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن؛ فإنهن ملعونات، لو كان وراءكم أمة من الأمم؛ لخدمنهم كما خدمكم نساء الأمم قبلكم » . فقلت لأبي: وما المياثر ؟ قال: "سروجًا عظامًا".
قال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".
قلت: والقائل لأبيه: ما المياثر ؟ هو عبد الله بن عياش القتباني، أحد رواته.
وعن أبي علقمة حليف بني هاشم؛ قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: « إن من أشراط الساعة: أن يظهر الشح والفحش، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، وتظهر الثياب تلبسها نساء كاسيات عاريات، ويعلو التحوت الوعول . أكذاك يا عبد الله بن مسعود سمعته من حبي ؟ ! قال: نعم؛ ورب الكعبة » ... الحديث.
رواه: الطبراني، والبخاري في "الكنى"، ورجاله ثقات.
وقد تقدم بأطول من هذا في آخر الباب الثاني من أشراط الساعة.
وقد ظهر مصداق هذه الأحاديث في زماننا كما لا يخفى على من له أدنى علم ومعرفة.
وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما إشارة إلى السيارات؛(2/138)
فإنها تشبه الرحال الصغار، والرحال: جمع رحل، وهي هاهنا الدور والمنازل، وفي السيارات مياثر وطيئة لينة، وقد صارت في هذه الأزمان مراكب لعموم الناس من رجال ونساء، وكثير من الناس يركبونها إلى المساجد، وخصوصًا في الجمعة والعيدين.
باب
ما جاء في غلاء الخيل والنساء ثم رخصهما
عن خارجة بن الصلت البرجمي؛ قال: « دخلت مع عبد الله (يعني: ابن مسعود ) المسجد؛ فإذا القوم ركوع، فركع، فمر رجل، فسلم عليه، فقال عبد الله : صدق الله ورسوله. ثم وصل إلى الصف. فلما فرغ؛ سألته عن قوله: صدق الله ورسوله ؟ فقال: إنه كان يقول: لا تقوم الساعة حتى تتخذ المساجد طرقًا، وحتى يسلم الرجل على الرجل بالمعرفة، وحتى تتجر المرأة وزوجها، وحتى تغلو الخيل والنساء ثم ترخص فلا تغلو إلى يوم القيامة » .
رواه: الطبراني، والحاكم، وهذا لفظه، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه أبو داود الطيالسي والحاكم أيضًا بنحوه موقوفًا، وصححه الحاكم والذهبي، وفي رواية أبي داود الطيالسي : « وأن تغلو مهر النساء والخيل، ثم ترخص فلا تغلو إلى يوم القيامة » .
وقد ظهر مصداق هذا الحديث في غلاء الخيل ثم رخصها، وفي غلاء مهور النساء كما هو واقع الآن.
وعن العداء بن خالد رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تقوم الساعة حتى لا يسلم الرجل إلا على من يعرف، وحتى تتخذ المساجد »(2/139)
« طرقًا، وحتى تتجر المرأة وزوجها، وحتى ترخص النساء والخيل فلا تغلو إلى يوم القيامة » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه من لم أعرفهم".
قلت: والحديث قبله يشهد له ويقويه.
باب
ما جاء في تزوج النبطيات على المعيشة
عن أبي أمامة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى ترجعوا حراثين، وحتى يعمد الرجل إلى النبطية فيتزوجها على معيشته ويترك بنت عمه لا ينظر إليها » .
رواه الطبراني .
باب
ما جاء في تقديم الزوجات والأصدقاء على الوالدين والأرحام
تقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة عدة أحاديث في ذلك.
منها حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر بعض أشراط الساعة، وفيه: « وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه، وأقصى أباه » .
الحديث رواه الطبراني .
ومنها حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة؛ حل بها البلاء » .... (فذكر(2/140)
الخصال، ومنها: ) « وأطاع الرجل زوجته، وعق أمه، وبر صديقه، وجفا أباه » .... (الحديث، وفي آخره:) « فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء أو خسفًا أو مسخًا » .
رواه: الترمذي، وابن أبي الدنيا .
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث علي رضي الله عنه، وفيه: « وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه » .... الحديث، وفي آخره: « فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء وخسفًا ومسخًا وقذفًا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع » .
رواه الترمذي . ومنها حديث حذيفة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة » .... (فذكر الخصال، ومنها: ) « وتقطعت الأرحام، وكان المطر قيظًا، والولد غيظًا، وعق الرجل أباه، وجفا أمه، وبر صديقه، وأطاع امرأته » .... الحديث، وفي آخره: « فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء وخسفًا ومسخًا وقذفًا وآيات » .
رواه أبو نعيم في "الحلية".
ومنها حديث مكحول عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « من اقتراب الساعة.. » (فذكر الحديث، وفيه: ) « وصار المطر قيظًا، والولد غيظًا، وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه، وأقصى أباه » .... الحديث.
رواه: أبو الشيخ في "الفتن"، والديلمي .
ومنها حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: « ألا وإن من أعلام الساعة وأشراطها أن يكون الولد غيظًا، وإن من أعلام الساعة وأشراطها أن تواصل الأطباق، وأن تقطع الأرحام » .(2/141)
رواه الطبراني وغيره. ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من أشراط الساعة: سوء الجوار، وقطيعة الأرحام » .... الحديث.
رواه: ابن مردويه، والديلمي . ومنها حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه: أنه قال: « إن من اقتراب الساعة: أن يظهر البناء على وجه الأرض، وأن تقطع الأرحام، وأن يؤذي الجار جاره » .
رواه ابن أبي شيبة . ومنها حديث أبي موسى رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يجعل كتاب الله عارًا، ويكون الإسلام غريبًا » ... (الحديث، وفيه: ) « وحتى تحزن ذوات الأولاد، وتفرح العواقر، ويكون الولد غيظًا » .
رواه ابن أبي الدنيا .
ومنها حديث عائشة رضي الله عنها؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تقوم الساعة حتى يكون الولد غيظًا » ... الحديث.
رواه الطبراني .
ومنها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش، والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة » .... الحديث.
رواه: الإمام أحمد، والبزار، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي .
ومنها حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث عبد الله بن(2/142)
عمرو . رواه البزار .
ومنها حديث المنتصر بن عمارة بن أبي ذر عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « إذا اقترب الزمان؛ كثر لبس الطيالسة » .... (الحديث، وفيه: ) « ويربي الرجل جرو كلب خير له من أن يربي ولدًا له » .
رواه: الحاكم، والطبراني؛ بإسناد ضعيف.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعًا: « يأتي على الناس زمان؛ لأن يربي فيه الرجل جروًا خير من أن يربي ولدًا » .
رواه الحاكم في "تاريخه".
باب
ما جاء في بقر بطون النساء عما في أرحامهن
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: « لتؤخذن المرأة، فليبقرن بطنها، ثم ليؤخذن ما في الرحم، فلينبذن؛ مخافة الولد » .
رواه ابن أبي شيبة .
وهذا الأثر له حكم المرفوع؛ لأن فيه إخبارًا عن أمر غيبي، ومثله لا يقال من قبل الرأي، وإنما يقال من توقيف.
وقد ظهر مصداقة في زماننا، ولا سيما في العاهرات من النساء اللاتي ليس لهن أزواج؛ فقد ذكر لنا أن منهن من يأتين إلى الأطباء ليبقروا بطونهن وينبذوا ما في أرحامهن من الحمل؛ مخافة العار عليهن وعلى أهليهن، ويكنون(2/143)
عن هذا العملية باسم عملية الزائدة التي توجد في كثير من الرجال والنساء، وتبقر عنها البطون إذا هاجت واشتد ألمها.
باب
ما جاء في التزاور للفاحشة
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: « أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة ؟ فقال: ذاك عند حيف الأئمة، وتصديق بالنجوم، وتكذيب بالقدر، وحتى تتخذ الأمانة مغنمًا، والصدقة مغرمًا، والفاحشة زيارة؛ فعند ذلك هلاك قومك » .
رواه البزار . قال الهيثمي : "وفيه من لم أعرفهم".
وقد رواه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" بنحوه، وزاد: فسألته عن الفاحشة زيارة ؟ فقال: « الرجلان من أهل الفسق، يصنع أحدهما طعامًا وشرابًا، ويأتيه بالمرأة، فيقول: اصنع لي كما صنعت، فيتزاورون على ذلك. قال: فعند ذلك هلكت أمتي » .
وعن أبي تميمة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تزال أمتي على الفطرة؛ ما لم يتخذوا الأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا، والخلافة ملكًا، والزيارة فاحشة، ويؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم ". قيل: وما الزيارة فاحشة ؟ قال: "الرجل يصنع طعامًا لأخيه يدعوه، فيكون في صنيعه النساء الخبائث » .
رواه العقيلي في كتابه في الصحابة، ونقله ابن عبد البر في كتاب "الاستيعاب" عنه، ثم قال: "وهذا حديث لا يصح إسناده، ولا يعرف في الصحابة أبو تميمة ".(2/144)
باب
ما جاء في ظهور الزنا وكثرته
عن أنس؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن من أشراط الساعة: أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنى » . رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والشيخان، والترمذي . وفي رواية لمسلم وابن ماجه نحوه، وفيه: « ويفشو الزنا » . وفي رواية للبخاري نحوه، وفيه: « ويكثر الزنا » .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « بين يدي الساعة يظهر الربا والزنى والخمر » .
رواه الطبراني . قال المنذري : "رواته رواة الصحيح".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سيأتي على الناس سنوات خداعات » ... (الحديث، وفيه: ) « وتشيع فيها الفاحشة » .
رواه الحاكم بهذه الزيادة، وصححه هو والذهبي، وقد رواه الإمام أحمد وابن ماجه بدونها، وتقدم ذكره بتمامه في الباب الثاني من أشراط الساعة.
باب
ما جاء في إعلان الفاحشة وقلة الحياء من الزنا واللواط
عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "يكون في آخر الزمان ديدان القراء، فمن أدرك ذلك الزمان؛ فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهم الأنتنون، ثم تظهر قلانس البرد؛ فلا يستحيى يومئذ من الزنى، والمتمسك يومئذ بدينه؛ كالقابض على الجمر، والمتمسك يومئذ بدينه أجره »(2/145)
« كأجر خمسين". قالوا: منا أو منهم ؟ قال: "بل منكم » .
رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول".
وقد ذكر بعض المصنفين من أهل المغرب الأقصى أن قلانس البرد موجودة عندهم في المغرب.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لكل شيء إقبال وإدبار، وإن من إقبال هذا الدين ما بعثني الله به، حتى إن القبيلة لتتفقه كلها من عند آخرها، حتى لا يبقى فيها إلا الفاسق والفاسقان؛ فهما مقهوران مقموعان ذليلان، إن تكلما أو نطقا؛ قمعا، وقهرا واضطهدا..... (ثم ذكر من إدبار هذا الدين: ) أن تجفو القبيلة كلها من عند آخرها، حتى لا يبقى فيها إلا الفقيه أو الفقيهان؛ فهما مقهوران مقموعان ذليلان، إن تكلما أو نطقا؛ قمعا وقهرا واضطهدا، وقيل لهما: أتطعنان علينا، حتى يشرب الخمر في ناديهم ومجالسهم وأسواقهم، وتنحل الخمر غير اسمها، حتى يلعن آخر هذه الأمة أولها، ألا حلت عليهم اللعنة، ويقولون: لا نأمن هذا الشراب، يشرب الرجل منهم ما بدا له ثم يكف عنه، حتى تمر المرأة بالقوم، فيقوم إليها بعضهم، فيرفع ذيلها، فينكحها وهم ينظرون كما يرفع ذنب النعجة، وكما أرفع ثوبي هذا (ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبًا عليه من هذه السحولية)، فيقول القائل منهم: لو نحيتها عن الطريق ! فذاك فيهم كأبي بكر وعمر، فمن أدرك ذلك الزمان، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر؛ فله أجر خمسين ممن صحبني وآمن بي وصدقني أبدًا » .
رواه الحارث بن أبي أسامة وهذا لفظه، والطبراني بنحوه باختصار، وفيه علي بن يزيد الألهاني، وفيه ضعف.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « والذي نفسي بيده؛ لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة، فيفترشها في الطريق، فيكون »(2/146)
« خيارهم يومئذ من يقول: لو واريتها وراء هذا الحائط » .
رواه أبو يعلى . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح ".
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « لا تقوم الساعة حتى لا يبقى على وجه الأرض أحد لله فيه حاجة، وحتى توجد المرأة نهارًا جهارًا تنكح وسط الطريق، لا ينكر ذلك أحد، ولا يغيره، فيكون أمثلهم يومئذ الذي يقول: لو نحيتها عن الطريق قليلًا؛ فذاك فيهم مثل أبي بكر وعمر فيكم » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وتعقبه بأن في إسناده سليمان بن أبي سليمان؛ قال: "وهو هالك، والخبر شبه خرافة".
قلت: له شواهد مما تقدم وما يأتي.
وأيضًا فقد ظهر مصداقه في بعض المدن الإفرنجية؛ فقد ذكر لنا أن المرأة هناك تنكح في وسط الطريق برضاها، ولا ينكر ذلك أحد، ولو أنكره منكر؛ لبادروا إلى عقوبته، وهذا مما يدل على أن للحديث أصلًا، وليس بخرافة.
وعن المنتصر بن عمارة بن أبي ذر الغفاري عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « إذا اقترب الزمان؛ كثر لبس الطيالسة، وكثرت التجارة، وكثر المال، وعظم رب المال بماله، وكثرت الفاحشة، وكانت إمارة الصبيان، وكثر النساء، وجار السلطان، وطفف في المكيال والميزان، ويربي الرجل جرو كلب خير له من أن يربي ولدًا له، ولا يوقر كبير، ولا يرحم صغير، ويكثر أولاد الزنى حتى إن الرجل ليغشى المرأة على قارعة الطريق، فيقول أمثلهم في ذلك الزمان: لو اعتزلتما عن الطريق ! ويلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أمثلهم في ذلك الزمان المداهن » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "هذا حديث تفرد به سيف بن(2/147)
مسكيبن عن المبارك بن فضالة، والمبارك بن فضالة ثقة". قال الذهبي : " وسيف واه، ومنتصر وأبوه مجهولان".
وقد رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه سيف بن مسكين، وهو ضعيف ".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « خروج الدابة بعد طلوع الشمس من مغربها، فإذا خرجت؛ لطمت إبليس وهو ساجد، ويتمتع المؤمنون في الأرض بعد ذلك أربعين سنة لا يتمنون شيئًا إلا أعطوه ووجدوه، ولا جور ولا ظلم، وقد أسلم الأشياء لرب العالمين طوعًا وكرهًا، حتى إن السبع لا يؤذي دابة ولا طيرًا، ويلد المؤمن فلا يموت، حتى يتم أربعين سنة بعد خروج دابة الأرض، ثم يعود فيهم الموت، فيمكثون كذلك ما شاء الله، ثم يسرع الموت في المؤمنين؛ فلا يبقى مؤمن، فيقول الكافر: قد كنا مرعوبين من المؤمنين، فلم يبق منهم أحد، وليس تقبل منا توبة، فيتهارجون في الطرق تهارج البهائم، يقوم أحدهم بأمه وأخته وابنته فينكحها وسط الطريق، يقوم عنها واحد وينزو عليها آخر؛ لا ينكر ولا يغير، فأفضلهم يومئذ من يقول: لو تنحيتم عن الطريق كان أحسن ! فيكونون كذلك، حتى لا يبقى أحد من أولاد النكاح، ويكون أهل الأرض أولاد السفاح، فيمكثون كذلك ما شاء الله، ثم يعقر الله أرحام النساء ثلاثين سنة لا تلد امرأة، ولا يكون في الأرض طفل، ويكونون كلهم أولاد الزنى، شرار الناس، وعليهم تقوم الساعة » .
رواه الحاكم في "مستدركه". قال الذهبي : "وهو موضوع".
قلت: ولبعضه شواهد، ولا سيما ما ذكر فيه من التناكح في الطريق .
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل؛ لتركبن طريقهم حذو القذة بالقذة، حتى لا يكون فيهم شيء؛ إلا كان »(2/148)
« فيكم مثله، حتى إن القوم لتمر عليهم المرأة، فيقوم إليها بعضهم، فيجامعها، ثم يرجع إلى أصحابه؛ يضحك إليهم ويضحكون إليه » .
رواه الطبراني .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: « لا تقوم الساعة؛ حتى يبعث الله ريحًا لا تدع أحدًا في قلبه مثقال ذرة من تقى أو نهى؛ إلا قبضته، ويلحق كل قوم بما كان يعبد آباؤهم في الجاهلية، ويبقى عجاج من الناس؛ لا يأمرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر، يتناكحون في الطرق كما تتناكح البهائم، فإذا كان ذلك؛ اشتد غضب الله على أهل الأرض، فأقام الساعة » .
رواه الحاكم في "مستدركه".
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يتسافدوا في الطرق تسافد الحمير » .
رواه: البزار، والطبراني . قال الهيثمي : "ورجال البزار رجال الصحيح ".
وقد رواه ابن حبان في "صحيحه"، وزاد: « قلت: إن ذلك لكائن ؟ قال: "نعم؛ ليكونن » .
(التسافد): التناكح: قال ابن منظور في "لسان العرب": "السفاد: نزو الذكر على الأنثى ". وكذا قال غيره من أهل اللغة.
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "إن من آخر أمر الكعبة: أن الحبش يغزون البيت، فيتوجه المسلمون نحوهم، فيبعث الله عليهم ريحًا أثرها شرقية، فلا يدع الله عبدًا في قلبه مثقال ذرة من تقى؛ إلا قبضته، حتى إذا فرغوا من خيارهم؛ بقي عجاج من الناس؛ لا يأمرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر، وعمد كل حي إلى ما كان يعبد آباؤهم من الأوثان فيعبده، حتى يتسافدوا في(2/149)
الطرق كما تتسافد البهائم، فتقوم عليهم الساعة، فمن أنبأك عن شيء بعد هذا؛ فلا علم له".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد على شرطهما، موقوف"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « "لتقصدنكم نار هي اليوم خامدة، في واد يقال له: برهوت، يغشى الناس فيها عذاب أليم، تأكل الأنفس والأموال، تدور الدنيا كلها في ثمانية أيام، تطير طير الريح والسحاب، حرها بالليل أشد من حرها بالنهار، ولها ما بين السماء والأرض دوي كدوي الرعد القاصف، هي من رؤوس الخلائق أدنى من العرش". قيل: يا رسول الله ! أسليمة هي يومئذ على المؤمنين والمؤمنات ؟ قال: "وأين المؤمنون والمؤمنات يومئذ ؟ ! هم شر من الحمر ! يتسافدون كما تتسافد البهائم ! وليس فيهم رجل يقول: مه ! مه ! » .
رواه: الطبراني، وابن عساكر .
وعن النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه؛ قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع..... (فذكر الحديث بطوله في خروج الدجال، ونزول عيسى ، وخروج يأجوج ومأجوج، ثم قال....) « فبينما هم كذلك؛ إذ بعث الله ريحًا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس، يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأهل السنن، وغيرهم. وقال الترمذي : "حسن صحيح".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنه قال: « لا تقوم الساعة حتى »(2/150)
« يتهارجوا في الطرق تهارج الحمر، فيأتيهم إبليس، فيصرفهم إلى عبادة الأوثان » .
رواه ابن أبي شيبة .
(الهرج): يطلق في اللغة على معان، منها: كثرة النكاح. قال ابن الأثير وابن منظور في "لسان العرب": "أصل الهرج الكثرة في الشيء، والاتساع..... (إلى أن قالا: ) والهرج كثرة النكاح، يقال: بات يهرجها ليلته جمعاء، ومنه حديث أبي الدرداء : « يتهارجون تهارج البهائم » ؛ أي: يتسافدون ". انتهى.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يقبض الله العلماء، ويقبض العلم معهم، فينشأ أحداث، ينزو بعضهم على بعض نزو العير على العير، ويكون الشيخ فيهم مستضعفًا » .
رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد ضعيف، وله شواهد كثيرة مما تقدم.
باب
ما جاء في اكتفاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء
عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن من أعلام الساعة وأشراطها أن يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء » .
رواه: الطبراني، والبيهقي، وابن النجار؛ في حديث طويل تقدم ذكره في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من أشراط الساعة..... (فذكر الحديث، وفيه: ) « ويكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء » .
رواه ابن مردويه، وتقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن مكحول عن علي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من(2/151)
اقتراب الساعة.... (فذكر الحديث بطوله، وفيه: ) « واستغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء » .
رواه: أبو الشيخ في "الفتن"، والديلمي . وتقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « والذي بعثني بالحق؛ لا تنقضي هذه الدنيا حتى يقع بهم الخسف والمسخ والقذف". قالوا: ومتى ذلك يا نبي الله ؟ قال: "إذا رأيت النساء قد ركبن السروج، وكثرت القينات، وفشت شهادة الزور، وشرب المسلمون في آنية أهل الشرك الذهب والفضة، واستغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء » .
رواه: البزار، والطبراني في "الأوسط"، والحاكم، وإسناده ضعيف جدًا.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا بد من خسف ومسخ وقذف". قالوا: يا رسول الله ! في هذه الأمة ؟ قال: "نعم، إذا اتخذوا القيان، واستحلوا الزنى، وأكلوا الربا، واستحلوا الصيد في الحرم، ولبس الحرير، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء » .
رواه ابن النجار .
وعن واثلة وأنس رضي الله عنهما مرفوعًا: « لا تذهب الدنيا حتى يستغني النساء بالنساء والرجال بالرجال، والسحاق زنى النساء فيما بينهن » .
رواه: الخطيب، وابن عساكر؛ بإسناد ضعيف جدًا.
وعن أنس بن مالك أيضًا رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا عملت أمتي خمسًا؛ فعليهم الدمار: إذا ظهر فيهم التلاعن، وشربوا الخمر، ولبسوا الحرير، واتخذوا القينات، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء » .(2/152)
رواه: البيهقي، وأبو نعيم في "الحلية"، والطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه عباد بن كثير الرملي، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه جماعة".
وعنه رضي الله عنه مرفوعًا: « إذا استغنى النساء بالنساء والرجال بالرجال؛ فبشرهم بريح حمراء، تخرج من قبل المشرق، فيمسخ بعضهم، ويخسف ببعض؛ ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون » .
رواه الديلمي .
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: « لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة حتى لا يقول عبد: مه مه، ولتركبن سنن الأمم قبلكم حذو النعل بالنعل، لا تخطئون طريقهم ولا تخطئكم، حتى لو أنه كان فيمن كان قبلكم من الأمم يأكلون العذرة رطبة أو يابسة؛ لأكلتموها، وستفضلونهم بثلاث خصال لم تكن فيمن كان قبلكم من الأمم: نبش القبور، وسمنة النساء؛ تسمن الجارية حتى تموت شحمًا، وحتى يكتفي الرجال بالرجال دون النساء، والنساء بالنساء دون الرجال، ايم الله؛ إنها لكائنة، ولو قد كانت؛ خسف بهم، ورجموا؛ كما فعل بقوم لوط، والله؛ ما هو بالرأي، ولكنه الحق اليقين » .
رواه ابن وضاح .
« وعن أبي رضي الله عنه؛ قال: قيل لنا أشياء تكون في آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة؛ فمنها نكاح الرجل امرأته وأمته في دبرها، وذلك مما حرم الله ورسوله، ويمقت الله عليه ورسوله، ومنها نكاح الرجل بالرجل، وذلك مما حرم الله ورسوله، ويمقت الله عليه ورسوله، ومنها نكاح المرأة المرأة، وذلك مما حرم الله ورسوله، ويمقت الله عليه ورسوله، وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على ذلك، حتى يتوبوا إلى الله توبة نصوحًا. قيل لأبي : وما التوبة النصوح ؟ قال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: هو الندم على الذنب حين يفرط منك، »(2/153)
« فتستغفر الله بندامتك، ثم لا تعود إليه أبدًا » .
رواه: الدارقطني في "الأفراد"، والبيهقي، وابن النجار .
وعن أشرس بن شيبان الهذلي؛ قال: "قلت لفرقد السبخي : أخبرني يا أبا يعقوب من تلك الغرائب التي قرأت في التوراة، فقال: يا أبا شيبان والله ما أكذب على ربي (مرتين أو ثلاثًا)، لقد قرأت في التوراة: ليكونن مسخ وخسف وقذف في أمة محمد صلى الله عليه وسلم في أهل القبلة. قال: قلت: يا أبا يعقوب ! ما أعمالهم ؟ قال: باتخاذهم القينات، وضربهم بالدفوف، ولباسهم الحرير والذهب، ولئن بقيت حتى ترى أعمالًا ثلاثة؛ فاستيقن واستعد واحذر. قال: قلت: ما هي ؟ قال: إذا تكافأ الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ورغبت العرب في آنية العجم. فعند ذلك قلت له: العرب خاصة ؟ قال: لا؛ بل أهل القبلة. ثم قال: والله؛ ليقذفن رجال من السماء بحجارة يشدخون بها في طرقهم وقبائلهم كما فعل بقوم لوط ، وليمسخن آخرون قردة وخنازير كما فعل ببني إسرائيل، وليخسفن بقوم كما خسف بقارون ".
رواه ابن أبي الدنيا .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: « لا تقوم الساعة حتى ترضح رؤوس أقوام بكواكب من السماء باستحلالهم عمل قوم لوط » .
رواه الديلمي .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "أنتم أشبه الناس ببني إسرائيل، والله؛ لا تدعون شيئًا عملوه إلا عملتموه، ولا كان فيهم شيء إلا سيكون فيكم مثله ". فقال رجل: أيكون فينا مثل قوم لوط ؟ فقال: " نعم، ممن أسلم وعرف نسبه".
رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة".(2/154)
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "لا يكون في بني إسرائيل شيء؛ إلا كان فيكم مثله". فقال رجل: يكون فينا مثل قوم لوط ؟ قال: "نعم".
رواه ابن أبي شيبة .
باب
ما جاء في التغاير على الغلمان
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لا تقوم الساعة حتى يتغايروا على الغلام كما يتغايرون على المرأة » .
رواه الديلمي في "مسند الفردوس".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن من أشراط الساعة » ... (فذكر الحديث، وفيه: ) « ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية البكر » .
رواه ابن مردويه، وقد تقدم بتمامه في الباب الثاني من أشراط الساعة.
باب
ما جاء في كثرة أولاد الزني
عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يا ابن مسعود ! إن من أعلام الساعة وأشراطها أن يكثر أولاد الزنى » .
رواه الطبراني في حديث طويل تقدم ذكره في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها؛ قالت: سمعت رسول الله(2/155)
صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تزال أمتي بخير؛ ما لم يفش فيهم ولد الزنى، فإذا فشا فيهم ولد الزنى؛ فيوشك أن يعمهم الله عز وجل بعقاب » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والطبراني، وقال في روايته: « لا تزال أمتى بخير متماسك أمرها ما لم يظهر فيهم ولد الزنا » . قال الهيثمي : "فيه محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة، وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين، ومحمد بن إسحاق قد صرح بالسماع؛ فالحديث صحيح أو حسن ".
وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تزال الأمة على الشريعة ما لم تظهر فيهم ثلاث : ما لم يقبض منهم العلم ، ويكثر فيهم ولد الحنث » ........ الحديث، وقد تقدم قريبًا.
قال ابن الأثير وابن منظور : "أولاد الحنث؛ أولاد الزنا، من الحنث: المعصية ". ويروى بالخاء المعجمة والباء الموحدة .
باب
ما جاء في استحلال الزنى والخمر والحرير والمعازف
عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري رضي الله عنه؛ قال: حدثني أبو عامر (أو: أبو مالك) الأشعري رضي الله عنه - والله ما كذبني -: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غدًا. فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة » .
رواه البخاري تعليقًا مجزومًا به، ووصله الإسماعيلي والطبراني وابن حبان والبيهقي وغيرهم.(2/156)
(الحر) بالحاء المهملة المكسورة وبالراء الخفيفة، وهو الفرج. قال الجوهري : " (الحر)؛ مخفف: أصله حرح؛ لأن جمعه أحراح، والمعنى أنهم يستحلون الزنى". قال ابن التين : "يريد ارتكاب الفرج بغير حله". وقال ابن العربي : "يحتمل أن يكون المعنى: يعتقدون ذلك حلالًا، ويحتمل أن يكون ذلك مجازًا على الاسترسال".
قلت: يعني أنهم يسترسلون في ركوب الفرج الحرام ولبس الحرير وشرب الخمر واستماع المعازف كما يسترسلون في الاستمتاع بالشيء الحلال. وكلا الأمرين واقع في زماننا: الاسترسال، واعتقاد الحل، ولا سيما في لبس الحرير وشرب بعض أنواع الخمر واستماع المعازف.
وعن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يوشك أن تستحل أمتي فروج النساء والحرير » .
رواه: ابن المبارك في "الزهد"، وابن عساكر في "تاريخه".
ورواه البخاري في "التاريخ الكبير"، ولفظه: قال: « يوشك أن يستحلوا الخمر والحرير » . وفي نسخة: « الحر والحرير » .
وعن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله عز وجل بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة، وكائنًا خلافة ورحمة، وكائنًا ملكًا عضوضًا، وكائنًا عتوًا وجبرية وفسادًا في الأرض؛ يستحلون الفروج والخمور والحرير، وينصرون على ذلك، ويرزقون أبدًا؛ حتى يلقوا الله » .
رواه: أبو داود الطيالسي، والطبراني . قال الهيثمي : "وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ثقة، ولكنه مدلس، وبقية رجاله ثقات".
وسيأتي ذكر إعلان الفاحشة في آخر الكتاب عند ذكر الريح التي تقبض أرواح المؤمنين في آخر الزمان إن شاء الله تعالى.(2/157)
باب
ما جاء في استحلال الخمر بتغيير اسمها
عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وابن أبي شيبة، والبخاري في "التاريخ الكبير"، وابن حبان في "صحيحه"، والطبراني، والبيهقي .
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تذهب الليالي والأيام حتى تشرب فيها طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها » . رواه: ابن ماجه، وأبو نعيم في "الحلية".
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يشرب ناس من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه » .
رواه: ابن ماجه في "سننه"، والحافظ الضياء في "المختارة".
ورواه الإمام أحمد، ولفظه: « لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه » .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني : "وسنده جيد".
وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « "إن أول ما يكفئ (قال زيد بن يحيى أحد رواته: يعني الإسلام) كما يكفأ الإناء (يعني: الخمر) ". فقيل: كيف يا رسول الله وقد بين الله فيها ما بين ؟ ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يسمونها بغير اسمها؛ فيستحلونها » .(2/158)
رواه الدارمي .
وعنها رضي الله عنها؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن ناسًا من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها » .
رواه: الحاكم، والبيهقي، وقال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: « خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربع جمع متواليات، يقول في كل مرة: إذا استحلت الخمر بالنبيذ، والربا بالبيع، والسحت بالهدية، واتجروا بالزكاة؛ فعند ذلك هلاكهم ليزدادوا إثمًا » .
رواه الديلمي .
باب
ما جاء في ظهور المعازف
قال الجوهري : " (المعازف): الملاهي، والعازف: اللاعب بها والمغني".
وقال مرتضى الحسيني في "تاج العروس": " (المعازف): الملاهي التي يضرب بها؛ كالعود والطنبور والدف وغيرها". قال: "وكل لعب عزف". انتهى.
وقد ظهرت المعازف في زماننا شر ظهور، وانتشرت في البيوت والأسواق والدكاكين والسيارات.
وسيأتي ذكر الأحاديث في ظهور المعازف، وما يترتب على ظهورها من أنواع العقوبات في (باب ما جاء في الريح العقيم والخسف والمسخ والقذف)؛ فلتراجع هناك.(2/159)
باب
ما جاء في التطاول في البنيان
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لا تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري في "الأدب المفرد" هكذا مختصرًا.
وقد رواه البخاري أيضًا في (كتاب الفتن) من "صحيحه" في حديث طويل في ذكر بعض أشراط الساعة.
وفي رواية لأحمد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من أشراط الساعة: أن يرى رعاة الشاء رؤوس الناس، وأن يرى الحفاة العراة الجوع يتبارون في البناء، وأن تلد الأمة ربها (أو: ربتها) » .
وقد رواه أبو نعيم في "الحلية" بنحوه، ولفظه: "من أشراط الساعة: « أن ترى الرعاة رؤوس الناس، وأن ترى الحفاة العراة رعاة الشاء يتبارون في البنيان، وأن تلد الأمة ربها وربتها » .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « "لا تقوم الساعة حتى يكون السلام على المعرفة » .... (الحديث، وفيه: ) « وأن تتطاول الحفاة العراة رعاء الشاء في البنيان » .
رواه: ابن مردويه، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وتقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: « أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن الساعة ؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل". قال: فأخبرني عن أماراتها ؟ قال: "أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء »(2/160)
« يتطاولون في البنيان » .... " الحديث.
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأهل السنن، وغيرهم. وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح". قال: "وفي الباب عن طلحة بن عبيد الله وأنس بن مالك وأبي هريرة رضي الله عنهم".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه نحو حديث عمر رضي الله عنه، وفيه « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها؛ فذاك من أشراطها، وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس؛ فذاك من أشراطها، وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان؛ فذاك من أشراطها؛ في خمس لا يعلمهن إلا الله » .... الحديث.
رواه: الشيخان، وابن ماجه .
وعن أبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهما نحو حديث عمر رضي الله عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ولكن لها علامات تعرف بها: إذا رأيت رعاء البهم يتطاولون في البنيان، ورأيت الحفاة العراة ملوك الأرض، ورأيت المرأة تلد ربها؛ في خمس لا يعلمها إلا الله » .... الحديث.
رواه النسائي .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما نحو حديث عمر رضي الله عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « "ولكن إن شئت حدثتك بمعالم لها دون ذلك". قال: أجل يا رسول الله ! فحدثني. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيت الأمة ولدت ربتها (أو: ربها)، ورأيت أصحاب الشاء تطاولوا بالبنيان، ورأيت الحفاة الجياع العالة كانوا رؤوس الناس؛ فذلك من معالم الساعة وأشراطها". قال: يا رسول الله ! ومن أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة ؟ قال: "العرب" » .
رواه الإمام أحمد .(2/161)
وعن عامر (أو: أبي عامر، أو: أبي مالك ) رضي الله عنه نحو حديث عمر رضي الله عنه، وفيه: فقال: « "إن شئت حدثتك بعلامتين تكونان قبلها". فقال: حدثني. فقال: "إذا رأيت الأمة تلد ربها، ويطول أهل البنيان بالنبيان، وعاد العالة الحفاة رؤوس الناس". قال: ومن أولئك يا رسول الله ؟ قال: "العريب » .
رواه الإمام أحمد .
قوله: « "يتطاولون في البنيان » ؛ يعني: يتبارون ويتباهون في تطويله وزخرفته، وتكثير المجالس والمرافق.
قال النووي : "معناه: أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان". انتهى.
قلت: والتطاول في البنيان يكون بتكثير طبقات البيوت ورفعها إلى فوق، ويكون بتحسين البناء وتقويته وتزويقه، ويكون بتوسيع البيوت وتكثير مجالسها ومرافقها، وكل ذلك واقع في زماننا؛ حين كثرت الأموال، وبسطت الدنيا على الحفاة العراة العالة. فالله المستعان.
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة؛ إذا رأيتم الناس أماتوا الصلاة، وأضاعوا الأمانة، وأكلوا الربا، واستحلوا الكذب، واستخفوا بالدماء، واستعلوا البناء، وباعوا الدين بالدنيا » ... الحديث.
رواه أبو نعيم في "الحلية"، وقد تقدم بطوله في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن ميمونة رضي الله عنها؛ قالت: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لنا ذات يوم: « ما أنتم إذا مرج الدين، وسفك الدماء، وظهرت الزينة، وشرف البنيان، واختلف الإخوان، وحرق البيت العتيق ؟ » .(2/162)
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات". وقد رواه الإمام أحمد وابن وضاح مختصرًا، ورواتهما ثقات.
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لا تقوم الساعة حتى يجعل كتاب الله عارًا، ويكون الإسلام غريبًا » ... (الحديث، وفيه: ) « وحتى تبنى الغرف فتطاول » .
رواه ابن أبي الدنيا، وتقدم بطوله في أثناء الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: « أتى رجل، فقال: يا رسول الله ! متى الساعة ؟ قال: "ما المسؤول بأعلم من السائل ". قال: فلو علمتنا أشراطها ؟ قال: "تقارب الأسواق... (الحديث، وفيه: ) ويظهر البناء » .
رواه ابن مردويه، وقد تقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن علي رضي الله عنه: « أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: متى الساعة ؟ فقال: "لقد سألتموني عن أمر ما يعلمه جبريل ولا ميكائيل، ولكن إن شئتم أنبأتكم بأشياء؛ إذا كانت؛ لم يكن للساعة كثير لبث » ... (فذكر الحديث، وفيه: ) « وظهر البناء على وجه الأرض » .
رواه ابن أبي شيبة، وقد تقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه: أنه قال: "إن من اقتراب الساعة: أن يظهر البناء على وجه الأرض، وأن تقطع الأرحام، وأن يؤذي الجار جاره".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: « أنه كان يقول كل عشية خميس لأصحابه: سيأتي على الناس زمان؛ تمات فيه الصلاة، ويشرف فيه البنيان، »(2/163)
« ويكثر فيه الحلف والتلاعن، ويفشو فيه الرشا والزنى، وتباع الآخرة بالدنيا، فإذا رأيت ذلك؛ فالنجا النجا. قيل: وكيف النجا ؟ قال: كن حلسًا من أحلاس بيتك، وكف لسانك ويدك » .
رواه ابن أبي الدنيا، وله حكم الرفع كنظائره.
وعن عبد الله الرومي؛ قال: "دخلت على أم طلق، فقلت: ما أقصر سقف بيتك هذا ! قالت: يا بني ! إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عماله: أن لا تطيلوا بناءكم؛ فإنه من شر أيامكم".
رواه البخاري في "الأدب المفرد".
باب
ما جاء في نقش البنيان
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لا تقوم الساعة حتى يبني الناس بيوتًا يشبهونها بالمراحل » .
رواه البخاري في "الأدب المفرد"، وإسناده حسن.
وفي رواية: « لا تقوم الساعة حتى يبني الناس بيوتًا يوشونها وشي المراحيل » . قال إبراهيم : يعني الثياب المخططة. وإبراهيم هذا هو ابن المنذر الحزامي شيخ البخاري .
قوله: "يوشونها"؛ يعني: ينقشونها ويصبغونها بأنواع الألوان المختلفة كما تنقش الثياب والفرش؛ يقال: وشى الثوب ووشاه وشيًا وشية: إذا نقشه وحسنه. قال الراغب الأصفهاني : "وشيت الشيء وشيًا: جعلت فيه أثرًا يخالف معظم لونه، واستعمل الوشي في الكلام تشبيهًا بالمنسوج ". انتهى.(2/164)
و(المراحل): جمع مُرَحَّل؛ بتشديد الحاء؛ يقال: ثوب مرحل وثوب فيه ترحيل: إذا كان منقوشًا بنقوش تشبه رحال الإبل. وهذا من باب التنبيه والإشارة إلى أجناس النقوش والأصباغ التي يعملها المتطاولون في البنيان في هذه الأزمان.
وقد ترجم البخاري رحمه الله تعالى على حديث أبي هريرة رضي الله عنه بقوله: "باب نقش البنيان"، وأورد في الباب حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: « كان ينهى عن: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال » ، وأورد أيضًا حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « لن ينجي أحدًا منكم عمله » ... (الحديث، وفيه: ) « سددوا، وقاربوا، والقصد القصد؛ تبلغوا » .
وظاهر صنيع البخاري رحمه الله تعالى في إيراد هذين الحديثين في (باب نقش البنيان ): أنه أراد الاستدلال بهما على أن نقش البنيان لا يجوز لأمرين:
أحدهما: أن فيه إضاعة للمال، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال.
الثاني: أنه إسراف وبذخ مخالف لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاقتصاد في جميع الأمور ولزوم العدل.
والله أعلم.
باب
ما جاء في زخرفة المساجد والتباهي فيها
عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد » .(2/165)
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه".
ورواه: أبو يعلى، وابن خزيمة في "صحيحه"؛ بلفظ: « يأتي على أمتي زمان يتباهون بالمساجد، ثم لا يعمرونها إلا قليلًا » . وفي رواية لابن حبان : « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتباهى الناس في المساجد » .
(المباهاة) في اللغة: المفاخرة، والمراد هاهنا المفاخرة بتشييد المساجد وزخرفتها وتنقيشها، وقد وقع ذلك وكثر في هذه الأزمان الأخيرة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أراكم ستشرفون مساجدكم بعدي كما شرفت اليهود كنائسها، وكما شرفت النصارى بيعها » .
رواه ابن ماجه .
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: « لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى » .
رواه: أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، وذكره البخاري في "صحيحه" تعليقًا بصيغة الجزم.
قال ابن الأثير : " (الزخرف): في الأصل الذهب، وكمال حسن الشيء". وقال الراغب الأصفهاني : " (الزخرف): الزينة المزوقة، ومنه قيل للذهب: زخرف". انتهى.
وقد افتتن كثير من المسلمين في زماننا بتزويق المساجد وتحسين بنائها وتضخيمه؛ فالله المستعان.
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « للساعة أشراط".
»(2/166)
« قيل: وما أشراطها ؟ قال: "غلو أهل الفسق في المساجد » ... الحديث.
رواه أبو نعيم في "الحلية"، وقد تقدم في باب ارتفاع الأسافل، والمراد به الغلو في التشييد والزخرفة والنقش.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يا ابن مسعود ! إن من أعلام الساعة وأشراطها أن تزخرف المحاريب وأن تخرب القلوب » .
رواه الطبراني في حديث طويل تقدم ذكره في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: أنه قال: « إذا زخرفتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم؛ فعليكم الدمار » .
رواه ابن أبي الدنيا في "المصاحف".
باب
ما جاء في تعلية المنابر
تقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة عدة أحاديث في ذلك.
منها حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر بعض أشراط الساعة، وفيه: « ورفعت المنابر » .
رواه الطبراني .
ومنها حديث حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة » ....( فذكر الخصال، ومنها: ) « وطولت المنابر » .(2/167)
رواه أبو نعيم في "الحلية".
ومنها حديث مكحول عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « من اقتراب الساعة » ....(فذكر الحديث، وفيه: ) « وطولت المنابر » .
رواه: أبو الشيخ، والديلمي .
ومنها حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: « إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن تكنف المساجد، وأن تعلو المنابر » .
رواه الطبراني .
ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر بعض أشراط الساعة، وفيه: « وتطول المنابر » .
رواه ابن مردويه .
باب
ما جاء في ترك الأذان على الضعفاء
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إنه سيأتي على الناس زمان يتركون الأذان على ضعفائهم » .
رواه ابن أبي حاتم .
باب
ما جاء في قلة من يصلح للإمامة
عن سلامة بنت الحر أخت خرشة بن الحر الفزاري رضي الله عنها؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل »(2/168)
« المسجد لا يجدون إمامًا يصلي بهم » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، وهذا لفظه.
ولفظ أحمد : « إن من أشراط الساعة (أو: في شرار الخلق): أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إمامًا يصلي بهم » .
وفي رواية لأحمد وابن ماجه؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يأتي على الناس زمان يقومون ساعة لا يجدون إمامًا يصلي بهم » .
وهذا حديث حسن.
باب
ما جاء في تطويل الخطبة وتقصير الصلاة
فيه حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: « إنكم في زمان: الصلاة فيه طويلة، والخطبة فيه قصيرة، وعلماؤه كثير، وخطباؤه قليل، وسيأتي على الناس زمان: الصلاة فيه قصيرة، والخطبة فيه طويلة، خطباؤه كثير، وعلماؤه قليل » ..... الحديث.
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
وقد رواه الإمام مالك في "موطئه" بنحوه، وفي روايته: « وسيأتي على الناس زمان: قليل فقهاؤه، كثير قراؤه، تحفظ فيه حروف القرآن، وتضيع حدوده، كثير من يسأل، قليل من يعطي، يطيلون فيه الخطبة، ويقصرون الصلاة، يبدون فيه أهواءهم قبل أعمالهم » .
وقد تقدم هذا الحديث في (باب ما جاء في كثرة الخطباء وقلة الفقهاء).
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « إن قصر الخطبة وطول »(2/169)
« الصلاة مئنة من فقه الرجل؛ فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة؛ فإن من البيان سحرًا، وإنه سيأتي بعدكم قوم يطيلون الخطب ويقصرون الصلاة » .
رواه البزار . وروى الطبراني بعضه موقوفًا في "الكبير". قال الهيثمي : "ورجال الموقوف ثقات، وفي رجال البزار قيس بن الربيع؛ وثقه شعبة والثوري وضعفه البخاري ".
قلت: وقد وثقه أيضًا: أبو الوليد الطيالسي، وعفان، وقال ابن عدي : "عامة رواياته مستقيمة، والقول ما قال شعبة، وأنه لا بأس به".
قوله: « مئنة من فقه الرجل » : قال ابن الأثير : "أي: إن ذلك مما يعرف به فقه الرجل، وكل شيء دل على شيء فهو مئنة له؛ كالمخلقة، والمجدرة". قال أبو عبيد : "معناه: أن هذا مما يستدل به على فقه الرجل". انتهى.
وقد ظهر مصداق هذا الحديث في زماننا، فصار كثير من الأئمة يطيلون الخطب يوم الجمعة والعيدين بثرثرة لا طائل تحتها ولا فائدة في كثير منها، وربما مكث بعضهم في خطبته نصف ساعة أو أكثر من ذلك، فإذا قام يصلي؛ لم يمكث في الصلاة إلا خمس دقائق أو نحوها ! وهذا خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطالة الصلاة وتقصير الخطبة، وخلاف فعله صلى الله عليه وسلم أيضًا.
فأما الأمر بإطالة الصلاة وتقصير الخطبة :
ففيه حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وتقدم ذكره.
وروى: الإمام أحمد، ومسلم، والدارمي؛ عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه؛ فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحرًا » .
وأما فعله صلى الله عليه وسلم:(2/170)
فقد روى النسائي بإسناد صحيح عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه؛ قال: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل الصلاة ويقصر الخطبة » .
وروى: الإمام أحمد، ومسلم، والدارمي، وأهل السنن إلا أبا داود عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما؛ قال: « كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدًا وخطبته قصدًا » .
وروى: الإمام أحمد أيضًا، وأبو داود؛ عن الحكم بن حزن الكلفي رضي الله عنه؛ قال: « قدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سابع سبعة (أو: تاسع تسعة)، فلبثنا عنده أيامًا شهدنا فيها الجمعة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئًا على قوس (أو قال: على عصا)، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات » .
وإذا علم هذا؛ فقد قال الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } .
وقال تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
باب
ما جاء في عمارة مكة والخروج منها
عن جابر رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخبره: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « سيخرج أهل مكة منها ثم لا يعمرونها (أو: لا تعمر إلا قليلًا)، ثم تعمر وتمتلئ وتبنى، ثم يخرجون منها فلا يعودون إليها أبدًا » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى . قال الهيثمي : "وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح". وعن يوسف بن ماهك؛ قال: "كنت جالسًا مع عبد الله بن عمرو بن(2/171)
العاص رضي الله عنهما في ناحية المسجد الحرام؛ إذ نظر إلى بيت مشرف على أبي قبيس، فقال: أبيت ذاك ؟ فقلت: نعم. فقال: إذا رأيت بيوتها (يعني: مكة) قد علت أخشبيها، وفجرت بطونها أنهارًا؛ فقد أزف الأمر".
رواه أبو الوليد الأزرقي في "أخبار مكة"، وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي : وثقه ابن معين، وضعفه أبو داود، وقال ابن عدي : "حسن الحديث"، وقال أبو حاتم : "إمام في الفقه؛ تعرف وتنكر، ليس بذاك القوي، يكتب حديثه ولا يحتج به"، وقال النسائي : "ليس بالقوي". وبقية رجاله رجال الصحيح.
ويشهد لهذا الأثر ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن يعلى بن عطاء عن أبيه؛ قال: "كنت آخذًا بلجام دابة عبد الله بن عمرو، فقال: إذا رأيت مكة قد بعجت كظائم، ورأيت البناء يعلو رؤوس الجبال؛ فاعلم أن الأمر قد أظلك".
وقد ظهر مصداق هذا الأثر والحديث قبله في زماننا، فعمرت مكة، وبنيت، واتسعت اتساعًا عظيمًا، وامتلأت بالسكان، وعلت بيوتها على أخشبيها، وأجريت مياه العيون في جميع نواحيها؛ فعلم من هذا أن الأمر قد أزف؛ أي: دنا قيام الساعة وقرب.
وقوله: "بعجت كظائم"؛ أي: حفرت قنوات. ذكره ابن الأثير وابن منظور وغيرهما من أهل اللغة.
باب
ما جاء في عمارة المدينة
« عن سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج معه، حتى إذا بلغ بئر الإهاب؛ زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يوشك البنيان أن يأتي هذا المكان » .(2/172)
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم . وعن زهير (وهو ابن معاوية) عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تبلغ المساكن إهاب أو يهاب » . قال زهير : قلت لسهيل : فكم ذلك من المدينة ؟ قال: كذا وكذا ميلًا.
رواه مسلم .
وقد بنيت المدينة في زماننا، واتسعت اتساعًا عظيمًا لم يعهد مثله ولا قريب منه فيما مضى، وظهر بذلك مصداق هذين الحديثين الصحيحين، وسيخرج الناس منها، ويدعونها للطير والسباع كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، وذلك إنما يكون بعد خروج الدجال.
والله أعلم.
باب
ما جاء في الخروج من المدينة إلى الشام ابتغاء الصحة
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يخرج الناس من المدينة إلى الشام يبتغون فيها الصحة » .
رواه الديلمي .
باب
ما جاء أن المدينة تنفي شرارها في آخر الزمان
عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: « لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها » .(2/173)
رواه الديلمي .
وعن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: « ترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج منها كل منافق وكافر » .
رواه الطبراني .
وسيأتي شاهد لهذين الحديثين من حديث أبي أمامة الطويل في (باب ما جاء في فتنة الدجال) إن شاء الله تعالى.
باب
ما جاء في خراب المدينة
عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يتركون المدينة على خير ما كانت، لا يغشاها إلا العوافي (يريد: عوافي السباع والطير)، ثم يخرج راعيان من مزينة؛ يريدان المدينة، ينعقان بغنمهما، فيجدانها وحشًا، حتى إذا بلغا ثنية الوداع؛ خرا على وجوههما » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وهذا لفظ مسلم .
وفي رواية لأحمد ومسلم عن سعيد بن المسيب : أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة: ليتركنها أهلها على خير ما كانت مذللة للعوافي (يعني: السباع والطير) » .
ورواه الإمام أحمد أيضًا من حديث أبي المهزم عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "ليدعن أهل المدينة المدينة وهي خير ما يكون مرطبة مونعة". فقيل: من يأكلها ؟ قال: "الطير والسباع » .
أبو المهزم ضعيف، ولكن لحديثه شاهد مما قبله وما بعده.(2/174)
وقد رواه مالك في "الموطأ" عن ابن خماس عن عمه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « "لتتركن المدينة على أحسن ما كانت، حتى يدخل الكلب أو الذئب، فيغذي على بعض سواري المسجد أو على المنبر ". فقالوا: يا رسول الله ! فلمن تكون الثمار ذلك الزمان ؟ قال: "للعوافي: الطير والسباع » .
ورواه: ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"؛ من طريق مالك مختصرًا، وقال الحاكم : "صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
قوله: "فيغذي": قال الزرقاني : "بضم التحتية وفتح الغين وكسر الذال الثقيلة المعجمتين؛ أي: يبول دفعة بعد دفعة". قال النووي : "المختار أن هذا الترك يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة. وقال المهلب في هذا الحديث: إن المدينة تسكن إلى يوم القيامة، وإن خلت في بعض الأوقات؛ لقصد الراعيين بغنمهما إلى المدينة". انتهى.
وعن أبي ذر رضي الله عنه؛ قال: « أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلنا ذا الحليفة، فتعجل رجال إلى المدينة، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم وبتنا معه، فلما أصبح؛ سأل عنهم ؟ فقيل: تعجلوا إلى المدينة، فقال: "تعجلوا إلى المدينة والنساء ! أما إنهم سيدعونها أحسن ما كانت" » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات". ورواه: ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "المدينة يتركها أهلها وهي مرطبة". قالوا: فمن يأكلها يا رسول الله ؟ قال: »(2/175)
« "السباع والعائف » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات". وفي رواية قال: « "ليتركنها أهلها مرطبة". قالوا: فمن يأكلها يا رسول الله ؟ قال: "عافية الطير والسباع » .
وعن محجن بن الأدرع رضي الله عنه؛ قال: « بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة، ثم عارضني في بعض طرق المدينة، ثم صعد على أحد وصعدت معه، فأقبل بوجهه نحو المدينة، فقال لها قولًا، ثم قال: "ويل أمك (أو: ويح أمها) ! قرية يدعها أهلها أينع ما يكون، يأكلها عافية الطير والسباع" » .
رواه: الإمام أحمد وإسناده صحيح على شرط مسلم . ورواه أبو داود الطيالسي، والطبراني بنحوه، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقال الهيثمي : "رجال الطبراني رجال الصحيح".
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « "أما والله يا أهل المدينة ! لتدعنها مذللة أربعين عامًا للعوافي ". قلنا: الله ورسوله أعلم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما العوافي ؟ ". قالوا: لا. قال: "الطير والسباع » .
رواه: الإمام أحمد، والحاكم . وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه عمر بن شبة بإسناد صحيح، ولفظه: قال: « دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، ثم نظر إلينا، فقال: "أما والله؛ ليدعنها أهلها مذللة أربعين عامًا للعوافي، أتدرون ما العوافي ؟ الطير والسباع » .
وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « تخرب المدينة قبل يوم »(2/176)
« القيامة بأربعين سنة » .
رواه الديلمي .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ليسيرن الراكب في جنبات المدينة، ثم ليقولن: لقد كان في هذا حاضر من المؤمنين كثير » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "وإسناده حسن".
وعن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ليسيرن راكب في جنب وادي المدينة، فليقولن: لقد كان في هذه مرة حاضرة من المؤمنين كثير » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "وإسناده حسن".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « آخر قرية من قرى الإسلام خرابًا المدينة » .
رواه: الترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن غريب".
« وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: "أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، فما منه شيء؛ إلا قد سألته؛ إلا أني لم أسأله: ما يخرج أهل المدينة من المدينة ؟ » .
رواه الإمام أحمد . وأبو داود الطيالسي، ومسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: "لا يأتي عليكم إلا قليل، حتى يقضي الثعلب وسنته بين ساريتين من سواري المسجد (يعني: مسجد المدينة، يقول: من الخراب) ".(2/177)
رواه ابن أبي شيبة .
قال ابن الأثير : "أي: يقضي نومته؛ يريد خلو المسجد من الناس بحيث ينام فيه الوحش".
باب
ما جاء في عمارة بيت المقدس ورجوع الخلافة إليه
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال (ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه أو منكبه، ثم قال: ) إن هذا الحق كما أنك هاهنا (أو: كما أنك قاعد) (يعني: معاذًا ) » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود . وفيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان : وثقه دحيم . وقال يعقوب بن شيبة : "كان رجل صدق ". وقال المنذري : "كان رجلًا صالحًا، وثقه بعضهم وتكلم فيه غير واحد ". وبقية رجالهما ثقات. وقد رواه الحاكم في "مستدركه" موقوفًا على معاذ رضي الله عنه، وقال: "إسناده صحيح "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن عبد الله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه؛ قال: « وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي (أو: على هامتي)، ثم قال: "يا ابن حوالة ! إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة؛ فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك" » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والبخاري في "تاريخه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في(2/178)
"تلخيصه".
وعن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني رضي الله عنه مرفوعًا: « تكون في بيت المقدس بيعة هدى » .
رواه ابن سعد .
باب
اجتماع المؤمنين في الشام في آخر الزمان
عن أبي أمامة رضي الله عنه؛ قال: "لا تقوم الساعة حتى يتحول خيار أهل العراق إلى الشام، ويتحول شرار أهل الشام إلى العراق".
رواه الإمام أحمد، وإسناده حسن.
وقد رواه ابن أبي شيبة وابن عساكر في "تاريخه" بنحوه، زاد ابن عساكر : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « عليكم بالشام » .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنه قال: "يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه مؤمن إلا لحق بالشام".
رواه: عبد الرزاق في "مصنفه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "يوشك أن تطلبوا في قراكم هذه طستًا من ماء؛ فلا تجدونه، ينزوي كل ماء إلى عنصره، فيكون في الشام بقية المؤمنين والماء".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".(2/179)
وقد رواه ابن أبي شيبة، ولفظه: قال: "أيها الناس ! لا تكرهوا مد الفرات؛ فإنه يوشك أن يلتمس فيه طست من ماء فلا يوجد، وذلك حين يرجع كل ماء إلى عنصره، فيكون الماء وبقية المؤمنين يومئذ بالشام".
ورواه الطبراني من حديث القاسم؛ قال: "شكي إلى ابن مسعود الفرات فقالوا: إنا نخاف أن ينبثق علينا، فلو أرسلت إليه من يسكره. قال: لا أسكره، فوالله؛ ليأتين على الناس زمان لو التمستم فيه ملء طست من ماء؛ ما وجدتموه، وليرجعن كل ماء إلى عنصره، ويكون بقية الماء والمسلمين بالشام".
قال الهيثمي : "رجاله رجال الصحيح؛ إلا أن القاسم لم يدرك ابن مسعود ". وقد رواه عبد الرزاق في "مصنفه" من حديث القاسم بن عبد الرحمن : (فذكره بمثله).
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "ليأتين على الناس زمان يكون للرجل أحمرة يحمل عليها إلى الشام أحب إليه من عرض الدنيا".
رواه ابن أبي شيبة .
باب
ما جاء في خزائن الأرض
« عن عقبة بن عامر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يومًا، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر، فقال: إني فرط لكم، أنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض (أو: مفاتيح الأرض)، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.(2/180)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم؛ أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض، فوضعت في يدي » . قال أبو هريرة رضي الله عنه: فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتثلونها.
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، والنسائي .
وعنه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « بينا أنا نائم؛ إذ أوتيت خزائن الأرض، فوضع في يدي سواران من ذهب، فكبرا علي وأهماني، فأوحي إلي أن انفخهما، فنفختهما، فطارا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما: صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
وقد ظهر مصداق هذه الأحاديث في زماننا، حيث ظهرت آبار البترول، والماء البعيد في أعماق الأرض، وما ظهر أيضًا من معادن الذهب وغير ذلك من خزائن الأرض التي لم يتمكن الناس من الوصول إليها إلا في هذه الأزمان.
وقد تأول كثير من العلماء قوله صلى الله عليه وسلم: « أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي » : على ما فتح على أوائل هذه الأمة من كنوز كسرى وقيصر وغيرهما من الملوك، وفي هذا التأويل نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نص في هذه الأحاديث على خزائن الأرض لا على خزائن الملوك، وخزائن الأرض هي ما أودعه الله فيها من الماء والمعادن السائلة والجامدة، وأما خزائن الملوك؛ فقد جاء ذكرها في الأحاديث الصحيحة باسم الكنوز، وأضيفت إلى أهلها لا إلى الأرض؛ كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « إذا هلك كسرى؛ فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر؛ فلا قيصر بعده، والذي نفس محمد بيده؛ لتنفقن كنوزهما في سبيل الله » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان؛ من حديث أبي هريرة ومن حديث جابر(2/181)
ابن سمرة رضي الله عنهما.
وفي حديث ثوبان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأهل السنن.
وفي حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ولئن طالت بك حياة؛ لتفتحن كنوز كسرى » .
رواه البخاري .
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لتفتحن عصابة من المسلمين (أو: من المؤمنين) كنز آل كسرى الذي في الأبيض » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم .
وقد تقدمت هذه الأحاديث في أول كتاب الملاحم، ومن جمع بينها وبين أحاديث هذا الباب؛ تبين له أن خزائن الأرض شيء غير كنوز الملوك. والله أعلم.
وقد حصل للعرب وغيرهم من الذين ظهرت عندهم خزائن الأرض في زماننا من الثروة العظيمة ما لم يحصل مثله للذين فتحت عليهم كنوز الملوك في أول الإسلام، والله المسؤول أن يديم نعمته على المسلمين، وأن لا يغير عليهم بسبب الذنوب والمعاصي.
باب
ما جاء في المعادن
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة »(2/182)
« حتى تظهر معادن كثيرة لا يسكنها إلا أراذل الناس » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه من لم أعرفه".
وقد رواه عبد الرزاق في "مصنفه" عن رجل عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: " لتظهرن معادن في آخر الزمان، يخرج إليه شرار الناس".
وعن زيد بن أسلم « عن رجل من بني سليم عن جده رضي الله عنه: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بفضة، فقال: هذه من معدن لنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ستكون معادن يحضرها شرار الناس » .
رواه الإمام أحمد، وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: « أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقطعة من ذهب كانت أول صدقة جاءته من معدن لنا، فقال: إنها ستكون معادن، وسيكون فيها شر الخلق » .
رواه الطبراني في "الصغير" و "الأوسط". قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يظهر معدن في أرض بني سليم، يقال له: فرعون وفرعان (وذلك بلسان أبي جهم قريب من السوء)، يخرج إليه شرار الناس (أو: يحشر إليه شرار الناس) » .
رواه أبو يعلى . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن أبي غطفان؛ قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول: « تخرج معادن مختلفة، معدن منها قريب من الحجاز، يأتيه من شرار الناس، يقال له: فرعون، فبينما هم يعملون فيه؛ إذ حسر عن الذهب، فأعجبهم معتمله؛ إذا خسف به وبهم » .(2/183)
رواه: نعيم بن حماد في "الفتن"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
باب
ما جاء في حسر الفرات عن الذهب
عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب، فمن حضره؛ فلا يأخذ منه شيئًا » .
رواه: الشيخان، وأبو داود .
وفي رواية لهم عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب؛ فمن حضره فلا يأخذ منه شيئًا » .
ورواه: الإمام أحمد، ومسلم أيضًا؛ من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو » .
هذا لفظ مسلم، وزاد في رواية: فقال أبي: " « إن رأيته؛ فلا تقربنه » . وفي رواية أحمد: « يا بني ! إن أدركته؛ فلا تكونن ممن يقاتل عليه » .
ورواه: الإمام أحمد أيضًا، وابن ماجه؛ من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، فيقتتل الناس عليه، فيقتل من كل عشرة تسعة » .
زاد أحمد : « ويبقى واحد » .(2/184)
« وعن عبد الله بن الحارث بن نوفل؛ قال: كنت واقفًا مع أبي بن كعب رضي الله عنه، فقال: لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا. قلت: أجل. قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب، فإذا سمع به الناس؛ ساروا إليه، فيقول من عنده: لئن تركنا الناس يأخذون منه؛ ليذهبن به كله". قال: "فيقتتلون عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وهذا لفظه.
وعن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تدوم الفتنة الرابعة اثني عشر عامًا، ثم تنجلي حين تنجلي وقد انحسر الفرات عن جبل من ذهب تكب عليه الأمة، فيقتل عليه من كل تسعة سبعة » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن"، وزاد في رواية: « فإن أدركتموه؛ فلا تقربوه » .
وقد زعم أبو عبية في تعليق له على حديث سهيل بن أبي صالح الذي تقدم ذكره أن الفرات قد حسر عن الذهب البترولي الأسود.
والجواب عن هذا من وجوه:
أحدها : أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على جبل الذهب نصًا لا يحتمل التأويل، ومن حمل ذلك على البترول الأسود؛ فقد حمل الحديث على غير ما أريد به، وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه.
يوضح ذلك الوجه الثاني : أن البترول ليس بذهب حقيقة ولا مجازًا، وأما تسمية بعض الناس له بالذهب الأسود؛ فليس مرادهم أنه نوع من أنواع الذهب، وإنما يقصدون بذلك أنه يحصل من ثمنه الذهب الكثير؛ فلذلك يطلقون عليه(2/185)
اسم الذهب الأسود؛ اعتبارًا بما يستثمر منه.
الوجه الثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الفرات يحسر عن جبل من ذهب؛ أي: ينكشف عنه لذهاب مائه، فيظهر الجبل بارزًا على وجه الأرض؛ وهذا لم يكن إلى الآن، وسيكون فيما بعد بلا ريب، وبحور البترول الأسود لم ينحسر الفرات عنها، وليست في مجرى النهر، وإنما هي في باطن الأرض، واستخراجها إنما يكون بالتنقيب عنها بالآلات من مسافة بعيدة في بطن الأرض.
الوجه الرابع : أن الذي جاء في الحديث الصحيح هو « حسر الفرات عن كنز من ذهب، » وفي الرواية الأخرى: « عن جبل من ذهب » ، وتخصيص الفرات بالنص ينفي أن يكون ذلك في غيره، ومن المعلوم أن بحور البترول ليست في نهر الفرات، وإنما هي في مواضع كثيرة في مشارق الأرض ومغاربها، وهي في البلاد العربية المجاورة للعراق أكثر منها في العراق.
الوجه الخامس : أن البترول من المعادن السائلة، والذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بانحسار الفرات عنه هو الذهب المعروف عند الناس، وهو من المعادن الجامدة، ومن جعل المعدنين سواء؛ فقد ساوى بين شيئين مختلفين.
الوجه السادس : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الناس إذا سمعوا بانحسار الفرات عن جبل الذهب؛ ساروا إليه، فيكون عنده مقتلة عظيمة، يقتل فيها من كل مائة تسعة وتسعون، وهذا لم يكن إلى الآن، ومن المعلوم أن البترول الأسود قد وجد في العراق منذ زمان طويل، ولم يسر الناس إليه عند ظهوره، ولم يكن بسبب خروجه قتال ألبتة.
الوجه السابع : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى من حضر جبل الذهب أن يأخذ منه شيئًا، ومن حمله على البترول الأسود؛ فلازم قوله أن يكون الناس منهيين عن الأخذ منه، وهذا معلوم البطلان بالضرورة.(2/186)
باب
ما جاء في الكنز الذي يقتتل عنده أبناء الخلفاء
عن ثوبان رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يقتتل عند كنزهم ثلاثة، كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم » ....." الحديث.
رواه: ابن ماجه بإسناد صحيح، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه"، وسيأتي بتمامه في ذكر المهدي .
قال ابن كثير في "النهاية": "المراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة".
قلت: وفقي هذا نظر؛ لما تقدم في باب النهي عن تهييج الترك والحبشة.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « اتركوا الحبشة ما تركوكم؛ فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة » .
رواه: أبو داود، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد رواه الإمام أحمد من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف؛ قال: سمعت رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره).
وإسناده جيد.
والأقرب في الكنز المذكور في حديث ثوبان رضي الله عنه: أنه الكنز الذي يحسر عنه الفرات، وقد يكون غيره. والله أعلم.(2/187)
باب
ما جاء في قيء الأرض للذهب والفضة
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة". قال: "فيجيء السارق، فيقول: في هذا قطعت يدي ! ويجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت ! ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي ! ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئًا » .
رواه: مسلم، والترمذي، وقال: "هذا حديث حسن غريب".
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لا تقوم الساعة حتى تبعث ريح حمراء من قبل اليمن .... ( فذكر الحديث وفيه : ) وتقيء الأرض أفلاذ كبدها من الذهب والفضة، ولا ينتفع بها بعد ذلك اليوم، يمر بها الرجل، فيضربها برجله ويقول: في هذه كان يقتتل من كان قبلنا، وأصبحت اليوم لا ينتفع بها » .
رواه ابن حبان في "صحيحه".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "الزموا هذه الطاعة والجماعة؛ فإنه حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة، وإن الله تعالى لم يخلق شيئًا قط؛ إلا جعل له منتهى، وإن هذا الدين قد تم، وإنه صائر إلى نقصان، وإن أمارة ذلك: أن تقطع الأرحام، ويؤخذ المال بغير حقه، ويسفك الدماء، ويشتكي ذو القرابة قرابته، ولا يعود عليه بشيء، ويطوف السائل بين الجمعتين لا يوضع في يده شيء، فبينما هم كذلك؛ إذ خارت خوار البقر، يحسب كل الناس أنما خارت من قبلهم، فبينما الناس كذلك؛ إذ قذفت الأرض بأفلاذ كبدها من الذهب والفضة، لا ينفع بعد ذلك شيء من الذهب والفضة".(2/188)
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد رواه الطبراني، وعنده: قال: "ثم تتقاحم الأرض، تقيء أفلاذ كبدها. قيل يا أبا عبد الرحمن ! ما أفلاذ كبدها ؟ قال: أساطين ذهب وفضة. فمن يومئذ لا ينتفع بذهب ولا فضة إلى يوم القيامة".
قال الهيثمي : "رواه الطبراني بأسانيد، وفيه مجالد، وقد وثق، وفيه خلاف، وبقية رجال إحدى الطرق ثقات".
باب
ما جاء في ذهاب ماء الفرات
عن قيس بن أبي حازم؛ قال: "خرج حذيفة بظهر الكوفة، ومعه رجل، فالتفت إلى جانب الفرات، فقال لصاحبه: كيف أنتم يوم تراهم يخرجون أو يخرجون منها؛ لا يذوقون منها قطرة ؟ ! قال رجل: وتظن ذاك يا أبا عبد الله ؟ قال: ما أظنه، ولكن أعلمه".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد رواه ابن أبي شيبة بنحوه، وقال فيه: " ما أظنه، ولكن أستيقنه".
وتقدم قريبًا حديث ابن مسعود رضي الله عنه: "يوشك أن تطلبوا في قراكم هذه طستًا من ماء؛ فلا تجدونه، ينزوي كل ماء إلى عنصره، فيكون في الشام بقية المؤمنين والماء".
رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي على تصحيحه.(2/189)
وهذا الأثر والذي قبله لهما حكم المرفوع؛ لأن الأمور الغيبية لا مجال للرأي فيها، وإنما تقال عن توقيف.
باب
ما جاء أن أرض العرب تعود مروجًا وأنهارًا
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، حتى يخرج الرجل بزكاة ماله؛ فلا يجد أحدًا يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم .
وفي رواية لأحمد : « لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا، وحتى يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخاف إلا ضلال الطريق، وحتى يكثر الهرج. قالوا: وما الهرج يا رسول الله ؟ قال: "القتل » .
قال النووي في قوله: "حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا": "معناه: أنهم يتركونها ويعرضون عنها، فتبقى مهملة لا تزرع ولا تسقى من مياهها، وذلك لقلة الرجال، وكثرة الحروب، وتراكم الفتن، وقرب الساعة، وقلة الآمال، وعدم الفراغ لذلك والاهتمام به".
قلت: وفي هذا التأويل نظر؛ لأن أرض العرب أرض قاحلة لا أنهار فيها، وإنما تسقى نخيلها وزروعها من مياه الآبار، ولو تركت وأعرض عنها وبقيت مهملة لا تزرع ولا تسقى من مياه الآبار؛ لبقيت قاحلة يابسة.
والصحيح أن هذه إشارة إلى ما ابتدئ فيه الآن من حفر الآبار الارتوازية التي ينبع الماء منها بكثرة، وإلى عمل السدود التي تحبس مياه السيول، فتكون أنهارًا تجري إلى الأراضي الطيبة، فتكون مزارع ومروجًا للدواب.(2/190)
و (المروج): جمع مرج. قال ابن الأثير : " (المرج): الأرض الواسعة ذات نبات كثير، تمرج فيه الدواب؛ أي: تخلى تسرح مختلطة كيف شاءت". انتهى.
وقد ظهر مصداق ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض العرب بما ظهر فيها الآن من الآبار الارتوازية، وسيتم ذلك فيما بعد، فتكون مروجًا وأنهارًا؛ كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه.
باب
ما جاء في الإقبال على الحرث
عن أبي أمامة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى ترجعوا حراثين » ..... الحديث.
رواه الطبراني . وقد تقدم في باب ما جاء في تزوج النبطيات على المعيشة.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلًا لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم » .
رواه أبو داود بهذا اللفظ، وتقدم في (باب ما جاء في ترك الجهاد).
باب
ما جاء في فيضان المال والاستغناء عن الصدقة
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "يتقارب الزمان، ويفيض المال، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج". قالوا: وما الهرج يا رسول »(2/191)
« الله ؟ قال: "القتل، القتل » .
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال، فيفيض، حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه، فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي فيه » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
وعن حارثة بن وهب رضي الله عنه؛ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « تصدقوا؛ فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته؛ فلا يجد من يقبلها، يقول الرجل: لو جئت بها بالأمس؛ لقبلتها، فأما اليوم؛ فلا حاجة لي بها » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والشيخان، والنسائي .
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب، ثم لا يجد أحدًا يأخذها منه، ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به؛ من قلة الرجال وكثرة النساء » .
رواه الشيخان.
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه؛ قال: « كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجلان: أحدهما يشكو العيلة، والآخر يشكو قطع السبيل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما قطع السبيل؛ فإنه لا يأتي عليك إلا قليل حتى تخرج العير إلى مكة بغير خفير، وأما العيلة؛ فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه » .
رواه البخاري .
وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: « "هل تعلم مكان »(2/192)
« الحيرة ؟ ". قال: قد سمعت بها ولم آتها. قال: "لتوشكن الظعينة أن تخرج منها بغير جوار، حتى تطوف بالكعبة، ولتوشكن كنوز كسرى بن هرمز أن تفتح". قال: قلت: كسرى بن هرمز ؟ ! قال: " كسرى بن هرمز ". قال: قلت: كسرى بن هرمز؟ ! قال: " كسرى بن هرمز "؛ ثلاث مرات، "وليوشكن أن يبتغي من يقبل ماله منه صدقة؛ فلا يجد » . قال: فلقد رأيت ثنتين: قد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالكعبة، وكنت في الخيل التي أغارت على المدائن، وايم الله؛ لتكونن الثالثة؛ إنه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنيه.
رواه الإمام أحمد . ورواه أيضًا بنحوه وفيه: « وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد » . ورواه الحاكم في "مستدركه" بنحوه، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "يوشك الرجل يشق عليه أن يؤدي زكاة ماله".
رواه ابن عساكر في "تاريخه".
وعن يسير بن جابر : أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: "إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة".
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم؛ في حديث طويل تقدم ذكره في (باب ما جاء في الملحمة الكبرى).
باب
ما جاء في تقارب الزمان والأسواق
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "يتقارب الزمان، وينقص العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرج". قيل: يا »(2/193)
« رسول الله ! أيما هو ؟ قال: "القتل، القتل » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، وابن ماجه .
وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « "لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن، ويكثر الكذب، وتتقارب الأسواق، ويتقارب الزمان، ويكثر الهرج". قيل: وما الهرج ؟ قال: "القتل » .
رواه الإمام أحمد، ورواته ثقات. وقد رواه ابن حبان في "صحيحه"، وزاد فيه: "ويقبض العلم".
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة » .
رواه الإمام أحمد وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقد رواه ابن حبان في "صحيحه"، وعنده في آخره: « كاحتراق السعفة أو الخوصة » .
وعن أنس؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، وتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضرمة بالنار » .
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث غريب".
وقد اختلف العلماء في معنى قوله: "يتقارب الزمان"، وفي ذلك أقوال كثيرة، ذكر الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" جملة منها.
وزعم أبو عبية في تعليقه على "النهاية" في (صفحة 213): أن ذلك كناية عن نزع البركة من الوقت، حتى يبقى الانتفاع به وثمرة العمل فيه أقل مما يحصل في الأيام العادية التي لم تنزع بركتها. انتهى.(2/194)
والظاهر - والله أعلم بمراد رسوله صلى الله عليه وسلم - أن ذلك إشارة إلى ما حدث في زماننا من المراكب الأرضية والجوية والآلات الكهربائية التي قربت كل بعيد، والمعنى على هذا: يتقارب أهل الزمان؛ كقوله تعالى إخبارًا عن إخوة يوسف أنهم قالوا لأبيهم: { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا } ؛ يعني: واسأل أهل القرية وأصحاب العير. وكقوله صلى الله عليه وسلم: « أيما قرية عصت الله ورسوله؛ فإن خمسها لله ولرسوله » .... ونظائر ذلك كثيرة جدًا في كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ولغة العرب، ولولا خشية الإطالة؛ لذكرت من ذلك أمثلة كثيرة.
وحديث أنس والحديث قبله ينطبقان على سير المراكب الأرضية في هذه الأزمان؛ فإنها تقطع مسافة السنة في شهر فأقل، ومسافة الشهر في جمعة فأقل، ومسافة الجمعة في يوم فأقل، ومسافة اليوم في ساعة فأقل، ومسافة الساعة في مثل احتراق السعفة، وبعضها أسرع من ذلك بكثير، وأعظم من ذلك المراكب الجوية؛ فإنها هي التي قربت البعيد غاية التقريب؛ بحيث صارت مسافة السنة تقطع في يوم وليلة أو أقل من ذلك، وأعظم من ذلك الآلات الكهربائية التي تنقل الأصوات؛ كالإذاعات، والتلفونات الهوائية؛ فإنها قد بهرت العقول في تقريب الأبعاد؛ بحيث كان الذي في أقصى المشرق يخاطب من في أقصى المغرب كما يخاطب الرجل جليسه، وبحيث كان الجالس عند الراديو يسمع كلام من في أقصى المشرق ومن في أقصى المغرب ومن في أقصى الجنوب ومن في أقصى الشمال وغير ذلك من أرجاء الأرض في دقيقة واحدة؛ كأن الجميع حاضرون عنده في مجلسه. فالمراكب الأرضية والجوية قربت الأبعاد من ناحية السير، والآلات الكهربائية قربت الأبعاد من ناحية التخاطب وسماع الأصوات، فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم.
وأما تقارب الأسواق؛ فقد جاء تفسيره في حديث ضعيف بأنه كسادها وقلة أرباحها.(2/195)
والظاهر - والله أعلم - أن ذلك إشارة إلى ما وقع في زماننا من تقارب أهل الأرض بسبب المراكب الجوية والأرضية والآلات الكهربائية التي تنقل الأصوات؛ كالإذاعات والتلفونات، والتي تنقل الكتابة؛ كالفاكس والتلكس، وغيرها من الآلات الحديثة التي صارت أسواق الأرض متقاربة بسببها، فلا يكون تغيير في الأسعار في قطر من الأقطار؛ إلا ويعلم به التجار أو غالبهم في جميع أرجاء الأرض، فيزيدون في السعر إن زاد، وينقصون إن نقص، ويذهب التاجر في السيارات إلى أسواق المدائن التي تبعد عنه مسيرة أيام، فيقضي حاجته منها، ثم يرجع في يوم أو بعض يوم، ويذهب في الطائرات إلى أسواق المدن التي تبعد عنه مسيرة شهر فأكثر، فيقضي حاجته منها، ويرجع في يوم أو بعض يوم؛ فقد تقاربت الأسواق من ثلاثة أوجه:
الأول: سرعة العلم بما يكون فيها من زيادة السعر ونقصانه.
والثاني: سرعة السير من سوق إلى سوق، ولو كانت بعيدة عنها.
والثالث: مقاربة بعضها بعضًا في الأسعار، واقتداء بعض أهلها ببعض في الزيادة والنقصان، والله أعلم.
باب
ما جاء في ترك السفر على الإبل
عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « والله؛ لينزلن ابن مريم حكمًا عادلًا؛ فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص؛ فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال؛ فلا يقبله أحد » .(2/196)
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة".
(القلاص): جمع قلوص. قال الجوهري : " (القلوص) من النوق: الشابة، وهي بمنزلة الجارية من النساء ". وقال العدوي : " (القلوص): أول ما يركب من إناث الإبل إلى أن تثني، فإذا أثنت؛ فهي ناقة، والقعود أول ما يركب من ذكور الإبل إلى أن يثني، فإذا أثنى؛ فهو جمل، وربما سموا الناقة الطويلة القوائم قلوصًا". وقال صاحب "القاموس": " (القلوص) من الإبل: الشابة، أو الباقية على السير، خاص بالإناث ". وقال مرتضى الحسيني في "تاج العروس": "قال ابن دريد : هو خاص بالإناث، ولا يقال للذكور: قلوص".
وقد اختلف في معنى ترك السعي على القلاص: فقال النووي : "معناه أن يزهد فيها، ولا يرغب في اقتنائها؛ لكثرة الأموال، وقلة الآمال، وعدم الحاجة، والعلم بقرب القيامة، وإنما ذكرت القلاص لكونها أشرف الإبل التي التي هي أنفس الأموال عند العرب، وهو شبيه بمعنى قول الله عز وجل: { وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ } ، ومعنى: "لا يسعى عليها": لا يعتنى بها؛ أي: يتساهل أهلها فيها، ولا يعتنون بها. هذا هو الظاهر. وقال القاضي عياض وصاحب "المطالع": معنى: "لا يسعى عليها"؛ أي: لا تطلب زكاتها إذ لا يوجد من يقبلها".
قلت: وهكذا قال ابن الأثير وابن منظور في "لسان العرب": "إن معنى "لا يسعى عليها"؛ أي: لا يخرج ساع إلى زكاة؛ لقلة حاجة الناس إلى المال، واستغنائهم عنه".
قال النووي : "وهذا باطل من وجوه كثيرة".
قلت: بل هو أقوى وأظهر من قول النووي، ويؤيده ما رواه ابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الدجال ونزول عيسى(2/197)
عليه الصلاة والسلام، وفيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « فيكون عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام في أمتي حكمًا عدلًا وإمامًا مقسطًا؛ يدق الصليب، ويذبح الخنزير ويضع الجزية، ويترك الصدقة؛ فلا يسعى على شاة ولا بعير » ..... الحديث.
ويحتمل أن يكون معنى قوله: "وتترك القلاص؛ فلا يسعى عليها"؛ أي: يترك ركوبها في الأسفار والحمل عليها، وهذا أقوى وأظهر مما قبله، وهو مطابق للواقع في زماننا؛ حيث إنه قد ترك الركوب على الإبل بسبب المراكب الجوية والأرضية، حتى إن الأعراب الذين هم أهل الظعن على الإبل والمعروفون بكثرة الأسفار عليها قد تركوا ركوبها والسفر عليها بالكلية، ولو كان المراد به الزهد فيها وعدم الرغبة في اقتنائها، أو كان المراد به عدم الطلب لزكاتها؛ لما خص القلاص بترك السعي عليها دون غيرها من بهيمة الأنعام.
ويحتمل أن يكون كل من الأمرين مرادًا في الحديث؛ أعني: ترك ركوبها والحمل عليها، وترك السعي عليها للصدقة، وقد وقع الأمر الأول في زماننا، وسيقع الأمر الثاني إذا نزل عيسى عليه الصلاة والسلام. والله أعلم.
باب
ما جاء في الأمور العظام بين يدي الساعة
« عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المنبر، فذكر الساعة وذكر أن بين يديها أمورًا عظامًا » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وابن حبان في "صحيحه"؛ بإسناد مسلم .(2/198)
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته بعد صلاة الكسوف: « وإنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابًا، آخرهم الأعور الدجال.... (فذكر الحديث في شأن الدجال، ونزول عيسى ، وإهلاك الدجال وجنوده، ثم قال: (ولن يكون ذلك كذلك حتى تروا أمورًا عظامًا يتفاقم شأنها أنفسكم، وتساءلون بينكم: هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرًا ؟ حتى تزول جبال عن مراتبها » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى تروا أمورًا عظامًا لم تكونوا ترونها ولا تحدثون بها أنفسكم » .
رواه: ابن وضاح، والطبراني، وفيه عفير بن معدان، وهو ضعيف، والحديث قبله يشهد له ويقويه.
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سترون قبل أن تقوم الساعة أشياء تستنكرونها عظامًا، تقولون: هل كنا حدثنا بهذا ؟ ! فإذا رأيتم ذلك؛ فاذكروا الله تعالى، واعلموا أنها أوائل الساعة » .
رواه: الطبراني، والبزار . قال الهيثمي : "وإسناده ضعيف، وفليه من لم أعرفهم".
قلت: والحديث الأول يشهد له ويقويه.
وفي هذه الأحاديث إشارة إلى ما حدث في هذه الأزمان من المراكب الجوية والبرية والبحرية، والآلات الكهربائية التي تنقل الأصوات، والتي(2/199)
تسجلها وتحفظها، والتي تنقل صور المتكلمين مع كلامهم، وغيرها من المخترعات العجيبة التي لم تكن تخطر ببال أحد فيما مضى.
وقد تفاقم شأن هذه المخترعات في أنفس الناس حين رأوها، وكثر تساؤلهم: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها أو أشار إليها ؟ !.
والجواب أن يقال: نعم؛ قد أشار إليها على طريق الإجمال في هذه الأحاديث التي ذكرنا في هذا الباب.
وأشار أيضًا إلى المراكب الجوية والبرية والبحرية والآلات الكهربائية التي تنقل الأصوات بقوله صلى الله عليه وسلم: « يتقارب الزمان » ..... الحديث، وقد تقدم قريبًا.وأشار أيضًا إلى المراكب الجوية والبرية بقوله صلى الله عليه وسلم: « ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها » . وقد تقدم قريبًا.
وأشار إلى المراكب البرية بقوله صلى الله عليه وسلم: « سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات » ، وفي رواية: « سيكون في أمتي رجال يركبون نساءهم على سروج كأشباه الرحال » . وفي رواية: « سيكون في آخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر حتى يأتوا أبواب مساجدهم » ..... الحديث، وقد تقدم في (باب الإخبار عن الكاسيات العاريات).
وأشار أيضًا إلى المراكب الجوية والبرية والبحرية في حديث فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه؛ قال: « غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فجهد الظهر جهدًا شديدًا، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بظهرهم من الجهد، فتحين رسول الله صلى الله عليه وسلم مضيقًا سار الناس فيه وهو يقول: "مروا باسم الله". فمر الناس عليه بظهرهم، فجعل ينفخ بظهرهم وهو يقول: "اللهم احمل عليها في سبيلك؛ فإنك تحمل على القوي والضعيف، والرطب واليابس، في البر »(2/200)
« والبحر » . قال فضالة : فما بلغنا المدينة؛ حتى جعلت تنازعنا أزمتها، فقلت: هذه دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القوي والضعيف؛ فما بال الرطب واليابس ؟ فلما قدمنا الشام؛ غزونا غزوة قبرس في البحر، فلما رأيت السفن في البحر وما يدخل فيها؛ عرفت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه: الإمام أحمد ورواته ثقات، وابن حبان في "صحيحه".
والمراد بـ (الرطب): الإبل والخيل والبغال والحمير، والمراد بـ (اليابس): المراكب البحرية والبرية والجوية. والله أعلم.
وإذا علم ما ذكرنا؛ فالإجمال في هذه الأحاديث قد صار كالتفصيل عند من أدرك ذلك وشاهده وكان له أدنى علم ومعرفة.
ولعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما ترك التفصيل خشية أن يفتتن بسببه من لم يرسخ الإيمان في قلبه؛ كما وقع ذلك في قصة الإسراء، لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسري به إلى بيت المقدس ورجع في ليلته، فأنكر ذلك المشركون، وارتد ناس ممن آمن به وصدقه ! وهو صلى الله عليه وسلم إنما أخبرهم عن أمر خارق للعادة.
وإذا كان المشركون قد أنكروا الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس في ليلة واحدة؛ فكيف لو أخبرهم أن بني آدم يصنعون في آخر الزمان مراكب من حديد تسير بهم في البر، وتحمل التجارة والأثقال العظيمة، ويصنعون مراكب من حديد تطير بهم في الهواء، وتحمل الجماعة الكثيرة من الناس وما معهم من الأمتعة، وتذهب من الحجاز إلى الشام وترجع في ساعتين فأقل، وأن أهل الشام ومصر والعراق والهند وغيرها من الأقطار البعيدة يسافرون من ديارهم للحج في يوم عرفة، فيدركون الوقوف مع الناس بعرفة، وكذلك لو أخبرهم أن أهل الأرض يتخاطبون بواسطة آلات يتخذونها كما يتخاطب أهل البيت الواحد، فيكلم الذي في أقصى المشرق من كان في أقصى المغرب كما يكلم الجالس عنده(2/201)
وبالعكس، ويستمع الإنسان إلى الألسن المختلفة في مشارق الأرض ومغاربها وهو جالس في مجلسه..... ونحو ذلك مما لا تحتمله أكثر العقول البشرية دون أن ترى ذلك عيانًا وتقف على حقيقته ؟ .
فلو وقع الإخبار بذلك مفصلًا؛ لم تؤمن الفتنة على أهل الإيمان الضعيف، فكان من حكمة الشارع الحكيم أن أخبر بذلك مجملًا بما أغنى من شاهده عن التفصيل. والله أعلم.
باب
ما جاء في رفع الإلفة
عن عمير بن إسحاق؛ قال: "كنا نتحدث أن أول ما يرفع من الناس الإلفة".
رواه البخاري في "الأدب المفرد".
باب
ما جاء في إخوان العلانية أعداء السريرة
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يكون في آخر الزمان أقوام إخوان العلانية أعداء السريرة". فقيل: يا رسول الله ! وكيف يكون ذلك ؟ قال: "ذلك برغبة بعضهم إلى بعض ورهبة بعضهم من بعض » .
رواه: الإمام أحمد، والبزار، والطبراني، وأبو نعيم في "الحلية".
وعن محمد بن سوقة؛ قال: "أتيت نعيم بن أبي هند، فأخرج إلي صحيفة؛ فإذا فيها: من أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل إلى عمر بن(2/202)
الخطاب : سلام عليك....... (فذكر الكتاب، وفيه: ) وإنا كنا نتحدث أن أمر هذه الأمة في آخر زمانها سيرجع إلى أن يكونوا إخوان العلانية أعداء السريرة.... (ثم ذكر جواب عمر رضي الله عنه لهما، وفيه: ) وكتبتما تحذراني أن أمر هذه الأمة سيرجع في آخر زمانها إلى أن يكونوا إخوان العلانية أعداء السريرة، ولستم بأولئك، وليس هذا بزمان ذلك، وذلك زمان تظهر فيه الرغبة والرهبة، تكون رغبة بعض الناس إلى بعض لصلاح دنياهم".
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات إلى هذه الصحيفة".
قلت: ورواه أبو نعيم في "الحلية" بمثله.
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ مرفوعًا: « لا تقوم الساعة حتى تناكر القلوب، وتختلق الأقاويل، وتختلف الإخوان من الأب والأم في الدين » .
رواه الديلمي.
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه: أنه قال: "إذا ظهر العلم (وفي رواية: القول) وخزن العمل، وائتلفت الألسن واختلفت القلوب، وقطع كل ذي رحم رحمه؛ فعند ذلك لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم".
رواه: الإمام أحمد في "الزهد"، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم؛ موقوفًا على سلمان رضي الله عنه. ورواه: ابن وضاح، والحسن بن سفيان، وأبو نعيم، وغيرهم؛ مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن الحسن مرسلًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إذا أظهر الناس العلم وضيعوا العمل، وتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب، وتقاطعوا في الأرحام؛ لعنهم الله عند ذلك فأصمهم وأعمى أبصارهم » .
رواه ابن أبي الدنيا .(2/203)
باب
ما جاء في التباغض والتلاعن وظهور العداوة
عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري؛ قال: "قال لي أبو الدرداء رضي الله عنه: كيف ترى الناس ؟ قلت: بخير؛ إن دعوتهم واحدة، وإمامهم واحد، وعدوهم منفي، وأعطياتهم وأرزاقهم دارة. قال: فكيف إذا تباغضت قلوبهم، وتلاعنت ألسنتهم، وظهرت عداوتهم، وفسدت ذات بينهم، وضرب بعضهم رقاب بعض ؟ !".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أنه قال: "إذا رأيتم الدم يسفك بغير حقه، والمال يعطى على الكذب، وظهر الشك والتلاعن، وكانت الردة؛ فمن استطاع أن يموت؛ فليمت".
رواه نعيم بن حماد "الفتن".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "خمس أظلتكم؛ من أدرك منهن شيئًا، ثم استطاع أن يموت؛ فليمت: أن يظهر التلاعن على المنابر، ويعطى مال الله على الكذب والبهتان وسفك الدماء بغير حق، وتقطع الأرحام، ويصبح العبد لا يدري أضال هو أم مهتد".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "أما إنكم لن تروا من الدنيا إلا بلاء وفتنة، ولن يزداد الأمر إلا شدة، ولن تروا من الأئمة إلا غلظة، ولن تروا أمرًا يهولكم(2/204)
ويشتد عليكم إلا حقره بعده ما هو أشد منه".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا عملت أمتي خمسًا؛ فعليهم الدمار: إذا ظهر فيهم التلاعن، وشربوا الخمر، ولبسوا الحرير، واتخذوا القيان، واكتفى الرجال بالرجال والسناء بالنساء » .
رواه: البيهقي، وأبو نعيم في "الحلية". وقد رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه عباد بن كثير الرملي، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه جماعة".
باب
ما جاء في كثرة الكذب وتزيين الحديث به
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ويكثر الكذب » ..... الحديث.
رواه الإمام أحمد بإسناد جيد، وقد تقدم ذكره قريبًا.
وعن كعب الأحبار مرسلًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يأتي في آخر الزمان أصحاب الألواح؛ يزينون الحديث بالكذب تزيين الذهب بالجوهر » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن"، وابن وضاح من طريقه. وقد تقدم في الباب قبله حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، وفيه: "ويعطى مال الله على الكذب والبهتان".
رواه الحاكم .
وقد ظهر مصداق هذه الأحاديث كما لا يخفى على من له أدنى علم(2/205)
ومعرفة؛ فقد كثر الكذب في الناس، وخف على ألسنتهم، وكثرت الروايات والقصص المكذوبة، وزينت الكتب الملهية بذلك، واعتمد أكثر التجار في ترويج بضائعهم على الدعايات المكذوبة، وكذلك أهل الصناعات والأعمال إنما عمدتهم في ترويج صناعاتهم وأعمالهم على الدعايات المكذوبة.
وقد روى الحاكم في "مستدركه" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "إذا كثر الكذب؛ كثر الهرج".
قال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
باب
الإخبار عن الظلمة وأعوانهم
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس » ..... الحديث.
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وقد تقدم في (باب الإخبار عن الكاسيات العاريات).
وعنه رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن طالت بك حياة؛ يوشك أن ترى أقوامًا؛ يغدون في سخط الله، ويروحون في لعنته، في أيديهم مثل أذناب البقر » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يكون في هذه »(2/206)
« الأمة في آخر الزمان رجال (أو قال: يخرج رجال من هذه الأمة في آخر الزمان) معهم سياط كأنها أذناب البقر؛ يغدون في سخط الله، ويروحون في غضبه » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني في "الأوسط" و "الكبير"، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقال الهيثمي : "رجال أحمد ثقات".
وفي رواية للطبراني في "الكبير": « سيكون في آخر الزمان شرطة؛ يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله؛ فإياك أن تكون من بطانتهم » .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: قد رأينا من كل شيء قاله لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ غير أنه قال: « يقال لرجال يوم القيامة: اطرحوا سياطكم وادخلوا جهنم » .
رواه: البزار، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "يكون أمراء يعذبونكم ويعذبهم الله ".
رواه الحاكم، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
باب
التخيير بين العجز والفجور
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يأتي عليكم زمان يخير فيه الرجل بين العجز والفجور، فمن أدرك ذلك الزمان؛ فليختر »(2/207)
« العجز على الفجور » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
باب
ما جاء في ذهاب الأخيار وبقاء الأشرار
عن مرداس الأسلمي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يذهب الصالحون الأول فالأول، ويبقى حفالة كحفالة الشعير أو التمر، لا يباليهم الله بالة » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري . وفي رواية للبخاري موقوفة: لا يعبأ الله بهم شيئًا .
قال البخاري رحمه الله تعالى: "يقال: حفالة وحثالة "؛ يعني: أنهما بمعنى واحد. وقال الخطابي : " ( الحثالة)؛ بالفاء وبالمثلثة: الرديء من كل شيء، وقيل: آخر ما يبقى من الشعير والتمر وأردأه". وقال ابن التين : " ( الحثالة): سقط الناس، وأصلها ما يتساقط من قشور التمر والشعير وغيرهما". وقال الداودي : "ما يسقط من الشعير عند الغربلة، ويبقى من التمر بعد الأكل".
وقال ابن الأثير : "وتبقى حفالة كحفالة التمر؛ أي: رذالة من الناس كرديء التمر ونفايته". انتهى.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وجدت لهذا الحديث شاهدًا من رواية الفزارية امرأة عمر؛ بلفظ: "تذهبون الخير فالخير، حتى لا يبقى منكم إلا حثالة كحثالة التمر، ينزو بعضهم على بعض نزو المعز". أخرجه أبو سعيد بن يونس في "تاريخ مصر"، وليس فيه تصريح برفعه، لكن له حكم المرفوع". انتهى.(2/208)
وقوله: "لا يباليهم الله بالة"؛ معناه: لا يرفع لهم قدرًا، ولا يقيم لهم وزنًا. قاله الخطابي وابن الأثير . قال الخطابي : "يقال: باليت بفلان وما باليت به مبالاة وبالية وبالة". وقال ابن الأثير : "أصل بالة: بالية؛ مثل: عافاه الله عافية، فحذفوا الياء منها تخفيفًا؛ يقال: ما باليته وما باليت به؛ أي: لم أكترث به". انتهى.
قلت: وهذا هو معنى قوله في الرواية الأخرى: « لا يعبأ الله بهم شيئًا » .
وعن المستورد بن شداد رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يذهب الصالحون الأول فالأول، وتبقى حثالة كحثالة التمر، لا يبالي الله بهم » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن رويفع بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « تذهبون الخير فالخير، حتى لا يبقى منكم إلا مثل هذا، وأشار إلى حشف التمر » .
رواه: البخاري في "التاريخ"، والطبراني في "الكبير)، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد رواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال: « قرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم تمر ورطب، فأكلوا منه، حتى لم يبق منه شيء إلا نواة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما هذا ؟". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "تذهبون الخير فالخير، حتى لا يبقى منكم إلا مثل هذا » .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لتنتقن كما »(2/209)
« ينتقى التمر من الجفنة، فليذهبن خياركم، وليبقين شراركم، حتى لا يبقى إلا من لا يعبأ الله بهم، فموتوا إن استطعتم » .
رواه: البخاري في "الكنى "، وابن ماجه، والحاكم، وهذا لفظه، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد رواه ابن حبان في "صحيحه" مختصرًا، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تنقون كما ينقى التمر حثالته » .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "يذهب الصالحون أسلافًا، ويبقى أهل الريب ممن لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا".
رواه أبو نعيم وغيره، وله حكم المرفوع؛ لأن مثله لا يقال من قبل الرأي وإنما يقال عن توقيف.
وقال الإمام أحمد في كتاب الصلاة: جاء الحديث: « ترذلون في كل يوم وقد أسرع بخياركم » .
ورواه البخاري في "الأدب المفرد" موصولًا عن الحسن من قوله.
باب
ما جاء في الذين قد مرجت عهودهم وأماناتهم
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « "كيف بكم وبزمان (أو: يوشك أن يأتي زمان) يغربل الناس فيه غربلة، تبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فكانوا هكذا (وشبك بين أصابعه) ؟ ! ". فقالوا: كيف بنا يا رسول الله ؟ قال: "تأخذون ما تعرفون، وتذرون ما تنكرون، وتقبلون على أمر خاصتكم، وتذرون أمر »(2/210)
« عامتكم" » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وفي رواية لأحمد وأبي داود والنسائي والحاكم عنه رضي الله عنه؛ قال: « بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ ذكر الفتنة، فقال: "إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا (وشبك بين أصابعه) ". قال: فقمت إليه، فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك ؟ قال: "الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة » .
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "كيف بك يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت في حثالة من الناس ؟ !". قال: وذاك ما هو يا رسول الله ؟ قال: "ذاك إذا مرجت عهودهم وأمانتهم وصاروا هكذا (وشبك بين أصابعه) ". قال: فكيف أصنع يا رسول الله ؟ قال: " تعمل بما تعرف، وتدع ما تنكر، وتعمل بخاصة نفسك، وتدع عوام الناس » .
رواه: ابن حبان في "صحيحه"، والطبراني في "الأوسط" بإسنادين. قال الهيثمي : "رجال أحدهما رجال الصحيح".
وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه؛ قال: « خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس فيه عمرو بن العاص وابناه، فقال: "كيف ترون إذا أخرتم إلى زمان حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم ونذورهم، فاشتبكوا وكانوا هكذا (وشبك بين أصابعه) ؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "تأخذون ما تعرفون، »(2/211)
« وتدعون ما تنكرون، ويقبل أحدكم على خاصة نفسه، ويذر أمر العامة » .
رواه الطبراني بإسنادين. قال الهيثمي : "رجال أحدهما ثقات".
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "كيف أنت إذا كنت في حثالة من الناس واختلفوا حتى كانوا هكذا (وشبك بين أصابعه)؟ ". قال: الله ورسوله أعلم. قال: "خذ ما تعرف، ودع ما تنكر » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه من لم أعرفه، وزياد بن عبد الله وثقه ابن حبان وضعفه جماعة".
قلت: وما تقدم يشهد له ويقويه.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ستغربلون حتى تصيروا في حثالة من الناس مرجت عهودهم وخربت أمانتهم ". فقال قائل: فكيف بنا يا رسول الله ؟ قال: "تعملون بما تعرفون، وتتركون ما تنكرون، وتقولون: أحد ! أحد ! انصرنا على من ظلمنا، واكفنا من بغانا » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه من لم أعرفهم".
قلت: وما تقدم يشهد له ويقويه.
باب
ما جاء في كثرة القتل والتهاون بالدم
قد تقدم في ذلك عدة أحاديث:
منها حديث حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة.... (فذكر الخصال، ومنها: ) واستخفوا بالدماء » .(2/212)
رواه أبو نعيم في "الحلية"، وقد تقدم بطوله في الباب الثاني من أشراط الساعة.
ومنها حديث أبي موسى رضي الله عنه؛ قال: « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة وأنا شاهد، فقال: " لا يعلمها إلا الله، ولا يجليها لوقتها إلا هو، ولكن سأحدثكم بمشاريطها وما بين يديها، ألا إن بين يديها فتنة وهرجًا". فقيل: يا رسول الله ! أما الفتن؛ فقد عرفناها، فما الهرج ؟ قال: "بلسان الحبشة: القتل » .
رواه الطبراني .
ومنها حديث أبي موسى أيضًا رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "لا تقوم الساعة حتى يكون القرآن عارًا.... (الحديث، وفيه: ) ويكثر الهرج ". قالوا: ما الهرج يا رسول الله ؟ قال: "القتل » .
رواه: ابن أبي الدنيا، والطبراني .
ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن من علامات البلاء وأشراط الساعة: أن تعزب العقول، وتنقص الأحلام، ويكثر القتل » ...... الحديث.
رواه الطبراني .
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « "لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن، ويكثر الكذب، وتتقارب الأسواق، ويتقارب الزمان، ويكثر الهرج ". قيل: وما الهرج ؟ قال: "القتل » .
رواه الإمام أحمد بهذا اللفظ. ورواه: الشيخان، وأبو داود، وابن ماجه؛ بنحوه.(2/213)
ومنها حديث أبي هريرة أيضًا رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « "ويل للعرب من شر قد اقترب؛ ينقص العلم، ويكثر الهرج ". قلت: يا رسول الله ! وما الهرج ؟ قال: "القتل" » .
رواه الإمام أحمد .
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « "لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا، وحتى يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخاف إلا ضلال الطريق، وحتى يكثر الهرج ". قالوا: وما الهرج يا رسول الله ؟ قال: "القتل » .
رواه الإمام أحمد بهذا اللفظ، وروى مسلم بعضه.
ومنها حديث عبد الله بن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « إن بين يدي الساعة لأيامًا؛ ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج، والهرج القتل » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان. ورواه ابن ماجه عن كل منهما على حدته. ورواه أبو داود الطيالسي من حديث ابن مسعود وحده. ورواه الترمذي من حديث أبي موسى وحده، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
وزاد أحمد والبخاري في رواية لهما: "قال أبو موسى : والهرج: القتل بلسان الحبشة". وقد جاء هذا التفسير مرفوعًا من حديث أبي موسى كما تقدم ومن حديث حذيفة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « "سيأتي على أمتي زمان؛ يكثر فيه القراء، ويقل الفقهاء، ويقبض العلم، ويكثر الهرج". قالوا: وما الهرج يا رسول الله ؟ قال: "القتل بينكم » .(2/214)
رواه الطبراني .
ومنها حديث عابس الغفاري رضي الله عنه: « أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يتخوف على أمته ست خصال..........(فذكرها، ومنها: ) الاستخفاف بالدم » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو عبيد القاسم بن سلام، والبخاري في "التاريخ الكبير"، والبزار، والطبراني .
ومنها حديث عوف بن مالك، وحديث الحكم بن عمرو الغفاري، وحديث أبي هريرة؛ رضي الله عنهم؛ في التخوف من الست خصال المذكورة في حديث عابس رضي الله عنه، ومنها سفك الدماء.
ومنها حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: أنه قال: "خمس أظلتكم.... (فذكر الحديث، وفيه: )، وسفك الدماء بغير حق".
رواه الحاكم، وصححه وقال: "على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي على ذلك.
ومنها حديث وابصة بن معبد رضي الله عنه عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « "تكون فتنة؛ النائم فيها خير من المضطجع، والمضطجع فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي خير من الراكب، والراكب خير من المجري، قتلاها كلها في النار". قال: قلت: يا رسول الله ! ومتى ذلك ؟ قال: "ذلك أيام الهرج". قلت: ومتى أيام الهرج ؟ قال: "حين لا يأمن الرجل جليسه". قال: قلت: فما تأمرني إن أدركت ذلك ؟ قال: "اكفف نفسك ويدك، وادخل دارك". قال: قلت: يا رسول الله ! أرأيت إن دخل رجل علي داري ؟ قال: "فادخل بيتك". قال: قلت: أفرأيت إن دخل علي بيتي ؟ قال: "فادخل مسجدك، واصنع هكذا (وقبض بيمينه على الكوع)، وقل: ربي الله ! حتى »(2/215)
« تموت على ذلك » .
رواه: الإمام أحمد، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي على ذلك.
وقد رواه أبو داود مختصرًا، وزاد: « "فلما قتل عثمان؛ طار قلبي مطاره، فركبت حتى أتيت دمشق، فلقيت خريم بن فاتك، فحدثته، فحلف بالله الذي لا إله إلا هو لسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنيه ابن مسعود » .
ومنها حديث خالد بن الوليد رضي الله عنه: "أنه قيل له: إن الفتن قد ظهرت. فقال: وابن الخطاب حي ! إنما تكون بعده، والناس بذي بليان وذي بليان، فينظر الرجل، فيفكر هل يجد مكانًا لم ينزل فيه مثل ما نزل بمكانه الذي هو به من الفتنة والشر، فلا يجد، وتلك الأيام التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدي الساعة أيام الهرج، فنعوذ بالله أن تدركنا وإياكم تلك الأيام ".
رواه: الإمام أحمد، والطبراني . وقد تقدم هذا الحديث والكلام عليه في (باب أمان الناس من الفتن في حياة عمر رضي الله عنه ).
وعن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « "لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج". قالوا: وما الهرج يا رسول الله ؟ قال: "القتل، القتل » .
رواه مسلم .
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة ؟ فقال: "علمها عند ربي، لا يجليها لوقتها إلا هو، ولكن أخبركم بمشاريطها وما يكون بين يديها، إن بين يديها فتنة وهرجًا". قالوا: يا رسول الله ! الفتنة قد عرفناها، فالهرج ما هو ؟ قال: "بلسان الحبشة القتل، ويلقى بين الناس التناكر، فلا يكاد أحد أن يعرف أحدًا » .
رواه الإمام أحمد، ورواته ثقات.(2/216)
وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ قال: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا: "أن بين يدي الساعة الهرج". قيل: وما الهرج ؟ قال: "الكذب والقتل". قالوا: أكثر مما نقتل الآن ؟ قال: "إنه ليس بقتلكم الكفار، ولكنه قتل بعضكم بعضا، حتى يقتل الرجل جاره، ويقتل أخاه، ويقتل عمه، ويقتل ابن عمه". قالوا: سبحان الله ! ومعنا عقولنا ؟ قال: " لا، ألا إنه ينزع عقول أهل ذاك الزمان، حتى يحسب أحدكم أنه على شيء وليس على شيء » .
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، ورواتهما ثقات، وهذا اللفظ لأحمد .
ولفظ ابن ماجه : قال أبو موسى رضي الله عنه: « حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بين يدي الساعة لهرجًا". قال: قلت: يا رسول الله ! ما الهرج ؟ قال: "القتل". فقال بعض المسلمين: يا رسول الله ! إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس بقتل المشركين، ولكن يقتل بعضكم بعضًا، حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته". فقال بعض القوم: يا رسول الله ! ومعنا عقولنا ذلك اليوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا؛ تنزع عقول أكثر ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم » .
ورواه الحاكم بنحوه، وفي إسناده ضعف. ورواه أيضًا بنحوه موقوفًا على أبي موسى، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه: ابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد في "الفتن"؛ مرفوعًا؛ بنحو رواية الإمام أحمد، وزادا بعد قوله: « "ولكن يقتل بعضكم بعضًا حتى يقتل الرجل جاره وأخاه وابن عمه": "فأبلس القوم حتى ما يبدي الرجل منا عن واضحة، فقلنا: ومعنا عقولنا يومئذ ؟ قال: تنزع عقول أكثر أهل ذلك الزمان، ويخلف لها هباء من الناس، يحسب أحدهم أنهم على شيء وليسوا على شيء » .(2/217)
ورواه نعيم بن حماد أيضًا موقوفًا على أبي موسى : أنه قال: "ليكونن بين أهل الإسلام بين يدي الساعة الهرج والقتل، حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وأباه وأخاه، وايم الله لقد خشيت أن يدركني وإياكم".
قال ابن الأثير : " (الهباء) في الأصل: ما ارتفع من تحت سنابك الخيل، والشيء المنبث الذي تراه في ضوء الشمس ". انتهى.
وإنما شبه أهل الهرج بالهباء؛ لأنهم ليسوا بشيء، وليسوا على شيء، فأشبهوا الهباء المنبث الذي يرى ولا حاصل له. وعن مسروق؛ قال: "قدمنا على عمر، فقال: كيف عيشكم ؟ قلنا: أخصب قوم من قوم يخافون الدجال . قال: ما قبل الدجال أخوف عليكم: الهرج. قلت: وما الهرج ؟ قال: القتل، حتى إن الرجل ليقتل أباه".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « والذي نفسي بيده؛ ليأتين على الناس زمان؛ لا يدري القاتل في أي شيء قتل، ولا يدري المقتول على أي شيء قتل » .
رواه مسلم .
وقد رواه ابن أبي شيبة موقوفًا، ولفظه: قال: تقتتل هذه الأمة؛ حتى يقتل القاتل لا يدري على أي شيء قتل، ولا يدري المقتول على أي شيء قتل .
وفي رواية لمسلم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "والذي نفسي بيده؛ لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم؛ لا يدري القاتل فيم قتل، ولا المقتول فيم قتل ". فقيل: كيف يكون ذلك ؟ ! قال: "الهرج، القاتل والمقتول في النار » .(2/218)
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: « والله؛ لو تعلمون ما أعلم؛ لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا، والله؛ ليقعن القتل والموت في هذا الحي من قريش، حتى يأتي الرجل الكناسة، فيجد بها النعل، فيقول: كأنها نعل قرشي » .
رواه ابن أبي شيبة .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "إذا فشا الكذب؛ كثر الهرج".
وراه نعيم بن حماد في "الفتن".
باب
ما جاء في قتل العلماء
عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: « يأتي على الناس زمان يقتل فيه العلماء كما تقتل الكلاب، فيا ليت العلماء في ذلك الزمان تحامقوا ! » .
وراه الديلمي .
باب
ما جاء في تمني الموت وغبطة الأحياء للأموات
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه ! » .
رواه: مالك، وأحمد، والشيخان. زاد أحمد في رواية له: « ما به حب لقاء الله عز وجل » .
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « والذي نفسي بيده؛ لا تذهب »(2/219)
« الدنيا حتى يمر الرجل على القبر، فيتمرغ عليه، ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر ! وليس به الدين إلا البلاء » .
رواه: مسلم، وابن ماجه .
وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ويل للعرب من شر قد اقترب، يوشك أحدكم أن يسعى إلى قبر أخيه أو قبر رحمه، فيقول: يا ليتني مكانك ولا أعاين ما أعاين ! » .
رواه الخطيب البغدادي في "تاريخه".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "يأتي على الناس زمان؛ يأتي الرجل القبر، فيضطجع عليه، فيقول: يا ليتني مكان صاحبه ! ما به حب لقاء الله، ولكن لما يرى من شدة البلاء".
رواه: نعيم بن حماد في "الفتن"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه"، وله حكم الرفع كنظائره.
وعنه رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ليأتين عليكم زمان تغبطون فيه الرجل بخفة الحاذ كما تغبطونه اليوم بكثرة المال والولد، حتى يمر أحدكم بقبر أخيه، فيتمعك كما تمعك الدابة، ويقول: يا ليتني مكانك ! ما به شوق إلى الله، ولا عمل صالح قدمه؛ إلا لما نزل به من البلاء » .
رواه: البزار، والطبراني . قال الهيثمي : "وفيه علي بن يزيد الألهاني، وهو متروك".
قلت: فيما قاله الهيثمي نظر؛ فقد ذكر المنذري عن الإمام أحمد وابن حبان أنهما وثقاه. وقال الحافظ ابن رجب : "إنهم لم يتفقوا على ضعفه، بل قال(2/220)
فيه أبو مسهر، وهو من أهل بلده، وهو أعلم بأهل بلده من غيرهم، قال فيه: ما أعلم فيه إلا خيرًا". وقال ابن عدي : "هو نفسه صالح؛ إلا أن يروي عن ضعيف، فيؤتى من قبل ذلك الضعيف". وقال المنذري : "حسن الترمذي غير ما حديث عن علي بن يزيد عن القاسم ".
قلت: وعلى هذا؛ فحديثه من قبيل الحسن، ولا وجه لما قاله الهيثمي . والله أعلم.
قال ابن الأثير : "الحاذ والحال واحد، والخفيف الحاذ؛ أي: خفيف الظهر من العيال، ومنه الحديث: ليأتين على الناس زمان يغبط فيه الرجل بخفة الحاذ كما يغبط اليوم أبو العشرة ، ضربه مثلًا لقلة المال والعيال ".
وكذا قال ابن منظور في "لسان العرب".
وعن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت : "أنه قال: وددت أن أهلي حين تعشوا عشاءهم، واغتبقوا غبوقهم؛ أصبحوا موتى على فرشهم. قيل: يا أبا فلان ! ألست على غنى ؟ قال: بلى، ولكني سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقول: يوشك يا ابن أخي إن عشت إلى قريب أن ترى الرجل يغبط بخفة الحال كما يغبط اليوم أبو العشرة الرجال، ويوشك إن عشت إلى قريب أن ترى الرجل الذي لا يعرفه السلطان ولا يدنيه ولا يكرمه يغبط كما يغبط اليوم الذي يعرفه السلطان ويدنيه ويكرمه، ويوشك يا ابن أخي إن عشت إلى قريب أن يمر بالجنازة في السوق، فيرفع الرجل رأسه، فيقول: يا ليتني على أعوادها ! قال: قلت: تدري ما بهم ؟ قال: على ما كان ؟ قلت: إن ذلك بين يدي أمر عظيم. قال: أجل؛ عظيم عظيم عظيم ".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".(2/221)
وعن أبي ذر أيضًا رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى يرى الحي الميت على أعواده، فيقول: يا ليته كان مكان هذا ! فيقول له القائل: هل تدري على ما مات ؟ فيقول: كائنًا ما كان » .
رواه الديلمي .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل على القبر، فيقول: لوددت أني مكان صاحبه مما يلقى الناس من الفتن » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "ليأتين عليكم زمان يتمنى الرجل فيه الموت من غير فقر".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنه قال: "يأتي على الناس زمان يتمنى الرجل ذو الشرف والمال والولد الموت؛ مما يرى من البلاء من ولاتهم".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: "ليأتين على الناس زمان الموت فيه أحب إلى أحدهم من الغسل بالماء البارد في اليوم القائظ، ثم لا يموت".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن؛ قال: "عدت أبا هريرة، فسندته إلى صدري، ثم قلت: اللهم اشف أبا هريرة ! فقال: اللهم لا ترجعها. ثم قال: إن استطعت يا أبا سلمة أن تموت؛ فمت. فقلت: يا أبا هريرة ! إنا لنحب الحياة.(2/222)
فقال: والذي نفس أبي هريرة بيده؛ ليأتين على العلماء زمان الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر، ليأتين أحدكم قبر أخيه، فيقول: ليتني مكانه".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
باب
الحث على كثرة الدعاء في آخر الزمان
عن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "يأتي عليكم زمان لا ينجو فيه إلا من دعا دعاء الغرق".
رواه: ابن أبي شيبة، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: "تكون فتنة لا ينجي منها إلا دعاء كدعاء الغرق".
رواه ابن أبي شيبة .
باب
ما جاء في خروج الفئام من الدين وعبادتهم الأوثان
عن ثوبان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها..... (الحديث، وفيه: ) ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والحاكم، وقال: صحيح(2/223)
على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه"، وأصله في "صحيح مسلم ".
ورواه البرقاني في "صحيحه"، ولفظه: « ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان » .
ورواه الترمذي مختصرًا، ولفظه: « لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان » .
وقال: "هذا حديث صحيح".
ورواه ابن وضاح، ولفظه: « لن تقوم الساعة حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد الأوثان » .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى يرجع ناس من أمتي إلى أوثان يعبدونها من دون الله » .
رواه أبو داو الطيالسي في "مسنده".
وعنه رضي الله عنه؛ قال: « تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا } ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليخرجن منه أفواجًا كما دخلوا فيه أفواجًا » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن الناس دخلوا في دين الله أفواجًا، وسيخرجون منه أفواجًا » .
رواه الإمام أحمد .(2/224)
وقد ظهر مصداق هذه الأحاديث، فخرج الناس من دين الله أفواجًا، وعظمت الفتنة بالقبور في مشارق الأرض ومغاربها، واتخذ كثير منها أوثانًا تعبد من دون الله، وعظمت الفتنة أيضًا بالاشتراكية الشيوعية والحكم بالقوانين الوضعية؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة » . وكانت صنمًا تعبدها دوس في الجاهلية بتبالة.
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
وقد وقع الأمر طبق ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح، وعظم افتتان أهل تبالة ومن حولهم من القبائل بذي الخلصة، وأعادوا سيرتها الأولى في الجاهلية، حتى ظهر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، فدعا إلى التوحيد، وجدد ما اندرس من معالم الدين، وسعى في محو الشرك ووسائله وما يدعو إليه ويرغب فيه، فبعث إمام المسلمين في ذلك الزمان - وهو عبد العزيز بن محمد بن سعود رحمة الله تعالى عليه وعلى من كان السبب في إمامته - جماعة من المسلمين إلى ذي الخلصة، فخربوها، وهدموا بعض بنائها، وبقي بعضه قائمًا، وزال الافتنان بها في زمن ولاية النجديين على الحجاز، ولما زالت ولايتهم عن الحجاز؛ عاد الجهال إلى ما كانوا عليه من الافتنان بها، حتى ولي الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود على الحجاز وما حوله، فبعث عامله على تلك النواحي جماعة من المسلمين، فهدموا ما بقي من بنائها، ورموا بأنقاضها في الوادي، فعفى بعد ذلك رسمها، وانقطع أثرها، ولله الحمد والمنة، وذلك في سنة ألف وثلاثمائة وأربع وأربعين أو خمس وأربعين من الهجرة.(2/225)
وقد ذكر بعض الأخباريين عن بعض الذين شاهدوا هدمها في هذه المرة الأخيرة أن بناءها كان قويًا محكمًا، وأن أحجارها كانت ضخمة جدًا؛ بحيث لا يقوى على زحزحة الحجر الواحد أقل من أربعين رجلًا.
فالحمد لله الذي يسر هدمها ومحو أثرها غيرها من الأوثان والأشجار والأحجار، التي قد اتخذت آلهة تعبد من دون الله، والله المسؤول أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وييسر محو ما سوى ذلك من المعابد الوثنية والمعتقدات الجاهلية التي قد عظم شرها والافتنان بها في أكثر الأقطار الإسلامية؛ إن الله على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى تدافع نساء بني عامر على ذي الخلصة (وثن كان يسمي في الجاهلية) ".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه": "على شرط البخاري ومسلم "، وقد تقدم هذا الحديث في (باب قتال الترك)، وفيه قصة.
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء حول الأصنام".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن محمد بن سيرين؛ قال: كنا نتحدث أنه تكون ردة شديدة، حتى يرجع ناس من العرب يعبدون الأصنام بذي الخلصة". رواه ابن أبن شيبة .
وقد وقع مصداق هذه الآثار في زماننا وقبله بزمان طويل، فكانت النساء تزاحم الرجال عند القبور المعظمة عند الجهال، وتضطرب ألياتهن في حال(2/226)
طوافهن على تلك الأوثان، وما أكثرها في هذه الأزمان ! والله المسؤول أن ييسر هدمها ومحو آثارها بالكلية، إنه على كل شيء قدير.
وعن محمد بن عبيد المكي؛ قال: "قيل لابن عباس رضي الله عنهما: إن رجلًا قدم علينا يكذب بالقدر، فقال: دلوني عليه - وهو يومئذ قد عمي - قالوا: وما تصنع به يا أبا عباس ؟ قال: والذي نفسي بيده؛ لئن استمكنت منه لأعضن أنفه حتى أقطعه، ولئن وقعت رقبته في يدي؛ لأدقنها؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « كأني نساء بني فهر يطفن بالخزرج تصطفق ألياتهن مشركات » ، هذا أول شرك هذه الأمة، والذي نفسي بيده؛ لينتهين بهم سوء رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يكون قدر خيرًا كما أخرجوه من أن يكون قدر شرًا".
رواه الإمام أحمد .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى تنصب الأوثان، وأول من ينصبها أهل حضر من تهامة » .
رواه: نعيم بن حماد في "الفتن"، وابن وضاح من طريقه.
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى تنصب فيها الأوثان وتعبد"؛ يعني: في المحاريب.
رواه ابن وضاح .
وقد وقع مصداق هذا الأثر في الجامع الأزهر كما ذكره بعض المصنفين عن بعض علماء المصريين: أنه قال لما قامت الحركة الوطنية عقب الحرب العظمى السابقة، واتحد هؤلاء المارقون مع الأقباط ليطالبوا بالاستقلال، كان مقر اجتماعهم الجامع الأزهر، ومنه كانت تنظم المظاهرات، فكان يعمر بالأقباط والقسس منهم، يصعدون إلى المنبر خطباء مناوبة مع المصريين. قال:(2/227)
وذات يوم كان المسمى مصطفى القاياتي - وهو من المدرسين في الأزهر - حاضرًا معهم، فأخذ الصليب، ووضعه في محراب الأزهر، وقام خطيبًا، فدعا إلى اتحاد الإسلام والنصرانية القبطية، ودعا الحاضرين إلى صلاة ركعتين جميعًا مع وضع الصليب في المحراب، وكبر وصلى ركعتين والصليب أمامه يصلى له ولله معًا في زعمه. انتهى.
قلت: والصليب من الأوثان؛ كما في حديث عدي بن خاتم رضي الله عنه؛ قال: « قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال لي: "ألق هذا الوثن عنك » .
رواه: البخاري في "التاريخ الكبير"، والترمذي، وقال: "حسن غريب".
ومن إطلاق الوثن على الصليب قول الأعشى :
تطوف العفاة بأبوابه ... كطوف النصارى ببيت الوثن
قال الأزهري عن شمر : "أراد بالوثن: الصليب". نقله عنه ابن منظور في "لسان العرب".
وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى". فقلت: يا رسول الله ! إن كنت لأظن حين أنزل الله: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } أن ذلك تامًا ؟ قال: "إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحًا طيبة، فتوفى كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم » .
رواه مسلم .
وقد افتتن الجهال في القرون الأخيرة بقبر ابن عباس رضي الله عنهما،(2/228)
وأعادوا بذلك سيرة أهل الجاهلية في قبر اللات، فظهر بذلك مصداق هذا الحديث الصحيح، وقبر ابن عباس رضي الله عنهما، وإن لم يكن في موضع اللات بنفسه؛ فإنه قريب منه في الموضع، وشبيه به فيما يفعل عنده من الشرك؛ لأن كلا منهما في ناحية من نواحي المسجد المسمى بمسجد ابن عباس، وقد قيل: إن موضع اللات في موضع المنارة من ذلك المسجد، وأما قبر ابن عباس رضي الله عنهما؛ فمعروف مشهور، وقد اتخذه الضلال من آخر هذه الأمة وثنًا يعظمونه كما كان أهل الجاهلية يعظمون اللات من قبل، ويدعونه، ويلجؤون إليه في قضاء الحاجات وتفريج الكربات؛ كما كانت ثقيف ومن حولها من أحياء العرب يدعون اللات ويلجؤون إليها، فغلو الضلال من هذه الأمة في ابن عباس رضي الله عنهما شبيه بغلو المشركين الأولين في اللات.
قال الشيخ حسين بن غنام في كتابه "روضة الأفكار والأفهام": "وفي الطائف قبر ابن عباس رضي الله عنهما، يقف عنده كل مكروب وخائف متضرعًا مستغيثًا، وينادي أكثر الباعة في الأسواق: اليوم على الله وعليك يا ابن عباس ! ويسألونه الحاجات ويسترزقونه" انتهى.
وذكر الشيخ حسين بن مهدي النعمي اليمني في كتابه "معارج الألباب": "أنه سمع بعض الأفاضل يحدث أن رجلين قصدا الطائف من مكة المشرفة، وأحدهما يزعم أنه من أهل العلم، فقال له رفيقه ببديهة الفطرة: أهل الطائف لا يعرفون الله إنما يعرفون ابن عباس ! فأجابه بأن معرفتهم لابن عباس كافية لأنه يعرف الله". انتهى.
وإذا كانت هذه حال من يزعم أنه من أهل العلم؛ فكيف بالعوام ؟ .
وقد أزيلت آثار الوثنية من قبر ابن عباس رضي الله عنهما مرتين: إحداهما: في حدود سنة عشرين بعد المئتين والألف. والثانية: في آخر سنة(2/229)
اثنتين وأربعين وثلاثمائة وألف. وكلتا المرتين على أيدي أهل نجد، كما أزيلت آثار الوثنية من اللات والعزى على أيدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأمره صلوات الله وسلامه عليه.
فالحمد لله الذي جعل النجديين يتمسكون بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويقتفون آثاره وآثار أصحابه رضي الله عنهم.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يخرج الدجال في أمتي.... (فذكر الحديث، وفيه: ) قال: فيبقى شرار الناس؛ في خفة الطير وأحلام السباع، لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا، فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: ألا تستجيبون ؟ فيقولون: فما تأمرنا ؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دار رزقهم حسن عيشهم » ..... الحديث.
رواه: الإمام أحمد، ومسلم .
وسيأتي بتمامه في ذكر نزول عيسى ابن مريم إن شاء الله تعالى.
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى يتهارجوا في الطرق تهارج الحمر، فيأتيهم إبليس، فيصرفهم إلى عبادة الأوثان".
رواه ابن أبي شيبة .
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى يبعث الله ريحًا لا تدع أحدًا في قلبه مثقال ذرة من تقى أونهى إلا قبضته، ويلحق كل قوم بما كان يعبد آباؤهم في الجاهلية ".
رواه الحاكم في "مستدركه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى تعبد العرب ما كانت تعبد آباؤها مائة وخمسين عامًا » .(2/230)
رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده"، وإسناده ضعيف.
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: « بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثًا إلى دومة الجندل، فقال: "انطلقوا؛ فإنكم تجدون أكيدر دومة خارجًا يقتنص الصيد، فخذوه أخذًا". فانطلقوا، فوجدوه كما قال لهم، فأخذوه، وتحصن أهل المدينة، وأشرفوا على المسلمين يكلمونهم، قال: يقول رجل من المسلمين لبعض من أشرف: أذكرك الله؛ هل تجدون محمدًا في كتابكم ؟ قال: لا. قال آخر إلى جنبه نجده في كتابنا يشبه قرشيان، يخطره قلم من الشيطان. فقال الرجل: يا أبا بكر ! أليس قد كفر هؤلاء ؟ قال: بلى؛ وأنتم ستكفرون. فلما رجع الجيش، وخرج مسيلمة فتنبأ، قال الرجل لأبي بكر : أما تذكر قولك ونحن بدومة الجندل: وأنتم سوف تكفرون ؟ ذاك أمر مسيلمة . قال: لا؛ ذاك في آخر الزمان » .
رواه الحاكم، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه"، وله حكم الرفع كنظائره.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: « لا تقوم الساعة حتى يكفروا بالله جهرًا، وذلك عند كلامهم في ربهم » .
رواه: الطبراني في "الأوسط"، والحاكم في "تاريخه".
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "يأتي على الناس زمان، لو اعترضهم في الجمعة نبل؛ ما أصابت إلا كافرًا".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن خرشه بن الحر؛ قال: "قال حذيفة رضي الله عنه: كيف أنتم إذا انفرجتم عن دينكم انفراج المرأة عن قبلها لا تمنع من يأتيها. فقال رجل: قبح الله العاجز. قال: بل قبحت أنت".(2/231)
رواه: ابن وضاح، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه ابن أبي شيبة، ولفظه: قال: "كيف أنتم إذا انفرجتم عن دينكم كما تنفرج المرأة عن قبلها لا تمنع من يأتيها. قالوا: لا ندري ، قال: لكني والله أدري، أنتم يومئذ بين عاجز وفاجر. فقال رجل من القوم: قبح العاجز عن ذاك. قال: يضرب ظهره حذيفة مرارًا، ثم قال: قبحت أنت، قبحت أنت".
وإنما قال حذيفة رضي الله عنه للرجل ما قال؛ لأن العجز هو المطلوب في ذلك الزمان؛ لما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يأتي على الناس زمان، يخير فيه الرجل بين العجز والفجور، فمن أدرك ذلك الزمان؛ فليختر العجز على الفجور » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والحاكم . وقد تقدم في (باب التخيير بين العجز والفجور).
وعن حذيفة أيضًا رضي الله عنه: "أنه أخذ حصاة بيضاء، فوضعها في كفه، ثم قال: إن هذا الدين قد استضاء استضاءة هذه الحصاة. ثم أخذ كفًا من تراب، فجعل يذره على الحصاة حتى واراها، ثم قال: والذي نفسي بيده؛ ليجيئن أقوام يدفنون الدين كما دفنت هذه الحصاة".
رواه ابن وضاح .
وعن علي رضي الله عنه: أنه قال: "تعلموا العلم؛ تعرفوا به، واعملوا به؛ تكونوا من أهله؛ فإنه سيأتي بعدكم زمان؛ ينكر الحق فيه تسعة أعشارهم، لا ينجو فيه إلا كل مؤمن نومة، أولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم".
رواه: الإمام أحمد في "الزهد"، وابن وضاح، وزاد: "قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما النومة ؟ قال: الرجل يسكت في الفتنة فلا يبدو منه(2/232)
شيء".
وقال ابن الأثير : " (النومة)؛ بوزن الهمزة: الخامل الذكر الذي لا يؤبه له. وقيل: الغامض في الناس الذي لا يعرف الشر وأهله. وقيل: النومة؛ بالتحريك: الكثير النوم، وأما الخامل الذي لا يؤبه له؛ فهو بالتسكين، ومن الأول حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ أنه قال لعلي رضي الله عنه: ما النومة ؟ قال: الذي يسكت في الفتنة فلا يبدو منه شيء". انتهى.
وعن ميمونة رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: « كيف أنتم إذا مرج الدين، وظهرت الرغبة، واختلف الإخوان، وحرق البيت العتيق ؟ ! » .
رواه: الإمام أحمد، وابن وضاح، ورواتهما ثقات.
ورواه ابن أبي شيبة بمثله، ورواه الطبراني، ولفظه: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لنا ذات يوم: « ما أنتم إذا مرج الدين، وسفك الدماء، وظهرت الزينة، وشرف البنيان، واختلف الإخوان، وحرق البيت العتيق ؟ ! » .
قال الهيثمي : "رجاله ثقات".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر أردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم ؛ شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود .
وقد اختلف في معنى هذا الحديث: فقيل: معناه أنهم يسلمون، فيسقط عنهم الخراج. ورجحه البيهقي . وقيل: معناه أنهم يرجعون عن الطاعة، ولا يؤدون الخراج المضروب عليهم، لهذا قال: وعدتم من حيث بدأتم؛ أي:(2/233)
رجعتم إلى ما كنتم عليه قبل ذلك. ورجح هذا القول ابن كثير، ولم يحك الخطابي في "معالم السنن" سواه.
واستشهد له ابن كثير بما رواه الإمام أحمد ومسلم من حديث أبي نضرة؛ قال: كنا عند جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم. قيل: من أين ذلك ؟ قال: من قبل العجم؛ يمنعون ذلك. ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدي. قلنا: من أين ذلك ؟ قال: من قبل الروم.
قلت: وأصرح من هذا ما رواه الإمام أحمد والبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: "كيف أنتم إذا لم تجتبوا دينارًا ولا درهما ؟ ! فقيل له: وكيف ترى ذلك كائنًا يا أبا هريرة ؟ قال: إي؛ والذي نفس أبي هريرة بيده عن قول الصادق المصدوق. قالوا: عم ذلك ؟ قال: تنتهك ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيشد الله عز وجل قلوب أهل الذمة، فيمنعون ما في أيديهم.
والذي يظهر لي في معنى قوله: « منعت العراق درهمها » ...." الحديث: أن ذلك إشارة إلى ما صار إليه الأمر في زماننا وقبله بأزمان، من استيلاء الأعاجم من الإفرنج وغيرهم على هذه الأمصار المذكورة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وانعكاس الأمور بسبب ذلك، حتى صار أهل الذمة أقوى من المسلمين وأعظم شوكة، فامتنعوا من أحكام الإسلام التي كانت تجري عليهم من قبل، وانتقض حكم الخراج وغيره، ثم زاد الأمر شدة، فوضعت قوانين أعداء الله ونظمهم مكان الأحكام الشرعية، وألزموا بها من تحت أيديهم من المسلمين، والذين انفلتوا من أيدي المتغلبين عليهم ما زالوا على ما عهدوه من تحكيم القوانين وسنن أعداء الله تعالى، والتخلق بأخلاقهم الرذيلة، بل على شر مما عهدوه؛ كما لا يخفى على من له أدنى علم ومعرفة.(2/234)
وفي قوله: « وعدتم من حيث بدأتم » : إشارة إلى استحكام غربة الإسلام ورجوعه إلى مقره الأول؛ كما في الحديث الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وابن ماجه؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي رواية لأحمد : « إن الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها » .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها » .
رواه مسلم .
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
رواه الإمام أحمد وغيره.
وعن عبد الرحمن بن سنة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه أيضًا.
رواه: عبد الله ابن الإمام أحمد، والطبراني .
وعن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك أيضًا.
رواه الترمذي .
وقد تقدمت هذه الأحاديث في باب غربة الإسلام، وما ذكر فيها من انضمام الإيمان إلى المدينة وما حولها لم يقع إلى الآن، ويوشك أن يقع. والله المستعان.
ويؤيد ما قلته في معنى الحديث ما رواه الحاكم في "مستدركه" عن جابر(2/235)
بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه قال: "يوشك أهل العراق أن لا يجيء إليهم درهم ولا قفيز.... (الحديث، وفيه: ) ثم قال: والذي نفسي بيده؛ ليعودن الأمر كما بدأ، ليعودن كل إيمان إلى المدينة كما بدأ منها، حتى يكون كل إيمان بالمدينة ".
قال الحاكم : "صحيح على شرط مسلم "، وأقره الذهبي في "تلخيصه".
وقد تقدم في باب انضمام الإيمان إلى الحرمين.
باب
ما جاء في فشو الفالج وموت الفجأة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من اقتراب الساعة أن يفشو الفالج وموت الفجأة » .
رواه الدينوري في "المجالسة".
ورواه الطبراني في "الصغير" و "الأوسط"، ولفظه: « من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلًا فيقال: لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقًا، وأن يظهر موت الفجأة » .
فيه الهيثم بن خالد المصيصي شيخ الطبراني؛ قال الهيثمي : "وهو ضعيف".
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة..... (فذكر الحديث، وفيه: ) وكثر الطلاق وموت الفجأة » .
رواه أبو نعيم في "الحلية"، وقد تقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة.(2/236)
وعن الشعبي : أنه قال: "كان يقال: من اقتراب الساعة موت الفجأة".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن مجاهد : أنه قال: " من أشراط الساعة موت البدار". رواه ابن أبي شيبة .
(البدار)؛ معناه: سرعة الموت، وهو بمعنى الفجأة، يقال: بادره مباردة وبدارًا: عاجله وأسرع إليه.
وقد كثر موت الفجأة والبدار في زماننا، وخصوصًا بحوادث السيارات؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
باب
ما جاء في كثرة الصواعق
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة، حتى يأتي الرجل القوم، فيقول: من صعق قبلكم الغداة ؟ فيقولون:صعق فلان وفلان » .
رواه: الإمام أحمد عن محمد بن مصعب القرقساني عن عمارة بن مهران المعولي عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه.
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" بهذا الإسناد، ولفظه: قال: « تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة، فيصبح القوم، فيقولون: من صعق البارحة ؟ فيقولون: صعق فلان وفلان » .
قال الحاكم : "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، قال الذهبي : "قلت عمارة ثقة لم يخرجوا له".(2/237)
قلت: ومحمد بن مصعب لم يخرج له مسلم، وإنما خرج له الترمذي وابن ماجه، وقد ضعفه النسائي، وقال أبو زرعة : "صدوق ولكنه حدث بأحاديث منكرة"، فقال له ابن أبي حاتم : "فليس هذا مما يضعفه". قال: "نظن أنه غلط فيها".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: "يوشك أن لا تجدوا بيوتًا تكنكم؛ تهلكها الرواجف، ولا دواب تبلغوا عليها في أسفاركم؛ تهلكها الصواعق".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
باب
ما جاء في كثرة الزلازل
عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، ويتقارب الزمان، وتكثر الزلازل، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج". قيل: الهرج أيما هو يا رسول الله ؟ قال: "القتل القتل » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري .
وعن سلمة بن نفيل السكوني - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « بين يدي الساعة موتان شديد، وبعده سنوات الزلازل » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والبزار، وأبو يعلى . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات". ورواه: ابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وقال الذهبي : "لم يخرجا لأرطاة (يعني: ابن المنذر، أحد رواته)، وهو ثبت، والخبر من غرائب الصحاح".(2/238)
وسيأتي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الباب بعده، وفيه الإخبار عن الزلزلة، ويأتي فيه أيضًا ذكر الرجف في خمسة أحاديث.
باب
ما جاء في الريح العقيم والخسف والمسخ والقذف
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة؛ حل بها البلاء". قيل: وما هي يا رسول الله ؟ قال: "إذا كان المغنم دولًا، والأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا، وأطاع الرجل زوجته وعق أمه، وبر صديقه وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وشربت الخمور، ولبس الحرير، واتخذت القيان والمعازف، ولعن آخر الأمة أولها؛ فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء أو خسفًا أو مسخًا » .
رواه الترمذي بهذا اللفظ، وابن أبي الدنيا، وعنده: « فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء وخسفًا ومسخًا » . قال الترمذي : "هذا حديث غريب".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا اتخذ الفيء دولًا، والأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا، وتعلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه، وأدنى صديقه وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها؛ فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء وزلزلة وخسفًا ومسخًا وقذفًا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع » .
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث غريب".(2/239)
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة..... (فذكر الحديث بطوله، وفي آخره: ) واتخذت القيان والمعازف، وشربت الخمور في الطرق، واتخذ الظلم فخرًا، وبيع الحكم، وكثرت الشرط، واتخذ القرآن مزامير، وجلود السباع صفافًا، ولعن آخر هذه الأمة أولها؛ فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء وزلزلة وخسفًا ومسخًا وقذفًا وآيات » .
رواه أبو نعيم في "الحلية"، وقد ذكرته بتمامه في الباب الثاني من أشراط الساعة .
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « تبيت طائفة من أمتي على أكل وشرب ولهو ولعب، ثم يصبحون قردة وخنازير، ويبعث على أحياء من أحيائهم ريح، فتنسفهم كما نسفت من كان قبلهم؛ باستحلالهم الخمور، وضربهم بالدفوف، واتخاذهم القينات » .
رواه: الإمام أحمد، وسعيد بن منصور .
وقد رواه أبو داود الطيالسي مطولًا، ولفظه: قال: « يبيت قوم من هذه الأمة على طعم وشرب ولهو ولعب، فيصبحون قد مسخوا قردة وخنازير، وليصيبنهم خسف وقذف، حتى يصبح الناس فيقولون: خسف الليلة ببني فلان وبني فلان، وخسف الليلة بدار فلان خواص، وليرسلن عليهم حاصبًا حجارة من السماء كما أرسلت على قوم لوط على قبائل منها وعلى دور، وليرسلن عليهم الريح العقيم التي أهلكت عادًا على قبائل فيها وعلى دور؛ بشربهم الخمر، ولبسهم الحرير، واتخاذهم القينات، وأكلهم الربا، وقطيعتهم الرحم » .
ورواه: ابن أبي الدنيا، والحاكم في "مستدركه"، وأبو نعيم في "الحلية"؛ بنحوه.
وعن مالك الكندي مرفوعًا: « ليكونن من هذه الأمة قوم قردة وخنازير، »(2/240)
« وليصبحن فيقال: خسف بدار بني فلان ودار بني فلان، وبينما الرجلان يمشيان؛ يخسف بأحدهما؛ بشرب الخمور ولباس الحرير والضرب بالمعازف والزمارة » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « تمسخ طائفة من أمتي قردة، وطائفة خنازير، ويخسف بطائفة، ويرسل على طائفة الريح العقيم؛ بأنهم شربوا الخمر، ولبسوا الحرير، واتخذوا القيان، وضربوا بالدفوف » .
رواه ابن أبي الدنيا .
وعن عبد الرحمن بن غنم الأشعري؛ قال: حدثني أبو عامر (أو أبو مالك) الأشعري رضي الله عنه، والله ما كذبني: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غدًا، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة » .
رواه: البخاري بهذا اللفظ، وأبو داود مختصرًا.
وعن عبد الرحمن بن غنم أيضًا رضي الله عنه عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير » . رواه: الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والطبراني، والبيهقي . ورواه: البخاري في "التاريخ الكبير"، وأبو داود في "سننه"؛ مختصرًا.(2/241)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى يكون في أمتي خسف ومسخ وقذف » .
رواه ابن حبان في "صحيحه".
وعن عبد الله (وهو ابن مسعود ) رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « بين يدي الساعة مسخ وخسف وقذف » .
رواه ابن ماجه .
وعن أبي الزبير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يكون في أمتي خسف ومسخ وقذف » .
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "إن كان أبو الزبير سمع من عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ فإنه صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
قلت: وقد ذكر الذهبي في "الميزان" عن الحسن بن سعيد الخولاني : حدثنا يحيى بن بكير : حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير؛ قال: "رأيت العبادلة يرجعون على صدور أقدامهم في الصلاة: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس؛ رضي الله عنهم ". وإذا كان أبو الزبير قد لقي عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ فروايته عنه متصلة، وحديثه الذي ذكرنا صحيح على شرط مسلم ".
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « " في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف". فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله ! ومتى ذلك ؟ قال: "إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور » .
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث غريب".(2/242)
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يكون في أمتي الخسف والمسخ والقذف؛ باتخاذهم القينات وشربهم الخمور » .
رواه الطبراني .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يكون في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، في متخذي القيان وشاربي الخمر ولابسي الحرير » .
رواه الطبراني في "الصغير" و "الأوسط". قال الهيثمي : (وفيه زياد بن أبي زياد الجصاص وثقه ابن حبان، وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات".
وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "يكون في أمتي خسف ومسخ وقذف". قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله ! وهم يقولون: لا إله إلا الله ؟ فقال: "إذا ظهرت القينات، وظهر الزنى، وشربت الخمر، ولبس الحرير؛ كان ذا عند ذا » .
رواه ابن أبي الدنيا .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "يمسخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير". قالوا: يا رسول الله ! أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ؟ قال: "بلى، ويصومون ويصلون ويحجون". قيل: فما بالهم ؟ قال: "اتخذوا المعازف والدفوف والقينات، فباتوا على شربهم ولهوهم، فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير » .
رواه: سعيد بن منصور، وابن أبي الدنيا، وأبو نعيم في "الحلية".
وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « يكون في آخر أمتي خسف ومسخ وقذف » .(2/243)
رواه ابن ماجه .
وقد رواه ابن أبي الدنيا بأطول من هذا، ولفظه: قال: « "يكون في أمتي خسف وقذف ومسخ". قيل: يا رسول الله ! متى ؟ قال: "إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمرة » .
ورواه الطبراني في "الكبير"، ولفظه: « "سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ". قيل: ومتى ذلك يا رسول الله ؟ قال: "إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمر » .
قال الهيثمي : "فيه عبد الله بن أبي الزناد، وفيه ضعف، وبقية رجال إحدى الطريقين رجال الصحيح".
وعن أنس رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ، وذاك إذا شربوا الخمور واتخذوا القينات وضربوا بالمعازف » .
رواه ابن أبي الدنيا .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليبيتن قوم من هذه الأمة على طعام وشراب ولهو، فيصبحوا قد مسخوا قردة وخنازير » . رواه الطبراني .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليبيتن رجال على أكل وشرب وعزف، فيصبحون على أرائكهم ممسوخين قردة وخنازير » .
رواه ابن أبي الدنيا .
وعن فرقد السبخي؛ قال: حدثنا أبو منيب الشامي عن أبي عطاء عن(2/244)
عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وحدثني شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وحدثني عاصم بن عمرو البجلي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وحدثني سعيد بن المسيب ( أو: حدثت عنه) عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « والذي نفس محمد بيده؛ ليبيتن ناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو، فيصبحوا قردة وخنازير؛ باستحلالهم المحارم، واتخاذهم القينات، وشربهم الخمر، وأكلهم الربا، ولبسهم الحرير » .
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند"، ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة وحده. وقد اختلف في فرقد السبخي، والأكثرون على تضعيفه، وقال عثمان الدارمي عن ابن معين : "هو ثقة"، وقال أحمد : "رجل صالح".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « "والذي بعثني بالحق؛ لا تنقضي هذه الدنيا حتى يقع بهم الخسف والمسخ والقذف". قالوا: ومتى ذلك يا نبي الله ؟ قال: "إذا رأيت النساء قد ركبن السروج، وكثرت القينات، وشهد شهادات الزور، وشرب المسلمون في آنية أهل الشرك؛ الذهب والفضة، واستغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء » .
رواه: البزار، والطبراني في "الأوسط"، والحاكم في "مستدركه"، واللفظ له.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « "لا بد من خسف ومسخ وقذف ". قالوا: يا رسول الله ! في هذه الأمة ؟ قال: "نعم؛ إذا اتخذوا القيان، واستحلوا الزنى، وأكلوا الربا، واستحلوا الصيد في الحرم، ولبس الحرير، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء » .(2/245)
رواه ابن النجار .
وعن عروة بن رويم عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا عملت أمتي خمسًا؛ فعليهم الدمار: إذا ظهر فيهم التلاعن، وشربوا الخمر، ولبسوا الحرير، واتخذوا القينات، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء » .
رواه: البيهقي، وأبو نعيم في "الحلية".
وقد رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه عباد بن كثير الرملي : وثقه ابن معين وغيره، وضعفه جماعة".
وعن أشرس بن شيبان الهذلي؛ قال: "قلت لفرقد السبخي : أخبرني يا أبا يعقوب من تلك الغرائب التي قرأت في التوراة. فقال: يا أبا شيبان ! والله ما أكذب على ربي (مرتين أو ثلاثًا"؛ لقد قرأت في التوراة: ليكونن مسخ وخسف وقذف في أمة محمد صلى الله عليه وسلم في أهل القبلة . قال: قلت: يا أبا يعقوب ! ما أعمالهم ؟ قال: باتخاذهم القينات، وضربهم بالدفوف، ولباسهم الحرير والذهب، ولئن بقيت حتى ترى أعمالًا ثلاثة؛ فاستيقن واستعد واحذر. قال: قلت: ما هي ؟ قال: إذا تكافأ الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، ورغبت العرب في آنية العجم؛ فعند ذلك. قلت له: العرب خاصة ؟ قال: لا؛ بل أهل القبلة. ثم قال: والله؛ ليقذفن رجال من السماء بحجارة يشدخون بها في طرقهم وقبائلهم كما فعل بقوم لوط ، وليمسخن آخرون قردة وخنازير كما فعل ببني إسرائيل، وليخسفن بقوم كما خسف بقارون ".
رواه ابن أبي الدنيا .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: « لا تقوم الساعة حتى ترضخ رؤوس أقوام بكواكب من السماء باستحلالهم عمل قوم لوط » .(2/246)
رواه الديلمي .
وعن أنس رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سيكون في هذه الأمة خسف ومسخ ورجف وقذف » .
رواه: أبو يعلى، والبزار .
وعن سعيد بن أبي راشد؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن في أمتي خسفًا ومسخًا وقذفًا » .
رواه: الطبراني، والبزار .
وعن جبير بن نفير؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لتستصعبن الأرض بأهلها، حتى لا يكون على ظهرها أهل بيت مدر ولا وبر، وليبتلين آخر هذه الأمة بالرجف، فإن تابوا؛ تاب الله عليهم، وإن عادوا؛ عاد الله عليهم بالرجف والقذف والمسخ والصواعق » .
رواه ابن أبي الدنيا .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: "يوشك أن لا تجدوا بيوتًا تكنكم؛ تهلكها الرواجف، ولا دواب تبلغوا عليها في أسفاركم؛ تهلكها الصواعق".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن"، وتقدم ذكره قريبًا.
وعن طاوس : أنه قال: "يكون ثلاث رجفات: رجفة باليمن شديدة، ورجفة بالشام أشد منها، ورجفة بالمشرق".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن عبد الرحمن بن سابط؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "يكون في أمتي خسف وقذف ومسخ". قالوا: فمتى ذاك يا رسول الله ؟ قال: "إذا أظهروا »(2/247)
« المعازف واستحلوا الخمور" » .
رواه ابن أبي الدنيا .
وقد رواه ابن أبي شيبة، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "إن في أمتي خسفًا ومسخًا وقذفًا ". قالوا: يا رسول الله ! وهم يشهدون أن لا إله إلا الله ؟ قال: "نعم؛ إذا ظهرت المعازف والخمور ولبس الحرير » .
وعن الغازي بن ربيعة رفع الحديث؛ قال: « ليمسخن قوم وهم على أريكتهم قردة وخنازير؛ بشربهم الخمر، وضربهم بالبرابط والقيان » .
رواه ابن أبي الدنيا .
وعن صالح بن دريك رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « ليستحلن ناس من أمتي الحرير والخمر والمعازف، وليأتين الله على أهل حاضر منهم عظيم بجبل حتى ينبذه عليهم، ويمسخ آخرون قردة وخنازير » .
رواه ابن أبي الدنيا .
وعن أبي العالية عن أبي كعب رضي الله عنه في قوله تبارك وتعالى: { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ } الآية؛ قال: "هن أربع، وكلهن عذاب، وكلهن واقع لا محالة، فمضت اثنتان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة: فألبسوا شيعًا، وذاق بعضهم بأس بعض، وثنتان واقعتان لا محالة: الخسف، والرجم ".
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات". قال: "والظاهر أن من قوله: "فمضت اثنتان....." إلى آخره من قول رفيع (يعني: أبا العالية )؛ فإن أبي ابن كعب لم يتأخر إلى زمن الفتنة، والله أعلم".
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة،(2/248)
رواه ابن أبي شيبة .
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "كيف أنتم إذا أتاكم زمان يخرج أحدكم من حجلته إلى حشه، فيرجع وقد مسخ قردًا، فيطلب مجلسه فلا يجده ؟ !".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يكون في أمتي فزعة، فيصير الناس إلى علمائهم؛ فإذا هم قردة وخنازير » .
رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"، وفي إسناده ضعيف.
وعن مالك بن دينار؛ قال: "بلغني أن ريحًا تكون في آخر الزمان وظلمة، فيفزع الناس غلى علمائهم، فيجدونهم قد مسخوا".
رواه ابن أبي الدنيا .
وعن سالم بن أبي الجعد؛ قال: "ليأتين على الناس زمان يجتمعون فيه على باب رجل منهم، ينتظرون أن يخرج إليهم، فيطلبون إليه الحاجة، فيخرج إليهم وقد مسخ قردًا أو خنزيرًا، وليمرن الرجل على الرجل في حانوته يبيع، فيرجع عليه وقد مسخ قردًا أو خنزيرًا".
رواه ابن أبي الدنيا .
وعن أبي الزاهرية؛ قال: "لا تقوم الساعة حتى يمشي الرجلان إلى الأمر يعملانه، فيمسخ أحدهما قردًا أو خنزيرًا، فلا يمنع الذي نجا منهما ما رأى بصاحبه أن يمشي إلى شأنه ذلك حتى يقضي شهوته، وحتى يمشي الرجلان إلى الأمر يعملانه، فيخسف بأحدهما، فلا يمنع الذي نجا منهما ما رأى بصاحبه أن يمضي إلى شأنه ذلك حتى يقضي شهوته منه".
رواه ابن أبي الدنيا .(2/250)
وعن عبد الرحمن بن غنم رضي الله عنه؛ قال: "يوشك أن يقعد أمتان على رحى، فتطحنان، فتمسخ إحداهما والأخرى تنظر".
رواه ابن أبي الدنيا .
وعنه أيضًا رضي الله عنه؛ قال: "سيكون خباآن متجاوران، فيشق بينهما نهر، فيسقيان منه بسهم واحد؛ يقبس بعضهم من بعض، فيصبحان يومًا من الأيام قد خسف بأحدهما والآخر حي".
رواه ابن أبي الدنيا .
باب
متى يكون الخسف والمسخ والقذف
عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف ". قالت: قلت: يا رسول الله ! أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: "نعم؛ إذا ظهر الخبث" » .
رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث غريب".
وسيأتي حديث أم سلمة رضي الله عنها في ذكر الخسوف الثلاثة، وفيه: « قلت: يا رسول الله ! أيخسف بالأرض وفيها الصالحون ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أكثر أهلها الخبث » .
باب
البداءة بأهل الظلم في الخسف والمسخ والقذف
عن جابر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يكون في آخر أمتي »(2/251)
« مسخ وقذف وخسف، ويبدأ بأهل المظالم » .
رواه البخاري في "الأدب المفرد".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنه قال: "ليخسفن بالدار إلى جنب الدار، وبالدار إلى جنب الدار؛ حيث تكون المظالم ".
رواه ابن أبي شيبة .
باب
وقوع الخسف والمسخ والقذف في الزنادقة والقدرية
عن نافع؛ قال: بينما نحن عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قعودًا؛ إذ جاء رجل، فقال: إن فلانًا يقرأ عليك السلام (لرجل من أهل الشام). فقال عبد الله: بلغني أنه أحدث حدثًا، فإن كان كذلك؛ فلا تقرأن عليه مني السلام؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إنه سيكون في أمتي مسخ وقذف، وهو في الزنديقية والقدرية » .
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم .
ورواه: الترمذي، وابن ماجه بنحوه، وعندهما أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يكون في هذه الأمة (أو: في أمتي) خسف أو مسخ أو قذف، في أهل القدر » . هذا لفظ الترمذي، وقال: "هذا حديث صحيح غريب".
وفي رواية ابن ماجه : « يكون في أمتي (أو: في هذه الأمة) مسخ وخسف وقذف، وذلك في أهل القدر » .
وقد أفادت رواية ابن ماجه أن (أو) في رواية الترمذي بمعنى الواو، وليست(2/252)
للشك.
باب
ما جاء في الخسف بالقبائل
عن عبد الرحمن بن صحار العبدي عن أبيه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل، فيقال: من بقي من بني فلان؟ » . قال: فعرفت حين قال: "قبائل": أنها العرب؛ لأن العجم إنما تنسب إلى قراها.
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، وأبو يعلى، والبزار . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات ". وقد رواه: ابن أبي شيبة، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي زيد الأنصاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ليأتين على هذه الأمة يوم، يمسون يتساءلون: بمن خسف الليلة؛ كما يتساءلون بمن بقي من آل فلان ؟ وهل بقي من آل فلان ؟ » .
رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده".
وعن معاذ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى يخسف برجل كثير المال والولد » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وروى عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر الزهري؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يخسف بقوم في مراتع الغنم، ولا تقوم الساعة حتى يخسف برجل كثير المال والولد » .(2/253)
باب
ما جاء في الخسف ببعض المعادن
عن أبي غطفان؛ قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول: "تخرج معادن مختلفة، معدن منها قريب من الحجاز، يأتيه من شرار الناس، يقال له: فرعون، فبينما هم يعملون فيه؛ إذ حسر عن الذهب، فأعجبهم معتمله؛ إذ خسف به وبهم".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
باب
ما يكون بالبصرة من الخسف والقذف والرجف والمسخ والطوفان
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: « يا أنس ! إن الناس يمصرون أمصارًا، وإن مصرًا منها يقال له: البصرة (أو البصيرة)، فإن أنت مررت بها أو دخلتها؛ فإياك وسباخها وكلاءها وسوقها وباب أمرائها، وعليك بضواحيها؛ فإنه يكون فيها خسف وقذف ورجف، وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازير » .
وقد رواه الطبراني في "الأوسط" بأطول من هذا، ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يا أنيس ! إن المسلمين يمصرون بعدي أمصارًا، وإن مما يمصرون مصرًا يقال لها: البصرة، فإن أنت وردتها؛ فإياك ومقصفها وسوقها وباب سلطانها؛ فإنه سيكون بها خسف ومسخ وقذف، آية ذلك: أن يموت العدل، »(2/254)
« ويفشو فيها الجور، ويكثر فيها الزنى، وتفشو فيها شهادة الزور » .
قال الهيثمي : "فيه جماعة لم أعرفهم".
وعن قتادة : أن عليًا رضي الله عنه قال: "تخرب البصرة إما بحريق، وإما بغرق، كأني أنظر إلى مسجدها كأنه جؤجؤ سفينة".
رواه عبد الرزاق في "مصنفه"، وفيه انقطاع بين قتادة وعلي رضي الله عنه.
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "إن أهل البصرة لا يفتحون باب هدى ولا يتركون باب ضلالة، وإن الطوفان قد رفع عن الأرض كلها؛ إلا عن البصرة".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن قتادة : أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "البصرة أخبث الأرض ترابًا، وأسرعه خرابًا" قال: "ويكون في البصرة خسف؛ فعليك بضواحيها، وإياك وسباخها".
رواه عبد الرزاق في "مصنفه"، وفيه انقطاع بين قتادة وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
باب
ما جاء في الخسف بالجيش الذي يغزو الكعبة
عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض؛ يخسف بأولهم وآخرهم". قالت: قلت: يا رسول الله ! كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم ؟ »(2/255)
« قال: "يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وهذا لفظ البخاري . ولفظ مسلم : قالت: « عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، فقلنا: يا رسول الله ! صنعت شيئًا في منامك لم تكن تفعله ! فقال: "العجب أن أناسًا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش، قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء؛ خسف بهم". فقلنا: يا رسول الله ! إن الطريق قد يجمع الناس ؟ قال: "نعم؛ فيهم المستبصر، والمجبور، وابن السبيل؛ يهلكون مهلكًا واحدًا، ويصدرون مصادر شتى؛ يبعثهم الله على نياتهم » .
ولفظ أحمد : قالت: « بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم؛ إذ ضحك في منامه ثم استيقظ، فقلت: يا رسول الله ! مم ضحكت ؟ قال: "إن أناسًا من أمتي يؤمون هذا البيت لرجل من قريش، قد استعاذ بالحرم، فلما بلغوا البيداء؛ خسف بهم، مصادرهم شتى، يبعثهم الله على نياتهم". قلت: وكيف يبعثهم الله على نياتهم ومصادرهم شتى ؟ قال: "جمعهم الطريق؛ منهم المستبصر، وابن السبيل، والمجبور؛ يهلكون مهلكًا واحدًا، ويصدرون مصادر شتى » .
وعن عبيد الله بن القبطية؛ قال: دخل الحارث بن أبي ربيعة وعبد الله ابن صفوان وأنا معهما على أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، فسألاها عن الجيش الذي يخسف به، وكان ذلك في أيام ابن الزبير، فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "يعوذ عائذ بالبيت، فيبعث إليه بعث؛ فإذا كانوا ببيداء من الأرض؛ خسف بهم". فقلت: يا رسول الله ! فكيف بمن كان كارهًا ؟ قال: "يخسف به معهم، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته » . وقال أبو جعفر : هي بيداء المدينة.
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وهذا لفظه.
وفي رواية له: قال: "فلقيت أبا جعفر، فقلت: إنها إنما قالت: ببيداء من(2/256)
الأرض. فقال أبو جعفر : كلا والله؛ إنها لبيداء المدينة".
وقد رواه: أبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني؛ مختصرًا. ورواه الحاكم في "مستدركه" بنحو رواية مسلم، ثم قال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه"، وهذا سهو منهما؛ فإن مسلمًا قد رواه كما ذكرنا.
وقد رواه الإمام أحمد أيضًا من حديث الحسن (وهو البصري ) عن أم سلمة رضي الله عنها؛ قالت: « بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في بيتي؛ إذ احتفز جالسًا وهو يسترجع، فقلت: بأبي أنت وأمي ! ما شأنك يا رسول الله تسترجع ؟ ! قال: "جيش من أمتي يجيئون من قبل الشام، يؤمون البيت لرجل، يمنعه الله منهم، حتى إذا كانوا بالبيداء من ذي الحليفة؛ خسف بهم، ومصادرهم شتى". فقلت: يا رسول الله ! كيف يخسف بهم جميعًا ومصادرهم شتى ؟ ! فقال: "إن منهم من جبر، إن منهم من جبر (ثلاثًا) » .
ورواه أيضًا من حديث الحسن عن أمه (واسمها: خيرة ) عن أم سلمة رضي الله عنها: (فذكره بنحوه).
وروى أيضًا من حديث يوسف بن سعد عن عائشة رضي الله عنها مثله، ومن حديث يوسف بن سعد عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها مثله، ولم يسق لفظه، بل أحال به على حديث أم سلمة رضي الله عنها، وقد أورد حديث أم سلمة في مسند عائشة من أجل هذه الرواية.
ورواه أيضًا من حديث مهاجر المكي (وهو المهاجر بن القبطية ) عن أم سلمة رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "يغزو جيش البيت، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض؛ خسف بهم". قالت: قلت: يا رسول الله ! أرأيت المكره منهم ؟ قال: "يبعث على نيته » .(2/257)
ورواه أيضًا من حديث نافع بن جبير عن أم سلمة رضي الله عنها: « ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الجيش الذي يخسف بهم، فقالت أم سلمة رضي الله عنها: لعل فيهم المكره ؟ فقال: "إنهم يبعثون على نياتهم » .
وهكذا رواه: الترمذي، وابن ماجه؛ من حديث نافع بن جبير عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الترمذي : "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روى هذا الحديث عن نافع بن جبير عن عائشة أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
قلت: وقد تقدمت روايته عن عائشة رضي الله عنها في أول الباب.
وعن أنس : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نائمًا في بيت أم سلمة رضي الله عنها، فانتبه وهو يسترجع، فقلت: يا رسول الله ! مم تسترجع ؟ قال: "من قبل جيش يجيء من قبل العراق، في طلب رجل من المدينة، يمنعه الله منهم، فإذا علوا البيداء من ذي الحليفة؛ خسف بهم؛ فلا يدرك أعلاهم أسفلهم ولا يدرك أسفلهم أعلاهم إلى يوم القيامة، ومصادرهم شتى". قال: "إن فيهم (أو: منهم) من جبر " » .
رواه البزار . قال الهيثمي : "وفيه هشام بن الحكم، ولم أعرفه؛ إلا أن ابن أبي حاتم ذكره، ولم يجرحه ولم يوثقه، وبقية رجاله ثقات".
وعن أمية بن صفوان : أنه سمع جده عبد الله بن صفوان يقول: أخبرتني حفصة رضي الله عنها: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « ليؤمن هذا البيت جيش يغزونه، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض؛ يخسف بأوسطهم، وينادي أولهم آخرهم، ثم يخسف بهم؛ فلا يبقى إلا الشريد الذي يخبر عنهم » . فقال رجل: أشهد عليك أنك لم تكذب على حفصة، وأشهد على حفصة أنها لم تكذب على النبي صلى الله عليه وسلم.(2/258)
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه، وهذا لفظ مسلم، وزاد ابن ماجه في روايته: "فلما جاء جيش الحجاج ظننا أنهم هم".
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" بنحو رواية مسلم، ثم وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه"، وهذا سهو منهما؛ فإن مسلمًا قد رواه كما ذكرنا.
ورواه الإمام أحمد أيضًا من حديث عبد الرحمن بن موسى عن عبد الله ابن صفوان عن حفصة ابنة عمر رضي الله عنهما؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « "يأتي جيش من قبل المشرق، يريدون رجلًا من أهل مكة، حتى إذا كانوا بالبيداء؛ خسف بهم، فرجع من كان أمامهم لينظر ما فعل القوم، فيصيبهم مثل ما أصابهم ". فقلت: يا رسول الله ! فكيف بمن كان منهم مستكرهًا ؟ قال: "يصيبهم كلهم ذلك، ثم يبعث الله كل امرئ على نيته » .
ورواه مسلم أيضًا من حديث يوسف بن ماهك : أخبرني عبد الله بن صفوان عن أم المؤمنين رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « "سيعوذ بهذا البيت (يعني: الكعبة) قوم ليست لهم منعة ولا عدد ولا عدة، يبعث إليهم جيش، حتى إذا كانوا ببيداء في الأرض؛ خسف بهم » . قال يوسف : وأهل الشام يومئذ يسيرون إلى مكة. فقال عبد الله بن صفوان: أما والله ما هو بهذا الجيش.
وعن أم حبيبة رضي الله عنه؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « "يأتي ناس من قبل المشرق، يريدون رجلًا عند البيت، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض؛ خسف بهم، فيلحق بهم من تخلف، فيصيبهم ما أصابهم". قلت: يا رسول الله ! كيف بمن كان أخرج مستكرهًا ؟ قال: "يصيبهم ما أصاب الناس، ثم يبعث الله كل امرئ على نيته » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه سلمة بن الفضل الأبرش، وثقه ابن معين وغيره وضعفه جماعة".(2/259)
قلت: وما قبله يشهد له ويقويه.
وعن صفية أم المؤمنين رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "لا ينتهي الناس عن غزو هذا البيت، حتى يغزوه جيش، حتى إذا كانوا بالبيداء (أو: ببيداء من الأرض)؛ خسف بأولهم وآخرهم، ولم ينج أوسطهم". قالت: قلت: يا رسول الله ! أرأيت المكره منهم ؟. قال: "يبعثهم الله على ما في أنفسهم » .
رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه . وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لا تنتهي البعوث عن غزو بيت الله تعالى حتى يخسف بجيش منهم » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "غريب صحيح ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هاربًا إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة، فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام، فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة..... » الحديث.
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وسيأتي بتمامه مع أحاديث المهدي إن شاء الله تعالى.
وعنها رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يسير ملك المغرب إلى ملك المشرق، فيقتله، فيبعث جيشًا إلى المدينة، فيخسف بهم.... » . الحديث.(2/260)
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "وفيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس، وبقية رجال ثقات". وسيأتي بتمامه مع أحاديث المهدي إن شاء الله تعالى، ويأتي أيضًا حديث أبي هريرة رضي الله عنه في ذكر السفياني، وأنه هو الذي يخسف به وبجيشه.
وعن بقيرة امرأة القعقاع بن أبي حدرد رضي الله عنها؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وهو يقول: « إذا سمعتم بجيش قد خسف به قريبًا؛ فقد أظلت الساعة » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني .
وفي رواية: قالت: « إني لجالسة في صفة النساء، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يشير بيده اليسرى، فقال: "يا أيها الناس ! إذا سمعتم بخسف هاهنا قريبًا؛ فقد أظلت الساعة » .
قال الهيثمي : "فيه ابن إسحاق، وهو مدلس، وبقية رجال أحد إسنادي أحمد رجال الصحيح ".
باب
ما جاء في الخسوف الثلاثة
عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه؛ قال: « كان النبي صلى الله عليه وسلم في غرفة ونحن أسفل منه، فاطلع إلينا، فقال: "ما تذكرون ؟ ". قلنا: الساعة. قال: "إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب ، وخسف في جزيرة العرب .... » الحديث .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم، وأهل السنن إلا(2/261)
النسائي، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح"، وسيأتي بتمامه في (باب ما جاء في الآيات الكبار) إن شاء الله تعالى.
وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تقوم الساعة حتى يكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب... » الحديث.
رواه: الطبراني، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه"، وسيأتي بتمامه في (باب ما جاء في الآيات الكبار) إن شاء الله تعالى.
وعن أم سلمة رضي الله عنها؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « "سيكون بعدي: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب". قلت: يا رسول الله ! أيخسف بالأرض وفيها الصالحون ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أكثر أهلها الخبث » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه حكيم بن نافع، وثقه ابن معين وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات".
وعن ربيعة الجرشي؛ قال: "عشر آيات بين يدي الساعة : خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بحجاز العرب... الحديث.
رواه عبد الرزاق في "مصنفه"، وفي إسناده رجل لم يسم، وبقية رجاله ثقات.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه "الإصابة": "روى ابن السكن من طريق زيد بن أبي أنيسة عن عبد الملك بن يزيد عن ربيعة الجرشي - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « عشر آيات بين يدي الساعة » ..... (فذكر الحديث) .(2/262)
باب
ما جاء في خروج النار
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى » .
متفق عليه.
وعن رافع بن بشر السلمي عن أبيه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يوشك أن تخرج نار من حبس سيل، تسير سير بطيئة الإبل، تسير النهار وتقيم الليل، وتغدو وتروح، يقال: غدت النار أيها الناس؛ فاغدوا، قالت النار أيها الناس؛ فقيلوا، راحت النار أيها الناس؛ فروحوا، من أدركته؛ أكلته » .
رواه: الإمام، والطبراني، وابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "مستدركه". قال الهيثمي : "ورجال أحمد رجال الصحيح؛ غير رافع، وهو ثقة".
وعن عاصم بن عدي الأنصاري رضي الله عنه؛ قال: « سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثان ما قدم، فقال: "أين حبس سيل ؟". قلنا: لا ندري. فمر بي رجل من بني سليم، فقلت: من أين جئت ؟ فقال: من حبس سيل. فدعوت بنعلي، فانحدرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله ! إنك سألتنا عن حبس سيل، فقلنا: لا علم لنا به، وإنه مر بي هذا الرجل فسألته فزعم أن به أهله. فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أين أهلك ؟". قال: بحبس سيل. قال: "أخرج أهلك منها ؟ فإنه يوشك أن يخرج منها نار تضيء أعناق الإبل ببصرى » .
رواه: الطبراني، والحاكم في "مستدركه" وصححه، وتعقبه الذهبي فقال: "منكر".(2/263)
قلت: والحديث قبله يشهد له ويقويه.
وعن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه مرفوعًا: « لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من ركوبة تضيء أعناق الإبل ببصرى » .
رواه أبو عوانة .
وعن أبي ذر رضي الله عنه؛ قال: « أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلنا ذا الحليفة، فتعجل رجال إلى المدينة، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم وبتنا معه، فلما أصبح؛ سأل عنهم ؟ فقيل: تعجلوا إلى المدينة، فقال: "تعجلوا إلى المدينة والنساء، أما إنهم سيدعونها أحسن ما كانت". ثم قال: "ليت شعري ! متى تخرج نار من اليمن من جبل الوراق تضيء منها أعناق الإبل بروكًا ببصرى كضوء النهار » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير حبيب بن حبان، وهو ثقة".
وقد رواه ابن حبان في "صحيحه"، وقال فيه: « تضيء لها أعناق الإبل وهي تبرك ببصرى كضوء النهار » . قال علي (يعني: ابن المديني، أحد رواته ): بصرى بالشام.
ورواه الحاكم في "مستدركه"، وقال فيه: « فتضيء لها أعناق البخت ببصرى سروجًا كضوء النهار » . ثم قال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إنها ستكون هجرة بعد هجرة، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم ، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها؛ تلفظهم أرضوهم، تقذرهم نفس الله، تحشرهم النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا، »(2/264)
« وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل من تخلف » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "وشهر ثقة، وفيه كلام لا يضر، وبقية رجاله رجال الصحيح ". وقد رواه: أبو داود الطيالسي في "مسنده"، وأبو داود السجستاني في "سننه"؛ باختصار يسير والحاكم في "مستدركه"، وأبو نعيم في "الحلية"؛ بنحوه، وقال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لتكونن هجرة بعد هجرة إلى مهاجر أبيكم إبراهيم صلى الله عليه وسلم، حتى لا يبقى في الأرضين إلا شرار أهلها، وتلفظهم أرضوهم، وتقذرهم روح الرحمن عز وجل، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير، تقيل حيث يقيلون، وتبيت حيث يبيتون، وما سقط منهم؛ فلها » .
رواه الإمام أحمد، وإسناده ضعيف، والحديث قبله يشهد له ويقويه.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تبعث نار على أهل المشرق، فتحشرهم إلى المغرب؛ تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، يكون لها ما سقط منهم وتخلف، وتسوقهم سوق الجمل الكسير » .
رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، ورجاله ثقات. وقد رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه أيضًا موقوفًا، ولفظه: قال: « تبعث نار تسوق الناس من مشارق الأرض إلى مغاربها كما يساق الجمل الكسير، لها ما يتخلف منهم، إذا قالوا؛ قالت، وإذا باتوا؛ باتت » .(2/265)
قال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن أول أشراط الساعة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « إن أول أشراط الساعة نار تخرج من المشرق وتحشرهم إلى المغرب » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
وعن أنس رضي الله عنه: « أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة، فقال: إني سائلك عن ثلاث خصال، لا يعلمهن إلا نبي. قال: "سل". قال: ما أول أشراط الساعة............(فذكر الحديث، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ) "أما أول أشراط الساعة؛ فنار تخرج من المشرق، فتحشر الناس إلى المغرب..." » الحديث.
رواه: الإمام أحمد، والبخاري، وابن حبان في "صحيحه".
وعن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه؛ قال: « أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر الساعة، فقال: "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات....(فذكر الحديث، وفيه: ) ونار تخرج من قعر عدن تسوق (أو: تحشر) الناس؛ تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم، وأهل السنن إلا النسائي . وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح".
وفي رواية لمسلم : « وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم » . وفي رواية أبي داود : « وآخر ذلك تخرج نار من اليمن، من قعر عدن، تسوق الناس إلى المحشر » .
وسيأتي هذا الحديث بتمامه في (باب ما جاء في الآيات الكبار) إن شاء(2/266)
الله تعالى.
وقد زعم أبو عبية في عنوان وضعه في (صفحة 71) من "النهاية" لابن كثير : أن النار التي تخرج من قعر عدن هي نار من نار الفتن، وقرر ذلك أيضًا في تعليق له في هذه الصفحة.
والجواب أن يقال: هذا تأويل مردود، وهو من تحريف الكلم عن مواضعه، والحق أنها نار على الحقيقة لا على المجاز.
وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « "لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات....(فذكر الحديث، وفيه: ) ونار تخرج من قعر عدن، تسوق الناس إلى المحشر، تحشر الذر والنمل » .
رواه: الطبراني، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن عمر رضي الله عنه: أنه قال: "تخرج من أودية بني علي نار تقبل من قبل اليمن، تحشر الناس، تسير إذا ساروا وتقيم إذا أقاموا، حتى إنها لتحشر الجعلان، حتى تنتهي إلى بصرى، وحتى إن الرجل ليقع، فتقف حتى تأخذه".
رواه ابن أبي شيبة .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "ستخرج نار من حضرموت (أو: من نحو بحر حضرموت) قبل يوم القيامة تحشر الناس". قالوا: يا رسول الله ! فما تأمرنا ؟ قال: "عليكم بالشام » .
رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وابن حبان في "صحيحه".
وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر(2/267)
رضي الله عنهما ".
قال: "وفي الباب عن حذيفة بن أسيد وأنس وأبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهم".
قلت: وقد تقدمت أحاديثهم في هذا الباب.
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « "لتقصدنكم نار هي اليوم خامدة، في واد يقال له: برهوت، يغشى الناس فيها عذاب أليم، تأكل الأنفس والأموال، تدور الدنيا كلها في ثمانية أيام، تطير طير الريح والسحاب، حرها بالليل أشد من حرها بالنهار، ولها ما بين السماء والأرض دوي كدوي الرعد القاصف، هي من رؤوس الخلائق أدنى من العرش". قيل: يا رسول الله ! أسليمة هي يومئذ على المؤمنين والمؤمنات ؟ قال: "وأين المؤمنون والمؤمنات يومئذ ؟ هم شر من الحمر، يتسافدون كما تتسافد البهائم، وليس فيهم رجل يقول: مه مه » .
رواه: الطبراني، وابن عساكر .
وعن طاوس؛ قال: قال معاذ رضي الله عنه: "اخرجوا من اليمن قبل ثلاث: قبل خروج النار، وقبل انقطاع الحبل، وقبل أن لا يكون لأهلها زاد إلا الجراد".
رواه عبد الرزاق في "مصنفه"، وفيه انقطاع بين طاووس ومعاذ رضي الله عنه.
وقد وقع مصداق حديث أبي هريرة المذكور في أول الباب، فظهرت نار عظيمة في الحرة التي في شرقي المدينة النبوية على مسيرة أربعة فراسخ منها قريبًا من قريظة، وذلك في يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة، واستمرت أكثر من شهر، وقد سال منها واد مقداره(2/268)
أربعة فراسخ وعرضه أربعة أميال وعمقه قامة ونصف، وقد ذكر بعضهم أنه اجتاز بها ورمى فيها سعفة فلم تحرقها، بل كانت تحرق الحجارة وتذيبها حتى تصير مثل الآنك ثم تصير مثل الفحم الأسود.
وقد نقل الحافظ ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية " عن الشيخ شهاب الدين أبي شامة : أنه قال:
"أخبرني من أثق به ممن شاهدها أنه بلغه أنه كتب بتيماء على ضوئها الكتب. قال: وكنا في بيوتنا تلك الليالي، وكأن في دار كل واحد منا سراجًا، ولم يكن لها حر ولفح على عظمها، وإنما كانت آية من آيات الله عز وجل . قال: ورأى الناس سناها من مكة شرفها الله".
قال ابن كثير :
"وأما بصرى؛ فأخبرني قاضي القضاة صدر الدين علي بن أبي قاسم التيمي الحنفي؛ قال: أخبرني والدي (وهو الشيخ صفي الدين أحد مدرسي بصرى ): أنه أخبره غير واحد من الأعراب صبيحة تلك الليلة ممن كان بحاضرة بلد بصرى: أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز".
وذكر ابن كثير أيضًا في "النهاية" أن الناس كانوا يسيرون على ضوء هذه النار بالليل إلى تيماء.
والتفصيل عن هذه النار مذكور في "البداية والنهاية" في (حوادث سنة أربع وخمسين وستمائة)، فمن أحب الوقوف على ذلك؛ فليراجعه هناك.
وأما النار التي تسوق الناس إلى المحشر؛ تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا؛ فهذه إنما يكون ظهورها في آخر الزمان، عند اقتراب الساعة. والله أعلم.(2/269)
باب
ما جاء في المهدي
قد تقدمت الإشارة إليه في عدة أحاديث صحيحة في باب ما جاء في الخسف بالجيش الذي يغزو الكعبة:
منها حديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه الإمام أحمد ومسلم .
ومنها حديث أم سلمة رضي الله عنها الذي رواه الإمام أحمد ومسلم .
ومنها حديث عائشة رضي الله عنها بمثله، رواه الإمام أحمد .
ومنها حديث حفصة رضي الله عنها الذي رواه الإمام أحمد ومسلم .
ووردت الإشارة إليه في حديث أنس رضي الله عنه الذي رواه البزار، وفي حديث أم حبيبة رضي الله عنها الذي رواه الطبراني في "الأوسط".
فهذه ستة أحاديث فيها الإشارة إلى المهدي .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تنقضي الأيام ولا يذهب الدهر حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي؛ بأسانيد صحيحة.
وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح".
قال: "وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة رضي الله عنهم ".(2/270)
وفي رواية للترمذي عن عاصم -وهو ابن أبي النجود - عن زر عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » .
قال عاصم : وأخبرنا أبو صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم؛ لطول الله ذلك اليوم حتى يلي » .
قال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح".
وفي رواية لأبي داود : « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد؛ لطول الله ذلك اليوم، حتى يبعث فيه رجلًا مني (أو: من أهل بيتي)، يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورا » .
وقد رواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة؛ لملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » .
وفي رواية له: « لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي؛ يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، فيملأها قسطًا وعدلًا » .
وفي رواية له أخرى: « يخرج رجل من أهل بيتي؛ يواطئ اسمه اسمي، وخلقه خلقي، فيملأها قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا » .
وقد ذكر الحاكم في "مستدركه" حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه: "ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم "، وذكر علته، وأنه إنما ذكره متعجبًا لا محتجًا به، ثم قال: "فإن أولى من هذا الحديث ذكره في هذا الموضع حديث سفيان الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم من أئمة المسلمين عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « لا »(2/271)
« تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل من أهل بيتي؛ يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا » .
قال الذهبي في "تلخيصه": "صحيح".
وقال الحاكم أيضا في موضع آخر من "المستدرك": "وطرق حديث عاصم بن زر عن عبد الله كلها صحيحة على ما أصلته في هذا الكتاب بالاحتجاج بأخبار عاصم بن أبي النجود؛ إذ هو إمام من أئمة المسلمين".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة؛ لملك فيها رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم » .
رواه ابن حبان في "صحيحه"، وقد رواه الترمذي موقوفًا، وتقدم ذكره.
وعن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلمًا وعدوانًا". قال: "ثم يخرج رجل من عترتي (أو: من أهل بيتي) يملؤها قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وعدوانًا » .
رواه: الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين، وأبو يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه الإمام أحمد أيضًا من وجه آخر بإسناد صحيح على شرط مسلم، ولفظه: « لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي؛ أجلى، أقنى، يملأ الأرض عدلًا كما ملئت قبله ظلمًا، يكون سبع سنين » .
ورواه أيضا من وجه آخر بإسناد صحيح على شرط مسلم، ولفظه: « تملأ الأرض جورًا وظلمًا، فيخرج رجل من عترتي، يملك سبعًا أو تسعًا، فيملأ »(2/272)
« الأرض قسطًا وعدلًا » .
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" من هذا الوجه مختصرًا، وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي في "تلخيصه".
ورواه الإمام أحمد أيضا من وجه آخر بإسناد حسن، ولفظه: « يكون من أمتي المهدي، فإن طال عمره أو قصر؛ عاش سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين؛ يملأ الأرض قسطًا وعدلًا، وتخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء قطرها » .
وفي رواية له أخرى من طريق زيد العمي؛ قال: سمعت أبا الصديق يحدث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: « خشينا أن يكون بعد نبينا حدث، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: "يخرج المهدي في أمتي خمسًا أو سبعًا أو تسعًا (زيد الشاك) ". قال: قلت: أي شيء ؟ قال: "سنين". ثم قال: "يرسل السماء عليهم مدرارًا، ولا تدخر الأرض من نباتها شيئًا، ويكون المال كدوسًا" قال: "يجيء الرجل إليه، فيقول: يا مهدي ! أعطني، أعطني، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمل » .
وقد رواه الترمذي من هذا الوجه مختصرًا، وقال: "هذا حديث حسن".
قال: "وقد روي من غير وجه عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
ورواه: ابن ماجه، والحاكم في "مستدركه"؛ من طريق زيد العمي أيضًا، ولفظهما: قال: « يكون في أمتي المهدي، إن قصر فسبع، وإلا فتسع، تنعم أمتي فيه نعمة لم ينعموا مثلها قط، تؤتي الأرض أكلها، ولا تدخر عنهم شيئًا، والمال يومئذ كدوس، يقوم الرجل، فيقول: يا مهدي ! أعطني. فيقول: خذ » .
ورواه الإمام أحمد أيضًا من وجه آخر بإسناد حسن، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "أبشركم بالمهدي؛ يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل، »(2/273)
« فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلما، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحًا". فقال له رجل: ما صحاحًا ؟ قال: "بالسوية بين الناس". قال: "ويملأ الله قلوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم غنى، ويسعهم عدله، حتى إنه يأمر مناديًا، فينادي فيقول: من له في مال حاجة ؟ فما يقوم من الناس إلا رجل، فيقول: ائت السدان - يعني الخازن - فقل له: إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالًا، فيقول له: احث، حتى إذا جعله في حجره وأبرزه؛ ندم، فيقول: كنت أجشع أمة محمد نفسًا، أوعجز عني ما وسعهم ؟ قال: فيرده، فلا يقبل منه، فيقال له: إنا لا نأخذ شيئًا أعطيناه. فيكون كذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين، ثم لا خير في العيش بعده (أو قال: ثم لا خير في الحياة بعده) » .
وزاد في رواية أخرى بعد قوله: "ويملأ الله قلوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم غنى": « فلا يحتاج أحد إلى أحد » .
قال الهيثمي : "رواه أحمد بأسانئد وأبو يعلى باختصار كثير، ورجالهما ثقات".
ورواه الحاكم في "مستدركه" من حديث النضر بن شميل : حدثنا سليمان بن عبيد : حدثنا أبو الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحًا، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعًا أو ثمانيًا (يعني: حججًا) » .
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه أيضًا من حديث معاوية بن قرة عن أبي الصديق الناجي عن أبي(2/274)
سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: « ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم، لم يسمع بلاء أشد منه، حتى تضيق عنهم الأرض الرحبة، وحتى تملأ الأرض جورًا وظلمًا، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم، فيبعث الله عز وجل رجلًا من عترتي، فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدخر الأرض من بذرها شيئًا إلا أخرجته، ولا السماء من قطرها شيئًا إلا صبه الله عليهم مدرارًا، يعيش فيهم سبع سنين أو ثمانيًا أو تسعًا، تتمنى الأحياء الأموات مما صنع الله عز وجل بأهل الأرض من خيره » .
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وتعقبه الذهبي فقال: "سنده مظلم".
قلت: وفيما تقدم من الروايات الصحيحة شاهد له.
وقد رواه أبو داود في "سننه"، والحاكم في "مستدركه"؛ من حديث عمران القطان عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « المهدي مني: أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، ويملك سبع سنين » .
هذا لفظ أبي داود .
ولفظ الحاكم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « المهدي منا أهل البيت: أشم الأنف، أقنى، أجلى، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا، يعيش هكذا (وبسط يساره وأصبعين من يمينه المسبحة والإبهام وعقد ثلاثة) » .
قال الحاكم : "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وتعقبه الذهبي في "تلخيصه"، فقال: " عمران القطان ضعيف، ولم يخرج له مسلم . وقال المنذري : استشهد به البخاري، ووثقه عفان بن مسلم، وأحسن عليه الثناء(2/275)
يحيى بن سعيد القطان، وضعفه يحيى بن معين والنسائي ".
ورواه أبو يعلى من طريق عدي بن أبي عمارة، ولفظه: « ليقومن على أمتي رجل من أهل بيتي، يوسع الأرض عدلًا كما وسعت ظلمًا، يملك سبع سنين » .
عدي بن أبي عمارة؛ قال العقيلي : "في حديثه اضطراب"، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وعن علي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم؛ لبعث الله عز وجل رجلًا منا يملأها عدلًا كما ملئت جورًا » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود؛ بأسانيد صحيحة على شرط البخاري، وهذا لفظ أحمد .
ولفظ أبي داود : « لو لم يبق من الدهر إلا يوم؛ لبعث الله رجلًا من أهل بيتي يملؤها عدلًا كما ملئت جورًا » .
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة » .
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، وإسناد كل منهما حسن.
وقد اعترض أبو عبية على هذا الحديث، فقال في تعليقه على "النهاية" لابن كثير ما نصه: "والعجب أن يكون المهدي بعيدًا عن التوفيق والفهم والرشد، ثم تهبط عليه هذه المعاني فجأة في ليلة؛ ليكون في صبيحتها داعية هداية ومنقذ أمة".
والجواب أن يقال: من علم أن الله على كل شيء قدير، وأن الخير كله في يديه، وأنه إذا أراد بعبد خيرًا؛ هيأه لذلك متى أراد؛ لم يكن عنده شك وارتياب فيما جاء في هذا الحديث، وأما استبعاد ذلك والتعجب من وقوعه؛ فإنما(2/276)
هو ناشئ عن التردد في كمال قردة الرب تبارك وتعالى ونفوذ مشيئته وإرادته.
وقوله: « يصلحه الله في ليلة » : يحتمل معنيين:
أحدهما : أن يكون المراد بذلك أن الله يصلحه للخلافة؛ أي: يهيئه لها.
والثاني: أن يكون متلبسًا ببعض النقائص، فيصلحه الله ويتوب عليه.
وهذا المعنى هو الذي قرره ابن كثير؛ كما سيأتي في كلامه على حديث أبي هريرة رضي الله عنه في ذكر الرايات السود التي تخرج من خراسان إن شاء الله تعالى.
وعن سعيد بن المسيب عن أم سلمة رضي الله عنها؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « المهدي من عترتي من ولد فاطمة » .
رواه: أبو داود، وابن ماجه، والحاكم في "مستدركه"، وهذا لفظ أبي داود .
ولفظ ابن ماجه : عن سعيد بن المسيب؛ قال: كنا عند أم سلمة رضي الله عنها، فتذاكرنا المهدي، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « المهدي من ولد فاطمة » .
وفي رواية للحاكم : قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر المهدي، فقال: « نعم؛ هو حق، وهو من بني فاطمة » .
قال ابن الأثير : " (عترة الرجل): أخص أقاربه، وعترة النبي صلى الله عليه وسلم: بنو عبد المطلب وقيل: أهل بيته الأقربون، وهم: أولاده، وعلي وأولاده. وقيل: عترته: الأقربون والأبعدون منهم". قال: "والمشهور المعروف أن عترته أهل بيته الذين حرمت عليهم الزكاة". انتهى.(2/277)
وعن أبي إسحاق - وهو السبيعي - قال: قال علي رضي الله عنه، ونظر إلى ابنه الحسن، فقال: "إن ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخلق، ولا يشبهه في الخلق (ثم ذكر قصة)، يملأ الأرض عدلًا".
رواه أبو داود .
قوله: "يشبهه في الخلق ": هو بضم الخاء واللام. "ولا يشبهه في الخلق": بفتح الخاء وسكون اللام؛ أي يشبهه في الأخلاق والسيرة، ولا يشبهه في الصورة.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « ليقومن على أمتي من أهل بيتي أقنى أجلى، يوسع الأرض عدلًا كما أوسعت ظلمًا وجورًا، يملك سبع سنين » .
رواه أبو يعلى .
قال الهيثمي : "وفيه عدي بن أبي عمارة، قال العقيلي : في حديثه اضطراب، وبقية رجاله رجال الصحيح ".
وعن قرة بن إياس؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لتملأن الأرض ظلمًا وجورًا، فإذا ملئت جورًا وظلمًا؛ بعث الله رجلًا مني، اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأها عدلًا وقسطًا كما ملئت جورًا وظلمًا، فلا تمنع السماء شيئًا من قطرها، ولا الأرض شيئًا من نباتها، يلبث فيكم سبعًا أو ثمانيًا أو تسعًا (يعني: سنين ) » .
رواه: البزار، والطبراني في "الكبير" و "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه داود بن المحبر بن قحذم عن أبيه، وكلاهما ضعيف".(2/278)
قلت: وما تقدم من الأحاديث الصحيحة يشهد له ويقويه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم المهدي، فقال: « إن قصر فسبع، وإلا فثمان، وإلا فتسع، وليملأن الأرض عدلًا وقسطًا كما ملئت جورًا وظلمًا » .
رواه البزار . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات، وفي بعضهم بعض ضعف".
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يكون في أمتي المهدي : إن قصر فسبع، وإلا فثمان، وإلا فتسع، تنعم أمتي فيها نعمة لم ينعموا مثلها، ترسل السماء عليهم مدرارًا، ولا تدخر الأرض شيئًا من النبات، والمال كدوس، يقوم الرجل يقول: يا مهدي ! أعطني. فيقول: خذ » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يخرج رجل من أمتي يقول بسنتي، ينزل الله عز وجل له القطر من السماء، وتخرج له الأرض بركتها، وتملأ الأرض منه قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا، يعمل على هذه الأمة سبع سنين، وينزل بيت المقدس » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه من لم أعرفهم".
وقد تقدم في (باب ما جاء في عمارة بيت المقدس) حديث عبد الله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه؛ قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي أو على هامتي، ثم قال: « يا ابن حوالة ! إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة؛ فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه إلى رأسك » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والبخاري في "تاريخه"، والحاكم في(2/279)
"مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وفي هذا الحديث الصحيح إشارة إلى ما جاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن المهدي ينزل بيت المقدس .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لن تهلك أمة أنا في أولها، وعيسى ابن مريم في آخرها، والمهدي في وسطها » .
رواه النسائي وغيره.
وعن أبي الطفيل عن محمد بن الحنفية؛ قال: كنا عند علي رضي الله عنه، فسأله رجل عن المهدي، فقال علي رضي الله عنه: هيهات. ثم عقد بيده سبعًا، فقال: "ذاك يخرج في آخر الزمان، إذا قال الرجل: الله الله؛ قتل، فيجمع الله تعالى له قومًا قزع كقزع السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون إلى أحد، ولا يفرحون بأحد، يدخل فيهم على عدة أصحاب بدر، لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون، وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ".
قال أبو الطفيل : قال ابن الحنفية : أتريده ؟ قلت: نعم. قال: إنه يخرج من بين هذين الأخشبين. قلت: لا جرم، والله لا أريمهما حتى أموت، فمات بها؛ يعني مكة.
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن صالح أبي الخليل عن صاحب له عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة »(2/280)
« هاربًا إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة، فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام، فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك؛ أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق، فيبايعونه، ثم ينشأ رجل من قريش، أخواله كلب، فيبعث إليهم بعثًا، فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال، ويعمل في الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض، فيلبث سبع سنين، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، وهذا لفظه.
وفي رواية لهما: " « فيلبث تسع سنين » .
ورواه أبو داود أيضًا من حديث أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ بهذا.
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" من هذا الوجه، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "يبايع لرجل من أمتي بين الركن والمقام كعدة أهل بدر، فيأتيه عصب العراق وأبدال الشام، فيأتيهم جيش من الشام، حتى إذا كانوا بالبيداء؛ خسف بهم، ثم يسير إليه رجل من قريش، أخواله كلب، فيهزمهم الله » . قال: "وكان يقال: إن الخائب يومئذ من خاب من غنيمة كلب".
فيه أبو العوام عمران القطان، وقد تقدم الكلام فيه قريبًا.
وقد روى الحاكم بعده من حديث سليمان بن بلال عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: « المحروم من حرم غنيمة كلب، ولو عقالًا، والذي نفسي بيده؛ لتباعن نساؤهم على درج دمشق، حتى ترد المرأة من كسر يوجد بساقها » .(2/281)
قال الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وهذا الحديث يشهد لما قبله ويقويه.
وقد رواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث صالح أبي الخليل عن مجاهد عن أم سلمة رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يكون اختلاف عند موت خليفة، يخرج رجل من قريش من أهل المدينة إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة، فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، فيبتعثون إليه جيشًا من أهل الشام، فإذا كانوا بالبيداء؛ خسف بهم، فإذا بلغ الناس ذلك؛ أتاه أهل الشام وعصائب من أهل العراق، فيبايعونه، وينشأ رجل من قريش، أخواله من كلب، فيبتعثون إليهم جيشًا، فيهزمونهم ويظهرون عليهم، فيقسم بين الناس فيأهم، ويعمل فيهم بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض، يمكث سبع سنين » . ورواه الطبراني في "الأوسط" بنحوه مختصرًا. قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
ورواه أيضًا في "الكبير" و "الأوسط" بنحو رواية الحاكم . قال الهيثمي : "وفيه عمران القطان، وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح ".
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر عن قتادة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من المدينة، فيأتي مكة، فيستخرجه الناس من بيته وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام فيبعث إليه جيش من الشام، حتى إذا كانوا بالبيداء؛ خسف بهم، فيأتيه عصائب العراق وأبدال الشام، فيبايعونه، فيستخرج الكنوز، ويقسم المال، ويلقي الإسلام بجرانه إلى »(2/282)
« الأرض، يعيش في ذلك سبع سنين (أو قال: تسع سنين) » .
وعن سعيد بن سمعان؛ قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يحدث أبا قتادة رضي الله عنه وهو يطوف بالبيت، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يبايع لرجل بين الركن والمقام، وأول من يستحل هذا البيت أهله... » الحديث.
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي واللفظ له، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه" وصححه، وإسناد أحمد والطيالسي جيد قوي.
وسيأتي الحديث بتمامه في: (باب ما جاء في استحلال البيت الحرام وتخريبه) إن شاء الله تعالى.
وعن أم سلمة رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يسير ملك المغرب إلى ملك المشرق، فيقتله، فيبعث جيشًا إلى المدينة، فيخسف بهم، ثم يبعث جيشًا، فيعوذ عائذ إلى الحرم، فيجتمع الناس إليه كالطير الواردة المتفرقة، حتى يجتمع إليه ثلاثمائة وأربعة عشر رجلًا، فيهم نسوة، فيظهر على كل جبار وابن جبار، ويظهر من العدل ما يتمنى له الأحياء أمواتهم، فيحيا سبع سنين، ثم ما تحت الأرض خير مما فوقها » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق، وعامة من يتبعه من كلب، فيقتل، حتى يبقر بطون النساء، ويقتل النساء، فتجمع لهم قيس، فيقتلها، حتى لا يمنع ذنب تلعة، ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة، فيبلغ السفياني، فيبعث إليه جندًا من جنده، فيهزمهم، فيسير إليه السفياني بمن معه، حتى إذا صاروا ببيداء من »(2/283)
« الأرض؛ خسف بهم، فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعنه رضي الله عنه؛ قال: حدثني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم؛ قال: « "لا تقوم الساعة حتى يخرج إليهم رجل من أهل بيتي، فيضربهم حتى يرجعوا إلى الحق". قال: قلت: وكم يملك ؟ قال: "خمس واثنتين". قال: قلت: ما خمس واثنتين ؟ قال: "لا أدري » .
رواه أبو يعلى . قال الهيثمي : "وفيه المرجى بن رجاء، وثقه أبو زرعة وضعفه ابن معين، وبقية رجاله ثقات".
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه قال: "ستكون فتنة يحصل الناس منها كما يحصل الذهب في المعدن، فلا تسبوا أهل الشام، وسبوا ظلمتهم؛ فإن فيهم الأبدال، وسيرسل الله إليهم سيبًا من السماء، فيغرقهم، حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم، ثم يبعث الله عند ذلك رجلًا من عترة الرسول صلى الله عليه وسلم، في اثني عشر ألفًا إن قلوا وخمسة عشر ألفا إن كثروا، أمارتهم (أو: علامتهم): أمت أمت، على ثلاث رايات، يقاتلهم أهل سبع رايات، ليس من صاحب راية؛ إلا وهو يطمع بالملك، فيقتتلون ويهزمون، ثم يظهر الهاشمي، فيرد الله إلى الناس إلفتهم ونعمتهم، فيكونون على ذلك حتى يخرج الدجال ".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد رواه الطبراني في "الأوسط" بنحوه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال الهيثمي : "وفيه ابن لهيعة، وهو لين، وبقية رجاله ثقات".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يجيش الروم »(2/284)
« على وال من عترتي، اسمه يواطئ اسمي... » الحديث.
رواه: الخطيب في "المتفق والمفترق"، وقد تقدم بتمامه في (باب ما جاء في الملحمة الكبرى)؛ فليراجع هناك.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « ستكون بعدي فتن، منها فتنة الأحلاس، يكون فيها هرب وحرب، ثم بعدها فتن أشد منها، ثم تكون فتنة، كلما قيل: انقطعت؛ تمادت، حتى لا يبقى بيت إلا دخلته، ولا مسلم إلا شكته، حتى يخرج رجل من عترتي » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سيكون من بعدي خلفاء، ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا، ثم يؤمر القحطاني، فوالذي بعثني بالحق؛ ما هو دونه » .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن"، والطبراني . قال الهيثمي : "وفيه جماعة لم أعرفهم".
وعن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنه قال: "وجدت في بعض الكتب يوم اليرموك: أبو بكر الصديق أصبتم اسمه، عمر الفاروق قرنًا من حديد أصبتم اسمه، عثمان ذو النورين كفلين من الرحمة لأنه يقتل مظومًا أصبتم اسمه". قال: "ثم يكون ملك الأرض المقدسة وابنه". قال عقبة : قلت لعبد الله: سمهما. قال: " معاوية وابنه، ثم يكون سفاح، ثم يكون منصور، ثم يكون جابر، ثم مهدي، ثم يكون الأمين، ثم يكون سين ولام (يعني: صلاحًا وعاقبة)، ثم يكون أمراء العصب ستة، منهم من ولد كعب بن لؤي، ورجل من قحطان، كلهم صالح لا يرى مثله". قال أيوب : فكان ابن(2/285)
سيرين إذا حدث بهذا الحديث؛ قال: يكون على الناس ملوك بأعمالهم.
ذكر هذا الأثر الأزهري، ونقله عنه ابن منظور في "لسان العرب".
قال الأزهري : "هذا حديث عجيب وإسناده صحيح".
وعن عبد الله (وهو ابن مسعود رضي الله عنه )؛ قال: « بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم اغرورقت عيناه وتغير لونه، قال: فقلت: ما نزال ترى في وجهك شيئًا نكرهه. فقال: "إنا أهل بيت، اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدًا وتطريدًا، حتى يأتي قوم من قبل المشرق، ومعهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه، حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤوها قسطًا كما ملؤوها جورًا، فمن أدرك ذلك منكم؛ فليأتهم ولو حبوًا على الثلج » .
رواه ابن ماجه .
قال ابن كثير في "النهاية": "في هذا السياق إشارة إلى ملك بني العباس، وفيه دلالة على أن المهدي يكون بعد دولة بني العباس، وأنه يكون من أهل البيت، من ذرية فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم من ولد الحسن لا الحسين؛ كما تقدم النص على ذلك في الحديث المروي عن علي بن أبي طالب، والله أعلم.
قلت: سيأتي في كلام ابن كثير على حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الرايات السود ليست هي التي أتى بها أبو مسلم الخراساني، وإنما هي رايات سود تأتي صحبة المهدي، وهذا هو الظاهر من حديث ابن مسعود رضي الله عنه؛ فإن سياقه في ذكر المهدي لا في ذكر بني العباس، ويدل على ذلك ما يأتي من حديث علي وثوبان وعبد الله بن جزء الزبيدي . والله أعلم.(2/286)
وعن هلال بن عمرو؛ قال: سمعت عليًا يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « يخرج رجل من وراء النهر يقال له: الحارث حراث، على مقدمته رجل يقال له: منصور، يوطئ (أو: يمكن) لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وجب على كل مؤمن نصره (أو قال: إجابته) » . رواه أبو داود . قال المنذري : "هذا منقطع، قال فيه أبو داود : قال هارون؛ يعني: ابن المغيرة ". وقال الحافظ أبو القاسم الدمشقي : " هلال بن عمرو، وهو غير مشهور عن علي ".
قلت: وفيه أبو الحسن، راويه عن هلال بن عمرو، وهو وشيخه مجهولان.
وعن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يخرج ناس من المشرق، فيوطئون للمهدي (يعني: سلطانه) » .
رواه: ابن ماجه، والطبراني في "الأوسط"، وإسناده ضعيف.
وعن ثوبان رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « "يقتتل عند كنزكم ثلاثة، كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلًا لم يقتله قوم"، ثم ذكر شيئًا لا أحفظه، فقال: "فإذا رأيتموه؛ فبايعوه، ولو حبوًا على الثلج؛ فإنه خليفة الله المهدي » .
رواه: ابن ماجه بإسناد، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه الإمام أحمد مختصرًا، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان؛ فأتوها؛ فإن فيها خليفة الله »(2/287)
« المهدي » .
فيه علي بن زيد بن جدعان، روى له مسلم مقرونًا بغيره، وهو حسن الحديث، وبقية رجاله رجال الصحيح.
ورواه الحاكم بنحوه، وزاد: « فأتوها ولو حبوًا » ، ثم قال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء » .
رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وقال: "هذا حديث غريب حسن".
وعن علي رضي الله عنه: أنه قال: "والذي نفسي بيده؛ لا يذهب الليل حتى تجيء الرايات السود من قبل خراسان، حتى يوثقوا خيولهم بنخلات بيسان والفرات".
رواه ابن المنادي .
قال ابن كثير في "النهاية": "وهذه الرايات ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أمية في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، بل رايات سود أخر تأتي صحبة المهدي، وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه، يصلحه الله في ليلة واحدة (أي: يتوب عليه ويوفقه ويلهمه رشده بعد أن لم يكن كذلك)، ويؤيده بناس من أهل المشرق، ينصرونه ويقيمون سلطانه، وتكون راياتهم سودًا أيضًا، وهو زي عليه الوقار؛ لأن راية الرسول صلى الله عليه وسلم كانت سوداء، يقال لها: العقاب، وقد ركزها خالد بن الوليد على الثنية التي شرقي دمشق حين أقبل من العراق، فعرفت بها الثنية، فهي إلى الآن يقال لها: ثنية العقاب، وقد كانت عقابًا على الكفار من نصارى الروم ولمن كان(2/288)
معهم وبعدهم إلى يوم الدين، ولله الحمد".
وكذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح إلى مكة وعلى رأسه المغفر، وكان أسود، وجاء في حديث: أنه كان متعممًا بعمامة سوداء فوق البياض صلوات الله وسلامه عليه.
والمقصود: أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل ظهوره وخروجه من ناحية المشرق، ويبايع له عند البيت؛ كما دل على ذلك بعض الأحاديث. انتهى.
فصل
وأحاديث المهدي التي ذكرنا فيها صحاح وحسان وغرائب ضعيفة، ولم أذكر من الضعيف إلا ما كان له شاهد من الصحاح أو الحسان، وفي الصحاح كفاية في إثبات خروج المهدي في آخر الزمان، وهي حجة قاطعة على من أنكر خروجه من العصريين.
وقد قال أبو جعفر العقيلي : "في المهدي أحاديث جياد".
وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في رده على الرافضي: "والأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة"، ثم ذكر طرفًا منها، وسيأتي ذلك في كلامه قريبًا إن شاء الله تعالى.
وقال الشوكاني : "الأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثًا، فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة" انتهى.
وقال صديق بن حسن في كتابه "الإذاعة": "أحاديث المهدي عند(2/289)
الترمذي وأبي داود وابن ماجه والحاكم والطبراني وأبي يعلى الموصلي، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة، فتعرض المنكرين لها ليس كما ينبغي، والحديث يشد بعضه بعضًا، ويتقوى أمره بالشواهد والمتابعات، وأحاديث المهدي بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف، وأمره مشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار، وأنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت النبوي يؤيد الدين ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى بالمهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأن عيسى ينزل من بعده، فيقتل الدجال، أو ينزل معه، فيساعده على قتله...".
إلى أن قال: "وقد جمع السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير اليماني الأحاديث القاضية بخروج المهدي، وأنه من آل محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه يظهر في آخر الزمان".
ثم قال: "ولم يأت تعيين زمنه؛ إلا أنه يخرج قبل خروج الدجال ". انتهى.
فصل
قال أبو الحسين محمد بن الحسين الآبري في كتاب "مناقب الشافعي ": "قد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلًا، وأن عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه". انتهى.
وقد نقله ابن القيم عنه في كتاب "المنار المنيف" وأقره.
وقال ابن حجر الهيتمي في "القول المختصر": "الذي يتعين اعتقاده ما(2/290)
دلت عليه الأحاديث الصحيحة من وجود المهدي المنتظر الذي يخرج الدجال وعيسى في زمانه ويصلي عيسى خلفه". انتهى.
وقال السفاريني في كتابه "لوائح الأنوار البهية": "وقد كثرت الروايات بخروجه (يعني: المهدي )، حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم...".
إلى أن قال: "وقد روي عن بعض الصحابة بروايات متعددة، وعن التابعين من بعدهم، ما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة". انتهى.
وقال السفاريني أيضًا: "قال بعض حفاظ الأمة وأعيان الأئمة: إن كون المهدي من ذريته صلى الله عليه وسلم مما تواتر عنه ذلك؛ فلا يسوغ العدول عنه ولا الالتفات إلى غيره ". انتهى.
وقال محمد البرزنجي في كتابه "الإشاعة": "أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان وأنه من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة رضي الله عنها بلغت حد التواتر المعنوي؛ فلا معنى لإنكارها". انتهى.
وقال العلامة محمد بن علي الشوكاني في كتابه "التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المتتظر والدجال والمسيح": "الأحاديث الواردة في المهدي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي؛ فهي كثيرة أيضًا، لها حكم الرفع؛ إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك". انتهى.
وقال الشوكاني أيضًا: "الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة،(2/291)
والأحاديث الواردة في الدجال متواترة، والأحاديث الواردة في نزول عيسى ابن مريم متواترة". انتهى.
وقال صديق بن حسن في كتابه "الإذاعة": "الأحاديث الواردة فيه (أي: في المهدي ) على اختلاف رواياتها كثيرة جدًا، تبلغ حد التواتر، وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد".
وقال صديق أيضًا ما ملخصه: "لا شك أن المهدي يخرج في آخر الزمان؛ لما تواتر من الأخبار في الباب، واتفق عليه جمهور الأمة خلفًا عن سلف؛ إلا من لا يعتد بخلافه.....".
إلى أن قال: "لا معنى للريب في أمر الفاطمي الموعود المنتظر المدلول عليه بالأدلة، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حد التواتر". انتهى.
ومما ذكرنا يعلم أن من أنكر خروج المهدي؛ فقد خالف ما عليه أهل السنة والجماعة.
فصل
وقد قال أبو عبية في تعليقه على "النهاية" لابن كثير في (ص37) ما نصه: "يلاحظ أن كل ما ورد من أحاديث تتعلق بالمهدي وظهوره إنما هو أحاديث ضعيفة، على رغم كثرتها ووفرتها وجمع بعض الناس لها في كتب خاصة بها، وهي بالتالي لا تلزم المسلم اعتقاد مضمونها، وليس ما يمنع شرعًا من أن يفهم المسلم أن المهدي رمز إلى انتصار الحق والخير".
وقال أيضًا في (ص42): "وليس هناك دليل صحيح قاطع الدلالة على أن من يسمى بالمهدي سيظهر داعيًا إلى دين الله على ما وردت به بعض(2/292)
الأحاديث الضعيفة؛ كما سبق بيانه، ولهذا فنحن نميل إلى أن المهدي رمز إلى انتصار دعوة الحق على نزعات الباطل وشروره".
وقال نحو ذلك في تقديمه لكتاب "النهاية".
والجواب عن هذا من وجوه:
أحدها : أن يقال: قد صحت الأحاديث في خروج المهدي كما تقدم بيان ذلك في كثير من الأحاديث التي ذكرنا، ولا عبرة بمن جهل ذلك من العصريين الذين ليست لهم بصيرة يميزون بها بين الصحيح من الحديث وبين الضعيف منه.
الوجه الثاني : أن أبا عبية قد أخطأ خطأ كبيرًا في حكمه بالضعف على جميع الأحاديث التي تتعلق بظهور المهدي، ولا يخلو في حكمه عليها من أحد أمرين، كل منهما عظيم:
أحدهما : أن يكون جاهلًا بأحاديث المهدي، بحيث لا يميز بين الصحيح منها والضعيف، وعلى هذا يكون حكمه عليها بالضعف من اتباع الظن، وقد قال الله تعالى: { إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث » ، متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والثاني : أن يكون عالمًا بما فيها من الأحاديث الصحيحة، ومع ذلك حكم عليها بالضعف مكابرة وتقليدًا لبعض من يشار إليهم من العصريين، وعلى هذا يكون قد رد الأحاديث الصحيحة متعمدًا، وما أعظم ذلك.
الوجه الثالث : قد ذكرت في أول الكتاب أن كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بوقوعه؛ فالإيمان به واجب على كل مسلم، وذلك من تحقيق الشهادة بأنه(2/293)
رسول الله، وقد قال الله تعالى: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } .
وليس التواتر في الأخبار عن المغيبات شرطًا لوجوب الإيمان بها كما قد زعم ذلك بعض أهل البدع ومن تبعهم من المتفقهة المقلدة وغيرهم من جهلة العصريين، بل كل ما صح سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالإيمان به واجب، سواء كان متواترًا أو أخبار آحاد، وهذا قول أهل السنة والجماعة.
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "كل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد؛ أقررنا به، وإذا لم نقر بما جاء به الرسول ودفعناه ورددناه؛ رددنا على الله أمره، قال الله تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ".
الوجه الرابع : قد تقدم ما قاله الآبري والهيتمي والسفاريني والبرزنجي والشوكاني وصديق بن حسن في أحاديث المهدي أنها قد بلغت حد التواتر، وأنه لا معنى لإنكارها.
الوجه الخامس : أن ما ذهب إليه أبو عبية من كون المهدي رمزًا لانتصار دعوة الحق على نزعات الباطل وشروره مردود بأمور منصوص عليها في الأحاديث الصحيحة: منها: أن المهدي رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وعترته. ومنها: أن اسمه يواطئ اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه يواطئ اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم. ومنها: أن خلقه يشبه خلق النبي صلى الله عليه وسلم. ومنها: وصفه بأنه أشم الأنف أقنى أجلى، وسيأتي تفسير هذه الصفات قريبًا إن شاء الله تعالى. ومنها: أنه يملك العرب. ومنها: أنه يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا.
وكل جملة من هذه الجمل الست كافية في رد ما ذهب إليه أبو عبية؛ فكيف وقد اجتمعت كلها على رد قوله الذي هو من تحريف الكلم عن مواضعه ؟ .(2/294)
فصل
فأما الحديث الذي رواه ابن ماجه والحاكم من طريق يونس بن عبد الأعلى الصدفي : حدثنا محمد بن إدريس الشافعي : حدثني محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارًا، ولا الناس إلا شحًا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا المهدي إلا عيسى ابن مريم » ؛ فإنه حديث معلول عند المحققين، وعلى تقدير صحته؛ فقد جمع ابن القيم وابن كثير وغيرهما بينه وبين أحاديث المهدي بجمع حسن؛ كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
وقد قال الحاكم بعد إخراجه: "قال صامت بن معاذ : عدلت إلى الجند مسيرة يومين من صنعاء، فدخلت على محدث لهم، فطلبت هذا الحديث، فوجدته عنده عن محمد بن خالد الجندي عن أبان بن أبي عياش عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وقد روي بعض هذا المتن عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم... ".
ثم ساق الحاكم هذا الحديث، وليس منه: « ولا مهدي إلا عيسى » ، ثم قال: "فذكرت ما انتهى إلي من علة هذا الحديث تعجبًا لا محتجًا به في "المستدرك على الشيخين"، فإن أولى من هذا الحديث ذكره في هذا الموضع حديث سفيان الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم من أئمة المسلمين عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: « لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا » .(2/295)
وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في "الميزان": " محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح : روى عنه الشافعي، قال الأزدي : منكر الحديث، وقال أبو عبد الله الحاكم : مجهول". قال الذهبي : "حديثه: « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » : هو خبر منكر، أخرجه ابن ماجه، ووقع لنا موافقه من حديث يونس بن عبد الأعلى، وهو ثقة، تفرد به عن الشافعي، فقال في روايتنا: "عن"؛ هكذا: "عن الشافعي ". وقال في جزء عتيق بمرة عندي من حديث يونس بن عبد الأعلى؛ قال: "حدثت عن الشافعي "؛ فهو على هذا منقطع. على أن جماعة رووه عن يونس؛ قال: "حدثنا الشافعي "، والصحيح أنه لم يسمعه منه، وأبان بن صالح صدوق، وما علمت به بأسًا، لكن قيل: إنه لم يسمع من الحسن، ذكره ابن الصلاح في "أماليه"، ثم قال: محمد بن خالد شيخ مجهول".
قال الذهبي : "قد وثقه يحيى بن معين، وروى عنه ثلاثة رجال سوى الشافعي .
وللحديث علة أخرى. قال البيهقي : أخبرنا الحاكم: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن يزداد المزكي من كتابه: حدثنا عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بمصر: حدثنا المفضل بن محمد الجندي : حدثنا صامت بن معاذ؛ قال: عدلت إلى الجند.... فدخلت على محدث لهم، فوجدت عنده عن محمد بن خالد الجندي عن أبان بن أبي عياش عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
قال الذهبي : "فانكشف ووهى". انتهى.
وقال البيهقي : "تفرد به محمد بن خالد ".
وقد قال الحاكم أبو عبد الله : "هو مجهول، وقد اختلف عليه في إسناده،(2/296)
فروي عنه عن أبان بن أبي عياش عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم ". قال: "فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد - وهو مجهول - عن أبان بن أبي عياش - وهو متروك - عن الحسن - وهو منقطع - والأحاديث الدالة على خروج المهدي أصح إسنادًا".انتهى .
وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في رده على الرافضي: " الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة، رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره؛ كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن مسعود :
« لو لم يبق من الدنيا إلا يوم؛ لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه رجل مني (أو: من أهل بيتي)، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا » .
ورواه الترمذي وأبو داود من رواية أم سلمة، وأيضًا فيه: « المهدي من عترتي من ولد فاطمة » .
ورواه أبو داود من طريق أبي سعيد، وفيه: « يملك الأرض سبع سنين » .
ورواه عن علي رضي الله عنه: أنه نظر إلى الحسن، وقال: "إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخلق، ولا يشبهه في الخلق، يملأ الأرض قسطًا" .
وهذه الأحاديث غلط فيها طوائف:
طائفة أنكروها واحتجوا بحديث ابن ماجه : أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » ، وهذا الحديث ضعيف، وقد اعتمد أبو محمد بن الوليد البغدادي وغيره عليه، وليس مما يعتمد عليه، ورواه ابن ماجه عن يونس(2/297)
عن الشافعي، والشافعي رواه عن رجل من أهل اليمن يقال له: محمد بن خالد الجندي، وهو ممن لا يحتج به، وليس هذا في "مسند الشافعي "، وقد قيل: إن الشافعي لم يسمعه من الجندي، وإن يونس لم يسمعه من الشافعي .
الثاني: أن الاثني عشرية الذين ادعوا أن هذا هو مهديهم، مهديهم اسمه محمد بن الحسن، والمهدي الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم اسمه محمد بن عبد الله، ولهذا حذفت طائفة لفظ الأب حتى لا يناقض ما كذبت، وطائفة حرفته، فقالت: جده الحسين، وكنيته أبو عبد الله؛ فمعناه محمد بن أبي عبد الله، وجعلت الكنية اسمًا، ومن له أدنى نظر؛ يعرف أن هذا تحريف وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهل يفهم أحد من قوله: « يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي » إلا أن اسم أبيه عبد الله ؟ ! وأيضًا؛ فإن المهدي المنعوت من ولد الحسن بن علي لا من ولد الحسين؛ كما تقدم لفظ حديث علي .
الثالث: أن طوائف ادعى كل منهم أنه المهدي المبشر به. مثل مهدي القرامطة الباطنية الذي أقام دعوتهم بالمغرب، وهم من ولد ميمون القداح، وادعوا أن ميمونًا هذا من ولد محمد بن إسماعيل، وإلى ذلك انتسب الإسماعيلية، وهم ملاحدة في الباطن، خارجون عن جميع الملل، وأكفر من الغالية كالنصيرية، ومذهبهم مركب من مذهب المجوس والصابئة والفلاسفة، مع إظهار التشيع، وجدهم رجل يهودي كان ربيبًا لرجل مجوسي، وقد كانت لهم دولة وأتباع، وقد صنف العلماء كتبًا في كشف أسرارهم وهتك أستارهم؛ مثل كتاب القاضي أبي بكر الباقلاني، والقاضي عبد الجبار الهمذاني، وكتاب الغزالي، ونحوهم.
وممن ادعى أنه المهدي ابن التومرت الذي خرج أيضا بالمغرب، وسمى أصحابه الموحدين، وكان يقال له في خطبهم: الإمام المعصوم والمهدي(2/298)
المعلوم الذي يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا، وهذا ادعى أنه من ولد الحسن دون الحسين؛ فإنه لم يكن رافضيًا، وكان له من الخبرة بالحديث ما ادعى به دعوى تطابق الحديث، وقد علم بالاضطرار أنه ليس هو الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم.
ومثل عدة آخرين ادعوا ذلك منهم من قبل، ومنهم من ادعى ذلك فيه أصحابه، وهؤلاء كثيرون لا يحصي عددهم إلا الله، وربما حصل بأحدهم نفع لقوم، وإن حصل به ضرر لآخرين كما حصل بمهدي المغرب؛ انتفع به طوائف، وانضر به طوائف، وكان فيه ما يحمد، وكان فيه ما يذم، وبكل حال؛ فهو وأمثاله خير من مهدي الرافضة الذي ليس له عين ولا أثر ولا يعرف له حس ولا خبر، لم ينتفع به أحد لا في الدنيا ولا في الدين، بل حصل باعتقاد وجوده من الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد". انتهى المقصود من كلامه رحمه الله تعالى.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه "المنار المنيف" ما نصه: "وسئلت عن حديث: « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » فكيف يأتلف هذا مع أحاديث المهدي وخروجه ؟ ! وما وجه الجمع بينهما ؟ ! وهل في المهدي حديث أم لا ؟ .
فأما حديث: « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » ؛ فرواه ابن ماجه في "سننه" عن يونس بن عبد الأعلى عن الشافعي عن محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مما تفرد به محمد بن خالد .
قال أبو الحسين محمد بن الحسين الآبري في كتاب "مناقب الشافعي ": محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل، وقد(2/299)
تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلًا، وأن عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه.
وقال البيهقي : تفرد به محمد بن خالد هذا، وقد قال الحاكم أبو عبد الله : هو مجهول. وقد اختلف عليه في إسناده، فروي عنه عن أبان بن أبي عياش عن الحسن مرسلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد - وهو مجهول - عن أبان بن أبي عياش - وهو متروك - عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم - وهو منقطع - والأحاديث على خروج المهدي أصح إسنادًا .
قلت: كحديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم؛ لطول الله ذلك اليوم، حتى يبعث رجلًا مني (أو: من أهل بيتي)، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا » .
رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. قال: وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة . ثم روى حديث أبي هريرة، وقال: حسن صحيح. انتهى.
وفي الباب عن حذيفة بن اليمان وأبي أمامة الباهلي وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص وثوبان وأنس بن مالك وجابر وابن عباس وغيرهم.
وفي "سنن أبي داود " عن علي رضي الله عنه: أنه نظر إلى ابنه الحسن، فقال: "إن ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخلق، ولا يشبهه في الخلق، يملأ الأرض عدلًا".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(2/300)
« المهدي مني: أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا، يملك سبع سنين » . رواه أبو داود بإسناد جيد من حديث عمران بن داور العمي القطان، وقال: "حسن الحديث عن قتادة عن أبي الصديق الناجي عنه"، وروى الترمذي نحوه من وجه آخر.
وروى أبو داود من حديث صالح بن أبي مريم أبي الخليل الضبعي عن صاحب له عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هاربًا إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة، فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه جيش من الشام، فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك؛ أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق، فيبايعونه، ثم ينشئ رجل من قريش، أخواله كلب، فيبعث إليهم بعثًا، فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال، ويعمل في الناس بسنة نبيهم، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض، فيلبث سبع سنين، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون » .
وفي رواية: « فيلبث تسع سنين » .
ورواه الإمام أحمد باللفظين. ورواه أبو داود من وجه آخر عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم سلمة نحوه. ورواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده" من حديث قتادة عن صالح أبي الخليل عن صاحب له، وربما قال: " صالح عن مجاهد عن أم سلمة "، والحديث حسن، ومثله مما يجوز أن يقال فيه: صحيح.
وقال ابن ماجه في "سننه": حدثنا عثمان بن أبي شيبة : حدثنا أبو داود الحفري : حدثنا ياسين عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن علي رضي(2/301)
الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يخرج ناس من أهل المشرق، فيوطئون للمهدي سلطانه » .
وذكر أبو نعيم في "كتاب المهدي " من حديث حذيفة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد؛ لبعث الله فيه رجلًا، اسمه اسمي، وخلقه خلقي، يكنى أبا عبد الله » .
ولكن في إسناده العباس بن بكار لا يحتج بحديثه، وقد تقدم هذا المتن من حديث ابن مسعود وأبي هريرة، وهما صحيحان.
وقد قالت أم سلمة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « المهدي من عترتي من ولد فاطمة » .
رواه: أبو داود، وابن ماجه، وفي إسناده زياد بن بيان : وثقه ابن حبان، وقال ابن معين : "ليس به بأس "، وقال البخاري : "في إسناد حديثه نظر".
وقال أبو نعيم : حدثنا خلف بن أحمد بن العباس الرامهرمزي في كتابه: حدثنا همام بن أحمد بن أيوب : حدثنا طالوت بن عباد : حدثنا سويد بن إبراهيم عن محمود بن عمر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليبعثن الله من عترتي رجلًا أفرق الثنايا، أجلى الجبهة، يملأ الأرض عدلًا، يفيض المال في زمنه » .
ولكن طالوت وشيخه ضعيفان، والحديث ذكرناه للشواهد.
وقال يحيى بن عبد الحميد الحماني في "مسنده": حدثنا قيس بن الربيع عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي، يفتح القسطنطينية وجبل الديلم، ولو لم يبق إلا يوم؛ طول الله ذلك اليوم حتى يفتحها » .(2/302)
يحيى بن عبد الحميد : وثقه ابن معين وغيره، وتكلم فيه أحمد . وقال أبو نعيم : حدثنا أبو الفرج الأصبهاني : حدثنا أحمد بن الحسين : حدثنا أبو جعفر بن طارق عن الجيد بن نظيف عن أبي نضرة عن أبي سعيد؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « منا الذي يصلي عيسى ابن مريم خلفه، فيقول: ألا إن بعضهم على بعض أمراء؛ تكرمة الله لهذه الأمة » .
وهذا الإسناد لا تقوم به حجة، لكن في "صحيح ابن حبان " من حديث عطية بن عامر نحوه.
وقال الحارث بن أبي أسامة في "مسنده": حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم : حدثنا إبراهيم بن عقيل عن أبيه عن وهب بن منبه عن جابر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ينزل عيسى ابن مريم ، فيقول أميرهم المهدي : تعال صل بنا. فيقول: لا؛ إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة » .
وهذا إسناد جيد.
وقال الطبراني : حدثنا محمد بن زكريا الهلالي : حدثنا العباس بن بكار، حدثنا عبد الله بن زياد عن الأعمش عن زر بن حبيش عن حذيفة؛ قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ما هو كائن، ثم قال: « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد؛ لطول الله ذلك اليوم، حتى يبعث رجلًا من ولدي، اسمه اسمي » .
ولكن هذا إسناد ضعيف.
وهذه الأحاديث أربعة أقسام: صحاح، وحسان، وغرائب، وموضوعة.
وقد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال :
أحدها : أنه المسيح ابن مريم ، وهو المهدي على الحقيقة، واحتج أصحاب هذا بحديث محمد بن خالد الجندي المتقدم، وقد بينا حاله، وأنه لا(2/303)
يصح، ولو صح؛ لم يكن فيه حجة؛ لأن عيسى أعظم مهدي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الساعة. وقد دلت السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على نزوله على المنارة البيضاء شرقي دمشق، وحكمه بكتاب الله، وقتله اليهود والنصارى، ووضعه الجزية، وإهلاك أهل الملل في زمانه، فيصح أن يقال: لا مهدي في الحقيقة سواه، وإن كان غيره مهديًا؛ كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا ما وقى وجه صاحبه، وكما يصح أن يقال: إنما المهدي عيسى ابن مريم؛ يعني: المهدي الكامل المعصوم".
القول الثاني : أنه المهدي الذي ولي من بني العباس، وقد انتهى زمانه.
واحتج أصحاب هذا القول بما رواه أحمد في "مسنده": حدثنا وكيع عن شريك عن علي بن زيد عن أبي قلابة عن ثوبان؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان؛ فأتوها ولو حبوًا على الثلج؛ فإن فيها خليفة الله المهدي » .
وعلي بن زيد قد روى له مسلم متابعة، ولكن هو ضعيف، وله مناكير تفرد بها، فلا يحتج بما ينفرد به.
وروى ابن ماجه من حديث الثوري عن خالد عن أبي أسماء عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وتابعه عبد العزيز بن المختار عن خالد .
وفي "سنن ابن ماجه " عن عبد الله بن مسعود؛ قال: « بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ اغرورقت عيناه، وتغير لونه، فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئًا نكرهه. قال: "إنا أهل بيت، اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بلاء وتشريدًا وتطريدًا، حتى يأتي قوم من أهل المشرق، ومعهم رايات سود، يسألون الحق فلا يعطونه، فيقاتلون، فينصرون، فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه، حتى يدفعوها إلى رجل من »(2/304)
« أهل بيتي، فيملؤها قسطًا كما ملئت جورًا، فمن أدرك ذلك منكم؛ فليأتهم ولو حبوًا على الثلج » .
وفي إسناده يزيد بن أبي زياد، وهو سيئ الحفظ، اختلط في آخر عمره، وكان يقلد الفلوس.
وهذا والذي قبله لو صح لم يكن فيه دليل على أن المهدي الذي تولى من بني العباس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، بل هو مهدي من جملة المهديين، وعمر بن عبد العزيز كان مهديًا، بل هو أولى باسم المهدي منه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي » ، وقد ذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه وغيره إلى أن عمر بن عبد العزيز منهم، ولا ريب أنه كان راشدًا مهديا، ولكن ليس بالمهدي الذي يخرج في آخر الزمان؛ فالمهدي في جانب الخير والرشد كالدجال في جانب الشر والضلال، وكما أن بين يدي الدجال الأكبر صاحب الخوارق دجالين كذابين؛ فكذلك بين يدي المهدي الأكبر مهديون راشدون.
القول الثالث : أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، من ولد الحسن بن علي، يخرج في آخر الزمان، وقد امتلأت الأرض جورًا وظلمًا، فيملؤها قسطًا وعدلًا.
وأكثر الأحاديث على هذا تدل، وفي كونه من ولد الحسن سر لطيف، وهو أن الحسن رضي الله عنه ترك الخلافة لله، فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض، وهذه سنة الله في عباده: أنه من ترك لأجله شيئًا؛ أعطاه الله (أو أعطى ذريته) أفضل منه، وهذا بخلاف الحسين رضي الله عنه؛ فإنه حرص عليها، وقاتل عليها، فلم يظفر بها. والله أعلم.
وقد روى أبو نعيم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال:(2/305)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يخرج رجل من أهل بيتي، يعمل بسنتي، وينزل الله له البركة من السماء، وتخرج له الأرض بركتها، ويملأ الأرض عدلًا كما ملئت ظلمًا، ويعمل على هذا الأمر سبع سنين، وينزل بيت المقدس » . وروى أيضًا من حديث أبي أمامة رضي الله عنه؛ قال: « خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الدجال؛ قال: "فتنفي المدينة الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد، ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص". فقالت أم شريك : فأين العرب يا رسول الله ؟ ! فقال: "هم يومئذ قليل، وجلهم ببيت المقدس، وإمامهم المهدي، رجل صالح » .
وروى أيضًا من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لن تهلك أمة أنا في أولها، وعيسى ابن مريم في آخرها، والمهدي في وسطها » .
وهذه الأحاديث وإن كان في أسانيدها بعض الضعف والغرابة؛ فهي مما يقوي بعضها بعضًا، ويشد بعضها ببعض.
فهذه أقوال أهل السنة.
وأما الرافضة الإمامية؛ فلهم قول رابع، وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر، من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن، الحاضر في الأمصار، الغائب عن الأبصار، الذي يورث العصا، ويختم الفضا، دخل سرداب سامرا طفلًا صغيرًا من أكثر من خمسمائة سنة، فلم تره بعد ذلك عين، ولم يحس فيه بخبر ولا أمر، وهم ينتظرونه كل يوم، يقفون بالخيل على باب السرداب، ويصيحون به أن يخرج إليهم: اخرج يا مولانا ! اخرج يا مولانا ! ثم يرجعون بالخيبة والحرمان؛ فهذا دأبهم ودأبه، ولقد أحسن من قال:
ما آن للسرداب أن يلد الذي ... كلمتموه بجهلكم ما آنا(2/306)
فعلى عقولكم العفاء فإنكم ... ثلثتم العنقاء والغيلانا
ولقد أصبح هؤلاء عارًا على بني آدم، وضحكة يسخر منهم كل عاقل.
أما مهدي المغاربة محمد بن تومرت؛ فإنه رجل كذاب ظالم متغلب بالباطل، ملك بالظلم والتغلب والتحيل، فقتل النفوس، وأباح حريم المسلمين، وسبى ذراريهم، وأخذ أموالهم، وكان شرًا على الأمة من الحجاج بن يوسف بكثير، وكان يودع بطن الأرض في القبور جماعة من أصحابه أحياء، يأمرهم أن يقولوا للناس: إنه المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يردم عليهم ليلًا؛ لئلا يكذبوه بعد ذلك، وسمى أصحابه الجهمية الموحدين نفاة صفات الرب وكلامه وعلوه على خلقه واستوائه على عرشه، ورؤية المؤمنين له بالأبصار يوم القيامة، واستباح قتل من خالفهم من أهل العلم والإيمان، وتسمى بالمهدي المعصوم.
ثم خرج المهدي الملحد عبيد الله بن ميمون القداح، وكان جده يهوديا، من بيت مجوسي، فانتسب بالكذب والزور إلى أهل البيت، وادعى أنه المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم، وملك وتغلب، واستفحل أمره، إلى أن استولت ذريته الملاحدة المنافقون الذين كانوا أعظم الناس عداوة لله ولرسوله على بلاد المغرب ومصر والحجاز والشام، واشتدت غربة الإسلام ومحنته ومصيبته بهم، وكانوا يدعون الإلهية، ويدعون أن للشريعة باطنا يخالف ظاهرها، وهم ملوك القرامطة الباطنية أعداء الدين، فتستروا بالرفض والانتساب كذبا إلى أهل البيت، ودانوا بدين أهل الإلحاد وروجوه، ولم يزل أمرهم ظاهرًا، إلى أن أنقذ الله الأمة منهم ونصر الإسلام بصلاح الدين يوسف بن أيوب، فاستنقذ الملة الإسلامية منهم، وأبادهم وعادت مصر دار إسلام بعد أن كانت دار نفاق وإلحاد في زمنهم.(2/307)
والمقصود أن هؤلاء لهم مهدي، وأتباع ابن تومرت لهم مهدي، والرافضة الاثني عشرية لهم مهدي؛ فكل هذه الفرق تدعي في مهديها الظلوم الغشوم والمستحيل المعدوم أنه الإمام المعصوم، والمهدي المعلوم الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر بخروجه، وهي تنتظره كما تنتظر اليهود القائم الذي يخرج في آخر الزمان، فتعلو به كلمتهم، ويقوم به دينهم، وينصرون به على جميع الأمم، والنصارى تنتظر المسيح يأتي يوم القيامة، فيقيم دين النصرانية، ويبطل سائر الأديان، وفي عقيدتهم نزع المسيح الذي هو إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي نزل طامينا... إلى أن قالوا: وهو مستعد للمجيء قبل يوم القيامة.
فالملل الثلاث تنتظر إماما قائما يقوم في آخر الزمان.
ومنتظر اليهود الذي يتبعه من يهود أصبهان سبعون ألفًا، وفي "المسند" مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: « أكثر أتباع الدجال اليهود والنساء » .
والنصارى تنتظر المسيح عيسى ابن مريم ، ولا ريب في نزوله، ولكن إذا نزل؛ كسر الصليب، وقتل الخنزير، وأباد الملل كلها؛ سوى ملة الإسلام، وهذا معنى الحديث: « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » . انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
وقال ابن كثير في "النهاية": "فأما الحديث الذي رواه ابن ماجه في "سننه"؛ حيث قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى : حدثنا محمد بن إدريس الشافعي : حدثني محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارًا، ولا الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا المهدي إلا عيسى ابن مريم » ؛ فإنه حديث مشهور بمحمد بن خالد الجندي الصنعاني المؤذن شيخ الشافعي، وروى عنه غير واحد أيضًا، وليس هو بمجهول(2/308)
كما زعمه الحاكم، بل قد روي عن ابن معين أنه وثقه، ولكن من الرواة من حدث به عنه عن أبان بن أبي عياش عن الحسن البصري مرسلًا، وذكر ذلك شيخنا في "التهذيب" عن بعضهم أنه رأى الشافعي في المنام وهو يقول: كذب علي يونس بن عبد الأعلى، ليس هذا من حديثي".
قال ابن كثير : "قلت: يونس بن عبد الأعلى الصدفي من الثقات، لا يطعن فيه بمجرد منام، وهذا الحديث فيما يظهر ببادي الرأي مخالف الأحاديث التي أوردناها في إثبات مهدي غير عيسى ابن مريم ، إما قبل نزوله كما هو الأظهر، وإما بعده، وعند التأمل لا ينافيها، بل يكون المراد من ذلك أن المهدي حق المهدي هو عيسى ابن مريم ، ولا ينفي ذلك أن يكون غيره مهديًا أيضًا. والله أعلم ". انتهى كلامه.
وقال السفاريني في كتابه "لوائح الأنوار البهية": "قد كثرت الأقوال في المهدي، حتى قيل: لا مهدي إلا عيسى ، والصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى ، وأنه يخرج قبل نزول عيسى عليه السلام، وقد كثرت بخروجه الروايات، حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة، حتى عد من معتقداتهم...".
إلى أن قال: "وقد روي عن بعض الصحابة بروايات متعددة، وعن التابعين من بعدهم، ما يفيد مجموعه العلم القطعي؛ فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة ". انتهى.
وقال الشوكاني في كتابه "التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح ": "وأما حديث أنس الذي أخرجه ابن ماجه والحاكم في "المستدرك" بلفظ: « لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارًا، ولا الناس إلا »(2/309)
« شحًا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم » ؛ فيمكن أن يقال في تأويله: لا مهدي كامل، ولا شك أن عيسى أكمل من المهدي؛ لأنه نبي الله وهذا التأويل متحتم؛ لمخالفة ظاهره للأحاديث المتواترة ". انتهى.
فصل
قد تقدم في حديث أبي سعيد رضي الله عنه وصف المهدي بأنه أشم الأنف، أقنى، أجلى.
قال الجوهري : " (الشمم): ارتفاع في قصبة الأنف مع استواء أعلاه، فإن كان فيها احديداب؛ فهو القنى".
وقال ابن منظور في "لسان العرب": " (الشمم في الأنف): ارتفاع القصبة وحسنها واستواء أعلاها وانتصاب الأرنبة، وقيل: إن الشمم أن يطول الأنف ويدق وتسيل روثته، وإذا وصف الشاعر، فقال: أشم؛ فإنما يعني سيدًا ذا أنفة، ومنه قول كعب بن زهير : شم العرانين أبطال لبوسهم، جمع أشم، والعرانين الأنوف، وهو كناية عن الرفعة والعلو وشرف النفس ". انتهى.
وأما الأقنى؛ فهو المحدودب الأنف.
قال الجوهري : " (القنى): احديداب في الأنف".
وقال ابن الأثير : " (القنى في الأنف): طوله ورقة أرنبته مع حدب في وسطه".
وقال ابن منظور في "لسان العرب": " (القنى): مصدر الأقنى من الأنوف وهو ارتفاع في أعلاه بين القصبة والمارن من غير قبح".(2/310)
قال ابن سيده : " (والقنى): ارتفاع في أعلى الأنف، واحديداب في وسطه، وسبوغ في طرفه. وقيل: هو نتوء وسط القصبة وإشرافه وضيق المنخرين".
وأما الأجلى؛ فهو الذي انحسر الشعر عن مقدم رأسه.
قال الجوهري : " (الجلاء): انحسار الشعر عن مقدم الرأس ".
وقال ابن الأثير وابن منظور في "لسان العرب": "وفي صفة المهدي أنه أجلى الجبهة، الأجلى: الخفيف شعر ما بين النزعتين من الصدغين، والذي انحسر الشعر عن جبهته". زاد ابن منظور : "وقيل: الأجلى: الحسن الوجه الأنزع".
وقال أبو عبيدة : "إذا انحسر الشعر عن نصف الرأس ونحوه؛ فهو أجلى ".
وقال الفراء : "اشتقاقه من الجلاء، وهو ابتداء الصلع، إذا ذهب شعر الرأس إلى نصفه".
وقال أبو علي القالي : "الأنزع الذي قد انحسر الشعر عن جانبي جبهته، فإذا زاد قليلًا؛ فهو أجلح، فإذا بلغ النصف؛ فهو أجلى، ثم هو أجله".
باب
ما جاء في الخليفة الذي يحثي المال حثيًا ولا يعده
عن الجريري - واسمه: سعيد بن إياس - عن أبي نضرة - واسمه: المنذر بن مالك بن قطعة - قال: كنا عند جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم. قلنا: من أين ذاك ؟ قال: من قبل العجم؛ يمنعون ذلك. ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم(2/311)
دينار ولا مد. قلنا: من أين ذاك ؟ قال: من قبل الروم، يمنعون ذاك. قال: ثم أمسك هنيهة، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يكون في آخر أمتي خليفة يحثو المال حثوًا لا يعده عدًا » . قال الجريري : فقلت لأبي نضرة وأبي العلاء : أتريانه عمر بن عبد العزيز ؟ فقالا: لا.
رواه: الإمام أحمد، ومسلم .
وعن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يكون في آخر الزمان خليفة يعطي المال ولا يعده عدًا » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وهذا لفظ أحمد .
وفي رواية له: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ليبعثن الله عز وجل في هذه الأمة خليفة يحثي المال حثيًا ولا يعده عدًا » .
وعن أبي نضرة عن أبي سعيد وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم؛ قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده » .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم .
وعن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يخرج عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن رجل يقال له: السفاح، فيكون إعطاؤه المال حثيا » .
رواه الإمام أحمد . قال الهيثمي : "فيه عطية العوفي، وهو ضعيف، ووثقه ابن معين، وبقية رجاله ثقات".
وعن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: قلت: والله ما يأتي علينا أمر إلا وهو شر من الماضي، ولا عام إلا وهو شر من(2/312)
الماضي. قال: لولا شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقلت مثل ما يقول، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن من أمرائكم أميرًا يحثي المال حثيًا ولا يعده عدًا، يأتيه الرجل، فيسأله، فيقول: خذ ! فيبسط الرجل ثوبه، فيحثي فيه"، وبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم ملحفة غليظة كانت عليه؛ يحكي صنيع الرجل، ثم جمع إليه أكنافها؛ قال: "فيأخذه ثم ينطلق » .
رواه الإمام أحمد .
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى يكون على الناس إمام يحثي المال حثيًا » .
رواه ابن النجار .
وفي هذه الأحاديث إشارة إلى المهدي بدليل ما تقدم في بعض الروايات عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ذكر المهدي : « "ويكون المال كدوسًا". قال: "يجيء الرجل إليه، فيقول: يا مهدي ! أعطني، أعطني". قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمل » .
رواه: الإمام أحمد، والترمذي وحسنه، وابن ماجه، والحاكم بنحوه.
وفي رواية لأحمد : « أن المهدي يأمر مناديًا، فينادي، فيقول: من له في مال حاجة ؟ فما يقوم من الناس إلا رجل، فيقول: ائت السدان (يعني: الخازن)، فقل له: إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالًا، فيقول له: احث » ... . الحديث.
وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « يقوم الرجل يقول: يا مهدي ! أعطني. فيقول: خذ » .
رواه الطبراني ورجاله ثقات.(2/313)
باب
ما جاء في القحطاني
قد تقدم حديث قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سيكون من بعدي خلفاء، ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا، ثم يؤمر القحطاني، فوالذي بعثني بالحق؛ ما هو دونه » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه جماعة لم أعرفهم".
وتقدم أيضًا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وفيه: « ثم يكون أمراء العصب، ستة منهم من ولد كعب بن لؤي، ورجل من قحطان، كلهم صالح لا يرى مثله » .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه » .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وإسناد أحمد إسناد مسلم .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: « ليسوقن رجل من قحطان الناس بعصا » .
رواه الطبراني .
باب
ما جاء في الجهجاه
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: « لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل يقال له: الجهجاه » .(2/314)
رواه: الإمام أحمد، ومسلم واللفظ له، والترمذي، وقال: "هذا حديث حسن غريب "، وإسناد أحمد والترمذي إسناد مسلم .
ولفظ أحمد والترمذي : « لا يذهب الليل والنهار حتى يملك رجل من الموالي، يقال له: جهجاه » .
وعن علباء السلمي رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تقوم الساعة حتى يملك الناس رجل من الموالي، يقال له: جهجاه » .
رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه من لم أعرفه".
قلت: وحديث أبي هريرة يشهد له ويقويه.
باب
ما جاء في عود الأمر إلى حمير
عن ذي مخمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « كان هذا الأمر في حمير، فنزعه الله عز وجل منهم، فجعله في قريش، وسيعود إليهم » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني . قال الهيثمي : "ورجاله ثقات".
باب
ما جاء في الآيات الكبار
عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه؛ قال: « اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذاكرون ؟ ". قالوا: نذكر الساعة. قال: "إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات... (فذكر) الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة »(2/315)
« خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم واللفظ له، وأهل السنن، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح". وفي رواية ابن ماجه : « ونار تخرج من قعر عدن أبين، تسوق الناس إلى المحشر، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا » . ولأحمد نحوه.
وفي رواية للترمذي : « والعاشرة: إما ريح تطرحهم في البحر، وإما نزول عيسى ابن مريم » . ولأحمد ومسلم نحوه.
ورواه الطبراني، ولفظه: قال: « عشر بين يدي الساعة: خسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب، والدخان، ونزول عيسى ابن مريم ، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وريح تسفيهم وتطرحهم بالبحر، وطلوع الشمس من مغربها » .
وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدجال، والدخان، ونزول عيسى ابن مريم ، ويأجوج ومأجوج، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، تحشر الذر والنمل » .
رواه: الطبراني، وابن مردويه، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد قدمت ذكر الخسوف الثلاثة والنار التي تخرج من اليمن مع نظائرها، ويأتي ذكر البقية مفصلًا إن شاء الله تعالى.(2/316)
باب
ما جاء في تتابع الآيات
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الآيات خرزات منظومات في سلك، فإن يقطع السلك؛ يتبع بعضها بعضًا » .
رواه الإمام أحمد، قال الهيثمي : "وفيه علي بن زيد، وهو حسن الحدث". وقد رواه الحاكم في "مستدركه"، ولم يتكلم عليه، وكذلك الذهبي .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « خروج الآيات بعضها على إثر بعض، يتتابعن كما يتتابع الخرز في النظام » .
رواه: ابن حبان في "صحيحه"، والطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح، غير عبد الله بن أحمد بن حنبل وداود الزهراني، وكلاهما ثقة".
وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « الأمارات خرزات منظومات بسلك، فإذا انقطع السلك؛ تبع بعضه بعضًا » .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي سريحة - وهو حذيفة بن أسيد رضي الله عنه -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « بين يدي الساعة عشر آيات، كالنظم في الخيط، إذا سقط منها واحدة؛ توالت: خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم ، وفتح يأجوج ومأجوج، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها وذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها » .(2/317)
رواه ابن عساكر في "تاريخه".
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "إذا رأيتم أول الآيات؛ تتابعت".
رواه ابن أبي شيبة .
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "لو أن رجلًا ارتبط فرسًا في سبيل الله، فأنتجت مهرًا عند أول الآيات؛ ما ركب المهر حتى يرى آخرها".
رواه ابن أبي شيبة .
باب
في مدة الآيات
عن ثوبان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « كل ما توعدون في مائة سنة » .
رواه البزار .
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" في أثناء حديث طويل، ولفظه: « كل ما يوجد في مائة سنة » ، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وظاهر هذا الحديث يخالف ما تقدم في الأثر الأخير عن حذيفة رضي الله عنه، ويمكن الجمع بينهما بأن يحمل ما في حديث ثوبان رضي الله عنه على مدة ظهور الآيات العشر كلها، ويحمل ما روي عن حذيفة رضي الله عنه على ظهور الآيات العظام التي ليست بمألوفة؛ مثل طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، والدخان الذي يغشى الناس، وظهور النار التي تحشر الناس من المشرق إلى المغرب. والله أعلم.(2/318)
باب
ما جاء في أول الآيات خروجًا
عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير؛ قال: جلس ثلاثة نفر من المسلمين إلى مروان بالمدينة، فسمعوه وهو يحدث في الآيات: أن أولها خروج الدجال . قال: فانصرف النفر إلى عبد الله بن عمرو، فحدثوه بالذي سمعوه من مروان في الآيات، فقال عبد الله : لم يقل مروان شيئًا، قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك حديثًا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن أول الآيات خروجًا: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة ضحى، فأيتهما كانت قبل صاحبتها؛ فالأخرى على إثرها". ثم قال عبد الله - وكان يقرأ الكتب -: "وأظن أولاها خروجًا طلوع الشمس من مغربها » ... الحديث.
رواه: الإمام أحمد وهذا لفظه، وأبو داود الطيالسي، ومسلم، وأبو داود السجستاني، وابن ماجه مختصرًا، والبزار، والطبراني في "الكبير". قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح".
وسيأتي الحديث مطولًا في (باب ما جاء في طلوع الشمس من مغربها) إن شاء الله تعالى.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أول الآيات: طلوع الشمس من مغربها » .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه فضالة بن جبير، وهو ضعيف، وأنكر هذا الحديث".
قال الحافظ ابن كثير في كتاب "النهاية" في الكلام على حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: « إن أول الآيات خروجًا : »(2/319)
« طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى » ؛ قال: "أي: أول الآيات التي ليست مألوفة، وإن كان الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام من السماء قبل ذلك، وكذلك خروج يأجوج ومأجوج، فكل ذلك أمور مألوفة؛ لأنهم بشر يشاهدهم الناس، وأمثالهم مألوفة، فأما خروج الدابة على شكل غير مألوف، ومخاطبتها الناس، ووسمها إياهم بالإيمان والكفر؛ فأمر خارج عن مجاري العادات، وذلك أول الآيات الأرضية؛ كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية".
وقال ابن كثير أيضًا في موضع آخر من "النهاية": "وقد ذكرنا أن المراد بالآيات هاهنا التي ليست مألوفة، وهي مخالفة للعادة المستقرة؛ فالدابة التي تكلم الناس وتعين المؤمن من الكافر وطلوع الشمس من مغربها أمر باهر جدًا؛ فهذه أول الآيات الأرضية، وهذه أول الآيات السماوية، وقد ظن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن طلوع الشمس من مغربها متقدم على الدابة، وذلك محتمل ومناسب".
قلت: وقد جاء ذلك صريحًا في حديث أبي أمامة رضي الله عنه الذي تقدم ذكره في هذا الباب، ولكنه حديث ضعيف؛ فلا يعتمد عليه.
قال ابن كثير : "وقد حكى البيهقي عن الحاكم : أنه قال: أول الآيات ظهورًا خروج الدجال، ثم نزول عيسى ابن مريم ، ثم فتح يأجوج ومأجوج، ثم خروج الدابة، ثم طلوع الشمس من مغربها".
ونقل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" عن الحاكم : أنه قال: "الذي يظهر أن طلوع الشمس يسبق خروج الدابة، ثم تخرج الدابة في ذلك اليوم أو الذي يقرب منه".
قال الحافظ: "والحكمة في ذلك أن عند طلوع الشمس من المغرب يغلق(2/320)
باب التوبة، فتخرج الدابة تميز المؤمن من الكافر، تكميلًا للمقصود من إغلاق باب التوبة، وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة النار التي تحشر الناس من المشرق إلى المغرب؛ كما في حديث أنس في "مسائل عبد الله بن سلام " ".
انتهى.
وقد تقدم حديث أنس رضي الله عنه في (باب ما جاء في خروج النار).
ونقل الحافظ أيضًا عن الطيبي أنه قال: "الآيات أمارات للساعة: إما على قربها، وإما على حصولها؛ فمن الأول: الدجال، ونزول عيسى ، يأجوج ومأجوج، والخسف. ومن الثاني: الدخان، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، والنار التي تحشر الناس".
قال ابن حجر : "والذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى ابن مريم ، وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة".
ثم ذكر الحافظ حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما الذي تقدم في أول الباب، وإنكاره لقول مروان بن الحكم، ثم قال: "ولكلام مروان محمل يعرف مما ذكرته". انتهى.
وسيأتي إن شاء الله تعالى في ذكر خروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ثلاث إذا خرجن؛ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض » .
رواه: مسلم، والترمذي، وابن جرير، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح"، وقد رواه الإمام أحمد، وقال فيه: "والدخان "؛ بدل: " الدجال ".(2/321)
وظاهر هذا الحديث الصحيح يدل على أن التوبة لا تزال مقبولة حتى تخرج الثلاث كلها.
وقد تواترت الأحاديث الدالة على أن التوبة لا تزال مقبولة ما لم تطلع الشمس من مغربها، وسيأتي ذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى، فيستفاد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مع الأحاديث الواردة في قبول التوبة ما لم تطلع الشمس من مغربها، أن خروج الدابة والدخان متقدم على طلوع الشمس من مغربها. والله أعلم.
أبواب
ما جاء في الدجال
قال ابن الأثير : "أصل الدجل: الخلط، يقال: دجل إذا لبس وموه، ومنه الحديث: « يكون في آخر الزمان دجالون » ؛ أي: كذابون مموهون، وقد تكرر ذكر الدجال في الحديث، وهو الذي يظهر في آخر الزمان يدعي الألوهية، وفعال من أبنية المبالغة؛ أي يكثر منه الكذب والتلبيس".
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": " الدجال - بفتح أوله والتشديد - من الدجل، وهو التغطية، وسمي الكذاب دجالًا؛ لأنه يغطي الحق بباطله". انتهى.
ويسمى الدجال : المسيح الكذاب، وسيأتي ذكر السبب في تسميته بالمسيح، وذكر الفرق بينه وبين المسيح عيسى ابن مريم عند ذكر عيسى إن شاء الله تعالى.
قال ابن كثير في "النهاية": "وهو رجل من بني آدم، خلقه الله تعالى ليكون محنة للناس في آخر الزمان، فيضل به كثيرًا، ويهدي به كثيرًا، وما يضل(2/322)
به إلا الفاسقين".
وقد روى الحافظ أحمد بن علي الأبار في "تاريخه" من طريق مجالد عن الشعبي : أنه قال: "كنية الدجال أبو يوسف". انتهى.
وقد تقدم في (باب ما جاء في الآيات الكبار) حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه؛ قال: « اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذاكرون ؟". قالوا نذكر الساعة. قال: "إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات.... (فذكر الدخان والدجال ) » الحديث.
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم، وأهل السنن، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح ".
وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
رواه: الطبراني، وابن مردويه، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي على ذلك، وقد تقدم في الباب المذكور.
باب
ما جاء أن الدجال كان موجودًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لقد أكل الطعام ومشى في الأسواق (يعني: الدجال ) » .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والآجري في كتاب "الشريعة". قال الهيثمي : "وفي إسناد أحمد علي بن زيد، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح، وفي إسناد الطبراني محمد بن منصور النحوي الأهوازي، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح ".(2/323)
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لقد أكل الطعام، ومشى في الأسواق (يعني: الدجال ) » .
رواه الطبراني في "الأوسط). قال الهيثمي : "ورجاله رجال الصحيح؛ غير علي بن زيد بن جدعان، وهو لين، وثقة العجلي وغيره، وضعفه جماعة ".
انتهى.
وقد رواه الآجري في كتاب "الشريعة"، ولكنه قال عن ابن مغفل : "ولعل ذلك غلط من بعض الكتاب".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ألا إن كل نبي قد أنذر أمته الدجال، وإنه يومه هذا قد أكل الطعام » ... .
الحديث.
رواه الحاكم في "مستدركه"، وفيه عطية العوفي، وهو ضعيف. وسيأتي بتمامه في ذكر الرجل المؤمن الذي يقتله الدجال إن شاء الله تعالى.
ويشهد لهذه الأحاديث ما يأتي من حديث فاطمة بنت قيس وحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم في ذكر الجساسة والدجال .
باب
في خبر الجساسة
عن ابن بريدة - وهو عبد الله - قال: حدثني عامر بن شراحيل الشعبي - شعب همدان - أنه سأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس، وكانت من المهاجرات الأول، فقال: حدثيني حديثًا سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسنديه إلى أحد غيره. فقالت: لئن شئت لأفعلن. فقلت لها: أجل؛ حدثيني (فذكر(2/324)
الحديث في تأيمها من زوجها، واعتدادها عند ابن أم مكتوم ). قالت: « فلما انقضت عدتي؛ سمعت نداء المنادي (منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته؛ جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: "ليلزم كل إنسان مصلاه"، ثم قال: "أتدرون لم جمعتكم ؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميمًا الداري كان رجلًا نصرانيًا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلًا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرًا في البحر، ثم أرفؤوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ! ما أنت ؟ فقالت: أنا الجساسة . قالوا: وما الجساسة ؟ قالت: أيها القوم ! انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير؛ فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمت لنا رجلًا؛ فرقنا منها أن تكون شيطانة. قال: فانطلقنا سراعًا حتى دخلنا؛ فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقًا، وأشده وثاقًا، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد. قلنا: ويلك ! ما أنت ؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم ؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهرًا، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة، فلقينا دابة أهلب كثير الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ! ما أنت ؟ فقالت: أنا الجساسة . قلنا: وما الجساسة ؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير؛ فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعًا، وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة. فقال: أخبروني عن نخل بيسان. قلنا: عن أي شأنها تستخبر ؟ »(2/325)
« قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر ؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا يثمر، أخبروني عن بحيرة الطبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر ؟ قال: هل فيها ماء ؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر. قالوا: عن أي شأنها تستخبر ؟ قال: هل في العين ماء ؟ وهل يزرع أهلها بماء العين ؟ قلنا له: نعم؛ هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل ؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب ؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم ؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك ؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني، إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج، فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة؛ غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة (أو: واحدًا) منهما؛ استقبلني ملك بيده السيف صلتًا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها". قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر: "هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة (يعني: المدينة)، ألا هل كنت حدثتكم ذلك ؟ ". فقال: الناس: نعم. "فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا؛ بل من قبل المشرق ما هو (وأومأ بيده إلى المشرق) ". قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم » .
رواه: مسلم، وأبو داود، وهذا لفظ مسلم .
ورواه الطبراني في "الكبير" بنحو رواية مسلم . وفي إسناده حفص بن عمر بن الصباح الرقي، ذكره ابن حبان في "الثقات " وقال: "ربما أخطأ، وبقية رجاله رجال الصحيح".(2/326)
ورواه: مسلم أيضًا، وأبو داود الطيالسي؛ والطبراني في "الكبير" من حديث قرة بن خالد : حدثنا سيار أبو الحكم : حدثنا الشعبي؛ قال: « دخلنا على فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، فأتحفتنا برطب يقال له: رطب ابن طاب، وأسقتنا سويق سلت، فسألتها عن المطلقة ثلاثًا أين تعتد ؟ قالت: طلقني بعلي ثلاثًا، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعتد في أهلي. قالت: فنودي في الناس: إن الصلاة جامعة. قالت: فانطلقت فيمن انطلق من الناس. قالت: فكنت في الصف المتقدم من النساء، وهو يلي المؤخر من الرجال. قالت: فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يخطب، فقال: "إن بني عم لتميم الداري ركبوا في البحر (وساق الحديث) "، وزاد فيه: فكأنما أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأهوى بمخصرته إلى الأرض، وقال: "هذه طيبة" ؛ يعني: المدينة. »
هذا لفظ مسلم، وقد ساقه أبو داود الطيالسي والطبراني بنحو ما تقدم في رواية ابن بريدة؛ إلا أن روايتهما أخصر من روايته.
ورواه مسلم والطبراني أيضًا من حديث غيلان بن جرير عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها؛ قالت: « قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم الداري، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ركب البحر، فتاهت به سفينته، فسقط إلى جزيرة، فخرج إليها يلتمس الماء، فلقي إنسانًا يجر شعره واقتص الحديث وقال فيه، ثم قال: أما إنه لو قد أذن لي في الخروج قد وطئت البلاد كلها غير طيبة، فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحدثهم؛ قال: "هذه طيبة وذاك الدجال » .
هذه رواية مسلم، وقد أحال الطبراني بلفظه على الحديث الطويل قبله.
ورواه مسلم والطبراني أيضًا من حديث أبي الزناد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قعد على المنبر، فقال: "أيها الناس ! حدثني تميم الداري أن أناسًا من قومه كانوا في البحر في سفينة لهم، »(2/327)
« فانكسرت بهم، فركب بعضهم على لوح من ألواح السفينة، فخرجوا إلى جزيرة في البحر » .... (وساق الحديث) " .
هذه رواية مسلم، ورواية الطبراني أطول منها بكثير.
ورواه الإمام أحمد من حديث مجالد عن عامر - وهو الشعبي - قال: قدمت المدينة، فأتيت فاطمة بنت قيس، فحدثتني (فذكر الحديث في طلاقها وعدتها وإنكاحها أسامة بن زيد )؛ قال: فلما أردت أن أخرج؛ قالت: اجلس حتى أحدثك حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا من الأيام، فصلى صلاة الهاجرة، ثم قعد، ففزع الناس، فقال: "اجلسوا أيها الناس؛ فإني لم أقم مقامي هذا لفزع، ولكن تميمًا الداري أتاني فأخبرني خبرًا منعني القيلولة من الفرح وقرة العين، فأحببت أن أنشر عليكم فرح نبيكم صلى الله عليه وسلم: أخبرني أن رهطًا من بني عمه ركبوا البحر، فأصابتهم ريح عاصف، فألجأتهم الريح إلى جزيرة لا يعرفونها، فقعدوا في قويرب بالسفينة، حتى خرجوا إلى الجزيرة، فإذا هم بشيء أهلب، كثير الشعر، لا يدرون أرجل هو أو امرأة، فسلموا عليه، فرد عليهم السلام. قالوا: ألا تخبرنا ؟ قال: ما أنا بمخبركم ولا بمستخبركم، ولكن هذا الدير قد رهقتموه؛ ففيه من هو إلى خبركم بالأشواق أن يخبركم ويستخبركم. قال: قلنا: فما أنت ؟ قال: أنا الجساسة . فانطلقوا حتى أتوا الدير، فإذا هم برجل موثق شديد الوثاق، مظهر الحزن، كثير التشكي، فسلموا عليه، فرد عليهم، فقال: ممن أنتم ؟ قالوا: من العرب. قال: ما فعلت العرب ؟ أخرج نبيهم بعد ؟ قالوا: نعم. قال: فما فعلوا ؟ قالوا: خيرًا، آمنوا به وصدقوه. قال: ذلك خير لهم. وكان له عدو، فأظهره الله عليهم. قال: فالعرب اليوم إلههم واحد، ودينهم واحد، وكلمتهم واحدة ؟ قالوا: نعم. قال: فما فعلت عين زغر ؟ قالوا: صالحة؛ يشرب منها أهلها لشفتهم، ويسقون منها زرعهم. قال: فما فعل نخل بين عمان وبيسان ؟ قالوا: صالح؛ يطعم جناه كل عام. قال: فما »(2/328)
« فعلت بحيرة الطبرية ؟ قالوا: ملأى. قال: فزفر، ثم زفر، ثم زفر، ثم حلف؛ لو خرجت من مكاني هذا ما تركت أرضًا من أرض الله إلا وطئتها غير طيبة ليس لي عليها سلطان " قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إلى هذا انتهى فرحى (ثلاث مرار)، إن طيبة المدينة، إن الله حرم حرمي على الدجال أن يدخلها (ثم حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) والذي لا إله إلا هو؛ ما لها طريق ضيق ولا واسع في سهل ولا جبل إلا عليه ملك شاهر بالسيف إلى يوم القيامة، ما يستطيع الدجال أن يدخلها على أهلها » .
قال عامر : فلقيت المحرر بن أبي هريرة، فحدثته حديث فاطمة بنت قيس، فقال: أشهد على أبي أنه حدثني كما حدثتك فاطمة؛ غير أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنه نحو المشرق » .
قال: ثم لقيت القاسم بن محمد، فذكرت له حديث فاطمة، فقال: أشهد على عائشة أنها حدثتني كما حدثتك فاطمة؛ غير أنها قالت: « الحرمان عليه حرام؛ مكة والمدينة » .
فيه مجالد بن سعيد، وثقه النسائي في موضع، وقال في آخر: "ليس بالقوي"، وضعفه كثير من الأئمة، وقال الذهبي في كتابه "المغني في الضعفاء": "مشهور، صالح الحديث"، واخرج له مسلم في "صحيحه" مقرونًا بغيره.
وفيه أيضًا المحرر بن أبي هريرة، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الذهبي في "الكاشف ": "وثق"، وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": "مقبول، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وما تقدم من الروايات الصحيحة يشهد له ويقويه.
وقد رواه الطبراني في "الكبير" بنحو رواية أحمد، ورواه أبو داود مختصرًا،(2/329)
وأحال بلفظه على ما تقدم قبله من رواية عبد الله بن بريدة عن الشعبي، ورواه ابن ماجه والآجري بنحو رواية أحمد؛ إلا أنهما لم يذكرا الشاهدين لحديث فاطمة بنت قيس، وهما ما رواه الشعبي عن المحرر بن أبي هريرة عن أبيه وعن القاسم بن محمد عن عائشة .
وقد جاء في رواية ابن ماجه والآجري : « فإذا هم بشيخ موثق » ، وهذا مخالف لما في "صحيح مسلم " وغيره عن النواس بن سمعان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الدجال : « إنه شاب قطط » ، والعمدة على ما في الصحيح، والله أعلم.
ورواه الطبراني من حديث الشيباني - وهو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان - عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها (فذكر الحديث مطولًا بنحو رواية مجالد عن الشعبي )، وفيه أن الدجال قال لهم: « من أنتم ؟ قالوا: من أهل فلسطين من جزيرة العرب » . وفيه أيضًا ذكر الشاهدين لحديث فاطمة بنت قيس، وهما ما رواه الشعبي عن المحرر بن أبي هريرة عن أبيه وعن عبد الله بن أبي بكر عن عائشة .
هكذا جاء في هذه الرواية: "عن عبد الله بن أبي بكر "، ولعله عبد الله بن محمد بن أبي بكر، وهو أخو القاسم بن محمد الذي روى عنه الشعبي كما تقدم في رواية مجالد عنه، ولعل كلا من القاسم بن محمد وأخيه عبد الله رويا عن عائشة رضي الله عنها ما روته في قصة الجساسة والدجال، والله أعلم.
في إسناد هذه الرواية الحسين بن إسحاق التستري شيخ الطبراني . قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء": "كان من الحفاظ الرحالة"، وبقية رجاله رجال الصحيح.
ورواه الإمام أحمد والطبراني أيضًا من حديث داود بن أبي هند عن عامر(2/330)
- وهو الشعبي - عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: « أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم مسرعًا، فصعد المنبر، فنودي في الناس: الصلاة جامعة، واجتمع الناس، فقال: "يا أيها الناس ! إني لم أدعكم لرغبة نزلت ولا لرهبة، ولكن تميمًا الداري أخبرني أن ناسًا من أهل فلسطين ركبوا البحر فقذفتهم الريح إلى جزيرة من جزائر البحر، فإذا هم بدابة أشعر لا يدرى أذكر أم أنثى من كثرة شعره، فقالوا: من أنت ؟ فقالت: أنا الجساسة . قالوا: فأخبرينا. قالت: ما أنا بمخبرتكم ولا بمستخبركم ولكن في هذا الدير رجل فقير إلى أن يخبركم ويستخبركم. فدخلوا الدير؛ فإذا رجل ضرير ومصفد في الحديد، فقال: من أنتم ؟ قلنا: نحن العرب. قال: هل بعث فيكم النبي ؟ قلنا: نعم. قال: فهل اتبعه العرب ؟ قالوا: نعم. قال: ذاك خير لهم. قال: ما فعلت فارس ؟ هل ظهر عليها ؟ قالوا: لم يظهر عليها بعد. قال: أما إنه سيظهر عليها. ثم قال: ما فعلت عين زغر ؟ قالوا: هي تدفق ملأى. قال : فما فعلت بحيرة طبرية ؟ قالوا: هي تدفق ملأى. قال: فما فعل نخل بيسان ؟ هل أطعم بعد ؟ قالوا: قد أطعم أوائله. قال: فوثب وثبة ظننا أنه سيفلت، فقلنا: من أنت ؟ قال: أنا الدجال، أما إني سأطأ الأرض كلها غير مكة وطيبة". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبشروا معشر المسلمين؛ فإن هذه طيبة لا يدخلها الدجال » .
هذا لفظ أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم .
ورواه أيضًا بإسناد صحيح على شرط مسلم، وقال فيه: « فدخلوا الدير؛ فإذا رجل أعور مصفد في الحديد » ... ، وذكر بقية الحديث بنحو ما تقدم، وقد رواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه.
ورواه الترمذي من حديث قتادة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: « أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فضحك، فقال: "إن تميمًا الداري »(2/331)
« حدثني بحديث، ففرحت، فأحببت أن أحدثكم: إن ناسًا من أهل فلسطين ركبوا سفينة في البحر، فجالت بهم، حتى قذفتهم في جزيرة من جزائر البحر، فإذا هم بدابة لباسة ناشرة شعرها، فقالوا: ما أنت ؟ قالت: أنا الجساسة . قالوا: فأخبرينا. قالت: لا أخبركم ولا أستخبركم، ولكن ائتوا أقصى القرية؛ فإن ثم من يخبركم ويستخبركم. فأتينا أقصى القرية؛ فإذا رجل موثق بسلسلة، فقال: أخبروني عن عين زغر. قلنا: ملأى تدفق. قال: أخبروني عن البحيرة. قلنا: ملأى تدفق. قال: أخبروني عن نخل بيسان الذي بين الأردن وفلسطين؛ هل أطعم ؟ قلنا: نعم. قال: أخبروني عن النبي؛ هل بعث ؟ قلنا: نعم. قال: أخبروني كيف الناس إليه ؟ قلنا: سراع. قال: فنزى نزوة حتى كاد. قلنا: فما أنت ؟ قال: أنا الدجال، وإنه يدخل الأمصار كلها إلا طيبة، وطيبة المدينة » .
قال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث قتادة عن الشعبي . وقد رواه غير واحد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس ". انتهى.
وقد رواه الطبراني في "الكبير" من حديث قتادة وإبراهيم بن عامر عن الشعبي، وفيه أن الجساسة قالت: « الخبر عند صاحب هذا الدير، فأتوا الدير، فإذا رجل موقر بالحديد، فسألهم: ممن هم ؟ فأخبروه. فقال: ما فعل نبي العرب ؟ أخرج بعد ؟ قالوا: نعم. قال: من يتبعه؛ السفلة أم أشراف الناس ؟ قالوا: يتبعه السفهاء. قال: يكثرون أم يقلون ؟ قالوا: يكثرون. قال: يرجع أحد ممن أتاه ؟ قالوا: لا. قال: ذلك خير لهم. ثم سألهم عن بحيرة طبرية ونخل بيسان وعين زغر فأخبروه. قال: أما إنه لو قد أذن لي؛ لقد وطئت برجلي هذه الأرض كلها غير طيبة". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذه طيبة، على كل نقب منها ملك شاهر سيفه، نحو العراق ما هو، نحو العراق ما هو » .
إسناده ضعيف، ولبعضه شواهد مما تقدم قبله من الأحاديث الصحيحة.(2/332)
ورواه الطبراني أيضًا من طرق كثيرة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس سوى ما تقدم ذكره من الروايات، وفي بعضها زيادات ليست في الروايات التي تقدم ذكرها:
منها في رواية محمد بن أيوب أبي عاصم الثقفي عن الشعبي عن فاطمة : « إن الجساسة قالت لهم: إن كنتم تريدون الخبر؛ فعليكم بهذا الدير. وأشارت إلى دير في الجزيرة غير بعيد، فانطلقنا نمشي حتى دخلنا؛ فإذا رجل موثق بحديد كبير ثقيل، وإذا هو مستند ظهره إلى سفح جبل. قال: من أنتم ؟ قلنا: أناس من العرب. قال: ما فعل النبي الأمي الذي ينتظر ؟ قلنا: قد خرج... (ثم سألهم عن نخل بين عمان وبيسان، وعن عين زغر، وعن بحيرة الطبرية، فأخبروه، قال: )، فضرب بيده بطن قدمه، وقال: إني لو قد خرجت من مجلسي هذا؛ لم أدع في الأرض بقعة إلا وطئتها؛ إلا مكة وطيبة. قال: ثم زفر، فسار في الجبل ثم وقع، ثم سار أخرى أبعد من ذلك ثم وقع، ثم سار الثالثة فذهب في الجبل ثم وقع. قال: قلنا: ما له لا بارك الله فيه ؟ وكأنه سر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك قوله: مكة والمدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طيبة (مرتين) لا يدخلها الدجال، ليس منها نقب إلا عليه ملك شاهر السيف، ومن نحو اليمن ما هو. ثم قال بيده وكم قميصه قريبا من ثلاثين مرة: من نحو العراق ما هو » .
إسناد هذه الرواية صحيح على شرط مسلم .
ومنها ما في رواية عمران بن سليمان القيسي عن الشعبي؛ قال: حدثتني فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى: الصلاة جامعة؛ في ساعة لم يكن ينادي فيها، فخرج الناس إلى المسجد، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فصعد المنبر، ثم قال: أنذركم الدجال (ثلاثًا)، إنه لم يكن فيما مضى، وإنه كائن فيكم أيتها الأمة، وإن تميمًا الداري أخبرني أنه ركب بحر الشام في نفر من لخم »(2/333)
« وجذام، فألقتهم الريح إلى جزيرة من جزائره، فإذا هم بالدهماء تجر شعرها، فقالوا: ما أنت ؟ قالت: أنا الجساسة . قالوا: أخبرينا. قالت: ما أنا بمخبرتكم ولا أستخبركم، ولكن ائتوا رجلًا في هذا الدير؛ فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأتوه؛ فإذا رجل ممسوح العين، موثق إلى سارية في الحديد. فقال: ما أنتم ؟ قالوا: نحن العرب. قال: ما فعلت العرب ؟ قلنا: بعث إليهم نبي أمي يدعوهم إلى الله. قال: فما فعل الناس ؟ قالوا: اتبعه قوم وتركه قوم. قال: أما إنهم إن يتبعونه ويصدقونه خير لهم لو كانوا يعلمون. ثم قال: ما فعلت العرب ؟ أي شيء لباسهم ؟ قلنا: صوف وقطن تغزله نساؤهم. فضرب بيده على فخذه، ثم قال: هيهات. ثم قال: ما فعلت نخل بيسان ؟ قلنا: قوي، ونجدها في كل عام. فضرب بيده على فخذه، ثم قال: هيهات. ثم قال: ما فعلت عين زغر ؟ قلنا: كثير ماؤها يتدفق يروي من أتاها. فضرب بيده على فخذه، ثم قال: هيهات ثم قال: لو قد أطلقني الله من وثاقي؛ لم يبق منهل إلا دخلته؛ إلا مكة وطيبة؛ فإنه ليس لي دخولهما. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك مكة وهذه طيبة حرمها الله كما حرم إبراهيم مكة، أما إنه ليس نقب ولا سكة إلا وعليها ملك شاهر للسيف يمنعها من الدجال إلى يوم القيامة » .
عمران بن سليمان القيسي : ذكره البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وبقية رجاله كلهم ثقات.
وقد رواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه.
ومنها ما في رواية أبي الأشهب جعفر بن حيان العطاردي عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها؛ قالت: « سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة....(فذكر الحديث عن الجساسة والدجال وفيه: ) قال: فأتينا الدير؛ فإذا نحن برجل أعظم رجل رأيته قط، وأحسنه جسمًا، فإذا هو ممسوح »(2/334)
« العين اليمنى، كأن عينه نخامة في جدار مجصص، وإذا يداه مغلولتان إلى عنقه، وإذا رجلاه مشدودتان بالكبول من ركبتيه إلى قدميه، فقلنا له: ما أنت أيها الرجل ؟ فقال: أما خبري؛ فقد قدرتم عليه، ولكن أخبروني: ما أوقعكم هذه الجزيرة، وهذه الجزيرة لم يصل إليها آدمي منذ خرجت إليها ؟ فأخبرناه، فقال: أخبروني عن بحيرة الطبرية؛ ما فعلت ؟ قلنا: عن أي أمرها تسأل ؟ قال: هل نضب ماؤها ؟ وهل بدا فيها من العجائب ؟ قلنا: لا. قال: أما إنه سيكون. ثم سكت مليًا، ثم قال: أخبروني عن عين زغر؛ ما فعلت ؟ قلنا: عن أي أمرها تسأل ؟ قال: هل يحترث أهلها عليها ؟ قلنا: نعم. قال: أما إنه سيغور عنها ماؤها. ثم سكت مليًا، فقال: أخبروني عن نخيل بيسان؛ ما فعل ؟. فقلنا له: عن أي أمرها تسأل ؟ قال: هل يثمر ؟ قلنا: نعم. قال: أما إنه لا يثمر. ثم سكت مليًا، فقال: أخبروني عن النبي الأمي؛ ما فعل. قلنا: عن أي أمره تسأل ؟ قال: هل ظهر بعد ؟ قلنا: نعم. قال: فما صنعت معه العرب ؟ فقلنا له: منهم من قاتله، ومنهم من صدقه. قال: أما إنه من صدقه فهو خير له. فقلنا: أخبرنا خبرك أيها الرجل ؟ فقال: أما تعرفونني ؟ ! قلنا: لو عرفناك ما سألناك. قال: أنا الدجال، يوشك أن يؤذن لي في الخروج، فإذا خرجت؛ وطئت جزائر العرب كلها؛ غير مكة وطيبة، كلما أردتها؛ استقبلني ملك بيده السيف مصلتًا فردني عنهما" .
قالت فاطمة : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعًا يديه حتى رأينا بياض إبطيه، ثم قال: "ألا أخبركم أن هذه طيبة (ثلاثًا) ؟ "، ثم قال: "ألا أخبركم أنه في بحر الشام (ثلاثًا) ؟ "، ثم أغمي عليه ساعة، ثم سري عنه، فقال: "بل هو في بحر العراق » .
في إسناده سيف بن مسكين، وهو ضعيف جدًا، ولبعضه شواهد مما تقدم قبله من الأحاديث الصحيحة.(2/335)
وعن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر العشاء الآخرة ذات ليلة، ثم خرج، فقال: "إنه حبسني حديث كان يحدثنيه تميم الداري عن رجل كان في جزيرة من جزائر البحر، فإذا بامرأة تجر شعرها. قال: ما أنت ؟ قالت: أنا الجساسة، اذهب إلى ذلك القصر. فأتيته، فإذا رجل يجر شعره مسلسل في الأغلال ينزو فيما بين السماء والأرض، فقلت: من أنت ؟ قال: أنا الدجال، خرج نبي الأميين بعد ؟ قلت: نعم. قال: أطاعوه أم عصوه ؟ قلت: بل أطاعوه. قال: ذلك خير لهم » .
رواه أبو داود : قال المنذري : "في إسناده عثمان بن عبد الرحمن القرشي مولاهم الحراني المعروف بالطرائقي (ثم ذكر كلام العلماء فيه، فمنهم من تكلم فيه، ومنهم من وثقه) ".
قلت: وقد رواه الطبراني في "الكبير" بإسنادين: أحدهما قال: حدثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف المصري : حدثنا أحمد بن صالح : حدثنا ابن أبي فديك : حدثني ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها (فذكر الحديث بنحو ما تقدم في رواية أبي داود، وزاد في آخره أن الدجال قال: "وهل غارت المياه ؟ " ).
رجاله رجال الصحيح، سوى إسماعيل بن الحسن الخفاف؛ فإني لم أجد له ترجمة، وقد ذكره المزي في "تهذيب الكمال" فيمن روى عن أحمد بن صالح المصري .
ولهذا الحديث شواهد مما تقدم في الروايات عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.
وقد زعم أبو عبية في تعليقه على "النهاية" لابن كثير في (ص96) منها أن حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها عليه طابع الخيال وسمة الوضع، ثم(2/336)
نفى صدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: "ولو صح صدوره عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى المنبر، وفي حشد من الصحابة؛ لتواتر نقله".
والجواب عن هذا من وجوه:
أحدها : أن يقال: من عجيب أمر أبي عبية قدحه في حديث قد رواه مسلم في "صحيحه" الذي قد أجمع أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول، وهذا في الحقيقة من الاستهانة بالأحاديث الصحيحة والغض من شأنها ومخالفة أهل العلم والشذوذ عنهم، ومن سلك هذا المسلك الذميم؛ فهو على شفا هلكة، ولو أن حديث الجساسة جاء في بعض الأقاصيص التي يذكرها كتاب الإفرنج؛ لبادر الأغبياء من العصريين إلى تصديقه، وأنكروا على من شك في صحته.
الوجه الثاني : أن هذا الحديث قد رواه الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، والشعبي إمام من أئمة التابعين، لا سبيل لأحد إلى الكلام فيه، وقد تابعه عليه أبو سلمة بن عبد الرحمن، فرواه عن فاطمة بنت قيس كما تقدم ذكره. ورواه عن الشعبي جماعة من الثقات الأثبات؛ منهم: عبد الله بن بريدة، وسيار أبو الحكم، وغيلان بن جرير، وأبو الزناد، وداود بن أبي هند، وقتادة، ومحمد بن أيوب الثقفي، وعمران بن سليمان القيسي، وغيرهم من الثقات.
وإذًا؛ فمن هو المتهم عند أبي عبية بوضعه ؟ ! هل يتهم بذلك فاطمة بنت قيس رضي الله عنها ؟ أو يتهم الشعبي ؟ أو يتهم من دونه من الحفاظ الأثبات ؟ أما يستحي أبو عبية من التهجم على الأحاديث الصحيحة التي لا مطعن فيها بوجه من الوجوه ؟ .
الوجه الثالث : أن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها لم تنفرد برواية حديث الجساسة، بل قد رواه بمثل روايتها أبو هريرة وعائشة رضي الله عنهما كما تقدم ذكره، ورواه أيضًا أبو داود من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما،(2/337)
وإسناده حسن؛ كما سيأتي. وفي هذا رد على من قدح في الحديث وزعم أنه موضوع.
الوجه الرابع : أن يقال: ليس التواتر شرطًا في صحة الأحاديث ولا في وجوب الإيمان بها؛ كما قد توهم ذلك أبو عبية تقليدًا لبعض أهل البدع من المتقدمين والعصريين، والذي عليه أهل السنة والجماعة الإيمان بكل ما صح سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان متواترًا أو آحادًا، وقد تقدم إيضاح ذلك في أول الكتاب؛ فليراجع.
الوجه الخامس : أن صدور الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وفي حشد من الصحابة رضي الله عنهم لا يلزم منه التواتر في النقل، وكم من خطبة خطبها النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وفي حشد عظيم من الصحابة ومع ذلك لم يروها أو يرو البعض منها إلا الواحد أو الاثنان أو أكثر من ذلك ممن لا يبلغ عددهم شرط التواتر ؟ ! وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عدة خطب في أعظم حشد كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم ينقل خطبة إلا العدد القليل من الصحابة رضي الله عنهم.
وقد روى الإمام أحمد ومسلم عن أبي زيد وعمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه؛ قال: « صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا » . وقد كانت هذه الخطبة العظيمة الطويلة جدًا على المنبر، وفي حشد من الصحابة رضي الله عنهم، ومع ذلك لم ينقل شيء منها بالتواتر.
وإذا علم هذا؛ فما زعمه أبو عبية من شرط التواتر لصحة حديث الجساسة(2/338)
لا أصل له؛ فلا يعول عليه.
وعن الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر (وهو ابن عبد الله رضي الله عنهما)؛ قال: « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على المنبر: " إنه بينما أناس يسيرون في البحر، فنفد طعامهم، فرفعت لهم جزيرة، فخرجوا يريدون الخبز، فلقيتهم الجساسة ". قلت لأبي سلمة : وما الجساسة ؟ قال: امرأة تجر شعر جلدها ورأسها. "قالت: في هذا القصر (فذكر الحديث، وسأل عن نخل بيسان وعن عين زغر قال: هو المسيح) » . فقال لي ابن أبي سلمة : إن في هذا الحديث شيئًا ما حفظته. قال: شهد جابر أنه هو ابن صائد .
قلت: فإنه قد مات. قال: وإن مات. قلت: فإنه قد أسلم. قال: وإن أسلم. قلت: فإنه قد دخل المدينة. قال: وإن دخل المدينة.
رواه أبو داود . قال ابن كثير : "وهو غريب جدًا". وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "سنده حسن".
وقد رواه الفاكهي في "أخبار مكة" مختصرًا، ولفظه: قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قام على المنبر، فذكر حديث الجساسة والدجال، فقال: « ما يأتي بابًا من أبوابها (يعني المدينة )؛ إلا عليه ملك صالت سيفه يمنعه منها، وبمكة مثلها » .
وقد قال أبو عبية في تعليقه على هذا الحديث في كتاب " النهاية " لابن كثير ما نصه: "الغرابة بكل غيومها تحيط بهذا الحديث الذي يرفض القلب والعقل معًا التصديق بصدوره عن الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم " انتهى.
والجواب عن هذا من وجهين:
أحدهما : أن يقال: هذا الحديث وإن قال فيه ابن كثير : "إنه غريب جدًا"؛ فقد قال الحافظ ابن حجر : "إسناده حسن". والحسن مقبول عند أهل(2/339)
العلم بالحديث، لا يرده أحد منهم.
الوجه الثاني : أن الغرابة في الحديث لا تقتضي اطراحه بالكلية، وعدم التصديق بصدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما تطرح الأحاديث التي يكون في رواتها أحد ممن أجمع العلماء على أنه وضاع أو كذاب أو ساقط الرواية أو متروك، وليس في رواة حديث جابر رضي الله عنه أحد من هؤلاء، ولا أحد ممن أجمع العلماء على ضعفهم، وقد تقدم له شاهد صحيح عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وعلى هذا؛ فلا يجوز لأحد رفضه وعدم التصديق بصدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يرفضه إلا أصحاب القلوب السقيمة والعقول التي ليست بمستقيمة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استوى على المنبر، فقال: « حدثني تميم "، فرأى تميمًا في ناحية المسجد، فقال: "يا تميم ! حدث الناس ما حدثتني ". قال: كنا في جزيرة؛ فإذا نحن بدابة لا يدرى قبلها من دبرها، فقالت: تعجبون من خلقي ؟ وفي الدير من يشتهي كلامكم. فدخلنا الدير؛ فإذا نحن برجل موثق في الحديد من كعبه إلى أذنه؛ فإذا أحد منخريه مسدود وإحدى عينيه مطموسة؛ قال: من أنتم ؟ فأخبرناه، فقال: ما فعلت بحيرة طبرية ؟ قلنا: بعهدها. قال: فما فعل نخل بيسان. قلنا: بعهده. قال:لأطأن الأرض بقدمي هاتين؛ إلا هاتين؛ إلا بلدة إبراهيم وطابا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طابا هي المدينة » .
رواه أبو يعلى من طريق أبي عاصم سعد بن زياد . قال ابن كثير : "وهذا حديث غريب، وقد قال أبو حاتم : عاصم هذا ليس بالمتين".
قلت: ولهذا الحديث شواهد كثيرة مما تقدم في هذا الباب وما سيأتي إن شاء الله تعالى في حراسة مكة والمدينة من الدجال .(2/340)
باب
ما جاء في ابن صياد
وهو من يهود المدينة، وقيل: إنه من الأنصار، والأول أصح، وسيأتي التصريح بذلك في حديثي أبي بكرة وجابر رضي الله عنهما، وكذلك في بعض الروايات عن أبي سعيد رضي الله عنه.
وفي حديث جابر أيضًا النص على أنه من أهل العهد.
واسمه صاف، وقيل: عبد الله، وقد جاء هذا وهذا؛ كما سيأتي في حديثي جابر وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم.
قال ابن كثير : "وقد يكون أصل اسمه صاف ثم تسمى لما أسلم بعبد الله ".
قلت: وقد ثبت أنه كان يسمى بعبد الله وبصاف قبل أن يسلم، فأما تسميته بعبد الله؛ ففي حديث جابر رضي الله عنه، وأما تسميته بصاف؛ ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وسيأتي ذكر الحديثين إن شاء الله تعالى.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": " صاف؛ بمهملة وفاء وزن باغ. وفي حديث جابر : "فقالت (أي: أمه): يا عبد الله ! هذا أبو القاسم قد جاء. وكأن الراوي عبر باسمه الذي تسمى به في الإسلام، وأما اسمه الأول؛ فهو صاف ". انتهى.
ولابن صياد ابنان من رواة الحديث، وهما عمارة والوليد، وقد روى عنهما مالك في "الموطأ".
وروى الترمذي وابن ماجه من طريق عمارة حديثًا في "الأضحية".(2/341)
ولعمارة ترجمة في: "التاريخ الكبير" للبخاري، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم، و "الثقات" لابن حبان، وفي "تهذيب الكمال"، و"تهذيب التهذيب"، و "تقريب التهذيب"، و "الكاشف"، و "الخلاصة".
وأما الوليد؛ فقد ذكره: ابن حبان في "الثقات"، وابن حجر في "تعجيل المنفعة".
وعن أبي بكرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يمكث أبو الدجال وأمه ثلاثين عامًا، لا يولد لهما ولد، ثم يولد لهما غلام أعور، أضر شيء وأقله منفعة، تنام عيناه ولا ينام قلبه"، ثم نعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه، فقال: "أبوه طوال ضرب اللحم كأن أنفه منقار، وأمه امرأة فرضاخية طويلة الثديين" .
قال أبو بكر : فسمعت بمولود في اليهود بالمدينة، فذهبت أنا والزبير بن العوام، حتى دخلنا على أبويه؛ فإذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما. قلنا: هل لكما ولد ؟ فقالا: مكثنا ثلاثين عامًا لا يولد لنا ولد، ثم ولد لنا غلام أعور أضر شيء وأقله منفعة، تنام عيناه ولا ينام قلبه. قال: فخرجنا من عندهما؛ فإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة، وله همهمة، فكشف عن رأسه، فقال: ما قلتما ؟ قلنا: وهل سمعت ما قلنا ؟ قال: نعم؛ تنام عيناي ولا ينام قلبي » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والترمذي؛ من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة "، زاد أحمد في روايته: "قال حماد : وهو ابن صياد ".
وفي رواية لأحمد : ثم نعت أبويه، فقال: « أبوه رجل طوال، مضطرب اللحم، طويل الأنف، كأن أنفه منقار، وأمه امرأة فرضاخية، عظيمة الثديين » .
وقال في آخره: "فإذا هو ابن صياد ".(2/342)
وفي رواية له أخرى؛ قال: « وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم صفة الدجال وصفة أبويه؛ قال: يمكث أبوا الدجال ثلاثين سنة لا يولد لهما، ثم يولد لهما ابن مسرور مختون، أقل شيء نفعًا وأضره، تنام عيناه ولا ينام قلبه » ، فذكره؛ إلا أنه قال: « ثم ولد لنا هذا: أعور، مسرورًا، مختونًا، أقل شيء نفعًا وأضره » .
قوله في صفة أبي الدجال أنه « ضرب اللحم » ؛ أي: خفيف اللحم، وقوله في صفة أم الدجال أنها "فرضاخية"؛ أي: ضخمة.
وقد أنكر أبو عبية ما جاء في هذا الحديث من صفة أبوي الدجال، فقال في (ص156) من "النهاية" لابن كثير ما نصه: "هذا الوصف لا يرد مثله على لسان الرسول عليه السلام".
والجواب أن يقال: لو أن أبا عبية قال كما قال ابن كثير في هذا الحديث: "إنه حديث منكر"؛ لكان أهون، فأما الجزم بأن هذا الوصف لا يرد مثله على لسان النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففيه نظر ظاهر؛ لأن هذا الحديث ليس في إسناده وضاع ولا كذاب ولا أحد ممن أجمع العلماء على ضعفهم، وإذا كان إسناد الحديث خاليًا من هؤلاء وأشباههم؛ فليس من الموضوعات، ولا ينبغي الجزم بنفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم أن الترمذي حسن هذا الحديث، والحسن مقبول عند أهل العلم، ولا عبرة بمن خالفهم وشذ عنهم.
وعن أم سلمة رضي الله عنها: « أن ابن صياد ولدته أمه مسرورًا مختونًا » .
رواه ابن أبي شيبة .
وعن هشام بن عروة عن أبيه؛ قال: « ولد ابن صياد أعور مختتنًا » .
رواه عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر عن هشام بن عروة .
وعن زيد بن وهب؛ قال: « قال أبو ذر رضي الله عنه: لأن أحلف عشر مرار »(2/343)
« أن ابن صائد هو الدجال أحب إلي من أن أحلف مرة واحدة أنه ليس به. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني إلى أمه؛ قال: "سلها: كم حملت به ؟". قال: فأتيتها، فسألتها، فقالت: حملت به اثني عشر شهرًا. قال: ثم أرسلني إليها، فقال: "سلها عن صيحته حين وقع". قال: فرجعت إليها فسألتها، فقالت: صاح صيحة الصبي ابن شهر. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني قد خبأت لك خبئًا". قال: خبأت لي خطم شاة عفراء والدخان. قال: فأراد أن يقول: الدخان، فلم يستطع، فقال: الدخ، الدخ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اخسأ؛ فإنك لن تعدو قدرك » .
رواه: الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والبزار، والطبراني في "الأوسط" قال الهيثمي : "ورجال أحمد رجال الصحيح، غير الحارث بن حصيرة، وهو ثقة". وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني : "سنده صحيح". وفي رواية ابن أبي شيبة، قالت: « صاح صاح صبي شهرين » .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه قال: « إن امرأة من اليهود بالمدينة ولدت غلامًا ممسوحة عينه، طالعة ناتئة، فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون الدجال، فوجده تحت قطيفة يهمهم، فآذنته أمه، فقالت: يا عبد الله ! هذا أبو القاسم قد جاء؛ فاخرج إليه، فخرج من القطيفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لها قاتلها الله، لو تركته لبين"، ثم قال: "يا ابن صائد ! ما ترى ؟ ". قال: أرى حقًا وأرى باطلًا وأرى عرشًا على الماء. قال: فلبس عليه. فقال: "أتشهد أني رسول الله ؟ ". فقال هو: أتشهد أني رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آمنت بالله ورسله". ثم خرج وتركه، ثم أتاه مرة أخرى، فوجده في نخل له يهمهم، فآذنته أمه، فقالت: يا عبد الله ! هذا أبو القاسم قد جاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لها قاتلها الله، لو تركته لبين". قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطمع أن يسمع »(2/344)