من منهج الأئمة الأعلام
في أصول التلقي في الإسلام (2)
أقوال ذوي العرفان
في أن أعمال الجوارح
داخلة في مسمى الإيمان
(وفيه بيان أن الأعمال جزء من حقيقة الإيمان وليست شرطاً في كماله)
راجعه
فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله
كتبه
عصام بن عبد الله السناني
الدكتور في كلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون( [ آل عمران:102].
(ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً( [النساء:1].
(ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً( [الأحزاب:70،71].
أما بعد فإن علاقة الإيمان بأعمال الجوارح وأنه لا إيمان لمن ترك الفرائض مسألة عظيمة جليلة قررها علماء أهل السنة والجماعة أخذاً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ودين الإسلام لا يقوم على الدعاوى المجردة عن تصديقها بالأفعال ، يقول تعالى : (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً * ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً * ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً واتخذ الله إبراهيم خليلاً( [ النساء:123-125].(1/1)
ـ قال الآجري رحمه الله في كتابه(الشريعة:1/277،284،289) بعد ذكره أن الله تعالى لم يدخل المؤمنين الجنة بالإيمان وحده حتى ضم إليه العمل الصالح :"واعلموا - رحمنا الله وإياكم - أني قد تصفحت القرآن فوجدت ما ذكرته في شبيه من خمسين موضعاً من كتاب الله تعالى ، أن الله تبارك وتعالى لم يدخل المؤمنين الجنة بالإيمان وحده ، بل أدخلهم الجنة برحمته إياهم ، وبما وفقهم له من الإيمان والعمل الصالح ... ميِّزوا - رحمكم الله - قول مولاكم الكريم : هل ذكر الإيمان في موضع واحد من القرآن ، إلا وقد قرن إليه العمل الصالح ؟ ... فيما ذكرته مقنع لمن أراد الله عزوجل به الخير، فعلم أنه لا يتم له الإيمان إلا بالعمل ، هذا هو الدين الذي قال الله عزوجل (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة( [البينة:5]".
ـ وقال ابن بطة رحمه الله في (الإبانة:2/ 771) :"فقد أخبر الله تعالى في كتابه في آي كثيرة منه أن هذا الإيمان لا يكون إلا بالعمل وأداء الفرائض بالقلوب والجوارح ، وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرحه في سنته وأعلمه أمته. وكان مما قال الله تعالى في كتابه ، مما أعلمنا أن الإيمان هو العمل وأن العمل من الإيمان ، ما قاله في سورة البقرة (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وءاتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وءاتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون( (البقرة:177] ، فانتظمت هذه الآية أوصاف الإيمان وشرائطه من القول والعمل والإخلاص. ولقد سأل أبو ذر النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقرأ عليه هذه الآية".(1/2)
وساق المصنفان رحمهما الله آيات وأحاديث كثيرة تدل على ما قالا ، أقتصر هنا على ذكر آيتين جاءتا في كتاب الله عزو وجل ثم أعرض لحديث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
* الآيات القرآنية الكريمة :
الآية الأولى : قوله تعالى في آخر سورة الأنعام [ آية:158]: (يوم يأت بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً( الآية ، فهذه الآية تدل على كفر من زعم أنه مؤمن لإتيانه بتصديق القلب واللسان دون كسب الجوارح ؛ لأنها نص في عدم نفع الإيمان لكل نفس آمنت ولم تصدق إيمانها بالعمل قبل إتيان بعض الآيات ، وأنه لن ينتفع عندئذ إلا الذي جمع بين الإيمان مع كسب العمل الذي هو من حقيقته:
ـ قال أبو جعفر الطبري رحمه الله(تفسيره:8/76) :"وأما قوله (أو كسبت في إيمانها خيراً( فإنه يعني : أو عملت في تصديقها بالله خيراً من عملٍ صالحٍ تصدقُ قِيْلَه وتحققه ، من قبل طلوع الشمس من مغربها ... ولا ينفع من كان بالله وبرسله مصدقاً ولفرائض الله مضيعاً ، غير مكتسبٍ بجوارحه لله طاعة ، إذ هي طلعت من مغربها أعمالُه إن عمل ، وكسبه إن اكتسب ، لتفريطه الذي سلف قبل طلوعها في ذلك ، كما حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط عن السدي (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً( ، يقول : كسبت في تصديقها خيراً : عملاً صالحاً ، فهؤلاء أهل القبلة وإن كانت مصدقة ولم تعمل قبل ذلك خيراً ، فعملت بعد أن رأت الآية لم يقبل منها ، وإن عملت قبل الآية خيراً ثم عملت بعد الآية خيراً قبل منها".(1/3)
ـ وقال الشوكاني رحمه الله(فتح القدير:2/254) :"قوله (أو كسبت في إيمانها خيراً( معطوف على (آمَنَتْ( ، والمعنى : أنه لا ينفع نفساً إيمانها عند حضور الآيات متصفةً بأنها لم تكن آمنت من قبل ، أو آمنت من قبل ولكن لم تكسب في إيمانها خيراً. فحصل من هذا أنه لا ينفع إلا الجمع بين الإيمان من قبل مجيء بعض الآيات مع كسب الخير في الإيمان ، فمن آمن من قبل فقط ولم يكسب خيراً في إيمانه ، أو كسب خيراً ولم يؤمن فإن ذلك غير نافعه".
الآية الثانية : قوله تعالى في سورة فاطر [ آية:10] : (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه( ، فعلى التفسير المنقول عن السلف أن رفع القول والذي أعظمه الشهادتان متوقف على العمل الصالح ، فمن أقر ولم يعمل لم يكن له عمل يرفع الإقرار ، فدل على أن العمل وأعظمه الصلاة شرط لقبول القول الذي أعظمه الشهادتان ، وإليك أيها الأخ الطالب للحق أقوال بعض المفسرين والمصنفين في كتب الاعتقاد :(1/4)
ـ قال أبو جعفر الطبري رحمه الله(تفسيره:22/80) :"وقوله (إليه يصعد الكلم الطيب( : يقول تعالى ذكره : إلى الله يصعد ذكر العمل إياه وثناؤه عليه ، والعمل الصالح يرفعه ، يقول : ويرفع ذكرَ العبد ربه إليه عملُه الصالح ، وهو العمل بطاعته وأداء فرائضه والانتهاء إلى ما أمره به ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل"أ.هـ. ثم أسند عدة آثار منها : ما أسنده بقوله : حدثني علي ، ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله(إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه( ، قال : الكلام الطيب ذكر الله ، والعمل الصالح أداء فرائضه ، فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه حمل عليه ذكر الله فصعد به إلى الله ، ومن ذكر الله ولم يؤد فرائضه ردّ كلامه على عمله فكان أولى به". قلت : هذا من نسخة رواها الكبار عن أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث ، إلا أن المحدثين أجمعوا على أن ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنه ، لكن قال السيوطي(الإتقان:2/188) :"قال أحمد بن حنبل : [ بمصر صحيفة في التفسير رواها علي بن أبي طلحة لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصداً ، ما كان كثيراً] ، أسنده أبو جعفر النحاس في ناسخه. قال ابن حجر : [ وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث ، رواها عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وهي عند البخاري عن أبي صالح ، وقد اعتمد عليها في صحيحه كثيراً فيما يعلقه عن ابن عباس ]. وأخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر كثيراً بوسائط بينهم وبين أبي صالح. وقال قوم : لم يسمع ابن أبي طلحة من ابن عباس التفسير ، وإنما أخذه من مجاهد وسعيد بن جبير ؛ قال ابن حجر :[ بعد أن عرفت الواسطة ــ هو ثقة ــ فلا ضير في ذلك ]"أ.هـ. ونقل كذلك في كتابه(الدر المنثور:8/700) أن ابن حجر قال:"عليٌّ صدوق ، ولم يلق ابن عباس ، لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه ، فلذلك كان البخاري وأبو حاتم وغيرهما يعتمدون على(1/5)
هذه النسخة"أ.هـ. قلت : جزم البخاري بمعلقات عن ابن عباس من هذا الطريق. وقد روي هذا المعنى عن جمع من التابعين كما ستأتي الإشارة إليه.
ـ وقال أبو عبد الله القرطبي (الجامع لأحكام القرآن:14/330) تحت هذه الآية:"قال ابن العربي : [إن كلام المرء بذكر الله إن لم يقترن به عمل صالح لم ينفع ؛ لأن من خالف قوله فعلَه فهو وبالٌ عليه ، وتحقيق هذا : أن العمل إذا وقع شرطاً في قبول القول أو مرتبطاً ، فإنه لا قبول له إلا به ، وإن لم يكن شرطاً فيه فإن كلمه الطيب يكتب له وعمله السيئ عليه ، وتقع الموازنة بينهما ، ثم يحكم الله بالفوز والربح والخسران ] أ.هـ. قلت [ القائل القرطبي ]: ما قاله ابن العربي تحقيق ، والظاهر أن العمل الصالح شرط في قبول القول الطيب ، وقد جاء في الآثار أن العبد إذا قال : لا إله إلا الله ، بنية صادقة نظرت الملائكة إلى عمله ، فإن كان العمل موافقاً لقوله صعدا جميعاً ، وإن كان عمله مخالفاً وقف قوله حتى يتوب من عمله. فعلى هذا : العمل الصالح يرفع الكلم الطيب إلى الله ، والكناية في (يرفعه( ترجع إلى الكلم الطيب ، وهذا قول ابن عباس وشهر بن حوشب وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وأبي العالية والضحاك ، وعلى أن الكلم الطيب هو التوحيد ، فهو الرافع للعمل الصالح ؛ لأنه لا يقبل العمل الصالح إلا مع الإيمان والتوحيد ، أي : والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب ، فالكناية تعود على العمل الصالح ، وروي هذا القول عن شهر بن حوشب قال: [ الكلم الطيب القرآن ، والعمل الصالح يرفعه القرآن ]. وقيل : تعود على الله عزوجل ؛ أي أن العمل الصالح يرفعه الله على الكلم الطيب ؛ لأن العمل تحقيق الكلِم ، والعامل أكثر تعباً من القائل ، وهذا هو حقيقة الكلام ؛ لأن الله هو الرافع الخافض ، والثاني والثالث مجاز ، ولكنه سائغ جائز. قال النحاس : القول الأول أولاها وأصحها لعلوّ من قال به ، وأنه في العربية أولى ؛ لأن القراء على رفع العمل ،(1/6)
ولو كان المعنى : والعمل الصالح يرفعه الله ، أو العمل الصالح يرفعه الكلم الطيب ، لكان الاختيار نصف العمل ، ولا نعلم أحداً قرأه منصوباً"أ.هـ. قلت : الأمر كما قال النّحاس رحمه الله ، لكن وإن كان القول الأول هو الأشهر من حيث القائل به وأصح من حيث القراءة واللغة ، إلا أنه لا منافاة بين القولين الأول والثاني ؛ فإن القول والعمل كلاهما شرط في صحة الإيمان ، فإذا كان العمل الصالح لا يرفع إلا بأن يسبقه القول الذي هو الإقرار المتضمن للتصديق ، فكذلك لا يرفع الإقرار إلا بالعمل المصاحب للعمل فلا يرفع أحدهما إلا بالآخر.
ـ وقال الآجري(1/284) : بعد ذكره هذه الآية :"فأخبر تعالى بأن الكلام الطيب حقيقته أن يُرفع إلى الله تعالى بالعمل ، إن لم يكن عمل بطل الكلام من قائله ورُدَّ عليه. ولا كلام طيب أجل من التوحيد ، ولا عمل من أعمال الصالحات أجل من أداء الفرائض".
ـ وقال ابن الحنبلي في (الرسالة الواضحة في الرد على الأشاعرة:2/802) :"والدلالة أيضا على أن الإيمان قول وعمل ، قول الله تعالى ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه( ، فأخبر الله تعالى أن القول لا يرفع إلا بالعمل ؛ إذ العمل يرفعه ، فدل على أن قولاً لا يقترن بالعمل لا يرفع .
* الحديث النبوي الشريف : وهو تحت فرعين :
(الفرع الأول) : أحاديث في عموم العمل ، منها على سبيل المثال :(1/7)
(1) ما روى الشيخان(البخاري:6/103-4949،مسلم:4/2039-2647) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :"ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة". قالوا : يا رسول الله! أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ قال :"اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة. ثم قرأ (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى(. ففي هذا الحديث دليل على ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم من الكتاب والسنة من أن الجنة لا تنال إلا بعمل ، وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الفهم ، ولذلك نهاهم عن ترك العمل احتجاجاً بالقدر ، ولا ينافي هذا مارواه الشيخان(البخاري:7/13-5673،مسلم:4/2169-2816) من حديث أَبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"لن يدخل أحداً عملُه الجنة". قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال :"لا ، ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة ، فسددوا وقاربوا ". فلا يعني هذا أن الجنة تنال بغير عمل ، بل لا بد من العمل لدخولها لقوله صلى الله عليه وسلم:"فسددوا وقاربوا"، ولقوله تعالى (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون( [ النحل:32 ] ، وقوله تعالى(وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون( [ الزخرف:72 ] ، وإنما النفي في الحديث أن يكون دخولها على سبيل المعاوضة دون رحمة الله للعبد بهدايته وتوفيقه له ثم قبول هذا العمل ومغفرته لسيئاته :
ـ قال النووي رحمه الله (شرح مسلم:17/159) في الجمع:"أَنَّ دخول الجنَّة بسبب الأعمال , ثمّ التوفِيق لِلأعمال والهداية لِلإخلاص فيها , وقبولها برحمة اللَّه تعالى وفضله , فيصح أنّه لم يدخل بمجرد العمل . وهو مراد الأحاديث , ويَصحّ أَنَّه دخل بالأعمال أي بسببِها , وهي من الرّحمة".(1/8)
ـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (الفتاوى:1/217):"فلن يدخل أحد الجنة بعمله ، وما من أحد إلا وله ذنوب يحتاج فيها إلى مغفرة الله لها (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة(. وقوله صلى الله عليه وسلم [ لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله ] لا يناقض قوله تعالى (جزاء بما كانوا يعملون( ؛ فإن المنفي نفي بباء المقابلة والمعاوضة ، كما يقال : بعت هذا بهذا ، وما أثبت أثبت بباء السبب فالعمل لا يقابل الجزاء ، وإن كان سبباً للجزاء".
ـ وقال ابن القيم (مفتاح دار السعادة:1/8):"الباء المقتضية للدخول غير الباء التي نفى معها الدخول : فالمقتضية هي باء السببية الدالة على أن الأعمال سبب للدخول مقتضية له كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها ، والباء التي نفى بها الدخول هي باء المعاوضة والمقابلة التي في نحو قولهم : اشتريت هذا بهذا. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد ، وأنه لولا تغمد الله سبحانه لعبده برحمته لما أدخله الجنة فليس عمل العبد وإن تناهى موجباً بمجرده لدخول الجنة ولا عوضاً لها ؛ فإن أعماله وإن وقعت منه على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه فهي لا تقاوم نعمة الله التي أنعم بها عليه في دار الدنيا ولا تعادلها".(1/9)
(2) وقد جاء نص صريح بنحو حديث عليّ رضي الله عنه فيه اشتراط العمل لدخول الجنة ، وذلك فيما ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : يا نبي الله! أريت ما نَعملُ ، ألأَمرٍ فُرغَ منه ، أم لأَمرٍ نستقبله استقبالاً ؟ قال :"بل ، لأَمرٍ فُرِغَ منهُ". فقال عمر : ففيم العمل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كلٌّ ـ وفي رواية [ كلا ] لايُنالُ إِلاّ بالعَملِ". فقال عمرُ : إنا ـ وفي رواية [ إذن ] نجتهد. رواه معمر بن راشد في كتاب(الجامع الملحق بالمصنف:11/111-20063). وابن وهب في كتاب(القدر:109-20) ، من طريق يونس بن يزيد الأيلي. وابن أبي عاصم في كتاب(السنة:1/134-167،168) ، من طريق محمد بن الوليد الزبيدي والأوزاعي. والفريابي في كتاب(القدر:47-29،30) ، من طريق الزبيدي ويونس بن يزيد. واللالكائي(شرح اعتقاد أهل السنة:4/838-1556) ، من طريق معمر.أربعتهم(معمر ، الزبيدي ، والأوزاعي ، ويونس) عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب عن عمر فذكره. وهذا الحديث أعل بعلتين :
الأولى : قول بعض المحدثين أن سعيد بن المسيب لم يسمع من عمر رضي الله عنه ، وأجيب بأنه قد ثبتت رؤيته لعمر رضي الله عنه على المنبر حيث إنه ولد لسنتين من خلافته ، ولذا قال يحيى بن معين : ابن ثمان سنين يحفظ شيئاً. وقال الإمام أحمد :"سعيد عن عمر حجة ، قد رأى عمر وسمع منه ، وإذا لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل ؟ أ.هـ. ويضاف لهذا أن الأئمة نصوا على أن مراسيل ابن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصح المراسيل ، وانظر لذلك كله (تهذيب الكمال:11/73،74).
الثانية : الاختلاف في هذا الحديث من أوجه أخرى :(1/10)
أ- بإدخال أبي هريرة بين سعيد بن المسيب وعمر رضي الله عنهم ، رواه من هذا الوجه ابن أبي عاصم في كتاب(السنة:1/135-171). والبزار(كشف الأستار:3/18-2137). والفريابي في كتاب(القدر:49-31). وابن حبان(الإحسان:1/312-108). والآجري(الشريعة:1/344-363). من طريقين عن أنس بن عياض عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن عمر مرفوعاً. قال البزار بعده :"رواه غير واحد عن الزهري عن سعيد : أن عمر قال. لا نعلم أحداً يسنده عن أبي هريرة إلا أنس". قلت : صحح هذا الوجه كما ترى ابن حبان لأنه رأى ذكر أبي هريرة زيادة من ثقة وهو أنس بن عياض ، ولكن خالفه غيره كما سيأتي.
ب- بذكر الحديث من طريق عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما ، رواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن سالم عن أبيه عبد الله عن عمر ، ذكر هذا الوجه البزار(كشف الأستار:3/19-2137). والدارقطني(العلل:2/91-سؤال134) معلقاً دون إسناد.وهذا الوجه لا يصح لأن ابن أبي الأخضر ضعيف.(1/11)
ج- بذكر الحديث عن الزهري مرسلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، رواه عُقَيل بن خالد عن الزهري مرسلاً. ذكره الدارقطني(العلل:2/91-سؤال134) معلقاً دون إسناد ، وقال :"والمرسل أصح). قلت : الدارقطني إمام عارف ولا شك ، لكن يشكل على ترجيحه أنه قد خالف عٌقيلاً أربعةٌ من أصحاب الزهري الأثبات ــ وإن كان في رواية يزيد عنه وهمٌ قليلٌ ــ وهم : معمر ، الزبيدي ، والأوزاعي ، ويونس بن يزيد. كلهم رواه عن الزهري عن سعيد عن عمر ، والحكم لهم أولى ، ولعله رحمه الله راعى مخالفة المتن لسائر الراويات التي تذكر أن إجابة النبي صلى الله عليه وسلم كانت:"كلٌ ميسر لما خلق له" ، لكن قد صحح ابن حبان كما عرفت الوصل بزيادة أبي هريرة. وعلى كل حال فعندي أن قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: "لا ينال إلا بعمل" كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عليّ رضي الله عنه المتفق عليه :"اعملوا ، فكل ميسر لما خُلق له" ، ولا مانع من تعدد الواقعة ، فمرة قال هذا ومرة قال اللفظ الآخر ، والله أعلم.(1/12)
(3) ما رواه الشيخان(البخاري:2/165-1496،مسلم:1/51-29) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن ، فقال:"ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوا لذلك ، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك ، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم". وجاءت الرواية لهما في دعوتهم للتوحيد بلفظ:"فإذا عرفوا الله" ، وأما رواية الصلاة فجاءت:"فإذا فعلوا" ، وفي أخرى للبخاري وحده:"فإذا صلوا". فيلاحظ هنا أنه صلى الله عليه وسلم علق إجابة الدعوة إلى الشهادتين على الإقرار ، بينما علق إجابة الدعوة إلى الصلاة على فعلها وإقامتها ، ومن المعلوم هنا أن هؤلاء لو أذعنوا وأقروا بالشهادتين وبالصلاة والزكاة ، لكنهم قالوا : لا نصلي لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم إسلامهم ، يفسره الحديث الآخر المتفق عليه(البخاري:1/14-25،مسلم1/52-36) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال صلى الله عليه وسلم:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها". قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الفتاوى:7/611) وذكر حديث معاذ رضي الله عنه وخلاف العلماء فيمن ترك شيئاً من أركان الإسلام الأربعة:" وهذه المسألة لها طرفان : أحدهما: في إثبات الكفر الظاهر ، والثاني : في إثبات الكفر الباطن. فأما الطرف الثاني : فهو مبني على مسألة كون الإيمان قولاً وعملاً كما تقدم ، ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم من رمضان ولا يؤدي لله زكاة ولا يحج إلى بيته ، فهذا ممتنع ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة ، لا مع إيمان صحيح ، ولهذا(1/13)
إنما يصف سبحانه بالامتناع من السجود الكفار". وسيأتي أيضاً قوله رحمه الله(الصارم المسلول:3/969) عمن يصدّق الرسول ظاهراً وباطناً ثم يمتنع عن الانقياد للأمر:"غايته في تصديق الرسول أن يكون بمنزلة من سمع الرسالة من الله سبحانه وتعالى كإبليس". وقوله(الفتاوى:7/287) عن قوم يزعمون الإيمان بقلوبهم من غير شك ، ويقرون بألسنتهم بالشهادتين , إلا أنهم يقولون : لا نطيع في شيء من فعل الأوامر وترك النواهي قال:"كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه يقول لهم [ أي النبي صلى الله عليه وسلم ]: أنتم أكفر الناس بما جئت به , ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك".
(الفرع الثاني) : في تكفير تارك الصلاة خاصة:
توسع ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم "الصلاة وحكم تاركها" بالاستدلال بالآيات والأحاديث الكثيرة على كفر تارك الصلاة بما لا يدع مجالاً للتردد في صحة هذا القول ، ولكني اكتفي هنا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأقوال بعض الأئمة :
* فقد جاءت أحاديث تزيد على الثلاثين بألفاظ كثيرة تنص على كفر تارك الصلاة ، أو شركه ، أو خروجه من الملة ، أو براءة الذمة منه ، أو عصمة من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا ، أو النص على جواز قتال الأئمة الذين يكفرون كفراً بواحاً وجعل علامة كفرهم البواح وشعاره ترك إقامة الصلاة ، أو النص على أنه لا يدعى من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إلا المؤمنون ولا علامة يعرفون بها إلا بالوضوء ، أو النص على أنه لا يخرج من النار كل الموحدين ولا علامة يعرفون بها إلا سلامة مواضع السجود منهم ونحو ذلك.(1/14)
ـ وأذكر من هذه الأحاديث ما رواه الإمام مسلم(1/88-134)من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" ، وفي رواية للترمذي(5/13-2618):"بين الكفر والإيمان ترك الصلاة" ، وللنسائي(1/232):"ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة" ، وكذلك ما رواه الترمذي(5/13-2621) ، والنسائي(1/231) ، وابن ماجه(1/564-1079)، وأحمد(5/346) وغيرهم من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم:"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر"، صححه جماعة منهم الترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان وغيرهم رحمهم الله. ولا شك أن الكفر المراد بهذا الكفر هو الكفر الأكبر ، كما سيأتي.
* المتعين في هذه المسألة :
إن المتعين أن لا يتوقف أحد في تكفير تارك الصلاة بعد أن تبين الهدى ، وذلك لأمرين مهمين لا مهرب للمخالف منهما إضافة لما سبق :
(الأمر الأول) : أن كفر تارك الصلاة الكفر الأكبر وإخراجه من الملة هو الذي فهمه الصحابة ، قال شيخنا محمد بن صالح العثيمين في سياق المكفرين لتارك الصلاة(الشرح الممتع:2/28) : "أما أقوال الصحابة ، فإنها كثيرة ، رويت عن ستة عشر صحابياً ، منهم عمر بن الخطاب). وسيأتي عن بعض الأئمة أنهم حملوا نصوص الصحابة على الكفر الأكبر المخرج عن الإسلام ، وأسوق إليك بعض النصوص :
1- أثر عمر رضي الله عنه رواه مالك(1/39-51) ، وعبد الرزاق(المصنف:1/150- 580،581) ، وابن أبي شيبة(الإيمان:34-103) ، والمروزي(تعظيم قدر الصلاة:2/892-923حتى929) ، قال:"لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة" ، إسناده إلى عمر صحيح جاء عنه من طرق. وهذا ظاهره تكفير عمر رضي الله عنه لتارك الصلاة الكفر الأكبر ، كما سيأتي.(1/15)
2- أثر حذيفة رضي الله عنه أخرجه البخاري(1/215-791) قال لمن رآه لا يتم ركوعه وسجوده :"ما صليت ، ولو مُتَّ مُتَّ على غير الفطرة التي فطر الله محمداً صلى الله عليه وسلم". قال الآجري وذكر هذا الأثر وغيره(الشريعة:1/296):"يدل على أن الصلاة من الإيمان ، ومن لم يصل فلا إيمان له ولا إسلام". وذكر الحافظ ابن حجر(الفتح:2/321) "أنه دليل لمن كفّر تارك الصلاة لأن ظاهره نفي الإسلام عمن أخل ببعض أركانها ، فيكون نفيه عمن أخل بها كلها أولى"أ.هـ. بل قال الحافظ: "وهو مصير من البخاري إلى أن الصحابي إذا قال : [ سنة محمد أو فطرته ] كان حديثاً مرفوعاً".
3- أثر جابر رضي الله عنه أخرجه المروزي في (تعظيم قدر الصلاة:2/877-892) واللالكائي(شرح أصول اعتقاد أهل السنة:4/829-1537،1538) عن مجاهد سأل جابراً : ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : الصلاة". ومن طريق أبي الزبير سمع جابر بن عبد الله وسأله رجل : هل كنتم تعدون الذنب فيكم كفراً ؟ قال : لا ، وما بين العبد والكفر إلا ترك الصلاة". سند الأول حسن لأجل محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع ، وسند الثاني صحيح ؛ فجابر رضي الله عنه يبين هنا أن الفاصل بين الكفر والإيمان عندهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هي الصلاة ، وأنهم يعنون الكفر الأكبر ؛ أنه فرّق بين الكفر الذي هو ترك الصلاة وبين الذنب الذي لا يكفر صاحبه ، ولو لم تكن كفراً أكبر لم يكن للتفريق بينها وبين الذنب فائدة.(1/16)
(الأمر الثاني) : أن تكفير تارك الصلاة ليس قول بعض الصحابة ، بل حكي إجماع منهم ، قال شيخنا محمد العثيمين (أسئلة عبر الهاتف من قبل إدارة الدعوة بقطر كما سيأتي) :"فقد جاء في الأدلة من القرآن والسنة ، والنظر الصحيح ، وإجماع الصحابة كما حكاه غير واحد ، على أن تارك الصلاة كافر مخلد في نار جهنم وليس داخلاً تحت المشيئة [ في المغفرة ] (1)". وأكتفي بذكر من نقل الإجماع :
1- إجماع الصحابة على قتال تارك الصلاة كما يقاتل المشركون ، لأن أبا بكر رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة وقال لعمر رضي الله عنه فيما رواه الشيخان(البخاري:2/135-1399،مسلم1/51-32:"والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة". قال الخطابي(كما في شرح النووي لمسلم:2/152) مشيراً إلى إلزام أبي بكر لعمر رضي الله عنهما بقتال مانعي الزكاة بما تقرر عندهم من قتال تاركي الصلاة :"قايسه بالصلاة ، ورد الزكاة إليها ، وكان في ذلك من قوله دليل على أن قتال الممتنع من الصلاة كان إجماعاً من الصحابة". وبوب البخاري على الحديث فقال: "باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة".
2- قول عمر رضي الله عنه الآنف :"لا إسلام لمن ترك الصلاة" وفي لفظ "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة" ، فعده ابن القيم(الصلاة وحكم تاركها:67) إجماعاً من الصحابة على كفر تارك الصلاة حين قال عن عمر:"فقال هذا بمحضر من الصحابة ولم ينكروه عليه ، وقد تقدم مثلُ ذلك عن معاذ بن جبل وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة ، ولا يعلم عن صحابي خلافهم".
3- قول جابر رضي الله عنه الآنف أن مجاهد سأله رضي الله عنه : ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : "الصلاة". وهذا دليل على الإجماع ، بل أبلغ من ذلك أنه في حكم المرفوع كما هو مقرر في موضعه من "كتب المصطلح" لأنه نسبه لعهد الرسول صلى الله عليه وسلم.(1/17)
4- قال عبد الله بن شقيق التابعي الجليل الذي لقي كبار الصحابة :"كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة"، خرجه الترمذي(5/14-2622) ، والمروزي(تعظيم قدر الصلاة:2/904-948)، وهو صحيح الإسناد ؛ صححه الحاكم والنووي والألباني رحمهم الله ، ولا يضره أن فيه سعيد بن إياس الجُرَيري الذي ذكروا أنه كان ممن اختلط ؛ لأن الراوي عنه بشر بن المُفضَّل روى عنه قبل الاختلاط ، وقد احتج الشيخان بروايته عن الجريري(انظر الكواكب النيرات:189). قال الشوكاني(نيل الأوطار:1/372) :"الظاهر من الصيغة : أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة ؛ لأن قوله : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم جمع مضاف ، وهو من المشعرات بذلك".
5- ونقل الإجماع الإمام إسحاق بن راهوية ؛ قال المروزي(تعظيم قدر الصلاة(2/929):"سمعت إسحاق يقول : قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر ، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا : أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر".
6- وقال ابن نصر المروزي(تعظيم قدر الصلاة(2/925) :"ذكرنا الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في إكفار تاركها ، وإخراجه إياه من الملة ، وإباحة قتال من امتنع من إقامتها، ثم جاءنا عن الصحابة رضي الله عنهم مثل ذلك ، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك".
7- قال ابن حزم(المحلى:2/242) راداً على من لم يأخذ بقول الصحابة في هذه المسألة:"ما نعلم لمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم مخالفاً منهم ، وهم يشنعون بخلاف الصاحب إذا وافق أهواءهم ، وقد جاء عن عمر ومعاذ وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل(كذا) وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم : أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها ، فهو كافر مرتد".(1/18)
8- قال عبد الحق الأشبيلي في كتابه "الصلاة" (كما نقله ابن القيم عنه في كتاب الصلاة وحكم تاركها:67):" ذهب جملةٌ من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم إلى تكفير تارك الصلاة متعمداً لتركها ، حتى يخرجَ جَميعُ وقتِها ، منهم : عمر بن الخطاب ، ومعاذ بن جبل ، وعبد الله بن مسعود ، وابن عباس ، وجابر ، و أبو الدرداء ، وكذلك روي عن علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه ، هؤلاء من الصحابة".
((ولذا قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(شرح العمدة:2/81) كلاماً نفيساً بعد أن ساق الأحاديث وأقوال السلف فقال :"الكفر الوارد في الصلاة هو الكفر الأعظم لوجوه :
(أحدها) : إن الكفر المطلق هو الكفر الأعظم المخرج عن الملة فينصرف الإطلاق إليه ، و إنما صُرف في تلك المواضع إلى غير ذلك لقرائن انضمت إلى الكلام ، و من تأمل سياق كل حديث وجده معه ، و ليس هنا شيء يوجب صرفه عن ظاهره ، بل هنا ما تقرره على الظاهر.
(الثاني) : إن ذلك الكفر منكرٌ مبهم (2) مثل قوله : "و قتاله كفر" ، "هما بهم كفر" ، وقوله "كفر بالله" ، و شبه ذلك ، وهنا عرف باللام بقوله :"ليس بين العبد و بين الكفر، أو قال الشرك" ، و الكفر المعروف ينصرف إلى الكفر المعروف ، وهو المخرج عن الملة.
(الثالث) : إن في بعض الأحاديث "فقد خرج عن الملة" ، و في بعضها "بينه و بين الإيمان" ، و في بعضها "بينه و بين الكفر" ، و هذا كله يقتضي أن الصلاة حدٌّ تدخله إلى الإيمان إن فعله و تخرجه عنه إن تركه.(1/19)
(الرابع) : أن قوله "ليس بين العبد و بين الكفر إلا ترك الصلاة" ، وقوله "كان أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة" ، لا يجوز أن يراد به إلا الكفر الأعظم ؛ لأن بينه و بين غير ذلك مما يسمى كفراً أشياء كثيرة ، و لا يقال فقد يخرج عن الملة بأشياء غير الصلاة ، لأنا نقول هذا ذكر في سياق ما كان من الأعمال المفروضة ، وعلى العموم يوجب تركه الكفر ، وما سوى ذلك من الاعتقادات فإنه ليس من الأعمال الظاهرة.
(الخامس) : أنه خرج هذا الكلام مخرج تخصيص الصلاة و بيان مرتبتها على غيرها في الجملة ، و لو كان ذلك الكفر فسقاً لشاركها في ذلك عامة الفرائض.
(السادس) : أنه بيَّن أنها آخر الدين ، فإذا ذهب آخره ذهب كله.
(السابع) : أنه بيَّن أن الصلاة هي العهد الذي بيننا و بين الكفار ، وهم خارجون عن الملة ليسوا داخلين فيها ، و اقتضى ذلك أن من ترك هذا العهد فقد كفر ، كما أن من أتى به فقد دخل في الدين ، ولا يكون هذا إلا في الكفر المخرج عن الملة.
(الثامن) : إن قول عمر "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة" أصرح شيء في خروجه عن الملة ، وكذلك قول ابن مسعود و غيره ، مع أنه بيَّن أن إخراجها عن الوقت ليس هو الكفر ، وإنما هو الترك بالكلية ، وهذا لا يكون إلا فيما يخرج عن الملة.
(التاسع) : ما تقدم من حديث معاذ "فإن فسطاطاً على غير عمود لا يقوم" ، كذلك الدين لا يقوم إلا بالصلاة.(1/20)
وفي هذه الوجوه يبطل قول من حملها على من تركها جاحداً ، وأيضاً قوله :"كانوا لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر" ، وقوله :"ليس بين العبد وبين الكفر" ، وغير ذلك مما يوجب اختصاص الصلاة بذلك ، وترك الجحود لا فرق فيه بين الصلاة وغيرها ، ولأن الجحود نفسه هو الكفر من غير ترك ، حتى لو فعلها مع ذلك لم ينفعه ، فكيف يعلق الحكم على ما لم يذكر ؟ ولأن المذكور هو الترك ، وهو عام في من تركها جحوداً أو تكاسلاً ، ولأن هذا عدول عن حقيقة الكلام من غير موجب فلا يلتفت إليه"أ.هـ.
* رد شبهة وجود الخلاف :
فإن قال قائلٌ : قدخالف بعض الأئمة في تكفير تارك الصلاة ، فنقول نعم ولا نقبل خلافهم بعد إجماع الصحابة ونعتذر لهم ، إذ العلماء يعتبرون وجود قولٍ لصحابي واحد مشتهر في مسألة ما حجة إذا لم يخالفه أحدٌ من الصحابة ، فكيف في مسألة ينسب أحدُ الصحابة القول فيها لجميع الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ثم ينقل أحد التابعين إجماعهم على ذلك ، ونجد أكثر من خمسة عشر صحابياً يقولون بذلك ولا يعلم فيهم مخالف ، وقد حكى الإمام أحمد الإجماع في مسألة كان العدد فيها دون ذلك ، حينما أفتى بالتكبير في عشر ذي الحجة من غداة عرفة إلى آخر أيام التشريق ، فسئل : إلى أي شيء تذهب ؟ قال(أصول مذهب الإمام أحمد:352-وعزاه للمسودة:315):"لإجماع عمر وعلي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس". بل جعل الإمام أحمد رحمه الله الخروج عن أقوالهم المختلفة من أقوال أهل البدع حين سئل : هل لرجل أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا ؟ فقال(أصول مذهب الإمام أحمد:351-وعزاه للمسودة:315) : "أرأيت إن أجمعوا ؟ له أن يخرج من أقاويلهم !! هذا قول خبيث ، قول أهل البدع ، لا ينبغي لأحد أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا". فهل يقول عاقل بجواز الخروج عن قول نقل الإجماع فيه عن الصحابة أو ما يدل عليه ؟ إذا كان الخروج عن أقوالهم المختلفة من قول أهل البدع.(1/21)
* وهنا ثلاثة تنبيهات مهمة :
(الأول) : الظاهر أن الأئمة المخالفين لم يبلغهم إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة أو لم يثبت عندهم ، لأنه لو بلغهم الإجماع لما وسعهم أن يخالفوه ، فهذا الإمام الشافعي رحمه الله ، يقول(الرسالة:472):"ونعلم أن عامتهم [ يعني الصحابة رضي الله عنهم ]ـ لا تجتمع على خلافٍ لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا على خطأ إن شاء الله".
(الثاني) : أن الشافعي رحمه الله وإن لم يذهب لكفر تارك الصلاة لعدم ثبوت الإجماع عنده في المسألة ، فهو من كبار أئمة السنة العارفين بمذاهب السلف ، ولذا عصمه الله من مخالفتهم في كفر تارك العمل ، حيث قال رحمه الله[ كما في شرح أصول الاعتقاد للالكائي:5/886): "وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم: أن الإيمان قول وعمل ونية ، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر". ولما ذكر ابن رجب أن الإيمان :قول وعمل ونية قال(جامع العلوم والحكم:1/58):" وحكى الشافعي على ذلك إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم". وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/39) "قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيدة وغير واحد إجماعاً : أن الإيمان قول وعمل". وأنصح في هذه المسألة بالرجوع لكتابين أولهما : كتاب ابن القيم رحمه الله "الصلاة وحكم تاركها" ، والآخر كتاب "الخلاف في حكم تارك الصلاة" للدكتور الشيخ عبد الله بن إبراهيم الزاحم ، فهما كتابان نافعان يكمل كل منهما الآخر.(1/22)
(الثالث) : وهو ينبني على الأمر السابق أن من ذهب من العلماء لعدم تكفير تارك الصلاة لم يذهب لهذا القول بحجة أنه لا يكفر تارك العمل ، بل الذين لا يقولون بكفر تارك الصلاة هم على طريقة الجماعة بتكفير تارك عمل الجوارح مطلقاً كما مر من قول الشافعي رحمه الله ، وسيأتي في فتاوي سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله لما سئل عمن لم يكفر تارك الصلاة من السلف ، أيكون العمل عنده شرط كمال ؟ أنه قال(جريدة الرياض - عدد 12506) : "لا ، بل العمل عند الجميع شرط صحة ، إلا أنهم اختلفوا فيما يصح الإيمان به منه ؛ فقالت جماعة : إنه الصلاة ، وعليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، كما حكاه عبد الله بن شقيق. وقال آخرون بغيرها. إلا أن جنس العمل لابد منه لصحة الإيمان عند السلف جميعاً. لهذا الإيمان عندهم قول وعمل واعتقاد ، لا يصح إلا بها مجتمعة)أ.هـ. ويأتي أيضاً أن سماحة الشيخ رحمه الله أقر ما قاله صاحب كتاب ''التوسط والاقتصاد في أن الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد, حين قال في(المقدمة:19):"هاهنا مسألة مهمة ، وهي أن أصحاب الحديث الذين لم يكفروا تارك الصّلاة ، لا يعنون أنّ الصلاة عملٌ ، والعمل لا يكفّر تاركه أو فاعله بغير اعتقاد أو استحلال أو تكذيب ، فهذه لَوثةٌ إرجائية حاشاهم منها ... ولم يُنقل عن أحد منهم أنّ الصّلاة عمل وليست اعتقاداً ولا يكفُر تارك العمل! كما أنّهم لم يعدّوا من يكفّر تاركها بمثابة الخوارج الذين يكفرون بالذّنوب ، وهذا إقرارٌ منهم أنّ تارك العمل قد يخرج من الملة ، لكن لم يترجّح عندهم ذلك في شأْن تارك الصّلاة".
* المخالفون لأهل السنة في مسألة الإيمان :(1/23)
أهل السنة والجماعة يقولون : إن الإيمان يتركب من اعتقاد القلب وقول اللسان وعمل الجوارح لا يجزئ أحدها عن الآخر ، والأعمال كلها من حقيقة الإيمان ، إلا أنهم يرون أن الكبائر أو ترك شيء من العمل ــ عدا الصلاة لإجماع الصحابة ـــ ليس بكفر ، وخالفهم في هذا الباب طوائف من أهل البدع :
(الطائفة الأولى) : الخوارج والمعتزلة ، والإيمان عندهم كما هو عند أهل السنة والجماعة : قول وعمل واعتقاد ، إلا إنهم خالفوهم بقولهم : إن تارك بعض العمل ــ آحاده ــ أو مرتكب الكبيرة ليس في قلبه شيء من الإيمان وهو مخلد في الآخرة في النار ، واختلفوا في حكمه في الدنيا ، فقالت الخوارج : هو كافر ، وقالت المعتزلة : هو بمنزلة بين منزلتين.
(الطائفة الثانية) : الجهمية ، والإيمان عندهم : هو المعرفة فقط دون تصديق القلب و قول اللسان وعمل الجوارح ، فلو لم يصدق بقلبه وينطق بلسانه ويعمل بجوارحه فهو مؤمن إذا عرف بقلبه لأن هذه الثلاثة غير داخلة في الإيمان ، ولازم ذلك عندهم إيمان إبليس وفرعون وأبي جهل لأنهم عرفوا الله ، وقد سلك بعض الأشاعرة هذا المذهب بأن الإيمان هو المعرفة.
(الطائفة الثالثة) : الكرامية ، والإيمان عندهم : قول باللسان دون تصديق القلب أو عمل الجوارح ، فمن تكلم به فهو مؤمن كامل الإيمان لأن الإيمان عندهم لا يتبعض ، لكنهم لا ينكرون وجوب التصديق بل عندهم من كان مقراً بلسانه مكذباً بقلبه فهو منافق خالد في النار في الآخرة ، فخالفوا أهل السنة في مسألة التصديق في الاسم ووافقوهم في الحكم.
(الطائفة الرابعة) : الأشاعرة ، والإيمان عندهم : مجرد تصديق القلب دون عمله وعمل الجوارح ودون قول اللسان. لكنهم يقولون : إن للإيمان لوازم إذا ذهبت دل على عدم تصديق القلب.
(الطائفة الخامسة) : وهم مرجئة الفقهاء ، والإيمان عندهم : قول باللسان واعتقاد بالقلب دون عمل الجوارح ، ولذا فالإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص.(1/24)
ومع أن المرجئة يجمعون تقريباً على أن العمل ليس [ داخلاً في حقيقة ] (3) الإيمان ولا داخلاً في
مفهومه ، إلا أن مرجئة الفقهاء أقرب هذه الطوائف لأهل السنة ، وأبعدها طائفة الجهمية القائلون بأن الإيمان هو المعرفة فقط ، ولذا كفرهم جمع من أئمة السلف دون باقي طوائف المرجئة. وأشار شيخ الإسلام أن الغلط دخل على هذه الطوائف بسبب أنهم ظنوا أن الإيمان كل لا يتبعض ولا يتجزأ ولا يزيد ولا ينقص ، بل إذا وجد فصاحبه مؤمن كامل الإيمان وإذا ذهب بعضه ذهب كله (انظر الفتاوى:13/47،50).
* قول محدث في مسألة الإيمان :
وفي عصرنا هذا مع الأسف وجد قول غريب محدث من قبل بعض أهل السنة السلفيين ، خالفوا فيه أهل السنة في باب العمل ومنزلته من الإيمان ، فجمع قائلوه بين مذهب الجماعة ومذهب مرجئة الفقهاء ؛ حين نصوا على إدخال العمل في حقيقة الإيمان كما هو قول الجماعة ، ثم تناقضوا بإخراجه ؛ حين أثبتوا إمكان وجود إيمان في القلب ولو لم يظهر أي عمل على الجوارح ؛ [ لأنهم يقولون : العمل شرط صحة للإيمان ، وبعضهم يقول شرط كمال ] (4) ، وهذا هو قول المرجئة على الحقيقة الذين أرجأوا العمل عن الإيمان وبسببه قامت رحى المعركة بينهم وبين أهل السنة ، وهؤلاء شابههوهم ؛ لأن أولئك قالوا : الإيمان قول بلا عمل ، وهؤلاء قالوا : الإيمان قول وعمل لكن يمكن أن يكون بلا عمل ، ولو أمكن تخلف العمل كله عن الإيمان عند أهل السنة والجماعة لما قامت كل هذه الملاحم من عسكر أهل السنة مع المرجئة ، ولما كان لهذا الخلاف معنى إذن.(1/25)
ـ قال ابن رجب(جامع العلوم والحكم:1/93) تحت حديث عمر رضي الله عنه (بني الإسلام على خمس(:"فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه الخمس دعائم الإسلام ومبانيه ، وفسّر بها الإسلام في حديث جبريل ، وفي حديث طلحة بن عبيد الله الذي فيه : أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم ففسّره له بهذه الخمس ، ومع هذا فالمخالفون في الإيمان يقولون : لو زال من الإسلام خصلة واحدة أو أربع خصال سوى الشهادتين ، لم يخرج بذلك من الإسلام"أ.هـ. كذلك هؤلاء مخالفون في الإيمان لأهل السنة والجماعة لأنهم قالوا : لو زالت جميع الأعمال سوى الشهادتين ، لم يخرج بذلك من الإسلام.
ـ ويقول ابن رجب(جامع العلوم والحكم:1/58) أيضاً:"والمشهور عن السلف وأهل الحديث أن الإيمان : قول وعمل ونية ، وأن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان ، وحكى الشافعي على ذلك إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم ، وأنكر السلف على من أخرج الأعمال عن الإيمان إنكاراً شديداً ، وممن أنكر ذلك على قائله ، وجعله قولاً محدثاً : سعيد بن جبير وميمون بن مهران وقتادة وأيوب السّختياني وإبراهيم النخعي والزهري ويحيى بن أبي كثير .. وغيرهم. وقال الثوري : هو رأي محدثٌ ، أدركنا الناس على غيره ، قال الأوزاعي : كان من مضى من السلف لا يفرقون بين العمل والإيمان".
(( وهذه المقولة الحادثة مع الأسف إنما انتشر أمرها اتباعاً لزلات العلماء دون رسوخ علمي متين في معتقد أهل السنة والجماعة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (الفتاوى:7/364) ــ ونقل قول من قال :"كل من كفره الشارع فإنما كفره لانتفاء تصديق القلب" ــ قال رحمه الله:"وكثير من المتأخرين لا يميزون بين مذاهب السلف وأقوال المرجئة والجهمية ؛ لاختلاط هذا بهذا في كلام كثير منهم ، ممن هو في باطنه يرى رأي الجهمية والمرجئة في الإيمان ، وهو معظم للسلف وأهل الحديث ، فيظن أنه يجمع بينهما ، أو يجمع بين كلام أمثاله وكلام السلف".(1/26)
(( ومما زاد في البلاء أن بعض من زل في هذه المسألة أخذ يتتبع عبارات بعض أهل العلم انتصاراً لمن تبعه في هذه المسألة ، مع مخالفة هذا القول لما توارثه أهل السنة والجماعة عن شيوخهم ولما هو مسطور في كتبهم في الاعتقاد عندهم ، حتى أنه ليظهر للناظر تشابه حال هؤلاء مع حال من وصفهم شيخ الإسلام رحمه الله (بواسطة كتاب الصوارف عن الحق:118) بقوله في كلام نفيس عظيم:
"وهاهنا أمر خفي ينبغي التفطن له ، وهو أن كثيراً من أئمة الدين قد يقول قولاً مرجوحاً ويكون مجتهداً فيه مأجوراً على اجتهاده فيه موضوعاً عنه خطؤه فيه ، ولا يكون المنتصر لمقالته تلك بمنزلته في هذه الدرجة ؛ لأنه قد لا ينتصر لهذا القول إلا لكون متبوعه قد قاله ، بحيث إنه لو قاله غيره من أئمة الدين لما قبله ولا انتصر له ولا والى من وافقه ولا عادى من خالفه ، وهو مع ذلك يظن أنه إنما انتصر للحق بمنزلة متبوعه وليس كذلك ، فإن متبوعه إنما كان قصده الانتصار للحق وإن أخطأ في اجتهاده ، وأما هذا التّابع فقد شاب انتصاره لما يظنه الحقّ إرادة علو متبوعه وظهور كلمته ، وأن لا ينُسب إلى الخطأ ، وهذه دسيسة تقدح في قصد الانتصار للحق ، فإنه فهم عظيم ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم".
إن ما ذكره شيخ الإسلام تجده ظاهراً عند بعض الناس الذين قد يظهرون التعصب لأقوال المتبوع بقالب السنة والاتباع ، وتعجب حين ترى المتبوع قد يخالف الجمهور وربما الإجماع الذي عليه الأمة منذ عصور في مسألة ، ومع ذلك تجد الأتباع في كل مرة يجعلون اجتهاده حجة ، فهم ساعون لتأييد رأيه متتبعون لذلك متشابه الأقوال والأدلة ، فأي اتباع هذا ؟ وهل نزلت العصمة على أحد بعد الأنبياء؟ ورحم الله الإمام وكيع بن الجراح حين قال(ذم الكلام للهروي:2/270) :"من طلب الحديث كما جاء فهو صاحب سنة ، ومن طلبه ليقوي به رأيه ؛ فهو صاحب بدعة".(1/27)
ـ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(منهاج السنة:5/274) وذكر المتأولين للنصوص على آرائهم:"تجده يتأول النصوص التي تخالف قوله تأويلات لو فعلها غيره لأقام القيامة عليه ، يتأول الآيات بما يُعلم بالاضطرار أنّ الرسول لم يرده ، وبما لا يدّل عليه اللفظ أصلاً ، وبما هو خلاف التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين ، وخلاف نصوص أخرى. ولو ذكرت ما أعرفه من ذلك ذكرت خلقاً ، و لا أستثني أحداً من أهل البدع : لا من المشهورين بالبدع الكبار من معتزلي ورافضي ونحو ذلك ، ولا من المنتسبين إلى السنة والجماعة من كرَّامي وأشعري وسالمي ونحو ذلك ، وكذلك من صنّف على طريقتهم من أهل المذاهب الأربعة وغيرها ، هذا كله رأيته في كتبهم ، وهذا موجود في بحثهم في مسائل الصفات ، والقرآن ، ومسائل القدر ، ومسائل الأسماء والأحكام ، والإيمان ، والإسلام ، ومسائل الوعد والوعيد ، وغير ذلك".
(( ولذلك فإننا نحث هؤلاء الإخوة القائلين بهذا القول بصدق ومحبة أن يلتزموا بما اتفق عليه عند الجميع من قول السلف الصالح "أن الإيمان قول وعمل واعتقاد" ، وأن يفارقوا أهل البدع وذلك بالتزام شعار أهل السنة بعدم إحداث أو ابتداع أقوال لم يقلها السلف :
ـ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(منهاج السنة النبوية:5/95):"ولكن من شأن أهل البدع أنهم يبتدعون أقوالاً يجعلونها واجبة في الدين ، بل يجعلونها من الإيمان الذي لا بد منه ، ويكفّرون من خالفهم فيها ويستحلّون دمه ، كفعل الخوارج والجهمية والرافضة والمعتزلة وغيرهم ، وأهل السنة لا يبتدعون قولاً ولا يكفرون من اجتهد فأخطأ ، وإن كان مخالفاً لهم ، مكفراً لهم ، مستحلاً لدمائهم ، كما لم تكفر الصحابة الخوارج".(1/28)
فكيف إذا كانت هذه الأقوال المحدثة مخالفة لأقوال السلف وإطلاقاتهم بعدم التفريق بين القول والنية من جهة والعمل من جهة أخرى ؟ ثم هي مع كونها أقوال نظرية لا يمكن وجودها في الواقع ، قد أحدثت شقاقاً في صفوف خواص أهل السنة والجماعة السلفيين في هذا العصر فأضعفت جانبهم وأخملت دعوتهم وأفرحت خصومهم.
وهذا كله يؤكد وجوب ترك هذه الأقوال وهجرها ؛ لأنه من المعلوم عند أهل العلم المحققين : أن كل قول لم يقله السلف وأحدث خلافاً وافتراقاً في الأمة ، فإنه ليس هو من الدين ، ويتحتم تركه حتى تجتمع الكلمة وتأتلف القلوب :
ـ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(الاستقامة:1/37):"وعامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول وغيرها في باب : الصفات والقدر والإمامة وغير ذلك ، هو من هذا الباب ، فيه المجتهد المصيب ، وفيه المجتهد المخطئ. ويكون المخطئ باغياً ، وفيه الباغي من غير اجتهاد ، وفيه المقصر فيما أمر به من الصبر ، وكل ما أوجب فتنة وفُرقة فليس من الدين ، سواء كان قولاً أو فعلاً".
ـ ويقول رحمه الله:"(الفتاوى الكبرى:5/136) عند ذكر ما ابتدعته الجهمية:"ولهذا كان أحمد يقول لهم فيما يقوله في المناظرة الخطابية : كيف أقول ما لم يقل ؟ أي : هذا القول لم يقله أحدٌ قبلنا ، ولو كان من الدين لكان قوله ، فعدم قول أولئك له يدل على أنه ليس من الدين".(1/29)
(( وكان من أهل العلم الذين أخذ بعض هؤلاء الإخوة بتتبع عباراتهم انتصاراً بهم سماحة شيخنا العلامة ابن باز وشيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمهما الله ليثبتوا أن الشيخين كانا يريان الخلاف في كفر تارك عمل الجوارح خلافاً يدخل في دائرة الاجتهاد الذي يدور بين راجح ومرجوح ، وحاشاهم ذلك وهما عالمان من علماء السنة في هذا العصر أن يتفقا على مثل هذا الخطأ ، لكن لم يفرق هذا القائل بين تقرير المسألة كأصل مجمع عليه وبين مراعاة الشيخين لمنزلة المخالف من الدين ، وفرقٌ بين ذلك كما سيأتي في سياق أقوالهما. والذي أعرفه عنهما ويعرفه غيري أنهما لا يقولان بما زعمه هذا الزاعم البتة ، ولذلك كتبت هذه الرسالة محاولاً إيراد ما استطعت من أقوالهما حتى لا ينتحلهما منتحل في هذه المسألة ، اتباعاً للسنة ونصحاً للأمة ، قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله في (مجموع فتاوى ومقالات:3/82) حين رد على الصابوني لما أورد حديثأ ضعفه الشيخ:"وكان الأخ الصابوني ذكر هذا الحديث ليستدل به على وجوب الكف عن الكلام في الأشاعرة وبيان ما أخطأوا فيه ، وهكذا ما أخطأ فيه غيرهم من الفرق الإسلامية ، وليس الأمر كما زعم فإن الحديث المذكور لو صح لا يدل على شرعية الكف عمن خالف الحق ، كما أنه لا يدل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان ما أخطأ فيه المخطئون وغلط فيه الغالطون من الأشاعرة وغيرهم ؛ بل الأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة كلها تدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإنكار على من خالف الحق ، وإرشاده إلى طريق الصواب حتى يهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة".
((ولكن أجد لزاماً عليّ أن أقدم قبل ذكر فتاوى الشيخين رحمهما الله بمقدمات سبع ينبغي تقديمها بين يدي أقوالهما حتى يتضح منهج السلف وضوحاً لا لبس فيه ، وحتى لا يظن ظان أو يقول قائل أن الشيخين كانا على خلاف منهجهم في هذه المسألة ، ولكني أنبه هنا على أمور :(1/30)
1- حينما أنقل بعض أقوال الأئمة لا ألتزم بيان حال أسانيدها ، لتواتر معناها عند أهل السنة بغض النظر عما قد يوجد من الضعف القريب في أسانيد بعضها ؛ لأن تتابع المصنفين في العقائد من علماء السنة على إيراد هذه الأقوال على سبيل الاحتجاج دليل على موافقتها لأصل اعتقاد أهل السنة ، ولذا تجد شيخ الإسلام ابن تيمية ومن بعده من العلماء يوردون هذه النصوص دون نقد لأسانيدها لعدم تضمنها للباطل. فعلى سبيل المثال : أوردتُ قول القاضي عياض "العمل أداء الفرائض واجتناب المحارم" ، وقد ذكره عبد الله بن أحمد في (السنة:1/375) فقال:"وجدت بخط أبي رحمه الله قال : أخبرت أن فضيل...". فكتابة الإمام أحمد لهذا الأثر مع إيداع ابنه عبد الله له في كتاب السنة لا يبرر رده لاتفاق ما قاله مع عقيدة أهل السنة ، ولا يجوز لعاقل أن يرد الحق الذي في هذا المتن لمجرد ضعف السند. وسأذكر مثل هذا الخطأ عند ذكر قول سفيان بن عيينة "والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصراً بقلبه على ترك الفرائض ، وسموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم...". حيث ضعفه بعضهم لأجل راوٍ فيه قد تغير ، مع أن العادة أنه يطعن في الراوي لأجل الأحاديث المسندة التي تكثر فيدخل أسانيد بعضها في بعض ، بخلاف هذا الأثر الذي نقله الذي طعن فيه عن شيخه قال فيه:"سألنا سفيان بن عيينة عن الإرجاء" ، فمثل هذا لا يرده أحد لبعد الوهم فيه ، خاصة أن عبد الله بن أحمد سمعه منه ونقله على سبيل الاحتجاج بالمعنى والموافقة عليه ، ونقله أهل السنة في كتب الاعتقاد على سبيل الاحتجاج. هذا مع أننا لا نوردها محتجين بها على سبيل الإنفراد ، وإنما في سياق غيرها لتواتر معناها عند أئمة السنة.(1/31)
2- أن نقلي لأقوال بعض الإخوة لإصابتهم الحق في تقرير منزلة العمل من الإيمان أو لموافقة العلماء لما كتبوه أو قالوه ، لا يعني موافقتي لهم في منطلقات بعضهم التي ينطلقون منها لردهم في هذه المسألة كما بينته في كتابي "براءة علماء الأمة من تزكية أهل البدعة والمذمة" ، خاصة أنه قد وجد في الساحة من انتهز فرصة وقوع مثل هذه الزلة من قبل بعض أهل السنة السلفيين ليرفع بها من خسيسة منهج التكفيريين الذين على منهج الخوارج ، فملأ كتابه بالثناء على سيد قطب أو من كان متأثراً بمدرسته في التكفير المبني على غير منهج السلف ، وإني أبرأ إلى الله من هذا الفكر الدخيل على عقيدة أهل السنة والجماعة.
3- اطلعت على مصنفات بعض إخوتي في الله الذين ألفوا قبلي في هذه المسألة فاستفدت منها في نقلهم لبعض نصوص الأئمة ، فهم السابقون في الفضل ولهم من الله جزيل الأجر ، أذكر هذا حتى أبرأ من أن أتشبع بما لم أعطه.
* مقدمات مهمة في مسألة الإيمان :
(المقدمة الأولى) :
أن المتقرر عند أهل السنة والجماعة هو تلازم عمل الجوارح الظاهرة وأعمال القلوب الباطنة لا يمكن تصور وجود أحدهما دون الآخر ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الفتاوى:7/221): "والقرآن يبين أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه" أ.هـ ، وبهذا صرح أئمة الدين وحكوه عقيدة لأهل السنة ، أذكر عدداً ممن قرر ذلك :
1- قال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله كما نقله شيخ الإسلام في(الفتاوى: 7/171) مقراً له أنه سئل عن الإيمان ما هو ؟ فقال : "هو قول ونية وعمل وسنة ؛ لأن الإيمان إذا كان قولاً بلا عمل فهو كفر ، وإذا كان قولاً وعملاً بلا نية فهو نفاق ، وإذا كان قولاً وعملاً ونية بلا سنة فهو بدعة".وانظر(الإبانة:2/814)(1/32)
2- قال أبو طالب المكي رحمه الله كما نقله شيخ الإسلام ( الفتاوى: 7/333) :" الإيمان والإسلام أحدهما مرتبط بالآخر فهما كشيء واحد ، لا إيمان لمن لا إسلام له ، ولا إسلام لمن لا إيمان له ، إذ لا يخلو المسلم من إيمان به يصح إسلامه - ولا يخلو المؤمن من إسلام به يحقق إيمانه من حيث اشترط الله للأعمال الصالحة الإيمان ; واشترط للإيمان الأعمال الصالحة ؛ فقال في تحقيق ذلك : (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه( وقال في تحقيق الإيمان بالعمل : (ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجت العلى( . فمن كان ظاهره أعمال الإسلام ولا يرجع إلى عقود الإيمان بالغيب فهو منافق نفاقاً ينقل عن الملة ، ومن كان عقده الإيمان بالغيب ولا يعمل بأحكام الإيمان وشرائع الإسلام فهو كافر كفراً لا يثبت معه توحيد ; ومن كان مؤمنا بالغيب مما أخبرت به الرسل عن الله عاملاً بما أمر الله فهو مؤمن مسلم ... فلا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بعقد. ومَثَلُ ذلك مَثَلُ العمل الظاهر والباطن أحدهما مرتبط بصاحبه من أعمال القلوب وعمل الجوارح. ومثله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنما الأعمال بالنيات( ؛ أي لا عمل إلا بعقد وقصد ، لأن [إنما] تحقيق للشيء ونفي لما سواه ؛ فأثبت بذلك عمل الجوارح من المعاملات ، وعمل القلوب من النيات. فمثل العمل من الإيمان كمثل الشفتين من اللسان لا يصح الكلام إلا بهما ؛ لأن الشفتين تجمع الحروف ، واللسان يظهر الكلام ، وفي سقوط أحدهما بطلان الكلام ، وكذلك في سقوط العمل ذهاب الإيمان ).
3- قال أبو جعفر الطبري(تهذيب الآثار- مسند ابن عباس:2/685) وذكر من حيث الأثر أحاديث مرسلة عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الإيمان قول وعمل( فقال :
" فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن اسم الإيمان المطلق ، إنما هو للمعرفة بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح ، دون بعض ذلك.(1/33)
وأما من النظر : مما لا يدفع صحته ذُو فطره صحيحة ، وذلك الشهادةُ لقول قائل قال قولاً أو وَعَد عِدَةً ، ثم أنجز وعده ، وحقَّق بالفعل قولَه : "صدَّق فلانٌ قولَه بفعلِه".
ولا يدفعُ مع ذلك ذو معرفة بكلام العرب ، صحة القول بأن الإيمان التصديقُ. فإذا كان الإيمان في كلامها التصديق ، والتصديق يكونُ بالقلب واللسان والجوارح ، وكان تصديق القلب العزم والإذعان ، وتصديق اللسان الإقرار ، وتصديق الجوارح السَّعي والعمل ؛ كان المعنى الذي به يستحق العبد المدحَ والولاية من المؤمنين ، هو إتيانه بهذه المعاني الثلاثة.
وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أنه لو أقر ، وعمل على غير علم منه ومعرفة بربه ، أنه لا يستحق اسم مؤمن. وأنه لو عرف وعلم وجحد بلسانه وكذَّب وأنكر ما عرف من توحيد ربه ، أنه غير مستحق اسم مؤمن. فإذا كان ذلك كذلك ، وكان صحيحاً أنه غيرُ مُستحقٍ غيرُ المُقِر اسمَ مؤمن ، ولا المُقِرُّ غير العارف مستحق ذلك ، كان كذلك غير مستحق ذلك بالإطلاق : العارف المُقِر غير العامل ، إذ كان ذلك أحد معاني الإيمان التي بوجود جميعها في الإنسان يستحق اسم مؤمن بالإطلاق".
4- قال الإمام محمد بن نصر رحمه الله(تعظيم قدر الصلاة:2/517) :"ولو أقر , ثم لم يؤد حقه , كان كمن جحده في المعنى , إذ استويا في الترك للأداء ، فتحقيق ما قال أن يؤدي إليه حقه ، فإن أدى جزءاً منه ، حقق بعض ما قال ، ووفّى ببعض ما أقر به ، وكلما أدى جزءاً ، ازداد تحقيقاً لما أقرَّ به ، وعلى المؤمن الأداء أبداً لما أقر به ، حتى يموت".
5- قال الخطابي رحمه الله (كما في شرح السنة للبغوي:1/11) :"أصل الإسلام : الاستسلام والانقياد ، وأصل الإيمان : التصديق. وقد يكون المرء مستسلماً في الظاهر غير منقاد في الباطن ، ولا يكون صادقَ الباطن غير منقاد في الظاهر".(1/34)
6- قال البغوي رحمه الله (شرح السنة: 1/10) :"والتصديق والعمل يتناولهما اسم الإيمان والإسلام جميعاً، ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى (إن الدين عند الله الإسلام) (ورضيت لكم الإسلام ديناً) (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) ، فأخبر أن الدين الذي رضيه ويقبله من عباده هو الإسلام ، ولن يكون الدّينُ في محل القبول والرضى إلا بانضمام التصديق إلى العمل".
7- قال الآجري رحمه الله في كتاب الشريعة ( 1/275 ) : فالأعمال - رحمكم الله تعالى - بالجوارح: تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان ، فمن لم يصدق الإيمان بعمله وبجوارحه : مثل الطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والجهاد ، وأشباه لهذه ، ورضي من نفسه بالمعرفة والقول ، لم يكن مؤمناً ، ولم ينفعه المعرفة والقول ، وكان تركه للعمل تكذيباً منه لإيمانه ، وكان العمل بما ذكرناه تصديقاً منه لإيمانه ، وبالله التوفيق".
وقال أيضا في كتابه (الأربعين حديثاً:135-137) :" اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين : أن الإيمان واجب على جميع الخلق : وهو التصديق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالجوارح ... ولا تجزئ معرفة بالقلب والنطق باللسان حتى يكون معه عمل بالجوارح . فإذا كملت الخصال الثلاث كان مؤمناً ... فالأعمال بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان. فمن لم يصدق الإيمان بعمله وبجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد أشباه لهذه ، ورضي لنفسه المعرفة والقول دون العمل لم يكن مؤمناً ، ولم تنفعه المعرفة والقول".
8- وقال ابن بطة العكبري رحمه الله (الإبانة:2/795) :" ( فقد تلوت عليكم من كتاب الله عز وجل ما يدل العقلاء من المؤمنين أن الإيمان قول وعمل ، وأن من صدق بالقول وترك العمل كان مكذباً وخارجاً من الإيمان. وأن الله لا يقبل قولاً إلا بعمل ، ولا عملاً إلا بقول).(1/35)
9- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الفتاوى:7/363). :"وقول القائل : الطاعات ثمرات التصديق الباطن ، يراد به شيئان : يراد به أنها لوازم له ، فمتى وجد الإيمان الباطن وجدت. وهذا مذهب السلف وأهل السنة. ويراد به : أن الإيمان الباطن قد يكون سبباً ، وقد يكون الإيمان الباطن تاماً كاملاً وهي لم توجد ، وهذا قول المرجئة من الجهمية وغيرهم".
وقال(الفتاوى:7/128) :"بل القرآن والسنة مملوءان بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حكم الإيمان إلا بالعمل مع التصديق ، وهذا في القرآن أكثر بكثير من معنى الصلاة والزكاة ، فإن تلك إنما فسرتها السنة ، والإيمان بين معناه الكتاب والسنة وإجماع السلف".
وقال(الفتاوى:7/621 ) : ( وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل ، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجباً ظاهراً ، ولا صلاة ولا زكاة ولا صياماً ولا غير ذلك من الواجبات ، لا لأجل أن الله أوجبها، مثل أن يؤدي الأمانة و يصدق الحديث ، أو يعدل في قسمه وحكمه، من غير إيمان بالله ورسوله، لم يخرج بذلك من الكفر، فإن المشركين وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد صلى الله عليه وسلم).
وقال(الفتاوى:7/611) :"ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه ؛ بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم من رمضان ولا يؤدي لله زكاة ولا يحج إلى بيته ، فهذا ممتنع ، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقته لا مع إيمان صحيح ، ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع عن السجود الكفار".(1/36)
10- قال ابن القيم رحمه الله في(الفوائد:283): "الإيمان له ظاهر وباطن ، وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته ، فلا ينفع ظاهر لا باطن له وإن حقن به الدماء وعصم به المال والذرية . ولا يجزىء باطن لا ظاهر له إلا إذا تعذّر بعجز أو إكراه وخوف هلاك. فتخلف العمل ظاهراً مع عدم المانع دليل على فساد الباطن وخلوه من الإيمان".
وقال أيضا (الفوائد:204) :"فكل إسلام ظاهر لا ينفذُ صاحبُه منه إلى حقيقة الإيمان الباطنة ، فليس بنافع حتى يكون معه شيء من الإيمان الباطن. وكل حقيقة باطنة لا يقوم صاحبُها بشرائع الإسلام الظاهرة لا تنفع ولو كانت ما كانت ، فلو تمزق القلب بالمحبة والخوف ولم يتعبد بالأمر وظاهر الشرع لم يُنْجه ذلك من النار ، كما أنه لو قام بظواهر الإسلام وليس في باطنه حقيقة الإيمان لم يُنْجه من النار".
11- وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله(الدرر السنية:1/124) وذكر قول وهب بن منبه ــ مفتاح الجنة لا إله إلا الله ولابد لها من أسنان فإن جاء بالأعمال وإلا لم يفتح له ــ قال :"إذا فهمت ذلك فالمسألة الأولى واضحة ، مراده الرد على من ظن دخول الجنة بالتوحيد وحده بدون الأعمال.(1/37)
12- قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في(شرح كشف الشبهات:126):"بل إجماع بين أهل العلم (أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل) ، فلا بد من الثلاثة ، لابد أن يكون هو المعتقد في قلبه ، ولابد أن يكون هو الذي ينطق به لسانه ، ولابد أن يكون هو الذي تعمل به جوارحه ، (فإن اختل شيء من هذا) لو وحّد بلسانه دون قلبه ما نفعه توحيده ، ولو وحد بقلبه وأركانه دون لسانه ما نفعه ذلك ، ولو وحَّد بأركانه دون الباقي (لم يكن الرجل مسلماً) ، هذا إجماع أن الإنسان لابد أن يكون موحداً باعتقاده ولسانه وعمله. (فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند) إذا اعتقد ولا نطق ولا عمل بالحق بأركانه فهذا كافر عند جميع الأمة".
13- قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله (معارج القبول:2/23) :"ومحال أن ينتفي انقياد الجوارح بالأعمال الظاهرة مع ثبوت عمل القلب ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، إلا وهي القلب. ومن هنا يتبين لك أن من قال من أهل السنة في الإيمان هو التصديق على ظاهر اللغة ؛ أنهم إنما عنوا التصديق الإذعاني المستلزم للانقياد ظاهراً وباطناً ، لم يعنوا مجرد التصديق".
14- وقال الشيخ العلامة محمدأمان الجامي رحمه الله في (شرح الأصول الثلاثة عند التعليق على المرتبة الثانية : الإيمان : وهو بضع وسبعون شعبة - الشريط الثالث الوجه الثاني) :"ومن ادعى أنه مصدق بقلبه بكل ما جاء رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم لا يعمل ، يقال له : هذه دعوى! والدعوى لا بد لها من بينة ، فأين البينة ؟ البينة الأعمال ، لذلك يقول بعضهم :
فإذا حلَّت الهدايةُ قلباً نَشَطَتْ في العبادة الأعضاء(1/38)
فإذا كانت الأعضاء لا تعمل ؛ لا يصلي ولا يصوم ولا يأمر ولا ينهى ولا يجاهد ولا يطلب العلم .. ماشي ، هكذا مصدق ؟! لا لا ، لا يقبل مثل هذا التصديق ، وعلى هذا انتشر بين المسلمين هذا الإيمان الإرجائي ، لذلك لو أمرت إنسان أو نهيته عن ما فعل ، يقول : الإيمان بالقلب هنا الإيمان!!. الإيمان الذي هنا لو صحَّ لظهر أثره في أعضائك وجوارحك. لست بصادق تترك الصلاة ، فيقال لك : صل ، فتقول : لا ، الإيمان هنا في القلب!! ليس بصحيح هذا ، إذن كيف تحاججون وتنازعون الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ؛ تقولون لهم : أنتم حكام غير مسلمين ، فيقول لك : أنا مسلم لأني أقول : لا إله إلا الله محمداً رسول الله ، وأنا مصدق وأنت معي في هذا التصديق ، يحاججك. لكن متى تستطيع أن تقنعه أنه ليس على الإسلام ؟ إذا عَرَّفت الإيمان بتعريفه الصحيح : تصديق بالقلب وعمل بالجوارح وقول باللسان ، التصديق الذي بالقلب يشهد لصحته : النطق باللسان وقولك "أشهد أن لا إله إلا الله ومحمداً رسول الله" ، ويصدّق كل ذلك الأعمال الجارية على السنة ، وعلى وفق ماجاءت به السنة"
(المقدمة الثانية) :(1/39)
أن جماعة ممن لا يسع رد قولهم من الأئمة حكوا الإجماع أن الإيمان بلا عمل لا يصح ولا يجزئ أو نسبوه لأهل السنة وفقهاء الملة ، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/39) عند قوله تعالى (يؤمنون بالغيب( وذكر قول من قال يؤمنون : أي يصدقون فقال :"قال ابن جرير: والأولى أن يكونوا موصوفين بالإيمان بالغيب قولاً واعتقاداً وعملاً ، وقد تدخل الخشية لله في معنى الإيمان الذي هو تصديق القول بالعمل ، والإيمان كلمة جامعة للإيمان : بالله وكتبه ورسله ، وتصديق الإقرار بالفعل. قلت : أما الإيمان في اللغة فيطلق على التصديق المحض ، وقد يستعمل في القرآن والمراد به ذلك كما قال تعالى : (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين( ، وكما قال إخوة يوسف لأبيهم : (وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين( ، وكذلك إذا استعمل مقروناً مع الأعمال كقوله تعالى (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات(. فأما إذا استعمل مطلقاً ، فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقاداً وقولاً وعملاً. هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة ، بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيدة وغير واحد إجماعاً : أن الإيمان قول وعمل ، ويزيد وينقص.أ.هـ. وإليك نصوص الأئمة في ذلك :
1- قال الأوزاعي رحمه الله (الإبانة لابن بطة 2/807): قال :"لا يستقيم الإيمان إلا بالقول ، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل ، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية موافقة للسنة. وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل ، والعمل من الإيمان ، والإيمان من العمل ، وإنما الإيمان اسم يجمع هذه الأديان اسمها ، ويصدقه العمل ، فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق بعمله فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها. ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه ولم يصدقه بعمله لم يقبل منه وكان في الآخرة من الخاسرين".(1/40)
2- وقال سفيان الثوري رحمه الله (ابن بطة في الإبانة 1/333): " كان الفقهاء يقولون : لا يستقيم قول إلا بعمل ، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية ، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة".
وقال أيضاً(شرح أصول الاعتقاد للالكائي 5/980):" أهل السنة يقولون : الإيمان قول وعمل مخافة أن يزكوا أنفسهم ، لا يجوز عمل إلا بإيمان ، ولا إيمان إلا بعمل ، فإن قال : من إمامك في هذا؟ فقل سفيان الثوري".
3- وقال سفيان بن عيينة رحمه الله(السنة لعبد الله بن أحمد:1/346 و الشريعة للآجري:1/271) :"الإيمان قول وعمل. قال : أخذناه ممن قبلنا : قول وعمل ، وأنه لا يكون قول إلا بعمل".
4- وقال الإمام الشافعي رحمه الله[شرح أصول الاعتقاد للالكائي:5/886): "وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم : أن الإيمان قول وعمل ونية ، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر". وانظر [مجموع الفتاوى : 7 / 308]
5- وقال الحميدي رحمه الله (السنة للخلال:586،شرح أصول الاعتقاد للالكائي:5/887) ونقله شيخ الإسلام في (الفتاوى:7/209) عنه مقراً له حيث قال :"أُخبرتُ أن ناساً يقولون : من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت ، أو يصلي مستدبر القبلة حتى يموت ، فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك في إيمانه ، إذا كان يقر بالفرائض واستقبال القبلة. فقلت: هذا الكفر الصراح ، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلماء المسلمين. قال الله جل وعز (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة(. قال حنبل: سمعت أبا عبدالله ــ يعني أحمد بن حنبل ــ يقول: من قال هذا فقد كفر بالله ، ورد على الله أمره وعلى الرسول ما جاء به".(1/41)
6- وقال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله (كتاب الإيمان :65،66):"فلم يجعل الله للإيمان حقيقة إلا بالعمل على هذه الشروط ، والذي يزعم أنه بالقول خاصة يجعله مؤمناً حقاً ، وإن لم يكن هناك عمل فهو معاند لكتاب الله والسنة ... أفلست تراه تبارك وتعالى ، قد امتحنهم بتصديق القول بالفعل ؟ ولم يرض منهم بالإقرار دون العمل ؟ حتى جعل أحدهما من الآخر ، فأي شيء يتبع بعد كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهاج السلف بعده الذين هم موضع القدوة والإمامة؟!. فالأمر الذي عليه السنة عندنا ما نص عليه علماؤنا مما اقتصصنا في كتابنا هذا : أن الإيمان بالنية والقول والعمل جميعاً".
7- قال الحافظ ابن رجب رحمه الله (فتح الباري لابن رجب :1/21) وذكر تكفير تارك الصلاة :"وحكاه إسحاق بن راهوية إجماعاً منهم ، حتى إنه جعل قول من قال : لا يكفر بترك هذه الأركان أنها من أقوال المرجئة". (انظر تعظيم قدر الصلاة:2/929)
8- وقال أبو طالب المكي رحمه الله فيما نقله شيخ الإسلام عنه في (الفتاوى:7/336) :"وأيضاً الأمة مجتمعة أن العبد لو آمن بجميع ما ذكره من عقود القلب في حديث جبريل من وصف الإيمان ولم يعمل بما ذكره من وصف الإسلام أنه لا يسمى مؤمناً ، وأنه إن عمل بجميع ما وصف به الإسلام ، ثم لم يعتقد ما وصفه من الإيمان أنه لا يكون مسلماً ، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته لا تجتمع على ضلالة".
9- قال الحافظ ابن أبي زيد القيرواني مالك الصغير رحمه الله(كما في اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم:150،152) :"فصل فيما أجمعت عليه الأمة من أمور الديانة ومن السنن التي خلافها بدعةٌ وضلالة : ... وأن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح ، يزيد ذلك بالطاعة ، وينقص بالمعصية نقصاً عن حقائق الكمال لا محبط للإيمان ، ولا قول إلا بعمل ، ولا قول ولا عمل إلا بنية ، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بموافقة السنة".(1/42)
10- وقال الآجري رحمه الله في الشريعة (1/274) في باب "القول بأن الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح ، لا يكون مؤمناً إلا بأن تجتمع فيه هذه الخصال الثلاث" : "اعلموا - رحمنا الله وإياكم - أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق ، وهو تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح. ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً ، ولا تجزئ معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون عمل بالجوارح ، فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث كان مؤمناً، دل على ذلك القرآن والسنة وقول علماء المسلمين".
وقال أيضاً (الشريعة:1/311) :"بل نقول - والحمد لله - قولاً يوافق الكتاب والسنة وعلماء المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم ، وقد تقدم ذكرنا لهم : إن الإيمان معرفة بالقلب تصديقا يقيناً ، وقول باللسان ، وعمل بالجوارح ، لا يكون مؤمناً إلا بهذه الثلاثة ، لا يجزئ بعضها عن بعض ، والحمد لله على ذلك " انتهى .
وقال أيضا في كتابه (الأربعين حديثاً:135-137):" اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق : وهو التصديق القلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالجوارح ... ولا تجزئ معرفة بالقلب والنطق باللسان حتى يكون معه عمل بالجوارح ، فإذا كملت الخصال الثلاث كان مؤمناً حقاً ، دل على ذلك الكتاب والسنة وقول علماء المسلمين ... فالأعمال بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان. فمن لم يصدق الإيمان بعمله وبجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد أشباه لهذه ، ورضي لنفسه المعرفة والقول دون العمل لم يكن مؤمناً ولم تنفعه المعرفة والقول ، وكان تركه للعمل تكذيباً منه لإيمانه ، وكان العمل بما ذكرنا تصديقاً منه لإيمانه ، فاعلم ذلك . هذا مذهب العلماء المسلمين قديماً وحديثاً".(1/43)
11- قال ابن بطة رحمه الله في (الإبانة:2/760،779) في باب: بيان الإيمان وفرضه وأنه تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح والحركات ، لا يكون العبد مؤمناً إلا بهذه الثلاث : "اعلموا - رحمكم الله - أن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه فرض على القلب المعرفة به والتصديق له ولرسله ولكتبه وبكل ما جاءت به السنة ، وعلى الألسن النطق بذلك والإقرار به قولاً ، وعلى الأبدان والجوارح العمل بكل ما أمر به وفرضه من الأعمال ، لا تجزئ واحدة من هذه إلا بصاحبتها ، ولا يكون العبد مؤمناً إلا بأن يجمعها كلها حتى يكون مؤمناً بقلبه مقراً بلسانه عاملاً مجتهداً بجوارحه ، ثم لا يكون أيضاً مع ذلك مؤمناً حتى يكون موافقاً للسنة في كل ما يقوله ويعمله ، متبعاً للكتاب والعلم في جميع أقواله وأعماله. وبكل ما شرحته لكم نزل به القرآن ومضت به السنة وأجمع عليه علماء الأمة ... حتى صار اسم الإيمان مشتملاً على المعاني الثلاثة ، لا ينفصل بعضها
من بعض ، ولا ينفع بعضها دون بعض ، حتى صار الإيمان قولاً باللسان وعملاً بالجوارح ومعرفة
من بعض ، ولا ينفع بعضها دون بعض ، حتى صار الإيمان قولاً باللسان وعملاً بالجوارح ومعرفة بالقلب ، خلافاً لقول المرجئة الضالة الذين زاغت قلوبهم وتلاعبت الشياطين بعقولهم".
12- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (شرح العمدة:2/86) : "الإيمان عند أهل السنة و الجماعة : قولٌ و عملٌ كما دل عليه الكتاب و السنة و أجمع عليه السلف ، و على ما هو مقرر في موضعه. فالقول تصديق الرسول ، و العمل تصديق القول. فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمناً ... و أيضا فإن حقيقة الدين هو الطاعة و الانقياد ، و ذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط فمن لم يفعل لله شيئا فما دان لله ديناً و من لا دين له فهو كافر".(1/44)
ـ وقال رحمه الله أيضاً(الاستقامة:2/309) وذكر مقولة بعض السلف [لا يُقبل قول إلا بعمل:"وهذا فيه ردٌ على المرجئة الذين يجعلون مجرد القول كافياً ، فأخبر أنه لابد من قول وعمل ؛ إذ الإيمان قول وعمل ، لا بد من هذين كما بسطناه في غير هذا الموضع ، وبيّنا أن مجرد تصديق القلب ونطق اللسان ، مع البغض لله وشرائعه ، والاستكبار على الله وشرائعه ، لا يكون إيماناً ــ باتفاق المؤمنين ــ حتى يقترن بالتصديق عمل صالح. وأصل العمل عمل القلب ، وهو الحب والتعظيم المنافي للبغض والاستكبار"أ.هـ.
13- قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب(كشف الشبهات:126) :" لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل ، فإن اختل شيءٌ من هذا لم يكن الرجل مسلماً. فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما".
قال أيضاً(الدرر السنية:2/124) :" لا خلاف بين الأمة أن التوحيد لا بد أن يكون : بالقلب الذي هو العلم ، واللسان الذي هو القول ، والعمل الذي هو تنفيذ الأوامر والنواهي. ، فإن أخل بشيء من هذا ، لم يكن الرجل مسلماً. فإن أقر بالتوحيد ولم يعمل به ؛ فهو : كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما".
14- وقال العلامة سليمان ابن سحمان رحمه الله(الدرر السنية:2/360،362) في معرض كلامه عن نواقض الإسلام :"ذكر بعضهم أنها قريب من أربعمائة ناقض ، ولكن الذي أجمع عليه العلماء ، هو ما ذكره شيخ الإسلام وعلم الهداة الأعلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، من نواقض الإسلام ، وأنها عشرة ... العاشر : الإعراض عن دين الله ، لا يتعلمه ولا يعمل به ، والدليل قوله تعالى : (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون( [ السجدة:22]".(1/45)
15- قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في (شرح كشف الشبهات:126):"بل إجماع بين أهل العلم (أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل) ، فلا بد من الثلاثة ، لابد أن يكون هو المعتقد في قلبه ، ولابد أن يكون هو الذي ينطق به لسانه ، ولابد أن يكون هو الذي تعمل به جوارحه ... هذا إجماع أن الإنسان لابد أن يكون موحداً باعتقاده ولسانه وعمله... إذا اعتقد ولا نطق ولا عمل بالحق بأركانه فهذا كافر عند جميع الأمة".
(المقدمة الثالثة) :
صرّح جماعة كثير من أئمة الهدى والدين أنه لا إيمان إلا بعمل حتى صار أصلاً تبنى عليه كتب العقيدة التي يصنفها الأئمة ، وشعاراً يُرد فيه على المرجئة الذين يقولون بتخلف العمل عن القول في الإيمان ؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الاستقامة:2/309) :"وقد روى ابن شاهين واللالكائي عن سعيد بن جبير ، قال : [لا يُقبل قول إلا بعمل ، ولا يُقبل قول وعمل إلا بنيّة ، لا يُقبل قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة] ، ورويا عن الحسن البصري مثله ، ولفظ ما روي عن الحسن :[ لا يصلح ] مكان [ لا يُقبل ]. وهذا فيه ردٌ على المرجئة الذين يجعلون مجرد القول كافياً ، فأخبر أنه لابد من قول وعمل ؛ إذ الإيمان قول وعمل ، لا بد من هذين"أ.هـ، وسأذكر أقوال أئمة التابعين ومن بعدهم في ذلك ، ثم أسوق ما ذكر في كتب الاعتقاد التي صنفت لبيان ما لا يسع مخالفته في الاعتقاد عند أهل السنة :
(أ) أقوال بعض الأئمة :
1- قال سعيد بن جبير رحمه الله (شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي:1/57) : "لا يقبل قول إلا بعمل ، ولا يقبل عمل إلا بقول ، ولا يقبل قول وعمل إلا بنية ، ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بنية موافقة للسنة).
2- ومثله عن الحسن البصري رحمه الله أخرجه عنه الآجري في (الشريعة:1/287) ، وابن بطة في (الإبانة:2/803) ، واللالكائي في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/57).(1/46)
وقال أيضاً (تفسير الطبري:22/80) عند قوله تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه( :" "لا يقبل الله قولاً إلا بعمل ، من قال وأحسن العمل قبل الله منه".وفي(اقتضاء العلم للعمل:177) قال:"من قال حسناً وعمل صالحاً رفعه العمل ، وذلك بأن الله تعالى يقول (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه(.
وقال أيضاً(الشريعة للآجري :1/285) :"الإيمان كلام ، وحقيقته العمل ، فإن لم يحقق القول بالعمل لم ينفعه القول".
3- وقال زيد بن أسلم مولى عمر رحمه الله (كتاب الإيمان لابن أبي شيبة:45) : "لا بد لأهل هذا الدين من أربع : دخولٌ في دعوة المسلمين ، ولابد من الإيمان وتصديق بالله وبالمرسلين أولهِم وآخرِهم ، وبالجنة وبالنار ، وبالبعث بعد الموت ، ولابد من أن تعمل عملاً تصدق به إيمانك).
4- قال ميمون بن مهران رحمه الله (تهذيب الكمال:29/217-معلقاً) لأصحابه عن راهب نصراني رآه :"فيكم من بلغ من العبادة ما بلغ هذا الراهب ؟ قالوا : لا. قال : فما ينفعه ذلك ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم. قالوا : لا ينفعه شيء. قال : كذلك لا ينفع قول إلا بعمل".
5- وقال الزهري رحمه الله (الفتاوى لشيخ الإسلام:7/295) :"كنا نقول الإسلام بالإقرار ، والإيمان بالعمل. والإيمان قول وعمل قرينان لا ينفع أحدهما إلا بالآخر". قال شيخ الإسلام بعده:"رواه أبو عمرو الطلمنكي بإسناده المعروف".
6- الأوزاعي ومالك بن أنس وسعيد بن عبد العزيز ، قال الوليد بن مسلم رحمه الله (شرح اعتقاد أهل السنة للالكائي:4/848،عقيدة السلف للصابوني:69) :"سمعت الأوزاعي ومالك بن أنس وسعيد بن عبد العزيز ينكرون قول من يقول : إن الإيمان قول بلا عمل ، ويقولون : لا إيمان إلا بعمل ، ولا عمل إلا بإيمان".(1/47)
7- قال سفيان الثوري رحمه الله في عقيدته (السنة لعبد الله بن أحمد:1/337،الحلية لأبي نعيم:7/32،الإبانة لابن بطة:1/333،شرح اعتقاد أهل السنة للالكائي:1/151):"الإيمان قول وعمل ونية ، يزيد وينقص : يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، ولا يجوز [ أو لا يقبل ] القول إلا بالعمل ، ولا يجوز القول والعمل إلا بالنية ، ولا يجوز القول والعمل والنية إلا بموافقة للسنة".
8- قال الحميدي في كتاب (أصُول السُنَّة- بمسنده:2/546) :"الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، لا ينفع قول إلا بعمل ، ولا عمل وقول إلا بنية ، ولا قول وعمل ونية إلا بسنة".
9 - قال سفيان بن عيينة رحمه الله(السنة لعبد الله بن أحمد:1/346 و الشريعة للآجري:1/271) :"الإيمان قول وعمل. قال : أخذناه ممن قبلنا : قول وعمل ، وأنه لا يكون قول إلا بعمل".
10- قال الإمام أحمد رحمه الله (الإيمان لأبي يعلى:153) :"الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، إذا
عملت الحسن زاد ، وإذا ضيعت نقص ، الإيمان لا يكون إلا بعمل". وأسند الخلال في كتابه (السنة:3/566) إلى الإمام العبارة الأخيرة التي هي موطن الشاهد.
11- وقال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله (كتاب الإيمان:65) :"فلم يجعل الله للإيمان حقيقة إلا بالعمل على هذه الشروط ، والذي يزعم أنه بالقول خاصة يجعله مؤمناً حقاً وإن لم يكن هناك عمل فهو معاند لكتاب الله والسنة".
12- وقال الفضيل بن عياض ومحمد بن مسلم الطائفي رحمهما الله (السنة لعبد الله بن أحمد:1/337) :"لا يصلح قول إلا بعمل".(1/48)
13- وقال أبو طالب المكي رحمه الله (مجموع الفتاوى لابن تيمية:7/334) :"لا إيمان إلا بعمل ، ولا عمل إلا بعقد ، ومَثَلُ ذلك مَثَلُ العمل الظاهر والباطن أحدهما مرتبط بصاحبه من أعمال القلوب وعمل الجوارح. ومثله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنما الأعمال بالنيات( ؛ أي لا عمل إلا بعقد وقصد ، لأن (إنما) تحقيق للشيء ونفي لما سواه ، فأثبت بذلك عمل الجوارح من المعاملات وعمل القلوب من النيات ، فمثل العمل من الإيمان كمثل الشفتين من اللسان لا يصح الكلام إلا بهما ؛ لأن الشفتين تجمع الحروف واللسان يظهر الكلام ، وفي سقوط أحدهما بطلان الكلام وكذلك في سقوط العمل ذهاب الإيمان".
14- قال أبو جعفر الطبري(تهذيب الآثار- مسند ابن عباس:2/685) " ... إذا كان ذلك كذلك ، وكان صحيحاً أنه غيرُ مُستحقٍ غيرُ المُقِر اسمَ مؤمن ، ولا المُقِرُّ غير العارف مستحق ذلك ، كان كذلك غير مستحق ذلك بالإطلاق العارف المُقِر غير العامل ، إذ كان ذلك أحد معاني الإيمان التي بوجود جميعها في الإنسان يستحق اسم مؤمن بالإطلاق".
(ب) تقرير أهل السنة في كتب العقائد من أنه لا يقبل إيمان إلا بعمل :
1- قال المزني تلميذ الشافعي رحمهما الله في كتابه(شرح السنة له:81) :"والإيمان قول وعمل ، وهما سيّان ونظامان وقرينان لا نفرق بينهما ، لا إيمان إلا بعمل ، ولا عمل إلا بإيمان".
2- وقال أبو عمر العدني رحمه الله في كتابه(الإيمان:79) :"باب ملازمة العمل للإيمان" ، ثم ذكر حديث محمد بن علي مرسلاً "الإيمان بالله والعمل قرينان لا يصلح واحد منهما إلا مع صاحبه".
3- قال أبو زيد القيرواني رحمه الله في كتابه(الرسالة:38) :"... وأن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح ، يزيد بزيادة الأعمال وينقص بنقصها ، فيكون فيها النقص وبها الزيادة. ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل ، ولا قول وعمل إلا بنية ، ولا قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة".(1/49)
4- وقال ابن أبي زمنين رحمه الله في كتابه (أصول السنة:207) :"الإيمان بالله هو : باللسان والقلب ، وتصديق ذلك بالعمل ، فالقول والعمل قرينان لا يقوم أحدهما إلا بصاحبه".
5- قال الآجري رحمه الله في كتابه (الأربعين حديثاً:135):"الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق : وهو التصديق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالجوارح ...
لا تجزئ معرفة بالقلب والنطق باللسان حتى يكون معه عمل بالجوارح".
6- وقال ابن بطة العكبري رحمه الله (الإبانة:2/795) :" ( فقد تلوت عليكم من كتاب الله عز وجل ما يدل العقلاء من المؤمنين أن الإيمان قول وعمل ، وأن من صدق بالقول وترك العمل كان مكذباً وخارجاً من الإيمان. وأن الله لا يقبل قولاً إلا بعمل ، ولا عملاً إلا بقول".
(المقدمة الرابعة) :
أن من أدخل العمل في الإيمان ثم زعم أن تارك عمل الجوارح بالكلية باق على إيمانه لأن العمل شرط كمال عنده ، فهو متناقض يلزمه بهذا القول المحدث قول المرجئة وإن ظن في نفسه مخالفتهم ، ولذا فما اشتهر عن بعض أئمة السنة من قولهم : (من قال : إن الإيمان قول وعمل واعتقاد ، وأنه يزيد وينقص ، فقد برئ من الإرجاء كله ، أوله وآخره). لاشك أنها هي مقولة حق ولكن على فهم من أطلقوها ، وهو أنَّ العمل والقول والاعتقاد أركان في حقيقة الإيمان لا يجزئ أحدها عن الآخر ، أما من يرى صحة الإيمان بدون أعمال الجوارح ، فهو وإن وافق السلف في إدخال العمل في الإيمان تعريفاً فقد خالفهم في إخراج العمل عن الإيمان حقيقة ، وهذا تناقض :
ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية (الفتاوى:7/511) "... وكان كل من الطائفتين بعد السلف والجماعة وأهل الحديث متناقضين ، حيث قالوا : الإيمان قول وعمل ، وقالوا مع ذلك : لا يزول بزوال بعض الأعمال !!".(1/50)
ـ وقال رحمه الله (الفتاوى:7/50):"فإن المرجئة لا تنازع في أن الإيمان الذي في القلب يدعو إلى فعل الطاعة ويقتضي ذلك ، والطاعة من ثمراته ونتائجه ، لكنها تنازع هل يستلزم الطاعة ؟".
وما ذكره شيخ الإسلام ينطبق تماماً على من أدخل العمل في مسمى الإيمان ثم نفى أن يكون من لوازمه وجعله من واجباته أو مكملاته فلا يزول بزواله ، ولذلك وجدنا أن اللجنة الدائمة برئاسة سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله حذَّرت من بعض الكتب وأنها تدعو إلى مذهب الإرجاء ، مع تبنيها أن الإيمان قولٌ وعملٌ ، يزيد وينقص ، لأنها جعلت العمل شرطاً كمالياً لا حقيقياً.
(( ولهذا التناقض عند هؤلاء تجدهم يعكسون المسألة حين يعتبرون القائلين بمذهب السلف في هذا الباب المتمثل بزوال الإيمان إذا زال العمل أو بعضه متناقضين ، كما ذكر شيخ الإسلام بعد نقله الآنف بتناقض من بعد السلف حين قال :"حتى إن ابن الخطيب وأمثاله جعلوا الشافعي متناقضاً في ذلك ، فإن الشافعي كان من أئمة السنة ، وله في الرد على المرجئة كلام مشهور ، وقد ذكر في كتاب الطهارة من " الأم " إجماع الصحابة والتابعين وتابعيهم على قول أهل السنة ، فلما صنف ابن الخطيب تصنيفاً فيه ، وهو يقول في الإيمان بقول جهم والصالحي استشكل قول الشافعي ورآه متناقضاً". وإليك بعض نصوص الأئمة الدالة على هذه المقدمة :(1/51)
1- نافع مولى ابن عمر ، ففي (السنة لعبد الله بن أحمد:1/382،الإبانة لابن بطة:2/809،شرح أصول الاعتقاد للالكائي :1/ 953) أسندوا عن معقل بن عبيد الله العبسي أنه ذكر قدوم سالم الأفطس عليهم بالإرجاء ، وأن معقل قدم المدينة فجالس نافع فذكر له بُدُوَّ أمرهم ؛ قال:"قلت : إنهم يقولون : نحن نقر بأن الصلاة فريضة ولا نصلي ، وأن الخمر حرام ونحن نشربها، وأن نكاح الأمهات حرام ونحن نفعل. قال : فنَتَر يده من يدي ثم قال : من فعل هذا فهو كافر". وقد أورده شيخ الإسلام في مقام الرد على غلاة المرجئة(الفتاوى:7/205).
2- قال سفيان بن عيينة رحمه الله(السنة لعبد الله بن أحمد:1/347) : وقد سئل عن الإرجاء فقال : ( يقولون الإيمان قول ، ونحن نقول الإيمان قول وعمل. والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصراً بقلبه على ترك الفرائض ، وسموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم ، وليسوا بسواء لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية ، وترك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر هو كفر).
3- وقال وكيع بن الجراح رحمه الله [الإبانة:2/903،الشريعة:1/310):"المرجئة يقولون : القول يجزئ من العمل ، والجهمية يقولون : المعرفة تجزئ من القول والعمل. وهو كله كفر".
4- وقال الإمام أحمد رحمه الله (السنة للخلال:571) عندما ذكرت عنده المرجئة وقيل له : إنهم يقولون إذا عرف الرجل ربه بقلبه فهو مؤمن فقال : "المرجئة لا تقول هذا بل الجهمية تقول بهذا ، المرجئة تقول : حتى يتكلم بلسانه [ وإن لم ] تعمل جوارحه والجهمية تقول إذا عرف ربه بقلبه وإن لم تعمل جوارحه ، وهذا كفر ، إبليس قد عرف ربه فقال : (رب بما أغويتني(". و انظر المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة ( 1/ 73).(1/52)
5- وقال إسحاق بن راهوية رحمه الله (تعظيم قدر الصلاة:2/929، فتح الباري لابن رجب :1/21): "غلت المرجئة حتى صار من قولهم : إن قوماً يقولون : من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج ، وعامة الفرائض من غير جحود لها: إنَّا لا نكفره ، يرجأ أمره إلى الله بعد، إذ هو مقرٌّ. فهؤلاء الذين لا شك فيهم. يعني: في أنهم مرجئة".
6- قال الآجري رحمه الله في كتابه (الأربعين حديثاً:135-137) :" اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين : أن الإيمان واجب على جميع الخلق : وهو التصديق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالجوارح ... ولا تجزئ معرفة بالقلب والنطق باللسان حتى يكون معه عمل بالجوارح . فإذا كملت الخصال الثلاث كان مؤمناً ... فالأعمال بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان. فمن لم يصدق الإيمان بعمله وبجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد أشباه لهذه ، ورضي لنفسه المعرفة والقول دون العمل لم يكن مؤمناً ولم تنفعه المعرفة والقول ، وكان تركه للعمل تكذيباً منه لإيمانه ، وكان العمل بما ذكرنا تصديقاً منه لإيمانه ، فاعلم ذلك . هذا مذهب العلماء المسلمين قديماً وحديثاً ، فمن قال غير هذا فهو مرجئ خبيث ، احذره على دينك ، والدليل على هذا قول الله عز وجل ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة([ البينة:5]".(1/53)
7 - قال ابن بطة رحمه الله في (الإبانة:2/764) في باب: بيان الإيمان وفرضه وأنه تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح والحركات ، لا يكون العبد مؤمناً إلا بهذه الثلاث : "فكل من ترك شيئاً من الفرائض التي فرضها الله عزوجل في كتابه أو أكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته على سبيل الجحود لها والتكذيب بها فهو كافر بيّن الكفر لا يشك في ذلك عاقل يؤمن بالله واليوم الآخر ، ومن أقر بذلك وقاله بلسانه ثم تركه تهاوناً ومجوناً أو معتقداً لرأي المرجئة ومتبعاً لمذاهبهم فهو تارك الإيمان ليس في قلبه منه قليل ولا كثير ، وهو في جملة المنافقين الذين نافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل القرآن بوصفهم وما أعد لهم ، وأنهم في الدرك الأسفل من النار ، نستجير بالله من مذهب المرجئة الضالة".
وقال أيضاً في (الإبانة:2/779) :"... حتى صار اسم الإيمان مشتملاً على المعاني الثلاثة ، لا ينفصل بعضها من بعض ، ولا ينفع بعضها دون بعض ، حتى صار الإيمان قولاً باللسان وعملاً بالجوارح ومعرفة بالقلب ، خلافاً لقول المرجئة الضالة الذين زاغت قلوبهم وتلاعبت الشياطين بعقولهم".
8- وقال ابن الحنبلي رحمه الله في (الرسالة الواضحة في الرد على الأشاعرة:2/803،808):"وقال عز وجل (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ( [ طه:82] ، فأخبر تعالى أنه لا يغفر إلا لمن يجمع له القول والعمل ، فهو لا ينفع أحدهما دون صاحبه ... وقد قال تعالى (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون( [ الزخرف:72 ] ، وقال أيضاً (أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون([ الأحقاف:14]. فهذه الآيات تدل على أنه لا ينفع أحدهما دون الآخر. فهذه براءةٌ من قول المرجئة ، وما يتشعب من مذاهبهم وأقاويلهم".(1/54)
9- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الاستقامة:2/309) وذكر مقولة السلف [ لا يُقبل قول إلا بعمل ]:"وهذا فيه ردٌ على المرجئة الذين يجعلون مجرد القول كافياً ، فأخبر أنه لابد من قول وعمل ؛ إذ الإيمان قول وعمل ، لا بد من هذين كما بسطناه في غير هذا الموضع ، وبيّنا أن مجرد تصديق القلب ونطق اللسان ، مع البغض لله وشرائعه ، والاستكبار على الله وشرائعه ، لا يكون إيماناً ــ باتفاق المؤمنين ــ حتى يقترن بالتصديق عمل صالح. وأصل العمل عمل القلب ، وهو الحب والتعظيم المنافي للبغض والاستكبار"أ.هـ.
ـ وقال رحمه الله أيضاً(الفتاوى:7/621) :" ومن قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات ، سواء جعل فعل تلك الواجبات لازماً له ، أو جزءًا منه ، فهذا نزاع لفظي ، كان مخطئاً خطأً بينا ، وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها ، وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف ، والصلاة هي أعظمها وأعمّها وأولها وأجلّها".
ـ وقال أيضاً(الفتاوى:7/543 - 547):"ولهذا كان جماهير المرجئة على أن عمل القلب داخل في الإيمان ، كما نقله أهل المقالات عنهم ، منهم الأشعري فإنه قال في كتابه في "المقالات": اختلف المرجئة في الإيمان ما هو؟ وهم اثنتا عشرة فرقة...". فذكرها حتى ذكر الفرقة العاشرة من المرجئة أصحاب أبي معاذ التومني ، فذكر من مذهبهم أنهم قالوا :"وتارك الفرائض مثل الصلاة والصيام والحج على الجحود بها والرد لها والاستخفاف بها كافر بالله ، وإنما كفر للاستخفاف والرد والجحود، وإن تركها غير مستحل لتركها متشاغلاً مسوِّفاً يقول : الساعة أصلي ، وإذا فرغت من لهوى وعملي. فليس بكافر ، وإن كان يصلي يوماً ووقتاً من الأوقات ، ولكن نفسِّقه".(1/55)
10- قال أبو الحسين محمد بن أحمد الملطي الشافعي في كتابه(التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع:57) في باب ذكر المرجئة :"وقد ذكرت المرجئة في كتابنا هذا أولاً وآخراً ، إذ قولها خارج من التعارف والعقل ، ألا ترى أن منهم من يقول : من قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وحرّم ما حرم الله وأحل ما أحل الله ؛ دخل الجنة إذا مات ، وإن زنى وإن سرق وقتل وشرب الخمر وقذف المحصنات ، وترك الصلاة والزكاة والصيام ، إذا كان مقراً بها يسوف التوبة ؛ لم يضره وقوعه على الكبائر وتركه للفرائض وركوبه الفواحش ، وإن فعل ذلك استحلالاً ؛ كان كافراً بالله مشركاً ، وخرج من إيمانه".
11- قال ابن رجب رحمه الله في كتابه(فتح الباري :1/113-114) :"وقد كان طائفة من المرجئة يقولون : الإيمان قول وعمل ــ موافقة لأهل السنة ــ ثم يفسرون العمل بالقول ، ويقولون :
هو عمل اللسان.
12- قال الشيخ ابن باز رحمه الله (مجلة المشكاة المجلد الثاني ، الجزء الثاني/279، 280) رداً على من زعم أن العمل شرط كمال": لا ، لا ، ما هو بشرط كمال ، جزء، جزء من الإيمان . هذا قول المرجئة ، المرجئة يرون الإيمان قول وتصديق فقط".
13- وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (شريط يتضمن أسئلة إدارة الدعوة بقطر)عن مقولة اشتهرت عند القائلين بإسلام تارك أعمال الجوارح حيث قالوا : }لا يكفر المسلم حتى يترك أصل الإيمان القلبي{ ، وأن : }جمهور العلماء وليس المرجئة يقولون بنجاة تارك العمل{. قال الشيخ منكراً هاتين القاعدتين :"هؤلاء يريدون سفك الدماء واستحلال الحرام لماذا صاحب هذا الكتاب ما أصل أصول أهل السنة والجماعة كما أصلها شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية ؟".(1/56)
14- وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله (المنتقى من فتاواه:2/9) عن قول بعض الناس : إن عقيدة أهل السنة والجماعة أن العمل شرط في كمال الإيمان وليس شرطاً في صحة الإيمان فقال الشيخ :"هو قول مرجئة أهل السنة ، وهو خطأ ، والصواب أن الأعمال داخلة في حقيقة الإيمان ، فهو اعتقاد وقول وعمل ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية".
وقال أيضاً في (شرح العقيدة الواسطية:145) :"المرجئة قصروا الإيمان على الإقرار باللسان والتصديق بالجنان ، فالقول الحق : أن الإيمان قول باللسان ، واعتقاد بالقلب ، وعمل بالجوارح. فالأعمال داخلة في حقيقة الإيمان ، وليست بشيء زائد عن الإيمان ، فمن اقتصر على القول باللسان والتصديق بالقلب دون العمل ، فليس من أهل الإيمان الصحيح".
15- وقال الشيخ العلامة محمد أمان الجامي رحمه الله في (شرح الأصول الثلاثة عند قول المصنف :"وهذا هو معنى لا إله إلا الله وفي الحديث (رأس الأمر الإسلام وعاموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله( - الشريط السادس الوجه الثاني) وذكر الشارح تهاون كثير من الناس في الصلاة بدعوى أن الإيمان في القلب فقال:"... الإيمان في القلب ولو صحَّ إيمان القلب لصحَّ إيمان الجوارح وإيمان اللسان. هذا هو الإرجاء المنتشر بين المسلمين ، الإرجاء معناه : تأخير الأعمال عن مسمى الإيمان ، وأن الإيمان التصديق بالقلب فقط أو التصديق والنطق معاً ، هذا هو الإرجاء المنتشر بين المسلمين كثيراً وهم لا يشعرون! الإيمان تصديق بالقلب ، وذلك التصديق يحتاج إلى تصديق ، والذي يصدق ذلك التصديق : النطق باللسان والعمل بالجوارح ، يتكون الإيمان من كل ذلك".(1/57)
16- قال فضيلة الشيخ عبد العزبز الراجحي ــ حفظه الله ــ (شريط أسئلة وأجوبة في الإيمان والكفر/ السؤال الثاني) : لما سئل عمن يقول: (الإيمان قول وعمل واعتقاد لكن العمل شرط كمال فيه) ، ويقول أيضا: (لا كفر إلا باعتقاد) ، فهل هذا القول من أقوال أهل السنة أم لا ؟ قال الشيخ : ليست هذه الأقوال من أقوال أهل السنة أهل السنة يقولون : الإيمان هو قول باللسان وقول بالقلب وعمل بالجوارح وعمل بالقلب ، ومن أقوالهم : الإيمان قول وعمل ؛ ومن أقوالهم : الإيمان قول وعمل ونية ، فالإيمان لا بد أن يكون بهذه الأمور الأربعة : (أ) قول اللسان وهو النطق باللسان. (ب) قول القلب وهو الإقرار والتصديق. (ج) عمل القلب وهو النية والإخلاص. (د)عمل الجوارح . فالعمل جزء من أجزاء الإيمان الأربعة ، فلا يقال : العمل شرط كمال أو أنه لازم له فإن هذه أقوال المرجئة ولا نعلم لأهل السنة قولا بأن العمل شرط كمال. وكذا قول من قال : ( لا كفر إلا باعتقاد ) فهذا قول المرجئة ومن أقوالهم : ( الأعمال والأقوال دليلٌ على ما في القلب من الاعتقاد ) وهذا باطل ، بل نفس القول الكفري كفر ونفس العمل الكفري كفر كما مر في قول الله تعالى (قل أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون*لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم([التوبة:64,65] أي : بهذه المقالة.
17- وقال الشيخ الدكتور عبد الله بن محمد القرني في (مقدمة كتاب التبيان لعلاقة العمل بمسمى الإيمان: ذ):"فمن ظن أن دخول الجنة يمكن أن يكون لمن أقرَّ بالشهادتين ولم يلتزم بأي عمل في الظاهر ــ مع عدم العذر في ذلك ــ فإنه يلزمه إخراج العمل عن مسمى الإيمان ، وموافقة المرجئة في هذا الباب".
وقال أيضاً في كتابه(ضوابط التكفير:52) وهو يبين حقيقة الالتزام المشروط في أصل الدين:"الالتزام بجنس العمل ، وهو إجماع أهل السنة والجماعة ، ومعنى قولهم :(الإيمان قول وعمل) ، أي : أن(1/58)
مجرد الإقرار لا يكفي لثبوت وصف الإسلام وبقائه للمعين دون الالتزام بالعمل ، وهذا هو مناط
النزاع بين أهل السنة والجماعة وبين المرجئة الذين بنوا قولهم على أصول فلسفية نظرية تجريدية ، وانتهوا إلى أن العمل ليس داخلاً في مسمى الإيمان وحقيقته ، كما أنه ليس لازماً له".
18- قال الشيخ الدكتور عبد الله بن إبراهيم الزاحم (مقدمة كتاب التبيان لعلاقة العمل بمسمى الإيمان: ح) :"فإني أود التنبيه على عبارة الحافظ ابن حجر رحمه الله حين أراد التفريق بين قول أهل السنة وقول المعتزلة في تعريف الإيمان وبيان حده ... إذ قد فهم منها بعض الفضلاء أن الأعمال الصالحة كلها شرط كمال عند السلف. وهذا خطأ يقع فيه كثير من طلاب العلم ممن لم يمحص قول السلف في هذا الباب ، فإن هذه العبارة عند السلف يراد بها آحاد الأعمال لا جنسها ، أي : أن كل عمل من الأعمال الصالحة عندهم شرط لكمال الإيمان ، خلافاً للمعتزلة الذين يرون أن كل عمل شرط لصحة الإيمان ، لأن الإيمان عند السلف يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، وليس مرادهم : أن جنس الأعمال شرط لكمال الإيمان ، ولأن هذا يقتضي صحة الإيمان بدون أي عمل ، وهذا لازم قول المرجئة ، وليس قول أهل السنة".
(المقدمة الخامسة) :(1/59)
أن بعض المتعصبة لما ألزم بالمقدمات السابقة سلك طريقة أهل البدع بمحاولة الحيدة حيث ادعى أن العمل المراد في قولهم "الإيمان قول وعمل" ، هو عمل القلب وحده أو عمل اللسان بالقول ، ولا شك أن العمل عند الإطلاق يتضمن عمل القلب وهو النية والإخلاص ونحوه ، كما قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله في كتابه(الإيمان:76) :"فهكذا الإيمان هو درجات ومنازل ، وإن كان سمى أهله اسماً واحداً ، وإنما هو عمل من أعمال تعَبَّد الله به عباده وفرضه على جوارحهم ، وجعل أصله في معرفة القلب ، ثم جعل المنطق شاهداً عليه ، ثم الأعمال مصدقة له ، وإنما أعطى الله كل جارحة عملاً لم يعطه الأخرى ، فعمل القلب الاعتقاد وعمل اللسان القول وعمل اليد التناول وعمل الرجل المشي ، وكلها يجمعها اسم العمل ، فالإيمان على هذا التناول إنما هو كله مبني على العمل من أوله إلى آخره".(1/60)
* وإنما أنكر علماء السنة قول من زعم بأن المراد بالعمل في قول أهل السنة "الإيمان قول وعمل" هو عمل القلب وحده دون عمل الجوارح ليتوصل قائله إلى عدم تكفير تارك أعمال الجوارح ، وعدوا هذا القائل من الأقوال الباطلة الدخيل على مذهب السلف ؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الفتاوى:7/171) :"والمقصود هنا أن من قال من السلف : الإيمان قول وعمل ، أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح". وأشار شيخ الإسلام في بقية كلامه أن بعض الأئمة زاد الاعتقاد فقال : "الإيمان اعتقاد وقول وعمل" احترازاً من إخراج قول القلب عند إطلاق القول أو إخراج عمل الجوارح من إطلاق العمل. ولذا فما يعتقده أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح أن مراد أئمة السلف عند إطلاقهم العمل في مقابل الاعتقاد والقول في قولهم "إن الإيمان اعتقاد وقول وعمل" ، هو عمل الطاعات بالجوارح بلا شك ، قال شيخ الإسلام في (الفتاوى :7/198) :"وذلك لأن أصل الإيمان هو ما في القلب ، والأعمال الظاهرة لازمة لذلك. لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح ، بل متى نقصت الأعمال الظاهرة كان لنقص الإيمان الذي في القلب. فصار الإيمان متناولاً للملزوم واللازم وإن كان أصله ما في القلب ، وحيث عطفت عليه الأعمال ، فإنه أريد أنه لا يكتفى بإيمان القلب ، بل لا بد معه من الأعمال الصالحة ". فهذا نص واحد عن ناقل مذهب السلف من أنهم يعطفون الأعمال على الإيمان لتأكيد شموله لعمل الجوارح.(1/61)
* وقد كانت المحاولة لتنزيل العمل ــ في قول أهل السنة "الإيمان قول وعمل" ــ على غير عمل الجوارح لإخراجه عن حقيقة الإيمان قديمة تمت في عهد الإمام أحمد فتصدى لها رحمه الله ، حيث بوب الخلال رحمه الله في كتابه (السنة:3/570) فقال : "ومن قول المرجئة أن الإيمان قول باللسان وعمل بالجارحة ، فإذا قال فقد عملت جوارحه وهذا أخبث قول لهم". ثم ذكر بسنده الصحيح عن الأثرم رحمه الله قال:"وسمعت أبا عبد الله وقيل له : شبابة أي شيء يقول فيه ؟ فقال : شبابة كان يدعو إلى الإرجاء. قال : وقد حكي عن شبابة قول أخبث من هذه الأقاويل ، ما سمعت [ عن أحد] مثله. قال : قال شبابة : إذا قال فقد عمل. قال : الإيمان قول وعمل كما يقولون ، فإذا قال فقد عمل بجارحته ، أي بلسانه ، فقد عمل بلسانه حين تكلم. ثم قال أبو عبد الله : هذا قول خبيث ماسمعت أحداً يقول به ولا بلغني". ونقله شيخ الإسلام في (الفتاوى:7/255).
ـ قال ابن رجب رحمه الله (فتح الباري :1/113-114) :"وقد كان طائفة من المرجئة يقولون : الإيمان قول وعمل ، موافقة لأهل السنة ، ثم يفسرون العمل بالقول ، ويقولون : هو عمل اللسان. وقد ذكر الإمام أحمد هذا القول عن شبابة بن سوار وأنكره عليه ، وقال : هو أخبث قول ، ما سمعت أن أحداً قال به ولا بلغني . يعني : أنه بدعةٌ ، لم يقله أحد ممن سلف. لعل مراده إنكار تفسير قول أهل السنة "الإيمان قول وعمل" بهذا التفسير فإنه : بدعة ، وفيه عِيٌّ وتكريرٌ ؛ إذ العمل على هذا هو القول بعينه ، ولا يكون مراده إنكار أن القول يسمى عملاً".(1/62)
ـ وقد سئل شيخنا محمد العثيمين رحمه الله(تنبيه الإخوان إلى حقيقة الإيمان والرد على المخالفين ص69) عمن يعرف الإيمان بأنه : الإيمان اعتقاد القلب ، وتلفظ باللسان ، وأصل أعمال القلوب ، فقال رحمه الله وهو غاضب : "أعوذ بالله ، هذا قول المرجئة ، وهو مذهب قديم معروف". وإليك بعض ما يؤيد أن السلف يطلقون الأعمال بمقابل القول أو الاعتقاد ويريدون عمل الجوارح :
1- قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله في كتابه (الإيمان:53-54)في باب نعت الإيمان : "اعلم رحمك الله أن أهل العلم والعناية بالدين افترقوا في هذا الأمر فرقتين : فقالت إحداهما : الإيمان بالإخلاص لله بالقلوب وشهادة الألسنة وعمل الجوارح. وقالت الفرقة الأخرى : بل الإيمان بالقلوب والألسنة ، فأما الأعمال فإنما هي تقوى وبرٌّ ، وليست من الإيمان . وإنا نظرنا في اختلاف الطائفتين ، فوجدنا الكتاب والسنة يصدقان الطائفة التي جعلت الإيمان : بالنية والقول والعمل ، جميعاً ، وينفيان ما قالت الأخرى " . ففسر أبو عبيد العمل بأنه عمل الجوارح ، وأن الاعتقاد هو النية والإخلاص.
وتقدم قريباً قوله أيضاً (ص76) :"فهكذا الإيمان هو درجات ومنازل ، وإن كان سمى أهله اسماً واحداً ، وإنما هو عمل من أعمال تعَبَّد الله به عباده وفرضه على جوارحهم ، وجعل أصله في معرفة القلب ، ثم جعل المنطق شاهداً عليه ، ثم الأعمال مصدقة له ".
2- قال أبو ثور الكلبي رحمه الله (شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي:1/172) في جوابه لمن سأله عن الإيمان واختلاف الناس فيه، "إنه التصديق بالقلب والإقرار باللسان وعمل الجوارح".(1/63)
وقال أيضاً (شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي:4/850):"فأما الطائفة التي زعمت أن العمل ليس من الإيمان ، فيقال لهم: ما أراد الله عز وجل من العباد إذ قال لهم (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة(؟ الإقرار بذلك ؟ أو الإقرار والعمل ؟ فإن قالت: إن الله أراد الإقرار ولم يرد العمل ، فقد كفرت عند أهل العلم ــ من قال : إن الله لم يرد من العباد أن يصلوا ولا يؤتوا الزكاة ــ. فإن قالت: أراد منهم الإقرار والعمل. قيل: فإذا أراد منهم الأمرين جميعاً، لم زعمتم أنه يكون مؤمناً بأحدهما دون الآخر، وقد أرادهما جميعاً؟ أرأيتم لو أن رجلاً قال : أعمل جميع ما أمر الله ولا أقر به ، أيكون مؤمناً؟ فإن قالوا: لا. قيل لهم : فإن قال : أقر بجميع ما أمر الله به ولا أعمل منه شيئاً ، أيكون مؤمناً ؟ فإن قالوا : نعم. قيل لهم : ما الفرق ، وقد زعمتم أن الله عز وجل أراد الأمرين جميعاً؟ فإن جاز أن يكون بأحدهما مؤمناً إذا ترك الآخر ، جاز أن يكون بالآخر إذا عمل ولم يقر مؤمناً ، لا فرق بين ذلك". ففرق أبو ثور بين الإقرار الذي هو قول اللسان وتصديق القلب وبين عمل الجوارح الذي مثل له بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
3- قال الإمام أحمد رحمه الله (السنة للخلال:3/601) وسئل عن قوله في كلمة (مؤمن إن شاء الله) فقال:"أقول : مؤمن إن شاء الله ، ومؤمن أرجو ، لأنه لا يدري كيف أداوءه للأعمال على ما افترض عليه أم لا".
وقال أيضاً(3/581) :"جئنا بالقول والمعرفة وبقي العمل".
4- قال أبو حاتم الرازي(شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي:1/181،طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى:1/286) :"الإيمان : قول وعمل : إقرار باللسان ، وتصديق بالقلب ، وعمل بالأركان ، مثل : الصلاة ، والزكاة لمن كان له مال ، والحج لمن استطاع إليه سبيلاً ، وصوم شهر رمضان ، وجميع فرائض الله التي فرض على عباده : العمل به من الإيمان".(1/64)
5- وقال القاضي عياض رحمه الله (السنة لعبد الله بن أحمد:1/375) :"فقد سمى الله عزوجل ديناً قيمة القول والعمل ، فالقول : الإقرار بالتوحيد والشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالبلاغ ، والعمل أداء الفرائض واجتناب المحارم".
6- قال أبو جعفر الطبري(تهذيب الآثار- مسند ابن عباس:2/685) :"أن اسم الإيمان المطلق ، إنما هو للمعرفة بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح ، دون بعض ذلك ... وكان تصديق القلب العزم والإذعان ، وتصديق اللسان الإقرار ، وتصديق الجوارح السَّعي والعمل ؛ كان المعنى الذي به يستحق العبد المدحَ والولاية من المؤمنين ، هو إتيانه بهذه المعاني الثلاثة".
7- وقال ابن عبد البر رحمه الله (التمهيد:9/243):"وأما سائر الفقهاء من أهل الرأي والآثار بالحجاز والعراق والشام ومصر ... فقالوا : الإيمان قول وعمل : قول اللسان وهو الإقرار ، [و] اعتقاد بالقلب. وعمل بالجوارح ، مع الإخلاص بالنية الصادقة".
8- وقال أبو زيد القيرواني رحمه الله في (عقيدته:38) :" ... وأن الإيمان قول باللسان ، وإخلاص بالقلب ، وعمل بالجوارح".
9- قال أبو عمرو الدّاني رحمه الله في(الرسالة الوافية:81) :"ومن قول الفقهاء والمحدثين : أن الإيمان قول ، وعمل ، ونية ، وإصابة السنة. القول : الشهادة لله سبحانه وتعالى بما تقدم وصفنا له ، والإقرار بملائكته وكتبه ورسله وجميع ما جاء به من عنده. والعمل : أداء الفرائض التي فرضها ، واجتناب المحارم التي حرمها. والنية : أعمال القلوب واعتقاداتها. والسنة : معرفة الديانة بالعلم".
10- وقال الآجري رحمه الله في (الشريعة:1/274) : باب القول بأن الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح ، لا يكون مؤمناً إلا أن تجتمع فيه هذه الخصال الثلاث".(1/65)
وقال أيضاً (الشريعة:1/275) :" فالأعمال - رحمكم الله- بالجوارح : تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان ، فمن لم يصدق الإيمان بعمله و بجوارحه ، مثل : الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه ، ورضي من نفسه بالمعرفة والقول : لم يكن مؤمناً ، ولم ينفعه المعرفة والقول ، وكان تركه للعمل تكذيباً منه لإيمانه ، وكان العمل بما ذكرناه تصديقاً منه لإيمانه ، وبالله التوفيق ".
وقال أيضاً (الشريعة:1/311) :"بل نقول - والحمد لله - قولاً يوافق الكتاب والسنة وعلماء المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم ، وقد تقدم ذكرنا لهم : إن الإيمان معرفة بالقلب تصديقا يقيناً ، وقول باللسان ، وعمل بالجوارح ، لا يكون مؤمناً إلا بهذه الثلاثة ، لا يجزئ بعضها عن بعض ، والحمد لله على ذلك " انتهى .
وقال أيضا في كتابه (الأربعين حديثاً:137):"... وأما الإيمان بما فُرض على الجوارح تصديقاً لما آمن به القلب ، ونطق به اللسان ، فقوله عز وجل : (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون(، وقال عز وجل(وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة(، وفي غير موضع من القرآن ، ومثله فرض الصيام على جميع البدن ، ومثله فرض الحج وفرض الجهاد على البدن بجميع الجوارح ، فالأعمال بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان. فمن لم يصدق الإيمان بعمله وبجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد أشباه لهذه ، ورضي لنفسه المعرفة والقول دون العمل لم يكن مؤمناً".(1/66)
11- وقال ابن بطة العكبري رحمه الله في (الإبانة 2/760) : (باب بيان الإيمان وفرضه وأنه : تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح والحركات لا يكون العبد مؤمناً إلا بهذه الثلاث.قال الشيخ : اعلموا رحمكم الله أن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه فرض على القلب المعرفة به والتصديق له ولرسله ولكتبه وبكل ما جاءت به السنة ، وعلى الألسن النطق بذلك والإقرار به قولاً ، وعلى الأبدان والجوارح العمل بكل ما أمر به وفرضه من الأعمال ، لا تجزئ واحدة من هذه إلا بصاحبتها. ولا يكون العبد مؤمناً إلا بأن يجمعها كلها حتى يكون مؤمناً بقلبه ، مقراً بلسانه ، عاملاً مجتهداً بجوارحه .ثم لا يكون أيضا مع ذلك مؤمناً حتى يكون موافقاً للسنة في كل ما يقوله ويعمله ، متبعاً للكتاب والعلم في جميع أقواله وأعماله. وبكل ما شرحته لكم نزل به القرآن ومضت به السنة ، وأجمع عليه علماء الأمة ).
وقال أيضا (2/ 779) :"واعلموا رحمكم الله أن الله عز وجل لم يثن على المؤمنين ولم يصف ما أعد لهم من النعيم المقيم والنجاة من العذاب الأليم ، ولم يخبرهم برضاه عنهم إلا بالعمل الصالح والسعي الرابح. وقرن القول بالعمل ، والنية بالإخلاص ، حتى صار اسم الإيمان مشتملاً على المعاني الثلاثة لا ينفصل بعضها عن بعض ، ولا ينفع بعضها دون بعض ، حتى صار الإيمان قولاً باللسان ، وعملاً بالجوارح ، ومعرفة بالقلب ، خلافاً لقول المرجئة الضالة الذين زاغت قلوبهم وتلاعبت الشياطين بعقولهم .
12- وقال أبو القاسم اللالكائي رحمه الله في(شرح أصول اعتقاد أهل السنة:4/830) :" سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن الإيمان تلفظ باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح ... والدلالة على أنه عمل : قال الله عزوجل (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة([ البينة:5]".(1/67)
13- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (شرح العمدة:2/86) : "الإيمان عند أهل السنة و الجماعة : قولٌ و عملٌ كما دل عليه الكتاب و السنة و أجمع عليه السلف ، و على ما هو مقرر في موضعه. فالقول : تصديق الرسول ، و العمل : تصديق القول. فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمناً. والقول الذي يصير به مؤمناً قول مخصوص ، وهو الشهادتان فكذلك العمل هو الصلاة".
14- قال ابن القيم رحمه الله في(الفوائد:283): "الإيمان له ظاهر وباطن ، وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح ، وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته ، فلا ينفع ظاهر لا باطن له ، وإن حقن به الدماء وعصم به المال والذرية . ولا يجزىء باطن لا ظاهر له إلا إذا تعذّر بعجز أو إكراه وخوف هلاك. فتخلف العمل ظاهراً مع عدم المانع دليل على فساد الباطن وخلوه من الإيمان".
وقال أيضا (الفوائد:204) :"فكل إسلام ظاهر لا ينفذُ صاحبُه منه إلى حقيقة الإيمان الباطنة ، فليس بنافع حتى يكون معه شيء من الإيمان الباطن. وكل حقيقة باطنة لا يقوم صاحبُها بشرائع الإسلام الظاهرة لا تنفع ولو كانت ما كانت ، فلو تمزق القلب بالمحبة والخوف ولم يتعبد بالأمر وظاهر الشرع لم يُنْجه ذلك من النار ، كما أنه لو قام بظواهر الإسلام وليس في باطنه حقيقة الإيمان لم يُنْجه من النار".
15- قال عبد الباقي المواهبي الحنبلي رحمه الله في كتابه(العين والأثر في عقائد أهل الأثر:40) :"والإيمان : عَقدٌ بالجَنَان ، وقول باللسان ، وعَمَلٌ بالأركان ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، ويزيد بالعلم ، ويضعف بالجهل والغفلة والنسيان".(1/68)
16- وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله(الدرر السنية:2/124) :"لا خلاف بين الأمة أن التوحيد لا بد أن يكون : بالقلب الذي هو العلم ، واللسان الذي هو القول ، والعمل الذي هو تنفيذ الأوامر والنواهي. ، فإن أخل بشيء من هذا ، لم يكن الرجل مسلماً. فإن أقر بالتوحيد ولم يعمل به ؛ فهو : كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما".
وقال أيضاً (الدرر السنية:1/187) راداً على من قرر "أن الإيمان محله القلب وأن التقوى وثمرته ومركبه عليه" :"قولك إن الإيمان محله القلب ؛ فالإيمان بإجماع السلف محله القلب والجوارح جميعاً ، كما ذكر الله في سورة الأنفال وغيرها".
17- وقال صديق حسن خان رحمه الله في (قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر:85) : "والإيمان : قول القلب واللسان. وعمل القلب واللسان والجوارح ، مطابقاً للكتاب والسنة والنية ، لقوله صلى الله عليه وسلم:}إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئٍ ما نوى{".
18- وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز(مجموع فتاوى ومقالات:5/35) :"ومعلوم أن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. ولأهل السنة عبارة أخرى في هذا الباب ، وهي أن الإيمان : قول وعمل واعتقاد ، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي ، وكلتا العبارتين صحيحة ، فهو قول وعمل ، يعني : قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح. وهو قول وعمل واعتقاد : قول باللسان وعمل بالجوارح واعتقاد بالقلب ، فالجهاد في سبيل الله والصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر الأعمال المشروعة كلها أعمال خيرية ، وهي من شعب الإيمان التي يزيد بها الإيمان وينقص بنقصها عند أهل السنة والجماعة ".
19- قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في كتابه المسمى(شرح لمعة الاعتقاد:57) :"الإيمان لغة : التصديق. واصطلاحاً : قول باللسان ، وعمل بالأركان ، وعقد بالجَنَان".(1/69)
وقال أيضاً في (شرح العقيدة الواسطية:574) تعليقاً على قول شيخ الإسلام(الإيمان قول وعمل ، قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح( :"... وأما عمل الجوارح ، فواضح : ركوع وسجود وقيام وقعود ، فيكون عمل الجوارح إيماناً شرعاً ؛ لأن الحامل لهذا العمل هو الإيمان.
20- وقال الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله في (شرح العقيدة الواسطية:145) :"فالقول الحق : أن الإيمان قول باللسان ، واعتقاد بالقلب ، وعمل بالجوارح. فالأعمال داخلة في حقيقة الإيمان وليست بشيء زائد عن الإيمان ، فمن اقتصر على القول باللسان والتصديق بالقلب دون العمل ، فليس من أهل الإيمان الصحيح. فالإيمان ــ كما قال العلماء ــ : قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح ، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان".
* ثم اعلم أنه مع حيدة هؤلاء القائلين بأن المراد بالعمل عمل القلب ، فإنه يلزمهم أن يدخلوا عمل الجوارح كذلك ولا شك ، كما قال شيخ الإسلام(الفتاوى:7/194): "إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان لزمهم قول جهم ، وإن أدخلوها في الإيمان لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضاً، فإنها لازمة لها". قلت : فإن أبوا إلا التناقض فأدخلوا أعمال القلوب دون أعمال الجوارح لأنها ليست من حقيقة الإيمان عندهم لزمهم قول جهم أيضاً بإخراج عمل القلب الذي زعموا دخوله ، لاستحالة وجود عمل القلب مع انتفاء عمل الجوارح ، كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى:7/611) حين قال:"ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه ؛ بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجده ولا يصوم من رمضان ولا يؤدي لله زكاة ولا يحج إلى بيته ، فهذا ممتنع ، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقته لا مع إيمان صحيح". وقول ابن القيم قريباً :" فتخلف العمل ظاهراً مع عدم المانع دليل على فساد الباطن وخلوه من الإيمان".
(المقدمة السادسة) :(1/70)
أن المتقرر عند علماء أهل السنة هو تكفير من ترك أعمال الجوارح التي أمر الله بها في كتابه أو رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته كلياً خاصة الفرائض كما هو مقرر في كتب أهل العلم ، ذكروا هذا من ثلاثة أوجه :
(الوجه الأول) : نص بعض أئمة السنة المعتمد على تقريرهم على كفر تارك الفرائض ، وأن القول بإيمان تاركها إذا كان مقراً هو قول المرجئة ، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله (فتح الباري:1/21) عند ذكر تكفير تارك الصلاة قال :"وحكاه إسحاق بن راهوية إجماعاً منهم ، حتى إنه جعل قول من قال : لا يكفر بترك هذه الأركان أنها من أقوال المرجئة"أ.هـ ، وانظر (تعظيم قدر الصلاة:2/929). وسأقتصر على نص أربعة من أئمة السنة دون غيرهم ممن بعدهم لتقدم الكثير من ذلك عنهم :
1- الحميدي رحمه الله : روى الخلال(السنة3/:586) ، واللالكائي(شرح أصول الاعتقاد للالكائي:5/887) بإسنادين عن حنبل بن إسحاق أنه قال : أخبرنا الحميدي ، قال :"أُخبرتُ أن ناساً يقولون : من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت ، أو يصلي مستدبر القبلة حتى يموت ، فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك في إيمانه ، إذا كان يقر بالفرائض واستقبال القبلة. فقلت: هذا الكفر الصراح ...
2- ... قال حنبل: سمعت أبا عبدالله ــ يعني أحمد بن حنبل ــ يقول : من قال هذا فقد كفر بالله ، ورد على الله أمره وعلى الرسول ما جاء به". ونقله شيخ الإسلام في (الفتاوى:7/209) عنه محتجاً به.(1/71)
3- سفيان بن عيينة رحمه الله : روى عبد الله بن أحمد(السنة :1/347) قال : وقد سئل عن الإرجاء فقال : ( يقولون الإيمان قول ، ونحن نقول الإيمان قول وعمل. والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصراً بقلبه على ترك الفرائض ، وسموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم ، وليسوا بسواء لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية ، وترك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر هو كفر). قلت : رواه عبد الله عن سويد بن سعيد الحدثاني ، وقد ضعفه المحدثون بسبب أنه كان قد عمي فصار يتلقن ، لكن رواية عبد الله عنه قوية لأن الإمام أحمد كان ينتقي عليه لولديه صالح وعبد الله (تاريخ بغداد:9/231،تهذيب الكمال:12/250) ، مع أن الذي طعن في سويد من أجله هي الأحاديث المسندة التي تكثر فيدخل أسانيد بعضها في بعض ، أما ما ذكره هنا فهو نقل عن شيخه قال فيه:"سألنا سفيان ين عيينة عن الإرجاء) فمثل هذا لا يرده أحد لبعد الوهم فيه ، خاصة أن عبد الله بن أحمد نقله عنه على سبيل الاحتجاج بالمعنى والموافقة عليه.
4 - إسحاق بن راهوية رحمه الله(تعظيم قدر الصلاة:2/929 ، فتح الباري :1/21) قال:"غلت المرجئة حتى صار من قولهم : إن قوماً يقولون : من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج ، وعامة الفرائض من غير جحود لها: إنَّا لا نكفره ، يرجأ أمره إلى الله بعد، إذ هو مقرٌّ. فهؤلاء الذين لا شك فيهم. يعني: في أنهم مرجئة". قال ابن رجب :"وظاهر هذا أنه يكفر بترك هذه الفرائض".(1/72)
(الوجه الثاني) : أن ترك أعمال الجوارح التي أمر الله بها في شريعته هو من الإعراض والتولي عن طاعة الله وهو قرين للتكذيب في القرآن قال تعالى في كتابه الحكيم : (قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ( [ آل عمران :32] ، وقال تعالى : (فلا صدق ولا صلى ولكن كذَّب وتولى( [ القيامة:31-32] ، ويقول تعالى : (لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى( [ الليل:15-16] ، وإليك ما يدل على ذلك من نصوصهم :
ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(الفتاوى:7/142) وذكر هذه الآيات :"فعلم أن التولي ليس هو التكذيب ، بل هو التولي عن الطاعة ، فإن الناس عليهم أن يصدقوا الرسول فيما أخبر ويطيعوه فيما أمر ، وضد التصديق التكذيب ، وضد الطاعة التولي ، فلهذا قال : (فلا صدق ولا صلى ولكن كذَّب وتولى( [ القيامة:31-32] ، وقد قال تعالى : (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين( [ النور:47] ، فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل ، وإن كان قد أتى بالقول ... ففي القرآن والسنة من نفي الإيمان عمن لم يأت بالعمل مواضع كثيرة ، كما نفى فيها الإيمان عن المنافق".
ـ ويقول رحمه الله(الفتاوى:7/221) :"والقرآن يبين أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه ، كقوله تعالى : (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين*وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون *وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين( إلى قوله : (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون( [ النور:47-51]، فنفى الإيمان عمن تولى عن طاعة الرسول ، وأخبر أن المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم سمعوا وأطاعوا ؛ فبين أن هذا من لوازم الإيمان".(1/73)
ـ ويقول رحمه الله(الفتاوى:7/611،613) أيضاً:"ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه ؛ بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله ، ولا يصوم من رمضان ، ولا يؤدي لله زكاة ، ولا يحج إلى بيته ، فهذا ممتنع ، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقته لا مع إيمان صحيح ، ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع عن السجود الكفار ... وأما الذين لم يكفروا بترك الصلاة ونحوها ، فليست لهم حجة إلا وهي متناولة للجاحد كتناولها للتارك ، فما كان جوابهم عن الجاحد كان جوباً لهم عن التارك ، مع أن النصوص عَلَّقت الكفر بالتولي كما تقدم ، وهذا مثل استدلالهم بالعمومات التي يحتج بها المرجئة ، كقوله (من شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ... أدخله الله الجنة( ، ونحو ذلك من النصوص".
ـ وقال رحمه الله(الفتاوى:7/287) :"لو قدر أن قوماً قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم : نحن نؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك ، ونقر بألسنتنا بالشهادتين , إلا أنا لا نطيعك في شيء مما أمرت به ونهيت عنه ...كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه يقول لهم : أنتم أكفر الناس بما جئت به , ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك".
2- ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله(مجموعة التوحيد:271) في رسالته نواقض الإسلام الإعراض ضمن هذه النواقض وقال:"العاشرة : الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلمه ولا يعمل به ، والدليل قوله تعالى : (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون( [ السجدة:22].
_ وكذلك تقدم قول الشيخ رحمه الله في كتابه(كشف الشبهات:126) حين قال:" لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل ، فإن اختل شيءٌ من هذا لم يكن الرجل مسلماً". فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما".(1/74)
3- وعلق سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله(شرح كشف الشبهات:126) على كلام جده حاكياً الإجماع:"بل إجماع بين أهل العلم (أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل) ، فلا بد من الثلاثة ، لابد أن يكون هو المعتقد في قلبه ، ولابد أن يكون هو الذي ينطق به لسانه ، ولابد أن يكون هو الذي تعمل به جوارحه ، (فإن اختل شيء من هذا) لو وحد بلسانه دون قلبه ما نفعه توحيده ، ولو وحد بقلبه وأركانه دون لسانه ما نفعه ذلك".
4- وعلق شيخنا محمد الصالح العثيمين رحمه الله (فتاوى العقيدة:7/100)على كلام الشيخ كذلك قائلاً :"لقوله صلى الله عليه وسلم:" (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب) ، فإذا وحد الله كما زعم بقلبه ولكنه لم يوحده بقوله أو فعله ؛ فإنه من جنس فرعون الذي كان مستيقناً بالحق عالماً ، لكنه أصر وعاند وبقي على ما كان عليه من دعوى الربوبية"أ.هـ.
5- وقال الشوكاني(الرسائل السلفية - إرشاد السائل إلى دليل المسائل:43) ــ وسئل عمن في البادية من الأعراب لا يفعلون شيئاً من الشرعيات إلا مجرد التكلم بالشهادة ــ :"وأقول من كان تاركاً لأركان الإٍسلام وجميع فرائضه ، ورافضاً لما يجب عليه من ذلك من الأقوال والأفعال ، ولم يكن لديه إلا مجرد التكلم بالشهادتين ، فلا شك ولا ريب أن هذا كافرٌ شديد الكفر حلال الدم".
6- قال الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله في كتاب(المنتقى من الفتاوى:1/9):"إذا لم يعمل بمقتضى لا إله إلا الله ، واكتفى بمجرد النطق بها ، أو عمل بخلافها ، فإنه يحكم بردته ويعامل معاملة المرتدين".(1/75)
7- قال الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله في (شرح الطحاوية/موقع الشيخ الرسمي __ السؤال السابع عشر) وذكر نصوصاً:"فهذه النصوص التي فيها أن من نطق بالشهادتين فهو مؤمن مقيدة بهذه القيود التي لا يمكن معها ترك العمل فلا بد أن يكفر بما يعبد من دون الله ، ومن لم يعمل فإنه معرض عن دين الله ، وهذا نوع من أنواع الردة ، فمن لم يعمل مطلقاً وأعرض عن الدين لا يتعلمه ولا يعبد الله فهذا من نواقض الإسلام ، قال تعالى: (والذين كفروا عما أنذروا معرضون( [ الأحقاف:3].
(الوجه الثالث) : أن علماء التوحيد نصوا على أنه لا يكفي في إيمان المرء أن ينطق بشهادة أن لا إله إلا الله التي هي أعظم كلمة وجاءت النصوص بأن من قالها دخل الجنة ؛ لأن لها شروطاً لا بد أن توجد مع النطق ، ومن هذه الشروط بعد القبول لها الانقياد لهذه الكلمة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(الصارم المسلول:3/969) :"فإذا قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، فهذه الشهادة تتضمن تصديق خبره والانقياد لأمره ، فإذا قال : وأشهد أن محمداً رسول الله ، تضمنت تصديق الرسول فيما جاء به من عند الله فبمجموع هاتين الشهادتين يتم الإقرار ، فلما كان التصديق لا بدمنه في كلا الشهادتين ــ وهو الذي يتلقى الرسالة بالقبول ــ ظن من ظن أنه أصلٌ لجميع الإيمان ، وغفل عن أنَّ الأصل الآخر لابد منه وهو الانقياد ، وإلاَّ فقد يصدّق الرسول ظاهراً وباطناً ثم يمتنع من الانقياد للأمر ، إذ غايته في تصديق الرسول أن يكون بمنزلة من سمع الرسالة من الله سبحانه وتعالى كإبليس...". وإليك بعض الأقوال في اشتراط ذلك :(1/76)
1- قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (مجموع فتاوى سماحة الشيخ ـــ جمع الطيار:1/224،مجلة الدعوة /العدد 1018) حين سئل عن شروط لا إله إلا الله ، وهل يكفي التلفظ بها فقط دون فهم معناها وما يترتب عليها :" لا إله إلا الله أفضل الكلام ، وهي أصل الدين وأساس الملة ، وهي التي بدأ بها الرسل عليهم الصلاة والسلام أقوامهم . فأول شيء بدأ به الرسول قومه أن قال قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا ، قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ( [ الأنبياء:25] ، وكل رسول يقول لقومه (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ( ، فهي أساس الدين والملة ولا بد أن يعرف قائلها معناها ، فهي تعني أنه لا معبود بحق إلا الله . ولها شروط [وهي : العلم بمعناها] ، واليقين اليقين وعدم الشك بصحتها ، والإخلاص لله في ذلك وحده ، والصدق بقلبه ولسانه ، والمحبة لما دلت عليه من الإخلاص لله ، وقبول ذلك ، والانقياد له ، وتوحيده ، ونبذ الشرك به ، مع البراءة من عبادة غيره ، واعتقاد بطلانها. وكل هذا من شرائط قول لا إله إلا الله وصحة معناها . يقولها المؤمن والمؤمنة مع البراءة من عبادة غير الله ، ومع الانقياد للحق وقبوله والمحبة لله ، وتوحيده ، والإخلاص له ، وعدم الشك في معناها. فإن بعض الناس يقولها وليس مؤمنا بها كالمنافقين الذين يقولونها وعندهم شك أو تكذيب فلا بد من علم ويقين وصدق وإخلاص ومحبة وانقياد وقبول وبراءة ، وقد جمع بعضهم شروطها في بيتين فقال :
علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة وانقياد والقبول لها
وزيد ثامنها الكفران منك بما سوى الإله من الأشياء قد ألها
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه".(1/77)
وشرح الشيخ رحمه الله(المرجع السابق:1/232) في موطن آخر معنى شرط القبول لكلمة التوحيد فقال:"... السادس : الانقياد لما دلت عليه من المعنى ، ومعناها أن يعبد الله وحده وينقاد لشريعته ، ويؤمن بها ، ويعتقد أنها الحق ، فإن قالها ولم يعبد الله وحده ، ولم ينقد لشريعته ، بل استكبر عن ذلك ، فإنه لا يكون مسلماً كإبليس وأمثاله. السابع : القبول لما دلت عليه ، ومعناه : أن يقبل ما دلّت عليه من إخلاص العبادة لله وحده ، وترك عبادة ما سواه ، وأن يلتزم بذلك ويرضى به".(1/78)
2- قال فضيلة الشيخ عبيد الجابري حفظه الله في شرح (شروط لا إله إلا الله ــ الشريط الثالث/عندحديث عتبان (إن الله حرم على النار من قال : لا إله إلا الله) قال: "كما يفيد أحكاماً أخرى منها : تحريم أهل التوحيد الخالص على النار. واعلم أن التحريم في هذا الحديث وما في معناه ليس على إطلاقه بل مقيد. قال الشيخ سليمان بن عبد الله في شرحه على هذا الحديث بعد نقله كلاماً مطولاً لشيخ الإسلام ابن تيمية : "وحاصله أن لا إله إلا الله سبب لدخول الجنة والنجاة من النار ومقتضياً لذلك ولكن المقتضى لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه أو لوجود مانع ، ولهذا قيل للحسن إن ناساً يقولون : (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) ، فقال من قال : لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة. وقال وهب بن منبة : لمن سأله : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : " بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح". ويدل على ذلك أن الله رتب دخول الجنة على الإيمان والأعمال الصالحة وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن أبي أيوب ، أن رجلاً قال : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة فقال : ( تعبد الله ولا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم). وفي المسند عن بشر بن الخصاصية قال : (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه ، فاشترط عليّ شهادة لا إله إلا الله و أن محمداً عبد الله ورسوله ، وأن أقيم الصلاة ، وأن آتي الزكاة ، وأن أحج حجة الإسلام ، وأن أصوم رمضان ، وأن أجاهد في سبيل الله ، فقلت : يا رسول الله أما اثنتين ، فو الله ما أطيقهما الجهاد والصدقة ، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حركها وقال: فلا جهاد ولا صدقة ، فبم تدخل الجنة إذاً ؟ قلت : يا رسول الله أبايعك عليهن كلهن) ، ففي الحديث أن الجهاد والصدقة(1/79)
شرط في دخول الجنة مع حصول التوحيد ، والصلاة ، والحج ، والصيام ، والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، وفيه تحريم النار على أهل التوحيد الكامل ، وفيه أن العمل لا ينفع إلا إذا كان خالصاً لله تعالى. قلت (القائل الشيخ عبيد) : وهذا الذي ذكره الشيخ يتحتم المصير إليه جمعاً بين النصوص"أ.هـ.
3- قال فضيلة الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله في (شرح الطحاوية/موقع الشيخ _ السؤال السابع عشر) لما سئل عن حكم عن ترك العمل الظاهر:" لا بد من العمل كما سبق ؛ لأن من أقر بالشهادتين فلا بد أن يعمل ؛ لأن النصوص التي فيها الأمر بالنطق بالشهادتين وأن من نطق بالشهادتين فهو مؤمن مقيّدة بقيود لا يمكن معها ترك العمل ، وقد ثبت في الحديث الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:( من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة) وقوله : (خالصاً من قلبه( هذا ينفي الشرك؛ لأن الإخلاص ينافي الشرك ، ومن ترك العمل فهو مشرك ؛ لأنه عابدٌ للشيطان ؛ ولأنه معرض عن دين الله ، ومن أعرض عن دين الله كفَر. وكذلك جاء في الأحاديث:( من قال لا إله إلا الله مخلصاً) وفي بعضها: (صادقاً من قلبه) ، وفي بعضها: (مستيقناً بها قلبه) ، وفي بعضها: (وكفر بما يعبد من دون الله) ، فهذه النصوص التي فيها أن من نطق بالشهادتين فهو مؤمن مقيدة بهذه القيود التي لا يمكن معها ترك العمل فلا بد أن يكفر بما يعبد من دون الله ، ومن لم يعمل فإنه معرض عن دين الله، وهذا نوع من أنواع الردة، فمن لم يعمل مطلقا وأعرض عن الدين لا يتعلمه ولا يعبد الله فهذا من نواقض الإسلام قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ( ، فلا بد أن يعمل فإذا قال: لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه وقالها عن إخلاص وفي بعضها: وهو غير شاك فلا بد أن يعمل ، ولا يمكن أن يتكلم بكلمة التوحيد عن صدق وإخلاص ولا يصلي أبداً وهو قادر ؛ لأنه إذا ترك الصلاة دل على عدم إخلاصه ودل على عدم(1/80)
صدقه ودل على أن قلبه ليس مستيقنا بها، ولو كان قلبه مستيقنا بها، وكان عنده يقين وإخلاص وصدق لا بد أن يعمل فإن لم يعمل دل على عدم إيمانه وعدم يقينه وعدم إخلاصه وعدم صدقه، ودل على ريبه وشكه ، وهذا واضح من النصوص".
(المقدمة السابعة) :
أنه يجب الاعتقاد بأن العصمة للأنبياء المؤيدين بالوحي ، وأما العلماء فمهما بلغوا في العلم والتقوى والإمامة فتقع منهم الزلات والأخطاء بل ربما وقع بعض الأكابر منهم في بعض البدع من حيث يرونها سنة وقربة إلى الله : ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الفتاوى:35/69) :"فأما الصديقون والشهداء والصالحون فليسوا بمعصومين ".
ـ وقال (الفتاوى:19/191) :" وكثيرٌ من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ، ولم يعلموا أنه بدعة ، إمَّا لأحاديث ضعيفة ظنُّوها صحيحة ، وإمَّا لآيات فهموا منها ما لم يُرَد منها ، وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم ".
* ولذا فمن أخطر ما يؤثر على دين الناس وعقائدهم زلاتُ العلماء ؛ لأنَّ العالم في محل القدوة والثقة عندهم ، فإذا زلَّ تبعه فئامٌ من الناسُ في زلته دون بصيرة. ومن ثم يظهر الاختلاف والشقاق بسبب هذه الزلات ، وربما كان ذلك بين من كانوا على طريق واحد ؛ لأنه من المعلوم أنَّ زلات العلماء تصير فتنة لطائفتين : طائفة تتعصب للعالم فتعظمه وتصوبه من باب الدفاع عنه حتى ربما جعلت نسبة الخطأ له قدحاً في الشريعة ، وطائفة ظالمة لا تكتفي ببيان زلته بل تذمه وتتخذ هذه الزلة للحط من قدره وربما صاحب ذلك انتصار للنفس بالباطل :(1/81)
ـ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (منهاج السنة: 4/543-544) :"ومما يتعلق بهذا الباب أن يعلم أن الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة : أهل البيت وغيرهم ، قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقروناً بالظن ، ونوع من الهوى الخفي ، فيحصل بسبب ذلك مالا ينبغي اتباعه فيه ، وإن كان من أولياء الله المتقين. ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين: طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه ، وطائفة تذمّه فتجعل ذلك قادحاً في ولايته وتقواه ، بل في برّه وكونه من أهل الجنة ، بل في إيمانه حتى تخرجه عن الإيمان ، وكلا هذين الطرفين فاسد. والخوارج والروافض وغيرهم من ذوي الأهواء دخل عليهم الداخل من هذا. ومن سلك طريق الاعتدال عظَّم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه ، وأعطى الحق حقَه ، فيعظّم الحق ويرحم الخلق ، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات : فيُحمد ويُذم ، ويُثاب ويعاقب ، ويُحب من وجه ويبغض من وجه ، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة ، خلافاً للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم".
* ولذا فالواجب تجاه زلات علماء أهل السنة والجماعة ثلاثة أمور :
(الأمر الأول) : وجوب توطين النفس على لزوم الحق والحرص على طلبه دون ميل أو تعصب لغير الحق الذي في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليه سلف هذه الأمة ، لأن الحق ملازم للنبي صلى الله عليه وسلم دون سائر البشر مهما بلغوا في العلم والتقوى ، وغالب ما وقع في هذه الأمة من طوائف المسلمين بترك الحق إنما هو بسبب تعظيم المتبوعين وتغليب جانب مقامهم على جانب مقام الشرع وإن جعله التابع في مقام النصرة للحق من حيث لا يشعر :(1/82)
ـ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(اقتضاء الصراط المستقيم:1/86) بعد ذكر ترك اليهود اتباع الحق الذي جاء من غير طائفتهم:"وهذا يبتلى به كثيرٌ من المنتسبين إلى طائفة معينة في العلم ، أو الدين من المتفقهة أو المتصوفة أو غيرهم ، أو إلى رئيس معظم عندهم في الدين ــ غير النبي صلى الله عليه وسلم ـــ فإنهم لا يقبلون من الدين رأياً ورواية إلاّ ما جاءت به طائفتهم ، ثم إنهم لا يعلمون ما توجبه طائفتهم ، مع أن دين الإسلام يوجب اتباع الحقِ مطلقاً : رواية ورأياً ، ومن غير تعيين شخص أو طائفة غير الرسول صلى الله عليه وسلم".
ـ ويقول ابن القيم رحمه الله(إعلام الموقعين:3/294) :"ولا بد من أمرين أحدهما أعظم من الآخر ، وهو النصيحة لله ولرسوله وكتابه ودينه ، وتنزيهه عن الأقوال الباطلة المناقضة لما بعث الله به رسوله من الهدى والبينات ، التي هي خلاف الحكمة والمصلحة والرحمة والعدل ، وبيان نفيها عن الدين وإخراجها منه ، وإن أدخلها فيه مَنْ أدخلها بنوع تأويل. الثاني : معرفة فضل أئمة الإسلام ومقاديرهم وحقوقهم ومراتبهم ، وأن فضلهم وعلمهم ونصحهم لله ورسوله لا يوجب قبول كل ما قالوه".
* فإذا فهمت هذا أيها الأخ المحب للسنة فاعلم أنه يجب على السني المتبع للحق المتجرد له عن أوضار الهوى أن يحرص على طلب الحق في مكمنه ؛ في الكتاب والسنة أشد من حرصه على طلب ما ينفعه في أمور الدنيا في أحسن مظانها ؛ لأن الإنسان لا يُضلُ عن الهدى بمجرد تركه الحق بعدتبينه له فقط ، بل يكون كذلك بالتهاون في طلبه ، وشاهد هذا في القرآن :
ـ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(اقتضاء الصراط المستقيم:2/85) :"ويلحق الذم من تبيّن له الحق فتركه ، أو من قصّر في طلبه حتّى لم يتبين له ، أو أعرض عن طلب معرفته لهوى أو لكسل ، أو نحو ذلك".(1/83)
ـ ويقول رحمه الله(الفتاوى:3/314) :"ولكن ينبغي أنْ يُعرفَ أنّ عامَّة من ضلّ في هذا الباب ، أو عجز فيه عن معرفة الحق ؛ فإنما هو لتفريطه في اتّباع ما جاء به الرّسول ، وترك النظر والاستدلال الموصل إلى معرفته ، فلما أعرضوا عن كتاب الله ضّلوا ، كما قال تعالى (فإما يأتينكم مني هدىً فمن اتّبع هُداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى( [طه 123-124] ، قال ابن عباس : تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه : أن لا يضلّ في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة. ثم قرأ هذه الآية".
* وخُذْ أيها الموفق نصيحة نفيسة للعلامة صديق حسن خان رحمه الله إذا أردت التوفيق للهدى واعرضها على نفسك حين يقول(قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر:175) :"وإنما يعرف الحقَّ من جمع خمسة أوصاف أعظمها : الإخلاص ، والفهم ، والإنصاف ، رابعها ــ وهو أقلّها وجوداً وأكثرها فقدناً ــ الحرص على معرفة الحق ، وشدة الدعوة إلى ذلك".
(الأمر الثاني) : اجتناب هذه الزلات الصادرة من أهل العلم أشد الاجتناب والحرص على تحذير الناس منها لشدة خطورتها على الناس حيث صدرت ممن هو موضع الثقة والمحبة ، وإعلام الناس أن العبرة بالدليل وأن الحق قديم :(1/84)
ـ قال إبن القيم رحمه الله في (إعلام الموقعين:2/173،175) مبيناً خطورة زلة العالم :"المصنفون في السنة جمعوا بين فساد التقليد وإبطاله وبيان زلة العالم ليبينوا بذلك فساد التقليد ، وأن العالم قد يزل ولا بد ، إذ ليس بمعصوم ، فلا يجوز قبول كل ما يقوله ، وينزل قوله منزلة قول المعصوم ؛ فهذا الذي ذمه كلُّ عالم على وجه الأرض ، وحرموه ، وذموا أهله ، وهو أصل بلاء المقلدين وفتنتهم ، فإنهم يقلدون العالم فيما زل فيه وفيما لم يزل فيه ، وليس لهم تمييز بين ذلك ، فيأخذون الدين بالخطأ ولا بد ، فَيحِلُّون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله ويشرعون ما لم يشرع ، ولا بد لهم من ذلك إذ كانت العصمة منتفية عمن قلدوه ، فالخطأ واقع منه ولا بد. وقد ذكر البيهقي وغيره من حديث كثير هذا عن أبيه عن جده مرفوعاً: "اتقوا زلة العالم ، وانتظروا فيئته" ، وذكر من حديث مسعود بن سعد عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشدُّ ما أتخوفُ على أمتي ثلاث : زلة عالم ، وجدال منافق بالقرآن ، ودنيا تقطع أعناقكم". ومن المعلوم أن المَخُوفَ في زلة العالم تقليده فيها ، إذ لولا التقليد لم يخف من زلة العالم على غيره. فإذا عرف أنها زلة لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين ، فإنه اتباعٌ للخطأ على عمد ، ومن لم يعرف أنها زلة فهو أعذر منه ، وكلاهما مفرط فيما أمر به ... قال أبو عمر: وتشبّه زلةُ العالم بانكسار السفينة ، لأنها إذا غرقت غرق معها خلقٌ كثير.قال أبو عمر : وإذا صح وثبت أن العالم يزل ويخطئ ، لم يجز لأحد أن يفتي ويدين بقول لا يعرف وجهه".
ـ وقال أيضاً في (إعلام الموقعين:3/295) عمن له قدمٌ صالح وآثارٌ حسنةٌ ، تكون منه الهفوة والزلة:"فلا يجوز أن يُتَّبع فيها".(1/85)
ـ ويقول العلامة الشاطبي رحمه الله (الاعتصام:2/344) :"فعلى كل تقدير لا يتبع أحد من العلماء إلا من حيث هو متوجهٌ نحو الشريعة قائم بحجتها ، حاكم بأحكامها جملة وتفصيلاً ، وأنه من وجد متوجهاً غير تلك الوجهة في جزئية من الجزئيات أو فرع من الفروع ، لم يكن حاكماً ، ولا استقام أن يكون مقتدىً به فيما حاد فيه عن صوب الشريعة البتة".
ـ وقال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله في معرض رده على من جعل رد أخطاء العلماء من التضليل لهم(مجموع فتاوى ومقالات:3/72):"ليس من أهل العلم السلفيين من يكفر هؤلاء الذين ذكرتهم ، وإنما يوضحون أخطاءهم في تأويل الكثير من الصفات ويوضحون أن ذلك خلاف مذهب سلف الأمة وليس ذلك تكفيراً لهم ولا تمزيقاً لشمل الأمة ولا تفريقاً لصفهم ، وإنما في ذلك النصح لله ولعباده وبيان الحق والرد على من خالفه بالأدلة النقلية والعقلية والقيام بما أوجب الله سبحانه على العلماء من بيان الحق وعدم كتمانه والقيام بالدعوة إلى الله والإرشاد إلى سبيله ، ولو سكت أهل الحق عن بيانه لاستمر المخطئون على أخطائهم وقلدهم غيرهم في ذلك وباء الساكتون بإثم الكتمان الذي توعدهم الله عليه في قوله سبحانه (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون*إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم([البقرة:159،160] ، وقد أخذ الله على علماء أهل الكتاب الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه وذمهم على نبذه وراء ظهورهم وحذرنا من اتّباعهم ، فإذا سكت أهل السنة عن بيان أخطاء من خالف الكتاب والسنة شابهوا بذلك أهل الكتاب المغضوب عليهم والضالين".(1/86)
ـ وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في (القواعد المثلى:86):"ونحن لا ننكر أن لبعض العلماء المنتسبين إلى الأشعري قدم صدق في الإسلام ، والذب عنه والعناية بكتاب الله تعالى وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم رواية ودراية ، والحرص على نفع المسلمين وهدايتهم ، ولكن هذا لا يستلزم عصمتهم من الخطأ فيما أخطئوا فيه ، ولا قبول قولهم في كل ما قالوه ، ولا يمنع من بيان خطئهم ورده لما في ذلك من بيان الحق وهداية الخلق. ولا ننكر أيضاً أن لبعضهم قصداً حسناً فيما ذهب إليه وخفي عليه الحق فيه ، ولكن لا يكفي لقبول القول حسن قصد قائله ، بل لا بد من أن يكون موافقاً لشريعة الله عز وجل ، فإن كان مخالفاً لها وجب رده على قائله كائناً من كان لقول النبي صلى الله عليه وسلم :"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". ثم إذا كان قائله معروفاً بالنصيحة والصدق في طلب الحق ؛ اعتذر عنه في هذه المخالفة ، وإلا عومل بما يستحقه بسوء قصده ومخالفته".
ـ وقال العلامة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في(النقد منهج شرعي:14) :"وقد يكون المعتزلي أحياناً يصيب إذا انتقد واحداً من أهل السنة ، وغالباً يكون الصواب مع أهل السنة لكن حركة دائبة من ذاك الوقت إلى غدٍ إلى يوم القيامة كل يؤخذ من قوله ويرد وليس كل يؤخذ قوله أو كل يرد قوله ؟ لا ، الشافعي وأحمد ومالك يؤخذ من أقوالهم ويرد ، وكذلك الثوري والأوزاعي يؤخذ من أقوالهم ويرد لأنهم ليسوا بمعصومين ، يقول ابن تيمية : العصمة للأنبياء أما الصديقون والشهداء والصالحون والأئمة كلهم لا بد أن يخطئوا".
(الأمر الثالث) : أن صاحب الزلة إذا كان من أهل السنة والجماعة وله قدم صدق وعلم في الإسلام وسابق فضل ولم يشتهر عنه تعمد المخالفة فلابد من حفظ سابقته ودمح زلته ، ولو لم نسلك هذا الطريق لم يسلم لنا كثير من أفاضل الأمة :(1/87)
ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الفتاوى:35/69) :"فأما الصديقون والشهداء والصالحون فليسوا بمعصومين ، وهذا في الذنوب المحققة. وأما ما اجتهدوا فيه : فتارة يصيبون ، وتارة يخطئون ، فإذا اجتهدوا فأصابوا فلهم أجران ، وإذا اجتهدوا وأخطأوا فلهم أجرٌ على الاجتهاد ، وخطؤهم مغفورٌ لهم ، وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين : فتارة يغلون فيهم ؛ ويقولون :
إنهم معصومون. وتارة يجفون عنهم ؛ ويقولون : إنهم باغون بالخطأ ، وأهل العلم والإيمان لا يعصمون ولا يؤثمون. ومن هذا الباب تولد كثير من فرق أهل البدع والضلال".
ـ وقال ابن القيم رحمه الله (إعلام الموقعين:3/295) في سياق كلامه عمن أخطأ من الأئمة:"وما وقع في فتاويهم من المسائل التي خفي عليهم فيها ما جاء به الرسول ، فقالوا بمبلغ علمهم والحق في خلافها ، لا يوجب اطراح أقوالهم جملة ، وتنقصهم ، والوقيعة فيهم ؛ فهذان طرفان جائران عن القصد ، وقَصْد السبيل بينهما ، فلا نؤثم ولا نعصم... ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدمٌ صالح وآثارٌ حسنةٌ ، وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده ، فلا يجوز أن يُتَّبع فيها ، ولا يجوز أن تهدر مكانته ومنزلته من قلوب المسلمين".
ـ وقال الحافظ الذهبي رحمه الله (السير: 5/271) : " ثم إنَّ الكبير من أئمة العلم إذا كثرَ صوابه ، وعُلمَ تحريه للحقِ ، واتسع علمُه ، وظهر ذكاؤه ، وعُرف صلاحه وورعه واتّباعه ، يُغفَرُ له زَلَلُهُ ، ولا نُضَلَّله ونطرحه وننسى محاسنه ، نعم : ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ، ونرجو التَّوبة من ذلك ".(1/88)
ـ وقال أيضاً في (السير: 14/40) : "ولو أنا كلَّما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له ، قمنا عليه ، وبدَّعناه وهجرناه ، لما سَلِمَ معنا لا ابنُ نصر ولا ابن منده ، ولا من هو أكبر منهما ، والله هو هادي الخَلْقِ إلى الحقِّ ، وهو أرحم الرَّاحمين ، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة ) .
ـ وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في (شريط محاورة هاتفية مع أهل الجزائر:تسجيلات ابن رجب بالمدينة) ، عمن بدَّع بعض أهل العلم من أهل السنة لمخالفته في مسألة واحدة :"لو فرضنا قال قائل بمسألة واحدة من مذهب الإرجاء ، هل يصح أن نسميه مرجئ ؟ الجواب : لا ... ، كما أنه لو أن أحداً من فقهاء الحنابلة أخذ بقول الشافعية بمسألة من المسائل ؛ لا نقول إنه شافعي. كذلك لو أن أحداً أخذ بمسألة واحدة من مسائل الأشاعرة لا نقول : إنه أشعري. إذا أردنا أن نقول ، نقول : هو قال بهذا القول وهو قول الأشاعرة ، فلا نلحقه هو بالأشاعرة ، وهذه مسألة ينبغي التفطن لها ، لأن بعض الناس أيضاً أخطأ في ابن حجر والنووي وأشباههما حين تأولوا في الصفات ، فقالوا : هؤلاء أشاعرة وأطلقوا ، لم يقولوا : قالوا بقول الأشاعرة في هذا الباب. الأشاعرة لهم مذهب مستقل في باب الصفات وفي باب الإيمان وفي باب الأفعال ؛ أفعال العباد وفي القضاء والقدر. فلينتبه الشباب لهذه المسألة". وتقدم قريباً قوله رحمه الله في (القواعد المثلى:86):" إذا كان قائله معروفاً بالنصيحة والصدق في طلب الحق ؛ اعتذر عنه في هذه المخالفة ، وإلا عومل بما يستحقه بسوء قصده ومخالفته".(1/89)
ـ وقال العلامة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في(النقدمنهج شرعي: 16) :"هذا المنهج منهج حق ، لكن الأئمة والعلماء الذين كتبوا ــ ومنهجهم صحيح ــ قد يكون لهم أخطاء ، فابن تيمية لو كان عنده خطأ والله لا نقبله ، ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز وغيرهم إذا عندهم أخطاء نعرضها على كتاب الله وسنة الرسول على المنهج السلفي ، ونقول هذا خطأ وجزاك الله خيراً ، لا ذم لا طعن لا تجريح لا تشهير لكن بيان للناس أن هذا الكلام يتنافى مع الأصل الفلاني ومع النص الفلاني بغاية الأدب وبغاية الاحترام".
(( لكن ينبغي التفطن لما جاء في بعض النقول السابقة من أن القول بدمح زلة العالم إنما هو خاص بعلماء أهل السنة الذين لهم قدم صدق في الإسلام ممن وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله(الفتاوى:11/43):"ومن له في الأمة لسان صدق عام ، بحيث يثنى عليه ويحمد في جماهير أجناس الأمة فهؤلاء هم أئمة الهدى ومصابيح الدجى ، وغلطهم قليل بالنسبة إلى صوابهم ، وعامته من موارد الاجتهاد التى يعذرون فيها ، وهم الذين يتبعون العلم والعدل ، فهم بعداء عن الجهل والظلم وعن اتباع الظن وما تهوى الأنفس". وأما أهل البدع الذين ليس لهم قدم صدق في الإسلام فلا يثنى عليهم ، نعم ولا يظلمون كذلك ، ولذا قال الحافظ ابن رجب رحمه الله لما قرر نحو هذا(الفرق بين النصيحة والتعيير :33) : "وهذا كله في حق العلماء المقتدى بهم في الدين ، فأما أهل البدع والضلالة ومن تشبه منهم بالعلماء وليس منهم ، فيجوز بيان جهلهم وإظهار عيوبهم تحذيراً من الاقتداء بهم ، وليس كلامنا الآن في هذا القبيل ، والله أعلم ".
((ثم إني أختم هذه المقدمات التي أسأل الله أن يجعلها نصرة للحق ونصيحة للخلق بكلمة نفيسة لأحد حفاظ الإسلام علّق عليها أحد علماء السنة المعاصرون حتى تكون طريقة نزن بها صدق إخلاصنا لربنا عز وجل ثم متابعتنا لنبينا صلى الله عليه وسلم : ــ(1/90)
ـ يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله(الفرق بين النصيحة والتعيير:33):"(فصل) : ومن عرف منه أنه أراد بردّه على العلماء النصيحة لله ورسوله فإنه يجب أن يعامَل بالإكرام والاحترام والتعظيم كسائر أئمة المسلمين الذين سبق ذكرهم وأمثالهم ومن تبعهم بإحسان. ومن عرف أنه أراد بردّه عليهم التنقيص والذم وإظهار العيب فإنه يستحق أن يقابل بالعقوبة ليرتدع هو ونظراؤه عن هذه الرذائل المحرمة".
ـ علق على كلام الحافظ الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله قائلاً في (النقد منهج شرعي:22):"وهذا الأخير هو الذي يفعله الآن خصوم أهل السنة والجماعة خاصة أهل التحزبات المضادة فعلاً لمنهج السلف والمنتصرة لأهل البدع والأهواء. أما العلماء وأهل الهدى فإنهم - والله - يفرحون بإظهار الحق إذا انتقد أحدهم في خطأ أخطأه ، وبُيّن للناس أن هذا الإمام أخطأ يفرح. ولهذا رأينا تلاميذ هؤلاء الأئمة لا يترددون في بيان خطأ أئمتهم ولا يتحرجون من مخالفتهم في أقوالهم التي حصل فيها الخطأ ، وهم يعتقدون تمام الاعتقاد أن أئمتهم يحبون هذا ، ولا يرضون أبداً [ أنْ ] يتعبد الناس بأخطائهم ، ولا يرضون أبداً أن تنسب أخطاؤهم إلى الله تبارك وتعالى ، لا يرضون بها أبداً ؛ لأننا عرفنا صدقهم وإخلاصهم ونصحهم لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم - رضوان الله عليهم - أما أهل الأهواء : فسواء كانوا في حياتهم أو بعد مماتهم هم لا يرضون أن يقال : فلان أخطأ مهما ضل وأمعن في الضلال ، لا يتحمل النقد لهذا ؛ تراهم يعاندون رغم أن أهل السنة وأهل الحق دائماً يبينون لهم أنهم قد أخطأوا وضلوا في قضية كذا وقضية كذا ، ويقيمون لهم الأدلة فيصرون على باطلهم ويجمعون الناس ويحشدونهم"أ.هـ.(1/91)
* ولنبدأ الآن بسياق فتاوى الشيخين [ ابن باز وابن عثيمين ] (5) رحمهما الله في مسالة الإيمان وبيان أنهما رحمهما الله تعالى على قاعدة أهل السنة والجماعة من القول بأن "الإيمان قول وعمل واعتقاد" ، وأنه لا يصح أبداً عندهما اعتبار العمل كله شرط كمال أو أن ينسب إليهما أن القول به داخل في دائرة الاجتهاد حتى لو التمسا العذر لقائله :ــ
أقوال سماحة الشيخ ابن باز في الإيمان
* الأول : قال الشيخ رحمه الله عندما سئل :
ــ أعمال الجوَارح ؛ هل هي شرط كمالٍ ، أَم شرْط صحّة في الإيْمان ؟!
ــ فقال : (أَعمال الجوارح - كالصَّوم ، والصدقة ، والزّكاة - هي من كمال الإيْمان ، وتَركها ضعفٌ في الإيْمان . أمّا الصّلاة ؛ فالصّواب : أنّ تركها كفرٌ ؛ فالإِنسان عندما يأتي بالأعمال الصالحة : فإنّ ذلك من كمال الإيْمان).
**(نقلاً عن مجلة الفرقان الكويتية:ع 94)**
* الثاني : قال الشيخ في حوار مع مجلة المشكاة :
ــ المشكاة : ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح عندما تكلم على مسألة الإيمان والعمل ، وهل هو داخل في المسمى ، ذكر أنه شرط كمال ، قال الحافظ : (والمعتزلة قالوا : هو العمل والنّطق والاعتقاد ، والفارق بينهم وبين السّلف أنّهم جعلوا الأعمال شرطاً في صحّته والسّلف جعلوها شرطاً في كماله).
فأجاب الشيخ : لا ، هو جزء ، ما هو بشرط ، هو جزء من الإيمان ، الإيمان قول وعمل وعقيدة أي تصديق ، والإيمان يتكون من القول والعمل والتصديق عند أهل السنة والجماعة.
ــ المشكاة : هناك من يقول بأنه داخل في الإيمان لكنه شرط كمال ؟
ــ الشيخ : لا ، لا ، ما هو بشرط كمال ، جزء ، جزء من الإيمان . هذا قول المرجئة (6) ، المرجئة يرون الإيمان قول وتصديق فقط ، والآخرون يقولون: المعرفة. وبعضهم يقول : التصديق . وكل هذا غلط. الصواب عند أهل السنة أن الإيمان قول وعمل وعقيدة ، كما في الواسطية ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.(1/92)
ــ المشكاة : المقصود بالعمل جنس العمل ؟
ــ الشيخ : من صلاة وصوم وغير [ ذلك من ] (7) عمل القلب من خوف ورجاء.
ــ المشكاة : يذكرون أنكم لم تعلقوا على هذا في أول الفتح ؟
ــ الشيخ : ما أدري ، تعليقنا قبل أربعين سنة ، قبل أن نذهب إلى المدينة ، ونحن ذهبنا للمدينة في سنة 1381 هـ ، وسجلنا تصحيحات الفتح أظن في 1377 هـ أو 87 [ لعلها 78] أي تقريباً قبل أربعين سنة . ما أذكر يمكن مر ولم نفطن له).
**(نقلا عن مجلة المشكاة المجلد الثاني ، الجزء الثاني ، ص 279، 280)**
* الثالث : يقول الأخ عبد العزيز بن فيصل الراجحي في جريدة الجزيرة :
ــ وقد سألت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله عام(1415هـ) ـ وكنا في أحد دروسه رحمه الله ـ عن الأعمال : أهي شرط صحة للإيمان ، أم شرط كمال ؟
ــ فقال رحمه الله : من الأعمال شرط صحة للإيمان لا يصح الإيمان إلا بها كالصلاة ، فمن تركها فقد كفر. ومنها ما هو شرط كمال يصح الإيمان بدونها ، مع عصيان تاركها وإثمه (8).
ــ فقلت له رحمه الله : من لم يكفر تارك الصلاة من السلف ، أيكون العمل عنده شرط كمال ؟ أم شرط صحة ؟
ـــ فقال : لا ، بل العمل عند الجميع شرط صحة ، إلا أنهم اختلفوا فيما يصح الإيمان به منه ؛ فقالت جماعة : إنه الصلاة ، وعليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، كما حكاه عبد الله بن شقيق. وقال آخرون بغيرها. إلا أن جنس العمل لابد منه لصحة الإيمان عند السلف جميعاً. لهذا الإيمان عندهم قول وعمل واعتقاد ، لا يصح إلا بها مجتمعة (9))أ.هـ.
**(نقلاً عن جريدة الجزيرة - عدد 12506في 13/7/1423هـ)**
* الرابع : سئل الشيخ ابن باز رحمه الله فقال :
- من شهد أن لا إله إلا الله واعتقد بقلبه ولكن ترك جميع الأعمال ، هل يكون مسلماً ؟(1/93)
- قال الشيخ رحمه الله : لا ، ما يكون مسلماً حتى يوحد الله بعمله ، يوحد الله بخوفه ورجاءه ، ومحبته ، والصلاة ، ويؤمن أن الله أوجب كذا وحرم كذا. ولا يتصور .. ما يتصوّر أن الإنسان المسلم يؤمن بالله يترك جميع الأعمال ، هذا التقدير لا أساس له. لا يمكن يتصور أن يقع من أحد .. نعم ؛ لأن الإيمان يحفزه إلى العمل ؛ الإيمان الصادق .. نعم).
**(نقلاً من التعليق على فتح المجيد شرح كتاب التوحيد الشريط الثاني أول الوجه الثاني)**
* الخامس : سأل سائل الشيخ ابن باز فقال :
- إذا قالوا مرجئة الفقهاء ؟
- قال الشيخ رحمه الله : مرجئة الفقهاء الذين يقولون : العمل ليس من الإيمان ، يقولون : الإيمان قول وإقرار ـ تصديق يعني ـ كما يذكر عن أبي حنيفة وغيره ، وأهل السنة والجماعة يقولون : الإيمان قول وعمل : قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح. الصلاة من الإيمان والصوم من الإيمان والزكاة من الإيمان وهي عمل ، والجهاد من الإيمان وهو عمل ، ولهذا قال جل وعلا (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم*وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون*الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) ، وقال جل وعلا(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله) جعل هذا كله إيماناً ، هذا قول أهل الحق. فإذا ترك بعض الإيمان تارة يكفر كترك الصلاة على الصحيح ، وتارة يكون ناقص الإيمان كترك الصوم أو الحج مع الاستطاعة أو الزكاة ، يكون ناقص الإيمان ضعيف الإيمان معرض للوعيد ، نسأل الله العافية.
- قال سائل آخر : قول شيخ الإسلام : إن الخلاف بينهم وبين الأحناف لفظي؟(1/94)
- قال الشيخ : ما رأيته لشيخ الإسلام ، هذا أظنه ذكره ابن أبي العز ، إما عن نفسه وإما عن غيره ، وليس بصحيح ، ليس بلفظي بل حقيقة ؛ إذا قالوا : إن إيمانك كامل وتستحق الجنة ، فهو خلاف ما هو بلفظي ، أما إذا قالوا : إنه ما يستحق الجنة ، وأنه موقوف ، وأن إيمانه ليس بكامل على خطر ، هذا يصير لفظياً ، لكن إذا قالوا : إنه ليس من الإيمان وأنه كمال مجرد كمال ، فهذا غلط عظيم"أ.هـ
**(نقلاً من التعليق على فتح المجيد شرح كتاب التوحيد الشريط الثاني آخر الوجه الأول)**
* السادس : قرأ الشيخ الدكتور عبد العزيز الشبل على الشيخ باقي التعقبات على "فتح الباري" لابن حجر رحمه الله في مجالس بداية من شهر محرم إلى شهر رجب سنة 1419 كما في المقدمة ، فأقرها كلها ومنها :
- قال ابن حجر في "الفتح" عن الأعمال:(والسلف جعلوها شرطاً في كماله).
- علق الشيخ الشبل فقال:"الصواب أن الأعمال عند السلف الصالح : قد تكون شرطاً في صحة الإيمان ؛ أي أنها من حقيقة الإيمان قد ينتفي بانتفائها كالصلاة ، وقد تكون شرطاً في كماله الواجب فينقص الإيمان بانتفائها كبقية الأعمال التي تركها فسق ومعصية وليس كفراً. فهذا التفصيل لابد منه
لفهم قول السلف الصالح وعدم خلطه بقول الوعيدية ، مع أن العمل عند أهل السنة والجماعة ركن من أركان [حقيقة] (10) الإيمان الثلاثة : قول وعمل واعتقاد ، والإيمان عندهم يزيد وينقص خلافاً للخوارج والمعتزلة"أ.هـ
**(نقلاً عن كتاب المخالفات في "فتح الباري" للشيخ الشبل ص28)**(1/95)
* السابع : في عام (1420هـ) صدر كتاب "التوسط والاقتصاد في أن الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد , وكان الشيخ قد كتب رحمه الله بعد قراءة الكتاب [ المقدمة:ج ] : (وقد قرأتها فألفيتها رسالة قيمة مفيدة يحسن طبعها ونشرها ليستفيد منها المسلمون بعد حذف بعض ما نقلتم عن صاحب الفروع ابتداء من قوله : وقال في الترغيب إلى آخره ، وحذف ما نقلتم عن الدسوقي كله لما فيه من اللبس ).
- وأورد المؤلف قول الحافظ ابن حجر (ص71) عن الأعمال : (والسلف جعلوها شرطاً في كماله) أي في الإيمان.
- فعلق عليه المؤلف في الحاشية بقوله: "وكلامه هذا عليه مآخذ أهمها : نسبته القول بأن الأعمال شرط كمال الإيمان للسلف ، وهو على إطلاقه غير صحيح ، بل في ذلك تفصيل : فالأعمال المكفّرة سواء كانت تركاً ــ كترك جنس العمل أو الشهادتين أو الصلاة ــ أو كانت فعلاً ــ كالسجود لصنم أو الذبح لغير الله ــ : فهي شرط في صحة الإيمان ، وما كان ذنباً دون الكفر فشرط كمال.
وإنما أوردت كلامه هنا لحكمه بالكفر على من فعل فعلاً يدل على كفره كالسّجود لصنم دون أن يقيّده بالاعتقاد. على أن هذه العبارة فيها نظر أيضاً ، فالسجود لصنمٍ كفر بمجرّده وليس فعلاً يدل على الكفر".
* الثامن : في نفس الرسالة السابق ذكرها آنفاً ''التوسط والاقتصاد في أن الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد,, والذي قال الشيخ قال عنه [المقدمة:ج] : ( وقد قرأتها فألفيتها رسالة قيمة مفيدة يحسن طبعها ونشرها ليستفيد منها المسلمون...".(1/96)
ـ كان مما أقره الشيخ ولم يأمر بحذفه قول المؤلف في(المقدمة:19) :"لم أنقل كلام العلماء المتعلق بتكفير تارك الصلاة ، وهم جمهور أصحاب الحديث ، علماً أنها أقوال كثيرةٌ جداً مبثوثة في كتب السّلف ، وذلك لأنّها مسألة اختلف فيها أصحاب الحديث ، لكن هاهنا مسألة مهمة ، وهي أن أصحاب الحديث الذين لم يكفروا تارك الصّلاة ، لا يعنون أنّ الصلاة عملٌ ، والعمل لا يكفّر تاركه أو فاعله بغير اعتقاد أو استحلال أو تكذيب ، فهذه لَوثةٌ إرجائية حاشاهم منها ، بل كما نقل عنهم المروزي قالوا :[الأخبار التي جاءت في الإكفار بترك الصّلاة نظير الأخبار التي جاءت في الإكفار بسائر الذنوب]. فهم نظروا إلى الأدلة التي ظاهرها التعارض فجمعوا بينها ، ورجّحوا عدم إِكفَار تارك الصّلاة ، كتارك الصّوم والزّكاة ، إلا إذا تركها جحوداً أو إِباءً أو استنكافاً. ولم يُنقل عن أحد منهم أنّ الصّلاة عمل وليست اعتقاداً ولا يكفُر تارك العمل! كما أنّهم لم يعدّوا من يكفّر تاركها بمثابة الخوارج الذين يكفرون بالذّنوب ، وهذا إقرارٌ منهم أنّ تارك العمل قد يخرج من الملة ، لكن لم يترجّح عندهم ذلك في شأْن تارك الصّلاة".
* التاسع : في عام (1419هـ) صدر كتاب أحمد بن صالح الزهراني ''ضبط الضوابط في الإيمان'' والذي قرر فيه أن الإيمان"قول وعمل واعتقاد" لكنه [ تناقض لمَّا] (11) بيَّن مراده من ذلك بقوله في أوله: "المحور الذي تدور حوله هذه الأسطر هو بيان أن تارك العمل الظاهر لا يكفر كفرا أكبر ما دام يتلفظ بالشهادتين ولم يتلبس بناقض". ومما قال :"والقول بأن تارك العمل الظاهر كافر مخلد في النار هو قول الخوارج والمعتزلة ، ولا فرق عند التحصيل بين التكفير بكبيرة أو اثنتين وبين ترك سائر العمل الظاهر غير الشهادتين ، فكلاهما لا دليل عليه".(1/97)
- فردت اللجنة الدائمة برئاسة سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله في آخره سنة(1419هـ) قائلة: (بيان وتحذير: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد : فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الكتاب الموسوم بـ: (ضبط الضوابط في الإيمان ونواقضه) تأليف المدعو / أحمد بن صالح الزهراني فوجدته كتابا يدعو إلى مذهب الإرجاء المذموم ؛ لأنه لا يعتبر الأعمال الظاهرة داخلة في حقيقة الإيمان ، وهذا خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة من أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. وعليه : فإن هذا الكتاب لا يجوز نشره وترويجه ، ويجب على مؤلفه وناشره التوبة الى الله عز وجل. ونحذر المسلمين مما احتواه هذا الكتاب من المذهب الباطل حماية لعقيدتهم واستبراء لدينهم ، كما نحذر من اتباع زلات العلماء فضلا عن غيرهم من صغار الطلبة الذين لم يأخذوا العلم من أصوله المعتمدة. وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
**(نقلاً عن صورة فتوى اللجنة بتوقيع أعضائها)**
* العاشر : في عام (1414هـ) صدر كتاب مراد شكري ''إحكام التقرير لأحكام التكفير'' وهو مبني على قاعدتين :
الأولى: قوله( لا يكفر المسلم إلا إذا كذّب النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به وأخبر ، سواء أكان التكذيب جحوداً كجحود إبليس وفرعون ، أم تكذيباً بمعنى التكذيب ).
الثانية: قوله (السلف عدُّوا العمل شرطاً في الكمال ، فإذا انتفى العمل انتفى كمال الإيمان ولم ينتفِ الإيمان كله ...... فظهر وتبين أنَّ عدَّ السلف العمل من الإيمان إنما يتعلق بكماله وليس بالإيمان نفسه).(1/98)
- فردت اللجنة الدائمة برئاسة سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله قائلة: (بعد الاطلاع على الكتاب المذكور ، وجد أنه متضمن لما ذكر من تقرير مذهب المرجئة ونشره : من أنه لا كفر إلا كفر الجحود والتكذيب ، وإظهار هذا المذهب المُرْدي باسم السنة والدليل وأنه قول علماء السلف ، وكل هذا جهل بالحق ، وتلبيس وتضليل لعقول الناشئة ، بأنه قول سلف الأمة والمحققين من علمائها ، وإنما هو مذهب المرجئة الذين يقولون : لا يضر مع الإيمان ذنب ، والإيمان عندهم : هو التصديق بالقلب ، والكفر : هو التكذيب فقط. وهذا غلو في التفريط ، ويقابله مذهب الخوارج الباطل الذي هو غُلُو في الإفراط في التكفير ، وكلاهما مذهبان باطلان مُرْديان من مذاهب أهل الضلال...).
**(نقلاً عن فتوى اللجنة برقم 20212 وتاريخ 7/2/1419هـ)**
* الحادي عشر: قال الشيخ رحمه الله معلقاً على قول الطحاوي "والإيمان : هو
الإقرار باللسان والتصديق بالجنان" :
- قال الشيخ : هذا التعريف فيه نظر وقُصُورٌ !! والصواب الذي عليه ''أهل السنة والجماعة'' : أن الإيمان قولٌ وعملٌ واعتقادٌ ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر. وقد ذكر الشَّارح ابن أبي العز جملة منها ، فراجعها إن شئت. وإخراج العمل من الإيمان هو قول المرجئة. وليس الخلاف بينهم وبين "أهل السنة'' فيه لفظيًّا ، بل لفظي ومعنوي ، ويترتب عليه أحكام كثيرة ، يعلمها من تدبر كلام "أهل السنة'' وكلام "المرجئة'' ، والله المستعان"أ.هـ
**(نقلاً عن تعليق الشيخ على العقيدة الطحاوية ص60)
أقوال سماحة الشيخ ابن عثيمين
* الأول : سئل الشيخ رحمه الله عبر الهاتف من قبل إدارة الدعوة بقطر أسئلة نقتصر منها على ما يتعلق بأصل المسألة :
س : شخص قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه مصدقاً بقلبه مستسلماً منقاداً لكنه لم يعمل بجوارحه خيراً قط مع إمكان العمل هل هو داخل في المشيئة أم كافر ؟(1/99)
ج : أقول والحمد لله رب العالمين : إذا كان لا يصلي فهو كافر ولو قال لا إله إلا الله . لو كان صادقاً بقول لا إله إلا الله مخلصاً بها والله لن يترك الصلاة . لأن الصلاة صلة بين الإنسان وبين الله عز وجل فقد جاء في الأدلة من القرآن والسنة والنظر الصحيح وإجماع الصحابة كما حكاه غير واحد على أن تارك الصلاة كافر مخلد في نار جهنم وليس داخلاً تحت المشيئة .
ونحن إذا قلنا بذلك لم نقله عن فراغ ونحن إذا قلنا بذلك فإنما قلناه لأنه من مدلولات كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأقوال الصحابة التي حُكي إجماعهم عليها . قال عبد الله بن شقيق كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة ونقل إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة الحافظ ابن راهويه - رحمه الله - وهو إمام مشهور .
أما سائر الأعمال إذا تركها الإنسان كان تحت المشيئة يعني لو لم يزك مثلاً فهذا تحت المشيئة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر عقوبة مانع الزكاة قال ثم يرى سبيله إما إلى جنة وإما إلى النار ومعلوم أنه لو كان كافراً لم يكن له سبيل إلى الجنة والصيام والحج كذلك من تركها لم يكفر وهو تحت المشيئة ولكنه يكون أفسق عباد الله .
س : الشق الثاني يقول وهل يوجد خلاف بين أهل السنة في حكم هذا الرجل بناء على حكم تارك مباني الإسلام الأربع والخلاف فيها ؟
ج : مسألة الخلاف لا أستطيع حصره ولكن يجب أن نعلم أن الكفر حكم شرعي لا يتلقى إلا من الشرع وأن الأصل في [المسلمين] (12) الإسلام حتى يدل دليل على [خروجهم] (13) منه.
والتسرع في التكفير خطير جداً جداً جداً ، حتى أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال محذراً منه - أي من التكفير - :"من دعا رجلاً بالكفر أو قال يا عدو الله وليس كذلك حار عليه". - أي على القائل - أي رجع على القائل .(1/100)
س : سائل آخر يقول كيف نفهم حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عند مسلم وفيه فيخرج الله منها قوماً لم يعملوا خيراً قط ؟
ج : نفهم هذا أنه عام وأن أدلة كفر تارك الصلاة خاصة ومعلوم عند العلماء أن العام يخصص بخاص ؛ لأن هذا الحديث لم يقل : لم يصل ، حتى نقول أنه معارض للنصوص الدالة على كفر تارك الصلاة بل قال:"لم يعمل خيراً قط" ، فلم ينص على الصلاة بل عمم ، ونصوص كفر تارك الصلاة خاصة فتخص بما خصصت به (14).
س : الخلاف الواقع في حكم تارك الصلاة هل هو خلاف داخل في دائرة أهل السنة أم لا (15) ؟
ج : نعم خلاف داخل في دائرة أهل السنة ، وأهل السنة أنفسهم مختلفون في هذا كما يختلفون مثلاً في فروض الوضوء ووجوب الوضوء من لحم الإبل وما أشبه ذلك (16).
س : هذا سائل ينقل كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية ويطلب التوضيح " الإيمان منه ما هو ركن لا يتم الإيمان إلا به ومنه ما هو واجب ينقص بفواته نقصاً يستحق صاحبه العقوبة ومنه ما هو مستحب يفوت بفواته علو الدرجة : فمن سواء أجزائه ما إذا ذهب نقص عن الأكمل ، ومنه [ ما ] إذا ذهب ذهب عن الكمال ، ومنه ما إذا ذهب ذهب الإيمان بالكلية (17) وهو القول والاعتقاد "كما ذكر الأخ هذا الكلام لشيخ الإسلام.
قال الشيخ : وأيش الإشكال ؟
س : الأخ يطلب توضيح هذا الكلام.
ج : هذا واضح . الإيمان منه ما تركه كفر كما لو أنكر أحد أركان الإيمان هذا كفر ومنه ما هو كمال مثل قوله صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " المراد هنا كمال الإيمان وقد يكون فيه شئ مستحب كما أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن النساء ناقصات عقل ودين وجعل نقصان دينها أن تترك الصلاة في أيام الحيض مع أن هذا ليس بإرادتها هذا نقص الكمال.
س :" تارك جنس العمل كافر. تارك آحاد العمل ليس بكافر " ما رأيكم في ذلك ؟(1/101)
ج : من قال هذه القاعدة؟! من قائلها؟! هل قالها محمد رسول الله؟! كلام لا معنى له (18).
نقول: من كفره الله ورسوله فهو كافر ومن لم يكفره الله ورسوله فليس بكافر هذا الصواب. أما جنس العمل أو نوع العمل أو آحاد العمل فهذا كله طنطنة لا فائدة منها.
س : هل أعمال الجوارح شرط في أصل الإيمان وصحته أم أنها شرط في كمال الإيمان الواجب؟
ج : تختلف ، فتارك الصلاة مثلاً كافر ؛ إذاً فعل الصلاة من لوازم (19) الإيمان ، وإني أنصح إخواني أن يتركوا هذه الأشياء والبحث فيها ، وأن يرجعوا إلى ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم. والسلف الصالح لم يكونوا يعرفون مثل هذه الأمور : المؤمن من جعله الله ورسوله مؤمناً والكافر من جعله الله ورسوله كافراً ، وانتهى.
س : إذا كنا في بلد يفتي أهل العلم فيها بأن تارك الصلاة ليس كافراً كفراً أكبر فإذا مات تارك للصلاة في هذا البلد فهل يترك الناس غسله والصلاة عليه وهل يمنعون دفنه في مقابر المسلمين في هذا البلد وهل مات مسلماً لأنه مقلد لعلماء بلده ؟
ج : أما من يعتقد أنه كافر نعم فهذا لا يصلي عليه وأما من لا يعتقد [ذلك] (20) فليصلي عليه وهكذا ينظر في الخلاف .
س : سائل يقول : نرجو توضيح كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حيث قال : ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال ؛ فالعمل يصدق أن في القلب إيمانا ، وإذا لم يكن عمل كذب أن في القلب إيماناً ؛ لأن ما في القلب مستلزم للعمل الظاهر وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم".
ج : كلام الشيخ ظاهر وهو مروي عن الحسن البصري - رحمه الله - "أن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال". وهذا معلوم من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ". فمعلوم أن القلب إذا كان فيه إيمان فلا بد أن تظهر مقتضياته على الجوارح.(1/102)
س : قائل يقول " الكفر الأكبر والشرك الأكبر يعود إلى الاستحلال القلبي فليس هناك عمل أو قول هو كفر أكبر إلا إذا تضمن الاستحلال القلبي" فما رأيكم في هذا القول ، وهل هذا هو معتقد أهل السنة ؟
ج : كل هذا كلام فارغ [لأن الحكم بـ] (21) الكفر والإيمان موكول للشرع ، فمن كفره الله ورسوله فهو كافر سواء بعمل أو اعتقاد أو قول أو فعل. ومن لم يكفره الله ورسوله وهو منتسب إلى الإسلام فهو مؤمن لا يحل لنا أن نكفره. ولو أن طلبة العلم المبتدئين والشباب الغيورين سلكوا هذا المسلك الذي قلنا سلموا من هذه التقديرات وهذه التعبيرات. [فالكافر] (22) من كفره الله ورسوله والمؤمن المنتسب للإسلام من لم يكفره الله ورسوله.
س : سائل يقول ما حكم من التحق بالجماعات والأحزاب الإسلامية ؟
ج : أما من التحق [بمن التزم] (23) بطريقة السلف فهذا هو الذي على الحق ، وما خالف ذلك ففرقة وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي صححه كثير
من العلماء "أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة". قالوا : من هي ؟ قال: "من كان على مثل ما عليه أنا وأصحابي". فالفرقة المنصورة الظاهرة هي التي كانت على منهج السلف الصالح عقيدة بالجنان وقولاً باللسان وعملاً بالأركان.
س : سائل يقول ما قول الشيخ - حفظه الله - في تدريس هذا الكتاب للناشئة ـ وهو مشتمل على العناوين الآتية المكتوبة بالخط البارز سنذكرها لكم ـ : يقول : "لا يكفر المسلم حتى يترك أصل الإيمان القلبي" (24).
ج : أنا قلت في هذا اللقاء : إن تارك الصلاة كافر ولو كان مقراً بوجوبها.
س: يقول في موطن آخر:"جمهور العلماء وليس المرجئة يقولون بنجاة تارك العمل" (25).(1/103)
ج: هؤلاء يريدون سفك الدماء واستحلال الحرام لماذا صاحب هذا الكتاب ما أصل أصول أهل السنة والجماعة كما أصلها شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية ؟ أمّا أن لا يكون لهم هم إلا التكفير ( جنس العمل - نوع العمل -آحاد العمل) وما أشبه ذلك لماذا...".
س : نأسف على الإطالة في هذا النوع من الأسئلة حقيقة أن سبب الطرح أن أحد طلبة العلم عندنا هنا في قطر يدرس في هذا الكتاب الذي يدور حول هذه المسائل والقضايا .
ج : أنا ما أقول شئ بالنسبة للكتاب ، تغييره أو تبديله الواجب على وزارة المعارف أو التعليم العالي أن تنظر في هذا الكتاب وتلغيه إذا كان ليس لكاتبه هم إلا هذا ، فهذا لا خلاف فيه (26).
**(نقلاً عن شريط مسجل متداول للقاء نظمته إدارة الدعوة بوزارة الأوقاف بدولة قطر عبر الهاتف مع فضيلة الشيخ ابن عثيمين بعد موعظة عامة)**
* الثاني : قال شيخنا محمدٌ رداً على اتصال هاتفي من بعض الجزائريين أقتصر على ما قرره في المسألة :
قال الشيخ :"... فالواجب علينا أن نقول : ما دل الكتاب والسنة على كفر تاركه فهو كافر (فمثلاً) الصلاة ، ترك الصلاة لا شك عندي أنه كفر ، وأن تاركها مرتد عن الإسلام لو مات فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين ولا يدعى له بالرحمة ؛ قال عبد الله بن شقيق : كان أصحاب النبي الله صلى الله عليه وعلى آله سلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة (27).
أما حديث الشفاعة أو حديث "يخرج من النار من لم يعمل خيراً قط" فهذا عام "لم يعمل خيراً" ، ومعلوم أن النص العام يقيد بالخاص ، فيقال : هذا الحديث عمومه مخصوص بأدلة واضحة على كفر تارك الصلاة ، وأنه لا يخرج من النار. فما أكثر الأحاديث بل والآيات العامة التي خصصت. ولو لم نقل بذلك لضربنا السنة بعضها ببعض... نعم لو كان في الحديث "ولم يصل" كان هنا هو وجه تعارض...".(1/104)
وقال :"لا كفر بترك عمل من الأعمال إلا الصلاة ، إلا الصلاة ... (28). وكما قال تلميذه (29) ابن القيم لما تكلم عن كفر تارك الصلاة قال : لا يمكن أبداً لمؤمنٍ يحافظ على ترك الصلاة أبداً ، حتى لو قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وأومن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ، وهو لا يصلي هذا غير مسلم"أ.هـ.
**(محاورة هاتفية مشهورة نقلتها من شريط من توزيع تسجيلات ابن رجب بالمدينة)**
* الثالث : سئل شيخنا محمدٌ عن قول بعض السلف عن حديث "من شهد بالتوحيد دخل الجنة" أنه منسوخ بالفرائض فأجاب :
- الصحيح أنه لا نسخ بهذا ، لكن ليكن معلوماً أن من شهد بالتوحيد مخلصاً فلا يمكن أبداً أن يدع الفرائض ؛ لأن إخلاصه يحمله على أن يفعل. كيف تشهد أن لا إله إلا الله : أي لا معبود بحق إلا الله ؟ وكيف تقول : أنا أريد بذلك وجه الله ، ثم لا تعمل العمل الذي يوصلك إلى الله ؟! فبهذا لا يمكن. ولهذا كان من حافظ على ترك الصلاة ولم يصل أبداً كافراً ، فلو قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأؤمن بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، ولكن لا أصلي. نقول : أنت كافر ، لا فرق بينك وبين الذي يسجد للصنم ، ولذا جاء في رواية مسلم من حديث جابر "بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة"أ.هـ
**(نقلاً من لقاء الباب المفتوح لقاء رقم (45) مجلد41-50ص99)**
* الرابع : سئل شيخنا محمدٌ عن معنى قوله صلى الله عليه وسلم"لم يعملوا خيراً قط" فقال :(1/105)
- معنى "لم يعملوا خيراً قط" أنهم ما عملوا أعمالاً صالحة ، لكن الإيمان وقر في قلوبهم ، فإما أن يكون هؤلاء قد ماتوا قبل التمكن من العمل ؛ آمنوا ثم ماتوا قبل أن يتمكنوا من العمل ، وحينئذ يصدق عليهم أنهم لم يعملوا خيراً قط. وإما أن يكون هذا الحديث مقيداً بمثل الأحاديث الدالة على أن بعض الأعمال الصالحة تركها كفر كالصلاة مثلاً ، فإن لم يصل فهو كافر ولو زعم أنه مؤمن بالله ورسوله ، والكافر لا تنفعه شفاعة الشافعين يوم القيامة ، وهو خالد مخلد في النار أبد الآبدين ، والعياذ بالله. فالمهم أن هذا الحديث : إما أن يكون في قوم آمنوا ولم يتمكنوا من العمل فماتوا فور إيمانهم فما عملوا خيراً قط ، وإما أن يكون هذا عاماً ولكنه يستثنى منه ما دلت النصوص الشرعية على أنه لا بد أن يعمل كالصلاة ، فمن لم يصل فهو كافر لا تنفعه الشفاعة ولا يخرج من النار"أ.هـ
**(نقلاً من مجموع فتاوى شيخنا العثيمين ج2ص48رقم171)**
* الخامس : سأل الأخ محمد خليل النيجيري شيخنا محمداً ـ رحمه الله ـ في مرضه الأخير فقال بلكنته الأفريقية:
- شيخ يقول بعض العلماء : لا يكفر من اعتقد وقال ولم يعمل ولم يكن جاحداً بالأعمال ، واستدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام:"لم يعمل خيراً قط" وما قولكم سماحتكم في هذا ؟
- قال الشيخ : ما فهمت السؤال.
- قال السائل : بعض العلماء يقولون : لا يكفر من اعتقد "لا إله إلا الله محمد رسول الله" مؤمن من قلبه ، وقالها بلسانه ولكن لم يعمل ، وترك العمل تكاسلاً لا جحوداً ، فهل يكون خطأً ؟(1/106)
- قال الشيخ : نعم ، قولهم هذا غير صحيح (30)، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تارك الصلاة [كافر] ، مع أنه يقول :"أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" ، والكفر ليس راجعاً إلى قواعد يقعدها الناس على ما يريدون ، هو مبني على الكتاب والسنة ، فمن كفره الله ورسوله فهو كافر ، سواء كان على قواعد هؤلاء أو على خلافها ، ومن لم يكفره الله ورسوله فليس بكافر (31)"أ.هـ.
**(نقلاً عن شريط مسجل أكثره يتضمن أسئلة الأخ محمد خليل النيجيري لشيخنا العثيمين رحمه الله في مرضه الأخير ويظهر فيه دعاء الناس للشيخ بالشفاء والعافية مرات)**
* السادس : وقال شيخنا العثيمين ـ رحمه الله ـ في الجواب عن حديث الذين يقولون : أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها. قال حذيفة (:"تنجيهم من النار" :
- قال الشيخ محمدٌ رحمه الله في كتابه "حكم تارك الصلاة" : القسم الخامس : ما ورد مقيداً بحالٍ يُعذر فيها بترك الصلاة ، كالحديث الذي رواه ابن ماجه عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله ( :"يدرس الإسلام كما يدرس وشيُّ الثوب الحديث وفيه :"تبقى طوائف من الناس...". فإن هؤلاء الذين أنجتهم الكلمة من النار كانوا معذورين بترك شرائع الإسلام ؛ لأنهم لا يدرون عنها ، فما قاموا به هو غاية ما يقدرون عليه ، وحالهم تشبه من ماتوا قبل فرض الشرائع (32) أو قبل أن يتمكنوا من فعلها ، كمن مات عقيب شهادته ، قبل أن يتمكن من فِعل الشرائع ، أو أسلم في دار الكفر فمات قبل أن يتمكن من العلم بالشرائع"أ.هـ
**(نقلاً من كتاب حكم تارك الصلاة ص25)**
* السابع : تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتاب "كشف الشبهات" :
- قال شيخ الإسلام رحمه الله:(لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل ، فإذا اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً ، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر"أ.هـ(1/107)
- قال الشيخ محمدٌ رحمه الله : ختم المؤلف هذه الشبهة بمسألة عظيمة ، هي : أنها لا بد من أن
يكون الإنسان موحداً بقلبه وقوله وعمله ، فإن كان موحداً بقلبه ولكنه لم يوحد بقوله أو بعمله ،
فإنه غير صادق في دعواه ، لأن توحيد القلب يتبعه توحيد القول والعمل لقوله صلى الله عليه وسلم:"ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب" ، فإذا وحد الله كما زعم بقلبه ولكنه لم يوحده بقوله أو فعله ؛ فإنه من جنس فرعون الذي كان مستيقناً بالحق عالماً ، لكنه أصر وعاند وبقي على ما كان عليه من دعوى الربوبية"أ.هـ.
**(نقلاً عن شرح كشف الشبهات للشيخ ضمن فتاوى العقيدةج7ص100)**
* الثامن : يقول الأخ علي بن عبد العزيز موسى :
ــ وقد وفقني الله تعالى للذهاب للشيخ ـ أي ابن عثيمين رحمه الله ـ في بيته وسؤاله عن مسألة
الإيمان فقلت : يوجد قبلنا من يقول : الإيمان اعتقاد القلب ، وتلفظ باللسان ، وأصل أعمال القلوب.
ــ فقال رحمه الله وهو غاضب : أعوذ بالله ، هذا قول المرجئة ، وهو مذهب قديم معروف ، وأخذ يذكر بعض الأدلة على بطلان ذلك ، وقد يسر الله تعالى تسجيل بعض كلام الشيخ من خلال بعض الأسئلة التي وجهت إليه"أ.هـ.
**(نقلاً عن كتاب تنبيه الإخوان إلى حقيقة الإيمان والرد على المخالفين ص69)**
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه أئمة الهدى ومصابيح الدجى , أما بعد :
فإن هناك بعض الأحاديث التي يستدل بها البعض على أن من ترك جميع الأعمال بالكلية فهو مؤمن ناقص الإيمان كحديث ((لم يعملوا خيرًا قط)) ([1]) وحديث البطاقة([2]) وغيرها من الأحاديث، فكيف الجواب على ذلك؟
يقول العلامة الفوزان -حفظه الله- في كتابه '' مسائل في الإيمان ''( ص 28، 29 ) جوابا على هذا السؤال :(1/108)
هذا من الاستدلال بالمتشابه، وهذه طريقة أهل الزيغ الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم: ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ( [آل عمران: 7] فيأخذون الأدلة المتشابهة ويتركون الأدلة المحكمة التي تفسرها وتبينها، فلا بد من رد المتشابه إلى المحكم، فيقال: من ترك العمل لعذر شرعي ولم يتمكن منه حتى مات فهذا معذور وعليه تحمل هذه الأحاديث، فيقال: هذا رجل نطق بالشهادتين معتقدًا لهما مخلصًا لله عز وجل ثم مات في الحال ولم يتمكن من العمل لكنه نطق بالشهادتين مع الإخلاص لله والتوحيد كما قال صلى الله عليه وسلم: ((من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله) ، وقال: (فإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) ، هذا لم يتمكن من العمل مع أنه نطق بالشهادتين واعتقد معناهما وأخلص لله عز وجل، لكنه لم يبق أمامه فرصة للعمل حتى مات فهذا هو الذي يدخل الجنة بالشهادتين وعليه يحمل حديث البطاقة وغيره مما جاء بمعناه، وعليه يحمل حديث الذين يخرجون من النار وهم لم يعملوا خيرًا قط لأنهم لم يتمكنوا من العمل مع أنهم نطقوا بالشهادتين ودخلوا في الإسلام أما من ترك الأعمال كلها مختارًا مع تمكنه منها فهذا لا يكون مؤمنًا هذا هو الجمع بين الأحاديث.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلم تسليما.
ـــــ
الراجحي
(السؤال الثالث عشر):
هناك بعض الأحاديث التي يستدل بها البعض على أن من ترك جميع الأعمال بالكلية فهو مؤمن ناقص الإيمان كحديث: لم يعملوا خيرا قط وحديث البطاقة وغيرها من الأحاديث ؛ فكيف الجواب على ذلك ؟
الجواب :(1/109)
ليس في هذه الأحاديث حجة لهذا القائل، فمن ترك جميع الأعمال بالكلية وزعم أنه يكتفي بما في قلبه من التصديق كما سبق فإنه لا يتحقق إيمانه إلا بالعمل، وأما أحاديث الشفاعة وأن المؤمنين الموحدين العصاة يشفع لهم الأنبياء والأفراط والشهداء والملائكة والمؤمنون وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته، يخرج قوما من النارلم يعملوا خيرا قط ، قال العلماء: المعنى لم يعملوا خيرا قط أي: زيادة على التوحيد والإيمان ولا بد من هذا ؛ لأن النصوص يُضم بعضها إلى بعض وقد دلت النصوص على أن الجنة حرامٌ على المشركين
وقد ثبت في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر مناديا ينادي في بعض الغزوات : أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولما أمّر أبا بكر في الحج في السنة التاسعة من الهجرة أرسل معه مؤذنين يؤذنون منهم أبو هريرة وغيره يؤذنون في الناس بأربع كلمات منها : لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد فهو إلى عهده، ومن لم يكن له عهد فهو إلى أربعة أشهر وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يدخل الجنة كافر، قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ فهذه نصوص محكمة وهذا الحديث يُرد إليها، والقاعدة عند أهل العلم: أن المتشابه يُرد إلى المحكم.(1/110)
ولا يتعلق بالنصوص المتشابهة إلا أهل الزيغ كما قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وثبت في الحديث الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت : إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم وأما أهل الحق فإنهم يردون المتشابه إلى المحكم ويفسرونه به، وهذا الحديث فيه اشتباه لكنه يرد إلى المحكم من النصوص الواضحة المحكمة في أن المشرك لا يدخل الجنة وأن الجنة حرام عليه.
فلا يمكن أن يكون معنى الحديث : لم يعملوا خيرا قط أنهم مشركون وليس عندهم توحيد وإيمان، وأنهم أخرجهم الله إلى الجنة فهذا لا يمكن أن يكون مرادا، وإنما المراد لم يعملوا خيرا قط أي: زيادة على التوحيد والإيمان، وكذلك حديث البطاقة ليس فيه أنه مشرك وإنما فيه أنه موحِّد ففيه أنه: يؤتى برجل ويخرج له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر سيئات، ويؤتى له ببطاقة فيها الشهادتان فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ومعلوم أن كل مسلم له مثل هذه البطاقة وكثير منهم يدخلون النار، لكن هذا الرجل لما قال هاتين الشهادتين قالها عن إخلاص وصدق وتوبة، فأحرقت هذه السيئات فثقلت البطاقة وطاشت السجلات.
الثوريون، والتكفيريون . . .
في سقوطهم المحوّل(1/111)
وهنا تعرف أن نقل بعض إخواننا عن شيخنا محمد رحمه الله أنه قال له تعليقاً على الفتوى الصادرة من اللجنة الدائمة للإفتاء بحق كتابه :"لقدفرقت هذه (الفتوى) المسلمين في أنحاء العالم ، ولم يستفد منها إلا الثوريون والتكفيريون). أقول :نعم ، لكن لا يعني رحمه الله في ذلك مواقفتك على ما ذهبت إليه من إثبات إيمان تارك العمل كله ، فلقد سألته أنا أيضاً عن نفس القضية في بيته بعد عودته من رحلته العلاجيه في بلاد الغرب ، فذكر أنها تشوش ، فقلت : هل توافق صاحب الكتاب على أن تارك عمل الجوارح فهو باق على إسلامه ، فأشار بيده قائلاً : خطأ ، خطأ ، خطأ ، ثلاث مرات. فتبقى الخلاف في المسألة سياسة ، ولم يقل أحد من العلماء أن اجتهاد عالم حجةٌ على عالم آخر.
(الفتاوى الكبرى:2/325):" و الله لا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه بخلاف الذي فعل ما فعل ابتغاء وجه ربه الأعلى وهذا مما يحقق أن الإيمان والتوحيد لا بد فيهم من عمل القلب كحب القلب فلا بد من إخلاص الدين لله والدين لا يكون دينا إلا بعمل فإن الدين يتضمن الطاعة والعبادة وقد أنزل الله عز وجل سورتي الإخلاص قل يا أيها الكافرون الكافرون 1 و قل هو الله أحد الإخلاص 1 إحداهما في توحيد القول والعلم والثانية في توحيد العمل والإرادة فقال في الأول قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد الإخلاص 14 فأمره أن يقول هذا التوحيد وقال في الثاني قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين الكافرون 16 فأمره أن يقول ما يوجب البراءة من عبادة غير الله وإخلاص العبادة لله و العبادة أصلها القصد والإرادة(1/112)
قال د. عبد الله بن عبد العزيز الجبرين الأستاذ بكلية المعلمين بالرياض(بحثه في الكفر الأكفر:ص؟؟):"النوع السادس : كفر الإعراض : ورد ذكر الإعراض في كتاب الله تعالى في آيات كثيرة ، وأصل الإعراض هو : التولي عن الشيء ، والصدود عنه ، وعدم المبالاة به . والإعراض عن دين الله تعالى قسمان : القسم الأول : إعراض مكفر : وهو أن يترك المرء دين الله ويتولى عنه بقلبه ولسانه وجوارحه ، أو يتركه بجوارحه مع تصديقه بقلبه ونطقه بالشهادتين .
وهذا القسم له ثلاث صور ، هي :
1- الإعراض عن الاستماع لأوامر الله عز وجل ، كحال الكفار الذين هم باقون على أديانهم المحرفة أو الذين لا دين لهم ، ولم يبحثوا عن الدين الحق مع قيام الحجة عليهم ، فهم أعرضوا عن تعلم ومعرفة أصل الدين الذي يكون به المرء مسلماً ، فهم يمكنهم معرفة الدين الحق والسير عليه ، ولكنهم لم يلتفتوا إلى ذلك ، ولم يرفعوا به رأساً .
2- الإعراض عن الانقياد لدين الله الحق وعن أوامر الله تعالى بعد استماعها ومعرفتها ، وذلك بعدم قبولها فيترك ما هو شرط في صحة الإيمان ، وهذا كحال الكفار الذين دعاهم الأنبياء وغيرهم من الدعاة إلى الدين الحق ، أو عرفوا الحق بأنفسهم ، فلم يسلموا ، وبقوا على كفرهم ، قال الله تعالى : ]والذين كفروا عما أنذروا معرضون[ [الأحقاف :3] .
3- الإعراض عن العمل بجميع أحكام الإسلام وفرائضه بعد إقراره بقلبه بأركان الإيمان ونطقه بالشهادتين .(1/113)
فمن ترك جنس العمل بأحكام الإسلام ، فلم يفعل شيئاً من الواجبات ، لا صلاة ولا صياماً ولا زكاةً ولا حجاً ولا غيرها ، فهو كافر كفراً أكبر([44]) بإجماع السلف([45])، لقوله تعالى : ]قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين[ [آل عمران :32] ([46])، ولقوله تعالى : ]ومن أظلم ممن ذُكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنّا من المجرمين منتقمون[ [السجدة :22] ، ولآيات أخرى كثيرة تدل على كفر عموم المعرضين ، ولأن تركه لجميع الأعمال الظاهرة دليل على خلو باطنه من الإيمان والتصديق الجازم([47]) .
القسم الثاني : الإعراض غير المكفر : وهو أن يترك المسلم بعض الواجبات الشرعية غير الصلاة([48]) ، ويؤدي بعضها
(1) زيادة بقلم الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله
(2) قال الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله هنا:"أي هناك فرقٌ بين الكفر المعرف باللام ، والكفر المنكّر".
(3) في الأصل (ليس ركناً من أركان الإيمان) فعدلها الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله كما ترى.
(4) زيادة بقلم الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله"أ.هـ. ومراد الشيخ أن الشرط خارج عن ماهية الشيء والعمل جزء من الإيمان لا خارج عنه ، ومن أطلق من علمائنا أنه شرط صحة فمراده أنه لا يصح الإيمان إلا به كما وقع في بعض كلام سماحة الشيخ ابن باز تنزلاً مع السؤال حين قال مرة : إنه شرط صحة ، لكن قال مرة عند التحقيق :" لا ، هو جزء ، ما هو بشرط ، هو جزء من الإيمان" كما سيأتي في فتاواه.
(5) زيادة توضيحية بقلم الشيخ صالح حفظه الله.
(6) علق العلامة صالح الفوزان حفظه الله قائلاً:"أي القول بأن العمل شرط كمال في الإيمان هو قول المرجئة".
(7) زيادة توضيحية بقلم الشيخ صالح حفظه الله.
(8) علق الشيخ العلامة صالح الفوزان قائلاً :"لكن جنس العمل هو من حقيقة الإيمان ، وليس شرطاً فقط".(1/114)
(9) علق العلامة الشيخ صالح الفوزان هنا قائلاً :"أهل السنة والخوارج والمعتزلة يقولون : الإيمان قول وعمل واعتقاد ، لكن الخوارج والمعتزلة يقولون : إن الإيمان يزول بزوال العمل مطلقاً ، وأهل السنة يقولون : العمل منه ما يزول الإيمان بزواله كالصلاة ؛ فإن تاركها يكفر كفراً مخرجاً من الملة لما جاء في الأدلة الصحيحة على ذلك. ومن الأعمال ما ينقص الإيمان بزواله ، ولا يزول كلياً كبقية الأعمال"أ.هـ.
(10) زيادة بقلم الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله.
(11) زيادة بقلم الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله.
(12) قال الشيخ العلامة صالح الفوزان رحمه الله لعله "المسلم".
(13) قال الشيخ العلامة صالح الفوزان رحمه الله لعله "خروجه".
(14) كتب العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله هنا:"وأنا أقول : إن حديث ?لم يعملوا خيراً قط? محمول على من تلفظ بالشهادتين صادقاً ومات أو قتل قبل أن يتمكن من العمل جمعاً بين النصوص".
(15) قال الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله هنا:"الكلام ليس في حكم تارك الصلاة فقط ، بل الكلام في إخراج العمل عموماً عن حقيقة الإيمان ، والمتعالمون اليوم يدورون حول هذه المسألة فينبغي التفطن لهذا".(1/115)
(16) أقول كما قال شيخنا صالح حفظه الله بعض هؤلاء يدندن حول وجود الخلاف في كفر تارك الصلاة داخل دائرة أهل السنة لأجل التوصل إلى تقرير وجود الخلاف في كفر تارك عمل الجوارح عند السلف ، لكن لو عقلوا لعلموا أن شيخنا محمداً رحمه الله قطع عليهم الطريق حين قال سابقاً في قضية كفر تارك الصلاة:"فقد جاء في الأدلة من القرآن والسنة والنظر الصحيح وإجماع الصحابة كما حكاه غير واحد على أن تارك الصلاة كافر مخلد في نار جهنم وليس داخلاً تحت المشيئة" ، فهل يصح عند من عقل أن الشيخ يرى جواز مخالفة الإجماع؟ بل وإجماع الصحابة. بل انظر إلى إجابة سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله في الفتوى الثالثة له آنفاً حينما سئل عمن لم يكفّر تارك الصلاة من السلف ، أيكون العمل عنده شرط كمال ؟ أم شرط صحة ؟فقال: "لا ، بل العمل عند الجميع شرط صحة ، إلا أنهم اختلفوا فيما يصح الإيمان به منه ؛ فقالت جماعة : إنه الصلاة ، وعليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، كما حكاه عبد الله بن شقيق. وقال آخرون بغيرها".(1/116)
(17) لم يتعرض شيخ الإسلام لذهاب الإيمان من عدمه وإنما قال (الفتاوى:7/637) عنه :"فمن سواء أجزائه ما إذا ذهب نقص عن الأكمل ، ومنه ما نقص الكمال وهو ترك الواجبات أو فعل المحرمات ، ومنه ما نقص ركنه هو ترك الاعتقاد والقول : الذي يزعم المرجئه والجهمية أنه مسمى فقط ، وبهذا تزول شبهة الفرق. وأصله في القلب وكماله العمل الظاهر ، بخلاف الإسلام ؛ فإن أصله الظاهر وكماله القلب"أ.هـ. قلت : مراد السائل التلبيس بأن شيخ الإسلام يرى أن الركن الذي يذهب الدين بتركه هو القول والاعتقاد دون العمل ، وهذه كرة خاسرة لأن رأي شيخ الإسلام الواضح المعلوم هو تكفير تارك عمل الجوارح وتصريحه باستحالة وجود إيمان في القلب مع عدم العمل الظاهر. ومشكلة هؤلاء ظنهم أن الكمال في كلام الشيخ هنا ما لا يكفر بتركه ، وآخر عبارة الشيخ تنقض هذا الفهم عند قوله عن الإسلام "فإن أصله الظاهر وكماله القلب" إذ لازم ذلك أن يحكم بالإسلام لمجرد العمل الظاهر ولو تخلف عمل القلب الذي هو كمال ، وهذا هو النفاق بعينه. وإنما ذكرت هذا التعليق لأن شيخنا العلامة صالح الفوزان حفظه الله كتب عند نقل السائل قول شيخ الإسلام:"يحتاج إلى توثيقه من كتب شيخ الإسلام" ، ثم عرضته عليه حفظه الله فأقره.(1/117)
(18) الشيخ رحمه الله أنكر إطلاق لفظ "جنس العمل" سياسة لإبعاد الشباب عن الجدل الواقع بينهم وحصر الكفر بترك الصلاة ـ كما سيأتي في كلامه ـ ولكن نتج من اجتهاد الشيخ هذا لازم فاسد حين توصل هؤلاء لإلزام تارك مقولة السلف بكفر تارك العمل بلازم كلامه حيث قالوا : "إذا حصرتم الكفر بترك الصلاة دون جنس العمل ، وعلم أن من السلف من لا يكفر تارك الصلاة فيكون تارك عمل الجوارح عنده كذلك غير كافر ، فصح أن مسألة كفر تارك عمل الجوارح مسألة خلافية عند السلف" ، وهذا لا يقوله الشيخ ، فحينما أوردوا نحو هذا الإلزام على الشيخ ــ كما سيأتي ــ أنكره وغضب حتى قال:"الكفر ليس راجعاً إلى قواعد يقعدها الناس على ما يريدون ، هو مبني على الكتاب والسنة" ، وكان سماحة الشيخ ابن باز أصرح في دفع هذه الشبهة حينما سئل في الفتوى الثالثة الآنفة وقيل له : من لم يكفر تارك الصلاة من السلف ، أيكون العمل عنده شرط كمال ؟ أم شرط صحة ؟ فقال :"لا ، بل العمل عند الجميع شرط صحة ، إلا أنهم اختلفوا فيما يصح الإيمان به منه". قلت : ولذا كان الشافعي يرى عدم تكفير تارك الصلاة مع حكايته على أنه لا يجزئ إيمان بلا عمل ، فهو إذن مع عدم تكفيره لتارك الصلاة يكفر تارك العمل كله. ومع ذلك فقد أقر ذكر "جنس العمل" من العلماء غير شيخنا محمد ؛ فشيخ الإسلام ابن تيمية ناشر مذهب السلف يصرح بذلك فيقول(الفتاوى:7/616):"وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان أو جزءاً من الإيمان كما تقدم بيانه) ، ويقول(الفتاوى:7/198) :" لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح). وكذلك سماحة الشيخ ابن باز يقرر في الفتوى الثالثة الآنفة وهو يذكر اختلاف السلف فيما يصح به الإيمان من العمل فيقول:"إلا أن جنس العمل لابد منه لصحة الإيمان عند السلف جميعاً". ويُقر كفرَ(1/118)
تارك جنس العمل في الفتوى السادسة. وكذلك شيخنا صالح الفوزان حفظه الله في تعليقه آنفاً على الفتوى الثالثة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله.
(19) قال الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله هنا:"لو قال : من حقيقة الإيمان لكان أصح لأن الإيمان يزول بزوالها".
(20) زيادة توضيحية بقلم الشيخ صالح الفوزان حفظه الله.
(21) زيادة توضيحية بقلم الشيخ صالح الفوزان حفظه الله.
(22) في الأصل "الكافر" فزاد الشيخ صالح الفوزان حفظه الله الفاء [فالكافر].
(23) زيادة توضيحية بقلم الشيخ صالح الفوزان حفظه الله.
(24) ذكر هذا في كتاب "حقيقة الإيمان بين غلو الخوارج وتفريط المرجئة" للأخ عدنان عبد القادر ص 33 ، والذي ردت عليه اللجنة الدائمة برقم(21435) تاريخ 8/4/1421هـ. وذكرت ذلك لأن الشيخ صالح الفوزان حفظه الله كتب هنا:"لو ذكر اسم الكتاب".
(25) انظر "حقيقة الإيمان بين غلو الخوارج وتفريط المرجئة ص 80". وعلق الشيخ العلامة صالح الفوزان هنا قائلاً :"قصده جمهور المرجئة وليس جمهور أهل السنة ، لكنه ترك التوضيح من باب التلبيس".
(26) قال الشيخ العلامة صالح الفوزان:"يظهر أن الكتاب ليس مقرراً في المدارس ، وإنما هذا الشخص اختاره لأنه يوافق هواه".(1/119)
(27) وأقوى منه ما تقدم فيما أخرجه المروزي في (تعظيم قدر الصلاة:1/877،904) واللالكائي(شرح أصول اعتقاد أهل السنة:4/829) عن مجاهد أبي الحجاج أنه سأل جابر بن عبد الله رضي الله عنه : ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : الصلاة" ، وسنده حسن كما قرره العلامة الألباني(صحيح الترغيب:1/227) ، ومن طريق أبي الزبير سمع جابر بن عبد الله وسأله رجل : هل كنتم تعدون الذنب فيكم كفراً ؟ قال : لا ، وما بين العبد والكفر إلا ترك الصلاة" ، وسنده صحيح ، وجابر هو راوي الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم في كفر تارك الصلاة عند مسلم ، فهو ينسب في النص الأول كفر تارك الصلاة وأنها الفاصلة بين الكفر والإيمان إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة فهو في حكم المرفوع للرسول كما هو مقرر في موضعه من كتب "علوم الحديث" وفي حكم حكاية الإجماع بين الصحابة ، وأما النص الثاني فيدل دلالة واضحة لا لبس فيها على أنه يعتبر ترك الصلاة من الكفر الأكبر لأنه فرق بينه وبين الذنب الذي لا يكفر صاحبه ، ويجب حمل حديثه المرفوع على هذا المعنى. مع أنه روي كفر تارك الصلاة عن ستة عشر صحابياً ولا يعلمُ لهم مخالف. وهنا نكتة لطيفة ذكرها ابن رجب في(جامع العلوم والحكم:1/91) حين قال:"وقد استدل أحمد وإسحاق على كفر تارك الصلاة بكفر إبليس بترك السجود لآدم ، وترك السجود لله أعظم".
(28) في الشريط كلام غير واضح وأظنه قطع.(1/120)
(29) أي شيخ الإسلام ابن تيمية. قال ابن القيم في ( الصلاة وحكم تاركها:60) عند ذكر الدليل العاشر من القرآن على كفر تارك الصلاة : "على أنا نقول : لا يصر على ترك الصلاة إصرارا مستمراً من يصدّق بأن الله أمر بها أصلاً ، فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقاً تصديقاً جازماً أن الله فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات ، وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب ، وهو مع ذلك مُصرٌّ على تركها ، هذا من المستحيل قطعاً ، فلا يحافظ على تركها مصدّق بفرضها أبداً ، فإن الإيمان يأمر صاحبه بها ، فحيث لم يكن في قلبه ما يأمر بها ، فليس في قلبه شيء من الإيمان ... وهذا القدر هو الذي خفي على من جعل الإيمان مجرد التصديق ، وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم ، وهذا من أمحل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة ولا ترك معصية".(1/121)
(30) لاحظ هنا نص سؤال السائل عمن قال : لا يكفر من اعتقد الشهادتين وقالها بلسانه ، وترك العمل تكاسلاً لا جحوداً" ،" ثم رد الشيخ بقوله :"قولهم هذا غير صحيح ... والكفر ليس راجعاً إلى قواعد يقعدها الناس على ما يريدون" ، ومنه تعرف أن ما نقله بعض الإخوة عن شيخنا محمد رحمه الله وأشاعه أنه قال له تعليقاً على الفتوى الصادرة من اللجنة الدائمة للإفتاء بحق كتابه :(لقد فرقت هذه الفتوى المسلمين في أنحاء العالم ، ولم يستفد منها إلا الثوريون والتكفيريون)أ.هـ. لا يعني أنه رحمه الله موافقٌ لصاحب الكتاب فيما ذهب إليه من إثبات إيمان تارك العمل كله أو أنه اعتراض على الفتوى كما هو واضح من إجابة هذا السؤال ، بل لقد سألته أنا أيضاً رحمه الله عن نفس الفتوى في بيته بالرياض بعد عودته من رحلته العلاجية في بلاد الغرب ، فذكر أنها شوشت ، فقلت له : هل توافق صاحب الكتاب على أن تارك عمل الجوارح باق على إسلامه ؟ فأشار بيده رحمه الله قائلاً : خطأ ، خطأ ، خطأ ، ثلاث مرات. فيبقى الخلاف في المسألة بين علمائنا في طريقة علاج القضية ، ولم يقل أحد من العلماء أن اجتهاد عالم حجةٌ على عالم آخر. ويعلم الله! أنه لولا نظري في المصلحة التي قدّرها شيخنا رحمه الله ، وعلمي بعدم رغبته فيما سأنقل ، لأوردت عنه ما هو أقطع لحجة هذا الأخ وأوضح في المسألة ، لكني أرجو أن يكفي هذا في تركه الإيهام بوجود خلاف بين علمائنا في هذه المسألة.
(31) قال الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله:"وأيضاً لا إله إلا الله لا تنفع من قالها وهو يشرك بالله : كعبّاد القبور الذين يقولون هذه الكلمة ويناقضونها بدعاء الأموات والاستغاثة بهم والذبح لهم والنذر لهم".
(32) قال الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله:"أي التي لم يعملوها ؛ لأنهم ماتوا قبل أن تشرع".
??
??
??
??
17(1/122)