أثر اليهود والنصارى والمجوس
في التشيع
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
أثر اليهود والنصارى والمجوس
في التشيع
بقلم
السيد أبو علي المرتضى بن سالم الهاشمي
بسم الله الرحمن الرحيم
إهداء
ـ إلى طلبة العلم والمثقفين من الرافضة ، حتى يعلموا حقيقة ما يعتقدون ، ويهيئوا الجواب إذا ما سئلوا يوم القيامة ، وليعلموا قوله تعالى :
{ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ}ـ إلى علماء الرافضة ، الذين يعلمون حقيقة مذهبهم ويكتمونه عن الناس ، وليهيئوا الجواب يوم القيامة ، عندما يُسألون
{ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ }
ـ إلى عامة الرافضة الذين لا يعلمون حقيقة مذهبهم الذي وضعه اليهود والنصارى والمجوس حتى يعلموه كما هو في مصادرهم الأصلية .
ـ إلى طلبة العلم والمثقفين والدعاة من أهل السنة والجماعة ، حتى يعلموا حقيقة مذهب الرافضة ، فلا ينخدعوا بما يسمعونه منهم .
ـ إلى العلماء ودعاة التقارب بين المذاهب حتى يعلموا عقائد القوم ، ويعرفوا كيف يتحاورون معهم .
إليهم جميعاً أهدي هذا الكتاب .
تبرئة للذمة ، ونصيحة لله تعالى ولكتابه ولرسوله ^ وللمؤمنين .
اللهم اشهد
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد ، وعلى آله الطَّيِّبين الطاهرين ، وصحابته الكرام المبَجَّلين ، وعلى من تبعهم من الأمة بعدهم بإحسان إلى يوم الدِّين .
أما بعد .
فقد وُلدت ـ ولله الحمد ـ من عائلتين شريفتين ـ من آل البيت ـ فأحد أجدادي المتقدمين كان نقيباً للأشراف في البصرة ، وكان غيره نقباءَ في غيرها ، وأهل والدتي من الحَوِيجَة ـ جنوب غرب كركوك ـ وتعلَّمتُ على كبار علماء بلدي ، خاصة العلامة السيد محمد الحُسَيني الهاشمي ، والعلامة السيد حسين الحُسَيني الهاشمي رحمهما الله تعالى، حيث قرأت عليهما مختلف العلوم الشرعية والعربية .(1/1)
وقد سألت أحد أولاد عمومتنا من الأشراف في بغداد ـ ممن هو أكبر مني ـ عام 1385هـ ـ : لم تشيّع بعضُ الهواشم في جنوب غرب العراق ؟ فأخبرني أن مجموعةً قدمت من إيران قبل حوالي سبعين أو ثمانين سنة إلى جنوب وجنوب غرب العراق ، ودعت الناس إلى التشيع ، مستغلة الجهلَ من طرف ، وفقرَ ذات اليد من طرف آخر ، وغفلة علماء السنة من طرف ثالث ، ومستغلة عاطفة المسلمين نحو آل البيت ، مثيرين فيهم نخوة محبة آل البيت رحمهم الله تعالى ، مدَّعين الظلمَ على آل البيت على مر التاريخ ، بالإضافة لما يقدِّمونه من مال سخي لمن ينتقل إلى مذهبهم ، وما زالوا يفعلون ذلك إلى زماننا هذا .
فتألمت ألماً شديداً لما حصل ، هؤلاء الشيعة هم الذين غدروا بآل البيت ـ من أولهم إلى زماننا ـ ولكن انطبق عليهم المثل القديم : ( قتله ، وخرج بجنازته ) ولو سلِم آلُ البيت من غدر الشيعة وطعنهم لكان خيرهم فوق الخير .(1/2)
فعكفت على كتب الشيعة من جديد ، ونقلت نقولاً كثيرة ، وكتبت رسالة عن التشيع ، وانتهيت منها عام (1386هـ ) بينت فيها منشأ التشيع ، وأنه من صنع اليهود ـ ولم أنقل إلا من مصادرهم وكتبهم فقط ـ كما بينت آراءهم ومعتقداتهم ، ابتداء من دعوى أُلوهية عليٍّ رضي الله عنه ، وخيانة جبريل عليه السلام ـ حاشاه ـ ونقص القرآن وتحريفه ، وخيانة الصحابة رضي الله عنهم ـ حاشاهم وبرَّأهم ـ ودعوى إحياء الموتى ، ودعوى الإمامة والوصاية، والعصمة، وتفضيل الأئمة على النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، وانتهاء بدعوى القائم المزعوم ـ لا أقامه الله تعالى لأنه ضرب من الخيال، وليس له حقيقة كما سيأتي بيانه ـ وأنه إذا ظهر سيهدم الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف ـ زادهما الله تعالى رفعة ومهابة وطهَّرهما من يد الرافضة ـ وسينقل الحجر الأسود من مكة وينصبه في كعبتهم المزعومة في كربلاء أو الكوفة ـ لأنهما في زعمهم أفضل من الكعبة المشرفة، ومن المسجد النبوي الشريف ـ وأنه سيذبح جميع العرب وخونة الشيعة ، ولا يُبقي من أهل السنة أحداً ، وأنه سيلغي القرآن الكريم ، ويحكم بكتاب داود عليه السلام ، وتوراة موسى ، لأنهما معه مع الإنجيل مع بقية الكتب المزعومة ، وهي عنده في السرداب ،... الخ . كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
وبعد سقوط بغداد بأيدي الكفار ـ من الأمريكان ـ وأعوانهم الفرس ـ سمعت بعد يومين من سقوطها المذيعَ في إذاعة لندن يسأل أحد مسؤولي وزارة الخارجية الإيرانية : هل صحيح كان اجتماعات سرية تُعقد بينكم وبين المسؤولين الأمريكيين بشأن العراق ؟ فأجابه الإيراني ـ باللغة العربية ـ نعم ، لقد اجتمعنا قبل سقوط بغداد مرتين في جنيف ، ويوم الأربعاء سيكون الاجتماع الثالث، ليكون ترتيب الأوضاع بعد سقوط نظام صدام .
ثم وقعت في يدي وثيقتان لفيلق الغدر ، تبيِّنان التوافق بين الشيعة والنصارى .(1/3)
الوثيقة الأولى : قبل دخول القوات الأمريكية بغداد ، وفيها يخاطب أفرادَ الغدر : عليكم بأمرين اثنين : الأول : إذا دخلتم بغداد يلزمكم حرقَ جميع مكاتب الأحوال المدنية ، حتى نستطيع إدخال نصف مليون إيراني إلى العراق . والثاني : عليكم حرق جميع المكتبات ، فلا تبقوا شيئاً للسنة ، من كتب الفقه والأصول والحديث والتفسير وغيرها ،... حتى ندخل كتبَ الشيعة .
وأن أمريكا وعدتنا أن تسلمنا الحكمَ في العراق إذا دخلت بغداد .
وأما الوثيقة الثانية : فبعد شكره لأعضاء فيلق الغدر على ما قاموا به من الأمرين السابقين في الوثيقة الأولى؛ يطلب منهم اغتيال وتصفية جميع رموز السنة؛ من علماء وأساتذة جامعيين ووجهاء ومفكرين ورجال أعمال،... الخ
وبعد فترة ـ وبالتحديد بعد الانتخابات في أفغانستان ـ سمعت حواراً بين اثنين ـ أحدهما رئيس قسم الدراسات الاستراتيجية في إيران ـ فقال المحاور الثاني ـ وهو سني من العراق ـ للإيراني : هل سمعت ما قاله ( كول امباول ) وزير الخارجية الأمريكية البارحة ؟ إن أمريكا تشكر إيران ، على ما بذلته لنا ، فلولا إيران ما استطعنا دخول أفغانستان ، ولم نتمكن من إجراء الانتخابات فيها . ثم قال له ـ بعد ما ذَكر له من وثائق مكتوبة في دعوة إيران لأمريكا لدخول أفغانستان، ودعوتها ومعها زعماء الشيعة الخونة في العراق لدخول العراق ، والدعاوى التي ذكرتها إيران وأشاعتها أمريكا فيما بعد ـ ثم قال له بالحرف : وماذا أعدَّت إيرانُ لسوريا من مخططات ؟ وأرجو أن تنظر ما يحصل في سورية الآن .
[قلت : انظر فصل : عداوة الشيعة لأهل السنة وتكفيرهم لهم . فسترى نماذج من عداوتهم وحقدهم وتكفيرهم لهم ، ومظاهر ذلك ، في عدد من البلاد الإسلامية ](1/4)
وبعد فترة سمعت من إذاعة لندن والمذيع يحاور عرّاب السلاح النووي في إيران في زمن خاتمي ، بعد اجتماع سري في تونس مع بعض المسؤولين الأمريكان ـ قال عرّاب إيران [حسن روحاني]: على أمريكا ألّا تنسى فضلَ إيران ، فلولا نحن ما استطاعوا دخول العراق ، ولا استطاعوا إجراء الانتخابات في العراق .
ومنذ أيام سمعت ـ في شريط ـ للخاسر المجرم الموسوم بمقتدى الصدر، وهو يقول : لقد ذهبتُ إلى إيران ، والتقيت بالمراجع الدينية ، فوافقوا على إبادة النواصب ـ أي أهل السنة ـ هكذا وافقت المراجع الدينية في إيران على إبادة أهل السنة، لا حقق الله تعالى لهم أطماعهم ، وقلب عليهم مخططاتهم ، ومزّقهم شرَّ ممزق . وقد ذكّرني هذا أمرين :
الأول: ما جرى لأهل السنة والجماعة في إيران، سواء يوم تسلم الصفويين، أو في أيام الخميني ـ عامله الله بعدله ـ إني لأعرف مدناً كبيرة ما كان فيها رافضي واحد ، أما الآن فلا يوجد فيها سني واحد . عدا عن مئات الألوف الذين قُتلوا في غيرها .
والثاني : قول الخميني ـ عامله الله تعالى بعدله ـ بعد وصوله إلى طهران من فرنسا وتسلُّمه مهام الأمور ، قال لبعض زوّاره من الشيعة في العراق ممن يثق به : آن الأوان لتنفيذ وصايا الأئمة ، سنسفك دماء النواصب [أهل السنة] نقتل أبناءهم ، ونستحيي نساءهم ، ولن نترك أحداً منهم يفلت من العقاب ،... وسنمحو مكة والمدينة من وجه الأرض ، وأن تكون كربلاء قبلةً للناس في الصلاة ،... هكذا يقول الخميني ـ عامله الله بعدله . يمحو مكة والمدينة من وجه الأرض ؟! تبّاً له ،(1/5)
وليسمع إن كان له سمع قول الله تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } وقولَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : > من أراد أهلَ المدينة بسوءٍ أذابه الله في النار ، كما يذوب الملح في الماء < متفق عليه ، فليتهيأ لعقاب الله تعالى على ظلمه ، وكثرة ما سفك من دماء الأبرياء ـ خاصة أهل السنة والجماعة في إيران ـ ولعله يكون أبرهة الثاني .
وليس هذا رأي الخميني فحسب بل هو رأي كل علماء الرافضة ، ممن التقيت بهم أو سمعت أقوالهم ، وانظر فصل : عداوة الشيعة لأهل السنة وتكفيرهم لهم .
أقول : لقد نشأ التشيع في أحضان اليهود والنصارى ـ سواء من اليمن أو العراق ـ كما سيأتي ـ لكنه ترعرع وشب وطال في أحضان الفرس الشعوبية، الحاقدين الناقمين على الإسلام والمسلمين ، وعلى العرب بالأخص ، وبقي تأثير أعداء الإسلام مؤثِّراً فيهم إلى يومنا هذا ، حتى إن تعيين المرجع الأعظم عندهم يكون من قبل المخابرات الأجنبية ـ كما سيأتي المثال له ـ لذا اتخذوا دعوى حب آل البيت ، ورفع الظلم عنهم ، والانتصاف لهم شعاراً؛ في سبيل الولوج إلى قلوب المسلمين ، لإفساد عقائدهم ، وإخراجهم عن دينهم ، والقضاء على الإسلام ، وإلا كيف قتلوا أئمة آل البيت ، وكأن ما يفعلونه من عويل وندب ـ كاذب ـ وبكاء مصطنع ـ تكفير لذنبهم في حق آل البيت .(1/6)
لقد اشتركوا في قتل سيدنا علي رضي الله عنه ، واغتالوا سيدنا الحسن رضي الله عنه في عين التمر ، ومكث شهراً كاملاً يعالج ، ثم سموه فقتلوه ، واستدرجوا سيدنا الحسين وأرسلوا له كيسين من الرسائل تحوي العهود والمواثيق والبيعة ، ثم تخلوا عنه ، ثم قتلوه،...وفي الأخير ما فعلوا بثورتهم المشؤومة، بزعامة (الزعيم الأوحد)وعضوية اللواء حارث الربيعي الفارسي، والمهداوي الرافضي، وكيف قتلوا آل البيت وجروهم في الطرقات، ولم يتركوا طفلاً ولا عجوزاً ، ولم يسلم سوى طفلين صغيرين ، لا أدري ما فعل الله بهما الآن ، ولو نظرنا في مقاتل الطالبيين لما استطعنا إحصاء عدد الذين قُتلوا من آل البيت في فارس والعراق بأيديهم ، كما طعنوا في دينهم وبكتابهم .(1/7)
وبعد تسلط الخميني في إيران وما فعل بالمناوئين له ـ سواء من الشيعة الرافضة من بني جلدته، أو الذين تركوا التشيع بعد ما اكتشفوا حقيقته كآية الله الكاشاني ، والعلامة حيدر علي قلمداران ، والعلامة مصطفى الحسيني الطابطابائي ، وآية الله البرقعي ،... وكثير غيرهم ، أو من أهل السنة حيث أعدم الألوف منهم كالعلامة أحمد مفني زادة ، والعلامة ناصر سبحاني ، والدكتور علي مظفريان ، والأخ الشيخ عبد الحق ، والشيخ عبد الوهاب صدّيقي خراساني، والدكتور عبد العزيز الكاظمي من بلوشستان، والشيخ ملا محمد ربيعي من كردستان ، والعلامة محمد صالح ضيائي ، والمولوي شير محمد براهوتي،...ويصعب استعراض أسماء العلماء ـ من أهل السنة في إيران ـ الذين قُتلوا، أو عُذِّبوا ، أو سجنوا، بأمر الخميني،أو قاضيه الخلخالي عامله الله تعالى بما يستحق . والتهم التي توجه لهم إما وهابي أو قاطع طريق أو مروّج مخدرات ، وعندي قائمة بأسماء كثير منهم ، وأما الذين لم أعرف أسماءهم فكثير ، سواء في كردستان أو خراسان أو بلوشستان أو عربستان ، وفي بندر عباس أو بندر لنجة،...أما المعتقلون فحدّث ولا حرج، سواء من بقي حتى الآن أو نفي خارج منطقته ، أو وُضع تحت الإقامة الجبرية ،...
بل أغرب من ذلك فإن مساجد ومدارس السنة لم تسلم من شرهم ، فهي إما أزيلت نهائياً ، أو حوّلوها إلى دور سينما ، أو مقر للحرس الثوري ، كأمثال مسجد الشيخ قادر بخش البلوشي ، ومسجد كيلان في هشت بر ، ومسجد كنارك جابهار بلوشستان ، ومسجد شيراز ، ومسجد شيخ فيض في مشهد وحولوه إلى حديقة ، ومسجد قباني تربة جام ، ومسجد مادر ـ الذي بنته أم مصدق ـ ومسجد ( غوهرشادر ) وغيرها كثير .(1/8)
ومنذ قيام الثورة اللاإسلامية لأنها مبنية على قواعد الكفر والضلال كما سيأتي ، وأهل السنة في إيران في ضنك وعذاب وإهانة وتحقير وسجن أو قتل ، ومع هذا فإن وسائل الإعلام الفارسية تزعم أنها دولة الإسلام ، وأنها ثورة إسلامية،...فلما تمكنوا انكشف الغطاء ، وبانت الحقيقة عن حقد دفين ، وكفر وضلال، كما سيأتي . وانظر الثورة الإيرانية في ضوء الإسلام ، لكبير علماء الهند الشيخ محمد منظور نعماني .
بل وصل الأمر عند بعض علمائهم إلى إنكار الله تعالى، لأنه أرسل محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وكان من أصحابه أبو بكر وعمر وعثمان،...ومن زوجاته عائشة وحفصة رضي الله عنهم جميعاً !
بل وصل الأمر بأحد أشقيائهم إلى حكمه بإدخال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النار، لأنه تزوج عائشة وحفصة رضي الله عنهما. كما سيأتي في فصل الصحابة رضي الله عنهم .
وكيف يكفِّرون أغلب الصحابة رضي الله عنهم إلا ثلاثة ـ علماً بأن الصحابة رضي الله عنهم هم الذين نقلوا لنا الدين ، بما فيه القرآن الكريم ـ إن كانوا يعتقدون فيه ـ
وكيف يحرِّفون القرآن الكريم في سبيل الوصول إلى كلام كذب لا يقبله عقل ولا منطق ولا نص من كتاب أو سنة ، أو إجماع،... وغيره كثير جدّاً ، يأتي بعضه في الفصول القادمة إن شاء الله تعالى .
لقد اطلعت على رسالة للعلامة حسين الموسوي ، وأخرى للدكتور موسى الموسوي فلما قرأتهما وجدتُهما تشتركان في كثير من النقول التي ذكرتُها في الرسالة ، لذا سأكتفي بهذه الإشارة إليهما ، وإن نقلت منهما مما فاتني فسأشير إلى ذلك .(1/9)
كما كنت قرأت كتابَ (كسر الصنم ) لآية الله العظمى البرقعي رحمه الله تعالى ، وكان قد كتبه بعد تركه لمذهب الشيعة الرافضة ، وقبل محاولة اغتياله من عصابة الغدر في طهران ، لكنه لم يمت مع شدة الإصابة ، وقد حدثني من زاره في المستشفى، وكيف أن الرصاص دخل من حنكه الأيمن وخرج من حنكه الأيسر ، وقد عاش بعدها عدة سنوات ، وكتب عدة كتب ، ثم توفي رحمه الله تعالى ، وستأتي الإشارة إلى كتابه ( كسر الصنم ) بعد قليل إن شاء الله تعالى ، وهي نقض لما كتبه الكليني في المجلد الأول من الكافي ، الذي يختص بأصول الدين .
كما اطلعت على رسالة للسيد الهاشمي ـ من بغداد ـ عن ابن سبأ حقيقة ، فوجدتها ذكرت كثيراً مما نقلته من كتبهم عن وجود ابن سبأ ، وإن اختلفت بعض الطبعات التي اعتمدناها . وهذه الرسالة تعتبر تلخيصاً لما ورد في تلك الرسائل وغيرها . لذا من أراد التوسع فليرجع إلى تلك الرسائل القيمة
لقد مر التشيع ـ بالنسبة لنظرتهم للمسلمين ـ بثلاث مراحل هي :
1ـ كان الناس في أول أمرهم أهلَ صدق ودين وورع ، وكان محبو سيدنا عليٍّ رضي الله عنه لا يغالون فيه ، ولا ينتقصون أحداً من الصحابة رضي الله عنهم . كما كانوا لا يقدِّمون أحداً على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما . وهذا مثال على ذلك :
فعن علي بن خشرم قال: حدثني حفص بن غياث قال : سمعت شريكاً يقول : قُبض النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم، فاستخلف المسلمون أبا بكر، فلو علموا أن فيهم أحداً أفضل منه كانوا قد غشُّونا . ثم استخلف أبو بكر عمرَ ، فقام بما قام به من الحق والعدل ، فلما حضرته الوفاة : جعل الأمرَ شورى بين ستة نفر من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، فاجتمعوا على عثمان ، فلو علموا أن فيهم أفضل منه كانوا قد غشُّونا .(1/10)
قال علي [ بن خشرم ] : وأخبرني بعض أصحابنا من أهل الحديث أنه عرض هذا الحديثَ على عبد الله بن إدريس [الكوفي ، الثقة الفقيه العابد] فقال عبد الله بن إدريس : أنت سمعتَ هذا من حفص بن غياث ؟ قال : قلت : نعم . قال : الحمد لله الذي أنطق بهذا لسانه ، فو الله إنه لشيعيٌّ ، وإن شريكاً لشيعيٌّ . اهـ من العقيلي ( 2 : 194 )
وعن عباد أبي غسان قال : قال شريك : ما وجدنا أحداً يفضِّل عليّاً على أبي بكر وعمر، إلّا مفتضحاً فيما سوى ذلك، منهم : مغيرة، وأبو الخطاب ، وفلان وفلان .اهـ من أخبار القضاة ( 3 : 160 ـ 161) وانظر الكامل (4: 1625 )
وقال شريك رحمه الله تعالى: من زعم أنه كان في الشورى خير من عثمان فقد خوَّن أصحابَ محمد صلى الله عليه وآله وسلم .اهـ من أخبار القضاة لوكيع ( 3 : 163 )
وقال أبو نعيم رحمه الله تعالى : سمعت شريكاً يقول : قُدِّم عثمان بن عفان يوم قُدِّم وهو أفضل القوم . تاريخ الإسلام ( وفيات 171 ـ 180 )
هكذا كان الجيل الأول من محبي عليٍّ رضي الله عنه ، يحبونه ، لكن لا يقدِّمونه على من سبقه ، ويعرفون للجميع قدرهم ومكانتهم . لأن شريكاً رحمه الله تعالى معروف بتشيعه .
وهذا مذهب جميع الأئمة من عليٍّ حتى جعفر الصادق رضي الله عنهم .
2 ـ ثم ظهر الغلو ، سواء كان مجرد فرط في الحب ، أو كان عن عمى ، وقد تحامل هؤلاء الغلاة على بعض الصحابة الذين خالفوا عليّاً أو قاتلوه ، كما وُجد فيهم من صار يطعن في عثمان وطلحة والزبير ومعاوية ، من غير تعرض للشيخين رضي الله عن الجميع ، كما وُجد فيهم من يسب ، لكن من غير تكفير، إنما يفضّلونه على من سبقه. مع إنكار الأئمة ممن أدرك ذلك على من يسمعونه يفعل، وسيأتي بيان ذلك في موضعه.
قال أبو الجحاف [داود بن أبي العوف الكوفي] : أدركت الشيعة الأولى ، والغالي فيهم الذي يفضِّل عليّاً على أبي بكر وعمر.اهـ معرفة الرجال (2: 24)(1/11)
قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: ما أرى من ترك تقديم أبي بكر وعمر إلّا طاعناً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .اهـ من معرفة الرجال ( 2 : 24 )
3 ـ الغلو المتطرّف ، وقد حصل من هؤلاء الحط في الصحابة كلهم ، وتكفير السادة الأصحاب، والتبرؤ من الشيخين رضي الله عن الجميع، وقد نشأ ذلك من قبل اليهود والنصارى والمجوس الذين تظاهروا بالإسلام ، ونشروا ذلك في أوساط الشيعة ، واستجاب لهم عامة الذين غُرّر بهم .
قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى : إن البدعة على ضربين :
فبدعة صغرى ، كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرق ، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم ، مع الدين والورع والصدق ،...
ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل، والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، والدعاء إلى ذلك ،... فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأموناً، بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم،...
فالشيعي الغالي في زمان السلف وعُرفهم: هو من تكلّم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليّاً رضي الله عنهم، وتعرَّض لسبهم
والغالي في زماننا وعُرفنا : هو الذي يكفِّر هؤلاء السادة ، ويتبرأ من الشيخين أيضاً، وهذا ضالٌّ معثَّرٌ .اهـ من ميزان الاعتدال (1: 5 ـ 6) وانظر تهذيب التهذيب (1: 94 )
إذا كانت هذه نظرتهم للصحابة رضي الله عنهم فحالهم نحو عموم المسلمين لا تقل عن ذلك ، فهم أولاد زنا ، أنجاس نجاسة مغلظة ، كفار ، دماؤهم وأموالهم وديارهم وأعراضهم ومساجدهم كلها حلال للشيعة الرافضة ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في آخر الرسالة .
أما من الناحية العملية ، فقد مروا ـ في العصور المتأخرة ـ بثلاث مراحل أيضاً هي :(1/12)
1ـ بعد قيام الدولة الصفوية في إيران [نسبة إلى صفي الدين الأردبيلي ، وهو جد شاه إسماعيل الصفوي ، وأصلهم من القبائل القزلباشية التركية في أذربيجان ، وقد اعتنقت المذهب الشيعي الإمامي ] وبعد استيلائه على تبريز عام (906هـ) ولقّب نفسه بالشاه، وقتل من أهل تبريز ـ في يوم واحد (140000) من أهل السنة والجماعة ، لذا استُغلّت هذه الدولة الفتية من المجوس واليهود ، فقضوا على ملايين المسلمين السنة في إيران ، وهدموا مساجدهم، وذبحوا علماءهم، وقتلوا طلبة العلم، وعذّبوا عامة أهل السنة ، ونهبوا أموالهم ومتاجرهم وبساتينهم ، وأحرقوا المكتبات ،... وفعلوا فيهم الأفاعيل ، مما اضطر كثير من أهل السنة إلى ترك ديارهم ، وإلى اللجوء إلى خارج إيران، كدول الخليج والعراق وأفغانستان وباكستان،...أو إلى داخل إيران ، في المناطق النائية ، كمنطقة الأكراد ـ غرباً ـ والبلوش ـ شرقاً ـ أو اضطروا إلى أن يتشيعوا فتسلم دماؤهم ، ومن الأمور المؤلمة التي يتناقلها السنة في إيران أن الرافضة صاروا يلقون من فوق المآذن في خراسان كل يوم (70 ) عالماً أو طالب علم يومياً ، حتى لم يبق من السنة إلّا أقل من النصف الآن ، مع أنهم كانوا يمثلون ما يزيد على (95% ) بل أكثر ، من سكان إيران ، انظر إلى رسالة ( أحوال أهل السنة في إيران ) ورسالة ( أهل السنة والجماعة في إيران ) ومصادرهما .
ثم تحولوا إلى الدول المجاورة لهم ، لينشروا المذهب الرافضي ، ولولا أن الجيش العثماني قضى على تبريز في بادئ الأمر ، وشتت شملهم : لفعلوا الأفاعيل في البلاد المجاورة، لكن الدول النصرانية وقفت بجانب الصفويين، وعادوا إلى الاستيلاء على تبريز ، مما حدا بالعثمانيين إلى عدم غزوهم ثانية ، لانشغالهم بما دهمهم .(1/13)
في هذه الفترة نشط الغلاة من المجوس واليهود الذين تشيعوا، فأدخلوا في دينهم وفي معتقدهم وفي كتبهم ما لا يُعقل ، وما لا يحتمله ضمير ، لكن العاقل هو الذي يفهم . فأفسدوا البقية الباقية من الخير ـ إن كان فيهم ـ
فوالله إني لأقرأ وأسمع كلاماً ـ مما كُتب في فترة الصفويين ـ لا يمكن أن يدخل في عقل العاقل ، ولا يوزن في ميزان الفجل والبصل ، إنما هو على مذهب ( اترك عقلك واتبعني )
وإيجاد دولة الصفويين في إيران يهدف إلى قطع العلاقة بين المسلمين السنة شرق العالم الإسلامي بغربه ، كما فعل الكفار في غرز دولة الصهاينة في فلسطين ، لقطع العلاقة بين مسلمي آسيا وأخوانهم في أفريقيا .
فلما غفل السنة عن سقوط إيران السنة بأيدي الصفويين ، تساقطت بقية القطع الإسلامية بأيدي سبأ ، ابتداء من سقوط تركستان الشرقي بأيدي الصينيين البوذيين ، وانتهاء بسقوط فلسطين بأيدي الصهاينة ، وكل ذلك عن غفلة المسلمين . فهل يتنبه المسلمون إلى ما يحاك لهم في الخفاء ؟ أرجو .
2 ـ بعد القضاء على الدكتور مصدّق ـ رئيس الوزراء ـ وعودة الشاه محمد رضا بهلوي إلى الحكم ثانية ، بمساعدة أمريكا وبريطانيا والجيش ، ولهذا قال الشاه محمد رضا بهلوي وهو يخاطب الكفار : إنني أدين بعرشي لله ولشعبي وللجيش ولكم .اهـ
لقد كانت بريطانيا تسيطر على إيران سيطرة تامة ـ بواسطة شركة البترول البريطانية ـ حتى بلغ بها الأمر من السيطرة على الرافضة في إيران والعراق... أن كان تعيين المرجع الديني الأعلى (البروجردي) بعد وفاة (آية الله أبو الحسن الأصفهاني ) من قبل بريطانيا ، وليس من قبل علماء الشيعة في الحوزات العلمية ، خاصة في النجف وقم . وقد سمع الجميع نبأ الوفاة والتعيين من إذاعة لندن آنذاك .
وانظر ما كتبه آية الله البرقعي في كسر الصنم ، وكان حاضراً في طهران آنذاك ، ولم أكن موجوداً فيها يوم ذاك ، لكني سمعتُ كما سمع غيري النبأ.(1/14)
وبعد عودةِ الحكم إلى الشاه ، وحصْدِ الجيش لأرواح الألوف في إيران بعد الدعم اللامحدود للشاه ، وتدفق الأموال ـ من البترول ـ والسلاح ، من الترسانة الأمريكية : صارت إيران أقوى دولة في المنطقة ، حتى صار يقال للشاه حارس المنطقة، والابن المدلل، وإيران قطعة من أمريكا. لكن حصل أمران لم يعلم خفاياهما كثير من السنة آنذاك، بل حتى إلى الآن عند كثير منهم :
ـ أن يترك المشايخ إيران للشاه ، ويعطيهم ما شاؤوا من الدعم المادي والمعنوي خارج إيران ، وكان كذلك .
لقد توجه علماء الرافضة الفرس فعلاً إلى خارج إيران ، حتى إن الخميني استوطن في النجف ـ وإني لأعرف كثيراً عن أحواله عندما كان في العراق ـ لكنه قطع اليد التي أحسنت إليه ـ وصار وأتباعُه يوجِّهون الرافضةَ منها ، حتى أُخرج منها إلى فرنسا ، لذا استطاعوا أن ينظموا صفوفهم في الداخل سراً ، ويفاجئوا العالم الإسلامي الغافل بما حصل من الثورة الخمينية . وإن كانت الاستخبارات الغربية تعلم كثيراً من التفاصيل عنها . فإذا كنا نعلم كثيراً عنهم ، لما رأيناه منهم ، فكيف بالمخابرات الغربية ؟
ـ دعوتهم لفكرة التقارب بين السنة والشيعة ، وانغش بها كثير من علماء السنة، وإني لأذكر بعض حلقات تلك المؤامرة، وقرأت عنها الكثير، ورأيت مخططاتهم فيها .
لقد اجتمعوا عدة اجتماعات ، وانكشف مخطط الرافضة لبعض علماء السنة ـ وهو تشييع أهل السنة، وليس التقارب كما زعموا بين السنة والشيعة ـ فانسحب من تلك الاجتماعات ، واستمر الآخرون إلى آخر الخط .(1/15)
وقد حصل أمران آنذاك ، دلالة على حسن ظن المسلمين السنة ، وهو تقديم المرجع الشيعي الأعلى ليؤم المسلمين في بيت المقدس ، كما أرسلوا مندوباً للسنة إلى النجف ـ وإني لأعرفه جيداً ، هو سني يتشيع ـ وبينما هو يخطب في النجف مع المرجع الشيعي: قابله الرافضة بالمقابلة التي تليق بكل خائن ، وهي طبع القصيدة الأرزية ، في مطبعةٍ تابعةٍ للرافضة في بغداد ، علماً بأن عدداً من علماء الشيعة القدامى قد كفّروا صاحب هذه القصيدة ، للنيل الشديد ، والفجور الفاحش ، والكفر الواضح .
لقد كان من أمر هذا التقارب عدة أمور ، والسؤال ما ذا تحقق لأهل السنة منها ، وما تحقق للرافضة منها ؟
أ ـ إحداث كرسي للفقه الجعفري الرافضي في الأزهر الشريف .
ب ـ إدخال برامج الشيعة الرافضة في الدراسة في الأزهر الشريف .
وبناء عليه ؛ فقد ألّف بعضُ علماء الأزهر رحمه الله تعالى كتباً وضع فيها الكذّابين والوضّاعين من الرافضة ... مع الثقات الحفاظ المتقنين من أهل الحديث ، وقد عاتبتُه أثناءها عتاباً شديداً ، فاعتذر رحمه الله تعالى .
ج ـ فتح مركز للشيعة في القاهرة ، وآخر لهم في دمشق ، وفتح مركز لأهل السنة في النجف وآخر في قم ، ولم تفتح مراكز السنة حتى الآن ، وفُتح المركز الشيعي في القاهرة ، وقد رأيت القائمَ عليه ، وتناقشنا في أمور كثيرة ، وكان معي الأمين العام للماسونية في العراق ـ من سامراء ، وقد تركها ، وألف الجزء الأول عنها ، وقرأته عام (1958م) ـ كما أخبرنا القائم أنهم فتحوا مركزاً يُشرف عليه نصراني إيراني ، نعم نصراني من إيران ، وهو لمن يريد قلة الحياء والفجور والدعارة ـ هكذا قال .
وقد أخبرني بعضُ الأخوة المصريين : أن القائم الإيراني الرافضي قُبض عليه ـ بعد سنوات قليلة ـ بتهمة التجسس ، وأبعد عن مصر .(1/16)
د ـ ومن جملة الشروط : أن يمتنع الشيعة عن سب الصحابة رضي الله عنهم وعن التبرؤ من الشيخين، وعن لعن عائشة رضي الله عنها ، ويمتنعوا عن تكفير المسلمين وعلى الأخص الصحابة رضي الله عنهم .
والسؤال : هل تحقق للسنة شيء مما أرادوا ؟
لقد حقَّق الرافضةُ ـ بخبثهم ودهائهم ـ كل ما أرادوا بدون استثناء ؛ من اختراق صفوف أهل السنة ، بحيث إن بعض أهل السنة ـ لطيبة قلوبهم ، وسلامة صدورهم من الخداع والمراوغة والتقية ـ : صدّقوهم ، وصاروا يميلون إليهم ، وقد أفصحت ذلك لمندوب الخميني فيما بعد . ولم يستفد أهلُ السنة من الشيعة شيئاً أبداً ، ولم يحقّقوا أيَّ غرض .
فمنابرهم ما زالت إلى اليوم تُعلن سبَّ الصحابة رضي الله عنهم وتنادي بلعنهم ، وتكفيرهم ، والتبرؤ منهم ، وأنهم خونة ،... وما زالوا إلى اليوم يحرصون على قتل السنة وإبادتهم ، ويتهمون جميع السنة بأنهم وهابيّون إرهابيّون أنجاس، وأنه يجب قتلهم، وقتل من لا يقول بقتلهم، ويجب حرق مساجدهم ، كما قال الشيرازي وعبد العزيز الحكيم الفارسيان وغيرهما، مما سمعته من شيوخهم عاملهم الله تعالى بعدله ، كما سيأتي بيانه ، وصَدَقَتْ مقولةُ بعض العلماء من أهل السنة الحاضرين في المؤتمر في البقاع : اجتمعنا لنتقارب ، وإذا بالشيعة يأبون إلا أن يتشيع أهل السنة .
3 ـ بعد قيام الثورة بقيادة الخميني الإرهابي المتطرف .
لقد كان حال السنة في إيران في أيام الشاه في خير ، ذلك أنه أصدر أمراً بمساواة جميع الناس بالحقوق المدنية والدينية ،... وعدم التعرض لأي دين أو مذهب ، لذا تمتع أهل السنة بالأمن والأمان في معتقدهم وفي أموالهم وأعراضهم ودمائهم ، لذا نشطوا في دعوتهم ، وتسنن كثير من الشيعة .(1/17)
فلما نجحت الثورة قرر الخميني ـ عامله الله تعالى بعدله ـ منذ اللحظة الأولى التي وصل فيها إلى إيران : تصديرَ ثورته إلى جميع البلاد العربية والإسلامية ، ونشرَ مذهب الرافضة في تلك البلاد، وقتلَ جميع أهل السنة ، كما هو الحال عند أسياده اليهود .
فقد قال في أول خطبة له في طهران ـ بعد عودته من فرنسا ـ سنحرّر الكعبة والقدس من أيدي الكفار .اهـ
تبّاً له ، وهل مكة في أيدي كفار؟! إنهم يتهمون جميع السنة بالوهابية ، ولذا يجب قتلهم .
قال الشيرازي ـ وأنا أستمع له ـ في درس: نصرّح بما نعتقد ، إنا إذا كنا نؤمن بالقرآن الكريم، فالوهابي الإرهابي الكافر الناصبي الوحشي يجب قتله. وكل من يؤيده بنحو أو بآخر من رجلِ دين أو غير رجل دين يجب قتله ، ومن لا يقول بوجوب قتل هؤلاء وبوجوب قتل مؤيديهم : فهو علانية يكفر بالقرآن الكريم ،... الخ وسيأتي كاملاً .
وقد اتخذوا لتحقيق أهدافهم ومطامعهم عدة أمور :
أ ـ أنشؤوا في كل الدول التي يوجد فيها رافضة أحزاباً تابعة للحرس الثوري، وأسموها ـ كذباً وزوراً ـ (حزب الله) إلا ما كان في العراق، فاسمه حزب الدعوة . وأغلب القائمين على تلك الأحزاب من الفرس ، وقد قام أعضاء تلك الأحزاب ـ وما زالوا ـ بدورات تدريبية في إيران، في معسكرات ( الحرس الثوري )
ب ـ من أهم مبادئ تلك الأحزاب هو زعزعة الاستقرار في تلك البلاد
ـ فقد قام حزب الله البحريني بمحاولة الانقلاب الفاشلة في البحرين ، بمساعدة حزب الله اللبناني، عام(1980م) ثم تكرر عام(1995م) بمساعدة
حزب الله الكويتي، وذلك بإشراف الاستخبارات العامة في الحرس الثوري الإيراني مباشرة .
ـ وما حصل في مكة المكرمة ـ صانها الله من غدرهم ـ من محاولة الحجاج الإيرانيين تهريب المتفجرات قوية الانفجار ، وهي من مصانع الحرس الثوري الإيراني ، وذلك عام (1406هـ) ولكن الله تعالى كشف خطتهم ، واعترف المجرمون بذلك ، وسلَّم الحجاجَ والمسلمين جميعاً شر ذلك .(1/18)
ـ كما أقاموا المظاهرة التي راح ضحيتها ( نحو من خمسمائة قتيل ، ونحو من ستمائة وخمسين جريحاً ) في مكة في فترة الحج .
ـ ثم قيام حزب الله الكويتي بالتفجيرات في مكة ( في 7 ذي الحجة عام 1409هـ ) واعترف المجرم الأول ( منصور حسن عبد الله ) بذلك ، بناء على طلب مندوب الخميني في الكويت : ( محمد باقر المهري الفارسي ) بقر الله تعالى بطنه . وقد اعترف بذلك هو وجميع الشبكة الإرهابية الفارسية .
ج ـ بدء عملية إغراء الناس للدخول في الرافضة ، مستغلين الحاجة التي يمر بها بعض الناس ، ويدفعون لكل من يتشيع ثلاثة آلاف دولار .
كما بدؤوا نشر مذهبهم ، وبناء الحسينيات ، وإعطاء الإعانات للدول ، والجمعيات والمؤسسات، وتعيين العلماء الدعاة المتحمسين كسفراء وقناصل، ويحضرون مجالس المسلمين في الدول الغربية، وقد لا تجد سواهم مع الأسف، ومد يد العون للمساجد والمراكز الإسلامية فيها ، حتى صار كثير من تلك المساجد تحت تصرفهم كلِّيّاً أو جزئيّاً
د ـ دعوة شباب المسلمين للدراسة في بلادهم ـ خاصة في قم ـ وقد غسلوا أدمغتهم ؛ بالمادة والمتعة والسيارة والسكن، وكل ذلك بدون مقابل، لذا عادوا دعاة لهم من غير تكلف الذهاب إليهم بأنفسهم ، لهذا صار لهم حضور في كثير من الدول التي لم يُعرف فيها تشيع من قبل .
لقد اجتمعت بطالبين يدرسان في قم ـ من الباكستان ـ أحدهما من أصل سني، والآخر شيعي ، فوالله إن السني ليدافع عن إيران لعله أكثر من أهالي إيران . بينما زميله ساكت ، لأن السني كفاه ذلك .
هـ ـ ومما عملوه أنهم طبعوا الكتب الدراسية لبعض الدول الإسلامية ، وقدّموها هدية لهم ، ولم يغيّروا منها حرفاً ـ مع أن في بعض تلك الكتب هجوماً شديداً عليهم ـ وكتبوا على غلاف تلك الكتب : هدية من إخوانكم المسلمين في إيران .(1/19)
كما صاروا قبيل رمضان بعدة أيام يرسلون بعض البواخر المملوءة بالتمر لبعض البلاد الإسلامية الفقيرة ، ويقولون لهم : هذه هدية من إخوانكم المسلمين في إيران لتطبقوا السنة ، وتفطروا على التمر . وقد حدثني بعض أهل تلك البلاد بذلك كله .
و ـ لو نظرنا إلى ميزانية وزارة الإرشاد نجدها تفوق ميزانية الدفاع، فلِمَ؟ إنها تُصرف على الدعوة إلى الرفض ، وشراء الذمم ، وإشاعة الفوضى في بلاد المسلمين ، والعمل على إخراجهم من الإسلام إلى دين الرافضة .
ز ـ إن من الأساليب التي بدأ الرافضة تطبيقها في مختلف البلاد التي يشكلون فيها أقلية أو أكثرية : دفع أتباعهم إلى التغلغل في مختلف أجهزة الدولة التي هم فيها ، سواء خاصة أو عامة ، كالجيش والمخابرات والأمن والشرطة ـ بل حتى في الأحزاب التي تسيطر على البلاد ـ ويعاملون الناس خير معاملة ، حتى إذا حانت ساعة الصفر انقضوا على الحكم .
ح ـ كما أنهم فعلوا ما فعله اليهود ، وهو نشر الفساد في البلاد الإسلامية، فقد صدر الأمر من المراجع الدينية في الحوزات ـ بإرسال البنات الشيعيات لإفساد الشباب ، في مناطق السنة ، وقد كان ( البروجردي ) يشرف بنفسه على إرسال الفتيات ، إلى بغداد وشمال مناطق العراق ، وحصل ما يندى له الجبين ، من بيع الأعراض ، وها قد بدأوا يفعلون في سورية والأردن ، بعد خروج الشيعة من العراق بأعداد كبيرة ، وصار سوق الدعارة مفتوحاً على مصاريعه ، وحدثني أناس كثيرون عما رأوا ، من أعداد الفتيات الشيعيات اللواتي يعطين أعراضهن بالقليل ، بل يعرضن أنفسهن بالمجان ، والمؤجل ، كل ذلك لإفساد النفوس لتقل النخوة والغيرة ، إضافة إلى أنهم يدفعون لمن يسجل نفسه أنه تشيّع (25000) ليرة .(1/20)
ط ـ إن من أولى رغباتهم التي يأملون تحقيقها في نهاية الخطة الخمسينية ـ والتي قد قسموها إلى خمس دورات ـ أن يتشيع المسلمون في جميع أنحاء العالم ، ويسيطرون على جميع البلاد الإسلامية ، وبذلك يكونون قد أعادوا الدولة الفارسية ، مستغلين القوة المالية ، والقوة العسكرية ، ونفوذ رجال الدين، لذا أرسلوا دعاتهم إلى مختلف البلاد، وإذا كان المد الشيعي قد دخل ـ بعد قيام الدولة الصفوية ـ غرب أفغانستان وعدداً من الدول المسلمة في القوقاز وتركستان الغربي والعراق، وامتد إلى دول الخليج ولبنان والحجاز ـ بعد مقتل مصدق ـ فإنه قد بدأ بالازدياد في سورية ولبنان ، ودول الخليج ، وها قد دخلوا على العراق ـ لا أبقاهم الله تعالى فيها ـ بإهداء الدول النصرانية واليهودية ، وأرسلوا مندوبيهم إلى الهند والباكستان والصين ،... والدول الإسلامية في منظمة الاتحاد السوفييتي سابقاً ، وفي أفريقيا كلها ، مستغلين فرط المادة عندهم مع تسخيرها لهدفهم المنشود، وادعائهم الإسلام، والظهور بمظهر المدافع، والمحامي عنه، وإعلان العداوة للغرب ـ اذكر حرب اليهود مع حزب الله اللبناني بالصيف ، وكيف استغلت استغلالاً قوياً لصالحهم ، حتى انكشفوا بما فعلوه في إعدام صدام ، وفي المظاهرة عند مركز الجامعة ، وهم يبكتون أهل السنة ، ويعتدون عليهم، وحرقوا سياراتهم بلا ذنب ، إلا أنهم من أهل السنة .(1/21)
ي ـ التواطؤ المكشوف بين السلطة الدينية والزمنية والدول الغربية ، مستغلين فكرة التقية عندهم ، وعملية المصالح ، وما نسمعه من صيحات فهي هيشات أسواق ، أما ترى فارق المعاملة بين العراق الجريح والغرب ، وبين إيران والغرب ـ كشأن اليهود والغرب ـ إن الغرب يعلم علم اليقين أن العراق لا يملك أسلحة دمار شامل ومع هذا فقد تم التواطؤ مع إيران في غزو العراق ودمّر ، وسُلّمت السلطة إلى الرافضة الفرس في العراق ، بعد دخول نصف مليون إيراني رافضي . أما إيران فهي تعلن ـ وهم يعلمون ـ أنها تخصب مادة اليورانيوم ، وأنها جادة على امتلاك السلاح النووي . فلم لم يغزها الغرب كما فعلوا في العراق ؟!.
ك ـ إن من آثار التقارب ـ المكشوف ـ بين الرافضة واليهود والنصارى والمجوس : ما نتج من غزو أفغانستان والعراق ، وتكون إيران قد تخلصت من عدوين خطيرين عليها . الأول : سني متشدد ، والثاني : عدو للفرس .
أما الغرب فإنها تتعامل معه بالتقية الشيعية السياسية حيناً ، والمصالح المشتركة حيناً آخر، والدينية حيناً آخر . فهل يعي أهل السنة خطر الرافضة، الذين لا يقلون ـ إن كانوا لا يزيدون ـ عن خطر اليهود ، فيضعون المخطط الذي يقضي على مخطط الرافضة ؟(1/22)
والله إن الخميني لم يدخل في قلبي لحظة ، وقد حذّرت منه من اللحظة الأولى ، وألقيت عدة محاضرات في ذلك ـ كيف وأنا أعرف عنه الكثير مذ كان في النجف ـ رجل مصاص للدماء، حقود على السنة، عربيد ، أكّال لمال المسلمين ، صديق حميم لغير المسلمين ، وأما ما نسمعه من مهاترات بين الدول الغربية والمسؤولين الإيرانيين فهذا كله للتصدير المحلي ، كما سمعته قبل أكثر من ستين سنة من أحد المسؤولين . وما قيام حزب الشيطان اللبناني من حرب مع اليهود إلّا خطة للاستيلاء على لبنان وتسليم السلطة للرافضة فيه ، مع غفلة الناس هناك ، ولكن الله تعالى كفى المسلمين الشر، وإلا كيف يتفق مُدَّعي موالاة آل البيت ؛ الفارسيُّ ـ [ في الوقت الذي يصب فيه جامَ غضبه على الصحابة الكرام رضي الله عنهم، كما سمعته في إحدى دروسه]ـ مع النصراني الحاقد الذي فعل بالمسلمين ما فعل في تل الزعتر ومناطق لبنان الأخرى . لكن الغباء قد حل ببعض رموز السنة هناك وانضموا إليه ، إنهم لحمقى حين يضعون أيديهم في يد الرافضي الحقود ، الذي سينقلب عليهم ويكافئهم مكافأة سنمّار ، إن كانوا يعرفون قصته .
وأرجو أن ينظر المسلمون ـ خاصة أهل العلم ـ في جميع البلاد الإسلامية إلى التناقض الواضح الصريح الذي لا يحتمل اللبسَ والغموض بين مواد الدستور الإيراني ، وبين الواقع العملي :
في المادة الثالثة ، رقم (14) تأمين كافة الحقوق للأفراد ـ المرأة والرجل ـ وإيجاد الضمانات القضائية للجميع ، والمساواة في الحقوق أمام القانون .اهـ
فهل حقوق أهل السنة مصونة ؟ كيف أعدموا عشرات العلماء ، ومئات أئمة المساجد ، وطلبة العلم ، أو سجنوا وعُذِّبوا ، في بلوشستان أو خراسان أو كردستان ، أو خوزستان ، أو بندر عباس ، أو فارس ،...(1/23)
ومن آخر ما اغتالته يد الغدر في إيران : العلامة الكبير المعمَّر : الشيخ محمد عمر السربازي رحمه الله تعالى ، في منطقة بلوشستان، بجوار زاهدان ، فقد تم اغتياله في أواخر شهر صفر ( 1428هـ ) بواسطة اثنين من عملاء المخابرات ، ولما قبض عليهما بعض تلامذة الشيخ رحمه الله تعالى اعترفا بأنهما اغتالاه مقابل مبلغ مغرٍ من المال وسيارتين ومنزلين ، وانظر قصة اغتياله في ( الأنترنيت ) وذكرا أن المخابرات أعدت قائمة بكبار علماء السنة لتصفيتهم في إيران ، سلم الله تعالى علماء المسلمين وأتباعهم من أهل السنة من براثن المجوس ، وطهرهم من حقد الرافضة الحاقدين.
وفي المادة الثانية عشرة : الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الإثني عشري ، وهذه المادة غير قابلة للتغيير إلى الأبد ، والمذاهب الإسلامية الأخرى؛ سواء الحنفي، والشافعي ، والمالكي، والحنبلي، والزيدي ، تتمتع باحترامٍ كاملٍ ، وأتباعُ هذه المذاهب أحرار في أداء مراسيمهم الدينية حسب فقههم ، وتتمتع هذه المذاهب برسميةٍ في التعليم والتربية الدينية ، والأحوال الشخصية ( الزواج ، الطلاق ، الإرث ، الوصية ) وكل منطقة يتمتع فيها أتباع أحد هذه المذاهب بأكثرية ؛ فإن المقررات المحلية لتلك المنطقة تكون وفق ذلك المذهب ، في نطاق صلاحيات مجالس الشورى المحلية ، مع حفظ حقوق أتباع سائر المذاهب الأخرى .اهـ
هذا للتصدير الخارجي ، هل يسمح للسنة ببناء مساجدهم ومدارسهم ، وإيضاح عقائدهم في مساجدهم ولأبنائهم؟ لقد هدموا عدداً من مساجد السنة، بحجج واهية، وحولوها إلى حدائق أو لبيع أشرطة الحرس الثوري، وبنوا مساجد ومراكز ومدارس وحسينيات لهم في مناطق أهل السنة. بينما يسمح لليهود والنصارى والمجوس ببناء البيع والكنائس وبيوت النار .
وفي المادة الثالثة والعشرين : يُمنع تفتيش العقائد ، ولا يمكن مؤاخذة أي شخص ، أو التعرض له بمجرّد اعتناقه عقيدة معينة .اهـ(1/24)
وفي المادة الثانية الثلاثين: لا يجوز اعتقال أي شخص إلا بحكم القانون، وبالطريقة التي يعينها، وفي حالة الاعتقال يجب إبلاغ المتهم تحريرياً بموضوع الاتهام مع ذكر الدلائل مباشرة ، ويجب تحويل ملف القضية الأولى إلى المراجع القضائية الصالحة ـ خلال أربع وعشرين ساعة كحد أقصى، وترتيب مقدمات المحاكمة في أسرع وقت ، وكل متخلف عن هذه المادة يعاقب وفق القانون .اهـ
وهذا غير صحيح ، لقد اعتقلوا مئات العلماء وطلبة العلم ، واغتالوا عدداً كبيراً منهم ، وعلى رأس هؤلاء العلامة أحمد مفتي زادة رحمه الله تعالى علامة كردستان ، لأنه طالب بحقوق أهل السنة وجمع شملهم ، وقد توفي بعد اعتقال عشر سنوات قضاها بالتعذيب والتنكيل ، وآية الله البرقعي ، لأنه خالفهم الرأي والمعتقد ، وأمثالهما كثير .
وفي المادة الرابعة والستين حدد عدد النواب في مجلس الشورى الوطني بـ (270) نائباً ، لكل (150000) نائب . وحدّد عدد النواب للزرادشت واليهود والآشوريين والكلدانيين والأرمن ، ولم يذكر أهلَ السنة ، بدعوى أنهم مسلمون .
فكم عدد السنة في البرلمان .
إن عدد السنة في إيران الآن يترواح ما بين ( 40 % ) إلى ( 33 % ) وهذا يعني أنه بموجب القانون سيكون عدد النواب من السنة يساوي الثلث على أقل تقدير ، يعني حوالي (100) نائب ، بينما الموجود هو (12) نائباً فقط ، وحسب ما تراه السلطات الشيعية .
إن الرافضة تطالب البلاد الإسلامية التي فيها بعض الشيعة بوجوب تمثيل الشيعة في مجالسهم ووظائفهم، ولا تقبل هي تمثيل السنة في مجالسهم، ماذا يقال؟! وصدق المثل يرى القذاة في عين غيره، ولا يرى العمودَ في عينه(1/25)
وأخيراً: لما تأخر تنفيذ الخطة العشرية من الخطة الخمسينية بدؤوا يغازلون بألوان مختلفة من الغزل، مرة بالبكاء، ومرة بدعوى ضياع حقوق آل البيت، ومرة بالدعوة للتشيع ، ومرة بقيام المظاهرات ، ومرة بإعلان الشعارات ، ومرة بالاغتيالات، ومرة بالتفجيرات، ومرة بدعوى التقارب بين المذاهب، لقد ذهبوا إلى المغرب العربي ، وانغَشّ بهم بعض أهل السنة ، وصدّقوهم أنهم يريدون التقارب ، لا ، ثم ألف لا، إنما يريدون أن يتشيع أهل السنة ، ليحصل لهم الانقضاض مع سبق التواطؤ مع الكفار .
وقبل ختمي لهذه المقدمة أقول : لا يُعرف في الفرق الإسلامية من عُرف بالإرهاب ما عُرف الرافضة، فمنذ أن اغتال ميرزا رضا الكرماني الشاهَ ناصر الدين عام (1311هـ) حتى الآن ، ومن أدل الدلالات على الإرهاب أن قامت الحكومة الإيرانية قبل سنوات بطبع صور الإرهابِيَّيْن ميرزا الكرماني، ومجتبى نواب صفوي زعيم جماعة فدائيان إسلام ، اللَّذين اغتالا عدداً من رؤساء الوزارات وغيرهم ، بفتوى أحد المجتهدين الإيرانيين .
أما بعد استلام الخميني السلطة في إيران ؛ فقد تم اغتيال ـ ما بين عامي1400ـ 1406ـ ما يزيد على ما تم اغتياله بمائة عام في إيران ، أي ما يعادل مجموع ما اغتيل منذ اغتيال الشاه ناصر إلى ذلك التاريخ .
ولم يكن الإرهاب من شيمة العرب ، ولا من صفاتهم ، وما كانوا يلقون له بالاً ، وإلا كيف تم اغتيال عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ؟ فالقتلة ليسوا من الجزيرة ، فقاتل عمر رضي الله عنه فارسي ، وقاتل عثمان رضي الله عنه بمؤامرة اليهودي ابن سبأ ومن معه من الأوباش من مصر وغيرها، وقاتل علي رضي الله عنه عراقي كان شيعياً ثم صار إلى ما صار إليه ؟.
إن الرافضة يزعمون أنهم ضد الغرب، وهم يتابعونهم في كل شيء حتى في اتخاذ تأريخهم وشهورهم وسنيهم ، مخالفين عامة المسلمين في الحساب العربي ، والتاريخ الهجري ، فما وجه اتباعهم للغرب ووجه ابتداعهم ؟(1/26)
وهناك أمور كثيرة في الصدر لا تسعها الأوراق ، لذا أحببت أن ألخص ما ذكرته في تلك الرسالة ـ التي كتبتها عام (1386هـ) ـ وما فاتني فيها استدركته مما ذكره الأخوة رحم الله من مات منهم، في أوراق قليلة، تكون:
ـ تذكرة لأهل السنة ، وتنبيهاً لهم ، عما يريده الرافضة منهم ، وما يدبّرونه لهم من مكايد، مدّعين محبة آل البيت ، وآلُ البيت منهم براء ـ كما سيأتي ـ إنما هم طغمة شريرة ، أعداءٌ لله عز وجل ولرسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وللمسلمين وللإنسانية كلها، هدفُها امتصاص دماء البسطاء، وأخذ أموالهم ، واستباحة أعراضهم ، والتسلط على رقابهم .
ـ وتذكرة لعقلاء الرافضة الذين يوجد عندهم إحساس وشعور بخطورة ما يريده أئمتهم ، وما يخفيه مشايخهم . ذلك أنهم اخترعوا ديناً لم يكن عليه أئمة آل البيت رحمهم الله تعالى ، فقد غدروا بهم ، وكذَبوا عليهم ، يُظهرون للناس محبتهم وولاءهم لهم، ويتباكون بدموع التماسيح، وهم الذين قتلوهم، وأهانوهم ، وافتروا على ألسنتهم ما لم يقولوه ، لأن عامة الأئمة في الحجاز والدجاجلة في الكوفة ـ كما سيأتي ـ وما نراه مما يفعلونه في عاشوراء فهذا أمر محدث ، مخترع ولم يكن منقولاً عن أحد من الأئمة ، أنما أخذوه من الكنيسة في بريطانيا ، بعد حكم الصفويين .
كاشفاً أصل مذهبهم ، ومبيناً حقيقة معتقدهم ، وتواطؤهم مع اليهود والنصارى والمجوس على القضاء على الإسلام وأهله ـ إن سنحت لهم فرصة، لا سمح الله تعالى ـ وأنهم أخطر من اليهود والنصارى على المسلمين ومعتقداتهم
ولن أنقل ـ فيما أعتمده ـ إلا من كتب الشيعة أنفسهم ، ما خلا موقف السنة من آل البيت ونحوه ، حتى تكون الحجة عليهم من أفواههم وما سطرته أقلامهم . والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل { إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِالله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنيب}(1/27)
ولكن قبل بحثي في تلك الفصول أحب أن أبين ما هو المراد بآل البيت، حتى يعلم الجميع كيف أن الرافضة تركوا ما ثبت في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، واقتصروا على جزئية صغيرة .
واسمع هذا التصريح الخطير ، عن محمد بن علي بن موسى [وهو الإمام التاسع] قال ـ عن القائم ـ: هو الذي تخفى على الناس ولادتُه، ويغيب عنهم شخصُه ،... يجتمع إليه من أصحابه عدةُ أهل بدر ( ثلاثمائة وثلاثة عشر ) رجلاً من أقاصي الأرض،...فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره .اهـ من احتجاج الطبرسي (230) والثورة الإيرانية ( 147 )
يعني لم يجتمع من الشيعة في زمان ما (313) مخلصاً، منذ (1170) سنة، إذ لو اجتمعوا لظهر المهدي .
لذا أرجو الانتباه : هل يوجد بين الرافضة يوم عاشوراء هذا العدد؟ فإن قيل : نعم ، فلم لم يظهر، وإن قيل : لا ـ وهو الحق ـ ويكفي بلا تعليق .
قال العلامة النعماني : يعزو أصحاب المذهب الإثني عشري سبب عدم ظهور إمام آخر الزمان ـ طبقاً لإرشادات إمامهم المعصوم محمد بن علي بن موسى ـ إلى أنه منذ سنة (260هـ ) وحتى مرور ألف ومائة سنة [يعني لزمانه ، أما من تاريخنا فمنذ 1170سنة] لم يظهر (313 ) شيعيّاً مخلصاً مع إمام آخر الزمان ، وهو ما أشار إليه الإمام محمد بن علي : ( فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره ) ولا نعرف رأي مجتهدي وعلماء الشيعة من أمثال الخميني ،... هل يتفقون مع هذا الرأي أيضاً ؟
إن أصحاب الهوى لا يوافقون، لما ينتفعون، فهم دجاجلة غير مخلصين ، والمخلصون الصادقون لا يوافقون الرافضة في معتقداتهم ، لذا يُبعَدون فيُقتَلون ، لذا ليس فيهم رجل رشيد ، حسب رأي الإمام التاسع المعصوم .
واسمع هذا القول لخبير في كتبهم وممن عاش بينهم دهراً من الزمن .(1/28)
قال العلامة موسى جار الله رحمه الله تعالى: للشيعة انتحالات من الأناجيل والتوراة ومن سائر الأديان ، كثيرة ، تزيد على مائة، ضبطتها في دفاتري .اهـ من الوشيعة في نقد عقائد الشيعة (212 ـ 213) أقول : ابتداء من قولهم بالبداء على الله تعالى ، وانتهاء من تحريم النساء من الميراث في الأرض والعقار
ثم انظر وصفَ الشيعة كما يصوِّرها محمد الباقر وابنه الصادق رحمهما الله تعالى ، كما رواه الكليني في الكافي نقلاً عنهما :
قال الباقر : لا تذهب بكم المذاهب ، فوالله ما شيعتنا إلا من أطاع الله .
قال الباقر : يا جابر [الجعفي] أيكتفي من انتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت ، فو الله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه ، وما كانوا يُعرفون ـ يا جابر ـ إلا بالتواضع والتخشع والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم والصلاة ، وبر الوالدين ، والتعهد للجيران ؛ من الفقراء ، أهل المسكنة ، والغارمين ، والأيتام ، وصدق الحديث ، وتلاوة القرآن ، وكف الألسن عن الناس إلا بخير ، وكانوا أمناءَ عشائرهم في الأشياء . واتقوا الله ، ليس بين الله وبين أحد قرابة ، أحب العباد إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم ، لا يتقرب إلى الله إلا بالطاعة ، وما معنا من الله براءة من النار ، ولا على الله لأحد حجة ، من كان مطيعاً لله فهو من أوليائنا ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو ، لا تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع .
قال الباقر : يا معشر الشيعة ؛ شيعة آل محمد، كونوا الوسط، يرجع إليكم الغالي ، ويلحق بكم التالي ـ قال سعد ـ : من الغالي ؟ قال : قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، ليس أولئك منا ، ولسنا منهم ، وما معنا من الله براءة ، ولا بيننا وبين الله قرابة ، ولا لنا على الله حجة .
قال الباقر : ليس منا ـ ولا كرامة ـ من كان في مصرٍ فيه مائة ألف أو يزيدون ، وكان في ذلك المصر أحدٌ أورع منه .(1/29)
وقال الصادق رحمه الله تعالى : ليس منا من لا تتحدث المخدرات بورعه في خدورهن ، وليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم من خلق الله من هو أورع منه .اهـ
قال العلامة موسى جار الله رحمه الله تعالى ـ في تعليقه على هذا النص بعد ذكره له ـ: هؤلاء هم الشيعة، شيعة علي. كانوا يُعرفون بالورع والاجتهاد واجتناب الضغائن والعداوة ، وكان لهم محبة أول الأمة. دين هؤلاء الشيعة كان هو التقوى ، لا التقية . دين هؤلاء الشيعة كان هو الولاية : الولاية لله الحق، لنبيه، لأهل بيته ، ولصحبه ، وللمؤمنين والمؤمنات كافة {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} هم {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} اهـ من الوشيعة ( 230 ـ 231 )
هؤلاء هم الشيعة ، فهل الرافضة كذلك ؟ لا والله ، فمن كان يسب أول هذه الأمة ليس منهم ، ومن يطعن بأمهات المؤمنين زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس منهم ، ومن يعتقد بألوهية الأئمة رحمهم الله تعالى ليس منهم ، ومن يغالي في الأئمة رحمهم الله تعالى وأنهم أفضل وأعلى من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام وأنهم يشاركون الله تعالى في كثير من صفاته فليس منهم ، ومن يكفّر المسلمين ، ويتهمهم بأعراضهم ، ويستبيح دماءهم وأعراضهم فليس منهم ، من يعتقد أنه الناجي الوحيد وأن جميع المسلمين في النار ، ليس منهم ،... الخ معتقداتهم ، كما سيأتي .
وأخيراً أقول : اسمع قول الإمام الصدوق وهو يحكي الحكم فيهم :(1/30)
قال الصدوق ـ في رسالة العقائد ـ : اعتقادنا في غلاة الشيعة والمفوضة : أنهم كفّار بالله جل جلاله ، وأنهم أضل من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية والحرورية ومن جميع أهل الأهواء المضلة ، وأنه ما صغَّر اللهَ أحدٌ تصغيرَهم ، وأن الأئمةَ بريئةٌ كلَّ البراءة من كل أباطيلهم .اهـ
قال العلامة موسى جار الله رحمه الله تعالى ـ بعد ذكره لهذا القول ـ : هذا قول الصدوق ، وهو صادق ، ومَن مِن الشيعة ليس بغالٍ ؟ الشيعة تُفرط إفراطاً في الأئمة، ثم تُفرط إفراطاً في الأمة وفي القرن الأول؛ يدَّعون العصمةَ والإحاطة في الأئمة ، ثم يطعنون فاحشَ الطعن على الأمة ، ويلعنون القرنَ الأول أفضل قرون الأمة .
وعقيدة الشيعة في الأئمة لا تنبني إلا على هدم حقوق الأمة ، لأن الأمة قد بلغت رشدَها فلا تحتاج إلى وصاية الأوصياء، ولا تحتاج إلى علم مفوّض وتأويله ، ولا إلى إعطائه ومنعه .اهـ من الوشيعة (90 )
قلت : ومن جملة غلوهم : إنكارهم أحاديث النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم التي لا تُروى من طريق الشيعة ، ومن هم ، فالمرفوع رواية علي وابنيه رضي الله عنهم، والغالب روايات منقطعة ومراسيل وموقوفات على زين العابدين والباقر والصادق والكاظم،...ثم أئمة المذهب، مع أن الغالب عليها الكذب والضعف والنكارة .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً .
والحمد لله رب العالمين .
كتبه
السيد أبو علي المرتضى بن سالم الهاشمي
فصل
من هم آل البيت ؟
إن الرافضة يبنون دينهم ومعتقدهم ـ كذباً وزوراً ـ على موالاة آل البيت، ومحبتهم ، ودعوى رفع الظلم والدفاع عنهم ، وإعادة حق الإمامة والخلافة التي سُلبت منهم إليهم،...وقد كانوا يُدخلون المسلمين في دينهم ومعتقدهم بهذه الدعاوى، لذا قبل الدخول في بيان أثر اليهود والنصارى والمجوس في التشيع ؛ لابد من بيان من هم آل البيت ؟ لكن بشكل مختصر جدّاً .(1/31)
إن الناظر في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم يتضح له أن ما ينادي به الرافضة غير صحيح ، إنما هو جزء من الحقيقة ، وليس كلها . لكن هناك عدة قضايا لابد من معرفتها .
أولاً : من المراد بالقربى ؟
قال الله عز وجل : { قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى }
فمن المراد بالقربى ؟ هم أعم مما يذهب إليه الرافضة .
عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه سُئل عن قوله تعالى: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } فقال سعيد بن جُبير : قربى آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم . فقال ابن عباس : عجلتَ ، إن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة . فقال : إلّا أن تَصِلوا ما بيني وبينكم من القرابة . رواه البخاري .
فهذه القرابة من كل بطون قريش .
ثانياً : من الذين يأخذون من الخمس ؟
لما حرَّم الله تعالى ورسولُه صلى الله عليه وآله وسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأقاربه أخذَ الصدقة : عوَّضهم الله تعالى بإعطائهم من خمس الخمس ، وهؤلاء أكثر مما يزعمه الرافضة .
قال الله تعالى : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِالله..}الآية.
وقال الله تعالى : {مَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ }
فنلاحظ أن الله عز وجل جعل للقربى نصيباً من الخمس . ومعلوم أن قرابة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أكبر بكثير مما قصره الرافضة .
ثالثاً : من هم الذين حرمت عليهم الصدقة وعوِّضوا بالخمس ؟(1/32)
إن الذين حُرموا الصدقةَ من أقارب النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، وعوِّضوا عنها بالخمس هم : مسلمو بني هاشم وبني المطلب .
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: آل محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هم الذين حرمت عليهم الصدقة، وعُوّضوا منها الخمس ، وهم صليبة بني هاشم وبني المطلب .اهـ
ومعلوم أن بني العباس وبني علي وبني جعفر وبني عقيل ... رضي الله عنهم كلهم من بني هاشم .
وعن جُبير بن مطعم رضي الله عنه قال : مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فقلنا : يا رسول الله ، أعطيت بني المطلب وتركتنا ، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : > إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد < قال جُبير : ولم يقسم النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل . رواه البخاري .
ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أخذ الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما تمرةً من تمر الصدقة ، فجعلها في فيه . فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم : > كخ ، كخ < ليطرحها . ثم قال : > أما شعرتَ أنا لا نأكل الصدقة ؟ < متفق عليه .
وفي رواية لمسلم > أنّا لا تحل لنا الصدقة < كما ورد عن غيره أيضاً .
رابعاً : دخول زوجات النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ومواليه في آل البيت .
إن آل البيت الذين لا تحل لهم الصدقة، وعوّضوا بإعطائهم من الخمس: ليسوا آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس وبني المطلب فحسب ، بل يشمل زوجات النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ومواليه .(1/33)
عن السيدة عائشة رضي الله عنها ـ لما أرسل إليها خالد بن سعيد ببقرة من الصدقة ـ قالت: إنّا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا تحل لنا الصدقة. رواه ابن أبي شيبة والخلال بإسناد حسن، كما قال الحافظ في فتح الباري (3: 356 ) وسيأتي التنصيص في الآية القرآنية على أمهات المؤمنين رضي الله عنهن بأنهن من آل بيت النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .
ـ وعن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنه ، عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : > إنّا لا تحل لنا الصدقة ، ومولى القوم من أنفسهم < رواه الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي في آخرين ، وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم ، وأقره الذهبي . كما ورد عن غيره .
ـ وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فينا خطيباً ، بماء يُدعى خُمّاً بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر، ثم قال : >أمّا بعد ، ألا أيها الناس ، فإنما أنا بشرٌ يوشك أن يأتيَ رسولُ ربي فأجيب . وأنا تاركٌ فيكم ثقلين : أولُهما كتابُ الله ؛ فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله ، واستمسكوا به < فحثّ على كتاب الله ، ورغَّب فيه . ثم قال : > وأهلُ بيتي ، أُذكِّركم الله في أهل بيتي . أُذكِّركم الله في أهل بيتي . أُذكِّركم الله في أهل بيتي <
فقال له حصين : ومَن أهلُ بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال : نساؤه من أهل بيته، ولكن أهلُ بيته مَن حُرِم الصدقة بعده . قال : ومن هم؟ قال : آل علي ، وآلُ عقيل ، وآل جعفر ، وآل عباس .
قال : كلُّ هؤلاء حُرم الصدقة ؟ قال : نعم . رواه مسلم .
ففي هذا الحديث بيان من هم أهلُ البيت . هم خمسة : أمهاتُ المؤمنين ، وآلُ علي ، وآلُ عقيل ، وآلُ جعفر ؛ أبناء أبي طالب ، وآلُ العباس رضي الله عنهم ، بالإضافة إلى مواليه رضي الله عنهم .(1/34)
فقصرُ أهل البيت على صنف واحد قصورٌ شديد ، وإهمال وظلمٌ للباقي
خامساً : شمول آل البيت للمؤمنين من غير الأصناف الستة .
ويدخل في آل البيت غير هؤلاء ، يشمل المؤمنين ، وإن كانوا يُعطون من الصدقة .
فعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : سألت عن عليٍّ في منزله فقيل لي : ذهب يأتي برسول صلى الله عليه وآله وسلم، إذ جاء، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ودخلتُ ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الفراش ، وأجلس فاطمةَ عن يمينه ، وعليّاً عن يساره ، وحسناً وحسيناً بين يديه ، وقال : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} > اللهم هؤلاء أهلي <
قال واثلة ـ : فقلت من ناحية البيت ـ : وأنا يا رسول الله من أهلك ؟ قال : > وأنت من أهلي < قال واثلة : إنها لمن أرجى ما أرتجي . رواه أحمد وابن أبي شيبة والطبري والطبراني والحاكم والبيهقي في آخرين .
سادساً : التنصيص في القرآن الكريم على أن نساءه صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنهن من أهل بيته .
لقد جاءت آيتان في كتاب الله تعالى فيها ذكر آل البيت، واحدة في إبراهيم عليه السلام ، والثانية فيها ذكرُ أهل بيت النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم . أذكر الآية الكريمة ، ثم أذكر من المراد بهم .(1/35)
قال الله تعالى : { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله وَالْحِكْمَةِ إِنَّ الله كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً}
فسياق الآية يدل على أن أهلَ البيت : هم أزواج النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنها جاءت في سياق الحديث عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن . وقد سبق هذه الآيات ذكرُ آيات أخرى فيها الخطاب لأمهات المؤمنين أيضاً .
ويدل على دخول أمهات المؤمنين رضي الله عنهن في أهل بيته :
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : في بيتي نزلت { إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} قالت : فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين ، فقال : > هؤلاء أهلُ بيتي < رواه أحمد والطبراني ، وصححه الترمذي والحاكم .
زاد أحمد وابن أبي شيبة والطحاوي والطبري والطبراني ـ في رواية ـ فقلت : يا رسول الله ، ألستُ من أهلك ؟ قال : > بلى ، فادخلي في الكساء < وفي لفظ : فقال : > وأنت <
لهذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكر أزواجه رضي الله عنهن ضمن الآل في الصلوات الإبراهيمية ، في تفسير قوله تعالى : {إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(1/36)
فعن أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه ، أنهم قالوا : يا رسول الله ، كيف نصلي عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : > قولوا : اللهم صلِّ على محمد وعلى أزواجه وذريته ، كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميدٌ مجيد < رواه البخاري وغيره .
سابعاً : بيان أولياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتقون الصالحون
لقد بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أولياءه هم المتقون ؛ في الدنيا والآخرة ، فمن كان من المتقين فهو من أولياء النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .
فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما بعثه إلى اليمن ، خرج معه يوصيه ، ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة فقال : >إن أهلَ بيتي هؤلاء يرون أنهم أولى الناس بي، وليس كذلك، إن أوليائي منكم المتقون، مَنْ كانوا وحيث كانوا...< الحديث بطوله ، رواه أحمد وابن أبي عاصم والطبراني والبيهقي بإسناد صحيح ، وصححه ابن حبان .
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جهاراً غير سر يقول : > ألا إن آل بني ( فلان ) ليسوا لي بأولياء ، إنما وليي الله وصالح المؤمنين < متفق عليه .
ثامناً : تخصيص أهل الكساء من آل البيت .
لما جاء وفد نصارى نجران إلى المدينة ، وناظرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وطلبوا المباهلة ، وأنزل الله تعالى آية المباهلة ،...خص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبناءَه بأهل الكساء .
قال الله عز وجل : { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ الله عَلَى الْكَاذِبِينَ}(1/37)
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال :... لما نزلت هذه الآية : {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ... } دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً ، فقال : > اللهم هؤلاء أهلي < رواه مسلم
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : في بيتي نزلت {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} قالت : فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين ، فقال : > هؤلاء أهلُ بيتي < رواه أحمد والطبراني ، وصححه الترمذي والحاكم .
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : خرج النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وعليه مرط مرحَّلٌ ؛ من شعر أسود ، فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء عليٌّ فأدخله ، ثم قال : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} رواه مسلم .
ولم يدخل بقية أولاد علي رضي الله عنه ـ مثل : محمد وأبي بكر وعمر وعثمان ... ـ رحمهم الله تعالى لأنهم لم يكونوا قد وُلدوا بعد . كما لم تدخل أمامة بنت السيدة زينب رضي الله عنهما ، لأنها تنسب لأبيها ، ولم يعش لها ذرية بل ماتوا جميعاً ، ولا أولاد رقية وأم كلثوم زوجتي عثمان رضي الله عنهم ، لأنهم ماتوا قبل هذا التاريخ بدهر قبل موت أمهاتهما رضي الله عنهن . كما ماتا هما في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إنما خص الحسنين ووالدَيهما رضي الله عنهم بالذكر ؛ لأن الله تعالى أطلعه أن جعل نسله منهما ، إضافة لمزيد العناية بهم . والله تعالى أعلم .
ومن خلال الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة يتضح أمران :(1/38)
الأول : أن أهل البيت أصناف ؛ أمهات المؤمنين ، ومؤمنو بني هاشم ـ وهم : آل العباس، وآل علي، وآل عقيل، وآل جعفر ـ ومؤمنو بني المطلب ، والصحابة الكرام رضي الله عنهم ، وموالي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رضي الله عنهم .
وهذا موافق لمعنى الآل في اللغة .
قال في القاموس المحيط : الآل : أهلُ الرجل وأتباعه وأولياؤه ، ولا يستعمل إلا فيما فيه شرف غالباً ، فلا يقال : آل الإسكافي، كما يقال أهله.اهـ
وما ورد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : > إن أوليائي منكم المتقون، مَن كانوا وحيث كانوا < وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : > إنما وليي الله وصالح المؤمنين < كما مرا ، دلالة على عموم الآل ، وإن كان الاقتصار من كلٍّ على نوع ، والله تعالى أعلم .
الثاني : أهل الكساء وهم: علي وفاطمة والحسنان رضي الله عنهم، وهذه مزية لهم على بقية أهل البيت .
لكنه يشمل كل أولاد الحسنين رضي الله عنهما خلافاً لما يفعله الرافضة .(1/39)
فقصر الرافضة ـ من آل البيت ـ على عشرة أشخاص من أولاد الحسين رضي الله عنه : هو تخصيص بلا مخصِّص ، ثم لِما اقتصروا على هؤلاء دون غيرهم من أئمة آل البيت ؟ ثم لِم انتقلوا من الحسن إلى الحسين رضي الله عنهما وهم يقولون : الولاية في الأعقاب لا في الأخوة ؟ أم لأن زوجته أُم ولده هي [سلافة ] شهربانو بنت كسرى يزدجرد ملك الفرس، ثم إن لكل واحد من هؤلاء له عدة أولاد ـ باستثناء الحسين رضي الله عنه حيث لم يبق من أولاده سوى علي زين العابدين رحمه الله تعالى ـ فلِم اقتصروا من كل واحد على ولد واحد من أولاده ؟ فعلي زين العابدين رحمه الله تعالى له غير محمد كزيد الشهيد ، ولا يَقلّون منزلة عنه فلِم اقتصروا على محمد وتركوا الباقين ؟ ومحمد الباقر له عدة أولاد سوى جعفر ، فلِم اقتصروا على جعفر دون سائر إخوانه؟ ثم لِم انتقلوا من جعفر إلى موسى بعد وفاة إسماعيل وهم يقولون : الولاية في الأعقاب ؟ ثم لِم انتقلوا إلى زين العابدين ولم يلتفتوا إلى أولاد الحسن رضي الله عنه ، مع أنهم أكبر سنّاً منه ؟ كالحسن المثنى رحمه الله تعالى ، ثم لِم توقفوا عند الثاني عشر ـ المزعوم ـ ولم يستمروا إلى ما شاء الله ؟ أم هي الموافقة لأسباط بني إسرائيل ؟ أم لأن أمه حفيدة ملك الروم النصراني ـ في قصة غرامية ذكرتْها مصادرُهم الموثوقة كما سيأتي ـ ثم مَن الذي أوقف الأئمة عند هذا الرقم؟ هل ثبت بالقرآن والسنة ، أم هي أكاذيب اخترعها أحبار اليهود ورهبان النصارى وفروخ المجوس ؛ الذين أعلنوا ـ ظاهراً ـ إسلامهم ؟ ـ كما سيأتي في آخر الرسالة إن شاء الله تعالى ـ فتمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلى جواب صريح، ولا يوجد عند الرافضة جوابٌ مقنع ، إنما هي أكاذيب ومخاريق لا يقبلها عقل ، ولا يصغي إليها منطق .
فصل
عبد الله بن سبأ مؤسس مذهب الشيعة(1/40)
لقد كان المسلمون عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على منهاج واحد ، في أصول الدين وفروعه ، إلا من أظهر وفاقاً وأضمر نفاقاً ، وهم قلة لا يكادون أن يتجاوزوا أصابع اليدين،...ثم حصل خلاف ناشئ عن اختلاف وجهات نظر، واجتهاد في فروع الدين، لا في أصوله ، كموت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ومكان دفنه صلى الله عليه وآله وسلم ، ويوم السقيفة، وتيسير جيش أسامة رضي الله عنه، وقتال المرتدين، ومانعي الزكاة ،...
حتى ظهر عبد الله بن سبأ اليهودي ـ من يهود اليمن ـ وساعده عبد الله ابن السوداء ـ وهو من يهود الحيرة ـ وابن سبأ هو مخترع فكرة الوصاية ـ زاعماً أنه وجد في التوراة أن لكل نبيٍّ وصيّاً ، وأن عليّاً وصي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنه خير الأوصياء ، كما أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم خير الأنبياء ، فلما سمع منه شيعة عليٍّ قالوا لعليٍّ : إنه من محبّيك ، فرفع عليٌّ قدره ، وأجلسه تحت درجة منبره ،...
فلما بلغ سيدنا علي رضي الله عنه الغلو منهما فيه : هَمَّ بقتلهما ، لكن لما خشي الفتنة نفاهما إلى المدائن ، فافتتن بهما الرعاع بعد قتل سيدنا علي رضي الله عنه، ونشرا أفكارهما التي بقي عامَّتُها موجودة إلى يومنا هذا بين الشيعة الرافضة . انظر : الفرق بين الفرق (1: 14ـ 18) والدميري ، وفتح الباري (9: 167) وشرح الأبي (2 :51) وغيرها .
وقد أطال السيد الهاشمي البغدادي النَّفَس في إثبات شخصية ابن سبأ ، فوافق كثيراً مما ذكرته في رسالتي عن الشيعة ، وقد استفدت منها ما كان قد فاتني ، وقد رد على من أنكر وجوده ، ومن أراد زيادة المعرفة عنه فلينظر فيها .(1/41)
لقد اتفقت عامة كتب التاريخ من السنة والشيعة على وجود هذا اليهودي الخبيث ، الذي كان له اليد الطولى في قتل سيدنا عثمان ؛ الخليفة الصابر المظلوم رضي الله عنه ، كما أنه هو مؤجج معركة الجمل ، والتي لم يكن لعليٍّ ولا طلحة ولا الزبير رضي الله عنهم ناقة فيها ولا جمل ، وأنه هو مؤسس المذهب الشيعي .
لقد حاول بعض المعاصرين من الشيعة الطعنَ في وجود هذا اليهودي ، وتبرئة مذهب الشيعة من أن يكون هو المؤسس الحقيقي له ، وأنه وهمٌ وخيال ، من عمل أهل السنة . وحالُ هؤلاء كمن يريد أن يغطي الشمسَ بغربال . والزرافة التي دسّت رأسها بالتراب ، مع أن أكثر من عشرين كتاباً من مصادر الشيعة القدامى قد ذكرته ، وأن أئمة آل البيت رحمهم الله تعالى كانوا يلعنونه ، وأن سيدنا عليّاً رضي الله عنه هَمَّ بحرقه ـ وفي بعضها حرَّقه ـ كما سيأتي من نقول أئمة الشيعة أنفسهم .
وحتى يعرف المسلمون جميعاً ـ بما فيهم الشيعة ـ أن ابنَ سبأ شخص حقيقي كان موجوداً في زمن سيدنا عليٍّ رضي الله عنه ، وليس وهماً ولا خيالاً، وكان يهوديّاً تظاهر بالإسلام، وتقرّب من سيدنا علي رضي الله عنه، وأنه هو الذي بث الأفكار الجهنمية والمعتقدات الشيطانية بين الشيعة بمكر وخبث ودهاء ، ليخرجهم من عقيدة الإسلام : فإني أذكر مصادرَ الشيعة التي ذكرته ، سواء التي تنقل ذمه عن أئمة آل البيت رحمهم الله تعالى ، أو تذكر أفكاره ومعتقده ، أو تذكر ما فعله في إشاعة أفكاره في الشيعة ، ثم أذكر معتقداته التي بثها بين الشيعة ، وتناقلوها في كتبهم ، وهي موجودة عند عامة الرافضة ، حتى يومنا هذا ، وعلى من ينكر ذلك فعليه البيان .
ـ أسماء كتب الرافضة التي ذكرته .(1/42)
هناك عدد كبير جدّاً من كتب الرافضة المعتمدة عندهم قد ذكرت عبدالله ابن سبأ، أقتصر على خمسة وعشرين كتاباً ، هي : رسالة الإرجاء ، للحسن ابن محمد ابن الحنفية . وكتاب الغارات ، لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد سعيد بن هلال الثقفي الأصبهاني (ت حدود 283هـ ) وكتاب المقالات والفِرَق، لسعد بن عبد الله الأشعري القمي (ت301) وكتاب فِرَق الشيعة، لأبي محمد الحسن بن موسى النوبختي (القرن الثالث) وكتاب معرفة أخبار الرجال، لأبي عَمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي (ت 369) وكتاب رجال الطوسي، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت460) ومناقب آل أبي طالب ، لابن شهر أشوب (ت 588) ونهج البلاغة، لابن أبي الحديد (ت 656) وحل الإشكال ، لأحمد بن طاووس (ت 673) وكتاب الرجال ، لابن داود (707) وكتاب الرجال ، للحسن الحلي (ت726) والتحرير للطاووسي (ت1011) ومجمع الرجال للقهبائي (ت 1016)ونقد الرجال للتفرشي (ألفه عام1015) وجامع الرواة، للمقدسي الأردبيلي (ألفه 1100) ومرآة الأنوار، لمحمد بن طاهر العاملي (ت 1138) وكتاب روضات الجنات ، لمحمد باقر الخوانساري (ت 1315) وتنقيح المقال في أحوال الرجال ، لعبد الله المامقاني (ت 1351) وكتاب الكنى والألقاب ، لعباس بن محمد رضا القمي (ت 1359) والأنوار النعمانية ، لنعمة الله الجزائري ، وقاموس الرجال ، لمحمد تقي التستري ، وروضة الصفا ، ومقتبس الأثر ومجدد ما دثر ، لمحمد بن حسن الأعلمي الحائري ، بالإضافة لكتاب موسوعة البحار ، للمجلسي (ت1110) وأصل الشيعة وأصولها، لمحمد حسين كاشف الغطاء ، وأغلب هؤلاء من الفرس .
فهذه خمسة وعشرون كتاباً مما وقفت عليه ، من كتب الشيعة الرافضة ممن ذكرت عبدَ الله بن سبأ ، سواء بالمدح أو بيان ذم أئمة آل البيت رحمهم الله تعالى له ، أو بيان عقيدته ، وتأثيرها في الشيعة .
ـ أقوال بعض كتب الرافضة في ابن سبأ .(1/43)
لقد طفحت كتبُ الرجال والتاريخ في ذكر ابن سبأ ، ودوره في انحراف الشيعة بعد سيدنا عليٍّ رضي الله عنه ، لكني أقتصر على ذكر بعض أقوال أئمة الشيعة وعلمائهم في ذكر ابن سبأ اليهودي ، وما كان يقوله في سيدنا عليّ رضي الله عنه ، وذلك من كتبهم ، وليس من كتب أهل السنة ، وسيأتي بيان الأفكار والمعتقدات التي بثّها وأتباعُه بين الشيعة ، وهي موجودة في كتبهم ومعتقداتهم إلى يومنا هذا .
قال النوبختي ـ وهو من علماء القرن الثالث ـ : حكى جماعة من أهل العلم ـ من أصحاب عليٍّ عليه السلام ـ أن عبد الله بنَ سبأ كان يهوديّاً ، فأسلم ، ووالى عليّاً عليه السلام ، وكان يقول ـ وهو على يهوديته ـ في يوشع ابن نون:وصي بعد موسى ، على نبينا وآله وعليهما السلام، فقال في إسلامه ـ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله ـ في عليٍّ عليه السلام بمثل ذلك . وهو أولُ من شهر القولَ بفرض إمامة عليٍّ عليه السلام ، وأظهر البراءةَ من أعدائه ، وكاشف مخالفيه .
قال النوبختي : فمن هنا قال من خالف الشيعة: إن أصل الرفض مأخوذٌ من اليهودية.اهـ من فرق الشيعة للنوبختي (44) ونقله الكشي في رجاله (101) والمامقاني في تنقيح المقال في أحوال الرجال ، والتستري في قاموس الرجال ( 5 : 462 )
وقال النوبختي ـ في ذكره للسبئية ـ : أصحاب عبد الله بن سبأ ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة ، وتبرأ منهم ، وقال : إن عليّاً عليه السلام أمره بذلك . فأخذه عليٌّ فسأله عن قوله هذا فأقر به ، فأمر بقتله ، فصاح الناس إليه : يا أمير المؤمنين ، أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت ، وإلى ولايتك ، والبراءة من أعدائك ؟ فصيَّره إلى المدائن .اهـ من فرق الشيعة (44) وقاموس الرجال (5 : 463 )(1/44)
تنبيه : إن أمر علي رضي الله عنه بقتل ابن سبأ لطعنه في الصحابة الثلاثة رضي الله عنهم دليل على محبته لهم ، وأن من يطعن فيهم فحكمه القتل في نظره رضي الله عنه وعنهم جميعاً فما يقول الرافضة ؟
وقال النوبختي : لما بلغ عبد الله بن سبأ نعي عليٍّ عليه السلام بالمدائن قال للذي نعاه : كذبتَ ، لو جئتنا بدماغه في سبعين صرةً ، وأقمتَ على قتله سبعين عدلاً ؛ لعلمنا أنه لم يمت ، ولم يُقتل ، ولا يموت حتى يملك الأرض .اهـ من فرق الشيعة (43) وقاموس الرجال للتستري (5: 463) وانظر المقالات والفِرَق ( 31 )
وقال سعد بن عبد الله القمي : السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ ، وهو عبد الله بن وهب الراسبي الهمداني ، وساعده على ذلك عبدُ الله بن خرسي، وابن أسود ، وهما من أجل أصحابه، وكان أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم .اهـ من المقالات والفِرَق (20)
ونقل الكشي ـ بسنده إلى محمد الباقر رحمه الله تعالى ـ أن عبد الله بن سبأ كان يدَّعي النبوة ، وزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ، فدعاه ، وسأله فأقر بذلك ، وقال : نعم ، أنت هو . وقد كان أُلقِي في روعي أنك أنت الله ، وأني نبي . فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك ، قد سخر منك الشيطان ، فارجع عن هذا ثكلتك أمُّك وتب . فأبى ، فحبسه ثلاثةَ أيام ، فلم يتب ، فأحرقه بالنار [ قلت : الصواب أنه نفاه إلى المدائن ، ولكنه حرّق جماعة من أتباعه كما سيأتي] وقال : إن الشيطان استهواه ، فكان يأتيه ، ويلقي في روعه ذلك .اهـ من رجال الكشي ط كربلاء (98) وط الأخرى (70 ) وقاموس الرجال ( 5 : 461 ) وتنقيح المقال للمامقاني (2 : 183 ـ 184 )(1/45)
ونقل أيضاً ـ بسنده عن أبي عبد الله جعفر الصادق رحمه الله تعالى ـ وهو يحدِّث أصحابه بحديث عبد الله بن سبأ ، وما ادعى من الربوبية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : إنه لما ادعى ذلك استتابه أميرُ المؤمنين عليه السلام فأبى أن يتوب ، وأحرقه بالنار .اهـ من المصدر السابق .
ونقل الكشي ، عن أبي عبد الله جعفر الصادق رحمه الله تعالى قال : لعن اللهُ عبدَ الله بنَ سبأ ، إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان ـ والله ـ أميرُ المؤمنين عليه السلام عبداً لله طائعاً ، الويلُ لمن كذب علينا ، وإنّ قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم .اهـ من رجال الكشي ، ط كربلاء (100) وتنقيح المقال للمامقاني (2 : 183ـ 184) وقاموس الرجال (5 : 461 )
ونقل الكشي ـ بسنده إلى علي زين العابدين رحمه الله تعالى قال : لعن الله تعالى من كذب علينا ، إني ذكرتُ عبدَ الله بن سبأ فقامت كلُّ شعرة في جسدي، لقد ادعى أمراً عظيماً، ما له لعنه الله . كان عليٌّ عليه السلام ـ والله ـ عبداً لله صالحاً، أخاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما نال الكرامة من الله إلّا بطاعته لله ولرسوله. وما نال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم الكرامة إلا بطاعة الله .اهـ من المصدر السابق .
ونقل الكشي بسنده إلى أبي عبد الله جعفر الصادق رحمه الله تعالى قال : إنّا أهل بيت صدِّيقون ، لا نخلو من كذّاب يكذب علينا ، ويسقط صدقُنا بكذبه علينا عند الناس ، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصدقَ الناس لهجةً ، وأصدقَ البرية كلها ، وكان مسيلمةُ يكذب عليه ، وكان أمير المؤمنين من برأ لله بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان الذي يكذب عليه، ويعمل في تكذيب صدقه، ويفتري على الله الكذبَ : عبد الله ابن سبأ لعنه الله . اهـ من المصادر السابقة .(1/46)
وذكر ابن أبي الحديد ، أن عبد الله بن سبأ قام إلى عليٍّ ـ رضي الله عنه ـ وهو يخطب فقال له : أنت أنت ، وجعل يكرِّرُها . فقال له ـ عليٌّ ـ : ويلك ، من أنا ؟ فقال : أنت الله . فأمر بأخذه وأخذِ قومٍ كانوا معه على رأيه .اهـ من شرح نهج البلاغة (5 : 5 )
وقال المامقاني : عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر ، وأظهر الغلو .
وقال : غالٍ ملعونٌ ، حرَّقه أميرُ المؤمنين بالنار، وكان يزعم أن علياً إله ، وأنه نبيٌّ . اهـ من تنقيح المقال في علم الرجال ( 2 : 183، 184 )
وقال نعمة الله الجزائري : قال عبد الله بن سبأ لعليٍّ عليه السلام : أنت الإله حقّاً ، فنفاه عليٌّ عليه السلام إلى المدائن، وقيل : إنه كان يهوديّاً فأسلم، وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون، وفي موسى مثلَ ما قال في علي .اهـ من الأنوار النعمانية (2 : 234)
وعن سويد بن غفلة رحمه الله تعالى قال : مررت بقوم ينتقصون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ، فأخبرت عليّاً كرم الله وجهه ، وقلت : لولا أنهم يرون أنك تُضمر ما أعلنوا ؛ ما اجترؤوا على ذلك ، منهم عبد الله بن سبأ . فقال علي رضي الله عنه : نعوذ بالله ، رحمنا الله ، ثم نهض ، وأخذ بيدي ، وأدخلني المسجد ، فصعد المنبر ، ثم قبض على لحيته وهي بيضاء ، فجعلت دموعه تتحادر عليها،...الخ وسيأتي في الصحابة رضي الله عنهم بعد قليل.
ومن المضحك : لما قال كاشف الغطاء في أصل الشيعة وأصولها (40 ـ 41 ) : أما عبد الله بن سبأ الذي يلصقونه بالشيعة ، أو يلصقون الشيعة به ، فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنه ، والبراءة منه .اهـ
فلما راجعه السيد حسين في ذلك قال: إنما قلنا هذا تقية، فالكتاب المذكور مقصود به أهل السنة .اهـ يعني يجوز الكذب على أهل السنة، لذا أخبر عن لعن الشيعة لابن سبأ ، والحقيقة خلاف ذلك .(1/47)
هذه بعض النقول من الكتب المعتمدة عند الرافضة ، فمن منهم يستطيع أن ينكر تلك الكتب بعد ذلك ، وهي عندهم المراجع الأساسية ؟.
إن هذه النقول من تلك الكتب المعتمدة عندهم تثبت وجودَ عبد الله بن سبأ، وأنه شخصية حقيقية، وليس خرافة ؛ اخترعها أهل السنة ـ كما يزعم بعض الشيعة المعاصرين ومن شايعهم ـ وأنه يهوديٌّ خبيث ، وأنه هو الذي دسّ تلك الأفكار الخبيثة لإفساد مذهب الشيعة، فكان له ما أراد ، وتحقق له ما يريد ،
كان ـ عامله الله تعالى بعدله ـ هو أولَ من أظهر الطعن في الصحابة رضي الله عنهم ، وعلى الأخص الخلفاء الثلاثة الكرام سادات المسلمين رضي الله عنهم ، وأنه هو أول من أظهر التبرؤ منهم ، كما أنه أول من نادى بألوهية عليٍّ رضي الله عنه ـ والله يشهد إن علياً رضي الله عنه بريء من ذلك كله ـ كما أنه أول من نادى بولاية علي رضي الله عنه وإمامته ، وهو أول من نادى بالنبي الصامت والنبي الناطق ، وأن الصامت أفضل من الناطق ، وأول من نادى بعدم وفاة علي رضي الله عنه ، وأول من نادى بالرجعة ، وكل ذلك أخذه من اليهودية التي ما زال عليها ، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى في الفصل القادم .
أهداف عبد الله بن سبأ .
قبل ختم هذا الفصل أحب أن أذكر أهداف عبد الله بن سبأ اليهودي ، حسب ما ظهر من النصوص التي ذكرتها ، والتي لم أذكرها هنا .
1ـ إخراج المسلمين من دينهم، وذلك بما يبثه من أفكار تخرج معتنقها من الملة ، انتقاماً لما حصل لليهود في الحجاز ، والنصارى في الشام ومصر ، كما هاله صفاء هذا الدين ونقاؤه ، لذا لابد من تغييره وتبديله .
2ـ إيجاد فِرقة أو طائفة تدعي الإسلام ظاهراً ، تعيش بين المسلمين ـ على معتقده ومذهبه ـ يكون هدفها الإفساد من الداخل، بالإضافة إلى شق صف المسلمين ، وعدم اتحادهم ، ودس الفتنة والوقيعة بين المسلمين .(1/48)
3 ـ قطع العلاقة بين المسلمين المتأخرين وجيل الصحابة رضي الله عنهم ، بما يبثه من تشويه صورتهم ، وأنهم كفروا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وخالفوا أوامره ، وحذفوا ، أو حرّفوا ـ حاشاهم ـ كثيراً من الآيات والسور من القرآن الكريم ،...
4 ـ الانتقام من شيوخ الإسلام الثلاثة ومن كل ما يتصل بهم رضي الله عنهم [أبو بكر وعمر وعثمان] وتشويه صورتهم .
لأن أبا بكر رضي الله عنه هو سيد المسلمين وإمامهم وأكثر خلق الله قرباً وأعظمهم منزلة ومكانة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أول خليفة لهم ، الذي ثبت الله تعالى على يديه الدولة الإسلامية ، وقضى على المرتدين ، فكانت فترة خلافته امتداداً للعهد النبوي .
ولأن الخليفتين الآخرين [عمر وعثمان] رضي الله عنهما هما اللذان قضيا على الحكم الفارسي في الشرق ، وعلى البيزنطي في الشام .
5 ـ إدخال عقائد اليهود والنصارى في صفوف المسلمين الذين يتبعونه ، فأدخلوا عقيدة تأليه علي رضي الله عنه ـ كما حصل من تأليه عدد من أنبياء بني إسرائيل ، وادعاء الربويبة للأئمة ، وأدخلوا عقيدة الولاية والوصاية ـ وهي من أهم عقائد اليهود ـ وأدخلوا عقيدة الرجعة التوراتية ، بالإضافة إلى إضفاء صفات الألوهية على الأئمة ، ابتداء من اطلاعهم على علم الغيب ، إلى مقاسمة الله تعالى في الجنة والنار ، والإحياء والإماتة ، ومشورة الله لهم ، وغير ذلك كثير .
6 ـ الانتقام من النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، والطعن فيه لكن من طريق غير مباشر ، وذلك بأن يقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكث ثلاثاً وعشرين سنة يدعو هؤلاء الناس ، ولم يبق من صحابته على الصدق والإخلاص سوى أربعة أشخاص، لأنهم كلهم ارتدوا بعده ، فماذا كان يفعل؟ ومعنى هذا أنه كان مغشوشاً بهم، وليس عنده من الحصافة والفطانة وبعد النظر والفراسة ما يكشف هؤلاء المقربين منه ،...(1/49)
7ـ انتقاماً لليهود والنصارى، لأن الإسلام هو الذي كشف زيف اليهود والنصارى في تحريفهم لكتبهم ، وتزويرها وتغييرها ، لذا ادّعوا التحريف والحذف في القرآن ليكون كالتوراة والإنجيل ، وحتى يتسنى إثبات دعوى الولاية والوصاية ، وليتم لهم دعوى أن الصحابة رضي الله عنهم بأجمعهم هم الذين حذفوها من القرآن الكريم .
وهناك أمور كثيرة ، سيأتي ذكر بعضها في الفصل القادم في بيان عقيدة ابن سبأ التي بثها بين الناس ، وهي موجودة عند الرافضة إلى اليوم ، عليه من الله ما يستحق . وانظر الشيعة السنة ، فقد ذكر بعضها ، كما ذكر غيرها .
فصل
معتقدات عبد الله بن سبأ التي نشرها بين الشيعة
لم يكن محبو عليٍّ رضي الله عنه يعرفون الحقد والبغضاء على أصحاب النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنهم ، جل ما هنالك كان الغلاة يقدّمون عليّاً على عثمان رضي الله عنهما ، ولا يسبون أحداً ، ولا يحقدون عليه ، ولا يجاهرون بعداوة لأحد ، حتى ظهر ابن سبأ اليهودي ، عامله الله تعالى بعدله ـ وأظهر الإسلام ، ليطعن فيه من الداخل ـ فجاهر بطعن الشيخين ـ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأرضاهما ـ وعامة الصحابة، والتبرؤ منهم ، وسبهم ، ثم أعلن المعتقدات الباطلة ، ابتداء من تأليه علي رضي الله عنه حتى القول بكتم النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لتسعة أعشار ما نزل عليه ، مروراً بكثير من الأمور الخطيرة التي لا يسعها هذا المختصر .
ومن خلال النقول التي ذكرتها ، والتي لم أُشر إليها يتضح لنا ما كان عليه هذا الرجل اليهودي وأعوانه من اليهود في إفساد عقيدة الشيعة عامة والرافضة بالأخص، ويمكنني تلخيص أهم الأفكار التي نشرها في الرافضة وغيرهم من الغلاة، وكثير منها ما زال موجوداً عند الرافضة إلى يومنا هذا ـ كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في فصل آرائهم ـ وإن كان بعضهم يتنصل منها تقية ، كما ستأتي الإشارة إلى بعض ذلك .(1/50)
1 ـ دعواه ألوهية عليٍّ رضي الله عنه .
إن من أولى ما أشاعه عبد الله بن سبأ ، وتبنّاه عددٌ من الشيعة في زمن سيدنا علي رضي الله عنه دعواه أن عليّاً رضي الله عنه هو الله ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ وهذه وحدها كافية ببيان كفره وغدره ، وحقده على الإسلام والمسلمين . لكن العجب أن ينكر بعض الشيعة المتأخرين وجوده
وقد مر النقل عن محمد الباقر وجعفر الصادق رحمهما الله تعالى ـ الذي نقله الكشي ـ أن عبد الله بن سبأ زعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وأن علياً رضي الله عنه استتابه فأبى أن يتوب . ونقل ذلك المامقاني وابن أبي الحديد ونعمة الله الجزائري وكثير غيرهم .
وقد تأثر بهذا القول كثير من الشيعة ، مما اضطر أمير المؤمنين علي رضي الله عنه إلى استتابتهم ، فلما أبوا الرجوع عن معتقدهم حرَّقهم بالنار . وأقتصر على رواية واحدة مما في كتب الرافضة ، وإلا فإن أصل الموضوع معروف ومستفيض عند عامة أهل العلم من السنة والشيعة معاً .
روى الكليني في كتابه الكافي ـ في كتاب الحدود ، بسنده إلى أبي عبد الله جعفر الصادق رحمه الله تعالى قال ـ : أتى قومٌ أميرَ المؤمنين عليه السلام فقالوا : السلام عليك يا ربنا . فاستتابهم ، فلم يتوبوا ، فحفر لهم حفيرة ، وأوقد فيها ناراً ،... فلما لم يتوبوا ألقاهم في الحفيرة حتى ماتوا .اهـ من الكافي (7 : 257ـ 259) وهو من أوثق كتبهم حتى عدوه بمقام صحيح البخاري عند السنة . وانظر : مقياس الهداية (3 : 89 ـ 90) وتنقيح المقال ، وكسر الصنم ، وانظر ابن سبأ (53 ـ63) فقد ذكر نصوصاً كثيرة في ذلك .
وأما كتب السنة فقد وردت قصة تحريقهم في كثير من كتبهم، كالبخاري وغيره . لكن أحببت أن يكون الاعتماد على كتب الرافضة حتى لا ينكروا إلا إذا حكموا عليها ـ تقية ـ بالضلال والكذب ، كما هو مذهبهم .
2 ـ ادعاء ابن سبأ النبوة .(1/51)
لقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الساعة لن تقوم حتى يظهر دجالون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه نبيّ، ولا نبيَّ بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والحديث متواتر . وهذه الدعوى كافية في بيان كفره ، لأن الله تعالى يقول عن نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} فقد ختم الله تعالى برسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم النبوةَ والرسالةَ .
فقد نقل الكشي ـ بسنده إلى محمد الباقر رحمه الله تعالى ـ أن عبد الله بن سبأ كان يدَّعي النبوة ، وزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ، فدعاه ، وسأله فأقر بذلك ، وقال : نعم ، أنت هو . وقد كان أُلقِي في روعي أنك أنت الله ، وأني نبي . فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك ، قد سخر منك الشيطان، فارجع عن هذا ثكلتك أمُّك وتب، فأبى . كما مر من رجال الكشي ط كربلاء ( 98) وط الأخرى (70 ) وقاموس الرجال (5 :461) وتنقيح المقال للمامقاني ( 2 : 183 ـ 184 )
3 ـ ادعاء الوصاية لعلي رضي الله عنه
إن من القضايا التي أثارها ابن سبأ ـ نقلاً عن اليهودية ـ دعوى الوصية ، والولاية ، وشاركه في ذلك ابن السوداء اليهودي أيضاً .
قال النوبختي : حكى جماعةٌ من أهل العلم ـ من أصحاب عليٍّ عليه السلام ـ أن عبد الله بنَ سبأ كان يهوديّاً ، فأسلم ، ووالى عليّاً عليه السلام ، وكان يقول ـ وهو على يهوديته ـ في يوشع بن نون : وصي بعد موسى ، على نبينا وآله وعليهما السلام ، فقال في إسلامه ـ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله ـ في عليٍّ عليه السلام بمثل ذلك ...(1/52)
قال النوبختي : فمن هنا قال من خالف الشيعة: إن أصل الرفض مأخوذٌ من اليهودية .اهـ من فرق الشيعة للنوبختي ( 44 ) ونقله الكشي في رجاله (101) والمامقاني في تنقيح المقال في أحوال الرجال ، والتستري في قاموس الرجال ( 5 : 462 )
فقول النوبختي والكشي: هو ـ أي ابن سبأ ـ أول من أشهر القول بفرض إمامة علي . صريح في نقل هذه العقيدة من اليهودية وتبنتها الرافضة ، كما سيأتي في آخر الرسالة إن شاء الله تعالى .
أرجو التنبه لقول النوبختي : (إن أصل الرفض مأخوذٌ من اليهودية ) ثم كيف ينكر بعضُ متأخريهم وجوده ، ويزعمون أنه من صنع أهل السنة !!!
4 ـ دعواه عصمة الأئمة .
من القضايا التي أثارها ابن سبأ وبقيت موجودة عند الرافضة إلى اليوم : ادعاء العصمة لهم .
جاء في تاريخ الإمامية (158) : إن الاعتقاد بعصمة الأئمة جعل الأحاديث التي تصدر عنهم صحيحةً ، دون أن يشترطوا إيصال سندها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كما هو الحال عند أهل السنة .اهـ
وفيها (140) ولما كان الإمام معصوماً عند الإمامية فلا مجال للشك فيما يقول .اهـ
لهذا قال المامقاني : إن أحاديثنا كلها قطعية الصدور عن المعصوم .اهـ من تنقيح المقال ( 1 : 177 ) قلت : ولو كانت مسلسلة بالكذّابين .
5 ـ دعواه أن عليّاً رضي الله عنه لم يمت ، وأنه باق .
ومن القضايا التي نشرها بين الشيعة وهي موجودة إلى الآن : دعواه عدم موت سيدنا علي رضي الله عنه .
قال النوبختي : لما بلغ عبد الله بن سبأ نعي عليٍّ عليه السلام بالمدائن قال للذي نعاه : كذبتَ ، لو جئتنا بدماغه في سبعين صرةً ، وأقمتَ على قتله سبعين عدلاً؛ لعلمنا أنه لم يمت ، ولم يُقتل ، ولا يموت حتى يملك الأرض .اهـ من فرق الشيعة (43) وانظر قاموس الرجال للتستري (5: 463) والمقالات والفِرَق للقمي ( 21 )(1/53)
زاد القمي في روايته : ثم مضوا من يومهم حتى أناخوا بباب عليٍّ ـ رضي الله عنه ـ فاستأذنوا عليه استئذان الواثق بحياته ، الطامع في الوصول إليه .
فقال لهم من حضره من أهله وأصحابه وولده : سبحان الله ، ما علمتم أن أمير المؤمنين قد استشهد؟ قالوا : إنا لنعلم أنه لم يقتل، ولا يموت ، حتى يسوق العربَ بسيفه وسوطه ، كما قادهم بحجته وبرهانه ، وإنه ليسمع النجوى ، ويعرف تحت الدثار الثقيل ، ويلمع في الظلام كما يلمع السيف الصقيل الحسام .اهـ
وقال أبو القاسم البلخي ـ كما نقله القاضي عبد الجبار البصري المعتزلي (ت 415) : فلما قتل أمير المؤمنين عليه السلام قيل لابن سبأ : قد قُتل ومات ودفن ، فأين ما كنت تقول من مصيره إلى الشام ؟ فقال : سمعته يقول: لا أموت حتى أركل برجلي من رحاب الكوفة فأستخرج منها السلاح، وأصير إلى دمشق ، فأهدم مسجدها حجراً حجراً [ أرجو الانتباه إلى هذا الافتراء ] وأفعل وأفعل . فلو جئتمونا بدماغه مسروداً لما صدقنا أنه قد مات . ولما افتضح بُهت . وادعى على أمير المؤمنين ما لم يقله .
والشيعة الذين يقولون بقوله الآن بالكوفة كثير، وفي سوادها والعراق كله يقولون : أمير المؤمنين كان راضياً بقوله ، وبقول الذين حرّقهم . وإنما أحرقهم لأنهم أظهروا السر. ثم أحياهم بعد ذلك . قالوا : وإلا فقولوا لنا لِمَ لم يحرّق عبد الله بن سبأ ؟
قلنا : عبد الله ما أقر عنده بما أقر أولئك ، وإنما اتهمه فنفاه . ولو حرَّقه لما نفع ذلك معكم شيئاً ، ولقلتم إنما حرَّقه لأنه أظهر السر.اهـ من تثبيت دلائل النبوة (2 : 549 ـ 550 )(1/54)
عجباً لهؤلاء القوم ، يكذبون على عليٍّ رضي الله عنه ، ثم ينسبون عليه الكذب ، ويزعمون أنه رضي الله عنه يحيي الموتى ، ويهدم المساجد ، وأنه يظهر ما لا يبطن ـ حاشاه ـ وأنه راض بدعواهم له الألوهية ، وأنه حرَّق السبئية لأنهم أظهروا السر ، ولو حرَّق ابن سبأ لقالوا إنما حرّقه لأنه أظهر السر. والسر هو ادّعاء علي رضي الله عنه الربوبية . كذبوا والله عليه ، وإنه والله هو منها بريء .
6 ـ ادعاؤهم أنه رضي الله عنه يعلم الغيب وأنه يحيي الموتى .
لقد مر في الفقرة السابقة : وإنما أحرقهم لأنهم أظهروا السر. ثم أحياهم بعد ذلك.
كما مر قول القمي ـ الحوار بين السبئية وأهل بيت أمير المؤمنين ـ وفيه : فقال لهم من حضره من أهله وأصحابه وولده : سبحان الله ، ما علمتم أن أمير المؤمنين قد استشهد ؟ قالوا : إنا لنعلم أنه لم يقتل ، ولا يموت ، حتى يسوق العربَ بسيفه وسوطه ، كما قادهم بحجته وبرهانه ، وإنه ليسمع النجوى ، ويعرف تحت الدثار الثقيل ، ويلمع في الظلام كما يلمع السيف الصقيل الحسام .اهـ فهم يعتقدون بعدم موته ، وأنه يسمع النجوى ،... الخ .وسيأتي نص في الفقرة التالية بأوضح .
7 ـ ادعاؤهم أن عليّاً رضي الله عنه أُعطي معرفة آجال العباد وما يقع منهم
ومما بثه في صفوف الشيعة : أن سيدنا عليّاً رضي الله عنه أعطي معرفة آجال الناس ، وما يقع لهم من البلايا والمحن ، وفصل الخطاب ، والرجعة إلى الدنيا ،...
فقد روى الثقات منهم عن عليٍّ رضي الله عنه قال : أُعطيت الستّ ؛ علم المنايا ، والبلايا ، والوصايا ، وفصل الخطاب ، وإني لصاحب الكرات ، ودولة الدول، وإني لصاحب العصا، والميسم، والدابة التي تكلم الناس . اهـ من بصائر الدرجات الكبرى (4: 219ـ221) وأصول الكافي (1: 198) وانظر بحار الأنوار للمجلسي (26 : 142) لبيان معنى هذا القول.
8 ـ ادّعاؤهم بالرجعة .(1/55)
روى القمي في تفسيره بسنده إلى أبي عبد الله ـ جعفر الصادق رحمه الله تعالى ـ حيث فسر قوله تعالى : {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} بالرجعة . وقال : صيحة القائم من السماء { ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} قال : هي الرجعة .اهـ من تفسير القمي ( 2 : 327 )
وروى عند تفسير قوله تعالى : {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ }
عن أبي عبد الله قال : ما بعث الله نبيّاً من الأنبياء من لدن آدم فهلم جرّاً ، إلا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين ( علي ) وهو قوله : {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ} يعني : رسول الله {وَلَتَنْصُرُنَّهُ} يعني : أمير المؤمنين .
وروى القمي في تفسيره عن أبي عبد الله ـ جعفر الصادق عليه السلام قال : انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمير المؤمنين وهو نائم في المسجد؛ قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه، فحرّكه برجله ثم قال له : >قم يا دابَّةُ الأرض< فقال رجلٌ من أصحابه : يارسول الله، أيسمي بعضُنا بعضاً بهذا الاسم ؟ فقال : > لا والله ، ما هو إلا له خاصة ، وهو الدّابة التي ذكر الله في كتابه { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُون }
ثم قال : > يا علي ، إذا كان في آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ، ومعك مَيْسَم تَسِم به أعداءَك <
فقال رجل لأبي عبد الله عليه السلام : إن الناس يقولون : هذه الدّابة إنما تُكَلِّمُهم ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : كَلّمهم الله في نار جهنم . إنما هو يكْلِمهم من الكلم . اهـ من تفسير القمي (2: 130ـ 131)
قلت : هذا تحريفٌ من القول، فالآية صريحةٌ في الكلام، وليس في الكلم، أي الوسم ، كوسم الدواب ، ثم كيف يرضون أن يكون الإنسان المؤمن المكرّم العزيز دابّةً بهيمة ؟!(1/56)
وقد روى جعفر الصادق عن آبائه ، عن جابر قال : لما بويع علي رضي الله عنه خطب الناسَ فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له : أنت دابة الأرض . فقال له : اتق الله . فقال له : أنت الملِك . فقال : اتق الله . فقال : أنت خلقتَ الخلقَ ، وبسطتَ الرزق . فأمر بقتله . فاجتمعت الرافضة فقالت : دعه ، وانفه إلى ساباط المدائن . اهـ من تاريخ دمشق ، وانظر مجمع البيان للطبرسي ( 4 : 234 ) وتفسير القمي في الموضع المشار إليه .
وعن علي بن الحسين رضي الله عنهما قال : جاءني رجل من أهل البصرة، فقال: جئتك في حاجة من البصرة، وما جئتك حاجّاً ولا معتمراً. قلت له : وما حاجتك؟ فقال : جئت لأسألك متى يُبعث علي بن أبي طالب؟ قال : فقلت له: يُبعث والله يوم القيامة، ثم تُهمّه نفسه .اهـ من تهذيب الكمال (20: 396 )
وعن عَمرو بن الأصم قال : قلت للحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ : إن هذه الشيعة يزعمون أن عليّاً ـ رضي الله عنه ـ مبعوثٌ قبل يوم القيامة . قال : كذبوا ، والله ما هؤلاء بشيعته ، لو علمنا أنه مبعوثٌ ما زوَّجنا نساءَه ، ولا اقتسمنا مالَه . رواه ابن سعد والحاكم ومسدد والطبراني .
وأول من نادى بالرجعة هو ابن سبأ ـ عليه من الله ما يستحق ـ انظر ما سبق في فقرة سابقة مما ذكره سعد بن عبد الله القمي في المقالات والفِرَق . وكذا ما قاله القمي في تفسيره كما مر أيضاً . وانظر عقائد القائم [ المهدي ] في آخر الرسالة ، حيث ذكرت عدة نقول عنهم في دعوى الرجوع .
9 ـ دعواهم بتناسخ الأرواح ، وعدم الموت .
وذلك أنهم يرون أن روح القدس كانت في النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، كما كانت في عيسى عليه السلام ، ثم انتقلت إلى علي ثم إلى الحسن ثم إلى الحسين رضي الله عنهم، ثم كذلك في الأئمة رحمهم الله تعالى ، وعامتهم يقولون بالتناسخ والرجعة ، وكان هؤلاء يسمون بـ ( الطيارة ) ، وأنهم لا يموتون ، وإنما موتهم طيران نفوسهم في الغلس .(1/57)
قال المفضل ـ كما نقله الكليني في الكافي ـ : إن روح القدس روح خاص بالنبي ، ينتقل بعد موته إلى بدن وصيه تماماً ، كانتقال الروح من جسم إلى جسم .اهـ
وقال الكليني : إن روح محمد ^ تسري في أجساد الأئمة .اهـ
وقال الطوسي ـ في ترجمة نصر بن صباح البلخي ، الذي عدّه المامقاني من الأئمة ، وقد أكثر المشايخ من النقل عنه على وجه الاعتماد ، وقد بلغ إلى حد لا مزيد عليه ـ: لقي جلة من كان في عصره من المشايخ والعلماء ، وروى عنهم ، إلا أنه قيل : كان من الطيارة ، غالي . انظر رجال الطوسي ( 515 ) ومقباس الهداية (121) وقد رد عليهم النبوختي بكتابه (الرد على أصحاب التناسخ ) كما في مقدمة فرق الشيعة له ( 17 )
وقال السيد الرضا : من قال بالتناسخ فهو كافر . اهـ من الكافي .
10 ـ دعواهم كتم النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم تسعة أعشار الوحي ، واطلاعهم عليه كله .
لقد زعم السبئية أن النبيَّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ـ حاشاه ـ كتم تسعةَ أعشار ما نزل عليه من الوحي ، وأن الله تعالى هداهم إليه . وأنه ـ بالإضافة إلى التوراة والإنجيل والزبور ...ـ كلها موجودة عند القائم ، وقد رد عليهم الحسن بن محمد ابن الحنفية في رسالته (الإرجاء) وهو مخطوط .
وقد جاء فيها ـ كما نقله ابن أبي الحديد ـ ما يلي ، يقولون : هُدينا لوحْيٍ ضلَّ عنه الناس ، وعِلمٍ خفي عنهم . وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتم تسعة أعشار الوحي . ولو كتم صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً مما أنزل عليه لكتم شأن امرأة زيد . وقولَه تعالى : { تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ... }.اهـ من شرح نهج البلاغة ( 2 : 309 ) وسيأتي دعواهم تحريف القرآن الكريم في فصل مستقل .
وجاء في ترجمة ابن سبأ : أن القرآن جزء من تسعة أعشار ، وعلمُه عند علي . فنهاه علي بعدما همَّ به .اهـ(1/58)
أين هم من حفظ الله عز وجل لكتابه الكريم {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}وقوله تعالى : {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} فهل بلّغ أم لا ؟؟؟
11 ـ الطعن بالصحابة رضي الله عنهم والتبرؤ منهم .
إن ابن سبأ اليهودي عامله الله تعالى بعدله : هو أول من طعن بالصحابة عموماً وبأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وبرأهم من طعنه، حتى إن سيدنا عليّاً رضي الله عنه هَمَّ بقتله، لولا تصايح الناس ، فنفاه إلى المدائن .
قال النوبختي ـ في ذكره للسبئية ـ : أصحابُ عبد الله بن سبأ ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة ، وتبرأ منهم ، وقال : إن عليّاً عليه السلام أمره بذلك . فأخذه عليٌّ فسأله عن قوله هذا فأقر به ، فأمر بقتله، فصاح الناس إليه : يا أمير المؤمنين، أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت، وإلى ولايتك، والبراءة من أعدائك؟ فصيَّره إلى المدائن .اهـ من فرق الشيعة (44)وقاموس الرجال (5 : 463 )
وخير دليل على طعنهم بالصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم ، وطهرهم من رجس الرافضة القصيدة الأرزية، والتي أعيد طبعها في بغداد يوم كان الناس مشغولين في دعوى التقارب ، وكان مندوب أهل السنة ـ المتشيّع ـ يخطب في النجف بحضور كاشف الغطاء . وسيأتي بيان موقفهم من الصحابة رضي الله عنهم ، وبيان سبب عدائهم للصحابة بعد قليل .
12 ـ دعواهم خيانة جبريل عليه السلام ـ حاشاه ـ(1/59)
ومما يلتحق بمعقتداتهم : دعواهم أن جبريل عليه السلام خان الأمانة ، فبدلاً من أن يعطي الرسالةَ لعلي رضي الله عنه أعطاها للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يدري هؤلاء الأغبياء أنهم في قولهم هذا قد طعنوا في الله تعالى {اللُه أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } كما طعنوا في رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، كيف يدعي ما ليس له ، وفي علي رضي الله عنه ، كيف لم يطالب بما أُخذ منه .
13ـ الغلو في الأئمة وتفضيلهم على النبيِّ الكريم وعلى سائر الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام ، ورفعهم فوق مستوى البشر ، وأنهم يُحيون ويُميتون ، وهم كانوا قبل الخلق ،... كما سيأتي في الفصل القادم.
فصل
الغلو في أئمة آل البيت رحمهم الله تعالى(1/60)
ومما يلتحق بمعقتداتهم: دعواهم أن أئمة آل البيت رحمهم الله تعالى أفضل من النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ومن جميع الأنبياء عليهم السلام، وأن الوحي ينزل عليهم، وهم يعلمون الغيب، ويعلمون ما كان وما يكون، وأن الجنة والنار بأيديهم، وأنهم خزنة وحي الله تعالى، ومعادن علمه، وموضع سره ، وأنهم خزنة الله ، وعيبة وحيه ، وخزنة علمه ، وأنهم إذا أرادوا أراد الله ، وأن أحدهم يموت باختياره ، وأنهم حجة على خلقه ، وهم أمناء الله في خلقه، وخلفاؤه في بلاده، وأنهم الآيات التي كذَّبها فرعون ، والعلامات التي ذكرها الله تعالى ، وأن علمهم ورثوه ولم يتعلموه ، وأن الأرض لو خلت من أحدهم لساخت ، وأنهم أركان الأرض ، ومن لا يقبل ذلك فهو مشرك ، وأنهم من أصول الدين فمن لم يؤمن بهم فهو كافر ، وأن أرواحهم هي روح النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ؛ انتقلت إليهم واحداً واحداً ، وأنهم يزيدون في القرآن كلمات في سبيل الاستدلال على منزلة الأئمة ، وأن الله تعالى وكَل أمرَ العالم إلى النبيِّ محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وجلس يستريح ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ وأنهم نور الله تعالى، وأن فاطمة رضي الله عنها هي نور السموات والأرض ،...
في أمور كثيرة ، تأتي الإشارة إلى رؤوس مسائلها . خاصة وأن كتبهم طافحة في ذلك ، لا يخلو واحد من كثير مما أذكره .
ولما كان كتاب الكافي الذي ألفه الكليني أفضلَ كتاب عند الرافضة ، وأنه ـ في نظرهم ـ أصح وأوثق كتبهم وأضبطها ، حتى زعم الكليني أنه عرضه على الإمام الثاني عشر [المهدي المنتظر عندهم] فقال المهدي : الكافي كاف لشيعتنا [ مقدمة الكافي : 25 ] وأنه أجلُّ الكتب الإسلامية ، وأنه لم يعمل للإمامية مثله ـ كما قال القمي ـ وأن الشيعة يزعمون أنه لم يُصنّف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه [ الكنى والألقاب 3 : 98] لذا صار مدار مذهب الرافضة [ كسر الصنم 34 ](1/61)
انظر إلى المفارقة العجيبة : لما قال سيدنا عمر ـ الخليفة الراشد المحدَّث ـ رضي الله عنه : حسبنا كتاب الله . قالت الشيعة : هذا غير صحيح . ولما قال القائم : الكافي كافٍ لشيعتنا . قالت الشيعة هذا صحيح ؟؟؟
وما أذكره في هذا الفصل فهو مأخود من أمرين ، من المجلد الأول من كتاب الكافي الذي يعتقدون فيه أنه مثل صحيح البخاري عند أهل السنة ، كما حصل بيني وبين بعض علمائهم . والأمر الآخر من بعض الكتب الأخرى أو مما سمعته من بعض مشايخهم أو نوّاحيهم .
* سمعت نوّاحاً يقرأ في الكتاب الذي يقرؤونه على الشيعة وينوحون ، بصورة يستدر إخراج الفلوس من الجيوب ، يقول على لسان علي رضي الله عنه : أُعطيتُ الصراط والميزان، واللواء والكوثر، وأنا المقدّم على بني آدم يوم القيامة ، أنا المحاسِب للخلق ، أنا منزلُهم منازلَهم ، أنا عذابُ أهل النار ،... أنا منزِلُ الملائكة منازلها ، أنا آخذٌ العهد على الأرواح بالأزل ، أنا المراد في الآية بقوله : {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ }... الخ كلامه ، فما ذا يقال لمثل هذا ؟ وهل هذه صفات مخلوق ؟ ومن يملك ذلك ؟
لذا فإني ألخص ما جاء في المجلد الأول منه ، ولما كان العلامة البرقعي قد رد على هذا المجلد ـ في كسر الصنم ـ فإني أحيل عليه ، ولا أذكر أرقام الصفحات .
قال أحد المجتهدين الرافضة لآية الله البرقعي : إن أحاديث الكافي كلها صحيحة، ولا يحتمل الشك فيها أبداً ، وإذا قال أحدٌ غيرَ هذا فهو مغرض.
فقال الإمام البرقعي : إذا كنتَ تقول بصحة جميع أحاديثه فلِمَ لا تعتقد بثلاثة عشر إماماً ؟ ذلك أنه روي في المجلد الأول من الكافي ( في باب عدد الأئمة ) أربعُ روايات على أن الأئمة ثلاثة عشر إماماً .
قال المجتهد : أرني ذلك ؟ فأريته فتعجب ، وقال : ما رأيت ذلك من قبل .اهـ من كسر الصنم (38، وانظر فيه 324 ، 342 ) وسيأتي بيان ذلك في آخر الرسالة .(1/62)
وقد ألف المجلسي ـ وهو أستاذٌ لمصطلح الحديث ورجاله لدى الشيعة ـ شرحاً لهذا الكتاب ـ وسمّاه مرآةَ العقول ـ وبيّن أن معظم أخبار الكافي ضعيفة ومجهولة ومرسلة ، وضعّف من حيث السند (9000) تسعة آلاف نص من أحاديث الكافي ، من أصل (16199)
وقد تتبع آية الله البرقعي رحمه الله تعالى ما في الكافي من نصوص في كتابه (كسر الصنم) ـ حسب قواعد الشيعة وأقوالهم في الرجال ، مستدركاً على المجلسي ، فبيّن أن أغلبها ضعيف أو منكر أو متروك أو موضوع ومكذوب وهو الغالب ، وأن عامتها مراسيل .
وقد كان المجلسي أنكر بشدة ـ في كتابه مرآة العقول ـ دعوى عرض كتاب الكافي على المهدي المنتظر .
ونقل الشيخ الصدوق والمجلسي والقمي وسائر محدثي الشيعة ... أن الإمام بعد ما انتهت الغيبة الصغرى كتب إلى وكيله ونائبه الرابع ( علي بن محمد السمري) : ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة : فهو كذاب مفتر .اهـ من كسر الصنم ( 38 )
أقول : ومن خلال النظر في أحاديث الكافي ونصوصه يتضح أن أغلب أحاديثه ونقوله ـ وقد تصل إلى (90% ) هي ضعيفة أو متروكة أو موضوعة مكذوبة ، ورواتها ـ حسب حكمهم هم ـ إما مجهولون ، أو كذّابون ، أو زنادقة، أو شاكّون في دينهم، أو ملعونون من قبل الأئمة، أو فاسدو الدين ، أو من الغلاة ، أو الواقفة ، أو السُرّاق ،... وما صح سنده ـ وهو قليل جدّاً ـ فأغلبه يتعارض مع ظاهر القرآن الكريم .
وبما أن الشيعة الرافضة يعتقدون بهذا الكتاب ـ مع أن أغلبه مزوّر كما سيأتي بيانه في فصل قادم إن شاء الله تعالى ـ وأنهم ينظرون إليه على أنه بمنزلة صحيح البخاري عند السنة ـ وإن كان بعضهم ـ بعد نقاش بيني وبينه ـ نزل إلى أنه بمرتبة مسند الإمام أحمد ـ وأنهم متفقون عليه ، وأنه أصح كتاب عندهم ، بل لم يصنَّف مثله عند المسلمين ـ لذا فإني أقتصر على نقل أقوالهم في أئمة آل البيت رحمهم الله تعالى من هذا الكتاب ـ وإن استعملوا التقية .(1/63)
علماً بأن كتاب الكافي ليس كتابَ حديث كما يظنه من لم يطلع عليه ، إنما هو أقوال أئمة آل البيت رحمهم الله تعالى ، وقد يذكرون بعض الأحاديث النبوية ـ وهي لا تبلغ ( 3 % ـ 5 % ) من مجموع ما في الكتاب ـ على سبيل الاستدلال ، كما يفعلون في ذكر بعض الآيات القرآنية . فتنبه.
وسأشير إلى عناوين الأبواب ، ثم أذكر نصّاً أو أكثر مما هو تحت ذلك العنوان ، وقد أقتصر على ذكر العنوان فقط ، وأجعل قبل كل نص إشارةَ نجمة (*) وبعده (اهـ) يعني انتهى النص . ثم أعقب على بعضها باختصار ، وما كان خارج الكافي فإني سأعزو له، كما سأقتصر على المجلد الأول ، لأنه هو الذي يحوي علمَ أصول الدين ، وفيه ذكر الأئمة ، وهو الذي ردّ عليه العلامة البرقعي . ومن أراد زيادة البيان فعليه بكسر الصنم .
لكني أذكر بعض النصوص من مصادر السنة كمقدمة لما في الفصل .
* قال زيد بن علي بن الحسين : إن أبي الإمام زين العابدين كان يبرِّد اللقمة الحارّة ويضعها في فمي ، ومع هذا لم يخبرني أن لله حجة في الأرض فكيف أخبرك ؟ فيجيبه أبو جعفر الأحول : بالإساءة والتهمة ، ويقول : أبوك خاف أن يقول لك ذلك ، خشية أن لا تصدِّقه .اهـ
يخاف أن ولده الإمام لا يصدق تلك الترهات والكذب فلم يبد له شيئاً ، لكنه أعلم به اليهود لأنهم أهل سر !!! يا سبحان الله .
مع أن عليّاً رضي الله عنه أعلن عدم علمه بولايته، وعدم رغبته بالخلافة، ولولا ضغط الصحابة رضي الله عنهم ما قبلها، انظر نهج البلاغة (أرقام : 1، 54، 91، 137، 205، 220 وغيرها ). وانظر آخر الرسالة .(1/64)
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، أن عليَّ بنَ أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم في وجعه الذي تُوفي فيه ، فقال الناس : يا أبا الحسن ، كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : أصبح بحمد الله بارئاً . فأخذ بيده العباس ، فقال : ألا تراه ؟ أنت والله بعد ثلاث عبدُ العصا ، والله إني لأرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيُتوفّى في وجعه ، وإني لأعرف في وجوه بني عبد المطلب الموتَ . فاذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلنسألنه ؛ فيمن يكون الأمر ؟ فإن كان فينا علمنا ذلك ، وإن كان في غيرنا آمرناه فأوصى بنا . قال عليٌّ : والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمنعناها لا يُعطيناها الناسُ أبداً ، وإني لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبداً . رواه البخاري .
فالحديث صريح بأن النبي المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لم يوص لعليٍّ رضي الله عنه .
وقد أوضح رضي الله عنه ذلك بجلاء ، وصرّح بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يخصه وأهلَ بيته بشيء ، وكذب من زعم ذلك ، وقد تواتر ذلك عنه ، أشير إلى بعض الروايات .
فعن يزيد بن شريك قال : خطبنا عليُّ بن أبي طالب فقال : من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة ( قال : وصحيفة معلقة في قِراب سيفه ) فقد كذب ، الحديث بطوله ، متفق عليه . فيها حرم المدينة وأسنان الإبل ، وأشياء من الجراحات ، وذمة المسلمين واحدة .
وعن عامر بن واثلة رضي الله عنه قال : كنت عند علي بن أبي طالب ، فأتاه رجل فقال : ما كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يُسر إليك ؟ قال : فغضب ، وقال : ما كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يُسر إليَّ شيئاً يكتمه الناس . الحديث ، متفق عليه .(1/65)
وعن أبي الطفيل رضي الله عنه قال : قلنا لعلي بن أبي طالب : أخبرنا بشيء أسرَّه إليك رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم . فقال : ما أسر إليَّ شيئاً كتمه الناس . متفق عليه .
وفي لفظ عنه رضي الله عنه قال : قلت لعليٍّ : هل عندكم كتاب ؟ قال : لا ، إلا كتاب الله ، أو فهم أعطيه رجل مسلم ، أو ما في هذه الصحيفة .
وفي لفظ عنه رضي الله عنه قال : سُئل عليٌّ : أخصكم رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيء ؟ فقال : ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يعم به الناس كافة ، إلا ما كان في قراب سيفي هذا . قال : فأخرج صحيفة مكتوب فيها > لعن الله من ذبح لغير الله ، ولعن الله من غيَّر منار الأرض ، ولعن الله من لعن والده ، ولعن الله من آوى محدِثاً < متفق عليه .
وعن أبي جحيفة رضي الله عنه قال : قلت لعلي رضي الله عنه : هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله ، [ ما ليس عند الناس ] ؟ قال : والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، ما عندنا إلا ما في القرآن ، أو فهماً يُعطيه الله رجلاً في كتابه ، وما في هذه الصحيفة . قلت : وما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل [ يعني الديات ] وفكاك الأسير ، وأن لا يُقتل مسلم بكافر . وهذا لفظ البخاري .
فهذه الأحاديث ـ وغيرها كثير ـ صريحة بعدم وجود شيء عند آل البيت خصهم الله تعالى به ، ومن قال غير ذلك فقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى عليٍّ رضي الله عنه .
* وعن الفضيل بن مرزوق قال : سألت عمر بن علي وحسين بن علي عمَّي جعفر بن محمد . قلت : فيكم إنسانٌ من أهل البيت مفترضَةٌ طاعتُه ، تعرفون له ذلك ، ومن لم يعرف له ذلك فمات ، مات ميتةً جاهلية ؟
فقالا : لا ، والله ما هذا فينا . من قال هذا فينا فهو كذاب .(1/66)
قال : فقلت لعمر بن عليٍّ : رحمك الله ، إن هذه منزلة ، إنهم يزعمون أن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أوصى إلى عليٍّ، وأن عليّاً أوصى إلى الحسن ، وأن الحسن أوصى إلى الحسين، وأن الحسين أوصى إلى ابنه علي بن الحسين، وأن علي بن الحسين أوصى إلى ابنه محمد بن علي .
فقال : والله ، لقد مات أبي ، فما أوصى بحرفين ، مالهم ـ قاتلهم الله ـ والله إن هؤلاء إلّا مُتأكِّلون بنا . هذا خُنيس الخرء !
قلت له : المعلى بن خُنيس؟ قال : نعم، المعلى بن خُنيس، والله لقد أفكرتُ على فراشي طويلاً أتعجب من قوم لبَّس الله عقولَهم حتى أضلهم المعلى بن خُنيس .اهـ من تهذيب الكمال (20: 395 ـ 396) وحلية الأولياء (3 : 136 ـ 137) ولسان الميزان .
والمعلى من كبار الرافضة الغلاة ، الذين أضلوا الخلق .
وهذه أقوال الرافضة ، نقلاً من الكافي
وفي باب النوادر ، من كتاب التوحيد :
* جاء في حديث ( 4 ) قال الإمام في قوله تعالى : {وَلله الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} قال : نحن أسماء الله الحسنى ، التي...لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا.اهـ
هذا شركٌ بالله تعالى ، أن أعمال العباد لا تقبل إلا بموافقتهم ، وسلبٌ لله تعالى أسماءه .
* وفي حديث ( 5 ) قال الإمام : إن الله خلقنا فأحسن صورَنا ، وجعلنا عينه في عباده ، ولسانه الناطق في خلقه ، ويده المبسوطة على عباده الرأفة والرحمة ، ووجهه الذي يؤتى منه ، وبابه الذي يدل عليه ، وخزّانه في سمائه وأرضه ، بنا أثمرت الأشجار ، وأينعت الثمار، وجرت الأنهار، وبعبادتنا عُبد الله ، ولولا نحن ما عُبد الله .اهـ
فهم يعلمون الغيب ، ولهم تأثير في الكون ، وكل هذا ضلال .
* وفي حديث ( 9 ) قال : جنب الله : هو علي بن أبي طالب .اهـ(1/67)
ما هذا التلاعب ؟ ألا يدرون ما يصير معنى الآية ؟ إن الآية تتحدّث عن حسرة الكفار يوم القيامة على تفريطهم بعدم أخذهم بما أنزل الله تعالى ، أما ترى قوله تعالى : { أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ الله وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}
* وفي حديث ( 11 ) قال الإمام : إن الله خلطنا بنفسه ، فجعل ظلمنا ظلمه ، وجعل ولايتنا ولايته .اهـ
هذا تعبير خطير جدّاً . حيث صاروا شركاء مع الله ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، ثم هل كان الإمام في زمن موسى عليه السلام حتى نزلت عليه هذه الآية ؟
وفي باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة ، والفرق بين الجَعل التكويني والجَعل التشريعي
* قال الكليني في الحديث الأول : قد كان إبراهيم نبيّاً ، وليس إماماً ، حتى قال الله : {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً } اهـ
يعني : أن إبراهيم عليه السلام كان فاقداً لمقام الإمامة ، حتى نزل عليه ، بينما الأئمة فقد كانوا متحققين بها ، وهذا يعني أن مقام الإمامة فوق مقام النبوة . وهذا عين الضلال ، ذلك أن النبوة ليست كسباً ، ولا تُنال برياضة وعبادة، إنما هي هبة من الله تعالى واصطفاء، ثم هم جميعاً أئمة {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}
وفي باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدَّث .
* قال الكليني : يقول تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ [ ولا محدَّث ] إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ... }
هكذا زاد الكليني وشيوخه في الآية القرآنية جملة [ ولا محدَّث ] في سبيل إثبات الوحي للأئمة ، ولا شك بكفر الفاعل إذا كان متعمّداً عالماً بذلك .(1/68)
وجاء في روايات هذا الباب أن الإمام يُوحى إليه .اهـ وهذا يتناقض مع قوله تعالى : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ الله }
ـ ثم إن الوحي خاصٌّ بالأنبياء عليهم السلام {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ... }
ـ وقال عليٌّ رضي الله عنه ـ وهو يخاطب النبيَّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عند تغسيله: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك ، من النبوة والإنباء وأخبار السماء .اهـ من نهج البلاغة ( رقم 223)
وقال ( رقم 142 ) : بعث الله رسلَه بما خصّهم به من وحيه . اهـ
ـ وقال الشيخ مفيد : إن نزول الوحي يمتنع على الأئمة ، لأن الإجماع انعقد بعدم نزول الوحي عليهم ، ويتفق علماء الشيعة على أن إذا ظن أحدٌ بنزول الوحي بعد النبيّ على أحد فإن ذلك كفر .اهـ من سفينة البحار ( 2 : 638 ) وكسر الصنم ( 133 )
وفي باب أن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلّا بإمام .
* قال في رقم (3) : إن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بالإمام حتى يعرف اهـ.
* وقال في ( 4 ) : الحجة قبل الخلق ، ومع الخلق ، وبعد الخلق .اهـ
وفي باب أن الأرض لا تخلو من حجة
* جاء في الحديث الأول : لا تخلو الأرض من إمام ، وإن كان هناك إمامان فعلى واحد منهما أن يسكت .اهـ
* وقال الإمام الباقر في (8) : لم يترك الله الأرضَ من زمن آدم إلى زمننا دون إمام ، وهو حجة الله على عباده .اهـ
* وقال في ( 13 ) : إذا خلت الأرض من إمام فإنها تبتلع أهلها .اهـ
لقد جعل الأئمة موجودين منذ زمن آدم عليه السلام ، ومتوافرين حتى الساعة . فهل هذا قول عاقل ؟!(1/69)
كما جعل الإئمة أعلى مرتبة من الأنبياء عليهم السلام . وأن مقام الإمامة فوق مقام النبوة، لأن الإمام حجة على الأنبياء، طالما أنهم حجة على العباد . وهل هذا قول عاقل !
وإن الإمام إذا لم يؤمن بالنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وبالأنبياء عليهم السلام لا يكون مؤمناً ولا مسلماً ، فكيف يكون فوق مستواهم ؟
ثم إن سيدنا عليّاً رضي الله عنه قال ـ كما في نهج البلاغة (رقم90) ـ : تمت بنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حجته .اهـ
ويقول ( رقم 182) : القرآن أمر زاجر ، وصامت ناطق ، حجة الله على خلقه .اهـ
لقد حصر عليٌّ رضي الله عنه الحجةَ في النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وفي القرآن العظيم، بينما الرافضة يجعلون الحجة لا تقوم إلا بالإمام ، والله تعالى يقول : {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} فمن الذي يصدق ؟؟؟
ثم لقد مضى على الأرض أكثر من ألف عام ، ليس فيها إمام عند الرافضة ، لأن الأئمة وقفوا عند الإمام الثاني عشر المزعوم ، الذي دخل السرداب ولم يخرج عام (260هـ) فكيف لم تسخ ؟ وكيف حال الناس ؟
وفي باب معرفة الإمام ، والرد إليه .
* إن معرفة الأئمة من أركان الدين وأصوله ، وفي كل أمر ديني لابد من الرجوع إليهم .اهـ
* جاء في الخبر الأول : قال السائل : ما هي معرفة الله؟ فأجاب الإمام : معرفة الله تعالى هي محبة علي رضي الله عنه والاقتداء به وبأئمة الهدى .اهـ
وفي باب فرض طاعة الأئمة .
* جاء في الحديث ( 11 ) قال الإمام الصادق : نحن الذين فرض الله طاعتنا ، لا يسع الناس إلا معرفتنا ، ولا يُعذر الناس بجهالتنا ، من عرفنا كان مؤمناً، ومن أنكرنا كان كافراً، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاً حتى يرجع إلى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة ، ....اهـ(1/70)
فهل يوجد في أركان الإيمان التي ذكرها الله تعالى في كتابه ، ورسولُه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في سنته : معرفة الأئمة ؟ إنما هو محض اختلاق وافتراء وكذب . قاتل الله من افترى على الأئمة .
قال الله تعالى : { وَمَنْ يَكْفُرْ بِالله وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً}
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ عندما سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان : > أن تؤمن بالله ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره < هذا لفظ مسلم، وروياه بنحوه من طريق آخر.
فهل في الآية الكريمة والحديث الشريف ـ وهما بيان أصول الدين ـ ذكر الأئمة ؟ أم هو محض اختلاق ؟ ثم هل في الآية أن منكر الأئمة كافر ؟ أم هو محض اختلاق ؟ ثم من عرف الأئمة وكفر بالله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم كيف يكون مؤمناً ؟ أم هو محض اختلاق .
وفي باب في أن الأئمة شهداء الله عز وجل على خلقه .
* لقد روى فيه خمسة أحاديث كلها مروية من قبل فاسدي العقيدة ، أو كذّابين ملعونين ، أو سرّاق أموال الأئمة ،...
* وفي النص الأخير: عن أمير المؤمنين قال: إن الله تبارك وتعالى طهّرنا، وعصمنا ، وجعلنا شهداء على خلقه ، وحجة في أرضه .اهـ
لقد جعل الله تعالى جميع الأمة شهداء على الناس يوم القيامة { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } فكيف يخص الأئمة من دون الأمة ؟ أم هو محض اختلاق .
وفي باب أن الأئمة هم الهداة .
* قال الإمام في قوله تعالى :{وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}إن عليّاً لكل قوم هاد .اهـ
إن الآية تتحدث عن الأنبياء عليهم السلام {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}(1/71)
وفي باب أن الأئمة هم ولاة أمر الله وخزنة علمه .
* وجاء فيه : إن الأئمة هم خزنة الله ، أو خزنة علمه .اهـ
* وفيه قال الإمام : نحن عيبةُ وحي الله .اهـ وهذا يعني ادّعاء النبوة .
* وفيه : نحن تراجمة وحي الله .اهـ
* وفيه : جعلنا خُزّانه في أرضه وسمائه .اهـ
* وجاء فيه : قال الإمام : وبعبادتنا عُبد الله ، ولولانا ما عُبد الله .اهـ
وكل هذا مخالف لقول الله تعالى {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}فكيف يكون خزنة علمه ، أو خزنة وحيه ، أو عيبة وحيه ؟
ـ ما هذا الغرور، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إمام المتواضعين ، لكن قاتل الله الكذبة ، يكذبون وينسبون ذلك للأئمة .
وفي باب أن الأئمة خلفاء الله عز وجل في أرضه، وأبوابُه التي منها يُؤتى.
روى فيه عن الكذابين ما لا تحتمله العقول .
* جاء في حديث ( 2 ) من طريق الكذّابين عن الإمام الصادق قال : إن الأوصياء أبواب الله .اهـ وهذا يتنافى مع قول عليٍّ رضي الله عنه .
* جاء في الحديث ( 3 ) أن الإمام الصادق ادعى أن قوله تعالى ـ مخاطباً رسولَه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وصحابتَه رضي الله عنهم ـ : {وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} تنطبق عليه .
الظاهر أنه لم ير أن الخطاب موجه للصحابة رضي الله عنهم ، بدلالة قوله في الآية : { منكم } بالإضافة إلى الضمائر العائدة عليهم ، وهي نحو عشرة ضمائر .(1/72)
وفي باب أن الأئمة نور الله عز وجل .
وقد روى فيه عن الكذّابين الكثير ، ومن ذلك :
* قال سهل بن زياد ـ الكذّاب الملعون ـ في قوله تعالى : {اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}إن فاطمة ـ رضي الله عنها ـ نور السموات والأرض .اهـ
هذا وصف الله تعالى : {الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فماذا يقال لهذا الكذاب .
* وقال بصدد آية : {وَالله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}أن الله سيتم الإمامة .اهـ
هذا تحريف وليس تفسيراً ، لأن الإتمام إنما هو للدين الذي تكفل الله تعالى بإتمامه { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَالله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}
* وقال بصدد آية {فَآمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا}قال : النورـ والله ـ الأئمة .اهـ
هذا كذب ، فالأئمة ليسوا منزلين من عند الله تعالى ، وإنما المنزل من عند الله تعالى هو القرآن الكريم ، حيث طلب الله تعالى من الخلق أن يؤمنوا بالله تعالى ، وبرسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، وبالقرآن الكريم الذي أنزله عليه .
وفي باب أن الأئمة هم أركان الأرض .
* قال محمد بن سنان ـ الكذّاب المعروف ـ : إن الله خلق العالم ، ووكّل أمر العالم لمحمد وعليٍّ ، وجلس يرتاح .اهـ
تعالى الله عن هذا الكفر علواً كبيراً، هذا هو قول اليهود قاتلهم الله تعالى ، ذلك أن الراحة من صفات الناقصين ، والله تعالى منزه عن ذلك .
* وفيه : إن الأئمة هم أركان الأرض ، وكل من لا يقبل بذلك فهو مشرك .اهـ
إن الشرك ناتج عن إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، أو اعتقاد ما يخالف أمراً قطعياً ، أو فعل ما يخالف أمراً قطعياً . فاعتقاد أن الأئمة هم أركان الأرض هو شرك ، لأنه اعتقادُ متصرِّفٍ غير الله تعالى في الكون ، فكيف يكون منكره كافراً ؟
* وفيه : قال عليٌّ رضي الله عنه : إن الجنة والنار بيدي ، وأنا الفاروق الأكبر .اهـ(1/73)
هذا محض اختلاق ، فعلي رضي الله عنه أتقى لله تعالى من أن يقول مثل هذا القول ، لكن قاتل الله مختلق هذا القول، وإلصاقه بأبي الحسن رضي الله عنه ، لأنه كفر ، إذ الجنة والنار بيد الله تعالى ، يُدخل من يشاء في أيهما شاء .
وفي باب نادر جامع في فضل الإمام .
* جاء فيه: إن منزلة الأئمة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء، وميراث الحسن والحسين .اهـ
لم يجعل الله تعالى أحداً بمنزلة أنبيائه ، كيف وقد فضلهم على العالمين {وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} فكيف يكونون بمنزلة الأنبياء عليهم السلام ، وهم ليسوا بأنبياء.
وروى الكليني بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الأئمة بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إلا أنهم ليسوا بأنبياء ، ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي ، فأما ما خلا ذلك فهم بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . من أصول الكافي .
* وفيه قال الإمام : إنه أمين الله في خلقه ، وحجتُه على عباده ، وخليفته في بلاده .اهـ
وأين رسول الله والأنبياء السابقون عليه وعليهم الصلاة والسلام؟ وقد أخبرنا الله تعالى أنه لا حجة بعد الرسل : {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ }
وفي باب أن الأئمة هم العلامات التي ذكرها الله في كتابه .
وفي باب أن الآيات التي ذكرها الله في كتابه هم الأئمة .
وقد روى فيهما عن الكذّابين والملعونين من قِبل الأئمة والمغالين وعمن هم أسوأ خلق الله تعالى .
* فقد روى عن الإمام الباقر في الحديث الثاني في قوله تعالى : {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآياتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} إن الآيات التي كذَّبها آلُ فرعون ، كنا نحن الأئمة تلك الآيات .اهـ
ما هذا الكذب ؟ هل كانوا موجودين قبل فرعون حتى يكذب بهم ؟(1/74)
* وروى في الحديث الثالث عنه أنه قال : إن المقصود من الآية {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ* عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ* الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}هو سيدنا عليٌّ رضي الله عنه حيث تساءل كفار مكة فيما بينهم عن خلافته .اهـ
ما هذا الكذب ؟ كم كان عمره رضي الله عنه حين نزول سورة النبأ ؟ فإذا لم يقبل كفار مكة بنبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو بينهم ويعرفونه جيداً ـ فكيف يتساءلون عن خلافة عليٍّ رضي الله عنه ، وهو لعله لم يبلغ الحنث بعد . مع إعلانه بإيمانه بالنبأ العظيم (انظر كسر الصنم 157)
وفي باب ما فرض الله ورسوله من الكون مع الأئمة رضي الله عنهم .
* روى في الحديث الأول والثاني عن الإمام الباقر والرضا رحمهما الله تعالى قالا : نحن المقصودون بهذه الآية {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}
لقد جاءت آيات كثيرة في بيان أصناف من المؤمنين ووصفهم الله تعالى بالصدق ، سواء من الشهداء يوم بدر ويوم أحد ، ومن المهاجرين الفقراء { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ الله وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}و{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواوَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} فكيف يخصون أنفسهم دون سائر الأمة ؟
وهل كان الأئمة موجودين في عالم الدنيا عند نزول هذه الآيات أم هو الكذب والتخرص ؟
* وجاء في الحديث الرابع : إن روح محمد صلى الله عليه وآله وسلم تسري في أجساد الأئمة .اهـ
إن أراد انتقال الروح من جسد إلى آخر ، فهو تناسخ الأرواح ، وهذا كفرٌ ، والعياذ بالله تعالى .(1/75)
* وفي آخره يقول الإمام : لقد أتاني جبريل بأسمائهم وأسماء آبائهم وأحبائهم والمقرين بفضلهم .اهـ
لا وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونزول جبريل انقطع بوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وقد سبق قول الشيخ مفيد ـ بأن الإجماع [أي من قِبَل الأئمة] انعقد بعدم نزول الوحي على الأئمة، وأن علماء الشيعة اتفقوا على كفر من يقول بنزول الوحي بعد النبيّ على أحد ـ ونزول جبريل انقطع بوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يفتري هذا القول إلا كذاب أشر ، وحاشا الصادق من هذا الافتراء ، وقاتل الله تعالى من يفتري عليه وعلى آبائه .
وفي باب أن أهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة رضي الله عنهم .
* نقل عن الإمام رحمه الله تعالى قوله عن الآيتين {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ}و{فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاتَعْلَمُونَ} : إنهما خاصتان للأئمة .اهـ
إنه لم ينتبه إلى قوله تعالى : { مِنْ قَبْلِكَ } فهم قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يكن أئمة ، ثم إن هاتين الآيتين مكيّتان ، وليس ثمة أئمة ، ثم إن دعوى الوحي خاص بالأنبياء والرسل عليهم السلام ، ومن يدعيه يكفر . لأنه متنبئ مفتر كذاب ، ثم ما كان يفعل من كان قبل الأئمة يسألون من ؟
وفي باب أن من وصفه الله في كتابه بالعلم هم الأئمة رضي الله عنهم .
* قال الإمام : إننا الذين يعلمون ، وأعداؤنا الذين لا يعلمون .اهـ
وفي باب أن الراسخين في العلم هم الأئمة .
* فيه ثلاث روايات تقول : إن الراسخين في العلم هم : النبيّ والأئمة وحدهم .اهـ(1/76)
وماذا يقولون في قوله تعالى :{لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ...} هم علماء اليهود ؛ الذين آمنوا بالقرآن وبما سبقه من الكتب ، فإذا كان هذا في اليهود فكيف بعلماء المسلمين ؟!
ثم ماذا نفعل بملايين العلماء الذين ظهروا بين المسلمين ؟ وما ذا نفعل بالعلماء من الشيعة من غير آل البيت منذ القديم؟ ومن يسأل المسلمون بعد عام (260هـ ) منذ غيبة القائم عند الرافضة ، فمن يسألون ولا إمام .
وفي باب أن الأئمة قد أوتوا العلم وأُثبت في صدورهم .
* قال الإمام : آيات الله في صدورنا فقط ، وخاصة بنا .اهـ
وأي آيات ، وفي أي عهد ؟ فإن أراد به القرآن الكريم في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالذي كان يحفظه في عهده كلهم من الأنصار إضافة إلى بعض المهاجرين . وإن أراد من بعده فملايين المسلمين يحفظونه. وعلى أي الأحوال فقد كان محفوظاً قبل وجود الأئمة .
وفي باب في أن من اصطفاهم الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة رضي الله عنهم
* قال الكليني في عنوان الكتاب ـ عند قوله تعالى : {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} ـ : إن أولئك العباد الذين أورثهم الكتاب واصطفاهم هم الأئمة الطاهرون فقط .اهـ(1/77)
لقد كان الكتاب قبل وجود الأئمة ، والمراد بهم غيرهم قطعاً . وهل يدخل النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الاصطفاء أم لا ، فإن قالوا لا ؛ كفروا ، وإن قالوا نعم؛ خُصموا . ثم ما المراد باصطفاء الأئمة هل هو بالوحي أم بالنبوة؟ ثم لم ينتبه إلى تتمة الآيات {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} لقد جعلهم الله تعالى ثلاثة أقسام ، ظالم لنفسه ، ومقتصد ، وسابق بالخيرات، فأيها يكون الأئمة ، أم هم في أقسامها الثلاثة ، يعني أن بعض الأئمة ظالم لنفسه ، وبعضهم مقتصد ، والثالث سابق بالخيرات بإذن الله تعالى ، فهل يرضى الرافضة أن يكون أئمتهم كذلك ؟؟؟
* وفي قوله تعالى : {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } قال الإمام : الذين يتلون القرآن حق تلاوته ويؤمنون به هم الأئمة وحدهم .اهـ
إن الآية تتحدّث ـ كما هو بيّن في منطوقها ـ عن اليهود والنصارى الذين آمنوا بالقرآن الكريم بعد تدبرهم وإدراكهم أنه حق من عند الله تعالى .
وفي باب أن الأئمة في كتاب الله إمامان إمام يدعو إلى الله وإمام يدعو إلى النار .
* روى الكليني عن الإمام قال : المقصود من هذا الإمام [في قوله تعالى]: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}: أئمة أهل البيت .اهـ
كيف والله تعالى يقول : {نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} فكل قوم لهم إمام ، فقومُ الإيمان يقودهم إمامُهم إلى الجنة، وقومُ الكفر يقودهم إمامُهم إلى النار، أما ترى قوله تعالى عن فرعون : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}
وفي باب أن القرآن يهدي للإمام .(1/78)
ـ إن الكليني يحرف الآيات القرآنية في سبيل إيجاد مناقب للأئمة من آل البيت .
فقد حرف الآية القرآنية {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} فكتبها الكليني (والذين عقدت إيمانكم) من الإيمان ، وقال : المقصود من هذه الجملة الإمام ، حيث يُقبل إيمانكم عن طريق هؤلاء الأئمة .اهـ وجعل ذلك تحت عنوان ( باب القرآن يهدي للإمام ).اهـ
هذا تحريف ، وتلاعب في كتاب الله تعالى ، وجرأة في الضلال ، وجهل في معاني القرآن .
* ونقل فيه عن الإمام في قوله تعالى : {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } قال الإمام : { التي هي أقوم } هو الإمام .اهـ
هذا تلاعب وتحريف ، إن الآية مكية ، لما نزلت كان علي رضي الله عنه غلاماً ، ولم يكن قد تزوج ، فضلاً أن يكون هو إمام ، فضلاً عن وجود ذرية له آنذاك .
ثم لم يتنبه الكليني ومن نقل عنه أن ( التي هي ) للمؤنث ، وليست للمذكر ، فهل يوجد إمام مؤنث ، وإن كان المراد به الحقيقة .
وفي باب أن النعمة التي ذكرها الله في كتابه هم الأئمة رضي الله عنهم .
* قال في قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ الله كُفْراً } قال الإمام : إن هذه الآية نزلت فيمن اغتصبوا حق علي ، وأنكروا وصايته .اهـ
هذا هو الجهل والتعامي . إذ الآية مكية، نزلت وعلي رضي الله عنه غلام ، ولم يكن إماماً ، فضلاً أن يكون ثمة حق ، أو تكون وصاية .
* وقال في قوله تعالى : {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}قال الإمام : أنزلت : هل بالنبي أم بالوصي تكذّبان .اهـ يريد بذلك الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما .(1/79)
وما قاله تحريف للكلم، وتزوير للعلم . فالآية مكية ، ولم يكن علي رضي الله عنه إماماً ، ولا وصياً . وهل بوجود النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وجود لأحد ؟ إن الشمس إذا طلعت لم تبد الكواكب .
* وقال في قوله تعالى : {فَاذْكُرُوا آلاءَ الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}قال الإمام : آلاء الله ولايتنا .اهـ
هذا من الحماقة الفاضحة ، فالآية نزلت في قوم عاد ، فانظر سياقها في سورة الأعراف { أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وانظر ما قبلها وما بعدها . ولكن قاتل الله الجهل أو التجاهل أو التعامي .
وفي باب أن المتوسمين الذين ذكرهم الله في كتابه هم الأئمة .
* قال الإمام : نحن المتوسمين .اهـ يعني أننا معشر الأئمة أهل الفراسة والكياسة .اهـ
هذا من الجهل ، فالآيات تتحدث عن العظة والاعتبار بما حصل لقوم لوط ، وأن آثار هذه النعم الظاهرة لمن تأمل ذلك وتوسمه بعين بصره وبصيرته ، وهذا ليس خاصاً بفرد أو فئة ، وإلا ما يقول في بنت صاحب مدين ، يوم قالت لأبيها : {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}؟وغيرها ممن أعطوا الفراسة. مع أن الآية كانت قبل وجود الأئمة وقبل خلقهم .
وفي باب عرض الأعمال على النبيِّ والأئمة رضي الله عنهم .
* لقد روى الكليني عدة روايات ؛ تفيد أن الأعمال تعرض على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة ، ومنها :
أن أبان بن عبد الله الزيات ـ وهو من خاصة الشيعة ، طلب من الإمام الرضا الدعاء له قائلاً : ادع الله لي ولأهل بيتي . فقال : أولست أفعل ؟ والله إن إعمالكم تعرض علي كل يوم وليلة .(1/80)
ثم قال الإمام : ألم تقرأ هذه الآية القرآنية {فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}؟ فالمقصود بـ{الْمُؤْمِنُون}في هذه الآية هو علي بن أبي طالب اهـ
هذا ليس خاصاً بالأئمة ، إذ كل المسلمين تعرض عليهم أعمال أقاربهم بعد الموت
وفي باب أن الطريق التي حث على الاستقامة عليها : ولاية علي .
يشير إلى قوله تعالى:{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً}
وهذا من الجهل المركب ، لأن الآية مكية ، ثم إذا كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم موجوداً هل يكون لأحد سواه وجود ؟ ( إذا طلع البدر لم يبد منهن كوكب) ثم ما الذي يفضّل : طريقةُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم طريقة عليٍّ رضي الله عنه ؟ فمن اتبع طريقة عليٍّ رضي الله عنه وترك طريقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضل وهلك، والعياذ بالله تعالى، لأن الله تعالى لم يتعبد البشر إلا بطريقة رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .
وفي باب أن الأئمة معدن العلم ، وشجرة النبوة ، ومختلف الملائكة .
* قال الإمام : نحن شجرة النبوة ، وبيت الرحمة ، ومفتاح الحكمة ، ومعدن العلم ، وموضع الرسالة ، ومختلفُ الملائكة ، تراودنا ، ونحن سر الله وأمانته ، ونحن حرم الله الأكبر ، ونحن كذا وكذا . اهـ
من هو الأصل؟ هم أم النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؟ ومن أين جاءت منزلتهم؟ إنما هي باتباعهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليس لمجرد أنهم أقاربه ، وإلا فما مصير أبي لهب وقد نزل فيه ما نزل ؟!
وفي باب أن الأئمة ورثة العلم ، يورث بعضهم بعضاً العلم .اهـ
العلم بالتعلم، ولا ينتقل سراً. ولهذا كان سيدنا علي رضي الله عنه يقول : علمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولم يقل يوماً : ورّثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العلمَ . فتنبه .
وفي باب أن الأئمة ورثوا علمَ النبيّ وجميع الأنبياء والأوصياء .اهـ(1/81)
هل ورثوا النبوة ؟ إن قالوا نعم كفروا ، وإن قالوا لا خُصموا . ثم كيف ورثوا الأنبياء والأوصياء وهم غير موجودين في الدنيا ، وللأنبياء ورثة من أولادهم . ثم إن العلم يُؤخذ بالتلقي ، ولا ينقل سراً بالوراثة ، وإلا لزعم كل آل البيت الآن أنهم ورثوا ، ثم لم خص الأئمة بالوراثة وترك أقاربهم ممن هم بدرجتهم ، فعلي بن الحسين له عدد من الأولاد فلم خُص محمد الباقر ولم يُعط زيد؟ وكذا يقال لغيره . إن هي إلا اختلاق.
* قال الإمام في الحديث الأول : نحن أمناء الله في أرضه .اهـ
هذا كذب ، فكم وقعت من الحروب في زمانهم ، ومن الكوارث في زمانهم ، بل لم لم يردوا عن أنفسهم القتل عند اغتيال بعضهم أو قتله من قبل شيعتهم وأعدائهم . وما أكثر من قُتل من الأئمة أو مُكر به من قبلهم . انظر مقاتل الطالبيين ترى العجب .
* وجاء فيه ، يقول الإمام : نحن الذي شرع لنا دينه ، فقال في كتابه : { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً}
هل لهم دين خاص؟ وهل كان الأئمة موجودين حين نزول القرآن؟ إذا كان عليٌّ رضي الله عنه غلاماً عند نزول هذه الآية ـ لأنها مكية ـ فكيف يكونون هم المعنيين ؟ ثم لم خُصّوا دون سائر المسلمين ، مع أن الإسلام دين عالمي ، وليس خاصّاً بفئة .
* ويقول : قال الله في هذه الآية : ( لا تتفرقوا فيه كبر على المشركين من أشرك بولاية علي ).اهـ(1/82)
هل يوجد في القرآن الكريم مثل هذا الكلام المكذوب ؟ لو جمعنا جميع حفاظ الدنيا لم ولن نجد هذا الكذب . إنما الآية هي {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ الله يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} فقد حرّفوا فيها في سبيل جعل منزلة للأئمة ، وهم رحمهم الله تعالى أغناهم الله تعالى عن كذب الرافضة .
*ويقول في الحديث الثالث : إن محمداً ورث سليمان، وإنا ورثنا محمداً .اهـ
لم سليمان بالذات ؟ وهل ورث ماله ودنياه وملكه أم النبوة ؟ وكلاهما غير صحيح ، لأن أبناء سليمان ـ من اليهود ـ هم الذين ورثوا دنياه وماله ، وأما النبوة فالنبيُّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم من ذرية إسماعيل ، عليه السلام ، وأما سليمان فمن ذرية إسحق عليه السلام ، فنور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعدل نور كل ذرية إسحق ويزيد عليهم . ثم لم خص سليمان بالوراثة؟ أما يوجد من هو بعده ومن هو قبله ، ومن هو أفضل منه ، أم هي إحياء لهيكل سليمان المزعوم، وما يترتب عليه من العمل باليهودية ؟
وفي باب أن الأئمة عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله ، وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها .اهـ
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يعرف العبرانية والسريانية ، فمن أين أتت لهؤلاء ، وهم ورثة لا غير؟ ثم من أين أتتهم؟ وهل هي المحرَّفة أم الأصلية ؟ ثم ما فائدة وجودها عندهم ؟ ثم هل يجوز التحاكم إليها والعمل بها بعد نزول القرآن الكريم الناسخ لها جميعاً ؟(1/83)
* جاء فيه عن جعفر الصادق قال : وإن عندنا علم التوراة والإنجيل والزبور ، وتبيان ما في الألواح .اهـ أرجو الإنتباه ، فالمسلم يتباهى ـ إن أراد ـ بما في كتاب الله تعالى وهو القرآن المجيد، لا يتباهى بما في كتب بني إسرائيل، لذا لابد من ذكر الربط بين القومين ، اليهود القدامى واليهود المخترعين . وسيأتي نص آخر في بيان الجفر الأبيض .
* وجاء فيه قال الإمام : إن الله لا يجعل حجةً في أرضه يُسأل عن شيء فيقول : لا أدري .اهـ
هذا كذب محض ، لقد تكرر قول الله تعالى لرسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم : { لا تدري }{ تَدْرِي }{ لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } {وما يدريك لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً}و{ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ كما حكى القرآن عنه ـ : { وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ } { قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً}وكم سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن مسائل وقال فيها : >لا أدري< فكيف بالتابع لا يقول لا أدري ؟
وفي باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة ، وأنهم يعلمونه كله .
هذا كذب محض واختلاق مكشوف . بل جمعه خلق من الصحابة رضي الله عنهم قبل وجود الأئمة . وانظر كيف كان جمع القرآن في زمن الصديق رضي الله عنه ، والشروط التي وُضعت لذلك .
* وقد جاء فيه : لم يجمع أحد القرآن ـ بل لا يعلمه أحد ـ إلا علي بن أبي طالب .اهـ
لقد جمعه قبل علي عدد كبير من الصحابة، وخاصة من الأنصار، إضافة لكبارهم من المهاجرين رضي الله عنهم جميعاً .
* وجاء فيه : قال الإمام في قوله تعالى : { وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} : يعني أن عليّاً وأولاده يشهدون بأني رسول الله .اهـ(1/84)
هذه آية مكية ، ولم يكن علي رضي الله عنه قد تزوج ، فليس له أولاد ، فضلاً عن وجود الأئمة . ثم إن الآية تتكلم عن شهادة علماء أهل الكتاب الذين يجدون نعته صلى الله عليه وآله وسلم وصفته في كتبهم ، كما هو واضح فيها {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}
وفي باب ما أُعطي الأئمة من اسم الله الأعظم .
*جاء فيه: إن الاسم الأعظم فيه ثلاثة وسبعون حرفاً ، وكان منه حرف أو حرفان لدى الأنبياء ، وعملوا بهما المعجزات ، مثل : أحيوا البشر . وأما الإمام فلديه اثنان وسبعون حرفاً . أي أن الإمام بإمكانه أن يحيي الناس ويميتهم ، ويخلق ويعدم.اهـ
[جاء في الوافي [ 2 : 172] قال الباقر : اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً ، كان لصاحب سليمان ـ الذي عنده علم من الكتاب ـ حرف واحد منها ، تكلّم به فأتى بعرش الملكة قبل أن يرتد إلى سليمان طرفه ، ونحن عندنا منها : اثنان وسبعون حرفاً ، وحرف عند الله استأثر به الله في عالم الغيب عنده .اهـ
وقال هو والصادق أيضاً : عيسى أُعطي منها حرفين ، كان يعمل بهما ، يحيي الموتى ، ويبرئ الأكمه، وموسى أعطي أربعة، وإبراهيم أعطي ثمانية ، ونوح أعطي خمسة عشر ، وآدم خمسة وعشرين ، وجمع كله لمحمد أربعة وخمسون ، ثم زيد له ثمانية عشر . واسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً ، أُعطي محمد اثنين وسبعين ، وحُجب عنه واحد .اهـ ] وانظر الوشيعة .
إن علمهم لا ينقص عن علم الله تعالى إلا بواحد ، ثم هم والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم سواء ، كل منهما أعطي ( 72 ) حرفاً ، فهل يقول هذا القول عاقل ، أم هو دجال مخرِّق ؟!(1/85)
لقد سبقوا النمرود وسحرة فرعون . وادعوا الألوهية ، يُحيون ويُميتون، ويَخلقون ويُعدمون ، ويعلمون الغيب . فهل يقول هذا عاقل ؟ لقد كذب هؤلاء على الأئمة ، فهم أتقى لله تعالى من أن يقولوا مثل هذا الهرف . ثم إذا كان الله تعالى قد أخفى اسمه الأعظم ـ إنما هي ظنون ـ فكيف يجزمون بأنه مكون من ثلاثة وسبعين حرفاً ، وأنهم أعطوا ( 72 ) حرفاً منها ؟!.
وفي باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء .
* يعني أنهم يقولون : إن وسائل معجزة الأنبياء لدى الأئمة .اهـ
* قال الإمام : إن عصا موسى وألواحه وحَجَرَه الذي نبع منه الماء لدى الأئمة .اهـ
ومن أين انتقلت إليهم ؟ لكن إذا كانوا قادرين على إحياء الموتى ، وإماتة الأحياء ألا يكون عندهم عصا موسى وألواحه ؟ ثم لم خصوا موسى عليه السلام بالذكر؟ أرجو الانتباه لذلك ، كما سبق إرثهم لسليمان عليه السلام.
وفي باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله ومتاعه .
* في الحديث الأول : إن الإمام لعن اثنين بسبب أنهما ظنا أن سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند عبد الله بن الحسن .اهـ
لم هذا الحقد وهو ابن عمه؟ ثم هل يجوز لعن مسلم؟ وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن لعن الدواب ، فما بالك بالمسلم ، وقد نهى عن لعن السكران صراحة ؟ ولكن قاتل الله الحاقدين المغرضين .
* وفيه : يقول الإمام : إن عندي الاسم الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة .اهـ
لم لم يضعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر ، ويوم أحد ، ويوم الخندق ،... وقد قُتل من الصحابة : عُبيدة بن الحارث وحمزة بن عبد المطلب وسعد بن معاذ ،... في آخرين رضي الله عنهم . ثم لم لم يعلمه صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه المقربين وهو الرحيم بالمؤمنين ؟ ثم لم لم يضعه الإمام موسى الكاظم حين سجن حتى مات فيه ؟ إنما هو الكذب المحض المكشوف .(1/86)
وفي باب أن مثل سلاح رسول الله مثل التابوت في بني إسرائيل
* قال الإمام: مثل سلاح رسول الله مثل تابوت بني إسرائيل، أينما وُجد التابوت وجدت النبوة .اهـ
معلوم أن التابوت بقي في بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام ، فهل صار بنو إسرائيل كلهم أنبياء ؟ فما هذا الكذب المكشوف ؟
وفي باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة .
سيأتي التعليق بعد قليل عليها ، لكن أرجو المقارنة مع الأحاديث التي ذكرتها من جواب سيدنا علي رضي الله عنه قبل قليل ، بأنهم ما خصهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيء ، ومن قال غير ذلك فقد كذب عليه .
* قال في الحديث الثاني : جاء ملَك إلى فاطمة رضي الله عنها ليؤنسها وحدتها .اهـ
هل كان ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم بعد وفاته؟ وكلاهما كذب . واذكر ما نقلته عن الشيخ المفيد قبل قليل من تكفير مدَّعي نزول الوحي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وفي باب في شأن {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}وتفسيرها .
*روى عن محمد بن حسن الذي افترض للملائكة آباء مشركين، وجعل الملائكة أبناء المشركين في باب العرش والكرسي .اهـ
هذا كلام مفترى ، لقد أخبر الله تعالى أن الملائكة لا يعصون ، وأنهم خُلقوا من نور ، ثم هم لا يتوالدون ، فكيف يكونون أولاد مشركين ؟ ثم هل اطلع على العرش والكرسي أم شارك الكفار في دعواهم خلق الملائكة، حتى رد الله عز وجل عليهم بقوله : {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ}؟
* وفيه قال الإمام الجواد : إنه اختلى رجلٌ معتجرٌ به بينا هو في الطواف، وقال له أموراً تتعلق بإمامته، وأن {إنا أنزلناه}نزلت بشأن الأئمة، وكذلك آية { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } وقال : هذه الموضوعات لإثبات الإمامة للمخالفين له ، وبعد ذلك قال : أنا إلياس النبيّ ، وأنا حي دائماً .اهـ(1/87)
لما نزلت هاتان الآيتان لم يكن أئمة، بل لم يكن علي رضي الله عنه متزوجاً، بل كان غلاماً، ثم هما آيتان مكيتان، فكيف تثبت الإمامة للمخالفين للجواد ، وقد وُلد بعد النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بنحو مائتين سنة؟ لكن قاتل الله التعصب الذي يصم ويعمي .
وباب إن الأئمة يزدادون في ليلة الجمعة . وفي باب لولا أنهم يزدادون لنفد ما عندهم .اهـ
من المعلوم أن المال ينقص بالإنفاق ، أما العلم فيزداد بالإنفاق ، ثم إن طالب العلم يزداد علماً في كل لحظة ، لكن هذا تدليس ، بأن العلم يتساقط عليهم ـ ميراثاً ـ ليلة الجمعة ، وهذا غير صحيح .
* وجاء فيه : سأل الراوي أحد الأئمة فقال : إن علمكم يزداد ، ولا يعرف ذلك عن الرسول ، فعلمكم يزيد على علم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ؟
فأجاب الإمام : ما يأتينا من العلم زيادة ؛ يعرض على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى لا يزيد علمنا على علمه .اهـ
يعني أنهم الأصل ، ويكون علم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الأصل أقل من علم الأئمة ، لذا تعرض الزيادة عليه ليكون علم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مساو لعلمهم؟ هذا غاية السفه والخبل، لأن علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما تلقاه عن طريق الوحي ، وانقطع بوفاته صلى الله عليه وآله وسلم ، وأما علم ما سواه فعن طريق الكسب ، فشتان بين العلمين . ثم إنه صلى الله عليه وآله وسلم هو أعلم خلق الله بالله تعالى ـ كما قال ـ فأنّى يدركه أحد .
وفي باب نادر فيه ذكر الغيب .
* جاء فيه : قال الرجل الفارسي للإمام : هل تعلم الغيب ؟ فأجاب الإمام : يبسط لنا العلم ، فنعلم ، ويقبض عنا فلا نعلم .اهـ(1/88)
لقد أخبرنا الله تعالى أن الغيب لله وحده {فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لله} {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا الله } إلا إذا أطلع على بعضه رسولاً { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً*إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} وليس الأئمة برسل حتى يطلعهم الله تعالى .
مع أن الإمام قال صراحة إنه لا يعلم الغيب ، فقد قال في الحديث الثالث ـ من هذا الباب ـ : يا عجباً لأقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب ، ما يعلم الغيب إلا الله عز وجل .اهـ
* وفيه قال الإمام : إن سر الله عز وجل أسرّه لجبريل ، وأسرَّه جبريل لمحمد ، وأسرَّه محمد إلى من شاء الله .اهـ
هل هو مما يجب تبليغه أم لا ؟ فإن كان نعم فلا يصح إعطاؤه لفرد ـ وهو غير موجود . وإن كان لا، فمن كان موجوداً أولى ممن هو غائب ، للمعرفة بالحاضر ، والجهالة بالغائب . وانظر قول الإمام في نفيه علمه بالغيب الذي ذكرته قبل قليل .
* وفيه قال الإمام : ( والذي عنده علم الكتاب ) قد أشارت الآية إلينا ، ونحن الذين عندنا علم الكتاب .اهـ
ليس هذا منطوق الآية ، إنما منطوقها { وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } وقد سبق ذكر الآية قبل قليل ، وذكرت أنها مكية ، وذكرت لفظها كاملاً ، وأن المراد به علماء أهل الكتاب، والمراد به : الكتاب السابق ـ التوراة والإنجيل ـ لما فيهما من ذكر أوصاف النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم . ولم يكن أئمة في العهد المكي . وأزيد هنا : لم خص علمهم بالكتاب القديم ؟
* وقال الإمام ـ في الحديث الرابع جواباً لسؤال عمار ساباطي الفطحي الكذّاب ـ : هل يعلم الغيب ؟ فقال : لا ، ولكن إذا شاء أن يعلم فإن الله يعلمه .اهـ
هذا كلام خطير ، حيث جعل إرادة الله تعالى تحت مشيئة الإمام ، لكن قاتل الله تعالى هذا الفطحي الكذّاب حيث افترى على الإمام .(1/89)
وفي باب أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام . اهـ
هل كانوا مع الملائكة حين نزول الوحي إليهم ؟ وهل كانوا مع الأنبياء السابقين حين نزول الوحي عليهم ، وما حصل معهم ؟ إذا كان سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلمها قبل إيحاء الله تعالى له ، فكيف يعلمها الأئمة ؟! وقد تكرر خطاب الله تعالى لرسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم : { تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} في عدة آيات ، مما ينفي الله تعالى معرفة الغيب عن سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنبأه ، فمن أين علموها هم ؟
وفي باب أن الأئمة إذا شاؤوا أن يعلموا علموا .اهـ
هل إرادة الله تعالى تحت مشيئة الإمام ؟ وسبق الجواب على دعوى علم الغيب قبل قليل
وفي باب أن الأئمة يعلمون متى يموتون ، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم .
* جاء في الحديث الأول إن كل إمام لا يعلم ما الذي سوف يحدث له وما يؤول إليه فهو ليس بإمام ولا حجة .اهـ
وانظر ما في نهج البلاغة الذي أذكره بعد الفقرة التالية .
وقارن أيضاً مع قوله تعالى : { إِنَّ الله عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ثم هل لهم تأثير في الوجود ؟ والله تعالى يقول : {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً }(1/90)
* وفي الحديث الرابع سأل حسن بن الجهم الإمام : هل كان أميرُ المؤمنين يعرف قاتلَه، والليلةَ التي يُقتل فيها، وسمع صياحَ الأوز الذي كان يخبر عن موته ، وطلبت أم كلثوم إليه أن يصلي الصبحَ في البيت ، ولكن سيدنا الأمير لم يقبل ، وخرج تلك الليلة بلا سلاح ، مع أنه عرف قاتلَه مِن قِبل سيفه ؟ فأجابه الإمامُ الرضا : نعم ، هكذا كان ، ولكن قدَّر الله وما شاء فعل .اهـ
قارن هذا القول مع قول سيدنا علي رضي الله عنه ـ كما في نهج البلاغة رقم 147ـ : إنه لا يعلم وقتَ موته . اهـ فما الذي يصدّق ؟ قول سيدنا علي رضي الله عنه ، أم القول المكذوب على الرضا ؟ ثم ألا يتصوروا أن هذا القول طعن في أمير المؤمنين رضي الله عنه ؟ علم أنه سيقتل ثم يخرج من غير سلاح ، أليس في هذا إلقاء بالنفس إلى التهلكة؟ إن علياً رضي الله عنه لن يصل إلى مستوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ الذي حفظه الله ورعاه وعصمه من الخلق جميعاً وهو يعلم ذلك ـ ظاهر يوم أحد بدرعين ، وحُرس يوم بدر ، ويوم الخندق . ولكن حبل الكذب قصير .
* وقال أبو جعفر رحمه الله تعالى : أنزل الله عز وجل النصرَ على الحسين رضي الله عنه حتى كان بين السماء والأرض ، ثم خيّر بين النصر ولقاء الله ، فاختار لقاء الله عز وجل .اهـ
إذا كان الحسين رضي الله عنه اختار لقاء الله تعالى ولم يختر النصر ؛ فلم يفعل الرافضة يوم عاشوراء ما يندى له جبين البشرية ، ويقزز النفوس ؟
وفي باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون ، وأنه لا يخفى عليهم شيء .اهـ
هذا من صفات الله تعالى ، ليس من صفات البشر{إِنَّ اللهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ}(1/91)
* في الحديث الأول : حلف الإمام ثلاثَ مرات برب الكعبة : لو كنت بين موسى والخضر أخبرتهما أني أعلم منهما ، ولأنبأتهما ما ليس في أيديهما ، لأن موسى والخضر عليهما السلام أعطيا علمَ ما كان ، ولم يُعطَيا علمَ ما يكون ، وما هو كائن حتى تقوم الساعة ، وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .اهـ
إذا كان موسى عليه السلام من أولي العزم، وهو ثالث الرسل في الفضل بعد نبينا وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام، فكيف يكون أعلم وأزكى منه؟ ثم إن العلم بالتعلم، وليس هو بالإرث ـ كما سبق ـ والآيات القرآنية في بيان تعليم الله تعالى لرسوله كثيرة ، فمتى تعلّم الإمامُ عِلمَ ما كان وما يكون ، وكلاهما من علم الغيب الذي اختص به الله تعالى ، إلا ما أطلع عليه نبيّه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يكون ذلك إلا بالوحي الذي انقطع بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم إذا كان الإمام نفسه رحمه الله تعالى لايعلم حالَ أصحابه، وتكلّم خلاف الواقع ـ كما جاء في أول النص ـ فكيف يعلم ما يكون إلى يوم القيامة؟ ثم لم لم يخبر ابنه بما سيكون معه ، وأنه سيموت في سجنه ؟
*وفي النص الثاني، قال الإمام: أنا أعلم ما في السموات وما في الأرض ، وما في الجنة ، وما في النار ، وما كان ، وما سيكون .
ثم مكث الإمام برهة ، ورأى أن هذا الكلام قد كبر على المستمعين ، ولم يصدِّقوه . فقال : لقد تعلمت هذا العلمَ من كتاب الله حيث يقول الله عز وجل : ( وفيه تبيان كل شيء ) .اهـ(1/92)
لا أشك أبداً أن هذا القول كذب مختَلَق على أبي عبد الله الصادق رحمه الله تعالى . فإذا كان لا يعرف لفظ الآية الكريمة على وجهها ، ولفظها ـ كما يعلمها كل قارئ للقرآن ـ { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى } فكيف يعلم غيب السموات والأرض ، وما في الجنة وما في النار؟وهل خلقهما هو حتى يعلم ما فيهما؟{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}وهل دخلهما حتى يعلم ما فيهما؟ثم إن الإحاطة بهذا العلم هي صفات من ؟ إنها صفة الله تعالى .
ثم ما هذا التناقض ، هنا يقول تعلم ذلك من القرآن ، وسبق قوله : إنه ورث ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول ـ كما حكى القرآن ـ : { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} في آيات متعددة .
* وقال الإمام الصادق ـ في النص الثالث ـ : إن الله أكبر وأرحم من أن يوجب طاعة أحد من عباده ثم يحجبه صباحاً ومساءً عن أخبار السماء .اهـ
قارن ذلك مع قوله تعالى :{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} فلو كان أولو الأمر يعلمون الغيب لأوجب الرجوعَ إليهم ، كما أوجبه إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذا يقال في كل من أوجب الله تعالى طاعته ، من زوجة وولد وخادم ،... الخ ، فهل هؤلاء يعلمون الغيب ؟؟؟
وفي باب أن الله عز وجل لم يعلِّم نبيَّه علماً إلا أمره أن يعلِّمه أميرَ المؤمنين، وأنه كان شريكَه في العلم .(1/93)
*وجاء فيه : أُتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم برمانتين ، فأكل واحدة منهما فأصبح رسولاً ، وإحدى الرمانتين هاتين كان هو العلم ، وقد أكلها مناصفة مع علي، وأصبح علي ـ بأكله نصف الرمانة ـ شريكاً للنبي بالعلم .اهـ
هذا كذب وافتراء على الله تعالى وعلى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أمير المؤمنين، إذ لا توجد آية قرآنية، ولا حديث نبوي صحيح ـ حسب قواعد المحدِّثين ـ فيه شيء من ذلك . ثم لقد ثبت عن أمير المؤمنين خلاف ذلك ، كما مر . ثم ما هذا الهراء ... تحصل النبوة بأكل الرمانة ؟ إن ملايين الناس يأكلون رماناً كلَّ عام ولم يصر أحدٌ منهم رسولاً. إنما الرسالة باصطفاء الله تعالى {الله يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ} وبعلمه تعالى {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ }
ثم كيف يكون علي رضي الله عنه عالماً بأكل الرمانة ، وقد تكرر منهم الدعوى أن العلم ينتقل إلى الأئمة بالوراثة . بينما أصبح عالما ـ بل شريك النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ـ بأكل نصف رمانة .
قولوا بربكم ماذا نحكم على من يقول : إن من يأكل رمانة كاملة يصير رسولاً ، ومن يأكل نصف رمانة يصير عالماً ؟ فهل هذا عاقل أم مخرق .
وفي باب أن الأئمة لو سُتر عليهم لأخبروا كل امرئ بحاله وما عليه .
* قال الإمام : لو أمسكتم لسانكم وما أظهرتم لأخبرتكم ما يضركم وما ينفعكم .اهـ(1/94)
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر الأمة بما ينفعها وما يضرها، وعدم إخبار الإمام لهم ذلك لشكه في ولائهم له . لكن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مؤيد بالوحي، لذا أبلغ الأمة بما أوحي إليه، أما الإمام فلا وحي لديه ، لأنه لا وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن زعم أن الوحي ينزل عليه فقد كفر ـ على حد قول المفيد منهم ـ اللهم إلا تنزل الشياطين { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}
وفي باب التفويض إلى رسول الله وإلى الأئمة في أمر الدين .
* قال الإمام : إن الله أودع أمرَ دينه إلى رسوله ، والرسولُ أودعه عند علي وبنيه .اهـ
هذا كذب محض ، فقد مر قول سيدنا علي رضي الله عنه بأنه لا يوجد عنده ما كتمه الناس ، فكيف يزعمون بخلاف ذلك ؟ ثم هذا طعن في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كتم بعض الشرع عن الأمة، وخص به عليّاً رضي الله عنه ، والله تعالى يقول : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } ثم هل كان الأئمة موجودين؟ فإذا كان الحسنان لم يتجاوز الكبير منهما سبع سنين يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكيف يودع من لم يوجد أو عند طفل دون السادسة أمر الدين ويترك من أَمَرَ الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بملازمتهم ، واختارهم له رضي الله عنهم ؟ ثم إن الوحي قد انقطع بوفاته صلى الله عليه وآله وسلم . كما نبه عليه عليٌّ رضي الله عنه .
وفي باب في أن الأئمة بمن يشبهون ممن مضى وكراهية القول فيهم بالنبوة
* قال الكليني : تشبيه الأئمة بمن سبقهم ، والقول بنبوتهم مكروه .اهـ(1/95)
قارن بين هذا القول وقوله تعالى : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } فقد ختم الله تعالى بنبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم النبوة والرسالة، ويقول الكليني ورواته : والقول بنبوتهم مكروه .
* وقارن هذا القول وما جاء في الخبرين الثاني والثالث من نفس الباب. من قول الإمام : إن الله عز وجل قد ختم بنبيكم النبيين ، فلا نبي بعده .اهـ
* وما في الخبر السادس : قال الصادق عمن يزعم بنبوتهم : إن سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء ، وبرئ الله منهم ، ما هؤلاء على ديني ، ولا على دين آبائي .اهـ
وفي باب ذكر الأرواح التي في الأئمة .
* يقول في النص الأول : إن للأنبياء والأوصياء خمسة أرواح .اهـ
ما ذا أقول ، من الذي له خمسة أرواح؟ في العراق يعرفون من صاحب خمسة وسبعة أرواح؟ إن الله تعالى يقول عن آدم عليه السلام : {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} فهي روح واحدة .
* وفي الثالث : يقول المفضل: إن الإمام أسدل ستاره في بيته ، وهو يعلم ما في أرجاء الأرض .اهـ
إن الغيب لله تعالى ، ولا يعلمه إلا هو ، وقد ذكر الله تعالى عدة مرات {وَلِله غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض } فكيف يعلم الإمام ذلك ، والغيب لله تعالى وحده ؟!.
* ويقول في الخبر نفسه : إن روح القدس روح خاص بالنبي ، ينتقل بعد موته إلى بدن وصيه تماماً ، كانتقال الروح من جسم إلى جسم .اهـ
أولاً : هذا هو التناسخ ، واسمع قول السيد الرضا : من قال بالتناسخ فهو كافر.اهـ
ثانيا : إن روح القدس لا ينتقل ، لأنه جبريل عليه السلام { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ } فكيف ينتقل من جسم إلى جسم .(1/96)
ثالثاً : إن نزول الملائكة ليس باختيارهم ، إنما هو بأمر الله تعالى {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ }
رابعاً : إن الوحي ـ وهو نزول جبريل عليه السلام ـ إلى الأرض انقطع بوفاة النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، كما نبه عليه علي وبنوه رضي الله عنهم
وفي باب الروح التي يسدِّد الله بها الأئمة رضي الله عنهم .
* استدل بأقوال على أن للأئمة روحاً غير روح سائر الناس ، ويؤيدهم الله بتلك الروح ويسدّدهم .اهـ
وفي باب وقت ما يعلم الإمام جميع علم الإمام الذي قبله .
* قال الإمام : سيكون الإمام اللاحق عالماً بعلم الإمام السابق بنفس اللحظة التي يقبض فيها الإمام السابق .اهـ
لقد تكرر أن العلم لا يورث وراثة إنما هو بالتعلم ، كما تكرر أن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى . فكيف ينتقل إليه ، ثم لو صحت هذه المقولة لكان علم المتأخر (الإمام الحادي عشر)أوسع علماً من علي وبنيه رضي الله عنهم. ومثل هذا سفه من القول .
وفي باب أن الأئمة في العلم والشجاعة والطاعة سواء .
* يقول الإمام في النص الأول في قوله تعالى : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} قال الإمام : {وَالَّذِينَ آمَنُوا} مختص بمحمد وعلي .اهـ
ما هذا الكذب؟ هل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بُعث لعليٍّ رضي الله عنه وحده أم بُعث لسائر الخلق ؟ وهل الجنة خاصة بعليٍّ رضي الله عنه فقط ، ولا تشمل الشيعة ؟ أم أن النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بعث لسائر الخلق ، ثم إن الآية تتحدث عن حال المؤمنين في الجنة . فهل تقصر على علي، مع أن الله تعالى ذكر في كتابه أصناف الأمة : السابقون ، وأصحاب اليمين ، وأصحاب الشمال . فمن أيها يكون علي رضي الله عنه ، ولمن تكون بقية الجنة . إن الأمر يحتاج إلى شيء من الإدراك يا قوم .(1/97)
*وقال في الخبر الثاني : نحن الأئمة سواء في العلم والشجاعة مع علي .اهـ
* وقال في الثالث : بل إن محمداً وعليّاً هما الأفضل .اهـ
لا أدري ما هذا التناقض؟ كيف يكون الأئمة بدرجة أمير المؤمنين رضي الله عنه ، وفي النص الأخير يميزه ؟ فما هو الصحيح ؟ ثم إن الواقع يكذب هذا القول، أين شجاعة الأئمة وعلمهم ـ مع احترامي لهم رحمهم الله تعالى ـ بجانب شجاعة وعلم جدِّنا أبي الحسن رضي الله عنه . ولكن قاتل الله تعالى الوضّاعين الكذبة الأفّاكين ، الذين يشوّهون صورة أئمة آل البيت لغرض التشهير والوقيعة .
وفي باب أن الإمام يعرف الذي يكون بعده ، وأن قول الله عز وجل :{إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} فيمن نزلت .
* قال الإمام ـ في الحديث الأول ـ في قوله تعالى : {فإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ} أضاف الإمام هنا ( وإلى أولي الأمر منكم ) بزيادة ( وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْكمْ ) .اهـ ثم حصر ذلك في الأئمة الإثني عشر .
هل يعقل أن يكون الإمام الفاضل ـ الذي بقر العلم ـ لا يعرف نص الآية ؟
ثم هل يجوز له أن يزيد في لفظ القرآن ما ليس منه ؟
ثم إن لفظ ( أولي الأمر ) عام يشمل كل وال وقائد ونحوهما .
ثم إن الزيادة ليس في سياقها ولا سباقها في موضعها الذي أضافوه .
ثم إن لفظ الزيادة ليس في هذه الآية ، إنما هو في غيرها ، ولفظها هو {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }
ثم إن هذه الآية ـ التي ذكرها الإمام ـ نزلت في غزوة مؤتة ، وكان القائد فيها زيد بن حارثة رضي الله عنه ـ باتفاق السنة والشيعة ـ ولم يكن معصوماً.(1/98)
ثم إن الأئمة العشرة (الحسين رضي الله عنه حتى القائم ) لم يكونوا من أولي الأمر، لأنهم لم يكونوا خلفاء، كما لا يخفى ، لأنه يشترط في الخليفة أن يكون حاكماً ، كما قال تعالى : {يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ}ولم يكن هؤلاء خلفاء ، ولا قادة ولا ولاة .
وانظر المناظرة التي جرت بين المؤلف وبين أحد الآيات من طهران ، في
آخر ( فصل كذب دعوى الإمامة .)
* وجاء فيه إن الإمام لا يموت حتى يعلمه الله لمن يوصي ، ومن يؤم الناس بعده .اهـ
كيف عين الإمام الإمامة لولده إسماعيل ومات في حياة أبيه وهو صبي صغير ؟!
* وجاء فيه أيضاً إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود من واحد إلى واحد .اهـ
أقول : إن الوحي انقطع بوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ثم أين يوجد هذا العهد؟ هل شيء من ذلك في القرآن الكريم؟ فإن قالوا : لا، بطل زعمهم . وإن قالوا : نعم ، كذبوا على الله تعالى ، لأنه لا يوجد شيء من ذلك ، بل الموجود خلافه .
ثم قارن هذا الزعم مع قول أمير المؤمنين رضي الله عنه ـ في نهج البلاغة ـ: ختم به الوحي . قال في خطبة (رقم 226) وهو يخاطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والإنباء وأخبار السماء .اهـ فهو يخبر بانقطاع الوحي ، فمن الذي يصدق ؟
وفي باب أن الأئمة لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلّا بعهد من الله عز وجل وأمرٍ منه ولا يتجاوزونه .اهـ(1/99)
* ذكر الكليني قصة الصحيفة ، وفيه : إن الله تعالى أنزل صحيفة مختومةً ممهورةً من الله على رسوله عُيِّن فيها ولاة الأمة وأوصياؤها ، وكان ذلك وقت قبض روح النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم حين أخلى الغرفة، واختلى مع علي وفاطمة . وقال لعلي : عليك أن تعمل بهذه الصحيفة ، وهذه الوصية ، وتوالي أولياء الله ، وتعادي أعداءه ، وتتبرأ منهم ، وتكظم غيظك وغضبك عند أخذ حقك ، وغصب خمسك ، وهتك حرمتك ، وتصبر على ذلك، وإذا هتكت حرمات الله ورسوله فعليك بالسكوت، ولو خضبوا لحيتك بدماء رأسك ، فعليك أن ترضى .
قال عليٌّ : فصحت ، ووقعت على الأرض ، وقلت : فليكن ذلك فقد رضيت ولو هتكت الحرمات ، وعطلت الشعائر الإسلامية ، ومزق كتاب الله ، وهدمت الكعبة .
يقول الراوي: قلت لموسى بن جعفر رضي الله عنه : أكان في تلك الصحيفة والكتاب ما يفيد استيلاء الخلفاء الغاصبين على أمير المؤمنين ومخالفتهم له أم لا ؟ قال : نعم والله.اهـ
قلت : هل هم يؤمنون بالله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وبما جاء عنه ؟ ألا يرون أن في هذا طعناً في الله تعالى وفي رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وفي أمير المؤمنين ، وفي الأمة كلها .
تهتك حرمات الله ، وتعطل الشعائر ، ويمزق القرآن ، وتهدم الكعبة ، ويسكت علي رضي الله عنه ! هل هؤلاء عقلاء في كذبهم؟ هل يعرفون أبا الحسن الفارس المغوار ، هل يدرون حاله وصفته ؟ أم يكذبون ويظنون أن الناس تسلِّم لهم كذبهم .
إن هذه الصحيفة وضعها كذاب أشر، ادعى البابية ، ثم زعم أنه سفير الإمام ، لذا لُعن من قبل الأئمة ، واسمه محمد بن أحمد العمري .
ثم هل عند الله تعالى أختام ؟ خاصةً وهم يزعمون أن لكل إمام صحيفة مختومة باسمه ، وأرجو الصبر على هذا الكذب .(1/100)
ثم لم لم يقرأها النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم على الأمة ـ وأبقاها سراً ـ حتى يعرفوا فضل أبي الحسن ، ولا ينازعونه في حقه . ثم لم لم ينزل القرآن مختوماً وتحتاج هذه الصحيفة إلى الختم؟ دلالة على كذبها واختلاقها.
ثم هل كانت هذه الصحيفة تخالف ما في القرآن أم توافقه ؟ فإن كانت توافقه فلا حاجة لها ، وإن كانت تخالفه فاسمع كلام عليٍّ رضي الله عنه (نهج البلاغة رقم الخطبة 176) وليس على أحد بعد القرآن من فاقة ، ولا لأحد قبل القرآن من غنى .اهـ
ثم انظر إلى هذا الكذب في دعوى أن هذه الصحيفة نزل بها جبريل عليه السلام عند قبض روح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإخلاء الغرفة ، واختلى بعلي وفاطمة رضي الله عنهما ،...هذا كله كذب ، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تُوفي في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها ، وفي يومها، وبين سحرها ونحرها ، وهذا ثابت ، بل متواتر ، ولا ينكره إلا غمر ، أو جاهل ، ولم يكن علي ولا فاطمة رضي الله عنهما كانا حاضِرَيْن ، فكيف اختلا بهما ، ولولا الإطالة لذكرت الأحاديث في ذلك .
ثم إن دعواهم أن فيها تبرؤ عليّ رضي الله عنه من مخالفيه ... فالمقصود هم الصحابة الأوائل رضي الله عنهم ، فهل قرؤوا عشرات الآيات في الثناء من الله تعالى على المهاجرين والأنصار ؟ وهل قرؤوا مئات الأحاديث في الثناء على المهاجرين والأنصار وسائر الأصحاب رضي الله عنهم .
ثم ما هو الحق الذي اغتصبوه منه ؟ اسمع قول أمير المؤمنين رضي الله عنه ( كما في نهج البلاغة في الرسالة السادسة ) : إنما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضى ، فإن خرج عن أمرهم خارجٌ بطعن أو بدعةٍ ردوه إلى ما خرج منه ، فإن أبى فقاتلوه لاتباعه غير سبيل المؤمنين .اهـ فمن الذي يصدَّق ؟ عليٌّ رضي الله عنه أم الرافضة الذين افتروا عليه ؟(1/101)
ثم انظر قول أمير المؤمنين رضي الله عنه ( نهج البلاغة خطبة رقم180) وهو يذكر الصحابة رضي الله عنهم، ويتحرّق على فراقهم : أوّه على إخواني الذين قرؤوا القرآن فأحكموه ، وتدبروا الفرضَ فأقاموه ، وأحيوا السنة ، وأماتوا البدعة ، دُعوا للجهاد فأجابوا ، ووثقوا بالقائد فاتبعوه .اهـ
أقول : لو كان رضي الله عنه حيّاً ، وسمع هؤلاء الأشرار يقولون هذا القول ، فما عساه أن يفعل بهم ؟ أليس كما فعل بأسيادهم من السبئية من قبل ، حيث يقول ثانية :
إني إذا رأيت أمراً منكراً أوقدتُ ناري ودعوت قُنْبراً
وفي باب أن الإمامة في الأعقاب ، وأنها لا تعود في أخ .
* جاء فيه قوله : إن الإمامة في الأعقاب بعد الحسن والحسين ، ولا تجتمع في أخوين بعدهما .اهـ والرواة له (سهل بن زياد ، ويونس الفطحي ) من الكذّابين .
من الذي خصهم بالأعقاب ؟ فلو كان في الأخرى ما هو أفضل فلِم لا يكرم بالإمامة؟ أما ترى في زيد والباقر رحمهما الله تعالى ـ وكلاهما إمام ـ فما مصير الزيدية ، والإسماعيلية مثلاً أين يكون أولئك ؟ ثم هل من كتاب أو سنة يخصهم بالأعقاب؟ إن الكتاب الكريم يرد ذلك . أما ترى قول الله عز وجل عن المؤمنين : {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}فلم يقولوا : ( لأبنائنا )
وفي باب ما نص الله ورسوله على الأئمة واحداً فواحداً .
* لقد نقل الكليني روايات عن رواة كذابين ، أو زنادقة ، أو سرّاق مال الأئمة ، أو ملعونين على ألسنة الأئمة ، أو مجهولين لا يُعرفون،...كما حرّفوا الآيات القرآنية ، وكذبوا فيها ، وزادوا فيها ، ونزّلوها على غير موضعها ، وانظر الكلام على ذلك في كسر الصنم ( 223 ـ 251 )
وفي باب الإشارة والنص إلى أبي الحسن موسى رضي الله عنه .(1/102)
* روى محمد بن سنان ، وهو كذاب معروف ـ في الخبر الحادي عشر ـ عن يعقوب السراج ـ وهو مثله ـ قال : دخلت على الإمام الصادق ، وكان موسى بن جعفر في المهد ، فقال لي الإمام جعفر الصادق : أدن من مولاك . فاقتربت وسلمت على الطفل الرضيع، فرد السلام باللغة الفصحى ، وقال لي : غيِّر اسمَ ابنتك ، فإن اسمها مغضوب عند الله . ثم قال الراوي : وكان اسم ابنتي حُميراء ، فغيرت اسمها . اهـ
قارن بين هذا القول ، وبين قوله تعالى : { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ } حيث جعلهن مفارقات لسائر النساء ، وقوله تعالى : {? ? ? ? ?? ? ??}حيث جعلهن أمهات للمؤمنين ، فإن كان الرافضة مؤمنين لزمهم أن يكن أمهات لهم ، وإن لم يرضوا بهن فليسوا من المؤمنين ، لأن النص شامل لكل زوجات النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، ورضي الله عنهن .
وفي باب نادر في حال الغيبة .
لقد جاءت كل النصوص مروية عن كذّابين ، أو متّهمين بدينهم ، أو جهال ،... انظر كسر الصنم ( 252 ـ 268 )
كما لفت نظري قوله في الخبر الأول: إن أقرب العباد إلى الله تعالى أولئك الذين ضيعوا حجةَ الله، ولم يعرفوا مكانه،...فإذا علم الله أن أولياءه يشكّون في حجته لم يخفها عنهم .اهـ
هل هؤلاء عقلاء ؟ الذي يضيّع حجةَ الله هو أقرب العباد إلى الله تعالى ! ثم كيف يظهرها لهم وهم يشكّون فيها ! وإذا لم يشكّوا فيها أخفاها عنهم .
وقد جاء بمبهمات وتناقضات يعجز عن إدراكها عقلاؤهم .
وفي باب الغيبة .
* جاء في الخبر السابع : قال أمير المؤمنين : إن غيبة الإمام الغائب هذا ستة أيام ، أو ستة أشهر ، أو ست سنين .اهـ
ويقال لهؤلاء الكذابين : لقد طالت غيبة القائم (1170سنة ) حتى الآن ، فلم بقي هذا الخبر المكذوب في كتبهم؟ ولم لم يظهر النجم؟ لذا فمَن الصادق قول أمير المؤمنين رضي الله عنه أم الذي اخترعوه ؟(1/103)
* وجاء في الخبر الثامن : قال الإمام : نحن كنجوم السماء ، إذا غاب نجم ظهر نجم آخر .اهـ
لقد غاب القائم مند (1170) فلم يظهر نجم آخر حتى الآن ؟ دلالة على كذب ادعاء الغيبة.
وفي باب كراهية التوقيت .
* جاء في الخبر الأول ـ قال الإمام : إن هذا الأمر ( يعني ظهور الإمام المنتظر) له وقت معين ، وكان الظهور في السنة السبعين ، وإن الله تعالى عيّن هذا الوقت، ولكن عندما قُتل الحسين رضي الله عنه غضب الله على أهل الأرض ، وأخر ذلك إلى عام أربعين بعد المائة ، حيث قلنا لكم ، وأنتم أفشيتم السر ،... الخ .اهـ
إن عام أربعين ومائة لم يكن القائم ولا أجداده المتأخرين قد ولدوا ، فكيف بعام سبعين ؟ لأن القائم غاب عام (260)
ثم إن قول الكليني : ( وعندما قُتل الحسين غضب الله ...) يتناقض مع ما نقله ـ مراراً ـ أن الأئمة لا يفعلون إلا بعهد الله .
ثم إن قوله هذا دلالة على البداءة على الله تعالى . ألا يعلمون أن الله تعالى يعلم ما كان وما هو كائن وما يكون؟ لأن علمه تعالى متعلق بكل الممكنات. لأن إرادته تعالى تخصص ما في علمه، وقدرته تعالى تبرز ما خصصته إرادته ، حسب علم الله عز وجل ، فدعوى الانتقال دلالة على عدم علم الله تعالى بما يكون، وعدم تقديره لما خصصته الإرادة ، وهذا كفر، والعياذ بالله تعالى.
وفي باب مواليد الأئمة رحمهم الله تعالى .
ذكر فيه من الخرافات مالا تحتمله عقول العاقلين ، إضافة إلى أن الرواة بين كذّاب وزنديق ومتهم في دينه وملعون على لسان الأئمة أو جهال لا يُعرفون أو أعداء الأئمة أو الذين اختلسوا أموال الأئمة . وفيه ما لم يكن للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ولا لغيره من الأنبياء عليهم السلام. انظر كسر الصنم ( 269 ـ 277 ) مثل :
* أن الإمام ـ وهو جنين في بطن أمه ـ يسمع كلام الناس ، وأنه يرى الناس جميعاً في كل مدينة، وأنه لا يجنب، ولا يعطش، وأنهم خُلقوا من نور أعلى عليين ، وخُلق سائر الناس من سجين .(1/104)
وقارن بين هذا القول ، وبين ما ذكره في الكافي (2: 12) تحت باب فطرة الخلق على التوحيد : قال الصادق رحمه الله تعالى : خلق الله الناس جميعاً على فطرة التوحيد ـ وفي رواية : على فطرة الإسلام.اهـ فمن الذي يصدَّق؟
وفي باب أن الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم وتطأ بسطهم وتأتيهم بالأخبار
* جاء فيه : إذا أمر الله ملكاً بأمر ، فإن ذلك الملَك يأتي إلى الإمام ، ويعرض عليه الأمر قبل أن يعمل به .اهـ
هل يقول هذا مسلم ! أمر الله تعالى يكون موقوفاً حتى يأذن به الإمام ؟ من الخالق المتصرّف ، ومن المخلوق ؟ لو أراد الله تعالى إهلاك الإمام ومن في الأرض جميعاً فهو القادر { قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} بل لو أمات الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم من يجير الخلق {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ الله وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} لكن الذي يظهر أن الذي اخترع هذا القول لا عقل له أو زنديق يريد الإساءة إلى الإسلام وإلى آل البيت ، ويحاكي اليهود فيما زعموا .
وفي باب أن الأئمة إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ، ولا يُسألون البينة.
وكل الأخبار مروية عن كذابين أو مجهولين ، وأكثرها لا تصح .
* قال الإمام الصادق : يا أبا عبيدة ، إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان ، ولا يُسأل عن بينة .اهـ لِمَ داود وسليمان عليهما السلام ؟.
ثم إن أبا عبيدة هذا : رجل ملعون كذّاب صانع للمذاهب . قال عنه الصادق : إنه أعمى الباطن والظاهر .
* وقال الإمام الصادق : إن الدنيا لا تنتهي حتى يحكم رجلٌ منا بحكم آل داود ، ولا يُسأل هم بينة .اهـ والرواة بين كذّاب ومجهول ، على حد قول المجلسي .(1/105)
* ويقول الإمام : نحن نحكم بحكم آل داود، ويلقي إلينا روح القدس فيما لا نعرفه .اهـ كما في الخبر الثالث إلى الخامس .
إذا كان القائم مسلماً ، ومن ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فما حاجته إلى غير الإسلام ؟ ألا يعلم أن كل الكتب نسخت بالقرآن ؟ وأن كل الديانات نسخت بهذا الدين، وأن كل الشرائع نسخت بدين الإسلام؟ وأن العمل بها حرام ، لأنها بطلت ، فما حاجته لدين اليهود ؟! أرجو التنبه .
ثم إذا كانوا يعلمون كلَّ شيء وهم أجنة في بطون أمهاتهم فما حاجتهم إلى روح القدس ؟
* كل من تسمى بأمير المؤمنين ـ غير علي رضي الله عنه ـ فهو كافر .اهـ من كسر الصنم (283) وكيف كان الصادق يخاطب خلفاء بني العباس بإمرة المؤمنين ؟ هل هي تقية الرافضة ؟ أم حقيقة ، لأنه مُنِّي بالخلافة ...؟
وفي باب أن الأرض كلها للإمام .
* عن أبي بصير ، أن الإمام الصادق قال ـ ردّاً على سؤال ـ : أما علمت أن الدنيا والآخرة للإمام يضعها حيث يشاء ، ويدفعها إلى من يشاء .اهـ
ماذا بقي لله تعالى ، والله تعالى مالك الدنيا والآخرة ؟
* وفي لفظ أن الأرض كلها للإمام ، ولكن الناس مغتصبون ، وأعمالهم حرام .اهـ من كسر الصنم (281 ـ 282) [وانظر الوشيعة (40 ـ 41) فقد ذكر عدة أقوال من هذه المخاريق المكذوبة]
وفي باب ما جاء في الإثني عشر والنص عليهم .(1/106)
* جاء في الخبر الثالث المكذوب بما يعرف بكتاب اللوح، وفيه : جعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه ، وجعلت حسيناً خازن وحيي ، وأكرمته بالشهادة ، وختمت له بالسعادة ، فهو أفضل من استشهد ، وأرفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامة معه ، وحجتي البالغة عنده ، بقوته أثيب وأعاقب ، أولهم عليّ سيد العابدين وزين أوليائي الماضين ، وابنه شبه جده المحمود محمد الباقر علمي ، والمعدن لحكمي ، سيهلك المرتابون في جعفر ؛ الرادّ عليه كالراد عليَّ ، حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر ، ولأسرنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه ، انتجب بعده موسى فتنة عمياء حندس، لأن خيط وهمي لا ينقطع، وحجتي لا تخفى، وأن أوليائي يسقون بالكأس الأوفى ، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي ، ومن غير آية من كتابي فقد افترى عليَّ ، ويل للمفترين الجاحدين ، عند انقضاء مدة موسى عبدي وحبيبي ، وخيرتي في عليٍّ وليي وناصري ، ومن أضع عليه أعباء النبوة ، وأمتحنه بالاضطلاع بها ، يقتله عفريت مستكبر ، يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلقي، حق القول مني لأسرنه بمحمد ابنه وخليفته من بعده ، ووارث علمه، فهو معدن علمي ، وموضع سري، وحجتي على خلقي، لا يؤمن عبد به إلا جعلت الجنة مثواه، وشفَّعتُه في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار ، وأختم بالسعادة لابنه عليٍّ وليي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي، أخرج منه الداعي إلى سبيلي ، والخازن لعلمي الحسن ، وأكمل ذلك بابنه ( م ح م د ) رحمة للعالمين ،... اهـ
كل شيء يهون سوى الكفر ، بأن الله تعالى يتعامل مع رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بالتقية . وقد تصدى لبيان كذب هذا الخطاب آية الله البرقعي رحمه الله تعالى فانظر كلامه في كسر الصنم (330 ـ340) وفي الخرافات الوفور في زيارات القبور (167 ـ . 18)(1/107)
لن أتعرض لما في هذا الخبر المكذوب من طامات ، فقد بينها مشكوراً : آيةُ الله البرقعي رحمه الله تعالى ، لكن حسبي أن أذكر كذبه سنداً .
1 ـ إن السند مسلسل بالكذابين والضعفاء والمجاهيل .
2 ـ جاء في أول الخبر إن الإمام الصادق كان حاضراً عند سؤال الباقر لجابر رضي الله عنه ، ومعلوم أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما توفي بعد السبعين (72 ـ 79 ) ورجح بعضهم (74) بينما ولد الصادق عام (83) أي بعد وفاة جابر بنحو عشر سنين
3 ـ إن في هذا الخبر أن الإمام الباقر رحمه الله تعالى دعا جابراً رضي الله عنه عند احتضاره ليحدثهم بخبر اللوح ، ومعلوم أن الإمام الباقر توفي عام (114ـ 118) فهذا يعني بعد وفاة جابر بنحو أربعين سنة ، فأين يحضر ليحدثهم .
4 ـ في هذا الخبر أن الباقر رحمه الله تعالى طلب من جابر رضي الله عنه أن يحدثهم عندما اعترض زيد بن علي رحمهما الله تعالى على أخيه محمد تولية ابنه الصادق ولم يجعلها له . ومعلوم أن زيداً ولد عام ( 78 ) أي بعد وفاة جابر رضي الله عنه بأربع سنين ..
5 ـ جاء في الخبر أن جابراً رضي الله عنه أخرج صحيفةً من رقٍّ ، فقال الباقر : يا جابر ، انظر في كتابك لأقرأ أنا عليك . فنظر جابر في نسخته [قال الصادق] : فقرأه أبي ، فما خالف حرفٌ حرفاً ، فقال جابر : أشهد بالله أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً .اهـ
ومعلوم أن جابراً رضي الله عنه قد كف بصره قبل هذا التاريخ بدهر ، لأنه كان يوم الحرة كفيفاً ، والحرة كانت عام ( 63 ) فكيف يقول الباقر : انظر في كتابك لأقرأ أنا عليك ، فنظر جابر في صحيفته ؟
بالإضافة إلى أمور كثيرة ، ذكرها آية الله البرقعي رحمه الله تعالى فانظرها في كتابيه .
* وجاء في الخبر(13) إن عليّاً رضي الله عنه أحيا رسول الله، وأعاده إلى الدنيا ، ليقول لأبي بكر : إن الأئمة بعده اثنا عشر شخصاً .اهـ
ـ هل علي رضي الله عنه يحيي الأموات ؟ وهل هذا بمقدوره ؟(1/108)
ـ لم لم يقل ذلك له في الدنيا ؟
ـ ما فائدة إحيائه وقوله لأبي بكر رضي الله عنه إذا لم يلتزم ؟
ـ من المعلوم أن الآيات القرآنية في الثناء على أبي بكر رضي الله عنه أكثر من العد ، فهل يريدون من قولهم هذا الطعن في أبي بكر أم مدح علي رضي الله عنهما ، أم يريدون تشويه الصورة ؟ وإلا ما فائدة إحياء علي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . لكن قاتل الله الكذّابين الأفاكين .
* وجاء فيه ( محمد بن الحسن العسكري م ح م د ) رحمة للعالمين ، عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى، وصبر أيوب، فيذل أوليائي، وتتهادى رؤوس كما تتهادى رؤوس الترك والديلم ، فيُقتلون ويُحرقون ، ويكونون خائفين ، فزعين ، وجلين ، تُصبغ الأرض بدمائهم، ويفشوا الويل والرنة في شأنهم ، أولئك أوليائي حقّاً،...قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك ، فصنه إلا عن أهله .اهـ
كيف يكون رحمة للعالمين ، وأنه سيشيع العدل ، وينصر الإسلام ،... ويُذل أولياء الله تعالى، ويقتلهم ويحرقهم، ويصبغ الأرض من دمائهم،...؟ فهل هذا ولي لله ، أم هو عدو لله تعالى بعداوته لأولياء الله ، ثم لم لم يأخذ من صفات النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ـ جده الأعلى كما يزعمون ـ؟
وهناك أمور كثيرة في هذا الجزء تحتاج إلى كشف وتنبيه وتعليق ، لا يسعها مثل هذا المختصر، لعل الله تعالى يمد في العمر وأبينها وأكشف حقيقة ما فيها من الاختلاق والكذب .
ثم أرجو أن يتنبه المسلمون :(1/109)
إن القائم ـ إذا ظهر ، لا أظهره الله تعالى ـ يحكم بحكم آل داود وسليمان ، وعند الأئمة التوراة والإنجيل والزبور. ماذا يفهم من ذلك؟ إن اللبيب من الإشارة يفهم، فكيف وقد صرحوا بذلك علانية . وأرجو الربط بين ظهور القائم ، وحكمه بحكم اليهود، وقيام دولة اليهود ، والعلاقة الحميمة بينهم وبين اليهود. إذ لا يوجد بلد في العالم الإسلامي فيه جالية يهودية كبيرة مثل إيران ، ولا يوجد بلد يتمتع اليهود فيها بالنفوذ مثل إيران ، ولا يوجد بلد لليهود فيه من الحرية الدينية والمالية مثل إيران ، ولا يوجد بلد في العالم الإسلامي يتحكم فيه الغرب مثل إيران ... وإذا علمنا أن الدجال إذا ظهر يتبعه سبعون ألفاً من يهود أصبهان فقط ، فما يدل ذلك ؟ والآن تعج أصبهان باليهود . إن أصبهان لم يكن بها رافضي واحد ، أما الآن فلا يوجد فيها سني واحد ، إنما هم رافضة ويهود لا غير ، وغير ذلك كثير . وأما ما نسمعه من إثارات فهي ذر في الجفون ، وانظر ما ذكرته في المقدمة .
هذا بعض ما ذكره الكليني في الكافي ، في المجلد الأول ، ولم أتعرض إلى باقي الأحكام فيه ، ومن أراد معرفة الردود ـ للمجلد الأول ـ فلينظر : كسر الصنم يجد بغيته إن شاء الله تعالى ، فقد ذكرت هنا مختصره ، وأرجو الله تعالى أن يعينني لنقد كتاب الكافي من أوله إلى آخره ، حسب قواعد الشيعة أنفسهم ، وانظر الفصل قبل الأخير ( أئمة الشيعة من اليهود والنصارى )
وأذكر خبراً يزكم الأنف ، ويصم الأذن ، وأرجو الصبر عند قراءته :
روى المجلسي في حق اليقين ، عن الحسن العسكري ـ الإمام الحادي عشر ـ قال : حَملُنا نحن ـ أوصياء الأنبياء ؛ أي الأئمة ـ لا يكون في رحم البطن ، بل يكون في الجانب ، ونحن لا نأتي من خارج الرحم ، بل نأتي من أفخاذ الأمهات ، لأننا نحن الأئمة نور الله تعالى ، لهذا فهو يضعنا بعيداً عن القذارة والنجاسة.اهـ نقلاً عن الثورة الإيرانية(118)لأن الأصل بالفارسي(1/110)
ما هو التعليق؟ لقد فاقوا الأنبياء وسيدهم عليه وعليهم الصلاة والسلام، وجميع الخلق ، فكلهم حملوا في بطون أمهاتهم ، وولدوا من بطونهم. {وَالله أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ } {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}
وأذكر هنا بعض النقول التي جاءت في الكافي ـ متناثرة ـ ليعلم المسلم الحق حقيقةَ الرافضة ، بما فعله اليهود والنصارى والمجوس فيهم . وما كان عن الإمام جعفر اكتفيت بالنجمة ، وما كان عن غيره قلت : قال :
* لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت .
* عن الباقر قال : لو أن الإمام رُفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله .اهـ
لقد مضى على غيبة القائم (1170) سنة ولم تمج الأرض ، ولم تسخ .
* لا يكون العبد مؤمناً حتى يعرف الله ورسوله والأئمة كلهم وإمامَ زمانه .اهـ وبعد غيبة الإمام على من يتعرف؟ على الخميني أم الشهرستاني؟
* كان أمير المؤمنين إماماً ، ثم كان الحسن إماماً ، ثم كان الحسين إماماً ، ثم كان علي بن الحسين إماماً ، ثم كان محمد بن علي إماماً . من أنكر ذلك كان كمن أنكر معرفة الله تبارك وتعالى ومعرفة رسول الله .اهـ
نعم إنه الغلو الناشيء عن تأليه الأئمة ، من أنكرهم كمن أنكر معرفة الله
* ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبي قط إلا بها .اهـ وما بقي بعد ذلك .
* ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، ولم يَبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ووصية علي رضي الله عنه .اهـ
هم مرسلون جميعاً بوصايته ، فما حكم من ينكرها منهم يا معشر القوم؟(1/111)
* أشرك بين الأوصياء والرسل في الطاعة .اهـ نقل العلامة النعماني عن القزويني في شرحه لهذه العبارة : يمكن أن تكون صيغة (أشرك) صيغة أمر [أَشْرِكْ]كما يمكن أن تكون صيغة مجهولة للمفرد الغائب[أُشْرِكَ] والنتيجة في الحالتين واحدة .اهـ الثورة الإيرانية ( 115 )
ومعنى هذا أن الإمام بمقام النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ، لذا كانت طاعته كطاعته . لكن سيأتي أن مقام الإمام فوق مقام الأنبياء عليهم السلام
* قال علي بن موسى الرضا : الإمام المطهَّر من الذنوب ، والمبرأ من العيوب ،... فهو معصوم مؤيد ، موفّقٌ مسدّدٌ ، قد أمن من الخطأ والزلل والعثار، يخصّه الله بذلك ، ليكون حجتَه على عباده، وشاهده على خلقه.اهـ
ماذا تفعلون بالأحاديث الثابتة >كل بني آدم خطّاء، وخير الخطائين... < وماذا تفعلون بعشرات الآيات في التوبة ؟ ، وما ذا تفعلون باستغفار النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ؟ لكن عفواً فمقام الإمام فوق مقام النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .
* قال أبو بصير ـ الدجال الأعمى ـ : لما وُلد الإمام موسى الكاظم قال أبو عبد الله : تكون ولادةُ كل إمام ووصي هكذا ؛ في الليلة التي يكتب الله لحمله أن يستقر، ففي تلك الليلة يرسل الله ملَكاً من عنده بكوبٍ من شرابٍ نفيس يحمله إلى الوالد، ويسقيه له، ويقول له : توجه الآن وجامع زوجتك ، فقد استقر حمل الإمام الذي يولد في رحم الأم .
لقد حدث هذا مع جدي الإمام الحسين ، وهكذا وُلد جدي الإمام زين العابدين ، ثم حدث معه نفس الشيء ، فكان مولد والدي ، وهكذا وُلدت أنا أيضاً في تلك الليلة، وهكذا حدث معي نفس الشيء، في تلك الليلة التي استقر فيها حمل وليدي الجديد موسى الكاظم في رحم زوجتي، فقد جاءني من عند الله ملَكٌ يحمل كوباً من الشراب اللذيذ النفيس ، وطلب مني أن أجامع زوجتي ، فجامعتها ، فكان حملها لابني موسى هذا .اهـ(1/112)
أما يستحون من هذه العبارات المشينة؟ ثم لقد مر قبل قليل أن الأئمة لا يُحملون في الأرحام ، فما باله يقول هنا : في رحم الأم ،... في رحم زوجتي فمن الذي يُصدّق ؟ أم أن حبل الكذب قصير كما يقال .
* قال الإمام الباقر : للإمام عشر علامات : يولد مطهَّراً مختوناً ، وإذا وقع على الأرض وقع على راحتيه ، رافعاً صوتَه بالشهادتين ، ولا يُجنب ، ولا تنام عيناه ، ولا ينام قلبه، ولا يتثاءب، ولا يتمطى، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه ، ونجوُه كرائحة المسك ، والأرض مأمورة بستره وابتلاعه ، وإذا لبس درعَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت وفقاً ، وإذا لبسها غيرُه من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبراً .اهـ هذا كله كذب .
كيف وقد ختن رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسنين ؛ وهما السيدان الأولان من الأئمة ؟ وكيف كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يغتسل من الجنابة ؟ وكيف كان يأمر جاريته بسفح بوله في الصباح ؟
* قال المجلسي في حياة القلوب : إن الإمامة أعلى من رتبة النبوة .اهـ
ماذا سيقول الرافضة ؟ لو كانت الإمامة أعلى من النبوة فلم أرسل الله تعالى الأنبياء ؟ لأنه لا حاجة للبشرية لهم ، ثم متى وُجد الأئمة قبل النبيّ أم بعده صلى الله عليه وآله وسلم ؟
* قال الإمام الباقر : إن الله لا يستحي أن يعذب أمةً دانت بإمام ليس من الله، وإن كانت في أعمالها برةً تقيةً. وإن الله ليستحي أن يعذّب أمةً دانت بإمام من الله ، وإن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة .اهـ
الله تعالى أعدل من ذلك ، لقد ربط الله تعالى الإيمان بالعمل الصالح ، فمن كان كافراً زنديقاً مشركاً لكنه يزعم أنه يوالي إماماً ـ الله أعلم بحاله ـ يكون ناجياً ؟ سيأتي الجواب بشكل مفصل في عقائد الرافضة .(1/113)
* ما جاء عليٌّ آخذ به، وما نهى عنه أنتهي عنه، جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد ، ولمحمد الفضل على جميع خلق الله عز وجل ، المتعقب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله ، والرّادُّ عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله . كان أمير المؤمنين بابَ الله الذي لا يُؤتى إلا منه ، وسبيلَه الذي من سلك غيره يهلك ، وكذلك جرى لأئمة الهدى واحداً بعد واحد .اهـ هكذا صار عليٌّ رضي الله عنه قرينَ الله تعالى في الأخذ والمقام ، من ردّ ما ورد عنه أشرك بالله تعالى ، تعالى الله عن ذلك .
* قال عليٌّ رضي الله عنه : الملائكةُ وجميع الأنبياء سلّموا لي كما سلّموا لمحمد ، وأنا من أُرسل الناسَ إلى الجنة وإلى النار .اهـ
لو كان كذلك لذكره الله تعالى ، ولما قال عليٌّ رضي الله عنه : إنه عبدٌ لله ، ولما قال زين العابدين رحمه الله تعالى : إنه كان عبداً صالحاً ، وقال : يُبعث يوم القيامة وتهمه نفسه . لكن هذا المفتري ما علم ما يخرج من رأسه ؟
تنبيه : من الملفت للنظر أن عامة أقوال الرافضة التي ينسبونها للأئمة رحمهم الله تعالى تقول : ( محمد ) ومن غير صلاة وسلام عليه ، دلالة على كذبها وزيفها ، وأنها ليست من كلام الأئمة ، لأنهم من آدب خلق الله تعالى مع رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .
* وفي قوله تعالى : {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً}قال : نزلت في أمة محمد خاصة ، في كل قرن منهم إمام منا شاهد عليهم ، ومحمد شاهد علينا .اهـ لقد مضى على غيبة الإمام (1170) سنة ، يعني اثني عشر قرناً ولا يوجد إمام فما الحل؟ هذه الآية هي في عموم الأمة ، كما ذكرت في بيانها من قبل .(1/114)
* إن لنا في ليلة الجمعة لشأنا من الشأن ،... ويؤذن لأرواح الأوصياء الموتى وروح الوصي ـ الذي بين أظهركم ـ يعرج بها إلى السماء ، حتى توافي عرشَ ربها ، فتطوف به أسبوعاً ، فتصلي عند كل قائمة من قوائم العرش ركعتين ، ثم تُردُّ إلى الأبدان التي كانت فيها ، فتصبح الأنبياء والأوصياء قد ملئوا سروراً ، ويصبح الوصي الذي بين ظهرانيكم وقد زيد في علمه مثل الجم الغفير.اهـ هذا يعني أن الوصي المتأخر أفضل من علي والحسنين رضي الله عنهم وزيد العابدين رحمه الله تعالى ، لأنهم لا يستطيعون أن يعرجوا بأنفسهم، حتى يعرج بهم الوصي الحي. وهل هذا صحيح أم يحتاج إلى تبرير؟
* إن الله تبارك وتعالى علمني علماً أظهر عليه ملائكته وأنبياءه ورسله ، فما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه فقد علمناه، وعلماً استأثر الله به ، فإذا بدأ الله بشيء منه أعلمنا ذلك، وعرضه على الأئمة الذين كانوا من قبلنا.اهـ
وهذا يعني أنه أحاط بكل العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام ، وقارن بين هذا القول وقول أبي بصير نفسه عن أبي عبد الله الصادق رحمه الله تعالى لتحتار في هذا القول .
* وفي قوله تعالى : {يَمْحُوا الله مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}قال : وهل يمحو إلا ما كان ثابتاً ، وهل يُثبت إلا ما لم يكن .
نقل العلامة النعماني عن القزويني في شرح هذه العبارة : المقصود بنزول كتاب منفصل في كل سنة هو الكتاب الذي تفسر فيه أحكام الحوادث التي يحتاج إليها إمام الزمان حتى العام التالي ، وهذا الكتاب تتنزل به الملائكة والروح على إمام الزمان في ليلة القدر .اهـ من الثورة الإيرانية ( 127 )
وقارن بين هذه العبارة ـ مع شرحها ـ وبين العبارة السابقة ، فمن علّمه الله تعالى علم الأولين والآخرين وما اطلع عليه الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام ليس بحاجة إلى كتاب ، ولكن أبى الله تعالى إلا أن يفضح الكذاب .(1/115)
* وقال الإمام الباقر : إن هذه العصا هي في الأصل عصا آدم عليه السلام ، أخذت تنتقل حتى وصلت إلى موسى عليه السلام ، وهي الآن لدينا ، وسوف تنتقل لتصل إلى آخر الأئمة المهدي ، ليقوم عن طريقها بما قام به موسى عليه السلام في زمانه .اهـ
وقال : خرج عليكم الإمام ، عليه قميص آدم ، وفي يده خاتم سليمان ، وعصا موسى .اهـ
إن رائحة اليهودية ظاهرة من الخبر . لم لم تصل هذه الأدوات ؛ القميص والعصا والخاتم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟وكيف انتقلت إلى محمد الباقر متجاوزة أربعة من الأئمة ؟ ولم يقوم المهدي بما قام به موسى ؟ ولم لم يقم بما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومجزاته أكثر وأبلغ ؟
* فإذا كانوا يعلمون ما علمه الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام ، ويملكون معجزات وأدوات الأنبياء والرسل عليهم السلام ، ويفوقون ما أعطيه الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام ، وفاقت درجاتهم درجات الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام ، وامتازوا بما لم ينله ملك مقرب ولا نبي مرسل ، وأن لهم الدنيا والآخرة ، وأنهم يحيون من شاؤوا ويميتون من شاؤوا ، حتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأنبياء والرسل عليهم السلام سيحييهم المهدي، وأضفوا عليهم صفات الإله ، بل بلغ بهم أن صاروا قسيمي الله تعالى في الجنة والنار ، بل ادعي لهم الألوهية فماذا بقى ياترى ؟ وهل فاقوا اليهود والنصارى فيما نُقل إليهم من عقائدهم ، أم بقي شيء من عقائد اليهود والنصارى والمجوس لم ينقل إليهم ؟
* وأذكر هذه الأقوال نقلاً عن الوشيعة في نقد عقائد الشيعة :(1/116)
* روى الوافي عن الكافي (2: 61) عن الصادق ، أن الوصية نزلت على محمد قبل وفاته ؛ كتاباً ، بخطٍّ إلاهيٍّ مشاهَد ، وعلى الكتاب خواتيم من ذهب ، دفعه النبيُّ إلى عليٍّ . عليٌّ فتح الخاتمَ الأول وعمل بما فيه . والحسنُ فتح الخاتمَ ومضى لما فيه . فلما فتح الحسينُ الثالثَ وجد : ( قاتل ، واقتل ، وتُقتل ، واخرج بأقوام للشهادة ، لا شهادة لهم إلا معك ).اهـ
هذا كذب ، ولا أرى الشيعة قد وضعت هذا الحديث إلا للتخلص من خزي التخذل والمخزي ، في دعواهم الحسين رضي الله عنه ثم التخلي عنه .
ـ ولو كان هذا الكتاب صحيحاً لاستعد له ، وأخذ أهبته ، عملاً بقوله تعالى : {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ }
ـ ولو كان صحيحاً لأخذ حذره منهم، عملاً بقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً}
ـ ولو كان الكتاب صحيحاً لرفع رايته ، وحشر حولها قوته ، عملاً بقوله تعالى : {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ الله هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}
ـ لأن الأمر الإلهي لا يكون إلا بالتأييد، على حد قول الله تعالى : {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى الله أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً}
ـ لو كان الكتاب صحيحاً لكان جواب الحسين رضي الله عنه لأهل الكوفة على خلاف ما أجاب الجيش القادم، عندما أراهم كتبهم .كيف وقد جربهم عليٌّ والحسن رضي الله عنهما من قبل ، وما كان الحسين لينسى ما قاله أبوه وأخوه في شيعة العراق .(1/117)
* ثم إذا كان الرافضة الفرس يزعمون ـ كذباً وبهتاناً ، لمرض في قلوبهم ، وليعمّقوا الحفرة بين الرافضة وأهل السنة ـ أن الذي قتل عثمان رضي الله عنه هم أصحاب علي ، وبأمر علي ورضاه ، وأن الذي باشر قتله هو أخص أصحاب علي وهو ربيبُه ـ فلم يحملون السلم بالعرض إذا أخذ الأمويون بثأر عثمان وقتلوا حسيناً ؟ انظر : الوشيعة ( ل ـ ف ) وانظر : كشف الغطاء لعلامة الشيعة في النجف جعفر بن خضر كاشف الغطاء (11).
قلت : إن الذي اشترك في قتل علي رضي الله عنه هم الرافضة ، والذي قتل الحسين رضي الله عنه هم الرافضة ، فهم دعوه فخدعوه فتخلوا عنه ، وخرجوا بالجيش الذي أراده ، كما سيأتي في الفصل القادم ( آل البيت بين توقير أهل السنة وغدر الرافضة )
* قال كاشف الغطاء في ( أصل الشيعة ) : أما إمام الشيعة علي بن أبي طالب الذي يشهد الثقلان أنه لولا سيفه ومواقفه في بدر وأُحد وحُنين والأحزاب ونظائرها لما اخضر للإسلام عود ، وما قام له عمود ، حتى كان أقل ما قيل في ذلك ما قاله أحد علماء السنة :
ألا إنما الإسلام لولا حسامه كعفطة عنز أو قلابة ظافر.اهـ (ف ـ ص)
إن عليّاً رضي الله عنه جدّي ، وأنا أفخر بنسبتي إليه ، ولكن قلبي ينفر من الغلو والكذب والبهتان وغمط حقوق الآخرين ، ولا أحب أن أرفع واحداً على حساب إخوانه وأقرانه ونظرائه .
لقد وصلت الوقاحة والخسة في كاشف الغطاء وصاحب البيت المزعوم أن يجعل الإسلام كعفطة عنز، أو ضرطة عنز، أو قلامة ظافر، أما لك عقل حين ذكرك يا كاشف الغطاء لهذا البيت ؟.(1/118)
ثم هل لعلي وسائر الصحابة رضي الله عنهم فضل لولا الإسلام ؟ وهل لهم ذكر لولا الإسلام ؟ ثم أين مكانة النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان الكماة من الصحابة رضي الله عنهم علي وغيره يلوذون به صلى الله عليه وآله وسلم إذا اشتد البأس ، ولا أحد أقرب إلى العدو منه ، وأشجعهم من يكون قريباً منه ؟وهل تغني السيوف والكثرة {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً } إنها لا تغني {وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ }ولكن النصر من عند الله تعالى {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الله } ينصر عبده ولو كان واحداً أعزل من السلاح المادي { إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا }
ثم ما موقع قوله صلى الله عليه وآله وسلم > لا إله إلّا الله وحده ، أعز جنده ، ونصر عبده ، وغلب الأحزاب وحده ، فلا شيء بعده <
وقوله : > لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ،... صدق الله وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده < متفق عليهما .
فماذا يقول بعدها كاشف الغطاء الفارسي عن الإسلام بعد هذه المقولة : لولا سيف علي ـ لكان الإسلام لا يساوي ضرطة عنز . هذا هو الرفض يا معشر الرافضة ، وهذا أحد الأئمة الذين أدركناهم في النجف ، وهو أحد دعاة التقارب ، فماذا يقول الرافضة بعد ذلك .
* واقرأ هذه الخرافة ـ بل الخرافات ـ والأكاذيب ، وأرجو الصبر عليها .(1/119)
روى النعماني عن البرسي قال : إن جبريل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستبشراً بعد قتل مرحب ، فسأله النبيّ عن استبشاره ، فقال: يا رسول الله، إن عليّاً لما رفع السيف ليضرب مرحباً، أمر الله سبحانه إسرافيل وميكائيل أن يقبضا عضده في الهواء حتى لا يضرب بكل قوته ، ومع هذا قسمه نصفين ، وكذا ما عليه من الحديد ، وكذا فرسه ، ووصل السيف إلى طبقات الأرض ، فقال لي الله سبحانه : يا جبريل بادر إلى تحت الأرض ، وامنع سيف علي عن الوصول إلى ثور الأرض حتى لا تنقلب الأرض . فمضيت فأمسكته ، فكان على جناحي أثقلَ من مدائن قوم لوط، وهي سبع مدائن ، قلعتها من الأرض السابعة ، ورفعتها فوق ريشة واحدة من جناحي إلى قرب السماء ، وبقيت منتظراً الأمر إلى وقت السحر حتى أمرني الله بقلبها ، فما وجدت لها ثقلاً كثقل سيف علي .
وفي ذلك اليوم أيضاً : لما فتح الحصن ، وأَسَروا نساءَهم ، كانت فيهم : صفيّة بنت ملك الحصن، فأتت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وفي وجهها أثرُ شجة ، فسألها النبيُّ عنها ، فقالت : إن عليّاً لما أتى الحصن وتعسر عليه أخذه ، أتى إلى برج من بروجه ، فهزه ، فاهتز الحصن كله ، وكلُّ من كان فوقَ مرتفع سقط منه ، وأنا كنت جالسةً فوق سريري ، فهويت من عليه ، فأصابني السرير، فقال لها النبيُّ : > يا صفية، إن عليّاً لما غضب وهز الحصن غضب الله لغضب عليٍّ ، فزلزل السموات كلها ، حتى خافت الملائكة ، ووقعوا على وجوههم ، وكفى به شجاعة ربانية <.
وأما باب خيبر؛ فقد كان أربعون رجلاً يتعاونون على سده وقتَ الليل ، ولما دخل عليٌّ الحصنَ : طار ترسُه من يده من كثرة الضرب ، فقلع الباب ، وكان في يده بمنزلة الترس يقاتل به في يده، حتى فتح الله عليه.اهـ من الأنوار النعمانية .(1/120)
أما يوجد في مخترع هذه الأساطير عقل ؟ إسرافيل وميكائل يقبضا يد علي رضي الله عنه حتى لا يضرب بقوته ، ومع قبضهما فقد بلغت ضربته الأرض السابعة ، فما طول السيف حتى يصل إلى الأرض السابعة ؟ ثم ما هذا الكذب ، ثقل السيف أثقل من سبع قرى بما فيها حملها على ريشة من جناحه ؟ ثم ما هذه الأساطير ؟ الثور يحمل الأرض فيخشى الله ـ تعالى الله عما يقول الظالمون ـ أن يصاب بضربة علي رضي الله عنه فتقع الأرض ؟ ما هذا الجنون كم اشترك علي في معارك منذ غزوة بدر حتى معارك صفين والنهروان ،... مروراً بالغزوات ، وكم بارز في زمن النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، فلِم لَم تقع الأرض؟ ولِم لم يخترق سيفُه الأرضين السبع؟ ثم كم هو هذا الباب حتى يحتاج إلى أربعين رجلاً ليدفعوه ، وهو يحمله طيلة المعركة؟ ثم ما هذه الأساطير؟ هزه لجناح من أجنحة الحصن تزلزلت السموات لهزته ؟ فإذا تزلزلت السموات فكيف لا تقع صفية من هزة الحصن ؟ أساطير وخزعبلات تضفى من قبل المجانين .
هل في قدرة الإنسان أن يفعل ذلك مهما كان ؟ حتى إن الملائكة تضعف عن فعله ، ولا تقابله في عمله ؟ أم أن مخترع هذه الأساطير يحلم في المنام ، ويضفي صفات الرب تعالى على مخلوق، أم يضاهئون الكفرة {ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ}
* وقال النعماني : اعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا رضي الله عنهم في أشرفية نبينا على سائر الأنبياء ، للأخبار المتواترة ، وإنما الخلاف بينهم في أفضلية أمير المؤمنين (علي ) والأئمة الطاهرين على الأنبياء، ما عدا جدهم.
فذهب جماعة : إلى أنهم أفضل من باقي الأنبياء ما خلا أولي العزم ، فهم أفضل من الأئمة .
وبعضهم إلى مساواتهم .
وأكثر المتأخرين إلى أفضلية الأئمة على أولي العزم وغيرهم .
وهو الصواب .اهـ من الأنوار النعمانية .(1/121)
وأذكر هنا بعض الأقوال ذكرها العلامة موسى جار الله رحمه الله تعالى في الوشيعة ، نقلاً من الوافي :
* قال الصادق : كنا عند الله ربنا ليس عنده أحد سوانا ، ما من ملك مقرب ، ولا ذي روح غيرنا . ثم بدا له في خلق السموات وخلق الأرض ، فخلق ونحن معه . اهـ من الباب (107)
هذه زندقة ، وأين كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ وهل خلق السموات والأرض بعد خلق الإنسان ؟ ثم هل كانوا قبل خلق آدم ؟ والله تعالى جعل آدم أول البشر {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } فالسموات قبل خلق آدم ، والأرض قبل خلقهن ، ثم هذا قول بالبداء ، وهذا كفر .
ثم إن الله تعالى أخبر أن جميع البشر هم من ذكر وأنثى ؛وهم آدم وحواء {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ}
كما بين الله تعالى مراحل خلق كل البشر ، فقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً }(1/122)
* قال الصادق : إن الله خلق أرواحنا من نور عظمته ، ثم خلق أبداننا من طينةٍ مكنونةٍ تحت العرش ، فنحن خلق نورانيون ، لم يجعل الله لأحد في مثل الذي خلقنا منه نصيباً . وخلق أرواح شيعتنا من طينتنا ، وخلق أبدان الشيعة من طينة مخزونة مكنونة أسفل من تلك الطينة ( ولم يجعل لأحد في مثل الذي خلق الشيعة منه نصيباً إلا الأنبياء) ولذلك صرنا نحن والشيعة : هم الناس، وصار سائر الناس همجاً : للنار وإلى النار .اهـ من الباب (108)
في هذا القول ضلالات كثيرة :
ـ لقد أخبر الله تعالى أن جميع البشر خلقهم من ذكر وأنثى ؛ آدم وحواء .
ـ إن طينتهم لا تصل إليها طينة الأنبياء عليهم السلام، فهم أفضل منهم.
ـ تخصيص أصل أرواحهم من نور عظمة الله تعالى يخالف ما ثبت في كتاب الله تعالى عن الأرواح .
ـ دعواه أن سائر الناس إلى النار . هذا منتهى الغلو والتألي على الله تعالى ، فأين الأنبياء والرسل عليهم السلام ، وأين من قال الله تعالى فيهم : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}
ـ إن جزمه أنهم وشيعته هم الناس هذه تزكية ، والله تعالى يقول : { فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}
* قال الصادق : إن الله خلق أبداننا من عليين ، وخلق أرواحنا من فوق ذلك ، من عالم الجبروت ، وخلق أرواح شيعتنا من عليين ، وخلق أجساد شيعتنا من دون ذلك ، فمن أجل تلك القرابة : قلوب الشيعة تحن إلينا .اهـ
هذا منتهى الغلو، فمن الذي أخبرهم بذلك ؟ وأين الذين أنعم الله تعالى عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين من غير الرافضة ؟ هل هم في النار ، فيخالف أمر الله تعالى ، أم داخلون في الوصف ، ولكن الكذبة من الرافضة كثير منهم لا يحسن الافتراء .(1/123)
* سأل رجل الصادق عن قوله تعالى : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا }فقال : منذ أنزل الله ذلك الروح على محمد ما عاد إلى السماء ، وإنه لفينا ، ولم يكن مع أحد من الأنبياء . الروح خلق أعظم من جبريل ومن ميكائيل . كان مع النبيِّ وبقي مع الأئمة .اهـ ( 2 : 145 )
وانظر الوشيعة ( 91 ـ 103 ) فقد ذكر أكثر من (35 ) قولاً من الغلاة ، كثير منها كفر ، ولا يخلو الباقي من الغلو والإسراف ،
* وروى المجلسي حديثاً كذباً على النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، أذكره لبيان مدى الغلو في عليٍّ رضي الله عنه، ودعواهم أنه أفضل من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وناقل الكفر ليس بكافر . ولفظه :
قال النبيُّ عليه السلام لعليٍّ : يا علي ، أنت تملك ما لا أملك ، ففاطمة زوجك وليس لي زوج مثلها ، ولك منها ابنان ليس لي مثلاهما ، وخديجة أم زوجك وليس لي رحيمة مثلها، وأنا رحيمك فليس لي رحيم مثل رحيمك ، وجعفر أخوك من النسب وليس لي مثل جعفر أخي ، وفاطمة الهاشمية المهاجرة أمك وأنى لي أم مثلها .اهـ من بحار الأنوار ( 5 : 511 )
ما هذا الكذب؟يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : > من كذب علي متعمِّداً فليتبوّأ مقعدَه من النار < وأين منزلة عليّ رضي الله عنه لولا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فمثله كثير ماتوا كفاراً ، فإذا تزوج عليٌّ فاطمة رضي الله عنهما ، فإن عثمان رضي الله عنه تزوّج ثنتين من بنات النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو أفضل من علي رضي الله عنه عند الجمهور ـ وأبو العاص تزوج زينب رضي الله عنهما ، وخديجة رضي الله عنها هي زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،... وهناك نصوص موضوعة كثيرة ذكرها القوم ، وانظر الشيعة والسنة .
هذا سؤال يطرح نفسه : لم هذا الغلو من الرافضة في آل البيت ، مع الهجوم الشنيع على الصحابة الكرام رضي الله عنهم ؟(1/124)
إن من المعلوم أن العالم القديم لم يُعبد فيه الحكام ـ سوى في مكانين ـ وقد كان الفرس ينظرون إلى الأكاسرة أنهم آلهة أو حلت الآلهة وتجسدت فيهم ، أو من نسل الآلهة ، لذا كان دم الأكاسرة ـ في نظرهم ـ ليس من جنس دم بقية الشعب ، كما كانوا يعتقدون في طبقة الكهنوت أنهم ظل الإله على الأرض ، وأنهم ما خُلقوا إلا لخدمة الآلهة ، ولهذا كان الذي يتولى منصب الإشراف على إيقاد النار وتنظيمها هم من خواص القبيلة التي يرجع إليها كسرى . لذا مرن الفرس على هذه العقيدة ، ورسخت في قلوبهم ، وسرت في عروقهم ، كما تمرسوا على تعظيم البيت المالك وتقديسه .
فلما دخلوا في الإسلام نظروا إلى آل البيت نظرتهم التي كانوا يعطونها لبيت الملك . فلما تُوفي النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قالوا إن أحق الناس بالخلافة بعده هم أهل بيته ، كما كان الحال في جاهليتهم ونظرتهم إلى الأكاسرة ، لذا لم يعرف في الفرق التي تدعي الإسلام من عَبدوا أفراداً من الأمة إلا الرافضة ؛ حيث ألَّهوا الأئمة ، وأضفوا عليهم صفات الله تعالى ، وأنهم شركاء الله تعالى في كثير من صفاته .انظر: ضحى الإسلام (3: 209) وصورتان متضادتان (84 ـ85) والثورة الإسلامية في ميزان الإسلام .
فإذا أضيف إلى ذلك : أن دماء الأكاسرة تجري في عروق الأئمة من علي ابن الحسين فما بعد رحمهم الله تعالى ، لأن أمَّ علي زين العابدين رحمه الله تعالى هي (سلافة ، واسمها شهرربانو بنت كسرى ) [ وفيات الأعيان 3 : 267، والبداية والنهاية 9 : 104] عرفنا سرّاً من أسرار تقديس الرافضة للأئمة ، لذا استغل المجوس واليهود ذلك ، وأضفوا عليه صبغة دينية ، مما اضطرهم إلى الطعن في عامة الصحابة رضي الله عنهم في سبيل إبراز مكانة الأئمة رحمهم الله تعالى وتقديسهم .(1/125)
كما أنا نجد المشهد يتكرّر مع آخر الأئمة وهو المهدي المزعوم ، وهو أن أمه (مُليكة ، المعروفة بنرجس ) نصرانية ، هي حفيدة ملك الروم ، في قصة غرامية مثيرة ، ذكرها المجلسي في كتابيه (جلاء العيون) و(حق اليقين ) يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى في آخر الكتاب . لكن انظر الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام .
إذا عرفنا ذلك ؛ اكتشفنا سرّاً آخر في موافقة الرافضة لكثير من عقائد النصارى ، ابتداء من اختفاء المهدي وانتهاء بالرجعة وإحياء النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبيه وزوجتيه رضي الله عنهم ، لتعذيبهم ، وإعدامهم ،... مروراً بتحريف آيات القرآن الكريم ـ الموجود ـ مع ادعاء حذف الكثير من المفقود ، وإظهار كتب اليهود والنصارى للحكم بها ، مع عصا موسى وخاتم سليمان ، مع هدم الكعبة والمسجد النبوي ،... الخ.
فإذا أضيف إلى ذلك وجود الطائفة اليهودية الخبيثة بقيادة عبد الله بن سبأ وعبد الله بن السوداء وأمثالهما ممن استغلوا عامِلَيْن نفسِيَّيْن عند الفرس ، عامل تقديس العائلة الكسروية ، وعامل قضاء الصحابة رضي الله عنهم على الدولة الفارسية ، تصديقاً لوعد الله تعالى ووعد رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، بالإضافة إلى الحقد الدفين الذي أكل قلوبهم ، وأجج نار الحقد والبغضاء على هذه الصفوة الكريمة التي اختارها الله تعالى لنشر دينه ، وإعلاء كلمته، وقضوا على اليهود في الحجاز والنصارى في الشام،... استغل ذلك كله ، فنتج عنه هذه الردة الخطيرة ، وهذا الدين الجديد ، الذي يحمل بصمات اليهود والنصارى والمجوس . إنه دين الرافضة .(1/126)
لهذا حذّر النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في عدد من الأحاديث ـ وفي مواقف متعددة ومختلفة ـ من اتباع فارس والروم . سواء في التعامل أو التعظيم والتوقير > لا تقوموا كما يقوم الأعاجم < ولما قال : > لتتبعن سنن من قبلكم ،...< قالوا : فارس والروم ؟ قال : > ومن الناس إلا ذلك ؟ < والله تعالى أعلم .
فصل
آل البيت بين توقير أهل السنة وغدر الرافضة
إن مظاهر توقير وتعظيم واحترام أهل السنة لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحويها هذا المختصر لكثرتها ، لذا سأقتصر على ذكر بعضها ، مقدِّماً ما فعله الصحابة الكرام رضي الله عنهم ـ خاصة ما فعله الصديق والفاروق رضي الله عنهما . ثم أذكر بعض المواقف من أئمة أهل السنة لآل البيت .
* عن عقبة بن الحارث قال : رأيت أبا بكر ، وحمل الحسن وهو يقول : بأبي ، شبيه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وليس شبيهاً بعلي ، وعليٌّ يضحك . رواه البخاري .
قاتل الله الرافضة ، يحمله على عاتقه ، ويفديه بأبيه ، وأبوه يضحك ، فما الذي حمله على ذلك وهو الخليفة ؟ وكيف تكون حاله ومحبته له ؟
* قال أبو بكر رضي الله عنه : والذي نفسي بيده لقرابةُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحبُّ إليَّ أن أصل من قرابتي . رواه البخاري .
* وعنه رضي الله عنه قال : ارقبوا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في أهل بيته . رواه البخاري .
* وقال عمر بن الخطاب للعباس رضي الله عنهما : والله لإسلامُك يومَ أسلمتَ كان أحبَّ إليَّ من إسلام الخطاب لو أسلم ، لأن إسلامَك كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من إسلام الخطاب . رواه إسحق بن راهويه والطبراني والبيهقي وغيرهم بسند صحيح .
ما الذي حمل عمر رضي الله عنه على الحلف ؟ لولا منزلة العباس رضي الله عنه عنده ، وعلو مكانته لديه ؟. وانظر الحديث التالي .(1/127)
* وعن أنس رضي الله عنه ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، فقال : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ، وإنّا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا . قال : فيسقون . رواه البخاري .
ما الذي حمل عمر على الاستسقاء بالعباس رضي الله عنهما وهو أفضل منه ، كما يوجد في آل البيت من هو أفضل منه ؟ إنه عمُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو صنو أبيه .
* وقال عمر رضي الله عنه : عليٌّ أقضانا ، وأُبَيّ أقرؤنا . رواه ابن سعد وأبو نعيم وابن عبد البر .
* وعن سعيد رحمه الله تعالى قال : كان عمر رضي الله عنه يتعوَّذ مِن معضلة ليس لها أبو حسن . رواه ابن سعد وأبو نعيم ، وانظر تهذيب الكمال ( 20 : 485 )
* وقد اشتهر هذا القول وتكرّر عن عدد منهم ( لا أسكن في أرض ليس فيها أبو الحسن ) أو نحو ذلك .
* وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال : أتيت عمر ـ رضي الله عنه ـ وهو يخطب على المنبر ، فصعدت إليه ، فقلت : انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك . فقال عمر : لم يكن لأبي منبر ، وأخذني فأجلسني معه أقلِّب حصى بين يدي ، فلما نزل انطلق بي إلى منزله ، ثم قال لي : لو جعلتَ تغشانا . قال : فأتيته يوماً وهو خالٍ بمعاوية ، وابنُ عمر بالباب ، فرجع ابنُ عمر ، فرجعتُ معه، فلقيني بعدُ فقال لي : لم أرك؟ قلت : يا أمير المؤمنين إني جئت وأنت خال بمعاوية ، فرجعت مع ابن عمر . فقال : أنت أحقُّ من ابن عمر، فإنما أنبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم أنتم . رواه ابن سعد وابن راهويه والخطيب البغدادي . وقال الحافظ في الإصابة : سنده صحيح .( 2 : 77 )
[زاد ابن عساكر : فقام علي فقال : ما أمره بهذا أحدٌ ، أما لأوجعنّك يا غُدر . فقال عمر : لا توجع ابن أخي ، فقد صدق ، منبر أبيه ]
* لما بدأ عمر رضي الله عنه بالديوان : بدأ بأهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .(1/128)
* وعن جعفر بن محمد عن أبيه [محمد الباقر رحمه الله تعالى] قال : جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عطاءَ الحسن والحسين مثلَ عطاء أبيهما . رواه أبو عُبيد في الأموال ، وابن سعد .
* كما قدّم أسامةَ بنَ زيد رضي الله عنهما على ولده عبد الله رضي الله عنه في العطاء ، لأن أسامة الحِبُّ ابن الحِب .
* وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه [محمد الباقر رحمه الله تعالى] قال : قدم على عمر ـ رضي الله عنه ـ حُللٌ من اليمن، فكسا الناس ، فراحوا في الحُلل ، وهو بين القبر والمنبر جالسٌ والناس يأتونه فيسلمون عليه ، ويدعون له . فخرج الحسن والحسين من بيت أمهما فاطمة يتخطيان الناس ، وليس عليهما من تلك شيء ، وعمر قاطبٌ ، صارٌّ بين عينيه . ثم قال : والله ما هنأ لي ما كسوتكم ! قالوا : يا أمير المؤمنين ، كسوتَ رعيتَك فأحسنتَ . قال : من أجل الغلامين ، يتخطيان الناسَ ، وليس عليهما منها شيء ، كبُرت عنهما، وصغُرا عنها . ثم كتب إلى اليمن، أن ابعث بحلتين لحسن وحسين ، وعجِّل ، فبعث إليه بحلتين فكساهما . رواه ابن سعد .
ما الذي حمله على الانزعاج وعدم الراحة ، ثم الإرسال إلى اليمن لإحضار حلتين لهما ؟ـ وهو أمير المؤمنين ـ لولا محبته لهما ورأفته بهما وتوقيره لجدهما وأمهما وأبيهما ؟ رضي الله عنهم .
* وعن علي بن الحسين ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب إلى عليٍّ رضي الله عنه أمَّ كلثوم ، فقال : أنكحنيها . فقال عليٌّ : إني أرصدها لابن أخي ؛ عبد الله بن جعفر . فقال عمر : أنكحنيها ، ما من الناس أحدٌ يرصد من أمرها ما أرصده . فأنكحه عليٌّ .(1/129)
فأتى عمر المهاجرين فقال : ألا تهنئوني ؟ فقالوا : بمن يا أمير المؤمنين ؟ فقال : بأم كلثوم بنتِ عليٍّ وابنةِ فاطمة بنتِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : > كلُّ نسب وسبب ينقطع يوم القيامة ، إلّا ما كان من سببي ونسبي< فأحببتُ أن يكون بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسب وسبب . رواه ابن سعد والحاكم والبيهقي . وهو مروي من طرق كثيرة .
فانظر إلى الحامل على ذلك ؟ إنما هو محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ليكون بينه وبينه سبب ونسب . لكن قاتل الله من زعم اغتصابه لذلك .
وعن ثعلبة بن أبي مالك ، قال : إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسَم مروطاً بين نساءٍ من نساء المدينة ، فبقي مِرطٌ جيد ، فقال له مَن عنده : يا أمير المؤمنين ، أعط هذا ابنةَ رسول الله ~ التي عندك ـ يريدون أمَّ كلثوم بنتَ عليٍّ ،...الحديث ، رواه البخاري
وقد ولدت له زيداً وفاطمة . كيف يسمي فاطمة لو لم يجلها ويحترمها بل يحبها؟ وقد ماتت هي وولدها زيد رضي الله عنهما في وقت واحد، وصلّى عليها الحسن وعبد الله بن عمر وجمع من الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا أمر مستفيض ، رواه كثير من أهل السنن والتواريخ .
وعن محمد الباقر رحمه الله تعالى قال : ماتت أم كلثوم بنت علي عليه السلام ، وابنُها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة ، لا يُدرى أيهما هلك قبل ، فلم يورث أحدهما من الآخر ، وصُلِّي عليهما جميعاً .اهـ وسائل الشيعة للطوسي (608) ومنتهى الآمال للقمي ( 186 )
* وعن عمر رضي الله عنه ، أنه دخل على فاطمة رضي الله عنها فقال : يا فاطمة ، والله ما رأيتُ أحداً أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منك ، والله ما كان أحدٌ من الناس بعد أبيك صلى الله عليه وآله وسلم أحبَّ إليَّ منك . رواه الحاكم وغيره(1/130)
* وقال رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : > كلُّ بني أنثى فإن عصبَتَهم لأبيهم ، ما خلا ولدَ فاطمة ، فإني أنا عصبتُهم ، وأنا أبوهم < رواه الطبراني .كما ورد من حديث غيره .
* وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : > فاطمة سيدةُ نساء أهل الجنة < وفي لفظ > سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة < متفق عليه .
من الذي حملها على إظهار هذه المنقبة للسيدة فاطمة رضي الله عنها ، وفيها دلالة على تفضيلها عليها ؟ لولا المحبة والتقدير ؟
* وعنها رضي الله عنها ، أنها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قالت : ما رأيت أحداً كان أصدق لهجةً منها، إلّا أن يكون الذي ولَدَها . رواه الحاكم وغيره .
* وعنها رضي الله عنها قالت : خرج النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وعليه مرط مرحَّلٌ ؛ من شعر أسود ، فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليٌّ فأدخله ، ثم قال : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} رواه مسلم .
* وعنها رضي الله عنها ـ وقد سُئلت : أي الناس كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قالت : فاطمة . فقيل : من الرجال ؟ قالت : زوجها ، إن كان ما علمتُ صوّاماً قوّاماً . رواه الترمذي والحاكم وغيرهما . وقد خالفه ما هو أصح من حديثها . ثم من الذي حملها على إظهار مثل هذه المناقب لعليٍّ وفاطمة وولديهما رضي الله عنهم ؟ لولا خشية كتم العلم ، ثم وجود المحبة والتعظيم والتوقير لهم ، ثم عدم غمط صاحب الفضل(1/131)
* وعن عبد الرحمن بن أبي نُعم رحمه الله تعالى قال : كنتُ شاهداً لابن عُمَر ـ وسأله رجل عن دم البعوض ـ فقال : ممن أنتَ ؟ قال : من أهل العراق . قال : انظروا إلى هذا ، يسألني عن دم البعوض ، وقد قتلوا ابنَ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم . وسمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول : > هما ريحانتاي من الدنيا <.رواه البخاري .
فهم الذين قتلوه ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى من أقوالهم .
* وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر، والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يُقبل على الناس مرةً، وعليه أخرى، ويقول : > إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين < رواه البخاري .
قال سفيان : ويعجبنا قوله > من المسلمين <
ولكن قاتل الله الرافضة، حيث يقولون للحسن رضي الله عنه : يا مسوِّد وجوه المؤمنين . لأنهم لا يعجبهم أن تتحقق هذه المعجزة النبوية .
* كان أبو هريرة يقول للحسن رضي الله عنهما لما سلَّم عليهم : وعليك السلام يا سيدي . رواه الحاكم والطبراني .
هذا موقفه رضي الله عنه ، وانظر قول الخميني في طعنه بأبي هريرة برّأه الله تعالى من طعنه .
* وعنه رضي الله عنه ، أنه لقي الحسن بن عليٍّ فقال : رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قبّل بطنك، فاكشف الموضع الذي قبَّل رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أُقبِّلَه . وكشف له الحسن فقبَّله . رواه أحمد الحاكم وابن حبان وغيرهم .(1/132)
* لما حج هشام بن عبد الملك ـ وكان وليّاً للعهد ـ لم يستطع أن يستلم الحجر ، ولم يقدر عليه من الزحام ، فجاء علي بن الحسين رحمه الله تعالى ، وعليه إزار ورداء ، وهو من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم ريحاً ، بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز ، فلما بلغ إلى موضع الحَجَر تنحى الناس عنه حتى يستلمه ، هيبةً له وإجلالاً، فقال رجل من أهل الشام لهشام : من هذا الذي هابه الناس، فأفرجو له عن الحَجَر؟ فقال هشام : لا أعرفه . وكان الفرزدق حاضراً ، فقال : أنا أعرفه . فقال الشاميُّ : من هو يا أبا فراس ؟ فقال:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأتَه والبيتُ يعرفه والحل والحرم
هذا ابنُ خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلَم
إذا رأته قريش قال قائلها إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
الخ القصيدة ، وهي موجودة في ديوانه ، ورواها كثيرون .
فما الذي حمل الفرزدق رحمه الله تعالى أن يقول هذه القصيدة ، والتي حُبس على إثرها ، ثم أُفرج عنه ، وقد دفع له زين العابدين رحمه الله تعالى اثني عشر ألف درهم، فأبى أن يأخذها، حتى حلف عليه بأخذها، فأخذها
* عن سعيد بن أبان القرشي قال : دخل عبد الله بن الحسن بن حسن على عمر بن عبد العزيز وهو حديث السن ، له وفرة ، فرفع مجلسه ، وأقبل عليه ، وقضى حوائجه، ثم أخذ عكنة من عكنه فغمزها حتى أوجعه وقال: اذكرها عندك للشافعة . فلما خرج لامه قومُه ، وقالوا : فعلت هذا بغلام حَدَث ؟ فقال : إن الثقة حدثني حتى كأني أسمعه مِن فِي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : > إنما فاطمة بضعة مني يسرني ما يسرها < وأنا أعلم أن فاطمة لو كانت حيةً لسرَّها ما فعلتُ بابنها . قالوا : فما معنى غمزك بطنَه؟ وقولك ما قلت؟ قال : إنه ليس أحدٌ من بني هاشم إلا وله شفاعة ، فرجوت أن أكون في شفاعة هذا .(1/133)
* وروي عنه رحمه الله تعالى قال : أتيت بابَ عمر بن عبد العزيز في حاجة ، فقال لي : إذا كانت لك حاجة فأرسل إليَّ أو اكتب ، فإني استحي من الله أن أراك على بابي .
انظر توقيره رحمه الله تعالى لهذا الشاب ، ومداعبته ومزاحه معه ، وما الذي حمله على ذلك معه ؟ إنما هو محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتوقيره في ذريته .
* قال الأصمعي : لم يكن للحسين بن علي عقبٌ إلا من ابنه علي بن الحسين ، ولم يكن لعلي ولد إلا من أم عبد الله بنت الحسن ، وهي ابنة عمه . فقال له مروان بن الحكم : أرى نسل أبيك قد انقطع ، فلو اتخذت السراري لعل الله أن يرزقك منهن . فقال : ما عندي ما أشتري به السراري . قال : فأنا أقرضك . فأقرضه مائةَ ألف درهم، فاتخذ السراري، ووُلد له جماعة من الوَلَد . ثم أوصى مروانُ لما حضرته الوفاة أن لا يُؤخذ منهم ذلك المال .اهـ من تاريخ دمشق. والقصة الأخيرة موجودة في تهذيب الكمال وغيره أيضاً.
* وروي أن الإمام مالكاً رحمه الله تعالى لما ضربه جعفر بن سليمان ونال منه ما نال، وحُمل مغشيّاً عليه، ودخل عليه الناس، فأفاق . فقال : أشهدكم أني جعلت ضاربي في حل . فسُئل بعد ذلك فقال : خفت أن أموت فألقى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأستحي منه أن يدخل بعضُ آله النار بسببي.
* ولما طلب أبو جعفر المنصور منه أن يقيده من جعفر قال له : أعوذ بالله، والله ما ارتفع منها سوط عن جسمي إلا وقد جعلته في حل ، لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فالحامل له على استحلاله من ضربه وعلى عدم القود منه : هو توقير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومحبته وإكرامه في آل بيته ، مع أنه ظلمه .(1/134)
* ومن الغريب أن الرافضة ذكروا الأئمة الثلاثة أبا حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى في كتبهم ، لأن أبا حنيفة أخذ عن جعفر الصادق ، والشافعي أخذ عن محمد بن الحسن ، تلميذ أبي حنيفة ، وأحمد ابن حنبل تلميذ الشافعي رحمهم الله تعالى جميعاً ، ومعلوم أن التتلمذ ماذا يعني من تكريم وتوقير التلميذ لشيخه . كما لا يخفى مجالسة الإمام مالك لجعفر الصادق ، وثناء جعفر على مالك رحمهما الله تعالى .
* وعن الربيع بن سليمان رحمه الله تعالى قال : خرجنا مع الشافعي من مكة نريد منى ، فلم ينزل وادياً ولم يصعد شِعباً إلا وهو يقول :
يا راكبا قف بالمحصب من منى واهتف بقاعد خيفها والناهض
سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى فيضاً كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي
* وقال رحمه الله تعالى :
يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم القدر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له
* لذا لا يوجد خطيب في صلاة جمعة أو عيد أو استسقاء أو في خطبة نكاح ،... أو غيرها إلا ويصلي على الآل . ولا تصح صلاة مسلم سواء كانت من الصلوات الخمس أو نافلة أو واجبة إلا ويصلي فيها على النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله . بل حتى في نجد ، والتي تعرف أن أهلها وهابيون ، ويتهمهم الرافضة بعدم محبتهم لآل البيت ، لا يوجد فيهم من يصلي إلا ويصلي على الآل في صلاته ، ولا يوجد خطيب أو واعظ أو... إلا ويصلي على الآل . واسمعهم في الإذاعة والتلفزيون .
* إن كثيراً من أهل السنة ألفوا كتباً متعددة في فضائل آل البيت ، فماذا ينم ذلك ؟(1/135)
* بل إن أهل السنة يعتبرون احترام وتوقيرَ آل البيت من أصول الدين ، لقوله تعالى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}
وقوله تعالى : { قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى }
* انظر إلى وصف أهل السنة لأئمة آل البيت . فهم يقولون عن علي بن أبي طالب : كرم الله وجهه . وعن السيدة فاطمة : الزهراء رضي الله عنها ، وعن علي بن الحسين : زين العابدين رحمه الله تعالى ، وعن ابنه محمد : محمد الباقر رحمه الله تعالى ، وعن ابنه جعفر: جعفر الصادق رحمه الله تعالى، وعن محمد : صاحب النفس الزكية ، وعن زيد بن علي : زيد الأمير الشهيد رحمه الله تعالى ...الخ
* ثم انظر إلى ملايين المسلمين ممن يسمُّون بأسماء أئمة آل البيت ، ابتداء من أسماء النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، ومروراً بأسماء آله كحمزة والعباس وعلي والحسن والحسين وجعفر ،... وخديجة وفاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم ،... رضي الله عنهم ، إذ قل بيت من بيوت أهل السنة يخلو من أسماء أئمة آل البيت . فماذا يقال ؟؟؟
* ثم انظر إلى عشرات الأحاديث في فضائل آل البيت ورواها أئمة أهل السنة في الصحيحين فقط ، أما في غير الصحيحين فقد زادت على المئات . فهل من يفعل ذلك يكون متوانياً ؟ حاشا وكلا .(1/136)
* ثم انظر إلى عشرات العلماء من أهل السنة وقد تتلمذوا على أئمة أهل البيت ، فلو نظرت إلى تهذيب الكمال ـ ومختصراته ـ وسير أعلام النبلاء وغيرها لرأيت العجب من كثرة من تتلمذ عليهم رحمهم الله تعالى ، ولا يدل ذلك إلّا على توقير واحترام واعتقاد حسن من أهل السنة فيهم ، لكن قاتل الله من يزعم أن أهل السنة يسبون ويكرهون آل البيت رحمهم الله تعالى ، كما سيأتي .
* ثم انظر إلى رواية أئمة الحديث من أهل السنة لروايات أئمة آل البيت كعلي والحسنين ومحمد ابن الحنفية وولديه وعلي زين العابدين ومحمد الباقر وزيد بن علي وجعفر الصادق رضي الله عنهم،...وإن كان الرافضة يشوشون على المسلمين بعدم رواية أصحاب الصحاح لأئمة آل البيت، ولكن الواقع يكذبهم ، وانظر أسماءهم وعدد مروياتهم ومن روى لهم ـ في الكتب الستة مثلاً ـ تهذيب الكمال ، ومختصراته ، وتحفة الأشراف .
* أما لو نظرت إلى أقوال أئمة أهل السنة والجماعة في الثناء على أئمة آل البيت ـ من الصحابة فمن بعد ـ فلا يسعه هذا المختصر، ثم لو حضرتَ أي مجلس في المناسبات عند أهل السنة ـ سواء في العراق أو غيره من بلاد السنة ـ واصغ إليهم وهم يتناشدون الشعر ؛ في مدح النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم والسيدة خديجة والسيدة فاطمة والسبطين وأبيهما وآل البيت رضي الله عنهم عموماً ،... لعرفت مدى محبة أهل السنة لآل البيت .
* إن أهل السنة لم يفرِّقوا بين عليٍّ رضي الله عنه وبين غيره من الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، فلو نظرت إلى عدد الأحاديث التي رواها أئمة الحديث من أهل السنة عن عليٍّ رضي الله عنه ـ وقارن بينها ، وبين ما رواه إخوانه العشرة المبشرون رضي الله عنهم ـ فإنه يصيبك العجب، إذ لا يوجد من هو أكثر منه ، فهو أكثر منهم جميعاً .(1/137)
وهذان كتابان يمثل الأول منهما الكتب الستة الأصول ـ تحفة الأشراف للحافظ المزي ـ ويمثل الثاني الكتب المسانيد العشرة ، وهو إتحاف المهرة للحافظ ابن حجر .
اسم الصحابي تحفة الأشراف إتحاف المهرة
ـ أبو بكر الصديق رضي الله عنه 65 139
ـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه. 312 787
ـ عثمان بن عفان رضي الله عنه 72 155
ـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه 332 877
ـ طلحة بن عُبيد الله رضي الله عنه 29 41
ـ الزبير بن العوّام رضي الله عنه 31 50
ـ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه 121 130
ـ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه 27 41
ـ أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه 4 22
ـ سعيد بن زيد رضي الله عنه . 17 14
فلا يوجد أحدٌ أكثر منه رضي الله عنه، إذ مجموع ماله في الكتابين بالمكرر (1209) بينما بلغ ما عند عمر رضي الله عنه فيهما بالمكرر (1099) فلو لم يكن علي رضي الله عنه موضع ثقة واحترام وقبول يروون له هذا العدد ؟
* وانظر إلى مئات ـ بل ألوف ـ القصائد ودواوين الشعر ـ في مدح النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته ، خاصة السيدتين المبجلتين خديجة وابنتها فاطمة ، والسبطين رضي الله عنهم جميعاً . فعن أي شيء ينم ذلك ؟ بل إن بعض الشعراء مدح بعضاً من آل البيت ، مُؤْثراً ذلك على غضب الحاكم وسجنه له ، كما حصل للفرزدق وغيره . لولا المحبة ما أقدموا على ذلك. فكيف يزعم الرافضة كذباً وزوراً أن أهل السنة يكرهون آل البيت ! لكن ليس لي إلّا أن أقول : عاملهم الله بعدله .(1/138)
* وأخيراً : استدلال الفقهاء من أهل السنة عموماً ، بالأحاديث التي رواها أئمة أهل البيت ، كعلي وفاطمة والعباس ، وابنه عبد الله ، والحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، ومن بعدهم كعلي زين العابدين ، وابنه محمد الباقر وحفيده جعفر الصادق، رضي الله عنهم . ولولا خشية الطول لسردت عشرات الأحاديث التي اعتمدها فقهاء السنة ، وهي من روايات أئمة أهل البيت رحمهم الله تعالى ورضي عنهم، ابتداء من تحريم نكاح المتعة ، والدعاء لدخول المسجد ، وفي القنوت ،... الخ .
بل إن أهل السنة يأخذون بأحاديث أئمة آل البيت كعلي رضي الله عنه ، وغيره ، ولا يقبلها الرافضة ، مثل حديث علي رضي الله عنه ، ويرويه عنه ولده محمد ، ويرويه عنه ولداه عبد الله والحسن ، في تحريم نكاح المتعة ، ويرفض الرافضة الأخذَ به ، لأنه لا يوافق هواهم .
أما طعن الشيعة الرافضة بأئمة أهل البيت :
لقد أساء الشيعة الرافضة ـ تبعاً لإمامهم الأول عبد الله بن سبأ اليهودي وأعوانه ـ لأئمة أهل البيت ، بدءا من الطعن والاستهزاء بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعلي رضي الله عنه حتى يومنا هذا ، لذا نجد أئمة أهل البيت يتبرؤون من الشيعة ، وأهل الكوفة ـ معقل التشيع ـ ويلعنونهم ، كيف وهم الذين قتلوهم ، أو حاولوا اغتيالهم ، أو سموهم ، أو اشتركوا في القضاء عليهم، ثم شوّهوا صورهم في أعين المسلمين، بما نشروه من قصص مختلقة ، وأحاديث عنهم مكذوبة ، وأمور كثيرة لا علم لهم بها ، إضافة إلى أنه لم يسلم منهم أحد من كلمة نابية ، أو عبارة قبيحة ، أو وصمهم بعمل شنيع ،... بل قُتل منهم العدد الكثير في ضواحي بلاد فارس ، وبأيدي الفرس ، ومن نظر في مقاتل الطالبيين رأى العجب ، كم من إمام وصالح وعالم ... من آل البيت قُتل في بلاد الفرس ، وبأيدي الفرس ،...
فاسمع هذه الأقوال ـ وأرجو ألّا تغيب عن وعيك ، وعليك أن تقرأ بين السطور ـ لتعرف ما وراءها :(1/139)
* قال علي الغروي ـ وهو أحد أكبر العلماء في الحوزة في النجف وهو من الفرس قاتله الله تعالى ـ : إن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لابد أن يدخل النار ، لأنه وطئ بعضَ المشركات . يريد بذلك زواجه من عائشة وحفصة رضي الله عنهما .اهـ من كشف الأسرار ( 21 )
هل هذا مسلم؟ إنه مجوسي حاقد، أو يهودي غائظ، أو نصراني متصهين
* عن علي رضي الله عنه ، أن عُفيراً ـ حمار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال له : بأبي أنت وأمي ـ يا رسول الله ـ إن أبي حدثني عن أبيه عن جده ، عن أبيه ، أنه كان مع نوح في السفينة ، فقام إليه نوح ، فمسح على كفله ، ثم قال : يخرج من صلب هذا الحمار حمارٌ يركبه سيدُ النبيين وخاتمُهم ، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار .اهـ من أصول الكافي ( 1 : 237 )
أما يستحي واضع هذه القصة المختلقة ، أما عَقَل ما يقول ؟ حمار يفدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأبيه وأمه ؟ أم أن مخترع هذه القصة له أذنان طويلتان ، فلم يعبأ بما يصدر عنه ـ هلّا فداه هو بنفسه لا بأبيه وأمه ـ ثم إن بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين نوح عليه السلام ألوف السنين ، فأنى لجد جد الحمار أن يدرك ذلك الزمن .
* وروى الكاشاني في تفسيره، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : من تمتع مرة كانت كدرجة الحسين عليه السلام ، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن عليه السلام ، ومن تمتع ثلاث مرات كانت درجته كدرجة علي بن أبي طالب عليه السلام، ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي .اهـ
إلى هذا الحد بلغ الاستهزاء ! من زنى بامرأة أربع مرات ـ باسم المتعة ـ كانت درجته بدرجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن تمتع ثلاث مرات كان بدرجة علي رضي الله عنه ؟! وكذلك بالنسبة للسبطين .(1/140)
* وروى الكليني ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لما مات عبد الله ابنُ أُبي ابنِ سلول ، حضر النبيُّ ^ جنازته ، فقال عمر لرسول الله صلى الله عليه وآله : ألم ينهك الله أن تقوم على قبره ؟ فسكت ، فقال : يا رسول الله ، أم ينهك الله أن تقوم على قبره ؟ فقال له : > ويلك ما يدريك ما قلت ؟ إني قلت : اللهم احش جوفه ناراً ، واملأ قبرَه ناراً ، واصلِه ناراً < اهـ من فروع الكافي : كتاب الجنائز .
ما هذا الافتراء؟ما هذا الكذب؟ ما هذا الزور؟ يتهم النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بالنفاق ـ فهذا كفر ـ والعياذ بالله تعالى . أم يريد ما هو أبعد من ذلك ، إنه الاستهزاء والسخرية ،...
* روى المجلسي ، عن عليٍّ رضي الله عنه قال : سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ليس له خادم غيري ، وكان معه لحاف ، ليس له غيره ، ومعه عائشة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينام بيني وبين عائشة ، ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره ، فإذا قام إلى الصلاة ـ صلاة الليل ـ يحط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا .اهـ من بحار الأنوار ( 40 : 2 )
أين الغيرة التي عُرف بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ والتي عُرف بها علي رضي الله عنه ، شابّان ينامان في لحاف واحد . ولكن قاتل الله الحقد ، ولعل مخترع القصة ممن يأكلون لحم الخنزير ، فلا غيرة عندهم .
* وروى الطبرسي ، عن محمد الباقر قال : لما كان يوم الجمل ـ وقد رُشق هودج عائشة بالنبل ـ قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : والله ما أراني إلا مطلقها، فأنشد الله رجلاً سمع من رسول الله يقول: ياعلي أَمرُ نسائي بيدك من بعدي . ولما قام فشهّد ، فقام ثلاثة عشر رجلاً ـ فيهم بدريان ـ فشهدوا أنهم سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك . قال : فبكت عائشة عند ذلك حتى سمعوا بكاءها اهـ من الاحتجاج (1: 240 )(1/141)
ما هذا الكذب والزور، بل ما هذا الخبث والمكر، لقد طعنوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما طعنوا في علي والصحابة معه رضي الله عنهم ثم من هذا الرجل الذي يجعل أمر طلاق نسائه بيد غيره بعد وفاته ؟ ألم يعلموا أن بالوفاة ينفسخ النكاح . ثم كيف يقبلون شهادة ( 13 ) صحابيّاً وهم عندهم كفار ! ثم كيف يتجرؤون على إهانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلك بإهانة زوجاته رضي الله عنهن ، خاصة الصّدّيقة رضي الله عنها ، وهل يرضى زوج ـ مهما كان ـ أن يتعرض أحدٌ لزوجته أو يطعن فيها ! إن الرجل الشهم الغيور على استعداد أن يتحمل ذل نفسه ولكنه لا يتحمل الإهانة والطعن في زوجته أو في أهله .
ـ ثم أما قرؤوا قوله تعالى ـ وهو يخاطب نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ـ : {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً}
ـ ثم أما سمعوا قول عمار رضي الله عنه وأرضاه وهو يخاطب أصحابه : إنكم تعلمون أنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة .
ولكن الحقد أكل قلوبهم ، وأعمى أبصارهم،... ولعل مخترع القصة من عبدة النار ، أو أهل الصليب .
* عن أبي عبد الله رحمه الله تعالى قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينام حتى يضع وجهه بين ثديي فاطمة رضي الله عنها .اهـ من بحار الأنوار (43: 78 )
* وروى الكليني عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن فاطمة عليها السلام قالت لرسول الله : زوجتني بالمُهْر الخسيس ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : ما أنا زوجتك ، ولكن الله زوجك من السماء .اهـ من فروع الكافي ( 2 : 157 )(1/142)
* ذكر الطبرسي ، عن سلمان رضي الله عنه قال : لما كان الليل ، حمل عليٌّ فاطمة على حمار ، وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين ، فلم يَدَع أحداً من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار ؛ إلا أتى منزله ، وذكر حقّه ، ودعا إلى نصرته ،... فأصبح لم يوافه منهم أحد غير أربعة .
قيل لسلمان : من الأربعة؟ قال : أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام،... ثم أتاهم في الليلة الثانية ،... ثم الثالثة فما وفى أحدٌ غيرنا.اهـ من الاحتجاج (157ـ 158)
هكذا بلغت الإهانة أن يحمل عليٌّ فاطمةَ على حمار ويطوف على بيوت الصحابة رضي الله عنهم فلم يستجب له سوى أربعة ؟ ومع هذا لم يستثنوا الزبير رضي الله عنه من الردة ، ثم أين بنو هاشم ؟ وأين الذين شهدوا معه منهم في صفين ؟ وفي الجمل ؟ ثم أين حياء السيدة فاطمة رضي الله عنها ، التي عُرفت به ؟ أما يعلم قولها رضي الله عنها ـ وهي تحكي عن المرأة ـ : ألّا ترى الرجال ، ولا يراها الرجال . وهي هنا يطوف بها علي على حمار ، وعلى نحو (300) بيت في المدينة ، ثم أين غيرة علي رضي الله عنه التي عُرف بها ، خاصة على السيدة فاطمة رضي الله عنها وهو القائل ـ لما رأى عودَ الأراك التي تستاك فيه ـ :
حظيتَ يا عود الأراك بثغرها ما خفتَ يا عود الأراك أراكا
لو كنتَ من أهل القتال قتلتكا لم ينج مني يا سواك سواكا
ولكن قاتل الله الأفاكين ، والكذب حبله قصير ، ومن طمس الله تعالى بصيرته فإنه لا يبصر في عينيه الحق .
وانظر بطلان عقائد الشيعة، ولله ثم للتاريخ، فقد ذكرا مجموعة نصوص في الطعن في أئمتهم يندى لها الجبين .
* وروى عن الإمام الصادق رحمه الله تعالى قال : أُتي عمر بامرأة قد تعلّقت برجل من الأنصار كانت تهواه ، فأخذت بيضةً وصبّت البياضَ على ثيابها وبين فخذيها ، فقام علي فنظر بين فخذيها ، فاتَّهَمَها.اهـ من بحار الأنوار (4 : 303 )(1/143)
* وروى عنه رحمه الله تعالى قال : قامت امرأة شنيعة إلى أمير المؤمنين وهو على المنبر ، فقالت : هذا قاتل الأحبة .
فنظر إليها ، وقال لها : يا سلفع ، يا جريئة ، يا بذية ، يا مذكرة ، يا التي لا تحيض كما تحيض النساء، يا التي على هنها شيء بيِّنٌ مُدلّي.اهـ من بحار الأنوار ( 41 : 293 )
هذا هو الولاء وهذه المحبة لعليٍّ وأهل بيته رضي الله تعالى عنهم؟ يُتهم بالبذاءة ، وقلة الحياء ، والنظر إلى عورات النساء ، أم هو الحقد والعدوان ؛ الذي طمس القلوب ؟!
وانظر ( لله ثم للتاريخ ) ففيه نقول عدة تفيض بالحقد والبغضاء على الأئمة .
* نقل الكليني عن الإمام الصادق رحمه الله تعالى ـ في زواج علي ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب رضي الله عنهم ـ قال في ذلك الزواج : إن ذلك فرجٌ غُصبناه . اهـ من فروع الكافي ( 2 : 141 )
هذا كذب على الإمام الصادق رحمه الله تعالى، ثم إن هذا القول يتعارض مع قوله رحمه الله تعالى بوجوب تولي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ـ كما سيأتي في الفصل القادم ـ ثم من الذي غصبها ؟ وقد ثبت زواجه بصورة شرعية في مصادر السنة ، بل ذُكر ذلك في مصادر الشيعة ، وقد ذكرت قبل قليل قولَ محمد الباقرـ عند الطبرسي في وسائل الشيعة ـ وعند عباس القمي ـ في منتهى الآمال ـ كما ذكرت ذلك في أول هذا الفصل ، مع بيان السبب وهو التقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا غير ، ثم هل الإمام علي رضي الله عنه بالضعف الشديد الذي لا يستطيع أن يقاوم ؟ أم هو الحقد بقصد الإثارة ؟
ولكن رحم الله محمداً الباقر وابنه جعفراً الصادق ، فلم يَكذب الشيعةُ على أحد ما كذبوا عليهما .(1/144)
* دخل سفيان بن أبي ليلى على الحسن عليه السلام ـ وهو في داره ـ فقال للإمام الحسن : السلام عليك يا مذِلَّ المؤمنين ! قال : وما علمك بذلك ؟ قال : عمدتَ إلى أمر الأمة فخلعته من عنقك ، وقلَّدته هذا الطاغية ، يحكم بغير ما أنزل الله . اهـ من رجال الكشي ( 103 ) وقد ورد ذلك في عدد من الكتب ، وعن غير واحد منهم .
* روى المفيد عن أهل الكوفة أنهم شدّوا على فسطاط الحسن رضي الله عنه ، وانتهبوه ، حتى أخذوا مصلّاه من تحته، فبقي جالساً ، متقلِّداً السيف ، بغير رداء . اهـ من الإرشاد ( 190 )
لما توجه الحسن بن علي لقتال معاوية رضي الله عنهم ، وبإمرته ثمانون ألف مقاتل منهم، يتقدمهم قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما ، وتحت إمرته عشرة آلاف ممن بايعوا على الموت ، فلما وصلوا إلى عين التمر ، غدر الشيعة بالحسن رضي الله عنه ، وحاولوا اغتياله ، وضربوه بمنجل مسموم في إليته ، وبقي يعالج فيها شهراً كاملاً من تلك الضربة ، ثم هجموا على فسطاطه فانتهبوه ، حتى نهبوا البساط الذي تحته .
فلما رأى غدرهم وخيانتهم، ولكي تتم المعجزة النبوية ـ وهي قوله صلى الله عليه وآله وسلم : > إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين < رواه البخاري ـ : تنازل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنهما ، واجتمع أمر الأمة، ومدحه كل عاقل فيها، ولم يرق ذلك للخونة الغدّارين ، لذا قالوا له تلك المقولة .
لذا حذّر الحسن أخاه الحسين رضي الله عنهما من غدر الرافضة ، بأنهم سيستدرجونه ، ثم يغدرون به ، وذكَّره ما فعلوا بأبيهما رضي الله عنهم . وكان كذلك ، حيث أرسلوا له كيسين من الرسائل يدعونه إلى العراق ، وفيها العهود والمواثيق والبيعات ، فلما أتاهم غدروا به ، وانفضوا عنه ، وخرجوا مع جيش ابن زياد لقتاله ، وكان قتله رضي الله عنه على أيديهم ، كما مر في قول السيدة زينب رضي الله عنها .(1/145)
* وأما الطعن بالعباس وولديه عبد الله وعبيد الله وعقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم ، فأرجو من القارئ أن يتمالك نفسه عند قراءة الافتراءات والأكاذيب على عليٍّ رضي الله عنه
* روى الكشي ، أن قوله تعالى : {لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} نزلت فيه ـ أي في العباس رضي الله عنه . من رجال الكشي ( 54 )
* وقوله تعالى : {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} نزلت فيه أيضاً . اهـ من رجال الكشي (52)
وذكر المجلسي ـ بالفارسية ـ عن زين العابدين رحمه الله تعالى ـ: نزلت في حق عبد الله بن عباس وأبيه .اهـ انظر بطلان عقائد الشيعة ( 64 )
مع أن الثابت في هذه الآية أنها نزلت في الكفار . لكن أصابهم العمى .
* وقوله تعالى : {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ} نزلت فيه أيضاً ، رجال الكشي ( 53 )
* روى المجلسي ـ في حياة القلوب ـ ما ترجمته : عن محمد الباقر قال : لم يثبت من أحاديثنا أن عباساً لم يكن من المؤمنين الكاملين ، وأن عقيلاً كان مثله في عدم كمال الإيمان .اهـ من بطلان عقائد الشيعة ( 63 )
* وروى الكليني في الفروع ، أن سديراً سأل الإمام الباقر : أين كانت غيرة بني هاشم وشوكتهم وكثرتهم بعد وفاة رسول الله ^ حين غُلب عليٌّ من أبي بكر وعمر وسائر المنافقين [ حاشاهم ] فأجاب الإمام محمد الباقر : من كان باقياً من بني هاشم ؟ جعفر وحمزة اللذان كانا من السابقين الأولين والمؤمنين الكاملين قد ماتا ، والاثنان اللذان كانا ضعيفي اليقين ، وذليلي النفس ، وحديثي عهد بالإسلام قد بقيا ؛ العباس وعقيل .اهـ من حياة القلوب (2: 846 ) بالفارسية ، ونقلته من بطلان عقائد الشيعة، وهو موجود في فروع الكافي : كتاب الروضة ، و كشف الأستار (29 )(1/146)
هكذا منزلة عم أمير المؤمنين العباس ، وأخيه عقيل رضي الله عنهم عند الرافضة ! فما الحيلة ؟ لكن ماذا يقال للحاقدين المارقين المبغضين .
أرجو أن تقارن بين مكانة العباس رضي الله عنه عند النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وعند أهل السنة ، وبين مكانته المشؤومة عند الرافضة .
* واسمع هذا الخبر ، لتعرف منزلة العباس عند عليٍّ رضي الله عنهما .
عن صُهيب مولى العباس رضي الله عنه قال: رأيت عليّاً يُقبِّل يدَ العباس ورجلَه، ويقول : يا عَم، ارض عني. رواه البخاري في الأدب المفرد، وحسنه الذهبي في السير
* روى الكشي أن أمير المؤمنين عليه السلام دعا على عبد الله بن العباس، وأخيه عُبيد الله فقال: اللهم العن ابنَي فلان ـ يعني: عبدَ الله وعُبيدَ الله ـ واعم أبصارَهما كما عَمِيت قلوبهما ، الأجلين في رقبتي ، واجعل عَمى أبصارهما دليلاً على عمى قلوبهما .اهـ من رجال الكشي ( 52 )
قارن بين منزلة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عند النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وعند أهل السنة ، فهو ترجمان القرآن ، وحبر الأمة ، وبين مكانته عند الرافضة ، حيث يكذِبون على سيدنا علي رضي الله عنه . ثم إن ابن عباس رضي الله عنهما بقي بجانب ابن عمه علي رضي الله عنه إلى آخر الأمر ، وكم كفاه من الشرور ، وهو الذي ناظر الخوارج فرجع منهم العدد الكبير ، ولكن لا يستغرب عليهم طالما أجازوا الكذب على الله تعالى وعلى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .
* عن زرارة بن أعين ـ وهو ابن الراهب سنسن ـ قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التشهد ... قلت : التحيات والصلوات ...؟ فسألته عن التشهد، فقال كمثله . فقال : التحيات والصلوات . فلما خرجتُ؛ ضرطتُ في لحيته ، وقلت : لا يفلح أبداً .اهـ من رجال الكشي (142)(1/147)
هذا أدب الشيعة مع الأئمة رحمهم الله تعالى، يضرط في وجهه ، ثم يزعم أنه لا يفلح أبداً ، لقد كذب النصراني ابن النصراني ، وإن كانت رواياته في كل كتب الشيعة . فإذا كان الصادق ـ هذا وصفه عند أهل السنة ـ لا يفلح عند الشيعي، فمن الذي يفلح؟ النصراني ابن النصراني أخزاه الله تعالى .
* وروى الكليني عن زرارة قال : قلت في نفسي : شيخ ، لا علمَ له بالخصومة ، يعني : أن هذا الشيخ ـ وهو الإمام الصادق رحمه الله تعالى ـ عجوز لا عقل له ، ولا يحسن الكلام مع الخصم ( كشف الأسرار 28 )
*قال زرارة : والله لو حدثتكم بكل ما سمعته من أبي عبد الله لانتفخت ذكور الرجال على الخشب .اهـ من رجال الكشي ( 123 )
هذه هي منزلة الإمام الصادق رحمه الله تعالى في نظر هذا النصراني ابن النصراني ، ومن المؤسف أن أقواله منتشرة في كل كتب الرافضة المعتمدة .
* ومن غدر الرافضة بأئمة آل البيت السعي بهم إلى السجون والتواطؤ على قتلهم، فهذا موسى الكاظم رحمه الله تعالى قد وشى به علي بن إسماعيل ابن جعفر بن محمد إلى الرشيد ، فحبسه حتى مات في الحبس . انظر مقاتل الطالبيين ( 333 ـ 336 )
وهذا السري بن منصور كيف سم ابن طباطبا العلوي (أبا عبد الله محمد ابن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن علي رحمهم الله تعالى من أجل المال، مع أنه كان القيم بأمر حربه يوم خروجه على المأمون عام (199) انظر مقاتل الطالبيين .
* وأختم طعونهم بهذه الحادثة المؤلمة ، التي تعطينا مدى صدق دعوى محبتهم لآل البيت ، وأنهم لا يُسألون البينة ، وتناقضهم فيما يذهبون إليه ، ولكنهم لا يستحون من تناقض المواقف . وهي الطعن في محمد القانع وأنه ليس ولداً لعلي الرضا رحمه الله تعالى(1/148)
* عن علي بن جعفر ، أنه قيل للرضا عليه السلام : ما كان فينا إمام قط حائل اللون ـ أي متغير اللون ـ فقال لهم الرضا عليه السلام : هو ابني. قالوا : فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قضى بالقافة، فبيننا وبينك القافة. قال : ابعثوا أنتم إليه ، فأما أنا فلا ، ولا تعلموهم : لِم دعوتُهم ، ولتكونوا في بيوتكم .
فلما جاؤوا ، أقعدونا في البستان ، واصطف عمومتُه وإخوتُه وأخواته ، وأخذوا الرضا عليه السلام، وألبسوه جبةَ صوف، وقلنسوةً منها، ووضعوا في عنقه مسحاةً ، وقالوا له : ادخل البستان كأنك تعمل فيه . ثم جاءوا بأبي جعفر عليه السلام ، فقالوا : ألحقوا هذا الغلام بأبيه ، فقالوا : ليس له ههنا أب ، ولكن هذا عم أبيه ، وهذا عمه ، وهذه عمته ، وإن يكن له ههنا أب فهو صاحب البستان ، فإن قدميه وقدميه واحدة .
فلما رجع أبو الحسن قالوا : هذا أبوه . اهـ من أصول الكافي (1 : 322 )
هذا قذف، وإذا كان الأب (علي الرضا رحمه الله تعالى ) يقول : هو ابني. فما بالهم يقذفون زوجته بأن الولد (محمد القانع) ليس من أبيه. فلم يصدّقوا الإمام ، ولكنهم صدّقوا القائف . فماذا يقال ؟
هذه منزلة الأئمة في نظر الرافضة ، وهذه هي مكانتهم عندهم ،...
لذا قارن بين ذلك وبين منزلتهم عند أهل السنة ، فإنك لن تجد مقاربة بين الحالتين ، وإن تباكى الشيعة على الأئمة الذين غدروا بهم وقتلوهم ، وزعموا أنهم يحبونهم ، ويدخلون على المسلمين البسطاء من هذه الدعوى .
إن أهل السنة يُجلّون أهل البيت، ويُعظِّمونهم، ويحترمونهم ويوقِّرونهم ، لأنهم يرون أن في ذلك تقرباً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنهم فرعه ، لذا لا يذكرونهم إلا بالذكر الحسن، ولا يلقبونهم إلا باللقب الحسن
فكيف إذا نظرنا في تراجمهم في كتب الرجال عند أهل السنة ، انظر تراجمهم في سير أعلام النبلاء ترى الوصف العجيب لهم .(1/149)
ثم قارن بين مروياتهم ومرويات غيرهم ، والأحاديث التي رووها عن طريقهم .
كل ذلك يعطي المنزلة الرفيعة التي منحها أهلُ السنة لأئمة أهل البيت ، بخلاف نظرة الرافضة لأئمة أهل البيت .
وما نراه ونسمعه من تباكيهم فهو كذب مصطنع ، ولقد رأيت ـ كما رأى غيري ـ من يظهر أنه يلطم رأسه ، ويضرب وجهه ، وخاصة ما يفعله النَّوّاحون ، فكله شيء مصطنع ، بخلاف ما يفعله كثير من العوام الطغام .
وألخص مواقف الشيعة من أئمة آل البيت بما يلي :
1ـ اشتراكهم في اغتيال سيدنا علي رضي الله عنه، وقد توسعت في الأصل بذكر النصوص في ذلك .
2 ـ اغتيالهم لسيدنا الحسن رضي الله عنه في عين التمر، ونهب فسطاطه ، حتى البساط من تحته ، ثم قولهم له : يا مسوِّد وجوه المؤمنين ـ يريدون به أنفسهم ـ ثم سمّوه ثلاث مرات فكانت وفاته رضي الله عنه .
3 ـ استدراجهم لسيدنا الحسين رضي الله عنه ، بما أرسلوا له من الكتب الحاملة للعهود والمواثيق والبيعات ، فلما أتاهم تخلّوا عنه ، ثم خرجوا لقتاله فقتلوه ، كما مر .
4 ـ وقاحة كبار علمائهم ، وعدم احترامهم للأئمة رحمهم الله تعالى ، بما يقولونه لهم ، كما مر في قول زرارة .
5 ـ غدر بعض علمائهم في أئمة آل البيت ، والوشاية بهم عند الخلفاء حتى قُتلوا ، كما فعل أبو البختري وهب بن وهب ، الذي وشى بالإمام يحيى بن عبد الله بن الحسن رحمهم الله تعالى ، بأنه يدعي الإمامة ، ويدعو الناس إلى نفسه ، فقتله هارون الرشيد .
6 ـ غدر الوزراء منهم ، كعلي بن يقطين عندما أمر غلمانه بهدم أسقف الحبس على خمسمائة أغلبهم من آل البيت ( انظر الأنوار النعمانية 3 : 308 )
وغدر محمد ابن العلقمي، والقصير الطوسي ؛ وزيرَي الخليفة العباسي ، الفارسيين ، في الخليفة العباسي ، واستدعيا هولاكو فكانت مجزرة بغداد الأولى ، وسقوط الخلافة العباسية ، عام (656هـ) وحصل في تلك المجزرة ما لم يحدث في غيرها .(1/150)
وقد كان الخميني ـ عامله الله بعدله ـ يترحّم على الثلاثة ، لما قدّموه من خدمات جليلة للشيعة ، انظر ( لله ثم للتاريخ : 90 )
7 ـ إن كثيراً من الأئمة أصابهم الحيف والظلم والقهر وأكل المال ، ومن نظر في كتب الرجال للكشي، والحلي، والطوسي، والمامقاني، والتستري،... الخ، يرى كثيراً من رجالاتهم قد لُعنوا من قبل الأئمة، لأنهم كذبوا عليهم، وافتروا على ألسنتهم ، وأكلوا أموالهم ، أمثال : عثمان بن عيسى ، وعلي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي ، وقد اشترك الثلاثة في أكل مال الكاظم ـ بعد وفاته في السجن ـ وتصرفوا بالجواري ، وقد لعنهم الإمام الرضا ، وقد ذكر آية الله البرقعي رحمه الله تعالى في كتابه كسر الصنم ـ في معرض رده ـ كثيراً منهم ، فانظره .
7 ـ استباحة كثير من علمائهم الكذب على الله تعالى وعلى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وينسبون ذلك إلى أئمة آل البيت رحمهم الله تعالى ، وهم برآء من ذلك، خاصة جعفر الصادق ومحمد الباقر رحمهما الله تعالى .
8 ـ الثورة التي حصلت على آخر ملك من آل البيت في بغداد ، بقيادة الحاقد ( الزعيم الأوحد ) ومعاونة اللواء حارث الربيعي الفارسي ، ومحمد فاضل عباس المهداوي الرافضي الحقود ، وأمثالهم ، عاملهم الله بعدله .
والله لقد حدثني أحد الأخوة وقد سألته باعتباره شاهد الحادثة ـ ولم أكن أثناءها في بغداد ـ فقال : لقد صفوا النساء الكريمات الشريفات العجائز ـ من آل البيت وأغلبهن من مكة ـ لِقَتلهن ، فقلن لهم : ما ذنبنا نحن ، وقد قتلتم الرجال ؟ فقال المجرم لهن : حتى لا نُبقي منكم نفاخ النار .
واكتمل الحقد على السنة عندما دخلت القوات الأمريكية بغداد ونصبوا الرافضة حكاماً ، فكان أول قرار اتخذته الحكومة العميلة : اعتبار يوم ثورة عبد الكريم قاسم عيداً وطنيّاً للعراق ، وأعادوا رواتبه منذ قَتْله حتى الآن ، وصرفوا لعائلته راتباً جديداً .(1/151)
9ـ وأما الاستعمار الجديد فلن أتحدث عنه ، إذ لا يخفى الحقد على السنة، وقد ذكرت في المقدمة مختصراً عن الوثيقتين .
10 ـ والآن هل يرقب الرافضة في آل البيت إلّا وذمَّةً ؟ كل من لم يكن رافضياً فهو عدو ملعون كافر ابن زنى نجس ـ كما سيأتي بيانه بعد قليل إن شاء الله تعالى ـ فأين دعوى حماية آل البيت وتوقيرهم واحترامهم ، وأيما رجل من آل البيت كان شيعيّاً ثم ترك مذهبهم وصار سنيّاً ، ما مصيره ؟ هناك العشرات من الأئمة لما تركوا مذهب التشيع كان مصيرهم القتل ، أو التعذيب في السجون ، بل التقطيع ، والمشتكى إلى الله تعالى ، وإن كانوا من أهل البيت المعروفين ، أمثال العلامة حيدر علي قلمداران، والسيد مصطفى الحسيني الطبطبائي، والدكتور علي مظفريان ، والسيد موسى الموسوي ، والعلامة أحمد كسروي ، وكثير غيرهم ، انظر (أحوال أهل السنة في إيران ) و( أهل السنة والجماعة في إيران ) وإن ادّعى الرافضة أنهم مسلمون أهل تسامح ، فقد ذكر آية الله البرقعي ـ في آخر كتابه كسر الصنم ـ : عدداً من العلماء في إيران ـ قلت : وكذا في النجف ـ الذين تركوا التشيع ، كيف قُتلوا ، وقطِّعوا ، فانظره تجد ما يحزن .
هاتان صورتان متضادتان متعارضتان ؛ الأولى تمثل نظرة الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم أهل السنة نحو أئمة آل البيت ، والثانية تمثل نظرة الرافضة نحو أئمة آل البيت ، ولا يمكن التوفيق بينهما إلا أن يتخلى الرافضة عن معتقدهم الفاسد ، فبقدر غلوهم الذي يخرج كثيراً منهم من الملة بقدر الحقد والطعن والتآمر والنيل منهم ، وأخيراً القتل .
فصل
طعن الأئمة رحمهم الله تعالى في الشيعة(1/152)
لما رأى أئمة آل البيت غدر الرافضة، وحقدهم وكذبهم ، وعدم صدقهم في معتقدهم وولائهم، مع تخليهم عنهم وقت الحاجة إليهم، وأنهم لا يعتمد عليهم ، لما رأوا منهم الختل والجبن وعدم الوفاء ،... مع ما ورد منهم من الحقد على أئمة ومن ثم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنهم ،... لذا تواتر عنهم الطعن فيهم ، وتشهيرهم وتكذيبهم ، وعدم الاعتماد عليهم،...وبيان خيانتهم وخذلانهم، وفضح أحوالهم، وبيان أنهم السبب في قتلهم أو في التمالؤ عليهم ، أو استدراجهم للقتل ، وأكل أموالهم، أو رفع أمرهم إلى الخيفة لقتلهم أو حبسهم ، بدعوى التحريض والثورة ، وكله كذب ، فكان المصير هو القتل أو الحبس ثم الموت ،...
ولا أستطيع أن أذكر كل ما ورد في كتبهم من طعن الأئمة ـ ابتداء من عليٍّ ، حتى موسى الكاظم رضي الله عنهم ، لأني جعلت الرسالة مختصرة ، لذا فإني أذكر مختصراً لما ورد من أئمة أهل البيت رحمهم الله تعالى في كشفهم عوار الرافضة ، وبيان غدرهم، وطغيانهم، وتخاذلهم عنهم ، وخيانتهم لهم ، وأنهم السبب في قتلهم أو مباشرة قتلهم ـ خلافاً لما هو متداول عند كثير من الناس ـ لكن أذكر حديثاً واحداً عند أهل السنة يبين أنهم هم الذين قتلوا الحسين رضي الله عنه ، ثم أذكر أقوال الأئمة رحمهم الله تعالى من كتبهم ، حتى لا تبقى لهم حجة ، إن شاء الله تعالى ، وليعلم السني قيمة الرافضة في عيون أئمة آل البيت الذين يتباكون عليهم [قتله وطلع بجنازته] وليعلم العاقل من الرافضة كذب أئمته فيما يزعمون ، ويعرف حقيقة مذهبهم ، وأنه على خلاف ما يقال له ، لتقوم الحجة عليه {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِالله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}(1/153)
* عن عبد الرحمن بن أبي نُعم رحمه الله تعالى قال : كنتُ شاهداً لابن عُمَرـ وسأله رجل عن دم البعوض ـ فقال : ممن أنتَ ؟ قال : من أهل العراق . قال : انظروا إلى هذا ، يسألني عن دم البعوض ، وقد قتلوا ابنَ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم . وسمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول : > هما ريحانتاي من الدنيا <.رواه البخاري .
فهم الذين قتلوه ، ويزعمون أن أهل السنة قتلته ، وسيأتي التصريح من كتبهم ـ بعد قليل ـ بأنهم هم الذين قتلوه .
* قال علي رضي الله عنه : لو ميزت شيعتي لما وجدتهم إلّا واصفة ، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلّا مرتدين ، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد .اهـ من روضة الكافي ( 8 : 338 )
* وقد امتلأ كتاب نهج البلاغة بأقواله رضي الله عنه ، في ذم الشيعة في الكوفة ، لأنها مركز لهم بعد أن استوطنها ، حتى صار يقال للشيعة : أهل الكوفة ، أو أهل العراق ، أقتصر على ذكر بعضها .
* قال رضي الله عنه: ياأشباه الرجال ولا رجال، حُلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم، حزت والله ندماً، وأعتبت صدماً ،... قاتلكم الله ، لقد ملأتم قلبي قيحاً ، وشحنتم صدري غيظاً ، وجرّعتموني نغب التهمام أنفاساً، وأفسدتم عليَّ رأيي بالعصيان والخذلان ، حتى لقد قالت قريش : إن ابنَ بي طالب رجل شجاع ، ولكن لا علم له بالحرب ، ولكن لا رأي لمن لا يطاع . اهـ من نهج البلاغة ( 70 ، 71 )
* قال رضي الله عنه: لقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها، وأصبحتُ أخاف ظلمَ رعيتي، استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تسمعوا، ودعوتكم سراً وجهراً فلم تستجيبوا ، ونصحتُ لكم فلم تقبلوا ، شهود كغياب، وعبيد كأرباب، أتلو عليكم الحكمَ فتنفرون منها، وأعظكم بالموعظة البالغة فتفترقون عنها ، وأحثكم على جهاد أهل البغي فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين أيادي سبأ ،...(1/154)
* أيها القوم؛ الشاهدة أبدانهم، الغائبة عقولهم، المختلفة أهواؤهم، المبتلى بهم أمراؤهم ، صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه ، وصاحب الشام يعصي الله وهم يطيعونه ، لوددت ـ والله ـ أن معاوية صارفني بكم ؛ صرفَ الدينار بالدرهم ، فأخذ مني عشرة ، وأعطاني رجلاً منهم .
*ياأهل الكوفة؛ مُنيت بكم بثلاث واثنتين؛ صمٌّ ذوو أسماع، وبُكم ذوو كلام ، وعُميٌ ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء ، ولا إخوان ثقة عند البلاء، تربت أيديكم، يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها، كلما جمعت من طرف تفرَّقت من آخر، والله، لكأني بكم فيما إخالكم : أن لو حمس الوغى ، وحمي الضراب : قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قُبلها . اهـ من نهج البلاغة (141 ـ 142 )
* وقال رضي الله عنه : والله لولا رجائي الشهادة عند لقائي العدو ـ ولو قد حم لي لقاؤه ـ لقرَّبتُ ركابي، ثم شخصتُ عنكم، فلا أطلبكم مااختلف جنوب وشمال ؛ طعّانين ، عيّابين ، حيّادين ، روّاغين ، إنه لا غناء في كثرة عددكم مع قلة اجتماع قلوبكم .اهـ من نهج البلاغة ( 176 )
* وقال رضي الله عنه : وإني ـ والله ـ لأظن أن هؤلاء القوم سيدالون منكم،...وأدائهم الأمانة إلى صاحبهم، وخيانتكم، وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم ، فلو ائتمنتُ أحدَكم على قعبٍ لخشيت أن يذهب بعلاقته ، اللهم إني قد مللتهم وملّوني ، وسئمتهم وسئموني ، فأبدلني خيراً منهم ، وأبدلهم شراً مني ، اللهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء .اهـ نهج البلاغة ( 67 )(1/155)
* وقال رضي الله عنه :أيها الناس ، المجتمعة أبدانهم ، المختلفة أهواؤهم ، كلامكم يوهي الصمَّ الصِّلاب ، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء ، تقولون في المجالس : كيت وكيت ، فإذا جاء القتال قلتم : حيدي حياد ، ما عزت دعوة من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم ، أعاليل بأضاليل ، ... أي دار بعد داركم تمنعون ، ومع أي إمام بعدي تقاتلون ؟ المغرور ـ والله ـ من غررتموه ، ومن فاز بكم فقد فاز ـ والله ـ بالسهم الأخيب ، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل ، أصبحتُ ـ والله ـ لا أصدِّق قولكم ، ولا أطمع في نصركم ، ولا أوعد العدوَّ بكم ، ما بالكم ؟ ما دواؤكم ؟ ما طبُّكم ؟... من نهج البلاغة ( 72 ـ 73 )
*وقال رضي الله عنه: أحمد الله على ما قضى من أمر، وقدّر من فعل، وعلى ابتلائي بكم ، أيتها الفرقة التي إذا أمرتُ لم تطع ، وإذا دعوتُ لم تجب ،... وأنا لصحبتكم قالٍ ، وبكم غير كثير ، لله أنتم ، أما دِين يجمعكم ، ولا حمية تشحذكم ،... الخ من نهج البلاغة ( 258 ـ 259 )
* قال الحسن بن علي رضي الله عنهما ـ وهو يشتكي من شيعته ، ويقارن بينهم وبين معاوية رضي الله عنه : أرى معاوية خيراً لي من هؤلاء، يزعمون أنهم لي شيعة ، ابتغوا قتلي ، وأخذوا مالي ، والله لأن آخذ من معاوية ما أحقن به دمي ، وآمن به في أهلي : خيرٌ من أن يقتلوني ، فيضيع أهلُ بيتي ، والله لو قاتلتُ معاوية لأخذوا بعنقي ، حتى يدفعوا بي إليه سلماً ، والله لأن أسالمه وأنا عزيز: خيرٌ من أن يقتلني وأنا أسير .اهـ من الاحتجاج (2: 10)
* لقد شدوا على فسطاطه ، وانتهبوه حتى أخذوا مصلّاه من تحته، فبقي جالساً متقلداً السيف بغير رداء .اهـ من الإرشاد للمفيد (190) وانظر مقاتل الطالبيين .(1/156)
* دخل سفيان بن أبي ليلى على الحسن عليه السلام وهو في داره ، فقال للإمام الحسن : السلام عليك يا مذل المؤمنين ! قال : وما علمك بذلك ؟ قال : عمدت إلى أمر الأمة فخلعته من عنقك ، وقلَّدته هذا الطاغية يحكم بغير ما أنزل الله ؟.اهـ من رجال الكشي ( 103 ) وقد ورد ذلك في أكثر من كتاب ، وعن غير واحد .
* وقال رحمه الله تعالى : عرفتُ أهلَ الكوفة ، وبلوتهم ، ولا يصلح لي منهم من كان فاسداً ، إنهم لا وفاء لهم ، ولا ذمة في قول ولا فعل ، وإنهم لمختلفون ، ويقولون لنا ، وإن قلوبهم معنا ، وإن سيوفهم لمشهورة علينا.اهـ من الاحتجاج للطبرسي ( 149 )
* وقال الحسين بن عليٍّ رضي الله عنهما ـ وهو يدعو على شيعته ـ : اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقّهم فرقاً ، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا تُرض الولاةَ عنهم أبداً ، فإنهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا فقتلونا .اهـ من الإرشاد للمفيد ( 241 )
* وقال رضي الله عنه مخاطباً لهم عندما أحاطوا به في كربلاء قبل قتله : تبّاً لكم أيتها الجماعة، وترحاً وبؤساً لكم وتعساً، حين استصرختمونا وَلِهين، فأصرخناكم موجفين ، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيدينا ، وحششتم علينا ناراً أضرمناها على عدوكم وعدونا ، فأصبحتم ألباً على أوليائكم ، ويداً على أعدائكم ، من غير عدل أفشَوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، ولا ذنب كان منا فيكم ، فهلا لكم الويلات إذ أكرهتمونا والسيف مشيم ، والجأش طامن ، والرأي لم تستخصف ، لكنكم استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدباء ، وتهافتم إليها كتهافت الفراش ، ثم نقضتموها ؛ سفهاً وبُعداً ، وسحقاً لطواغيت هذه الأمة ، وبقية الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ثم أنتم هؤلاء تتخاذلون عنا، وتقتلوننا، ألا لعنة الله على الظالمين.اهـ من الاحتجاج ( 2 : 24 ) أو (145) ط طهران .
انتبه يا مسلم إلى هذا التصريح الخطير ، حيث يجزم أن الشيعة هم الذين قتلوا أهل البيت . لذا استحقوا اللعن منه رضي الله عنه .(1/157)
* قال السيد محسن الأمين : بايع الحسين من أهل العراق عشرون ألفاً ، ثم غدروا به ، وخرجوا عليه ـ وبيعتُه في أعناقهم ـ وقتلوه .اهـ من أعيان الشيعة ( 1 : 34 )
هذه هي أقوال الشيعة تصرخ بأعلى صوت أنهم هم الذين قتلوا آل البيت
فمن الذي قتل الحسين رضي الله عنه وأهله ؟ أهل السنة ؟ لا ، إن هذه النصوص صريحة في أن الشيعة هم الذين غدروا به وقتلوه ، كما اشتركوا في قتل سيدنا عليٍّ رضي الله عنه ، وسيأتي التصريح بذلك .
* وقالت السيدة زينب الكبرى بنت عليٍّ رضي الله عنهما ـ تخاطب أهل الكوفة وتقرِّعُهم ـ: أما بعد، يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر والخذل ،... إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، هل فيكم إلّا الصلف والعُجب والشنف والكذب،...أتبكون أخي؟ أجل والله ، فابكوا كثيراً ، واضحكوا قليلاً، فقد ابتليتم بعارها،... وأنى تُرخِصون قتل سليل خاتم النبوة ؟.اهـ من الاحتجاج (2 : 29 ـ30 )
* وقال علي بن الحسين ـ زين العابدين ـ رضي الله عنهما : هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي ، وخدعتموه ، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق ، ثم قاتلتموه، وخذلتموه؟ بأي عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول لكم : قاتلتم عترتي ، وانتهكتم حُرمتي ، فلستم مني .اهـ من الاحتجاج ( 2 : 32 )
* وقال رحمه الله تعالى يخاطبهم : إن هؤلاء يبكون علينا ، فمن قتلنا غيرهم .اهـ من الاحتجاج ( 2 : 29 )
لاحظ إلى هذا التنبيه الخطير ، يتباكون عليهم وهم الذين قتلوهم ، والله لقد رأيت كثيراً من هؤلاء وهم يتباكون ولا تسقط قطرة دمع من عين أحدهم ، ثم إذا به ينصرف وكأنه لم يكن يبكي .
* وقال رحمه الله تعالى : يا أهل العراق ، أحبّونا حُبَّ الإسلام ، ولا تُحبونا حبَّ الأصنام ، فما زال بنا حبُّكم حتى صار شَيناً علينا .اهـ نسب قريش ، وتاريخ دمشق .(1/158)
* وقال محمد الباقر رحمه الله تعالى : لو كان الناس كلهم لنا شيعة ؛ لكان ثلاثة أرباعهم لنا شكّاكاً ، والربع الآخر أحمق .اهـ من رجال الكشي (79 )
* وقال جعفر الصادق رحمه الله تعالى : أما والله لو أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثي ؛ ما استحللت أن أكتمهم حديثاً .اهـ من أصول الكافي ( 1 : 496 )
* وقال رحمه الله تعالى : إني والله ما وجدتُ أحداً يطيعني ويأخذ بقولي إلا رجلاً واحداً ؛ عبد الله بن يعفور .اهـ من رجال الكشي ( 215 )
* وقال رحمه الله تعالى : ما أنزل الله آية في المنافقين ؛ إلّا وهي فيمن ينتحل التشيع .اهـ من رجال الكشي (254 ترجمة أبي الخطاب )
* وعن محمد بن سليمان عن أبيه قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام [جعفر الصادق رحمه الله تعالى] : جعلت فداك ، إنّا قد نُبزنا نبزاً أثقل ظهورنا ، وماتت له أفئدتنا ، واستحلت له الولاةُ دماءَنا ، في حديث رواه لهم فقهاؤهم .
فقال أبو عبد الله عليه السلام : الرافضة ؟ [يعني نبزوكم باسم الرافضة]
فقلت : نعم . قال : لا والله ، ما هم سمّوكم ، ولكن الله سماكم به .اهـ من الكافي (5 : 34 ) وانظر نسب قريش .
* قال الإمام موسى الكاظم رحمه الله تعالى : إن الله غضب على الشيعة ، وخيَّرني إما أن أفتدي بنفسي ، أو أفتدي بشيعتي .اهـ من الكافي ( الحديث الخامس ، من باب الأئمة يعلمون متى يموتون )
* وقال رحمه الله تعالى : لو ميّزتُ شيعتي ما وجدتهم إلا واصفة ، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين .اهـ من الكافي : كتاب الروضة .
* وقال رحمه الله تعالى : ما وجدت أحداً يقبل وصيتي، ويطيع أمري إلا عبد الله بن يعفور .اهـ من مجالس المؤمنين (144) نقلاً عن الشيعة والسنة .(1/159)
* وقالت فاطمة الصغرى رحمها الله تعالى ـ تخاطب أهل الكوفة من شيعتهم ـ : يا أهل الكوفة ، يا أهل الغدر والمكر والخيلاء ، إنّا أهل البيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسناً،...فكفَّرتمونا، وكذّبتمونا، ورأيتم قتالنا حلالاً ، وأموالنا نهباً ،... كما قتلتم جدَّنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت .
تبّاً لكم، فانتظروا اللعنة والعذاب، فكأن قد حل بكم،...ويذيق بعضكم بأس بعض ، ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة ؛ بما ظلمتمونا ، ألا لعنة الله على الظالمين .
تبّاً لكم يا أهل الكوفة ، كم قرأت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبلكم، ثم غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب، وجدي، وبنيه، وعترته الطيبين.
فرد عليها أحد أهل الكوفة منتخراً ، فقال : نحن قتلنا عليّاً ، وبني عليٍّ بسيوف هندية ورماح . وسبينا نساءهم سبي تُرك ، ونطحناهم فأي نطاح .اهـ من الاحتجاج(2 : 28)
تنبيه : إن عبد الرحمن بن ملجم ـ قاتل علي رضي الله عنه ـ كان من شيعة علي بالكوفة ، وكان سار إليه من مصر إلى الكوفة، وشهد معه قتال صفين ، فتزوج واحدة من جماعته من الخوارج ، على أساس أن يقنعها بترك بدعتها، فأدركه الكتاب ، وفعل ما فعل . انظر تاريخ الإسلام للذهبي (3 : 653)
هذه النصوص تبين غدر الشيعة بآل البيت ، وأنهم يحملونهم مسؤولية مقتلهم ، استدرجوهم فغدروا بهم ، ولهذا اعترف بعضهم بقتل علي وبنيه رضي الله عنهم (نحن قتلنا عليّاً وبني عليٍّ بسيوف هندية ورماح ) فلِمَ يحمّلون السنة قتل آل البيت ، وهم الذين قتلوهم .
ثم إن النصوص في ذم أئمة أهل البيت للشيعة الرافضة كثيرة جدّاً ، لا يحويها مثل هذا المختصر ، وما ذكرته كاف إن شاء الله تعالى في بيان ذلك .
فصل
الصحابة الكرام رضي الله عنهم بين تعظيم أئمة آل البيت وحقد الرافضة(1/160)
* قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إن الله نظر في قلوب العباد ، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وآله وسلم خير قلوب العباد ، فاصطفاه لنفسه ، فابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وزراء نبيه ، يقاتلون على دينه ، فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون سيئاً فهو عند الله سيء . رواه أحمد والطيالسي في كثيرين .
وكيف وقد أخبرنا الله تعالى باصطفائه للصحابة الكرام رضي الله عنهم ، فقال جل شأنه : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } وقال : {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}وقال : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ الله وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} والآيات الكريمة في الثناء عليهم كثيرة جداً.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : > خير قرون الناس قرني، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم < متفق عليه .(1/161)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : > بُعثتُ من خير قرون بني آدم ؛ قرناً فقرناً ، حتى كنت من القرن الذي كنتُ منه < رواه البخاري ، والحديث في هذا متواتر . والمراد بقرنه صلى الله عليه وآله وسلم : أصحابه .
والأحاديث في الثناء عليهم رضي الله عنهم أكثر من أن تحصى .
فطعن الرافضة في الصحابة رضي الله عنهم : تجهيل لله تعالى في اختياره لهم ، وطعن في اصطفائه إياهم ، وتقصير في تدبيره ، وتخطئة له في انتقائه لهم ، وعدم معرفته بما حوته قلوبهم، وما انعقدت عليه نياتهم، ورد عليه في رضاه عنهم، وثنائه عليهم، كما فيه طعن في النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في ثنائه عليهم وتوصيته بهم ، ورفع شأنهم ومكانتهم ،...
فقرنه صلى الله عليه وآله وسلم هو قرن الرسالة، وقرنُ الخلافة الراشدة ، فيه نزل القرآن الكريم، وفيه كُتب، وفيه جُمع، وفيه حفظ أصول الدين ،...
فكما أن عصر الرسالة كان على الحق بالضرورة، وشهادة القرآن، وشهادة الواقع ،... كان عصر الصحابة رضي الله عنهم ـ بما فيهم الخلافة الراشدة ـ على الحق بالضرورة وشهادة الآيات القرآنية ، وشهادة النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، وشهادة التاريخ ممن لهم دين وأدب عظيم .
وكل ما في كتب الرافضة بشأن الصحابة الكرام رضي الله عنهم والعصر الأول : هو هذر وهدر، بعد شهادة القرآن، واستشهاده بالتوراة والإنجيل، وبعد مثل الله تعالى ـ ولله المثل الأعلى ـ وانظر الوشيعة ( لج ـ ج م ) حيث أطال النفس في بيان منزلة الصحابة رضي الله عنهم وقول الرافضة فيهم .
فهل كان أئمة آل البيت رحمهم الله تعالى ـ من عليٍّ فمن بعد ـ على شاكلة شيعتهم؟ الجواب لا. بل الموجود العكس، وهو الثناء والتبجيل والاحترام.
إن النصوص في ثناء أئمة أهل البيت على الصحابة رضي الله عنهم كثيرة جدّاً ، لكني أقتصر هنا على بعض ما جاء عن الأئمة القدامى ، خاصة علي رضي الله عنه ، وقد أذكر بعض الأئمة رحمهم الله تعالى .(1/162)
عن محمد بن الحنفية رحمه الله تعالى قال: قلت لأبي [علي رضي الله عنه]: أيُّ الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : أبو بكر . قلت : ثم من؟ قال : ثم عمر . فخشيت أن يقول عثمان ، فقلت : ثم أنت؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين . رواه البخاري .
وعن عليٍّ رضي الله عنه قال : أيها الناس ، أخبروني من أشجع الناس ؟ قالوا : أنت . قال : أما إني ما بارزت أحداً إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع الناس؟ قالوا : لا نعلم ، فمن؟ قال : أبو بكر رضي الله عنه،... لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذته قريش، هذا يجؤه، وهذا يتلتله ، وهم يقولون : أنت الذي جعلتَ الآلهةَ إلهاً واحداً ؟ قال : فوالله ما دنا منا أحدٌ إلا أبو بكر رضي الله عنه، يضرب هذا ، ويجأ هذا، ويتلتل هذا ، وهو يقول : {ويلكم أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ الله }
ثم رفع عليٌّ رضي الله عنه بردةً كانت عليه ، فبكى حتى اخضلت لحيته ، ثم قال : أنشدكم بالله ، أمؤمن آل فرعون خيرٌ أم أبو بكر رضي الله عنه ؟ فسكت القوم ، فقال : ألا تجيبون ؟ فوالله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مؤمن آل فرعون ، ذاك رجلٌ يكتم إيمانه ، وهذا رجل أعلن إيمانه . رواه البزار وأبو نعيم .
* وعن علي رضي الله عنه قال : كنت إذا سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني ، وإذا حدثني أحدٌ من أصحابه استحلفته، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر،... الحديث بطوله ، رواه أحمد والحميدي وأصحاب السنن الأربعة والبزار وابن السني والدارقطني في آخرين .
وعنه رضي الله عنه ـ وهو يثني على أبي بكر رضي الله عنه ـ: فولي أبو بكر ، فقارب وقصد . كشف المحجة، والرسائل للكليني، وانظر راز دلبران ( 101 )(1/163)
وعنه ـ وهو يثني على عمر رضي الله عنهما قال : كان عمر مرضيَّ السيرة [ ميمون النقيبة] من الناس عند الناس . كشف المحجة (1: 307) وراز دلبران (101)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : وُضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه على سريره ، فتكنَّفه [ أي أحاطوا به ] الناس يدعون ويثنون ويُصلّون عليه ، قبل أن يرفع، وأنا فيهم . قال : فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي ، فالتفتُّ إليه ، فإذا هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فترحّم على عمر ، وقال : ما خلفتُ أحداً أحب إليَّ أن ألقى الله بمثل عمله منك. وايْم الله، إن كنتُ لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذاك أني كنت أكثر أسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : >جئتُ أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلتُ أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجتُ أنا وأبو بكر وعمر < فإني كنت لأرجو ـ أو لأظن ـ أن يجعلك الله معهما . متفق عليه .
وعن عبد خير قال : سمعت عليّاً رضي الله عنه يقول على المنبر : خير هذه الأمة بعد نبيِّها : أبو بكر وعمر رضي الله عنهم ، ولو شئتُ أن أسمي الثالث لسمَّيتُه . وورد من طريق علقمة بن قيس النخعي رحمه الله تعالى ، ومن سؤال أبي جُحيفة لعليٍّ رضي الله عنهما بنحوه ، رواه أحمد وابن المقرئ وابن حبان والإسماعيلي وغيرهم من طرق كثيرة بأسانيد صحيحة ، وهذا القول متواتر عن عليٍّ رضي الله عنه ، رواه عنه الكثير.
وعن علي رضي الله عنه ، عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال ـ عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ـ : > هذان سيدا كهول أهل الجنة < رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والبزار والطبراني في كثيرين ، ومن طرق متعددة عنه رضي الله عنه .
* وعن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : > سألتُ ربي عز وجل أن لا أزوج أحداً من أمتي ، ولا أتزوج إلّا كان معي في الجنة ، فأعطاني < رواه الحاكم والطبراني ، وله شاهدان .(1/164)
* وعن علي رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولأبي بكر رضي الله عنه يوم بدر : > مع أحدكما جبريل ، ومع الآخر ميكائيل ،...< رواه ابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي عاصم والبزار وأبو يعلى برجال الصحيح ، وصححه الحاكم.
* وقال في جوابه لأبي سفيان عن أبي بكر رضي الله عنهم : إنّا رأينا أبا بكر أهلاً لها . نهج البلاغة ( 3 : 30 )
* وانظر إليه وهو يودّع أبا بكر رضي الله عنهما بعد وفاته ، وقد قام على الباب فقال : رحمك الله يا أبا بكر : كنتَ أولَ القوم إسلاماً ، وأخلصَهم إيماناً ، وأشدَّهم يقيناً، وأعظمَهم غناءاً، وأحفظَهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنسبَهم برسول الله خلقاً وفضلاً وهدياً وسمتاً ، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله وعن المسلمين خيراً ، صدّقتَ رسول الله حين كذّبه الناس ، وواسيتَه حين بخلوا ، وقمتَ معه حين قعدوا ، وأسماك الله صِديِّقاً { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } يريد محمداً ويريدك ، وكنتَ والله للإسلام حصناً ، وعلى الكافرين عذاباً ، لم تقلل حجتُك، ولم تضعف بصيرتُك، ولم تجبن نفسك، وكنتَ كالجبل الذي لا تحرِّكه العواصف . كنتَ كما قال رسول الله : > ضعيفاً في بدنك ، قويّاً في أمر الله < متواضعاً في نفسك ، عظيماً عند الله ، جليلاً في الأرض ، كبيراً عند المؤمنين ، ولم يكن لأحد عندك مطمع ، ولا لأحدٍ عندك هوادة ، فالقويُّ عندك ضعيف حتى تأخذ الحقَّ منه ، والضعيفُ عندك قويٌّ حتى تأخذ الحقَّ له ، فلا حرمنا الله أجرك ، ولا أضلّنا بعدك .اهـ
* وعن علي رضي الله عنه قال على المنبر : ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر رضي الله عنه . رواه عبد الرزاق وأحمد والفسوي والطبراني وغيرهم ، بسند صحيح .(1/165)
* وعن محمد الباقر، أن عليّاً رضي الله عنه قال ـ يوم طعن عمر رضي الله عنه ـ : وددنا أنّا زدنا في عمره من أعمارنا .اهـ من حلية الأولياء (3 :199)
* وقد كان سيدنا عليٌّ رضي الله عنه عيبةَ نصح لسيدنا عمر رضي الله عنه ، فلولا ثقة عمر به ، ومعرفته بأمانته ، ما جعله موضع سره وأمانته وعيبته، ولولا مكانة علي ونصيحته واحترامه وتوقيره ما استشاره عمر ولا أبدى النصيحة المخلصة التي فيها الحرص عليه وعلى الإسلام والمسلمين .
* لقد همَّ سيدنا عمر رضي الله عنه في الخروج لغزو الروم وفارس بنفسه ، وأن يقود الجيوش بنفسه ، فلما استشار عليّاً رضي الله عنهما أثناه عن تلك الفكرة ، وأبدى السبب .
ـ قال رضي الله عنه ـ عندما استشاره في خروجه لغزو الروم ـ : إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك، فتلقهم، فتُنكب، لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم ، ليس بعدك مرجعٌ يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلاً مِحَرْباً ، احفز معه أهلَ البلاء والنصيحة ، فإن أظهر الله فذاك ما تحب ، وإن تكن الأخرى كنتَ ردءَ الناس ومثابةً للمسلمين.اهـ من نهج البلاغة (1: 137)
ـ وقال رضي الله عنه ـ عندما استشاره في الشخوص لقتال الفرس بنفسه ـ : إن هذا الأمر لم يكن نصرُه ولا خذلانه بكثرة ولا قلة ، وهو دين الله الذي أظهره ، وجنده الذي أعده وأمدّه ، حتى بلغ ما بلغ ، وطلع حيث طلع، ونحن على موعود من الله، واللهُ منجزٌ وعدَه ، وناصرٌ جندَه ، ومكان القيِّم بالأمر : مكانُ النظام من الخرز ؛ يجمعه ويضعه ، فإن انقطع النظام تفرّق الخرز وذهب ، ثم لم يُجمع بحذافيره أبداً .
والعرب اليوم ـ وإن كانوا قليلاً ـ فهم كثيرون بالإسلام ، عزيزون بالاجتماع ، فكن قطباً ، واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دون نار الحرب ، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك .(1/166)
إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولون : هذا أصل العرب ، فإذا اقتطعتموه استرحتم ، فيكون أشد لكَلَبهم عليك، وطمعهم فيك .اهـ من نهج البلاغة (1: 166)
* واسمع إليه وهو يثني على الخليفة الفاروق رضي الله عنهما : لله بلاء عمر ، فقد قوَّم الأمد ، وداوى العمد ، خلف الفتنة ، وأقام السنة ، ذهب نقيَّ الثوب، قليلَ العيب ، أصاب خيرَها ، وسبق شرَّها ، أدّى إلى الله طاعتَه، واتّقاها بحقِّه ،...اهـ من نهج البلاغة ( 2 : 222 )
* وعن سويد بن غفلة رحمه الله تعالى قال : مررت بقوم ينتقصون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ، فأخبرت عليّاً كرم الله وجهه ، وقلت : لولا أنهم يرون أنك تُضمر ما أعلنوا ما اجترؤوا على ذلك ، منهم عبد الله بن سبأ . فقال علي رضي الله عنه : نعوذ بالله، رحمنا الله، ثم نهض ، وأخذ بيدي وأدخلني المسجد ، فصعد المنبر ، ثم قبض على لحيته وهي بيضاء ، فجعلت دموعه تتحادر عليها ، وجعل ينظر للقاع حتى اجتمع الناس ، ثم خطب .
فقال : ما بال أقوام يذكرون أَخَوَي رسول الله ووزيريه ، وصاحبَيه وسيدَي قريش ، وأبوَي المسلمين ، وأنا بريءٌ مما يذكرون ، وعليه معاقِب .
صحبا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحب والوفاء ، والجد في أمر الله ، يأمران وينهيان ، ويغضبان ويعاقبان ، ولا يرى رسول الله كرأيهما رأياً ، ولا يحب كحبهما حبّاً ، لما يرى من عزمهما في أمر الله .
فقُبض وهو عنهما راض ، والمسلمون راضون . فما تجاوزا في أمرهما وسيرتهما رأيه صلى الله عليه وآله وسلم وأمره في حياته وبعد موته ، فقبضا على ذلك رحمهما الله تعالى .
فوالذي فلق الحبةَ وبرأ النسمةَ لا يحبهما إلّا مؤمن فاضل ، ولا يبغضهما إلا شقي مارق ، وحبُّهما قُربة ، وبغضُهما مروقٌ . زاد في رواية : لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل .اهـ من مختصر التحفة للآلوسي ، نقلاً عن طوق الحمامة في الإمامة .(1/167)
* عن محمد بن سيرين رحمه الله تعالى ، أن رجلاً بالكوفة شهد أن عثمان رضي الله عنه قُتل شهيداً ، فأخذته الزبانية ، فرفعوه إلى علي رضي الله عنه ، وقالوا : لولا أن تنهانا ـ أو نُهينا ـ أن لا نقتل أحداً لقتلناه ، هذا يزعم أنه يشهد أن عثمان رضي الله عنه قُتل شهيداً، فقال الرجل لعلي : وأنت تشهد . أتذكر أني أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فسألتُه فأعطاني ، وأتيت أبا بكر رضي الله عنه فسألته فأعطاني ، وأتيتُ عمر رضي الله عنه فسألته فأعطاني ، وأتيتُ عثمان رضي الله عنه فسألته فأعطاني . قال : فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، ادع لي أن يبارك لي، فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم : >كيف لا يُبارك لك وأعطاك نبيٌّ وصِدّيقٌ وشهيدان < رواه أبو يعلى بإسناد صحيح ، كما رواه غيره .
* وعن علي رضي الله عنه قال ـ وهو يخاطب عثمان رضي الله عنه ـ : والله ما أدري ما أقول لك ، ما أعرف شيئاً تجهله ، ولا أدلك على أمر لا تعرفه ، إنك لتعلم ما نعلم ، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ، ولا خلونا بشيء فنبلغكه ، وقد رأيتَ كما رأينا ، وسمعتَ كما سمعنا ، وصحبتَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما صحبنا ، وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب بأولى بعمل الحق منك .اهـ من نهج البلاغة (1: 167)
* وعن محمد ابن الحنفية رحمه الله تعالى قال : بلغ عليّاً ـ رضي الله عنه ـ أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ تلعن قتلةَ عثمان ـ رضي الله عنه ـ في المربد ، قال : فرفع يديه حتى بلغ بهما وجهه فقال : وأنا ألعن قتلةَ عثمان ، لعنهم الله في السهل والجبل . قالها مرتين أو ثلاثاً . رواه أحمد وابن أبي شيبة وابن شبة وابن عساكر في آخرين بإسناد صحيح .(1/168)
* وقد سبق قول النوبختي ـ في ذكره للسبئية ـ: أصحاب عبد الله بن سبأ ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة ، وتبرأ منهم ، وقال : إن عليّاً عليه السلام أمره بذلك . فأخذه عليٌّ فسأله عن قوله هذا فأقر به ، فأمر بقتله ، فصاح الناس إليه : يا أمير المؤمنين ،... اهـ من فرق الشيعة (44) وقاموس الرجال (5 : 463 )
قلت : إن أمر علي رضي الله عنه بقتل ابن سبأ لطعنه في الصحابة الثلاثة رضي الله عنهم دليل على محبته لهم ، وأن من يطعن فيهم فحكمه القتل في نظره رضي الله عنه وعنهم جميعاً فما يقول الرافضة ؟
* وعن علي رضي الله عنه قال : ما جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبويه لأحد ، غير سعد بن مالك ، فإنه جعل يقول يوم أحد : > ارم ، فداك أمي وأبي < متفق عليه .
* وعنه رضي الله عنه قال ـ وقد استأذن عليه ابنُ جرموز قاتل الزبير رضي الله عنه ـ : ائذنوا له ، ليدخل قاتلُ الزبير النارَ . إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : >إن لكل نبيٍّ حوارياً، وإن حواريَّ الزبير< رواه الطيالسي وابن أبي شيبة وابن سعد وأحمد والترمذي وأبو يعلى والحاكم في كثيرين ، وصححه كثيرون .
* وعن أبي حبيبة مولى طلحة قال : دخل عمران بن طلحة ـ رضي الله عنهما على علي ـ رضي الله عنه ـ بعد ما فرغ من أصحاب الجمل . قال : فرحب به ، وأجلسه على طنفسته، وقال : إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله عز وجل : {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} قال : ورجلان جالسان على ناحية البساط ، فقالا : الله عز وجل أعدل من ذلك ، تقتلهم بالأمس ، وتكونون إخواناً في الجنة ! قال عليٌّ : قوما أبعدَ أرضٍ وأسحقها ، فمن هو إذا لم أكن أنا وطلحة ،... رواه أحمد وابن سعد والطبري والحاكم وصححه في آخرين .(1/169)
* وعن ربعي بن حراش قال : قال علي رضي الله عنه : إني لأرجو أن أكون أنا والزبير وطلحة ممن قال الله عز وجل : {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}
قال : فقام رجل من همدان فقال : الله أعدل من ذلك يا أمير المؤمنين .
قال : فصاح به علي ـ رضي الله عنه ـ صيحة ظننت أن القصر تدهده لها . ثم قال : من هم إذا لم نكن نحن هم؟ رواه أحمد وابن سعد والطبري بإسناد صحيح .
* وعن علي رضي الله عنه قال ـ يوم مات عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ـ : اذهب ابنَ عوف ، فقد أدركتَ صفوها ، وسبقتَ رنقها . رواه أحمد وابن أبي شيبة والطبراني والحاكم بأسانيد صحيحة .
* وقال رضي الله عنه : أوه على إخواني الذين قرؤوا القرآن فأحكموه ، وتدبروا الفرضَ فأقاموه ، وأحيوا السنة ، وأماتوا البدعة ، دُعوا للجهاد فأجابوا ، ووثقوا بالقائد فاتبعوه .اهـ ( نهج البلاغة رقم 180 ) كسر الصنم 221 ، 355 ).
* وقال رضي الله عنه : لقد رأيت أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فما أرى أحداً منكم يشبههم ، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً ، وقد باتوا سُجّداً وقياماً ، يراوحون بين جباههم وخدودهم ، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم . كان بين أعينهم ركب المِعزى من طول سجودهم، إذا ذُكر الله هملت عيونُهم حتى تبتل جيوبُهم ، ومادوا كما يميد الشجر يومَ الريح العاصف ، خوفاً من العقاب ، ورجاءً للثواب اهـ من نهج البلاغة (1 : 28 )(1/170)
*وقال رضي الله عنه: أين القوم الذين دُعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرأوا القرآنَ فأحكموه، وهُيِّجوا إلى القتال فولهوا وَلَهَ اللقاح إلى أولادها ، وسلبوا السيوفَ أغمادَها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً وصفّاً صفّاً، بعضٌ هلك ، وبعضٌ نجا، لا يبشرون بالأحياء، ولا يعزّون بالموتى ، مُرْهُ العيون من البكاء، خُمصُ البطون من الصيام، ذبلُ الشفاه من الدعاء، صفرُ الألوان من السهر ، على وجوههم غبرةُ الخاشعين .
أولئك إخواني الذاهبون ، فحقٌّ لنا أن نظمأ إليهم ، ونعض الأيدي على فراقهم . اهـ من نهج البلاغة .
* وقال رضي الله عنه : إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان ـ رضي الله عنهم ـ على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يرد ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجل ، وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضا .اهـ من نهج البلاغة (84 رقم6)
إذا كان من شهد بدراً والحديبية لن يدخل النار ـ ولو أساء ، كما في قصة حاطب رضي الله عنه ـ فكيف بالذين هم أفضل بمرات من حاطب ، وأعظم إيماناً وعلماً، وأسبق هجرة ، وأشد بلاء في الإسلام، وأقدم جهاداً ؟ خاصة وراوي حديث حاطب هو علي رضي الله عنهما ؟(1/171)
لقد ثبت من وجوه كثيرة أن عليّاً رضي الله عنه لما قاتل أهلَ الجمل ؛ لم يسْبِ ذريةً ، ولم يقتل أسيراً ، ولم يغنم لهم مالاً ، ولم يُجهز على جريح ، ولا اتّبع مُدبراً ، وأنه صلّى على قتلى الطائفتين بالجمل وصفين ، وقال عنهم : إخواننا بغوا علينا، وأخبر رضي الله عنه أنهم ليسوا كفّاراً ولا منافقين . وقد سمّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلتا الطائفتين بالمسلمين عندما قال : >تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين ، تقتلهم أولى الطائفتين بالحق < رواه مسلم ، وهذه المارقة هم الخوارج ، وقد قتلهم سيدنا علي رضي الله عنه ، مع سروره بقتال الخوارج في حروراء ، بخلاف ما حصل يوم الجمل وصفين حيث تأسف وحزن على قتل بعضهم، كما هو معلوم . وانظر فضل أهل البيت وحقوقهم .
* وخير مثال على عظم حبِّ سيدنا علي لإخوانه الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم : تسمية أولاده ـ بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر عمر رضي الله عنهما ـ بأبي بكر وعمر وعثمان رحمهم الله تعالى . انظر منتهى الآمال لعباس القمي (188،382) ومقاتل الطالبيين ـ في مواضع .
* ثم مما يدل على مدى محبته لهم رضي الله عنهم جميعاً : صلاته خلفهم بما يزيد على ست وعشرين عاماً ، منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مقتل سيدنا عثمان ومبايعته رضي الله عنهما . ويستحيل أن يصلي رضي الله عنه هذه الفترة الطويلة تقية ، كما قال عبد الحسين شرف الدين ، إذ حاشا للإمام أن يجعل عبادته تقية . انظر : راز دلبران ( 113 ) لقول عبد الحسين .
ـ أما من كان بعد الصحابة رضي الله عنهم ، فقد كثرت أقوال أئمة آل البيت رحمهم الله تعالى في الثناء على الصحابة الكرام رضي الله عنهم عموماً وخصوصاً ، أقتصر على ذكر بعض الأقوال .(1/172)
* قال علي بن الحسين رضي الله عنهما ـ وقد سئل عن منزلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ؟ فأشار بيده إلى القبر . ثم قال : منزلتهما منه الساعة . اهـ تهذيب الكمال (20: 393)
* وعن محمد الباقر رحمه الله تعالى قال : جاء رجل إلى أبي [علي بن الحسين رضي الله عنهما ] فقال : أخبرني عن أبي بكر ؟ قال : عن الصِّدّيق تسأل ؟ قال : قلت : رحمك الله وتسمّيه الصديق ؟ قال : ثكلتك أمك ، قد سماه صدّيقاً من هو خيرٌ مني ومنك . رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمهاجرون والأنصار ، فمن لم يسمه صدّيقاً فلا صدَّق الله قولَه في الدنيا ولا في الآخرة . اذهب فأحبَّ أبا بكر وعمر ، وتولَّهما ، فما كان من أمر ففي عنقي . اهـ من تهذيب الكمال . وقارن بين هذا القول وبين قول الرافضة .
* وعنه رحمه الله تعالى قال : قدم المدينةَ قومٌ من أهل العراق ، فجلسوا إليَّ ، فذكروا أبا بكر وعمر ، فسبّوهما ، ثم ابتركوا في عثمان ابتراكاً [ تنقصوه واجتهدوا في ذمه ]
فقلت لهم: أخبروني: أنتم من المهاجرين الأولين الذين قال الله عز وجل فيهم : {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ الله وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} ؟ قالوا : لسنا منهم .
قلت : فأنتم من الذين قال الله عز وجل فيهم : { وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} قالوا : لسنا منهم .(1/173)
قلت لهم : أمّا أنتم فقد تبرأتم من الفريقين أن تكونوا منهم ، وأنا أشهد أنكم لستم من الفرقة الثالثة ؛ الذين قال الله عز وجل فيهم : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} قوموا عني ، لا قرَّب الله دورَكم ، فإنكم مستترون بالإسلام ، ولستم من أهله .اهـ من القرطبي (18: 31ـ32)وتهذيب الكمال (20: 394ـ395)وحلية الأولياء (3: 136ـ137) وانظر إلى حكمه رحمه الله تعالى فيهم (مستترون بالإسلام ولستم من أهله )
* وقال الحسن بن محمد ابن الحنفية رحمهم الله تعالى : من خلع أبا بكر وعمر فقد خلع السنة .اهـ من رسالته الإرجاء .
* وقد كان علي زين العابدين رحمه الله تعالى يجالس أسلم مولى عُمر ، فقال له رجل من قريش : تدع قريشاً ، وتجالس عبدَ بني عدي؟ فقال علي : إنما يجلس الرجل حيث ينتفع . تهذيب الكمال ( 20 : 386 )
* قال السجاد رضي الله عنه في دعائه الرابع من الصحيفة السجادية : اللهم وأصحاب محمد خاصة ، الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره وكانفوه ، وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته ، واستجابوا له ، حيث أسمعهم حجة رسالاته ، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته وانتصروا به،...اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون : {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ}خيرَ جزائك ، الذين قصدوا سمتهم ، وأتمروا وجهتهم ، ومضوا على شاكلتهم ،... الخ الدعاء .انظر راز دلبران (68، 110ـ 111)(1/174)
* وعن عبد الرحمن بن أردك ـ وهو أخو علي بن الحسين لأمه ـ قال : كان علي بن الحسين يدخل المسجد ، فيشق الناسَ حتى يجلس مع زيد بن أسلم [مولى عمر] في حلقته، فقال له نافع بن جُبير بن مُطعِم: غفر الله لك، أنت سيد الناس ؛ تأتي تتخطى حتى تجلس مع هذا العبد . فقال علي بن الحسين : العلمُ يُبتغى ويُؤتى ويُطلب من حيث كان .اهـ تهذيب الكمال(20: 385 ـ 386) وحلية الأولياء ( 3 : 137 ـ 138 )
* قال عروة بن عبد الله : سألت أبا جعفر [ محمد ] بن علي عن حلية السيوف؟ فقال : لا بأس به ، قد حلّى أبو بكر الصديق رضي الله عنه سيفه . قال : قلت : وتقول الصديق ! قال : فوثب وثبةً ، واستقبل القبلة ثم قال : نعم ، الصِّدّيق ، نعم الصِّدّيق ، نعم الصِّدّيق ، فمن لم يقل له الصِّدّيق فلا صدق الله له قولاً في الدنيا والآخرة .اهـ من كشف الغمة في معرفة الأئمة ، لأبي الحسن الإربلي ( 2 : 359 )
وقال : يا جابر ، بلغني أن قوماً بالعراق يزعمون أنهم يحبوننا، ويتناولون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ، ويزعمون أني أمرتهم بذلك ، فأبلغهم أني إلى الله منهم بريء ، والذي نفس محمد بيده ، لو وُلّيت لتقرَّبتُ إلى الله تعالى بدمائهم ، لا نالتني شفاعة محمد إن لم أكن أستغفر لهما وأترحّم عليهما ، إن أعداء الله لغافلون عنهما .
وقال لشعبة الخياط : أبلغ أهل الكوفة أني بريء ممن تبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأرضاهما . اهـ من الحلية ( 3 : 185 )
* سئل زيد بن علي رحمهما الله تعالى : رحمك الله ، ما قولك في أبي بكر وعمر ؟ فقال : رحمهما الله تعالى وغفر لهما ، ما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرأ منهما، ولا يقول فيهما إلّا خيراً.اهـ من مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري القمي ( 1 : 130 )(1/175)
* وعن عبد الملك بن أبي سليمان قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي عن قوله تعالى : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} قال : أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم . قلت : يقولون : هو علي؟ قال : علي منهم . اهـ من الحلية (3 : 185 )
* عن أبي جعفر محمد الباقر رحمهما الله تعالى قال : اجتمع المهاجرون : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أن ما أوجب الحدَّيْن ؛ الجلْدَ والرجمَ : أوجب الغسل .اهـ من ابن أبي شيبة ( رقم 946 ).
* وعن محمد الباقر رحمه الله تعالى ، أن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون إلى الجِمار . قال : وكان علي بن الحسين يمشي إليها . اهـ من ابن أبي شيبة ( رقم 13918 ).
* وعن عمرو بن عثمان قال : سألت أبا جعفر عن المزارعة بالثلث والربع ؟ فقال : إن نظرتَ في آل أبي بكر ، وآل عمر ، وآل علي ، وجدتَهم يفعلون ذلك .اهـ من ابن أبي شيبة ( رقم 21643 )
* وعن محمد الباقر رحمه الله تعالى قال : جلس عليٌّ وأصحابه يوم الجمل يبكون على طلحة والزبير . رواه ابن أبي شيبة ، رقم ( 38929 )
* وعنه رحمه الله تعالى قال : لم يكفُر أهل الجمل .اهـ مصنف ابن أبي شيبة ( رقم 38923 ) وانظر فيه رقم ( 38962 )
* مما استفيض عن سيدنا علي رضي الله عنه ، أنه سُئل عن أهل الجمل أمشركون هم ؟ قال : هم من الشرك فرّوا . قيل : أمنافقون ؟ قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً . قيل : فما هم ؟ قال : إخواننا بغوا علينا .
* وقال رضي الله عنه عن أهل صفين : كان بدء أمرنا أنّا التقينا القوم من أهل الشام ، والظاهر أن ربنا واحد ، ودعوتنا في الإسلام واحدة ، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ، ولا يستزيدوننا، الأمر واحد ، إلا ما اختلفنا في دم عثمان ، ونحن منه براء .اهـ من نهج البلاغة(1/176)
* وقال ـ عندما سمع من يسب معاوية وأهل الشام ـ : إني أكره لكم أن تكونوا سبابين ، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم ؛ كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر ، وقلتم مكان سبكم إياهم : اللهم احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم .اهـ من نهج البلاغة .
* وقال رضي الله عنه : لا تسبوا أهلَ الشام ، وسبّوا ظلمتهم ، فإن فيهم الأبدال ،... رواه الحاكم وغيره بإسناد صحيح .
* عن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد الله،...أخبرني عن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم صدقوا على محمد أم كذبوا؟ قال : بل صدقوا .اهـ من أصول الكافي ( 1 : 65 )
* قيل لجعفر الصادق رحمه الله تعالى : ما تقول في العشَرة من الصحابة؟ قال : أقول فيهم الخير الجميل، الذي يحط الله به سيئاتي، ويرفع به درجاتي .
قال السائل : الحمد لله على ما أنقذتني من بغضك ، كنت أظنك رافضيّاً يبغض الصحابة .اهـ من تفسير الإمام حسن العسكري لابن بابويه (179) وراز دلبران (70)
* عن أبي بصير ـ في قصة المرأة التي جاءت إلى الإمام جعفر الصادق رحمه الله تعالى تسأل عن أبي بكر وعمر ـ فقال لها : تولّيهما . قالت : فأقول لربي إذا لقيتُه : إنك أمرتني بولايتهما ؟ قال : نعم . الروضة من الكافي ( 8 : 101)
*وقال عبد الله المحض بن الحسن المثنى، عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: صلى الله عليهما ، ولا صلى على من لم يصل عليهما.اهـ من راز دلبران ( 122 )
* سئل الرضا عليه السلام ، عن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : >أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديم اهتديتم < وعن قوله : > دعوا لي أصحابي < فقال : هذا صحيح .اهـ من عيون أخبار الرضا بنقل الباقيات الصالحات ( 103 )(1/177)
* أقول قبل ختم هذه الأقوال : لو كان أئمة أهل البيت رحمهم الله تعالى يكرهون الصحابة الكرام رضي الله عنهم فلم يسمّون أولادهم بأسماء كبار الصحابة رضي الله عنهم ؟ إن من أولاد سيدنا علي الذين قتلوا مع أخيهم الحسين رضي الله عنهما في كربلاء : أبا بكر وعمر وعثمان . ومن أولاد الحسن بن علي رضي الله عنهما : أبا بكر وطلحة ، ومن أولاد عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه : عثمان ، ومن أولاد علي بن الحسين رضي الله عنهما : عمر، ومن أولاد عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما : أبا بكر، وهناك غير هؤلاء ، بل كانت كنية علي الرضا رحمه الله تعالى : أبا بكر ، كما في مقاتل الطالبيين ، فلو كانوا يكرهونهم فلم يسمون بأسمائهم ؟ انظر نسب قريش ( 42 ـ 84 ) ومقاتل الطالبيين في مواضع . ولكن قاتل الله الرافضة الذين يفترون عليهم .
* ثم لو كان عليٌّ رضي الله عنه يكره إخوانه الثلاثة رضي الله عنهم فلم يثني عليهم الثناء الذي يستحقّونه ؟ أكان خائفاً ؟ كلا والله ، أكان منافقاً ؟ كلا والله ، أكان مداهناً ؟ كلا والله ، أكان يفعل ذلك تقية ؟ كلا والله ، إنما فعل ذلك محبة وأخوة ورغبة .
* ثم كيف أرسل ولديه الحسنين رضي الله عنهما ومولاه قنبراً رحمه الله تعالى على باب عثمان رضي الله عنه ، لما حاصره الأوباش ، وقد تعرضوا للهلاك ، وقد خُضب الحسنُ رضي الله عنه بالدماء وشُج قنبر ، كما جرح بسبب ذلك عدد من موالي بني هاشم وبني أمية ـ عندما أرسل إليه الماء .
[لكن قاتل الله الرافضة ـ وخاصة كاشف الغطاء ـ الذين يزعمون أن عليّاً رضي الله عنه هو الذي تآمر على قتل عثمان ، وأنه أشرف على ذلك ، وأنه أرسل ربيبَه فباشر قتله بيده ، مع خُلَّص أصحابه وأتباعه ].(1/178)
* ثم لو كان سيدنا علي رضي الله عنه يكرههم فلم يُزوِّج ، أو يتزوج هو أو أولاده وأحفاده من بنات كبار الصحابة رضي الله عنهم ؟ إن من ينظر في كتب الأنساب يرى ما يصفع الرافضة على وجوههم ، ويغلق أفواههم بتلك الحقائق .
* فقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عائشة بنت أبي بكر ، وحفصةَ بنتَ عمر رضي الله عنهم، والله تعالى يقول :{وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ}
* وتزوج عثمان بنتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رقية وأم كلثوم رضي الله عنهم .
* وتزوج عمر أمَّ كلثوم بنتَ علي وأمها السيدة فاطمة رضي الله عنهم .
* وتزوج إسحق بن جعفر أمَّ حكيم بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم .
* وتزوج الحسن بن علي حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم
* وتزوج محمد الباقر أمَّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم .
* وتزوج موسى بن عبد الله بن الحسن بن علي أمَّ سلمة بنت طلحة بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم .
فلو كان أئمة آل البيت يكرهون أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ـ وحاشاهم من ذلك ـ هل يتزوجون منهم ؟ وهل يزوجونهم؟... اللهم هذا بهتان عظيم .
قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى ـ بعد ذكره لسيرة العشرة رضي الله عنهم ـ : أبعد الله الرافضة ، ما أغواهم وأشد هواهم ، كيف اعترفوا بفضل واحد منهم ، وبخسوا التسعة حقهم ، افتروا عليهم بأنهم كتموا النص في علي ـ رضي الله عنه ـ أنه الخليفة ، فوالله ما جرى من ذلك شيء ، وأنهم زوَّروا الأمر عنه بزعمهم ، وخالفوا نبيهم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وبادروا إلى بيعة رجل من بني تيم ، يتَّجر ويتكسب ، لا لرغبة في أمواله ، ولا لرهبة من عشيرته ورجاله.(1/179)
ويحك ! أيفعل هذا من له مسكة عقل ؟ ولو جاز هذا على واحد لما جاز على جماعة ، ولو جاز وقوعه من جماعة ، لاستحال وقوعه ـ والحالة هذه ـ من ألوف من سادة المهاجرين والأنصار، وفرسان الأمة، وأبطال الإسلام، لكن لا حيلة في بُرء الرفض ، فإنه داء مزمن ، والهدى نورٌ يقذفه الله في قلب من يشاء ، فلا قوة إلا بالله . اهـ سير أعلام النبلاء ( 1 : 140 ـ 141 )
تنبيه : ومما يدل على إرادة الخلفاء الراشدين ـ أبي بكر ، وعُمر ، وعثمان ، وعليٍّ ـ رضي الله عنهم بعملهم وجه الله تعالى ، وأنهم لم يريدوا أمراً دنيويّاً ، ولا مصلحة فردية ، أنهم جميعاً لم يُعيِّنوا من أولادهم ولا من ذويهم أحداً وليّاً للعهد ، ولم يعيِّن أحدٌ منهم من أولاده خليفةً بعده ، مع أنهم تركوا خلفهم أولاداً لهم ، وهم من خيار الصحابة رضي الله عنهم .
وانظر ما كتبه العلامة السيد أبو الحسن الندوي رحمه الله تعالى في (صورتان متضادتان ) خاصة فيما نقله عن السيد أمير علي ، وهو شيعي (25وما بعد) من كتابه مختصر تاريخ العرب ، من ثناء حار ومبهج على الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم على الانفراد ، وعلى الصحابة جملة . وانظر كتاب الآيات البينات ، للسيد الأمير محسن الملك منير نواز جنك وهو من عائلة شيعية انتقل إلى السنة ، وصار نائباً لمدير جامعة عليكرة الإسلامية .
أما موقف الشيعة الرافضة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم .
فقد ضرب الشيعة الرافضة بعشرات الآيات ومئات الأحاديث عرض الحائط ، وخالفوا أمر الله تعالى ، وأمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ صراحة في وجوب تولي الصحابة رضي الله عنهم ومحبتهم والرغبة في الكينونة معهم ، كما خالفوا قول الله تعالى صراحة في ذكره جل شأنه محبتهم ورضاه عنهم ، وثنائه تعالى عليهم ، وإخباره بإيمانهم ، وبيان منزلتهم عنده جل شأنه ، وأنهم من أهل الجنة ، وأنهم أهل الإيمان والخيرية،...(1/180)
ومع كل ما ذكرته مما جاء عن أئمة آل البيت ـ وكثير غيره ـ من الثناء على الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، وتولّيهم : نرى الأشقياء من الرافضة كذبوا على أئمة آل البيت ، فنقلوا نقولاً كثيرة في تكفير الصحابة رضي الله عنهم ، والتهجم عليهم ، ورميهم بأبشع القبائح ، واتهامهم بأقذع التهم ، التي يندى لها الجبين ، حتى فاقوا اليهود والنصارى فيما وصفوهم .
كما أن كثيراً من أئمتهم شحنوا كتبهم بالسب والشتم والتكفير والطعن ، ودعوى التسلط والخيانة والغدر وأنهم منافقون ـ حاشاهم ـ وأنهم ما أسلموا إلا للدنيا ، وأنهم حذفوا كثيراً من الآيات والسور القرآنية ، أو بدلوها ، كما أنهم عاملوا آل البيت أبشع معاملة ، إضافة إلى الحقد الذي ملأ قلوبهم نحو هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم .
وأن هذا الحقد والهجوم ليس مختصاً بزمن بل هو موجود إلى يومنا هذا ، فكم سمعنا من بعض الناعقين في دروسهم وندواتهم،...وهو ينعق بتكفير الصحابة رضي الله عنهم ويرميهم بأبشع التهم، ويقذفهم بأحقر الصفات ، وأخس الأخلاق ...{قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } فيكونون قد خالفوا أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وما جاء من وصف الله تعالى لهم بالوصف الحسن الجميل ، وما أثنى عليهم من كمال الإيمان والصدق والإخلاص واليقين .(1/181)
إن طعن الرافضة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم كأنهم يقولون لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم : لا علم لكم بهم ، ونحن أعلم بهم منكم ، لذا كانوا أعداءاً لله تعالى ، وأعداء لرسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، وأعداء للقرآن الكريم، وأعداء للنبوة، وأعداء للإسلام ، لأن الطعن في الصحابة الكرام رضي الله عنهم : طعن في هؤلاء جميعاً ، لأنهم هم شهود القرآن والنبوة والسنة ، وهم الذين نقلوا ذلك ، فإذا طعنوا فيهم يكونون قد طعنوا في الدين والقرآن والسنة والنبوة ، لأنهم هم الذين بلغوا ذلك كله بما فيهم علي رضي الله عنه .
قارن بين قول الرافضة وبين قول الله تعالى : {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
وعشرات الآيات التي يثني الله تعالى فيها على الصحابة رضي الله عنهم . فماذا يقال بعد رضاء الله تعالى عليهم ، ومحبته تعالى لهم ، وأنهم مخلَّدون في الجنة ؟.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : > لا تسبوا أصحابي ، فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحدٍ ذهباً ، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه < متفق عليه .
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : > خير القرون قرني < و > بُعثتُ في خير قرون بني آدم < فهو حديث متواتر ، يرويه أكثر من عشرين صحابيّاً .
وعشرات غيرها .
لذا أقول : لو كانوا صادقين في إيمانهم ، ومحبتهم ، وطاعتهم ،... لأحبوا الصحابة رضي الله عنهم كما يحبون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكن الشعوبية يأبون الصدق في الانتماء ، والحب الصادق ، ولا يحرصون إلّا على الادعاء والتقية .(1/182)
قال النوبختي ـ في ذكره للسبئية ـ: أصحاب عبد الله بن سبأ ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة ، وتبرأ منهم ، وقال : إن عليّاً عليه السلام أمره بذلك . فأخذه عليٌّ فسأله عن قوله هذا فأقرَّ به ، فأمر بقتله، فصاح الناس إليه : يا أمير المؤمنين، أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت ، وإلى ولايتك، والبراءة من أعدائك؟ فصيَّره إلى المدائن.اهـ من فرق الشيعة (44) وقاموس الرجال للتستري (5 : 463 )
فكان أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة رضي الله عنهم، وتبرأ منهم، كما قال سعد بن عبد الله القمي، في المقالات والفِرَق (20)
* قال المجلسي : إن أبا بكر وعمر هما فرعون وهامان .اهـ
* قال الباقر: لما أخذ النبيُّ ـ يومَ الغدير ـ بيد عليٍّ، صرخ إبليس في جنوده صرخةً ، لم يبق منهم أحد في بر ولا بحر إلا أتاه ، فقالوا : ماذا دهاك ؟ ما سمعنا صرخةً أوحشَ من هذه . فقال : نعم ، فعل هذا النبيُّ فعلاً إن تم لم يَعص اللهَ أحدٌ أبداً . فقالوا : يا سيد ، أنت كنتَ لآدم ، أغويته .
فلما قال المنافقون (إنه ينطق عن الهوى) [لاحظ تزويرَ الرافضة في الآية] وقال أحدُهما لصاحبه ( أبو بكر وعمر ) : أما ترى عينيه تدوران في رأسه كأنه مجنون؟ يعنون النبيَّ . صرخ إبليس صرخة يطرب ، فجمع أولياءَه ثم قال : أما قلتم : إني كنت لآدم من قبل ؟ قالوا : نعم ، قال : آدم نقض العهدَ ولم يكفر بالرب ، وهؤلاء نقضوا العهدَ وكفروا بالرسول .
ولما قُبض النبيُّ ، وأقام الناسُ أبا بكر ، لبس إبليس تاج الملك ، ونصب منبراً ، وقعد في ألويته ، وجمع خيلَه ورجِلَه، ثم قال لهم : اطربوا ، فلن يطاع الله أبداً ، حتى يقوم إمام ،... الخ نقلاً من الوشيعة (41 ـ42) عن الوافي عن التهذيب والكافي (2 : 45 ) وانظر التعليق بعد النص التالي .(1/183)
* قال الباقر : إن رسول الله أقبل يقول لأبي بكر ـ وهو في الغار يرتعد ـ : اسكن ، فإن الله معنا . وقد أخذته الرِّعْدة ، وهو لا يسكن ، فلما رأى النبيُّ حالَه قال له : تريد أن أريك أصحابي من الأنصار في المجالس يتحدثون ، وأريك جعفراً وأصحابه في البحر يغوصون؟ قال : نعم . فمسح النبيُّ بيده على وجهه . فنظر أبو بكر إلى الأنصار يتحدثون، ونظر إلى جعفر وأصحابه في البحر يغوصون . فأضمر في تلك الساعة : إنه ساحر ، فسمي صدّيقاً . من الكافي (2: 51) والوشيعة (42 ـ43).
هل هؤلاء عقلاء؟ إن الموفق من رُزق العقل . أما يستحي الكذاب واضع هذه الأخبار على لسان الباقر ـ وقد مر ثناؤه على الشيخين من قبل ـ
يقول الله تعالى : {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا وَالله عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
هل يعلم هذا المفتري أنه يطعن بالله تعالى ، وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، بأنهما لم يعرفاالشيخين ، وأنهما غير موثوق بهما ، وأنهما يحرّفان لفظ القرآن ، ويتهمان النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بالسحر ، ويتهمهما بالكفر . فإن كانا كذلك ، فكيف خفي أمرهما على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلى الله تعالى، الذي يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور ، وكيف يأمر النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر رضي الله عنه أن يصلي بالناس مدة مرضه ، وتنزل فيه عشرات الآيات في القرآن الكريم ، فيها الثناء والإطراء، فهل خفي أمره على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وانكشف لشياطين اليهود والمجوس ، فأوحوا به إلى فروخهم من الرافضة .(1/184)
ثم لو كان أبو بكر الصِّدّيق رضي الله عنه كاذباً وغير واثق بالنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أكان الله تعالى يثني عليه هذا الثناء ؟ ويُنزل عليه سكينتَه ، ويؤيده بالجنود التي لا ترى ؟ ثم إذا كان الله تعالى ثالثهم فما هي رتبة الصديق رضي الله عنه؟ وإذا كان النبيُّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ثانيه فما هي رتبته ؟ ثم لو كان غير موثوق به أيرضاه الله تعالى مرافقاً سريّاً لنبيه وحبيبه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؟ ثم على من كان الصِّديق رضي الله عنه خائفاً ؟ على نفسه ؟ لا ، والله ، إنما هو على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه يرى نفسه عاجزاً عن نصرته وحمايته والدفاع عنه ، ثم لو كان غير موثوق به كيف يقول له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله معنا ؟ ثم لو كان غير موثوق به فلم تجعل قريش الجعلَ فيمن أتى به ، كما يُؤتى بالنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ؟ هذا كله فيما لو خفي أمره على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكيف والأمر على خلاف ذلك تماماً ، ثم كيف يسمّى صِدِّيقاً وهو يضمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ساحر؟ أليس هذا من غباء الكذاب ، ولكن الله تعالى طمس بصيرته ليظهر كذبه .
* ونقل عن زين العابدين ـ وقد سأله مولى له ـ : لي عليك حق الخدمة ، فأخبرني عن أبي بكر وعمر ؟ فقال علي بن الحسين : إنهما كافران ، والذي يحبهما فهو كافر أيضاً .اهـ وقد رواه من طرق عنه . انظر : بطلان عقائد الشيعة ( 65 ـ 66) لأنه بالفارسي .
وهل ظن مفتري هذا القول : أنه يكفِّر النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم وعليّاً وأبناءه رضي الله عنهم ، لأنه من الثابت أنهم يحبونهم . ولا شك أن هذا كفر . وقد سبق ذكر أقوالهم في أول الفصل .(1/185)
*ونقل الكشي، أن الكميت بن زيد سأل أبا جعفر عن الشيخين، فقال : يا كميت بن زيد ، ما أهريق في الإسلام محجمة دم ، ولا اكتسب مال من غير حله ، ولا نكح فرج حرام ؛ إلا وذلك في أعناقهما إلى يوم يقوم قائمنا ، ونحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبهما ، والبراءة منهما .اهـ من معرفة الرجال (135)
هذا والله كذب ، فبنو هاشم هم من أكثر الناس حبّاً وتقديراً واحتراماً للشيخين رضي الله عنهما ، ثم انظر ما ثبت عن الباقر من ثناء على الشيخين
* لقد صنع الرافضة في إيران في مدينة كاشان الإيرانية في منطقة ( باغي فين ) مقاماً لأبي لؤلؤة المجوسي الفارسي لعنه الله تعالى قاتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وكتبوا على لوحةٍ بالفارسي ، ومعناها بالعربية ـ كما قال السيد حسين ( مرقد بابا شجاع الدين ) وقد كتبوا على جدران هذا المشهد بالفارسي ( مرك بر أبو بكر، مرك بر عمر، مرك بر عثمان ) ومعناه بالعربية ـ كما قال السيد حسين : الموت لأبي بكر ، الموت لعمر ، الموت لعثمان .
وهذا المشهد يُزار من قِبل الإيرانيين ، وتُلقى فيه الأموال الطائلة ، وقد قامت وزارة الإرشاد الإيرانية قبل فترة بتوسيعه وتجديده ـ كما قال السيد حسين ـ وقد رآه بعينه ، كما رآه الكثيرون ـ وقد طبعوا صورتَه على ظروف الرسائل والمكاتيب .
* وروى الكليني عن أبي جعفر رحمه الله تعالى قوله : كان الناس أهل ردَّةٍ بعد النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم إلّا ثلاثة . فقلت : من الثلاثة ؟ فقال : المقداد ابن الأسود ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي .اهـ من الكافي ( 3 : 85 ) ورجال الكشي ( 12 ـ 13 )(1/186)
ما يفعل هؤلاء الكاذبون في مثل قوله تعالى : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ الله وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} وفي مثل قوله تعالى :{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
فبعد رضاء الله تعالى ، ووعده ـ ووعدُ الله تعالى لا يتخلّف ـ لهم بالخلود بالجنة ، وإكرامهم بمعية رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، وجعل مثلهم في التوراة والإنجيل ،... تحكم الرافضةُ ـ عاملهم الله تعالى بعدله ـ بكفرهم ! إنها تكون مكذِّبةً لله تعالى فيما أخبر ، ومنكرةً له فيما وعد ، ونافية لما منح . فمن الحاكم والقاضي والخالق والمانح ،... ؟
* وروى عن أبي جعفر الصادق رحمه الله تعالى قوله : إن الشيخين ـ أبا بكر وعمر ـ فارقا الدنيا ولم يتوبا ، ولم يذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين عليه السلام ، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .اهـ الكافي ( 8 : 246 )(1/187)
* وروى عن محمد الباقر قال : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم : من ادعى إمامةً من الله ليست له ، ومن جحد إماماً من الله ، ومن زعم أن لأبي بكر وعمر نصيباً في الإسلام ، لا يكلمه الله ولا يزكيه وله عذاب أليم .اهـ من الكافي ( 1 : 373 )
ألا لعنة الله على من كذب على هذين الإمامين .
* ونقل الكشي عن محمد بن أبي بكر الصديق قوله : إن أباه في النار . رجال الكشي (61)
* ونقل عن أبي جعفر رحمه الله تعالى قال : المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا ـ وأشار بيده ـ إلّا ثلاثة .اهـ من رجال الكشي ( 13 )
ويلزم أن تقارن بين هاذين القولين وما سبق مما ذكرته عنه من قوله رحمه الله تعالى : فمن لم يقل له الصِّدّيق فلا صدق الله له قولاً في الدنيا والآخرة .
وقوله رحمه الله تعالى : والذي نفس محمد بيده ، لو وُلّيت لتقرَّبتُ إلى الله تعالى بدمائهم، لا نالتني شفاعة محمد إن لم أكن أستغفر لهما وأترحّم عليهما، إن أعداء الله لغافلون عنهما .
وقوله لشعبة الخياط : أبلغ أهلَ الكوفة أني بريء ممن تبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأرضاهما .
وقول جعفر الصادق رحمه الله تعالى للمرأة التي تسأل عن أبي بكر وعمرـ فقال لها : تولّيهما . قالت : فأقول لربي إذا لقيتُه : إنك أمرتني بولايتهما ؟ قال : نعم . الروضة من الكافي ( 8 : 101 )
* لكن أقبح ما فعلوا اتهامهم سادات الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم بأقذع التهم .
ـ قال نعمة الله الجزائري الرافضي : إن عمر بن الخطاب كان مصاباً بداء في دبره ، لا يهدأ إلا بماء الرجال .اهـ من الأنوار النعمانية ( 1 : 63 )
أخزاه الله وعامله بعدله ، هكذا يتهم سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه ، وهل كان حاضراً ؟ وإذا كان كذلك فكيف يزوجه علي رضي الله عنه ابنته أم كلثوم ؟ ثم ألا يعلم أن هذا قذف ، وما عقوبة القاذف الخاص ، سيأتي ذكر الآيتين بعد قليل .(1/188)
ـ وعن علي بن يونس البياضي قال : كان عثمان ممن يُلعب به ، وكان مخنّثاً .اهـ من الصراط المستقيم (2 : 30 )
أخزاه الله تعالى وعامله بعدله ، هكذا يتهم سيدنا عثمان رضي الله عنه وأرضاه ، وهل كان حاضراً ؟وإذا كان كذلك فكيف يزوجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنتيه رقية وأم كلثوم ؟ ثم ألا يعلم أن هذا قذف ، وما عقوبة القاذف الخاص ، سيأتي ذكر الآيتين بعد قليل .
لكن لا يستغرب من الفارسي الحاقد أن يسطر ما تشتهيه نفسه .
ـ قال ابن رجب البرسي: إن عائشة جمعت أربعين ديناراً من خيانة .اهـ من مشارق أنوار اليقين ( 86 )
هكذا يُكافَأ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ؟! لو كان عند الفاجر ذرة عقل أو إيمان ؛ لما قال هذا القول ، متهماً حبيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشرفها، بعد أن حذر الله تعالى من العود إلى مثل هذا الاتهام {يَعِظُكُمُ الله أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
لذا انعقد الإجماع على كفر من يتهم السيدة عائشة رضي الله عنها بذلك.
ثم ألا يتصور الخبيث ـ عامله الله بعدله ـ أنه طعن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والله جلت قدرته يقول : {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} لكن الرافضي الفارسي الحاقد يهمه الطعن بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولو أدى ذلك إلى الطعن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم . ثم ألا يعلم أن هذا قذف ، وقد حكم عامة المسلمين على كفر من يتهم السيدة عائشة رضي الله عنها بما برأها الله تعالى منه . اسمع قول الله تعالى في بيان عقوبة القاذف في الدنيا والآخرة .(1/189)
قال الله تعالى : {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}
وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} هذه عقوبة القاذف ، فكيف وأنت تتهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه تزوج امرأة تخون ، وما عقوبة من يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أهله ؟ اسمع قول الله تعالى ـ إن كان لك سمع ـ { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} وليس لي تعليق ، لكن أقول : من اعتقد ذلك فليتب قبل أن لا ينفعه الندم ، ولا تقبل التوبة .(1/190)
ـ روى الكافي والوافي، أن قول الله تعالى : {ضَرَبَ الله مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ الله شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} نزل في عائشة وحفصة ، وأبي بكر وعمر ، وأن عائشة وحفصة كافرة منافقة مخلدة في النار .اهـ من الوشيعة (39) هل مفتري هذا القول عاقل أم مجنون ؟ هذا تحريف من القول، وليس تفسيراً له . الآية تتحدّث عن زوجتين، وليس عن بنتين، ثم إن وضع هاتين الزوجتين تكرر أمرهما في غير هذه الآية ، أما أمهات المؤمنين رضي الله عنهن فقد جاء الثناء عليهن ، ومدحهن ، في كتاب الله تعالى حتى في آخر أيام النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } و{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ } و {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} و{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ الله وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ الله عَظِيماً} و {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} في آيات كثيرات ، فإن كان الكذاب مؤمناً فهن أمهاته شاء أو أبى ، وإلا لم يكن مؤمناً ، وإن كان متبعاً للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم علم أنهن زوجاته في الدنيا والآخرة .(1/191)
لذا حرّم زواجهن من بعده صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم هن أس أهل البيت ، شاء أم أبى أيضاً .
وأقتصر على قول آخر فيه الطعن بالسيدة عائشة رضي الله عنها ، مع ما فيه من قلة الحياء ، والجرأة والوقاحة، والطعن في علي وابن عباس وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم .
* قال الكشي : لما هزم علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أصحابَ الجمل ، بعث أمير المؤمنين عليه السلام عبدَ الله بن عباس إلى عائشة ، يأمرها بتعجيل الرحيل ، وقلة العرجة .
قال ابن عباس : فأتيتها وهي في قصر بني خلف ، في جانب البصرة . قال : فطلبت الإذن عليها فلم تأذن، فدخلت عليها من غير إذنها، فإذا بيت فقار، لم يعد لي فيه مجلس، فإذا هي من وراء سترين. قال : فضربت ببصري، فإذا في جانب البيت رحل عليه طنفسة ، قال : فمددت الطنفسة فجلست عليها ، فقالت من وراء الستر : يا ابن عباس ، أخطأت السنة ، دخلت بيتنا بغير إذننا ، وجلست على متاعنا بغير إذننا .
فقال لها ابن عباس : نحن أولى بالسنة منك، ونحن علمناك السنة ، وإنما بيتك الذي خلفك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله ، فخرجت منه ظالمةً لنفسك ، غاشية لدينك ، عاتبةً على ربك ، عاصية لرسول الله صلى الله عليه وآله، فإذا رجعت إلى بيتك لم ندخله إلا بإذنك، ولم نجلس على متاعك إلا بأمرك ،...
ثم قال : وما أنت إلا حشية من تسع حشايا خلفهن بعده ، لستِ بأبيضهن لوناً ، ولا بأحسنهن وجهاً ، ولا بأرشحهن عرَقاً ، ولا بأنضرهن ورقاً ، ولا بأطرئهن أصلاً ،.
قال ابن عباس : ثم نهضتُ وأتيت أمير المؤمنين عليه السلام ، فأخبرته بمقالها ، وما رددت عليها . فقال علي : أنا كنت أعلم بك حين بعثتك .اهـ من معرفة الرجال ( 55 ـ 57 )
الذي يعرف ابن عباس رضي الله عنهما يعلم أن هذا القول مفترى عليه ، فما هذه أخلاقه ، ولا هذه آدابه ، ولا هذا حياؤه ،...
ثم إن ابن عباس رضي الله عنهما متهم عند الرافضة .(1/192)
روى الكشي أن أمير المؤمنين عليه السلام دعا على عبد الله بن العباس ، وأخيه عُبيد الله فقال: اللهم العن ابنَي فلان ـ يعني: عبدَ الله وعُبيدَ الله ـ واعم أبصارَهما كما عَمِيت قلوبهما ، الأجلين في رقبتي ، واجعل عَمى أبصارهما دليلاً على عمى قلوبهما .اهـ من رجال الكشي ( 52 )
هكذا دعا عليه ـ وإن كان كذباً، وهو افتراء من الرافضة ـ فكيف يرسله .
ـ ثم إن ابن عباس رضي الله عنهما يعلم جيداً منزلة عائشة رضي الله عنها العلمية ، فهل يخاطبها بهذا القول السفيه ؟ حاشا وكلا .
ـ ثم إن ابن عباس رضي الله عنهما أجل من أن يطعن بأمهات المؤمنين رضي الله عنهن وخالته واحدة منهن .
ـ ثم إنه رضي الله عنه أتقى لله تعالى أن يقول مثل هذا القول السفيه، وهل هي دالة بجمالها ، وحسبها ونسبها ،... ثم يبكت من ذلك ؟
ولكنه الخبث واللؤم والحقد الذي بلغ بالقوم ، أن يتناقضوا مع أنفسهم ليفضحهم الله تعالى بما يقولون ، وفيما يفترون ، لذا فالويل لهم . لأنهم يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أزواجه { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً}
* وروى الكشي عن موسى بن جعفر [ الكاظم ] قال : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ : أين حواري محمد بن عبد الله ؛ رسول الله ، الذين لم ينقضوا عليه ؟ فيقوم سلمان ، والمقداد ، وأبو ذر .اهـ معرفة الرجال ( 1 )
ويظهر كذب هذا القول من وجهين :
ـ أين أئمة آل البيت ؛ علي وأبناؤه رضي الله عنهم ؟ ليسوا من الحوارين كما هو ظاهر الخبر . ثم انظر التشكيك في سلمان وأبي ذر رضي الله عنهما ، كما في معرفة الرجال للكشي ( 8 )(1/193)
ـ إن الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه حواريه : هو الزبير رضي الله عنه لا غير . فقال : > لكل نبي حواريٌّ ، وحواريّ الزبير < متفق عليه ، من حديث جابر ، ورواه ابن أبي شيبة والطيالسي وأحمد ـ في كثيرين ـ وصححه الترمذي والحاكم من حديث سيدنا علي رضي الله عنه .
* وقال المجلسي : وعقيدتنا ـ الشيعة ـ في التبرؤ : إننا نتبرأ من الأصنام الأربعة ؛ أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ، والنساء الأربع ؛ عائشة وحفصة وهند وأم الحكم . ومن جميع أتباعهم وأشياعهم ، وأنهم شر خلق الله على وجه الأرض ، وأنه لا يتم الإيمان بالله ورسوله والأئمة إلا بعد التبرؤ من أعدائهم .اهـ من حق اليقين ـ بالفارسية ، وبطلان عقائد الشيعة ( 53 )
وانظر اتهام الخميني للشيخين رضي الله عنهما بالكفر والزندقة ، والجور والجهالة والحماقة ومخالفة القرآن ، والتلاعب بالأحكام : كشف الأسرار (107ـ 116) وكتابه كشف الأسرار بالفارسية ، وقد نقل منه العلامة التونسوي في بطلان عقائد الشيعة والسيد أبو الحسن الندوي رحمه الله تعالى في (صورتان متضادتان ) والعلامة النعماني في الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام ، نقولاً عدة ، فانظر هذه الكتب ففيها فوائد كثيرة جدّاً.
وأنقل قولين له ، اتهم فيهما أبا بكر وعمر رضي الله عنهما بالوضع ، حتى يعلم ظلمه وجوره وبهتانة وضلاله ، وجرأته في الكذب ، مع الرد عليه .
* القول الأول : اتهام الخميني أبا بكر رضي الله عنه بوضع حديث .
قال الخميني ـ عامله الله بعدله ـ : طبقاً لقانون الإرث من وجهة النظر القرآنية ، فإن فاطمة الزهراء بنت رسول الله ، كانت أحق بتركة النبيّ ، ولكن أبا بكر ـ بعد أن صار خليفة ـ خالف حكم القرآن الصريح ، وحرمها من التركة ، وعرض على الناس حديثاً نسبه إلى الرسول ، يقول فيه : > نحن معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة < كشف الأستار (112)(1/194)
أقول : هذا كذب وافتراء على الصديق رضي الله عنه ، ثم هذه جرأة مع غاية الوقاحة في اتهامه الصديق رضي الله عنه . ثم ما ذكره مغالطة مشينة ، ودعوى غير صحيحة ، والجواب على هذا الافتراء من أوجه كثيرة ، أقتصر على ذكر بعضها ، ليتطابق مع اختصار البحث :
أ ـ من المعلوم في علم المواريث أن ليس كل ولد يرث من أبيه ، إنما يجب توفر شروط :
1 ـ أن لا يكون الولد قاتلاً لأبيه .
2 ـ أن يكون الولد مسلماً على دين أبيه ، فلو كان كافراً فلا يرث .
3 ـ أن يكون الولد حرّاً كأبيه ، فلو كان رقيقاً فلا يرث .
ويمنع الشخص من الميراث واحدة من علل ثلاث
رقٌّ ، وقتلٌ ، واختلاف دِين فافهم فليس الشك كاليقين
فقوله : طبقاً لقانون التوارث ،... ليس على إطلاقه ، وإن السيدة فاطمة رضي الله عنها لا تنطبق عليها هذه العلل ، ولله الحمد ، ولكن تُمنع لأمر آخر ، لذا من المعلوم أن النص إذا أخرج بعض جزئياته ، لم تبق له القوة في الاستدلال بعمومه .
ب ـ إن الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وصف أبا بكر رضي الله عنه بالصديق . والصّدّيق مبالغة من اسم الفاعل ( صادق ) لذا كيف يوصف الصِّدِّيق رضي الله عنه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والله تعالى يقول : { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} كما قال علي رضي الله عنه ، وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدّيقاً .(1/195)
ج ـ استمرار العلاقة الحميمة بين الصديق وعلي وأبنائه رضي الله عنهم ، فلو أن عليّاً رضي الله عنه نقم من الصديق رضي الله عنه ، ولم يعتقد بصحة الحديث ـ خاصة وأنه هو أحد من سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ لانقطعت العلاقة بينهما ، أو على الأقل فترت ، بينما المعلوم هو العكس ، حتى صرح بما لا مجال للشك فيه ـ كما في مصادر السنة والشيعة المعتبرة ـ على أن الصديق رضي الله عنه هو أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنه أحبهم إليه ، وثناؤه عليه كثير ، مر بعضه في أول الفصل .
د ـ ومما يدل على علو منزلة الصديق عند علي رضي الله عنهما ، وأنه عنده موضع الثقة والأمانة والصدق : ما عرف من مذهبه رضي الله عنه عند سماعه حديثاً لم يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنه كان يستحلف كلَّ من يحدِّثه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باستثناء أبي بكر رضي الله عنه ، فيقول : حدثني أبو بكر ، وصدق أبو بكر .
فعن علي رضي الله عنه قال : كنت إذا سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني ، وإذا حدثني أحدٌ من أصحابه استحلفته ، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر ،... الحديث بطوله ، رواه أحمد والحميدي وأصحاب السنن الأربعة والبزار وابن السني والدارقطني في آخرين .
فانظر إلى هذه الثقة القوية ( وحدثني أبو بكر ، وصدق أبو بكر ) فمن كان مثله يقال عنه هذا القول المشين ! ثم لو كان كذلك كيف يثق به علي رضي الله عنه ، ويصفه بالصدق ؟ ثم كيف ينطلي عليه ما حدث به ، ثم إن عليّاً رضي الله عنه قال هذا القول في حال خلافته ـ يعني بعد وفاة الصديق بسنوات طويلة ـ فإذا قيل كان يخاف يومها ، يقال : إنه لما قال هذا القول كان خليفة ، وهو حر . مما يدل على كذب الخميني ودجله فيما زعم .(1/196)
هـ ـ لو كان النبيُّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم يورث كما يورث بقية الناس، وأن الصديق رضي الله عنه ـ حاشاه ـ هو الذي اخترع هذا الحديث ، لكان قد جر الحيف على ابنته . لأن منع الميراث يقع على أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ، ومنهن عائشة وحفصة ، فكيف يضع الأب حديثاً ليحرم ابنته من الميراث ! كما يمنع العباس عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنه ، كما يمنع عمته السيدة صفية أم الزبير رضي الله عنهما ـ أما علي رضي الله عنه فلا يرث من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسببين، أما عند أهل السنة فلأنه محجوب بعمه العباس ، وأما عند الرافضة فهم لا يورثون بالعصبة . ومع هذا لم ينقل ـ عند أهل السنة وعند الرافضة ـ أن طالب العباس وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم بهذا الميراث . دلالة على معرفتهم بعدم الاستحقاق ، ومعرفتهم بالحديث .
و ـ إن أبا بكر رضي الله عنه كان قد دفع صفايا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ومنها فدك ـ إلى علي رضي الله عنه ، كما دفع إليه أدواته وسلاحه وغيرها ، ولم يكن دفعها إليه على سبيل التوريث ، لأنه كما قلت : لا يرث من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنه محجوب بعمه ، والعباسُ أولى بالميراث منه ، لأنه العم كما هو معلوم .
ز ـ لقد ثبت في الصحيحين وغيرهما ، أن سيدنا عمر رضي الله عنه كان قد دفع صفايا النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم للعباس وعلي رضي الله عنهما ليعملا بها كما كان رسول الله يعمل بها، ولكنهما اختلفا فيما بينهما ، فجاءا إليه، وقد قدّما عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم . فقال العباس : يا أمير المؤمنين ، اقض بيني وبين هذا ...(1/197)
فقال عمر رضي الله عنه :... إن الله جل وعز كان خصَّ رسولَه صلى الله عليه وآله وسلم بخاصةٍ لم يخص بها أحداً من غيره . قال : {مَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ... }
قال : فقسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينكم أموال بني النضير، فوالله ما استأثر عليكم ، ولا أخذها دونكم ، حتى بقي هذا المال ، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ منه نفقة سنة ، ثم يجعل ما بقي أُسوة المال . ثم قال : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، أتعلمون ذلك ؟ قالوا : نعم . ثم أنشد عبّاساً وعليّاً بمثل ما نشد به القوم ؛ أتعلمون ذلك ؟ قالا : نعم ....
قال : ـ وهو يخاطب العباس وعليّاً ـ ثم جئتني أنت وهذا ، وأنتما جميع ، وأمرُكما واحد . فقلتما : ادفعها إلينا . فقلتُ : إن شئتم دفعتها إليكما على أنّ عليكما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذتماها بذلك . قال : أكذلك؟ قالا: نعم . قال : ثم جئتماني لأقضي بينكما . ولا، والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عجزتما عنها فرداها إلي . متفق عليه .
فلو كان لهما حق بالميراث ما منعه عمر منهما رضي الله عنهم ، ولطالباه به
ح ـ إن عليّاً رضي الله عنه لما ولي الخلافة سلك في صفايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما كانت في زمن الخلفاء الثلاثة قبله رضي الله عنهم . ولم يجعلها ميراثاً لأولاد فاطمة رضي الله عنها، فلو كان ما فعله الخلفاء قبله باطلاً ـ حاشاهم ـ كما تزعمه الرافضة ، لما أقره ، ولغيَّره .
لما قيل له رضي الله عنه في ذلك فقال : إني لأستحي من الله أن أرد شيئاً منعه الصِّدّيق ، وأمضاه الفاروق .(1/198)
عن محمد بن إسحق قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي [الباقر] قلتُ : أريتَ عليّاً حين ولي العراقَ وما ولي من أمر الناس كيف صنع في سهم ذوي القربى وفَدَك؟ قال : سلك طريقَ أبي بكر وعمر .وانظر الوشيعة (77ـ 79)
فلو كانت السيدة فاطمة رضي الله عنها ترث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ كبقية الورثة ـ لورَّث عليٌ رضي الله عنه أولادَها ، علماً بأن الحسن والحسين كانا موجودين ، ولو غفل أو انشغل لطالباه به ، وكل ذلك لم يحصل ، دلالة على أنها لا ترث ، وأن ما رواه أبو بكر وعمر وعثمان والزبير وسعد وابن عوف والعباس وعلي رضي الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صحيح ، وأن ما زعمه الرافضة كذب ، وما قاله الخميني فهو كذب ، يستحق عليه ما يستحق الكاذب .
ي ـ إن هذا الحديث لم ينفرد به الصّدّيق أو الفاروق رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد رواه أكثر من ( 13 ) ثلاثة عشر صحابياً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن جملة من سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي والعباس رضي الله عنهما ، ولولا خشية الطول لذكرت الطرق والروايات الأخرى .
وأقتصر على ذكر رواية واحدة ، وفيها التصريح من العباس وعلي رضي الله عنهما بسماعهما الحديث من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى يعلم كذب الأفاك الظالم الحاقد .(1/199)
فعن مالك بن أوس قال : بينما أنا جالس في أهلي حين مَتَع النهار ، إذا رسولُ عمر بن الخطاب يأتيني ، فقال : أجب أمير المؤمنين ، فانطلقت معه حتى أدخل على عمر ، فإذا هو جالس على رِمال سرير ، ليس بينه وبينه فِراش ، متكىءٌ على وسادة من أَدَمٍ ، فسلمتُ عليه ، ثم جلست ،... فبينما أنا جالس عنده أتاه حاجبه يَرْفَأُ ، فقال : هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص يستأذنون ؟ قال : نعم ، فأذن لهم ، فدخلوا، فسلّموا، وجلسوا ، ثم جلس يرفأ يسيراً، ثم قال : هل لك في علي وعباس ؟ قال : نعم ، فأذن لهم ، فدخلا ، فسلّما ، فجلسا ، فقال : عباس : يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذاـ وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلَّم من مال بني النضير ـ فقال الرهط ـ عثمان وأصحابه ـ : يا أمير المؤمنين اقضِ بينهما ، وأرح أحدَهما من الآخر ، فقال عمر: تَئِيدَكم [أي اصبروا وأمهلوا وعلى رسلكم ] أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال : > لا نورث ، ما تركنا صدقة <؟ يريد رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلَّم نفسَه . قال الرهط : قد قال ذلك ـ وفي رواية : قالوا : نعم ـ فأقبل عمرُ على عليٍّ وعباس ، فقال : أنشدكما بالله ، أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قد قال ذلك ؟ قالا : قد قال ذلك ـ وعند مسلم : قالا : نعم ـ... الحديث بطوله ، متفق عليه ، واللفظ للبخاري .
ففي هذا الحديث تصديق الصحابة الكرام عثمان وعلي والعباس والزبير وسعد وعبد الرحمن لعمر رضي الله عنهم ، فيما سألهم من سماعهم لهذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مع استحلافه لهم على سماعهم ، ومناشدته إياهم فشهدوا .
علماً بأنه لم ينفرد هؤلاء السبعة في رواية هذا الحديث، فقد شاركهم عدد آخر مثلهم في روايته سماعاً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .(1/200)
لكن قاتل الله من زعم أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما منعا أهلَ البيت حقَّهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذه شهادة عليٍّ والعباس رضي الله عنهما ـ مع بقية إخوانهم رضي الله عنهم ـ أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك . والله تعالى أعلم .
ز ـ إن رواة هذا الحديث بدءاً من المصنِّفين إلى الصحابة رضي الله عنهم عامتهم من الحفاظ الضابطين المتقنين المعروفين ، وقد أخرجه عامة أهل الحديث كمالك والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم وأبي داود،... وغيرهم رحمهم الله تعالى .
* القول الثاني : اتهام الخميني عمر رضي الله عنه بمخالفة القرآن .
قال الخميني ـ عامله الله بعدله ـ: إن المتعة أجيزت في القرآن ، إلا أن عمر خالف الحكم القرآنيَّ وحرَّمها .اهـ
هكذا يصوِّر الخميني ـ عامله الله بعدله ـ أن المتعة حلال بنص القرآن ، وأن الذي حرَّمها هو سيدنا عمر رضي الله عنه، مخالفاً في ذلك حكمَ القرآن
والحق الذي لا مرية فيه : أن الخميني ـ وأتباعه ـ هم الذين خالفوا حكم القرآن الكريم ، وحكمَ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحكمَ إمام أهل البيت علي رضي الله عنه . والجواب على ما قاله الخميني من وجوه .
أ ـ مخالفته لنص القرآن الكريم .
قال الله تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ }
فقد بين الله تعالى أن ما عدا الزواج الشرعي ولو بملك اليمين فإنه يعتبر عدواناً ، فهو محرم . بل إن الله تعالى حث الذي لا يستطيع الزواج بالحرة ، ولا بملك اليمين على الصبر ، حتى يهيء الله تعالى له ما يصلح حاله .(1/201)
لذا حرم الخدن والسفاح ، فقال : {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَالله أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ}
وقال تعالى : {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
فكل ما كان غير النكاح الشرعي ـ بشروطه المعتبرة عند المسلمين ـ فهو حرام ( فلما بُعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالحق، هدم نكاح الجاهلية كلّه إلا نكاح الناس اليوم ). رواه البخاري .
ب ـ مخالفته لما حرمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر .
فعن عبد الله والحسن ابنَي محمد ابن الحنفية ، عن أبيهما ، عن علي رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر، وعن لحوم الحمُر الأهلية . متفق عليه، وله روايات أخرى لكني اقتصرت على هذه الرواية من باب الاختصار . والحديث في هذا متواتر، إذ يرويه نحو من عشرين صحابيّاً . وهو موجود في كتبهم . وهذا الحديث يرويه الرافضة في كتبهم ، انظر: التهذيب (2: 186) والاستبصار ( 3 : 142 ) ووسائل الشيعة ( 14 : 441 ) وانظر ( لله ثم للتاريخ )(1/202)
ج ـ مخالف لما رواه علي رضي الله عنه ، وقد نص على تحريمه يوم خيبر .
لما بلغه قول ابن عباس رضي الله عنهما فيها قال له : مهلاً يا ابن عباس ، لقد نهانا عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر ،... الحديث متفق عليه .
د ـ هو مخالف للتحريم الأبدي الذي أعلنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة .
فعن سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المتعة ، وقال : > ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة ،... <
وفي رواية عنه رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: > يا أيها الناس ، إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء ، وإن الله قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة ،...<
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : رخّص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عامَ أوطاس في المتعة ثلاثاً ، ثم نهى عنها . رواها مسلم .
وعام أوطاس وعام الفتح شيء واحد ، لأن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعد انتهائه من فتح مكة خرج إلى الطائف ، فكانت معركة حنين ، وأوطاس جزء منها .
فلا دخل لسيدنا عمر رضي الله عنه في تحريمها، لأنه ليس مشرِّعاً؛ يحلِّل ويحرِّم ، إنما أعلن التحريم الذي كان قد أعلنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح ، لمن كان قد خفي عليه ، والله تعالى أعلم .
هـ ـ مخالفته لأقوال أئمة أهل البيت رحمهم الله تعالى .
قال الإمام جعفر الصادق رحمه الله تعالى ـ وقد سُئل : أكان المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتزوجون بغير بينة ؟ قال : لا
قال الطوسي في تعليقه على هذا القول: إنه لم يرد من ذلك النكاحَ الدائم، بل أراد منه المتعة . ولهذا أورد هذا النص في باب المتعة .اهـ انظر التهذيب
وعن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله [ جعفر الصادق ] عليه السلام عن المتعة ، فقال : لا تدنّس نفسك بها . اهـ من بحار الأنوار .(1/203)
وعن عمار قال : قال أبو عبد الله لي ولسليمان بن خالد : قد حُرِّمت عليكما المتعة .اهـ فروع الكافي، ووسائل الشيعة . ويأتي العزو لتلك الأقوال في فصل عقائد الرافضة ، إن شاء الله تعالى .
و ـ إن الأخبار التي يذكرها الرافضة وينسبونها إلى أئمة آل البيت : كلها مفتراة عليهم، تقوّلها قوم من الزنادقة ، ليشوّهوا بها سمعة الأئمة، والإساءة إليهم، وإلا كيف يفسر قولهم : إن الذي لا يتمتع فهو كافر، وما يروونه من خرافات تدل بظاهرها وباطنها على كذبها ، كما سيأتي بيانها عند ذكر عقائد الرافضة .
ثم إنه لم ينقل عن واحد من أئمة آل البيت ـ بسند صحيح أو مقبول ـ أنه تمتع ، ولو مرة واحدة ، أو قال بحلية المتعة . وإلا كانوا مخالفين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولما رواه سيدنا علي رضي الله عنه. فكيف يمكن إباحتها وإشاعتها بين الناس ؟
ز ـ هناك فرق كبير بين النكاح الشرعي ونكاح المتعة، كما يفعله الرافضة، فنكاح المتعة ليس فيه : ولي ، ولا شهود ، ولا مهر ، ولا ديمومة مدة ، ولا نفقة ، ولا سكنى ، ولا إشهار ، ولا طلاق ، ولا عدة ، ولا رجعة ، ولا محرمية ، ولا نسب ، ولا عدد ، ولا إحصان ،... إنما هو اتفاق بين رجل وامرأة على عِشْرةٍ بينهما لمدة محدودة بثمن معين. وانظر بطلان عقائد الشيعة (89 ـ91) فقد نقل كثيراً من أقوالهم في المفارقة بين المتعة والنكاح الدائم .
فهذا سفاح ، وليس نكاحاً ، لذا فإني أحذر عامة الرافضة من مغبة هذا الفعل ، وألّا يسمعوا لما كذبه مشايخهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى الأئمة ، وإلا فليجرب أحد من عامة الناس ويطلب من أحد الآيات ابنته أو أخته فهل سيوافق ؟ إنهم يستبيحون لأنفسهم أن يرتعوا في أعراض الناس ، ويصونون أعراضهم ، وانظر ما كتبه الأخ السيد حسين الموسوي في ( لله ثم للتاريخ ) من فضائح في الحوزة النجفية وغيرها .(1/204)
ح ـ قال العلامة موسى جار الله رحمه الله تعالى : إن متعة الجاهلية لم تكن زنا يستحله الجاهلي ، بل كان لها ميزة بها تمتاز عن البغاء .
أما متعة الشيعة اليوم فهي زنا مستحل ، هي دفعة في هذا اليوم بقبضة ، أو دفعات في الأسبوع الفلاني بكذا [عدد المرات التي يعاشرها في الفراش] هي زنا فاحشة ومقت ؛ يستحلّها الشيعي ، حتى يتقرّب بها إلى الله... زيادة في الكفر ، وزيادة في الفساد ،...
ويزداد الإنسان حيرة وتعجّباً إذا رأى في أمهات كتب الشيعة ، عن رجل قال للصادق: إني تمتعت بامرأة فوجدت أن لها زوجاً. فقال الصادق: ولم فتّشتَ؟ [التهذيب 2: 187] لا ينكر الإمام إلا التفتيش ، ولا يرشد إلى الاحتياط قبل التمتع ، بل يزيد ويقول : أرأيت لو سألها البينة كان تجد من يشهد أن ليس لها زوج .[ الوشيعة 145 ـ 146 ]
ط ـ ومما يدل على تحريم متعة النساء : كلمة المتعة وحدها ، التي تجرح شرف المرأة ، فقد جعلها متاعاً من جملة الأمتعة ، يتمتع بها متمتِّعٌ ، ثم يلقيها إهانة لها ، واستئجار عفاف المرأة وبدنها باطل في الإسلام ، إن من خلق أهلاً للحقوق لا يكون متاعاً للآخر ، وآلة لقضاء وطره .
ي ـ لقد ثبت قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعن المحلِّل والمحلَّل له . ولم يلعن الشارعُ المحلِّل إلا لأنه نكاح متعة ، فلو كان جائزاً لما لعنه ، وإلا كان لغواً . لأن المطلقة المبتوتة لا تعود إلى زوجها الأول إلا بعد زواج وذوق للعسيلة ـ كما نص عليه الشارع ـ وانظر الوشيعة ( 146 )
ك ـ إن هذا النوع من السفاح ـ المسمى بالمتعة ـ يترتب عليه مفاسد كثيرة جدّاً ، ومتعددة الجوانب ، فهي ـ إضافة إلى مخالفتها للنصوص الشرعية ، وتحليلها لما هو محرم من قبل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله ، ونهى عنه أئمة آل البيت ـ : تقع فيه مفاسد كبيرة ، لا يرضاها من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، ومنها :(1/205)
ـ إباحة التمتع بالمرأة المتزوجة ، رغم أنها في عصمة زوجها ، فقد تتزوج المرأة دون علم زوجها الشرعي، ودون رضاه، فما موقفه وما شعوره فيما إذا اكتشف أن امرأته التي في عصمته متزوجة من رجل آخر زواج متعة ؟ انظر تهذيب الأحكام (7: 554) والاستبصار (3 : 145) وفروع الكافي (5: 463)
ـ كيف يأمن الآباء والأمهات على بناتهن الأبكار ، من أن يتزوجن متعة من غير علمهم ، وما موقفهم إذا اكتشفوا أن بناتهم الأبكار قد حملن ، ولا يدرى ممن حملت الواحدة ، لأن المتمتع يتركها بعد انقضاء المدة ويذهب .
ـ لا يدري المتمتع من الذي يتمتع بها ، فقد يتمتع اليوم بواحدة ، فتحمل عنه ، ثم تضع بنتاً ، ثم يتمتع بالبنت بعد كبرها وهي ابنته ، وقد يجمع ـ في آن واحد ـ بين البنت وأمها ، وبين الأختين ، وبين المرأة وعمتها ، أو خالتها
انظر : قصة مجيء المرأة للسيد حسين الموسوي : تستفسر عن تمتع السيد حسين الصدر بها ، فلما حملت منه ووضعت بنتاً فلما كبرت البنت وصارت شابة جميلة متأهلة للزواج فوجئت الأم بحمل ابنتها ، فلما سألتها عن حملها أخبرتها أن السيد الصدر تمتع بها، فدهشت الأم وفقدت صوابها، وأخبرتها أنه أبوها . ( لله ثم للتاريخ : 44 )
ـ إن كثيراً ممن يتمتعون ببنات الناس يرفضون أن يتمتع الناس ببناتهم ، لما يرونه نوعاً من الزنى ، وأنه عار عليه ، فإذا كانت المتعة مشروعة ، أو مباحاً فلم التحرج إذاً؟ إنه في قرارة نفسه لا يجوّزه، لكنه المنفعة الشخصية ، فهم في فعلهم يضعونه في رقاب من أباح، وفي امتناعهم يرجعون إلى فطرتهم .
وانظر إلى قصة الشابين؛ السني والشيعي في سؤالهما الخؤي عنها ، وقول السني له : هلا زوجتني ابنتك لأتمتع بها ؟ (لله ثم للتاريخ)(1/206)
ـ إن المتعة فتحت المجال أمام الساقطين والساقطات في لصق ما عندهم من الفجور والدعارة بالدين ، مما يؤدي إلى تشويه صورة الدين بفعلهم المشين ، حتى لم يعد التفريق بين من يرتكب فاحشة وبين من يتمتع .وهناك مفاسد غيرها ، انظر : لله ثم للتاريخ ( 33 ـ 46 )
ط ـ كل ما يذكره الرافضة من أقوال تبين فضل المتعة ، حتى عدوه أفضل العبادات ، بل بالغوا حتى عدوا المتمتع أفضل من درجة الحسن والحسين وعلي رضي الله عنهم ، بل بدرجة النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، بل ما هو أكبر ، فكل ذلك كذب محض ، وافتراء مشين ، يراد به مصالحهم الشخصية ، مع تشويه سمعة الأئمة ، والإساءة إليهم ، وإلا كيف يكون : (من تمتع مرة كان كدرجة الحسين عليه السلام ، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن عليه السلام ، ومن تمتع ثلاث مرات كانت درجته كدرجة علي بن أبي طالب عليه السلام، ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي) .اهـ كما رواه الكاشاني ، ونسبه إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ألا لعنة الله تعالى على واضعه . يجعل الزاني بدرجة الأطهار وسيدهم ، وانظر ما يأتي .
وأختم هذا الفصل بهذه النقول لتقوم الحجة على من له عقل من الرافضة :
ـ بلغ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً نال من عثمان رضي الله عنه ، فدعاه ، فأقعده بين يديه ، وقرأ عليه { للفقراء المهاجرين } الآية ، فقال : مِن هؤلاء أنتَ؟ قال : لا . ثم قرأ عليه {والذين جاؤوا من بعدهم } الآية ، فقال : مِن هؤلاء أنتَ ؟ قال : أرجو أن أكون منهم .
قال عبد الله رضي الله عنه : لا والله ، ما يكون منهم من يتناولهم ، وكان في قلبه الغلُّ عليهم .اهـ من الدر المنثور ( 8 : 113ـ 114) وفتح القدير للشوكاني (5 : 203)(1/207)
ـ وقال علي زين العابدين رحمه الله تعالى ـ وقد جاء إليه نفرٌ من أهل العراق ، فسبُّوا أبا بكر وعمر ، ثم عثمان ، رضي الله عنهم ، فأكثروا ، فقال لهم ـ: أَمِنَ من المهاجرين الأولين أنتم؟ قالوا : لا . فقال : أفَمِنَ الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم؟ فقالوا : لا . فقال : قد تبرأتم من هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عزوجل : {? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ } قوموا ، فعل الله بكم وفعل .اهـ تفسير القرطبي (18: 31 ـ32) وحلية الأولياء (3: 136ـ 137) وتهذيب الكمال (20 : 394 ـ 395 )
ـ قال الإمام الشعبي رحمه الله تعالى : تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة :
سُئلت اليهود : مَن خيرُ أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحاب موسى .
وسُئلت النصارى : مَن خيرُ أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحاب عيسى .
وسُئلت الرافضة : مَن شرُّ أهل ملتكم؟ فقالوا : أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أُمروا بالاستغفار لهم، فسبّوهم،...الخ تفسير القرطبي ( 18: 31 ـ32)
ـ وقال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى [فتح القدير5: 202] : أمرهم الله سبحانه وتعالى بعد الاستغفار للمهاجرين والأنصار أن يطلبوا من الله سبحانه وتعالى أن ينزع من قلوبهم الغلَّ للذين آمنوا على الإطلاق ، فيدخل الصحابة رضي الله عنهم دخولاً أوّليّاً، لكونهم أشرف المؤمنين ، ولكون السياق فيهم .
فمن لم يستغفر للصحابة رضي الله عنهم على العموم ، ويطلب رضوان الله لهم ، فقد خالف ما أمره الله بهذه الآية ، فإن وجد في قلبه غلاً لهم ، فقد أصابه نزغ من الشيطان ، وحل به نصيبٌ وافرٌ من عصيان الله ، بعداوة أوليائه ، وخير أمة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، وانفتح له بابٌ من الخذلان ، يفِدُ به على نار جهنم، إن لم يتدارك نفسه باللجوء إلى الله سبحانه، والاستغاثة به ، بأن ينزع عن قلبه ما طرقه من الغل لخير القرون ، وأشرف هذه الأمة .(1/208)
فإن جاوز ما يجده من الغل إلى شتم أحدٍ منهم، فقد انقاد للشيطان بزمام ، ووقع في غضب الله وسخطه ،...الخ
والآن : ماذا يقول الرافضة في مثل قوله عز وجل : {لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً}وكبار الصحابة رضي الله عنهم كانوا من المبايعين قطعاً
وفي قوله تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وكبار الصحابة رضي الله عنهم كانوا منهم قطعاً .
وفي قوله تعالى : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} وكبار الصحابة رضي الله عنهم كانوا منهم قطعاً .
وفي قوله تعالى : { لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} وكبار الصحابة رضي الله عنهم كانوا منهم قطعاً .
ـ فإذا كان الله تعالى قد رضي عنهم ، ورضاه تعالى يفيد الاستمرار ، لأنه يستحيل أن يرضى عن مخلوق اليوم ثم يرجع عن ذلك غداً . فلو لو يعلم تعالى أنهم أهلٌ للرضا لم يرض عنهم ، ويستحيل أن يرجع عن المكرمة .(1/209)
ـ وإذا كان الله تعالى قد أحبهم ، وحبه تعالى لهم يفيد الاستمرار ، لأنه يستحيل أن يحب مخلوقاً اليوم ويرجع عن ذلك غداً . فلو لم يعلم أنهم أهلٌ للمحبة لما أحبهم ، ثم إنه يستحيل أن يرجع عن المكرمة .
ـ وإذا كان الله تعالى قد حكم بإيمانهم ، وحكمه تعالى يفيد الاستمرار ، لأنه لو لم يعلم أنهم سيبقون على حالهم لما حكم لهم بالإيمان الحق ، ولأنه يستحيل أن يحكم لمخلوق بالإيمان الجازم اليوم ثم يرجع عن ذلك غداً . لأن علمه تعالى متعلق بما مضى وبما حضر وبما يأتي بالمستقبل ، فما حكم له بالإيمان فيعني أنه سيبقى عليه حتى يموت.
ـ وإذا كان الله تعالى قد تاب عليهم ، وتوبته تقتضي الاستمرار ، لأنه يستحيل شرعاً وعقلاً أن يتوب على مخلوق اليوم ويرجع عن ذلك غداً .
فإذا أضيف إلى ذلك عشرات الآيات التي يبين الله تعالى فيها رضاه عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، ومحبته تعالى لهم ، وبيان إيمانهم ، وثنائه عليهم ، وما أعد لهم من النعيم المقيم في الجنة ، والخلود فيها ،...فماذا يقول الرافضة ؟ هل يكذّبون الله تعالى ، وينكرون تلك الآيات ، أم يسلِّمون بما فيها ويعتقدون بما حوته ، ويبطلون ما في مذهبهم من الترهات والأباطيل والأكاذيب؟ أرجو من الراشدين منهم أن يعيدوا النظر في كتاب الله تعالى ، ويعرضوا عليه ما في كتبهم من أباطيل ، ومعتقدات باطلة .
ـ وقال الله تعالى : { إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(1/210)
هذه الآية تتحدّث عن الهجرة بالإجماع ، وفيها الثناء على الصِّدّيق الأكبر رضي الله عنه ، فهو صاحبه في الغار ، الخائفُ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، الوَجِلُ عليه ، لذا كافأه الله تعالى بإنزال السكينة عليه ، وتأييده بالملائكة الكرام مع نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، فهل يصدِّق الرافضةُ بمقام الصديق كما في الآية الكريمة ، وأنه صاحبه ؟ أم يكذّبوا الله تعالى ، وينكروا ربوبيته ، لأنه جعل الصِّدّيق رضي الله عنه خليفةً للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، كما مر من قول أحد علمائهم . ومعلوم حكم المكذِّب لله تعالى .
ولن أتعرض لذكر سابِّ الصحابة رضي الله عنهم ، أو الحاقد عليهم ، أو المعادي لهم ، إنما يكفيني قوله تعالى : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ الله وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}
فقوله تعالى : {ليغيظ بهم الكفار} هذا هو الحكم الرباني، والله تعالى أعلم .
أما أقوال العلماء رحمهم الله تعالى ابتداء من عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم فهو صريح وواضح .
* واسمع هذا القول ، وهو من أهم مصادرهم .
روى المجلسي عن أمير المؤمنين ـ علي رضي الله عنه ـ قال : إن الله قد خلّصه ـ أي كسرى ـ من النار ، وإن النار محرَّمة عليه .اهـ من بحار الأنوار (41 : 4 )(1/211)
قاتل الله الرافضة يزعمون ـ كذباً وزوراً ـ أن الله تعالى خلَّص كسرى من النار ، وأنها محرَّمةٌ عليه ، وينسبون ذلك لعلي رضي الله عنه ، وهذا يعني أنه ليس كافراً ، وأنه من أهل الجنة . وهم في ذلك يخالفون قول الله تعالى في خلود الكفار في النار ، وخلود المؤمنين في الجنة .
ثم يزعمون أن الصحابة رضي الله عنهم ـ الذين نقلوا لنا الدين، والقرآنَ، والسنةَ ، وأثنى عليهم رب العالمين، ومدحهم ، وأحكم إيمانهم ، وصدقهم ويقينهم ، كما أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،... يزعمون أنهم من أهل النار ، فهل هذا قول مسلم يؤمن بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، ويطيعه ويتبعه ، ويحب ما يحب ويكره ما يكره ؟ أم هو قول مجوسي حاقد ، أو يهودي مارق ، أو نصراني متصهين ، شتت سيفُ الإسلام شملَهم ، وقطع لسانُ الحق دابرَهم ؟
لهذا نصبوا لأبي لؤلؤة المجوسي الغادر ـ قاتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ تمثالاً بجوار طهران ـ مثل الجندي المجهول ـ وكتبوا عليه : ( مرقد بابا شجاع الدين ) ويزوره ألوف الرافضة سنوياً . إنه أبوهم شجاع الدين ، هذا هو اعتقادهم بالمجوسي .
لقد خالف الرافضة كتاب الله تعالى وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، فطعنوا بالصحابة رضي الله عنهم وسبّوهم ولعنوهم ، وتحاملوا عليهم ، وليس لي إلّا أن أذكرهم بقول الإمام الصادق رحمه الله تعالى : من خالف كتاب الله وسنة محمد فقد كفر . اهـ من الكافي : باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، رقم ( 6 )(1/212)
ويقول الخميني ـ عامله الله بعدله ـ : أولئك [ الصحابة ] الذين لم يكن يهمهم إلا الدنيا والحصول على الحكم ، دون الإسلام والقرآن ، والذين اتخذوا القرآن مجردَ ذريعة لتحقيق نواياهم الفاسدة: قد سهل عليهم إخراج تلك الآيات من كتاب الله [التي تدل على خلافة علي رضي الله عنه بلا فصل ، وعلى إمامة الأئمة ] وكذلك تحريف الكتاب السماوي ، وإقصاء القرآن عن أنظار أهل الدنيا على وجه دائم ، بحيث يبقى هذا العار في حق القرآن والمسلمين إلى يوم الدين. إن تهمة التحريف التي يوجهونها إلى اليهود والنصارى إنما هي ثابتة عليهم .اهـ من كشف الأسرار (114) للخميني نقلاً عن ( صورتان متضادتان 58 )
هكذا يتهم الخميني ـ عامله الله بعدله ـ الصحابة رضي الله عنهم بأنهم ما كانوا صادقين في إيمانهم وصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إنما كان همهم الدنيا ، وأن يتولوا الأمر بعده ، [رمتني بدائها وانسلت] لذا حذفوا من القرآن ـ على زعمه الكاذب ـ الآيات التي تدل على وصاية علي رضي الله عنه [التي أخذوها من اليهود] وسيأتي بطلان هذا الكلام في فصل قادم . ثم يتهمهم بالتحريف، ولذا يحكم عليهم بالكفر والخيانة والغدر،...
وما ذا يفعل الخميني ـ عامله الله تعالى بعدله ـ بشهادة الله تعالى وإعلاناته المتكررة في إيمان الصحابة الكرام رضي الله عنهم الإيمان الكامل ، ورضاه تعالى عنهم ، وثناءاته تعالى عليهم ؟
ـ فإن كان مصدّقاً لقول الله تعالى يلزمه التراجع والاعتذار إلى الله تعالى وإلى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وإلى الصحابة الكرام رضي الله عنهم الذين طعن فيهم .
ـ وإن كان غير مصدِّق لله تعالى في آياته فقد كفر ، ولا ذنب أقبح من الكفر .(1/213)
ثم هل كان الرجل عاقلاً؟ إنه يتهم رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ماذا كان يفعل خلال (23) سنة ؟ أليس عنده من الفطنة ما يكتشف حال هؤلاء ؟ ألم يظهر له من أحوالهم ما يصل به إلى عدم صدقهم ؟ كيف تنطلي عليه حال هؤلاء وهو المعروف بالذكاء الحاد والفطنة الخارقة وبعد النظر ، ثم ما اتصف به من الفراسة والقيافة ... ؟ هذا إذا لم يكن مؤيداً بالوحي ، فكيف والوحي يبين له حال المنافقين ، وما يريده الأعداء به وهم بعيدون عنه ، وقد بين له أموراً كثيرة يعجز عن معرفتها الحكماء . إنه خاطب الناس بما في نفوسهم ، وما انعقدت عليه ضمائرهم، وهم لم يلقوه إلا مرة واحدة ، فكيف يخفى عليه حال هؤلاء الذين في صحبته ثلاثاً وعشرين سنة .
إن دعوى الخميني ـ عامله الله بعدله ـ اتهام للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بعدم وجود الفطنة عنده ، كما أن في هذا اتهاماً لله تعالى لعدم كشف هؤلاء المنافقين ـ حاشاهم وبرأهم ـ لرسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، كما فيه اتهام لله تعالى بعدم قدرته على اختيار من لا يصلح أن يعرف البشر، وأنه ينطلي عليه خديعة الخادعين ، كما فيه اتهام لله تعالى بأنه لم يحافظ على كتابه من الحذف والإلغاء، فهل يقول مسلم عنده ذرة من العقل مثل تلك الأقوال ؟(1/214)
قال الأمير السيد محسن الملك رحمه الله تعالى : الحقيقة أن ما يعتقده الشيعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم يسبب توجيه التهمة إلى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، ويثيرالشبهات حول الإسلام في نفوس المطلعين على هذه المعتقدات ، ذلك لأن من يعتقد في الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم لم يكونوا صادقين في إيمانهم إلا في ظاهر الأمر ، أما في باطنهم فكانوا كافرين [ والعياذ بالله تعالى ] حتى إنهم ارتدوا عن الإسلام على إثر وفاة النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لا يستطيع أن يصدّق نبوة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، بل يقول : لو أن النبيَّ كان صادقاً في نبوته لكانت تعليماته ذاتَ تأثير ، ووجد هناك من يكون قد آمن به من صميم القلب ، ووجد من بين العدد الهائل ممن آمنوا به بعض المئات الذين ثبتوا على الإيمان
فإذا كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم ناقصين في إيمانهم وإسلامهم ـ كما يزعمون ـ فمن هم أولئك الذين تأثروا بهداية النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ؟ وإلى كم يبلغ عدد الذين استفادوا من نبوته ؟ فإذا كان أصحابه ـ سوى بضعة رجال منهم [ ثلاثة أو أريعة ] منافقين ومرتدين فيما زعموا [والعياذ بالله تعالى ] فمن دان بالإسلام ؟ ومن انتفع بتعليم الرسول عليه الصلاة والسلام وتربيته .اهـ من الآيات البينات (1: 6 ـ 7 ) نقلاً من صورتان متضادتان ) ( 60 ـ 61 )
إن الرافضة تقدّم لأبناء العصر صورةً معاكسة ـ عن الصحابة رضي الله عنهم ـ تهدم المجهودات التي قام بها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم في مجال التربية والتوجيه ، وتثبت له إخفاقاً ؛ لم يواجهه أيّ مصلح أو مرب خبير مخلص لم يكن مأموراً من الله ولا مؤيَّداً من السماء، ولا مورد وحي ولطف إلهيٍّ ، كما كان الشأن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .(1/215)
إنها تقدِّم صورةً مشوَّهةً كالحةً لجحود النعمة والجفاء والغدر ، وإخفاء الحق ، وعبادة النفس، وحب الجاه، واستخدام كل نوع من المساعي والمؤامرات والتحريفات والافتراءات ، وتبريرها لتحقيق أغراضها الخسيسة .
إنها الصورة المشوهة الكريهة التي لا تبعث في النفوس اليأس عن مصير الجهود الإسلامية والتربوية فحسب ، بل إنها تبث اليأس عن صلاحية الإنسانية جمعاء ومصيرها ومستقبلها .
إنها ترى أن المجهودات الجبارة التي بذلها محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة وعشرين (23) عاماً لم تُنتج إلا ثلاثة أشخاص ( أو أربعة وفقاً لبعض الروايات ) ظلوا متمسكين بالإسلام إلى ما بعد وفاة النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم . أما غيرهم فقد قطعوا صلتهم فور وفاته صلى الله عليه وآله وسلم [والعياذ بالله تعالى] عن الإسلام ، وأثبتوا أن صحبة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وتربيته أخفقت في مهمته التي توخّاها . اهـ من كلام السيد أبي الحسن رحمه الله تعالى في ( صورتان متضادتان 55 ـ 56 )
إن أي داعية ـ ولو كان على فساد ـ إذا طالت فترة دعوته عشر سنوات مثلاً لابد أن يلتف حواليه أتباع مخلصون، مع أنه لا خوارق ولا معجزات ، ولا حقيقة ولا بينات ، ولا أخلاق ولا آداب، ولا مكارم خلق ولا وحي ، فكيف والنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أمضى ثلاثاً وعشرين سنة ؛ وهو مؤيد بالوحي، ويرى الصحابة رضي الله عنهم الدلائل التي يجريها الله تعالى على يديه ، وأن الله تعالى ـ كما اختاره لهم ـ اختارهم له ليكونوا أصحاباً وأنصاراً وأصهاراً وأرحاماً . كيف وقد دل القطعُ على نزاهتهم وطهارتهم وبذلهم وإخلاصهم ؟... فلو لم يكونوا كذلك ما نشروا الإسلام بعده .
إن الرافضة إنما يطعنون بالصحابة رضي الله عنهم من أجل دنياهم ، فلو لم يطعنوا بهم ما استتب لهم دار ، ولا حصل لهم قرار ، ولا أُلقي لهم درهم ولا دينار ، وما تمتعوا بفرج حرام ، ولا أخذوا خمس المال .(1/216)
إذا كان الرافضة ينظرون إلى الصحابة رضي الله عنهم هذه النظرة السوداء، وإذا لم يبق بعد النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة على الحق ، فكيف يثق الناس بالخميني وأتباعه ، وهم أبعد عن الحق من الحق نفسه عنهم ؟.
هاتان صورتان متضادتان ؛ تمثل الأولى نظرة أئمة آل البيت نحو الصحابة رضي الله عنهم ، والثانية تمثل نظرة الرافضة نحوهم رضي الله عنهم ، ولا يمكن التوفيق بينهما إلا أن يتخلى الرافضة عن معتقداتهم الفاسدة ، فبقدر غلوهم في الأئمة الذي يُخرج كثيراً منهم من الملة، وادعائهم طاعتهم ، بقدر الحقد والطعن والنيل من الصحابة رضي الله عنهم وتكفيرهم .
وقبل الأخير أقول :
لقد قسم الله تعالى الأمة إلى قسمين : متبوع، وهم {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} وتابع لهم ، وهم {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ } وبين ثوابهم { رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
لكن الله جل شأنه شرط على التابع ـ لكي يتبع الأول بإحسان ـ أن يكون صديقاً صادقاً للأول مخلصاً {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } لذا فمن كان في قلبه غل ، أو في لسانه نيلٌ منهم ، خرج من الثاني ، ولم يكن داخلاً في الأول .
وإذ جعل الله تعالى هذه الأمة ـ عند الجمع ـ قسمين ـ : متبوع ، وتابع ، ومن البدهي والضرورة القطعية أن يكون المتبوع هو الأفضل والأشرف ، والمتبوع ـ كما في الآية الكريمة ـ : هم المهاجرون والأنصار فقط ، ذكرهم الله تعالى وأثنى عليهم بأبلغ الثناء ، ولم يذكر معهم سواهم .(1/217)
فالعصر الأول هم أفضل الأمة ، وأفضل العصر الأول : أبو بكر وعمر والخلافة الراشدة والصحابة رضي الله عنهم .
والرافضة باستثنائهم بعض الأفراد من اللعن ، فإنهم لا يخرجون من أنهم من العصر الأول ، والوفاء يحرّج على صاحبه أن يتخلى عن إمامه ، ويسلمه إلى أعدائه . ولا يصيب لعنُ الرافضة وحقدُهم وسبُّهم الشيخين إلا إذا أصمى كل العصر الأول ـ بما فيهم النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وعلي والأئمة رضي الله عنهم ، ومستحيل أن يتخلوا عن أحبابهم .
إن أبا بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما لا ذنب لهما اقترفوه ـ عند الرافضة وأشياعهم من اليهود والمجوس ـ إلا أنهم قضوا على الدول الفارسية والبيزنطية وعلى اليهود ، وأقاموا الدينَ وأصوله ، وأقاموا الدولة وقوتها ونظامها . لذا استحقوا هذا الحقد من المجوس واليهود ، وبذروه في تربة الفرس ، فنتج عنه هذا الحقد ، وانظر الوشيعة ( ب م )
لم هذا الحقد على الصحابة رضي الله تعالى عنهم ؟
إن الناظر في تصرفات الرافضة، وفيما سطروه في كتبهم، وسوّدوا الكثير من صحائفهم به ، يلحظ ما يلي :
ـ لقد قضى المسلمون على الفرس ، منذ عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، وأغلب الفتوحات كانت في زمن سيدنا عمر رضي الله عنه ولم ينته عهد عثمان رضي الله عنه إلا والمسلمون قد قضوا على آخر معقل للفرس . فصاروا يسيطرون على كل ما كان يُعرف بالإمبراطورية الساسانية. لذا نقم الفرس على الصحابة رضي الله عنهم جملةً وعلى الخلفاء بالأخص .
ـ إن المسلمين قد قضوا على اليهود ، منذ زمن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكن لم ينته عهد عمر رضي الله عنه إلا ولم يبق يهودي في الحجاز كله ، حيث أجلاهم من الحجاز في قصة معروفة ، لذا نقم اليهود على الإسلام عموماً وعلى الفاروق وجنوده رضي الله عنهم بالأخص .(1/218)
ـ إن المسلمين قد قضوا على الإمبراطورية الرومانية في بلاد الشام ، كما لم يبق سيطرة للنصارى في مصر ، ولم ينته عهد الفاروق رضي الله عنه إلا والشام بكاملها تحت إمرة المسلمين ، فنقم النصارى على المسلمين عموماً وعلى الصِّدِّيق والفاروق وجنودهما رضي الله عنهم بالأخص .
فاجتمع حقد اليهود، وبغض النصارى، وزرعوه في تربة الفرس الخصبة المواتية ـ بعد قضائهم على الخليفة الصابر عثمان رضي الله عنه ـ بقيادة عبد الله ابن سبأ والأوباش الذين سحَرهم وأثَّر فيهم ، فأثمر الحقد القاتل الذي فتت أكبادهم ، وأجج النار في أفئدتهم ، وقطع نياط قلوبهم ، وانعكس ذلك عداوة وبغضاً وكراهية عمياء للصحابة الكرام عموماً وللخلفاء بالأخص رضي الله عنهم الذين قضوا على عروش الفرس والرومان والنصارى .
مستغلين عامِلَيْن نفسِيَّيْن عند الفرس :
ـ عامل تقديس العائلة الكسروية ، وقد وجدوا بغيتهم في كون الحسين تزوج شهربانو بنت كسرى ( يزدجرد آخر ملوك الفرس ) أم زين العابدين رحمه الله تعالى ، فدَمُ كسرى يجري في عروقه وفي عروق الأئمة من بعده ، لذا أضفوا على تصرفهم جانب العقيدة، بعد أن مالوا إلى علي رضي الله عنه، وادعوا الولاية والوصاية ـ كما هو عند اليهود ـ ودخل كثير من الفرس في التشيع ، ليشبعوا نهمتهم من ماضيهم في تقديس الملك ، ومن الحقد على الصحابة رضي الله عنهم ، ويسلّوا أنفسهم بسب الصحابة في آن واحد .
ـ وعامل قضاء الصحابة رضي الله عنهم على الدولة الفارسية ـ تصديقاً لوعد الله عز وجل ووعد رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ـ مما أثار الحقد الذي أكل قلوبهم، وأجج نار البغضاء على هذه الصفوة الكريمة التي اختارها الله تعالى لنشر دينه، وإعلاء كلمته، وقضوا على اليهود في الحجاز ، والنصارى في الشام ، إضافة إلى القضاء على دولة الفرس ،...(1/219)
علماً بأن اليهود في الحجاز ليسوا من أهله ، إنما أتوا إليه ، هرباً من الشام إليه ، للتخلص من الاضطهاد الديني من الفرس والنصارى ، أو انتظاراً لبعثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليؤمنوا به ويتبعوه، أو كان مجيؤهم بسبب الدنيا، لذا سكنوا في المناطق الخصبة، ولم يسكنوا في أي مكان .
فاجتمع حقد اليهود وكراهية النصارى ، وحركوا الفرس ضد الصحابة رضي الله عنهم ، وعلى الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم فنتج عنه قتل سيدنا عمر رضي الله عنه بيد أبي لؤلؤة المجوسي ، وقتل سيدنا عثمان رضي الله عنه بتآمر ابن سبأ اليهودي ، وقتل سيدنا علي رضي الله عنه بمشاركة الرافضة مع الخوارج ، وهم من أهل العراق . كما نتج عنه هذه الردة الخطيرة والدين الجديد الذي يحمل بصمات اليهود والنصارى والمجوس . إنه دين الرافضة
فكراهية الشيعة للصحابة الكرام رضي الله عنهم هي ـ في الحقيقة ـ ليس للطابع الديني، وتولي الخلفاء الثلاثة قبل علي رضي الله عنهم ، ودعوى منع اعطاء السيدة فاطمة رضي الله عنها ميراثها ، إنما هو لقضاء الصحابة على دولة الفرس ، وإزالة الحكم الساساني إلى يوم القيامة ، وقد سمعت ـ بعد احتلال العراق قولَ الفارسي وهو يناظر السني العراقي ـ: أتريدون أن تعيدوا الخلافة إلى العراق ؟ هيهات ، لقد رجعت العراق إلى أهلها .
يقول المستشرق البريطاني الدكتور براون ـ الذي سكن إيران مدة طويلةً ودرس تاريخها دراسة وافية : من أهم أسباب عداوة أهل إيران للخليفة الراشد الثاني عمر : هو أنه فتح العجم ، وكسر شوكته ، غير أنهم [ أي أهل إيران ] أعطوا لعدائهم صبغة دينية مذهبية ، وليس هذا من الحقيقة في شيء .اهـ
وقال : ليس عداوة إيران وأهلها لعمر بن الخطاب لأنه غصب حقوق علي وفاطمة ، بل لأنه فتح إيران ، وقضى على الأسرة الساسانية ،... ثم ذكر أبياتاً لشاعر إيراني ، ترجمتها :(1/220)
إن عمر كسر ظهور أُسُودَ العرين المفترسة ، واستأصل جذور آل جمشيد ( ملك من أعاظم ملوك الفرس ) ليس الجدال على أنه غصب الخلافة من علي ، بل إن المسألة قديمة ، يوم فتح إيران .اهـ
ويقول: إن أهل إيران وجدوا في أولاد علي بن الحسين تسليةً وطمأنينةً ، بما كانوا يعرفون أن أم علي بن الحسين هي ابنة ملكهم ( يزدجرد ) فرأوا في أولادها حقوق الملك قد اجتمعت مع حقوق الدين ، فمن هنا نشأ بينهم علاقة سياسية، ولأجل أنهم (أهل إيران) كانوا يقدسون ملوكهم لاعتقادهم أنهم ما وجدوا الملك إلا من السماء ومن الله ، فازدادوا في التمسك بهم .اهـ من تاريخ أدبيات إيران، نقلاً من الشيعة والسنة (56 ـ57) لأنه بالأوردو .
وهكذا تتضح الحقيقة ، أن الحامل لهم على عداوتهم للصحابة الكرام عموماً وللخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم جميعاً خصوصاً إنما هو بسبب فتح المسلمين لفارس، وإزالة حكم الكسرويين، ولكنهم اتخذوا الجانب الديني برقعاً ، وهم يكذبون في دعواهم لهذا الجانب ، لذا نرى كثيراً من معتقداتهم لا تخرج عن اليهود والنصارى والمجوس ، والله تعالى أعلم .
وانظر : ما يأتي من سبب تحريف القرآن الكريم من قبل الرافضة .
لكني أقول : هل يوجد في الدنيا دينٌ أو مذهب يُبنى على الحقد والبغضاء والعداء ؟ إن مثل هذا الدين ليس ديناً سماويّاً ، ولو كان في مذهبٍ أرضيٍّ فلن يُكتب له البقاء، لأن حياة الناس لا تُبنى على الحقد والبغضاء والعداوة والانتقام ـ لأن مثل ذلك هو شريعة الغاب ، وليس مدرسة العقلاء ـ ولكن تُبنى على المحبة والتسامح والإخاء وغض الطرف .(1/221)
ثم هل يوجد في الدنيا دينٌ أو مذهب يلعن آخرُ معتنقيه أوله ومؤسسيه ؟ وهل يوجد دين سماوي وُجد ليدوم ويستمر يوجد بين أبناء عصره الأول تنافر وشحناء وبغضاء وحقد وعدوان ؟ إن الذي وُجد ليبقى لا يكون بين مؤسسيه الذين يقوم على أكتافهم سوى المحبة والفداء والتسامح والمودة والإخلاص ، وإلا لا يمكن أن يُكتب له البقاء والاستمرار .
لذا فدعوى الرافضة وجود الخلاف بين علي وسائر الصحابة رضي الله عنهم هو محض اختلاق وافتراء .
ولو كان قولهم صحيحاً لكان الحق ـ كل الحق ـ مع سائر الصحابة رضي الله عنه ، لأن طرو الخطأ على الواحد أضعاف طروه على الجمع الكثير ـ يزيدون على مائة ألف ـ وصحة قول الجماعة أقرب إلى الصواب من صحة قول واحد . مع أني ـ وسائر المسلمين ـ لا يرون وجود خلاف ، فضلاً عن تقديم جماعة على جماعة ، والحَكَمُ هو علي رضي الله عنه ، حيث أخبر تقديمَ الشيخين رضي الله عنهما عليه .
فصل
عداوة الرافضة لأهل السنة وتكفيرهم لهم
قال الإمام علي رضي الله عنه : سيهلك فيَّ صنفان ؛ محجبٌّ مفرط ، يذهب به الحب إلى غير الحق ، ومبغضٌ مفرط ، يذهب به البغض إلى غير الحق . وخير الناس فيَّ حالاً النمط الأوسط ، فالزموه ، والزموا السواد الأعظم ، فإن يد الله على الجماعة ، وإياكم والفرقة ، فإن الشاذ من الناس للشيطان ، كما أن الشاذ من الغنم للذئب ، ألا من دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه ، ولو كان تحت عمامتي هذه .اهـ من نهج البلاغة (392)
وقال رضي الله عنه : ثلاثة عشر فرقة من الثلاث والسبعين فرقة، تنتحل مودَّتي وحبّي ، واحدةٌ منها في الجنة وهي النمط الأوسط ، واثنتا عشرة في النار .اهـ من الاحتجاج ( 137)
فأهل السنة هم الفرقة الوسط العدل، وهي أهل الاعتدال، وهم السواد الأعظم ، وهم المتمسكون بالكتاب والسنة .
قال الطبرسي : وأما أهل السنة فالمتمسكون بما سنه الله لهم ورسوله.اهـ الاحتجاج للطبرسي ( 87 ) وراز دلبران ( 79 )(1/222)
قال السيد حسين الموسوي : في جلسة ضمت عدداً من السادة وطلاب الحوزة العلمية ـ بالنجف ـ تحدّث الإمامُ الخوئي فيها عن موضوعات شتى ، ثم ختم كلامه بقوله : قاتل الله الكفرة . قلنا : من هم ؟ قال : النواصب ـ أهل السنة ـ يسبون الحسين صلوات الله عليه ، بل يسبون أهل البيت .اهـ (لله ثم للتاريخ 25 )
قلت : لا أعلم أحداً من المسلمين يسب الحسين رضي الله عنه ، أو آل البيت ، إنما يسب الشيعةُ أهلَ السنة ، ويكفروهم ، فما قاله الخوئي كذب محض ، ودعوى باطلة، وزور واضح ، وبهتان مكشوف ، يريد إثارة الشيعة على أهل السنة ، وليس لهم طريق إلا هذا . قاتلهم الله أنى يؤفكون .
إن من أولى عقائد الرافضة ، التي بثها اليهود والمجوس في قلوبهم حتى اعتقدوها : تكفير المسلمين ، بدءاً من الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، وطهّرهم من رجس الرافضة ـ وانتهاء بالمسلمين فيما بعد .
قال الكليني في الكافي (8 :246): عن محمد الباقر: كان الناس أهلَ ردّة بعد النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة ؛ المقداد ابن الأسود ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري .اهـ
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم أكثر الناس تعرضاً لسب الرافضة ولعْنِهم ، وما زالوا يفعلون ذلك إلى يومنا هذا ، يدعون بدعاء صنمي قريش (اللهم العن صنمي قريش، وجِبْتَيْهما وطاغوتَيْهما [يعني أبا بكر وعمر رضي الله عنهما] وابنتيهما [يعني عائشة وحفصة رضي الله عنهما] بعد صلاة الصبح في عامة مساجدهم خاصة في إيران . وكان الخميني يقوله بعد صلاة الصبح كل يوم (لله ثم للتاريخ87) لعن الله تعالى من يلعن الشيخين والكريمتين رضي الله عنهم .(1/223)
وجاء في دعاء فرج حضرت حجة : لعن الصحابة جملة ( فلعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم ، وأزالتكم عن مراتبكم التي رتبكم الله فيها ، ولعن الله أمة قتلتكم،...الخ الدعاء ، ولا يدري هذا المجنون أنه يلعن عليّاً والحسنين ومن معهم رضي الله عنهم ، كما أنه يلعن شيعته ، لأنهم هم الذين قتلوا أو اشتركوا في قتل الأئمة ، من عليٍّ فما بعد رضي الله عنهم .
ولهذا استباحوا قتل المسلمين .
وقد سبق ذكر ما فعله ابن يقطين والقصير الطوسي وابن العلقمي الفرس الرافضة ، حيث غدر علي بن يقطين عندما أمر غلمانه بهدم أسقف الحبس على خمسمائة ؛ أغلبهم من آل البيت ( انظر الأنوار النعمانية (3: 308)
وغدر محمد ابن العلقمي والنصير الطوسي الفارسيّان الوزيران ، في الخليفة العباسي وفي الأمة، واستدعيا هولاكو، فكانت مجزرة بغداد الأولى ، وسقوط الخلافة العباسية ، عام ( 656هـ ) وحصل في تلك المجزرة ما لم يحدث في غيرها، وصارا وزيرين لهولاكو، لكن الله تعالى لم يمتعهم بحياتهم طويلاً فقد ماتا بعد بضعة أشهر شر ميتة .
هذا جزاء من يتخذ الأشرار وزراء عنده وبطانة له {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} و{ وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ}
ومع هذا فقد كان الخميني يترضى على الثلاثة ، لما قدّموه من خدمات جليلة للشيعة ، انظر ( لله ثم للتاريخ : 90 )
قال الخميني ـ مبرراً فعل هؤلاء المجرمين ـ : وإذا كانت ظروف التقية تُلزم أحداً منا بالدخول في ركب السلاطين ، فهنا يجب الامتناع عن ذلك ، حتى لو أدى الامتناع إلى قتله ، إلّا أن يكون في دخوله الشكلي نصرٌ حقيقيٌّ للإسلام والمسلمين، مثل دخول علي بن يقطين، ونصير الدين الطوسي .اهـ من الحكومة الإسلامية (175) عاملهم الله تعالى بعدله .(1/224)
وقال أيضاً : يشعر الناسُ بالخسارة أيضاً لفقدان الخواجه نصير الدين الطوسي والعلامة وأضرابهم ممن قدّم خدمات جليلة للإسلام.اهـ الحكومة الإسلامية (159)
قال داود بن فرقد : قلت لأبي عبد الله [جعفر الصادق ] : ما تقول في قتل الناصب فقال : حلال الدم، ولكني أتقي عليك ، فإن قدرتَ أن تقلب عليه حائطاً ، أو تغرقه في ماء ؛ لكيلا يشهد عليك فافعل .اهـ من وسائل الشيعة ( 18 : 463 ) وبحار الأنوار ( 27 : 231 )
وعلق الخميني على هذا القول بقوله : فإن استطعت أن تأخذ ماله فخذ، وابعث إلينا بالخمس . كشف الأستار ( 89 )
وكيف لا يكفرونهم وهم يعتقدون فيهم أنهم أولاد زنا . لذا اسمع هذا القول الساقط :
* روى أبو ميثم بن أبي يحيى ، عن جعفر بن محمد [ الصادق ] قال : ما من مولود يولد إلا وإبليس من الأبالسة بحضرته . فإن علم الله أن المولود من شيعتنا حجبه من ذلك الشيطان . وإن لم يكن المولود من شيعتنا أثبت الشيطان أصبعه في دبر الغلام ـ فكان مأبوناً ـ وفي فرج الجارية ـ فكانت فاجرة .اهـ من الوافي (13: 17) بحار الأنوار عن الكافي، والوشيعة (40 )
هذا قذف شنيع للأمة كلها ، رجالاً ونساء ، والصادق أتقى لله تعالى أن يفتري مثل هذا الهراء ، لأن فيه طعناً في دينه وشرفه ، فهو كذب كسائر ما ينسب لهذا الإمام رحمه الله تعالى .
ثم هل حضر ولادة مولود، ورأى إبليس يفعل ذلك ؟ وهذا من الأمور المخفية ، أم أوحى إبليس لكاذب هذه القصة فنطق بها { شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً }.
لذا يجب مخالفتهم في الأصول والفروع .
قال علي بن أسباط للرضا : يحدث الأمر لا أجد بدّاً من معرفته ، وليس في البلد الذي أنا فيه من أستفتيه من مواليك ؟ قال : أحضر فقيه البلد فاستفته في أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه ، لأن الحق فيه .اهـ من عيون أخبار الرضا ( 1 : 275 )(1/225)
وعن عمر بن حنظلة قال : سألت الإمام الصادق : أرأيتَ إن وجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة [ يعني أهل السنة ] والآخر مخالفاً لهم ، فأي الخبرين يؤخذ ؟ قال الإمام : ما خالف العامة ففيه الرشاد ، اهـ من الكافي ، باب اختلاف الحديث ، رقم ( 10 )
وقال الصادق عليه السلام : إذا ورد عليكم حديثان مختلفان ؛ فخذوا بما خالف القوم . اهـ من وسائل الشيعة للعاملي ،
وقال أيضاً : خذ بما فيه خلاف العامة .
وقال : ما خالف العامة ففيه الرشاد .
وقال : ما أنتم والله على شيء مما هم فيه ، ولا هم على شيء مما أنتم فيه ، فخالفوهم ، فما هم من الحقيقة على شيء .
وقال أيضاً : والله ما جعل الله لأحد خِيرةً في اتباع غيرنا ، وإن من وافقنا خالف عدونا ، ومن وافق عدوَّنا في قولٍ أو عملٍ فليس منا ولا نحن منه . وقد عقد الحر العاملي على هذه الأقوال وغيرها في وسائل الشيعة ( باب عدم جواز العمل بما يوافق العامة ويوافق طريقتهم ) وقال في نهايتها : قد تجاوزت حد التواتر ، فالعجب من بعض المتأخرين حيث ظن أن الدليل هنا خبر واحد .اهـ
وقال أيضاً : والله ما بقي في أيديهم [ أي أهل السنة ] شيء من الحق إلا استقبال القبلة .انظر الفصول المهمة ( 325 ، 326 )
وقال الحر العاملي : واعلم أنه يظهر من هذه الأحاديث المتواترة بطلان أكثر القواعد الأصولية المذكورة في كتب العامة .اهـ [يعني أهل السنة ] من الفصول المهمة ( 326 ) وانظر لله ثم للتاريخ فقد ذكر نصوصاً كثيرة .
قلت : وهذا من جهله في علم الحديث ، ذلك أن الحديث المتواتر : ما رواه جمع عن جمع ، يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب ، وأسندوه إلى شيء محسوس ، وأفاد خبرُهم العلمَ لسامعه.
ومصدرُ كلِّ هذه الأقوال واحدٌ ، وهو قول الصادق رحمه الله تعالى ، فكيف يكون متواترا ؟ إنما هو خبر واحد ، ثم إن الرواة ليسوا ثقات .(1/226)
وعن أبي إسحق الإرجاني رفعه قال : قال أبو عبد الله [ جعفر الصادق ] عليه السلام : أتدري لِمَ أُمرتُم بالأخذ بخلاف ما تقوله العامة ؟
فقلت : لا ندري .
فقال : إن عليّاً ـ رضي الله عنه ـ لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره، إرادةً لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عليه السلام عن الشيء الذي لا يعلمونه، فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّاً من عندهم، ليلبسوا على الناس .اهـ من علل الشرائع (531) وانظر ( لله ثم للتاريخ ) لتعليقه على ذلك .ثم انظر ما كتبتُه وما ذكرته من أقواله رضي الله عنه ، من ثنائه على الصحابة ، وثناء الصحابة عليه رضي الله عنهم جميعاً، ليُعلم كذب هذه الأقوال .
وقد سبق قول نعمة الله الجزائري ـ وهو محدِّث الرافضة ـ : إنا لا نجتمع معهم ـ أي مع السنة ـ على إله ، ولا على نبي ، ولا على إمام ، وذلك أنهم يقولون : إن ربهم هو الذي كان محمد نبيَّه ، وخليفته من بعده أبو بكر .
ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبيّ ، بل نقول : إن الرب الذي خليفةُ نبيِّه أبو بكر ليس ربَّنا ، ولا ذلك النبيُّ نبينا .اهـ من الأنوار الجزائرية ( 2 : 278 )
وهذا كفر بلا شك .
قال نعمة الله الجزائري أيضاً ـ عن حكم النواصب ـ أهل السنة ـ: إنهم كفار، أنجاس، بإجماع علماء الشيعة الإمامية، وإنهم شر من اليهود والنصارى، وإن من علامات الناصبي : تقديمَ غير علي عليه في الإمامة .اهـ من الأنوار (206ـ207)
وروى الكليني: أن الناس كلهم أولاد زنا، أو قال بغايا، ما خلا شيعتنا.اهـ من الروضة ( 8 : 135 )
وروى عن الباقر قال : إن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا.اهـ من الكافي (1: 239 )
قال الرضا : ليس على ملة الإسلام غيرنا وغير شيعتنا .اهـ من الكافي (1: 233)(1/227)
ولهذا إذا أراد أحد الشيعة أن يسب غيره ويغلظ له في الشتيمة يقول له : (عظم سني في قبر أبيك ) لاعتقادهم نجاسة السني ، وأن نجاسته أكبر من نجاسة الكلب بلا حصر، إلى درجة أنه لو اغتسل ألف مرة فإنه لا يطهر .
وانظر القصة التي حكاها السيد حسين عن أبيه في إكرامه لسنّي ظن أنه شيعي ، فلما تبين له أنه سني أمر بحرق الفراش الذي نام فيه السني . لأن اعتقاد الشيعة جميعاً ـ بما فيهم فقهاؤهم ـ بنجاسة المسلم السني ، حتى إنهم قرنوا السني بالكافر والمشرك والخنزير ، وجعلوه من الأعيان النجسة . انظر ( لله ثم للتاريخ 83 )
ومن الملفت للنظر أنهم يتهمون أهلَ السنة جميعاً بالوهابية ، لذا ينبزونهم بأقبح الأوصاف ، ويوجبون قتلهم وقتلَ من يناصرهم أو يدافع عنهم .
واسمع ما يقول إمام من كبار أئمتهم في العصر الحاضر ، إنه آية الله الشيرازي : قال ـ وأنا أستمع له ـ في درس : نصرّح بما نعتقد ، إنّا إذا كنا نؤمن بالقرآن الكريم ، فالوهابي الإرهابي الكافر الناصبي الوحشي يجب قتله . وكل من يؤيده بنحو أو بآخر من رجلِ دينٍ أو غير رجل دين يجب قتله، ومن لا يقول بوجوب قتل هؤلاء وبوجوب قتل مؤيديهم فهو علانية يكفر بالقرآن الكريم،...ثم يقول: والدليل على ذلك قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ الله وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى وَالله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} حتى مساجد هؤلاء الناصبة الوهابية يجب أن تدمر وتحرق لأنها مساجد ضرار، يتجمع فيها هؤلاء الناصبة الوهابيون ويحيكوا المؤامرات... الخ
سبحانك هذا بهتان عظيم . وأقول للشيرازي الفارسي : قديماً قالوا : رمتني بدائها وانسلت .(1/228)
وليس هذا رأي الشيرازي فحسب ، فانظر إلى قول عبد العزيز الحكيم الفارسي الحاقد الغدار ـ يخاطب جماعته ـ : تطلبون فتاوى من العلماء ، أنا أقول لكم : اقتلوا كلَّ وهابيٍّ نجس .اهـ وكرّر ذلك مراراً، كما في القناة الفضائية .
أنا لستُ وهابيّاً ولكني مسلم مؤمن من آل البيت ، أدافع عن الإسلام .
* حدثني أحد الأخوة ـ من الأكراد قبل شهرين ـ يقول : إنه التقط رسالة بالجوال ، مرسلة من عبد العزيز الحكيم إلى رافضة البحرين مفادها التالي : إن العراق قد رجعت إلى حكم آل البيت ، فاستعدوا لتحرير مكة والمدينة.اهـ
تباً لك ، لا أقامه الله من بلائه، وجعله عبرة لكل خائن نجس ، الرافضة تحرّر مكة والمدينة ؟ وأنتم تريدون تدميرهما تماماً !!!
وانظر إلى الرواية المكذوبة عن جعفر الصادق رحمه الله تعالى .
وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : ما لمن خالفنا في دولتنا نصيب ، إن الله قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا.اهـ من بحار الأنوار (52: 376)
هذه نظرة الشيعة لأهل السنة : إنهم كفار ، أنجاس ، أولاد زنا ، شر من اليهود والنصارى ، يجب قتلهم ، وأخذ أموالهم . لا يمكن أن يلتقي معهم برب ، ولا نبي، ولا في إمام، وتجب مخالفتهم في العقيدة والأحكام ، ويجب لعنهم ، وشتمهم ، خاصة الجيل الأول منهم وهو جيل الصحابة رضي الله عنهم ، لأنهم هم الذين حملوا هذا الدين ، وهم الذين بلّغوه ، ونشروه في البلدان ، وقضوا على المجوس ـ في فارس ـ وعلى اليهود ـ في الحجاز ـ وعلى النصارى ـ في بلاد الشام ـ فالانتقام منهم أولى .(1/229)
ومن مظاهر مفارقة الشيعة لأهل السنة وكراهيتهم لهم تركهم لصلاة الجمعة ، فمنذ مئات السنين والشيعة لا يصلون الجمعة في مساجدهم ، وأنهم يزعمون أنها لا تُصلّى إلا وراء الإمام المعصوم ، وإذا حضروا في مساجد المسلمين فهم بين اثنين ؛ إما أن يخرجوا من المسجد فلا يصلوا ، وإما أن يبقوا فيه لكنهم بين أن يجلس ولا يصلي، أو يصلي صورة لا حقيقة، أو يصلي تقية، لأنه يكون قد صلى الظهر والعصر جمعاً معاً . لكن مشايخهم أفتوهم في السنوات الأخيرة أن يصلوا مع المسلمين ، كما صاروا يصلونها في حسينياتهم .
ومن مظاهر مخالفتهم للمسلمين ما كانوا يفعلونه في الحج ، ابتداء من إحرامهم حتى وقوفهم في عرفات ، فقد كانوا لا يقفون مع المسلمين في يوم عرفة ، بل كانوا يخرجون إلى عرفات يوم النحر [يوم العيد] حتى تدخلت الحكومة السعودية قبل نحو من أربعين سنة ، فمنعتهم ، وقالت لهم : إما أن تقفوا مع المسلمين ، أو لا تحجوا ، فامتنعوا عدة سنوات ، ثم صاروا يحجون مع المسلمين ،...
وقبل أيام كنت أسمع لشيخ رافضي أصله من إيران ، ويتكلم بلهجة عراقية يخطب في جمع من الرافضة فقال : سؤال : الشيعي الفاسق في الجنة ، والسني الصالح العدل في النار ؟ [ وهذا منقول ـ كذباً ـ عن الصادق ]
فقال : نعم ، الشيعي وإن كان فاسقاً فعنده ما ينجيه ، حب آل البيت والولاية ، أما السني وإن كان صالحاً تقياً ذا أخلاق فاضلة فهو في النار ، لأنه لا يحب آل البيت، وما عنده ولاية، أما الشيعي الفاسق ، صحيح يأكل كم عصاي على تقصيره في الصلاة والصوم والحج والعبادة ، لكن تأتيه محبة آل البيت والولاية فتنقذه . لأنه ما قاله الباقر وهو حديث مسلسل يقول النبيِّ عليه السلام: >بني الإسلام على خمس؛ الصلاة والصوم والزكاة والحج < والولاية .(1/230)
فالسني كل أعماله باطلة ، لأنه ما في ولاية ، فلا صلاة ولا صيام ولا فلوس، كلها باطلة، لذا فالشيعي الفاسق في الجنة مهما كان، والسني الصالح العدل ذو الأخلاق الفاضلة في النار .اهـ
[ هذا الكلام أخذه من أصول الكافي : باب دعائم الإسلام ، من قول الباقر رحمه الله تعالى ، وفيه أن الولاية أفضل من بقية الأركان ]
ألا لعنة الله على الكاذبين، لقد كذب الخبيث في هذا الكلام عدة مرات ، وإن كان أخطرها كذبه على النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم . وإليك بعضها :
1ـ كذبه على النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في لفظ هذا الحديث ، ومعلوم عقوبة الكاذب على النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم : > من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار < وهذا الحديث متواتر ، رواه أكثر من مائة من الصحابة بما فيهم علي رضي الله عنهم .
2 ـ لفظ هذا الحديث كالتالي .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : > بُني الإسلام على خمس ؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت < متفق عليه ، بل رواه عامة أهل العلم . ولا يعرف هذا الحديث بهذا اللفظ إلا عن ابن عمر رضي الله عنهما .
3 ـ لقد أسقط من الحديث الشهادتين ، ولا يقبل أي عمل إذا لم يكن إيمان ، فلا عبرة بأي عبادة إذا لم يكن إيمان بالله تعالى وبرسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .
4 ـ لقد زاد في هذا الحديث ( دعوى الولاية ) وهذا كذب على الله تعالى وعلى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلى الصحابة رضي الله عنهم وعلى محمد الباقر رحمه الله تعالى . لكن إذا سقط الحياء ما ذا يفيد الترقيع .(1/231)
5ـ لِمَ أسقط من الحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، والحديث لا يعرف بهذا اللفظ إلا من طريقه؟ إنه لو أبقاه لقيل له كيف تكفّره ثم تستدل بروايته ، لذا أسقطه وزعم أنه من رواية الباقر ـ وهو كذب عليه ـ حتى يضيف منقبة له رحمه الله تعالى ، ويسقطها عن الصحابي رضي الله عنه .
6ـ كذبه على المسلمين أنهم لا يحبون آل البيت ، وهذا كذب مشين ، وتزوير قبيح ، إن أهل السنة يحبون آل البيت أضعاف ما يحبهم الرافضة ، فليس فيهم من لا يصلي على آل البيت ـ تبعاً لصلاته على النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عشرات المرات في يومه ، خاصة في صلاته ، وقد سبق بيان محبة أهل السنة لآل البيت وغدر الشيعة الرافضة لآل البيت فلا حاجة لإعادته فانظره في فصله السابق .
7 ـ جزمه ـ كذباً وزوراً ـ بأن الشيعي الفاسق في الجنة والسني الصالح التقي في النار . ألا يعلم الجاهل ـ أو المتجاهل ـ أن هذا تأل على الله تعالى ، وتقوُّل عليه جل شأنه . وقد حذّر الله تعالى من هذا الفعل وجعله قريناً للشرك به ، فقال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى الله مَا لا تَعْلَمُونَ} وجعل الله تعالى هذا من مطالب الشيطان ، كما نبه على ذلك ، فقال تعالى : { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى الله مَا لا تَعْلَمُونَ}
ثم إن الله عز وجل قد أخبرنا عن صفات أهل الجنة ، ومنها الأعمال الصالحة مع الإيمان ، وعن صفات أهل النار . فهذا الشيعي الذي يدخل النار ، هل إيمانه بالله تعالى وبرسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فيه ما ينقضه أم لا ، فإن كان عنده ما ينقضه فهو مرتد ، وإن كان لا فهو تحت مشيئة الله تعالى .(1/232)
أما السني الصالح التقي ذو الأخلاق الفاضلة المصلي الصائم والمتصدّق القائم بفروض الله تعالى ، فهذا يرجى له الخير ، وإن كنا لا نجزم لأحد بالجنة حتى نراه على أي شيء يموت ، فإن مات على ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) فنقول : هذا من أهل الجنة ، وإلا فهو تحت مشيئة الله تعالى ، وعلى أي فالموعد غداً عند الله سبحانه وتعالى ، يوم تكسف السرائر ، وتتطاير الصحف ، ويعلم كل إنسان بما يأخذ كتابه .
ومن مظاهر مخالفتهم للمسلمين : زيادتهم في الأذان الشهادة الثالثة (أشهد أن عليّاً ولي الله ) وهذا لم يرد في كتاب ولا سنة . ولهذا قال الشيخ صدوق في ( مَن لا يحضره الفقيه ) : لعنة الله على من زادوا الشهادة الثالثة في الأذان . اهـ كسر الصنم (298)
ولقد قال السيد المرتضى ـ من أكابر علماء الشيعة الإمامية في القرن الخامس ـ : من قال في أذان الصلوات : أشهد أن عليّاً وليُّ الله فقد أتى بعمل محرَّم .اهـ من الشيعة والتصحيح ( 104 )
وقد بدأت هذه الظاهرة منذ زمن الصفويين ، وأمر الشاه إسماعيل الصفوي المؤذنين بإدخالها في الأذان ، وقولها على المآذن .
قال الدكتور موسى الموسوي : ومن الغريب في هذه الظاهرة أن فقهاءنا ـ سامحهم الله ـ يُجمعون إجماعاً مطلقاً وتامّاً على أن هذه الشهادةَ أُدخلت في أذان الصلوات في وقت متأخر ، وأنها لم تكن معروفةً حتى القرن الرابع الهجري ، وأنهم يُجمعون أيضاً على أن الإمام عليّاً إذا كان على قيد الحياة ، ويسمع اسمه يُذكر في أذان الصلوات لكان يجري الحدَّ الشرعي على من يقول ذلك .اهـ من الشيعة والتصحيح 104) وانظر تتمة كلامه فإنه مفيد .(1/233)
لكن ماذا ينفع عندهم ، وقد بلغ تأثير المجوس واليهود فيهم مبلغاً وصل إلى العظم ، وإلا كيف يرضى مسلم يدّعي محبة الله ومحبة آل البيت أن يكون عددُ أتباع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم قليلاً ـ منحصراً في الرافضة ـ بينما أعداد أتباع الأنبياء أضعاف عدد المسلمين ، ثم كيف يرضى أن يكون عابدُ النار والوثن في الجنة ، ومليار ونصف من المسلمين في النار .
روى المجلسي عن أمير المؤمنين ـ رضي الله عنه ـ قال: إن الله قد خلّصه ـ أي كسرى ـ من النار ، وإن النار محرَّمة عليه .اهـ من بحار الأنوار (41: 4)
وأذكر بعض محاولات الرافضة الفرس وأتباعهم ممن في ركابهم تقويض دعائم الأمن في بعض البلاد العربية ، بقصد السيطرة عليها ، وإن لم يمكن فلا على الأقل من إحداث القلاقل والفتن فيها لتركع أمام الفرس فتسير في ركابهم ، وينشروا مذهبهم .
* بعد استيلاء الخميني على مقاليد الحكم في إيران قرّر تصدير الثورة إلى جميع بلاد المسلمين ، وظهر هذا في كلمته التي ألقاها أمام وفود الحركات الإسلامية التي قدمت مهنئة ـ ظنّاً منهم أنها دولة إسلامية فخاب ظنهم من أول لحظة ـ حيث كانوا في غاية المهانة حين استقبلهم ، وهو جالس مرتفع على كرسي ، وهم قعود في الأرض ، كأنهم أطفال بين يديه . وقد نبهت عدداً من هؤلاء بعدم الذهاب ، وأخبرتهم بأن هذه الدولة رافضية حاقدة على المسلمين ، أخذوا الإسلام تقية . وقد برز تصديره للفتنة والقلاقل في بلاد المسلمين بما يلي :
ـ إنشاء أحزاب في مختلف البلاد التي فيها شيعة، وأسموها بـ (حزب الله) وهذا لا يجوز، فهم ليسوا حزب الله ، ولكنهم حزب الشيطان ، لا يدينون بالولاء لله تعالى ، إنما يدينون بالولاء لدينهم ومذهبهم وقيادتهم في إيران .
ولهذه الأحزاب مهمة طويلة الأجل، تمتد إلى خمسين سنة ، بحيث يكون المسلمون على رأس الخمسين قد تشيعوا؛ إما رغبة، وإما إغراء، وإما شراء، وإما بالقوة والبطش ، وهذا ما حصل .(1/234)
ـ في عام (1980م ) حاول حزب الله البحريني بانقلاب في البحرين ، بإشراف مباشر من الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني ، لكنه فشل والحمد لله .
ـ في حج عام (1406هـ ) قدمت طائرة إيرانية من أصفهان ، برقم (3169 ) يوم الجمعة ، بتاريخ (3 /12/1406هـ ) وهي تحمل (500 ) حاج وحاجة . فلما قدَّموا شنطهم ، اكتشف موظف الجمرك في مطار جدة الدولي ، وجود ( 94 ) شنطة ، أثارت اهتمامه ، فلما فتحها ، وإذا بها تحمل الموت الناقع ، وجدوا فيها (51) كيلو غراماً من المتفجرات العسكرية شديدة الانفجار ( س 4 ) بحيث لو انفجر كيلو واحد منها لأحدث دماراً هائلاً وخراباً مروعاً ، إن نسبة الدمار (85 % ) على قطر (10م) وهذه المتفجرات لا تصنع إلا في المصانع الحربية، وقد اعترف المتهم الأول (محمد حسن علي محمدي دهندي ) بكل التفاصيل ، ورأيت ذلك من خلال التلفزيون ، وأن وراء العملية ضابط الاستخبارات في الحرس الثوري ، وكان الهدف : المحافظة على مصالح إيران في الخارج .
ـ وبعد فترة : فوجئ الحجيج وهم يخرجون من الحرم المكي الشريف بمظاهرة الإيرانيين ، وقد أغلقوا الطرق ، ومنعوا الناس من المرور ، وهم يهتفون بشعارات مناوئة ، وتصدى لهم الحجيج وأهالي مكة ، ثم تدخل رجال الأمن في مكة، وإذا بهم يحملون تحت عباءاتهم وفي جيوبهم ؛ العصي والسكاكين ،... وحصلت مجزرة رهيبة ، حيث قتل من الإيرانيين نحو من ( 500 ) وجرح منهم نحو (650 )(1/235)
لم هذا العمل؟ هل هذا من شعائر الحج؟ لو كانوا صادقين فلِم يجتمعون سرّاً مع الأمريكان في جنيف ، وفي تونس ، وفي غيرهما ، ليضعوا مخطط الشرق الأوسط ـ وقد ذُكر ذلك في إذاعة لندن في الحوار مع المسؤولين الإيرانيين ـ حتى أفغانستان ، مَن الذي أغرى أمريكا بغزو أفغانستان ، وغزو العراق ؟ أليس إيران ومعها الخونة من رافضة العراق عاملهم الله بعدله . ثم يدّعون كذباً بأنهم ضد أمريكا ، وأن الموت لأمريكا وإسرائيل، من الذي كان يموّل إسرائيل بالبترول أثناء الحرب؟ ثم يكذبون على الناس. وكيف هي علاقة عبد العزيز الحكيم ـ الآن ـ مع أمريكا في العراق ؟ أليس هي ضد السنة ؟ كيف علاقة فيلق الغدر مع أمريكا في العراق ؟ كيف هي حدود إيران مع مناطق الشيعة في العراق وغض طرف الأمريكان ؟
ـ وفي عام ( 1409هـ ) في (7 من ذي الحجة ) قامت عناصر من حزب الله الكويتي بإلقاء تفجرين في مكة ، أثناء تواجد الحجيج عند الحرم ، بناء على طلب الحكومة الإيرانية ـ كما صرح بذلك : المجرم الأول منصور حسن عبد الله ، وهو شيعي كويتي ، وهو المشرف على تنفيذ العملية ، وبطلبٍ من مندوب الخميني في الكويت محمد باقر المهري ـ وقد أخذوا المتفجرات من السفارة الإيرانية في جدة ، كما قال المجرم ، وكان المخطط أن يزرعوا عدة متفجرات ، ولكن الله تعالى سلم ، وأعلن : أن الهدف هو زعزعة الأمن في المملكة العربية السعودية ، لأن بزعزعة الأمن يمكن لهم التدخل ، بحجة حماية الرافضة فيها ، ومواطأة اليهود والنصارى ـ خاصة أمريكا وإنكلترا وغيرهما وهم جاهزون .
ـ وفي عام (1995م) قام حزب الله البحريني، بمعاونة حزب الله اللبناني، وحزب الله الكويتي، وبإشراف مباشر من الحرس الثوري بمحاولة انقلاب في البحرين ، ورأينا الجرائم التي فعلها الرافضة ، من قتل وحرق ... للبشر والممتلكات ، والخراب الذي أحدثوه في البلد ، ولكن الله تعالى سلم .(1/236)
ـ ما قام به حزب الله اللبناني في بيروت ، وإيذائهم للناس ، وضرب المسلمين العزل ، بهدف السيطرة على البلد ، ومع الأسف الشديد انضم إليهم بعض رموز من السنة ، وأما ما فعلوه من افتعال القتال مع اليهود ، وضرب الصواريخ على شمال إسرائيل ، فهذا أمر مفتعل مع الأمريكان وإيران ، لإبراز حزب الله ، ثم إن من أعجب العجائب أنهم لم يضربوا صاروخاً واحداً على مناطق اليهود، إنما القصف نال مناطق المسلمين السنة المقيمين في بلادهم التي لم يتركوها في شمال فلسطين ، وقد سمعت نداء الناس في ذلك .
ـ ما قاموا به الآن من شراء الأراضي في دمشق، وبناء الحسينيات والمراكز في بقية المحافظات ، مع تقديم المال بسخاء لمن يتشيع ،
ولما حاولوا أن يفعلوا ذلك في الأردن تنبه لهم المسؤولون ، ولا غرو فقد كان الملك حسين رحمه الله تعالى من أوائل من نبه على ثورة الخميني ، وأنها ثورة شيعية وليست إسلامية ، كما شاركه هذا الرأي عدد من الزعماء رحم الله من مات منهم .
وأما في العراق فالقلب يحزن لما يرى ما فعل من تهديم وتهجير وتعذيب وتقتيل ،... وما العراق إلا الحلقة الأولى في المخطط الإيراني المعد ضمن الخطة الخمسينية . لذا فليتنبه كل غيور .
ولعل الغيور يسمع تلك الصيحة ، وهذا النداء ، فينتبه لمخطط فروخ الفرس، وشركاء اليهود والنصارى، فيحبط عليهم مخططهم، ويردهم على أعقابهم قبل أن يجرفه تيار الرفض .
لكن كلي أمل وثقة بالله تعالى وبما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بأن الفرس لن تقوم لهم دولة كسروية في العراق : > إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده < متفق عليه ، والله تعالى أعلم .
وفي ختام هذا الفصل أذكر ثلاث قضايا مما خالف الرافضة فيها عموم المسلمين .
* فكرة ولاية الفقيه .(1/237)
إن فكرة ولاية الفقيه هي بالمعنى الدقيق : فكرة حلولية ، دخلت على الفكر الشيعي عن طريق الفكر النصراني ، القائل : إن الله تجسّد في المسيح ، والمسيح تجسّد في الحبر الأعظم ـ تعالى الله عن ذلك وقد سبق ذكر بعض الأقوال في ذلك .
لقد كان البابا في عصر محاكم التفتيش يحكم أوربا باسم السلطة الإلهية المطلقة ، حيث كان يأمر بالإعدام والحرق والسجن ،... وقد دخلت هذه البدعة إلى الفكر الشيعي بعد الغيبة الكبرى ، وأخذت طابعاً عقائديّا ، عندما أخذ علماء الشيعة يسهبون في الإمامة، ويقولون : بأنها منصب إلهيٌّ ، أنيط بالإمام ، كخليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وبما أن الإمام ـ في اعتقاد الرافضة ـ حيٌّ ، لكنه غائب عن الأنظار ، ولم يفقد سلطته الإلهية بسبب غيبته فإن هذه السلطة تنتقل منه إلى نوّابه ، لأن النائب يقوم مقام المنوب عنه في كل شيء .
لكن هذه الفكرة ـ مع تبني بعض فقهاء الشيعة لها فيما سبق ـ لم تجد الفرصة المواتية للخروج من حيِّز الفكر إلى حيِّز العمل إلا بعد قيام الدولة الصفوية في إيران ، واستيلاء الشاه إسماعيل على مقاليد الأمور في إيران . مع أن غالب إيران كان سنِّيّاً، سوى قم وقاشان ونيسابور، وكانت أصفهان يغلب عليها الخوارج ، فلما طلب الشاه منهم التشيع وإلا السيف ، طلبوا منه أن يمهلهم أربعين يوماً حتى يكثروا من سب علي رضي الله عنه ثم يتشيعوا ، فكان ذلك ، فانضمت إلى المدن الشيعية .
ومع أن الشاه كان شيعياً للنخاع ، إلا أنه رضخ لولاية الفقيه ، وطلب من علي بن عبد العال الكركي العاملي ـ كبير علماء الشيعة في جبل عامل بلبنان ـ أن يُحكم له دعائم السياسة والملك ، ويجيزه الجلوس على كرسي الملك والحكم باسم الولاية العامة التي هي من صلاحيات الفقيه . ولا زالت الكتب التاريخية تحتفظ بالنصوص الواردة في إجازة الكركي للشاه .(1/238)
إن فكرة ولاية الفقيه كانت موجودة في الفكر الشيعي ، وعليها كانت تُبنى فكرة عدم شرعية الخلافة إلا إذا أجازها الفقيه الذي يمثّل الإمامَ الحي الغائب المنصوب بأمر الله تعالى .
وما أن أطل هذا العصر حتى بدأ الخلاف يدب بين فقهاء الشيعة، وصار الصراع على أشده تجاه هذه الفكرة ، وغُيّب كثير من الفقهاء لمخالفتهم لتلك الفكرة ، أو لعدم موافقتهم على من تصدّر . والمثقفون من الشيعة يعرفون الكثير مما ارتكب من الفجائع ، والمظالم باسم ولاية الفقيه في إيران ، وبدأ رد الفعل العنيف يعصف بالمذهب ، وما رافقه من سلطة الفقهاء والمرجعية المذهبية ، مما يهدد الإيرانيين بتغيير مسار معتقدهم .
ومع أن ولاية الفقيه تتعارض تعارضاً صريحاً مع الآيات القرآنية ، إلا أن المرجعية المذهبية متشبثة بأظافيرها بها، حتى أصدر الخميني كتابه الصريح في ذلك ، وقد لوى فيه أعناق النصوص في سبيل الاستدلال على مذهبه ، ومع تناقضها مع مبادئ الإسلام الصريحة ، إلا أن الأكثرية من الفقهاء لم يعارضوها، بل وقفوا محايدين أو مؤيدين ، مما ينذر بالخطر، والله المستعان . انظر ( التشيع والتصحيح ( 69 ـ 76 )
* فكرة الضرب على الرؤوس يوم عاشوراء .
ومما أحدثه الشيعة الرافضة ـ مخالفين عامة المسلمين ـ ضرب الرؤوس والأكتاف بالسلاسل الحديدية ، وضرب الرؤوس بالسيوف . وما زالت هذه العملية البشعة من مراسم الاحتفال بالحزن تتكرر كل عام بمناسبة مقتل سيدنا الحسين رضي الله عنه .
ولم تكن هذه الأفعال الشنيعة تقام عند قبر الحسين في كربلاء في العاشر من محرم ، من كل عام ، عند القدامى من الشيعة ، بل كانوا يجلسون في بيوتهم ، ويتقبلون التعازي ، ويطعمون الطعام ، وتُلقى الخطب والقصائد ويبكون يومهم ذاك .
وفي كربلاء كان الزوار يمرون على هيئة مواكب منظمة مرتبة مع البكاء والنحيب ، ويلبس الشيعة السواد حداداً في شهري محرم وصفر .(1/239)
ولكن بعد قيام الدولة الصفوية ـ وبدعم من الإنكليز ـ تغيرت مراسم الاحتفال ، فدخل ضرب السيوف على الرؤوس ، والأكتاف بالسلاسل ، وذلك إبان الاحتلال البريطاني للقارة الهندية ، وقد استغل الإنكليز جهل الرافضة وسذاجتهم ، وحبهم الجارف غير المتعقل للحسين رضي الله عنه ، فأخذوا طائفة منهم إلى أوربا وعلّموهم كيفية الاحتفال البشع في ذلك اليوم ، كما علموهم ضرب الرؤوس .
وقد كانت السفارات الإنكليزية في طهران وبغداد إلى عهد قريب تموِّل المواكب الحسينية ، التي تظهر بذلك المظهر البشع في الشوارع والأزقة ، ليعطوا مبرّراً لهم على بقائهم في تلك البلاد المتوحش أهلها ، ولا زلت أذكر قبل أكثر من (65) سنة ما تفعله الإذاعة في بغداد ، لعدم حضورنا تلك المراسم .
ولما أصدر السيد محسن الأمين العاملي ـ كبير علماء الشيعة في لبنان ـ عام (1352هـ) تحريم مثل هذه الأفعال ، وطلب من الشيعة أن يكفوا عنها ، وبين أنها ليست من الدين، ولا من المذهب، وأيده السيد أبو الحسن الموسوي كبير علماء الشيعة في النجف : بدأت هذه الظاهرة بالانحسار ، حتى وفاة السيد الموسوي ( عام 1365هـ ) فبدأت هذه الظاهرة بالظهور من جديد ، لكن بعد قيام حكومة الخميني في إيران ، وتولت ولاية الفقيه السلطة : صدرت الأوامر بإحياء تلك الأعمال، ودعمها ماديّاً ومعنويّاً، في كل مكان يكون فيه شيعة، كجزء من السياسة المذهبية، وترسيخ العداء للسنة ، ودعم هذه البدعة المنكرة، التي أدخلها الاستعمار الإنكليزي قبل مائتي سنة، وتعطي الصورة المشوّهة للإسلام، وتبرر الاستعمار الفكري للدول الإسلامية .(1/240)
وما زالت شاشات التلفزة تعطي الصورة المقززة لتلك المناظر المفجعة ـ يوم عاشوراء ـ من إيران والنجف وكربلاء وأحياء الشيعة في بغداد . مع أن بعض العقلاء صاروا يقرون بأن هذه الأعمال ليست من الإسلام ، ولا هي من أصول المذهب . وانظر : الشيعة والتصحيح (98 ـ 102) حيث ذكر حواراً بينه وبين أحد أعلام الشيعة في كربلاء، وما حصل مع رئيس وزراء العراق الأسبق السيد حسين الهاشمي في لندن ؛ عندما أظهروا له فلماً وثائقيّاً عن تلك المواكب السخيفة ، في النجف وكربلاء والكاظمية .
* التعبيد بغير الله .
لقد كان العرب في الجاهلية يسمّون أسماءهم مضافة إلى أصنامهم ، مثل عبد العزى ، وعبد هبل ، وعبد الكعبة ،... فلما جاء الإسلام حرّم تلك الأسماء ، وبيّن أن العبودية لا تكون إلّا لله تعالى ، فصار المسلمون يسمون : عبد الله ، عبد الرحمن ، عبد الكريم ،... وهكذا .
لكن الرافضة رجعوا إلى عهد الجاهلية، فصاروا يتعبدون بغير الله تعالى، لكن بأسماء آل البيت، من مثل : عبد حسين ، عبد علي، عبد فاطمة، عبد زهرة،...وهكذا، وأسماء أغلب حكام العراق حالياً ـ خاصة الفرس منهم ـ هي أسماء مستعارة . وأما أسماؤهم الحقيقية فقد أخفوها لغرض ما ، وإن كان هذا يعطي صورة لمحبتهم لأئمة آل البيت ، لكنه يعطي صورة على الغلو غير المحمود .
ما سبب عداوتهم لأهل السنة ؟
يعود ذلك ـ في نظري ـ إلى ثلاثة أمور :
أ ـ لقد قضى المسلمون على الفرس ، منذ عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، فلم ينته عهد عثمان رضي الله عنه إلا والمسلمون قد قضوا على آخر معقل للفرس في الشرق . حتى صاروا يسيطرون على كل ما كان يُعرف بالإمبراطورية الفارسية أوالساسانية .
ب ـ إن المسلمين قد قضوا على اليهود ، منذ زمن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم ينته عهد عمر رضي الله عنه إلا ولم يبق يهودي في الحجاز كله .(1/241)
ج ـ إن المسلمين قد قضوا على الإمبراطورية الرومانية في بلاد الشام ، كما لم يبق سيطرة للنصارى في مصر .
لذا اجتمع حقد اليهود ، وبغض النصارى ، وزرعوه في تربة الفرس ، فأثمر الحقد الذي فتت أكبادهم ، وأجج النار في قلوبهم ، وانعكس ذلك عداوة لأهل السنة الذين يكنّون المحبة والتقدير والتعظيم والتوقير والولاء ،... للصحابة والقادة ولآل البيت رضي الله عنهم الذين قضوا على عروش الفرس والرومان والنصارى .
فهل يتنبه العقلاء من المسلمين ـ من سنة ورافضة ـ ما يريده الرافضةُ ظاهراً ، واليهود والنصارى والمجوس حقيقةً ؟
مستغلين ما حصل قبل أكثر من ألف وثلاثمائة عام ، وكانوا هم سعيره ، المنفذين له
ـ من الذي قتل عليّاً رضي الله عنه ؟ سيقول الناس : الخوارج، أقول : إن قاتله ـ عبد الرحمن بن ملجم ـ كان شيعيّاً ، واشترك مع علي رضي الله عنه في معركة صفين ، ولكنه انتحل فكرة الخوارج لهدف معين ، واشترك خفية مع أكبر قائد لسيدنا علي وهو زوج ابنته ، كما أوضحته في الأصل .
ـ من الذي اغتال سيدنا الحسن رضي الله عنه في عين التمر ، وبقي شهراً يعالج من الضربة المسمومة في أليته ، ومن الذي قال له : يا مسوِّد وجوه المسلمين؟ ومن الذي سمّه ثلاث مرات؟ كتب الشيعة الرافضة تعرف هذا جيداً ، وقد سبق ذكر ذلك ، إنما هو الرافضة .
ـ من الذي استدرج سيدنا الحسين رضي الله عنه إلى العراق ، وأرسلوا له ثلاثة أكياس فيها بيعتهم وعهودهم ، فلما شخص إليهم تخلوا عنه وغدروا به ، وخرجوا لقتاله ، حتى إن الذي ضربه كان من شيعته ، ثم من ، ومن ، ومن ؟؟؟ وقد سبق ذكر كثير من غدرهم .(1/242)
ومع هذا يستغلون أمراً هم فعلتموه ، ويتهمون به غيرهم ، فوالله ما أنتم بأرحم من علي والحسنين رضي الله عنهم، ولا أنتم بأحرص منهم على حقهم ، ثم من الذي أقامكم محامين عنهم . إذا أردتم أن تكونوا نواباً عنهم عليكم أن تكونوا على مذهبهم ومعتقدهم ودينهم ، فوالله إن الفارق بينكم وبينهم كبير ، هم مشرقون وأنتم مغربون . لذا أنصح للرافضة ـ إن كانوا يقبلون النصيحة ، ويريدون بدينهم ربَّهم ـ أن يرجعوا إلى الحق ، ويحكموا نصوص الكتاب ، والصادقين المخلصين من سلف الأمة ، ولا يلتفتوا إلى اليهود والنصارى والمجوس ، الذين انتحلوا الرفض ديناً ومذهباً ، فالديان شاهد ، وسيفه صلد ، وحكمه ماض ، ولا شافع ولا خداع ولا رشاوى .
وأختم هذا الفصل بهذه المقارنة ، نبهني عليها صاحب الوشيعة رحمه الله تعالى .
إن اليهود ـ في تاريخها ـ كانت تأتي بكل منكر، لم تترك كبيرة إلا ارتكبتها ، أشركت بالله تعالى ، وعبدت العجل ، وقتلت الأنبياء ،... وموسى وهرون ويوشع بن نون عليهم السلام على قيد الحياة .
وكانت جافية قاسية ، تشكو الله أشد الشكوى ، وتلوم موسى وهرون لوماً غليظاً، وتسب وتشتم شتماً عنيفاً، وكانت أوقح الأمم في إنكار الجميل وكفران النعم وشدة الكفر ،... وكل ذلك في الأسفار القديمة .
ومع هذا فقد كانت تقدِّس أمةَ اليهود تقديساً لا مزيد عليه ، وتحترمها احتراماً لاحدَّ لشدته .(1/243)
وقد كان أنبياؤهم ـ قد فرط منهم عبارات فيها الشدة بجانب الله تعالى ، ما كانت تصدر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكن الله عز وجل عذرهم لفرط محبتهم بأمتهم ، وشفقتهم بهم ، وحرصهم عليها { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ}
وقد قسمت التوراة الأسباط إلى فئتين : فئة تدعو بالبركة كلها لمن أقام التوراة ، وفئة تلعن من ترك العمل بالتوراة وبوصاياها .
والدعاء بالبركة عند اليهود لكل مطيع ، واللعنة لكل عاص .
وكل اللعنات تنزل من عند الله تعالى على أعداء اليهود إن استقامت اليهود ، وإن لم تستقم فكل اللعنات تنزل على اليهود .انظر سفر التثنية ( 27 : 30 )
ولعنات الرافضة كلها منتحلة من لعنات اليهود ، إلا أن لعنات اليهود على العصاة ، ولم تكن على الأعيان، وكانت تسوق اليهود إلى إقامة التوراة .
أما لعنات الرافضة فعلى أفضل الأمة ؛ على الصِّدّيق والفاروق والعصر الأول رضي الله عنهم الذين أقاموا الدين . مع ما فيها من إفساد لقلوبهم . ثم إنها مستمرة طيلة أعمارهم ، إنها دعوة سبئية ، أو نزعة فارسية ، يراد بها هدم كيان هذا الدين ، وشحن القلوب غيظاً ، وانظر الوشيعة ( ج م ـ مه ).
فصل
كذب دعوى الإمامة(1/244)
لقد زعم الشيعة الرافضة أن الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قد نص على ولاية عليٍّ رضي الله عنه ، بل جاء النص في تولية الأئمة الإثني عشر، وأن من تتمة الرسالة وجود الولاية ، وأن من لم يؤمن بها فهو كافر بالله تعالى وبالإسلام ، وأنه لا حظ له في الإسلام ، وأنه حلال الدم والمال ، وهو مخلد في النار .
وقد سبق ذكر عدد من العناوين من الكافي ، مثل ( أن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود من واحد إلى واحد) و(ما نص الله ورسوله على الأئمة واحداً واحداً ) و(الإشارة والنص على كل واحد منهم ) و ( من ادعى الإمامة وليس لها بأهل ومن جحد الأئمة أو بعضهم،...) و(وأن الأئمة إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يُسألون البينة)و(أن الأرض كلها للإمام ) وكثير غير ذلك .
كما سبق قولُ عبد الله بن سبأ اليهودي بدعوى الوصي ، وأنه أخذ ذلك من يهوديته السابقة ، وشاركه اليهودي الآخر : ابن السوداء .
فهل هذا صحيح ؟ وهل هناك دليل واحد ، أو شبهة دليل على وجود نص على إمامة الأئمة ؟ وهل صح عن سيدنا علي رضي الله عنه وأولاده الكرام وأحفاده رضي الله عنهم شيء من ذلك ؟ أم هو محض اختلاق ، اصطنعه اليهود والمجوس في سبيل تفتيت كلمة المسلمين، وتشتيت شملهم، وشق وحدتهم، وتفريق جمعهم، بانخزال طائفة منهم عن دين الله الحق ، وإخراجهم من دائرة الإسلام ، وتسييرهم في دائرة أعداء الله تعالى وأعداء رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من اليهود النصارى والمجوس ؟ هذا ما نراه اليوم في سيرهم في ركاب أعداء الله تعالى وأعداء رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، وأعداء المسلمين ، وإن زعموا خلاف ذلك ، كما بينته في المقدمة .(1/245)
وقد ثبت عن سيدنا علي رضي الله عنه ، وعن أولاده وأحفاده الأُوَل رحمهم الله تعالى إنكارُ مثل هذه الدعوى ، وبيَّنوا أن من زعم أنه قد عُهد لعليٍّ رضي الله عنه فقد كذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد أنكروا أشد الإنكار على من زعمها لهم ، لذا سيكون الرد من أقوالهم ـ دون أقوال أهل السنة ـ ومن كتبهم في الغالب ، إلا في بعض النصوص المؤيدة لأقوالهم .
إن دعوى الإمامة هي من اختلاق الشيعة ، ولم يرد نص واحد عن أحد الأئمة رحمهم الله تعالى في ذلك ، وهذا واضح من إنكارهم لهذه الدعوى ، ابتداء من علي رضي الله عنه حتى الصادق رحمه الله تعالى . وهذا ما سنراه من خلال النقول عنهم ، كما جاءت في كتبهم المعتمدة . وانظر المناظرة في آخر الفصل .
ومما يدل على كذب دعوى الإمامة واختلاقها :
أولاً : لقد أعلن سيدنا عليٌّ رضي الله عنه عدمَ علمه بولايته ، وعدمَ رغبته بالخلافة ، ولولا ضغط الصحابة رضي الله عنهم ما قبلها ، انظر نهج البلاغة ( أرقام : 1، 54 ، 91، 137، 205، 220 وغيرها ).
انظر قوله رضي الله عنه فيه : والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ، ولا في الولاية إربة ، ولكنكم دعوتموني إليها ، وحملتموني عليها . رقم ( 205 )
وقال رضي الله عنه فيه : بسطتم يدي فكففتها ، ومددتموها فقبضتها،... حتى انقطعت النعل ، وسقط الرداء ، ووطئ الضعيف . رقم ( 220 )
وقال رضي الله عنه فيه : دعوني والتمسوا غيري ،... وأنا لكم وزير خير لكم مني أمير، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، وأسمعُكم وأطوعُكم. رقم (91)
وقال رضي الله عنه: تقولون البيعةَ البيعةَ ، فقبضتُ كفي ، فبسطتموها ، رقم (137)
وقال رضي الله عنه فيه : إني لم أرد الناس حتى أرادوني، ولم أبايعهم حتى بايعوني . رقم ( 54 )
وقال رضي الله عنه ـ في أول خطبة له بعد بيعته ـ : أيها الناس ، عن ملأ وأُذن ، أمركم هذا ليس لأحد حق إلا من أمرتم .(1/246)
وقال رضي الله عنه : وإن الله عالمٌ من فوق سمائه وعرشه أني كنتُ كارهاً للولاية على أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى أجمع رأيكم على ذلك . وانظر آخر الرسالة .
لو كانت الخلافة معينة فإنه لا يستطيع ـ شرعاً ـ أن يتبرأ منها بكل هذا الكلام ، لقد جعل الخلافة ماء آجناً ، ولقمة يغص بها آكلها ، فلو تعين هو لوجب عليه القيام بها قبل أن يبايع، كما وجب عليه ـ شرعاً ـ أن يعلن ذلك، لأنه فرض واجب ، والذي لا يطيع يكون آثماً ، لكن العجب لم تظهر فكرة الإمامة إلا بعد قرنين أو ثلاثة ، دلالة على نحت تلك الصورة ، واختلاق تلك الفكرة ، من قبل الكذّابين والدّجّالين .
ثانياً: لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى إلى علي رضي الله عنه ما خفي ذلك على أهل بيته، خاصة العباس رضي الله عنه حينما عرض عليه أن يسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأجابه بما أجابه .
فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، أن عليَّ بنَ أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم في وجعه الذي تُوفي فيه ، فقال الناس : يا أبا الحسن ، كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : أصبح بحمد الله بارئاً . فأخذ بيده العباس ، فقال : ألا تراه ؟ أنت والله بعد ثلاث عبدُ العصا ، والله إني لأرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيُتوفّى في وجعه، وإني لأعرف في وجوه بني عبد المطلب الموتَ. فاذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلنسألنه ؛ فيمن يكون الأمر ؟ فإن كان فينا علمنا ذلك ، وإن كان في غيرنا آمرناه فأوصى بنا .
قال عليٌّ : والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمنعناها لا يُعطيناها الناسُ أبداً ، وإني لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبداً . رواه البخاري .(1/247)
فالحديث صريح بأن النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لم يوص لعليٍّ رضي الله عنه . فلو كان قد أوصى بها له ما أجاب عمه بقوله : والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمنعناها ،... فهذا صريح بعدم وصيته له وعدم علمه بذلك .
وإن قولَ العباس رضي الله عنه : ( فإن كان فينا علمنا ذلك ، وإن كان في غيرنا آمرناه فأوصى بنا ) دليلٌ صريح على عدم وجود وصية في الخلافة أصلاً ، يعلمها أهلُ البيت . إذ لو كانت ما خفيت ولما سأل .
ثالثاً : لو كانت الولاية منصوصاً عليها لما عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إرثه لعمه العباس وابن عمه علي رضي الله عنهما ، كما رواه الرافضة .
فقد جاء في الوافي [2: 133] عن الكافي قال : دعا النبيُّ صلى الله عليه وآله عمَّه العباس وعليّاً أمير المؤمنين قُبيل وفاته . فقال لعمه العباس: تأخذ تراث محمد وتقضي دينَه ، وتنجز عداته ؟ فردّ عليه العباس ، وقال : شيخ كثير العيال ، قليل المال .
فقال النبيُّ : سأعطيها من يأخذها بحقِّها. وقال : يا علي ، أتنجز عدات محمد ، وتقضي دينَه ، وتقبض تراثه .اهـ
هذا الحديث لم تذكره سوى كتب الشيعة ، فهو وإن كان لا يصح عند محدّثي السنة ، فإنه ينقض عرى قواعد الرافضة من الأساس ، مع التناقض عما عندهم .
ـ ما في هذا النص يدل على أن الولاية ليس منصوصاً عليها . وإلا كيف عرضها صلى الله عليه وآله وسلم على عمه العباس رضي الله عنه أولاً .
ـ الإرث لا يتوقف على رضا الوارث أو إرادة المورث .
ـ ما جاء في هذا النص يدل على بطلان وراثة علي رضي الله عنه عند أهل السنة والرافضة معاً . ذلك أن الرافضة لا تورِّث العصبة ، وأما عند أهل السنة فابن العم محجوب بالعم ، فلو كانت الولاية وراثة ـ كما زعموا ـ لما صحت عند الفريقين ، لوجود العم ـ وهو العباس رضي الله عنه ـ فيكون عليٌّ محجوباً بالعباس رضي الله عنهم، ولعدم توريث العصبة عند الرافضة.(1/248)
ـ ثم لو كانت الولاية بالوراثة لكان الأولى بها العباس رضي الله عنه،لأنه مقدّمٌ شرعاً ، ولأنه صنو الأب ، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم .
ـ وإن كان حالُ العباس رضي الله عنه على خلاف ما في هذا النص ، وانظر الوشيعة ( 32 ـ 34 )
رابعاً: لقد أوضح عليٌّ رضي الله عنه ذلك بجلاء، وصرّح بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يخصه وأهلَ بيته بشيء ، ومن زعم ذلك فقد كذب .
وذلك بعد أن بدأ عبد الله بن سبأ اليهودي يبث في أذهان الناس : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصَّ عليّاً وأهلَ بيته رضي الله عنهم بأشياء لم يخصها لأحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ومنها : كونه الوصي بعده ، وأن الأمر إليه من بعده .
لذا صار الصحابة الملازمون له رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان يكثرون من سؤاله ـ وأحياناً وهو على المنبر ـ ليعرفوا صحةَ تلك الأقوال التي صار الشيعةُ يتناقلونها ، فكان رضي الله عنه يجيبهم ـ علناً ـ بمنتهى الصراحة ، ومبيِّناً أن تلك الأقوال كذب واختلاق . وقد تواتر ذلك عنه ، وأشير إلى بعض الروايات .
فعن يزيد بن شريك قال : خطبنا عليُّ بن أبي طالب فقال : من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة (قال : وصحيفة معلقة في قِراب سيفه ) فقد كذب ، الحديث بطوله ، متفق عليه . فيها حرم المدينة وأسنان الإبل ، وأشياء من الجراحات ، وذمة المسلمين واحدة .
وعن عامر بن واثلة رضي الله عنه قال : كنت عند علي بن أبي طالب ، فأتاه رجل فقال : ما كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يُسِرُّ إليك ؟ قال : فغضب ، وقال : ما كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يُسرّ إليَّ شيئاً يكتمه الناس . الحديث ، متفق عليه .
وعن أبي الطفيل رضي الله عنه قال : قلنا لعلي بن أبي طالب: أخبرنا بشيء أسرَّه إليك رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم . فقال : ما أسر إليَّ شيئاً كتمه الناس . متفق عليه .(1/249)
وفي لفظ عنه رضي الله عنه قال : قلت لعليٍّ : هل عندكم كتاب ؟ قال : لا ، إلا كتاب الله ، أو فهم أعطيه رجل مسلم ، أو ما في هذه الصحيفة .
وفي لفظ عنه رضي الله عنه قال : سُئل عليٌّ : أخصكم رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيء ؟ فقال : ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يعم به الناس كافة ، إلا ما كان في قراب سيفي هذا . قال : فأخرج صحيفة مكتوب فيها > لعن الله من ذبح لغير الله ، ولعن الله من غيَّر منار الأرض ، ولعن الله من لعن والده ، ولعن الله من آوى محدِثاً < متفق عليه .
وعن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: قلت لعلي رضي الله عنه : هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله ، [ ما ليس عند الناس ] ؟ قال : والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، ما عندنا إلا ما في القرآن ، أو فهماً يُعطيه الله رجلاً في كتابه ، وما في هذه الصحيفة . قلت : وما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل [ يعني الديات ] وفكاك الأسير ، وأن لا يُقتل مسلم بكافر . وهذا لفظ البخاري .
فهذه الأحاديث ـ وغيرها كثير ـ صريحة بعدم وجود شيء عند آل البيت خصهم الله تعالى به ، أو خصهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم به دون الناس ، ومن قال غير ذلك فقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى عليٍّ رضي الله عنه .
خامساً : قد أخبر عليٌّ رضي الله عنه أن الذي يلي الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما .
فقال رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى : { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً } من سورة التحريم قال ـ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ : > إن أبا بكر يلي الخلافة بعدي ، ثم من بعده أبوك < [يعني عمر رضي الله عنه] فقلت : من أخبرك بهذا ؟ قال : > الله أخبرني ،... < تفسير قمي (2 : 387 ) راز دلبران ( 37 )(1/250)
زاد في تفسير الصافي (538) قال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : > نبأني العليم الخبير< فأخبرت حفصةُ به عائشةَ من يومها،...وانظر راز دلبران ( 37 )
جاء في رواية ابن عدي وأبي نعيم والعشاري وابن مردويه وابن عساكر عن عليٍّ وابن عباس رضي الله عنهما قالا : والله إن إمارة أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ لفي الكتاب {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً } قال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لحفصة : > أبوك وأبو عائشة واليا الناس بعدي، فإياك أن تخبري أحداً بهذا<.اهـ فتح القدير للشوكاني (5: 252ـ 253 )
سادساً : لقد أخبر عليٌّ رضي الله عنه بعدم رغبته بالخلافة أصلاً ، عندما عرضوها عليه بعد وفاة سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وطلب منهم أن يلتمسوا غيره . فلو عنده نص في ذلك ما جاز له أن يعتذر .
فقال رضي الله عنه : دعوني والتمسوا غيري ، أنا لكم وزير خير لكم مني أمير، وإن تركتموني فأنا كأحدكم ، وأسمعُكم وأطوعُكم .اهـ من نهج البلاغة ( 91 )
سابعاً : لقد أخبر رضي الله عنه أن لو كان النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قد عهد بها إليه لما تركها ، بل لم يترك الصِّدِّيقَ والفاروقَ رضي الله عنهما يصعدان المنبر.
فقال رضي الله عنه : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو عهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهداً ، لجالدت عليه ، ولم أترك ابن أبي قحافة يرقى في درجة واحدة من منبره .اهـ من نهج البلاغة ( 7 ـ 9 )
فهذا نصٌّ واضح وصريح من قوله رضي الله عنه ، بعدم وجود عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه بشيء من ذلك . لذا من زعم أنه عهد إليه فقد قوَّله ما لم يقل .(1/251)
ثامناً : لو كان عنده عهد في ذلك لم يدَع أهلَ السقيفة يختارون غيره ، بل لأخبر بذلك العهد، ثم لا يمكن أن يدعهم يختلفوا في الاختيار، ثم لايُعقل أن يغفل الجميعُ عن ذلك العهد . ثم كيف يحتج رضي الله عنه على عدم الخلافة في الأنصار رضي الله عنهم ، ولا يبيّن أنه المنصوص عليه ، خاصة ومعلوم مدى وقوف الصحابة رضي الله عنهم عند ورود النصوص .
جاء في نهج البلاغة :لما انتهت إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : فهلا احتججتم عليهم بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصّى بأن يحسن إلى محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم ؟ قالوا : وما في هذا من حجة عليهم ؟ فقال عليه السلام : لو كانت الإمارة فيهم لم تكن الوصية بهم.اهـ من نهج البلاغة (171)
فإذا لم تكن الإمارة فيهم فكيف يسكت ولا يحتج لو كانت عُهدت إليه بها ؟ فمن زعمها له فقد افترى عليه .
تاسعاً : ومما يدل على عدم وجود هذا العهد أنه رضي الله عنه لم يوص بولاية الحسن رضي الله عنه ، فلو كانت واجبة فيهم ، ومنصوصاً عليها لتعيّن عليه الوصية بها . وإلا كان مخالفاً لأمر الله تعالى وأمر رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .
لما ضربه ابن ملجم ، وطُلب منه رضي الله عنه أن يستخلف عليهم : أخبرهم أنه يتركهم على ما تركهم عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يستخلف عليهم ، ولكن الله تعالى جمعهم على خيرهم ؛ وهو أبو بكر رضي الله عنه .
فعن شقيق بن سلمة قال : قيل لعلي بن أبي طالب : استخلف علينا . قال : ما أستخلف ، ولكن إن يرد الله بهذه الأمة خيراً يجمعهم على خيرهم ، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم . اهـ من الكامل ( 1318 )(1/252)
وعن صعصعة بن صوحان رحمه الله تعالى قال : خطبنا علي حين ضربه ابنُ ملجم ، فقلنا : يا أمير المؤمنين ، استخلف علينا . فقال : أترككم كما تركنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . قلنا : يا رسول الله ، استخلف علينا ، فقال : > إن يعلم الله فيكم خيراً يولّ عليكم خياركم <
قال علي : فعلم الله فينا خيراً ، فولّى علينا أبا بكر رضي الله عنه . رواه الحاكم وغيره
وعن عبد الله بن سبيع قال : سمعتُ عليّاً رضي الله عنه يقول: لتُخضبنَّ هذه من هذه ،... وفيه : قالوا : استخلف علينا . قال : لا ، ولكني أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . قالوا : فما تقول لربك إذا أتيته ؟ قال : أقول : اللهم تركتني فيهم ما بدا لك ، ثم قبضتني إليك وأنت فيهم ، إن شئتَ أصلحتهم ، وإن شئتَ أفسدتهم . رواه ابن سعد وأحمد وأبو يعلى والبزار بسند صحيح .
وعن سعيد بن عَمرو قال: خطبنا علي رضي الله عنه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يعهد إلينا في الإمارة شيئاً ، ولكن رأيٌ رأيناه ، فاستُخلف أبو بكر ، فقام واستقام ، ثم استُخلف عمر ، فقام واستقام ، ثم ضرب الدِّينُ بجرانه،...رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح .وانظر كسر الصنم ( 347 ـ 348 )
فلو كان قد استُخلف لأخبر بذلك ، وما جاز له إخفاؤه ، ثم لو كان تعيين الأئمة منصوصاً عليه ـ كما يزعم الرافضة ـ ما جاز له أن يتركهم من غير تعيين ، فلما تركهم من غير أن ينص على الحسن دلَّ على أن دعوى الإمامة باطل وكذب .(1/253)
عاشراً : ومما يدل على عدم وجود هذا العهد الذي تزعمه الرافضة : إخباره رضي الله عنه بعدم وجود ذلك ، وأن مسيره كله كان باجتهاده ، وبين دلالات لقوله ، بأن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم مرض ، ولم يقتل، وهو يرى عليّاً رضي الله عنه ، ومع هذا لم يوص له ، ولم يعهد إليه ، ولا يريد أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،مما يدل على كذب الرافضة في دعواهم ذلك .
فعن الحسن رحمه الله تعالى قال : لما قدم عليٌّ رضي الله عنه البصرةَ ؛ قام إليه ابنُ الكوّاء ، وقيس بن عبّاد ، فقالا له : ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرتَ فيه ، تتولّى على الأمة ، تضرب بعضَهم ببعض ، أعهدٌ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهده إليك ، فحدِّثْنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعتَ .
فقال : أمّا أن يكون عندي عهدٌ من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك فلا ، والله إن كنتُ أوّلَ من صدّق به فلا أكون أولَ من كذب عليه ، ولو كان عندي عهدٌ من النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم عهد في ذلك : ما تركت أخا بني تَيْم [يريد أبا بكر رضي الله عنه] بن مرة ، وعمرَ بن الخطاب يقومان على منبره ، ولقاتلتهما بيدي ، ولو لم أجد إلّا بردي هذا .
ولكن رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يُقتل قتلاً، ولم يمت فجأةً ، مكث في مرضه أياماً وليالي ، يأتيه المؤذِّنُ فيؤذِّنه بالصلاة ، فيأمر أبا بكر فيصلّي بالناس ، وهو يرى مكاني ، ثم يأتيه المؤذِّنُ فيؤذِّنه بالصلاة ، فيأمر أبا بكر فيصلّي بالناس ، وهو يرى مكاني ، ولقد أرادت امرأةٌ من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر ، فأبى ، وغضب ، وقال : > أنتنّ صواحب يوسف ، مروا أبا بكر يصلي بالناس <(1/254)
فلما قبض الله نبيَّه ، نظرنا في أمورنا ، فاخترنا لدنيانا من رضيه نبيُّ الله لديننا . وكانت الصلاة أصلَ الإسلام ، وهي أعظم الأمر ، وقوام الدِّين ، فبايعنا أبا بكر ، وكان لذلك أهلاً ، لم يختلف عليه منا اثنان ، ولم يشهد بعضنا على بعض ، ولم نقطع منه البراءة ، فأدَّيتُ إلى أبي بكر حقَّه ، وعرفتُ له طاعتَه ، وغزوت معه في جنوده ، وكنتُ آخذ إذا أعطاني ، وأغزو إذا أغزاني ، وأضرب بين يديه الحدودَ بسوطي .
فلما قبض ، ولّاها عمر ، فأخذ بسُنّة صاحبه ، وما يعرف من أمره ، فبايعنا عمر ، لم يختلف عليه منا اثنان ، ولم يشهد بعضُنا على بعض ، ولم نقطع البراءةَ منه . فأدّيتُ إلى عمر حقَّه ، وعرفتُ طاعتَه ، وغزوت معه في جيوشه ، وكنت آخذ إذا أعطاني ، وأغزو إذا أغزاني ، وأضرب بين يديه الحدودَ بسوطي .
فلما قُبض ؛ تذكرتُ في نفسي : قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي ، وأنا أظن أن لا يعْدِل بي ، ولكن خشي أن لا يعمل الخليفة بعده ذنباً إلّا لحقه في قبره ، فأخرج منها نفسَه وولدَه ، ولو كانت محاباة منه لآثر بها ولدَه ، فبرئ منها إلى رهط من قريش ستّة ، أنا أحدُهم .
فلما اجتمع الرهط تذكّرتُ في نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي ، وأنا أظن أن لا يعدلوا بي ، فأخذ عبد الرحمن مواثقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولّاه الله أمرنا ، ثم أخذ بيد ابن عفان فضرب بيده على يده ، فنظرت في أمري ، فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي ، وإذا ميثاقي قد أُخذ لغيري . فبايعنا عثمان ، فأدّيت له حقّه ، وعرفت له طاعته ، وغزوت معه في جيوشه ، وكنت آخذ إذا أعطاني ، وأغزو إذا أغزاني ، وأضرب بين يديه الحدودَ بسوطي .(1/255)
فلما أُصيب؛ نظرت في أمري، فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليهما بالصلاة قد مضيا ، وهذا الذي قد أُخذ له الميثاق قد أصيب، فبايعني أهل الحرمين، وأهلُ هذين المصرَيْن . رواه إسحق بن راهويه، وابن عساكر في تاريخ دمشق، والحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام، والحافظ السيوطي في تاريخ الخلفاء .
فهذا صريحٌ في كونه رضي الله عنه لا عهد له من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم إن بيعة أبي بكر رضي الله عنه كانت باختيارهم جميعاً . وأنهم اختاروا لدنياهم ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اختاره لدينهم ، لذا فمن يتقدّم على من اختاره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
الحادي عاشر : وما يدل على عدم صحة دعوى الإمامة ، وعدم وجود عهد بذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إخبار عليٍّ رضي الله عنه أن تعيين الخليفة إنما هو بمشورة المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، فمن اتفقوا عليه فهو الإمام العدل، فلو كانت الإمامة له بعهد ما اجتهد الصحابة رضي الله عنهم في ذلك ، ولزمهم تعيين من أمر النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم تعيينه .
فعن علي رضي الله عنه قال : إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان ـ رضي الله عنهم ـ على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل ، وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضا ،..اهـ من نهج البلاغة (84 رقم 6 )
فهذا نصٌّ صريحٌ بأن تعيين الإمام إنما كان بالشورى من قِبل المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم ، وليس بتعيين النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، فمن زعم خلاف ذلك فقد كذب .(1/256)
الثاني عشر : لو كان النبيُّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أراد تعيين عليٍّ رضي الله عنه فما الذي كان يحول دون ذلك ؟ ولو كره بعض الناس لأثبته صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يصغ إليهم ، فهل يخاف ـ حاشاه من أحد ـ والله تعالى هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ الله هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} فمن كان الله تعالى مولاه يخشى من أحد ؟
أما ترى لما تلكَّأ بعضُ الصحابة في إمرة أسامة بن زيد رضي الله عنهم لصغر سنه من جهة ، ولأنه مولى ابن مولى من جهة أخرى ، وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم خطيباً وبين أنه ـ كأبيه ـ خليق بالإمارة . ولا بأس بذكر الحديث .
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعثاً ، وأمّر عليهم أسامةَ بنَ زيد ، فطعن بعضُ الناس في إمرته، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : >إن تطعنوا في إمرته ، فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل ، وايمُ الله إنْ كان خليقاً للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ ، وإنَّ هذا [ لها خليق ] وهو لمن أحبِّ الناس إليَّ بعده < متفق عليه .
فلو أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد عليّاً رضي الله عنه فما الذي منعه ؟ ولو حصل شيء من ذلك لبيّنه ، كما بيّن أحقية أبي بكر رضي الله عنه ـ سواء في الصلاة ، أو الإمارة > ويأبى الله والمؤمنون إلّا أبا بكر <(1/257)
الثالث عشر : لو كان عند سيدنا عليٍّ رضي الله عنه عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأخبر شيعته ـ على الأقل إذا كان يخاف من الناس ـ بوجود ذلك العهد ، وأن غيره ظلمه ، وأنه استرده الآن ، ورجع الأمر إلى نصابه، ولكن الواقع خلاف ذلك، فهو قد أخبر بعدم وجود شيء من ذلك، لكن كان يتصوّر أن الناس سيقدِّمونه لمكانه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث إنه تربى في بيته، وتزوج أحب بناته رضي الله عنها، وهي الوحيدة التي عانت لوعة فراقه صلى الله عليه وآله وسلم، ثم هو ابن عمه ، ومن أوائل الذين آمنوا به ، لكن الناس رأوا ما يرجح كفة أبي بكر رضي الله عنه ، حيث هناك أمور كثيرة ، وعوامل متعددة تجعلهم يقدّمون أبا بكر رضي الله عنه ، ومنها قول عليٍّ رضي الله عنه : ( اخترنا لدنيانا من رضيه نبيُّ الله صلى الله عليه وآله وسلم لديننا )
قال علي رضي الله عنه ـ في خطبته التي أمر بإرسالها إلى الشيعة لتقرأ عليهم ـ : أما بعد ، فإن الله بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم للعالمين ، وأميناً على التنزيل ، وشهيداً على هذه الأمة ،...
فلما استكمل صلى الله عليه وآله وسلم مدتَه من الدنيا توفّاه الله، مشكوراً سعيُه ، مرضيّاً عملُه ، مغفوراً ذنبُه ، شريفاً عند الله نزلُه .
فلما مضى تنازع المسلمون الأمر بعده ، فوالله ما كان يُلقى في روعي ولا يخطر على بالي أن العربَ تعدل هذا الأمر عني ، فما راعني إلّا إقبال الناس على أبي بكر، وإجفالهم إليه ، فأمسكت يدي ، ورأيت أني أحق بمقام محمد في الناس .(1/258)
فلبثت بذاك ما شاء الله ، حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام ، يدعون إلى محو دين محمد وملة إبراهيم ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى في الإسلام ثلماً وهدماً ؛ تكون المصيبة به أعظمَ من فوت ولاية أمركم التي هي متاع أيام قلائل ، ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب ، فبايعت أبا بكر عند ذلك، ونهضت معه في تلك الأحداث ، حتى زهق الباطل ، وكانت كلمة الله هي العليا ، وإن رغم الكافرون ، فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهداً، فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه، فسمعنا وأطعنا وبايعنا وناصحنا ،... الخ وطلب أن يُقرأ هذا الكتاب على شيعته ، من نهج البلاغة .
هذا والله هو العقل ، لم يشق صف المسلمين ، وترك رغبته في الإمارة صوناً لوحدة المسلمين ، ثم هي تزول كما يزول السراب . فالعجب كل العجب من الرافضة ، لقد ترك الأمر مراعاة لوحدة المسلمين ( فسمعنا وأطعنا وبايعنا وناصحنا ) لكن الرافضة يعتبرون ذلك خيانة . ولا يدرون أنهم هم الذين خانوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين ، بما شقّوا به صف الأمة ، وكفّروا به الصحابة رضي الله عنهم وبرأهم من كذب الروافض .
الرابع عشر: ومما يدل على عدم وجود عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالولاية لعليٍّ رضي الله عنه ، أو لأحد من أهل بيته ، أو لأبنائه من بعده : تنازلُ الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما عنها ، وعدم رغبته فيها ، ولما عوتب أخبر أنه إنما تركها لله تعالى ، فلو كانت منصوصةً ما جاز له التنازل ، وكتم أمرها .
فعن جُبير بن نفير قال : قلت للحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ : إن الناسَ يقولون : إنك تريد الخلافة . فقال : قد كان جماجم العرب في يدي ، يحاربون من حاربت ، ويسالمون من سالمتُ ، تركتُها ابتغاء وجه الله تعالى ، وحقن دماء أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم ابتزّها اتئاس أهل الحجاز . رواه الحاكم برجال ثقات .(1/259)
فلو كانت عهداً ما جاز له أن يتنازل عنها بحال .
الخامس عشر : من المتفق عليه عند عامة أهل العلم ـ من السنة والشيعة ـ أن سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما : لم يخرج إلى العراق إلا بعد أن أتته رسائل كثيرة أرسلها أهل الكوفة له تحمل مبايعتهم له. وقد بلغت تلك الرسائل إلى اثني عشر ألف رسالة . ولم يشخص إليهم بناء على وجود عهد بإمامته ، وهذا واضح من الرسائل التي أرسلها لهم مع ابن عمه مسلم بن عقيل رضي الله عنهما .
فمن تلك الرسائل التي أرسلها لأهل الكوفة : من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين ، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي ؛ مسلم بن عقيل ، فإن كتب إليَّ بأنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل على مثل ما قدّمتْ به رسلُكم ، وقرأتُ في كتبكم : فإني أقدم إليكم إن شاء الله ،... الخ اهـ من مجمع البحار ( 44 : 334 )
فالذي حمله على الإقدام إليهم إنما هو مبايعتهم ، وليس وجود عهد له عليهم من الله تعالى ومن رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم . لذا من يدعي بأن الإمامة نصٌّ من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم يكون كاذباً على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
السادس عشر : ومما يدل على عدم وجود عهد أو وصية ـ بأي صورة كانت ـ من الله تعالى ومن رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لعليٍّ أو لأحدٍ من أهل بيته رضي الله عنهم : خفاء ذلك على محمد ابن الحنفية رحمه الله تعالى ، مع أنه من أكثر الملازمين لأبيه سيدنا علي رضي الله عنه . لهذا قام يطالب بالخلافة بعد مقتل سيدنا الحسين رضي الله عنه ، وأراد من عليٍّ زين العابدين رحمه الله تعالى التنازل عنها له .(1/260)
فعن محمد الباقر رحمه الله تعالى قال: لما قُتل الحسين جاء محمد ابن الحنفية إلى علي بن الحسين ، فخلا به، وقال : قد قُتل أبوك، ولم يوصِ ، وأنا عمُّك ، وصنوُ أبيك ، وولادتي من علي، وأنا في سني وقدمي أحقُّ بها منك .اهـ من الكافي، وإعلام الورى للطبرسي (152) والاحتجاج للمفيد، وكسر الصنم ( 349 )
فإذا كان محمد ابن الحنفية رحمه الله تعالى أكبر آل البيت آنذاك يطالب بالإمامة ، بناء على الشروط المتوفرة فيه فهذا دليل صريح بعدم وجود عهد أو وصية من الله تعالى ومن رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لعلي وأبنائه رضي الله عنهم من بعده ، إذ لو كانت هناك نصوص ما خفيت على محمد رحمه الله تعالى ـ وهو يقول : ( قُتل أبوك ، ولم يوصِ ) مع أنه من خيار بني هاشم علماً وفضلاً وكرماً وشجاعةً وديناً ،... كما هو معلوم .
السابع عشر : ومما يدل على عدم وجود عهد من النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بالولاية لعليٍّ رضي الله عنه : إنكار الحسن المثنى رحمه الله تعالى على من زعم وجود نص في الولاية .(1/261)
قال الحسن المثنى بن الحسن المجتبى رحمه الله تعالى ـ لما قال له الرافضي : ألم يقل رسولُ الله عليه السلام لعليٍّ : > من كنت مولاه فعلي مولاه < ـ : أما والله ، أن لو يعني [النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بذلك] الإمامةَ والسلطان لأفصح لهم بذلك ، كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت ، ولقال لهم : أيها الناس ، هذا وليُّكم من بعدي ، فإن أنصح الناس كان للناس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولو كان الأمر كما تقولون إن الله ورسوله اختارا عليّاً لهذا الأمر ، والقيام بعد النبيِّ عليه السلام ، إن كان لأعظمَ الناس في ذلك خطأ وجرماً إذ ترك ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقوم فيه كما أمره ، أو يعذر فيه إلى الناس .اهـ من الطبقات الكبرى ( 5 : 320 ) وذكره صاحب راز دلبران (50ـ 51) نقلاً عن سيف المسلول لنوشته ي قاضي ثناء الله بأخصر ( 266 ).
فهذا قول صريح في نفي دعوى الولاية لعليٍّ رضي الله عنه ، إذ لو كان كذلك ـ فما الذي منع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من التصريح له بذلك وهو أفصح خلق الله ؟ لِم تركهم ولم يبيِّن لهم ما يريد ؟ ولكنه محض اختلاق، بثّه اليهودي عبد الله بن سبأ في صفوف الشيعة، ثم تلقّفه المجوس بعد ذلك ، وكذبوا عليه مائة كذبة ، شأنهم في ذلك شأن مسترقي السمع من الجن .
الثامن عشر: ومما يدل على عدم وجود عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : نفي الحسن المثنى رحمه الله تعالى دعوى الولاية ، وبين أن لو كان كما يزعم الرافضة لكان آباؤه قد أساؤوا بعدم إخبارهم بها .
فعن فضيل بن مرزوق قال : سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجل ممن يغلو فيهم: ويحكم أحبونا لله، فإن أطعناكم فأحبونا، وإن عصينا الله فأبغضونا .
قال : فقال له رجل : إنكم قرابة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وأهلُ بيته .(1/262)
فقال : ويحك ، لو كان الله مانعاً بقرابةٍ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحداً بغير طاعة الله : لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا أباً وأمّاً ، والله إني لأخاف أن يضاعف للعاصي منا العذاب ضعفين ، وإني لأرجو أن يُؤتى المحسن منا أجره مرتين .
ويلكم، اتقوا الله، وقولوا فينا الحق، فإنه أبلغ فيما تريدون، ونحن نرضى به منكم .
ثم قال : لقد أساء بنا آباؤنا إن كان هذا الذي تقولون من دين الله ثم لم يُطلعونا عليه ، ولم يُرغبونا فيه . اهـ من الطبقات الكبرى (5 : 319ـ320 ) وانظر راز دلبران (52ـ53) نقلاً عن دراسة في نصوص الإمامة ( 78 ) وكسر الصنم ( 345 )
ولم يرد عن النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم نصٌّ واحد صحيح في أن عليّاً رضي الله عنه خليفته من بعده ، مع أن النبيَّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لم يترك مما يحتاج الناس إليه إلّا بيّنه ، مما هو أقل من ذلك الأمر الخطير بمرات كثيرة ، مما يدل على كذب تلك الدعوى ، خاصة وأن عليّاً رضي الله عنه من أشد الناس حرصاً على تطبيق السنة ، وتحقيق مراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
التاسع عشر : ومما يدل على عدم وجود مثل ذلك العهد : إخبار زيد بن علي رحمهما الله تعالى بأنه لا يوجد أحد من أئمة آل البيت المتقدمين من أوصى بالإمامة ، ومن زعم ذلك فقد كذب .
لما سأل أبو هاشم زيدَ بنَ علي بن الحسين رضي الله عنهم عن الإمام المفترض الطاعة ؟
قال زيد رحمه الله تعالى : والله لم يدَّع أحدنا ، سواء من أبناء الحسن رضي الله عنهم أو من أبناء الحسين ـ رضي الله عنهم ـ أن فينا إماماً مفترض الطاعة ، علينا أنفسنا أو على جميع المسلمين .
والله لم يدَّع أبي : عليُّ بن الحسين طوالَ أيامي معه ادّعاءً كهذا حتى قبض الله روحَه .(1/263)
ولم يدَّع أخي الباقر طوال ما كنت معه ادّعاءً كهذا حتى قبض الله روحَه ، لكي لا يستطيع أحدٌ أن يدَّعي مقاماً كهذا لأخي بعده ، لا والله ولكنكم فئة تكذبون ... اهـ من كسر الصنم ( 346ـ 347 ) نقلاً عن تفسير الفرات ( 181)
فهذا صريح وواضح من إمام هو من كبار أئمة آل البيت، بأن أباه وأخاه رحمهما الله تعالى لم يدّعيا الإمامة ، وأن من يدّعيها لهما فهو كاذب .
العشرون : ومما يدل على عدم وجود مثل ذلك العهد، وعلى كذب تلك الدعوى ، وأنها من صنع اليهود ، تلقفها المغرضون لشق صف المسلمين ، وكان لهم ما أرادوا : ردُّ زيد بن علي رحمهما الله تعالى على شيطان الطاق ـ محمد بن علي بن النعمان والمعروف بأبي جعفر الأحول ادّعاءه هذه الفكرة وأن عليّاً زين العابدين رحمه الله تعالى أحد هؤلاء الأئمة ، وبين أن من زعم ذلك فهو كذاب مختلق ، وقال : لا يوجد إمام منصوص . ودلّل على ذلك:
قيل لشيطان الطاق : ما الذي جرى بينك وبين زيد بن علي بمحضر أبي عبد الله؟
قال : قال زيد بن علي : يا محمد بن علي، بلغني أنك تزعم أن في آل محمد إماماً مفترض الطاعة . قال : قلت : نعم ، وكان أبوك علي بن الحسين أحدَهم .
فقال : ويحك ، فما كان يمنعه من أن يقول لي ؟ فو الله لقد كان يؤتى باللقمة وهي حارة ، فيبرِّدها بيده ، ثم يلقمنيها ، [ومع هذا لم يخبرني أن لله حجة في الأرض فكيف أَخْبَرَكَ ؟] أفتَرى أنه كان يشفق عليَّ من حر اللقمة ولا يشفق عليَّ من حر النار؟
فيجيبه أبو جعفر الأحول [ شيطان الطاق ] بالإساءة والتهمة ، ويقول : أبوك خاف أن يقول لك ذلك ، خشية أن لا تصدِّقه .اهـ من الكافي : باب ما جاء في الإثني عشر والنص عليهم ، رقم (15) ومعرفة الرجال (187) ودراسة في نصوص الإمامة (100)
يخاف أن ولده الإمام لا يصدق تلك الترهات والكذب فلم يبد له شيئاً، لكنه أعلم به هذا اليهوديَّ لأنهم أهل سر. سبحان الله . إنها اختراع شيطان الطاق يلبِّس على العباد .(1/264)
قلت : وشيطان الطاق أصله يهودي كذاب ، نقل كثيراً من أفكار اليهود إلى التشيع ، خاصة فيما يتعلّق بذات الله تعالى . ولا يبعد أنه صاحب القصة اخترعها ، ثم ألصقها بعلي بن الحسين رحمهما الله تعالى .
ثم كيف خفيت على زيد بن علي ، ولم يُخبَر بها هو وآل البيت من قبل أبيه وأخيه الباقر ، وعلمها هذا اليهودي ؛ شيطان الطاق؟ فهل هو أحرص على المنقبة من أهلها ؟!
الحادي والعشرون : ومما يدل على عدم وجود مثل ذلك العهد من النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ـ كما يزعمه الرافضة ـ : تكذيبُ عُمر وحُسين ابنَيْ علي زين العابدين رحمهم الله تعالى قائلها ، وإنكارُهما أشد الإنكار على تلك الدعوى .
فعن الفضيل بن مرزوق قال : سألت عمرَ بن عليٍّ وحسينَ بنَ علي عمَّي جعفر بن محمد . قلت : هل فيكم أهلَ البيت إنسانٌ مفترضَةٌ طاعتُه ، تعرفون له ذلك ، ومن لم يعرف له ذلك فمات ، مات ميتةً جاهلية ؟
فقالا : لا ، والله ، ما هذا فينا . من قال هذا فينا فهو كذاب .
قال : فقلت لعمر بن عليٍّ : رحمك الله ، إن هذه منزلة ، إنهم يزعمون أنها كانت لعليٍّ ، وأن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أوصى إليه ، ثم كانت للحسن، وأن عليّاً أوصى إليه، ثم كانت للحسين، وأن الحسن أوصى إليه ، ثم كانت لعلي بن الحسين ، وأن الحسين أوصى إليه ، ثم كانت لمحمد بن علي ، وأن علياً أوصى إليه .
فقال : والله ، لقد مات أبي ، فما أوصى بحرفين ، ما لهم ـ قاتلهم الله ـ والله إنْ هؤلاء إلّا مُتأكِّلون بنا . هذا خُنيس الخرء ، ما خُنيس الخرء ؟
قال : قلت : المعلى بن خُنيس ؟ قال : نعم ، المعلى بن خُنيس ، والله لقد أفكرتُ على فراشي طويلاً أتعجب من قوم لبَّس الله عقولَهم حتى أضلهم المعلى بن خُنيس .اهـ من ابن سعد ( 5 : 324 ـ 325 ) والدارقطني (65) وحلية الأولياء (3 : 136 ـ 137) وتهذيب الكمال (20 : 395 ـ 396) ولسان الميزان .(1/265)
والمعلى من كبار الرافضة الغلاة ، الذين أضلوا الخلق .
الثاني والعشرون : ومما يدل على كذب تلك الدعوى ، وعدم وجودها أصلاً ـ إنما هي من صنع اليهود ، تلقفها المغرضون لشق صف المسلمين ـ ما نص عليه علماء الحديث في معرفة القرائن الدّالة على كذب الخبر، ومنها:
مخالفته لصريح القرآن الكريم ، وللمتواتر من الحديث مع عدم إمكانية الجمع،...وأن يدعى أن النبيَّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قال أو فعل أمراً ظاهراً بمحضر الصحابة رضي الله عنهم كلهم ، وأنهم اتفقوا على كتمانه ، ولم ينقلوه ،... فلو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا القول ـ كما تزعم الرافضة من أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أعلن خلافة علي ـ لكانت الدواعي تستدعي أن يرويه الجمع الكثير ، خاصة في مثل هذا الأمر الخطير ، فلما لم يوجد ـ بل إن من يَنسب الرافضةُ له ـ وهو سيدنا علي رضي الله عنه ـ لم يعرفه بل نفاه ، وكذا نفاه أقرب الناس إليه وهم أبناؤه وأحفاده : دل ذلك على بطلانه .
الثالث والعشرون : لو كانت الإمامة منصوصاً عليها كما ذكر الكليني في الكافي ، وأنها عهد من الله تعالى ومن رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، وإنها في الأعقاب ولا تنتقل إلى الأخوة : فكيف انتقلت إلى الأخوة بعد الحسن والحسين رضي الله عنهما ، مما اضطر الرافضة إلى دعوى البداء على الله تعالى ، كما سيأتي .
كما أن هذا يعني أن الموصى إليه سيعيش بعد الموصي . والواقع خلاف ذلك .
لما اختار الإمام الصادق ولدَه إسماعيل رحمهما الله تعالى للإمامة ، وتوفِّي في حياته ، قال : حصل البداء من الله ، كما في رقم ( 11 ) من باب ما جاء في الإثني عشر والنص عليهم .
ولما اختار الهادي رحمه الله تعالى ولدّه أبا جعفر محمداً للإمامة ، فلما تُوفِّي في حياته قال الهادي : حصل البداء من الله ، وجعل مكانه الحسن إماماً ، كما في رقم ( 12 )
فهنا ثلاثة أمور :(1/266)
ـ إذا كانت الأمامة والوصاية بعهد من الله تعالى ورسوله ، فكيف يختار الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من يموت قبل استكمال مهمته
ـ إذا كان الصادق والهادي يعلمان بوجود العهد والوصية بالإمامة، وعينا هذين ، فكيف يختاران من يموت صغيراً في حياة والديهما ، ولا يصلح أن يكون إماماً ؟ فيكونان قد خالفا العهد والوصية ، فما حكمهما ؟
ـ وإذا عينا ولديهما من غير علم بتلك النصوص الملفقة المكذوبة : فهذا دليل على كذب من زعم بوجود تلك الأقوال . والله تعالى أعلم .
وكل ذلك يدل على أن دعوى الإمامة أو الوصاية غير صحيح .
الرابع والعشرون : ومما يدل على كذب تلك الدعوى ، وعدم وجودها أصلاً ، إنما هي من صنع اليهود ، تلقفها المغرضون لشق صف المسلمين ، وكان لهم ما أرادوا : خروج عشرات الأئمة منذ قيام زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم في الكوفة وقتله ، وما بعد ، فلو كانت الإمامة منصوصاً عليها لما جاز لهؤلاء الخروج، طالما أنها معينة لأناس مخصوصين ، وهم اثنا عشر رجلاً ، ولو نظرنا مَن قُتل مع زيد بن علي رحمهما الله تعالى ، ومن قُتل مع حسين بن علي بن الحسين في معركة الفخ بجوار مكة ، حيث لم يكن بعد كربلاء مثلها ممن قُتل من أئمة آل البيت ، ومن قُتل في المدينة مع محمد النفس الزكية رحمه الله تعالى ،... حتى أرسل الصادق معه ولديه موسى وعبد الله ، وقام معه عيسى بن زيد بن علي رحمهم الله تعالى ، وغير تلك المعارك التي قُتل فيها من أئمة آل البيت الكثير، ولو أردت استعراض من قام أو قتل من آل البيت لطال البحث ، ومن أراد استعراض أسمائهم فعليه بمقاتل الطالبيين يرى الكثير جدّاً منهم ، إذ خصه بمن قتل منهم .
فهؤلاء بين أمرين : إن كانت الإمامة منصوصاً عليها ، فكيف يجوز لهم الخروج ؟ والأمر الثاني : إذا جاز لهم الخروج فهذا يعني أن الإمامة غير منصوص عليها . وانظر كسر الصنم ( 346ـ 352 ) فقد ذكر كثيراً من ذلك(1/267)
الخامس والعشرون: تحيُّر الأئمة أنفسهم رحمهم الله تعالى بما نقل الأفّاكون الكذّابون ، كما تحيَّر كبار أصحابهم في معرفة الإمام القابل ، لذا صاروا يسألون عنه .
جاء في الكافي : باب أن الأئمة إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ،... رقم (1) قال أبو عبيدة [ رجاء بن منذر الحذّاء ] : إن أصحاب الإمام الباقر جميعاً تحيّروا بعد وفاته ، وكانوا كالقطيع بلا راعي ، حيث لم يعرفوا الإمامَ الذي يليه .اهـ
وقد نقل آية الله البرقعي أسماء كبار أصحاب الأئمة ، الذين سألوا عن الإمام ، بدءاً من الحسين إلى الرضا رحمهما الله تعالى ، فبلغ عدد السائلين في المجموعة الأولى (104) وانظر كسر الصنم (240 ـ 243 ، 342 ـ 355 )
وقال بعد ذكره للمجموعة الأولى : لقد كان هؤلاء هم أصحابُ الأئمة وخواصُّهم ، ولكن لم يكونوا يعلمون شيئاً عن الأئمة الإثني عشر ،...
ثم قال [243]:ويستفاد من الأخبار والأحاديث الكثيرة ـ في كتاب الكافي هذا ـ أنه حتى الأئمة أنفسهم وأولادهم لم يعرفوا من هم الأئمة الإثنا عشر للشيعة ، فضلاً أن يعدوا الإيمان بهم واجباً أو من أصول المذهب .اهـ
وقال في (صفحة 353 ) : فتبيّن من هذه النصوص بوضوح : أن الأئمة الإثني عشر أنفسهم لم يكن لهم علم بهذه النصوص ، ولم يدَّعوا في أي مجلس أو محفل في حضرة عشرة من أصحابهم بحيث يقول : إننا أئمة منصوص علينا من عند الله .
وقال في (صفحة 355 ) بعد ذكره لعشرة آخرين لم يعلموا بالأئمة : هؤلاء هم من خواص أصحاب الأئمة ، لم يكونوا على علم بالنصوص الواردة بشأن الأئمة الإثني عشر، ولم يسمعوا بها، ولكن في عصرنا أصبح ـ أي النص على الأئمة ـ من ضروريات المذهب تقليداً معروفاً عن الوضّاعين الكذّابين ، وكل من لا يعرف ذلك فيعدُّ من الذين لا دين لهم .اهـ فانظره أيضاً ففيه زيادة .(1/268)
السادس والعشرون : ومما يدل على كذب دعوى الإمامة ، وأنها مخترعة من قبل أعداء الإسلام : ما وُجد من العدد الكبير من الفِرق عند الشيعة في عصر الأئمة، فقد بلغ عدد فرق الشيعة في زمن الأئمة أكثر من سبعين فرقة. فلو كان عند هؤلاء نص صريح في تعيين الإمام ما حصل الاختلاف ، وإن حصل يكون على نطاق ضيق .
وقد ألف عددٌ من علماء الشيعة في بيان فرق الشيعة، مثل (فرق الشيعة) للعلامة الشيعي أبي محمد حسن بن موسى النوبختي ، وكتاب ( المقالات والفِرَق ) للعلامة المحقِّق عندهم سعد بن عبد الله الأشعري القمي ، وغيرها . وهي موجودة ومطبوعة ومتداولة عندهم ، لكن أفيهم رجل رشيد ، ينظر فيما هو موجود ويقيسه على الكتاب والسنة ؟ وقد تنبه إلى ذلك بعض العلماء فنادوا بالإصلاح ، وجمعِ الكلمة ، وتوحيدِ الصف ، فكان مصيرهم التغييب عن عالم الدنيا .
السابع والعشرون : إن سيدنا عليّاً رضي الله عنه ولي الخلافة ، ووليها ولده الحسن رضي الله عنه من بعده ، فما الذي ذهب عليه ؟
كل ما هنالك أن الثلاثة الكرام رضي الله عنهم تقدّموا عليه ، ثم تولّاها بعدهم ، فما الذي أُخذ منه ؟ فسواء وليها قبلهم أو وليها بعدهم ، المهم أنه ولي الخلافة . فلِمَ يقيم الرافضة الدنيا ولا يقعدوها على الصحابة رضي الله عنهم ؟ من الذي أقامهم محامين عن عليٍّ رضي الله عنه ؟ وهل هم أولى به من أصحابه؟ وهل هم أفضل منه؟ وهل هو قاصر؟ وهل هو ضعيف؟ إذا كان قد تنازل عن حقه وهو القوي القادر ، ورأى الصحابةُ رضي الله عنهم المصلحةَ في تقديم غيره عليه ـ فيما لو لم يعد له مع أنه لم يذهب عنه شيء اللهم إلا التقديم والتأخير ، فلم هذا النكير والتكفير والحقد !! إن عليّاً رضي الله عنه كريم ، واللهُ تعالى رحيمٌ ، فمن الذي أدخلهم بين الكريم والرحيم ؟!(1/269)
إن الله تعالى كان قد قضى أن يتولّى الثلاثة رضي الله عنهم قبل علي رضي الله عنه ، فبرز ذلك في الوجود ، فإنكار ذلك إنكار على الله تعالى فيما قضاه وقدّره ، فإن كانوا مؤمنين بالقضاء والقدر يلزمهم التسليم ، إذ لو استلم غير ما ظهر لكن خلاف ما كان.
الثامن والعشرون : ومما يدل على كذب دعوى الولاية والإمامة ، وعدم صحتها أيضاً : أن رواتها كلهم كذّابون وضّاعون ، وأغلبهم مشكوك في دينه ، وبعضهم سُرّاق مال الأئمة ،كما أن منهم من لا يؤمن بالأئمة أصلاً ، أمثال : أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، الشاك في دينه ومذهبه المتحيّر . وعبد الله بن القاسم الكذّاب، وحنان السرّاج الواقفي، آكل أموال الكاظم ، والمنكر لولاية الأئمة . وسهل بن زياد الكذّاب . وبكر بن صالح الكذّاب . وعبد الرحمن بن سالم الوضّاع . وحسن بن عباس الجريش راوي الموضوعات غير المعتد به . وعبد الله بن عبد الرحمن الأصم الكذاب مع خبثه وفساد مذهبه . وغير هؤلاء ، هذا هو رأي علماء الشيعة فيهم ، ومن كتبهم .
التاسع والعشرون : هذه مقابلة بين موقفين ، وأرجو من عقلاء الرافضة أن ينظروا إليها بعين العقل والإدراك ، ويحللوا ما فيها من حكمة .
قال النوبختي : لما قُتل الحسين جاءت فرقةٌ من أصحابه وقالت : قد اختلف علينا فعلُ الحسن وفعلُ الحسين ، لأنه :
ـ إن كان الذي فعله الحسن ـ حقّاً واجباً ـ صواباً من موادعته معاوية ، وتسليمه له عن عجزه عن القيام بمحاربته ـ مع كثرة أنصار الحسن ، وقوتهم ـ فما فعله الحسينُ من محاربته يزيد بن معاوية ـ مع قلة أنصار الحسين وضعفهم ، وكثرة أصحاب يزيد حتى قُتل، وقُتل أصحابُه جميعاً ـ : باطلٌ، غيرُ واجبٍ، لأن الحسين كان أعذرَ في القعود عن محاربة يزيد، وطلب الصلح والموادعة من الحسن ؛ في القعود عن محاربة معاوية .(1/270)
ـ وإن كان ما فعله الحسين ـ حقّاً واجباً ـ صواباً عن مجاهدته يزيد بن معاوية حتى قُتل وقُتل ولدُه وأصحابُه، فقعودُ الحسن، وتركُه مجاهدة معاوية، وقتاله ـ ومعه العدد الكثير ـ : باطلٌ .
فشكّوا في إمامتهما ورجعوا، فدخلوا في مقالة العوام .اهـ من فرق الشيعة (46 ـ 47) فأين الحق ـ في نظر الرافضة ؟
ثم هل الإمامة معهود عليها ؟ إن فعل الإثنين رضي الله عنهما يدل على عدم ذلك، لأن الأول تنازل عنها ـ ولو كانت معهودة له ما جاز له التنازل ـ ولأن الثاني قاتل عليها ـ فلو كانت معهوداً له عليها ما طلب أن يذهب إلى يزيد أو يعود إلى الحجاز .
الثلاثون : لقد ثبت ـ عند أهل السنة والرافضة ـ قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعليٍّ رضي الله عنه يوم خلَّفه في المدينة عند غزوه لتبوك : > أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى، غير أنه لا نبيَّ بعدي < متفق عليه.
هذا الحديث يدل على أنه لا حظ لبني هاشم بالولاية بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وذلك :
هذا الحديث يعتبر معجزة للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، حيث دل دلالة قطعية على أن عشيرة النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته ليس لهم نصيب وسط الأمة ، وليس لأحد منهم ؛ العباس ولا لأولاده، وعلي ولا لأولاد ه حقٌّ من جهة النسب ، لم يكن لأهل البيت نصيب ، اللهُ تعالى هو نصيبُهم ، وهذا ليس بحرمان ، وإنما هو رفع لعظيم قدرهم {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}
ـ إن الله تعالى صرف الدنيا والخلافة عن أهل البيت إكراماً لهم ، وتبرئة للنبوة ولبيت النبوة .(1/271)
ـ إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يولِّ بعده عمَّه رضي الله عنه؛ وكان أعقل قريش وأسودها ، ولا أبناء عمه ، وكلٌّ قد كان كفؤاً وأهلاً ، فكان هذا برهاناً على أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يطلب ملكاً ، حيث لم يقدّم بعده أحداً من أقاربه ؛ لا بقُرب نسب ، ولا بشرف بيتٍ . إنما قدّم بالإيمان والتقوى والكمال .
ـ لقد كانت قرابة النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم مصروفة في زمنه عن كلِّ ولاية ورئاسة ، ولم يستعمل النبيُّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم طيلة حياته أحداً من بني هاشم في ولاية ـ إنما في قيادة الجيوش ، والتعليم والقضاء ـ ولما طلب بعضُ أبناء عمومته رضي الله عنهم ذلك صرفها عنهم، ولم يعتبر في الاستعمال والولاية إلا الكفاءة والدين ، كما كان يقدِّم كبار بني أمية في الأعمال ، ابتعاداً عن التهمة وتنزيهاً لحريم النبوة .
ـ كانت بطون قريش في الجاهلية في غاية التنافس ، وخاصة بنو هاشم وبنو أمية ، وبنو مخزوم ،... الخ ، وكانوا يظنون أن الولاية إذا دخلت البيتَ الهاشمي ـ تبعاً للنبوة ـ فلن تخرج منه أبداً . كما ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والرفادة والندوة ، فإذا ذهب بالخلافة فماذا يبقى لسائر قريش بعد ذلك . لذا قطع النبيُّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم حق البيت الهاشمي بالإرث، فلم يبق له حق إلا مثل حق كل فرد من الأمة عند حلول الفرصة ، أو وصول النوبة . يعني : إذا اختارت الأمة واحداً أو أكثر للإمارة والخلافة فهذا راجع إليها.
ـ ما هي العلاقة بين النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وعليٍّ رضي الله عنه وبين موسى وهرون عليهما السلام ؟(1/272)
إن النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم استثنى النبوةَ من عموم كلامه مع عليٍّ رضي الله عنه ، فماذا بقي بعد ذلك ؟ وهل من شَبَه بين هرون عليه السلام وعلي رضي الله عنه في موقفيهما مع النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وموسى عليه السلام ؟ لذا لابد من وجود منزلة أخرى .
هناك شبه كبير بين حال هرون عليه السلام ، وحال علي رضي الله عنه .
قال الله تعالى على لسان موسى عليه السلام :{وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}
هذه المنزلة هي الخلافة في أمر جزئي عند غيبته القصيرة .
وقال عز وجل : { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي }
اضطراب الأمور في خلافته القصيرة، حتى ألقى الألواح ، وأخذ برأس أخيه يجره إليه .
فهل يلي علي الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
جاء في سفر التثنية ( 18 : 30 ) وقال الرب لهرون : لا تنال نصيباً في أرضهم ، ولا يكون لك قسم في وسطهم . أنا قسمك ونصيبك في وسط بني إسرائيل .اهـ وانظر سفر العدد ( 18 : 1 ، 22 )
وقال في سفر التثنية ( 18 : 1 ) أيضاً : لا يكون لكاهن لاوِيٍّ قسمٌ ولا نصيب مع إسرائيل ؛ الرب هو نصيبه كما قال له، لأن الرب إلهك قد اختاره من جميع أسباطك لكي يقف ليخدم باسم الرب هو وبنوه كلَّ الأيام .اهـ
فهذه نصوص ظاهرة جلية في أن هرون عليه السلام وكلَّ بنيه لم يكن لهم نصيبٌ في أرض إسرائيل ، ولم يكن هرون وبنوه يدخلون في التقسيم أصلاً ، ولم يكن لكاهن ولا لاويٍّ حظ في الرئاسة ، لم يكن لهم إلا خدمة خيمة الاجتماع .
ـ لقد عزل موسى عليه السلام هرونَ عن الرئاسة ، وعين يشوع قائداً ، وتنازل له عن كل حقوقه ـ بعد أن حرم الله عز وجل موسى وهرون من حق العبور ، لذا لم ير موسى عليه السلام الأرضَ المقدسة إلا من فوق جبل بعيد.(1/273)
لذا جاء في سفر التثنية ( 31 : 7 ) دعا موسى يوشع ، وقال له أمام أعين جميع إسرائيل : تشدّد، وتشجّع، لأنك أنت تدخل مع هذا الشعب الأرضَ التي كتب الله لكم ، وأنت تقسمها لهم ، والرب سائرٌ أمامك ، هو يكون معك ، لا يهملك ولا يتركك ، لا تخف ، ولا ترعب .اهـ
ـ فالذي دخل فلسطين ببني إسرائيل هو يوشع بن نون ، وليس هرون .
وهذا ما حصل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حين أوصى في مرض وفاته بإنفاذ جيش أسامة > سر إلى مقتل أبيك < وتحت إمرته عامة المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، ولم يجعل الأمرَ إلى علي رضي الله عنه.
ـ لذا جعل النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم الولاية عامة في قريش، ولم يحصرها في بني هاشم ، فقال > الأئمة من قريش < والحديث في هذا متواتر ، وقد ألف الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى رسالةً في جمع طرق هذا الحديث ، سماها ( لذة العيش في طرق حديث الأئمة من قريش ).
ـ وبهذا بان أنه لم يكن لأهل البيت حق ولا نصيب في الخلافة والولاية ، وما صرفها عنهم إلا إكراماً لهم ، وتبرئة للنبوة ، ولبيت النبوة ، حتى عن أبعد التهم، ورفعاً لقدر أبنائه رضي الله عنهم ، الذين اختارهم الله عز وجل واصطفاهم لنفسه ، وحتى لا يعلقوا بتبعات الخلق ،
ـ ولهذا ورد عن عدد من الصحابة القول في مخاطبتهم للحسين : إن الله أبى أن يجمع لأهل البيت بين النبوة والخلافة .
ـ أما إدخال الصحابة عليّاً رضي الله عنهم في الشورى ، فإنه لا ينافي ذلك ، لأن عدم استحقاق علي رضي الله عنه بالإرث لا ينافي الاستحقاق بانتخاب الأمة واختيارها ، والله تعالى أعلم ، وانظر الوشيعة (م ط ـ ب ن )(1/274)
الحادي والثلاثون :أهمس في آذان الرافضة ـ إن كانوا يسمعون النصيحة ـ لقد حضر مع سيدنا علي ـ في معركة صفين ـ سبعون صحابيّاً رضي الله عنهم ممن حضر غزوة بدر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إضافة إلى غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم وكلهم يأتمرون بأمره ، كما كان جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ملازمين له أثناءها وبعدها ممن لم يشهدها أيضاً ، وهؤلاء من أشجع خلق الله تعالى ، وكلهم فرسان شجعان مغاوير، ومع هذا لم نسمع أحداً منهم قام في وجه أبي بكر أو عمر أو عثمان رضي الله عنهم، وقال : إن النبيَّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قد أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ، أو عهد له بالولاية . هذا فيما إذا زهد فيها علي رضي الله عنه أو استحيى أو خاف ، فلَم يطالب بها ، فهل يُعقل أن يجهلَها ألوفُ الصحابة ـ خاصة من الموالين لعليٍّ رضي الله عنهم ـ ويعلمها من جاء بعدهم بدهور ، من اليهود والمجوس ؟!
لقد قام سلمان في وجه عمر رضي الله عنهما في قصة سواد العراق ، وقامت امرأة في وجه عمر رضي الله عنهما في قصة زيادة المهر ، وقام أخر في قصة ثوب قصير ، وقام ... وقام آخرون ، وكلها دون هذه المسألة بما لا يقاس ، ولم يسكتوا ، فهل يُعقل أن يسكت الجميع في مسألة خطيرة كالولاية ؟!
إن عشيرة أبي بكر رضي الله عنه هي أقل عشائر قريش عدداً ، كما أنه لم يكن أغناهم ـ ولكنه كان أفضلَهم ومع هذا فقد سلّم الجميع له، فلو لم يكن عندهم الأمر بالثَّلَج، وأن هناك عوامل كثيرة عندهم على تقديمه :لما فعلوا،
خاصة وبنو عبد مناف فيهم الشرف والمكانة والعدد والسلاح ، فسكوتُ بطون قريش جميعاً، ومبايعتهم جميعاًـ بما فيهم آل البيت رضي الله عنهم ـ لأبي بكر رضي الله عنه : دلالةٌ على كذب الرافضة ومن بعدهم اليهود والمجوس في دعوى الولاية والعهد . كيف وسيدنا علي هو الإمام الكرّار ، والبطل المغوار ، والحريص على الإسلام ، والله تعالى أعلم .(1/275)
الثاني والثلاثون : إن العرب في الجاهلية ـ بل في جميع الخلق ـ يقدِّمون المرء لأحد أمرين ؛ أن يكون كثيرَ المال ، أو أن يكون من عشيرة وقبيلة وقوة ، بمعنى أنعم يقدِّمون المرء إما لماله ، أو لمركزه ، أو قوته .
فلما جاء الإسلام خرج عن هذا المألوف ، وجعل تقديم المرء لدينه .
ولذا قدّم الصحابةُ رضي الله عنهم أبا بكر ، وجعلوه خليفة ، لما له من الصفات الجليلة التي تؤهله لذلك ، فهو :
ـ أول من أسلم من الرجال ، سابقاً في الإنفاق ، والجهاد ، وإعتاق العبيد والإماء ، وبناء المساجد ، كان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الهجرة ، وفي الغار ، ثاني اثنين ، وممن جمع القرآن حفظاً وكتابة ، وزوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنته في الإسلام ، وكان {الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى* وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى* إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى}
ـ كان أعلم أهل زمانه بأحوال العرب وأنسابها وآدابها ، وأكثرَ الصحابة خدمة للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، وأكثرَهم قياماً بحاجاته صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمنّ الناس عنده ، كان حازماً ، له فراسة قوية جدّاً ، صار بها وزيراً للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في كل أموره ، وقام مقام النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في حياته .
كانت العرب ـ وقريش بالذات ـ تجلّه وتقدّمه وتحترمه في حياة النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، كان مقدّماً في كثير غيرها، لذا قدّمه النبيُّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وعيّنه ، وجعله موضع السمع والبصر، وقد عرف الناس هذا التقديم ولم ينازعه فيه أحد . لذا كان أحبّ إليه صلى الله عليه وآله وسلم ، كما في الحديث المتفق عليه .(1/276)
وبعد عودة النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع ، وكان الناس يسألونه عن كثير من المسائل ، إلا أنهم لم يكونوا يسألونه عمن يخلفه من بعده ، لما استقر في نفوسهم من تقدم أبي بكر رضي الله عنه . لذا أمر صلى الله عليه وآله وسلم الناس أن يُغلقوا أبوابهم إلا أبا بكر رضي الله عنه . ولما جاءته المرأة وسألته ووعدها، قالت : إن لم أجدك؟ تعني: الموت ، قال : > فإن لم تجديني فأتي أبا بكر < متفق عليه ، وحث صلى الله عليه وآله وسلم على الاقتداء بأبي بكر وعمر من بعده رضي الله عنهما ، وكل ذلك إشارة منه على تعيينهما .
ولما مرض صلى الله عليه وآله وسلم مرض الوفاة ، أمر أبا بكر رضي الله عنه أن يصلي بالناس إماماً طيلة مرضه ، وقال : > يأبى الله ذلك والمسلمون < ولما اتخذ الناس خوخات في الأبواب أمرهم صلى الله عليه وآله وسلم أن يغلقوا الخوخات إلا أبا بكر رضي الله عنه ، إشارة منه صلى الله عليه وآله وسلم إلى استعمال أبي بكر رضي الله عنه لتلك الخوخة بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم ، ولما وجد صلى الله عليه وآله وسلم في نفسه قبيل وفاته قوةً ونشاطاً : خرج لصلاة الجماعة ، فجلس في محرابه عن يمين أبي بكر رضي الله عنه ، وكان هذا آخر عهده بصلاة الجماعة في محرابه ، وهذا تدبير منه صلى الله عليه وآله وسلم ـ بأبي هو وأمي ـ بدون ريبة ـ في التعيين ، فقد أرشد أمته إلى اختيار الأحق الأقوم الأقوى في أمر الإمامة ،...
ـ وفي الأخير ، أبى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يتقدم أحدٌ على أبي بكر رضي الله عنه ، بل نص على إمامته صراحة فقال : > ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر < متفق عليه ، وهذا وحي من الله تعالى ، لا ينازع فيه إلا جاهل أو أحمق ، أو متكابر .(1/277)
لذا قدمت الأمة بعد وفاة رسولها الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر رضي الله عنه، الذي قدّمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في محرابه الشريف ـ وبحضور كبار بني هاشم ، وساداتهم .
لذا لو قيل : إن الإمامة لا تكون إلا بنص من الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، لكان ذلك لا ينطبق إلا على أبي بكر رضي الله عنه ، وكل من يزعم غيره فهو كاذب على الله تعالى وعلى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم . وانظر الوشيعة ( و ن ـ ح ن ) فقد ذكر بعضه .
المناظرة بين المؤلف وأحد آيات الرافضة من طهران :
وحصلت هذه الحادثة قبل نحو ثلاثين سنة ، في نهاية شهر ذي الحجة .
خرجت من المسجد الذي أصلي فيه ، بعد صلاة العشاء ، ووقفت عند الباب أنتظر خروج بعض الضيوف ، فجاءني شيخٌ من رافضة إيران ومعه مجموعة من أتباعه، وأنا لا أعرفه، فسلَّم عليَّ، ورددتُ عليه السلام، وقال : نحن نحبكم ،... فقلت له : من أين الشيخ ؟ فقال : من تهران . فقلت : ما عملكم ؟ قال : خطيبٌ ومؤلِّف ،... قلت : وما لكم من التآليف ؟ قال : مكانة الحرمين ومناظرات فيهما . قلت : وما فيه من المناظرات؟ قال : التقيتُ بمشايخ الحرمين ( وذكر عدداً منهم ...) فناظرتهم ، فأفحمتهم ، وسجّلتُ تلك المناظرات في ذلك الكتاب . فقلت : وما هي تلك المناظرات ؟ قال : قلتُ لهم : ألا تعتقدون بصحيح مسلم ؟ فقالوا : بلى . قال : فقلت لهم : قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله : >لايزال هذا الدين قائماً ما بقي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش < وقلت لهم : إن هذا الحديث لا ينطبق إلا على الأئمة الإثني عشرية .
[ فأخذتني الحمية ؛ لزعمه أنه أفحم هؤلاء العلماء الذين ذكرهم ، ولا أدري صحة قوله من كذبه ]. فقلت له : تناظر ؟ قال : نعم . قلت : في هذا الحديث ؟ قال : نعم .
فقلت له : قبل أن نبدأ بالمناظرة لابد من وضع ضوابط ، نتفق عليها ، تكون عمدة للمناظرة فيما بعد ؟ قال : نعم .(1/278)
قلت : هل الخلافة أمر إلهي أم أمرٌ دنيوي؟ قال : لم أفهم ما تريد . فغيّرتُ صيغة السؤال . فقال : لم أفهم ما تريد . فقلت : ألم يقل الله تعالى : { يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ }قال : بلى . قلت : فهل يشترط أن يكون الخليفة حاكماً ؟ قال : نعم ، نعم . فقلت له : اقبض إصبعك . ثم ذكرت قاعدتين أخريين .
ثم قلت له : ألم يجمع المسلمون على أن رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر أبا بكرٍ رضي الله عنه أن يصلِّيَ إماماً بالمسلمين في مرض وفاته ؟ قال : نعم . قلت : ألم يقل رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم : > اقتدوا باللذَين من بعدي؛ أبي بكر وعمر؟< قال: بلى . قلت : ألم يقل عليٌّ رضي الله عنه: رضيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لديننا أفلا نرضاه لدنيانا؟ قال : بلى . قلت : أسلِّم لك بما شئتَ ، فهل تسلِّم لي بخلافة أبي بكر رضي الله عنه ؟ فقال : أسلِّمُ لك بخلافة أبي بكر . فكررتُ عليه السؤالَ ثلاثَ مرات ، وهو يقول : نعم ، ثم في المرة الثالثة قال : أسلّمُ لك بخلافة أبي بكر وخلافة عمر . فرفعت صوتي بذلك حتى لا ينكر بعدها ، فيقول نعم .
فقلت : بطل استدلالك بالحديث .
قال : وكيف ذلك ؟
قلت : لقد اتفقنا أنا وأنت على اثنين هما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، فصاروا أربعة عشر، الاثنا عشر الذين عندك، وهذان رضي الله عنهما اللذان اتفقنا عليهما ، لذا يلزمك أن تخرج اثنين ممن عندك .
ثم قلت له : افتح أصبعك الآن ـ وأنا قابض على يده ـ فيلزمك أن تخرج ممن عندك عشرة آخرين ، لأننا اتفقنا على أن يكون الخليفة حاكماً ، ولم يكن أحدٌ من الأئمة بعد الحسن رضي الله عنه حاكماً . لأنه لم يل الخلافة من الأئمة سوى علي والحسن رضي الله عنهما ، لذا لم يبق عندك سواهما.
فقال لي : اعددهم ، فمن هم إذاً ؟(1/279)
قلت له : لستُ غبيّاً ، لأنني أعلم إن أثبتُّ ستنقض ، كما أنك إن أثبتَّ سأنقض ، لكننا اتفقنا على أربعة هم : أبو بكر وعمر وعلي والحسن رضي الله عنهم . والمهدي الذي سيأتي في آخر الزمان حسب معتقدي أنا .
قال : ألا تصدِّق بحديث رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
قلت : غبار نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رأسي ، لكن هل قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الحسين بن علي خليفة ؟ فإن قلتَ : نعم فقد كذبتَ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن قلتَ: لا ، فأخرجه من العدد . وهل قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : علي زين العابدين خليفة ؟فإن قلتَ : نعم ، فقد كذبتَ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن قلتَ : لا ، فأخرجه من العدد . وهل قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : محمد الباقر خليفة ؟ قل ، فإن قلتَ : نعم ، فقد كذبتَ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن قلتَ : لا ، فأخرجه من العدد . والكاذب معذّبٌ في النار ،... ثم ذكرت له تتمة الأئمة
فقال : فمن الباقي؟ وهنا قررت حسم الموضوع ، وإلقاء الحجة في فمه ، والتجأتُ إلى الله تعالى أن يلهمني الصواب .
فقلت : كلُّ خليفة فيه صفات الخلافة الراشدة ، وهو من قريش ، فهو منهم . فهذا الخميني ؛ هو من قريش ، لأنه موسوي ـ كما تقولون ـ وها قد دانت له الشعوب الإيرانية، فإذا دانت له بقية الشعوب الإسلامية الأخرى ؛ فهو خليفة راشد ، ضمن العدد الذي يريده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
[(1/280)
لا تنس أيها القارئ الحصيف أن المناظِر قد يقول قولاً لا يعتقده ، في سبيل إفحام الخصم ، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ، لذا قلت له هذا القول . وأتيتُ بهذا المثال متعمِّداً ، وأنا أعلم أنه لا ينطبق عليه بحال ، لأنه إن قال : نعم ـ يعني صار الخميني خليفة ـ قلت له : أنتم منذ (1140) عاماً تعتقدون بالإثني عشر ـ فبالخميني صاروا (13) إذاً عقيدتكم التي بنيتم عليها دينكم باطلة ، وإن قال : لا ، قلت : فما دعوى إمامة الفقيه ؟]
ولكن الرجل كان دِينُه أغلى عنده من الخميني ، فرفع يديه ، وصار يلوِّح بهما ، وهو يقول : لا، لا، لا، ثم أدبر يركض مولِّياً ، هو وأتباعه الذين كانوا معه .
كيف يزعمون أن هذا الحديث ينطبق عليهم ، وهو لا ينطبق عليهم لا من قريب ولا من بعيد ، ولكنهم يتصيدون بالماء العكر ، ويضحكون على ضعفاء النفوس من المسلمين ، ليخوجوهم من دينهم إلى الرفض ، والله تعالى المستعان عليهم ،
والخلاصة :
1ـ لو كانت الإمامة نصّاً ربّانيّاً لوجد آيةٌ واحدة على الأقل في كتاب الله تعالى ، تنص على ذلك صراحة ، أو حديثٌ واحد ؛ ينص على ذلك ، ولا يوجد شيءٌ من ذلك .
2ـ لو كانت الولاية منصوصاً عليها لعليٍّ رضي الله عنه لأمره النبيُّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أن ينوب عنه في الصلاة في مرض وفاته ـ ولو يوماً ـ على الأقل ، لكن الوارد هو العكس ، حتى عند الرافضة .
3ـ لو كانت الولاية منصوصاً عليها لعليٍّ رضي الله عنه لما أمر النبيُّ الكريم بإغلاق جميع الأبواب ثم الخوخات ، وشمل ذلك عليّاً بعد وفاة السيدة فاطمة رضي الله عنهما ، ولم يستثن سوى خوخة أبي بكر رضي الله عنه .
4ـ لو كانت الولاية منصوصاً عليها لعليٍّ رضي الله عنه لما خالفها الصحابة رضي الله عنهم ، ولقاتل عليها عليٌّ رضي الله عنه .(1/281)
5ـ لو كانت الخلافة منصوصاً عليها لعلي رضي الله عنه : لورد عنه ما يدل على ذلك ، بينما الذي ورد عنه رضي الله عنه ذكره عدم وجود نص عليها ، وعدم وجود ولاية ، وعدم وجود حرص منه عليها ، فلو كانت منصوصاً عليها ما جاز الزهد فيها والإعراض عنها .
6ـ لو كانت الخلافة منصوصاً عليها لعلي رضي الله عنه وخالفوه : لما بايع الخلفاءَ الثلاثة رضي الله عنهم ، ولأعلن مخالفته على ذلك ؟ وإذا كان قد أجبر على مبايعة أبي بكر رضي الله عنهما ـ كما زعم الخميني ـ فكيف بايع الآخرين طواعية وباختياره ومن غير تلكؤ ؟.
7ـ لو كانت الخلافة منصوصاً عليها لعلي رضي الله عنه لما أثنى هو على الصحابة رضي الله عنهم خاصة على الثلاثة الخلفاء رضي الله عنهم .
8ـ لو كانت الخلافة منصوصاً عليها لعلي رضي الله عنه : لما نص على صحة خلافة الأئمة الثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم جميعاً .
9ـ لو كانت الخلافة منصوصاً عليها لعلي رضي الله عنه : لما سأله الناس ـ بعد إصابته ـ أن يولي الحسن رضي الله عنه ، ولعيّنه من بعده .
10ـ لو كانت الخلافة منصوصاً عليها لعلي رضي الله عنه : ما اجتمع الناس بعد وفاته وبايعوا الحسن رضي الله عنهما .
11ـ لو كانت الخلافة منصوصاً عليها لعلي ولأولاده من بعده رضي الله عنهم : ما تنازل الحسن عنها لمعاوية رضي الله عنهما ، لأنه لا يجوز .
12ـ لو كانت الخلافة منصوصاً عليها لعلي رضي الله عنه ما ثار الحسين رضي الله عنه مطالباً بها .
13ـ لو كانت الخلافة منصوصاً عليها لعلي وأولاده من بعده رضي الله عنهم ، وأُخذت منهم : لما ورد الثناء العاطر من أئمة آل البيت رحمهم الله تعالى على الصحابة جملة وعلى الشيخين رضي الله عنهما بالأخص .(1/282)
14ـ إنه لم يرد إلى أوائل القرن الرابع نصٌّ واحد عند الرافضة، ولا أيما إشارة لفكرة اغتصاب الخلافة من سيدنا عليٍّ رضي الله عنه، أو أنها حقٌّ إلهي اغتُصب منه ، أو أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم اشتركوا أو ساهموا في عملية الاغتصاب تلك . إنما حصل ذلك بعد ذلك التاريخ ، انظر التشيع والتصحيح للدكتور موسى الموسوي ( 38 )
15ـ ومما يدل على عدم كون الولاية منصوصاً عليها: تغير فكرة الولاية، فبينما هي عند المتقدمين : أولوية الخلافة لعلي رضي الله عنه ، صارت إلى فكرة الخلافة الإلهية لعلي رضي الله عنه ، ومخالفة الصحابة رضي الله عنهم للنص الإلهي ، وقد حصل هذا التغيير بعد القرن الرابع ، بعد حصول الغيبة الكبرى ، انظر: التشيع والتصحيح (38 )
16ـ لو كانت الإمامة منصوصاً عليها ، وأنها في الأعقاب وليست في الأخوة : ما حصل الانتقال بها من جعفر الصادق إلى موسى الكاظم رحمهما الله تعالى بعد وفاة إسماعيل ، بل الواجب أن تنتقل إلى ابن إسماعيل الأكبر حسب قواعد الإمامة عندهم ، لأنها أمر رباني وليست بالانتخاب ، وكذا انتقالها من الهادي إلى الحسن بعد وفاة أبي جعفر ، والواجب انتقالها إلى جعفر حسب قواعدهم أيضاً ، مما اضطرهم إلى اختراع فكرة البداء ، وهي كفر كما لا يخفى ، كما سيأتي في بيانه في الفصل القادم إن شاء الله تعالى.
17ـ إن مبايعة علي لإخوانه الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم في نظر الرافضة لا تخلو من أمرين :
أ ـ إنه بايع خشية منه على ضياع الإسلام، وإيجاد الفرقة التي كادت تؤدي إلى هدم الإسلام ، فيكون قد ترك حقّه، ورضخ لخلافة خلفاء غصبوا حقّه
ب ـ إنه بايع الخلفاء خشية منهم على نفسه ، وعمل بالتقية .
أقول : وكلاهما غير صحيح . وذلك :(1/283)
ـ إذا كان قد ترك حقه خشية ضياع الإسلام في زمن الصديق رضي الله عنه لحصول الردة ، فإن هذا لا ينطبق في زمن الفاروق وعثمان رضي الله عنهما ، الذي امتد الإسلام في زمانهما فشمل الجزيرة كلها ، وأغلب الأرض المسكونة ، بما فيها بلاد الشام والعراق وفارس وشمال أفريقيا وقسم من تركيا . ومع هذا فقد بايعهما رضي الله عنهم دلالة على أنه لم يكن يخشى على ضياع الإسلام ، وإنما بايع لأمر آخر .
ـ ثم لا يمكن أن يكون الثاني قطعاً ، ولو انتبه الرافضة إلى ما يعني هذا القول منهم لما نطقوا به إلا إذا كان منهم المغرض ـ إن هذا يعني: إظهار عليٍّ رضي الله عنه بأنه ـ حاشاه ـ بأنه رجل منافق، مخادع مداهن، عاش نحواً من (25) سنة كمستشار أمين ، وكصديق حميم ، مطبقاً على مدح الخلفاء ،... وقلبه في الواقع غير معتقد بما يقول ، وغير مؤمن بما يفعل ، حتى إنه زوّج ابنتَه أم كلثوم رضي الله عنها لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو مرغم ، وسمّى أولادَه أبا بكر وعمر وعثمان وهو غير راض بتسميتهم ،... انظر : الشيعة والتصحيح ( 35 ـ 38 )
هكذا يصور الرافضة سيدنا عليّاً رضي الله عنه، والله ما هكذا كان رضي الله عنه، ولم يعرف في المهاجرين منافق واحد ، ولم يكن في أهل مكة مداهن واحد ، إضافة إلى ما تصف به عليٌّ رضي الله عنه من الجرأة والشجاعة ، ثم إن في الصحابة الكثير ولله الحمد والمنة ممن يقف في وجه المخالف ، خاصة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على القول بالحق .
18ـ ثم لو كان ثمة نص في القرآن الكريم أو عن النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم صريحاً في إمامة عليٍّ رضي الله عنه ما جاز له ولهم مخالفته ، ولا السكوت عنه .(1/284)
إذا كان الله عز وجل يخاطب نبيَّه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } فكيف بمن هو دون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أن يغض الطرف عن النص الإلهي ، أو يخفيه ، حتى لو بايع ؟
أسأله تعالى قول الحق في الرضا والسخط .
فصل
بعض معتقدات الرافضة التي خالفوا فيها المسلمين
إن المسائل التي خالف فيها الرافضة عموم المسلمين كثيرة جدّاً ، لكني أقتصرعلى ذكر بعضها ـ لخطورتها ـ وأغلب هذه المسائل يكفر من يعتقدها . كما سأقتصر على ذكر بعض النصوص ، خاصة عند المتأخرين .
1 ـ البداءة على الله تعالى .
والبداء ـ في اللغة وفي استعمال القرآن الكريم ـ بمعنى الظهور ، أي يظهر لهم ما كان مستوراً ، أو غير معلوم . فهو مقابل الإخفاء .
ويقابل البداء : الجهل ، والضلال ، والغفلة ، وهي موجودة في الإنسان {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاتَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ }
ثم إن علم الله تعالى محيط بكل الممكنات من الأزل إلى الأبد ، في كل آن قبل خلقه لها وبعده على حد سواء ، وهو علم مطلق ، يحيط بالجزئيات كما يحيط بالكليات {عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }
فالبداء محال في حق الله عز وجل ، ممتنع لله ، وفي علم الله ، وأنه تعالى لا يعتريه ما يعتري الإنسان .(1/285)
وقول الرافضة بالبداء يعني أن الله تعالى يغيِّر رأيه لعدم علمه المسبق بما حصل ، وهذا كفر ، لأنه اتهام لله عز وجل بعدم الحكمة ، لأن إرادة الله تخصص ما قدّره حسب علمه عز وجل ، فهم ينفون عن الله تعالى ذلك كله، ويتهمونه ـ حاشاه ـ بالجهل وعدم العلم بالشيء إلا بعد وقوعه ، والله تعالى يقول : {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } فكيف ينفون عنه تعالى علمه السابق ، وأنه يغير رأيه ـ حاشاه ـ بعد وقوع ما يخالف ما يريد ! وهي من أفكار اليهود التي انتقلت إليهم عن طريق من ادعى الإسلام منهم .
هذه بعض نصوصهم ، وخلاصة فكرة البداء ، وبيان سببها ، وأصل نشأتها .
قال الإمام جعفر الصادق ـ بعد وفاة ولده إسماعيل رحمهما الله تعالى الذي كان قد اختاره للإمامة ـ قال الصادق : حصل البداء من الله. اهـ كما في رقم ( 11 ) من باب ما جاء في الإثني عشر والنص عليهم .
ولما اختار الهادي رحمه الله تعالى ولدَه أبا جعفر محمداً للإمامة ، فلما تُوفِّي في حياته قال الهادي : حصل البداء من الله ، وجعل مكانه الحسن إماماً ، كما في رقم ( 12 )
وقد عقد الكليني في الكافي ضمن كتاب التوحيد باباً بعنوان ( باب البداء) وانظر التعليق على ما حواه هذا الباب في كسر الصنم (109ـ 110)(1/286)
فمن ذلك ما رواه عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : يا ثابت ، إن الله تبارك وتعالى وقَّت هذا الأمر [ يعني خروج المهدي ] في السبعين ، فلما أن قُتل الحسين صلوات الله عليه ؛ اشتد غضب الله على أهل الأرض، فأخره إلى أربعين ومائة، فحدّثناكم، فأذعتم الحديث، فكشفتم قناع الستر ، ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتاً عندنا {يَمْحُوا الله مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}
قال أبو حمزة : فحدّثتُ بذلك أبا عبد الله عليه السلام ، فقال : قد كان ذلك .اهـ
وقال علي بن موسى : ما بعث الله نبيّاً قط إلا بتحريم الخمر ، وأن يقر لله بالبداء .اهـ
لقد نسبوا إلى الله تعالى الجهلَ وعدمَ الحكمة وعدم العلم بما يقع ، كما نسبوا له تعالى تغيير الرأي حسب الظروف الملابسات ، وكل ذلك كفر صريح والعياذ بالله تعالى . ثم كيف يكون في السبعين ثم بالمائة والأربعين وهو لم يُخلق بعد ! لكن حبل الكذب قصير ومفضوح ومكشوف .
ومن ذلك : عن زرارة بن أعين عن أحدهما عليهما السلام قال : ما عُبد الله بشيء مثل القول بالبداء ، والإيمان بالبداء أفضل العبادة .
وعن أبي هاشم الجعفري قال : كنت عند أبي الحسن عليه السلام ـ بعد ما مضى ابنه أبو جعفر ـ وإني لأفكِّر في نفسي ، أريد أن أقول : كأنهما ـ أعني أبا جعفر وأبا محمد ـ في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل بن جعفر ابن محمد ، وإن قصتهما كقصتهما . إذ كان أبو محمد المرجّا بعد أبي جعفر .
فأقبل عليَّ أبو الحسن عليه السلام قبل أن أنطق فقال : نعم يا أبا هاشم ، بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر مالم يكن يعرف له ، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله ، وهو كما حدّثتك نفسك ، وإن كره المبطلون، وأبو محمد ابني الخلفُ من بعدي ، وعنده علم ما يحتاج إليه ، ومعه آلة الإمامة .اهـ(1/287)
وفي رواية هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما عظم الله بمثل البداء .... وانظر فيه نصوصاً كثيرة ، كلها كذب واختلاق .
وقال الصادق : لو علم الناسُ ما في القول بالبداء من الأجر : ما فَتَروا من الكلام في البداء .اهـ
لقد وضعت الرافضة حديث أخذ الميثاق من كل نبي أو يقول بالبداء .
كما وضعت : إن الملِك الخلاق يكتب الميثاق في رحم الأم ، ويشترط لله البداء .
قال الباقر : يوحي الله إلى الملَكَين : أن اكتبا عليه قضائي وقدري ونافذَ أمري ، واشترطا لي البداء . اهـ
قال العلامة موسى جار الله رحمه الله تعالى ـ بعد ذكره لهذا القول ـ : فأي حاجة لله أن يشترط؟ أو كيف يكون شأن الله إن لم يشترط؟ ولمن وعلى من يكون الاشتراط ؟ وإذا جوَّزتم البداء لله خلاف علمه وقدره فجواز البداء على خلاف اشتراطه أقرب وأمكن وأوقع .اهـ من الوشيعة ( 118 )
ومن ذلك : قول الرافضة عند السلام على الإمامين العسكريين ( علي والحسن رحمهما الله تعالى) في سامراء : السلام عليكما يا من بدا لله في شأنكما .اهـ من مفاتيح الجنان (929) نقلاً عن التشيع والتصحيح (147)
وقد أطال العلامة موسى جار الله رحمه الله تعالى النفس في بيان بطلان دعوى البداء لله تعالى ، وأن الرافضة قد أخذوه من اليهود ، ونقل نصوص التوراة ، من سفر التكوين وغيره ، فانظر الوشيعة (110 ـ 120)
ما سبب دعوى البداء ؟(1/288)
لقد مر بنا أن الإمامة عند الشيعة ليست انتخاباً ، إنما هي إلهية المصدر والتكوين ، بمعنى أن الله تعالى هو الذي عين هؤلاء الأئمة ، وليس البشر ، وقد سبق ذكر العناوين عند الكليني في الكافي : باب أن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود من واحد إلى واحد . وباب ثبات الإمامة في الأعقاب وأنها لا تعود في أخ . وباب ما نص الله ورسوله على الأئمة واحداً واحداً . وباب ما جاء في الإثني عشر والنص عليهم ،... فهي لا تخضع لمتغيرات الزمان والمكان ، وأنه لا سلطة للأب في تعيين الإمام من ذريته ، لأن الله تعالى عينهم منذ الأزل ، وأنزل في ذلك البيان .
فلما تُوفِّي إسماعيل بن جعفر الصادق رحمهما الله تعالى في حياة أبيه، واضطر الصادق رحمه الله تعالى إلى تعيين ولده الآخرـ وهو الأصغرـ موسى الكاظم إماماً اصطدم مع معتقدهم ؛ أن الإمامة في الأعقاب ولا تنتقل إلى الأخوة ، لذا فكر الشيعة في الخروج من هذا المأزق ، فنسبوا هذا التغيير إلى الله تعالى ، مُؤْثرين إضافة النقص إلى الله تعالى، لا إلى الأئمة، والقاعدة التي قعّدوها ، بأن الإمامة هي أمر رباني وليس للبشر دخل فيه .
وقد تكرر ذلك عندما توفِّي أبو جعفر في حياة أبيه ، فعيّن ولدَه الآخر الحسن .
لأنهم لو أبقوها من غير دعوى البداء فإنه لا يحق لجعفر الصادق رحمه الله تعالى بعد وفاة ولده إسماعيل أن يُعيِّن ـ ولدَه الأصغر ـ موسى الكاظم رحمه الله تعالى ، بل تنتقل إلى الابن الأكبر من ظهر إسماعيل ـ وهذا ما نشأ عنه فرقة الإسماعيلية، التي تطالب بذلك حسب قواعد الإمامة عند الشيعة ( وهي في الأعقاب ولا تنتقل إلى الأخوة )
فلكي تخرج الشيعة من هذا المأزق قالت بفكرة البداء ، لتُلقي مسؤوليةَ انتقال الإمامة من إسماعيل إلى موسى الكاظم ، ومن أبي جعفر إلى الحسن على الله تعالى ، وليس على الإمام .(1/289)
ولم تظهر فكرة البداء إلّا في القرن الثالث ، في عصر الإمامين العاشر والحادي عشر ، عندما بدأ التيار الإسماعيلي يشق طريقه إلى الوجود ، شاقّاً وحدةَ الشيعة .
ذكر النوبختي عن سليمان بن جرير إنه قال لأصحابه : إن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين ، لا يظهرون معهما من أئمتهم على كذب أبداً ، وهما : القول بالبداء ، وإجازة التقية .
فأما البداء ؛ فإن أئمتهم لما أحلّوا أنفسَهم من شيعتهم محلَّ الأنبياء من رعيتها ؛ في العلم فيما كان ويكون ، والإخبار بما يكون في غد ، وقالوا لشيعتهم : إنه سيكون في غد وفي غابر الأيام كذا وكذا .
ـ فإن جاء ذلك الشيءُ على ماقالوه، قالوا لهم : ألم نُعلمكم أن هذا يكون، ونحن نعلم من قِبل الله عز وجل ما علمته الأنبياء، وبيننا وبين الله عزوجل مثل تلك الأسباب التي علمت به الأنبياء عن الله ما علمت .
ـ وإن لم يكن ذلك الشيء الذي قالوا إنه يكون على ما قالوا ، قالوا لشيعتهم : بدا لله في ذلك .
وأما التقية ؛ ... الخ ثم ذكر أمر التقية ، فرق الشيعة (85 ـ 86 )
فهي عقيدة يهودية، إذا قال الإمام قولاً أو أخبر أنه سيكون له كذا وكذا، ثم لم يقع ، أو وقع خلافه ، يقول الإمامُ : بدا لله تعالى في ذلك الأمر فأتى بغيره . فيلقون باللوم على الله تعالى ـ حاشاه ـ ولا ينسبون الكذب وخلفَ الوعد لهم .
وقد احتلت هذه الفكرة حيِّزاً كبيراً في فكر الشيعة ، وأفردوا لها فصولاً وكتباً مطولة للدفاع عنها . انظر لذلك الشيعة والتصحيح (147 ـ 151) فقد ذكرها وذكر فكرة التصحيح فيها .
إنهم يستسهلون الطعن بالله تعالى ، ولا يفادون بالطعن أو تغيير الآراء عند أئمتهم ، إنهم نسوا أنهم ينسبون الجهلَ إلى الله تعالى الخبير العليم ، فهل يعقل هؤلاء ما يصدر عنهم ، وامتلأت به كتبهم ، أم هي لوثة يهودية ؟؟؟
2 ـ الطعن في ذات الله تعالى ونفي الاعتراف بربوبيته .(1/290)
قال نعمة الله الجزائري ـ وهو محدِّث الرافضة ـ : إنا لا نجتمع معهم ـ أي مع السنة ـ على إله ، ولا نبي ، ولا إمام ، وذلك أنهم يقولون : إن ربهم هو الذي كان محمدٌ نبيَّه ، وخليفته من بعده أبو بكر .
ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبيّ ، بل نقول : إن الرب الذي خليفةُ نبيِّه أبو بكر ليس ربَّنا ، ولا ذلك النبيُّ نبينا .اهـ من الأنوار الجزائرية ( 2 : 278 )
هذا هو قول محدِّثهم وإمامهم ومرجعهم ، ولا شك بكفر هذا القول ، وكفر من يعتقده ككفر سابقه .
وقال الكليني : ... وأن الله تعالى عمل بالتقية مع رسوله صلى الله عليه وسلم حين رمز اسم محمد بن الحسن العسكري ( م ح م د ) اهـ
هل بعد الكفر ذنب ؟ وسبق ذكر النص كاملاً .
3 ـ تكذيبهم لله تعالى :
لقد أخبرنا الله تعالى أنه حافظٌ لكتابه الكريم ، وذلك أنه لم يترك حفظه للخلق حتى يحفظوه ، بخلاف الكتب الأخرى ، حيث تركت لأربابها ، فغيروها وبدلوها ، فقال تعالى ـ عن هذا الكتاب الكريم ـ : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} بينما الرافضة يقولون : إن القرآن الكريم محرّف . وذهبوا في ذلك مذهبين :
ـ إنه حذف منه ( 11000 ) آية .
ـ إنه حرّف، وبدلت بعضُ آياته وسوره . وسيأتي الكلام في ذلك في فقرة مستقلة .
كما أن الله تعالى أخبرنا أن القرآن الكريم وحيٌ من عنده تعالى ، فقال تعالى : {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}
وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } وقال عز وجل : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} والآيات في ذلك كثيرة ، وهم يقولون : إنه ليس من الوحي ، كما سيأتي في فقرة تالية إن شاء الله تعالى .
4 ـ مشاركة الإمام لله تعالى في خلقه .(1/291)
قال الكليني ـ في باب مولد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ووفاته ـ رقم (5) : إن الله فوَّض أمور خلق الكون إلى محمد وعلي وفاطمة .اهـ
وقال أيضاً : يا محمد ، إن الله تبارك وتعالى لم يزل منفرداً بوحدانيته ، ثم خلق محمداً وعليّاً وفاطمة ، فمكثوا ألفَ دهر ، ثم خلق جميع الأشياء ، فأشهدهم خلقَها ، وأجرى طاعتَهم عليها ، وفوَّض أمورها إليهم ، فهم يُحلّون ما يشاءون ، ويحرِّمون ما يشاءون ، ولن يشاؤوا إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى . اهـ من الكافي (1 : 287 )
وقال تحت باب مواليد الأئمة رضي الله عنهم : يقول الإمام : إذا أمر الله ملَكاً بأمر فإن ذلك الملَك يأتي إلى الإمام ويعرض عليه الأمر قبل أن يعمل به .اهـ
هل يوجد مسلم على ظهر الأرض ـ عنده ذرة عقل ـ يقول مثل هذا القول ؟ يجعل الإمام فوق مستوى الإله ، فلا ينفِّذ الملَكُ أمرَ الله تعالى حتى يعرضه على الإمام ، ويستأذنه . لكن إذا علمنا أن صانعي هذه الأخبار زنادقة ، فاسدو العقيدة ، آكلو أموال الأئمة ، مشكوك في دينهم ، من أهل الكذب ،... قد فعلوا ذلك ثم ألصقوه بالأئمة : زال العجب .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا قسيمُ الله بين والجنة والنار ، وأنا الفاروق الأكبر ، وأنا صاحب العصا والميسم ، ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقروا لمحمد صلى الله عليه وآله ، ولقد حملت على مثل حمولة محمد صلى الله عليه وآله ، وهي حمولة الرب ، وإن محمداً صلى الله عليه وآله يُدعى فيُكسى ويستنطق ، وأُدعى فأُكسى وأستنطق ، فأنطق على حد منطقه ، ولقد أُعطيت خصالاً لم يعطهن أحدٌ قبلي ، علمتُ علم المنايا والبلايا ، والأنساب وفصلَ الخطاب، فلم يفتنني ما سبقني ، ولم يعزب عليَّ ما غاب عني ، أُبشّر بإذن الله ، وأُؤدي عن الله عز وجل ، كلُّ ذلك مكّنني الله فيه بإذنه .اهـ من أصول الكافي .(1/292)
ما ذا بقي بعد ذلك، وهو شريك الله تعالى ، وأنه بدرجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وهل يقول ذلك مسلم يعقل ما يخرج من رأسه ! لكن قاتل الله الحمقى .
وقال الخميني : وثبوت الولاية والحاكمية للإمام (ع) لا تعني تجرده عن منزلته التي هي له عند الله ، ولا تجعله مثل من عداه من الحكام ، فإن للإمام مقاماً محموداً ، ودرجة سامية ، وخلافة تكوينية ، تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون،... الخ من الحكومة الإسلامية، وسيأتي بعد قليل .
5 ـ الإمامة أعلى رتبة من النبوة والرسالة .
إن دعوى الإمامة والوصاية والولاية : هي أساس دين الرافضة الذي بنوا عليه معتقداتهم ، وبسببها أقدموا على كل ما يخالف المسلمين ، ابتداء من دعوى الوصاية ، وانتهاء بدعوى وجود الأئمة قبل الخلق ، وإضفاء صفات الله تعالى عليهم ، ومشاركتهم لله تعالى في خلقه .
لهذا جعلوها سابقة على وجود الأنبياء عليهم السلام ، وأنها أعلى من مقام النبوة والرسالة .
قال الكليني ـ في باب فيه نكت ونتف ، النص رقم (16) ـ: قال الإمام : لما قال الله لرسوله في سورة الأنفال، الآية (61) {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} أن القصد من الآية هو : يا أيها الرسول كن من أتباع الأئمة .اهـ
من هو الأصل ؟ كيف يكون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أتباع الأئمة وهم من ذريته ، ولولاه ما كانوا ولا عُرفوا ، ثم لم يولدوا في حياته ، إنما بعد وفاته بدهر
وقال في باب نتف وجوامع ، رقم (3 ، 4 ، 6 ) ما من نبي جاء قط إلا بولايتنا .اهـ
وقال في رقم (5): دين جميع الملائكة هو ولايتنا.اهـ لعنة الله على الكاذبين
وعن أبي الحسن قال : ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، ولن يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله ووصيه علي عليه السلام .اهـ من أصول الكافي ( 276 )(1/293)
قال الخميني : إن للإمام مقاماً محموداً، ودرجة سامية ، وخلافة تكوينية ، تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات الكون ، وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملَكٌ مقرَّبٌ ولا نبيٌّ مرسل ، وبموجب ما لدينا من الروايات والأحاديث فإن الرسول الأعظم ( ص ) والأئمة ( ع ) كانوا قبل هذا العالم أنواراً ، فجعلهم الله بعرشه محدقين ،...اهـ من الحكومة الإسلامية ( 52 )
وقال في نفس الكتاب : ورد عن الأئمة قولهم : إن لنا مع الله حالات ؛ لا يسعها ملَكٌ مقرّبٌ ، ولا نبيٌّ مرسل ،...اهـ
وهذا ما قاله المجلسي في حياة القلوب : أن الإمامة أعلى مرتبة من النبوة .اهـ
إن الذي يقيس بين أمرين لابد أن يكون فوقهما وعارفاً بهما، حتى يعرف حال الاثنين . وما هنا منتهى الغرور، فأين الإمامة من النبوة ، إذ لولا النبوة ما كانت الإمامة ، لكن إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .
وإذا كانت الإمامة ـ أو الولاية ـ أعلى من النبوة ، فهي أفضل من جميع العبادات من باب أولى .
قال الإمام الباقر: بني الإسلام على خمس : الصلاة ، والزكاة ، والصوم، والحج ، والولاية ، ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية .
قال زرارة : وأي شيء من ذلك أفضل ؟ فقال : الولاية أفضل .اهـ من أصول الكافي : كتاب الكفر والإيمان : باب دعائم الإسلام .
وذكرـ في نفس الباب ـ عن جعفر الصادق رحمه الله تعالى : أثافي الإسلام ثلاثة : الصلاة والزكاة والولاية ،...
6 ـ سبق وجود علي رضي الله عنه وتصرفه في الكون .(1/294)
روى نعمة الله الجزائري الرافضي : عن علي رضي الله عنه قال : والله لقد كنت مع إبراهيم في النار ، وأنا الذي جعلتها برداً وسلاماً ، وكنتُ مع نوح في السفينة وأنجيتُه من الغرق ، وكنت مع موسى فعلمته التوراة ، وكنت مع عيسى فأنطقته في المهد وعلمتُه الإنجيل ، وكنت مع يوسف في الجب فأنجيته من كيد أخوته ، وكنت مع سليمان على البساط وسخَّرتُ له الريح .اهـ من الأنوار النعمانية ( 1 : 31 )
هذه ليست في مقدور البشر ، فسلب الحرق من النار ، وإنطاق الرضيع في المهد ، وتسخير الريح ،... وغيرها كل ذلك من مقدور الله تعالى وليس للبشر له حيلة إليه . ثم ما هذا العمر المديد الذي زاد على عمر نوح عليه السلام بأضعاف ؟ لكن قاتل الله الكذّاب على هذا الكذب المكشوف الذي يتضح لكل ذي عين .
7 ـ التنقيص في حق النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .
قال علي الغروي ـ أحد أكبر العلماء في حوزة النجف ـ : إن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لا بد أن يدخل فرجُه النار، لأنه وطئ بعضَ المشركات. يريد زواجه من الكريمتين عائشة وحفصة رضي الله عنهما .اهـ من ( لله ثم للتاريخ 21 ـ 22 )
هل يقول ذلك مسلم يزعم أنه يوالي أهلَ البيت ؟ وأنه من أهل البيت ؟ إذا كان هذا فعل خيارهم وأكابرهم فكيف هو فعل أشرارهم وأصاغرهم. عامله الله تعالى بعدله .
واسمع مقولة جابر أغاتي : صلى الله عليك يا رسول الله ، أخطأت خطأً كبيراً ، حين خرجت من الدنيا ولم توص إلى أحدٍ ، أنت تتحمّل تبعات هذه الأمة ، وأنت تتحمّل مسؤولية هذه الأمة ، وبلبلة هذه الأمة ، وضياع هذه الأمة ، وفتنة هذه الأمة ، هلّا أوصيت يا رسول الله ،... الخ(1/295)
لقد جعل الخبيث نفسه هو المقياس ، فمن خالفه فهو المخطئ ، ومن وافقه فهو المصيب ، أما درى لو أن النبيَّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عيّن أحداً ولم يطعه الناس أما يكونون قد هلكوا ؟ ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رشح عنه تعيين أبي بكر رضي الله عنه ، كما نص على ذلك عليٌّ رضي الله عنه .
ثم من العجب كيف يخطِّئ النبيَّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لأنه لم يوص ، ودينُهم مبنيٌّ على الوصاية والولاية . وأنها منصوص عليها من قبل الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .
واسمع إلى هذا الطعن والاتهام للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، عند إرسال جيش أسامة رضي الله عنه ، وكيف أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تآمر على كبار الصحابة رضي الله عنهم حين أرسلهم لتصفى المدينة لعلي رضي الله عنه فيبايع له في غيابهم .
يقول عبد الحسين الموسوي في المراجعات : ... أما الخلافة فإنها تنصرف عنهم لا محالة إذا انصرفوا إلى الغزوة قبل وفاته ( ص ) وكان ـ بأبي وأمي ـ أراد أن تخلو منهم العاصمة ، فيصفو الأمر من بعده لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، على سكون وطمأنينة ، فإذا رجعوا قد أُبرم لهذا الخلافة وأُحكم لعليٍّ عقدها .اهـ
هل يقبل مسلم عاقل راشد مثلَ هذه التهمة للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، إنه يتآمر على كبار أصحابه ، فيرسلهم ، فلا يحضروا وفاته ، ويصفى الجو لعليٍّ رضي الله عنه ، فيبايع بالخلافة في غيابهم ، فإذا رجعوا من الغزوة وجدوا الأمر قد تم ، فما عليهم إلا الاستسلام ، لكنهم تباطؤوا حتى فوتوا الفرصة عليه .
ثم إن مجرد ادّعاء الإمامة يستلزم منه إنكار النبوة .(1/296)
قال الإمام الدهلوي رحمه الله تعالى : إن بطلان الإمامية يُعرف من لفظ الإمام ، فإن الإمام عندهم هو المعصوم ؛ المفترض الطاعة ، الموحى إليه وحياً باطنيّاً ، وهذا هو معنى النبيّ ، فمذهبهم يستلزم إنكار النبوة .اهـ من الدر الثمين في مبشرات النبيِّ الأمين 4 ـ 5 ) وانظر صورتان متضادتان .
8 ـ دعواهم أن الأئمة أفضل من الرسل عليهم السلام .
ومن غلو الرافضة في أئمتهم : اعتقادهم أنهم أفضل من أولي العزم من الرسل ، وأن جميع الأنبياء عليهم السلام بُعثوا بولايتهم .
قال النعماني : اعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا رضي الله عنهم في أشرفية نبينا على سائر الأنبياء، للأخبار المتواترة، وإنما الخلاف بينهم في أفضلية أمير المؤمنين (علي ) والأئمة الطاهرين على الأنبياء ، ما عدا جدهم.
فذهب جماعة : إلى أنهم أفضل من باقي الأنبياء ما خلا أولي العزم ، فهم أفضل من الأئمة .
وبعضهم إلى مساواتهم .
وأكثر المتأخرين إلى أفضلية الأئمة على أولي العزم وغيرهم .
وهو الصواب .اهـ من الأنوار النعمانية .
وقال المجلسي : إن الإمامة أعلى من رتبة النبوة.اهـ من حياة القلوب (3: 10) وانظر الثورة الإيرانية .
وقال جعفر الصادق : ما جاء به عليٌّ آخذ به ، وما نهى عنه أنتهي عنه ، جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد ، ولمحمد الفضل على جميع خلق الله عز وجل ، المتعقِّب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقِّب على الله وعلى رسوله ، والرّادُّ عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله ، كان أمير المؤمنين بابَ الله الذي لا يُؤتى إلا منه، وسبيلَه الذي من سلك غيره يهلك، وكذلك جرى لأئمة الهدى واحداً بعد واحد .اهـ
وروى عن علي رضي الله عنه قال : الملائكة وجميع الأنبياء سلّموا لي، كما سلَّموا لمحمد ، وأنا مَن أرسِلُ الناسَ إلى الجنة وإلى النار .اهـ أصول الكافي ( 238 )
وقال جعفر الصادق : ولايتنا ولاية الله، التي لم يُبعث نبيٌّ قط إلا بها.اهـ(1/297)
وقال موسى بن جعفر : ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، ولم يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد ^ ووصية علي رضي الله عنه.اهـ من أصول الكافي ( 276 )
لا يكون العبد مؤمناً حتى يعرف الله ورسوله والأئمة كلهم وإمام زمانه .اهـ من أصول الكافي (105)
ولما كانت هذه نظرة الرافضة إلى الأئمة : جعلوهم شهداء على الناس وانظر الثورة الإيرانية ففيها نقول كثيرة .
9 ـ ادعاؤهم أن القرآن الكريم ليس من الوحي .
ومن أخطر الأمور التي ذكرها أئمة الرفض أيضاً : ادعاؤهم أن القرآن الكريم ليس من الوحي ، وأنه لم ينزل به جبريل على النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلّا سيضطرون إلى إنكار أقوال أئمتهم بتحريفه .
قال نعمة الله الجزائري الرافضي : إن تسليم تواتره عن الوحي الإلهي ، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين : يُفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة ، مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها، والتصديق بها.اهـ من الأنوار النعمانية ( 2 : 357 )
وأين هم من تكفل المولى عز وجل بحفظ هذا القرآن {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ؟ ثم ماذا أبقى الرافضة لليهود والنصارى ؟ إنهم لم يبقوا شيئاً ، بل صاروا هم أسائذتهم بعد أن كانوا من أتباعهم . هل يقدم مسلم على مثل هذا القول ؟ والله لو جمعنا ما ذكره المستشرقون من اليهود والنصارى لما بلغوا جزءاً مما قالته الرافضة . ثم كيف يدّعون أنهم مسلمون ويعتقدون أن القرآن الكريم محرّف. لقد أقدم أعداء الله تعالى على مر التاريخ على التغيير والتحريف فما استطاعوا ، ثم يزعم فروخ اليهود والنصارى والمجوس تحريفه ؟ ألا ساء ما يزرون .
لكن أقول لهم : إن القرآن محفوظ بحفظ الله تعالى وتكفله بذلك، وليس بحفظ البشر ، لذا موتوا بغيظكم .
وأما قيامهم بتحريف القرآن الكريم ، والتزيد فيه ، وإضافتهم ما ليس فيه ، ودعوى النقص،... فسوف يأتي الحديث عنه في الفصل القادم إن شاء الله تعالى .(1/298)
10 ـ الأئمة يعلمون الغيب ، وعندهم علم الأولين والآخرين .
ومن الأمور الخطيرة التي يعتقدها الرافضة: ادعاؤهم أن الأئمة يعلمون الغيب ، وأنهم يعلمون علم الأولين وعلم الآخرين ، وقد سبق ذكر كثير من الأقوال .
قال الكليني : باب ( أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون ، وأنه لا يخفى عليهم شيء ) وقد جاء فيه :
ـ حلف الإمام ثلاثَ مرات برب الكعبة : بأنه أعلم وأزكى من موسى والخضر عليهما السلام، فهما أعطيا علمَ ما كان، ولم يُعطَيا علمَ ما سيكون، وما هو كائن إلى يوم القيامة ، ولكنه أعطي ذلك إرثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .اهـ
ـ وقال الإمام : أنا أعلم ما في السموات وما في الأرض ، وما في الجنة ، وما في النار ، وما كان ، وما سيكون . ثم مكث الإمام برهة ، ورأى أن هذا الكلام قد كبر على المستمعين ، ولم يصدِّقوه . فقال : لقد تعلمت هذا العلمَ من كتاب الله حيث يقول الله عز وجل : (وفيه تبيان كل شيء ).اهـ
قد سبق التعليق على هذا اللفظ ، وأنه ليس هذا لفظ القرآن .
وقال الإمام رحمه الله تعالى : عندنا علم ما كان وما هو كائن ، إلى أن تقوم الساعة . اهـ من الكافي ( 1 : 239 )
ـ قال الإمام : أنا أعلم الغيب .اهـ
ـ وقال الحسن بن علي لأخيه محمد : لو شئت أخبرتك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتُك .اهـ والنصوص في هذا الباب كثيرة ، مر كثير منها .
لكن أقول : هذه صفات مَن ؟
11 ـ تناسخ الأرواح .
وذلك أنهم يرون أن روح القدس كانت في النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، كما كانت في عيسى عليه السلام ، ثم انتقلت إلى علي ثم إلى الحسن ثم إلى الحسين رضي الله عنهم ، ثم كذلك في الأئمة ، وعامتهم يقولون بالتناسخ والرجعة ، وكان هؤلاء يسمون بـ ( الطيارة ) وأنهم لا يموتون ، وإنما موتهم طيران نفوسهم في الغلس .(1/299)
قال المفضل ـ كما نقله الكليني في الكافي ـ : إن روح القدس روح خاص بالنبي ، ينتقل بعد موته إلى بدن وصيه تماماً ، كانتقال الروح من جسم إلى جسم .اهـ
وقال الكليني : إن روح محمد صلى الله عليه وسلم تسري في أجساد الأئمة .اهـ
وقال الطوسي ـ في ترجمة نصر بن صباح البلخي ، الذي عدّه المامقاني من الأئمة ، وقد أكثر المشايخ من النقل عنه على وجه الاعتماد ، وقد بلغ إلى حد لا مزيد عليه ـ: لقي جلة من كان في عصره من المشايخ والعلماء ، وروى عنهم ، إلا أنه قيل : كان من الطيارة ، غالي . انظر رجال الطوسي ( 515 ) ومقباس الهداية (121)وقد رد عليهم النبوختي بكتابه (الرد على أصحاب التناسخ ) كما في مقدمة فرق الشيعة له ( 17 )
وقال السيد الرضا : من قال بالتناسخ فهو كافر . اهـ من الكافي .
وقد كفاني الحكم على دعاة التناسخ .
12 ـ المغالاة الزائدة في الأئمة .(1/300)
بحيث إنهم جعلوا لهم حرية الاختيار ، وأنهم أعلى مرتبة من النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ـ بل إن عليّاً رضي الله عنه قسيم الله تعالى ، كما مر قبل قليل ـ وأن الله تعالى أشهدهم خلق المخلوقات ، وفوّض إليهم أمور جميع الخلق ، فهم يتصرفون كما يشاءون ، وأنهم يُحلّون ما يشاءون ، ويحرِّمون ما يشاءون ، وأنهم معصومون من الخطأ ـ بالإجماع ـ بل لا يتصوّر فيهم السهو أو الغفلة ، ويعتقدون فيهم الإحاطة ،... كما قال الخميني في الحكومة الإسلامية (91)وأن الله تعالى بعثهم لتحقيق ما عجز عنه الأنبياء ـ وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وأن تعاليمهم كتعاليم القرآن لا فرق بينهما، وأن لهم مع الله تعالى حالات، لا يسعها ملَك مقرَّب، ولا نبيٌّ مرسل . وأنهم سيعودون إلى الدنيا قبل يوم القيامة ، وأن منكر الإمام الغائب أشد كفراً من إبليس ، وأن المسلمين جميعاً أولاد زنا ، ما عدا شيعتهم ، وأنه ليس على ملة الإسلام إلّا هم ، وأن جميع المسلمين كفار ، وغيره كثير ، وقد سبق ذكر كثير من ذلك .
وقد ذكر ذلك الكليني وابن بابويه والمفيد وغيرهم ، ومن آخر من ذكر ذلك الخميني في خطبته المشؤومة في نصف شعبان عام 1400هـ وقد رد عليه عدة جهات علمية ورسمية وكفَّروه .
وأقتصر على هاتين الروايتين الخطيرتين جدّاً وأرجو أن تفكّر فيهما .
قال الراوي للإمام الباقر : هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وارثاً لعلوم جميع الأنبياء ، وأنتم ورثة علم الرسول ؟ قال الإمام : نعم .
ثم قال : هل تقدرون أن تُحيوا الموتى ، وتُشفوا المرضى؟ قال : نعم ، بإذن الله .اهـ من الكافي : باب مولد أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهما ، رقم ( 3 )(1/301)
وفي باب ما جاء في الإثني عشر والنص عليهم ، من رواية سهل بن زياد الكذاب ، وحسن بن عباس الجريش الوضاع، رقم (13) : أن عليّاً رضي الله عنه أحيا رسولَ الله ، وأعاده إلى الدنيا ، ليقول لأبي بكر : إن الأئمة بعده اثنا عشر شخصاً .اهـ
فانظر في النصين ، وتأمل مرات بعد مرات ، ثم أصدر الحكمَ بعد ذلك على هؤلاء.
واسمع هذه الخرافة التي يرددها النواحون الكذّابون ـ وهم يقرؤون من كتبهم ـ أمام الرعاع من الرافضة ، ويظنون أنها صدق ، ولا يفكّرون ما فيها من الغلو أو الكفر . يقول النواح على لسان سيدنا عليٍّ رضي الله عنه : أُعطيتُ الصراط والميزان ، واللواء والكوثر ، وأنا المقدّم على بني آدم يوم القيامة ، أنا المحاسِب للخلق ، أنا منزلُهم منازلَهم ، أنا عذابُ أهل النار ،... أنا منزِلُ الملائكة منازلها ، أنا آخذٌ العهد على الأرواح بالأزل ، أنا المراد في الآية بقوله : {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ }... الخ كلامه .
13 ـ إباحة الزنا واللواط وتبادل النساء .
لا زلت أعجب من هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يتبعون الأئمة ـ وعلى رأسهم سيدنا علي رضي الله عنه ـ وكيف يخالفونه صراحة ، لأن في مخالفته تحقيق شهوة . مع أن فقهاء الرافضة يرون أن عمل الإمام حجة ، لا سيما إذا كان مبسوط اليد ، وقادراً على إظهار الرأي ، وبيان أمر الله تعالى ونواهيه .(1/302)
ونكاح المتعة كان موجوداً في الجاهلية كأحد الأنكحة السائدة آنذاك ، ثم حرمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما حرّم من الأنكحة ، وهو عند جميع المسلمين ـ باستثناء الرافضة ـ حرام ، لأنه يختلف عن نكاح الديمومة بأمور كثيرة فلا يوجد فيه عقد ، ولا ولي ، ولا شهود ، ولا مهر ، ولا نفقة ، ولا طلاق، ولا رجعة، ولا عدة، ولا نسب، ولا زمن ، ولا ميراث،...الخ ولهذا قال تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}ومفاسده أكثر من أن تحصى، وهو يفتح باباً للساقطين من الجنسين بلصق ما عندهم من الفجور والدعارة بالإسلام ، وهو منه بريء .
إن من أشد الصحابة رضي الله عنهم في تحريم نكاح المتعة هو سيدنا علي رضي الله عنه ، ويروي عنه ذلك ولدُه محمد ، ويرويه عن محمد ولداه . وقد ورد ذلك في أغلب كتب الحديث ، ومع هذا يغالون في نكاح المتعة ، بأن يجعلوه عبادة أسمى وأعلى من الصلاة والصيام والحج ، وهو من موجبات الجنة ، بل من تمتع أربع مرات كان بدرجة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، بل ذهبوا في كذبهم وافترائهم إلى أن من لم يتمتع فهو كافر ، والعياذ بالله تعالى . وقد ذكروا عدة نصوص مكذوبة على لسان النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن ذلك :
* من تمتع بامرأة مؤمنة كأنما زار الكعبة سبعين مرة . اهـ
إنه والله كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقاتل الله من افتراه .
* من تمتع مرةً أَمِن سخطَ الجبار ، ومن تمتع مرتين حُشر مع الأبرار ، ومن تمتع ثلاث مرات زاحمني في الجنان .اهـ من لا يحضره الفقيه (3: 366 )
لعنة الله على من افتراه .(1/303)
* قال الإمام الصادق رحمه الله تعالى : إن المتعة ديني ودين آبائي ، فمن عمل بها عمل بديننا ، ومن أنكرها أنكر ديننا ، واعتقد بغير ديننا . اهـ من لا يحضره الفقيه ( 3 : 366 )
وزاد الكاشاني في فتح الصادقين : وولدُ المتعة أفضل من ولد الزوجة الدائمة ، ومنكرُ المتعة كافرٌ مرتدٌ .اهـ
فوالله إنه لكذب ، ولعنة الله تعالى على الكذّابين ، وقد كفّر الخبيث عليّاً ومن معه رضي الله عنهم .
* وقيل له : هل للتمتع ثواب؟ قال : إن كان يريد بذلك وجه الله لم يكلمها كلمة إلا كتب الله له بها حسنة ، فإذا دنا منها غفر الله له بذلك ذنباً ، فإذا اغتسل غفر الله له بقدر ما مر من الماء على شعره .اهـ مَن لا يحضره الفقيه . وانظر ما نقله العلامة التونسوي في بطلان عقائد الشيعة ، وعجالة حسنة ، ترجمة رسالة المجلسي في المتعة ، فقد ذكر فيهما كثيراً من تلك الخزعبلات الكاذبة .
* وروى الكاشاني في تفسيره عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : من تمتع مرة كانت كدرجة الحسين عليه السلام ، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن عليه السلام ، ومن تمتع ثلاث مرات كانت درجته كدرجة علي بن أبي طالب عليه السلام، ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي .اهـ
ألا لعنة الله تعالى على واضعه .
إلى هذا الحد من الإهانة بلغت منزلة الأئمة ؛ علي وولديه رضي الله عنهم ؟ وهكذا بلغت منزلة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عند زاعمي اتباع الآل ؟
إنها فرصة العمر أن يتمتع رجال الحوزات والحسينيات ومشاهد الأئمة ببنات الناس ، طالما هذا الثواب وهذه المنازل لمن تمتع .
بل بلغت بهم الخسة والبهيمية أن أباحوا التمتع بالصبية الصغيرة، وانظر ما كتبه السيد حسين الموسوي في كشف الأسرار من قصص مخزية يندى لها الجبين مما سمعه وشاهده ، يصعب ذكرها ، فانظرها فيه (34 ـ وما بعد )(1/304)
وانتشار العمل بالمتعة عند الرافضة جر إلى إباحة الفرج ، ومعنى ذلك : أن الرجل يعطي امرأته أو جاريته إلى رجل آخر يستمتع بها لفترة من الزمن ، سواء عند سفره ـ حتى لا تزني ـ أو يعطيها لضيف حل عليه . ويروون في ذلك روايات مكذوبة ملفقة ، ينسبونها لمحمد الباقر وابنه جعفر الصادق رحمهما الله تعالى . انظر الاستبصار (3 : 136) والفروع (2: 200)
وما زال هذا العمل في إيران إلى يومنا هذا . مع أنه زنى صريح ، وهناك نصوص كثيرة كلها كذب يصعب ذكرها ، انظرها في (لله ثم للتاريخ )
ومن المؤسف حقّاً أن ترى عامة المراجع الدينية الرافضة يفتون بجواز إعارة الفرج ، وأن أحدهم إذا حل ضيفاً عند أحد منهم استعار زوجته إذا رآها جميلة ، وتبقى عنده حتى مغادرته ، انظر (لله ثم للتاريخ 46 ـ 49) لبيان أسماء المراجع الدينية التي أفتت ، وعملت بمقتضى تلك الفتوى .
ولو حلفتُ فلست بناكث أن الأئمة رحمهم الله تعالى منها براء ، إنما فعل ذلك الزنادقة لهوى في نفوسهم ، ولتشويه سمعة أهل البيت .
ولم يقتصر الأمر على ذلك ، بل أباحوا لأنفسهم اللواط ـ والعياذ بالله عز وجل ـ ويذكرون روايات ملفقة مكذوبة، ظاهرة الفساد، وينسبونها ـ كذباً وزوراً ـ إلى الأئمة ، لتشويه سمعتهم .
ومن المؤسف حقّاً أن جميع أهل الحوزات في النجف وإيران ، بل في كل مكان يفعلون ذلك ، والمصيبة أنهم ينسبون ذلك إلى الدين ، والله يعلم أن الدين منهم براء في هذا الفعل المشين . وانظر ما كتبه السيد حسين الموسوي في كشف الأسرار ( 49 ـ 55 )
علماً بأنه قد ثبت عن عليٍّ رضي الله عنه وعن كبار أئمة آل البيت النهي عن المتعة ، وبيان تحريمها .(1/305)
فعن عبد الله والحسن ابنَي محمد ابن الحنفية ، عن أبيهما ، عن علي رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمُر الأهلية يوم خيبر . متفق عليه ، والحديث في هذا متواتر ، إذ يرويه نحو من عشرين صحابيّاً . وهو موجود في كتبهم .
وقال الإمام جعفر الصادق رحمه الله تعالى ـ وقد سُئل : أكان المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتزوجون بغير بينة ؟ قال : لا
قال الطوسي في تعليقه على هذا القول: إنه لم يرد من ذلك النكاحَ الدائم، بل أراد منه المتعة . ولهذا أورد هذا النص في باب المتعة .اهـ وانظر التهذيب (2 : 189)
وعن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله [ جعفر الصادق ] عليه السلام عن المتعة ، فقال : لا تدنّس نفسك بها .اهـ من بحار الأنوار (100: 318 )
وعن عمار قال : قال أبو عبد الله لي ولسليمان بن خالد : قد حُرِّمت عليكما المتعة .اهـ فروع الكافي ( 2 : 48 ) ووسائل الشيعة ( 14 : 450 )
وهناك نصوص كثيرة عن الأئمة في إعلانهم تحريم المتعة .
إن الأخبار التي يروجها أئمة الرافضة لا يوجد منها حرف واحد قاله الأئمة، إنما افتراها وتقوّلها عليهم زنادقة أرادوا الطعن بأهل البيت الكرام ، والإساءة إليهم ، وإلا فكيف يفسر تكفيرهم لمن لم يتمتع؟
ثم إنه لم ينقل عن أحد من الأئمة رحمهم الله تعالى نقلاً ثابتاً أنه تمتع ، أو قال بحلية المتعة . انظر ( لله ثم للتاريخ 40 ـ وما بعد )
إن أدلة تحريم نكاح المتعة كثيرة ـ ذكرتُ بعضها في الرد على الخميني في خاتمة الكلام على الصحابة رضي الله عنهم [ وانظر الوشيعة 121 ـ 149 ](1/306)
لكن الرافضة يزعمون أن الذي حرّم المتعة إنما هو سيدنا عمر رضي الله عنه ـ كما سبق قول الخميني ـ ولذا فهم لمخالفتهم له قرروا استحلال المتعة ، من باب المراغمة ، لأنه ليس لهم دليل واحد صحيح . وزيادة في الإرغام جعلوها شارةً لأهل البيت، وشعاراً للأئمة، وكذبوا في ذلك ، وافتروا على النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يقله، بل ما لا يصدر من عاقل.
إن سيدنا عمر رضي الله عنه لم يحرِّم ولم يحلِّل ، لأنه ليس مشرِّعاً ، إنما الذي حصل في زمنه رضي الله عنه وقوعُ حادثةِ تمتعٍ في الكوفة ، فلما فحص وفتش ـ وكان كثيرَ المشورة ـ وتيقن ثبوت النهي والنسخ والتحريم إلى الأبد، في يوم الفتح : أشاع ذلك النهيَ حتى يُعلم ، لا أنه حرّم ما كان حلالاً . كما يفترونه عليه رضي الله عنه .
14 ـ قولهم بالكتمان .
ومن عقائد الرافضة التي ما زالت موجودةً عندهم : العمل بالكتمان ، وذلك بأن يُخفوا معتقداتِهم وأحكامَهم وآراءَهم حتى على بعض خواصهم ، أو ممن لا يثقون تمام الثقة فيهم ، وينسبون ذلك إلى الأئمة .
وذلك أن الرافضة لما ادّعوا أن الأئمة يعلمون علم ما كان وعلم ما يكون ، وأنهم يعلمون أحوال جميع الناس ، ولكن لم يكشف الغطاء عن وجه علومهم ،... لذا لم يجدوا من يثقون به ـ حتى أخلص الناس لهم ـ حتى يبثونهم ما في قلوبهم من علوم الأولين والآخرين . [ انظر الوشيعة ]
لذا لم يُعلم أن أي إمام من الأئمة أعلن في مجمع عام للمسلمين ، أو في مناسبة عامة مذهبه ـ في الإمامة مثلاً ـ أو عقيدته ، كما هو الحال عند السنة حيث ما فتئ العالم فيهم يتحدّث عن عقيدة المسلم في الإيمان والرسالة ،...
بل بقي سيدنا علي والحسن والحسين (24) سنة زمن الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم، وهم يصلون خلف الخلفاء، ويتعاونون معهم، بإخلاص، ويجاهدون معهم ، وكذا الأئمة بعدهم مع باقي الخلفاء الذين أدركوهم .(1/307)
ويزعم الرافضة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علّم الأئمة ألّا يظهروا عقيدة الإمامة، وأن يخفوها، ولهذا لم يظهروها، ولم يعلنوا بها في أي اجتماع للمسلمين .
والناظر في كتب الرافضة يكتشف أن فكرة الكتمان انتشرت في الكوفة ، من تأثير عبد الله بن سبأ اليهودي وأصحابه ، في بدء القرن الثاني ، لإنقاذ عقيدة الإمامة ، والمذهب الشيعي الرافضي ، لكنها لم تظهر بشكل كامل إلا بعد ذلك بزمن . انظر : الثورة الإيرانية (180 ـ 181 )
لقد عقد الكليني في أصول كافيه باباً بعنوان ( باب الكتمان ) جاء فيه :
عن سليمان بن خالد قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا سليمان ، إنكم على دين من كتمه أعزه الله ، ومن أذاعه أذلّه الله .اهـ
وقال الإمام الباقر ـ وهو يخاطب خاصة شيعته ـ: إن أحب أصحابي إليَّ : أودعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا .اهـ
كما عقد باباً بعنوان ( أن الأئمة لو سُتر عليهم لأخبروا كل امرئ بحاله وما عليه ) وقد جاء فيه :.
قال الإمام : لو أمسكتم لسانكم وما أظهرتم لأخبرتكم ما يضركم وما ينفعكم .اهـ
إن كان الأمر كما قال ، وأنه لم يخبر إلا بالقليل ، فمن أين جاءت هذه الأقوال الكثيرة ، ينقلها الرافضة ـ خاصة ـ عن الإمامين محمد الباقر وابنه جعفر رحمهما الله تعالى ؟ خاصة ونحن نعلم أنهما رحمهما الله تعالى عاشا في الحجاز ـ وفي المدينة بالذات ـ ولم يأتيا إلى العراق إلا نادراً ، وكل الرافضة كانوا في الكوفة، ويذهب تلامذتهم أمثال : أبي بصير، وزرارة،... وأمثالهما، وهم قوم كذبة دجاجلة ، أفّاكون ، فيأتون الإمامين ، فيسمعون منهما بعض العبارات ، فيزيدون عليها مائة كذبة ، شأنهم في ذلك شأن مسترق السمع ، يسمع كلمة من الملَك فيضيف إليها مائة كذبة، فتنتشر بين الناس . فهما براء مما يفتريه عليهما هؤلاء الكذّابون .
15 ـ قولهم بالتقية .(1/308)
وهذا من أخطر الأمور ، وهي أن يقول المرء خلافَ ما يبطن ، ولو أدى إلى اليمين . فإذا قال إمامٌ قولاً فظهر بطلانه فيما بعد ، أو أتى بعملٍ حَكَم إمامٌ قبله ببطلانه ، أو أجاب في مسألة بجواب غير جوابه الأول ،... فإذا روجع قال : إنما قلته تقية ، أو فعلته تقية .
وإذا روى إمامٌ حديثاً وافق ما عليه عامة المسلمين ، أو عمل عملاً يشبه عملَ عامة الأمة . قالت الرافضة : إنها تقية ، وردَّته . وقد ذكروا قصصاً خيالية فيها بيان القول بالتقية .
والتقية في العبادة عملٌ لا يقصد به وجه الله تعالى ، وكل عبادة ـ إذا قصد بها غير الله تعالى ـ فهي باطلة ، ثم هي شرك ، لأنه لا يجوز التشريك بالعبادة بغيرها .
ثم إن حملَ رواية الإمام أو عمله على التقية : طعن في عصمة الإمام، وفي دينه . ثم هي تسفيه للراوي وتبليه له . وإلا كيف يحمل صلاة علي وأبنائه رضي الله عنهم أربعاً وعشرين سنة خلف الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم ، فمن زعم أنها تقية فقد طعن في دين هؤلاء الأئمة الأخيار رضي الله عنهم وطهرهم من رجس المفترين .
وقد ظهرت فكرة التقية في منتصف القرن الرابع، عندما أرادت القيادات المذهبية والسياسية ... إن تتخذ العمل السري وسيلة للقضاء على الخلافة العباسية الحاكمة،...وذلك بعد إضافة عنصر جديد على معتقد الشيعة وهو فكرة النص الإلهي في الخلافة . انظر الشيعة والتصحيح ( 56 )
وقد وضع الرافضة هذه العقيدة ـ وجعلوها أصلاً من أصول الفقه ـ حيلةً ، للتخلِّص من تبعة ردِّ كل سنة ثبتت من النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، أو قولٍ ثبت من إمامٍ : إذا وافقت ما عند أهل السنة ، أو إذا خالفت أقوال الشيعة الرافضة ، وانظر : الوشيعة ( 27 ـ 29 ، 80 ـ 86 ، 104) ، فقد أطال النفس في بيان بطلان هذه العقيدة .(1/309)
قال السيد حسين للإمام الخوئي عن قول الإمام جعفر الصادق رحمه الله تعالى ـ في إجابة السائل عن الزواج بغير بينة ، والذي مر ذكره قبل قليل ـ فقال الخوئي : إنما قال أبو عبد الله ذلك تقية، وهذا متفق عليه بين فقهائنا .اهـ
ـ وجاء في أصول الكافي : عن أبي عمير الأعجمي قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا أبا عمر ، إن تسعة أعشار الدين في التقيّة ، ولا دين لمن لا تقية له ، والتقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفين .اهـ
وعن حبيب بن بشر قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : سمعت أبي يقول : لا والله ما على وجه الأرض شيء أحب إلي من التقية . يا حبيب إنه من كانت له تقية رفعه الله ، يا حبيب من لم تكن له تقية وضعه الله ، يا حبيب إن الناس إنما هم في هدنة ، فلو قد كان ذلك لكان هذا .اهـ
وقال أبو جعفر عليه السلام : التقية ديني ودين آبائي ، ولا إيمان لمن لا تقية له .اهـ هذا والله كذب ، هل دين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته النفاق ؟ حاشا وكلا ، وألف كلا . إنما هو نص مكذوب لعن الله من قاله ونسبه إلى هذا الإمام .
وقال جعفر الصادق رحمه الله تعالى : لو قلت : إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنتُ صادقاً .اهـ مِن مَن لا يحضره الفقيه .
واسمع إلى الافتراء والكذب حيث ينسبون النفاق إلى الحسين رضي الله عنه ، ولا يتورعون .(1/310)
عن أبي عبد الله عليه السلام، أن رجلاً من المنافقين مات، فخرج الحسين ابن علي صلوات الله عليهما يمشي في جنازته، فلقيه مولى له، فقال له الحسين عليه السلام: أين تذهب يا فلان؟ فقال له مولاه : أفر من جنازة هذا المنافق أن أصلي عليها . فقال له الحسين عليه السلام : انظر أن تقوم على يميني ، فما تسمعني أقول فقل مثلَه . فلما كبّر عليه وليُّه ، قال الحسين عليه السلام : الله أكبر ، اللهم العن فلاناً عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة ، اللهم اخز عبدك في عبادك وبلادك ، واصلِه حرَّ نارك ، وأذقه أشدَّ عذابك ، فإنه كان يتولى أعداءك ، ويعادي أولياءَك ، ويبغض أهلَ بيت نبيك .اهـ من الكافي (1: 99 ـ 100)
هل يجوز أن تلحق مثل هذا السقط للحسين رضي الله عنه ؟ هل يجوز وصمه بالخزي والعار والحقارة ؟ هل يجوز وصفه بالنفاق ؟ في الظاهر أمام الناس أنه يصلي عليه ، وفي الباطن يلعنه . هذا منتهى الخسة ، ويستحيل أن يوصف بها السبط الكريم رضي الله عنه . لكن قاتل الله الكذاب .
لقد سبق قول الصادق : كل من تسمى بأمير المؤمنين ـ غير علي بن أبي طالب فهو كافر . فكيف كان يخاطب خلفاء بني العباس بأمير المؤمنين ، ويعاشرهم ؟!
قال الخميني : الغرض من التقية هو حفظ الإسلام والمدرسة الشيعية ، ولولا أن الناس لجؤوا إلى التقية لتم القضاء على مدرستنا الفكرية.اهـ من مطبوعات جمهورية إيران ( 16 ) هكذا يباح النفاق .
ولما سأل السيدُ حسين الإمامَ الخوئي عن رواية أبي بصير ـ في قصة المرأة التي جاءت إلى الإمام الصادق رحمه الله تعالى تسأل عن أبي بكر وعمر ـ فقال لها : تولّيهما . قالت : فأقول لربي إذا لقيتُه : إنكَ أمرتني بولايتهما ؟ قال : نعم . وقد مر ذكره ـ قال الخوئي : إنما قال لها ذلك تقيّة .اهـ من لله ثم للتاريخ ( 26 )(1/311)
أقول : لو أردت استعراض أقوالهم في التقية لن نصل إلى غاية لكثرتها ، وإذا كانوا قد أجازوا التقية على الله تعالى في تعامله مع النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، فتعاملهم مع غيره تعالى من باب أولى . وقد سبق قول الكليني: إن الله تعالى عمل بالتقية مع رسوله صلى الله عليه وسلم حين رمز اسم محمد بن الحسن العسكري (م ح م د ) اهـ فهل بعد هذا الكفر من كفر؟ هل يخاف الله تعالى؟ حاشاه، لكن الضلال يعمي ويصم ، وانظر: الشيعة والسنة (153 ـ 187) فقد ذكر كثيراً من الروايات والقصص عنهم وعمن قال بها منهم .
وقد كان للقول بالتقية ردة فعل عند العقلاء منهم ، حيث اشتكوا من هذا التناقض والتضاد ، وانظر هذه المحاكاة :
قال النوبختي : لما قُتل الحسين جاءت فرقةٌ من أصحابه وقالت : قد اختلف علينا فعلُ الحسن وفعلُ الحسين ، لأنه :
ـ إن كان الذي فعله الحسن حقّاً واجباً صواباً من موادعته معاوية ، وتسليمه له عن عجزه عن القيام بمحاربته ـ مع كثرة أنصار الحسن ، وقوتهم ـ فما فعله الحسينُ من محاربته يزيد بن معاوية ـ مع قلة أنصار الحسين وضعفهم ، وكثرة أصحاب يزيد حتى قُتل ، وقُتل أصحابُه جميعاً ـ : باطلٌ ، غيرُ واجبٍ ، لأن الحسين كان أعذرَ في القعود عن محاربة يزيد ، وطلب الصلح والموادعة من الحسن ؛ في القعود عن محاربة معاوية .
ـ وإن كان ما فعله الحسين حقّاً واجباً صواباً عن مجاهدته يزيد بن معاوية حتى قُتل وقُتل ولدُه وأصحابُه، فقعودُ الحسن، وتركُه مجاهدة معاوية، وقتاله ـ ومعه العدد الكثير ـ : باطلٌ .
فشكّوا في إمامتهما ورجعوا، فدخلوا في مقالة العوام .اهـ من فرق الشيعة (46 ـ 47)
ويقصد بمقالة العوام : يعني عقيدة أهل السنة ، فهم يسمون أهلَ السنة بالعوام ـ شأنهم في ذلك شأن بقية المبتدعة ، وإن لم يبلغوا كفرَ الرافضة ـ كما يسمي اليهودُ العربَ : بالأميين .
16 ـ قولهم بخيانة جبريل عليه السلام .(1/312)
لقد بلغ بهم الحقد على المسلمين أن اتهموا جبريل عليه السلام بالخيانة ـ حاشاه ـ وقالوا : إنه خان الأمانة ، فهو كان من المفروض في حقه أن يأتي بالرسالة إلى سيدنا عليٍّ رضي الله عنه، لكنه حاد وظلم، فنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، لذا خان الأمانة .
أما علموا أن النبوة ليست مكتسبة، ولا باختيار العبد ، إنما هي باصطفاء الله تعالى ، يجعلها حيث يشاء {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} وأن الملائكة لا يتنزلون بإرادتهم {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ } وقد سمعت ـ كما سمع غيري ممن عايشهم ـ هذا القول منهم مراراً ، حتى في الصلاة ، حين يضرب أحدهم بيديه على فخذيه ، ويقول : ( خان الأمين ، خان الأمين ) وإن كنتُ سمعت آخرين يقولون : ( اللهم عجّل بخروجه ) .
17 ـ وجود كتب عندهم غير القرآن .
عند الشيعة كتب كثيرة يزعمون أنها من عند الله تعالى ليست في القرآن الكريم ، ولا يطلع على هذه الكتب أحد ، حتى خواص الرافضة ، إنما هي عند القائم [المهدي ] في السرداب ، فإذا خرج أخرجها معه ، وقد تعرضتُ لها في الرسالة ، كما تعرض لها السيد حسين في ( لله ثم للتاريخ 74 ـ 82) أذكرها باختصار ، وأذكر نصاً واحداً لكل كتاب ، ومن أراد زيادة المعرفة فلينظر فيهما .
* الجامعة :
عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله قال : أنا محمد ، وإن عندنا الجامعة ، وما يدريهم ما الجامعة ؟
قال : قلت : جُعلت فداك ، وما الجامعة ؟
قال : صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإملائه، من فلقِ فِيه، وخطِّ عليٍّ بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج الناس إليه ، حتى الأرش في الخدش،... الخ ، انظر الكافي (1: 239 ) وبحار الأنوار ( 26 : 22 ) من يحملها ؟ ولم لم يظهروها حتى يعلم المسلمون ما يحتاجون إليه ؟ أم هو الكذب المكشوف ؟(1/313)
* صحيفة الناموس :
عن الرضا عليه السلام ـ في حديثه عن علامات الإمام ـ قال : وتكون صحيفة عنده فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة ، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة . اهـ بحار الأنوار (25: 117) كم طولها ؟ ومن يحملها ؟ ألا يوجد عقل عند واضعها ؟ أم أنه يستخف بعقول العباد ؟
* صحيفة العبيطة :
عن أمير المؤمنين [ علي بن أبي طالب ] عليه السلام قال : وايم الله ، إن عندي لصحف كثيرة قطائع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، وإن فيها لصحيفة يقال لها : العبيطة ، وما ورد على العرب أشد منها ، وإن فيها لستين قبيلة من العرب بهرجة ، ما لَها في دين الله من نصيب . اهـ من بحار الأنوار ( 26 : 37 )
إن رائحة اليهودية والشعوبية واضحة من النص .
* صحيفة ذؤابة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، أنه كان في ذؤابة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صحيفة صغيرة ، فيها الأحرف التي يفتح كلُّ حرف منها ألفَ حرف . فما خرج منها إلا حرفان حتى الساعة . اهـ من بحار الأنوار ( 26 : 56 )
ولم لم تخرج الحروف الباقية حتى تكتشف بقية الأسرار ؟ إن رائحة الباطنية تشم من النص .
* صحيفة علي رضي الله عنه :
وهي شبيهة بصحيفته التي رواها البخاري وغيره .
* الجفر . وهو نوعان ، الجفر الأبيض ، والجفر الأحمر .
وسيأتي ذكرهما في الفصل القادم ( مهام القائم ، رقم 3 )
* مصحف علي رضي الله عنه .(1/314)
قال الخوئي في تفسيره ( البيان 222 ) ما يلي : إن وجود مصحف لأمير المؤمنين عليه السلام يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور : مما لا ينبغي الشك فيه، وتسالم العلماء والأعلام على وجوده أغنانا عن التكلف لإثباته . كما أن اشتمال قرآنه عليه السلام على زيادات ليست في القرآن الموجود وإن كان صحيحاً إلا أنه دلالة في ذلك على أن هذه الزيادات كانت من القرآن وقد أسقطت منه بالتحريف . بل الصحيح أن تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل ، وما يؤول إليه الكلام ، أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد . اهـ
* مصحف فاطمة رضي الله عنها :
قال الكليني في باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة: عن الإمام الصادق قال : إن عندنا مصحف فاطمة عليها السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة، ما فيه آية من كتاب الله، وإنه لإملاءُ رسول الله صلوات الله عليه وآله ، وخط علي عليه السلام بيده . مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد . اهـ انظر الكافي (1: 239 ـ 241 ) وبحار الأنوار (26: 41، 42، 48 )
فإذا كان من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخطِّ عليٍّ رضي الله عنه فلم كتمه الأمة ؟ والله تعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }
* التوراة والإنجيل والزبور
لقد عقد الكليني في الحجة من الكافي (1: 207 ) باب إن الأئمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله ، وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها .اهـ وقد سبق ذكر ذلك .
وعن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد الله ـ جعفر الصادق رحمه الله تعالى ـ: يقول : إن عندي الجفر الأبيض .
قلت : أي شيء فيه ؟(1/315)
قال : زبور داود ، وتوراة موسى ، وإنجيل عيسى ، وصحف إبراهيم عليهم السلام ، والحلال والحرام ،...اهـ . كما سيأتي في مهام القائم .
لم التوراة والإنجيل والزبور ؟ إن رائحة اليهودية والنصرانية ظاهرة من العبارة .
لكن من أغرب الأمور وأنكرها : أن هذه الكتب التي نزلت من عند الله تعالى ، واختص بها أمير المؤمنين والأئمة من بعده رضي الله عنهم بقيت وستبقى كلها مخفية ، مكتومة عن الأمة ، وبالذات عن الشيعة ، فهل يجوز كتم ما نزل تشريعاً للأمة ؟ ولم خص الشيعة بالإخفاء عنهم؟ ولم لا يعلمها إلا القائم إذا ظهر ؟ وهو من عرفتَ عدمَ وجوده . أم هي أيد يهودية لعبت فيهم ، انظر ( الله ثم للتاريخ 81 ـ82 )
إن هذه الكتب إن كان فيها بيان منزلة آل البيت ؛ فيجب إظهارها حتى يعلم الناس مكانتهم، وإن كان فيها تشريع فيجب إظهارها ليعلم الناس أحكام الله تعالى، وإن كان فيها أخبار أو رقائق فيجب إظهارها ليعمل بها ، وإن كان فيها ... ثم لم تبقى مكتومة عن الشيعة وهم أولى الناس بما هو عند الأئمة ، أما إذا كانت باطلاً ، وتحتاج إلى زيادة طبخ وتزويق ، فمن الذي يزيد فيها ويطبخها ؟؟؟
* القرآن الكريم .
سيأتي في الفصل القادم إن شاء الله تعالى بيان اعتقاد الرافضة بالقرآن الكريم ، واستباحتهم لتحريفه ، واعتقادهم بأن القرآن الكريم الموجود بين أيدي المسلمين محرّف ،...
إن من المعلوم ـ عند الصَّدِيق والعدو ـ أن الله تعالى أنزل على نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً واحداً هو القرآن الكريم ـ وعشرات الآيات تنص على ذلك ـ ولم ينزل عليه سوى ذلك، وتكفّل الله تعالى بحفظه، وميّزه عن سائر كتبه ، وكل من يدعي سوى ذلك فهو كذاب أشر ، عليه لعنة الله وملائكته والناس أجمعين ، لأنه كافر بما قاله الله تعالى .(1/316)
لكن أشير هنا إلى نقطة مهمة ، وهي : ما حاجته إلى التوراة والإنجيل والزبور ، وقد نُسخوا بنزول القرآن ، وأن من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ، وأنه خاسر في الآخرة كما هو خاسر في الدنيا ، فكيف يزعم أنه يحكم بالتوراة ؟؟
قال الله تعالى : {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
وقال جل شأنه : {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}
وقال عز وجل : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ... }
ـ بالإضافة أن عنده ألف حرف ، وكل حرف يفتح ألف باب ، ... الخ
إن في الإسلام كتاباً واحداً هو القرآن ، لكنك تجد عند اليهود كتباً تفوق التوراة عندهم ، وتجد عند النصارى كتباً كثيرة بلغت المئات ، ثم استقروا على أربع ، وظهر الخامس ( إنجيل برنابا ) وإن لم تعترف به الكنيسة ، لأنه الأقرب إلى الحق .
فلم يعتقد الرافضة بوجود كتب كثيرة عند الإمام ؟ أم هي أيد خبيثة استغلت غباء القوم وجهالتهم فسوَّلت لهم ما أرادوا ؟ أليس في القوم رجل رشيد ؟
18 ـ نص الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم على تعيين الأئمة :(1/317)
ومما درج عليه الرافضة دعواهم أن الأئمة الإثني عشر منصوص عليهم، وأنهم يعلمون أنفسهم ، ومن يأتي بعدهم ، وأن النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي عيّن الإثني عشر إماماً ،... والنصوص في هذا أكثر من أن تحصى ، ألا ترى الكليني عقد باباً في الكافي سماه : (باب ما نص الله ورسوله على الأئمة واحداً واحداً ) وساق من الروايات المكذوبة ، عن أناس كذّابين ، وسرّاقين وملعونين من الأئمة،... تلك الروايات ، حتى إن المجلسي نفسه ضعّف ثنتي عشرة رواية من أصل ست عشرة رواية، وانظر الكلام على ذلك في كسر الصنم ( 223 ـ 251 )
ومما يدل على كذب تلك الدعوى كثرة السائلين للإمام الصادق وغيره من الأئمة رحمهم الله تعالى عن الأئمة الإثني عشر . وقد أحصى آية الله البرقعي رحمه الله تعالى في كسر الصنم (241ـ 242) عدد الرجال الذين تكرّر سؤالُهم من الحسين إلى علي الرضا ، فبلغوا ( 104 ) رجلاً ، وذكر أسماءهم ، وهم كلهم من خواص الأئمة ، فلو كانوا يعلمون الأئمة ما سألوهم ، فكيف يزعم المغرضون أن النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي عيّن الإثني عشر إماماً ؟ ثم لو كانوا كذلك لعرف الأئمة أنفسَهم ، ولعرف أصحابُهم من بعدهم ، ولما كثر السؤالُ عنهم .
19ـ اعتقادهم بعصمة الأئمة ، فهم معصومون عن الخطأ والنسيان عن قصد أو غيره ، لذا صارت أقوالهم قطعية ، ولا يسألون البينة ، حتى صار ذلك من أصول عقائد الشيعة الرافضة ، كما أثبته الكليني في الكافي ، وابن بابويه القمي في عقائد الشيعة الإمامية ، والشيخ المفيد في أوائل المقالات ، وتصحيح عقائد الشيعة الإمامية ، وانعقد على ذلك إجماعهم .
وقد عقد الكليني في الكافي باباً بعنوان في أن الأئمة شهداء الله عز وجل على خلقه . جاء في النص الأخير ما يلي :
عن أمير المؤمنين قال : إن الله تبارك وتعالى طهّرنا، وعصمنا ، وجعلنا شهداء على خلقه ، وحجة في أرضه .اهـ(1/318)
وقال علي الرضا : الإمام المطهَّر من الذنوب ، والمبرأ من العيوب .
فهو معصوم مؤيَّد ، موفّق مسدّد ، قد أمن من الخطأ والزلل والعثار ، يخصه الله بذلك ، ليكون حجتَه على عباده ، وشاهدَه على خلقه .اهـ
ومن جملة استدلالهم على العصمة : قوله تعالى : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} وهذه الآية ليس لهم بها مستند من جهتين :
أ ـ إن هذه الآية جاءت في سياق الحديث عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن . وقد ذكرت ذلك في غير هذا الموضع من هذه الرسالة .
ب ـ لو كان الأمر كما قالوا لوجب إيجاب العصمة لكل المؤمنين ، لأن اللفظ جاء فيهم أيضاً . قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .
قال جعفر الصادق ـ كما ذكره الكليني ـ : نحن خزان علم الله ، نحن تراجمة أمر الله ، نحن قومٌ معصومون ،... الخ
واسمع هذه القصة وما فيها: جاء في الحكومة الإسلامية عن معاد الإمام حسن ( 5 ـ 6 ) ما يلي :
أمر الإمامُ هارونَ أن يلقي بنفسه في التنور، وبدون أن يلفظ بكلمة دخل فيه، بعد أن خلع نعليه، وطلب الإمامُ من الخراساني أن ينظر، فنظر الخراساني في الفرن ، فوجد هارون مكي يجلس مستريحاً ، دون أن تؤذيه النار .(1/319)
فقد كان هارون يعتقد جازماً بأن الإمامَ معصوم من الخطأ والسهو ، وبالنسبة لنا فإن أمر الإمام هو الأمرُ الوحيد الذي ينبغي أن يطاع ، حتى لو قال : بأن عبادةَ الله غير ضرورية .
ولهذا فإن هارون قام بتنفيذ أمر الإمام بدون اعتراض .اهـ
هذه القصة فيها عدة مخالفات :
فقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ في قصة أمير السرية الذي أمر من معه من الصحابة رضي الله عنهم بدخول النار ـ : أنهم لو دخلوها ما خرجوا منها ، يعني لاستحقوا دخولها يوم القيامة .
ثم كيف يتسنى لإمام أن يأمر مسلماً بإهلاك نفسه .
ثم كيف يدعي أن الإمام هو الوحيد الذي تجب طاعته ؟! فأين طاعة الله تعالى ، وطاعة رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} في آيات .
ثم من هذا الذي يدعي أن عبادة الله تعالى غير ضرورية ، اللهم إلا أن يكون زنديقاً أو مجنوناً ، بعد أن قال الله تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
ثم كيف يدّعى بالعصمة ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : > كلُّ بني آدم خطاء ،... <
إن عقيدة العصمة قد بناها الرافضة على حرمان الأمة من عقل عاصم ، ومن إيمان هادئ هاد ، لأن الأمة إذا كان لها عقل يعصمها ، وإيمان يهديها ، فهي بالغة رشيدة راشدة، خرجت عن الوضيعة، وكبرت عن طوق الشيعة
إن الأمة ـ بعقلها ورشدها وكمالها ـ بعد ختم النبوة : أكرم وأعز وأرفع من أن تكون تحت وصاية وصيٍّ ، تبقى قاصرة إلى الأبد .(1/320)
إن الأمة إذا احتاجت إلى الإمام المعصوم ذرة احتياج : لما ختم النبوة برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يكن رسول الله خاتمَ النبيين ، وإلا لزال الاحتياج ببركة القرآن الكريم . فدعوى احتياج الناس إلى الإمام المعصوم تنافي حكمة الله في ختم النبوة . فإن الاحتياج ؛ إما لقصور في بيان الكتاب ، وإما لقصور في روح النبوة ، وإما لقصور في التبليغ ، فدعوى عصمة الإمام طعنٌ في أصل الدين .
لقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الأمة معصومة ، أما الأئمة فلم يرد نص واحد في دعوى العصمة ، بل الوارد > كل بني آدم خطاء <
لذا فالعصمة للأمة ، وليست للأئمة ، فانتبه تنج بإذن الله تعالى من الخلط ، وانظر الوشيعة ( ت ـ وما بعد ) حيث ذكر ذلك في مواضع متفرقة
20 ـ ادعاؤهم أن الأئمة يحيون الموتى .
ومن جملة عقائد الرافضة الباطلة، التي لا يقرها عقل ولا منطق ولا دِين وهي سلب لصفة الله تعالى : ادعاؤهم أن الأئمة قادرون على إحياء الموتى.
روى الكليني في الكافي : قال الراوي للإمام الباقر : هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وارثاً لعلوم جميع الأنبياء ، وأنتم ورثة علم الرسول ؟ قال الإمام : نعم
ثم قال : هل تقدرون أن تُحيوا الموتى ، وتُشفوا المرضى؟ قال : نعم، بإذن الله .اهـ من الكافي : باب مولد أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهما، رقم (3 )
وفي باب مولد أمير المؤمنين ـ روى الكليني عن شيوخه ـ أن عليّاً رضي الله عنه لما انتهى إلى قبر عربي ؛ تلملم بلسانه ، وخرج ذلك الميت من قبره ، وهو يتكلم بلسان الفرس ، فقال له الأمير : ألم تمت وأنت رجل من العرب ؟ قال : بلى . ولكننا على سنة فلان ، فانقلبت ألسنتنا .اهـ رقم ( 7 )(1/321)
أليس هذا من المضحك المبكي ؟ لأنه لم يكن على سنة عليٍّ رضي الله عنه أصبح لسانه فارسيّاً ، إنهم لم يذكروا لنا عن حال الفرس الذين ماتوا على سنة عليٍّ رضي الله عنه ـ إن كان له سنة مغايرة لسنة النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ـ فهل يصيرون بلسان العرب ؟!
لكن الذي يدمي القلب ، ويشفق على هؤلاء الغفلة : دعواهم أن عليّاً رضي الله عنه أحيا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ففي باب ما جاء في الإثني عشر والنص عليهم ، من رواية سهل بن زياد الكذاب ، وحسن بن عباس الجريش الوضاع، رقم (13) : أن عليّاً رضي الله عنه أحيا رسول الله، وأعاده إلى الدنيا ، ليقول لأبي بكر : إن الأئمة بعده اثنا عشر شخصاً .اهـ
فهل يوجد مسلم في الكون يتصوّر مثل تلك الخرافة ، وهل بإمكان علي رضي الله عنه إحياء الأموات وخاصة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ؟ وهل هذا بمقدوره ؟ ثم لم لم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر رضي الله عنه ذلك في الدنيا؟ ثم ما فائدة إحيائه وقوله لأبي بكر رضي الله عنه إذا لم يلتزم ؟
إن من المعلوم أن الآيات القرآنية في الثناء على أبي بكر رضي الله عنه أكثر من العد ، فهل يريدون من قولهم هذا الطعن في أبي بكر أم مدح علي رضي الله عنهما ، أم يريدون تشويه صورة الإسلام ، والأئمة من بعد ؟ وإلا ما فائدة إحياء علي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ثم إن إحياء الموتى خاص بالله تعالى، وليس بمقدور البشر، ثم إن دعوى الأئمة باطلة، أبطلها الأئمة أنفسهم كما مر في فصلها ، لكن قاتل الله الكذّابين والأفاكين .
21 ـ ادعاء الربوبية والألوهية في الأئمة :
ومن أخطر العقائد التي لا تحتملها العقول : ادعاء بعض علمائهم ربوبية الصادق رحمه الله تعالى وألوهيته . وقد سبق قول ابن سبأ في ألوهية علي رضي الله عنه ، وكيف حرّق عدداً منهم ، ونفى ابن سبأ وابنَ السوداء إلى المدائن .(1/322)
عن عليٍّ رضي الله عنه : قال : أنا الأول ، وأنا الآخر ، وأنا الظاهر ، وأنا الباطن ، وأنا وارث الأرض .اهـ من رجال الكشي ( 138 ) ط الهند .
وسبق قول عليٍّ رضي الله عنه : أنا قسيمُ الله بين والجنة والنار ،... ولقد أُعطيت خصالاً لم يعطهن أحدٌ قبلي، علمتُ علم المنايا والبلايا، والأنساب وفصلَ الخطاب، فلم يفتني ما سبقني ، ولم يعزب عليَّ ما غاب عني،...اهـ ما ذا بقي بعد ذلك ، وهو شريك الله تعالى ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم .
وقال جعفر الصادق في تفسير قوله عزوجل : {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} : إن ربَّ الأرض هو الإمام ، فحين يخرج الإمامُ يكفي نورُه ، ولا يفتقر الناس إلى الشمس والقمر .اهـ من ترجمة مقبول أحمد (339 ) نقلاً عن بطلان عقائد الشيعة ( 16 )
وقد سبق ذكر عدد من الأبواب ( أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء ) و ( أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام )و(أن الأئمة يعلمون متى يموتون ، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم ) و(أنهم يحيون الموتى ،...)
ـ بل ادعى عبد الله بن القاسم والمفضل وصالح بن سهل ربوبية الصادق رحمه الله تعالى وألوهيته ، كما وجد ناس تقول للصادق : لبيك يا جعفر لبيك .
ـ وكان أبو الخطاب محمد بن المقلاص من أخص أصحاب الصادق ، فادعى أن الأئمة أنبياء ، ثم صار يقول : إن الأئمة آلهة . حتى نشر دعوته ، فلعنه الصادق وطرده ، وقد كان ماكراً ، متظاهراً بالتشيع ، فلما تمكن من نشر دعوته استقل .
وللرافضة في كتبها باب في نفي الربوبية . وهل توجد ضرورة أو حاجة لعقد مثل هذا الباب في كتاب أهل التوحيد والإسلام ، لو لم تفرط من أفواه الأئمة كلمات من مثل تلكم الدعاوى الفارغة، انظر الوشيعة (103)
22 ـ إلغاء ختم النبوة .(1/323)
إن دعوى الإمامة ، وأنهم أفضل من الأنبياء والرسل عليهم السلام ، وأن الوحي ينزل عليهم ، وأنهم يتلقون الأمر من الله تعالى ، وأن معرفتهم والإيمان بهم شرط للنجاة ، وتلزم طاعتهم ، وأن المتعقب عليهم كالمتعقب على الله تعالى ، وأنهم معصومون، ولا يتصوّر فيهم السهو أو الغفلة ، وأنهم مبرؤون من الذنوب ، والخطايا ، وأن الله تعالى أشهدهم خلق المخلوقات ، وفوّض إليهم أمور جميع الخلق ، فهم يتصرفون كما يشاءون ، وأنهم يُحلّون ما يشاءون، ويحرِّمون ما يشاءون، ويعتقدون فيهم الإحاطة، وأن الله تعالى بعثهم لتحقيق ما عجز عنه الأنبياء ـ وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن تعاليمهم كتعاليم القرآن لا فرق بينهما ، وأن لهم مع الله تعالى حالات، لا يسعها ملَك مقرَّب، ولا نبيٌّ مرسل، وأنهم يملكون كثيراً من صفات الله تعالى ، وأنهم يعلمون الغيب ، ولا يخفى عليهم شيء ، وأن مقامهم أعلى من مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن منكر الإمام الغائب أشد كفراً من إبليس ،... كل ذلك وغيره كثير ، ذكرت كثيراً منه في فصل الغلو في الأئمة : يدل على أن دعوى ختم النبوة منقوض بوجود الأئمة ، وأنه لا يعتبر له أي معنى ـ من الناحية العملية ـ بل يدل الغلو في الأئمة إلى أن مقام النبوة يحتاج إلى ترقٍّ حتى يصل إلى مقام الإمام. ويكتمل ذلك بالقائم، الذي يحيي جميع الخلق، بما فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة ، وأنه يحاسب الناس ، ويُدخل من يشاء في الجنة ومن يشاء في النار ، طالما أنه قسيم الله تعالى في الجنة والنار ،... الخ وليس من صفات الأنبياء الرجعة والإحياء والإماتة والإحاطة بعلوم الغيب ،... الخ .وانظر الثورة الإيرانية ( 188 ـ 190)
23 ـ عقيدة الكفارة .(1/324)
إن عقيدة الكفارة عند الرافضة هي نفسها عقيدة الكفارة عند النصارى، ولعل قائلها أخذها من النصارى، وذلك بأن توضع جميع ذنوب الشيعة من أولهم حتى آخرهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطلبه هو .
روى المجلسي ـ في رواية طويلة ـ عن جعفر الصادق رحمه الله تعالى في جوابه لتلميذه مفصل بن عمير قال : يا مفصل ، لقد دعا رسول الله : > يا إلهي ضع عليَّ جميعَ ذنوب شيعة أخي ؛ علي بن أبي طالب وأولادي الذين هم أوصيائي والشيعة كلهم إلى يوم القيامة، ولا تخجلني بين الأنبياء بسبب ذنوب الشيعة ،...
فقال المفصل للإمام : إنه إذا مات أحد شيعتكم هكذا ، وعلى ذمته دَين لأخيه المؤمن ـ يعني : الشيعي ـ فما هي نتيجة ذلك الأمر ؟
فقال الإمام : حين يظهر الإمام المهدي، فسوف ينادي أولاً في العالم كله : إن كان لأحد من شيعتنا عليه دَين فليأت نؤده إليه. وهكذا يتم تسديد جميع الديون لمستحقيها.اهـ من الثورة الإيرانية (211ـ212) نقلاً من حق اليقين ( 148) بالفارسية .
24 ـ الطعن في الصحابة الكرام رضي الله عنهم .
من عقائد الرافضة التي يتداولونها، ويعلنونها دائماً، وامتلأت بها كتبهم ، ونطقت بها ألسنتهم، فلا خطيب ولا مدرِّس ولا واعظ ولا نوّاح ولامزمّر ولا مطبّل إلا ويستهلون حديثهم بالطعن بالصحابة الكرام رضي الله عنهم عموماً وبالخلفاء الثلاثة ـ وعلى الأخص الشيخين المبجلين ـ وأمي المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله تعالى جميعاً . كل ذلك حقداً منهم عليهم ، وقد سبق بيان ذلك في فصل الصحابة رضي الله عنهم .
وقد تذكرتُ ما سمعته قديماً ـ في بغداد وغيرها ـ من أراد أن يشرب من الحب [ الجرة الكبيرة ] ماذا يُطلب منه ، وماذا يقال لبعض الحيوانات ،
لقد كان الصحابة رضي الله عنهم أكثر الناس تعرضاً لسب الرافضة ولعنهم ، وما زالوا يفعلون ذلك إلى يومنا هذا يدعون بدعاء صنمي قريش بعد صلاة الصبح في عامة مساجدهم خاصة في إيران .(1/325)
روى الكليني عن جعفر الصادق رحمه الله تعالى قوله : كان الناس أهل ردَّةٍ بعد النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم إلّا ثلاثة . فقلت: من الثلاثة؟ فقال: المقداد ابن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي.اهـ من الكافي ( 3 : 85 ) ورجال الكشي ( 12 ـ 13 )
وأين عمّار بن ياسر والسبعون من البدريين رضي الله عنهم ممن كانوا معه في صفين وغيرها ، وأين غيرهم ممن كانوا معه حتى استشهاده رضي الله عنه ؟ كل هؤلاء كفار ـ حاشاهم ـ أم أن الرافضة يقولون ما لا يعلمون ، ويهرفون بما لا يفهمون .
واسمع هذا الخبر الذي يرويه أوثق عالم عندهم .
ذكر الطبرسي في الاحتجاج [157ـ 158] عن سلمان رضي الله عنه قال: لما كان الليل ، حمل عليٌّ فاطمة على حمار، وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين ، فلم يدع أحداً من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار ؛ إلا أتى منزله ، وذكر حقّه ، ودعا إلى نصرته،... فأصبح لم يوافه منهم أحد غير أربعة . قيل لسلمان : من الأربعة ؟ قال : أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام ،... ثم أتاهم في الليلة الثانية ،... ثم الثالثة فما وفى أحدٌ غيرنا .اهـ لم لم يذكر الزبير ، مع أنه الواقف الرابع معه ؟
وعن الصادق رحمه الله تعالى قال : إن الشيخين ـ أبا بكر وعمر ـ فارقا الدنيا ولم يتوبا ، ولم يذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين عليه السلام ، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .اهـ الكافي ( 8 : 246 )
وعن محمد الباقر قال : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم : من ادعى إمامةً من الله ليست له ، ومن جحد إماماً من الله ، ومن زعم أن لأبي بكر وعمر نصيباً في الإسلام ، لا يكلمه الله ولا يزكيه وله عذاب أليم .اهـ من الكافي (1: 373 )(1/326)
ألا لعنة الله على من كذب على هذين الإمامين ، وقد سبق ذكر نقول كثيرة عنهما وعن غيرهما من الأئمة في الثناء على الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ومنها ما هو من كتبهم، فضلاً عن كتب غيرهم، انظر نهج البلاغة.
والأقوال المكذوبة على الأئمة كثيرة جداً ، ذكرت بعضها فيما مضى .
25 ـ دعواهم أن كربلاء أفضل من الكعبة
ومن جملة عقائد الرافضة المقيتة : دعواهم أن كربلاء ـ كربٌ وبلاءٌ ـ هي أفضل من الكعبة المشرفة ، التي جعلها الله سبحانه وتعالى أول بيت للعبادة في الأرض ، وجعلها الله تعالى مباركة مقدّسة {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ}ولا يوجد أفضل منها والمدينة بقعة على وجه الأرض بإجماع المسلمين ـ خلا الرافضة .
قال جعفر الصادق ـ لتلميذه مفصل ـ : والحقيقة أن مختلف بقاع الأرض تتنافر فيما بينها، فالكعبة تفخر بعلو مقامها على كربلاء، فأمر الله ـ عن طريق الوحي ـ الكعبةَ أن تسكت، وألا تفخر بعلو قدرها ومقامها على كربلاء.اهـ من حق اليقين ( 145 ) نقلا من الثورة الإيرانية ( 212 )
وسيأتي الحديث عن تفضيل كربلاء على جميع بقاع الأرض ، وأن القائم سينقل الحجر الأسود ـ بعد هدمه الكعبة المشرفة زادها الله تشريفاً وتكريماً ـ إليها ، لذا أقتطف جزءاً من فقرتين لمعاصِرَين عن بيان تفضيل كربلاء .
قال السيد حسين الموسوي : إن من المتعارف عليه، بل المسَلَّم به عند جميع فقهائنا وعلمائنا : أن الكعبةَ ليس لها أهمية ، وأن كربلاء خيرٌ منها وأفضل، فكربلاء ـ حسب النصوص التي أوردها فقهاؤنا ـ هي أفضل بقاع الأرض، وهي أرض الله المختارة المقدسة المباركة ، وهي حرم الله ورسوله ، وقبلةُ الإسلام ، وفي تربتها الشفاء، ولا تدانيها أرض أو بقعة أخرى حتى الكعبة.(1/327)
لما زار السيدُ حسين الإمامَ الخميني ـ للعلاقة الحميمة بينهما ـ وفي جلسة خاصة بينهما قال الخميني له : سيد حسين ، آن الأوان لتنفيذ وصايا الأئمة صلوات الله عليهم ، سنسفك دماءَ النواصب [يعني : أهل السنة ] نقتل أبناءهم ، ونستحيي نساءهم ، ولن نترك أحداً منهم يفلت من العقاب ،... وسنمحو مكة والمدينة من وجه الأرض،...ولا بد أن تكون كربلاء ـ أرض الله المباركة المقدسة ـ: قبلةً للناس في الصلاة ، وسنحقق بذلك حلمَ الأئمة عليهم السلام .
هذا حلم أسياده من اليهود والنصارى والمجوس ، وسيأتي بحث ذلك في قصة تحويل القبلة .
26 ـ تكفيرهم لأهل السنة ، وأنهم أولاد زنا ، أنجاس .
إن من أولى عقائد الرافضة ، التي بثها اليهود والمجوس في قلوبهم حتى اعتقدوها : تكفير المسلمين ، بدءاً من الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، وطهّرهم من رجس الرافضة ، وانتهاء بالمسلمين فيما بعد .
قال محمد بن مسلم: مر بي الباقر والصادق وأنا جالس عند قاض بالمدينة، فدخلت عليه [على الصادق] من الغد ، فقال : ما مجلس رأيتك فيه أمس ؟ وما يؤمنك أن تنزل اللعنة ، فتعم من في المجلس ؟!
قلت للصادق : إني أخالط الناس، فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ، ويتولون أبا بكر وعمر لهم أمانة وصدق ووفاء . ومن أقوام يتولونكم ليس لهم أثرٌ من أمانة ولا وفاء ولا صدق ، فاستوى الصادق جالساً ، فأقبل عليَّ كالغضبان ثم قال : لا دِين لمن دان الله بولاية إمامٍ جائر . ولا عتب لمن دان الله بولاية إمام عادل .
قلت : لا دين لأولئك ، ولا عتب ولا ذنب على هؤلاء !!!(1/328)
قال الصادق : نعم ، ألا تسمع لقول الله : {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة بولاية إمام عادل من الله {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ } كانوا على نور الإسلام ، فلما تولوا كلَّ إمام جائر ليس من الله : خرجوا من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر .اهـ من الكافي (2 : 281 )
قلت للصادق : أنزل مكة؟ قال : لا تفعل، أهلُ مكة يكفرون بالله جهرةً. قلت : أنزل في حرم النبيِّ؟ قال : هم شرٌّ منهم ، أهلُ المدينة أخبث من أهل مكة سبعين ضعفاً، عليك بالعراق ؛ الكوفة، أهلُ الشام شرٌّ من أهل الروم . والمخالفُ شرٌّ من سائر الكفار. لعنة الله عليهم وعلى أسلافهم.اهـ من الكافي (2 : 396 ) والتهذيب (2 : 15) والوشيعة ( 105 ـ 106) إذا كان أهل المدينة ومكة بهذه الصورة القاتمة عنده فلم يسكن هو فيهما ؟ وأمضى حياته حتى مات فيهما ؟ أم هو الكذب المفضوح ؟
وانظر بحار الأنوار : كتاب الإمامة ، حيث نص على أن أكثر الناس : خنازير وكلاب وحمير وقردة ، إلا رجل بعد رجل .
كما يعتقدون أن جميع المسلمين : أولاد زنا .
فقد روى الكليني في الروضة من الكافي (8 : 135) : إن الناس كلهم أولاد زنا ـ أو قال : بغايا ـ ما خلا شيعتنا .اهـ
وكيف لا يكفرون أهل السنة، وهم يعتقدون أن جميع المسلمين أنجاس ، أولاد زنا ، شر من اليهود والنصارى .
قال نعمة الله الجزائري الرافضي في الأنوار النعمانية (206 ـ 207) عن أهل السنة: إنهم كفار، أنجاس، بإجماع علماء الشيعة الإمامية ، وإنهم شر من اليهود والنصارى .اهـ
ولهذا استباحوا قتل المسلمين .(1/329)
قال داود بن فرقد : قلت لأبي عبد الله [ جعفر الصادق ] : ما تقول في قتل الناصب [ أهل السنة ] فقال : حلال الدم ، ولكني أتقي عليك ، فإن قدرتَ أن تقلب عليه حائطاً، أو تغرقه في ماء، لكيلا يشهد عليك فافعل.اهـ من وسائل الشيعة ( 18: 463) وبحار الأنوار (27: 231)
كما أن حكام وقضاة المسلمين كلهم طواغيت .
ففي الحكومة الإسلامية ( 86 ـ 87 ) عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث ، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك ؟ قال : من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنما يأخذه سحتاً وإن كان حقّاً ثابتاً له ، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وما أمر الله أن يكفر به ،...اهـ
وطالما أنهم كذلك لذا يجب مخالفتهم في الأصول والفروع ، ولو كان في الإيمان بالله تعالى وبرسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .
وقد سبق قول نعمة الله الجزائري ـ وهو محدِّث الرافضة ـ : إنا لا نجتمع معهم ـ أي مع السنة ـ على إله ، ولا نبي ، ولا إمام ، وذلك أنهم يقولون : إن ربهم هو الذي كان محمد نبيَّه ، وخليفته من بعده أبو بكر .
ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبيّ ، بل نقول : إن الرب الذي خليفةُ نبيِّه أبو بكر ليس ربَّنا ، ولا ذلك النبيُّ نبينا .اهـ من الأنوار الجزائرية ( 2 : 278 ) وهذا كفر بلا شك .
ولهذا إذا أراد أحد الشيعة أن يسب غيره، ويغلظ له في الشتيمة يقول له : ( عَظم سُني في قبر أبيك )(1/330)
هذه نظرة الشيعة الرافضة لأهل السنة : كفار ، أنجاس ، أولاد زنا ، شر من اليهود والنصارى، يجب قتلهم، وأخذ أموالهم، لايمكن أن يلتقي معهم برب ، ولا نبي، ولا في إمام، وتجب مخالفتهم في العقيدة والأحكام، ويجب لعنهم ، وشتمهم ، خاصة الجيل الأول منهم ـ وهو جيل الصحابة رضي الله عنهم ـ لأنهم هم الذين حملوا هذا الدين ، وهم الذين بلّغوه ، ونشروه في البلدان ، وقضوا على المجوس ـ في فارس ـ وعلى اليهود ـ في الحجاز ـ وعلى النصارى ـ في بلاد الشام ـ فالانتقام منهم أولى .
27 ـ مخالفة أهل السنة :
عن عمر بن حنظلة قال : سألت الإمام الصادق : أرأيتَ إن وجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة [ يعني أهل السنة ] والآخر مخالفاً لهم ، فأي الخبرين يؤخذ ؟ قال الإمام : ما خالف العامة ففيه الرشاد ، اهـ من الكافي ، باب اختلاف الحديث ، رقم ( 10 )
وقال علي بن أسباط للرضا : يحدث الأمر لا أجد بدّاً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه من أستفتيه من مواليك؟ قال: أحضر فقيه البلد فاستفته في أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه ، لأن الحق فيه ، اهـ من عيون أخبار الرضا ( 1 : 275 )
وقال الصادق عليه السلام : إذا ورد عليكم حديثان مختلفان ؛ فخذوا بما خالف القوم .اهـ من وسائل الشيعة للعاملي، وانظر (لله ثم للتاريخ) فقد ذكر نصوصاً كثيرة في ذلك .
وقد سبق ذكر أقوال كثيرة في بيان مخالفة الرافضة لأهل السنة ، آثرت عدم تكرارها
وأختم هذا الفصل بهذه الفتوى العجيبة الغريبة التي لم يعرفها إبليس ، إنما هي من مخترعات الرافضة : ( إن من يذهب إلى زيارة قبر تُغفر له جميع ذنوبه، وله بكل خطوة ثواب حج، وأجر شهيد) اهـ من كسر الصنم (83 )(1/331)
هكذا بلغ التألي على الله تعالى والكذب عليه ، وهانت مغفرة الذنوب ، وهان الحج ، وهان أجر الشهادة، وفتح باب المعاصي على مصراعيه ، يفعل السبعة المحرمة ، ثم يزور قبراً لأحد الأئمة تذهب جميع الذنوب ، إن زيارةَ قبرٍ أفضلُ وخيرٌ بمرات كثيرة من الاعتراف على الكرسي وأخذ صك الغفران من القسيس ، فمن وراء ذلك ؟
وانظر ( عداوة الشيعة لأهل السنة وتكفيرهم لهم ) فقد ذكرت عدة قضايا مما خالف فيها الرافضة أهلَ السنة . كفكرة ولاية الفقيه ، والضرب على الرؤوس والأكتاف ، والتعبيد بغير الله تعالى .
28 ـ أركان الإيمان .
ومن الأمور التي خالف فيها الرافضة عامة المسلمين أركان الإيمان ، ذلك أن عامة المسلمين يعتقدون أن أركان الإيمان ستة ، وهي : الإيمان بالله تعالى ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر. استناداً إلى ما جاء في كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
بينما الرافضة ، فيؤمنون بركنين هما بالله تعالى ، واليوم الآخر ، ويضيفون أموراً أخرى .
يقول مهدي عفيفي : أركان الإيمان خمسة : الإيمان بإله واحد . والإيمان بعدل الله . الإيمان بصدق أنبياء الله . الإيمان بضرورة القيادة المعصومة بعد النبيِّ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يسمّون بالأئمة، الإيمان باليوم الآخر ويوم القيامة .اهـ ثم ذكر الأئمة كتاب الصلاة ( 19 ـ 25 ) وانظر الدستور الإسلامي لجمهورية إيران ، المادة الثانية .
29 ـ اعتقادهم بالرجعة .
ويعني أن الأئمة وغيرهم سيعودون إلى الدنيا مرة ثانية ، سواء لتأييد القائم ، أو للانتقام من أعداء آل البيت . ويكون ذلك عند خروج القائم من الغار ، إلا ما كان من إحياء علي رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشهد للأئمة بالولاية والإمامة، وأمر الصديق أن يشهد بذلك ، كما مر .(1/332)
نقل القمي عن جعفر الصادق رحمه الله تعالى قال : ليس منا من لا يؤمن برجعتنا ، ولا يقر بحلة المتعة .اهـ من منتهى الآمال ، وانظر بطلان عقائد الشيعة .
وقال محمد الباقر رحمه الله تعالى : إذا ظهر المهدي ، فإنه سيحيي عائشة ، ويقيم عليها الحد .اهـ من حق اليقين ، وانظر بطلان عقائد الشيعة .
وقال أيضاً : لما يظهر الإمام المهدي فأول من يبايعه محمد عليه الصلاة والسلام ، ثم علي عليه السلام، ويساعده الله بالملائكة .اهـ من حق اليقين . وانظر بطلان عقائد الشيعة .
وروى القمي في تفسيره عند قوله تعالى : {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} عن أبي عبد الله قال : ما بعث الله نبيّاً من لدن آدم فهلم جرا إلا ويرجع إلى الدنيا ، وينصر أمير المؤمنين (علي ) وهو قوله : {لتؤمنن به } يعني رسول الله {ولتنصرنه } يعني أمير المؤمنين علي .اهـ تفسير القمي (1 : 106 )
وقد سبق ما ذكره الكليني في باب ما جاء في الإثني عشر والنص عليهم ، رقم (13) أن عليّاً رضي الله عنه أحيا رسول الله ، وأعاده إلى الدنيا ، ليقول لأبي بكر : إن الأئمة بعده اثنا عشر شخصاً .اهـ
وكل هذا من أعظم أكاذيب الرافضة ، عاملهم الله تعالى بعدله . ولكن لا يستغرب ذلك منهم بعد كذبهم على الله تعالى ، وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
30 ـ وجوب الخمس .
إن الخمس في الشريعة الإسلامية إنما يؤخذ من الغنائم والركاز ،... ونحو ذلك ، ولا يؤخذ من أموال الناس المسلمين العاديين ، سواء كانوا تجّاراً أو صنّاعاً أو مزارعين .(1/333)
والآية القرآنية صريحة في ذلك ، كما قال تعالى : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِالله...} الآية . ثم إن سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الراشدين بما فيهم علي رضي الله عنهم من بعده صريحة في ذلك .
وقد درج على ذلك الأئمة رحمهم الله تعالى ، حيث رفضوا أخذه من الشيعة، وردّوا على مروجي الوجوب، لكن الرافضة ـ منذ أوائل القرن الرابع عشر ـ اعتبروا الخمس فرضاً لازماً على كل رافضي ، ويُدفع إلى الحوزات ، ورجال الدين من آل البيت فيها ، لذا صاروا من أغنى الأغنياء ، يصرفون بعضه إلى أتباعهم ، ويعطون الإذنَ من الشاة لفقراء آل البيت ، وأيتامهم ، وطلبة العلم عندهم، والباقي في خزائنهم ، يشترون بها ذمم العباد، وضمائرَ المنافقين ، ويتاجرون بأعراض الجميلات .
ولم يذكر فقهاء الشيعة الأوائل في كتب الفقه عندهم باباً عن الخمس ، حتى ظهرت هذه البدعة في أواخر القرن الخامس ، وهذا محمد بن الحسن الطوسي ـ مؤسس الحوزة النجفية ـ لا يوجد في أبواب كتب الفقه التي ألفها باب بهذا العنوان ، مع أنه لم يترك شيئاً مما يحتاج الناس إلى معرفته إلا بينه .
علماً بأن متقدمي الشيعة كانوا يرون عدم دفع الخمس حتى يقوم القائم ( يعني : المهدي ) وقد أباحوا للشيعة أكلَ أموالهم ، وعدمَ دفع شيء منها لأحد . وقد جرى العمل على ذلك عند الشيعة إلى أوائل القرن الرابع عشر
كما أن عامة علماء الشيعة يرون أن الخمس إنما يجب للإمام الغائب ، وليس للفقيه أو المجتهد حق فيه .
وحتى بعد الغيبة الصغرى لم يكن الخمس يعطى للمجتهد ولا للفقيه أو السيد،...ولما ظهرت الكتب الأربعة المعتمدة عند الرافضة نقلت كلها عن الأئمة رحمهم الله تعالى إباحة الخمس للشيعة ، وإعفائهم منه .(1/334)
فلما جاء القرن الأخير تغير الأمر، وأفتى بعض فقهائهم بجواز تصرف الفقيه بسهم الإمام فيما يراه الفقيه ، على طلبة العلم ، وإقامة الدين ، وغير ذلك .
لكن في الأيام الأخيرة صار أخذ الخمس واجباً ، وليس من الغنيمة أو الركاز ـ كما هو في نصوص القرآن والسنة، بل صار يؤخذ من أموال الناس، من المكاسب التجارية والأرباح ، ويُعطى للفقيه والإمام والمجتهد .
وبناء على ذلك اتْخِمت الحوزات برجال الفقه والمجتهدين لأخذ الخمس، وحصل التنافس الشديد بينهم ، إضافة إلى السرقات ، والتجارة فيه ، حتى صار بعض علمائهم من أغنى الناس، كما صاروا يُمَوِّنون رعاياهم وجنودهم للقضاء على خصومهم .
وقد أطال السيد حسين الموسوي في بيان تطور نظرية الخمس عند الشيعة ، فانظرها في ( لله ثم للتاريخ 56 ـ 73 )
وانظر هذه الأبيات للشاعر أحمد الصافي النجفي ـ وهو شيعي ناقم عليهم ـ وهو يصف حال الخمس ومن قال به ، ومن أين أتى الأمر به .
عجبتُ لقومٍ شَحذُهم باسم دينهم وكيف يسوغُ الشَّحذُ للرجُلِ الشهم
لئن كان تحصيلُ العلوم مُسَوِّغاً لذاك فإنَّ الجهلَ خيرٌ من العِلم وهل كان في عهد النبيِّ عصابةٌ يعيشون من مال الأنام بذا الاسم لئن أوجب اللهُ الزكاةَ فلم تكن لتُعطى بذُلٍّ بل لتُؤخذَ بالرغم أتانا بها أبناءُ ساسانَ حِرفَةً ولم تك في أبناء يعرُبَ من قِدم
فصل
القرآن الكريم واعتقاد الرافضة فيه
إن الرافضة يعتقدون أن القرآن الكريم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بواسطة جبريل عليه السلام جرى عليه التغيير والحذف والتبديل والكتمان والنقصان ـ شأنه شأن التوراة والزبور والإنجيل ـ وقد بدأ التحريف والتبديل والنقصان ـ في عقيدة الرافضة ـ منذ زمن النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث هو أول من حذف منه تسعة أعشاره ، ثم تلاه الصحابة الكرام رضي الله عنهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .(1/335)
ضاربين بتكفل الله تعالى لحفظ القرآن الكريم عرض الحائط ، غير آبهين بما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم من بعده ـ من تدوينه بين يديه ـ وإجماع الأمة على أنه لم يضع منه حرف واحد ، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا والقرآن الكريم قد دُوِّن وحُفظ بكامله ، لذا لا يوجد في الرافضة من يعتني بكتاب الله تعالى عناية أهل السنة ، كما لايوجد من يحفظه كما يحفظه أهل السنة .
وقد حاول عدد كثير من الرافضة ألّا تصل كتبهم التي فيها عقيدتهم في تحريف القرآن إلى أيدي السنة، لكن هيهات، خاصة بعد ما صارت المطابع تضخ الكتب كما يضخ الأنبوب الماء .
كما حاول بعض الرافضة المتأخرين نفي هذه العقيدة المكفِّرة والمخرجة من الملة عن الرافضة، وكادت تنطلي هذه التقية الجديدة على كثير من سليمي الصدر من المسلمين لولا أن عالماً كبيراً من كبار علمائهم في القرن الماضي ، هو ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي ، أصله من يهود الخزر ، والمتوفى (1320هـ) ألف كتاباً ضخماً في حجمه ، قصير القامة بل معدومها في وضعه ، عديم الفائدة في وصفه ورصفه ، هو ( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) نقل فيه نحواً من ألفي قول عن أئمتهم المتقدمين في تحريف القرآن الكريم ونقصانه ، وجمع فيه أقوال جميع الفقهاء وعلماء الشيعة في التصريح بتحريف القرآن الموجود اليوم بين أيدي المسلمين، وبيَّن أن جميع علماء الشيعة وفقهائهم المتقدمين منهم والمتأخرين يقولون : إن هذا القرآن الموجود اليوم بين أيدي المسلمين محرَّف .
كما ذكر أسماءَ أشخاص وكتبٍ ممن نص من الرافضة على هذه العقيدة المكفِّرة ـ وكله كذب وافتراء ودجل ـ ولما حاول بعضهم الرد ، ليزيل التهمة عن الرافضة ، ألف كتاباً آخر في تأكيد هذه العقيدة ، ورد الشبه عن كتابه .(1/336)
لقد اتفقت كلمة علماء الرافضة على أن القرآن الكريم الموجود بين أيدي المسلمين ، من زمن النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم حتى يومنا هذا: محرَّف وناقص ، وأنه لا يمثل من المصحف الحقيقي إلّا نحو العُشُر . وقد سبق القول في هذا في بيان عقيدة ابن سبأ اليهودي .
وقد ذكر الكليني في باب فيه نكت ونتف عن التنزيل في الولاية : اثنين وتسعين حديثاً .
قال آية الله البرقعي رحمه الله تعالى : وكل من يطلع عليه من المنصفين يوقن أن الكليني ورواته هم أعداء القرآن، أو على أقل تقدير أنهم لايعتقدون فيه بشيء ، ولا يؤمنون به ، لأنهم في هذا الباب حرّفوا كلَّ آية ، ولجؤوا إلى التحريف اللفظي والمعنوي ـ بالزيادة والنقصان ـ وعمدوا إلى التأويلات الباطلة بلا فهم ولا دراية بالآيات ، وهم بهذا كله أساءوا للأئمة أكثر من غيرهم . اهـ من كسر الصنم (285)
مع أن المجلسي رد منها (84 ) حديثاً من أصل (92 )
قلت : ولا يسلم له الباقي ، فكلها مروية من طريق الزنادقة والكذابين والمشكوك في دينهم والمجهولين .
والأنكى من ذلك كله : أنهم زعموا أن الأحاديث عن أئمة آل البيت في ذلك متواترة ، وهذا هو الكذب بعينه ، فلا تواتر ولا صحة ، إنما هي أقوال مكذوبة موضوعة ، ملصقة بهؤلاء الأئمة ، الذين برأهم الله تعالى منها ، وإلا كيف يكذِب عليٌّ رضي الله عنه ـ حاشاه ـ على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويكذِّب الله تعالى فيما تعهّد به ، ويكون ـ حاشاه ـ كافراً بالدين الذي سعد فيه، وكيف يصف أهل السنة جعفراً رحمه الله تعالى بالصادق ، وهو ـ حاشاه ـ يكذِب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويكذِّب قولَ الله تعالى وقولَ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويكفر بالله تعالى وبالدين الذي يسعد بانتسابه إليه ؟(1/337)
لكن قبل البدء في ذكر أقوال الرافضة المكذوبة في دعوى تحريف القرآن الكريم ـ المحفوظ في الصدور والسطور ، والمتكفّل بحفظه من الله تعالى ـ أحب أن أشير إلى نقطة مهمة لم أر من تعرض إليها فيمن كتب ، وهي أن الرافضة ينقلون عن أئمة آل البيت قولاً مفاده ( فإذا قام قائمنا ،... ) ونحو تلك العبارة المصطنعة . والسؤال الآن يوجه إلى الرافضة : هل يعلم هؤلاء الأئمة رحمهم الله تعالى الغيب أم لا ؟.
ـ فإن قالوا : نعم هم يعلمون الغيب . فالجواب : هذا كذب ، لأن الله تعالى حصر معرفة الغيب بذاته تعالى وحده ، فقال : {فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لله} {قُلْ لايَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا الله} فقد جاء النفي،ثم جاء بعده أداة الحصر ، يعني : أن ما بعد النفي مستغرق بما بعد الحصر .
فبين وفاة علي رضي الله عنه واختفاء الإمام الحادي عشر(220 ) فكيف يعلم ما سيكون بعد هذا التاريخ ؟
وبين وفاة الباقر والصادق ووفاة الحسن العسكري رحمهم الله تعالى أكثر من (100) عام ، فكيف يتحدثون عما بعد ذلك ! فهذا إذاً كله كذب .
ـ وإن قالوا : لا يعلمون الغيب ، دلّ على أن هذه الأقوال التي يذكرونها في دعوى التحريف وغيره كلها قد اخترعت ووضعت وصنعت ونحتت بعد وفاة الحسن العسكري عام (260) فضلاً عن وفاة هؤلاء الأئمة، ويكون الله تعالى قد طمس عيون الكذّابين، وأعمى قلوبهم، لأن حبل الكذب دائماً قصير ، ومخترعه أعمى .
وقبل خوضي في بيان تحريف الرافضة للآيات القرآنية، ووضع الأسانيد المكذوبة أشير إلى نقلِ خبير بالرافضة وعلومهم ، حيث عاش بينهم دهراً طويلاً في النجف وقم وطهران ، وكتب رسالةً قدَّمها لآياتهم في بيان نقد ما عندهم ، فمن أجابه منهم عليها لم ينكروا منها حرفاً واحداً ، وأنا أنقل منها .(1/338)
قال العلامة موسى جار الله رحمه الله تعالى : تجيب كتب الشيعة ؛ إن شيوخنا رووا عن الباقر والصادق ، وكانت التقية شديدة ، وكانت الشيوخ تكتم الكتب ، فلما خلت الشيوخ وماتت ، وصلت كتب الشيوخ إلينا ، فقال إمام من الأئمة : حدثوا بها ، فإنها صادقة .اهـ شرح الكافي ( 1 : 28 )
ثم تعترف الشيعة أن الشيعة لم يكن عندها علم الحلال ، وعلم الحرام ، وعلم المناسك ، إلى زمن الباقر وابنه الصادق .
نرى أن التقية جعلت وسيلة إلى وضع الكتب ، ثم جعل كل هذا دليلاً على جواز العمل بالوجادة .
يقول أهلُ العلم : إن أخبار الشيعة متونها موضوعة ، وأسانيدها كلها مفتعلة مختلقة ، والوضع زمن الأموية والعباسية كان شائعاً غاية الشيوع للدعوة والدعاية لأسباب سياسية . وقد كان أعداء الإسلام وأعداء الدولة الإسلامية من اليهود والمجوس يتظاهرون بالدين نفاقاً، ويضعون الأحاديث مكراً بالدين، وإثارة للفتن، وأصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل كان من الشيعة المتظاهرة، لم يحملها على ذلك إلا عداوة الخصوم، ثم توسعت الشيعة المتظاهرة، وأخرجتها العصبية من ذكر الفضائل إلى تعداد الرذائل، فوضعت أحاديث شنيعة في نفاق أكابر الصحابة ، وارتداد كل الأمة .
وكل متن يناقض المعقول ، أو يخالف الأصول ، أو يعارض الثابت من المنقول عن الرسول : فهو موضوع على الرسول .
إني أحترم وأجل وأعظِّم أئمة الشيعة أولاد علي أمير المؤمنين أكثر من الشيعة .
فإجلالاً لأهل البيت واحتراماً لأئمة الشيعة أنكر كلَّ أخبار الشيعة ، وأقول : لو ثبت بعضُ ما في كتب الشيعة ، فالأئمةُ وأهلُ البيت جاهلة ، سيئة الأدب ، قليلة الدين .(1/339)
كل ما في كتب الشيعة في أبواب ما نزل من الآيات في الأئمة والشيعة ، وفي أبواب ما نزلت في أعداء أهل البيت : دليلٌ لا يَذَر عيباً على من يقول : إن كلَّ ما في كتب الشيعة موضوعة، وكل ما في كتب الشيعة في تأويل الآيات وتنزيلها، وفي ظهر القرآن وبطنه : استخفاف بالقرآن الكريم، ولعب بالآيات .
إن طالع مطالعٌ أصولَ الكافي، وكتبَ الوافي : مطالعةَ اهتمامٍ وتدبر؛ تبيّن أن أخبار كتب الشيعة كلها موضوعة على ألسنة الأئمة أولاد علي ، وضعَ كذبٍ وافتراء ، ووضعَ مكر . وكلَّ ما رُوي في تأويل الآيات وتنزيلها فلا يدل إلا على جهل القائل بها .
لو ثبت أخبار الكافي والوافي في القرآن وفي تأويل الآيات وتنزيلها : فلا قرآن ولا إسلام ، ولا شرف لأهل البيت ، ولا ذكر لهم .
وتراجم أبواب كتب الشيعة ( باب ما نزل من الآيات في أعداء الأئمة ) هذه التراجم في نفسها ساقطة سخيفة ،...
ولم يُبن دينٌ من الأديان على العداء ، ثم لم يلعن عصرَه الأولَ دينٌ أبداً ، ولم يقع بين عليٍّ وبين الصِّدِّيق والفاروق وأكابر الصحابة تعادٍ أصلاً، وأخبار التعادي كلها موضوعة، وتنزيل الآيات وتأويلها عليه : افتراءٌ على الله وعلى الأئمة ، ولعبٌ بالآيات الكريمة ، والأئمة من كلها بريئة .اهـ من الوشيعة باختصار ( 47 ـ 50 )
روى الكليني في باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة وأنهم يعلمون علمه كله . عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : ما ادعى أحدٌ من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزله الله إلا كذّاب ، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده .اهـ
هذا كذب ، وذلك :
ـ في السند جابر بن يزيد الجعفي ، رافضي ، كذبه عدد من الأئمة ،
ـ قوله أحدٌ من الناس ، يشمل النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وعليّاً رضي الله عنه ، ولم يخرجهما ، مما يدل على عدم صحته .(1/340)
ـ لو كان عليٌّ رضي الله عنه ممن اختص بحفظ القرآن لعده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولأمر الأمة أن تأخذه عنه، كما أمرها بأخذه عن سالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب وابن مسعود...وغيرهم رضي الله عنهم
ـ لقد جمع القرآن الكريم عدد من الصحابة رضي الله عنهم وليس فيهم علي .كما في حديث أنس رضي الله عنه وهو في الصحيح .
ـ وقوله : والأئمة من بعده ، فهذا كذب ، لأن الذين جمعوه لا يقدّر عددهم كثرة بعد النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم جاءت صيغة الفعل بالماضي ( وما جمعه وحفظه ،...) فإذا كان محمد الباقر يتحدث عن زمنه وما قبل ، فكيف الإمام الخامس ، وبعده سبعة آخرون ، فكيف يخبر عنهم وهم لم يولدوا بعد ؟ كل ذلك دلالة على كذب هذا الخبر .
قال أبو الحسن العاملي: وعندي في وضوح صحة هذا القول ـ أي القول بتحريف القرآن ـ بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار ؛ بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع ، وأنه من أكبر مقاصد غصب الخلافة .اهـ من مقدمة البرهان : الفصل الرابع ( 49 )
وقال نعمة الله الجزائري الرافضي : إن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة ، بل المتواترة ، الدّالة على وقوع التحريف في القرآن ؛ كلاماً ، ومادةً ، وإعراباً ، والتصديق بها .اهـ
وانظر لمزيد المعرفة المؤلمة المقززة : فصل الخطاب (227) ط باكستان ، وأوائل المقالات (93) ومرآة العقول للمجلسي (253) وأصول الكافي ، ومرآة الأنوار (36) والحكومة الإسلامية للخميني (66) وكشف الأسرار له (114) وصورتان متضادتان (79 ـ 80) ولله ثم للتاريخ (79 ـ 82 ) وبطلان عقائد الشيعة ( 33 ـ 46 )والشيعة والسنة ( 77 ـ 153 )
هل يقول هذا مسلمٌ؟ أين دعوى الإيمان بالكتاب الكريم ؟ وماذا تركوا للمستشرقين من اليهود والنصارى ؟ ومن الذي أخذ من الثاني ؟(1/341)
ثم لو كان الأمر كما يزعمون أن القرآن محرّف ، فلم لم يُظهر سيدنا علي رضي الله عنه القرآن الصحيح إبان خلافته؟ فإما أن يكون قولهم بالتحريف : محض كذب واختلاق أو أن يكون عليٌّ رضي الله عنه ـ حاشاه وبرأه ـ خان الأمة ، وخان الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، وخان الله تعالى ، لأنه لم يظهر القرآن الصحيح. إضافة إلى اتهام الله تعالى بخلف وعده بحفظ كتابه، فلما لم يكن شيء من ذلك دلَّ على أن ما يقوله الرافضة محض اختلاق ، وكذب صراح ، ولعنة الله على الكاذبين .
وقد جمع العلامة موسى جار الله رحمه الله تعالى : أكثر من (200) مائتي آية مما حرّفها الرافضة ، من أمهات كتبهم ، وقد حرّفوها أشنع تحريف .
انظر الوشيعة في نقد عقائد الشيعة (42ـ43 ، 62 ـ 66)
ولما نظرت في دعواهم بتحريف القرآن الكريم ـ صانه الله تعالى وحفظه من يد كل عابث ، وقطع لسان كل ناعق ـ وجدتها تدخل تحت خمسة أقسام
أ ـ دعواهم أن النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم كتم تسعة أعشار الوحي ، وأن ابن سبأ اليهودي وأصحابه اطلعوا على ذلك .
قال الحسن بن محمد ابن الحنفية رحمهما الله تعالى يقولون : هُدينا لوحْيٍ ضل عنه الناس ، وعلمٍ خفي عنهم . وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتم تسعة أعشار الوحي . ولو كتم صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً مما أنزل عليه لكتم شأن امرأة زيد . وقولَه تعالى : { تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ... }.اهـ من شرح نهج البلاغة ( 2 : 309 )
وجاء في ترجمة ابن سبأ : أن القرآن جزء من تسعة أعشار ، وعلمُه عند علي . فنهاه علي بعدما همَّ به .اهـ(1/342)
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو المبلِّغ الأمين ـ يكتم تسعة أعشار ما أنزل عليه، كيف يختاره الله تعالى، وكيف يقره تعالى، وكيف لم ينتقم منه ، وهو القائل : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}وقد شهد تعالى له بالبلاغ ، دلالة على تبليغه جميع ما أنزل إليه ، وأن ما زعمه هؤلاء المجرمون إنما هو محض افتراء وكذب مكشوف .
ب ـ دعواهم أن الصحابة رضي الله عنهم حذفوا من القرآن الكثير، وهو تسعة أعشار ، أو ثلاثة أمثال ما هو موجود الآن .
روى الكليني ، عن الإمام الصادق رحمه الله تعالى قال : إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية . وإنهم حذفوا إحدى عشرة ألف آية من القرآن ، وأتلفوها ، وبقي ستة آلاف آية من سبعة عشر آلف آية .اهـ من الكافي : باب فضل القرآن ، رقم ( 28) وانظر كسر الصنم (360 )
قال المجلسي في تعليقه على هذا القول : الخبر صحيح، ولا يخفى أن هذا الخبر، وكثيراً من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً ، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة ، فكيف بثبوتها بالخبر.اهـ من مرآة العقول (2: 539) انظر بطلان عقائد الشيعة (33ـ46) فقد ذكر نقولاً كثيرة عن علماء الرافضة في دعواهم تحريف القرآن الكريم ، وخاصة من الكتب الفارسية والأوردية ،
ـ لم لم يقل جعفر الصادق رحمه الله تعالى هذا القول في المدينة ، وقد عاش حياته فيها ؟
ـ لم لم يرو عربي واحد هذا القول وأمثاله عن جعفر الصادق وأبيه رحمهما الله تعالى ، إنما هي أقوال الفرس ، كما لا يوجد مؤلف عربي الأصل من القدامى ذكر ذلك أيضاً إنما هم كلهم من الفرس ؟(1/343)
ـ لا يوجد قول واحد يُروى عن الإمامين الباقر والصادق رحمهما الله تعالى من طريق الثقات ، إنما هو من طريق الزنادقة والكذابين والمتهمين في دينهم والغلاة .
ـ دعوى الصافي أن هذه الأخبار متواترة ، فهذا من جهله بعلم الحديث ، لأن المتواتر : ما رواه جمع عن جمع ، يستحيل في العادة تواطؤهم وتوافقهم على الكذب ، وأسندوه إلى شيء محسوس ، وأفاد خبرُهم العلمَ لسامعه.
ومصدرُ كلِّ هذه الأقوال واحدٌ ، وهو قول الصادق رحمه الله تعالى ، فكيف يكون متواتراً ؟ إنما هو خبر واحد ، ثم إن الرواة ليسوا ثقات ، كما قلت ، حسب أقوالهم هم ، كما مر .
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص ما خفي حقُّنا على ذي حجى ، ولو قد قام قائمنا صدّقه القرآن .اهـ من تفسير الصافي : المقدمة (10)
وقال الطبرسي [اليهودي الأصل] في ( فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب)[180ط إيران]:وبعضهم يقول: إن عثمان أحرق المصاحف وأتلف السور التي كانت في فضل علي وأهل بيته عليهم السلام ، منها هذه السورة (بسم الله الرحمن الرحيم. يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم . اهـ
إن الكذب واضح على سياق الكلام، وليس له أي صلة بألفاظ القرآن ، بل له تمام الارتباط بكذب مسيلة الكذاب ، ثم إن عثمان رضي الله عنه لم يجمع القرآن جمعاً، إنما كتبه حسب العرضة الأخيرة، وما كان عند الآخرين ففيه أحد أمرين ؛ إما كان قبل العرضة الأخيرة ، أو في حواشيه تفاسير سمعوها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ثم إنهم يتهمون عليّاً رضي الله عنه لأنه هو أحد المشيرين عليه بذلك ، وأخبر أن لو تولى الخلافة ليفعل كما فعل عثمان رضي الله عنه . كما سيأتي قوله بعد قليل .(1/344)
وقال المقدسي الأردبيلي : إن عثمان قتل عبد الله بن مسعود بعد أن أجبره على ترك المصحف الذي كان عنده ، وأكرهه على قراءة ذلك المصحف الذي ألفه ورتبه زيد بن ثابت بأمره .
وقال بعضهم : إن عثمان أمر مروان بن الحكم وزياد بن سمرة الكاتِبَين له أن ينقلا من مصحف عبد الله ما يرضيهم ، ويحذفا منه ما ليس بمرْضِيٍّ عندهم ، ويغسلا الباقي .اهـ من حديقة الشيعة ( 118 ـ 119 ) بالفارسي ، والشيعة والسنة (137)
هذا كله كذب، لكن يلاحظ الحط (الذي ألفه عثمان ورتبه زيد) ليضفي الصبغة البشرية، ثم انظر الكذب في كونه أمر مرواناً وزياداً أن ينقلا،... مع أنهما لم يكونا في الحسبان أيام جمع القرآن في زمن الصديق رضي الله عنه ، ثم في زمن عثمان لم يتصرفوا إلا في كتابة ما كانوا جمعوه في زمن الصديق على حرف قريش ، ثم أين كان علي رضي الله عنه وهو أحد الشهود المراقبين المثنين على فعل عثمان رضي الله عنهم ، كما سيأتي بعد أربع صفحات .
وعن أبي الحسن قال : قلت له : جُعلتُ فداك ، إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ، ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم ، فهل نأثم ؟ فقال : لا ، اقرؤوا كما تعلّمتم ، فسيجيئكم من يعلمكم .اهـ من الكافي .
هذه بعض أقوالهم ، وقد ذكرتها كتبهم ، وتواتروا عليها .
وقال الكليني في باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة
عن أبي بصير ـ وقد سأل جعفر الصادق عن علم المرتضى والأئمة فقال الإمام الصادق : إن عندنا الجفر . قلت : وما يدريهم ما الجفر؟ قال : وعاء من أَدَم ، فيه علم النبيين والوصيين ، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل . ثم قال : وإن عندنا مصحف فاطمة عليها السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة ،... مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد . اهـ من الكافي ( 1 : 239 ـ 241 )
ولم علم علماء بني إسرائيل ؟؟؟ أرجو الانتباه لذلك .(1/345)
وقال الإمام رحمه الله تعالى: وعندنا مصحف فاطمة، ما فيه آية من كتاب الله ، وإنه لإملاء رسول الله صلوات الله عليه وآله ، وخط علي عليه السلام بيده .اهـ من بحار الأنوار ( 26 : 41 )
وقال أيضاً: وخلَّفت فاطمة مصحفاً ؛ ما هو بقرآن ، من كلام الله ، أنزل عليها، إملاء رسول الله صلى الله عليه، وخط علي.اهـ من بحار الأنوار(26: 42)
كيف يمليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته ، ويكتبه عليٌّ رضي الله عنه ؟؟؟ فكّر ياعاقل .
وأما سبب جمعه والذي كتبه فيتضح من الخبر التالي :
سأل أبو بصير أبا عبد الله عن مصحف فاطمة فقال : إن الله لما قبض نبيَّه عليه الصلاة والسلام ، دخل فاطمة من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل ، فأرسل إليها ملَكاً يسلّي غمها ، ويحدّثها ، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه فقال لها : إذا أحسست بذلك ، وسمعت الصوت قولي لي . فأعلمته بذلك ، فجعل أمير المؤمنين رضي الله عنه يكتب كلَّ ما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفاً .اهـ
ما أكذبهم في دعواهم ، وسبِّ إمامهم؟ أين غيرة علي رضي الله عنه التي عُرف بها؟ ثم كيف يدخل عليها مفردة؟ ثم كيف لم يسمع علي الصوت وهي التي كانت تسمع ، وهناك أمور كثيرة ذكرتها في تعليقي على خبر اللوح ، فانظره .(1/346)
وقال الطبرسي ، عن أبي ذر الغفاري : أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله : جمع عليٌّ القرآن [زاد الطبرسي: وهو مخالف لهذا القرآن الموجود من حيث التأليف وترتيب السور والأيات ، بل الكلمات أيضاً ، من جهة الزيادة والنقيصة] وجاء به إلى المهاجرين والأنصار ، وعرضه عليهم ، لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم ، فوثب عمر وقال : يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه علي عليه السلام، وانصرف، ثم أحضر زيد بن ثابت ـ وكان قارئاً للقرآن ـ فقال له عمر : إن عليّاً جاءنا بالقرآن ، وفيه فضائح المهاجرين والأنصار ، وقد رأينا أن نُؤلِّف القرآن ونُسقِط منه ما كان فيه فضيحة وهتك المهاجرين والأنصار . فأجابه زيد إلى ذلك .
ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم، وأظهر عليٌّ القرآن الذي ألّفه أليس قد أبطل كل ما عملتم .
قال عمر : فما الحيلة ؟
قال زيد : أنتم أعلم بالحيلة .
قال عمر: ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه . فدبر في قتله على يد خالد ابن الوليد ، فلم يقدر على ذلك .
فلما استخلف عمر، سألوا عليّاً عليه السلام أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم .
فقال عمر : يا أبا الحسن ، إن جئت بالقرآن الذي كنتَ جئت به إلى أبي بكر، حتى نجتمع عليه . فقال : هيهات ، ليس إلى ذلك سبيل ، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ، ولا تقولوا يوم القيامة : { إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} أو تقولوا : ما جئتنا به . إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهَّرون والأوصياء من ولدي .
فقال عمر : فهل وقت لإظهاره معلوم؟ فقال عليه السلام : نعم، إذا قام القائم من ولدي ؛ يُظهره ، ويحمل الناس عليه .اهـ من الحتجاج (225) وتفسير الصافي (11) وفصل الخطاب (7)وذكره الكليني في أصول الكافي بأخصر
هذا الكلام يحمل في طياته تكذيبه من جوانب متعددة :(1/347)
1ـ إن سيدنا عمر هو صاحب فكرة جمع القرآن في زمن الصديق رضي الله عنهما ، بعد ما استحر القتل في حملة القرآن ، بعد معركة اليمامة ، وليس عليّاً رضي الله عنه ، وقد أمر أبو بكر بجمع القرآن في مصحف واحد ، وهذا متواتر ، وباتفاق المهاجرين والأنصار بما فيهم علي رضي الله عنهم ، كما هو ثابت في مختلف المصادر .
2ـ تشكيل لجنة من كبار الصحابة رضي الله عنهم لكتابة القرآن الكريم، من العسب واللخاف والكرب ،...الخ ، وكلهم من الحفاظ المشهود لهم .
3 ـ عثمان رضي الله عنه هو الجامع الثاني ـ مع الفرق بين العملين ـ لأن عمله ليس جمعاً، إنما كان كتابة القرآن الكريم على حسب العرضة الأخيرة، بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجبريل عليه السلام ، على حرف قريش ، بينما كان في زمن الصديق رضي الله عنه هو جمع آيات كل سورة على حدة بما فيها من الأحرف السبعة ، وكان الذي أشار بذلك حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما ، وشكل لذلك لجنة من كبار الصحابة القراء أيضاً .
4 ـ ثناء علي رضي الله عنه على عثمان في جمع القرآن وعلى الطريقة التي سار عليها ، وأن ذلك لم يكن بتصرفه الفردي ، إنما كان بمشورة الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا ما يصفع الرافضة على وجوههم ، ويكشف كذبهم وعوارهم . وأكتب نص قول علي رضي الله عنه ليعلم كذب الرافضة .
قال رضي الله عنه : أيها الناس ، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيراً، في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منّا جميعاً .
قال [عثمان رضي الله عنه ] : ما تقولون في هذه القراءة ؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول : إن قراءتي خير من قراءتك ، وهذا يكاد أن يكون كفراً .
قلنا : فما ترى ؟
قال : نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد ، فلا تكون فرقة ، ولا يكون اختلاف .
قلنا :فنعم ما رأيتَ .
قال : أي الناس أفصح ، وأي الناس أقرأ ؟
قالوا : أفصح الناس سعيد بن العاص ، وأقرؤهم زيد بن ثابت .(1/348)
فقال : ليكتب أحدُهما، ويُملي الآخر. ففعلا، وجمع الناس على مصحف واحد .
قال علي رضي الله عنه : والله لو وُلِّيتُ لفعلتُ مثلَ الذي فعل . رواه ابن أبي داود في كتابه المصاحف بإسناد صحيح ، كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ، والسيوطي في الإتقان .
ففي هذا النص : دلالة على أن عليّاً رضي الله عنه لو كان عنده مصحف ألفه هو لأظهره ، وأن ما فعله عثمان رضي الله عنه إنما هو بإجماع الصحابة رضي الله عنهم ، وزيادة في تأكيد رضاه أنه لو وُلِّي لفعل نفس الفعل ، وكل هذا دلالة على كذب ما يقوله الرافضة من وجود قرآن عنده ألفه
5 ـ ما في هذا القول هو خلاف ما ذكره الله تعالى من ثناء على المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، حيث أثنى عليهم بالإيمان والرضا، والإخلاص ، والصدق ، والجهاد ، والإنفاق ،... ودخول الجنة ، والخلود فيها : مما يدل على كذب هذا القول ، وافترائه على سيدنا علي رضي الله عنه .
6 ـ ما في هذا القول من دعوى الوصاية ، فهذا من صنع اليهود ، إذ لم يرد في الكتاب والسنة شيء من ذلك ، إنما هو افتراء ابن سبأ اليهودي .
7ـ ما في هذا القول من دعوى تأليف القرآن، وهذا من دعوى النصارى واليهود ، فالقرآن ليس مؤلَّفاً، وما قام به الصحابة إنما هو جمع لما هو متفرق في الأوراق والعظام واللخف والكرب ،... وفرق بين الفعلين .
8 ـ ما في هذا القول من دعوى اسقاط عمر رضي الله عنه لما في كتاب علي،...فذِكرُ القول يغني عن رده ، إذ الذين يحفظونه غيباً لا يحصون كثرة، والذين كانوا كتبوه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لَلْقَتْلُ أسهلُ عند أحدهم من مجرد التفكير في دعوى الحذف ، ولكن قاتل الله المجوس واليهود في حقدهم على الصحابة رضي الله عنهم .(1/349)
9 ـ ما في هذا القول من دعوى رغبة عمر في قتل علي رضي الله عنهما فإن هذا من أفجر الفجور، فما كان عليه عمر وعلي من صفاء ووئام وتقدير،... يرد هذا الافتراء ـ وقد مر قول بعضهما في بعض رضي الله عنهما من ثناء وتبجيل، لكن من كفر بكتاب الله، وادعى فيه التحريف والحذف والتغيير، ألا يهون عليه الكذب على خلق الله ؟!
10ـ ما في هذا الكتاب من دعوى قيام الحجة فيه : هذا طعن في علي رضي الله عنه نفسه، إذ لو كان مفتريه صادقاً لوجب على علي إظهارُه ، لأن الحجة قائمة بكتاب الله تعالى، قبل وبعد علي، فلا يجوز شرعاً إخفاؤه ، لأن إخفاءه ذنب عظيم ، مما يدل على كذب هذا القول وافترائه .
11ـ ما في هذا الكتاب من دعوى أن القرآن لا يمسه إلا الأوصياء: هذه دعوى يهودية ، وإلا فأين بلايين المسلمين الذين يحفظونه ويتلونه ويقرأون فيه نظراً وغيباً ، ثم ما حكم من مسه من المسلمين قبل وجود الأوصياء المزعومين ؟.
12ـ إن القرآن الكريم نزل ليظهر ويعمل به الناس ، لا ليخفى ، فهذه من حماقة الوضاع، كيف يخفيه علي رضي الله عنه ولا يريد أن يعمل به المسلم، والدال على الخير كفاعله، ومن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ،...
13 ـ هل يتصور الوضاع الكذاب أنه يكذّب عليّاً ويكفِّره ، لأنه لم يُظهر قرآنه بعد ما تولى الخلافة، فلم لم يظهره؟ هل هو خوف؟ الجواب : لا، لأنه بين شيعته ، وهو ثقة عندهم ، أم أنهم يكذبون عليه ؟ وهو الحق .
14ـ بقيت مسألة مهمة، هي: لِم خُص زيد بن ثابت رضي الله عنه بجمع القرآن أو كان رئيس الفريق الذي جمعه في المرتين في زمن سيدنا أبي بكر وزمن سيدنا عثمان رضي الله عنهما ؟(1/350)
أقول : لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقدِّمه في كتابة الوحي ، فهو أكثرهم كتابةً للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم من سائر الصحابة رضي الله عنهم بما فيهم علي رضي الله عنه ، فهما اتبعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في اختياره له رضي الله عنه . ولو اختارا غيره لكانا مقصِّرَين .
وقارن بين هذه الأقوال وبين ما ذكرتُه من قبل من إنكار سيدنا علي رضي الله عنه ، أشد الإنكار على دعوى أن النبيَّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم خص آل البيت بشيء لم يُعلِّمْه أحداً من الصحابة رضي الله عنهم .
ج ـ دعواهم أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم حرّفوا بعض الآيات أو الكلمات في الآيات أو زادوا فيه .
روى الكليني، أن أبا الحسين موسى عليه السلام كتب إلى علي بن سويد ـ وهو في السجن ـ : ولا تلتمس دينَ من ليس من شيعتك، ولا تحبّن دينَهم ، فإنهم الخائنون ، الذين خانوا الله ورسوله، وخانوا أماناتهم ، وهل تدري ما خانوا أماناتهم ؟ ائتُمِنوا على كتاب الله ، فحرّفوه وبدَّلوه .اهـ من الكافي .
وقال أحمد بن أبي طالب الطبرسي [اليهودي الأصل]: ثم دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم إلى جمعه وتأليفه وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم،... وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره،... والذي بدأ الكتاب عن الزرأ على النبيِّ صلى الله عليه وآله من فرقة الملحدين ، ولذلك قالوا : ويقولون منكراً من القول وزوراً .اهـ من الاحتجاج ( 383 )
هل يتصور الكذاب أنه يطعن في علي رضي الله عنه؟ لم لم يظهر قرآنه بعد أن تولى الخلافة ؟ هل هو خائف ؟ لا ، لأنه بين شيعته في الكوفة . أم أن ما يقوله الرافضة هو كذب واختلاق وافتراء عليه وعلى بقية الصحابة ؟ وهذا هو الحق .(1/351)
قال الكليني ـ في النص الرابع، في باب نادرـ: قال الإمام : إن الآية (171) من سورة الأعراف ؛ قد حُرِّفت ، حيث قال الله تعالى : {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } وقد أنزلت هكذا (ألست بربكم وأن محمداً رسولٌ وأن عليّاً أمير المؤمنين ).اهـ
وروى الكليني عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : قول الله عز وجل : {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ } قال : فقال : إن الكتابَ لم ينطق، ولن ينطق، ولكن رسول الله هو الناطق بالكتاب ، قال الله جل ذكره : ( هذا كتابنا يُنطَق ـ بصيغة المجهول ـ عليكم بالحق ) قال قلت : جُعلت فداك، إنّا لا نقرؤها هكذا . فقال : هكذا ـ والله ـ نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله ، ولكنه فيما حرّف من كتاب الله .اهـ من الكافي ، الروضة .
قاتل الله الكذابين ، ألم يعلموا أن الله تعالى هو الحافظ لكتابه ؟ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}وانظر الفقرة التالية. وانظر كسر الصنم (223 ـ وما بعد )
د ـ أمثلة على زيادات الرافضة ، وتحريفهم لآيات القرآن الكريم :
لقد فعل الرافضة كثيراً في زياداتهم في الآيات القرآنية ، أو تحريف في الآيات في سبيل إثبات مناقب ، أو منزلة للأئمة ، وقد ذكرت نماذج كثيرة في فصل الغلو في الأئمة ، وأذكر هنا بعض النماذج .
نقل الكليني ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : دفع إليَّ أبو الحسن عليه السلام مصحفاً وقال: لا تنظر فيه. ففتحته، وقرأت فيه {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} فوجدت فيه سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء أبائهم .اهـ كتاب فضل القرآن : باب النوادر ( 2 : 631 )
عليه سبعين لعنة ، في كذبه على علي رضي الله عنه .(1/352)
وقال في ـ (باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية ) عن أبي عبد الله عليه السلام { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ} كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم { فَنَسِيَ } هكذا ـ والله ـ أنزلت على محمد صلى الله عليه وآله .اهـ فوالله إنه لكذب ، والراوي زنديق كذاب .
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : نزل جبريل على محمد بهذه الآية هكذا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا } في علي نوراً مبيناً .اهـ
قال الكليني في قوله عز وجل : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ [ولا محدَّث ] إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ... }
هكذا زاد الكليني وشيوخه في الآية القرآنية جملة [ولا محدَّث] في سبيل إثبات الوحي للأئمة ، ولا شك بكفر الفاعل المتعمد .
كما أن الكليني يحرف الآيات القرآنية في سبيل إيجاد مناقب لأئمة آل البيت
فقد حرف الآية القرآنية {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} فكتبها الكليني (والذين عقدت إيمانكم) من الإيمان ، وقال : المقصود من هذه الجملة : الإمامُ ، حيث يُقبَل إيمانُكم عن طريق هؤلاء الأئمة .اهـ وجعل ذلك تحت عنوان ( باب القرآن يهدي للإمام ) .اهـ
هذا تحريف مشين ، وتلاعب في كتاب الله ، وجرأة في الضلال ، وجهل في معاني القرآن .
وقال الإمام في قوله عز وجل : {فإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ} أضاف الإمام هنا (وإلى أولي الأمر منكم ) بزيادة (وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْكمْ) .اهـ
ثم حصر ذلك في الأئمة الإثني عشر .(1/353)
وقال الكليني في هذه الآية : {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ } جاء عنده ـ عن الصادق قوله ـ : ( أن تكون أئمة هي أزكى من أئمتكم ) وهؤلاء الحمقى الجهال ـ من الكليني ورواته من قبل ـ لا يعرفون العربية ، فكلمة ( أئمة ) جمع لمذكر ( إمام ) ثم يعيد عليه ضمير المؤنث ( هي )
ثم زاد الطين بلة ، أنه لما قال الراوي للإمام الصادق : نحن نقرأ ـ بناء على ما جاء في جميع المصاحف ـ {أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ } أجاب الإمام إشارةً بيده : أن اتركوه .اهـ
هل يعقل أن يكون الصادق رحمه الله تعالى جريئاً على ترك آية من القرآن الكريم ، أم هو الكذب المحض عليه؟ ولعله ممن حرفوا التوراة والإنجيل .
وعن الحسين بن خالد أن أبا الحسن ـ موسى الرضا ـ قرأ آية الكرسي هكذا ( ألم . الله لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم.اهـ من تفسير القمي (1: 84) هل يعقل أن موسى الكاظم لا يعرف هذه الآية! أم هو التزوير ، لتشويه سمعته عند المسلمين .
وذكر القمي آية { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله } فقال : إنها قُرئت عند أبي عبد الله صلوات الله عليه ، فقال لقاريها : ألستم عرباً ؟ فكيف تكون المعقبات من بين يديه ؟ وإنما المعقب من خلفه . فقال الرجل : جُعلتُ فداك كيف هذا؟ فقال : نزلت (له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله ) اهـ من تفسير القمي (1: 360 )(1/354)
هذا جهل بالعربية ، ولا أعتقد إلا أن هذا المفتري أراد تشويه هذا الإمام الصالح، ولعل المفتري من الفرس، لأن معنى المعقب في اللغة يأتي بمعنيين: للذي يجيء عقب الآخر ، وللذي يكرر المجيء . وانظر لسان العرب .
ونقل القمي ـ عند قوله تعالى : {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لقد سألوا الله عظيماً ؛ أن يجعلهم للمتقين أئمة. فقيل له : كيف هذا يا ابن رسول الله؟ قال : إنما أنزل الله (واجعل لنا من المتقين إماماً) اهـ من تفسير القمي ( 2 : 117 )
وذكر الكليني ، عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في قول الله عز وجل : {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ } في ولاية علي والأئمة من بعده {فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} اهـ من الكافي : كتاب الحجة ( 1: 414 )
وما أضافه فهو ليس من القرآن ، ولكنه كذب على الله تعالى ، لعن الله تعالى من وضعه وأضافه .
وقد سبق قبل صفحتين ذكر عدد من الأمثلة في التحريف . وهذه أمثلة أخرى من نوع آخر :
روى الكليني ، عن جابر الجعفي ، أنه قال لأبي جعفر عليه السلام : لم سُمِّي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ؟ قال : الله سماه ، وهكذا أنزل في كتابه {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}(وأن محمداً رسولي وأن عليّاً أمير المؤمنين)اهـ من الكافي : باب النوادر ، من كتاب الحجة .(1/355)
إن جابراً كذّبه عدد من الأئمة ، ثم ما بين القوسين كذب محض ، وليس في كتاب من الكتب ، ثم إنه يتعارض مع فحوى النص ، إنه تعالى يقرّر المخلوقات بربوبيته تعالى، ولا يحسن أن يضاف إليه شيء آخر، ثم إن قوله: ( أمير المؤمنين ) فلم يكن أول من تلقب به هو ، بل أول من تلقّب به سيدنا عمر ثم عثمان رضي الله عنهما ، ثم صار وصفاً لجميع خلفاء المسلمين ، فهو ليس خاصاً بعلي رضي الله عنه ، حتى ينزل في الكتاب الكريم ما يخصه به .
وإنما كذب الرافضة على الله تعالى ليدّللوا على عقيدتهم الزائفة الكاذبة في الإمامة ، وأنها أمر رباني .
وذكر الكليني في الكافي في باب فيه نكت ونتف عن التنزيل في الولاية : اثنين وتسعين خبراً. ردّ المجلسي منها حسب قواعدهم (84)خبراً، ومنها:
روى عن جابر الجعفي قال : نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية على محمد هكذا {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا}(في علي){فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} فما بين القوسين كذب على الله تعالى زاده الرافضة لإثبات ألوهية أمر الولاية ، مع أن الآية نزلت في الكفار ، كما هو سياق الآيات .
وروى عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ* لِلْكَافِرِينَ } (بولاية علي ){لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} ثم قال : هكذا والله نزل بها جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله .اهـ
ما بين القوسين كذب على الله تعالى ، زاده الرافضة ليدلّلوا على ألوهية الولاية . لكن هيهات ، فأبو بصير يأتي وصفه في أئمة الشيعة من اليهود،...
وروى عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية هكذا : {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ} بولاية علي {إِلَّا كُفُوراً}اهـ(1/356)
وعنه قال : ونزل جبريل عليه السلام بهذه الآية هكذا {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ } (في ولاية علي ) {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ } (آل محمد ) {نَاراً}.اهـ فالآيات نزلت في الكفار ، وما بين القوسين من زيادة الرافضة ، ليضفوا صفة الألوهية على الولاية .
وروى عن الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : هكذا نزلت هذه الآية {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ } في علي {لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ } اهـ
هذا من الحماقة فالآية نزلت تتحدث عن اليهود ، انظر{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً}ولكن من أعمى الله عز وجل بصيرته لا تبصر عينه ما يكتب .
وعن منخل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نزل جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا } (في علي نوراً مبيناً) .اهـ
وهذا من الحماقة ، إذ الآية تخاطب أهل الكتاب من اليهود ، في أن يؤمنوا بالقرآن ، الذي هو مصدِّق لما معهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً}ولكن أبى الكذّاب إلا أن يجعل ما في اليهود في علي رضي الله عنه .(1/357)
وروى عن الجعفي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ الله } في علي {بَغْياً }اهـ هذه الآية تتحدّث عن حال اليهود ، ولكن الكذاب أبى إلا أن يجعلها في علي رضي الله عنه .
وروى عن مجهول قال : قرأ رجل عند أبي عبد الله عليه السلام {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} فقال : ليس هكذا ؟ إنما هي ( والمأمونون ) فنحن المأمونون .اهـ
هذا من التحريف المقيت . لأنه قد يوجد في الكفار مأمون ، فهل يكون شاهداً لأعمال المسلمين {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍيُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}
وروى عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية هكذا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ } في ولاية علي {فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا} بولاية علي { فَإِنَّ لله مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }اهـ
وهذا من الحماقة أيضاً ، الآية تخاطب الكفار ، بأنه قد جاءهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحق من الله تعالى ، فمِن الخير لهم أن يؤمنوا به ، فإن لم يؤمنوا به فلا يضروا الله تعالى شيئاً، لأن له ملك السموات والأرض، إنما تكون الخسارة عليهم . ولكن الرافضة بعد أن أعمى الله تعالى بصائرهم يعتقدون أن مجرد الإيمان بولاية علي تنجيهم من عذاب الله ، ولو لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما سيأتي.
هـ ـ دعواهم أن القرآن الكريم الموجود بين المسلمين ليس هو الذي نزل .(1/358)
قال علي أصغر البروجردي : والواجب أن نعتقد أن القرآن الأصلي لم يقع فيه تغيير وتبدل ، مع أنه وقع التحريف والحذف في القرآن الذي ألفه بعض المنافقين، والقرآن الأصلي الحقيقي موجود عند إمام العصر عجّل الله فرجه.اهـ من عقائد الشيعة ( 27 ) والشيعة السنة ( 121 )
يعتقد البروجردي : أن القرآن الأصلي ليس الموجود بين أيدينا ، إنما هو عند المهدي المزعوم الذي دخل السرداب عام ( 260 ) ومعه كل الكتب ،
طفل صغير بعد الرضاع بقليل يُؤتمن على القرآن الذي ألفه علي رضي الله عنه . لكن العقل نعمة ، وأيما نعمة .
أما هذا القرآن الذي أنزله الله تعالى على رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، وأملاه على الصحابة الكرام ـ كُتّاب الوحي ـ رضي الله عنهم ، والذي جمعوه بأجمعهم ، من الرقاع والخزف والكُرب إلى صحف واحدة ، فهذا هو الذي بُدِّل وحرِّف، تقليداً لليهود والنصارى في تحريف كتبهم، أما عندهم عقل ؟ لكن سيأتي السبب بعد قليل إن شاء الله تعالى .
تنبيه هام: يذكر عامة علماء الرافضة بعد ذكرهم (المهدي المنتظر عندهم) بقولهم : عجل الله فرجه ؟ هل هو مسجون ، مكتّف ، ومقيَّد ، حتى يسألوا فك قيده ؟ فمن الذي حبسه وقيده ؟؟؟ أرجو التنبه لذلك .
روى الطبرسي أن المهدي إذا خرج يكون معه : سلاح رسول الله ، وسيفه ذو الفقار ، وتكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة ، ويكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم، ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر...ويكون عنده مصحف فاطمة .اهـ من الاحتجاج ( 223 )
وقال نعمة الجزائري : إن الأئمة أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها ، والعملِ بأحكامه ، حتى يظهر مولانا صاحب الزمان ، فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء، ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين ، فيقرأ ويعمل بأحكامه .اهـ من الأنوار في مقدمته .(1/359)
ـ ابن سنتين ـ عند من زعم وجود الإمام الثاني عشر ـ هو أهل لكي يحفظ جمعاً من الكتب ولا يعبث بها ؟ أما فيكم عقل يا قوم ؟
ـ لقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن القرآن الكريم يرفع في آخر الزمان ، فإذا رُفع لم يبق في الأرض إلا لكع ابن لكع ، عليهم تقوم الساعة ، فهل الشيطان يتمثل لهؤلاء الرافضة ويعطيهم كتاباً من عنده؟ لأن القرآن لن يرفع إلا بعد كفر الناس وردتهم .
قال الصافي : المستفاد من مجموع هذه الأخبار وغيرها من الروايات ـ من طريق أهل البيت ـ أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله، بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغيَّر محرّف، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة؛ منها اسم علي في كثير من المواضع ، ومنها لفظة آل محمد غير مرة ، ومنها أسماء المنافقين ، ومنها غير ذلك ، وأنه ليس أيضاً على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله .اهـ من تفسير الصافي ( 13 ) هذا القول كفر بإجماع المسلمين ، عدا كذبة الرافضة .
لأنه يتعارض مع تكفل الله تعالى بحفظه : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}
و ـ خلاصة عقيدة الرافضة في دعوى التحريف .(1/360)
لقد لخصها صاحب التفسير الصافي بما يلي: أما اعتقاد مشائخنا في ذلك؛ فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن ، لأنه روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ، ولم يتعرض لقدح فيها ، مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه، وكذلك أستاذه علي بن إبراهيم القمي، فإن تفسيره مملوء منه، وله غلو فيه ، وكذلك الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي ، فإنه أيضاً نسج على منوالهما في كتابه الاحتجاج .اهـ من التفسير الصافي ( 14 )
قلت : لقد ذكر الكليني في الكافي في باب فيه نكت ونتف عن التنزيل في الولاية : اثنين وتسعين خبراً. ردّ المجلسي منها حسب قواعدهم (84) خبراً من أصل (92 )
قلت : ولا يسلم له الباقي ، فكلها مروية من طريق الزنادقة والكذّابين والمشكوك في دينهم والمجهولين ، انظر كسر الصنم ، وقد سبق قوله في أول الفصل . لذا فقول الصافي : لم يتعرض لقدح فيها . يوهم أنها صحيحة ، والواقع لا ، فكلها كذب حسب قواعدهم هم .
قال العلامة محمد عبد الستار التونسوي رحمه الله تعالى : أما اعتذار بعض الشيعة بأنها [أي روايات دعوى التحريف] ضعيفة ؛ فهو اعتذار بارد ، فإن معظم محدِّثي الشيعة وأعلامهم أورد هذه الروايات ووثقوها ، وما ردَّ أحدٌ منهم هذه الروايات ، ولا بيَّن عقيدته ضدها ، بل إنهم اعتقدوا التحريف ، وإننا نلتمس من علماء الشيعة أنهم إذا كانوا معترفين بأن القرآن محفوظ غير محرَّف ومبدّل فيه فيجب عليهم :
أولاً : أن يأتوا برواية واحدة صحيحة من أئمتهم المعصومين مذكورة في أي كتاب من كتبهم التي يعتمد عليها عندهم ، والتي تدل على أن القرآن محفوظ كامل ومكمّل غير محرَّف ، ولن يأتوا بهذه الرواية إلى يوم القيامة .
ويلزم عليهم ثانياً :أن يكفِّروا من يقول بتحريف القرآن، ويعلنوا عقيدتهم هذه في الجرائد والمجلات .(1/361)
ثالثاً: عليهم أن لا يروِّجوا هذه الروايات الدّالة على التحريف في مجالسهم، بل يتبرؤوا منها ومن أصحابها، في مجالسهم ومحافلهم، ويخطِّئوا الكتب التي وردت فيها مثلُ هذه الأكاذيب والضلالات ، كأصول الكافي والاحتجاج وغيرهما ،...
لقد عرضنا في هذه الصفحات عقيدة الشيعة حول التحريف في القرآن، مؤيدة بالروايات المتواترة عندهم ، وأقوال محدثيهم ومفسريهم وأعلامهم ، فلا يمكن أن يجحدها أحد منهم ، وهذه العبارات تكشف النقاب عن وجوههم المسودّة ، وتضع أمامنا عقائدهم حول الكتاب المقدس ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، ويقول الله تبارك وتعالى في هذا الكتاب المجيد : { ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ}
ويقول : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}
ويقول : { لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}
ويقول : {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ }
ويقول: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}
واتفق المسلمون قاطبة على أن القرآنَ الذي في المصاحف بأيدي المسلمين شرقاً وغرباً فما بين ذلك من أول القرآن إلى آخر المعوذتين : كلامُ الله عز وجل ووحيُه ، أنزله على محمد ^ ، من كفَر بحرف منه فهو كافر .
وأما ما يتمسك به بعض غفلة الشيعة حينما يعجز عن إثبات إيمانه بالقرآن الموجود المحفوظ الأكمل، ويقول: ولو أن روايات التحريف في كتبنا موجودة فلابأس بها، فإن كتبكم أيضاً تذكر نسخ التلاوة، والاختلاف في القراءات.(1/362)
فتمسكهم هذا إنما هو تمسك الغريق بالحشيش ، فإن نسخ التلاوة أمرٌ ثابت بالنصوص ، وهكذا اختلاف القراءات ، فأين الثرى من الثريا ، نعوذ بالله من المتغابين المتعاندين .
وعليه أن يقدِّم لنا عبارةً واحدةً من علماء أهل السنة تصرِّح أن القرآن محرَّفٌ أو مبدَّلٌ فيه ، بل إن أهل السنة قاطبة معتقدون بأن القائل بالتحريف في القرآن كافر خارج عن ملة الإسلام.اهـ من بطلان عقائد الشيعة (44 ـ 46)
ما هو الحامل للرافضة على القول بالتحريف ؟
من خلال النظر في فعل الرافضة وتصرفاتهم يتضح أن الذي حملهم على القول بتحريف القرآن أمور عدة ، وقد أطال الأستاذ إحسان إلهي ظهير رحمه الله تعالى في (الشيعة والسنة : 77 ـ 152) النفس في قضية التحريف ، وأرجع سبب قولهم به إلى أربعة أسباب ـ أذكر مختصراً لها وأزيد عليها ثلاثة أسباب أخرى ، إن شاء الله تعالى :
لكني أقول : إن دين الرافضة يعتمد في أصله على ثلاثة أمور أساسية ،
أولاً: مسألة الإمامة والوصاية، فهي أصل دينهم، وعقدة مذهبهم، ومن أنكرها فقد كفر ، وقد سبق
قول الصادق : نحن الذين فرض الله طاعتنا ، لا يسع الناس إلا معرفتنا، ولا يُعذر الناس بجهالتنا ، من عرفنا كان مؤمناً ، ومن أنكرنا كان كافراً ، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاً حتى يرجع إلى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة ،... .اهـ
وقولُه :ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبي قط إلا بها .اهـ
وقوله : ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولم يَبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ووصية علي رضي الله عنه .اهـ
وقوله : أُشرك بين الأوصياء والرسل في الطاعة .اهـ
وقوله : أثافي الإسلام ثلاثة : الصلاة والزكاة والولاية ،...اهـ
وقال أبو جعفر : إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين على ولاية علي ، وأخذ عهد النبيين بولاية علي .اهـ بصائر الدرجات (2 : باب 9 )(1/363)
وعن علي رضي الله عنه قال : إن الله عرض ولايتي على أهل السموات وعلى الأرض ؛ فأقرَّ بها من أقر ، وأنكرها من أنكر ، أنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقرَّ بها.اهـ من البصائر (2: باب10) هذا هو الكفر، والعياذ بالله تعالى . وانظر الشيعة والسنة فقد ذكر نماذج كثيرة في ذلك .
فلما كانت الولاية والوصاية لعلي رضي الله عنه بهذه المنزلة عندهم ـ كما هي عقيدة اليهود ـ ولم يجدوا شيئاً من ذلك في كتاب الله تعالى ، ماذا يفعلون لحل هذه المشكلة ؟ دلّتهم شياطينهم من الجن والإنس إلى ادعاء التحريف في كتاب الله تعالى، وأن كبار الصحابة رضي الله عنهم حذفوا تلك الآيات، وأسقطوا تلك الجُمل ـ والتي ذكرت نماذج منها ـ من القرآن الكريم ، حقداً منهم على علي رضي الله عنه وعلى أولاده من بعده، وهذا كله كذب وزور ، وانظر العلاقة بين الصحابة وعلي وأولاده من بعده رضي الله عنهم فيما مضى.
ثانياً : لقد ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة فيها بيان فضل الصحابة الكرام رضي الله عنهم، من الإخبار برضوان الله تعالى عليهم، وكمال إيمانهم وصدقهم، وإنزال السكينة عليهم، حتى بيان علو مقامهم السامي، وشأنهم العالي، ومرتبتهم الرفيعة، ومنزلتهم الراقية، مع بيان خلودهم في الجنة، وما لاطفهم تعالى به ، وأكرمهم ومدحهم ، ووعدهم في الدنيا والآخرة ،... وتفضيله تعالى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار على من بعدهم ، ثم من يأتي بعدهم { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}وعشرات بل أكثر من ثلاثمائة آية في الثناء على الصحابة رضي الله عنهم ،...(1/364)
فهذه الآيات الكريمة إضافة إلى مئات بل أكثر من ألف حديث شريف ـ تصطدم مع دعوى الإمامة والوصاية ، لذا لا يمكن لهم أمام هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ؛ التي تبين فضلهم ومنزلتهم والعناية بهم ، وحسن تعاملهم ،... إلا أن يكفِّروا الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وعلى الأخص كبارهم والسابقين منهم ، والخلفاء الثلاثة ، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتخلص من تلك الآيات الكريمة ، وذلك بتحريف الآيات الكريمة ، أو بتأويلها تأويلاً باطلاً تنفر منه القلوب السليمة ، وتشمئز منه العقول النيّرة.
وإذا عرفنا أن الركيزة الثانية التي يقوم عليها دين الرافضة هي الطعن في الصحابة وتكفيرهم ، وعلى الأخص الثلاثة ، ومن رافقهم وساعدهم في الحكم رضي الله عنهم ، عرفنا سبب إنكارهم لما جاء في كتاب الله تعالى من آيات فيها بيان فضلهم ومكانتهم .
روى الكليني عن أبي جعفر رحمه الله تعالى قال : كان الناس أهل ردَّةٍ بعد النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم إلّا ثلاثة . فقلت : من الثلاثة ؟ فقال : المقداد ابن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي.اهـ من الكافي (3 : 85) ورجال الكشي ( 12 ـ 13 )
وروى عنه رحمه الله تعالى قال : إن الشيخين ـ أبا بكر وعمر ـ فارقا الدنيا ولم يتوبا ، ولم يذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين عليه السلام ، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .اهـ الكافي ( 8 : 246 )
وروى عن محمد الباقر قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم : من ادعى إمامةً من الله ليست له ، ومن جحد إماماً من الله ، ومن زعم أن لأبي بكر وعمر نصيباً في الإسلام ، لا يكلمه الله ولا يزكيه وله عذاب أليم .اهـ من الكافي ( 1 : 373 )(1/365)
وروى الكشي عن حمران قال : قلت لأبي جعفر (ع) : ما أقلَّنا ، لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ فقال : ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟ قال : قلت : بلى. قال : المهاجرون والأنصار ذهبوا ... إلا ثلاثة .اهـ من رجال الكشي (13)
لذا عمد الرافضة ـ عاملهم الله تعالى بعدله ـ إلى تحريف الآيات القرآنية ، وذلك باتهامهم الصحابة رضي الله عنهم بثلاثة أنواع من التهم :
1ـ أنهم هم الذين وضعوا تلك الآيات الدالة على مدحهم والثناء عليهم
2ـ هم الذين أسقطوا ما جاء في القرآن الكريم من مثالب وتكفير وذم ، ووعيد لهم بالنار .
3ـ ثم هم الذين حذفوا ما جاء في كتاب الله تعالى من آيات فيها مناقب وفضائل آل البيت ، وشيعة علي رضي الله عنه . وقد مر ذكر بعض الأمثلة .
فقد نقل الكليني عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : دفع إليَّ أبو الحسن عليه السلام مصحفاً وقال : لا تنظر فيه . ففتحته ، وقرأت فيه {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} فوجدت فيه سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم .اهـ
عليه سبعين لعنة ، في كذبه على علي رضي الله عنه .
كما مر قول الطبرسي ، عن أبي ذر الغفاري : أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله : جمع عليٌّ القرآن،...وجاء به إلى المهاجرين والأنصار، وعرضه عليهم ، لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم ،...ثم أحضر زيد بن ثابت ـ وكان قارئاً للقرآن ـ فقال له عمر : إن عليّاً جاءنا بالقرآن ، وفيه فضائح المهاجرين والأنصار ، وقد رأينا أن نُؤلِّف القرآن ونُسقِط منه ما كان فيه فضيحة وهتك المهاجرين والأنصار . فأجابه زيد إلى ذلك ،...الخ
ألا لعنة الله على الكاذبين ، وانظر نقض الخبر وبيان بطلانه ، فيما سبق .(1/366)
وروى الكاشاني ، أن عثمان أمر زيد بن ثابت ـ الذي كان من أصدقائه هو ، وعدواً لعلي ـ أن يجمع القرآن ، ويحذف منه مناقب آل البيت وذم أعدائهم ، والقرآن الموجود حالياً في أيدي الناس والمعروف بمصحف عثمان هو نفس القرآن الذي جُمع بأمر عثمان .اهـ من الشيعة والسنة (112) نقلاً من هداية الطالبين (368) ـ وهو بالفارسي.
ألا يدري الكذاب الملعون أنه يتهم سيدنا عليّاً رضي الله عنه بالخيانة، وأنه متهم بما فعله عثمان رضي الله عنه لأنه لم يتكلّم أثناءها؟ ثم لم لم يُظهر مصحفه الصحيح في أيام خلافته ؟ مع أنه مكث سنوات ، وهو بين شيعته ومؤيديه وأعوانه ، ويسمعون له ويطيعون ، لأنه عندهم الإمام المعصوم . كل ذلك دلالة على كذب الخبر وأمثاله .
ثالثاً : لما رأى الرافضة ـ عاملهم الله تعالى بعدله ـ أن القرآن الكريم حُفظ بمجهودات الصحابة الكرام رضي الله عنهم ـ خاصة الثلاثة منهم ـ وذلك:
ـ إما جمعه في صحف من اللخاف والكرب والخزف والرقاع،...وترتيب آياته وسوره ، حسب التوقيف الذي كان نزل فيه، بما فيه الأحرف السبعة .
ـ وإما جمعه على حرف واحد ـ حرف قريش ـ حسب العرضة الأخيرة ، التي كان جبريل عليه السلام يعارض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكل ذلك كان بمحضر الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم الموجودين في المدينة ، وكان علي رضي الله عنه أكبر المستشارين في ذلك وبموافقته .
فلما رأى الرافضة هذا الفضل قد طار به الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم ـ والقرآن هو الأساس الحقيقي للإسلام، وقد خصّهم الله تعالى بهذا التكريم ـ نقموا عليهم ، وجرّهم الحقد الذي أكل قلوبهم ، والحسد الذي أطمس بصائرهم، والبغض الذي أقض مضاجعهم إلى هدم ذلك الأساس،... لذا قالوا بالتغيير والتحريف ، وزعموا أن الصحابة رضي الله عنهم لما رأوا الآيات في مناقب آل البيت وعلي رضي الله عنه وفي الإمامة، ورأوا نصوصاً تطعن في حقهم ،... أسقطوا ذلك كلّه .(1/367)
فقد روى الكليني ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبريل بهذه الآية هكذا {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا} (آل محمد ) {لَمْ يَكُنِ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيراً}الكافي : كتاب الحجة : باب فيه نكت ونتف ( 1 : 424 )
وروى فيه أيضاً ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} (آل محمد حقهم ){قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}(آل محمد حقهم ){ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (1 : 424 )
وهذا من الحماقة ، فالآية الأولى في الكفار ، بينما الآية الثانية هي في أهل الكتاب ، كما هو سياق الآيات قبلها وبعدها . وانظر : الشيعة والسنة ، فقد ذكر عدة أمثلة أخرى .
رابعاً : لما رأى الرافضة أن القرآن الكريم حُفظ بمجهودات الصحابة الكرام ـ وعلي منهم ـ رضي الله عنهم ، وأنهم قد فازوا بذلك الفضل والتكريم واختصوا به ، وأنهم سيُذكرون به مدى الدهر ، وأن الله تعالى رفعهم به : حسدوهم، وأرادوا أن يكون ذلك الفضل لأئمة البيت، فهم الذين حفظوه، ودونوه ، وكتبوه ، لذا اخترعوا من عند أنفسهم أن عليّاً رضي الله عنه انعزل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وألف القرآن ، ولما أظهره للصحابة رضي الله عنهم ورأوا فيه مثالبهم ـ حاشاهم ـ رفضوه ، فأخفاه ، وجعله في ذريته، حتى اختفى هذا القرآن المزعوم مع المهدي المزعوم المخفي في السرداب منذ نحو (1170) سنة وقد مر بيان ذلك .(1/368)
بالإضافة إلى وجود مجموعة من الكتب التي نزل به الوحي ـ حسب ما زعمه الرافضة ـ وهي غير القرآن الكريم ، وهي موجودة كلها عند المهدي المزعوم ، وأنه لم يطلع عليها الشيعة أنفسهم ، لأنها ما زالت تطبخ على نار هادئة .
كما يوجد في هذه الكتب عدد من السور ، وعدد من الآيات ، المزعومة ، والتي تنص على فضل أهل البيت، وعلى الإمامة والوصاية، وخلافة الأئمة ، كالجامعة ، والجفر الأحمر، والجفر الأبيض ، ومصحف علي رضي الله عنه ، ومصحف فاطمة رضي الله عنها ، وأنه أكبر من المصحف الموجود ثلاث مرات ، ولا يوجد فيه حرف واحد مما في القرآن الكريم ، وأن من زعم أنه جمع القرآن غير الأئمة فهو كاذب ، كما يوجد مجموعة صحف ، كصحيفة الناموس ، وصحيفة العبيطة ، وصحيفة علي ، وغيرها . وقد مر ذكرها .
روى الكليني ـ كما مر ـ في باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة ، وأنهم يعلمون علمه كله . عن جابر الجعفي قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : ما ادعى أحدٌ من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزله الله إلا كذّاب ، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده .اهـ
وقال نعمة الله الجزائري الرافضي : قد استفاض في الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلّفه إلا أمير المؤمنين .اهـ من الأنوار النعمانية .
وهذا كذب محض ، فقد جمعه عدد كبير من الأنصار قبل علي ، كما جمعه كثير من المهاجرين ومنهم علي في زمن النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، كما لم يجمعه الأئمة لأن الجمع كان في زمن أبي بكر رضي الله عنه ، وكان الحسن رضي الله عنه لم يبلغ التاسعة بعد فكيف بمن بعده ، لكن قاتل الله الكذبة ما أجرأهم على الله تعالى .(1/369)
خامساً : من المعلوم أن الله تعالى ذكر في كتابه الكريم مئات الآيات فيها الثناء على الصحابة الكرام رضي الله عنهم ـ سواء بذكر المهاجرين والأنصار، أو بالمخاطبة الدالَّة عليهم ـ من بيان رضاه تعالى عنهم ، وإخباره تعالى عن إيمانهم الحق ، وعن صدقهم وكريم خصالهم ، وجميل فعالهم ، من جهاد ، وإنفاق ، وخشوع وبكاء وتضرع وانتفاع بذكره تعالى ،... الخ.
بينما لم يرد في كتاب الله تعالى في بيان فضل آل البيت إلا القليل النادر ، لأنهم داخلون دخولاً أوليّاً في صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكل ما جاء في وصف الصحابة فهو فيهم ، وكل ما ورد فيهم فهو شامل للصحابة رضي الله عنهم .
ومعلوم أن دين الرافضة يقوم على ثلاث ركائز أساسية :
1ـ دعوى الإمامة والوصاية ، طبقاً لما هو عند اليهود .
2ـ تقديس الأئمة من آل البيت ، والغلو فيهم ، حتى أوصلوهم إلى مقام فوق مستوى الأنبياء والرسل عليهم السلام ، وأنهم يشاركون الله تعالى في كثير من الصفات ،... طبقاً لما هو عند المجوس واليهود والنصارى .
3ـ الطعن في الصحابة الكرام رضي الله عنهم بما فيهم ساداتهم .لأسباب متعددة ذكرتها من قبل .
لذا أراد الرافضة أن ينفرد آل البيت بالتفرد في الفضل ، ولا يكن لغيرهم ما يشاركونهم فيه . فلما اصطدموا بمئات الآيات التي تثني على الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، وتبيِّن فضلَهم هالهم ذلك ، لذا عمدوا إلى تحريف الآيات القرآنية ، وذلك عن طريقين :
1ـ حذف الآيات التي تدل على فضائل الصحابة الكرام رضي الله عنهم، أو تأويلها تأويلاً فاسداً ، أو تحريفها .
2 ـ إضافة ( كلمة ) آل البيت في الآيات حتى يُذكر لهم فضل .
وهذا كله من نقص عقولهم، فأهل السنة يحبّون آل البيت ـ كما سبق بيانه ـ وبنفس الوقت : يحترمون الصحابة رضي الله عنهم ويوقرونهم ، ويذكرون لهم فضلهم ومكانتهم وجهادهم ،... الخ .(1/370)
ومما يدل على أن هؤلاء الكذّابين ليسوا من أهل الصنعة نجد أن كذبهم مكشوف، ظاهر، جلي، لذا يغير بلاغة القرآن، ويسلب عنه جرسه وميزته. كما قد يغير المعنى ، ولكن لا يهمهم ذلك طالما أثبتوا مناقب لآل البيت .
وقد ذكرت نماذج كثيرة مما فعله الرافضة ـ عاملهم الله تعالى بعدله ـ قبل قليل ، وهذه نماذج منها ، مما ذكره الكليني في الكافي :
ـ روى عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية هكذا : {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ} بولاية علي {إِلَّا كُفُوراً}اهـ
وعنه قال : ونزل جبريل عليه السلام بهذه الآية هكذا {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ } (في ولاية علي ) {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ } (آل محمد ) {نَاراً}.اهـ فالآيات نزلت في الكفار ، وما بين القوسين من زيادة الرافضة ، ليضفوا صفة الألوهية على الولاية .
وروى عن الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : هكذا نزلت هذه الآية {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ } في علي {لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ } اهـ
هذا من الحماقة فالآية نزلت تتحدث عن اليهود ، انظر{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً}ولكن من أعمى الله عز وجل بصيرته لا تبصر عينه ما يكتب .
وعن منخل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نزل جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا } (في علي نوراً مبيناً) .اهـ(1/371)
وهذا من الحماقة ، إذ الآية تخاطب أهل الكتاب من اليهود ، في أن يؤمنوا بالقرآن ، الذي هو مصدِّق لما معهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً}ولكن أبى الكذّاب إلا أن يجعل ما في اليهود في علي رضي الله عنه . وانظر ما سبق .
سادساً : إن الرافضة ـ كما خالفوا المسلمين في كثير من الأصول ، خاصة في العقائد ـ خالفوهم في كثير من الأحكام الفرعية أيضاً ، وكما عمد الرافضة
إلى تحريف الآيات القرآنية لإثبات أصولهم التي ينبني عليها دينهم ومعتقدهم، كذلك عمدوا إلى تحريف الآيات لموافقة مذهبهم المشين في الفروع ، وإن كانوا جعلوه أصلاً من أصول مذهبهم .
قال الطبرسي : قد رُوي عن جماعة من الصحابة منهم ؛ أُبي بن كعب ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن مسعود : أنهم قرأوا { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } إلى أجل مسمى {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } قال : وفي ذلك تصريح بأن المراد به عند المتعة.اهـ مجمع البيان (3: 32) وانظر الشيعة والسنة (130ـ131)
عجباً لهؤلاء القوم : يكفّرون الصحابة رضي الله عنهم ، ثم يستدلون بما يفترونه عليهم ! ثم إن سياق الآية يمنع هذه الزيادة ، إذ هناك فرق حسب مقتضى اللغة بين التمتع والاستمتاع، فالتمتع يكون إلى أجل، أما الاستمتاع فلا أجل له ، لكن كما قلت : لا يهمهم تغيير المعنى ، طالما يثبتون معتقدهم بالباطل. ثم إن تركيب الآية يفسد، ونظم الآية الكريمة يختل ـ بهذه الزيادة ـ وانظر الآيات الكريمة كما هي في سورة النساء :(1/372)
قال الله تعالى : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَاقَدْ سَلَفَ إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَحِيماً * وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ الله عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَاوَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} وسياق الآية ليس في نكاح المتعة قطعاً .
فبعد أن ذكر الله تعالى تحريم المحارم من النساء من النسب وما تبعه من الرضاع والمصاهرة : ذكر الأجنبيات المحصنات وهن المتزوجات . مستثنياً ملك اليمين . فمن أراد أن يتزوج امرأة ـ من غير المحارم ـ دفع إليها المهر ، ثم كان الزواج الشرعي ، أو التسري بملك اليمين ، ولا يكون سفاحاً أو مخادنة ، ثم أيما امرأة تريد نكاحها فعليك أن تدفع لها مهراً ؛ مقابل إباحتها لك ، فإذا هي أبرأتك ـ من المهر أو من بعضه ـ بعدما تدفعه لها ، فلا جناح عليك ولا عليها في ذلك ، والله تعالى أعلم .(1/373)
وإلا فما يقولون في قوله تعالى : {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْض} فهل هو إلى أجل مسمى أم إلى مدى الحياة!
إن من عجيب إعجاز القرآن الكريم في البيان : أن المتاع ، وباب التفعل والتفعيل منه : قد جاء في القرآن لانتفاع مؤقت ، ذُكرت غايته أو لم تذكر . ولم يجئ الاستمتاع في القرآن إلا في الانتفاع الدائم ، الذي لم ينقطع إلا بانقطاع حياة الدنيا، والغالب في استفعال القرآن هو المبالغة ؛ مثل : الإجابة والاستجابة، والإخراج والاستخراج، ومثل الإقامة والاستقامة . أما متعة النكاح ونكاح المتعة فلم ينزل قرآن فيها وفيه .اهـ من الوشيعة (121)
سابعاً : لما كان كثير من أئمة الرافضة من المجوس واليهود والنصارى ، وكان هدف هؤلاء الأشرار إبعادَ الشيعة عن حظيرة الإسلام بكل وسيلة ، لذا اخترعوا فكرة تحريف الآيات القرآنية في سبيل التخلص من كثير من أحكام الإسلام ، وعدم التقيد بأحكامه ، وحدوده ،
فلما رسّخوا في معتقداتهم وقوعَ التحريف في الآيات القرآنية الكريمة ، وإباحة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هان الخروج عنه، لاحتمال أن تكون كل آية : محرفة ، وبهذا سهل الخروج من حدود الشرع ، والبقاء تحت كنفه ،...
لذا يعتقد كثير من الرافضة أنهم لا يعاقَبون على ارتكاب المعاصي والفجور والمنكرات ؛ ما داموا داخلين في دين الرافضة ومذهبهم ، وأنهم يدينون بالولاء لأئمة آل البيت، ويسبون الصحابة الكرام رضي الله عنهم ويلعنونهم(1/374)
روى الكليني عن يزيد بن معاوية قال : قال أبو جعفر عليه السلام : وهل الدين إلا الحب . وقال : إن رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله أحبُّ المصلّين ولا أُصلي، وأحب الصّوّامين ولا أصوم . فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : > أنت مع من أحببت < اهـ من الكافي : كتاب الروضة ، في الفروع .
هذا الحديث ـ بهذا اللفظ كذب ، وهو مأخوذ من الحديث التالي .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رجلاً قال : يا رسول الله ، متى الساعة ؟ قال : > ما أعددتَ لها ؟ < فقال : يا رسول الله ، ما أعددتُ لها كثيرَ صيامٍ ، ولا صلاة ، ولا صدقةٍ، ولكني أحبُّ الله ورسولَه . قال : >أنت مع من أحببتَ < الحديث ، متفق عليه .
هذا هو الحديث ، وبنحوه جاء من حديث ابن مسعود وأبي سعيد رضي الله عنهما . فليس في الحديث ( ولا أصلي ، ولا أصوم ) إذ دين لا صلاة فيه ولا صيام ولا،...ليس بدين ، ولكن السائل يسأل رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم عمن يصلي ويصوم ويتصدّق،..ويحب قوماً عُبّاداً كثيري الصلاة والصيام والصدقة والعبادة بفروعها ، لكنه لا يقوى أن يفعل مثلهم ، لعدم قدرته على ذلك (ولمّا يلحق بهم) كما في حديثي ابن مسعود وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما.
ثم هل يُعقل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل لا يصلي ولا يصوم ولا يتصدّق : إنه من أهل الجنة ، وأنه معه صلى الله عليه وآله وسلم ومع أصحابه رضي الله عنهم في الجنة ! ؟
إن القوم يريدون التحلل من العبادات ، ولكن يريدون أن يكون لهم مستند شرعي في تحللهم ، وانخلاعهم من الأحكام الشرعية .
لذا كانوا قليلي العبادة، كثيري التحلل منها، كثيري الوقوع في المحظورات .
وقبل أيام سمعت شيخاً رافضياً أصله من إيران ، ويتكلم بلهجة عراقية يخطب في جمع من الرافضة قال : سؤال : الشيعي الفاسق في الجنة، والسني الصالح العدل في النار ؟(1/375)
فقال : نعم ، الشيعي وإن كان فاسقاً فعنده ما ينجيه ، حب آل البيت والولاية ، أما السني وإن كان صالحاً تقياً ذا أخلاق فاضلة فهو في النار ، لأنه لا يحب آل البيت، وما عنده ولاية، أما الشيعي الفاسق ، صحيح يأكل كم عصاي على تقصيره في الصلاة والصوم والحج والعبادة ، لكن تأتيه محبة آل البيت والولاية فتنقذه . لأنه ما قاله الباقر وهو حديث مسلسل يقول النبيُّ عليه السلام: >بني الإسلام على خمس؛ الصلاة والصوم والزكاة والحج < والولاية .اهـ وقد سبق ذكره والتعليق عليه وبيان كذبه .
هذا هو المنجي ، يفعل المنكرات والمعاصي ويعتقد أنه ناج من العذاب ، بل يرى المنكرات من أفضل العبادات ، كما مر في المتعة، واستباحة اللواط ، وإعارة الفرج ، والخمس وغيرها .
هذه بعض العوامل ، ذكر منها الأستاذ إحسان إلهي رحمه الله تعالى أربعة منها ، وزدت عليه الباقي ، والله تعالى هو الحافظ .
وفي ختام هذا الفصل أقول :
ـ لو كان في القرآن تحريف ـ لا سمح الله تعالى ـ لاستمر التحريف فيه ، والتبديل إلى يومنا ، كما نلاحظه في الكتب الأخرى ، كم لعبت بها أيد ، بينما الموجود من القرآن في زماننا هو نفسه الموجود في زمن الصحابة رضي الله عنهم ، كما جرت المقابلة بين المخطوطات القديمة والمطبوعات الحديثة .
ـ إذا نظرنا إلى كتب الرافضة التي كُتبت في القرن الخامس مثلاً كيف تغيرت ، كما نراه في الفصل القادم ، لأنها غير معصومة ، ولا محفوظة .
ـ لو كان التحريف موجوداً في القرآن الكريم ـ لا سمح الله ـ لاستغلّه أعداء الإسلام ، خاصة من اليهود والنصارى والمستشرقين ، ولبيّنوا ذلك ، مكتشفين هذا العيب ، ولكن هيهات ، فقد حفظه الله تعالى وصانه .
ـ كم حاول أعداء الإسلام من دس وتحريف في القرآن الكريم ، ولكن الله تعالى يكشفهم ، ويفضحهم ، ويظهر سوءاتهم لجميع الناس ، فينقلبوا خاسئين ملعونين ، لأنهم يكذبون على الله تعالى .(1/376)
ـ كم من حافظ يحفظ القرآن الكريم غيباً عن ظهر قلب ، منذ الصدر الأول إلى يومنا هذا ، وإن لم يكن في الرافضة من يحفظ .
ـ إن القرآن الكريم هو معجزة النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، العامة الدائمة المستمرة ، فلو كان قابلاً للتغيير والتبديل ؛ لما صح أن يكون معجزة لسيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وآله وسلم .
ـ إن القرآن الكريم هو أساس الإسلام، وعليه اعتماده، وهو قطب رحاه، وهو مدار أساسه ، فإذا جرى عليه التبديل والتغيير ، والتحريف والزيادة والنقصان،...هل ستبقى ثقة فيه؟وهل يسلم حكم شرعي من دعوى خطأ الحكم ، لاحتمال اعتماده على نص محرّف ، بل هل يسلم مذهب الرافضة أنفسهم ، إذ لقائل أن يقول لهم : كل ما تقولونه وتنسبونه لأئمتكم : هو محرّف مكذوب عليهم، طالما قلتم ذلك على أفضل كتاب وخير الكتب، فما أنتم عليه من باب أولى بالتغيير والتبديل .
ثم ماذا تقولون للكفار إذا دعوتموهم إلى الإسلام ، ولم يبق ثقة في دينكم وكتابكم ، فإذا قالوا لكم هذا محرف ماذا تقولون ؟(1/377)
ـ ثم ما أنتم فاعلون بتكفل الله تعالى بحفظ هذا الكتاب، وتميزه عن سائر الكتب ، أم هي ألسنة اليهود والنصارى والمجوس نبحت فقالت إنه محرّف فصدّقتم .{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لايَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}فإذا بلغ بعضه لايتم غاية ما في النص. ثم إذا تحدى الله تعالى الثقلين على أن يأتوا بمثل هذا القرآن فأنى للرافضة أن تزوّر وتزيد فيه زيادة باردة باهتة مكشوفة ،
ـ أم أنكم ادّعيتم التحريف والتبديل لأن الذي اقترح جمعه هو الفاروق الأكبر عمر على الصِّدِّيق الأكبر أبي بكر رضي الله عنهما ، فلامتلاء قلوبكم من الحقد والبغض عليهما : عمدتم إلى القول بدعوى التحريف ، وعمدتم إلى الزيادة والتأويل الفاسد . فهلا أفصحتم بذلك الحقد حتى يعلم العقلاء والمثقفون منهم أين يضعون أقدامهم بعد قراءة هذه الرسالة ونحوها .
ـ وقبل الأخير أقول : لقد اتفق علماء الحديث من أهل السنة والرافضة على قوله صلى الله عليه وآله وسلم : >... وأنا تاركٌ فيكم ثقلين : أولُهما كتابُ الله ؛ فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله ، واستمسكوا به < فحثّ على كتاب الله ، ورغَّب فيه . ثم قال : > وأهلُ بيتي ، أُذكِّركم الله في أهل بيتي . أُذكِّركم الله في أهل بيتي . أُذكِّركم الله في أهل بيتي < الحديث ، رواه مسلم ، من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه ، وقد مر ذكره مطوّلاً .(1/378)
وهذا يدل على أن هذا الكتاب الكريم موجود بتمامه ـ كما أنزل ـ في كل عصر ومصر ، بعده صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلا كيف يأمرنا بالتمسك بما خلّفه فينا ؛ إذا كان قابلاً للتغيير والتبديل ، وأنه لا يقدر على التمسك به.
ـ ومن مظاهر التحريف عند الرافضة : لم أر من يحفظ القرآن الكريم غيباً عن ظهر قلب بين أولاد الرافضة ، لا في العراق ولا في إيران ، بل لا يوجد فيهم من يقيمه بلسانه ، ولا من يعرف وجوه أدائه . وانظر الوشيعة (37 )
ـ وفي الأخيرأقول: هل تعلمون يا معشر الرافضة أن بدعواكم أن القرآن الحقيقي عند علي رضي الله عنه وأنه أخفاه عنده ثم تناقله أولاده وهو الآن عند المهدي المختفي في الغار منذ عام (260هـ ) : أنكم تنسبون بقولكم هذا التقصير إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ حاشاه ـ في التبليغ ، لأنه لم يبلغه إلا لعليٍّ رضي الله عنه ، لذا غاب هذا القرآن الحقيقي ، بينما لو بلّغه للأمة لما غاب حرف منه . ولا شك بكفر قائل هذا القول .
ـ كما أنكم بهذا القول تتهمون الله تعالى ـ حاشاه تعالى ـ بإخلاف وعده ، في تكفله لحفظ هذا القرآن : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} فإنه تعالى لم يستحفظه أحداً ، لكنه تعالى وعد وتكفّل بحفظه ، وأنتم تقولون لم يحفظ عند الخلق ، إنما هو محفوظ عند الغائب .
ـ كما أنكم تتهمون عليّاً رضي الله عنه بالخيانة للأمة ـ حاشاه ـ لأنه أخفى عنهم كتاب الله تعالى الموجود عنده ، ولم يطلع عليه أحد .(1/379)
ـ ثم ما فائدة وجوده عند الغائب . إنما أنزل هذا القرآن ليعمل به ، لا ليستر عند الغائب منذ نحو (1170عاماً) فبأي شيء تعمل الأمة . ثم ما فائدة نزوله إلى الأرض ، لينشر ويعلم الناسُ أحكامَ الله تعالى ، ويعملون بما فيه ، أم ليخفى ولا يعلم به أحد ؟ فإذا أخفي ـ حتى على الرافضة ـ كيف يعرف الناس أحكام الدين، ومن المسؤول عن هذا الكتمان؟ ثم من أين أتى الأئمة العلم طالما أن القرآن غائب عن الجميع؟ وكذا من أين عرف العلماء العلوم وهي مخفية عند المهدي المزعوم المخفي في الغار ؟
ـ ثم إن قولكم هذا هو طعن في الصدر الأول من الأمة ، بأنهم ردوا بعض ما أنزل الله تعالى على رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد فقتم اليهود والنصارى في تمجيدهم لسلفهم ، وأنتم تكفِّرون سلف الأمة ، وردُّ بعض القرآن ولو كان حرفاً واحداً كفر في عقيدة الأمة، فكيف تزعمون أن أكثر من ثلثي القرآن غاب .وانظر الوشيعة ( 37 )
فصل
أئمة الرافضة من اليهود والنصارى والمجوس
لقد فعل أعداء الإسلام ما أمكنهم من قوة في سبيل القضاء على دين الإسلام وأهله ، فإن لم يمكنهم ذلك فلا غرو من إفساد عقائد المسلمين ليخرجوهم من هذا الدين، وقد اندس كثير من اليهود والنصارى والمجوس في الرافضة ليفسدوا عليهم دينهم ، ويخرجوهم من ملة الإسلام ، ويوقعوا بينهم وبين بقية المسلمين العداوة والبغضاء ، ويشقوا صفوف المسلمين ، فكان لهم ما أرادوا ، حيث أخرجوا كثيراً منهم من دائرة الإسلام بتلك المعتقدات الباطلة، بعد أن تولوا مرتبة الصدارة فيهم، ومُلئت كتبهم المعتمدة بأقوالهم وآرائهم ، وصارت كتب بعضهم سبةً في جبين الرافضة ، بل في الحياة كلها ، وقد تعرض السيد حسين لذكر كثير منهم ، أقتصر على ذكر بعضهم :(1/380)
1ـ من أوائل هؤلاء : عبد الله بن سبأ ، وهو يهودي من اليمن . وقد سبق ذكر الآراء والمعتقدات التي بثها بين الشيعة ، لأنه قدم المدينة فلم يجد له إذناً صاغية ، ثم ذهب إلى الشام فلم يستطع العيش فيها ، فأتى العراق فباض فيها وفرَّخ .
2 ـ عبد الله بن السوداء . وهو يهودي من الحيرة ، وكان اليد اليمنى لابن سبأ ، وهو صاحب فكرة الوصاية، ولعله أخذها من ابن سبأ ، وقد أخذاها من اليهودية .
3 ـ عبد الله بن خرسي ، وهو يهودي ، وهو اليد الأخرى لعبد الله بن سبأ ، وهؤلاء الثلاثة هم أوائل من حرّف محبي سيدنا علي رضي الله عنه ، وأخرجوهم عن الجادة .
4 ـ هشام بن الحكم ، وحديثه في مختلف كتب الرافضة المعتمدة ، وهو الذي تسبب في سجن الإمام الكاظم رحمه الله تعالى ، ثم في قتله .
قال الكشي : إن هشام بن الحكم ضالٌّ مضل ، شارك في دم أبي الحسن عليه السلام .اهـ رجال الكشي ( 229 )
قال هشام لأبي الحسن عليه السلام : أوصني . قال : أوصيك أن تتقي الله في دمي .اهـ من رجال الكشي ( 226 )
وقال له أبو الحسن رحمه الله تعالى : يا هشام ، أيسرك أن تشترك في دم امرئ مسلم؟ قال : لا. قال : وكيف تشترك في دمي ؟ فإن سكتَّ وإلا فهو الذبح ، فما سكت حتى كان من أمره ما كان .اهـ من رجال الكشي (231)
وكان هذا يزعم أن الله تعالى جسم شاب حسن الهيئة ابن ثلاثين يقف في خضرة ـ تعالى الله عن ذلك ـ وهذا قد أخذه من اليهود .
5 ـ هشام بن سالم الجواليقي .
قال محمد بن الفرج الرخجي : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم ، وهشام بن سالم في الصورة .
فكتب : دع عنك حيرة الحيران ، واستعذ بالله من الشيطان ، ليس القول ما قال الهشامان . أصول الكافي (1: 105) وبحار الأنوار (3: 288) والفصول المهمة (51)(1/381)
6 ـ صاحب الطاق ـ ويسمى شيطان الطاق ـ واسمه محمد بن علي . هو صاحب فكرة الإمامة حتى رد عليه زيد بن علي رحمهما الله تعالى . وقد اتهم زيداً ـ عندما كذّبه ـ بعدم ثقة أبيه ( زين العابدين ) به . وقد سبق ذكر ذلك مفصّلاً .
7 ـ علي بن إسماعيل الميثمي .( وكل هؤلاء أصلهم من اليهود )
فهم يقولون عن الله تعالى : إنه أجوف إلى السرة ، والباقي صمد . وهذه آثار يهودية أدخلت على التشيع عن طريق هؤلاء ، ومع كل هذا فأقوالهم في قائمة الصدارة في مختلف كتب الرافضة المعتمدة ، وقد سبق ذكر بعض الأقوال عنهم .
8 ـ زرارة بن أعين .
قال الشيخ الطوسي : إن زرارة من أسرة نصرانية ، وإن جده سنسن ـ وقيل : سبسن ـ كان راهباً نصرانياً ، وكان أبوه عبداً روميّاً لرجل من بني شيبان .اهـ من الفهرست ( 104 )
وقد سبق ذكر بعض تصرفاته مع جعفر الصادق رحمه الله تعالى. واسمع هذه الأقوال عن جعفر الصادق رحمه الله تعالى ـ إضافة إلى ما مر ـ وابتداعه في الإسلام .
قال ابن مسكان : سمعت زرارة يقول : رحم الله أبا جعفر ، وأما جعفر فإن في قلبي عليه لفتة .
فقلت له : وما حمل زرارة على هذا ؟
قال : حمله على هذا أن أبا عبد الله أخرج مخازيه .اهـ رجال الكشي(131 )
وقال أبو عبد الله رحمه الله تعالى: لعن الله زرارة .اهـ رجال الكشي(133)
وقال رحمه الله تعالى : اللهم لو لم يكن جهنم إلا سكرجة [ إناء صغير ] لوسعها آل أعين بن سنسن .اهـ رجال الكشي ( 133 )
وقال رحمه الله تعالى : لعن الله بريداً ، لعن الله زرارة .اهـ الكشي (134)
وقال رحمه الله تعالى : هذا زرارة بن أعين ، هذا والله من الذين وصفهم الله تعالى في كتابه العزيز{وَقَدِمْنَا إِلَى مَاعَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً}اهـ الكشي (136)(1/382)
وقال رحمه الله تعالى : إن قوماً يعارون الإيمان عارية ، ثم يُسلبونه ، فيقال لهم يوم القيامة : المعارون. أما إن زرارة بن أعين منهم.اهـ من رجال الكشي (141)
وقال رحمه الله تعالى : زرارة شر من اليهود والنصارى ومن قال : إن الله ثالث ثلاثة، إن الله نكس زرارة.اهـ رجال الكشي (138) وانظر بقية الأقوال في كشف الأسرار .
9 ـ أبو بصير ليث بن البختري الأعمى ، كان يتهم موسى الكاظم رحمه الله تعالى بقلة العلم ، وبالركون إلى الدنيا ، إضافة إلى أنه غير موثوق بدينه .
تذاكر ابن أبي يعفور وأبو بصير في أمر الدنيا ، فقال أبو بصير : أما إن صاحبكم لو ظفر بها لاستأثر بها . فأغفى ، فجاء كلب يريد أن يشغر عليه ، فقام حماد بن عثمان ليطرده ، فقال له ابنُ أبي يعفور : دعه ، فجاءه حتى شغر في أذنيه . اهـ من رجال الكشي ( 154 ، انظر حادثة أخرى فيه 155 )
ـ سئل موسى الكاظم رحمه الله تعالى عن رجل تزوج امرأة لها زوج ولم يعلم . فقال أبو الحسن عليه السلام : تُرجم المرأة ، وليس على الرجل شيء إذا لم يعلم .
فضرب أبو بصير على صدره يحكُّها وقال: أظن صاحبنا ما تكامل علمه. رجال الكشي ( 154 ) أين التسليم للإمام ، وأنه لا يسأل عن بينة ؟
قال أبو بصير: كنت أُقرئ امرأة ، كنتُ أعلمها القرآن ، فمازحتها بشيء .
قال : فقدمتْ على أبي جعفر عليه السلام .
قال : فقال لي أبو جعفر : يا أبا بصير ، أي شيء قلتَ للمرأة ؟
قل : قلت بيدي هكذا ، وغطى وجهه .
قال فقال أبو جعفر : لا تعودن عليها .اهـ من رجال الكشي ( 154 )
يُعلِّم القرآن وهو سفيه ، غير مأمون ، يغدر بمن تثق به .
10 ـ سهل بن زياد ، الذي حرف الآيات القرآنية ، لإظهار منزلة الأئمة ، لإيجاد الفرقة بين الآل . ولذا لعنه الإمام .
11ـ يونس بن ظبيان الفطحي ، الذي حرَّف الآيات القرآنية ، لإيجاد الفرقة بين الآل . وهو مدعي إمامة الطفل ، واسمع إلى هذه الدعوى المضحكة المبكية :(1/383)
يقول يونس بن ظبيان للإمام الرضا رضي الله عنه : كنت في الطواف ، فجاء الله فوق رأسي ، وخاطبني وقال : يا يونس {إِنَّنِي أَنَا الله لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}
فغضب سيدنا الرضا، وقال له : اخرج . وقال لرجل آخر حاضر عنده: أخرجه . ثم قال له : لعنة الله عليك وعلى من خاطبك . اخرج ، وقال : ألف لعنة على يونس بن ظبيان ، وبعده ألف ألف لعنة، وكل لعنة تؤديه إلى النار. وقال : أشهد أن الذي خاطبه كان هو الشيطان ، ألا إن يونس مع أبي الخطاب سيكونان في القيد وفي الحديد وفي أشد العذاب . انظر كسر الصنم (239) وقد سبق ذكره من قبل .
هكذا يدعي النبوة ، وأن الله عز جل يخاطبه كفاحاً ، وإنما هو الشيطان يتلاعب به ، وهو يريد أن يتلاعب بالبسطاء ، ويضحك عليهم ، ويريهم أنه من الملهمين ، أخزاه الله تعالى .
12 ـ المغيرة بن سعيد :
قال الإمام الصادق رحمه الله تعالى : إن المغيرة بن سعيد لعنه الله دسَّ في كتب أصحاب أبي [ الباقر ] أحاديث لم يحدِّث بها أبي ، فاتقوا الله ، ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، إنّا إذا حدَّثْنا قلنا : قال الله تعالى ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .اهـ مجمع البحار ( 2 : باب 29 )
وقال أيضاً : إن المغيرة يتعمد الكذب على أبي، ويأخذ كتبَ أصحابه، وكان أصحابُه [أي أصحاب المغيرة ] المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة فكان يدس فيها الكفر والزندقة ، ويسندها إلى أبي رضي الله عنه ، ثم يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أن يبثوها في الشيعة ، فكل ما كان في أصحاب أبي رضي الله عنه من الغلو فذاك مما دسَّه المغيرة بن سعيد في كتبهم.اهـ في الباب نفسه ، رقم (63)
13 ـ أبو الخطاب :(1/384)
قال الإمام الرضا رحمه الله تعالى : إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله رضي الله عنه ، لعن الله أبا الخطاب ، وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسّون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله رضي الله عنه ، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن . فإنا إن تحدَّثْنا تحدَّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة ، إنّا عن الله ورسله نحدّث .اهـ من البحار : الباب نفسه ، رقم (62 )
فهذا اعتراف صريح من الإمامين رحمهما الله تعالى بكذب أصحاب الباقر والصادق رحمهما الله تعالى عليهما ، ودس الكفر والزندقة والكذب في كتبهم ، والنقل عنهم ، مع أن أقوال هؤلاء الكذبة موجودة في كل كتب الشيعة، وتعتبر من الأقوال المعتمدة في المذهب، كما تعتبر من أوثق المصادر. ولو استعرضت أسماء الكذبة والدجالين والمنافقين ـ الذين يتمسحون بقرب الأئمة ويدّعون ولاءهم لهم ـ لطال الحديث، وخرجنا عن حد الاختصار . انظر رجال الكشي وغيره ينبئك .
14 ـ أبو عبيدة رجاء بن المنذر الحذّاء :
قال عنه جعفر الصادق رحمه الله تعالى : إنه أعمى الظاهر والباطن . وكان رجلاً ملعوناً ، وكذّاباً ، وصانعاً للمذاهب .
وهناك كثير من الكذابين ، فمن نظر في رجال الكشي ، ومرآة العقول للمجلسي ، بالإضافة إلى كتب الرجال عند الشيعة الرافضة لوجد الأعداد الهائلة من هؤلاء ، لكن حسبي ما ذكرت ، إنما هي نماذج .
* قال السيد حسين: لقد ظهر في طبرستان جماعة تظاهروا بالعلم ، وهم ممن اندسوا في التشيع ، لغرض الفساد والإفساد ، ومن المعلوم أن الإنسان تشهد عليه آثاره ، فإن كانت أثاره حسنة فهذا دليل حسن سلوكه وخُلُقه واعتقاده وسلامة سريرته، والعكس بالعكس ، فإن الآثار السيئة تدل على سوء من خلَّفها؛ سواء في سلوكه أو في خُلقه أو في اعتقاده، وتدل على فساد سريرته .
إن علماء طبرستان تركوا مخلفات تثير الشكوك حول شخصياتهم ، ولنأخذ ثلاثةً من أشهر من خرج من طبرستان .اهـ(1/385)
15 ـ الميرزا حسين بن تقي النوري الطبرسي ، مؤلف كتاب ( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ) الذي جمع فيه أكثر من ألفي رواية من كتب الشيعة ليثبت بها تحريف القرآن الكريم ، مع جمعه لأقوال الفقهاء والمجتهدين من الشيعة في ذلك . وكتابه يعتبر وصمة عار في جبين كل شيعي على وجه الأرض ، علماً بأن دعوى التحريف إنما وجدت بعد قيام الدولة الصفوية ، كما سيأتي .
لقد سبق الميرزا حسين الطبرسي اليهود والنصارى في دعواهم تلك ، إذ لو جمعنا ما عندهم لا يتجاوز عشرة أقوال ـ وكلها من أقوال الكذّابين المتهمين بدينهم ـ فكيف بمسلم يزعم أنه يوالي آل البيت ، يأتي إلى كتاب فيه عز الإسلام والمسلمين ، الكتاب الذي تكفّل الله تعالى بحفظه ، فيكذّب الله تعالى في ذلك ، ويحشر أقوال الفسقة الفجرة الكذّابين ليبرهن أنه محرَّف ومزوّر . فهل هذا مسلم مؤمن بالله الذي أنزل كتابه وتعهد بحفظه ؟ إنه يهودي حقود ، كذّاب أشر ، كما سيأتي .
16ـ أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي [اسم مستعار، لقصد التمويه ، حتى يتسنى له بث سمومه، ولا يعرف له أصل] صاحب كتاب (الاحتجاج) الذي شارك صاحبَه السابق بدعوى تحريف القرآن ، وأورد فيه روايات متعددة في ذلك ، كما أورد في هذا الكتاب روايات ـ كلها كذب مختلقة ـ يزعم وجود العلاقة السيئة بين علي وبين سائر الصحابة رضي الله عنهم ، بقصد الوقيعة بين المسلمين ، وقد كان لكتابه الأثر السيء في ذلك ، ومن استحضر ما ذكرته من ثناء عليٍّ على الصحابة رضي الله عنهم يعلم كذب ما قاله وزعمه هذا اليهودي ، الذي يُعيد ما فعله اليهود بين الأنصار رضي الله عنهم من الوقيعة ، لولا حكمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .(1/386)
17ـ فضل بن الحسن الطبرسي ، صاحب كتاب مجمع البيان في تفسير القرآن . الذي شحنه بالطامات والمغالطات والتأويل الباطل في سبيل إيقاع الفرقة بين المسلمين ، بما ذكره من تحوير بالآيات وتزوير في التفسير ، في إيجاد مناقب مكذوبة لآل البيت .
قال السيد حسين : إن منطقة طبرستان والمناطق المجاورة لها مليئة بيهود الخزر ، وهؤلاء الطبرسيون هم من يهود الخزر ؛ المتسترين بالإسلام ، فمؤلفاتهم من أكبر الكتب الطاعنة بدين الإسلام ، بحيث لو قارنا بين فصل الخطاب وبين مؤلفات المستشرقين الطاعنة بدين الإسلام ؛ لرأينا فصل الخطاب أشد طعناً من مؤلفات أولئك المستشرقين، وهكذا مؤلفات الآخرين .اهـ ( 101 )
وقد سألت عدداً من الأخوة الإيرانيين ، فأكدوا لي ذلك .
18ـ قال السيد حسين : تُوفي أحد السادة المدَرِّسين في الحوزة النجفية ، فغسّلتُ جثمانه مبتغياً بذلك وجه الله ، وساعدني في غسله بعضُ أولاده ، فاكتشفت أثناء الغسل أن الفقيد الراحل غير مختون !!! ولا أستطيع الآن أن أسمّي هذا ( الفقيد ) لأن أولاده يعرفون من غسّل أباهم ، فإذا ذكرته عرفوني ،...
وهناك بعض السادة في الحوزة لي عليهم ملاحظات ، تثير الشكوك حولهم والريب ، وأنا ـ والحمد لله ـ دائب البحث والتحري للتأكد من حقيقتهم .اهـ (101 )
قلت : إن الذين لا يختنون هم : النصارى والمجوس .
أما ترى إلى ابنة القرين الشيبانية وهي تحرِّض بني شيبان على الفرس ومن معهم من الخونة يوم معركة ذي قار ـ وهي أول معركة ينتصف بها العربُ من الفرس ـ كما ذكر الطبري وغيره :
وَيْهاً بني شيبان صفّاً بعد صَفْ إنْ تُهزَموا يُصَبِّغوا فينا القُلَف
وقالت امرأة من بني عِجِل وهي تحرِّض بني عجل في نفس المعركة :
إنْ يظْهروا يحَرِّزوا فينا الغُرَل إِيهاً فداءٌ لكمُ بني عِجِل
* وفي ختام هذا الفصل أذكر لوناً آخر من تأثير العناصر الأجنبية في التشيع، وهو العبث في الكتب المعتمدة عندهم. بل في أصح الكتب عندهم(1/387)
أولاً : كتاب الكافي ، لقد سبق ما نقلته من مدحٍ لهذا الكتاب ، وأنه أعظم المصادر عندهم ، وأنه لم يعمل للإمامية مثله ، بل هو أجل الكتب الإسلامية ، وأنه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه ، وأنه موثّق من الإمام الثاني عشر ـ صاحب السرداب ـ لأن الكليني عرضه عليه في سردابه ، وقال عنه القائم : الكافي كافٍ لشيعتنا . كما مر
فماذا فعلت الأيدي الخبيثة ـ أيدي سبأ ـ فيه ؟
ـ لقد ذكر أبو جعفر الطوسي (ت460هـ ) أن كتاب الكافي مشتملٌ على ثلاثين كتاباً .اهـ من الفهرست ( 161 )
ـ وقال الخوانساري : اختلفوا في كتاب الروضة الذي يضم مجموعةً من الأبواب : هل هو أحد كتب الكافي الذي هو من تأليف الكليني أو مزيد عليه فيما بعد ؟ .اهـ من روضات الجنات ( 6 : 118 )
ـ وقال السيد حسين حيدر الكركي العاملي (ت 1076) : إن كتاب الكافي خمسون كتاباً بالأسانيد التي فيه لكل حديث متصل بالأئمة عليهم السلام .اهـ من روضات الجنات ( 6 : 114 )
ـ أقول : كان عدد كتب الكافي ـ في القرن الخامس ـ ثلاثين كتاباً ، ثم زاد بعد عدة قرون عشرين كتاباً ، فمن أين جاءت ؟ ومن الذي زادها ؟ وهل هو شخص واحد أو عدة أشخاص ؟ وما نوعية هؤلاء الأشخاص ؟ وما هو غرضهم من هذه الزيادة ؟ وما هي هذه الأبواب التي زيدت ؟ وما هي الأحاديث التي زادوها ؟ وهل بقي كتاب الكافي معتبراً ؟ وهل ما زال القائم المعصوم موثِّقاً له ؟ أسئلة تحتاج إلى أجوبة صريحة ، ولن تجدها إلا يوم البعث .
لقد بلغت الزيادة (40 %) من مجموع ما في الكافي، فهل بقيت الثقة فيه؟
ـ لقد بيَّن المجلسي ـ وهو أستاذٌ لمصطلح الحديث ورجاله لدى الشيعة ـ في كتابه مرآة العقول : أن معظم أخبار الكافي ضعيفة ومجهولة ومرسلة ومكذوبة، وضعّف من حيث السند (9000) تسعة آلاف نص من أحاديث الكافي ، من أصل (16199)
وكان قد أنكر بشدة ـ في كتابه ـ دعوى عرض كتاب الكافي على القائم المعصوم .(1/388)
وقد استدرك آية الله البرقعي على المجلسي ـ حسب قواعد الشيعة ـ فبيّن أن أغلب أحاديث الكافي ضعيف أو منكر أو متروك أو موضوع ومكذوب وهو الغالب ، وأن عامتها مراسيل ، وذلك في كتابه (كسر الصنم) فانظره .
ثانياً : كتاب تهذيب الأحكام، للشيخ الطوسي، مؤسس الحوزة النجفية ويعتبر الكتابَ الثاني من الصحاح عندهم ، كما قال السيد حسين ـ وهو أحد علماء الحوزة النجفية .
ـ لقد ذكر الطوسي ـ مؤلف الكتاب نفسه ـ في عدة الأصول : أن تهذيب الأحكام يحوي نحواً من ( 5000 ) حديثاً .
ـ بينما يذكر فقهاء وعلماء الشيعة الآن أنه يحوي ( 13590 ) حديثاً .
ـ فمن الذي زاد في الكتاب ـ بعد مؤلفه ـ هذه الزيادات التي تجاوزت العدد الأصلي للكتاب ؟ وتُعاد نفس الأسئلة التي طُرحت قبل قليل على كتاب الكافي .
مع ملاحظة البلايا والرزايا التي ذُكرت في الكتابين وغيرهما ، فمن الذي وضعها ؟
وما هي الأيدي الخفية المتسترة بالإسلام ، التي جعلت تلك النصوص الظاهرة الكذب ـ بل ظاهرة الكفر ـ في هذه الكتب ؟
ثالثاً : إن أول كتاب ـ عند الشيعة ـ نص على تحريف القرآن الكريم هو كتاب سليم بن قيس الهلالي (ت90 هـ ) فإنه أورد روايتين فقط ، وهو أول كتاب يظهر للشيعة ، ولا يوجد فيه غير هاتين الروايتين . علماً بأن هذا الكتاب مكذوب على سليم ، وضَعَه أبانُ بن أبي عياش [ الكذّاب ] ونسبه إلى سليم ، وقد نص أئمة الشيعة كالأردبيلي، وابن مطهر الحلي وضع هذا الكتاب إليه . انظر كسر الصنم ( 77 ) و( لله ثم للتاريخ 104ـ 105 )
فمن أين جاء ما يزيد على (2000) رواية عن أئمة الشيعة بتحريف القرآن ؟!
رابعاً : استنكار بعض علمائهم هذه الطامات من التناقض .(1/389)
ـ قال الإمام الطوسي ـ في مقدمة تهذيب الأحكام ـ : ذاكرني بعض الأصدقاء ... بأحاديث أصحابنا ، وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد ، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده ، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا .اهـ
هذا ما يخبر به الطوسي ، والمتوفّى سنة (460 هـ ) فكيف بما بعد زمانه ؟
وعلى الرغم من حرص الطوسي نفسه على كتابه إلا أنه لم يسلم ـ هو الآخر ـ من التحريف والزيادات القبيحة كما مر قبل قليل .
ـ قال السيد هاشم معروف الحسيني: وضع قُصّاصُ الشيعة مع ما وضعه أعداء الأئمة عدداً كثيراً من هذا النوع للأئمة الهداة .
ـ وقال : وبعد التتبع في الأحاديث المنتشرة في مجاميع الحديث كالكافي والوافي وغيرهما ؛ نجد أن الغلاة والحاقدين على الأئمة الهداة لم يتركوا باباً من الأبواب إلا ودخلوا منه، لإفساد أحاديث الأئمة، والإساءة إلى سمعتهم .اهـ من الموضوعات ( 165 ، 253 )
ـ قال السيد حسين : في زيارتي للهند ، التقيت السيد دلدار علي ، فأهداني نسخة من كتابه (أساس الأصول) جاء في (ص51): إن الأحاديث المأثورة عن الأئمة مختلفة جدّاً ، لا يكاد يوجد حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه ، ولا يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده. وهذا الذي دفع الجم الغفير إلى ترك مذهب الشيعة .اهـ( لله ثم للتاريخ 104)
خامساً : الإكثار من التزوير في كتب الشيعة .
إن التآمر على التشيع ليس جديداً ، بل هو قديم ، قِدم المذهب الشيعي ، ولم يكن ذلك في مذهب من مذاهب السنة ، إنما وجد ذلك عند اليهود والنصارى ، وقد ساعد على ذلك عوامل متعددة :
ـ ما فعله ابن سبأ ورفاقه ـ عاملهم الله تعالى بعدله ـ من إدخالهم في التشيع كثيراً من معتقدات اليهود .(1/390)
ـ التزوير في كتب الشيعة ازداد منذ زمن الأئمة رحمهم الله تعالى ، وقد مر قبل قليل قول الصادق والرضا رحمهما الله تعالى في تزوير المغيرة بن سعيد وأبي الخطاب وأصحابهما في كتب الإمامين ، وإدخال الكفر والزندقة في كتبهما رحمهما الله تعالى ، مما هما منه براء .
ـ إن غيبة القائم [ المهدي ] جعلت المجال أوسع في التآمر . وسيأتي قول القمي والنوبختي من تآمر المجرمين على الدين ، بالإضافة إلى وجود النواب الدجاجلة الكذابين المشكوك في دينهم ،... وما فعلوه .
ـ لكن لما قامت الدولة الصفوية صار هناك مجال كبير لوضع الروايات المكذوبة ، وإلصاقها بالأئمة وعلى الأخص الإمامين الباقر والصادق رحمهما الله تعالى ، إذ لم يكذب على أحد الأئمة ما كُذِب عليهما . ولهذا تجد أغلب الروايات تروى عنهما .
لقد ذكر محمد بن سعد بن عبد الله الأشعري القمي ـ وهو من تلاميذ الإمام الحسن العسكري، ومن كبار علماء الشيعة ـ في كتابه (المقالات والفِرَق) والعلامة النوبختي ـ وهو من معاصري الإمام الحسن العسكري ، ومن كبار علماء الشيعة ـ في كتابه ( فِرَق الشيعة ) أن خمسة عشر شخصاً تآمروا على الدِّين ، وسعوا لتخريبه بعد وفاة الإمام العسكري ، وجميعهم كانوا يعتقدون أن الإمام الحسن العسكري ليس له ولد، إلّا فئة منهم كانوا يقولون: بل له ولد ، ولكننا لم نره .اهـ من كسر الصنم (248)
وأُذكّر بمختصر لقولَي الصادق والرضا رحمهما الله تعالى ، وإن حصل تكرار .
قال الإمام الصادق رحمه الله تعالى : إن المغيرة بن سعيد لعنه الله دسَّ في كتب أصحاب أبي [ الباقر ] أحاديث لم يحدِّث بها أبي ،...اهـ مجمع البحار (2 : باب 29 )(1/391)
وقال : إن المغيرة يتعمد الكذب على أبي ، ويأخذ كتبَ أصحابه ، وكان أصحابُه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة فكان يدس فيها الكفر والزندقة ، ويسندها إلى أبي رضي الله عنه ، ثم يدفعها إلى أصحابه ، فيأمرهم أن يبثوها في الشيعة ، فكل ما كان في أصحاب أبي رضي الله عنه من الغلو فذاك مما دسَّه المغيرة بن سعيد في كتبهم .اهـ في الباب نفسه ، رقم (63)
قال الإمام الرضا رحمه الله تعالى : إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله رضي الله عنه ، لعن الله أبا الخطاب ، وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله رضي الله عنه،..اهـ من المصدر السابق .
* وانظر إلى هذا النوع من الأمور المفتراة التي لا يقبلها عاقل : ادعاء الرافضة أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وعلياً والأئمة يُبعثون ليبايعوا القائم ، وأنهم يتولون الحكم واحداً بعد واحد ثم يموتون ، كما سيأتي . وأن النبوة لم تنته ، وأن الإمام أفضل من الأنبياء والرسل عليهم السلام ، وأنهم شركاء الله تعالى في خلقه وأوصافه ، كما مر .
لكن انظر إلى هذا النوع من الأمور المفتراة التي لا يقبلها عاقل : وهو ادعاء الرافضة أن كسرى الوثني المجوسي لن يبقى في النار ، وأنه سيدخل الجنة ، وينسبون ذلك إلى عليٍّ رضي الله عنه ، والله يعلم إنه لبريء .
روى المجلسي عن أمير المؤمنين ـ رضي الله عنه ـ قال : إن الله قد خلّصه ـ أي كسرى ـ من النار ، وإن النار محرَّمة عليه .اهـ من بحار الأنوار (41: 4)
لأنه جدُّ الأئمة ، ومثل هذا القول إنما هو من فعل المجوس ، لذا قاتل الله تعالى من افتراه ولصقه بأمير المؤمنين كرّم الله وجهه ، حيث إنه من أشد الناس عداوة للكفار ، خاصة اليهود والنصارى والمجوس .
فصل
مهام القائم ( المهدي ) إذا ظهر(1/392)
إن قضية الإمام المهدي ـ وهو القائم كما يسمونه ، وهو الإمام الثاني عشر عند الإمامية ـ تثير العجب ، لأنها خرافة من الخرافات ، ولا وجود لها حقيقة، بل لا وجود لشخصِ الإمام الثاني عشر دخيل السرداب في سامراء البتة ـ ذلك أن الإمام الحادي عشر ، وهو الحسن العسكري رحمه الله تعالى توفي وليس له ولد مولود ، ولم يكن في نسائه أو جواريه واحدة حامل أو ذات ولد ، وهذا ما أطبقت عليه كتب الشيعة المعتبرة ، انظر على سبيل المثال: الغيبة للطوسي(74)والإرشاد للمفيد(354)وأعلام الورى للفضل الطبرسي (380) والمقالات والفِرَق للأشعري القمي (102) وغيرها،...
فكلها تنص على أن الحسن العسكري رحمه الله تعالى ليس له ولد ، فمن أين أتى هذا الغلام، ودخل في السرداب منذ أكثر ألف ومائة عام تقريباً ، (1170) ولم يظهر إلى الآن !! راجع ما كتبته عن الرجعة في بحث العقائد .
ثم إن الغرابة في حياة هذا المزعوم ، حيث له غيبتان ؛ صغرى ، وكان يلتقي به عدد من نوابه ؛ كعثمان بن سعيد العمري ، وابنه محمد بن عثمان ، وحسين بن روح ،... وآخرهم علي بن محمد السيمري ، وهو الذي تلقى منه آخر رسالة عام (329 هـ ) يخبره فيها بوقوع الغيبة الكبرى أو التامة ، فلا ظهور له إلا بعد أن يأذن الله في آخر الزمان ، فمن ادعى رؤيته بعد ذلك فهو كذاب مفتر ، ثم مات السيمري بعد ذلك بقليل .
وقد توسع السيد أحمد الكاتب في هذا الموضوع ، وبيّن أن الإمام الثاني عشر لا حقيقة له، ولا وجود لشخصه أصلاً. كما حقق في مسألة نُوّاب هذا الإمام ، فأثبت أنهم قوم من الدجاجلة ، ادعوا النيابة من أجل الاستحواذ على ما يراد من أموال الخمس ، وما يلقى في المرقد ، أو عند السرداب من تبرعات .(1/393)
كما تكفل السيد آية الله البرقعي في كتابه (كسر الصنم) ببيان كل ما ورد في الكافي من روايات عن أئمة آل البيت رحمهم الله تعالى ، وبيّن أنها كلها كذب مختلق ، وباطل من القول منكر ، حسب رأي رجال الشيعة الإمامية أنفسهم ، بما ينقله عن المجلسي وغيره ، لأنها مروية عن أناس دجالين كذّابين ، أو زنادقة ، أو منكرين ، بالإضافة إلى انقطاع السند . لذا من أحب الاستزادة من معرفة ذلك فليرجع إلى تلك الكتب .
مناقشة دعوى المهدي عند الرافضة .
من خلال النظر في كتب الشيعة يتضح ما يلي :
1 ـ اختلاف كتب الشيعة في عدد الأئمة .
قال أحد المجتهدين الرافضة لآية الله البرقعي : إن أحاديث الكافي كلها صحيحة ، ولا يحتمل الشك فيها أبداً، وإذا قال أحدٌ غيرَ هذا فهو مغرض.
فقال الإمام البرقعي : إذا كنتَ تقول بصحة جميع أحاديثه فلِمَ لا تعتقد بثلاثة عشر إماماً ؟ ذلك أنه روي في المجلد الأول من الكافي ( في باب عدد الأئمة ) أربعُ روايات على أن الأئمة ثلاثة عشر إماماً .
قال المجتهد : أرني ذلك ؟ فأريته فتعجب ، وقال : ما رأيت ذلك من قبل .اهـ من كسر الصنم ( 38 ، وانظر فيه 324 ، 342 )
وأذكر هنا عدة نصوص ـ وإن كان عند المحدِّثين من أهل السنة هي كذب ـ مما رواها الكليني في الكافي عن شيوخه ، عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وعن أمير المؤمنين رضي الله عنه ، تحت عنوان ( باب ما جاء في الإثني عشر والنص عليه ) تنص على أن الأئمة ليسوا اثني عشر ، بل هم ثلاثة عشر .
ـ ففي الحديث رقم ( 8 ) قال أمير المؤمنين رضي الله عنه : إن لهذه الأمة اثني عشر إماماً ؛ هدى من ذرية نبيها ، وهم مني .اهـ وعليٌّ رضي الله عنه ـ كما هو معلوم ـ ليس من ذرية النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، إنما هو ابن عمه وختنه ، ثم هم من أحفاده ، فصار العدد (13) ثلاثة عشر .(1/394)
ـ وفي رقم ( 9 ) قال : دخلت على فاطمة عليها السلام ، وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها ، فعدّت اثني عشر ، آخرهم القائم . ثلاثة منهم : محمد ، وثلاثة منهم : علي .اهـ وأمير المؤمنين رضي الله عنه ليس من ذرية السيدة فاطمة ، إنما هو بعلها . فهو زائد على العدد .
ـ وفي رقم (14) الاثنا عشر إماماً من آل محمد ، كلُّهم محدَّثٌ ، من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولد على بن أبي طالب ، فرسول الله وعليٌّ رضي الله عنهما هما الوالدان .اهـ فعليٌّ رضي الله عنه زائد على العدد، لأنه ليس من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ـ وفي رقم (17) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إني واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زرُّ الأرض .اهـ فهو زائد على العدد أيضاً ، لأنه ليس من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو المخاطب .
ـ وفي رقم ( 18) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من ولدي اثنا عشر نقيباً ، نجباء ، محدَّثون ، مفهَّمون ، آخرهم القائم بالحق .اهـ فهذا صريح في كون عليٍّ رضي الله عنه ليس منهم ، لأنه ليس من أولاد النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .
كما جاء في كتاب سليم بن قيس الهلالي، أن عدد الأئمة ثلاثة عشر إماماً ، كما هو عند الكافي . وانظر كسر الصنم ( 77 )
فهذه الأقوال تدل دلالة صريحة على أن الأئمة ( 13 ) إذا كان عليٌّ رضي الله عنه منهم ، وباعتباره هو الأول عند الرافضة لذا لا بد من إخراج واحد من المذكورين حتى يبقى العدد اثني عشر ، كما هو الحال في أسباط بني إسرائيل .
2 ـ ثم إن النصوص التي وردت عن النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم كلها تنص على أن المهدي الذي سيظهر آخر الزمان ؛ يواطئ اسمُه واسمُ أبيه اسمَ النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم واسمَ أبيه ، يعني أن يكون اسمه ( محمد بن عبد الله ) بينما مهدي الرافضة هو ( محمد بن الحسن ابن علي العسكري ) فافترقا .(1/395)
3 ـ ثم إن جماهير العلماء ذهبوا إلى أنه من نسل الحسن بن علي رضي الله عنهما ، وهذا ما عليه أئمة أهل السنة . فكيف بهذا المزعوم وليس هو بهذا الاسم، ولا من نسل الحسن رضي الله عنه، وهذا ما قاله عليٌّ رضي الله عنه: ( المهدي من ولد ابني هذا ) وأشار إلى الحسن . بينما مهدي الرافضة هو من نسل الحسين رضي الله عنه . فافترقا .
نكتة : ذكر بعض العلماء أن غالب الأنبياء بعد إبراهيم عليه السلام كانوا من ذرية إسحق ، وكذا كان غالب السادة من ذرية الحسين رضي الله عنه ، وكما أن خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم ـ الذي طبق أمره المشرق والمغرب كان من ذرية إسماعيل عليه السلام، ناسب أن يكون الخليفة الراشد المهدي الذي هو آخر الخلفاء يكون من ذرية الحسن بن علي رضي الله عنهما. انظر ( فضل آل البيت وحقوقهم 47 )
4 ـ لقد ذكر العارفون بأنساب آل البيت أن الحسن بن علي العسكري رحمه الله تعالى لما توفي بعسكر سامراء لم يعقب ، ولم ينسل (فضل أهل البيت وحقوقهم : 45)
5 ـ هناك من أثبت وجوده ، لكن فيه ملاحظة مهمة ، ذلك أن الحسن بن علي العسكري رحمه الله تعالى لما تُوفي (عام 260 هـ ) كان عُمر محمد ـ ابنه ـ سنتين أو أكثر ببضعة شهور ، وأنه غاب من ذلك الوقت ، وأنه من ذلك الوقت صار حجة على أهل الأرض . وسيأتي التعليق على هذه الدعوى بعد قليل إن شاء الله تعالى .
6ـ روى الإمام الكليني تحت باب ( الإشارة والنص على أبي محمد رضي الله عنه ) رقم (11) ما يلي : إن الإمام العاشر قال : تنتهي سلسلة الإمامة بأبي محمد ، وإليه تنتهي عُرى الإمامة وأحكامها.اهـ فهم أحد عشر، فكيف يزعمون أنهم اثنا عشر ؟(1/396)
7 ـ وقال تحت باب ( الإشارة والنص على صاحب الدار عليه السلام ) ما يلي : عن أبي هاشم الجعفري أنه سأل الإمام الحادي عشر ( الحسن بن علي العسكري رحمه الله تعالى ) : إذا حدَث لكم حادثة فأين أطلبه ؟ قال الإمام الحادي عشر في جوابه : اطلبه في المدينة ( يعني : طَيبة ) اهـ
علماً بأن الإمام الثاني عشر لم يسكن المدينة المنورة قط . بل لم يردها أصلاً، إنما غاب في ذلك البيت ، في ( سُرَّ مَن رأى ) ـ يعني : سامراء ، وهي شمال شرق بغداد، أنقذها الله تعالى منهم . بل إن أباه منذ أُقدم من المدينة وأُسكن سامراء ـ ومكث نحواً من عشرين سنة ـ لم يخرج منها .
8 ـ لقد ذكر محمد بن سعد بن عبد الله الأشعري القمي ـ وهو من تلاميذ الإمام الحسن العسكري، ومن كبار علماء الشيعة ـ في كتابه (المقالات والفِرَق) والعلامة النوبختي ـ وهو من معاصري الإمام الحسن العسكري ، ومن كبار علماء الشيعة ـ في كتابه ( فرق الشيعة ) أن خمسة عشر شخصاً تآمروا على الدِّين ، وسعوا لتخريبه بعد وفاة الإمام العسكري ، وجميعهم كانوا يعتقدون أن الإمام الحسن العسكري ليس له ولد ، إلّا فئة منهم كانوا يقولون : بل له ولد ، ولكننا لم نره .اهـ من كسر الصنم (248)
9 ـ قال جعفر بن علي ـ أخو الحسن العسكري ـ : إن أخي لا ولد له . اهـ من كسر الصنم ( 250 )
10 ـ بناء على قول جعفر بن علي ـ شقيق الحسن العسكري ـ وبقية أهل بيته : من أن الحسن العسكري تُوفي ولم يخلف ولداً ، فقد تحوّلت تركته وميراثه إلى أخيه [جعفر بن علي ] طبقاً لشرع الميراث ، كما في أصول الكافي ( 206 ) فلو كان للحسن ولد لكان هو الوارث الحقيقي لأبيه ، ويحجب عمَّه جعفراً . وانظر الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام ( 140 ـ 141 )
11 ـ روى المجلسي وسائر المحدثين أن الإمام قال في توقيعه : من يدّعي الرؤية فهو مفتر وكذاب .اهـ من كسر الصنم ( 251 ) لذا فكل من ادعى رؤية القابع في الغار فهو مفتر وكذّاب .(1/397)
ثم قارن بين من روى اسمَه ورؤيتَه وبين قول الإمام الصادق رحمه الله تعالى ـ في باب النهي عن الاسم ـ في النص الرابع : من ذكر اسمَه فهو كافر.اهـ
12 ـ ثم انظر حال من روى إمامةَ الطفل :
فقد روى الكليني في باب ( الإشارة والنص على أبي الحسن موسى رضي الله عنه) ما يلي: إن فيضاً أخبر يونس بنَ ظبيان ـ الذي كان من رفاقه ـ خبر إمامة الطفل . فمن هو يونس بن ظبيان ؟
يقول يونس للإمام الرضا رضي الله عنه : كنت في الطواف ، فجاء الله فوق رأسي ، وخاطبني وقال : يا يونس {إِنَّنِي أَنَا الله لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}
فغضب سيدنا الرضا، وقال له: اخرج . وقال لرجل آخر حاضر عنده : أخرجه . ثم قال له: لعنة الله عليك وعلى من خاطبك .اخرج، وقال : ألف لعنة على يونس بن ظبيان ، وبعده ألف ألف لعنة، وكل لعنة تؤديه إلى النار. وقال: أشهد أن الذي خاطبه كان هو الشيطان، ألا إن يونس مع أبي الخطاب سيكونان في القيد وفي الحديد وفي أشد العذاب . انظر كسر الصنم (239)
هذا رجل يلعب به الشيطان ، ويستغله أشد استغلال ، ويلعنه الإمام الرضا رحمه الله تعالى ، يُعتمد على روايته ورواية أمثاله من المخرقعين .
13ـ إن الذين أثبتوا أن للحسن العسكري ولداً اعتمدوا على هذه القصة الغرامية العجيبة، وينقلها أوثق علماء الرافضة ـ ابن بابويه والشيخ الطوسي ـ وذكرها العلامة المجلسي في كتابيه ( جلاء العيون ) و ( حق اليقين ) وهي قصة طويلة ، قام بتلخيصها العلامة النعماني ، وهذا هو الملخص :(1/398)
عن بشر بن سليمان ـ وهو شيعي من خواص الحسن العسكري وأبيه علي ، ويسكن بجوار الحسن العسكري في مدينة ( سر من رأى) ويعمل في تجارة الغلمان والجواري ـ قال : إن الإمام عليّاً النقي أعطاه ذات مرةٍ خطاباً باللغة الإفرنجية، وأعطاه مائتين وعشرين أشرفيّاً، وقال : خذ هذه واذهب إلى بغداد، وهناك على ساحل النهر ستشاهد سفينة، فيها جوارٍ للبيع، فانظر فبها جاريةً داخل حجابها، لا تريد أن يشاهدها أحد، سيرغب أحد العرب في شرائها بثلاث مائة أشرفي ، إلا أن الجارية سترفض الذهابَ معه بأي حال من الأحوال ، حينئذ اطلب من مالك الجارية أن يحمل هذا الخطاب إلى الجارية .
قال بشر : فذهبت إلى بغداد ـ كما أمرني الإمامُ علي النقي ـ وحدث كلُّ ما أخبرني به الإمام . وفي النهاية وصل خطاب الإمام إلى الجارية ، فشاهدتْ الخطابَ ، وقالت للمالك : بعني إلى صاحب هذا الخطاب وإلّا انتحرتُ ، فأخذ المالك المائتي أشرفي راضياً ، وسلمني الجارية .
فأخبرتني الجارية أنها حفيدة ملِك الروم، واسمها (مُليكة) وأن والدتها من أولاد وصي عيسى عليه السلام سمعون ، وهذه قصتي :
حين بلغتُ من العمر ثلاث عشرة سنة أراد جدي أن يزوجني من أحد أولاد عمي ، وعقد حفلاً بهيجاً بتلك المناسبة في اليوم المحدد ، ووضع الصليب على العرش ، وجلس العريس على العرش ، وحمل القساوسة الإنجيل في أيديهم، وبدؤوا في إتمام مراسم الزواج طبقاً لما هو متبع، وفجأة سقط الصليب ، وتحطم العرش ، وسقط ابن عمي الذي كان يعقد عليَّ من فوق العرش فاقداً الوعي .
وبعد هذه الحادثة المشؤومة أراد جدي أن يعقد قراني على أحد أولاد عمي الآخرين ، وعقد حفلاً بهيجاً بتلك المناسبة ، إلا أنه وفي نفس الوقت المحدد لعقد القران حدث ما حدث قبلاً ، وتألم جدي كثيراً .(1/399)
وفي تلك الليلة رأيت مناماً : رأيت المسيح ووصيه سمعون وجماعة من الحواريين يأتون إلى القصر ، ويضعون منبراً من النور ، وبعدها جاء محمد ^ ووصيه علي ومعه بقية الأئمة ، وصعد المنبرَ النورانيَّ . وقال محمد للمسيح : جئتُ لأطلب مُليكة بنت وصيك سمعون لابني هذا ـ مشيراً إلى الإمام العسكري الذي كان معه آنذاك وموجود أمامه ـ
ـ قال بشر : لقد كان هو الإمام الحسن العسكري الذي أعطيتك خطاب والده ـ
ثم قالت : وافق المسيح ووصيُّه سمعون على العرض بسعادة ، وعقد محمد ^ عقد الزواج ، ووهبني المسيح زوجةً للإمام الحسن العسكري .
قالت : إنها لم تذكر هذا الحلم لأحد ، ولكن في الوقت الذي تمكن عشق الحسن العسكري من قلبي لم أجد راحة ولا دعة ، ولم أعد أشعر برغبة في تناول طعام أو شراب ، وافتضح أمر عشقي ، وبدت آثاره على وجهي ، بعدها شاهدت في يومٍ مناماً ، جائتني مريم ومعها فاطمة الزهراء والآلاف من حور العين، وقالت لي مريم : هذه السيدة فاطمة الزهراء، سيدة النساء، أم زوجك ، ولم أكد أسمع هذا حتى قبضت على تلابيبها ، وأخذت أبكي ، وقلت لها : هل يمكن أن أرى وجه ابنك الحسن العسكري؟ فقالت: كيف يمكن هذا؟ وأنت مسيحية مشركة، وسمعت هذا فنطقت بكلمة الشهادة، ودخلت في الإسلام ، وحين استيقظت من هذا المنام كانت كلمة الشهادة لا تزال على لساني .
وبعدها أخذت أنتظر زوجي الإمام الحسن أن يأتيني في المنام ، فلم يأت ليسقيني حلاوة الوصال ، وهكذا فكرت في الانضمام إلى جنود من بلادنا كانوا ذاهبين لقتال المسلمين، وحين هَزَم جيشُ المسلمين جيشَ الروم قُبض عليَّ مع بقية النساء ، وهكذا وصلتُ إليك ، وتحقق مرامي .اهـ من الثورة الإيرانية ( 143 ـ 145 )
هذه هي أم المهدي المنتظر عند الرافضة .(1/400)
والكذب واضح على القصة من أولها إلى آخرها . ابتداء من علم الحسن للغيب، ومعرفته باللغة الإفرنجية ـ وأي لغة ؟؟؟ـ وإعطائه للمحترق بشر الخطاب بالتفاصيل لحياة حفيدة الروم، ثم مكس الراغب في شرائها، حيث دفع ثلاثمائة أشرفيّاً بينما أخذها بشر بمائتين ، ثم قصة زواجها من أولاد أعمامها، والصنعة الواضحة ، في قصة خراب الحفل، ثم دعوى مجيء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخطبته لها من المسيح عليه السلام، ليعطي الدلالة الدينية المفبركة ، وكيف يخطبها هو من المسيح عليهما الصلاة والسلام ، وأين أبوه ؟ وأين أبوها ؟ ثم إن جدها لأبيها موجود ، فلم لم يحضر ؟ إنما حضر وصي عيسى [نعم وصي عيسى] ولِم الوصي؟؟ ثم من كذب وقال : إن عليّاً هو وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكيف عرفت أنه هو الوصي ، أم هي الفبركة . ثم لم يقل للحسن العسكري إلا بعد سكناه عسكر سامراء .
ثم كيف يعقد النبيُّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم العقد ، ويهبها المسيح عليه السلام زوجة للإمام الحسن ؟ ومن أوضح الدلائل على الصنعة والكذب : كيف أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يخطبها من المسيح عليه السلام ويوافق المسيح عليه السلام على الخطبة ويعقد عليها ، وتقول مريم لها : هذه أم زوجك ، ومع هذا تقول فاطمة لها : أنت مسيحية مشركة ؟ وهل كان يقال للنصراني مسيحي في ذلك الوقت ؟ ثم هل يمنع رؤية الكافر للمسلم ؟ ومن يقول ذلك ؟(1/401)
ثم كيف تحكم السيدة فاطمة رضي الله عنها بعدم رؤيتها له وقد كتب النبيُّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم كتابها ، ثم كيف تحكم بعدم الرؤية والله عز وجل حكم بحل الكتابية كما أحل لنا طعامهم { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}
ثم انتظارها أن يأتيها فارس الأحلام في المنام ليسقيها حلاوة الوصال؟ ثم انخراطها في جيش الروم المتوجه لقتال المسلمين ، أما يمكن أن تقتل؟ أو تقع أسيرة بيد أحد الجنود ؟ وكيف انتقلت إلى بغداد لتباع في سفينة في نهر دجلة ؟ وتكون في غاية التحجب ، كيف كانت تقاتل وهي الآن بعد الأسر متحجبة بثيابها لا يرى منها شيء ؟
كل هذه أسئلة ، والأجوبة عليها بعيدة المنال ، فهل يريدون الخيال ، أم إثبات أم المهدي نصرانية الأصل ، كما أن أم زين العابدين مجوسية الأصل ، ويتم الأمر بوجود مؤسس المذهب وكثير من العلماء هم من اليهود أيضاً .
وهنا أمور لابد من الوقوف عندها والتأمل فيها :
أ ـ إن ابن سنتين ـ على رأي من أثبته ـ هو في حكم الكتاب والسنة يستحق الحَجْرَ عليه ، لأنه يتيم ، ويحتاج إلى وصي يتولى أمره ، حتى يبلغ ويؤنس منه الرشد {وَابْتَلُواالْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواالنِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } فإذا كان لا يدفع له ماله الذي ورثه من أبيه حتى يبلغ ويُؤنس منه الرشد ، فكيف يفوّض إليه أمر الأمة ؟ وإذا لم تفوض إليه أمر نفسه حتى يبلغ فكيف يفوض إليه أمر الأمة ؟
ب ـ ما هو موجب هذا الاختفاء الشديد ؟ وليس ثمة داع إليه ؟
ج ـ لم خص هذا الطفل بالغيبة دون سائر آبائه رحمهم الله تعالى ؟(1/402)
د ـ لم لم يخرج طيلة هذه الفترة الطويلة، والتي قاربت على (1170عاماً )؟ وكيف يجوز أن يكون إماماً على الأمة وهو لم يُر ولم يُسمع له خبر منذ تلك الفترة؟ مع أن الله تعالى لا يكلف العباد بطاعة من لا يقدرون على الوصول إليه وهو يُنتظر ، ولم يخرج طيلة تلك الفترة . وانظر فضل أهل البيت .
هـ ـ لم يثبت أنه ظهر لخواصه المأمونين ـ بسند صحيح ـ طيلة هذه الفترة .
و ـ لِم كان الوقوف عند رقم (12)؟ وأرجو الانتباه إلى هذا العدد ، إنه عدد أسباط يهود ، كما أنه إذا ظهر يحكم بحكم اليهود ، كما سيأتي بعد قليل إن شاء الله تعالى .
ز ـ ما جرت العادة أن يغيب إنسانٌ هذه الفترة الطويلة ويبقى على قيد الحياة، خاصة وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن حصاد هذه الأمة بين الستين والسبعين ، وقليل من يجاوز ذلك ، أما أن يتجاوز ألفاً ومائة عام فهذا غير معقول .
ح ـ لم لم يستمر أمر الولاية بعد هذا المختفي ؟ هل لعدم وجود أحد من آل البيت يصلح أن يكون إماماً ؟ هذا محض الكذب ، فهناك أئمة كثيرون جدّاً ، طبقوا بعلومهم وصلاحهم وتقواهم وجه الأرض ، وهم من آل البيت ، ولكنهم ليسوا من الرافضة . وإذا أدُّعي عدم وجود ولد له ، فقد انتقلت الولاية لغير الابن الأول ، بل لغير الابن أيضاً .
ط ـ لم خص بهذه الغيبة دون آبائه الكرام رحمهم الله تعالى وهم أفضل منه قطعاً ، لما سبق من بيان حالهم وظهر من صلاحهم وتقواهم ،... أما هذا المختفي فلا يعلم عنه شيء ، لأنه ـ على رأي من أثبته منهم ـ لم يعرف عنه شيء . فإن كانت مكرمة فالأولى أن ينالها من هو أفضل منه من آبائه ، وأما إن كانت منقمة فلا يصح اتخاذه إماماً .(1/403)
ي ـ زعموا أن معه كتاب آل داود وسليمان ، ومعه التوراة والإنجيل ، وأنه يعرفها ، وأنه سيحكم بها إذا خرج ، فأين تعلّم ذلك ؟ ومن الذي علَّمه ؟ وعلى من قرأ وهو ابن سنتين ، والنبيُّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بيَّن أن > العلم بالتعلم < وليس بالوراثة . ولو كان ورث ذلك عن آبائه عن النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، فهذا محض الكذب ، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمي لا يعرف القراءة والكتابة ، وهو وصفه في الكتب السابقة أيضاً ـ كما نص على ذلك القرآن الكريم { النبي الأمي }و{ولا تخطه بيمينك} وأنه لا يعرف العبرانية والسريانية ، بدلالة تكليفه زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم ذلك له .
ك ـ كيف يولد وهو إمام من طفولته! مع أن الله تعالى يقول : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ } فهم رجال ، وليسوا أطفالاً في المهد .
وأما ما جاء عن يحيى عليه السلام { يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} فليس المراد بالحكم النبوة والوحي ، إنما هو الفهم والعلم والمعرفة والإقبال على الخير ـ يعني : الحكمة ـ أما ترى أن الله تعالى فرَّق بين الحكم والنبوة بالعطف الذي يقضي المغايرة ، عندما قال : {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ } ثم إن الله تعالى قال عن يحيى عليه السلام : { صَبِيّاً }والصبوة مرحلة دون مرحلة الشباب ، ولا يقال لمن هو في المهد صبيّاً ، إلا باعتبار الصغر . لا باعتبار الإدراك ، أما ترى كيف أنكر بنو إسرائيل على مريم رضي الله عنها عندما أشارت إلى عيسى عليه السلام، كما قال تعالى : { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً }(1/404)
ل ـ لقد استغل المغرضون والزنادقة والمنافقون تلك الغيبة ، فصاروا بوّابين ـ وينظر إلى ما كتبه السيد الكاتب في بيان أسماء هؤلاء وأن أغلبهم ممن يشك في دينهم ، إضافة إلى انحرافهم في أخلاقهم ـ وما جرى فيه من الفساد الخُلقي والديني ، واستغلال الضعفاء، وأكل مال البسطاء ، وانتهاك الأعراض ، بحجج واهية . وانظر (فضل أهل البيت وحقوقهم ).
نكتة : قال بعض الزوار ـ وهو من جنوب العراق، وقد التقيت به مراراً، كما زرته في بيته مراراً ـ : إنه زار السرداب الذي فيه القائم ( المهدي عند الشيعة ) فقال للحارس : متى يخرج هذا المهدي ، لقد طالت غيبته ؟ فقال الحارس : والله إن خرج لأقتله ، يريد أن يقطع رزقي؟
لذا أرجو أن يتنبه الغافلون من الرافضة ، عن مدى استغلال هؤلاء المغرضين للمساكين من الرافضة ، إن دعوى بقاء ( محمد العسكري ) في السرداب، منفعة لهم وأي منفعة . ثم لو عرف الناس منشأ هؤلاء وأصلهم ومعتقدهم لتغير الأمر .
وهناك أمور كثيرة تحتاج إلى الوقوف طويلاً عندها ، لكنها تخرجنا عن حد الاختصار .
أفكار هذا القائم إذا ظهر :
ومع هذا فإن الذي ورد في كتب الرافضة عما يفعله المهدي إذا ظهر في غاية الخطورة ، بل لولا وجودها في كتبهم يصعب تصديقها ، ولقالوا : هذا افتراء من افتراءات أهل السنة ، لكن هذه الأفكار الخطيرة ما زال الرافضة يعتقدونها ، ويتداولونها بينهم ، وبدؤوا يطبقونها عندما استولت القوات الأمريكية على العراق ، وسلمتهم السلطة فيه حسب الاتفاق بينهم ، كما مر في المقدمة . ومن تلك الأفكار :
1 ـ هدم المسجد الحرام والكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف .
إن من أولى مهام القائم ـ لا أقامه الله ـ إذا ظهر : هدم المسجد الحرام والكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف ، حتى لا يُبقي لها أساساً .(1/405)
روى المجلسي قال: إن القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه ، والمسجد النبوي إلى أساسه.اهـ من بحار الأنوار (52: 338) وانظر الغيبة للطوسي ( 282 )
وقال المجلسي : إن أول ما يبدأ به ـ القائم ـ يُخرج هذين ـ يعني أبا بكر وعمر ـ رطبَين غَضَّين ، ويذريهما في الريح ، ويكسر المسجد .اهـ من بحار الأنوار (52: 386)
ألا يرعوي ؟ يجدهما رطبين غضين ، دلالة على ماذا ؟ أليس على التقوى والصلاح والإيمان واليقين ، وعلو المنزلة عند الله تعالى ، وإلا كيف تبقى أجسادهما ألوف السنين وهي طرية غضة رطبة لم تَبْلَ ، ولم تأكلها الأرض ، مع أن أجساد كثير من الناس تبلى لأربع أو خمس سنوات أو نحوهما .
ثم لِم يفعل بهما ذلك ، هل أكلا مال أبيه ؟ هل اغتصبا حقّاً له ، هل قتلا أحداً من أهله حتى يأخذ بالثأر ، هل ذرّيا كسرى في الهواء ؟ هل قتلا جميعَ اليهود حتى يشفي صدرَه منهما ؟ أم هو الحقد والبغض ؟ أما سمع قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح حين أسقط دماء بني هاشم قبل أي دماء ، وأموال العباس رضي الله عنه قبل أموال بقية قريش ، فوالله لو كان هذا من بني هاشم ومن ذرية النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فإنه لن يفعل هذا أبداً .
لقد زعموا أنهم ورثوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صفاته وعلمه ، إن من أول وأفضل صفاته صلى الله عليه وآله وسلم أنه رحمة للعالمين ، وأنه رؤوف رحيم بالمؤمنين ، فلم لم يرثوا تلك الصفة العزيزة الغالية ؟؟؟
إن صفة الحقد والبغض والكراهية للمسلمين الأحياء ـ فضلاً للأموات منهم ـ ليس من صفات المؤمنين ، فضلاً أن يكون من صفات آل البيت ، فلم هذا الحقد على شيخي الإسلام ؟ انظر ثناء أمير المؤمنين سيدنا علي وأولاده وأحفاده رضي الله عنهم على الشيخين ـ كما في الفصل السابق ـ فمن الذي يُصدَّق . فُروخ اليهود والنصارى وأولاد المجوس أم أئمة آل البيت ؟(1/406)
لذا أقول إن مثل هذه النصوص التي يتداولها الرافضة هي مكذوبة على أئمة أهل البيت رحمهم الله تعالى ، وحاشا أن تصدر من مسلم ، فضلاً أن يكون من أئمة آل البيت الذين يُكنّون كل تقدير واحترام لشيخي الإسلام والمسلمين .
ثم كيف يتصور وجود مسلم يهدم الحرمين الشريفين، ويزيلهما! إنها من صنع اليهود والمجوس قاتلهم الله تعالى ، وهو الموجود في كتابهم السِّرّي ـ بروتوكولات حكماء صهيون .
2 ـ إحياء النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لمبايعته .
إن القائم إذا ظهر وأتى مكة ويهدم الكعبة المشرفة ـ زادها الله تعالى مهابة ورفعة ومكانة ـ يأتي المدينة المنورة، فأول شيء يفعله ـ حسب معتقد الرافضة اليهودي ـ : هو إحياء النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، ليبايعه .
ذكر المجلسي ـ في حق اليقين ـ عن الإمام الباقر قال : حين يظهر قائم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يلقى العون من الله وملائكته ، وأول من يبايعه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعده علي.اهـ من الثورة الإيرانية ( 148) لأنه بالفارسية .
ما هذا الكفر والضلال؟ جعلتم القائم هو الأصل؟ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبايع القائم ؟ وعلى أي شيء يبايعه ؟ على إقامة اليهودية والنصرانية، وإلغاء الإسلام ، وتطبيق التوراة ومحو القرآن ، وتحويل القبلة ، وهدم المسجد النبوي والمسجد الحرام، وعلى ذبح جميع العرب وأهل السنة من المسلمين حتى يرضى المجوس واليهود والنصارى؟ على هذا سيبايعه؟ أَما فيكم عقل يا رافضة ؟ أم أن الذي كذب هذا الخبر فيه لوثة مجوسية ، أو عقيدة يهودية أو نصرانية، أم استغل أم القائم الرومية، ودم أخواله المجوس
3 ـ إعدام الشيخين رضي الله عنهم بعد إحيائهما .(1/407)
إن القائم ـ لا أقامه الله تعالى الحاقد على المسلمين استجابة لأخواله الروم، وأخوال جده المجوس ـ إذا خرج فإن أول شيء يفعله ـ بعد هدمه للحرمين الشريفين ونقله للحجر الأسود ـ : إخراج الشيخين رضي الله عنهما ـ رطبين غضَّين كأنهما دفنا الآن ـ ويضع عليهما جميع ذنوب الخلق منذ زمن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة ، ثم يقتلهما ، ويصلبهما ، ثم يحرقهما ، ويذري رفاتهما في الماء .
ما هو الذنب الذي ارتكباه حتى تكون هذه العقوبة ؟ ثم في أي شرع يتحمل المرء عقوبة الخلق قبل أن يُخلق بألوف السنين ، وذنوب الخلق بعده بألوف السنين ؟ أم صارا فداءً للخلق بدل المسيح عليه السلام .
روى المجلسي : أن أول ما يبدأ به ـ القائم ـ يُخرج هذين ـ يعني أبا بكر وعمر ـ رطبَين غضَّين، ويذرِّيهما في الريح، ويكسر المسجد.اهـ بحار الأنوار ( 52 : 386 )
أما يستحي ؟ أما تؤثر فيه هذه الخارقة التي لا نظير لها ؟ يجد جسدهما رضي الله عنهما رطبين طريين ، بعد هذا الزمن الطويل ولا يرعوي ويفعل بهما ما يفعل ؟ واسمع القصة بطولها ـ مع أنها خرافة من الخرافات ، وهي على رأي : ناقل الكفر ليس بكافر ـ كما في أوثق كتبهم .
روى المجلسي ـ في حق اليقين ، وهو بالفارسية ـ قصة طويلة مختصرها :
عن مفصل بن عمر قال : سألت الإمام جعفر الصادق : يا سيدي ، حين يرد صاحب الأمر ( الإمام المهدي ) إلى مكة المعظمة ، إلى أي مكان سيذهب بعد ذلك ؟(1/408)
فأجاب : سيذهب إلى المدينة ؛ مدينة جدنا رسول الله ، وسيسأل الناس هناك : أخبروني هل هذا قبر جدنا رسول الله ؟ فيجيب الناس : نعم هذا هو قبره . فيسأل الإمام : هل هناك آخرون دُفنوا مع جدنا؟ فيجيب الناس: نعم ؛ رفيقاه أبو بكر وعمر . ويقول صاحب الأمر ( الإمام المهدي ) ـ طبقاً لخططه ، وهو يعرف كل شيء ـ : من هو أبو بكر هذا ؟ ومن هو عمر هذا ؟ وبأي حق دُفنا مع جدنا رسول الله؟ فيقول الناس :كانا خليفتي رسول الله، وهما والدا زوجتيه (عائشة وحفصة) فيقول صاحب الأمر : هل هناك من يشك في أنهما مدفونان هنا؟ يقول الناس: لا يوجد من شك في هذا، فالجميع يعرفون أنهما دُفنا هنا مع رسول الله .
وبعد ثلاثة أيام، يأمر صاحب الأمر بأن يحطّم الجدار، وأن يُخرج الإثنان من قبريهما ، جسميهما على حالهما ، عليهما صوف الكفن الذي دُفنا به ، ثم يأمر بنزع كفن كلٍّ منهما ، وبأن يوضعا على جذع شجرة جافة ،... ذلك وهو أن حادثة عجيبة ستحدث ، يختبر فيها المخلوق ويمتحن . فالشجرة الجافة التي وُضعت عليها الجثتان اخضوضرت فجأة وأينعت ، وظهرت أغصانها مورقة ، وتمددت وتشعبت ، ومن هنا يقول من تبعهما : هذا دليل على حب الله لهما ، وعظمتهما عند الله ، سننال النجاة لحبنا لهما .
وحين ينتقل خبرُ حادثة الشجرة ويشيع بين الناس في أنحاء البلاد ؛ يفد على المدينة كلُّ من كان في قلبه ذرة حب لهما ، فينادي مناد من عند صاحب الأمر ، ويعلن في الناس : من كان يحب هذين الشخصين ( أبو بكر وعمر ) فليقف في ناحية. وهكذا ينقسم الناس إلى طائفتين: طائفة تضم محبي هذين الشخصين ، وطائفة تلعنهما .
ثم يخاطب صاحب الأمر أولئك الذين يحبونهما ـ أي أهل السنة ـ ويقول : أعلنوا براءتكم منهما ، وإلا نزل عليكم عذابٌ من الله .(1/409)
فيجيب هؤلاء الناس : لن نفعل ؛ لأنهما مقبولان عند الله ، وقد شاهدنا ذلك بأعيننا، فكيف نتبرأ منهما، نحن نعلن براءتنا منك ومن جميع من يواليك، وممن أخرجوا الجثتين من القبر ، طاعةً لأوامرك .
فيسمع الإمام قولَ هؤلاء، فيأمر العواصف السوداء بأن تهب على أولئك الناس ، وأن تصيبهم جميعاً بالموت ، ثم يأمر الإمام المهدي أن تُنزل الجثتان ـ جثة أبي بكر وجثة عمر ـ من فوق الشجرة ، ثم يحييهما بقدرة من الله .
ويأمر بجمع الخلق كلهم ، ويقول : بأن جميع المظالم التي حدثت من بداية الدنيا وحتى نهايتها تقع ذنوبها كلها على هذين الرجلين ، وخاصة ما حصل لسلمان الفارسي ، وما وقع لأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن والحسين، وما حدث من إشعالٍ للنار في بيتهما، وقتل الإمام الحسن بالسم، وقتل أبنائهم وأولاد أعمامهم ، وسجن أولاد الرسول ، وسفك دماء آل محمد في كل مكان، وكذلك سفك كل دم بغير حق، وما أصاب كل امرأة ، وكل مال أُكل حراماً، وكل ظلم حدث، وذلك حتى قيام آل محمد (أي الإمام الغائب ) في هذه الدنيا . كل هذه الذنوب تُعدُّ وتُحصى ويُسأل عنها هذان الرجلان ، ويقال لهما : ألم تكونا سببَ كل هذه الذنوب والمظالم ؟ وحينئذ سيعترف الإثنان ويُقرّان بذلك قائلين : نعم .
ذلك لأنه عين الخليفة الحق من بعد رسول الله ، ولو لم يغصب هذان الإثنان الخلافة لما وقعت كل هذه الذنوب والمظالم والجرائم .
وبعدها يأمر صاحب الأمر بأن يقتص جميع الحاضرين من هذين الإثنين وينتقما منهما، ويأمر صاحب الأمر أن يُصلب الإثنان على الشجرة ، ثم يأمر بإحراقهما ، وإلقاء رفاتهما في الأنهار . اهـ ملخصاً من حق اليقين (125) بالفارسية ، وهو منقول من الثورة الإيرانية ( 173 ـ 175 )(1/410)
قال المفصل ـ لجعفر ـ : يا سيدي ، هل هذا هو نهاية عذاب هؤلاء ؟ فيقول الإمام جعفر الصادق : يا مفصل ، لا ، لا ، أقسم بالله ، بأن محمداً رسول الله ، والصِّديق الأكبر أمير المؤمنين ( علي ) والسيدة فاطمة الزهراء والحسن المجتبى والحسين شهيد كربلاء وجميع الأئمة المعصومين سوف يُبعثون أحياء، والمؤمنون، وكذلك يبعث الكافرون، وهكذا سيبعث الجميع أحياء ، وسوف يعذّب الإثنان بحساب جميع الأئمة وجميع المؤمنين ، حتى إن هذين الشخصين يموتان ويعودان إلى الحياة آلاف المرات ، ليل نهار ، ثم يأخذهما الله حيث يشاء ويظل يعذبهما .اهـ من الثورة الإيرانية .
هذه هي صفات الدجال الذي سيخرج في آخر الزمان .(1/411)
كيف يسأل الناس عن قبر النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؟ وهل يوجد مسلم لا يعلمه ، خاصة وهو يزعم أنه من آل البيت؟ ثم لا يعلم من المدفون معه صلى الله عليه وآله وسلم حتى يسأل عنه ؟ وهل ثمة من شك في ذلك ؟ ثم كيف يستبيح لنفسه تحطيم الجدار ؟ وإخراج الشيخين رضي الله عنهما من قبريهما ؟ ثم أما يستحي وهو يراهما كأنهما يوم ماتا حتى إن الكفن لم يتغير، فعن أي شيء يدل ذلك؟وهل يجوز صلب الميت بعد دفنه؟ أليس في ذلك إهانة للميت ونحن مأمورون باحترامها ؟ ثم أما يرى الآية الكبرى من إحياء الشجرة الميتة ، ثم دعوى وفادة كل محب للشيخين رضي الله عنهما على المدينة ، وهل تسعهم وهم عامة الخلق إلا اليهود والنصارى والمجوس وأتباعهم . ثم إن انقسام الناس إلى فئتين ـ كما هو الحال زمن الدجال . وعدم تبرؤ المسلمين من الشيخين رضي الله عنهما، ومعهم كل آل البيت الصادقين ؛ بما فيهم علي وأولاده رضي الله عنهم ، كما بينته في فصل الصحابة رضي الله عنهم فارجع إليه . وإعلان المسلمين البراءة من الدجال الذي يزعم الرافضة أنه المهدي هو الذي ذكره الصادق رحمه الله تعالى كما سيأتي ذكرته بعد قليل . لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج ؛ لأحب أكثرُهم ألّا يروه ، مما يقتل من الناس ،... حتى يقول كثير من الناس : ليس هذا من آل محمد ، ولو كان من آل محمد لرحم .اهـ
وأما أمر العواصف لتحرق المسلمين ،... فهذه صفة الدجال ، كما ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم > يأمر السماء فتمطر ، ويأمر الأرض فتنبت <.
وأما إحياء الشيخين رضي الله عنهما، وجمع الخلق فهي صفة الدجال،كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكن ليسوا حقيقة ، إنما يتمثل الشياطين ـ أصحابه ـ للناس بأوصاف أقاربهم ومعارفهم .
ثم لم خص سلمان بالذكر؟ إن رائحة المجوسية واضحة بارزة ، وهل حصل بين الشيخين وسلمان رضي الله عنهم ما يكدر الخاطر ؟ لا ، ثم لا .(1/412)
ثم بأي شرع توضع عليهما رضي الله عنهما ذنوب العباد من بدء الدنيا حتى نهايتها ، والله تعالى يقول : {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } أم صارا الفداء بدل عيسى عليه السلام ، أم هي اللوثة النصرانية انتقلت إليه ؟ ثم ما هذا الكذب ؟ هل يُعقل أن يُشعل الشيخان الباب على السيدة فاطمة رضي الله عنهم ، والتراب لم يجف عن القبر بعد ، أم هو حقد المجوس واليهود الذين يستبيحون الكذب على الله تعالى فكيف على عباده ؟ ثم من الذي اغتال الحسن في عين التمر ؟ ومن الذي سمّه ؟ أليس أكبر قائد لسيدنا علي رضي الله عنه ؟ ومن الذي اشترك في قتل علي رضي الله عنهم ؟ ولم لم يُذكر أكبر قائد لسيدنا علي رضي الله عنه ؟ ومن الذي استدرج الحسين رضي الله عنه ؟ حتى إذا جاءهم تخلوا عنه واشتركوا في قتله؟ وقد سبق ذكر أقوالهم ، فانظرها في بحث آل البيت .(1/413)
ومن الذي قتل ـ أو تسبب ـ في قتل كثير من آل البيت ؟ انظر لزاماً مقاتل الطالبيين لترى العجب، ولكن القوم لم يسمعوا المثل العربي القديم : رمتني بدائها وانسلت . وقتله وطلع بجنازته ، وما زال الأمر إلى يومنا هذا ، فمن الذي اغتال آية الله البرقعي ، وعذّب الطبطبائي ، وأمثالهما في إيران أليس الرافضة؟ ومن الذي انتهك أعراض كثير من النساء الحرائر باسم المتعة، سلوا أهل الحوزات فكم تمتع منهم بالأم وابنتها منه ؟ لو شئت لذكرت أسماء كثيرين ـ فمن الذي يقام عليهم الحد ؟ أم يتحمل ذلك عنهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ؟ ومن أكل أموال الناس بالباطل باسم الخمس ؟ أليس أهل العمائم السود في الحوزات ، أم يتحمل ذنوبهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ؟ وكيف يحيي القائم ـ لا أقامه الله تعالى ـ جميع الخلق؟ وهل ثمة بعث قبل يوم القيامة؟ والله تعالى يقول : {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} و{وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} و {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ الله}و{وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} و{وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ}والأنكى من ذلك ما تراه في الفقرة التالية.
4 ـ ذبح جميع العرب ، فلا يُبقي منهم أحداً .
روى المجلسي قال : إن المنتظر يسير في العرب بما في الجفر الأحمر ، وهو قتلهم .اهـ من بحار الأنوار ( 52 : 318 )
وقال أيضاً ـ نقلاً عنه ـ : ما بقي بيننا وبين العرب إلّا الذبح .اهـ من بحار الأنوار (52 : 349 )
وقال أيضاً : اتق العرب ، فإن لهم خبر سوء ، أما إنه لم يخرج مع القائم منهم واحد . اهـ من بحار الأنوار ( 52 : 333 )
لماذا يقتل العرب؟(1/414)
أليس النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم من العرب ؟ أليس علي رضي الله عنه من العرب ؟ أليس جميع أئمة آل البيت من العرب ؟ أليس عامة من حمل لواء هذا الدين وبلَّغه من العرب ؟ أليس كثير من الشيعة من العرب ؟ أليس كل أئمة آل البيت مدفون في أرض العرب ؟ فهذا هو جزاء العرب ؟ فلم يَقتل العرب ، ولا يَقتل الفرس ، وهم الذين غدروا وخانوا ، وقتلوا كثيراً من الأئمة ومن آل البيت؟ أم يحنّ إلى أخواله الروم ، وأثرِ دمه الفارسي ، والمثل العربي في العراق ( الولد إذا بار ثلثينه على الخال) و ( جَرُّو الِمخَوَل) فهي مشاركة وتنفيذ مخطط اليهود ، الذين في أصول معتقدهم قتل العرب .
نعم إنه يقتل العرب ، لأنهم هم الذين أزالوا دولة الفرس المجوس إلى الأبد ، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : > إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده <
وقد سمعت المناظر الفارسي يقول للمسلم العراقي : أتريدون أن تعيدوا الخلافة إلى العراق ؟ هيهات ، لقد رجعت العراق إلى أهلها .
5 ـ إقامة الحد على زوجتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
إن من مهام القائم ـ لاأقامه الله تعالى ـ إذا ظهر: أن يحيي أمهات المؤمنين؛ عائشة وحفصة رضي الله عنهما ، ثم يقيم عليهما الحد ، كما فعل مع أبويهما رضي الله عنهما من قبل .
نقل المجلسي عن علل الشرائع لابن بابويه ، عن الإمام الباقر قال : حين يظهر قائمنا ـ أي المهدي ـ تُبعث عائشة إلى الحياة ، وتعاقب ، وتثأر منها فاطمة . اهـ من صدق اليقين ( 139 ) بالفارسي ، وانظر ترجمته في الثورة الإيرانية ( 148)(1/415)
هذا هو جزاء النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي قال الله تعالى عنه : {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} فمن لم يرض بأمومتها له فليس بمؤمن . وقال : { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ }وقد ورد فيهن عدد من الآيات ، وعشرات الأحاديث ، وإن من شرط المحب أن يحب ما يحبه محبوبه ، لكن هذا الزاعم ينطبق عليه : {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}
6 ـ ذبح المسلمين من غير الرافضة .
روى المجلسي بسنده إلى أبي عبد الله جعفر الصادق رحمه الله تعالى قال : لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج ؛ لأحب أكثرُهم ألّا يروه ، مما يقتل من الناس،...حتى يقول كثير من الناس : ليس هذا من آل محمد ، ولو كان من آل محمد لرحم .اهـ من بحار الأنوار (52: 353)وانظر الغيبة للطوسي (135)
وقال الطوسي ـ مبيناً مقدار ما يقتله القائم ـ لا أقامه الله ـ : لا يكون هذا الأمر حتى يذهب تسعة أعشار الناس .اهـ من الغيبة ( 146 )
وقد استوضح السيد حسين الموسوي من السيد باقر الصدر عن ذلك فقال : إن القتل الحاصل بالناس أكثره مختص بالمسلمين . اهـ من ( لله ، ثم للتاريخ ) ( 108)
وعن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد الله جعفر الصادق رحمه الله تعالى : يقول : إن عندي الجفر الأبيض .
قلت : أي شيء فيه ؟
قال : زبور داود ، وتوراة موسى ، وإنجيل عيسى ، وصحف إبراهيم عليهم السلام ، والحلال والحرام ،... وعندي الجفر الأحمر .
قال : قلت : وأي شيء في الجفر الأحمر ؟
قال : السلاح ، وذلك إنما يفتح للدم ، يفتحه صاحب السيف للقتل .
فقال له عبدُ الله بن أبي يعفور : أصلحك الله ، أيعرف هذا بنو الحسن ؟(1/416)
قال : إي والله ، كما يعرفون الليلَ أنه ليلٌ ، والنهارَ أنه نهار ، ولكنهم يحملهم الحسد وطلبُ الدنيا على الجحود والإنكار ، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيراً لهم . اهـ من أصول الكافي ( 1 : 24 )
قال السيد حسين الموسوي [ لله ، ثم للتاريخ (77 ـ 78 )] : وقد سألت مولانا الراحل الإمام الخوئي عن الجفر الأحمر ، من الذي يفتحه ؟ ومن الذي يراق ؟
فقال : يفتحه صاحبُ الزمان ـ عجّل الله فرجه ـ ويريق به دماء العامة النواصب ـ أهل السنة ـ فيمزقهم شذر مذر ، ويجعل دماءهم تجري كدجلة والفرات ، ولينتقمن من صنمي قريش ـ يقصد أبا بكر وعمر ـ وابنتيهما ـ يقصد عائشة وحفصة ـ ومن نعثل ـ يقصد عثمان ـ ومن بني أمية، والعباس ، وينبش قبورهم نبشاً .اهـ
انظر هذه الوقيعة المصطنعة ، والكذبة المكشوفة : أولاد الحسن رضي الله عنه يحسدون أولاد الحسين رضي الله عنه ، لذا يخفون مناقب أولاد الحسين
ثم انظر إلى هذه المجزرة الرهيبة التي لا يعرف لها نظير في التاريخ : إنه يجعل دماء المسلمين تجري كدجلة والفرات . هكذا بمنتهى السهولة ! هل هم عصافير ؟ هل هذا فعلُ المسلمين؟ لا والله ، إن المسلم رحيم بالحيوان ، فكيف بالنسبة للمسلم، أما ترى قول الله تعالى : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }والذي لا يرحم لا يُرحم .
إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد رحم الكفار ، وقال الله تعالى عنه : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}والكفار من الناس ، فكيف يقدم هذا القائم ـ لا أقامه الله ـ على إعدام تسعة أعشار الناس .(1/417)
لو كان هذا المزعوم من أحفاد النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لعامل أهل السنة ـ على الأقل ـ معاملة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لكفار قريش ، يوم الفتح . لأن العفو عند المقدرة ، وهو من شيم الكرام ، لكن اللؤم من شيم الوضيع . وهذا معلوم على مدى التاريخ .
لكن كيف لا يبيد الشيعةُ الرافضةُ أهلَ السنة وهم ينظرون إليهم على أنهم كفار ، أنجاس ، أولاد زنا ، حلال الدم ، وشر من اليهود والنصارى .
قال نعمة الجزائري الرافضي ـ عن حكم أهل السنة ـ: إنهم كفار، أنجاس، بإجماع علماء الشيعة الإمامية ، وإنهم شر من اليهود والنصارى ، وإن من علامات الناصبي تقديمَ غير علي عليه في الإمامة .اهـ من الأنوار (206ـ207)
وروى الكليني : أن الناس كلهم أولاد زنا، أو قال بغايا ، ما خلا شيعتنا .اهـ من الروضة ( 8 : 135 )
وقال داود بن فرقد : قلت لأبي عبد الله ـ جعفر الصادق ـ عليه السلام : ما تقول في قتل الناصب ؟
فقال : حلال الدم ، ولكني أتقي عليك ، فإن قدرتَ أن تقلب عليه حائطاً ، أو تغرقه في ماء ؛ لكيلا يشهد عليك فافعل . اهـ من وسائل الشيعة ( 18 : 463 ) وبحار الأنوار ( 27 : 231 ) وهذا رأي الخميني ، كما مر .
إن المسلمين لم يقتلوا الرافضة طيلة ثلاثة عشر قرناً ، منذ وُجدوا ، وبقوا يعيشون معهم بخير وأمان ، مع غدر الرافضة ، وتنجيسهم للطعام الذي يباع للسنة ، وما يفعلون في بغداد، وما يتلفظون عن الشيخين ، وأهل السنة في العراق يعرفون ذلك ، ماذا يلزمك أن تقول إذا أردت أن تشرب من السبيل ، وكيف انتقلت بعض الألفاظ إلى أطفال السنة وهم لا يعلمون معناها ، كما كيف كان الرافضة في إيران قبل حكم الصفويين قبل القرن العاشر ، حتى سيطر الصفويون على الأمر ، وعملوا السيف في رقاب أهل السنة ، وفتحوا السجون وهدموها على رؤوس أهل السنة ،... الخ .(1/418)
وانظر مقالة الخميني ـ عامله الله بعدله ـ في الفقرة التالية ، وفيها تصفية جميع أهل السنة ، يسفك دم الذكور ، ويستحيي الإناث ،...
6 ـ تحويل القبلة إلى الكوفة بعد نقل الحجر الأسود إلى كعبتها .
لقد بنى الرافضة قبلة ، وهي موجودة الآن ، وقد رأيت الناس يطوفون حولها ، فإذا ظهر القائم ، وهدم الكعبة المشرفة ، وسوّى المسجد الحرام والمسجد النبوي بالأرض ، ونقض حجرهما : فإنه ينقل الحجر الأسود إلى الكوفة ، ويحوّل القبلة إليها .
روى الفيض الكاشاني : يا أهل الكوفة ؛ لقد حباكم الله عز وجل بما لم يَحْبُ أحداً من فضل : مصلّاكم بيتُ آدم ، وبيتُ نوح ، وبيتُ إدريس ، ومصلّى إبراهيم ،... ولا تذهب الأيام حتى يُنصب الحجرُ الأسود فيه .اهـ من الوافي ( 1 : 215 )
علماً بأن الكوفة لم تكن موجودة قبل الفتح ، ولكن بناها سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بأمر أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه . فكيف هي بيت آدم ونوح وإدريس ،... الخ
قال السيد حسين الموسوي [لله ، ثم للتاريخ 107] : إن من المتعارف عليه ، بل المسَلَّم به عند جميع فقهائنا وعلمائنا : أن الكعبةَ ليس لها أهمية ، وأن كربلاء خيرٌ منها وأفضل ، فكربلاء ـ حسب النصوص التي أوردها فقهاؤنا ـ هي أفضل بقاع الأرض، وهي أرض الله المختارة المقدسة المباركة، وهي حرم الله ورسوله ، وقبلةُ الإسلام ، وفي تربتها الشفاء ، ولا تدانيها أرض أو بقعة أخرى حتى الكعبة .
وكان أستاذنا السيد محمد الحسين آل كاشف الغطاء يتمثل دائماً بهذا البيت :
ومن حديث كربلا والكعبة لكربلا بان عُلُوُّ الرتبة
وقال آخر :
هي الطفوف فطف سبعاً بمغناها فما لمكة معنى مثل معناها
أرض ولكنها السبع الشداد لها دانت وطأطأ أعلاها لأدناها .
وقد بقيت هذه الآراء موجودة عند الرافضة إلى يومنا هذا .(1/419)
لما زار السيدُ حسين الموسوي الإمامَ الخميني ـ للعلاقة الحميمة بينهما ـ وفي جلسة خاصة بينهما قال الخميني له : سيد حسين ، آن الأوان لتنفيذ وصايا الأئمة صلوات الله عليهم ، سنسفك دماءَ النواصب [يعني أهل السنة] نقتل أبناءهم ، ونستحيي نساءهم ، ولن نترك أحداً منهم يفلت من العقاب ، وستكون أموالهم خالصة لشيعة أهل البيت ، وسنمحو مكة والمدينة من وجه الأرض ، لأن هاتين المدينتين صارتا معقل الوهابية ، ولا بد أن تكون كربلاء ـ أرض الله المباركة المقدسة ـ: قبلةً للناس في الصلاة ، وسنحقق بذلك حلمَ الأئمة عليهم السلام .
لقد قامت دولتنا التي جاهدنا سنوات طويلة من أجل إقامتها ، وما بقي إلا التنفيذ .اهـ من لله ثم للتاريخ (91ـ92) وقد ذكر ذلك في كتابه باللغة الفارسية أيضاً . لكن أي أئمة يريد ؟؟؟
أرجو أن يتنبه المسلمون إلى هذا التصريح الخطير . لأنه ردة صريحة عن الإسلام ، والعياذ بالله تعالى . فكيف يتشدّق بالإسلام ، وهو يريد أن يمحو مكة المكرمة والمدينة المنورة من الوجود ، ويحوِّل القبلة إلى كربلاء ، والله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ } ؟؟؟ عامله الله تعالى بعدله .
لهذا قال عبد العزيز الحكيم الفارسي الرافضي الغدّار ـ يخاطب جماعته ـ : تطلبون فتاوى من العلماء، أنا أقول لكم: اقتلوا كلَّ وهابيٍّ نجس .اهـ وكرّر ذلك مراراً ، كما في القناة الفضائية .
فقد صاروا يطلقون على كل سنِّيٍّ ( وهابي ) حتى يظن الناس أن المسألة سياسية ، وليست عقدية .
7 ـ إلغاء القرآن الكريم
إذا ظهر القائم فإنه يلغي القرآن الكريم ، ويُلزم الناسَ بكتاب آخر .(1/420)
روى المجلسي: يقوم القائم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جديد.اهـ من بحار الأنوار (52 : 354) وانظر الغيبة (154)
وقال جعفر الصادق عليه السلام : لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد.اهـ من بحار الأنوار (2: 135) والغيبة (176)
إن الرافضة لا يرون للقرآن الكريم قيمة ولا قدراً بدون عليٍّ رضي الله عنه .
قال آية الله البرقعي : يقول الروحانيون [ أي المشايخ ] في زماننا على المنابر ؛ ويرفعون القرآن بأيديهم ، ويقولون : يا أيها الناس ، لا يساوي هذا القرآن قرشاً بلا علي . اهـ من كسر الصنم ( 224 )
هذه قيمة القرآن الكريم عند الرافضة في إيران ، لا يساوي قرشاً ، بلا علي رضي الله عنه ، فهل هؤلاء مسلمون! لذا إذا خرج مهديُّهم فإنه يُسقطه من الاعتبار، ويلغيه طالما لا يساوي عندهم قرشاً. لذا فإنهم يحكمون بدين اليهود ، للصلة الوثيقة بينهما .
8 ـ الحكم بالتوراة والزبور .
لقد عقد الكليني في كتابه الكافي : باباً في أن الأئمة عليهم السلام إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم آل داود ، ولا يُسألون البينة .
قال الإمام الصادق رحمه الله تعالى : يا أبا عبيدة ، إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان ، ولا يُسأل عن بينة .اهـ
لِمَ داود وسليمان عليهما السلام؟ اربط يا مسلم بين تلك العقيدة والهيكل الذي بدأه داود ثم أكمله سليمان .
وقال الصادق أيضاً : إن الدنيا لا تنتهي حتى يحكم رجلٌ منا بحكم آل داود ، ولا يُسأل عن بينة .اهـ
وقال أيضاً : نحن نحكم بحكم آل داود ، ويلقي إلينا روح القدس فيما لا نعرفه.اهـ كما في الخبر الثالث إلى الخامس .
إذا كان القائم مسلماً ومن ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فما حاجته إلى غير الإسلام ؟ وما حاجته لكتاب غير القرآن ؟ ألا يعلم أن كل الكتب نُسخت بالقرآن ؟ وأن كل الديانات نسخت بهذا الدين ، وأن كل الشرائع نُسخت بدين الإسلام ؟ فما حاجته لدين اليهود ؟! أرجو التنبه .(1/421)
وأما قوله : لا يسأل عن بينة فيما يصدر منه ، فلأنه معصوم عندهم .
جاء في تاريخ الإمامية (158) ما يلي : إن الاعتقاد بعصمة الأئمة جعل الأحاديث التي تصدر عنهم صحيحةً ، دون أن يشترطوا إيصال سندها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كما هو الحال عند أهل السنة .اهـ
وفيها (140) ولما كان الإمام معصوماً عند الإمامية فلا مجال للشك فيما يقول .اهـ
وقال المامقاني : إن أحاديثنا كلها قطعية الصدور عن المعصوم .اهـ من تنقيح المقال (1: 177) ولو كانت مسلسلة بالكذّابين .
هذه بعض آراء القائم ، ومعتقدات الرافضة فيه ، ولو وقفت بين الركن والمقام وحلفت لكنت صادقاً غير حانث ، أن ما نُسب إلى هؤلاء الأئمة ـ أئمة أهل البيت ـ هو محض افتراء عليهم، وهم أخشى لله تعالى وأتقى له من أن يقولوا عن المسلمين المؤمنين الموحدين : إنهم كفار ، أولاد بغايا ، وأنهم حلال الدم ، وهم يعرفون حكم القاذف ، في الدنيا والآخرة ، وهم يعرفون حكم قتل المسلم بغير ذنب ، وهم يعرفون حكم من يكفِّر مسلماً بغير حق . وهم أتقى لله من أن يعلنوا بكفر واحد من أحفادهم، بأنه يبايع على غير القرآن، وأنه يحكم بغير الإسلام، وأنه يدمر مكة والمدينة ـ وهم يعيشون وعاشوا فيهما ، حتى في حال بعدهم عنها كانوا يترددون إليهما ـ كما مر .
هل يتصور مسلم أو عاقل أن مسلماً يفعل ذلك ؟ يهدم ويقتل ويجعل دماء المسلمين تجري كجري دجلة والفرات، ويشتت شملهم شذر مذر، ويقتل تسعة أعشارهم، لقد شارك اليهود في حقدهم وأفعالهم ، وتعطشهم لرؤية الدماء ، ومحبتهم لتدمير المسلمين والقضاء عليهم . لكنه زاد عليهم بأضعاف مضاعفة .(1/422)
إن القائم يحكم بحكم آل داود وسليمان ، وعند الأئمة التوراة والإنجيل والزبور . ماذا يفهم من ذلك ؟ إن اللبيب من الإشارة يفهم ، فكيف وقد صرحوا بذلك علانية . وأرجو الربط بين ظهور القائم ، وحكمه بحكم اليهود ، وقيام دولة اليهود ، والعلاقة الحميمة بينهم وبين اليهود . إذ لا يوجد بلد في العالم الإسلامي فيه جالية يهودية كبيرة مثل إيران ، ولا يوجد بلد يتمتع اليهود فيها بالنفوذ مثل إيران ، ولا يوجد بلد في العالم الإسلامي يتحكم فيه الغرب مثل إيران . ولا يوجد بلد لليهود فيه من الحرية الدينية والمالية مثل إيران ...وإذا علمنا أن الدجال إذا ظهر يتبعه سبعون ألفاً من يهود أصبهان فقط، فما يدل ذلك؟ والآن تعج أصبهان باليهود. إن أصبهان ـ قبل حكم الصفويين ـ لم يكن فيها رافضي واحد ، أما الآن فلا يوجد فيها سني واحد، إنما هم رافضة ويهود لا غير، وغير ذلك كثير، فماذا يدل؟ وأما ما نسمعه من إثارات فهي ذر في الجفون .
9 ـ يكون هو القاضي بين العباد .
إن من عقائد الرافضة في المهدي : أنه إذا قام ، وأتى مكة ثم المدينة ،... يحيي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبا بكر وعمر وعائشة وحفصة رضي الله عنهم ومن شايعهم ، ويأمر بجمع الخلق كلهم ، من مؤمنين وكافرين ، ويضع ذنوب جميع المظالم التي حدثت من بداية الدنيا وحتى نهايتها على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بعد عدها وإحصائها، وتقريرهما بذلك ووضعها عليهما ، وصلبهما ثم إحراقهما ، وإقامة الحد على السيدتين الكريمتين أُمَّي المؤمنين زوجتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . كما سبق ذكره قبل قليل .
هذه بعض مهام القائم ـ لا أقامه الله تعالى ـ إذا ظهر ، فما عسى أن يقول الرافضة ؟ وهي منقولة كلها من كتبهم ، بل من أوثق مصادرهم ، فهل يكذبونها ؟ أم يقولون بالتقية ، ليضحكوا على السّذج من المسلمين ؟
الخاتمة(1/423)
قبل أن أختم هذا البحث المختصر جدّاً أحب أن أنبه على بعض الأمور، وبشكل مختصر أيضاً للتذكير :
* إن كثيراً من الشيعة الرافضة أو المتشيعين لما اصطدموا بتهمة معتقدهم بأن واضعه ابن سبأ اليهودي حاولو التنصل منه ، نافين وجوده أصلاً من الدنيا ، مع أن أمهات كتبهم تثبت وجوده ، وأنه هو مؤسس مذهبهم .
إضافة لوجود المعتقدات التي بثها وهي موجوده في مذهبهم إلى اليوم .
* الغلو الفاضح المكشوف في أئمة آل البيت رحمهم الله تعالى ، مع تفريقهم بين الأئمة ، فإذا أرادوا الانتقال من الأب إلى الابن ، واصطدموا بالحسنين قالوا بوجود ذلك ، ولما اصطدموا بموت الابن الأكبر اتهموا الله بالبداء مرتين . وإذا ادعوا فيهم إحياء الموتى ، وعلم الغيب ، والتصرف في الكون و... فلما اصطدموا بالآيات المنافية لما يزعمون ، حرّفوها ، أو زادوا فيها ما ليس بقرآن ، وكل ذلك كفر .
* لقد غدروا بأئمة آل البيت رحمهم الله تعالى ، ابتداء من اشتراكهم بقتلهم ، وانتهاء بما زعموه فيهم ، مما لم يرضوا به ، مع الكذب ، وإضافة الكفر لهم ، كما مر في موضعه .
* إن الرافضة قد صبوا جام غضبهم على الصحابة الكرام رضي الله عنهم، فكفّروهم، ولعنوهم، لأنهم هم الذين حرروا العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار ، وأخرجوا الناس من جور الأديان إلى عدل الإسلام ، وقضوا على الدولة الفارسية ، وعلى اليهود ، بل وصل بهم الحقد أن طعنوا في شخص النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، لأن وزيريه أبو بكر وعمر ، ولأن من زوجاته عائشة وحفصة رضي الله عنهن ، فما ذنب هؤلاء الكريمات ؟ سوى أنهن بنتا أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ؟ بل بلغ الطعن حتى ذات الله تعالى . فماذا بقي لهم هؤلاء المساكين ؟(1/424)
* إن الرافضة لما اصطدموا بمئات الآيات التي تثني على الصحابة رضي الله عنهم ، وتثبت إيمانهم ورضوان الله تعالى عليهم ،... وأن من فضائل الصحابة التي أكرمهم الله تعالى بها : جمعهم للقرآن الكريم ـ بعد حفظهم له في صدورهم ـ احتار الرافضة في ذلك ، فأوحى لهم شياطين الإنس من اليهود والمجوس دعوى تحريف القرآن الكريم وتأويله التأويل الفاسد ، أو الإضافة عليه ، وادعاء الحذف والنقصان ، وألصقوا ذلك ـ كذباً وزوراً ـ بالصحابة الكرام رضي الله عنهم وبرأهم من رجس الرافضة ، وهذا لا يعلم في الفرق التي تنتسب إلى الإسلام إلا لهم ، مجارة لليهود والنصارى .
* لما رأى الرافضة أن الأمة متمسكة بهدي النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، بالصحابة الكرام رضي الله عنهم، ومخالفة للرافضة في غلوهم بكل شيء، مع اعتدالهم في معتقداتهم، نقموا على الأمة، فكفّروهم، وادعوا أنهم أولاد زنا، وأنهم أنجاس أرجاس، شرٌّ من اليهود والنصارى، كما كفّروا جميع حكومات الدول المسلمة، وجميع الفرق المسلمة، وأنهم جميعاً في النار، إلا الرافضة ـ كما هو الحال عند اليهود والنصارى ـ {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } لأنهم يزعمون أنهم أبناء وأحباؤه {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ }(1/425)
* إن العقائد الموجودة عند الرافضة يعلمها كثير من أهل السنة ، بل يعلمها كثير من غير المسلمين أيضاً ، لأنها مكتوبة ومطبوعة . ومع هذا لم يبلغ من أهل السنة من الحقد والبغضاء في صدورهم على الرافضة ولا أقل من القليل مما في صدور الرافضة نحو أهل السنة، إن أهل السنة لم يفكروا في إبادة الرافضة ، مع أنهم يعيشون بينهم منذ مئات السنين ، ولا يوجد كتاب من كتب أهل السنة من ينادي بالقضاء على الرافضة، بينما عامة كتب الرافضة تطالب بالقضاء على أهل السنة ، إذا سنحت لهم الفرصة . بل لم يبلغ الحقد والبغض من أهل السنة نحو الرافضة إلا أقل من القليل، ولهذا نرى التعامل معهم ، كما هو موجود في بغداد وغيرها ، كما نراه في المناطق الأخرى .
* إن الشيعة فرق كثيرة ، ولكن أغلب فرق الشيعة لا تكن من العداء لأهل السنة ما تكنه الرافضة ، فلم يا ترى ؟
* لم لم يحدث بين الزيدية وأهل السنة ما حصل بين الرافضة وأهل السنة؟ إن الزيدية لم يكفّروا الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، ولم يفضِّلوا عليّاً على الشيخين ، ولم يتبرؤوا من أحدٍ منهم ، ولم يطعنوا في أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ، ولم يغالوا في آل البيت كما حصل من الرافضة . فما الفرق بينهما؟ هل الزيدية عقلاء والرافضة مجانين ؟ أم أن الزيدية كلهم من العرب ، بينما الغالب على الرافضة أنهم من الفرس ، ولم يعرف العرب ـ خاصة في اليمن ـ عبادة الأشخاص ، وتأليه الأشخاص ، أم أنه لم يكن فيهم يهود ونصارى ومجوس أرادوا ضرب الإسلام ، وتشويه سمعة آل البيت ؟(1/426)
* إن كان الرافضة صادقين في ولائهم لعليٍّ وأهل بيته رضي الله عنهم ، ومن قبل للقرآن وللنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، فهذه نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأقوال علي وأولاده وأحفاده رضي الله عنهم في الثناء على الصحابة الكرام وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم ، ماذا يفعلون بها؟ إما أن ينكروها ـ ومعلوم خطورة المنكِر ـ وإما أن يسلِّموا بها، فيتراجعوا عن باطلهم، ويعتذروا لعامة المسلمين، ويكفِّروا عن خطئهم.
* لم يكن يُعرف في القرن الأول والثاني ـ بشكل عام ـ ما حصل في بداية القرن الثالث والرابع من غلوٍّ كبير ، ابتداءً من القول بالتقية ، وانتهاء بتأليه عليٍّ وأبنائه رضي الله عنهم ،... مروراً بالقول بالعصمة ، ودعوى الإمامة ، وتحريف القرآن ، والوصية ، ... الخ
* من المعلوم ضرورةً أن كل مسلم يجب أن يقدّم النبيَّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم على جميع الخلق ، استناداً لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، والتهديد الرباني لمن يقدم محبة جميع المخلوقات على محبة النبي الكريم صلى الله علبه وآله وسلم ، كما قال تعالى :{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ وَالله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(1/427)
ومع كل ذلك فإن الرافضة لم يعطوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا جزءاً من التعظيم والتوقير مما أعطوه لسيدنا علي رضي الله عنه ، ولم يغالوا فيه كما غالوا في علي والحسين وذريته رضي الله عنهم ، كما غايروا بين الأخوة، فلم يعطوا الحسن وأولاده ما أعطوه لأخيه الحسين وأولاده رضي الله عنهم . بل وجد الغمز والطعن في الحسن وبنيه ، فما وراء ذلك ؟ إن جدَّ أولاد الحسين رضي الله عنه هو كسرى ، وجد الإمام المنتظر ملك الروم ، وعلى المسلم الفطن العاقل أن يفهم .
* إن علماء الرافضة هدموا الإسلام وأركانه في الوقت الذي كانوا يريدون رفع مكانة علي وأهل بيته رضي الله عنهم، ولا يدرون أنهم برواياتهم الكاذبة، وحكاياتهم المصنوعة هم يطعنون بعليٍّ وأهل بيته رضي الله عنهم.
* لقد آن الأوان لكشف حقائق الرافضة ، وبيان معتقداتهم ، وكشف زيفها ، ونقضها كلها ، وبيان حكم من يعتقد بها ، والتحذير منهم ، ومن أعمالهم ، وعدم الاطمئنان لهم ، خاصة بعد ظهور التصريحات التي ظهرت من أئمتهم ـ وسفروا عن وجههم ـ بإبادة المسلمين ، وما أقدموا عليه في العراق وإيران ـ بعد الخميني عامله الله بعدله ـ من تدمير مساجد السنة ، وقتل المثقفين والعلماء وأهل الفكر منهم ،... واستمالتهم لكثير من بسطاء المسلمين بالمال والعِرض . ويجب عليهم أن يأخذوا ذلك مأخذ الجد . والإسراع بمد العون لأهل السنة في جميع بلاد المسلمين ، قبل أن يفوت الأوان .
اللهم إني أسألك بمحبتي لرسولك الكريم ~ ، وبمحبة آل بيته رضي الله عنهم ، وبمحبة أصحابه الكرام رضي الله عنهم أن تقبل هذا الكتاب ، وأن تضع له القبول في الأرض، فتُثَبِّت به سنةً، وتَهدي به رافضةً، إنك على كل شيء قدير .
إذا أراد الرافضة الوحدة مع المسلمين فعليهم ما يلي :
1 ـ أن يرجعوا عن الطعن في ذات الله تعالى ، ويمزقوا الكتب التي تحوي ذلك ، ويعلنوا تكفير من يعتقد تلك العقائد الكافرة منهم .(1/428)
2 ـ أن يعلنوا تراجعهم عن الطعن في النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، ويعلنوا تكفير من يفعل ذلك منهم، ويحرقوا الكتب التي فيها تلك الطعون .
3 ـ أن يعلنوا تراجعهم عن الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ورضي الله عنهم ، وعن تكفيرهم وسبهم ولعنهم .
4 ـ أن يعلنوا تراجعهم عن الطعن في أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ، ويعلنوا تكفير من يعتقد ذلك ، ويحرقوا الكتب التي فيها الطعن واللعن في الصحابة جميعاً ، وفي الشيخين وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم خصوصاً.
5 ـ أن يعلنوا تراجعهم عن اعتقادهم تزوير القرآن الكريم وتحريف آياته، والإضافة فيه ـ ويعلنوا تكفير من يعتقد أو يفعل ذلك، ويحرقوا جميع الكتب التي فيها التحريف والتزوير والزيادة والتأويل الفاسد الباطل .
6 ـ أن يعلنوا تراجعهم عن الغلو في أئمة آل البيت رحمهم الله تعالى الذي أوصلهم إلى حد الكفر والشرك بالله تعالى .
7ـ أن يعلنوا تراجعهم عن تكفير أهل السنة ، وحكام الدول الإسلامية، وبغضهم والحقد عليهم ، واستباحة أعراضهم وأموالهم .
8 ـ أن يعلنوا عن رجوعهم عن الكذب والنفاق والتقية .
9ـ أن يعلنوا تراجعهم عن عقائدهم التي أخذوها من اليهود والنصارى والمجوس .
10ـ أن يعلنوا توبتهم ويتخلوا عما فعله الخونة منهم، منذ زمن علي رضي الله عنه حتى خيانة يحيى خان الذي سلّم باكستان الشرقي إلى المجوس ، فكانت بنكلاديش .
11ـ أن يتخلوا عما فعله الخونة المجرمون في بغداد ، يوم استدعوا أمريكا وبريطانيا والكفار الآخرين، فدمروا مساجدها، وأحرقوا مكتباتها، ومزقوا مراكز الأحوال المدنية فيها، وأدخلوا نصف مليون فارسي إليها ، وما زالت أيديهم ملطخة بدماء أهل السنة، واغتيال رموزها فيها، بأيدي أسماء مستعارة لا يعلمها كثير من الناس ، حتى لا ينكشف أمرهم ، ولكنهم معروفون عند الصغير والكبير { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}(1/429)
هذا ما عن لي كتابته ، ملخّصاً رسالتي عن الرافضة ، وما أضفته إليها مما كتبه بعض الأخوة ـ رحم الله تعالى من مات منهم، وحفظ الله تعالى من بقي حيّاً منهم بصحة وعافية، وأرجو الله تعالى أن يحفظنا جميعاً، وأن يكتب لهذه الرسالة القبول ، وأن ينفع بها من كتب الله تعالى هدايته .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
والحمد لله رب العالمين .
1428هـ وكتبه
السيد أبو علي الهاشمي
فهرس الرسالة
ـ الإهداء ،..........................................................5
ـ المقدمة ،...........................................................7
ـ فصل : من هم آل البيت ؟........................................41
ـ فصل : عبد الله بن سبأ مؤسس مذهب الشيعة ،..................51
ـ فصل : معتقدات عبد الله بن سبأ التي نشرها بين الشيعة ،.........63
ـ فصل : الغلو في أئمة آل البيت رحمهم الله تعالى ،..................75
ـ فصل : آل البيت بين توقير أهل السنة وغدر الرافضة ،.......... 153
ـ فصل : الصحابة الكرام رضي الله عنهم بين تعظيم أئمة آل
البيت وحقد الرافضة ،..........................................195
ـ فصل : عداوة الرافضة لأهل السنة وتكفيرهم لهم ،.............263
ـ فصل : كذب دعوى الإمامة ،..................................291
ـ فصل : بعض معتقدات الرافضة التي خالفوا فيها المسلمين ،.... 339
ـ فصل : القرآن الكريم واعتقاد الرافضة فيه ،.................... 399
ـ فصل : أئمة الرافضة من اليهود والنصارى والمجوس ...........449
ـ فصل : مهام القائم ( المهدي ) إذا ظهر ..........................465
ـ الخاتمة ،........................................................501
ـ فهرس الرسالة ،................................................509(1/430)