أبي آدم (- عليه السلام -) بين المفتريات والحقائق
غريب أبو عارف
المقدمة
الحمد للَّه حمدًا يليق بجلاله وعظمته سبحانه، أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة؛ ومن أجلِّ نعمه علينا نعمة الإسلام، وفتح الطريق لعباده الصالحين للتَّرقي في مقامات الإيمان، وذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، واللَّه ذو الفضل العظيم، وأشهد ألا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له؛ وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد اللَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم، نبّه عباده الصالحين إلى أهمية النصيحة فعن تميم الدراريِّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة». قلنا لمن يا رسول اللَّه؟ قال صلى الله عليه وسلم: «للَّه؛ ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم» رواه مسلم.(1/1)
ثم أما بعد فإن العبد الصالح إذا أكرمه اللَّه بالهداية إلى طريقه المستقيم كان أبرز سمات الصلاح فيه أن يكون رجّاعًا إلى الحق والصواب؛ كلما ردّه من هو أعلم منه، يرجع إلى الحق، وينتهي عن ما وقع فيه ولسان حاله يقول: رحم اللَّه من أهدى إليَّ عيوبي، ويدعو لمن أرشده في السرِّ والعلانية، وليس شرطًا أن يكون الناصح أعلم من المنصوح، كما حدث لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب منبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أيها الناس ما إكثاركم في صدق النساء! وقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند اللَّه أو كرامة لم تسبقوهم إليها؛ فلا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم. قال ثم نزل. فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم. قال: نعم. فقالت: أما سمعت ما أنزل اللَّه في القرآن؟ قال: وأيّ ذلك؟ قالت: أما سمعت اللَّه يقول: + " [سورة النساء, آية:20] قال: فقال: اللهم غفرًا؛ كل الناس أفقه من عمر؟!. ثم رجع فركب المنبر؛ فقال: «أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب» إسناده جيد، تفسير محاسن التأويل (5/ 78].
هذا من إكرام اللَّه لعبده الصالح ـ الفقير إلى اللَّه بعدد أنفاسه ـ أن يرجع إلى الصواب وإلى الحق، ولا يبالي بالناس من كثرتهم ولا بالمفتونين، مهما كانت مكانتهم وقوتهم، والعكس صحيح أيضًا إذا أهان اللَّه عبده فلم يقبل نصيحة الناصحين. ولم يُبالِ بتوجيه العلماء الصالحين؛ وذلك لهوان العبد على اللَّه. قال اللَّه العظيم في محكم التنزيل + " [سورة الحج, آية: 18].(1/2)
فالذي لا يبالي بأقوال العلماء ويسخر منهم، فقد أهانه اللَّه باتباع الهوى إذ آثره على الحق، قال اللَّه العظيم في محكم التنزيل: + " [سورة الفرقان, آية: 43، 44].
وهذا هو الحدث الأليم في كتاب عبد الصبور شاهين بعنوان (أبي آدم). العلماء يخوفونه من جرأته على كتاب اللَّه بالتفسير بالرأي، والصالحون يحذرونه من الإصرار على موقفه وإعجابه بالرأي؛ فما يزيده ذلك إلا طغيانًا كبيرًا ونفورًا عجيبًا، بل حصل منه ما هو أدهى وأمر، تطاول على العلماء واستهزأ بالمفسرين رحمة اللَّه عليهم، وهذا ليس أول المبتدعين المغرورين ولا آخرهم، والمغرورون بعلمهم في عصرنا هذا لا حصر لهم، وقد ضرب اللَّه لنا مثلاً عن هؤلاء في كتابه العظيم فقال ـ جل جلاله ـ: + " [سورة الأعراف, آية: 175، 176].
عبد الصبور شاهين قبل أن يكتب كتابه المبتدع؛ كنّا نحسبه أنه من السالكين سبيل الرشاد؛ وكنّا نظن به خيرًا؛ كما كنّا نعتقد أنه سيدفع بنفسه وقلبه ولسانه وقلمه كل من تطاول على كتاب اللَّه، وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم ويقيم الدنيا ولا يقعدها على أي مجرم يعتدي على كتاب اللَّه المجيد؛ ولكن القلوب بيد الرحمن يقلبها كما يشاء ـ اللهم يا أرحم الراحمين يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على الحق المبين؛ حتى نلقاك وأنت راضٍ عنَّا يا رب العالمين.(1/3)
لقد فاجأ شاهين الجميع على كل المستويات؛ بخروجه عن إجماع المسلمين؛ وتحدى عقول ومشاعر العلماء الصالحين المفسرين لكتاب اللَّه رب العالمين؛ بل وأصبح يعادي علماء الأمة الذين هم ورثة الأنبياء، وأصرَّ على موقفه، واستهزأ بمعارضيه، وأعلن عليهم حربًا شعواء؛ فسخر منهم؛ وتعقب كلامهم؛ وكأنَّ بينه وبينهم ثأرًا قديمًا؛ لماذا يا شاهين تفعل كل هذا؟ فيجيب علينا الأستاذ الفاضل/ محمد حماد ـ بارك اللَّه فيه ـ بقلمه الغيور الذي انتصر للَّه، ولكتابه، ولرسوله صلى الله عليه وسلم قال: (استطاع شاهين أن يعود إلى دائرة الإعلام بعدما لفظته طويلاً حتى أنه اشتكى من ذلك علنًا وفي أحاديث منشورة وحينئذ عادت إليه أحاديث الصحافة؛ واستعاد بعض وجوده في دائرة الإعلام، وكان هذا هو هدفه؛ أن يظهر على شاشات الفضائية، حيث لا هدف آخر للكتاب إلاَّ بلبلة الرأي العام المسلم) وصدق من قال: حب الظهور يقصم الظهور. ومن أمثال هؤلاء شاهين في كتابه المبتدع (أبي آدم).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إن لكل عامل شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فإما إلى سُنَّة، أو إلى بدعة؛ فمن كانت فترته إلى سنَّتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك»؛ وفي رواية «فقد ضلَّ»؛ وفي رواية أخرى «فإن كان صاحبها سدّد وقارب؛ فأرجو له، وإن أشير إليه بالأصابع، فلا تعدّوه شيئًا» حديث حسن الطحاوي في مشكل الآثارة (3/ 266)، مدارج السالكين لابن قيم الجوزية منزلة السرَّ، الجزء الثالث.
فمن كان معروفًا باجتهاده وعبادته، ثم انحطّ عن ذلك وعاد إلى حال أهل الدنيا والشهوات، فإذا مرّ بالناس أشاروا إليه وقالوا: هذا كان طريق كذا وكذا، ثم فُتن وانقلب وهو الذي قال في الحديث عنه: «فلا تعدُّوه شيئًَا» لأنه انقلب على عقبيه. صحيح مسلم كتاب الإيمان 186 (1/ 110) باب 51.
وقد يكون لشاهين بُعدًا آخر أبعد من هذا بكثير واللَّه أعلم.(1/4)
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال فِتنًا كقطع الليل المظلم. يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا» وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة؛ ينام الرجل النَّومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت» (أي بعد انقباض الأمانة، يكون لها أثر ضعيف في القلب) بعد أن كانت مكتملة في القلب (ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه؛ فيظل أثرها مثل المجل)؛ (أي: ماء يصير بين الجلد واللحم من أثر احتكاك الجلد بشيء صلب وينتفخ الجلد قليلاً بوجود الماء داخله) (كجمر دحرجته على رجلك فنفط) (أي: انتفخ) (فتراه منتبرًا) (أي: مرتفعًا) (وليس فيه شيء).
(أي شكلاً لا جوهرًا ولا معنى له) أي: يصير الرجل ـ من كان هذا وصفه ـ مظهرًا حسنًا لا جوهر له، عنوانًا جميلاً لا موضوع له) فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة؛ حتى يقال: إن في بني فلان رجلاً أمينًا! حتى يقال: للرجل ما أجلده! ما أظفره! ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان) متفق عليه. صحيح البخاري كتاب الرقائق باب 35، كتاب الفتن 120، كتاب الاعتصام 3 وصحيح مسلم كتاب الإيمان 230 باب (64) رفع الأمانة (1/ 126).
فالأمانة نزلت أولاً، وبعد ذلك نزل القرآن، فإذا الأمانة انصرفت من الوعاء الذي يحمل القرآن ويعيه، وهو القلب؛ فماذا يعمل القرآن في قلب نُزعت منه الأمانة؟ فمثل هذا القلب لا يعرف للقرآن حُرمة، ولا لعلماء الأمة مكانة ولا منزلة؛ وبذلك لا يعرف لنفسه حدودًا؛ فليقل شاهين ما شاء؛ لأنه رجل ليس له حدود ينتهي إليها؛ فهو يتبع هواه، وإني أتساءل علام هذه الحملة الشرسة على كتاب اللَّه؟ علام هذا الحقد على علماء المسلمين ومنازلتهم بغير حق؟ علام الاستهزاء بمن أفنوا أعمارهم في تفسير القرآن الكريم؟(1/5)
لعلك ترجع يا شاهين إلى الحق؛ فالحق أحق أن يتبع، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. واللَّه إنا لنفرح بعودتك كما يفرح الأهل بعودة كبيرهم وحبيبهم إليهم.
اللهم تب على شاهين وعلى كل الشاردين عنك يا رب العالمين؛ وردهم إليك ردًا جميلاً يا أرحم الراحمين؛ وآخر دعوانا أن الحمد للَّه رب العالمين.
غريب محمد علي أبو عارف
صفر 1427 هـ
الرياض
تلفاكس: 4923146
قال الله العظيم في محكم التنزيل
+ "
[سورة الأنبياء، آية: 18]
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
* منهج المبتدع *
فإن عبد الصبور شاهين يريد أن يفصل بكتابة المبتدع (أبي آدم) بين عهدين:
الأول: عهد الموروثات القديمة: كتب أصحاب السنن، وكتب تفسير القرآن، والمفاهيم البالية، والعقول المتحجرة، والتخلف العلمي، كما يزعم.
الثاني: عهد استنطاق الآيات بالهوى والرأي، والاستدلال بنظريات علمية لم ترق إلى الحقيقة على تعطيل آيات اللَّه، وصرفها عن مراد رب العالمين، وهو في هذا الكتاب المبتدع من أوله إلى آخره يدندن على ضرورة هذا الفصل بين العهد القديم البالي، وبين العهد الجديد والعلم الحديث، وقد صدق قول اللَّه العظيم فيك يا شاهين وفي أمثالك في هذا النص الرباني: + " [سورة آل عمران, آية: 188].(1/6)
إي واللَّه يا شاهين، كتابك حوى العجائب، كما هو حال الساحر الذي يقلب الحقائق بباطل مزخرف؛ فيوهم الناس بسحره أنه الحق وهو عين الباطل، كما قال اللَّه العزيز الغالب: + " [سورة طه, آية: 66]، أراك من جلدتنا وتتكلم بألسنتنا، فيا ترى هل أنت منا أم علينا؟ وهل أنت حبيبنا أم أنت عدو لنا؟ تريد أن تنسف ما هو مسلّم به، ومن أهمها وأعظمها كتاب ربنا، المحكمة آياته، المبهرة أنواره، الظاهرة أحكامه، النور الهادي والسراج الوافي، والذي يعلو ولا يعلى عليه، لا ولن تستطيع يا شاهين، كبرت كلمة تخرج من فيك تتقول على اللَّه بغير علم؛ وقد صدق قول اللَّه العظيم فيك وفي أمثالك قال العظيم جل جلاله: + " [سورة الأنعام, آية: 144].
إن هذا الانقلاب الخطير الذي جئت به لَيَحمل في طيَّاته معنًى خطيرًا جدًّا سواء قصدته أم لم تقصده، ولا تستطيع أن تبرئ نفسك منه؛ لأنه قلمك الظالم، وعبارتك التي خانتك، كل هذا انعكاس من كلامك وألفاظك النارية، أتدري ماذا أريد أن أقول لك؟ أقول وباللَّه التوفيق:
إذا كان اللَّه قال: + " [سورة الأنعام, آية: 38] وقوله الحق + " [سورة النساء, آية: 122]، وقوله الصدق + " [سورة النساء, آية: 78].
لا أحد أبدًا ولو جئت بملء الأرض من أمثال شاهين لن تستطيع أبدًا بكتابك المبتدع الذي مفهومه عكس ما قاله اللَّه تمامًا؟ معنى كتابك هذا؛ أن اللَّه فرَّط وأيما تفريط؟؟!!، لقد أخبرنا اللَّه بأن أول إنسان خُلق هو آدم؛ ثم طلعت علينا أنت بابتداعك، وقلت: يا رب المعذرة؛ فقد خلقت خلقًا همجًا قبل آدم؟؟!! أليس هذا معنى كلامك الفاسد؟. سبحانك اللهم ربنا هذا بهتان عظيم.
* دعوة باطلة *(1/7)
الغريب أن (عبد الصبور شاهين) في كتابه المبتدع (أبي آدم) يدَّعى أن منهجه في كتابه الالتزام بالكتاب والسنة وعدم الخروج عنهما، وصفحات الكتاب تشهد بعكس ذلك، وهو الخروج عن الكتاب والسنة؛ بأسلوب واضح وفاضح؛ متبعًا في ذلك أسلوب السحرة والكهنة؛ لأن الساحر يخدع الناس بكلماته وحركاته، فيقول قولاً ظاهره الحسن وباطنه القبح؛ ولا يفطن لذلك إلا أقل القليل من عصمهم اللَّه.
فأسلوب المؤلف تشمئز منه نفس من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فعلى سبيل المثال يدعي دعوة باطلة بقوله: (إن أكثر المفسرين نقلوا الإسرائيليات في تفاسيرهم دون عقل ـ طبعًا هم أئمة الهدى بلا شك) [ص7 السطر 13]؛ وينقل عبارات من الكتاب المسمى بالعرائس (وهو كتاب لا يُقرأ فضلاً عن أن ينقل منه خرافات؛ فالكتاب ممتلئ بالخرافات والأباطيل فيجب حرقه وعدم قراءته) ومن ذلك قوله: (أن اللَّه بعث جبريل ليأتيه بالتراب الذي سيخلق منه آدم...) [ص 8 ـ العشر الأسطر الأولى]. إلى آخر كلامه الباطل المأخوذ من الإسرائيليات.
ثم ينصب نفسه مدافعًا عن الباطل الذي عرضه؛ ليشغل القارئ عن حقيقته التي هي أشد وأخطر من الإسرائيليات؛ فيفهم القارئ العادي أن المؤلف يدافع عن الكتاب والسنة، وهو دفاع مقلوب؛ بل وهجوم سافر يشهد عليه، وهذه عبارة من كتابه: (ولا حرج علينا في هذا ما دمنا نرعى قداسة النصوص المنزلة، ومادمنا لا نخالف معلومًا من الدين بالضرورة) [ص10 ـ السطر السادس].(1/8)
أي قداسة عندك للقرآن؛ وقد غيرت مدلول ألفاظ من القرآن اتفق على معناها علماء الأمة منذ أربعة عشر قرنًا، والمعنى المتفق عليه من علماء الأمة لا يقبله هواك ولا إعجابك برأيك، فعلى سبيل المثال قوله تعالى: + " المراد: هو آدم (- عليه السلام -) باتفاق العلماء سلفًا وخلفًا أما أنت أيها المبتدع يا من تدعي أن للكتاب عندك قداسة، فتقول: (المراد من لفظه (بشر) في القرآن هو البشر الهمج قبل آدم...) أليس هذا مخالفًا للمعلوم من الدين بالضرورة الذي تتقيد به وتلزم نفسك به؟!.
* استنطاق الآيات *
ويقول أيضًا: (لقد كان جل اعتمادنا في عرض قصة الخليقة؛ على استنطاق آيات القرآن...) [ص 12 السطر الخامس من أسفل الصفحة]. وهي عبارة جميلة حقًا؛ وأنا أسألك أتستنطق الآيات باتباع أئمة الهدى والعلماء المعتبرين؟ أم بابتداعك واتباعك هواك، وخروج عن النص، وصرف المعنى الذي يريده الرحمن إلى معنى يريده الشيطان؟! وهذه جملة من عباراته التي يدندن عليها ليوقع القارئ المسكين في حبائل غيِّه وضلاله ودعوته الباطلة بأنه لا يخالف معلومًا من الدين بالضرورة..
يقول أيضًا (إن هذا البحث قائم؛ على ركيزة الآيات المنزلة.. وهو لم يخرج قيد أنملة عن المعنى القرآني... وهو لا يتناقض في نتائجه مع أي حديث صحيح.. والهدف هو انتزاع العقل المسلم من براثن الإسرائيليات المحشوة بالخرافات المنافية لكل ما هو عقل وعلم ونور) [ص 17 ـ السطر 16].(1/9)
أما الآيات فقد حَرَّفْتَ مراد اللَّه فيها بجرأة عجيبة وتخيل فاسد مدهش، أما ادعاؤك الباطل أنك لم تخرج قيد أنملة عن المعنى القرآني فهذا غير صحيح وافتراء فاضح، يشهد به قلمك المحرف لكلام اللَّه، وكذلك ادعاؤك أن بحثك هذا لا يتناقض في نتائجه مع أي حديث صحيح؛ فالعكس هو الصحيح، بل واضح من كتابك كله إهمالك للسنة لأنها تخالف هواك. وتقول: (إن هدفك هو انتزاع العقل المسلم من براثن الإسرائيليات) وأقول لك: إن ظاهر كلامك هو انتزاع العقل المسلم من حقائق الإيمان إلى اعتقاد فاسد ووهم زائف، وادعاء باطل.
وأقول لك كلمة لعلها تردك إلى الصواب بحثك هذا قد أثمر لك ثمرة ما أقبحها! وجهز لك مقعدًا ما أسوأه؛ والنهاية هي الحسرة والندامة؛ لقد قلت قولاً خبيثًا قلت في القرآن برأيك، واستهزأت بكلام أئمة الهدى، ولما ردَّ عليك طائفة من العلماء المخلصين سخرت منهم؛ فإن لم تتب عن قولك وبحثك المبتدع فأنت مهدد عياذا باللَّه من سوء الخاتمة؛ هذا إن لم تتب وتستغفر اللَّه عما بدر منك؛ وتعتذر لعلمائنا الأجلاء على ما بدر منك من السفاهة، والقول على اللَّه بغير علم، وتوبتك تكون علانية بحيث تبلغ ما بلغ كتابك، وأرجو من اللَّه أن يردك إلى الصواب ويقبل منك هذا ويغفر لك ما قدمت عليه.
* التطاول على العلماء *
لقد قلت عن كتابك في كتابك المبتدع: (أنه أحدث دويًا كسقوط صخرة ضخمة في بركة آسنة...) [ص19 ـ السطر 3] هكذا هي مكانة علماء الأمة عندك؟!
والتشبيه الصحيح لكتابك المزعوم: هو كحمل خزائن ماء آسن سحب من بيارة نجسة وهذه البيارة تمثل أفكارك واجتهادك الفاسد ـ هذا الخزان بما يحوي من النجاسات والأفكار المنتنة والرطوبات المزعجة ـ فُرَّغ في نهر ماؤه عذب؛ فعكر صفاء الماء، وحرَّك مشاعر المؤمنين بالغضب والسخط على المتسبب في نشر هذه النجاسات؛ فعكرت على الشاربين مشربهم، والمتطهرين طهورهم وأوقعت الناس في حيرة.(1/10)
العلماء الأجلاء لما تصدوا لكتابك هذا، لم يكن ببال أحدهم شخص المؤلف، لماذا؟ لأنهم يعرفونك جيدًا... يعرفونك أكثر من نفسك.. عبد الصبور شاهين رجل عقلاني؛ يضع عقله في أي نص؛ ويجتهد اجتهادًا فاسدًا؛ معرضًا عن القاعدة المعروفة المعلومة في أصول الفقه (لا اجتهاد مع نص)؛ وهي معلومة من الدين بالضرورة.
إن لم يكن للمرء عون من اللَّه………فأول ما يجني عليه اجتهاده
إي واللَّه جنى عليك اجتهادك.. فمن أنت حتى يكون همّ العلماء إخفات صوتك أو إخفاء أثرك؟!. أما ادعاؤك بأنهم يريدون تشويهك وتجريحك؛ ادعاء باطل، لقد شوهت أنت نفسك بنفسك وبقلمك، ولما أراد العلماء الأجلاء أن يردُّوك ركبت رأسك واتبعت هواك وأصررت على نشر علم فاسد.
انتبه يا غافل! أنت تتحدى بكلامك وتفسيرك لكتاب اللَّه بالهوى جبار الأرض والسماء؛ ولا ينفعك أولئك الذين نصروك ظلمًا وزورًا على العلماء الأفاضل، نصروك لعلة واحدة لا غيرها عندهم وهي: أن لجنة الأزهر ـ بكل أسف ـ أقرَّت كتابك في كلمات؛ لم يكن المفروض أن تصدر عنهم باسم الأزهر، ومع هذا فاللجنة لن تغني عنك من اللَّه شيئًا، والمتهم والمحاسب هو أنت وأفكارك، وإصرارك على فهمك هذا يجلب لك العقوبة الإلهية؛ فلا تغترَّ بتقرير لا يسمن ولا يغني من جوع.
ولا تقل يا شاهين عن علمائنا الأجلاء (علم اللَّه أنهم لم يكونوا يملكون فكرًا قادرًا على استيعاب مضمون...) [ص19 السطر 6] كتابك المبتدع أي فكر تتحدث عنه؟ إن كنت تقصد فكر من لا يعرف لنفسه حدًّا مع اللَّه فهذا صحيح؛ وهو الحق، وإن كنت تقصد فكر المؤمن المقيد بتعاليم شرع اللَّه الحنيف المؤيد بنور اللَّه؛ فعلماؤنا الأجلاء لديهم حصانة ومناعة من غثاء أفكارك؛ وأفكار أمثالك.(1/11)
كتابك المبتدع قال عنه العلامة الدكتور: محمد زغلول النجار وهو بمستواه العلمي النادر في هذا العصر ـ اللهم احفظه وبارك في علمه، واجعله يا رب في زيادة من نورك، وعَلّمه يا رب ما لم يكن يعلم ـ قال: (الكتاب ليست له قيمة علمية ولا دعوية بالإضافة أنه خالف نصوصًا قرآنية قطعية الدلالة وخالف أحاديث نبوية صحيحة موجودة في كل كتب السنة).
* الكلام صفة المتكلم *
ويقول المؤلف أيضًا في سفاهة عجيبة غير مسبوقة عن علماء الأمة: (إنهم يرون السماء الصافية زجاجًا ويرون النجمة الساطعة بيضة من بيض الدجاج) [ص19 ـ السطر 8].
هكذا سولت لك نفسك المظلمة؛ تشبيه أئمة الهدى ومصابيح الدُّجى بهذا التشبيه القبيح، أما أنت أيها المعجب بنفسه رأيت بنظرك الأعشى الحق باطلاً، والنور ظلامًا، والهدى ضلالاً، والابتداع في رأيك الفاسد هو الاتباع. وصدق فيك قول من قال: (تملأ الكوز من المحيط فيظن أنه المحيط الكبير) لقد نفخ فيك الشيطان فظننت بسوء أدبك أنك أعلم الأمة، والحقيقة أنك بهذا العلم الفاسد من أجهل الأمة، بل إن جهلك مركب، وفي الوقت نفسه ترمي أئمة الهدى بالعمى، والعكس بالعكس.
فإعجابك بنفسك ورَّطكَ مع أحكم الحاكمين، هل فكرت لحظة واحدة إذا أوقفك ربك بين يديه، وسألك لماذا حرفت كلامي عن مرادي؟ لماذا تمسكت بخرافات الأولين، وأفسدت بكلامك مراد أحكم الحاكمين؟ فلتجلس مع نفسك لنفسك لعل اللَّه يكشف عنك هذه الغمة؛ وعندئذ ينصرك اللَّه على نفسك بنفسك، وتعود إلى رشدك هذا إذا أردت لنفسك خيرًا.(1/12)
قال أيضًا في كتابه المبتدع: (لقد ابتلى العقل المسلم المعاصر من قبل مدرستين: 1 ـ المدرسة الخرافية، 2 ـ المدرسة الحرفية) [ص22]... المدرسة الخرافية أنت ـ بكل أسف ـ فرع منها؛ أساس كلامك ومنتهى علمك يرجعان إلى خرافات الأولين، ما عندك دليل واحد لا من علم شرعي ولا من أي علم آخر على ما تدّعيه؛ ولقد قال اللَّه فيك وفي أمثالك: + " [سورة الأنعام, آية: 148]. خذ مثلاً من كلامك الفاسد لقد أوردت حديثًا باطلاً فهو حديث موضوع والحديث هو: (كنت كنزًا مخفيًا وخلقت الخلق فبي عرفوني) المقدمة ص 5 السطر 8 قال فضيلة الشيخ محمود ميرة حديث لا يعرف في الصحيح ولا في الضعيف فهو موضوع، وفي آخر هذا البحث تقرير من فضيلته عن كتاب (أبي آدم). فمن الذي يتبنى الموضوعات الفاسدة؛ والأحاديث الباطلة؛ ليستشهد بها في كلامه؟ أنت أم العلماء والمفسرين؟!.
وتقول: (لقد ابتلي العقل المسلم بمدرستين خرافية وحرفية) [ص22 ـ السطر 8] فالخرافيون أنت نهجت نهجهم وحزوت حزوهم فأنت منهم.
والحرفية يقصد بها النصوص الشرعية، وهي منفية عن أئمتنا؛ فإنهم ضربوا بسهم وافر في دراسة النصوص الشرعية، والاستنباط منها فقد تنوعت استنباطاتهم من النص الواحد، دليلا على رياضة عقولهم ومرونتها، وكل ذلك بضوابط وضعوها، وقواعد أصَّلوها.
يا شاهين من أحب شيئًا أكثر من ذكره؛ وقد حُببت إليك الخرافات على أشكالها ـ خاصة الفرنسية ـ فأصبحت مخرافًا بل وأصبحت رائدًا من رواد إحياء تراث المخرفين المبتدعين وها أنا أسرد لك نقطة واحدة من بحور التخاريف التي نشرتها في كتابك المبتدع..
* المأثور عند المبتدع *
المأثور نوعان: ……1 ـ الثابت………2 ـ غير الثابت
فالثابت: التشبث به حرفيًا والتعلق بأصوله علامة الصلاح والتقوى والهدى والنور، وتثبيت اللَّه لعبده الصالح.(1/13)
وغير الثابت: إن عارض نصًا صريحًا فلا يعمل به خاصة في العقيدة أو الأحكام، وما عدا ذلك فيعمل به في فضائل الأعمال. فأنت وأمثالك؛ لا يعرفون للمأثور مكانة مرموقة ولا هو بالنسبة لأمثالك حصنًا حصينًا تتحصنون به، أما المخرفين والمحرفين أمثالك بمعزلٍ عن نور السّنة المطهرة فتعبيرك فضحك، وقلمك خانك + " [سورة محمد, آية: 29] إِي واللَّه أخرج اللَّه من قلبك الشبهات والأحقاد رغم أنفك، تصف أصحاب السنن علماء الأمة ورثة الأنبياء (بأن لهم ضجيج مزعج)..
النور والهدى لهما ضجيج مزعج؟! إذًا فأنت من الخفافيش التي تكره النور وتحب الظلام.. علماء الأمة لهم ضجيج..؟! إن كان علماء الأمة لهم ضجيج؛ فتكون أنت ومن على شاكلتك لهم طنين مؤذٍ ومزعج ومنفر.
لقد جمع اللَّه عليك العمى والعمه؛ فلا بصر ولا بصيرة؛ حيث إن كتابك المبتدع تسبب في فتنة عظيمة فرقت بها بين أكثر الناس، أما المؤمنون والراسخون في العلم فيقولون: سبحانك هذا بهتان عظيم.
لقد ختمت المقدمة الثانية لكتابك المبتدع؛ بنفخة إبليسية؛ فقلت - وقولك الباطل -: (ومع ذلك فقد مرت كل الأزمات ـ بحمد اللَّه وكأنها نسمات القدر.. وبسمات الرضوان) [أبي آدم ص 24].
صدِّق يا شاهين، ما رأيت مثلك حتى هذه اللحظة إعجابًا وزهوًا وغرورًا واستعلاء بالباطل، وصدق اللَّه إذ يقول: + " [سورة فاطر, آية: 8].
إن إعجاب المرء بنفسه؛ وهو يسلك سلوك الظالمين المعتدين؛ وهو في الوقت نفسه؛ وفي غمرة إعجابه بنفسه؛ لا يدري أنه من المفسدين؛ بل وقد وقع فيما هو أشد وأنكى وهو الغرور. إن صاحب الكتاب المبتدع يضع قواعد ومفاهيم من هوى النفس يمليها عليه شيطانه المارد ولا يقبل من يرده, بل يسخر ويستهزئ بمن عارضه، وكشف جهله وغروره وإعجابه بنفسه.
* الإفك المبين *(1/14)
يقول: (فما زالت الأرض محتوية على شواهد دالة على بدء الخلق وكيفيته ولن يبلغ الإنسان مبلغ الحقيقة إلا إذا داوم البحث...) [صفحة 38 ـ السطر الثاني]. ثم يذكر الآيتين: + " [العنكبوت: 20]، + " [سورة الذاريات, آية: 20].
أقول: فما زال فكرك يزداد بعدًا عن اللَّه؛ من سيء إلى أسوأ؛ وهذا ـ عياذا باللَّه ـ الخزي في الدنيا، تركك الرحمن لنفسك المظلمة؛ لتسوِّد حياتك، وحياة من يسلك سبيلك. ما هذا الغثاء؛ وما هذه الانحرافات الفكرية؛ التي تلحقها بالآيتين، أنت تستشهد بآيات في غير موضوعها، وتدَّعي كذبًا وزورًا وبهتانًا أنها مراد اللَّه، كذبت واللَّه. هذا هو الإفك المبين؛ والقول على اللَّه بغير علم وتحريف للكلم عن مواضعه؛ وصدق اللَّه فيك وفي أمثالك إذ يقول: + " [سورة آل عمران, آية: 78].
يقول مفسر العصر الحديث برأيه الفاسد عن قول اللَّه العظيم: + ": (إن خلق الإنسان كان إرادة سابقة أزلاً على وجود الأرض ذاتها قبل مليارات السنين...) [في نفس الصفحة السابقة ـ السطر العاشر] إلى آخر ما قاله بجهله المركب.
معنى هذه الآية الكريمة ـ أيها المغيب عن الحقيقة، يا من تعيش في ظلمات نفسك المظلمة، ويا من عكَّرت على المؤمنين حياتهم؛ بأفكارك الفاسدة المزعجة ـ هو ما يلي، فاسمع لعل وعسى أن ترجع عن طريقك المبتدع، أسمع أولاً هذه الحكمة.
يا ناطح الجبل العالية ليكلمه……أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل(1/15)
ومعنى الآية الكريمة متفق عليه: منذ أن نزل القرآن الكريم على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من 1400 عامًا جيلاً بعد جيل ليس فيها مجال لا لك ولا لغيرك، والآية على قدر إيجازها تحمل في حروفها القليلة عظمة خلق الإنسان، وكذلك تدعوه الآية الأخرى: + " [سورة الذاريات, آية: 21]. تأمل أيها الإنسان في نفسك؛ فقد يكون تذكرك بنفسك في نفسك عائد عليك لنفسك بالفلاح والنجاح وزيادة في الإيمان، وتبصرة لك بدقة صنع الرحمن؛ تفكر وتذكر، ثم تذكر وتفكر، ينشرح الصدر بعظمة الخالق، وينطلق اللسان ذكرًا وشكرًا وثناءً على الحيِّ القيوم.
* شهادة حق *
عنوان جميل (الإنسان بين العلم والقرآن) عنوان جميل وقول ظني من خرافات الأولين ـ قبح اللَّه وجه من شغل الناس بهذا الغثاء ـ والعجيب أن المؤلف يقول: (إن ما أشرت إليه يخدم سعينا؛ لتحقيق أنه بالإمكان اللقاء بين العلم والقرآن، وإن غلب عليها طابع المبالغات وأسلوب الأساطير) أبي آدم (49) شهادة حق على نفسه بأنه يشغلنا بمبالغات، وأساطير المخرفين أقول لك أيها الإنسان: بداية الحياة سواء قدرت بعشرة آلاف عام، أو مليون، أو مليارات من السنين، هذه التقديرات ـ أيها العاقل ـ هل هي ظنية أم يقينية؟ فإن كانت ظنية ـ وهي كذلك ـ لا تعنينا لا في قليل ولا في كثير؛ لماذا؟ لأننا معنا العلم اليقيني. فكيف لا يكفينا علم القرآن؟ + " [سورة العنكبوت, آية: 51]، وإن كانت يقينية فما الذي يمنعنا من قبولها إذا لم تعارض يقينًا عندنا معلومًا من الدين بالضرورة؟ ولكن هيهات، ثم هيهات أن يكون في كلامك شيء من الحقائق العلمية.
وقال شاهين أيضًا في كتابه المبتدع: «إذا كان علماء السلف قد اتفق جمهورهم على أن آدم هو أول الخليقة وأول ما خلق من تراب، فإن بعضهم قد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك» [ص 53] ومن حقنا أن نسأل: من أولئك الذين ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك؟(1/16)
إن كنت صادقًا فحدد من هم؟ وفي أي مرجع؟ لعلهم على شاكلتك، وإن كان ما تدعيه غير ذلك فلا داعي لتوريط نفسك مع ربك.
* خرافات شيعية *
ويقول: (ذكر المسعودي في كتابه أساطير الأولين: أن اللَّه ـ سبحانه
وتعالى ـ خلق في الأرض قبل آدم ثمانيًا وعشرين أمة على خلْق مختلف) [في نفس الصفحة السابقة السطر التاسع] أفكارك مثل أفكارهم تمامًا. [المسعودي مؤرخ شيعي ذو اعتقاد فاسد وعلم من أساطير الأولين] أيها المخدوع بمثل هذه الخرافات، والمرء يحشر مع من أحب.
وقال: (إن الأرض كانت معمورة قبل آدم بأوادم أخرى من قبل آدم أبينا.. على ما قرره العلماء) [ص 52، السطر 11] مرة أخرى أيها المخادع، لا تتمسح في العلماء لتوقع القارئ في حبائلك الضالة، فافصح من هم؟ ويا شاهين أفصح عن نفسك واخلع القناع الذي تتخفى وراءه، هل أنت من الشيعة؟ أم من أهل السنة؟! فذكرك لكتب الشيعة، واستدلالك بأقوالهم الضالة يوحي بتقديم أقوالهم على أقوال غيرهم من أهل الحق، أو لعل الأمر أخف من ذلك، أنك تتمسح فيهم إعجابًا بعلومهم الفاسدة، وأنت تدعي أنك تحارب الأخبار الإسرائيلية، وها أنت وقعت في شباكها فهذه الروايات التي يرويها المسعودي روايات إسرائيلية.
ويقول أيضًا في كتابه المبتدع: (ولنذكر عينة من كتاب المستطرف من كل فن مستظرف) [ص 54، السطر الثالث] فمؤلفه خرافي يروي ما يضحك القارئ وما يثير استغرابه.
وقال المبتدع عن سورة +": (إشارة إلى حضور اللَّه في خلقه) [ص 57، السطر الأخير] تعالى اللَّه عمَّا يقول الظالمون علوًا كبيرا ويقول عن نفس الآية: + " [سورة ق, آية: 16] قال نفس المعنى حضور اللَّه في الإنسان وهذا الكلام يشير إلى عقيدة القائلين بحلول اللَّه في بعض خلقه. عقيدتك فيها انحراف واضطراب.
وكرر المبتدع قوله: (أن اللَّه حضر في وجود الإنسان) [ص 91، السطر الرابع] فالجدير بك وبأمثالك أن تصحح اعتقادك عن اللَّه أولاً، وقبل كل شيء، إذا أردت بنفسك خيرًا.(1/17)
* العبد من مفعولات اللَّه (جل جلاله) *
قال ابن القيم ـ رفع اللَّه درجته في أعلى عليين ـ: (وأما الملاحدة القائلون بوحدة الوجود، فإنهم قالوا: العبد من أفعال اللَّه، وأفعاله من صفاته؛ وصفاته من ذاته، فأنتج لهم تركيب، هذا التركيب، أن العبد من ذات الرب تعالى وتقدس اللَّه العلي الأعلى عما يقولوا الظالمون علوًا كبيرًا).
وموضع الغلط: أن العبد من مفعولات الرب سبحانه وتعالى، لا من أفعاله القائمة بذاته، ومفعولاته آثار أفعاله، وأفعاله من صفاته القائمة بذاته؛ فذاته مستلزمة لصفاته وأفعاله، ومفعولاته منفصلة عنه، تلك مخلوقات محدثة، والرب تعالى هو الخالق بذاته، وصفاته وأفعاله. مدارج السالكين لابن القيم الجوزية عليه رحمات رب البرية (3/123).
ولتوضيح هذه المسألة نقول وباللَّه التوفيق:
أن اللَّه الذي خلق وقع فعله ـ جل جلاله ـ على مفعوله، وهو المخلوق، وذات الرب ـ جل في علاه ـ لا يعلمها أحدٌ البتة، وهو القائل: + " [سورة الشورى, آية: 11] ولكن صفاته ـ سبحانه وتعالى ـ علمناها من الكتاب والسنة، هذه الصفات موصوفة بها أفعاله؛ فذاته ـ جل جلاله ـ لها صفات وأفعال خاصة بذاته الشريفة؛ فعندئذٍ لا تكون أفعاله من صفاته، بل تكون أفعاله ـ «جل جلاله» ـ أثر من آثار صفاته؛ فالمفعولات كلها منفصلة تمامًا عن اللَّه العظيم الذي + ".
إذًا المعنى المقصود من قوله تعالى: + " نقول وباللَّه التوفيق: قال اللَّه تعالى: + " [سورة الشعراء, الآيات: 217ـ220].(1/18)
اللَّه يراك حين تقوم، ويرى كل من يقوم في آن واحد، وهو ـ جل جلاله ـ يسمعك ويسمع غيرك في آن واحد، لا يشغله سمع عن سمع، ولا يشتبه عليه صوت بصوت. قالت أم المؤمنين عائشة ـ رضي اللَّه عنها ـ [رواه البخاري في كتاب التوحيد] «الحمد للَّه الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية من البيت ما أسمع ما تقوله، فأنزل اللَّه عز وجل: + "» [سورة المجادلة, آية: 1].
وقال اللَّه تعالى: + " [سورة الأعراف, آية: 172]. اللَّه ـ جلت قدرته ـ أخذ العهد على البشر جميعًا في وقت واحد: + " كما أنه ـ سبحانه وتعالى ـ يناجيه عبده في الصلاة فيجيبه ـ جلت قدرته ـ «كما جاء في الحديث القدسي: قال اللَّه تعالى: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: (الحمد للَّه رب العالمين) قال اللَّه: حمدني عبدي فإذا قال العبد: (إياك نعبد وإياك نستعين) قال اللَّه: منك العبادة وعليَّ العون. فإذا قال العبد (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال اللَّه: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل». الحديث صحيح في صحيح مسلم موسوعة السنة (1/296) كتاب الصلاة رقم (38) حديث رقم (395).(1/19)
الله جل جلاله يجيب جميع من يناجيه في الصلاة في آن واحد ـ سبحانه ذي العزة والجبروت فاللَّه هو الأول قبل كل موجود، وهو الذي خلق كل موجود فإذا كان كل موجود له وجود يتناسب مع خلقته من ضعف وجهل وغيره من صفات النقص؛ فاللَّه العظيم له وجود يتناسب مع عظمته، وكبريائه ـ ذو الجلال والإكرام ـ من تمام الجمال والكمال والبهاء، واللَّه القادر القدير المقتدر يعلم من نفسك أكثر من نفسك + " [سورة الملك, آية : 14] ، قال اللَّه على لسان عيسى ـ (عليه السلام) ـ : + " [سورة المائدة, آية:116] فإذا كان اللَّه يعلم سرَّ العبد وأخفى؛ فما المشكلة إذاً في معنى قوله تعالى: + "؟ وهو القائل محذرًا عباده: + " [سورة البقرة, آية: 235].
فاللَّه أقرب للعبد من نفسه؛ قربًا يليق بعظمته وكبريائه، بعيدًا عن رفث التشبيه ودم التعطيل، اعتقادًا صافيًا؛ صفاء الحليب، كما قال ـ جلت قدرته ـ: + " [سورة الأنعام, آية: 103] قال ابن القيم ـ رحمه اللَّه تعالى ـ (القرب قربان:1 ـ عام……2 ـ وخاص.
فالقرب العام كقوله تعالى: + " [سورة البروج, آية: 20]، وقوله تعالى: + " [سورة الإسراء, آية: 60]. فاللَّه أقرب من الإنسان لنفسه، وهو محيط به، حيث لا يحيط الشيء بنفسه، وكل شيء في قبضته، وليس شيء في قبضة نفسه، فهذا أقرب لإحاطة اللَّه العامة.
وأما القرب الخاص: كقوله تعالى: + " [سورة البقرة, آية: 186]. فهذا قربه من داعيه قربًا من أوليائه عباد اللَّه الصالحين. كما قال تعالى: + " [سورة الأعراف, آية: 56]..
فهذا قربٌ خاصٌ غير قرب الإحاطة؛ فهو ـ جل جلاله ـ عليٌّ في دنوه، قريب في علوه) [طريق الهجرتين ابن القيم الجوزية ص 22] فهو سبحانه وتعالى معنا على الحقيقة، لا يحتاج الأمر إلى تحريف ولا تأويل وعلى هذا الفهم تنشرح صدور أصحاب الفطر السليمة؛ أما غيرهم فيقعون فريسة للظنون الكاذبة والأقوال الباطلة، والتخيل الفاسد واللَّه أعلى وأعلم.(1/20)
يا شاهين، يظهر لنا أن عقيدتك مشوهة كما ظهر في كتابك المشوَّه أتعلم حديث الجارية التي سألها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «أين اللَّه»؟ فأجابت إجابة العلماء، وفهم الأخيار واعتقاد الصالحين، قالت: «في السماء»[ صحيح مسلم (1/ 382) كتاب المساجد ـ باب 07)] وأنت يا من تستنطق الآيات ما مرت عليك هذه الآية: + " [سورة الملك, آية: 16]. ونظائرها في القرآن كثير عقيدتك مشوهة، واللَّه ـ جل جلاله ـ لا يتحد بأي مخلوق كائنًا من كان، أتحتاج لمن يقنعك بهذا؟ فقد ذكَّرتنا بقول بعض غلاة الصوفية ـ بئس ما ذكرتنا به ـ الذين قالوا: وانشلنا من أوحال التوحيد؟؟!![ من كتيب مشهور في مصر اسمه (دلائل الخيرات)].
وقال أيضًا في كتابه المبتدع: (ويأتي بعد ذلك الحديث القرآني الثاني عن الإنسان فإذا هو لا يذكره بلفظه بل يستخدم لفظًا آخر يدل عليه هو البشر وترد في سورة المدثر لفظة البشر أربع مرات.. وذكر الآيات) [ص 61 السطر 15].
سبحانه اللَّه وبحمده ـ فالمفتون من فتنه اللَّه، قال اللَّه ـ تعالى ـ: + " [سورة المائدة, آية: 41]، إِي واللَّه مفتون باجتهادك الفاسد وقولك الباطل، وقولك على اللَّه بغير علم، بل تحرف الكلم عن مراد اللَّه، كل هذا لتثبت للقارئ أن أول الخلق بشر همج، وتكذِّب الرحمن الذي قال: + " أي: آدم ـ (عليه السلام) ـ سفاهة وتكذيب وضلال بعيد، وها أنا أفند قولك بالحق للحق ـ جل جلاله ـ دفاعًا عن كتاب ربنا المقدس، فأقول وباللَّه التوفيق:(1/21)
الآية الأولى رقم 25 من سورة المدثر يقول اللَّه على لسان الوليد بن المغيرة ـ عليه لعنة اللَّه ـ : + " يقول الوليد عن القرآن أنه ليس منزل من عند اللَّه، إنما هو قول إنسان ويقصد بذلك قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كفرًا وتكذيبًا بالقرآن، فعبّر اللَّه عن الإنسان بلفظ «البشر» فلماذا أقحمتَ نفسك في الآية الكريمة مستدلاً بها على بحثك المشؤوم؟ إنه مؤيد بالآيات القرآنية؛ حقًا إنها آيات الرحمن شاهدة عليك بالتفسير بالرأي وصرف الآيات عن مراد اللَّه ـ عز وجل ـ. وكذلك الآية 29 من نفس السورة + " وعيد من اللَّه ـ جل جلاله ـ وتخويف للمؤمنين بأن +" من دركات جهنم ـ عياذًا باللَّه منها ـ فهو وصفها أنها تسوِّد الجلد بلهيبها، تقول: فلان لوِّحته الشمس؛ أي سوَّدت ظاهره وأطرافه، والبشر في الآية المذكورة هم الكفرة والفسقة والمردة والعصاة المذنبين، وعيد من اللَّه لأولئك جميعًا، أما الآية الثالثة ورقمها في السورة الشريفة (31) وهي ختام الآية + " والمقصود من لفظه (البشر) هنا: أن يتذكر كل إنسان وينتفع بما ذكَّره اللَّه به؛ في كتابه المجيد؛ لعل هذا يكون سببًا في نجاته من النار، وأما الآية الرابعة فهي الآية (36) من السورة + " أقسم اللَّه ـ جل جلاله ـ لكل إنسان عاقل راشد أن : النار حق وعذابها أليم؛ فمن صدَّق ربه نجا من العذاب وفاز برضى الرحمن وجنة النعيم.
* الشيخ حماد يفند زعم الكاتب *(1/22)
قال الشيخ / محمد حماد: (كلمة (بشر) مرادف لكلمة (إنسان) بشكل لا لبس فيه، انظر مثلاً المعجم الوسيط ومعجم ألفاظ القرآن الصادرين عن مجمع اللغة العربية، وهذا معلوم من اللغة بالضرورة، ولا حاجة للتوسع فيه أو استقصائه عند كل من كان له قلب). لقد ناقض شاهين نفسه من حيث لا يدري كما في تفسيره لكلمة البشر، فقال: (البشر) لفظ عام في كل مخلوق أبدعه اللَّه من طين ظهر على سطح الأرض، يسير على قدمين منتصب القامة، وقال في موضع آخر: كلمة (بشر) تطلق على الأطوار القديمة التي كان عليها الإنسان قبل اصطفاء اللَّه لآدم من بين بقية المخلوقات التي يطلق عليها (بشر)(1) .
* تحريف الكلم *
يقول المؤلف في كتابه المبتدع: (إخبار اللَّه للملائكة بأنه سيخلق البشر) [ص65، السطر الثاني] وهو تحريف واضح للنصر القرآني: + "(2) المراد من +": هو آدم (عليه السلام) بإجماع الأمة خلفًا عن سلف، ومن شذَّ شذَّ في النار.
أما يكفيك يا شاهين ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي اللَّه عنه ـ: «خلق اللَّه ـ عز وجل ـ آدم على صورته» [صحيح البخاري (62277) وصحيح مسلم (2841) مرفوعاً] أي هكذا كما هو، وبدون سابقة من أصل أب أو أم. إذا كان هذا لا يكفيك؛ فما الذي يكفيك إذن؟!.
__________
(1) http: www.al_araby.com/ article..1041024 - 12- 932- admol.ht 91812005
(2) سورة ص: آية رقم [71]، انظر تفسير هذه الآية في كل التفاسير المعتبرة فعلى سبيل المثال: تفسير الطبري، وابن كثير، والقرطبي، ومحاسن التأويل، والألوسي، والبحر المحيط.(1/23)
وكذلك نفس الكلام المراد من +" البشرية الهمجاء، يقول المغترُّ بآراء الملاحدة الغربيين: (نلاحظ في سورة «ص» لم تتضمن ذكر آدم بل اقتصرت على الإشارة إلى أن المخلوق هو «بشر»)[ في نفس الصفحة السابقة السطر 15/ 17 وفي صفحة 67 السطر الثاني] فعرضُُك باطل؛ وتوضيحك فاسد، وتحريفك الكلم عن مراد اللَّه فضحك مهما تنمق من ألفاظ وتختار من العبارات كأنك ساحر + " [سورة طه, آية: 69].
فلماذا كل هذا؟! يا حسرة على علمك الفاسد! ويا حسرة على وقتك الضائع! إنا نخشى عليك أن تكون ممن قال اللَّه فيهم: + " [سورة الفرقان, آية: 23].
* شاهين ينكس راية اللغة *
قال المؤلف في كتابه المبتدع عن قول اللَّه ـ عز وجل ـ: + " [سورة ص, آية: 71]: (تفيد الأحداث والإيجاد من عدم)، ثم يسأل هل هذه الصيغة تفيد الماضي أو المستقبل؟ فيجيب بنفسه على نفسه؟! ونرى أنها تفيد الماضي، أي: أن اللَّه خلق هذا البشر قبل الإعلام...) ص 70 انتهى كلامه فض اللَّه فاهُ..
فأنت كالخفافيش، تكره النور؛ ولا تتحرك فيه؛ ما تحب إلا الظلام، لتعيش في الظلمات وتسعد بها، وتتعس بالنور وتشقى به، أنت ترى بهواك الذي زينه الشيطان لك كذبت واللَّه؛ وأنت متخصص في فقه اللغة، فأين هذا من اللغة؟! ومن قال به من أئمة اللغة + " بمعنى: إني خلقت ما هذا الجهل؟ وما هذه البلية التي وقعت فيها؟ تعارض النص بجهلك المركب، وتحرف الكلم عن مراد اللَّه؛ لإثبات دعواك الباطلة.(1/24)
قال مخرف العصر الحديث: (كان خلق آدم بكل بساطة كما ظهرت النباتات)ص 71 ، ثم ذكر الآية التي تظهر المعنى الذي يريد: + " [سورة نوح، آية: 17] الآية حق ومراد اللَّه فيها حق وواضح، أما المعنى الذي يريده المؤلف فهو أيضًا واضح لفئة معينة، أما الأكثر من الناس يقعون في المعنى القبيح الذي يريده المؤلف؛ لأن ما قبل هذا الكلام يمهد لهذا المعنى، ثم يذكر كلامًا آخر بعد الآية؛ ليؤكد المعنى القبيح الذي يدندن عليه المؤلف المفتون بعلمه الفاسد واجتهاده الباطل.
* حواء في نظر المؤلف *
يقول المبتدع (أن حواء خلقت خلقًا مستقلاً وهو الراجح في نظرنا لأمرين:
1 ـ أن كثيرًا من العلماء اعتبروا الضلع رمز.
2 ـ أن خلق حواء من نفس آدم مؤول على أنها من نوعه وجنسه) [ص 83 ] انتهى كلام من يفسر القرآن برأيه.
لا داعي لتكرار عبارة: (إن كثيرًا من العلماء) أيها المبتدع، هذه العبارة المكررة في كتابك المبتدع فضحتك من حيث لا تدري، أما فلسفتك عن خلقة حواء فهي من غثاء أفكارك وآثار فكرك المستغرب.
والذي يؤكده أن آية الأعراف: يقول ربنا تبارك وتعالى: + " [سورة الأعراف, آية: 189] يقول عنها هذا المستغرب: (ومن المؤكد أن المقصود بالآية ليس آدم وزوجه) [ص 84 ] هذا من فهمك المعوج، وتأويلك الفاسد، والقول على اللَّه بغير علم، وما أكدت عليه؛ فالصواب عكسه؛ لأنك مضطرب العقيدة؛ تفهم الأمور بهواك الذي أشربته نفسك فلا تعترف ولا تُقرُّ إلا بما تألفه نفسك الذي ترى الحق باطلاً، والباطل حقًا، والعلم جهلاً، والجهل علمًا؛ مسكين يا شاهين، نخشى أن يكون ما أصابك من سكرة الهوى وإعجابك بنفسك.
ويقول المحرف لكلام اللَّه: (كانت بداية الخلقة في صورة بشر) [ص 93] مستندًا إلى آية الحجر: + ".(1/25)
ونكرر لك أيها المحرف للنصوص الشرعية (بشرًا) هي نكرة لكنها موصوفة؛ والنصوص القرآنية الأخرى؛ وضَّحت أن المراد هو آدم (- عليه السلام -)، لماذا هذا التعسف؟ ولماذا هذا التشدق؟ لماذا تدندن على باطل؟ واضح من كلامك أنك أصبحت تشوه القرآن في أذهان الناس؛ فانظر في حالك الآن وأنت في زمن المهلة؛ كيف تقابل ربك بزبالة أفكارك، وتحريفك لكلامه عمدًا، وإصرارك على هذا التحريف، والاستهزاء بمن خالفك، بالحق للحق؟ فإن كنت من أهل الحق؛ فارجع بسلام، وإن كنت غير ذلك فلن ينفعك أحدٌ من الناس، ولن يترافع عنك أمام الرحمن؛ من دفعوك إلى هذا الفساد والإفساد؛ المتعمد لمعاني كتاب اللَّه المجيد.
* شاهين والأجلين *
يقول المحرف لكتاب اللَّه عن الآية الكريمة في سورة الأنعام: + " [سورة الأنعام, آية: 2] قال: (نحسب أن هناك احتمال غاب عن هذه التقديرات وهو أن الأجل الأول (نكرة) هو أجل الحياة البشرية السابقة على عهد الإنسان وأما الأجل المسمى فهو أجل كل فرد من المكلفين...) [ص 97 ـ السطر الخامس] انتهى كلام المحرف لكتاب اللَّه..
أيها المحرِّف، الأجل الأول بلا خلاف: ما قدره اللَّه وقضاه ـ جل جلاله ـ في كتاب على التفصيل قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
والأجل الثاني: هو يوم القيامة للحساب، فشقي وسعيد، فريق في الجنة وفريق في السعير، ترى يا شاهين من أي الفريقين أنت؟ أحسبك أن تقول أنا من السعداء. وأقول لك: إن لم تتب وترجع عن إجرامك، نخشى أن تكون من أصحاب السعير مع الأشقياء نخشى عليك سوء العاقبة.
ثم قال عن قول اللَّه تعالى: + " سورة النحل الآية (78) قال المهووس بفكرته النكراء المحرِّف لكتاب اللَّه عن عمد: (لقد خلق اللَّه البشر أطفالاً أو كالأطفال بلا أسماع ولا أبصار ولا عقول، ثم جعل لهم هذه الأدوات في مراحل التسوية المتطاولة) أبي آدم (91) انتهى كلامه.(1/26)
تقوُّلٌ على اللَّه وتكذِّيب بصريح القرآن وصريح السنة المطهرة وهي عادة المؤلف الشاذِّ في فهمه لكلام اللَّه وصرف الآيات عن مراد رب العالمين؛ فهو يرمي اللَّه العظيم بالعبث بادعائه أن الله خلق بشرًا بغير سمع ولا.. ولا.. وهو القائل جل جلاله: + " [سورة المؤمنون، الآيتان: 115، 116] تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
من أين أتيت بهذا الهراء الذي شغلتَ به الناس، إن لم تتب وتعود إلى رشدك فإني أدعو اللَّه ـ تبارك وتعالى ـ أن يريح العباد من شر قلمك الآثم.
* قاعدة فاسدة *
ويقول: (فكل إنسان بشر, وليس كل بشر إنسانًا) [ص 13 ـ السطر 6] قاعدة فاسدة من قلب مبتدع عمرته الشياطين بنوعيها: الإنس والجن، والقاعدة الصحيحة يا دكتور: (إن كل مبتدع ضال, وليس كل ضالٍ مبتدعًا). وقد أعجبني رد فضيلة الشيخ محمد حماد على هذه القاعدة المعوَّجة، فقال ـ ونعم ما قال ـ:
(أما القول بأن كل إنسان بشر، وليس كل بشر إنسانًا) (ص 103) فهو قول ثقيل لو يعلم الدكتور، ولكنه لم يلتفت إلى تهافت ما يقول به، وتصور أنه جاء بقاعدة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وراح يُنَظِّر لها ويقعدها على غير مقعد من العلم ولا الدين، ولو أننا سلمنا ـ مع الدكتور ـ بأن كل إنسان بشر فكيف نسلم بقوله: (ليس كل بشر إنسانًا) والقرآن يحكي لنا قول ربنا لسيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم: + " [سورة الكهف, آية: 110] وإن أخذنا بكلام الدكتور فكل الرسل بشر حسب القرآن وليس كل بشر إنسانًا حسب الدكتور ما ينفي عن الأنبياء صفة الإنسانية والعياذ باللًَّه.(1/27)
وإذا سلمنا بما يقول الدكتور بأن البشر بادوا ولم يعد لهم وجود وأخليت منهم الأرض لآدم وذريته من بعده، أفلا يعني ذلك أنه ينفي بشرية الرسل الذين هم أبناء آدم، وإذا اعترف ببشريتهم ألا يعني اعترافه بهذه البشرية أنه يمنع عنهم أنهم من أبناء آدم؟؟!! أرأيتم أي منطق أعوج ركبه الدكتور وحاول أن يجعلنا نوافقه عليه؟) انتهى كلام الشيخ حماد.
وقال: + "[سورة إبراهيم, آية: 48] وفسر الآية برأيه الفاسد، وكلامه الباطل حيث قال: (وبعد أن ينتهي الزمن الأول فيبدأ للوجود تقويم زمن آخر) [ص 106 ـ السطر 2] قلت: بترت الآية من سلسلتها الذهبية لتحرِّف الكلم عن مراد اللَّه، أسأل اللَّه العظيم رب العرش العظيم أن يردك إلى الحق.
الآية التي ذكرتها وهي تبديل الأرض، مشهد من مشاهد يوم القيامة ووصف عام ليوم الفضيحة، أتدري ما معنى الفضيحة؟ قال اللَّه جل ذكره: + " [سورة الأنعام، آية: 28] يعني مثلك ومن على شاكلتك يتكلمون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم فيها عكس ما تنطق به ألسنتهم ولا يستطيعون أن يمنعوا هذه الفضيحة + " [سورة فصلت, آية: 21] فيرد الفاجر على أعضائه التي فضحته: سحقًا كنت أدافع عنكن، يا ليتك تعي هذا الموقف فتنتبه من سكرتك القاتلة وتندم وتتوب من قولك على اللَّه بغير علم.
* آية العهد وانتكاسة شاهين *
ويقول متحدثًا عن الآية الكريمة في سورة الأعراف: + " [سورة الأعراف, آية: 172] قال المفسر برأيه الفاسد: (وأسرعت الذرات بالمثول أمام الجلال الإلهي...) [ص 106 ـ السطر 8].
المؤلف كعادته خرج عن المألوف، فقد تصور الكيفية التي أخذ اللَّه بها العهد على البشر جميعًا والكيفية مجهولة بالنسبة لنا والإقرار حقيقة لا تنكر.(1/28)
وأنا أسألك أيها المؤلف من أين لك هذا التصور الفاسد؟ هل اطلعت على الغيب؟ وعلمت ذلك؟ أم أوحي إليك؟ أم أنت من الذين قال اللَّه فيهم: + " [سورة الشعراء, الآيتان: 221 ـ 222] إي واللَّه، والقارئ لهذه الصفحة (106) يجد إشارة لانتكاسة المؤلف المفتون، حيث ذكر + ..." [الآية 172 من سورة الأعراف](1) نصفها الثاني أولاً في أول الصفحة ثم ذكر نصفها الأول في آخر الصفحة فأورد الآية على غير وجهها حيث ذكر عجزها مقدماً على صدرها وهذا تنكيس غير مقبول عند علماء الأصول, قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمة الله عليه ـ قال: (وقراءة المؤخر قبل المقدم لم يجز بالاتفاق) مجموع الفتاوى (20/411). وما بين النصفين ذكر الآيتين (173، 174) من نفس السورة عرض منكوس؛ دليل على فكر منكوس، إعراض بعد إقبال، وخضوع للهوى بعد الإقرار بالحق المبين.
يقول عن قول اللَّه تعالى: + " [سورة الانفطار، الآيات: 6ـ 8] بعد أن ذكر معنى الآيات من تفسير القرطبي ـ رحمه اللَّه ـ وهو ما اتفق عليه علماء الأمة أن قول اللَّه عز وجل: + " هذا لأطوار الجنين في بطن أمه، لأن الفاء في () والفاء في () للترتيب مع التعقيب لا يوجد فاصل زمني يذكر ولما كان المؤلف مبتدعاً (قال عن الفاء التي ذكرنها أنها تفيد التراخي) واللَّه قالها ويقصد بها معنى ثم, أي للتراخي وفي آخر الصفحة قال: (لا نبالغ إذا قلنا أن (ثم) هذه تقتضي مئات الألوف من الأجيال) وفي أكثر من موضع في كتابه عبر عن (ثم) ببضع ملايين من السنين.
__________
(1) هكذا عرض شاهين الآية منكوسة + ". وفي السطر السابع عشر ذكر النصف الأول للآية بعدما عرض نصفها الثاني أولاً وهي + ". أرأيتم كيف عرض الآية منكوسه؟ لو أنه أخطأ لكان الأمر أهون لكنه عامدٌ متعمدٌ لأنه يفسر القرآن برأيه الفاسد؟!(1/29)
قال معلقًا على ما ذكره القرطبي في سفاهة عجيبة، وجرأة أعجب منها قال معرباً عن نفسه (بنا) معظمًا نفسه: (لسنا مع هذا التوجيه) [ص: 113] ثم فسر برأيه كعادته ليُزَيِّن للقارئ غثاء أفكاره التي يدندن حولها، من أول الكتاب وهي أنَّ البشرية كانت أولاً أجيالاً بعد أجيال حتى اكتملت وأصبحت في طور الإنسانية وذلك بعد ملايين السنين.
يقول العنوان: (الإنسان مرة أخرى) ويتكلم تحت هذا العنوان بسفهه المعهود وباطله المفضوح أن الإنسان هو المقصود في التكاليف، والبشر في زعمه الباطل هم المقدمة لهذا الإنسان [ص 115]، فأقول وباللَّه التوفيق.
المؤمن الذي متعه اللَّه بذرة واحدة من إيمان، هذا المؤمن السوي، إذا عرضت عليه مسألة علمية ظنية ومسألة شرعية يقينية منصوص عليها؛ فلا شك أن المؤمن يقدم الشرعية اليقينية، ويحاول ويبذل ما في وسعه إذا أمكن أن يثبتها علميًا إذا استطاع ووجد إلى ذلك سبيلاً، فمالي أراك أيها المفتون بعقلك قدمت الحفريات والآثار على نصوص القرآن، بل فسرت الآيات برأيك الفاسد، كي تثبت علمًا باطلاً لا أساس له، وكل ما تقوله عن الحفريات والآثار ظنون ووهم وتخرُّص، وأكرر لك القول فأقول: ما عندك دليل واحد يقيني على أن هذه الآثار قبل خلق آدم عليه السلام، كل التقديرات ظنية وليست يقينية فكيف بك تسلك سلوك المنتكسين، ووصفت الآثار والحفريات أولاً ثم فسرت الآيات، بل حرفت مدلول الآيات بما يناسب ويتماشى مع ضلالك البعيد، كيف طوَّعت الآيات اليقينية إلى معلومات ظنية؟ أليس هذا هو السفه والانتكاس والغرور؟
* اعوجاج الفهم *
يقول المبتدع: (ولقد نجد في القرآن دليلاً قاطعًا على صحة هذا المذهب) [ص116 ـ السطر الثاني] أي مذهب ذهبت إليه؟ هو ضلالك البعيد، إن البشرية مقدمة للإنسانية! وتدعي ادعاءك الباطل أن اللَّه وصف (الإنسان) في ثلاثة وثلاثين موضعًا في حين لم يذكر «البشر» بوصف واحد في هذا المطلع في أول وهلة.(1/30)
لقد تمكن الغرور من نفسك، فاعتبرت تفسيرك الفاسد دليلاً قاطعاً، وهذا ما يزيد في فضيحتك، حيث تخالف أئمة الهدى والرشاد، ثم تؤكد على صحة مذهبك الباطل، فنقول، أيها المبتدع: كلمة الإنسان في القرآن الكريم وما يتبعها من وصف مذموم مثل: + " [سورة المعارج, آية:19] - + " [سورة العصر, آية: 3] - + " [سورة الإسراء, آية: 11] - + " [سورة الإسراء, آية: 67] - + " [سورة الإسراء, آية: 100].
هذه الأوصاف دعوى من اللَّه العليم بخلقه، أن يا أيها الإنسان اجتهد، وتخلص من هذه الصفات بإيمانك وحرصك على العلم النافع والعمل الصالح واطلب المعونة دائمًا وأبدًا من اللَّه الغني الحميد، وفي كل لحظة من حياتك استعن بالمعين حقًّا، من القوي حقًّا، من الرازق حقًّا.
قال فضيلة الشيخ/ عبد العظيم المطعنى ـ وما أحسنَ ما قال ـ : (انظر إلى حديث القرآن عن (الإنسان)، تر أن القرآن ما وصفه إلا بالأوصاف القادحة، أما (البشر) فلم يوصف في القرآن بهذه القوادح أبدًا.
ومع هذا يصرَّ الدكتور عبد الصبور شاهين على انحطاط (البشر) وملائكية (الإنسان).
ونحن نعلم ـ يقينا: أن الحديث عن (الإنسان) هنا هو حديث ـ بلا ريب ـ عن (البشر)، وأن الحديث عن (البشر) في القرآن حديث ـ بلا ريب ـ عن (الإنسان) ولكننا تعاملنا معهما باعتبار الألفاظ لا حقائق الألفاظ ومعانيها في مواجهة المؤلف، وجريا على منهجه في البحث والاستدلال، لأن في هذا إلزامًا له بالحق والصواب وإقامة الحجة عليه) [من كتاب فضيلة الشيخ / عبد العظيم المطعني «أبي آدم ... قصة الخليقة بين الخيال الجامح... والتأويل المرفوض» دار النشر مكتبة وهبة القاهرة هاتف: 3917470].(1/31)
أما الكلام الباطل الذي قاله المؤلف: (أن اللَّه لم يصف (البشر) بوصف واحد) أقول لك أيها الغافل عن نفسك يا من تغافلت عن لغتك وحقيقة تخصصك، أنت متخصص في اللغة أليس كذلك؟ اسمع مدلول كلمة «البشر» كما جاء ذلك في معجم (ألفاظ القرآن الكريم) الصادر من مجمع اللغة العربية: (البشر) أي الخلق يقع على الذكر والأنثى، والواحد والاثنين والجمع وقد يثنى.
كل الآيات التي ذكرها العليم الخبير التي تحمل هذا اللفظ لفظ (البشر) لا تحتاج الآيات التي ذكرها الرحمن إلى أي وصف إضافي وعلى سبيل المثال: + " [سورة مريم, آية: 20]، والمقصود بداهة من كلمة (بشر) هنا هو نبي الله عيسى (- عليه السلام -) والتي قالت هي مريم البتول أي وصف تريده من رب العالمين يا أستاذ اللغة؟، الآية الثانية: + " [سورة آل عمران, آية: 79] ، أي وصف تريده من اللَّه في هذا المقام يا معلم الناس اللغة العربية؟ الآية الثالثة والأخيرة: + " [سورة المائدة, آية: 18] أي وصف تريده من العليم الحكيم في هذا المقام أيها المتعامي عن الحق أيها المنصرف إلى الباطل؟ أنا أقول لك بصراحة: مستحيل أنك لا تدري حقيقة هذا الاتجاه المبتدع، الذي إن دلَّ إنما يدل على جهلك بكلام اللَّه، أنت من جلدتنا وتتكلم بلساننا، ومظهرك ومخبرك يفيد أنك مسلم بل أنك عالم من علماء المسلمين، أسأل اللَّه العظيم رب العرش العظيم أن يهديك ويردك إلى الصواب.
ويقول هذا المبتدع: (لقد خفيت التفرقة بين لفظ «البشر، والإنسان» على أجيال العلماء من قبل) [ص 119 ـ السطر 17] إي واللَّه خفي عليهم غثاء أفكارك وعلمك الباطل، واستعد يا شاهين للقاء اللَّه، الذي سيسألك عن تقوِّلك عليه بغير علم، وعن اتهامك لورثة الأنبياء بالجهل.(1/32)
ويقول في كتابه المبتدع: (هل آن الأوان لنجيب عن السؤال الذي طرحناه من قبل؟ وهو: هل كان وجود هذه الخليقة البشرية شيئًا واحدًا في الأرض؟ أرادته القدرة الإلهية، وتابعته في مراحله المتطاولة، وسارت به حتى انتهى إلى آدم عليه السلام؟ أم كان وجود الخليقة في صورة مجموعة من الأشكال المتنوعة أو المتقاطرة على الساحة الأرضية غير الوجود الزمني الهائل، وكان آدم أحد هذه الأشياء؟..) [ص 120 ـ السطر 9] عرض بارع كبراعة الساحر ليضل الناس عن الحق المبين.
أقول لك لا هذا ولا ذاك، وإنما آدم هو أول البشر يقينًا مهما تحاول وذلك بنص القرآن الكريم والسنة المطهرة ولو كره الجاهلون وتلاعب بالألفاظ الساحرون.
* بئس ما قال شاهين *
ويتناول المؤلف المتبع هواه الآية الكريمة: + " [سورة ص, آية: 71] وكعادته يحرف مراد اللَّه من الآية فيقول: (إن هذا البشر سوف يتعرض للتسوية والتعديل في أطوار نضجه حتى يكتمل) [ص 121 ـ السطر 7] وأقول: هذا من وحي الشيطان، وليس معك لا من اللغة، ولا من شرع اللَّه الحكيم أي دليل، وإنما هو الظن، الذي لا يغني من الحق شيئًا.
ويقول عن الآية الكريمة في سورة السجدة: + " [سورة السجدة, آية: 8، 9] وكما عهدناه في التقوَّل على اللَّه بغير علم، قال ـ وبئس ما قال ـ : (ولا مانع في نظرنا من أن نتصور البشر الأول بلا وظيفة لا سمع ولا بصر ولا فؤاد...) [أبي آدم ص 21].
وأقول لك: لا مانع أن تتخيَّل ما شئت، ولكن المانع أن تقول قولاً بغير دليل صحيح، وهذا الذي حذَّر اللَّه منه وجعله قرين الشرك، + " [سورة الأعراف, آية: 33].
ويقول: (جاء آدم مولودًا لأبوين) [نفس الصفحة ـ السطر 14].(1/33)
كيف وصلت إلى هذا؟!، لتكذَّب اللَّه ورسوله؟ وأين التزامك الذي تدعيه بعدم مخالفة معلومٍ من الدين بالضرورة؟ أما تعلم أن هذا هو الكفر الصريح؟ أما تستحي أن تكتب هذا الهوس وتقدمه للقارئ، كما يقدم الساحر باطله في صوره المغشوشة، فيظن الجاهل أنه حق، آيات قرآنية تصرفها عن ظاهرها الواضح ومعناها القاطع، وتقول أن هذا مراد اللَّه، وتكرر قولك: (مادمنا لا ننكر أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة) لقد كذَّبت نفسك بقلمك، فالكتاب يشهد عليك أنك لا تستحي أن تناقض نفسك، والحياء والإيمان قرناء، إذا رفع أحدهما رفع الآخر أيها الغافل، ابحث عن إيمانك واسترده قبل الحسرة والندامة.
أنت ما أنكرت معلومًا واحدًا من الدين بالضرورة، بل أنكرت الكثير مما هو معلوم من الدين وحرفت النصوص عن مراد رب العالمين.
* الحق – في نظر السقيم – باطل *
وقال: (إن الإنسان في مطلع فجره لم يكن يدفن جثث الموتى من جنسه، حتى شاهد الغراب يلقنه درس الدفن، بعد أن دخل سن الرشد، ودخل في المرحلة الآدمية الجديدة، ولا يبعد أن نتصور أن البشر كانوا في بداية وجودهم يأكل بعضهم بعضا) ص 128 السطر الحادي عشر.
أقول وباللَّه التوفيق المؤلف يتكلم عن قابيل وهابيل والغراب المعلم متى حدث هذا؟ على زعم المؤلف بعد إعدام البشر تمامًا وجاء بعد ذلك آدم وحواء.
فلماذا سقت هذا الخبر أيها الساحر؟ أي خبرٍ هذا؟ الخبر هو أن البشر كان يأكل بعضهم بعضا؟!(1/34)
أنت أيها المؤلف تتحدث عن (الإنسان) بعد انتهاء (البشر) في زعمك فلماذا هذا الخبر؟ وماذا يعني هذا الخبر؟ ذكره المؤلف ليؤكد للقارئ أن الطيور كانت متحضرة عن (البشر الهمج) على زعمه الباطل فيكون هذا قبل وجود (آدم) والذي يعنيه ويقصده المؤلف هو التخلص من هذه الورطة. أي ورطة نتحدث عنها؟ تلك الورطة هي كلامه عن (الإنسان) وعلى حسب مفهومه هو انتهى دور (البشر) ثم ذكر أن (البشر) كانوا يأكلون بعضهم بعضاً؟ لماذا لم تقل أيها المؤلف أن (الإنسان) كان يأكل بعضهم بعضا؟ لأنه لو قالها لوجد من يقول له لماذا لم يأكل قابيل هابيل كما شاهد أسلافه يأكل بعضهم بعضا كما زعمت يا حضرة المؤلف لذلك قال (البشر) ولم يقل (الإنسان). إذاً نحن نقرأ لمؤلف يلعب بألفاظ اللغة ليثبت فكرًا باطلاً وعلمًا شاذًا والمقصود كلام المؤلف باطل، والذي يخرجه من الباطل هو الحق لكن المؤلف كما عهدناه في كتابه يقع في باطل ويخرج منه بباطل آخر فصار كتابه (الباطل المركب) ومن أبطل الباطل في كتابه (أن البشر كان يأكل بعضهم بعضًا يتآكلون) وأقول للمؤلف: أما قرأت أو حتى سمعت قول اللَّه ـ عز وجل ـ + " [سورة الحجرات, آية: 12]. هذه الآية الكريمة صُدرت باستفهام تعجبي استنكاري يدل على الاشمئزاز من هذا العمل الفظيع وهي كراهة فطرية أكدها اللَّه العظيم العليم، فصارت كراهة بعد كراهة، بل كراهة بعدها كراهات عديدة، كراهة بدهية فطرية شرعية عقلية ذوقية...(1/35)
لكن المؤلف الساحر هو وسحره ووهمه في واد، والرسل والأنبياء وخاتم الأنبياء والمرسلين صلاة اللَّه وسلامه عليهم أجمعين والصحابة والتابعين والناس كلهم جميعًا في وادٍ آخر، لا يثق إلا في علمه، من منا سمع أن بشرًا أكل لحم بشر؟ هذا ما سمعنا به. إلا في الأمور الشاذة فقط، والشاذ ليس له حكم واللَّه ـ جل في علاه ـ يقول: + " [سورة الإسراء, آية: 84] فالشاذ لا يحب إلا الشاذ ولا يذكر إلا الشاذ ولا يبحث إلا على الشاذ والكاتب أثبت للقارئ شذوذه عقيدة وتفسيرًا وسلوكًا.
كما قال: (والحق الذي نؤمن به هو أن اللغة ظاهرة بشرية معقدة ظهرت في حياة البشر) [ص 132 ـ السطر الأول] طبعا إشارة إلى البشرية قبل آدم ـ (- عليه السلام -) ـ بزعمه الباطل..
وأقول للمبتدع: أيّ حق تدعيه؟ بل وأي إيمان تقصد؟ فإذا أردت بذلك باطلك الذي تروج له؛ وفكرتك الفاسدة التي تريد أن تنشرها؛ فهذا عين الباطل؛ الذي تسميه أنت أيها المبتدع حقًا، فضيحة لك واللَّه، ولكن كما قال اللَّه: + " [سورة الحج, آية: 46] وكذلك إيمانك ببحثك الفاسد، فهو يدل على واقعك الأليم الذي تخطه بيمينك، يهوي بك أسفل سافلين إن لم تتب إلى اللَّه رب العالمين.
ويقول عن قصة (قابيل وهابيل): (لقد بهرته غزارة التجريد في المعنى..) واستدل بذلك أن الحضارة ترقَّت نوعًا ما بعد الهمجية البشرية التي عاشتها ملايين السنين، ثم يقول: (وصلت هذه الإنسانية إلى هذه الدرجة من الترقي بعد كفاح ملايين السنين في مرحلة البشرية) [نفس الصفحة ـ السطر الثاني عشر].(1/36)
وأقول لك أيها المبتدع: زخرفتَ القول غرورًا بهواك، وأكاد أقول إن كنت مصراً على فهمك هذا؛ فإني لا أشك أن الفساد قد تمكن من عقلك، فأصبحت مخرف العصر الحديث، أي كفاح تدعيه يا منكوس العقل؟! إذا قصدت كفاحك في محاربة الحق وإثبات الباطل فنعم. فنقول: اللهم تب على عبدك الضال من هذا الكفاح الفاضح، وضلاله الواضح وبعده عن اللَّه العظيم وصراطه المستقيم.
وعن الآية الكريمة: + " [سورة الأعراف, آية: 20]، يقول المفتون برأيه: (ما علم آدم وزوجته معنى الخلود إلا إذا عاينا وشاهدا أجيالاً سابقة حصدها الموت...) [ص 133 ـ السطر 15] انتهى كلام المفتون...
وأقول يا أيها المبتدع: لماذا هذا التعسف؟ ولماذا هذا التكلف ولماذا تحمل الآية الكريمة ما لا تحتمله؟ ولماذا تدعي في غرور عجيب أن ما تدعيه هو مراد اللَّه من الآية؟ مراد الله من الآية المتَّفَق عليه من علماء الأمة أن اللَّه تعالى علم آدم الأسماء كلها, علمه ما كان وما سيكون، ومعنى الخلود علمه الله لآدام وهذا ما اتفق عليه علماء التفسير.
يا ليتك مت قبل أن تكتب هذا الزور والبهتان والافتراء على اللَّه بغير علم كما قالت مريم + " [سورة مريم, آية: 23].
* قل: أتعلمون اللَّه بدينكم *
ويقول: (من أين جاءت تسمية آدم؟ فيجيب المبتدع على نفسه بسؤال آخر: (فهل يمكن أن يطلق على آدم هذا الاسم دون أن تكون (البشرية) قد قطعت شوطًا هائلاً قبل مرحلة (الإنسانية) [ص 135 ـ السطر الثاني].(1/37)
ونجيبه على سؤاله الأول: نعم، والدليل بدهي يا عملاق اللغة العربية في إفساد لغة القرآن لماذا؟ لأن ذرة واحدة من الإيمان تقول لك ولأمثالك: اللَّه هو الذي سمَّى آدم ولكن يبدو من كلامك أنك ممن قال اللَّه فيهم: + " [سورة الحجرات, آية: 16]، يا شاهين، أنت تعديت كل الحدود، أتريد أن تعلِّم اللَّه كيف يسمِّي آدم؟ ومتى؟ ما تدعيه باطل وسفه وغرور ليس معك دليل واحد على أن البشرية قطعت شوطًا قبل آدم، والحق مُرٌّ على أمثالك: لقد قطعت أنت ـ لا أقول شوطًا واحدًا ـ لكن وبكل أسف ـ واللَّه الذي لا إله إلا هو ـ لقد قطعت أشواطًا تلو أشواط في ضلالك الواضح وعلمك الفاضح، وتفننت في صرف الآيات عن مراد الحق تبارك وتعالى ـ صرف اللَّه قلبك عن علمك الفاسد ورأيك الكاسد، هذا إذا كتب اللَّه لك النجاة من مستنقعك الآسن الذي وقعت فيه.
وقال المفتري على اللَّه كذبًا: (العلاقة بين الاسم والمسمى يقصد آدم ـ (عليه السلام) ـ لا يمكن فيها أن يفاجأ آدم بقوله: + " [سورة البقرة, آية: 31] إذ لابد من البشرية أولاً حتى تنضج في آخر مرحلتها، وفي أوائل عهدها الإنساني، ثم يعلِّم اللَّه بعد ذلك آدم؟ أما قبل ذلك، كيف يعلم اللَّه آدم الأسماء بدون نضج وفجأة علم اللَّه آدم الأسماء؟!!) [نفس الصفحة السابقة ـ السطر 11].
ما هذا السفه؟ بل ما هذا الجنون؟ كل هذا الدجل وهذا الزغل، حتى تثبت للقارئ منهجًا فاسدًا وعلمًا باطلاً، وتشكيكًا في القرآن وشغلاً عن حقائق الإيمان ببدهيات السفاء.. واللَّه لقد قلت شططًا، ما كان أحد أن يتصور منك الجرأة وعلى من؟ على اللَّه!؟، بئس ما قلت! وبئس ما سولت به نفسك! وبئس منقلبك! إذا لم تتب إلى اللَّه من ضلال أفكارك وتعديك لحدودك.(1/38)
وقال المخرِّف: (ومضت ملايين السنين، وطحنت عشرات الألوف من الأجيال وربما مئاتها في عملية التسوية والتزويد بالملكات العليا، والملائكة تراقب أحوال ذلك المخلوق وتحركاته حتى آن أوان السجود) [ص 138 ـ السطر الثالث من أسفل].
وهذا تخيل فاسد وتصور باطل، من أين لك هذا العلم؟ هذه فتوحات شيطانية أنت أهل لها وتعيش بها، تصول وتجول حتى تموت عليها، وتبعث على ضلالك، هذا إن لم تتب إلى اللَّه وتعتذر إلى اللَّه، عسى اللَّه أن يقبل منك توبتك إنه هو التواب الرحيم.
* خيال فاسد *
ويقول المبتدع ما مفاده: (أن اللَّه أخبر الملائكة بخلق آدم وبعد مرور ملايين السنين أمرهم اللَّه بالسجود لآدم بعد ما اكتملت إنسانيته؟) [ص 139 ـ السطر التاسع].
أهذا عقل من في قلبه ذرة من إيمان؟ أم هذا قول من انتكس وصار قلبه كالكوز مجخيًّا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه، لقد قال اللَّه العظيم في محكم التنزيل: + ... " [سورة الأعراف, آية: 11] اللَّه جلَّ في علاه خلق آدم ثم صوره في أحسن تقويم ثم أمر الملائكة بالسجود فسجدوا إلا إبليس. فيا ترى كم المدة في نظرك أيها المؤلف بين التصوير وسجود الملائكة لآدم؟ فقد أجاب المؤلف الذي يتبع هواه بغير هدى من اللَّه قال: (بضع ملايين السنين). لقد ذكرتني بقول اللَّه عن بني إسرائيل: + " [سورة البقرة, آية: 93] وأنت أيها المبتدع لقد أشربت قلبك حب الهوى والتفسير بالرأي، والخروج على أئمة الهدى والاستهزاء بالمفسرين ـ غفر اللَّه لهم وجزاهم اللَّه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
ويقول من اشتهر بالكذب على اللَّه في كتابه المبتدع (آبي آدم) ـ (ويحلو لبعض المفسرين أو لجمهورهم أن الملائكة كانوا يرون أنهم أحق بالخلافة من آدم..) [ص139 ـ السطر 13].(1/39)
البينة على المدعي، هي عادتك عدوان آثم على علماء الأمة والمفسرين لكتاب اللَّه إن كنت صادقًا حدد اسم المفسر وموضع اتهامك له، أما اتهامك لجمهور المفسرين فهو كذب، والمعصوم من عصمه اللَّه، وأخشى عليك ـ أيها الكذوب ـ أن ما وصلت إليه من خسة في القول، وخيانة في النقل، وافتراءً على المفسرين، وسخرية،ً من علمائنا الأجلاء أخشى أن تكون سقطت من عين اللَّه، فلا يبالي بك أن يهلكك في أي واد من أودية الهلاك التي أقحمت نفسك فيها.
وقال: (فسجود الملائكة كان في تقديرنا سجودًا لآدم النبي المصطفى) [ص 142 ـ آخر سطر].
ونقول لك أيها المغرور تقديرك هذا مبني على فقدانك للبصيرة وإن كان لك بصر، وذلك باتباعك لهواك وإعجابك برأيك، أما تدري يا مسكين أنك تهوي في أسفل سافلين بقدر تحريفك لكلام رب العالمين، وهذا عكس تمامًا للذي اهتدى يزيده اللَّه هدى، ويرفع درجته في الصالحين بقدر علمه النافع وعمله الصالح.
* رمتني بدائها وانسلت *
قال ما ملخصه وبئس ما قاله ويا تعاسة من فسر القرآن بالرأي ـ (أنه اتهم المفسرين بالعناد لأنهم اتفقوا على أن الملائكة سجدوا بعدما علَّم اللَّه آدم الأسماء كلها) [ص 147 ـ السطر التاسع إلى آخر الصفحة].
سبحان اللَّه وبحمده! وصدق القائل: رمتني بدائها وانسلت، سبحان من أنطقك كما قال القائل: (الكلام صفة المتكلم)، إي واللَّه العناد وصفك وحقيقتك. علماء الأمة المفسرون لكتاب اللَّه منذ أكثر من 1400 عام يعاندونك أنت يا نكرة، وهل المفسرون لكتاب اللَّه يعرفونك حتى يساندونك، أم العكس هو الصحيح؟ أنت الذي تعرفهم، وبحقدك عليهم عاديتهم، وشذوذك بآرائك العفنة رميتهم بالتخلف عن ركب العلم، فأيّ علم تدعيه؟! إذا كان علم الابتداع؟ فنعم، فهذا واضح وهو ثوبك الجديد.(1/40)
وذكر المبتدع الآية: + " [سورة الكهف, آية: 50]، ثم علق في آخر الصفحة تعليق السفهاء كعادته فقال: (ونحسب أن الأمر لم يكن بالصورة التي يتخيلها العامة من المفسرين) [ص 149 ـ السطر العاشر].
وأقول لهذا العنيد: الخيال الذي ترمي به علماء الأمة وتراثها العظيم وتعرفه أنت وأمثالك. علماء الأمة المفسرون ـ رحمة اللَّه عليهم ـ تركوا لنا تراثًا لا تجد له نظيرًا في أي ملة أخرى، وأنا والحمد للَّه من هواياتي المفضلة البحث في بطون التفاسير عن مراد اللَّه في الآيات الكريمة وذلك منذ أكثر من ثلاثين عامًا، في بطون هذه التفاسير الدرر والياقوت، واللؤلؤ، والمرجان، والحكم الغالية، والمعاني السامية، والأخلاق الراقية، والمواعظ الحسنة، نعم ومع ذلك يوجد هفوات ـ غفر اللَّه لهم ـ ومن منا ليست له هفوات؟ بل أكثر من الهفوات، مهما بلغ من العلم، ومن كلام الفقهاء: من تتبع رخص العلماء تزندق، فجئت أنت بخيالك الفاسد وشذوذك المعروف ووقعت على ما يناسبك + " [سورة الإسراء, آية: 84] إي واللَّه، الشاذ يبحث عن الشاذ، ويرمي به العلماء والصالحين لا لشيء إلا لأنه شاذ.
* القرآن والمتشابه *
قال اللَّه العظيم: + " [سورة آل عمران, آية: 7]، فجعل اللَّه بحكمته المتشابه من القرآن اختبارًا وامتحانًا لمرضى القلوب، لكي يكشفوا عن أنفسهم فيعرفوا من بين الناس بأن هؤلاء قلوبهم ليست سليمة، في قلوبهم مرض الشبهات، يبحثون ويفتشون في الكتب على مادة تغذي مرض قلوبهم ولذلك نجد اللَّه ـ جل جلاله ـ يكشفهم في أوجز نص وأتم بيان فقال: + " سورة التوبة الآية [124 ـ 126].
فالمادة واحدة وهو القرآن العظيم، فقبوله وثمرته بحسب من يُتلى عليهم، فالمؤمنون يزيدهم ربهم إيمانًا مع إيمانهم، وهدىً على هداهم، ونورًا على نورهم، وأما الذين في قلوبهم مرض الشبهات فقد زادتهم مرضًا على مرضهم، ورجسًا إلى رجسهم وبعدًا عن ربهم أبعد مما كانوا عليه.(1/41)
فإذا كان كلام رب العالمين وهو القرآن الكريم يزيد المؤمن إيمانًا ويزيد الكافر كفرًا وإعراضاً، فما بالنا نسمع من شاهين منكر القول غرورًا بما عنده، فيقول عن التفسير والمفسرين لكتاب اللَّه أن: (كتبهم محشوة بإسرائيليات، وعقول المفسرين متخلفة عن ركب العلم والحضارة) سبحان اللَّه ما أشبه اليوم بالبارحة؛ لماذا وقعت عيناك على هذه الأقوال؟ لماذا فتشت عن العيوب والنقائص؟ لماذا انشغلت بالغث في كتب التفسير؟ إلا أن يكون الأمر كما قال الشافعي ـ رحمه اللَّه تعالى ـ:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة … كما أن عين السخط تبدي المساويا
اللَّه ـ جل في علاه ـ قادر على أن ينقي تفاسير كتابه من كل عيب أو نقص، ولكن ما الوسيلة لكشف علل القلوب وداء الصدور؟ والشيء بالشيء يذكر، لماذا جعل اللَّه الذهب الأحمر في أعماق الأرض؟ وجعل الذهب الأسود كذلك؟ أليست هذه حكمة أحكم الحاكمين. الشيء النفيس الغالي يبحث عنه في بطون الأرض دون كلل أو ملل، ألا ترى معي أن معاني القرآن والحكم الغالية، والأمثال النافعة أثمن وأغلى وأعزَّ من الذهب بنوعيه؟
ما سمعنا، ولا سمع أحد، ولن يسمع أحد أبدًا أن أناسًا ينقِّبون في الأرض عن الذهب فتركوا الذهب، وانشغلوا بما في الأرض من عجائب وشوائب وأقذار، هذا ما حدث أبدًا ولن يحدث، فكيف بك يا شاهين تشغل نفسك وتشغل المؤمنين بسقطات المفسرين، وأخطاء في بعض كتب التفسير؟ أقول هذا منطق معكوس ومنكوس، وهو أيضًا مرفوض وغير مقبول، فالعاقل لا يرى الحق إلا بالحق، ولا يرى الباطل إلا بالحق. اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
* دفاع عن إبليس *(1/42)
وقال: (إبليس كان عاصيًا لأمر اللَّه من ناحية، وكان أداة لتنفيذ إرادة اللَّه من ناحية أخرى) [ص 150 ـ السطر 17]، وأنا أضرب لك مثلاً لعلك تفيق من سكرة إعجابك بنفسك، رجل مجرم ظالم اعتدى على رجل صالح وضربه حتى مات الرجل، فاجتمع الناس وقرروا أن يختاروا واحدًا للحكم في هذه القضية، فوقع اختيارهم عليك أنت بالذات لأنهم معجبون بك وبعلمك، فبعد أن نظرت في القضية طويلاً وبحثت أطراف القضية خرجت على الناس المتلهفين إلى إصدار الحكم فقلت: نعم، إن القاتل عصى ربه في القتل ولكن بقدر اللَّه، كان القاتل أداة لتنفيذ أمر اللَّه من ناحية أخرى؟؟!! أيها المغبون الظالم لنفسه، مقام اللَّه العظيم: + " [سورة الأنبياء, آية: 23] أتدري عن هذا المقام العظيم لربنا ـ تبارك وتعالى ـ صدِّق أنك لا تدري والدليل هو قلمك الآثم وعباراتك الفاسدة أنت ما سألت ربنا لِمَ فعلت كذا؟ أنت ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير ووقعت في أسفل سافلين في مكان سحيق.(1/43)
أنت قلت وقولك الفاسد أنت اقتحمت الحجب ودخلت في نفس اللَّه ـ جل جلاله ـ أو إرادته، قال عيسى ابن مريم ـ (عليه السلام) ـ تقديسًا وتعظيمًا لربنا ـ تبارك وتعالى ـ: + " [سورة المائدة, آية: 116]، فقلت في نفس الصفحة: (ولولا أن إبليس رفض السجود ما كانت هذه الدنيا) [ص 150] ومعنى هذا أنك جعلت إرادة اللَّه العلي الكبير محصورة، مثل إرادة عبد الصبور شاهين، ما الذي أدراك عن علم اللَّه وإرادته لو كان كذا لصار كذا؟ من الذي علَّمك هذا العلم، إلا أنه من وحي الشياطين، إن اللَّه العظيم يفعل ما يريد ويحكم ما يشاء، لا تستطيع أن تحصر إرادة اللَّه الحي القيوم في أمرين، (إن لم يسجد إبليس ما كانت هذه الدنيا أيها العقلانيُّ) تكون الدنيا بأمر اللَّه، بما شاء وكيف شاء ومتى شاء، وأنت وأمثالك ومن في الأرض جميعًا لا يستطيعون حصر إرادة اللَّه القوي العزيز إذا لم يفعل اللَّه كذا لصار كذا، وقد ذكَّرتني بكهانتك هذه، وبئس ما ذكرتني به، في عصرنا الحديث المملوء بالعجائب ـ وأنت أعجب العجائب ولكنك لا تدري ـ طلعت علينا فرقة ضالة تسمى (عبدة الشياطين) ماذا يقولون عن ربنا ـ تبارك وتعالى ـ أمر إبليس بالسجود ومنعه من السجود ثم يعذبه على عدم السجود، ويصيحون ويبكون ويلبسون الملابس السوداء حزنا على حبهم لحبيبهم إبليس وسخطًا على العزيز الحكيم، ما أشبه قولك بقولهم! وحالك بحالهم! واضطراب اعتقادك كما اضطربت عقائد الفرقة الضالة! والمعصوم من عصمه اللَّه.
عبد الصبور شاهين يدافع عن إبليس من طرف خفي من وراء حجاب، فيقول: (إن إبليس لما أمر بالسجود مع الملائكة ركبه في هذه اللحظة شيطان آخر أعتى منه) [ص 153 ـ السطر السابع] تُرى يا شاهين من الذي ركبك عندما ألَّفت هذا الكتاب؟! وأعتقد أن العبارة كافية ولا تحتاج لتعليق فقد حوت التبرير الواضح عن إبليس المسكين، فقد وقع ضحية شيطان مريد في جبرية مهلكة، كما وقعت أنت.
* فكر شاذ *(1/44)
وقد طالعتنا هذه الصفحة كعادة المؤلف شذوذًا وخروجًا عن الصحيح الثابت المألوف، فقد فسر الهبوط بأنه حركة رأسية من أعلى إلى أدنى، والخروج حركة أفقية من مكان إلى آخر [ص 164]، أما الهبوط فمعناه صحيح والخروج فهو في فهم المؤلف غير صحيح، ولكن العجيب أن المؤلف واسع الأفق في اللغة العربية، فلماذا يضيق أفقه ويأتي بالعجائب وهي عادته من أول الكتاب من أجل فكرة فاسدة وعلم باطل.
واسمح لي أيها المتخصص في اللغة العربية أن أوضح لك بعض المعاني المجردة لكلمة (خرج) في القرآن الكريم [المصدر: مجمع ألفاظ القرآن الكريم ـ فعل خرج]، فإن كنت تدري عن هذه المعاني التي سأذكرها، فقد وقعت في مصيبة كتمان الحق والقول على اللَّه بالباطل، وإن كنت لا تدري فهي مصيبة لا تقل عن سابقتها، لأنه كيف يكون تخصصك في اللغة العربية، ولا تدري بدهيات اللغة. إليك بعض البدهيات حول معنى الخروج:
الأولى: خرج من مقره يخرج خروجًا برز منه، فهذه واحدة.
والثانية: قال اللَّه تعالى: + " [سورة الروم, آية: 25] والخروج من الأرض أي من أسفل إلى أعلى.
وكذلك + " [سورة البقرة, آية: 74] فالماء عندما يخرج من الصخرة ليس شرطًا أن يسير أفقياً كما تدعي.
الثالثة: قال اللَّه تعالى: + " [سورة البقرة, آية: 22]، وهذا واضح جدًّا من أعلى إلى أسفل.
وكذلك قوله تبارك وتعالى: + " [سورة الزلزلة, آية: 2] الخروج من أسفل إلى أعلى.
رفض شاهين المعنى اللغوي وجعله مستحيلا، ثم شطح كعادته وأتى بالمعنى الذي يناسب هواه فقال: (الهبوط معناه: هبوط من قمة الطاعة إلى درك التمرد) [ص 64].
فلماذا تدعي أيها المبتدع أن الجمع بين الهبوط والخروج متناقض؟ نعم متناقض لمن أعجب برأيه واتبع هواه، ويريد إثبات فكرة فاسدة، وعلم باطل وسلوك غير سبيل المؤمنين.
* ظلمة شارد *(1/45)
وتكلم المؤلف المبتدع عن لفظ الجلالة وبعدما ساق بعض المعاني ومنها وأهمها لفظ (وَلِهَ) بمعنى: أحب، ثم علق على ما ذكره فقال: (والذي نراه أن ذلك كله خبط في ظلماء مدلهمة).. إلى أن قال في السطر السادس عشر في نفس الصفحة: (والخطاب هنا ليس عربيًا لقومٍ عرب) [ص 172 ـ من السطر السادس].
ونقول ـ وباللَّه التوفيق ردًا على غثاء أفكار عبد الصبور شاهين، الذي يتخبط في الظلمات ـ أنت بظُلْمِك وبظُلْمتك وظُلُماتكُ التي بلغت عنان السماء، شغلت الناس بانتكاستك وكلامك الفاسد، والمعاني الباطلة التي انبعثت من نفسك المبتدعة، وطبعك الردي وهواك الذي يصدك عن سبيل اللَّه القويم، ويلك من اللَّه أيها الغافل إن لم تتب.
وفي أواخر الصفحة المذكورة أفتى فتواه بحكم أنه دكتور اللغة العربية الذي لا يجرؤ أحد على مناقشته، ولا أن يباريه في اللغة، وكيف يناقشه مؤمن عن هذه المسألة وقد تجاوز شاهين الثمانين عامًا من عمره في خدمة اللغة العربية، من يستطيع أن يتعدى هذا المقام ـ المقام المذموم ـ المقام المهين ـ المقام الشاذ هو مقامك عند اللَّه، قلت يا مبتدع: (لا ينبغي أن يدرج لفظ الجلالة «اللَّه» في معجم العربية على أنه كلمة من كلماتها)
وأقول لك أيها الضال عن الحق:
+ اللَّه " : عَلَمٌ على الإله المعبود بحق ـ المحبوب بصدق، أصله إله، دخلت عليه (ال) ثم حذفت همزته وأدغمت اللامان فصار اللفظ +اللَّه" جل جلاله، فإنه ـ سبحانه وتعالى ـ الإله الذي تألهه العباد حبًّاً وذلاَّ وخوفًا ورجاءً، وتعظيمًا وطاعة له، بمعنى (مألوه)، وهو الذي تألهه القلوب؛ أي تحبه وتذل له، وأصل التأله التعبد، والتعبد آخر مراتب الحب، يقال: عبَّده الحب وتيَّمه، إذا ملَّكه وذللَّه لمحبوبه، فالمحبة حقيقة العبودية[مدارك السالكين لابن القيم (2/ 605)] .
ومن معجم ألفاظ القرآن الكريم ذُكر لفظ الجلالة + اللَّه " في القرآن الكريم 2697 ألفين وستمائة وسبعة وتسعين موضعًا.(1/46)
+ اللَّه " لفظ الجلالة علم غير مشتق، اسم +اللَّه" ذي الجلال والإكرام دالّ على الخالق العظيم الواحد الأحد الدالّ على جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا.
وفي لسان العرب +اللَّه" جل جلاله.
قال أبو الهيثم: +اللَّه" أصله (إلاهٌ) قال اللَّه ـ عزَّ وجل ـ : + " [سورة المؤمنون, آية: 91].
وأصل (إله): (وِلاهٌ) فقلبت الواو همزة ومعنى (وِلاهٍ) أن الخلق يولهُون إليه في حوائجهم ويضرعون إليه فيما يصيبهم، ويفزعون إليه في كل ما ينوبهم، كما يفزع الطفل إلى أمه في الشدائد [لسان العرب (14/468)].
قال ابن القيم في طريق الهجرتين:
وبالجملة فكل صفة علياء واسم حسن، وثناء جميل، وكل حمد ومدح وتسبيح وتنزيه وتقديس وجلال وإكرام فهو للَّه ـ عزّ وجلّ ـ على أكمل الوجوه وأتمها وأدومها؛ وجميع ما يوصف به، ويذكر به، ويخبر عنه به فهو محامد له وثناء وتسبيح وتقديس، فسبحانه وبحمده لا يحصى أحدٌ من خلقه ثناء عليه. كما قال أعرف الخلق به وأحسنهم ثناء عليه: «لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك» [مدارج السالكين لابن القيم (2 / 605)] عزَّ جارك وجلّ ثناؤك ولا إله غيرك؛ ولا إله إلا أنت.
* شاهين وثوابتنا الشرعية *
يريد هذا الإنسان أن يشككنا في ثوابتنا الدينية
1 ـ اللَّه: لفظ الجلالة يقول عنه أنه غير عربي؟! فما المطلوب منا إذاً؟!.
2 ـ العقيدة: يشكك في ثوابت العقيدة منها عقيدة الحلول من ناحية، وخلق آدم من أبٍ وأمٍّ ووجود بشر قبل خلق آدم من ناحية أخرى.
3 ـ القرآن: التشكيك في اتباع الآيات بتأويل فاسد وإبراز جانب التعارض المتوهم ليضرب القرآن بالقرآن.
4 ـ تفسير القرآن: اتهم الأئمة المفسرين لكتاب اللَّه باعتمادهم على الخرافات والإسرائيليات، وقذف علماء الأمة ورماهم بالجهل.
5 ـ السنة المطهرة: مدرسة حرفية يجب تركها ويقول إنها متخلفة عن ركب العلم والحضارة, وكتابه يشهد عليه بإعراضه عن الأحاديث الشريفة.(1/47)
6 ـ إجماع الأمة: خالف شاهين إجماع الأمة قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إن اللَّه عز وجل وعدني في أمتي وأجارهم من ثلاث: لا يعمهم بسنة، ولا يستأصلهم عدو، ولا يجمعهم على ضلالة» [سنن الدارمي المقدمة باب 8 رقم الحديث 55 (1/ 32)].
فالأمة بفضل اللَّه ورحمته معصومة من الضلالة، وأنت يا شاهين غير معصوم، وعلمك شاذ، وتريد من الأمة أن تحذو حذوك وتتبع هواك، وهذا مستحيل لو أنك راشد.
ولما كان المؤلف ملتوياً يوهم القارئ مرة بعد أخرى، أنه لا يخالف نصًا معلومًا من الدين بالضرورة، وقد خانه قلمه وكشف للقارئ مواهبه التي لا يحسد عليها.
* الأعمال بالخواتيم *
تقول مفتخرًا بنفسك وبعملك في حقل الدعوة إلى اللَّه: (منذ عام 1943 عندما كان عمري 13 عامًا ولم أفارق المنبر منذ ذلك التاريخ حتى الآن حتى أنني أتخيل أحيانًا أني من فوق المنبر أخر في رحلتي إلى ربي..)، أما تخشى على عملك هذا أن يذهب هباًء منثورًا، أما تخشى أن تُبتلى بإعصار فيه نار فيحرق أعمالك كلها الأخضر واليابس؟ أما تحذر من كتابك المبتدع وما فيه من الفساد والضلال، أن يحبط عملك عند اللَّه؟ اسمع لعل اللَّه يفتح سمعك للحق، ويزيل الغشاوة عن بصرك، والقساوة من قلبك، وإصرارك على الباطل الذي يسكن عقلك.. قال اللَّه العظيم جلَّ في علاه: + " [سورة البقرة, آية: 266].
يا شاهين، عليك دائرة السوء بعملك القبيح وإصرارك على الإفك المبين، أخبرنا يا شاهين، هل أنت من الذين يرون سبيل الرشد فلا يتخذوه سبيلاً وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً؟ + " [سورة الروم, آية: 29].(1/48)
أتحسب يا شاهين أن اللَّه غافل عَمَّا تعمل، عملك القبيح هذا أوجد فتنة كبيرة إن ادعيت أنك لا ترى ذلك فهذا كما يزيد من عماك، فهو كذلك يزيد في صممك، وكلما تعاند يا شاهين فهذا دليل على كبرٍ في صدرك ما أنت ببالغه، قال اللَّه جل جلاله: + " [غافر: 56] فتنتك التي نشرتها بين الناس كلما تمسكت بها وأصررت على الحنث العظيم كلما ازدادت اشتعالاً.
تسعد بذلك وتفرح بإشاعة الفتن بين المؤمنين فحكمك في سورة النور: + " [سورة النور, آية: 19] أنت ما قصدت إشاعة الفحشاء في مجتمع المؤمنين، إنما فعلك أشد قباحة وأشد خطرًا على المؤمنين، تريد التشكيك في كتاب ربنا المجيد، تريد صرف المؤمنين عن الصراط المستقيم.
إن لم تنته عن هذه الفتنة وتسارع في إخمادها، وتمنع هذا الشقاق فالويل لك، ولكن أسأل اللَّه العظيم أن يوقظك من غفلتك قبل فوات الآوان، ويتوب عليك إنه هو التواب الرحيم.
يا شاهين، أما تخشى من سوء الخاتمة، قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالخواتيم» وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بخواتيمها كالوعاء، إذا طاب أعلاه طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله» [رواه البخاري].(1/49)
واللَّه ما أنت أعز على اللَّه من الذي جاء خبره في الصحيحين عن سهل بن سعد قال: التقى النبي صلى الله عليه وسلم هو والمشركون وفي أصحابه رجل لا يدع شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «هو من أهل النار» فقال رجل من القوم: أنا أصاحبه فأتبعه، فجرح الرجل جرحًا شديدًا، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه على الأرض وذبابته بين ثدييه، ثم تحامل على نفسه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول اللَّه، وقص عليه القصة فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة». زاد البخاري رواية: «إنما الأعمال بالخواتيم» ويعلق الشارح فيقول: إن خاتمة السوء ـ عياذا باللَّه ـ تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس [جامع العلوم والحكم ص 5].
وأقول: يطلَّع عليها اللَّه ـ جل جلاله ـ الذي يعلم السر وأخفى، ما هو دافعك يا شاهين لمخالفة إجماع علماء الأمة، وإجماع علماء المفسرين، أما تعلم أنه من شذ شذ في النار؟!
والذي يشذ في النار أخذه اللَّه بجريرته حيث عشَّش في قلبه مرض ما، كما قال جل في علاه + " [سورة البقرة, آية: 10]، فالذي يعلم ما في قلبك يا شاهين هو اللَّه، أما نحن فلنا الظاهر واللَّه يتولى السرائر.
يا شاهين، أنا أتحداك إن حددت لي عالمًا عاملاً مشهودًا له بالصلاح والتقوى وسيرته عطرة وسمته الصلاح أشرق وجهه بالنور والعلم النافع والعمل الصالح حدد لي يا شاهين من هذا وصفه وقد وافقك على ضلالاتك وافتراءاتك التي فرقت بين القوم ومزقت شملهم وأحييت فيهم داء الفرقة ومرض الجدل، ولكن هيهات أن تصل إلى هذا المستحيل.
بعض من ردود العلماء الأفاضل على كتاب لأبي آدم
للدكتور شاهين(1/50)
أولاً: فضيلة الشيخ/ عبد العظيم إبراهيم المطعني
ثانياً: الدكتور زغلول النجار.
ثالثاً: فضيلة الشيخ محمود ميرة.
رابعاً: فضيلة الشيخ محمود شاكر.
خامساً: فضيلة الشيخ محمد حماد.
سادساً: فضيلة الدكتور علي جمعة – مفتي الديار المصرية -.
سابعاً: المستشار جبر
أولاً: مقتطفات من كتاب فضيلة الشيخ/ عبد العظيم المطعني
* مشروع الإنسان *
قال شاهين عن تطور البشر المزعوم حتى صار إنسانا: «فقبل التسوية لم يكن المخلوق البشري إنسانا، بل كان مشروع إنسان في حيز الفطرة قبل أن يكون إنسانا في حيز القوة» أبي آدم ص 88 .
ثم يغرق ويغرق مرة أخرى حين يكرر في كتابه أن هذا المشروع ظل تحت الرعاية «الإلهية» المكثفة ملايين السنين؟ يا سبحان اللَّه؟ ملايين السنين، وهو مشروع إلهي؟ فلماذا هذا البطء يا دكتور؟ أَلعَجْزٍ في قدرة اللَّه تعالى اللَّه عما تقولُ علوًا كبيرًا؟؟ أم لحكمة غابت عن مدارك ذوي التبصير؟
تعال يا سيادة الدكتور نحتكم إلى كلام رب العزة، الذي تقتنص منه أدلتك على أفكار وهمية؛ أو أفكار خارجة عن دائرة الوهم.
تعال نحتكم إليه من خلال الحقائق الآتية:
أولاً: قوله تعالى: + " [البقرة: 117، وفي الآيتين 47 و 59 من سورة آل عمران، وفي الآية 40 من سورة النحل, والآية 35 من سورة مريم، الآية 82 من سورة يس، والآية 68 من سورة غافر].
فهذه سبع آيات يخبر اللَّه فيها عن نفسه، بأن أداة الخلق والتكوين عنده هي كلمة «كن» فيكون ما قضى وأراد دون مسافة فاصلة بين صدور الأمر، ووقوع المأمور به، بل أن بعض أهل العلم يقول إن الكلمة «كن» كناية عن الإرادة. فما يريده اللَّه يكون ناشئًا عن الإرادة الإلهية دون احتياج إلى صدور أمر منه. وأنت سيد العارفين ـ يا دكتور ـ أن «الفاء» هذه تفيد أمرين:
أ ـ ترتيب ما بعدها على ما قبلها وكون ما قبلها سببا فيما بعدها.
ب ـ فورية وقوع ما بعدها.(1/51)
والآيات السبع توسط «الفاء» فيها بين «كن ـ يكون» أفليس لهذا الاطراد عندك دلالة على انعدام الفواصل الزمنية بين الكون والأمر به؟ لو كان الأمر كما تقول: أن مشروع تطوير «البشر» إلى «الإنسان» استمر عبر ملايين السنين لجاء ذلك في القرآن الكريم، لأنه أمر ـ لو كان حقا ـ جدير بأن يلفت اللَّه أنظارنا إليه، أو على الأقل لأخبر عنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في أحاديثه وخلو هذين المصدرين من الحديث عنه دليل على عدم صحته أفلا يكون ما تقول يا سيادة الدكتور تَقَوُّلاً على اللَّه بغير علم؟ واللَّه قد نهانا مرات في محكم كتابه أن نقول عنه شيئًا بغير علم. إِن ما تقوله ـ يا سيادة الدكتور قُبَّعة سوداء في غرفة مظلمة لا وجود لها، كما يقول الفلاسفة والمناطقة عن الأمور الْوهميَّة.
واللَّه عز وجل أوقفنا في كتابه العزيز على مراحل تكوين الأجنة في بطون أمهاتها، وتكرر ذكرها في القرآن أكثر من مرة، والجنين يتكون في رحم أمه تسعة أشهر، أفما كان مشروع تطوير «البشر» إلى «إنسان» الذي استغرق ملايين السنين أولى بالذكر في القرآن الكريم من مراحل تكوين الأجنة في بطون الأمهات؟
ثانيًا: نسألك يا سيادة الدكتور: خلق السموات والأرض وما بينهما أكبر وأظهر من خلق الإنسان أم خلق الناس؟ أنت لابد قائل في الجواب: بل خلق السموات والأرض وما بينهما أكبر وأظهر، لأن اللَّه عز وجل قال في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلقه: + " غافر: [57].(1/52)
هذا الخلق الأكبر من خلق الناس خلقه اللَّه في ستة أيام كما جاء في القرآن مرات عديدات فإذا كان خلق السموات والأرض وما بينهما من أفلاك ونجوم وكواكب هذا العمل الضخم الفخم تم إنجازه بما فيه من دقائق وأسرار، وإحكام في ستة أيام فكيف يقع في الوهم أن (مشروع تطوير «البشر» إلى «إنسان» استغرق ملايين السنين؟ لو كان الأمر هكذا لذكر اللَّه تعالى بياناً عنه كما ذكر مدة خلق الكون، ومراحل الأجنة في بطون أمهاتها لو لم يكن اللَّه قد قال: + " لكان كما يقول الدكتور وجه من التصور، أما وقد قال اللَّه ما قال في المقارنة بين خلق الأجرام الثابتة، وما عداها فلا ينبغي لأحد أن يتصور خلاف ما قال اللَّه، ولو على سبيل الاحتمال.
* التنكير *
من طرائق التعبير في اللغة التنكير والتعريف، ولكل منهما أغراض نحوية وبلاغية، ومن المعاني التي يفيدها التنكير (الجهالة)، والإشارة إلى أن الشيء المنكر لم يسبق للمخاطب علم به مثل أن يقال: رجل. فإذا كان للمخاطب علم به قيل: الرجل، ففي الحالة الأولى تقول ـ مثلا ـ : صادقت رجلا، وفي الثانية تقول: صادقت الرجل.
إذن فبداية الحديث عن الشيء غير المعروف للمخاطب تكون بالتنكير فإذا أعيد الحديث عنه، وقد حصل للمخاطب علم به جيء به في المرة الثانية معرفة لا نكرة.
مثال ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى في سورة المزمل [15 ـ 16]: + ".
نظَّر اللَّه في الآية الأولى بين إرساله إلينا رسولاً، وبين إرساله إلى فرعون رسولاً. وجاء ذكر الرسولين نكرة في الآية الأولى رسولاً ـ رسولاً. لوقوعهما في بداية الكلام.
لكن الآية الثانية جاء فيها ذكر «الرسول» معرفة بدخول الألف واللام عليه. والسبب أن ذكره ورد منكَّرًا في المرة الأولى، فأعيد ذكره معرَّفا لحضوره في ذهن المخاطب.
هذا هو ما تقتضيه قواعد النظم النحوي. أما البلاغة فإنها تستخدم التنكير لمعان أخرى كثيرة، كالتعظيم والتحقير، والقلة والكثرة.(1/53)
ومما استدل المؤلف به على تحقير شأن البشر وانقراضهم وهمجيتهم، أن آيات خلق البشر الأربع جاء فيها «بشر» منكَّرًا هكذا:
1 ـ سورة ص: + ". الآية 71، وفي سورة الفرقان الآية 54, وفي سورة الحجر الآية 28، وفي سورة الروم الآية 20.
والسبب في مجيئه نكرة في الآيات الأربع هو ما أشرنا إليه من المعنى النحوي كما تقدم. لكن الدكتور شاهين يتجاهل المعنى النحوي ـ وهو الأصل هنا ـ ويحمل التنكير على المعنى البلاغي، وهو التحقير والتهوين من شأن البشر؛ لأنه سبق أن حكم على البشر بالغشم والهمجية، ونفى أن يكون لهم سمع أو بصر، أو حتى عقل. وهذا إغراق منه في التخيل الوهمي، واستحداث لنوع من مخلوقات اللَّه لا يعرف له مثيل في المخلوقات ذوات الروح، فهل سمع أحد أن للَّه خلقا من هذا النوع؟
كائن حي فيه روح أحدثت فيه الحياة، ومع ذلك ليس له آلة سمع، ولا آلة بصر، ولا عقل، ولا لغة؟! أليس هذا ادعاء على اللَّه بما لم يرده ولم يخلقه؟
* الأجل المقضي في الأنعام *
من تعامل المؤلف مع الآيات القرآنية وحمل معانيها على ما يوافق هواه، ما قاله في آية سورة الأنعام، وهي:
+ " الآية: 2.
وقد ورد في الآية أجلان، الأجل الأول ـ يعني الأجل الذي قضاه اللَّه ـ أجل الموت، والآخر يوم القيامة.
وبعد أن عرض بعض آراء المفسرين عقب قائلا:
«ونحسب أن هناك احتمالاً غاب عن هذه التقديرات، وهو أن الأجل الأول (النكرة) هو أجل الحياة البشرية السابقة على العهد الإنساني؟!
وأما الأجل المسمى ـ يعني الثاني ـ فهو أجل كل فرد من المكلفين.. ولا مانع في نظرنا من إرادة ذلك في الآية»؟ .أبي آدم (89).(1/54)
وهذا من بدع التفاسير وأشدها غرابة ونكارة، لأن هذا المعنى الغريب لم يخطر على بال أحد من خاصة الأمة وعامتهم، فلا الذي نزل عليه الوحي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهم هذا المعنى، ولا أصحابه ولا التابعون، ولا أحد من المفسرين قدماء ومحدثين، وإنما الدكتور شاهين وحده يتحمل ثقل هذه البدعة. ونراه ـ من خلال تعبيراته ـ يقول بلسانه ما يرتاب فيه قلبه. فهو مرة قال: «ونحسب» والحسبان من أظهر معانيه الظن، وبعض الظن إثم، والظن لا يغنى من الحق شيئًا.
ومرة يقول: «ولا مانع في نظرنا» وهذا دليل على أنه يدرك أن هذا ممنوع في نظر غيره، وغيره هو كل الأمة في جميع عصورها وأقطارها.
إن الدكتور عبد الصبور شاهين في كتابه «أبي آدم» يقف وحده في جبهة، وتقف الأمة كلها أمامه في جبهة أخرى، وكفى بذلك اعتزالاً. وكفى به ابتداعا لم يأذن اللَّه به ولا رسوله ولا صالحو المؤمنين.
إن المسئول عن هذا التخبط غير المعهود من الدكتور شاهين آفة واحدة من آفات البحث العلمي، فهو قد كوَّن في نفسه فكرة، وتشبَّع بها، وأغرته غرابتها، ثم بدأ في الاستدلال عليها من آيات القرآن، وحمل في يمناه معولاً صلْبًا ليحطم به كل الموانع، ويزيل به كل السدود، ومع أن الدكتور يحتفظ بقدسية النص القرآني لفظًا ونظمًا، فإنه مسئول عن تحريف معانيه قصدًا وعمدًا.
ولو كان عكس منهجه هذا، فاستقرأ آيات القرآن ليرى هل فيها ما يؤيد فكرته أو ما ينافيها لكان له موقف آخر يحمده له اللَّه والناس، ولكان موقفه هذا هو الأليق بمكانه ومكانته في حقل الدعوة.
أما أن ينهج الدكتور الفاضل هذا المنهج المعوَّج، وهو القول بالرأي المذموم، فتلك عثرة ما كان لها أن تصدر عن مثله قط. وللَّه في خلقه شئون وشئون.
* عود للتحريف *(1/55)
تناول المؤلف بعد ذلك آيات أخرى، وفسرها تفسيرًا بدعيًا أزاحها به من طريقه نحو محاولاته المستميتة لإثبات فكرته والانتصار لها بتحريف معاني الآيات المحكمات. وبهذا التفسير القائم على التأويل المرفوض أحال المؤلف معاني الآيات من الدلالات الواقعية الواضحة، التي بنت عليها الأمة عقيدتها القويمة، ثم زج بها في غيبوبة الأوهام الأبعد تصورًا من عمل الخيال الجامح.
والآيات هي: + ..." [غافر: 67].
المسلمون في عصر النبوة حتى الآن يفهمون، وفي مقدمتهم خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم، أن هذه الآية تتحدث عن المراحل التي يمر بها بنو آدم عبر عملية الخلق والتكوين، وأولها المرحلة الترابية، وهي بالنظر إلى آدم ـ (عليه السلام) ـ عملية خلق مباشر من التراب، أما بالنظر إلى ذريته فهي مرحلة أولى؛ لأن النطفة تتكون من الأغذية، وهذه الأغذية مصدرها الأرض سواء كانت حيوانية أو نباتية. ثم تتحول النطفة إلى علقة، وتستمر بعد ذلك عمليات الخلق والتكوين في أرحام الأمهات حتى الولادة.
هذا هو الفهم الصحيح الذي أجمعت عليه الأمة، أما المؤلف فيخرق هذا الإجماع، ويدَّعي الفصل التام بين المرحلة الترابية، ومرحلة النطفة.
فالمرحلة الترابية كانت هي العملية الأولى والأخيرة في خلق البشر الغشيم الذي انقرض ولم يعد له أثر!
والمرحلة النطفية هي العملية الأولى في خلق وتكوين نوع جديد مُحسَّن هو الإنسان!
ثم يقول بعد ذلك بالحرف: «وهما مرحلتان منفصلتان تمامًا وقد ربط القرآن بينهما بحرف التراخي (ثم) للتعبير عن المسافة الزمنية بينهما» (أبي آدم
90).
المسافة الزمنية التي يشير إليها المؤلف هنا هي في إجماع الأمة سلفًا وخلفًا ما بين ما تنتجه الأرض من مواد غذائية شاملة تناول الإنسان لها، ثم إفراز الماء الحامل لحيوان الأخصاب عند الأزواج.(1/56)
وتبدأ عملية التخليق في رحم الأم من ساعة «التلقيح» إلى مضي أربعين يومًا. ثم تتحول النطفة إلى علقة، والعلقة إلى مضغة. ثم تأتي بعد ذلك عملية خلق العظام وكسوته باللحم، وهكذا.
ومجموع أيام الخلق والتكوين داخل الرحم، حتى الولادة هي 270 يومًا تقريبًا (تسعة أشهر). أما عند المؤلف فإن المسافة الزمنية بين مرحلتي التراب والنطفة فهي ملايين السنين؟! ولم يحدد المؤلف كم هي ملايين السنين، وهي على الأقل إذا أخذنا بأقل الجمع ثلاثة ملايين سنة، أما إذا أرخينا العنان في فهم تحديد هذا الجمع فأمامنا أرقام هائلة لا يعلم حصرها إلا اللَّه والسبب في هذا كله هو أن المؤلف يصرُّ على الفصل التام بين (البشر) وبين (الإنسان).
ثم يعقِّب المؤلف على فهمه للآية فيقول بعد أن استدل بآية سورة (المؤمنون) وهي: + " يقول: «وكأن الآية تدفع عن العقل احتمال إدماج العمليتين في عملية واحدة. فالإنسان خلق من سلالة نسلت من طين أي أنه لم يخلق مباشرة من الطين، فأما ابن الطين مباشرة فهو أول البشر. وكان ذلك منذ ملايين السنين»؟! [أبي آدم 90].
لقد جمع المؤلف في هذه العبارة بين حق وباطل:
فأما الحق فإن أول البشر، وهو آدم (عليه السلام) كان قد خلق خلقًا مباشرًا من التراب. أما ذريته بدءًا من قابيل وهابيل إلى يومنا هذا فقد خلقوا، ويخلقون، من سلالة أصلها الطين. هذا حق لا ننازع فيه.
أما الباطل الموغل في البطلان فهو ما يدعيه المؤلف من الفصل بين المخلوق من التراب، والمخلوق من النطفة، وهي فكرته «الأم» التي يحاول أن يلتمس لها أدلة من القرآن غابت عن ذوي التمييز منذ عصر الرسالة إلى يوم الناس هذا.
وفي الآية وردت ثلاث «ثمّات»: ثم ـ ثم ـ ثم . وقد فسر المؤلف «ثم» الأولى بأنها تدل على فاصل زمني قدَّره بملايين السنين. فهل يا ترى يكون الفاصل الزمني في «ثم» الثانية ملايين السنين، وفي «ثم» الثالثة ملايين السنين طردًا للباب على وتيرة واحدة؟(1/57)
أم يفرق بين الدلالات الثلاث. فإن فرق فهذا ظلم لـ «ثم» الثانية، و «ثم» الثالثة، لأنه ترجيح بلا مرجح وهو أحد أدلة البطلان.
وإن سوَّى بين الثلاث ولم يفرق، وأعرض عن إجماع الأمة، فقد وقف وحده أمام الأمة، يقول غير ما قالت، والأمة ـ كما ورد في الحديث ـ لن تجتمع على ضلالة.
وعلى نفس المنوال السابق من التأويل التعسفي المرفوض، حمل قوله تعالى في سورة نوح: + " كما صنع نفس الشيء مع آيات سورة السجدة:
+ " [7 ـ 9].
«فخلق الإنسان بدأ من طين، أي في شكل مشروع بشري؟
ثم استخرج اللَّه منه نسلا (من سلالة من طين) ثم كانت التسوية، ونفخ الروح، فكان (الإنسان) هو الثمرة في نهاية المطاف، عبر تلكم الأطوار التاريخية السحيقة» أبي آدم (91).
يلاحظ القارئ ـ هنا ـ أن المؤلف يسوق أخبارًا عن اللَّه (يخبر عن اللَّه) وهذه مجازفة تحار العقول في صدورها عن رجل مثل الدكتور عبد الصبور شاهين فلو كانت قد صدرت عن حداثي، أو علماني، لما حرَّك لنا ساكنا، فالشيء من معدنه لا يستغرب. أما صدوره عن الدكتور عبد الصبور شاهين فهذا ما تحار فيه العقول؛ لأنه يعلم أن الإخبار عن اللَّه لا يكون إلا من رسول معصوم أو بما أخبر اللَّه به عن نفسه. أما مجرد الظن والتخمين فالدكتور يعلم أنه تقوُّلٌ على اللَّه ـ عز وجل ـ وخيم العواقب.
أما قوله تعالى سورة السجدة، وهو: + ..." فقد حرف معناه عن طريق التأويل المرفوض، وهو أسرع أسلحته استعمالا في نصوص الآيات، التي تقف أمامه، وهو يخطو نحو الهدف المتوهم. يقول المؤلف في التقديم لهذه الآية: «وحسبنا أن نلاحظ ـ هنا ـ ما يشير إلى بعض مراحل التسوية في قوله تعالى في سورة السجدة» [أبي آدم (91)] . ثم يذكر الآية التي أثبتناها آنفا، ثم يعقب عليها بقوله:(1/58)
«فقد تم هذا الجعل ـ يعني جعل السمع والأبصار والأفئدة ـ خلال مراحل التسوية، وهو ما يفترض أن البشر كان في المراحل الأولى بلا سمع، ولا بصر، ولا فؤاد (عقل) تمامًا كما هي حال المولود حين يخرج من بطن أمه، لا يسمع ولا يبصر ولا يعقل لانعدام الحاجة إلى هذه الأدوات في المرحلة الأولى من الوجود» أبي آدم (91).
ثم يستدل على هذا الفهم الغريب بقوله تعالى في سورة النحل: [آية: 78] + ".
ليس لهذا الكلام من سند إلا الخيال أو الوهم مع ضعف الملاحظة بين حال المشبه والمشبه به، أو المقيس والمقيس عليه فهو افتراض أن البشر كان كتلة من عظم ولحم ودم بلا مخ ولا بصر ولا عقل هذا هو المشبه.
أما المشبه به، وهو إخراج الأجنة من بطون أمهاتها، فِلَمَ يخرجهم اللَّه بلا سمع ولا بصر ولا إحساس وهو أول مراحل التعقل؟ واللَّه هنا يمتن على عباده بأن زودهم بوسائل تحصيل العلم، وهي السمع والأبصار، والعقل وجميع وسائل الإدراك، فما أبعد التماثل بين البشر حسب توصيف المؤلف له، وبين الإنسان السميع البصير العاقل!
فجَعْل السمع والأبصار والأفئدة سابق على الإخراج من بطون الأمهات. أما الحالة التي يشير إليها الدكتور عقب ولادة الطفل فهي حالة عابرة قد تقع خارج نطاق الزمن، لأن سمع الطفل وبصره أسرع نضجًا من نموه الجسدي والعقلي. ولم يعهد الناس الأطفال يولدون كتلة لحمية، ثم تشق لهم آلات السمع (الآذان) أو آلات الإبصار (الأعين) بعد خروجهم من بطون أمهاتهم؟!
* جرأة عجيبة *
والعجيب أن المؤلف بنى على هذا الوهم وهمًا آخر، وصاغه في صورة «نتيجة منطقية» بلا مقدمات صغرى وكبرى صادقة، تأمل عبارته الآتية:
«لقد خلق اللَّه البشر أطفالاً أو كالأطفال، بلا أسماع ولا أبصار ولا عقول، ثم جعل لهم هذه الأدوات في مراحل التسوية المتطاولة، حين شاءت القدرة أن تزود هذا المخلوق البشري بما يحتاج إليه من أدوات الكمال» (أبي آدم 91 ـ 92).(1/59)
فقد بدأ هذه المقولة بأداتين للتوكيد الجزمي الصارم، وهما اللام وقد، ثم أسند هذا الخلق (الوهمي) إلى اللَّه ـ عز وجل ـ وهذه جرأة غير محمودة، وإخبار عن اللَّه بغير علم؛ لأن هذا الخلق ينسب إلى اللَّه على وجه صحيح داخل أرحام الأمهات، أما سيادة الدكتور فيجزم ـ كما ترى ـ بأن هذا الخلق حدث قبل التلقيح في أرحام الأمهات. وعلى مدى ملايين السنين فيا ترى من الذي أنبأه بهذا الغيب، الذي لا يملك الإحاطة به سوى علام الغيوب؟!
* الخلق الآخر *
في آيات سورة «المؤمنون» سرد تفصيلي محكم لمراحل تكوين الأجنة في أرحام الأمهات، وردت هذه المراحل على هذا النسق:
+ " [المؤمنون: 12، 13].
وقف المؤلف أمام قوله عز وجل: + ".
وقد نص المفسرون على معنى هذه العبارة، وأصح ما قالوه أنه خلق آخر باعتبار أن نفخ الروح فيه ينقله من المراحل الأولى التي لم يكن فيها ذا روح إلى مرحلة بعث الروح فيه فصار حيًّا سميعًا بصيرًا متحركًا .[الجامع لأحكام القرآن (للقرطبي 12/ 110)].
ويمكن أن يضاف إلى هذا المعنى الصحيح معنى صحيح آخر هو أن الجنين بعد بعث الروح فيه وولادته يصبح خلقًا آخر غير أبيه وأمه اللذين أنجباه، وغير غيره من المخلوقين العقلاء.
أما المؤلف فقد أخضع هذه العبارة لمعنى يخدم فكرته من التفرقة الجازمة بين البشر الهمجي الذي انقرض وزال أثره من الوجود، والإنسان الذي ظهر في الوجود بعده. وإليك قوله في هذا المعنى:
«لقد مر النص الكريم بالمراحل المختلفة، التي تبدأ بالنطفة وتنتهي بالإنسان، في هذا الإيجاز المحكم، الذي يتضمن حقائق الأطوار في ذلك القرار المكين، رحم المرأة، وهكذا عَبَرَ البشر كل الأطوار، فصار خلقًا آخر (إنسانًا) فتبارك اللَّه أحسن الخالقين» أبي آدم (92).(1/60)
الذي فهمناه من هذه العبارة أن المؤلف في أولها يُسلِّم بأن هذه المراحل تتم داخل أرحام الأمهات بالنسبة لكل طفل، وهذا حق، ولكنه في آخرها ينقلها من أرحام الأمهات إلى الدنيا الفسيحة، والزمن الطويل (ملايين السنين) ليجعل ذلك فيصلا بين البشر المنقرض، إلى الإنسان المستمر الحياة؟! وقد اجتمع ـ هنا ـ الخيال الجامح، والتأويل المرفوض.
ونسأل هذا السؤال: لو كانت علاقة العموم والخصوص هذه هي الصواب بين البشر والإنسان. فكيف تغيب عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعن صحابته، وعن تابعيهم، وعن علماء الأمة وعن الناس جميعًا، ولا يعرفها إلا رجل واحد من الأمة بعد عمرها هذا الطويل؟
أتعيش الأمة على مدى خمسة عشر قرنا وهي لا تعرف هذه المعلومة الرائعة؟!
بل أن الجهل لا يقتصر على أمة خاتم النبيين، بل سيلف بظلامه جميع الأمم الغابرة، وجميع الرسل الذي لا يعلم عددهم إلا علام الغيوب؟!
إن سيادة الدكتور شاهين يضع نفسه في أضيق المآزق وهو يتصور هذه الفكرة، ويستمر في الدفاع عنها، رغم صفارات الإنذار، التي دوَّت بها الآيات كالرعد القاصف، كي يكفَّ عن الخطو، ولكنه أبى، وهذا هو الذي يوقعنا في الحيرة إذا حاولنا الإجابة على هذا السؤال:
كيف يصدر من رجل في وزن الدكتور عبد الصبور شاهين هذا الكلام المرفوض دينا وعقيدة، ولغة، وعرفا؟!
فإن الدكتور يتعامل مع الألفاظ لا مع معاني الألفاظ، ثم يحكم حكما جائرا بأن: الناس والإنس من فصيلة الإنسان، لا من فصيلة البشر، وهذه دعوى لن يستطيع أن يقيم عليها دليلا ولا شبه دليل. فهذه دعواه وحده، وفهمه وحده، له أن يؤمن به، أما أن يفرضه على غيره فلا.
* القول الزور *
+ " [سورة ص، الآيتان: 71، 72].(1/61)
لقد مضى على اكتمال نزول القرآن أكثر من أربعة عشر قرنًا قرأه المسلمون وحفظوه ودرسوه ووقفوا على معانيه المحكمة والمحتملة، وهم يعتقدون اعتقادًا جازما مجمعًا عليه بينهم أن هاتين الآيتين تتحدثان عن مخلوق واحد للَّه ـ عز وجل ـ هو آدم (عليه السلام)، أبو البشر، أبو الإنسان، أبو الناس، أبو الإنس.
وهم مجمعون إجماعًا راسخًا بأن هذا المخلوق هو أول مخلوق بشري إنساني، إنسي، ناسي. وهو الذي أسجد اللَّه له الملائكة وكان إمامهم في هذا الاعتقاد خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا مضت الأجيال جيلاً إثر جيل، وقبيلاً إثر قبيل لم يشذ منهم واحد.
اللهم إلا الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين، الذي عهده الناس من قبل من أعلام الدعاة المقتدين المتبعين لسلف الأمة الصالح، غير المبتدعين.
لقد خرق هذا الإجماع الرائع، وذهب إلى أن الآية الأولى:
+ " تتحدث عن «مخلوق» ليس هو آدم الذي أسجد اللَّه له الملائكة. وأن هذا المخلوق المجهول أنجب مخاليق لا حصر لهم، منحطين، همجًا، الحيوانات العجماوات أرقى منهم، لأن لها سمعًا وأبصارًا، أما ذلك المخلوق المجهول والمخاليق الغشم الذين أنجبهم، فلم يكن لهم سمع ولا بصر ولا عقل. وأنهم انقرضوا من الوجود تمامًا. ولم يبق منهم (حس ولا بس) ولا أثر.
أما الآية الثانية + " فهي تتحدث عن مخلوق آخر مغاير تمامًا للمخلوق الأول؟!
وليس لدى الدكتور وحي غير الوحي الذي أنزله اللَّه على محمد صلى الله عليه وسلم، ولا سمع من فم رسوله الكريم حديثًا صحيح الإسناد سليم المتن يخالف ما عليه الأمة.
فمن أين اطلع على هذا الغيب المذهل يا ترى؟ ففاجأ الأمة بما ليس للأمة به علم؟
وتسأل: كيف أنبأته «إذا» بهذا «الكم الهائل المذهل من المعلومات»؟(1/62)
والجواب: تشبث المؤلف بالمعنى اللغوي لـ «إذا» الذي تقدم، وهو أنها ظرف لما يستقبل من الزمان، وهي عند نحاة البصرة لا تدخل إلا على الأفعال، أو بمعنى أدق، مختصة بالدخول على الجمل الفعلية، وإذا وقع بعد اسم أو جملة اسمية قدَّر البصريون فعلاً محذوفًا، وقالوا هو الواقع بعدها، كقوله تعالى: + "، قدَّروا التركيب هكذا: إذا انفطرت السماء انفطرت. ويكون الفعل الثاني (المذكور) توكيدًا تفسيرًا للمحذوف، وهم ـ أعني نحاة البصرة ـ وغيرهم مجمعون على أن الفعل الواقع بعد «إذا» يحصل معناه في الزمن المستقبل.
تشبث الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين بهذا المعنى فقال: وهي آية مصدرة بأداة ظرفية زمانية هي «إذا» وهي ظرف لما يستقبل من الزمان. ويمكن أن يكون هذا الزمان لحظة، كما يمكن أن يكون دهرًا طويلاً.. ونحسب ـ أي نظن ـ أن استخدام «إذا» في هذا السياق، لا يبعد عن أن يراد به ملايين السنين» أبي آدم (104).
ويقول: تأتي «إذا» في قوله تعالى: + .. " ظرفًا زمنيًا، تعبيرًا عن إرادة أزلية، تمضي في تحقيقها عبر ملايين السنين، تسوي ذلك المخلوق، وهو جنس (البشر)، ثم تزوده بنفخة اللَّه الروحية، ليكون عندئذ (الإنسان)، الذي تسجد له الملائكة. أبي آدم (105).
هذا هو كلامه بالحرف، أو فقرات من كلامه نقلناها بكل أمانة ليعرف القراء طبيعة المنهج الذي يسلكه المؤلف في الاستدلال على صحة دعواه.
وهذا عنده صورة من صور «البرهان اللغوي» وسيأتي لها نظائر إذن المؤلف ـ هنا ـ يحتكم إلى دلالات اللغة في أدواتها. بيد أن فهمه هذا أوهى من بيت العنكبوت، وإن بيت العنكبوت لأوهن البيوت، فما بالك بما هو أوهى منه؟
بيد أن الدكتور ـ فوق ما تقدم ـ يأخذ من دلالات اللغة ما يوافق غرضه، ويُعرض عما يُبطل دعواه.(1/63)
ففي الآية نفسها: هدر دلالة الفاء الداخلة على «إذا» مباشرة بلا فاصل، هكذا: + " لأن لهذه «الفاء» معنى لغويًا ـ كذلك. الدكتور من أعلم الناس به، وقد أشار إليه مرات في غير هذا الموضع.
ومعنى «الفاء العاطفة» الذي يدركه، وقد أغمض عينيه عنه، هو ذو شقين:
أ ـ إنها تفيد ترتيب حدوث ما بعدها على ما قبلها. وما قبلها هو «خالق «بشرًا» وما بعدها هو تسوية ذلك البشر».
ب ـ فورية حدوث ما بعدها عقب حدوث ما قبلها بلا فاصل زمني يذكر. كما إذا قلت: توضأت فصليت، تريد أن صلاتك حدثت بعد فراغك من الوضوء مباشرة بلا فاصل زمني يذكر.
وهنا نجد سيادة الدكتور يهرب مرة أخرى من ملاحظة هذا المعنى، وهو معنى مكين، والمؤلف به جد عليم.
وسبب هذا الهروب أنه لو كان قد أظهر لقرائه ملاحظته لوقف في مكانه وقفة تهدم ما تقدم من الانتصار لفكرته وتسد عليه ما تأخر.
لأن معنى الفاء هنا هو تقرير أن تسوية «بشرًا» وقعت مباشرة بعد خلقه بلا فاصل زمني يذكر. ويترتب على هذا بدلالة «اللزوم اللغوي»، أن الآيتين تتحدثان عن مخلوق واحد، هو آدم عليه السلام:
أبو البشر ـ أبو الإنسان ـ أبو الإنس ـ أبو الناس الذي أسجد اللَّه له الملائكة.
وبهذا تنهار فكرة الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين، وتصبح ملايين السنين الفاصلة بين «البشر الهمج»، «والإنسان الراقي»، وَهْمًا من الأوهام. كما هي ـ حقًا وواقعًا ـ وَهْمٌ من الأوهام.
أو هي «القُبَّعة السوداء في غرفة مظلمة، لا وجود لها» وهذا تمثيل منطقي بليغ في تعريف المستحيل المعدوم.
* اتهام الأمة بالسذاجة *
قال شاهين: «ومن السذاجة أن نفسر هذا النفخ بأنه بث الروح في الجسد؟! فقد حدث ذلك في مرحلة «الخلق» الأولى، التي أحالت التراب أو الطين إلى مخلوق ظاهر (بشر) يتحرك على الأرض بالروح الحيواني، كما يتحرك سائر الكائنات من (حشرات) وطير، وحيوان» ؟! أبي آدم (105).(1/64)
قف أمام قوله: «ومن السذاجة أن نفسر هذا النفخ بأنه بعث الروح في الجسد»؟!
المؤلف يقصد النفخ في قول اللَّه عز وجل: + " هذا النفخ عند المؤلف نفخ من نوع خاص سيأتي ذكره بعد قليل أما عند الأمة ـ بدءًا من رسولها الكريم، وأصحابه البررة، والذين اتبعوهم بإحسان، إلى يومنا هذا فإن المراد بنفخ روح من اللَّه في ذلك البشر الأول (آدم) هو النفخ الذي صار به «الجماد» إنسانًا ارجع إلى أحاديث رسول اللَّه كلها فلا تجد فيها ما يخالف هذا الفهم، ثم إلى تفاسير علماء الأمة لكتاب اللَّه العزيز، وكتب السيرة والتاريخ وكل مصادر المعرفة الإسلامية، فأنت غير واجد فيها ما يخالف هذا المعنى البدهي.
فإذا بحثت عن من وصفهم المؤلف بالسذاجة في عبارته المذكورة لم تبصر أمامك إلا أمة الإسلام لم يتخلف منها أحد. أفلست معي ـ إذن ـ بأن سيادة الدكتور قد وصف كل أفراد الأمة بالسذاجة والبله والبهلولية؟!
وهل هذا الاتهام الآثم عندك ـ أيها القارئ ـ هين أم عظيم؟ إن هذا التفسير للنفخ عند المؤلف تفسير بدعي شنيع، ولا نملك إلا أن نرده على القائل به مهما كان حظه من الثقافة والمعرفة. وإذا استقصينا استعمال القرآن لهذا النفخ وجدناه في كل مواضع وروده يحيل الجماد أو الأموات أحياء إما ببعث الروح في الجسد لأول مرة. وإما لإعادة الحياة إليها بعد الموت، كما هو الشأن في المبعث.
+ .." ونلاحظ أن المؤلف لم يذكر بقية الآية التاسعة، وهي: ++ ".
* معنى النفخ عنده *(1/65)
بقي أن نعرف معنى النفخ عند الأستاذ الدكتور، ولكن قبل بيان معنى النفخ عنده، نذكر بمعنى التسوية التي سبقته في الآية + " إنها عنده هي مهمة المشروع الإلهي لتهجين البشر عبر ملايين السنين ـ تحت المراقبة الإلهية الدقيقة ـ أمكن من خلالها نجاح ذلك المشروع المدهش فصار البشر إنسانا. ودخل بوابة الزمان بحضوره وحضارته هكذا قال؟! هذا هو معنى التسوية. كرره في كتابه «أبي آدم» مرات عديدات. وقد شبه المؤلف هذه التسوية بالهندسة «المعمارية» هندسة البناء وتجميله.
ومن الطريف أن المؤلف يسمي التسوية الإلهية: الهندسة المادية الظاهرية، وقد استغرقت ملايين السنين؟! أما النفخ ـ عنده ـ فهو كما يقول:
«ثم جاءت المرحلة الثالثة للهندسة الداخلية، وهي المتمثلة في تزويد المخلوق السوي بالملكات والقدرات العليا، التي جوهرها العقل؟ والحياة الاجتماعية ثمرة العقل، واللغة وسيلة الاتصال بين أفراد المجتمع من العقلاء.
وبذلك اكتمل مشروع بناء الإنسان، فكان آدم هو أول (إنسان) وطليعة سلالة التكليف بتوحيد اللَّه وعبادته» أبي آدم (105).
يعني: أن نفخ الروح في الآية كان بشق السمع والبصر، وتركيب جهاز العقل في الإنسان ومن أجل أن يصل اللَّه إلى إمكان إضافة هذه «الأساسيات» إلى الإنسان استمر اللَّه ـ عز وجل ـ ملايين السنين في التمهيد إلى هذه الإضافات، حتى نجح مشروعه العتيق والحمد للَّه؟!
ولا تعليق لنا بعد هذا إلا أن نذكر القراء الكرام بآية يصف اللَّه بها نفسه: + " [البقرة: 117].
وقال أيضا عن قول اللَّه تعالى: + .. " ونلاحظ أن المؤلف لم يذكر بقية الآية التاسعة، وهي: + ".
لماذا لم يذكر + .. " لأن هذه الجملة تفيد أن البشر الذي خلقه اللَّه لأول مرة، كان سميعًا بصيرًا عاقلاً. وهذا ما ينفيه المؤلف طوال مدة المشروع وزمنه ملايين السنين.
هذا منهج في البحث باطل ظاهر عَوَرُهُ، وإن حسنَّه المؤلف ونمَّقه وجمَّله.(1/66)
فليست المهارة والسلامة في البحث هي القدرة على التأويل بل في استساغة التأويل وسلامة المقدمات وصدق النتائج وهذا ـ بكل أسف ـ مالا نجد له أثرًا قط في كتاب «أبي آدم» وللناس في ما يعشقون مذاهب، كما قال شاعر حكيم.
وعلى المنهج نفسه، الذي سلكه المؤلف في تطويع معاني الآيات لخدمة فكرته، نراه يخضع أداة العطف «ثم» في آيات سورة «المؤمنون» لما يؤيد دعواه. وآيات «المؤمنون» هي:
+ " [12 ـ 14].
* فكرة عوراء *
لا نريد أن نطيل الوقوف أمام تعقيب المؤلف على هذه الآيات، وكنا قد قدرنا الاكتفاء بمواجهتنا له في تعقيبه على آيات «السجدة» الشبيهة بهذه الآيات. ولكن حبب إلينا ذكرها؛ لأنا رأيناه يكبو في تعقيبه عليها، وإليك البيان: نظر المؤلف في الآيات فوجد النظم القرآني المعجز يستخدم في عطف الجمل في الآيات أداتي عطف: (ثم ـ والفاء):
استخدم «ثم» مرتين متواليتين في عطف الجملتين الثانية، والثالثة. ثم استخدم العطف بالفاء في الرابعة والخامسة والسادسة، أي عطف العلقة على المضغة، وعطف العظام على العلقة، وعطف كسوة العظام على العظام.
ثم عاد النظم الحكيم للعطف بـ «ثم» في الجملة السابعة: + ".
قال المؤلف معقبًا على تخالف العطف في الآيات بين ثم والفاء ما يأتي: «ولنتأمل استعمال «ثم» في الآيات بجانب استعمال «الفاء» فبين (الخلق) من الطين، و (الجعْل) «نطفة في قرار مكين» مسافة زمنية، لا يعلمها إلا اللَّه، استغرقتها عمليات التسوية. القارئ يعلم أن المؤلف قدر هذه المسافة بملايين السنين. ثم ينفي علمها ـ هنا ـ عن كل أحد إلا اللَّه، ولو كانت هناك فعلاً مرحلة فاصلة بين خلق البشر وخلق الإنسان لا يعلمها إلا اللَّه. فمن أين عرف المؤلف أنها ملايين السنين؟
وهذا الجعل تعبير عن جانب استكمال «الخلق». ثم تكون النطفة علقة، ولعل تقدير ذلك تم في زمان متطاول أيضًا». أبي آدم (106).(1/67)
والذي نحب أن يشاركنا القارئ في ملاحظته، أن المؤلف لما جعل العطف بـ «ثم» في الجملة الثانية + .. " للدلالة على الزمن المتطاول (ملايين السنين) التي استغرقها المشروع الإلهي ـ البطيء ـ في تحويل البشر إلى «الإنسان» اضطر أن يفسر معنى (ثم) بزمن متطاول كذلك بين تخليق النطفة علقة؟!
وهذه الكبوة، أو العثرة التي لا يمكن القيام منها؛ لأن المعطوف والمعطوف عليه ـ هنا ـ وكذلك ما بعدهما ـ يصوران مرحلتين من مراحل تكوين الجنين في رحم أمه، وبين صيرورة النطفة علقة يتم في أربعين يومًا كما جاء في الحديث الصحيح. وهو في صحيحي البخاري ومسلم في أول باب (القدر).
على غرار ما تقدم من تشبث المؤلف بما يوافق أغراضه من معاني اللغة في الآيات التي تتحدث عن خلق البشر، على غرار ما تقدم أخضع معنى «ثم» في قوله تعالى في سورة الأعراف، الآية [11]:
+ " فقد وَظَّفَ هو ـ لا القرآن ـ «ثم» الأولى الواقعة بين الخلق والتصوير للدلالة على عمر «المشروع العجوز» الذي عبر فيه البشر الهمجي طريقًا وعرًا في طريق وصوله إلى درجة (الإنسان الراقي)؟ ثم وَظَّفَ هو ـ لا القرآن ـ (التصوير) لإفادة معنى التسوية، التي استغرقت ملايين السنين؟!
أما «ثم» الثانية + ... " فقد بحث لها عن مسوغ فقال أنها تُشير إلى فجوة زمنية قبلها وبعد التصوير، وهي مرحلة نفخ الروح؟ ومعنى الاضطراب أن الخلق والتصوير تمَّا قبل بعث الروح في البشر الحيواني؟ وهذا سائغ عند المؤلف لأن معنى نفخ الروح عنده، ليس هو النفخ الذي ترتبت عليه الحياة، بل هو شق السمع والأبصار، وتركيب الجهاز العقلي ليصير البشر إنسانًا وقد عالجنا هذه المدعيات من قبل، ونكتفي ـ هنا ـ بمجرد رصدها. أبي آدم (107).
* استدراك غير مُجْدٍ *(1/68)
في مطلع هذه الدراسة، أو المواجهة، بأيهما شئت أن تسميها نظرنا بين منهج المؤلف في الانتصار لفكرته أو بدعته التي استسمن ورمها، وبين منهج المعتزلة في المسائل الأصولية في علم الكلام، أو الاعتقاد، فكلاهما (المؤلف والمعتزلة) يحتفظان بقدسية النصوص القرآنية، ما في ذلك من أدنى شك لكنهما من حيث الاستدلال بهذه النصوص القرآنية، لهما مناهج غير مرضية؛ فهم ـ جميعًا ـ إذا رأوا ظواهر العبارات تؤيد آراءهم أو مذاهبهم قبلوها وأمروها على تلك الظواهر.
وإذا رأوا بعض العبارات مانعة لما يقولون تجرأوا على تأويلها والانحراف بمعناها إلى الجهة التي تسمح ببقاء معتقداتهم وأفكارهم وهذا السلوك أوقعهم في الحرج، وفي القول بالشيء وضده، أو الشيء ونقيضه وفي قوله تعالى في سورة الانفطار: + " [الآيات: 6 - 8].
في حرف الفاء العاطف للتسوية على الخلق «خلقك فسواك».
لأن مقتضى فكرة المؤلف أن تعطف التسوية على الخلق بـ «ثم» لأن العطف بالفاء يقتضي (لغويًا) الترتيب مع التعقيب، فتكون التسوية قد وقعت بعد الخلق مباشرة بلا فاصل زمني يذكر، وبهذا لا يكون في الوجود مشروع إلهي بطيء استغرق ملايين السنين بين خلق البشر، وخلق الإنسان؟
وهذا ما لم، وما لا يُسلِّم به المؤلف، وإلا فما كان لكتابه (أبي آدم) وجود، ولأحرقه بعد طبعه لئلا يطلع عليه أحد.
ولذلك صمم على السير في الطريق المسدود، وفكَّر، ثم فكَّر، كي يزيل هذه العقبة من طريقه. فماذا صنع يا ترى؟ والمعوّل ما يزال في يمناه؟ اقرأ معي كلامه الآتي:
«وبرغم ذلك، قد يعبر النص القرآني عما شأنه التراخي بالفاء؛ فهو ـ أي النص القرآني، أو القرآن ـ يضمنها معنى (ثم) أو بتعبير أدق يوظفها في موقع (ثم) كما جاء في قوله تعالى: + " [سورة الانفطار: 6ـ 8]. كل هذا الجدل العقيم ليبدل ما لم يرده رب العالمين إلى ما يريد عبده الشارد عبد الصبور شاهين.(1/69)
إن المؤلف لا يملك دليلاً واحدًا على أن ما ذُكر في القرآن بغير لفظ البشر، وبغير لفظ الإنسان، مقصورة دلالته على «الإنسان» دون «البشر» والأمر عند المؤلف قائم على التحكم المحض، وأننا لنضن بالأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين أن يكون منهج البحث العلمي عنده موسومًا بهذه الآفات، التي لا تنتج إلا نتائج عقيمة. وإنه لمن أحذق الناس بأصول البحث العلمي، فكيف أوصله التعصب لفكرته إلى هذا المستوى من فرض الرأي بقوة العضلات؟
إن التجرد التام من حب الانتصار للنفس بأية وسيلة واستبعاد كل المؤثرات الذاتية عن مجال البحث العلمي أول خطوة صائبة يخطوها الدارسون والباحثون عن الحقيقة.
ثم تأتي بعد ذلك موضوعية النظر في المادة المدروسة والإنقياد الكامل لما تكشف عنه الأدلة المرشحة للدروس ونأسف مئات المرات، ونحن نقول للأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين: إن اللغة والقرآن والواقع لا يقف واحد منها معك:
لا في أصل الفكرة (البشر غير الإنسان)، ولا في ما رتَّبته عليها من تصورات. وإذا رأيت أنت أن ما ذكرته من دلالات اللغة، والتكرار تؤيد كل ما قلت، فإن غيرك ـ الأمة كلها ـ لا ترى في منهجك إلا الخيال الجامح والتأويل المرفوض، والتحكم الموسوم بكل شدة وعنف وما نزال نحن نضنُّ بك عن هذه المآخذ، ونطالبك بالاحتفاظ بمكانك ومكانتك في عرش الدعوة إلى اللَّه ببراهين الدعوة، التي لا تخيب.
ترى المؤلف هنا يجعل اللَّه ـ تعالى عما يقول علوًا كبيرًا ـ محتاجًا إلى ملايين السنين في استكمال خلق آدم؟! وبدأ أولاً بناء جسده من طين.
ثم أخذ يغرس فيه: عقله، وروحه، وملكاته وخصائصه: من سمع وبصر وتجميل صورته خلال ملايين السنين؟! أبي آدم (115).
فهل يجوز عندك أن يخبر عن اللَّه أحد غير اللَّه ورسوله بغير ما أخبر اللَّه ورسوله عن اللَّه؟! ألست معنا في أن فكرتك، ومحاولتك من اصطياد الأدلة عليها إنما هي رجم بالغيب؟
* بين التكبير والتصغير *(1/70)
ملايين السنين التي تخيلها المؤلف، لإنجاز المشروع الإلهي إياه، رجحنا ـ بمعونة دلالات اللغة، والمقام الذي ورد فيه الكم الهائل من الزمن ـ أنه تسعة ملايين سنة؟! هذا الكم الضخم لست أدري ـ وهذه خاطرة أسجلها هنا ـ لماذا عاد الدكتور إلى تصغيره بعد ذلك التكبير، الذي وصفه هو بـ «الهائل» مرات في كتابه. وهو في التكبير اعتمد على مرونة الخيال، أما في «التصغير» فقد عاد إلى القرآن ينتزع منه الحجة والتمثيل. فاقرأ معنا كلامه:
«وهو تصور ليس غريبًا، ولا بعيدًا عن الواقع الذي قرره القرآن، مثلاً عن الآخرة حين قال: + " [النازعات: 46]. ما علاقة قصر الحياة التي يذكرنا اللَّه بها ومشروع شاهين المبني على الخيال والوهم؟!
والدكتور شاهين طوَّل مدة المشروع الإلهي في تكوين البشر تسعة ملايين سنة. ثم عاد فصغره. فما للقرآن، وهو يتحدث عن واقع مارسه الإنسان حيًّا أو ميتًا. بمشروع الدكتور، وهو يتحدث عن خيال واهم؟
بصراحة: أنا لم أفهم لماذا طوَّل الدكتور ثم قصر؟ وما علاقة ذلك بفكرته بقيت له فقرة أخيرة في نهاية الباب الأول جاء فيها: «وبهذا تكون الحقيقة الترابية أثبت الحقائق وأبرزها في وجود كل مخلوق يدخل في مضمون الضمائر «أنا ـ ونحن ـ وأنت ـ وأنتِ ـ وأنتما ـ وأنتم ـ وأنتن ـ وهو ـ وهي ـ وهما ـ وهم ـ وهن ـ وخبرها جميعًا تراب». أبي آدم (118). سجلت هذه الفقرة وما قبلها لأقر بعجزي عن فهمهما. ثم أقول للأستاذ الدكتور:
أعيذها نظرات منك صائبة… أن تحسب الشَّحْمَ فيمن شَحْمُهُ ورمُ
وعفا اللَّه عنا وعنك.
* البشر المفترس *
يقول المؤلف: إن الإنسان في مطلع فجره لم يكن يدفن جثث الموتى من جنسه، حتى شاهد ـ وهو في قمة مأساته ـ الغراب يلقنه درس الدفن، بعد أن دخل سن الرشد، ودخل في المرحلة الآدمية الجديدة» [أبي آدم 122].(1/71)
ذكر ذلك لأنه دليل عنده ـ على صحة فكرته أن الطيور والحيوانات العجماوات كانت أرقى منه فكرًا، وأذكى بصيرة، وأقدر على مواجهة الأزمات بأسلوب حضاري مناسب فابن آدم ـ ولابد هنا أن يكون إنسانًا لا بشرًا حسب خطة المؤلف.
ولما كانت هذه الواقعة القرآنية منسوبة إلى ولدين لآدم وهذه النسبة لها دلالة قاطعة على أن الحياة الآدمية البشرية بدأت أول مرة في الوجود بخلق اللَّه آدم وتنفي نفيًا قاطعًا أن يكون للبشرية وجود قبل خلق اللَّه آدم.
لما كانت هذه الواقعة القرآنية تنسف كل الأوهام الذي ادعاها المؤلف في كتابه سارع إلى إزالة هذه «العرقلة النقلية القرآنية» فقال: «ولا يبعد أن نتصور أن البشر كانوا في بداية وجودهم وقبل رشدهم يتآكلون ويتفارسون: أي يأكل بعضهم بعضًا». أبي آدم (122).
يا سبحان اللَّه؟ لماذا يا سيادة الدكتور تضع نفسك في هذه المضايق الخانقة، وتضطرها إلى فعل المستحيل لكي تخرج منها، وما أنت بخارج؟ أما قرأت قول الشاعر المجرب؟:
دخول المرء في الشبكات هيِّن………ولكن التأمل في الخروج
واسمح لنا أن نكشف لك سرًّا دفينًا لشأن من شئون نفسك وأنت تكتب هذه العبارة. ذلك السر هو أن واعظ النفس منك ـ شكر اللَّه له ما احتجَّ به عليك ـ لم يرض لك أن تذهب هذا المذهب من الوهم.. فلما لم تطعه أنت أبي إلا أن تكون عبارتك دالة على احتجاجه عليك. ولكن كيف عرفنا هذا؟ عرفناه من أنك تقول:
«ولا يبعد أن نتصور» ونفي الشيء ـ ابتداء ـ دليل على ثبوته واقعًا، قبل نفيه لفظًا لقد أشعرك واعظ نفسك ـ شكر اللَّه له ما صنع ـ أن ما تقوله بعيد بعيد فرحت أنت ترد عليه فقلت: (ولا يبعد..).
ودعنا من هذا الذي جرى بينك وبين نفسك من صراع خفي يدب دبيب النمل. وتعال ـ أولاً ـ نسألك هذا السؤال اللحوح جدًّا:
عمَّن تتحدث أنت يا دكتور؟ عن (الإنسان) أحد بني آدم أم عن (البشر)؟(1/72)
قطعًا أنت تتحدث عن (الإنسان) لا عن (البشر)، لأنك تتحدث عن ولدي آدم، وآدم ـ عندك «أبو الإنسان» لا (البشر)، وإذا كان الأمر كذلك، فلم لم تترك «البشر» في حالهم وقد انقرضوا قبل ظهور آدم؟ لم تمثل بالبشر فتقول: «ولا يبعد أن نتصور أن البشر كانوا في بداية وجودهم.. يتآكلون ويتفارسون: أي يأكل بعضهم بعضًا»؟!
لم لم تقل: «أن الإنسان....»؟ نحن نعرف لماذا لم تقل: «أن الإنسان» (كانوا في بداية وجودهم يتآكلون). لأن آدم وولديه اللذين قتل أحدهما الآخر، هم بداية الإنسان، أليس كذلك يا دكتور؟
لذلك اضطررت أن تلصق هذه «الأسطورة» بالبشر ومع هذا فإن ما قلته ليس بنافعك أبدًا ـ يعني إذا سلمنا لك جدلاً بأن البشر في بداية وجودهم كانوا يأكل بعضهم بعضًا أتدري لماذا لا ينفعك هذا؟ إليك البيان:
أنت قلت إن ما بين بداية المشروع البشري وظهور آدم ملايين السنين. وترجمناها نحن بتسعة ملايين سنة.
إذن فما أبعد ما بين بداية البشر وبين بداية الإنسان حتى يقتدي الإنسان في بداية وجوده بعادة قديمة جدًا جدًا؟ أليس هذا مجرد كلام يا دكتور؟
فإن عدلت عن التحديد بالبداية وقلت: إن البشر قبل آدم كان يأكل بعضهم بعضًا. إذا قلت هذا وقفنا أمامك وسددنا عليك الطريق، وإن كان الطريق مسدودًا قبل وقوفنا أمامك فيه.
أتدري لماذا مرة أخرى؟ لأننا سنقول: سؤالاً يطرح نفسه لماذا لَمْ يقتد ابن آدم (الإنسان) الذي قتل أخاه، لماذا لم يقتد بما كان يفعله (البشر) قبيل ظهور آدم وولديه فيأكل جثة أخيه كما كان يفعل (البشر) من أكل بعضهم بعضًا قُبَيْل بداية عصر (الإنسان)؟! يا سيادة الدكتور إن الرجوع إلى الحق واجب، فوق أنه فضيلة، وقد عهدناك منصفًا للحق من غيرك أفلا تنصف الحق من نفسك؟ وأنت أقدر على نفسك منك على نفوس الآخرين.(1/73)
... وكنا نوَدُّ: وهذه الواقعة القرآنية، التي يقول اللَّه في قصة قتل أحد ابني آدم أخاه، وتحيَّر القاتل كيف يواري جثمان القتيل: + " [المائدة: 31].
هذه الواقعة القرآنية نسبت أنت الفضل والحكمة فيها للغراب لتثبت تفوُّق الغراب وانحطاط (البشر) وكان حريا بك وأنت داعية مخضرم أن تضع الواقعة موضوعها من الفضل والحكمة الإلهية لا أن تظهرها وكأنها من عنديات الغربان فليست المسألة كما تصورت من تفوق الطير على البشر. بل الغراب ـ هنا ـ جند من جنود اللَّه، مبعوث بأمر من أوامر اللَّه، لإظهار توجيه من توجيهات اللَّه. وصدر الآية دليل على ذلك + ". وحتى «الإراءة» في «ليريه» ليس فاعلها الحقيقي الغراب. بل الفاعل هو اللَّه.
* المحكم من القرآن *
ذكر المؤلف الآية: ++ " [سورة الأعراف، آية: 20].
قال المؤلف معقبًا على هذه الكلمة ليتخذ منها دليلاً على صحة فكرته أن البشر سبقوا آدم في الوجود، وأن الأرض كانت معمورة بهم من قبل ظهور آدم بملايين السنين (تسعة ملايين سنة) قال في سورة البقرة عن نفسه بأنه: + " [31].
والموت والحياة، والخلود، والخالدين من الأسماء التي علمها اللَّه آدم؛ لأن اللَّه تعالى بقدرته الهائلة علم آدم أسماء الأشياء جميعها، حتى ما استجد منها بعد ذلك الزمن السحيق لأن «الـ» في «الأسماء» لشمول جميع أسماء الذوات المادية وأسماء المعاني الذهنية، والدليل الذي لا يُنازع فيه على أن «الـ» في «الأسماء» لشمول جميع أسماء الأشياء، وهو الذي يسميه علماء اللغة والمعاني «الاستغراق» الدليل على هذا هو أن رب العزة لم يقل:
«وعلم الأسماء...» فحسب، بل قال: «كلها» ودلالة «كل» في اللغة الحصر، أي حصر كل ما وقعت «كل»، «قيدًا» له فلا يخرج من أفراده فرد واحد.
إن هذه الجملة الكريمة + " من «المحكم» الذي يفيد معناه على سبيل القطع، كإفادة ثلاثة وسبعة على عشرة في قوله عز اسمه:
++ " [البقرة: 196].(1/74)
فهل يعلو صوت فوق هذا الحق الأبلج، فيقول: تلك تسعة أو تلك أحد عشر؟!
* تسمية آدم (- عليه السلام -) *
اسم آدم هو اختيار اللَّه، أطلق على أول خليفة في الأرض.
ومع اعتراضه على هذا القول صراحة، فإن كلامه بعد ذلك يعتبر، وبكل وضوح، اعتراضا قائما مقام التصريح. فتعال ننظر فيما قال: لماذا سُمِّيَ «آدم» بـ «آدم»؟
فأنت بعد أن ذكرت قول الحق تبارك وتعالى: + " قلت بالحرف: «إن الساحة كانت حافلة بأسماء كثيرة لموجودات مادية أو أسماء لمعان مجردة. وأن حصيلة ذلك كانت في عقل آدم؟ أو استطاع آدم أن يحصلها». انظر المجاز في اللغة والقرآن للدكتور / عبد العظيم المطعني. مكتبة وهبة.
ومعنى هذا الكلام أن آدم رجل (عصامي) قد علَّم نفسه؟!
هل يستقيم يا سيادة الدكتور أن يقول اللَّه إنه هو الذي علم آدم الأسماء كلها وأنت تقول: لا. بل آدم هو الذي قد علم نفسه، والتقط تلك الأسماء من بيئة البشر «الوهمية»؟ هل يستقيم هذا الكلام يا سيادة الدكتور؟
* خرافة ضخمة *
هدف الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين من وضع كتابه «أبي آدم» كان ـ كما ذكر هو في أول الكتاب ـ هو إعدام التفكير الخرافي، الذي يتعلق بنشأة الحياة البشرية، سواء كان مصدر ذلك «التخريف» الروايات الإسرائيلية، أو الروايات الإسلامية خارج نطاق القرآن وهو هدف نبيل ـ كما ترى ـ لو كان المؤلف وُفِّق للوفاء به ولكننا نقول بأعلى صوت:(1/75)
«إن المؤلف بدلاً من أن يعدم الروايات الخرافية عند غيره، أضاف إليها، «خرافة ضخمة» تفوق في ضخامتها أحجام الأهرامات كلها، ثم غذَّى تلك الخرافة الضخمة بحشد هائل من الخرافات المتباينة الأحجام طولاً وعرضًا، ومن هذه الخرافات ادعاؤه أن الملائكة وصفت الخليفة «الإنسان» أو آدم الثاني، بسفك الدماء والإفساد في الأرض، لأنها ـ أي الملائكة ـ شبهَّتْ (آدم الإنسان وذريته) بـ «آدم البشر وذريته» فالأولون (البشر) كانوا يقتلون ويفسدون في الأرض. فما المانع أن يكون «الثانون» مثل الأولين سفاكي دماء ومفسدين في الأرض لأنهم ممسوخو الخلقة، محرمون من الهداية الإلهية، فلا تكليف ولا نبوة ولا رسالة، فإذا تصورنا هذا البشر المسئول عن «خلقه» المؤلف وحده. فكيف نتصور منه قتلاً وإفسادًا في الأرض، وهو لا يرى ولا يسمع، ولا يحس ولا يعقل؟!أليست هذه خرافات لم يتصورها إنس ولا جن.
هل يستطيع المؤلف أن يجيء بهذا الخلق الممسوخ يوم القيامة يوم أن يسأله اللَّه عن مصدر علمه به، واللَّه لم يذكر هذا الخلق في أي وحي أوحاه إلى أي رسول من رسوله، ولا أخبر عنه أي رسول من رسله؟ أشهد المؤلف خلقهم؟ ياللعجب، كل العجب! أَنَسِيَ المؤلف الداعية قول الحق عز وجل: + "" [ق: 18].
* السجود للنبي الإنسان *
من قرأ كتاب «أبي آدم» أو قرأ هذه الدراسة من أولها يعرف أن مؤلف كتاب «أبي آدم» كان قد زحزح السجود الذي أمر اللَّه به الملائكة لآدم عن زمنه، الذي أجمعت الأمة على وقوعه فيه. كما زحزحه عن آدم الذي أسجد اللَّه له الملائكة، حين قال اللَّه للملائكة: + " [سورة الحِجر: الآيتان: 28، 29].
فالأمة، وفي مقدمتها رسولها الكريم وأصحابه وتابعوهم بإحسان مجمعون على أن «بشرًا» هذا هو آدم الذي أسجد اللَّه له الملائكة.
فجاء المؤلف ـ عفا اللَّه عنا وعنه ـ وفصل فصلاً قاطعًا حاسمًا جازمًا بين «بشر» وبين آدم الذي أمر اللَّه الملائكة بالسجود له.(1/76)
فيكون المؤلف قد عَدَلََ بالسجود ـ حتى الآن ـ عما أجمعت عليه الأمة، التي لا تجتمع على ضلالة، عدل به عن إجماع الأمة مرتين:
مرة بتأخير زمنه ملايين السنين، ومرة بالمغايرة بين «الشخص» الذي أسجد اللَّه له الملائكة وهنا في هذا المبحث (السجود للنبي الإنسان) نجد للمؤلف عدولاً آخر متعلقًا بمعنى السجود نفسه فما هو ذلك العدول؟! فبعد أن عرض المعنى «السجود» المأمور به الملائكة لآدم عند المفسرين وغيرهم. هل هو السجود المعروف (الشرعي) بوضع الجبهة واليدين على الأرض؟
أم هو عبارة عن تحية وتكريم، فيكون معنى السجود مجازيًا لا حقيقيًا، واللغة فيها الحقائق والمجازات.
رفض المؤلف أن يكون السجود لآدم حقيقيًا، أي بوضع الجبهة واليدين على الأرض، لأن السجود الحقيقي لغير اللَّه لا يجوز.
* معنى السجود عنده *
السجود هو الإنكباب على الأرض ووضع الجبهة واليدين والركبتين والقدمين عليها.. ولا حظر في ذلك شرعًا؛ لأن الآمر به هو اللَّه، فمن امتثل للأمر فقد أطاع اللَّه.
أما المعنى الذي ذهب إليه المؤلف فلا يحتمله اللفظ قط ولا يرد على الأذهان عند سماعه. فهذا تأويل مرفوض.
فات المؤلف ـ أن السجود ـ هنا ـ طاعة اللَّه، وليس عبادة لآدم. لذلك كان إبليس عاصيًا للَّه لا لآدم، ومثل هذه الأوامر غير المألوفة في خطاب اللَّه لعباده قد وقع لإبراهيم حين أمره اللَّه بذبح ابنه إسماعيل فلا مانع أبداً من حمل السجود على حقيقته. والطاعات تعظم بصعوبة الأوامر على النفس.
المؤلف قد خرق الإجماع القائم بين سلف الأمة وخلفها بالنظر إلى «السجود» وحده، خرق هذا الإجماع ثلاث مرات:
مرة من حيث تأخير زمن وقوعه ملايين السنين (تسعة ملايين سنة).
ومرة من حيث «الشخص» المسجود له، حين افترض المؤلف وجود شخصين أحدهما أبو البشر، وهو «بشرًا» المنصوص عليه في القرآن + ". ثم «آدم» المنصوص عليه في قوله تعالى: «اسجدوا لآدم».(1/77)
ومرة من حيث تأويل معناه تأويلاً غريبًا نافرًا، بعيدًا عن إيحاءات اللغة ودلالاتها، وعن إيحاءات الشرع ومفاهيمه ومقاصده.
وبهذا يكون المؤلف قد اختط لنفسه خطة في قصة الخليقة انعزل بها عن فهم الأمة واعتقادها فيها. فوقف في مكان ناءٍ من الأمة، ووقفت الأمة في مكان واحدٍ تجاهه، وكأن لسان حال الأمة يقول له:
سارت مشرِّقة وسرت مغربا……شتان بين مشرق ومغرب
أو يقول له لسان حال الأمة:
نحن بما عندنا وأنت بما ……عندك راض، والرأي مختلف
* موقف إبليس من السجود *
هذا هو المبحث الرابع من الباب الثاني، الذي دعاه: «وقائع القصة».
والمؤلف ـ كعادته ـ كثير التكرار والبدء والإعادة في إيراد المسائل أكثر من مرة، بل ومن مرات عديدات. وقد نبهنا على هذا من قبل.
ونراه ـ هنا ـ يكرر أفكارًا سبق ذكرها من قبل، وسبقت مواجهتنا لها.
وهو بالطبع رافض كل الرفض لما قاله علماء الأمة من قبل سواء كانوا مفسرين أو غير مفسرين.
ومن هذا قوله في بداية هذا المبحث ينقد رأيا للمفسرين أو لعلماء الأمة في مسألة غيبية لا يملك أحد غير اللَّه الإحاطة بها يقول المؤلف: (ونحسب أن الأمر لم يكن بالصورة التي يتخيلها العامة من المفسرين، من أن مثول الملائكة، ومعهم إبليس، بين يدي اللَّه عز وجل، وآدم واقف ينتظر حدوث السجود، فقد استقر رأينا على أن السجود كان لآدم النبي، الذي اختير خليفة، والذي استهل به عهد الإنسان، لا لآدم المخلوق، فإن حدث الخلق كان قد مضت عليه ملايين السنين... وعليه فإن تكليف اللَّه سبحانه للملائكة، بالسجود، كان يعني تكليفهم بالاستقبال بحفظ ذلك الخليفة النبي، وذريته إلى يوم القيامة، وقد رفض إبليس أن يخضع للأمر الإلهي، وأن يعمل في خدمة الإنسان كالملائكة) [أبي آدم 46].(1/78)
الذي يرفضه المؤلف ـ هنا ـ هو ـ كما تقدم ـ فهم وعقيدة الأمة في قصة آدم كما وردت في الكتاب العزيز، ومات عليه من لا يعلم عددهم إلا اللَّه من المسلمين، منذ عصر الرسالة الخاتمة إلى الآن، فليس الأمر خاصًا بالمفسرين وحدهم ولا بعلماء الأمة الأعلام على اختلاف العلوم التي قد اشتغلوا بها في حياتهم.
لذلك فإن العجب يبلغ مداه حين يحاول فرد من أفراد الأمة تخطئة الأمة بكل مستوياتها وتهجين صوابها، ليُحل محله مجموعة من الأوهام والتخيلات، التي لا يملك نصيرها ذرة من علم موثوق به يثبت به صوابًا يمحو خطأ الأمة في زعمه.
فهذه مصادر الإسلام تخلو مما يتصور، وتحفل بمئات الأدلة على وهميَّة ما يروجه، ويصارع الأمة بأسرها من أجل خيال فرضه على ما بقي من أجيالها إلى قيام الساعة!!
ونقول ـ مرة تلو المرة ـ ما دليل الدعوى على أن آدم آدمان؟ آدم «بشر» وآدم «إنسان»؟ آدم مجرد مخلوق غير مُكرَّم من عند اللَّه؟ وآدم «إنسان» مكرَّم من عند اللَّه بإسجاد الملائكة له، ثم تتويجه بالرسالة وأن بين «الآدمين» ملايين السنين؟
هذه الأمور لو كانت حقا وصوابًا فإن من يقول بها لابد ـ لكي يكون صادقًا في ما يقول ـ أن يكون: قد شاهد الوقائع التي يرويها أو سمعها ممن شاهدوها.
والمسألة التي ينازع فيها المؤلف المفسرين، مسألة غيبية، لم يشاهدها هو، ولم يسمعها ممن شاهدها، ولم ترد في الرواية الإسلامية التي لا يتطرق إليها شك (الوحي الصادق، والحديث النبوي الصحيح). فمن أين جزم إذن بواقعية وجود آدمين بينهما خلائق استمر وجودها ملايين السنين؟! وهي تزحفُ من سفح الحياة إلى قمتها في عصر آدم الثاني؟!
الأولى: أن يتم الرفض بهدوء، بحيث يمحو ـ على الورق ـ إجماع الأمة ثم يثبت أفكاره مكان إجماعها، غير مبال بما للأمة من السند، وقطعية الدليل.
والثانية: أن يتم ذلك الرفض مع تسفيه الأمة والهمز واللمز في سيرتها.(1/79)
وقد تقدم أن المؤلف وصف الأمة بالسذاجة والبلاهة لأنها فسرت نفخ اللَّه من روحه في آدم بصيرورة آدم حيًّا بعد أن كان جمادًا [تراب = طين].
وهاهو ذا مرة أخرى يعود فيصف الأمة بالسذاجة والبلاهة مرة أخرى.
* الحوار بين اللَّه (جل جلاله) وإبليس *
ذكر اللَّه آيات قصة آدم الواردة في سورة (ص) ثم عقب عليها شاهين، ووصف فهم الأمة بالسذاجة.
+ " إلى قوله + " .
ثم قال شاهين: «وفي بداية النظر في مكونات الحوار نؤكد ـ هنا ـ على ضرورة مراعاة المسافة بين ما ينبغي للَّه من جلال وعظمة وعلو شأن... وبين إبليس من حيث هو مخلوق يواجه خالقه، وهو لا يزيد في قدره على أي مخلوق متمرد على أوامر الخالق..» أبي آدم (147).
ثم قال مفسرًا: «فلا ريب أن الشيطان كان في موقعه من الكون، لا يستطيع أن يتجاوز قدره، فيتطاول إلى المقام الأسنى ـ مقام رب العزة ـ ليجابهه بتلك المقولات فاللَّه أعلى وأجل وغاية ما نتصوره أن يكون الحوار قد جرى من خلال الوحي النفسي، الذي أحاط بتفاصيله من يعلم السر وأخفى..». أبي آدم (148).
هذا كلام المؤلف بلا تحريف.. ومنه تدرك كيف استهان بإجماع الأمة، فهي أمة ساذجة بلهاء لأنها ظلت أربعة عشر قرنًا لم تفهم كتاب ربها، وهي تتلوه صباح مساء، فهمت أن هذا الحوار الصريح الواضح وقع كما صوره القرآن في آياته الواضحات: أقوال متداولة بين طرف أعلى مقدس وهو اللَّه عز وجل، وطرف أسفل مدنس وهو إبليس عليه اللعنة.
من أجل هذا الفهم (الضروري) رماها المؤلف ـ سامحه اللَّه ـ بالسذاجة والسفه والبلاهة؟(1/80)
ولماذا؟ لأنها فهمت أن إبليس كان أمام اللَّه في مواجهة. وماذا في هذا وقد جاء به صريح التنزيل؟ يقول المؤلف «هذا لا يليق باللَّه، لأنه عليٌّ قدير، وإبليس منحط حقير. الأمة لم تتقول على اللَّه(1) ، بل اللَّه هو الذي قال وأوحى وهذه المقاولة لا تنال من عظمة اللَّه وجلاله مهما كانت حقارة إبليس الذي كان يقاوله. فاللَّه عظيم سواء حاوره إبليس أم لم يحاوره.
وإبليس حقير ذميم سواء حاور اللَّه أو لم يحاوره، فليس في هذا الحوار انتقاص لقيوم السموات والأرض، ولا رفعة لمن حطته معاصيه. فاللَّه هو القاهر، وإبليس هو المقهور والأمة لم تقترف إثمًا في حق اللَّه حينما فهمت كتابه بما تدل عليه ألفاظه وتراكيبه بلا لبس ولا التواء».
سيادة الدكتور: لو وقف مجرم حقير ساقط المروءة والخُلق أمام قاض رفيع المقام في ساحة القضاء، يسأله القاضي وهو قاض متربع على منصة القضاء ذات الهيبة والوقار والجلال.
ويجيبه المجرم وهو ذليل أقعدته جريمته وراء قضبان فولاذية (قفص الاتهام): فهل في هذا انحطاط لمقام القاضي ـ وللَّه المثل الأعلى ـ أم هل في هذا رفعة وتشريف للمجرم الآثيم؟!
إن الأمة لم تمِلْ عن الحق، وهي تُجْري آيات القرآن على ظواهرها الأوضح من الشمس في صافية النهار. ونحن من جانبنا نسأل اللَّه أن يثبت الأمة على ما استحقت به الوصف بالسذاجة والسفه والبلاهة عندك. ونراها ـ نري الأمة ـ تشكو بلسان حالها مما توصمها به فتقول:
إن محاسني اللاتي أدل بها……عُدَّتْ عيوبًا فقل لي كيف اعتذر؟
__________
(1) قلت: بل أنت يا شاهين تقولت على اللَّه وويلك من هذا التقول إن لم تتب وترجع إلى الحق.(1/81)
يا سيادة الدكتور: نراك أبعدت «النجعة» وأطلت الشطح بتأويلات لا تقرها لغة، ولا تأذن بها بلاغة، ولا يسمح بها شرع، ولا يميل إليها عقل، ولا تستريح لها نفس. وما كان أغنانا وأغناك عن هذه «الغيبوبة العميقة» والهروب من ميدان الدعوة المتخم بالقضايا الساخنة، التي تحتاج إلى إسهام قلمك وفكرك. أما ما شغلتنا به في كتابك فنقول لك كما قال رب العزة لعباده + " [سورة البقرة، آية: 134].
* بين آدم وإبليس في الجنة *
كما رأيناه شاهين يدلي برأي في مسائل غيبية كان تفويض العلم فيها إلى اللَّه هو المسلك الإيماني المحمود، لأن المسائل الغيبية لا مجال للعقل أو العلم البشري فيها فأمر اللَّه آدم وزوجه بسكنى الجنة كان تكريمًا لهما وتفضلا عليهما، وليس عزلاً لهما عن «البشر» الذي اخترعه المؤلف من (عندياته)؟
فمن الذي يفهم ـ غير المؤلف ـ من قول اللَّه تعالى لآدم وزوجه: + .. " [البقرة: 35].
«إن هذه الجنة كانت بمثالة الملجأ الآمن الذي يعزل آدم وزوجه».
ثم يعلل شاهين قائلا الحكمة من: (هذا العزل ـ عزل آدم وحواء في الجنة، وهي تطهير الأرض من البشر المفسدين الذين يروحون ويجيئون فوق الأرض، خارج الجنة التي عزل اللَّه فيها آدم وزوجه). يعني أن اللَّه عز وجل قضى على البشر بالإعدام الجماعي، ليُخلي الأرض منهم توطئة لتمكين آدم وزوجه وولديه. أبي آدم (160).
* تأويل السوءات *
ومن تأويلات المؤلف النافرة جدًّا تفسيره للسوءات في قوله تعالى: + ... " [الأعراف: 22].
يقول المؤلف: «لقد تناقل المفسرون رأيًّا واحدًا عن «السوءة» وهي العورة، وقالوا ـ دون اختلاف - : إن نتيجة الأكل من الشجرة كانت ظهور عورة كل منهما لنفسه ولصاحبه، وكانا من قبل لا يريان ذلك لموارة سوءاتهما عنهما..» أبي آدم (163).(1/82)
المؤلف يرفض ما أجمع عليه المفسرون في تفسير معنى «السوءة» ومن يرفض هذا المعنى لابد أن يكون لديه بديل أصح. فما هو ذلك البديل الذي رآه المؤلف صوابًا بعد تخطئته لجميع المفسرين؟!
«والصورة كما تبدو لنا في موقف الزوجين صورة هائلة: فقد شعرا حين ذاقا الشجرة أنهما خالفا أمر ربهما، وقد حذرهما من الشيطان تحذيرًا صارمًا، ومعنى ذلك غضب اللَّه عليهما، وهو ما هيج مشاعرهما، ووضعهما في مواجهة عاقبة لا يتحملانها، وركبهما الندم من هذا التعري أمام اللَّه، فأخذا يحاولان التخبؤ والاستتار حياء منه وخجلا، وذلك بأن يتخذا من ورق الجنة غطاء يسترهما، وكأنهما يهيلان عليهما هذا الورق» أبي آدم (165).
دقق النظر في كلام المؤلف، ثم اسأل: هل حصل على بديل يضعه موضع إجماع المفسرين الذي أنحى عليهم باللائمة، وأعلن رفضه له؟
وإذا جاريناه على أن التعرية كانت لكلا الجسدين، فهذا لا ينافي تخصيص القرآن ببدو السوءات والسكوت عن عُري الجسدين الكامل؛ لأن القرآن ـ هنا ـ قصد أقبح ما في العُري، وهو بدو السوءات؛ لأن عري بقية الجسد لا يبلغ قبحه قبح بدو العورات.
وهذا التخصيص معروف عند علماء البلاغة بأنه صورة من صور المجاز المرسل الذي علاقته الجزئية، يعني أن البيان القرآني أطلق الجزء، وهو السوءات، وأراد الكل وهو جميع الجسد، نظيره في القرآن + " والمراد الذات وليس الرقبة وغير هذا لا حصر له في القرآن وكلام العرب الفصيح.
أما ما ذكره من دلالة «الجمع» في «سوءاتهما» الذي استدل به على أن البدو بعد الأكل من الشجرة لم يكن بدو العورات وهو مذهب سائر المفسرين؛ ودليل المؤلف على أن جمع السوءات ينفي أن يكون المراد العورتين، وإلا لقال القرآن كما قال المؤلف: «فبدت لهما سوأتاهما» بالتثنية دون الجمع.(1/83)
فهذا كلام مردود. لأن له ـ أي الجمع المراد به مثنى ـ نظيرًا لا جدال فيه في القرآن وهو قوله تعالى: + .. " [التحريم: 4] فقد جمع القلبين وجعلهما قلوبًا، ولهذا الجمع في موضع المثنى نظائر في لغة العرب الفصحاء، وله معنى بلاغي لو بحث عنه المؤلف لظفر به.
وهو ـ هنا ـ يحمل على تفخيم شأن القلبين إذا صفت قلوبهما وصغت، حتى لكأنهما بعد «الإذعان والصفاء» قلوب لا قلبان.
ثم فات المؤلف ملحظ دقيق لو وقف عنده في آية الأعراف التي ذكرها في نفس الموضع الذي حاول فيه رفض بيان المفسرين لمعنى «السوءات».
الآية هي: + " أفلم يلاحظ المؤلف أن القرآن ـ هنا ـ عبرَّ عن المثنى بـ «المفرد» وهو «لباس» مضافا إلى مثنى (لباسهما)؟ فلماذا لم يقل القرآن: لباسيهما ؟ ونسأل المؤلف:
هل كان آدم وحواء يرتديان كساءً واحدًا أم كساءين، لن يستطيع أن يقول أنهما كان يلفان نفسيهما في ثوب واحد، أو كساء واحد، أو في لباس واحد؟
إذن فلماذا المفرد في موضع الجمع؟ أليست هذه كتلك؟ الأولى: جمع أريد به مثنى. والثانية: مفرد أريد به المثنى، إن خروج القرآن بالتعبير إلى غير المألوف نحويًّا فن واسع في نظم القرآن، ولهذا الفن دلالات بلاغية أنيقة تشع من ورائه، لا يكون لهذه الدلالات وجود لو جاء النظم على قواعد النحو الرتيبة. وهذا ما يسميه البلاغيون «الإخراج على خلاف الظاهر» وهو فن بلاغي مترامي الأطراف يزدهر به الكلام البليغ.
وكم في القرآن من هذه الملامح البيانية الرائعة. وهي بلا شك من سمات إعجازه اللغوي البياني التي سما كلامه بها فوق كلام الإنس والجن.
وبقي وجه آخر لتوجيه جمع «السوءات» يضاف إلى ما تقدم، ويريح نفس المتأمل في كلام اللَّه.
خلاصته: أن هذا الجمع من الممكن لغة وبيانًا وشرعًا، أن يظل على دلالته «الجمعية»؛ لأن كل إنسان له سوأتان لا سوأةً واحدةً، سترهما واجب شرعًا.(1/84)
والمتحدث عنهما في الآية شخصان لا شخص واحد، هما: آدم وحواء. فلهما ـ إذن ـ أربع سوءات لا سوأتان وعلى هذا الاعتبار يبقى الجمع دالاً على «الجمعية» لا على «التثنية».
فلا داعي للمحاولات التي بذلها المؤلف. فالنص واضح كل الوضوح، والتأويل لا يُحتاج إليه ـ بل ولا يجوز أبدًا ـ إلا إذا منع من ظاهر اللفظ أو التركيب مانع شرعي أو عقلي، أو حتى عادي. ولا شيء من ذلك هنا.
فلماذا اللف والدوران والانتجاع في صحراء التأويل القاحلة بحثًا عن الماء، الماء مُبْصَر أمامنا؟!
* أسطورة مضحكة مبكية *
ثم بقي لنا عتاب شديد على المؤلف؛ لأنه فسَّر خصف آدم وحواء عليهما من ورق الجنة، بأنه محاولة كي يختفيا من اللَّه حتى لا يراهما وهما عاريان؟
عتابنا على المؤلف أنه جعل من الأسباب التي دعته إلى وضع كتابه «أبي آدم» القضاء على الإسرائيليات التي رواها بعض المؤرخين وبعض المفسرين، نقلاً عن بني إسرائيل في قصة آدم (- عليه السلام -). ونراه هنا يوافق الروايات الإسرائيلية الأسطورية المضحكة، وذلك فيما وصل إليه اجتهاده من الشجرة المحرمة، وبدو سوءاتهما هذه الرواية ـ في جوهرها ـ وردت في التوراة، وإليك رواية التوراة بتمامها:
«وسمعا ـ أي آدم وحواء ـ صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة عند هبوب ريح النهار؟، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله، في وسط شجر الجنة.
«فنادى الرب الإله آدم، وقال: أين أنت يا آدم؟!
فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت؟!
فقال: يعني الرب الإله ـ من أعلمك أنك عريان؟! هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؟ (الكتاب المقدس) سفر التكوين ـ الإصحاح الثالث الفقرات: 8 ـ 11.
هذا ما ذكرته التوراة، وذاك ما ذكره المؤلف، والأصل الذي ارتكزت عليه الروايتان واحد، وكل ما ذكرته التوراة ينسب إلى «الرب الإله» الجهل مرتين:
الأولى: لأنه حين دل الجنة لا يعلم أين يقيم فيها آدم وزوجه.(1/85)
الثانية: لأنه لم يعلم سبب عُري آدم وأكله من الشجرة التي حرمها اللَّه عليهما هو وزوجه.
وما ذكره المؤلف ـ وإن خلا من شناعات التوراة ـ اشترك معها في أن سبب خصف ورق الجنة عليهما الاختباء من اللَّه، والمعنى الذي يفهم من رأي المؤلف فيه إلماح إلى أن آدم وحواء كانا يجهلان أن اللَّه بكل شيء عليم، وأن حالهما من التعري لا يمكن إخفاؤه عليه ـ عز وجل ـ إذا أحكما لصق أوراق الجنة على جسديهما.
مع أن المؤلف يعلم بأن آدم لم يدخله اللَّه الجنة إلا بعد اصطفائه رسولاً. فهل الرسل ـ يا ترى ـ تجهل صفات اللَّه القدسية ومنها إحاطة علمه بكل كائن؟
ومذهب المفسرين ـ الذي رفضه المؤلف ـ يرى أن الباعث على وضع ورق الجنة عليهما هو الحياء الفطري الذي فطر اللَّه عليه آدم وبنيه. وزاده الإيمان رسوخًا في نفوس المؤمنين فأي الرأيين أولى ـ لغة واعتقادًا ـ بالقبول وأيهما أولى بالرفض؟
رأي المفسرين أم رأي المؤلف؟ إن القراء الكرام أغنياء عن أن يلقنهم ملقن من خارج أنفسهم بالإجابة السديدة على هذا التساؤل، الذي ذكرناه، ثم تركناه بلا إجابة متعمدين لا مكرهين، ولا عاجزين.
بل إننا لنطمع في الإنصاف من المؤلف نفسه، بعد ما قدمنا من وسائل الإقناع، والطمع في هذا من مثله مرشح للنجاح.
وفي نهاية هذا المبحث عاد المؤلف إلى تقرير «مقولة» كثيرًا ما ذكرها في مباحث كتابه المتقدمة، وكثيرًا ما وقفنا أمامها وكشفنا عن عورها، وأزلنا من الوجود شبهاتها قال: وهو كله ثقة بما يقول:
«فآن الأوان لنزول آدم إلى معترك الحياة الدنيا.. بعد أن هيئت له الساحة، وأخليت الأرض من المفسدين وسفاكي الدماء، ولم يُعْد فيها سوى الإنسان الجديد». أبي آدم (165).
ونستشهد بواقع الحياة على «أسطورته» هذه «المقولة» فواقع الحياة الدنيا ـ الآن، وقبل الآن، شاهد حق وصدق بأن الفساد في الأرض يزداد في عهد الإنسان الذي يدعيه كاتب (أبي آدم).(1/86)
انتهت الفقرات التي نقلنها من كتاب فضيلة الشيخ / عبد العظيم ونسأل اللَّه عز وجل أن يجزيه خير الجزاء على دفاعه القوي عن كتاب اللَّه وعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعن أمة الإسلام جميعًا بارك اللَّه في صحة فضيلته وزاده إيمانًا مع إيمانه ورفع درجته مع العلماء العاملين وجمعنا اللَّه به في جنات النعيم.
رد فضيلة الدكتور / زغلول النجار
آراء غريبة في كتاب (أبي آدم)
آراء غريبة لم يقل بها أحد من قبل في كتاب (أبي آدم) لمؤلفه الدكتور / عبد الصبور شاهين، وقد أجرينا حوارًا مع الدكتور زغلول النجار ـ أستاذ الجيولوجيا في هذا العصر ـ للرد على ما جاء بهذا الكتاب، وكان أول ما قاله: أعتقد أن إعداد الكتاب استغرق 23 ساعة وليس 23 سنة كما قال شاهين وهو حافل بالأخطاء والخطايا العلمية وآراء أخرى كثيرة قالها الدكتور زغلول النجار في هذا الحوار.
* الدكتور زغلول النجار يهاجم (أبي آدم) *
الكتاب استغرق في إعداده 23 ساعة وليس 23 عامًا.
ـ ما هو رأي فضيلتكم عما أثير مؤخرًا عن كتاب أبي آدم؟
ـ سبق لي أن ناقشت هذا الكتاب مع د. عبد الصبور شاهين مرتين على قناة أوربت ومرة على قناة MBC وأثبتُّ له بأدلة لا تقبل الرفض أن الكتاب مليء بالأخطاء العلمية والأخطاء الدينية؛ وأن الكتاب ليس له قيمة دعوية ولا علمية ولا أدبية وما كان يجب أن يكتب. لأنه أثار بلبلة فكرية كبيرة عند مختلف قطاعات الناس من الشباب إلى الشيوخ.
ـ ما رأي فضيلتكم في شخص وعلم د. عبد الصبور؟ وهل هو ليس أهلاً لتأليف مثل هذا الكتاب؟
ـ مع تقديري للدكتور/ عبد الصبور، فهو عالم متميز في تخصصه وهو «فقه اللغة العربية» ولكنه دخل في مجال ليس بمجاله هو مجال علمي وهو ليست له خلفية علمية ودخل أرضًا ليست بأرضه فأخطأ والاعتراف بالحق فضيلة.
ـ ما هو رأي د. زغلول في التواريخ والأرقام والعصور الجيولوجية التي ذكرها د. عبد الصبور في كتابه؟(1/87)
ـ كل الأرقام والتواريخ التي ذكرت في الكتاب خطأ، كل أسماء الأحافير والعصور الجيولوجية الموجودة في الكتاب خطأ.
فالكتاب ليست له قيمة علمية ولا دعوية، بالإضافة إلى أنه خالف نصوصًا قرآنية قطعية الدلالة، وخالف أحاديث نبوية صحيحة موجودة في كل كتب السنة.
لماذا لم تستشهد فضيلتكم بحديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لا تقتل نفسًا ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سنَّ القتل» ألا يعد هذا الحديث سندًا قويًّا ويخالف النظرية الموجودة في الكتاب؟
ـ نعم، هذا الحديث يعد سندًا قويًّا ولقد استشهدت بأشياء كثيرة منها قول اللَّه تعالى: + " سورة السجدة الآية (7) وهذا كلام الخالق رب العالمين فهل يستطيع مخلوق أن يناقض هذا الكلام حينما يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح: «إن اللَّه تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فأتى بنو آدم على قدر الأرض منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والخبيث والطيب وما بين ذلك».
فهل أستطيع أنا كمخلوق أن أناقض كلام رسول اللَّه الموصول بالوحي وقوله تعالى: + " سورة آل عمران الآية (59) أأدعي بعد ذلك أن آدم له «بابا» و «ماما» كما يقول د.عبدالصبور؟
ـ ما هي الأحاديث والآيات التي استشهد بها د. عبد الصبور وبنى عليها نظريته؟
ـ من الممكن أن يستدل الإنسان استدلالاً خاطئًا وهو استدل بقول الله: + " سورة آل عمران الآية (33) ويدعي أن الاصطفاء لا يكون إلا من المثل، فالاصطفاء قد يكون من الخلق أجمعهم وليس بالضرورة أن يكون من المثل.
ـ استدل د. عبد الصبور بقوله تعالى: + " سورة البقرة الآية
(30) مؤكدا بهذه الآية على وجود بشر قبل آدم؟
ـ إن اللَّه تعالى أعلم الملائكة بما تفعله ذرية آدم، فأول من سكن الأرض الجن، فالجن خلق مكلف له أن يفعل أو لا يفعل، فحكم الملائكة قياسًا على الجن: + " سورة البقرة الآية (30).(1/88)
فكان قياسهم على الجن لأنهم أصحاب إرادة حرة.
ـ ألا ترى فضيلتك أن ثلاثة وعشرون عامًا عمر تأليف الكتاب فترة زمنية طويلة بحجم الأخطاء الموجودة في الكتاب؟
ـ واللَّه أنا لا أتخيل أن الكتاب أخذ من د. عبد الصبور هذا القدر من السنين لعل الفكرة عالقة في ذهنه، لكن الكتاب ليس به جهد يستوعب 23 ساعة وليس 23 عامًا لأن الكتاب ليس به جهد علمي أو ديني ولا دعوي ولا أدبي ولا فقهي ولا أي شيء. ـ من المسئول عن إصدار أو نشر هذا الكتاب بحجم الأخطاء الموجودة فيه؟
ـ والله، على إدارة المطبوعات في الأزهر الشريف أن تدقق أكثر من ذلك لأنه ليس الكتاب الوحيد الذي صدر في هذه الفترة بل كتب كثيرة فيها أخطاء علمية فيجب على إدارة الرقابة في الأزهر أن تأخذ الأمر مأخذ الجد وإذا كان ليس لديهم المقدرة على ذلك فعليهم أن يحيلوا الأمر إلى متخصصين.
ـ بالرغم من كل الأخطاء الموجودة بالكتاب إلا أنه كسب القضيتين المرفوعتين ضده؟
ـ واللَّه إذا كان مكسبًا ماديًّا أن أنشر الكتاب فهذه خسارة كبيرة جدًا لأن المكسب الدنيوي لا يساوي شيئًا أمام الخسارة في الآخرة.
ـ هل استفاد أحد من هذا الكتاب من وجهة نظرك؟
ـ أنا لم أقابل أحدًا استفاد من هذا الكتاب شيئًا أكثر من أنه بلبل الأفكار وشتت المفاهيم وأحدث عند الناس فتنة لا يعلم مداها إلا اللَّه.
ـ هل يعد الكتاب الذي أصدره د. عبد الصبور مخالفًا لنصوص قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة وبعض كتب التفاسير؟
ـ هذا الكتاب خالف نصوصًا قرآنية قاطعة وأحاديث نبوية صحيحة؛ لأن التفسير يصيب فيه الناس ويخطئون، فأنا لو خالفت مفسرًا ما فهذا جائز، إنما أخالف نصًا قرآنيًا واضحًا أو حديثًا صحيحًا فهذه مصيبة كبيرة.
ـ ما هي الدوافع التي جعلت د. عبد الصبور يقبل على تأليف مثل هذا الكتاب؟(1/89)
ـ د. عبد الصبور تعلم الفرنسية على كبر وبدأ يقرأ للفرنسيين وهم يؤمنون بقضية التطور العضوي إيمانًا أعمى لأنهم لا يؤمنون بالخالق، وهو تأثر بهذا الفكر وهو على استحياء شديد يضع فكرة التطور العضوي، وإذا سلمنا أنه كان هنالك خلق بشري قبل آدم سلمنا بفكرة التطور العضوي وهي فكرة هدمها العلم بكل معطياتها المتقدمة في السنوات الأخيرة وقراءة الشفرة الوراثية هدمت هذه الفكرة وأثبتت أن كل نوع من أنواع الحياة النباتية والحيوانية والإنسانية خلق مستقل بذاته لا علاقة به بباقي المخلوقات.
ـ ما هي فكرة التطور العضوي؟
ـ لاحظ العلماء أن عمر الأرض قديم يرجع إلى خمسة آلاف مليون سنة وأن هذا الكوكب مرَّ بمراحل متتالية من الخلق بدأت الحياة بسيطة في التركيب قليلة في العدد، ثم أتت بعد ذلك مراحل من الخلق أكثر تعقيدًا في البناء وأكثر عددًا وظل هذا التدرج حتى خلق اللَّه الإنسان وفكرة تدرج عمارة الأرض بمراحل متتالية من الخلق فكرة صحيحة وليس وهمًا؛ ولكن استنتاجات منها تعتمد على خلفية من يتعامل مع القضية، فالكفار والمشركون الذين لا يؤمنون بخلق ولا يؤمنون بخالق يقولون: إنها عملية عضوية، طين الأرض مع حرارة الشمس أدت إلى تفاعل كيميائي أنتج أول جزء بروتيني بدأ ينقسم ويكرر ذاته وعمل أول خلية حية بدأت تنقسم وتكون ذاتها وأعطتنا هذا الخلق) وأي نظرة عاقلة في الكون تنفي هذا تمامًا، والعلم يؤكد على أن كل مرحلة من مراحل الخلق لعبت دورًا مهمًّا في تهيئة الأرض لاستقبال هذه المراحل المنطقية، ولا يمكن أن تكون عشوائية أو جاءت بمحض الصدفة ونفس بناء الخلية على قدر من التعقيد يفوق أكبر المصانع التي بناها الإنسان أو التي فكر في إنشائها.
والدراسات العملية تؤكد على أن كل نوع من أنواع الحياة خُلق خلقًا خاصًّا بذاته وأن هذا الخلق له خالق، والقرآن الكريم يقول: + " سورة الزمر الآية (62).(1/90)
ـ هل عانى هذا الكتاب تعتيمًا إعلاميا برغم خطورة الموقف؟
ـ كان يجب أن نوجه على الكتاب مثل هذا أن ينتقد أكثر من هذا ويرد عليه لكن الصمت حيال مثل هذه القضايا يزيد في بلبلة الناس.
ـ أين رأي الأزهر الشريف؟ وأين رأيّ أساتذة الدراسات الإسلامية في الجامعات المصرية الأخرى؟
كان لابد من الرد وتفنيد ما في الكتاب ولكن هذا انعكاس لحالة الضياع التي تعيشها الأمة ولم يعد أحد يهتم بمثل هذه القضايا الكبيرة، وكل إنسانٍ يجري وراء همومه الشخصية وكأن الإسلام لا أب له في هذه الأيام، للأسف الشديد.
قلت: الحمد للَّه من علماء الأمة والغيورين على دينهم ردُّوا على ما ابتدعه شاهين في كتابه المبتدع جعلت باطله الذي أتى به زهوقا وقامت عليه الحجج المختلفة أن كتابه بدعيٍّ يجب حرقه وعدم قراءته وجمع الكتاب وإعدامه، وعدم تداوله وكل من يساهم في إخماد هذه الفتنة له أجر عظيم.
ـ ما هي الكلمة التي تريد أن توجهها للدكتور عبد الصبور شاهين؟
ـ أريد أن يراجع نفسه مرة أخرى لأن شخصًا في مكانته كان يخطب الجمعة في أكبر مساجد مصر وله باع في الدعوة قديمًا وأن ينتكس هذه الانتكاسة، فأدعوه إلى مراجعة نفسه ومراجعة نصوص القرآن الكريم التي تجاهلها بنصوص كبيرة، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي سخر منها على شاشة التلفاز وأن يتوب إلى اللَّه تعالى قبل نهاية الأجل، وأسأل اللَّه أن يكتب لنا وله الهداية.
* رد فضيلة الشيخ محمود ميرة *
قال فضيلته: 1 ـ هناك شطط في الاستنتاج والاستدلال.
2 ـ هناك تأويلات واستنتاجات تجاوز فيها المؤلف الحدود وحملها أكثر من طاقتها.
3 ـ طرح المؤلف أمورًا بدون أدلة منها خلق آدم من أب وأم، وترجيحه لذلك وخلق حواء كذلك وكذلك الخروج من الجنة ومثلها مواراتهما ـ آدم وحواء ـ.
4 ـ مقدرة المؤلف على طرح مسائل تدخل الشك على القارئ وينسحب بمهارة وتحيل.
5 ـ ذكر أمورًا علمية وإحصائيات تحتاج إلى تحقيق وسؤال أهل الخبرة عنها.(1/91)
كتبه فضيلة الشيخ / محمود ميرة ـ أستاذ مشارك في كلية أصول الدين ـ جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض سابقًا
* رد فضيلة الدكتور محمود شاكر *
خلق اللَّه ـ سبحانه وتعالى ـ الكون وما فيه من سماوات وأراضين ومن شمس، وقمر، ونجوم، وخلق الملائكة، والجن وخلق البشر والأنعام.. وكل شيء في هذا الكون من خلق اللَّه سبحانه وتعالى:
وأنزل اللَّه ـ سبحانه وتعالى ـ الكتاب +القرآن الكريم" على عبده ورسوله محمد بن عبد اللَّه وفيه تبيان كل شيء، وذكر كل شيء.
قال اللَّه تعالى: + " سورة الأنبياء الآية (24) وقال اللَّه تعالى: ++ " سورة الأنعام الآية (24).
وأبان اللَّه سبحانه وتعالى ـ كل شيء لخلقه، فمنهم من سمع ورضي وآمن، ومنهم من لم يقبل فعلل ما رأى حسب عقله، وأبان ما شاهد حسب فكره، فكان من الضالين.
قال اللَّه تعالى: + " سورة الروم الآية (8).
لا يوجد في كتاب اللَّه ما يحتمل التأويل وإعمال الخيال إذ أن كلام اللَّه ـ سبحانه وتعالى ـ حق ثابت؛ لكن لعبت القصص الإسرائيلية في إعمال الخيال، وتدوين الآراء كأساطير بغية تشتيت الآراء، وتضارب الأفكار لإيقاع الخلاف، وبث الفتن، وقد أخذ عنهم بعض مدعي علم التاريخ ومعرفة الأنساب فقدر بعضه حقبة الخلق بمليارات السنين، وعدها عدة حقبات، واعتبر عصر بني آدم بثمانين مليونًا من السنوات، ويذكر بعضهم أن حقبة الحياة المتوسطة المعروفة بالعصر «الترياسي» قد بدأت منذ مائة وسبعين مليون سنة، وأن حقبة الحياة الحديثة المعروف بالعصر «الباليوسيني» قد بدأت منذ ثمانين مليون سنة.(1/92)
كما يقسم بعضهم كل حقبة من هذه الحقبات إلى عصور تتباين في مدتها، وهذه التقسيمات لا أساس لها تبنى عليه بل هو ادعاء، وخيالات يرونها، أو حيوانات يشاهدون أثرًا لها، ويدعي بعضهم أن هذا التقسيم إنما هو حسب آثار حيوانات، أو ظهور بقايا في صخور قديمة وجدت في صخور قديمة، أو في قيعان البحار، أو الكثبان الرملية؛ وكل ذلك قبل ظهور الإنسان.
ويدعي بعضهم أن هناك بقايا إنسان من غير بني آدم قد وجدت ومما يسمون من هذه البقايا: «إنسان بكين» و «إنسان جاوة» و «إنسان نياندرتال» و «إنسان روديسيا» وهناك من يدعي وجود بقايا جمجمة في كينيا تعود إلى مليون ونصف من السنين، ثم يدعي أن أقدم إنسان منتصب يسير على رجليه يرجع إلى نحو مليون سنة.
وهناك من يقول أن الإنسان المنتصب ذا الساقين لم يكن متطورًا عن المخلوق البدائي الذي يشبه القرد، ويمشي على أربع، بل كان يعاصر ذلك المخلوق، وذلك منذ أكثر من مليوني سنة ونصف المليون من السنوات.
وظهر آخرون من جماعات ثانية يسيرون على الخط نفسه، وهم ممن يحبون الشهرة ويسعون لها، فكانوا ينقلون بعض أقوال من سبقهم، ويتبنون ما قرؤوا من إسرائيليات، ويسبحون بخيالهم في سماء الواقع، ومن هؤلاء رجل يدعي «بشير التركي» من بلاد تونس، وقد صنف كتابًا يحمل اسم «آدم، عليه الصلاة والسلام».. يقول بشير التركي: إن أول ما وجد البشر في بلدة (المهدية) على الشاطئ الشرقي لبلاد تونس، ثم انقرض البشر وبعدها خلق اللَّه آدم في الجنة، ثم أنزله على الأرض يحمل السبع المثاني. أبي آدم ص 13 كلام غير صحيح.
ويقول أيضًا في الصفحة (64) من الكتاب المذكور: إن الموجات البشرية وهي:
الأولى: من أربعة مليارات إلى مليار من السنين، وهي مدة عاش خلالها بشر يسمى «بشر الجنوب» أو ما يسمى: «الساتر الوبيتك».
الثانية: من مليار إلى مائة وخمسين ألف سنة، وعاش خلالها: «بشر القردة» وما يسمى «البتكانيروب» وكان هذا النوع من البشر منتصب القامة.(1/93)
الثالثة: من مائة وخمسين ألف سنة إلى أربعين ألف سنة، وفي نهايتها كان آدم وقد عاش خلالها «بشر الشعور» أو ما يسمى «إنسان نياندرتال».
الرابعة: من أربعين ألف سنة إلى اليوم، وقد عاش فيها الإنسان الحالي الذي اهتدى إلى الكتابة، ويعطيه اسم «الهوجوسابينز»، وبهذا يكون آدم عليه السلام قد انحدر من سلالة ذلك الإنسان المخلوق البدائي الأول.
ويرى (داروين) أن المخلوق الأول كان يمشي على أربع، بينما الإنسان الثاني كان يمشي على رجلين.
ويرى آخرون أن الإنسان «لوسي» كان عثر عليه قبل ثلاثة ملايين سنة في منطقة الحبشة، و «لوسي» كانت أنثى.
وهذا كله مخالف لما ورد في كتاب اللَّه +القرآن الكريم" من أن البشر واحد، لذا لا يصح عرضه، ولا وضعه كمقدمة لكتاب، بل ولا الرد عليه، لأن هذا يشهره، وينشر خبره، ويكون حديث الناس وهذا ما يريده ويعمل له أصحاب الدسائس والفتنة ونشر الأخبار المغايرة للفكر الإسلامي، وطلاب الشهرة.
إذن يجب ألا يؤبه به، ولا ينظر إليه، بل يجب العمل على إزالته من أماكن نشره، والعمل لإعطاء صورة سوداء عما فيه من أفكار، وما يهدف إليه الذين يسعون لنشره، واللَّه نعم المولى ونعم المصير.
كتبه فضيلة الدكتور / محمود شاكر
أستاذ مساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقًا
وهذا كذلك رد علمي واضح وفاضح لعبد الصبور شاهين المفتون بهواه.
* رد فضيلة الشيخ / محمد حماد *
يقول صاحب الفضيلة الشيخ / محمد حماد:(1/94)
ما إن تنتقل من فصل إلى آخر، حتى يفاجئك الدكتور بما هو أسوأ، ومن أسوأ ما ذهب إليه الدكتور ما جاء في الفصل الرابع المعنون (موقف إبليس من السجود) وفي هذا الفصل يصور الدكتور الأمر على غير حقيقته المروية لنا من علام الغيوب فيقول: (إن لإبليس في قصة آدم موقفين: موقف مع رب العزة، وموقف مع آدم وزوجه حواء، ويقول إن الموقفين يتحولان في النهاية إلى موقف واحد هو: موقف الصراع بين الخير والشر، أو التناقض بين الملائكة والشيطان، ومجال الصراع دائمًا هو آدم وذريته) ص 149.
وهو تصوير موهوم، لم يرد فيه نص ولا يسانده دليل، والآيات القرآنية التي نقلت إلينا صورة ما حدث في عالم الغيب بخصوص قصة خلق آدم صوَّرت الوقائع على غير ما يذهب إليه الدكتور، وطالب الثانوية الأزهرية لا شك يعرف أن موقف إبليس مع رب العزة غير موقفه مع آدم وزوجه حواء، وأن الموقفين لا يعبران عن شيء واحد، وأن الموضوع في الموقفين مختلف، وأنهما ليسا تعبيرًا عن الصراع بين الخير والشر، ولا هما تناقضًا بين الملائكة والشيطان، ولم يقل أحد قبل الدكتور أن الإنسان هو مجال هذا الصراع الذي يتوهمه بين الملائكة (رمز الخير) والشيطان (رمز الشر).(1/95)
والدكتور بهذا التصوير يضع الإنسان في (جبرية) تجعله مجالاً للصراع بين الملائكة من جانب والشياطين من جانب آخر، وهو الأمر نفسه الذي سيفعله مع إبليس حيث سيضعه في (جبرية) من نوع آخر تجعله مجرد أداة لتنفيذ إرادة اللَّه، وكأنه لم يعص اللَّه، ولم يفسق عن أمر ربه، والخلاف والاختلاف واضحان بين موقف إبليس مع رب العزة، وبين موقفه مع آدم وحواء، فموقفه الأول، موقف عبد أبى أن يأتمر بأمر ربه، ففسق عنه، واستكبر أن يسجد لمن أمره اللَّه بالسجود له فكان مع الكافرين، وأصر على معصيته وطلب النظرة إلى يوم الدين فأبلغ أنها له، وشتان بين موقف كهذا، وبين موقفه الثاني مع آدم وزوجه حواء حيث يمارس للمرة الأولى (شيطنته) مع من أعلن عداوته له، وأقسم على أن يغويه وذريته عن أمر ربه.
إبليس في موقفه مع رب العزة هو في حالة عصيان وفسوق، وفي موقفه مع آدم وذريته هو في حالة عداء مستحكم ومحاولات دائبة ومستمرة ولحوحة منه لإثبات عدم أفضلية الإنسان عليه، وعدم صلاحيته للخلافة، وعدم جدارته لما حباه اللَّه به من تكريم وتفضيل، هكذا هو الأمر ببساطة وبوضوح، لا تهويم فيه ولا أوهام من مثل ما يقول به الدكتور، والحق أن التصور الإسلامي المستقى من القرآن والسنة يصور إبليس في موقع +الوسواس الخناس" الذي لا يملك على عباد اللَّه من بني آدم غير (الوسوسة) وهو نفسه سيقول لهؤلاء الذين اتبعوه يوم القيامة: + " سورة إبراهيم الآية (22).
والغريب أن الدكتور يعيد التأكيد ـ وبالعبارات نفسها ـ على الفكرة نفسها في الصفحة التالية مباشرة ص (105) مع إضافة جديدة تحمل الجديد من المغالطات فيقول: (على هذا يكون التشكيل الجديد للحياة ما أرادها اللَّه: صراعًا بين الخير والشر، وتناقضًا بين الشيطان والملائكة في شأن الحياة الإنسانية، وآدم وذريته موضوع الصراع وأدواته، وهم أبطاله أو ضحاياه)..(1/96)
هذا هو الإنسان في نظر الدكتور، موضوع لصراع بين الخير والشر، وأداة في التناقض بين الشيطان والملائكة وضحية لهذا الصراع وذلك التناقض، وهي صورة تخالف نظرة القرآن الكريم إلى الإنسان المخلوق المكرم جملة وتفصيلاً.
والحق أن الدكتور يعطي إبليس ما لم يقل به الأبالسة أنفسهم، ففي العبارة الأولى يقول أن موقفي إبليس مع رب العزة ومع آدم وزوجه حواء تحولا في النهاية إلى موقف واحد، وهو موقف الصراع بين الخير والشر، أو التناقض بين الملائكة والشيطان ومجال الصراع دائما هو الإنسان نفسه (آدم وذريته). ثم يعود فيقول في عبارته الثانية حول المعنى نفسه: (إن التشكيل الجديد للحياة ما أرادها اللَّه عبارة عن صراع بين الخير والشر وتناقض بين الشيطان والملائكة في شأن الحياة الإنسانية، وأن آدم وذريته موضوع هذا الصراع وأدواته أو ضحاياه).
وهو دمج بين (موقف إبليس) و (إرادة اللَّه) ـ حاشاه سبحانه وتعالى ـ لم نعرف له مثيلاً ولا في آراءٍ خرجت عن أمر اللَّه وشطت في الأوهام، وهو فرض لجبرية على أطراف هذا التشكيل الجديد، وما يهمنا هنا القول أن آدم وذريته هم موضوع هذا الصراع وأدواته أو ضحاياه.. فما أبقى الدكتور للإنسان من تكريم إذا كان مجرد موضوع للصراع بين أطراف خارجية عنه، وعن إرادته وعن قدراته وملكاته، ماذا أبقى الدكتور للإنسان غير كونه (ضحية) لصراع ليس طرفًا فيه؟!(1/97)
وليس في التصوير الإسلامي حول إبليس ما يفيد ما ذهب إليه الدكتور من أن الإنسان هو مجال الصراع بين الملائكة والشياطين والإنسان ليس مجالاً لصراع الشيطان على أنه طرف فيه والملائكة هم الطرف الآخر، كما يحاول الدكتور أن يقول، ولكن الشيطان للإنسان فتنة يقول اللَّه تعالى: + " سورة الأعراف الآية (27)، والأمر الواضح في القرآن أن اللَّه يبتلي الإنس بالجن والجن بالإنس، وأن من الإنس من نجح في ابتلائه، ومنهم من فشل، وأن من الجن مثل ذلك، فمنهم من نجح ومنهم من فشل في ابتلائه.
وكما فشل الدكتور في فهم حقيقة الابتلاء لكل من الإنس والجن، فقد فشل كذلك ـ وربما نتيجة لفشله الأول ـ في تفسير رفض إبليس للأمر الإلهي بالسجود لآدم، وقدم تفسيرًا قاصرًا على أن يحيط بالأسباب الحقيقية التي حركت تفسير رفض إبليس للأمر الإلهي بالسجود لآدم، وقدم تفسيرًا قاصرًا على أن يحيط بالأسباب الحقيقية التي حركت غيرة وحسد وحقد إبليس، ذلك أنه ميَّع بداية الجنس البشري، فجعلها ممتدة في الزمن، تسبق وجود آدم، واستطالت في تصوير الدكتور فترة التسوية ونفخ الروح فيه إلى ملايين السنين، حتى انتهت إلى إبادة البشر جميعًا، والإبقاء على زوجين منهما هما آدم وحواء، وهكذا تحول الأمر بالسجود إلى الاشتغال بالحفظ والموالاة، وهذا أمر أقل كثيرًا من أن يوقد نار الحقد والحسد والغيرة في نفس إبليس فتجعله يعصي اللَّه ويفسق عن أمره، ويعلن أفضليته على آدم بالأصل الناري.(1/98)
أما إذا استقام الفهم، وابتعدنا عن الوهم، سنجد أن إبليس ونتيجة اختيار اللَّه ـ سبحانه وتعالى ـ لكائن غيره لمكانة (الاستحقاق) في الأرض، تلك المكانة التي ترفع صاحبها فوق غيره من المخلوقات، مع قناعته بصلاحيته لهذه المكانة وأفضليته على الإنسان ـ حسب اعتقاده ـ من حيث أنه مخلوق مادي قابل للحياة في الأرض، ولم يكن معني أن تعطي القوامة في الأرض للإنسان إلا أفضليته عليه، ولم يكن الأمر بالسجود له إلا إعلانًا لهذه الأفضلية وتكريسًا لهذا التكريم.
فهم إبليس، ولم يفهم الدكتور الذي اتهمه بالغباء، حقيقة الأمر بالسجود بما يعنيه من قوامة الإنسان على الأرض وما عليها، وتفضيله وتكريمه عليه، وما كان الأمر بالسجود إلا الإذعان لذلك كله فأعلن إبليس العداء بعدما أبى السجود، واستكبر، فخرج من الإيمان إلى الكفر.
هذا هو موقف إبليس، وهو موقف استكبار واستعلاء وإباء ورفض الإقرار بخلافة الإنسان، وإعلان عداوته له إلى يوم الدين، وبدلاً من أن يطلب من اللَّه المغفرة، وبدلاً من أن يعطي نفسه فسحة من الأمل في مغفرة اللَّه، وبدلاً من أن يفتح لنفسه أبواب التوبة والأوبة إلى الإذعان لأمر اللَّه.. بدلاً من ذلك كله، اختار إبليس بملء إرادته بل وعن إصرار وترصد للإنسان أن يضحي بالآخرة في سبيل أن يمارس عداوته للإنسان فاختار الدنيا + " سورة الأعراف الآيتان (14 ـ 15)، ليكتمل ابتلاء آدم بإبليس، وابتلاء إبليس بآدم أو ابتلاء الجن بالإنس وبالعكس، وكان أول ابتلاء إبليس بآدم أن فضله اللَّه عليه وأمره بالسجود له فأبى واستكبر وأصر على عصيانه واستكباره فكان من المخرجين مطرودًا معلونًا منظورًا إلى يوم الدين، كما كان أول ابتلاء آدم بإبليس ووسوسته له بالأكل من الشجرة المحرمة فأخرجه وزوجه مما كانا فيه ولما تبين له تاب إلى ربه فتاب اللَّه عليه وهدى.(1/99)
وكما ابتلى اللَّه إبليس بآدم فاختار الدنيا فقد ابتلى اللَّه آدم وذريته بإبليس وجعله من المنظرين، أنظره اللَّه، وأعطاه ما طلب وما أراد + " سورة الشورى الآية (20)، هذا قانون رباني + " سورة آل عمران الآية (145)، فالدنيا لمن يختارها وبالتحديد بعض الدنيا لمن يختارها، وبتحديد أكثر، بعض الدنيا لمن يشاء اللَّه ممن يختارها، والآخرة لمن يختارها، وهذا هو الفوز العظيم، وأكثر من هذا + " هذا قانون رباني يسير على المبتلين جميعًا إنسًا وجنًّا.
* حضور الملائكة *
لا ريب عندنا في حضور الملائكة وإبليس الأمر بالسجود لآدم، والآيات لا تترك فرصة لتأويلات فاسدة، وأوهام مظنونة مثل ما يتوهم الدكتور وهو حضور يحفظ للَّه العلي القدير مقامه، ويناسب حضور الملأ الأعلى على هيئة لا نعلمها ولم يذكرها لنا اللَّه، ولكن القرآن والأحاديث النبوية الشريفة حدثانا عن الملأ الأعلى إذ يختصمون، بشأن النبأ العظيم الذي هو خلق آدم واستخلافه والسجود له وباقي ما قص علينا القرآن بشأن قصة البشر الأولى في مواضعها المقصودة بالقرآن.
وحديث اختصام الملأ الأعلى معروف، أخرجه الإمام أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، قال: وسألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا فقال: هذا حديث حسن صحيح والآيات التي تحكي شطرًا من قصة خلق آدم في سورة (ص) تبدأ الحديث بالآيات: + " الآيات من (67 ـ 71).
ويورد الدكتور أقوالاً مختلفة المصادر وكلها تجمع على أن السجود وإن اختلفت هيئاته إلا أنه يجمع بين التكريم لآدم وذريته والخضوع وخفض الجناح والإقرار بالفضل، ولكنه كعادته في الخروج على ما استقر عليه رأي المفسرين يؤكد أن (الموقف لم يكن بحاجة إلى هذا العناد لتفسير السجود بالتذلل أو خفض الجناح أو الإقرار بالفضل) وإذا سألته لماذا يا دكتور؟ وعن أي عناد تتحدث؟ سيقول لك: (لأن الموقف كله مبني على التصور القديم). وما هو هذا التصور القديم؟(1/100)
يقول لك: (التصور الذي يرى الموقف محصورًا في اللحظات التي انبهرت فيها الملائكة بدبيب نفخة اللَّه في جسد آدم)، وما تأخذ عليه يا دكتور؟
يجيبك: (هو تصور تبين قصوره عن فهم الموضوع في ضوء معطيات العلم، واحتمالات النصوص القرآنية). ولنا هنا وقفات أخرى!
أولاً: يتعامل معنا الدكتور باعتبارنا سلمنا له بسقوط ما يسميه التصور القديم، ثم يبني على ذلك نتائج ولم يضع في اعتباره موقف الرافضين لاجتهاده، بل راح يفرض على الجميع نتائج غير صحيحة على مقدمات لم يثبتها.
ثانياً: هذا الحديث عن التصور القديم القائم على اللحظات التي انبهرت فيها الملائكة بدبيب نفخة اللَّه في آدم لم يقل به أحد، بل إن القرآن ذكر سجود الملائكة بعد ذكره + " سورة البقرة الآية (31) ثم قال: + " سورة البقرة الآية (34)، ما يعني أن القرآن لا يقول أن السجود تم عقب دبيب نفخة الروح في آدم، والدكتور تعوَّد على أن يخترع تصورات ويروح يحاربها بإصرار!.
ثالثًا: ونتيجة أخرى يصل إليها الدكتور في رفضه لمعنى السجود الوارد فيما يسميه التصور القديم، وهي أنه تبين قصور هذا التصور عن فهم الموضوع في ضوء معطيات العلم واحتمالات النص القرآني وَهْمٌ من الدكتور لم يثبت حتى الآن علمًًا وتفسيرًا. إذن ما معنى السجود؟
* معنى السجود الموهوم *
يقول الدكتور: (سجود الملائكة لآدم كان يعني تكليفهم بحياطة الحياة الإنسانية، ابتداءً من آدم، وهو تكليف ماض إلى يوم القيامة، تتولى الملائكة فيه المحافظة على بني آدم وإلهامهم الخير، طبقًا لمشيئة اللَّه سبحانه في مقابل ما توعد به إبليس آدم وذريته من الغواية والهيمنة والتضليل).(1/101)
ويعود الدكتور فيقول من جديد: (فالملائكة هم بموجب أمر السجود، أحد طرفي المعادلة في الحياة الإنسانية، التي قامت على الصراع بين الخير والشر) وهذا المعني للسجود الذي يتبناه الدكتور جعله يخلص إلى القول: (على ذلك سجد الملائكة، ومازالوا ساجدين لآدم ولبني آدم وهذه هي الكرامة التي كفلها اللَّه لهذه الذرية المصطفاة من خليقته البشرية) (ص 147 ـ 148).
ولما لم يكن الدكتور موفقًا في اختيار أفكاره، فقد جانبه الصواب في اختيار ألفاظه، فيقول: (فلما شذ إبليس في موقفه، وأعلن رفضه لأمر اللَّه صار علمًا على الشر، في مقابل استجابة الملائكة الذين صاروا أعلامًا على الخير) والعبارة تحمل الكثير من المعاني والألفاظ التي جانبها التوفيق، والذوق السليم يكتشف ما فيها من عوار، وأغلاط، وما نريد التركيز عليه هنا القول: (إن إبليس صار علمًا على الشر، وأن الملائكة صاروا أعلامًا على الخير)، ذلك أن دور الملائكة طبقًا لمفهوم السجود الذي يقدمه الدكتور يتلخص في الآتي: * حياطة الحياة الإنسانية.
* إلهام آدم وذريته الخير. * أنهم طرف في معادلة الحياة الإنسانية.
* هم الطرف الممثل للخير في مقابل إبليس الطرف الممثل للشر.
واستلزم ذلك أن يبقوا ساجدين لآدم وذريته حتى يوم القيامة فمعنى الأمر بالسجود لآدم عند الدكتور هو (موالاته وذريته) وهذه الموالاة تعني الاشتغال بحفظ آدم وذريته إلى يوم القيامة، والعمل في خدمتهم، وقد قَبلَ الملائكة هذا المعنى للسجود بأن يعملوا في خدمة الإنسان، ورفض إبليس أن يكون في خدمة الإنسان، وصار عدوًا لبني آدم.
كما أن الأمر بالسجود لآدم لم يكن في رأي الدكتور يعني أفضليته، بقدر ما كان يعني إرادة تنظيم الحياة الجديدة على أساس من تعاون المستويات الخلقية الثلاثة: النور والطين والنار (الملائكة والبشر والجن) وخضوع الجميع لإرادة اللَّه وأمره.(1/102)
ورغم ما في هذا من تجرؤ على اللَّه ـ عز وجل ـ حين يفسر أمر اللَّه لملائكته بالسجود بأنه يعني إرادة تنظيم الحياة الجديدة على أساس من التعاون بين الملائكة والجن والناس، وهو مالم يقل به أحد من العالمين!
يقول الدكتور ـ سامحه اللَّه ـ: (إن الأمر بالسجود يعني إرادة تنظيم الحياة الجديدة على أساس التعاون بين الملائكة والجن والناس) وفي موضع آخر يقول: (على هذا يكون أساس التشكيل الجديد للحياة كما أرادها اللَّه؛ صراعًا بين الخير والشر وتناقضًا بين الشيطان والملائكة وآدم وذريته) وكأن هناك إرادتين للَّه ـ عز وجل ـ إرادة أولى بالتعاون بين الملائكة والجن والناس، وإرادة أخرى بين هذه المخلوقات، وحاشا للَّه أن ينسب إليه مثل هذه الأقوال الساقطة، فالمولى ـ عز وجل ـ إذا أراد شيئًا كان، ولا تكون له إرادتان، ولا تتوقف إرادته على غيره ـ سبحانه وتعالى علوًا كبيرًا عما يصفون.
ثم إن أي مفهوم للسجود لابد ألا يخرج عن المفهوم اللغوي للكلمة، ذلك أن اختيار هذا اللفظ بالذات ـ كسائر ألفاظ وآيات القرآن الكريم ـ ليس إلا لما فيه من مدلولات ومستلزمات متضمنة لمستلزمات ومدلولات السجود، وسواء كان السجود بالمعنى المعنوي أو بالمعنى المادي فإن القاسم المشترك هو كون السجود فيه معاني الخضوع والذل والطاعة.
(والسجود) لو أنه جاء بمعنى مجازي فليس فيه ما يفيد (الموالاة) ولا ما يفيد (الحفظ) أو (الاشتغال بالحفظ) كما يقول الدكتور، وكل معاني السجود لا تدل إلا على الخضوع والذل من ناحية، أو التكريم والتبجيل والاعتراف بالأفضلية من ناحية أخرى، والحق أن الملائكة استجابوا لأمر ربهم بالسجود لآدم طاعة واعترافًا بما ظهر من مزيته عليهم إذ علم مالم يعلموه.
ويقول أيضًا فضيلة الشيخ / محمد حماد:(1/103)
إذا كان الدكتور يأخذ على كتب التفسير أنها تجافي العقل وتتصادم مع معطيات العصر الحديث وتمتلئ بالإسرائيليات والخرافات، فهو بهذا أخرجها من ساحة الموضوع الذي يناقشه، وهنا يبرز السؤال الأول: على أي أساس إذاً سيكون اعتماد الدكتور في استخراج المعنى القرآني الذي يؤكد أن كتابه لم يخرج عنه قيد أملة؟ وإذا كان بحث الدكتور يقوم على ركيزة الآيات المنزلة بعدما استبعد كتب التفسير وأقوال الأقدمين فالمرشح أنه سيتولى بنفسه تفسير الآيات القرآنية، وهنا يبرز سؤال آخر: ألم يكن يحسن بالدكتور أن يتواضع قليلاً أمام الأخذ بالرأي في تأويله لكتاب اللَّه، ولا يسارع بالقول إن السِّرَّ انكشف، والرؤية انجلت بعد أن خفيت عن بصائر ذوي التمييز، أو أن ما توصل إليه كان قد خفي عن أجيال العلماء من قبل سواء القدماء منهم أم المحدثون؟!
وإذا كان الدكتور قد استعان بالقليل من الأحاديث لجلاء المعنى القرآني فهل صحيح أنه لم يتناقض فيما ذهب إليه مع أي حديث صحيح سواء كان ذلك نصًا أم تأويلاً؟ ويكبر السؤال داخلك: على أي أساس استند الدكتور فيما ذهب إليه؟ وعلى أي ضوء اكتشف الدكتور جوانب الموضوع الذي خاض فيه رغم ما يكتنفه من غموض وغيبيات؟
* مقدمات بلا نتائج *(1/104)
يقرر الدكتور جملة من المقدمات لا يرتب عليها نتائجها الطبيعية، بل يخالف المقدمات التي ساقها بنفسه استمساكًا منه بأوهام لم يبلغ منها إلا ليّ عنق النصوص القرآنية حتى تقول ما يقول به، ويصور الدكتور نفسه (مجتهدًا) في قضية قصر فيها اجتهاد من يسميهم بالأقدمين عن التوفيق بين العلم وبين النص، رغم أن ما يسميه (علمًا) لم يتوصل إليه البشر إلا في القرن السابق، وهو بهذا يتهم علماء المسلمين من المفسرين والفقهاء وذوي الرأي والاجتهاد بتهمة لم يقترفوها، فالعاِلم أو المفسر الذي اجتهد رأيه في تفسير النص القرآني قبل قرون عدة لم يكن ليقف على ما توصلت إليه العلوم الحديثة والتي جاءت من بعده من مثل ما اعتمد عليه الدكتور في استنطاق النص القرآني توفيقًا بينه وبين ما توصلت إليه علوم الجيولوجيا والانثربولوجيا من نظريات بعضها ثابت وأكثرها لا يزال فروضًا لم يثبتها العلم.
أليس من الظلم أن يأخذ الدكتور كتب التفسير وعلماء الإسلام بتهمة مجافاة العقل، ويزيد عليها تهمة أخرى هي التصادم مع معطيات العصر الحديث؟
عن أي عقل يتحدث الدكتور؟ وهل مطلوب أن يجتهد المجتهد لعصره وللعصور التي تجيء من بعده؟ أليس من الافتئات على مكانة علماء المسلمين وعلى اجتهاداتهم بالحكم عليها بما توصل إليه العلم الحديث من نتائج؟ وهل المطلوب أن يجتهد عالم مثل الدكتور الآن، فيأتي اجتهاده موافقًا لنتائج ستتوصل إليها العلوم في قابل الأيام والأزمان؟
ورغم أننا نعيد التأكيد ولا نمل من القول إن الدكتور يتهم ويحاكم ويحكم على علماء المسلمين وكتب التفاسير على أساس (فروض ظنية) لم يثبتها العلم حتى الآن، إلا أننا نتساءل كيف يحاسب الدكتور هؤلاء العلماء وكتب التفاسير على أساس ما جاء بعدهم من علم؟(1/105)
ورغم أن الدكتور يقول إن الأجيال تتفاوت في فهم (النص) المقدس وهو ما جعل الفكر الديني بخصوص بدء الخليقة مناقضًا للعلم، إلا أنه يرجع إلى القول إنه لا سبيل إلى تحقيق اللقاء بين الفكر الديني القديم وبين العلم.
وهي قضية غريبة، فالفكر الديني القديم ثابت والعلم متغير، يأتي كل يوم بجديد، فكيف يلتقي ما هو ثابت بما هو متغير؟ فهل مطلوب من الفكر الديني أن يبقى أبد الدهر مواكبًا لكل علم جديد؟ وهل هذا مما يؤخذ على العلماء والمفسرين السابقين؟
ونحن لا نلتفت بجدية إلى ما أورده الدكتور في كتابه تحت عنوان (النظرة العلمية) فهو استقى نظرته العلمية من كلام الجرائد، ومن بعض المصادر غير المتخصصة، ولم يطلع على مئات الأبحاث والآراء والفروض العلمية التي تملأ كتب الباحثين الجادين في مجال العلوم الجيولوجية والأنثروبولوجية.
ما يهمنا هنا هو تلك المقدمات التي ساقها الدكتور بخصوص (النظرة العلمية) لموضوع بحثه، ولم يرتب عليها ما رتَّبه من نتائج، فالدكتور يسلِّم أولاً بأن المعطيات الحالية ليست حقائق مطلقة، بل هي عبارة عن رؤى نسبية، ويسلم ثانيًا أن ما قال به العلماء في هذا الخصوص لا يبلغ أبدًا مرتبة اليقين العلمي، ويسلم ثالثًا بأن المعروض من آراء حول بدء الخليقة هو جملة من النظريات المشتجرة والمتعارضة وهي كلها تؤكد نسبية المعلومات التي تضمنتها، ويسلم رابعًا بأن الآراء تضاربت حول توقيت وجود الإنسان على الأرض، ولا توجد حوله حقيقة مطلقة، وأن كل الآراء نسبية وأنه لا سبيل حتى الآن إلى معرفة متى بالضبط كانت البداية، ثم هو يسلم أخيرًا بأن التناقض بين القرآن وما توصل إليه العلم مستحيل، وإنما يأتي التناقض من جهة أن العلم لم يستقر بعد على برِّ الحقيقة الكاملة، وأنه مازال في إطار النظريات الظنية.
* فتنة الأرقام *(1/106)
إذن ما المشكلة؟ ما المشكلة يا دكتور إذا كان العلم لم يصل إلى ما هو يقيني، والموضوع لا يزال في إطار النظريات غير المثبتة؟ ومن يدلنا على القضية التي نذر الدكتور نفسه لها وأنفق من عمره 25 سنة ليحلها؟ وأين التناقض بين النص والعلم، إن لم يكن هناك (علم يقيني) وإن لم تكن هناك حقائق ثابتة، وإن لم يكن هناك غير نظريات مشتجرة، ورؤى نسبية؟!
الدكتور يوفر على ناقديه مؤونة الرد على ما أسماه بالنظرة العلمية، لأنه ساقها بأسوأ سياق، ولم يستوف الحديث فيها كما كان ينبغي، واعتمد على مصادر أقل ما يقال عنها أنها لا تصلح لإقناع صبي لم يبلغ الحلم، ونقل كلامًا عن مصادر لا قيمة لها في موضوعها، وأخطأ في النقل عنها، حتى إنه اعتبر عصر جيولوجيا (الكمبري) يبلغ (71) مليار سنة، رغم أن أوسع التقديرات لعمر الأرض لا تبلغ به أكثر من 5 مليارات سنة، بفارق (65) مليار سنة عن تقدير الدكتور!
والدكتور تأخذه العزة بالإثم فيرد بالقول إنه إذا كان العد بالمليارات من السنين فلا فرق بين (5) مليارات سنة و (65) مليار سنة، وهذا كلام أقل ما يقال فيه أنه كلام فارغ، ولا يقول به علم، ولا يَتفوَّه به عالم، والأغرب أن الدكتور تولى بنفسه هدم تلك الأقوال، واعتبرها بكلام صريح لا لبس فيه: متضاربة ولا تمثل الحقيقة العلمية، ولم تستقر على سَبْرِ (كشف) الحقيقة، ومازالت في طور الفروض النظرية وأنه لا توجد بهذا الخصوص حقيقة مطلقة، ولن يثبت في ذهنك شيء مما يمكن أن يقال عليه إنه حقيقة علمية، وستبقى تسأل: ما المشكلة إذن؟!
ولكن الدكتور لن يسلم هكذا بسهولة وسيعود ليعلن وقوفه ضد هؤلاء الذين لم يشعروا بالصدمة حين اتضحت بالأرقام المسافة الزمنية الهائلة بين معطيات الخرافة، وتقديرات العلم لآماد ما قبل التاريخ، وأبعاد الحياة البشرية!(1/107)
ولن يقول لك الدكتور ما هي معطيات الخرافة التي يتحدث عنها، ولكنه سيعترف باختلاف العلماء في تقدير هذه الآماد لما قبل التاريخ، ويقول إنه اختلاف يعني أن الأزمنة السابقة التي بدأت خلالها أحداث الخلق، سواء في ذلك خلق الأرض، أو خلق الحياة بأنواعها عليها، يستحيل تقديرها على وجه التحديد واليقين، وإنما تستخدم الأرقام للتعبير عن المدى الهائل الذي يعجز الإنسان عن الإحاطة به، أو إدراك مداه، ويعود الدكتور ليؤكد أن هناك علماء مفتونين بالأرقام يطلقونها على سبيل التحديد فيقولون منها مثلاً إن الأرض خلقت منذ كذا، لا منذ كذا، وبلغ الأمر ببعضهم أن وصف السابقين عليه بأنهم جهَّال، ومزيفون وبأن تقديره هو الأدق، ويحار الدكتور في مناقشة مثل هذا الموقف الذي يقول إنه (لا يحوي دليلاً واحدًا على صدق مضمونه) ويؤكد أنها (فتنة الأرقام الجيولوجية)!.
هذا كلام الدكتور بنصه، فعلام يعتمد؟ أيعتمد على علماء مفتونين بالأرقام، وبيني فكرته التي ما أنزل اللَّه بها من سلطان على (فتنة الأرقام الجيولوجية)، وفروض لا دليل واحدًا على صدقها، أم هل يعتمد الدكتور على كلام وأرقام يصفها بعض العلماء بأنها كلام جُهَّال ومزيفين، أم يعتمد على الموقف الذي لا يحوي دليلاً واحدًا على صدق مضمونه.
أيعتمد الدكتور على ما قاله هو عن دلالته إنها (دلالة ظنية) ليفسر به ما هو (قطعي الدلالة) من مثل قوله تعالى: + " سورة آل عمران الآية (59)، ولكن الدكتور لن يتركك تأخذ عليه مثل هذه المآخذ، فيعود ليؤكد أن القرآن يقدم الحقيقة النهائية في الموضوع، وأن المشكلة ليست في (النص) ولكنها في (التأويل) وهكذا يعاود الدكتور مرة أخرى تلفيق المشكلة من جديد، ويلصقها بما استخرجه الفكر الديني من (النص) وأن هذا الفكر هو الذي يبدو مناقضًا للعلم وأنه لا لقاء بينهما.!(1/108)
والمشكلة عند الدكتور في الفكر الديني ومرة أخرى يعود إلى التفاسير، كأن بين الدكتور وبينها كلها ثأرًا، يدور ويلف ويروح ويجيء ولا تبقى في يده غير قضية واحدة (الفكر الديني القديم أو كتب التفاسير) لم يبق للدكتور كلام فيما هو علم، فراح يصارع كتب التفسير، وستثبت اللجنة المشكلة من مجمع البحوث الإسلامية للنظر في كتاب الدكتور إنها (لا ترى فيما كتبه المؤلف محاولة للتوفيق بين العلم والدين) ليس لأنه لا يوجد خلاف بينهما، ولكن لأن الدكتور لم يقل لنا ما هو هذا العلم؟ وكل ما فعله الدكتور في رأي لجنة مجمع البحوث الإسلامية أنه (قدم اجتهادا منه في فهم النص القرآني).
يُقضى على المرء في أيام محنته … حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسن
والمعصوم من عصمه اللَّه وحال بينه وبين الباطل ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العليِّ العظيم.
لم يكن الأمر يحتاج إلى كل هذا العناء في الكلام عن علم ليس بعلم، ولا كل هذا العناء في قدح الأقدمين دون تقديم رؤية نقدية حقيقية لما قدموا من إسهام فيه الكثير الذي يحسب لهم، وفيه ما يحسب عليهم، أخطأوا تقديره وحازوا أجره، بعبارة أخرى لم يكن الموضوع الذي عكف عليه الدكتور 25 سنة هو التوفيق بين العلم والنص، وأن ما قدمه الدكتور هو اجتهاد في فهم النص، اجتهاد في مواجهة اجتهادات أخرى، تلك التي نحسُّ على طول الكتاب أن بينه وبينها ثأراً مبيَّتًا، والسبب أنه صاحب رأي خالف ما قالوه فراح يلصق بهم كل التهم ليفسح لرأيه مجالاً بين أنقاض الآراء التي سبقته.(1/109)
وكل ما فعل الدكتور ـ كما يقول ـ أنه استنطق النص ليلتقي القرآن بالعلم (الظني) وبعبارة أكثر وضوحًا حرص الدكتور على تقديم مالم يثبت علميًّا على ما استقرت عليه كل التفاسير للقرآن الكريم، بل قام بعملية جرٍّ للنص إلى ساحة علم غير ثابت حتى يوافقه، وللأسف فإن كل ما فعله الدكتور أنه نقد علم المتقدمين، ولم يذكره وتشبث بعلم المحدثين ولم يتعلمه واعتمد على كلام جرائد في موضوع فيه العشرات بل المئات من المؤلفات منها الغث ومنها السمين، فلم يطلع الدكتور لا على هذا ولا على ذاك..!
* شاهين وداروين *
تقول نظرة الدكتور العلمية: إن الحياة بدأت على الأرض منذ مئات المليارات من السنين، وقد سبقت خلق الإنسان بآماد طويلة يصعب تحديدها، «مع أن أقصى تقدير للعلماء لعمر الأرض لا يزيد على بضعة مليارات لا أكثر»، فمن أين جاء الدكتور بأن الحياة بدأت على الأرض منذ مئات المليارات من السنين؛ إلا إذا كانت الحياة بدأت على الأرض قبل أن تخلق الأرض نفسها وهي نظرية يتفرد بها الدكتور ولم يقل بها عالم أي عالم.
ويشير الدكتور إلى أنه في حقب الحياة العتيقة والمتوسطة والحديثة، أي إلى ما قبل (500) ألف سنة يعتبر وجود الإنسان فيها غامضًا ويمكن أن تصور وجوده في شكل مخلوق فطري (خام) كالحيوان يستخلص إدراكات شتى من الأحاسيس المختلطة التي لا تحصى (نقل ذلك الدكتور عن كتاب اللغة مندريس / (12/32) وهذا يعني أن الإنسان له أصل حيواني، وهو اعتراف من الدكتور ـ سواء علم أو لم يعلم بنظرية التطور لداروين. !(1/110)
وقبل المليون سنة تقريبا وجدت بقايا لكائنات شبيهة بالإنسان مثل جنس (أوسترالويشكس)، والذي وجدت بقاياه في إفريقيا، وانتشر في عصر (البلايستوسين) المتوسط عبر معظم قارات العالم، وبعد ذلك وجدت بقايا ما يعرف بإنسان (بكين) وإنسان (جاوه)، وإنسان (هيدلبرج) وإنسان (نياندارثال)، وإنسان (ردويسيا) وإنسان (سوانكومين) ويختار بعض العلماء من بين هؤلاء الأناس، إنسان (هيدلبرج) باعتباره الحلقة الوسطى بين الإنسان الذي يتكلم والحيوانات التي تصيح، أما الإنسان (النياندراثال) فيظهر أنه كان ذا مبادئ فكرية من اللغة (مرة أخرى ينقل الدكتور من كتاب اللغة مندريس) ص (23) وكل هؤلاء الأناس وجوه مختلفة لمخلوق واحد، كان ينتقل من مرحلة إلى مرحلة في تسوية الخالق له، فكلما مضت مرحلة من التسوية تغيرت بعض أوصافه، وأفرده الباحثون في الجيولوجيا (والأنثربولوجيا) بتسمية، وأول كائن كانت له المميزات التشريحية للإنسان المعاصر، وله صفاته من الذكاء والقدرة على التعبير عن نفسه (إنسان كروماتيون) والذي وجدت بقاياه في جنوب فرنسا في كهوف ترك آثاره على جدرانها رسومًا لبعض الحيوانات التي اصطادها يتضح منها أن هذا المخلوق تمتع بقدر من الذكاء يربطه بالإنسان الحالي.
ويلخص الدكتور المدى الزمني للتطور الذي جرى على الإنسان فيما يسميه عملية التسوية فيقول: (إن النماذج التي عثر عليها من بقايا الإنسان على الأرض تمتد كما رأينا منذ ما قبل مليون سنة، هي تؤرخ لمسيرة هذا المخلوق حتى عهدٍ قَدَّره العلماء بخمسة وثلاثين ألف سنة) (ص 36) ويذهب إلى أن خلق الإنسان كان إرادة سابقة أزلاً على وجود الأرض ذاتها، أي قبل مليارات السنين، ثم كانت الأرض، وكان ما مر بها من عهود سحيقة يعجز العقل عن تصورها، هو التمهيد الإلهي الباهر لظهور السلالات البشرية.(1/111)
وما يمكن أن تستخلصه من كلام الدكتور أنه يقول بالتطور في النوع الواحد، ولا يخالف (داروين) إلا في أن النوع البشري مخلوق من طين، هكذا ستجد أن الدكتور راح يلهث وراء ما تقوله الأحافير رغم أن النظريات التي بنيت عليها مختلفة، وتتباين إلى حد التعارض، وينفي بعضها بعضًا ويجهِّل بعضها البعض الآخر، وهي كلها لم تستقر على حقيقة علمية يمكن الركون إليها، وإلى النظر في كتاب اللَّه وتفسير آياته من خلال ما تثبته هذه الحقائق من جديد لم يكن يعرفه إنسان من قبل.
والشاهد أنه لا الحفريات ولا النظريات التي بنيت عليها ـ وهي كثيرة كما قلنا ومتناقضة ـ تصلح لكي يقيم عليها الدكتور أفكاره وتأويلاته لآيات القرآن الكريم، فهي فضلاً عن تناقضها لا ترقى إلى مرتبة الحقيقة العلمية، بل هي لا تزال في مجال التخرص والظنون.
كما أن كل النظريات التي بنيت على ما تقوله هذه الحفريات ترمي إلى إثبات نظرية التطور الداروينية التي بدا من الكتاب أن الدكتور يرفضها، وإن لم يوضح الفرق بين ما يقوله وبين ما تخلص إليه النظريات باختلاف مدارس الذين تبنوها وطوروها حتى الآن.
وتستمر الردود المفحمة لفضيلة الشيخ محمد حماد، فيقول:
أخفى الدكتور علمه بالكثير من الأحاديث، أو أظهر جهله بهذه الأحاديث التي تتعلق ببدء الخلق وهو في الحالتين مُدانٌ: فإخفاء العلم بهذه الأحاديث يجعله مرتكبًا لجرم اتباع الهوى والظن، وإعلاء الرأي المسبق فوق الأثر المثبت، حتى ينتصر لرأيه، ولو كان يخالف ما علمه من صحيح الأثر حول الموضوع، وإظهار الجهل بهذه الأحاديث يجعله مرتكبًا لجرم أعظم هو أنه لم يستوف الأقوال الواردة في موضوع بحثه وهو بهذا يجافي أي منطق علمي، ويتنكب عن طرق البحث العلمي ويحكم بالأهواء ويفرض على البحث فروضه النظرية السابقة، وهو بهذا بحث في الجهل، وجهل في البحث وليس من العلم في شيء.(1/112)
ونحن نلوذ بالدكتور إلى الفرض الثاني، إلى أنه لم يستوف بحثه ولم يبحث فيه حق البحث ولم يطالع ما كتب في موضوعه وفسر القرآن برأيه، وفي رأينا أننا نفترض حسن النية فيه حتى لا يقع في المحظور، ولا ننفي عنه ارتكابه لجرم التفسير بالرأي رغم أنه لاشك يعرف أن تفسير القرآن بالرأي والاجتهاد نوعان: ممدوح ومذموم، والأول مقبول والثاني مردود.
فالممدوح المقبول: هو التفسير المبني على المعرفة الكافية بالعلوم اللغوية، والقواعد الشرعية والأصولية: أصول الدين وأصول الفقه وعلم السنن والأحاديث، ولا يعارض نقلاً صحيحًا، ولا عقلاً سليما، ولا علمًا يقينيًا ثابتًا مستقرًا، مع بذل غاية الوسع في البحث والاجتهاد والمبالغة في تحري الحق والصواب وتجريد النفس من الهوى، ومع مراقبة اللَّه غاية المراقبة في كل ما يقول.
وأما التفسير المذموم المردود: فهو إما التفسير من غير تأهيل له بالعلوم التي لابد منها للمفسر، أو التفسير بالهوى والاستحسان أو التفسير المقصود به تأييد المذهب الفاسد، والرأي الباطل، أو تفسير المتشابه الذي لا يعلمه إلا اللَّه.
ولاشك أن ما ذهب إليه الدكتور في (أبي آدم) هو من قبيل التفسير بالرأي وللأسف نقول أنه تفسير بالرأي المذموم والمردود، ما يجعلنا نقول مطمئنين إن الرجل يفسر كتاب اللَّه برأيه، وإن (الإسرائيليات) لم تكن هاجسة، ولا هي كانت دافعة إلى كتابة ما كتب، إنه هو نفسه استند إلى ما قالت عنه كتب العلماء الثقات إنه من (الإسرائيليات) الموضوعة والخرافات المبثوثة في كتب التفسير.
ومن أكبر سقطات الكتاب أو الدكتور أنه يستسهل إصدار الأحكام العامة، من دون بذل جهد في درس ما يصدر عليه أحكامه القاطعة، ولا بذل عناية في الاطلاع على أصول ما يتناوله بالنقد، فهو سريع النقد، سهل الرفض لكل ما يخالف (فكرته) العمياء حتى لو كان من الأحاديث الصحيحة، أو التي صححها بعض كبار علماء الحديث.(1/113)
ويقول أيضًا فضيلة الشيخ / محمد حماد: إن الدكتور رأى رأيًا يريد له دليلاً، وبدلاً من أن يقوده الدليل إلى الرأي، أراد أن يقود رأيه إلى أدلته التي يختارها إثباتا لرأيه.
ونلاحظ أن الدكتور اخترع مشكلة، مثلما فعل في كتابه (أبي آدم) بالضبط، أسماها العلة في تحديد عدد الكواكب المذكورة مع الشمس بأحد عشر كوكبًا، وليزيد المشكلة تعقيدًا أضاف أن علم الفلك القديم لم يكن يعرف مع الشمس والقمر سوى ستة كواكب هي: المريخ وعطارد الزهرة والمشتري والأرض وزحل، ومن أجل المزيد من تعقيد المشكلة عاد إلى القول: هل زاد عددها في الرؤيا زيادة أسطورية، ومن ثم يتطرق الخلل إلى مضمون القرآن في الظاهر؟
وراح يضع أساسًا للحل الذي رآه مسبقًا للمشكلة التي اخترعها، واعتمد على الأثر، والدكتور ينتصر إلى فروض نظرية لم تثبت، ونظريات لم تتحول إلى حقائق، ليصادمها مع الثابت عن طريق النقل بدعوى أن ما وردنا بهذا الخصوص لا يواكب ما توصلت إليه البشرية من معارف وعلوم.(1/114)
كانت الأمانة العلمية تقتضي أن يعرض لنا الدكتور موضوع الخلاف من زوايا النظر المختلفة التي تناولها، ولاشك أن الدكتور معنا ومع ما أثبته علماؤنا الأجلاء من أن أحسن ما يكون في حكاية الخلاف، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن ينبه على الصحيح منها ويبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته، لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته فيشغل به عن الأهم، فأما من يحكي (خلافًا) في مسألة، ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو (ناقص) إذ قد يكون الصواب في الذي تركه، أو يحكي الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، فإن صحَّح غير الصحيح عامدًا فقد تعمد الكذب، أو جاهلاً فقد أخطأ، كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالاً متعددة لفظًا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين في المعنى، فقد ضيع الزمان، وتكثير بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثوبي زور.(1/115)
والدكتور فعل ذلك وأكثر، فلبس ثوبي زور وعمامة مزورة، فهو لم يستوعب الأقوال فيما أقدم عليه، وهو لم يأخذ بالصحيح منها لأنه يخالف ما يصرُّ عليه، وهو أطال النزاع فيما فيه أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإما أنه جهلها أو تجاهلها، وكلا الأمرين شر من الآخر، وهو عمم الرأي، وأطلق الأحكام بدون برهان، وصحح غير الصحيح عامدًا وترك الصحيح جهلاً أو تجاهلاً، وأقام الخلاف فيما لا طائل من ورائه، ولا فائدة ترجى من تحته وتجرأ على كتاب اللَّه فيما أسماه (استنطاقًا للآيات)، فأنطقها بغير ما تقول به، وهو فوق ذلك وقبله لم يذكر لنا مصدرًا واحدًا معتبرًا يأخذ بالفكرة التي أقام الدنيا عليها ولم يقعدها، وهي فكرة الزمن المحدد لخلق الكون وخلق الإنسان، والحقيقة أن الدكتور لن يجد مصدرًا واحدًا معتبرًا يلزم المسلم بمقدار محدد من السنين لخلق الكون أو خلق الإنسان، ولن تجد في القرآن يلزم المسلم بمقدار محدد من السنين لخلق الكون أو خلق الإنسان، ولن تجد في القرآن ولا في الحديث ولا في الفكر الديني ما يشير صراحة إلى إجابة بالسنين عن سؤال بدء الخلق، سواء كان خلق الكون أو خلق الإنسان.
ستجد الخطأ حيث أفتى برأيه، واختلافنا الأول هو مع صلب منهج الدكتور القائم على (استنطاق الآيات القرآنية) والاستعانة بالقليل من الحديث الشريف.
اعترف الدكتور بعدم الاعتماد على الأحاديث، وهو اعتراف يجعله فيما لو صح وانعقدت عليه عزيمته منكرًا للمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم والغريب أن واحدًا مثل الدكتور يعلن هكذا دون وجل عن أنه لن يعتمد إلا على القليل من الأحاديث النبوية الشريفة.
والحق أن اضطر إلى هذا الاعتراف حتى لا يواجه من أول لحظة بمثل حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ «كلكم لآدم وآدم من تراب» وحتى لا يساق إلى ما رواه البخاري من أحاديث صحيحة في هذا الباب.(1/116)
ويقول أيضًا فضيلة الشيخ / محمد حماد: تلاعب شاهين بقواعد اللغة المستقرة لكي يصل إلى إثبات فكرته الموهومة، فهو يلعب مع اللغة ألعابًا لا يعرفها إلا الحواة في (السيرك) حيث يخرج (البهلوان) البيضة من أنف أحد المتفرجين، فعندما يكون الخطاب موجهًا بوضوح إلى (البشر)، وبلفظة (البشر)، يقول إن المقصود هو (الإنسان) في عمومه، وعندما يتصور أننا نسينا يعود ليذكر أن القرآن لم يوجه الخطاب مطلقًا إلى (البشر)، وهي بهلوانية في استنطاق الألفاظ بما لا تدل عليه، وكل هدفه أن تقول الآيات ما يريده لها أن تقوله خدمة لرأيه، وهوى تلبسه، ووهم توهمه، فأعماه عن الحق المبين.
ويتوهم كذلك عن خلق آدم من سلالة بشرية جرت عليها عمليات التسوية والنفخ من روح اللَّه على مدار ملايين السنين قبل أن يكون الإنسان الذي تسجد له الملائكة، والإنسان الذي يدخل بوابة الزمان ويبدأ حضوره وحضارته على زعم الدكتور.
وكان الدكتور يقصد أن (البشر) الذين هم آباء آدم كانوا خارج بوابة الزمان، وأن آدم وحده هو الذي تسنى له دخول هذه البوابة، ولكن ألا يحق لنا أن نسأل كيف تأتي للدكتور أن يعرف على وجه التفصيل ما جرى خارج بوابة الزمان، وأنى له أن يقنعنا به؟
* فجوة كبيرة *
وخلاصة التصور الذي يقدمه لنا الدكتور من خلق الإنسان يقدمه لنا في صورة طين صار بشرا كثيرًا، رجالاً ونساءً أقرب للحيوانات، ثم جرت عمليات التسوية لهم حتى خرج منهم آدم وحواء ثم بادوا لتبدأ مرحلة (الإنسان ) ابن (البشر)، وهنا نجد فجوة كبيرة في تصور الدكتور تكاد تجعله وهمًا أكثر منه تصورًا قابلاً للنقاش.(1/117)
هذه الفجوة ظاهرة في الكلام عن آدم، ومن ثم الكلام عن آياته من البشر، حيث يقول الدكتور: (من خلال آدم بدأت الإنسانية مسيرتها بخطوات قاصدة راشدة، على حين بادت الموجودات البشرية الطليقة الشاردة لتبدأ المرحلة الجديدة) هنا الفجوة واسعة، والهوة عميقة بين آدم القاصد الراشد وبين الموجودات البشرية البائدة، وهل يخبرنا الدكتور كيف عبر آدم تلك الفجوة بين موجودات بشرية لا تستحق الحياة فأبيدت، إلى إنسان ينسل منه ذرية مكلفة بحمل رسالة الدين؟ ولماذا آدم وحده الذي استطاع أن يكون «خلاصة» مئات الألوف من الأجيال التي طحنتها عمليات التسوية كما يقول الدكتور؟ ولماذا كانت نتيجة هذه التسويات عبر كل هذه الأجيال هي أن «البشر الغشيم» بل مئات الألوف من الأجيال تصب في رجل واحد قابل لأن يصير إنسانًا وامرأة واحدة تصبح زوجته؟!
وإذا كان مدار فكرة الدكتور على اصطفاء آدم من بين آخرين والاصطفاء عنده بمعنى واحد هو الاختيار، وذلك تفسيره لقوله تعالى: + " [سورة آل عمران, آية: 33]، فما هي حجته في اختيار حواء من بين بنات جنسها من (البشر)، ولم يذكر اللَّه لنا أنه سبحانه اصطفاها؟ وإذا كان اصطفاء آدم للنبوة وحمل رسالة الدين هو مناط اختياره فما هو في رأي الدكتور في الإبقاء على حواء وحدها من بين جميع نساء (البشر) الذين بادوا وهل كان بقاؤها لمجرد كونها زوجة النبي المصطفى؟ وهل يكفي كونها زوجة آدم في المرحلة (البشرية) أن تفوز معه بالبقاء وعدم التعرض لقرار الإبادة؟ وألم تكن زوجة سيدنا لوط من المُهْلَكِينَ؟(1/118)
ولكن الدكتور يعود ليتساءل في ص 113: (ترى كم من الأجيال البشرية لزم لعمليتي التسوية والنفخ حتى كان آدم ذلك الإنسان الكامل الناطق؟) ويجيب بكل سذاجة: (لا نبالغ إذا قلنا إن ذلك اقتضى مئات الألوف من الأجيال، وقد سجل كل جيل بصمته المميزة على طريق الاكتمال، ولاسيما في مجال العقل واللسان والجمال)، ويبقى السؤال: وأين ذهبت هذه الأجيال، أو مئات الألوف من الأجيال؟ أين ذهبت هذه الأجيال التي سارت على طريق الاكتمال في مجال العقل واللسان والجمال، فلما اكتملت عقلاً ولساناً وجمالاً ذهبت، وأبيدت عن بكرة أبيها، ليبقى آدم وزوجه حواء.
ولماذا قرر الخالق ـ جل في علاه ـ إبادة خليفته بعدما اكتملت مراحل تسويتها، ولم يبق منها غير رجل واحد وامرأة واحدة؟
لماذا يا دكتور لما تحققت التسويات المطلوبة عبر الأجيال قررت القدرة العظمى التي زودت البشر بعوامل التألق حتى صار (البشر) الغشيم (إنسانا) صالحًا للتكليف وحمل الأمانة الإلهية، لماذا لما تحقق ذلك كله صدر قرار إبادة كل هذا (البشر) الذي وصل إلى كل هذه الملكات والصفات؟ ولماذا جرى اختصار كل هذه الأجيال عبر تلك الملايين من السنين وانتهاء باكتمال ملكات هؤلاء (البشر) في شخص رجل واحد وامرأة واحدة هما آدم وحواء؟ وإذا كان الرجل الواحد مصطفى للنبوة وصالحًا لها فعلى أي أساس بقيت تلك المرأة دون غيرها؟.
وقال فضيلة الشيخ محمد حماد عن الوهم الذي يتمسك به شاهين قال:
* عملية التزوير الأولى *(1/119)
جرت أولى عمليات التزوير في انجلترا، وهي عملية تزويد إنسان (بيلتداون) عام 1912 م فقد صنعوا جمجمة مركبة من جمجمة إنسان على فك قرد (أورانجتون) مع إضافة أسنان إنسانية إلى الفك، وقدموا هذه الجمجمة على أنها الحلقة المفقودة بين القرد والإنسان، وأطلق على هذه العينات المعتبرة من الحفائر اسم إنسان (بيلتداون) وقالوا إنه يعود إلى 500 ألف سنة، وبقي إنسان (بيلتداون) لمدة أربعين سنة مادة للكتابات العلمية وبنيت عليه العديد من التفسيرات والشروحات والرسومات، وقدمت العينة كدليل حاسم على تطور الإنسان، وألَّفت مئات وآلاف الكتب وتم تقديم رسائل دكتوراه عديدة وكتب ما يقارب نصف مليون مقالة حولها، وفي سنة 1949م قام (كنيت أوكلي) بإجراء تجربة الفلور على هذه الجمجمة فتبين له أنها ليست قديمة (كما كان قد ادعى سابقًا أن عمرها يبلغ نصف مليون سنة) ثم قام (كنيت أوكلي) مع (سير ولفود لي وكروس كلارك) من جامعة اكسفورد بإجراء تجارب أكثر دقة استخدموا فيها أشعة أكس فتبين أن هذه الجمجمة زائفة تمامًا ومصنعة.(1/120)
استخدم الباحثون طريقة التأريخ بالفلورين فاكتشفوا أن عمر الحفرية لا يزيد على ألف سنة، وأن الفك والأسنان يعودان إلى قرد (الأورانجتون) وجرى تركيبها بشكل اصطناعي، وأن الأدوات التي وجدت مع الحفرية تزييف غير متقن فقد تم شحذها بوسائل فولاذية، وبالتحليل التفصيلي الذي أتمه كل من (أوكلي وفاينز وكلارك) وتوصلوا إلى تقرير سنة 1953 م قالوا فيه: إن إنسان (بيلتداون) ليس إلا قضية تزوير وخداع تمت بمهارة من قبل أناس محترفين، فالجمجمة تعود لإنسان معاصر، أما عظام الفك فهي لقرد (أورانج) بعمر عشر سنوات، والأسنان أسنان إنسان غرست بشكل اصطناعي، وركبت على عظام الفك، وتم ملء نقاط الاتصال لتظهر شبيهة بأسنان الإنسان، وظهر كذلك أن العظام عوملت بمحلول (ثاني كرومات البوتاسيوم) لإحداث آثار بقع للتمويه وإعطاء شكل تاريخي قديم له (اختفى هذا الطلاء عند غمره بالكلور) ولم يتمكن أحد أعضاء الفريق الذي كشف الزيف (كلارك) من إخفاء دهشته التي عبر عنها قائلاً: (اكتشفنا دلائل الكشط الاصطناعي في الحال بالعين المجردة، وتساءل: كيف لم يلاحظوا ذلك قبل الآن؟)
تلك هي قصة واحد من أهم وأشهر الحفائر التي يعتمد عليها الدكتور في القول بأن عمر الإنسان على الأرض يرجع إلى ملايين السنين
* إنسان نبراسكا *(1/121)
وهناك حادثة «إنسان نبراسكا» ووقائعها تبدأ من إعلان (هنري فيرفيلد أوزيورن) مدير متحف التاريخ الطبيعي في (نيويورك) أنه وجد حفرية لضرس في غرب (نبراسكا) بالقرب من جدول الأفعى يعود إلى زمن (البليوسين)، وزعم أن هذا الضرس يحمل صفات عامة لكل من القرد والإنسان، وبدأت مناقشات علمية معقدة تأخذ مجراها، وفسر بعضها هذا الضرس بأنه يعود إلى إنسان (جاوه) مع ادعاءات أخرى تقول إنه أقرب إلى الإنسان الحديث، وأطلق على هذه الحفرية التي أثارت جدلاً واسعًا اسم إنسان (نبراسكا) واتخذت في الحال اسما علميًّا (لاتينيًّا رنَّانًا) ليضعوا عليه صبغة علمية (هيسبيروبيتيكوس هارولد كوكي)، وقدمت العديد من الهيئات الدعم (لأوزيورن)، بناء على هذا الضرس الوحيد، وأعيد بناء إنسان (نبراسكا) فرسم رأسه وجسمه، والأدهى من ذلك أنه رسمت معه عائلة كاملة.
وأعلن (أوزيرن) أن صاحب هذه السن هو الحلقة المفقودة بين القرد والإنسان التي طالما بحثوا عنها، وتم نشر صور خيالية لهذا الإنسان، وصور أخرى عن حياته العائلية، وقدم علماء التطور هذه السن كدليل لا ينقض على صحة التطور في محكمة (سوكس) التي عقدت في مدينة (دايتون) في ولاية (تنسي) الأمريكية في صيف 1925 م وثارت حولها ضجة كبيرة حتى أن عدد الحاضرين في المحكمة زاد على عشرين ألف مستمع، وخلاصة القضية أن حكومة ولاية (تنسي) أقامت دعوى على أستاذ يدعى (سوكس) لأنه عارض صحة (الإصحاح الأول من سفر التكوين) عن خلق الإنسان، وقدم نظرية التطور (لدارون) كتفسير بديل لقضية الخلق، وعندما اعترض الطرف الآخر وهم (كونكلن دفتنبرت) مدير دار النشوء في معهد (كارنيجي) في (واشنطن)، سخرت المحكمة من جهلهم، وأصدرت قرارها بإدانة (سوكس) إلا أن الضجة التي أثارها أنصار التطور في الصحافة وفي المحافل العلمية جلبت عطفًا كبيرًا للمتهم وغضبًا على المحكمة.(1/122)
ولكن التزوير لم يغب طويلاً ففي عام 1927 م وجدت أجزاء أخرى من الهيكل، وحسب هذه القطع المكتشفة حديثًا وجد أن هذا الضرس لا يعود لإنسان، ولا لقرد، بل يعود إلى أنواع منقرضة من الخنازير البرية الأمريكية تسمى (بروسثينويس).
وعلينا الآن أن نتأمل في مدى المبالغات الموجودة في تفسيرات علماء التطور للمعطيات العلمية أو للحفائر التي يعثرون عليها، ومدى انحرافهم عن النهج العلمي الموضوعي في تفسير المعطيات والظواهر العلمية والطبيعية، وهؤلاء العلماء ينطلقون من فرض مسبق، ولذا يقومون بلي عنق هذه الظواهر والمعطيات العلمية كي تتوافق مع ما يعتقدونه من فكر مسبق، ولا يترددون ـ كما رأينا ـ في القيام بعمليات تزوير معينة ومشينة أخلاقيًّا وعلميًّا.
ألا يحق لنا أن ننظر بعين الشك إلى جميع التفسيرات المقدمة من قبل علماء التطور وإلى جميع ما يعدوه أدلة في هذا الصدد وهم بهذه الدرجة من البعد عن الحياد العلمي؟
وقد اعتاد الباحثون (التطوريون) أن يرسموا الإنسان وهو يبرز سنًا واحدة أو جزءًا من الفك أو عظم العضد، ويمثلونه للعامة بسلوكيات مثيرة وكأنه حلقة في التطور الإنساني، ولاشك أن هذه الرسومات قد لعبت دورًا كبيرًا في خلق صورة «الإنسان البدائي» في عقول الناس.
ويشرح (أرنست هوتون) من جامعة (هارفارد) الوضع كالتالي: (إن محاولة استعادة الأنسجة الطرية عمل ينطوي على أكثر من مخاطرة، إذ لا تترك الشفتان والعينان والبروز الأنفي أي دلائل على الأجزاء العظيمة المدفونة، ويمكنك أن تضع على جمجمة إنسان نياندرتال رأس شمبانزي أو قسمات فيلسوف بالسهولة نفسها).
وهكذا نجد أن الدكتور اعتمد على براهين لم تكن إلا مجموعة من الأبحاث الظنية التي تفتقد المصداقية والموضوعية والدقة العلمية بين أهل الاختصاص أنفسهم.(1/123)
ومن الأقوال المردودة على الدكتور ما ذهب إليه من تأويل الآية: + " سورة المؤمنون الآية (12) بأن الآية تدفع عن العقل احتمال إدماج العمليتين في عملية واحدة، فالإنسان خلق من سلالة نسلت من طين، أي أنه لم يخلق مباشرة من الطين، فأما ابن الطين مباشرة فهو أول (البشر) وكان ذلك من ملايين السنين.
ونسي الدكتور أو تناسى معنى كلمة «سلالة» ونذكره بما جاء في المعاجم العربية من أن السلالة هي ما استلّ من الشيء، والمعنى على هذا يكون أن الإنسان خلق من سلالة استلّت من الطين، وليست نسلت من الطين لتوحي بما يريد أن يستبق به الآية على غير ما تقول.
ونذكره أيضًا وهو أستاذ في اللغة العربية أن «السلالة» تجيء بمعنى «الخلاصة» أي نوع مميز ومنقي من الطين وفي الحديث الذي رواه البخاري عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «إن اللَّه خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل وبين ذلك».
ونذكر الدكتور أيضًا أن «سلالة الشيء» ما استل منه، والنطفة سلالة الإنسان كما جاء في (مختار الصحاح): والطين سلالة آدم كما يخبرنا ـ عز وجل ـ وهو أبو البشر، ولم يكن هناك بشر قبله، وكان ذلك حين خلقه اللَّه خلقًا وأنشأه إنشاء، ولم يكن شيئًا قبل أن تمتد إليه يد اللَّه بالخلق والإنشاء: + " سورة مريم الآية (67).
وذلك كله واضح لا لبس فيه من الآيات الكريمات + " سورة المؤمنون الآيات (12 ـ 14). ذلك أن مجموع آيات القرآن تتناغم فيما بينها يكمل بعضها بعضًا لتعطينا وصفًا دقيقًا لأطوار الخلق وما مرَّ به الإنسان من مراحل تكوينية، فإنسان اليوم أو أي عصر ـ ماعدا آدم (عليه السلام) وزوجه ـ هو نتيجة تلاقح عناصر حية تورث من الأجداد إلى الآباء إلى الأحفاد إلى يوم الدين.(1/124)
هذه السلالة تجد أصلها عند أبيها آدم (عليه السلام) الذي لم يورث أي شيء حتى من قبل بل جاء من أصل جامد ميت لا حياة فيه (التراب) من هنا وجب التفريق والتمييز بين «سلالة من طين» لا حياة فيها إلى حين اكتمال الخلق و «سلالة من ماء مهين» فيها نسل وتلاقح لعناصر حية موروثة.
* تقرير فضيلة الدكتور علي جمعة *
وصف فضيلة الدكتور علي جمعة ـ مفتي الديار المصرية في حديث أدلى به لصحيفة صوت الأزهر (كتاب أبي آدم ـ الذي صدرت طبعته العاشرة عن دار أخبار اليوم هذا الأسبوع ـ بأنه شذوذ فكري، وأضاف أن الأفكار التي بني عليها الكتاب سبق أن قال بها عام 1913 م شخص اسمه أبو زيد الدمنهوري فأقيمت ضده دعوى أمام المحكمة الشرعية بدمنهور، انتهت بالحكم بردته، والتفرقة بينه وبين زوجته(1) .
وما كاد الكتاب ينشر حتى قامت الدنيا ولم تقعد، وتعرض د. عبد الصبور شاهين لحملة ضارية تتهمه في دينه، وقدم الكتاب لمجمع البحوث الإسلامية الذي اتجه إلى الوصية بمصادرته إلى أن صاحبه تأول في تفسير آيات القرآن الكريم بما يخرجها عن معانيها وإلى أن محكمة شرعية سبق وأن حكمت بردة من قالها.
والكتاب يطبع مرتين كل سنة على الأقل، من دون أن يحذف منه المؤلف شيئًا، وتطبعه دار نشر حكومية من دون أن يرفع أحد عقيرته زاعقًا بأنه لا يجوز نشر الكفر على نفقة الدولة(1).
* تقرير المستشار جبر *
__________
(1) http://www.alwafd.alwafd.org/frg/front/detail.php?id=2182&cat= atrticles(1/125)
قال المستشار جبر إبراهيم جبر: «يجب منع تداول كتاب أبي آدم ـ قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة ـ للدكتور عبد الصبور شاهين، وطالب بمقاضاة المؤلف على نشر الكتاب مؤكدا في دعواه: كان الكتاب يحمل آراء تمس عقيدة المسلم، ويتبنى أفكارًا تخالف القرآن الكريم، وصحيح السنة وأقوال السلف الصالح، ونشر الكتاب دون عرضه على مجمع البحوث الإسلامية لفحصه وإبداء الرأي، ولم يلتزم آداب الحديث عن رب العزة، ولم يتخير الألفاظ مع اللَّه»(1).
* شاهين يرفض *
قال شاهين عن معارضيه: (لم يفهموا أن ما فعلوه هو اجتهاد يتناسب مع قدراتهم هم ولكنه لا يتناسب مع قدرات المؤلف، لذلك لا يهمني، ولذلك أقرر أنني لم أقرأ ما كتبه هؤلاء لأنني أعلم منطلقهم الإسرائيلي والإسرائيليات التي هيمنت على الفكر فترة معينة وفرضت نتائج وتصورات غير صحيحة).
قلت: أما تعلم يا شاهين أنك أصبحت من الظالمين المفترين على اللَّه كذبًا، اسمع فلعل اللَّه يشرح صدرك للحق: + " [سورة الأنعام, آية: 21].
من أنت يا شاهين حتى لا تسمع من يهدي إليك عيوبك؟ إن الغرور تمكن من نفسك فوضعت نفسك في غير موضعك؛ ورفعت نفسك على العلماء الأجلاء؛ وأنت تقرر أنك ترفض من يصحح لك أخطاءك. إذًا فجنايتك على نفسك؛ وكل من نصحك ورفضت نصيحته أقام الحجة عليك. فيا ترى هل تعلم كم من العلماء أفحموك وأقاموا الحجة عليك؟.
وكذلك فعل بعض المسلمين الغيورين وقد دعوا لك بالهداية والنجاة من الغواية وقد قالوا قديمًا: كل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف.
__________
(1) 9/8/2005http://z3tr.loalaa.com/showthread.?p=25404#pos25404(1/126)
يا شاهين: إذا أغلقت قلبك عن ناصحيك؛ فقد أقفلته عن خير كثير؛ بل أقفلته عمن سيكون له الفضل بإذن اللَّه رب العالمين لنجاتك من الشذوذ؛ وغرورك الذي أفقدك صوابك وأفقدك مكانتك؛ فأنت وشأنك إذا كنت من أولياء الرحمن فكن أولاً وليًّا للرحمن بحالك قبل مقالك، بسلوكك قبل مقالاتك، بحياتك مع اللَّه قبل اجتهادك الفاسد، وتأويلك الباطل لو أنك من أولياء اللَّه حقًّا لكان كتابك هذا بلسمًا شافيًا، ولكن الذي حدث هو العكس تمامًا حدث عند عامة المسلمين لبس وتلبيس، وأغاليط ومغالطات، اختلط الأمر على القارئ لأنك خلطت الآيات القرآنية بباطل قولك وعلمك الفاسد؛ فالتبس نور رب العالمين بظلمة شاهين فأصبحت من المفسدين في الأرض الذين يفسدون ولا يصلحون.
قال ابن الجوزي رحمه اللَّه تلبيس إبليس ص 31 التلبيس إظهار الباطل في صورة الحق. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه تعالى عن الآية: + "سورة البقرة الآية (42)، قال: «فإنه من لبَّس الحق بالباطل فغطَّاه به، لزم أن يكتم الحق الذي يبين أنه باطل، إذ لو بينه زال الباطل الذي لبَّس به الحق) مجموع الفتاوى لابن تيمية (19/194).
والمراد أن نشر الباطل يمنع من الاهتداء بالحق، ويقطع الطريق على من يريد الفهم الصحيح.
* الطيور على أشكالها تقع *
ظهر كتاب اسمه «جدي آدم» كتبه ممدوح الجمال طبعته مطابع أخبار اليوم في إبريل عام 2005م وقد قدم الكتاب عبد الصبور شاهين.
وسأكتفي بالرد الموجز السريع على ما في كتاب (جدي آدم) من ضلالات وادعاءات وأكاذيب بأمرين ذكرهما الباحث ممدوح جمال.
الأول: نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً مكذوباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو: «ليس آدمكم أول آدم فقد سبقه سبعون آدم» ونسبه إلى ابن كثير وبالرجوع إلى ابن كثير وإلى المختصين في علم الحديث فلم نجده عند ابن كثير وقال المختصون: هذا حديث منكر مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث لا أصل له.(1/127)
ثانياً: عرض ممدوح في كتابه (جدي آدم) عدة صور (جسم سمكة ورأس إنسان) ونسب هذه الصور لشركة أرامكو بالسعودية وبالرجوع إلى أرامكو رد علينا مدير العلاقات العامة الأستاذ جمال خيري في 23/5/2006م قائلاً:
ليس لأرامكو علاقة بخصوص الصور المنشورة في كتاب (جدي آدم) وهي صور «مفبركة» غير حقيقية أي مزورة ولا أصل لها من الصحة وليست لنا علاقة بها ولم نبلغ من رجال الأمن في الشركة من هذا القبيل والموضوع ادعاء كاذب لا أصل له.
هذا الإيميل مرفق صورته في كتابي (أبي آدم بين المفتريات والحقائق) وهذا الإيميل وثيقة دولية رسمية معترف بها. وبناء على الأمر الأول والثاني عن الكتاب المزعوم (جدي آدم) أن ما كتب فيه ضلال مستمد من ضلال عبد الصبور شاهين تكذيب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم واعتداء صارخ على كتاب ربنا المجيد وعلى سنة نبينا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ونقول لكل مدعٍ معتد على كتاب ربنا المجيد: + ".
الخاتمة
* (نداء الرحمة) *
يا شاهين لعل اللَّه يأذن بإنابتك وتوبتك، إن اللَّه يقبل توبة المذنب مهما بلغ ذنبه ما لم يشرك باللَّه. أسوق لك هذه الآية عسى اللَّه أن يفتح قلبك لها، وتنهي هذه المأساة وتنكشف الغمة وتنطفئ الفتنة: + " سورة النساء الآية (135) أمر اللَّه المؤمنين وأنت مأمور معهم أن يكونوا قوَّامين بالقسط أي قائمين بالعدل والاستقامة، قيامًا بالحق للحق هذا إذا كان المرء من أهل الحق.(1/128)
أما إذا كان غير ذلك فكيف يقوم بالحق وهو غير متصف به؛ ثم ذكر ـ جل في علاه ـ في المقام الأول شهادتك من نفسك على نفسك وهذا أمرٌ أمَرُّ من الصبر على الإنسان؛ إلا من رحم ربي وقليل ما هم، اللهم اجعلنا وإياك والقارئين منهم، فالشهادة على النَّفس بالحق هي العقبة الكئود بين العبد وربه؛ فإذا اقتحمها المؤمن بعون اللَّه ونصرته وتأييده كانت الشهادة على الوالدين والأقربين ومن دونهم أخف من ذلك بكثير. ثم حذَّر اللَّه المؤمنين وأنت محذَّر معهم من اتباع الهوى لأنه يصدُّ المرء بصفة عامة عن سبيل الرشاد وبصفة خاصة عن شهادة الحق فيثمر اتباع الهوى ثمرة قبيحة مؤذية ومنفرة، فهي ثمرة تجعل الإنسان يلتوي في مدخله ومخرجه، يلتوي في حديثه وفي حياته بصفة عامة، ويلتوي في شهادته بصفة خاصة فلا يشهد بالحق؛ ثم قال العليم الخبير + " إخفاء الحق جملة وتفصيلاً استغنًاء بالهوى وحظوظ النفس بما زينه الشيطان للإنسان المفتون. فانظر يا شاهين في أمرك من نفسك لنفسك هل أنت قائم بالحق، أم ملتوٍ ومعرض عنه أم أنت صاحب فتنة عظيمة؟ ولا يسعني في الختام إلا أن أقول لك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لقومه بمكة المكرمة + " سورة سبأ الآية (24).
جعلنا اللَّه وإياكم والقارئين من المهتدين، وأعاذنا وإياكم والقارئين من الضلال بعد الهدى والإعراض بعد الإقبال والانحراف بعد الاستقامة والغفلة من بعد الذكر. أسأل اللَّه أن يلهمك رشدك ويردك إلى جادة الصواب لنكون جميعاً في مرضاة الله وجنات النعيم.
وصلى اللَّه وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وذريته وآل بيته، كما صليت على سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد وآخر دعوانا أن الحمد للَّه رب العالمين.
الكتاب يهدى ولا يباع ورحم اللَّه من أعان على نشره بأي صورة كانت وقفًا للَّه تعالى واحتسابًا لوجهه الكريم.
فهرس الموضوعات
الموضوع ... الصفحة ... الموضوع ... الصفحة(1/129)
المقدمة… ... 3 ... قل: أتعلمون اللَّه بدينكم ... 42
منهج المبتدع… ... 9 ... خيال فاسد ... 43
دعوة باطلة… ... 10 ... رمتني بدائها وانسلت… ... 45
استنطاق الآيات… ... 11 ... القرآن والمتشابه… ... 46
التطاول على العلماء… ... 13 ... دفاع عن إبليس… ... 48
الكلام صفة المتكلم… ... 14 ... فكر شاذ… ... 49
المأثور عند المبتدع… ... 16 ... ظلمة شارد… ... 51
الإفك المبين… ... 17 ... شاهين وثوابتنا الشرعية… ... 53
شهادة حق… ... 19 ... الأعمال بالخواتيم… ... 54
خرافات شيعية… ... 20 ... بعض ردود العلماء ... 57
العبد من مفعولات الله جل جلاله ... 21 ... مقتطفات من رد الشيخ عبد العظيم ... 58
الشيخ حماد يفند زعم الكاتب… ... 26 ... مشروع الإنسان ... 58
تحريف الكلم… ... 27 ... التنكير ... 60
شاهين ينكس راية اللغة… ... 28 ... الأجل المقضي في الأنعام ... 62
حواء في نظر المؤلف… ... 28 ... عود للتحريف ... 63
شاهين والآجلين… ... 30 ... جرأة عجيبة ... 68
قاعدة فاسدة… ... 31 ... الخلق الآخر ... 68
آية العهد وانتكاسة شاهين… ... 32 ... القول الزور ... 71
اعوجاج الفهم… ... 35 ... اتهام الأمة بالسذاجة ... 74
بئس ما قال شاهين… ... 38 ... معنى النفخ عنده… ... 75
الحق ـ في النظر السقيم ـ باطل ... 39 ... فكرة عوراء… ... 77
استدراك غير مجد… ... 79 ... رد فضيلة الشيخ / محمد حماد ... 111
بين التكبير والتصغير ... 82 ... حضور الملائكة… ... 116
البشر المفترس ... 83 ... معنى السجود الموهوم… ... 118
المحكم من القرآن ... 86 ... مقدمات بلا نتائج… ... 121
تسمية آدم (- عليه السلام -) ... 87 ... فتنة الأرقام… ... 123
خرافة ضخمة ... 87 ... شاهين وداروين… ... 127
السجود للنبي الإنسان… ... 88 ... فجوة كبيرة… ... 133
معنى السجود عنده ... 89 ... عملية التزوير الأولى… ... 135(1/130)
موقف إبليس من السجود… ... 91 ... إنسان نبراسكا… ... 137
الحوار بين الله جل جلاله وإبليس ... 93 ... تقرير فضيلة الدكتور / علي جمعة… ... 141
بين آدم وإبليس في الجنة ... 95 ... تقرير المستشار جبر… ... 141
تأويل السوءات ... 96 ... شاهين يرفض ... 142
أسطورة مضحكة مبكية ... 99 ... الطيور على أشكالها تقع ... 143
رد فضيلة الدكتور/ زغلول النجار ... 102 ... خاتمة (نداء الرحمة) ... 144
رد فضيلة الدكتور / محمود ميرة ... 107 ... فهرس الكتاب ... 147
رد فضيلة الدكتور/ محمود شاكر ... 108
وصلى اللَّه وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وذريته وآل بيته، كما صليت على سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد وآخر دعوانا أن الحمد للَّه رب العالمين.
الكتاب يهدى ولا يباع ورحم اللَّه من أعان على نشره بأي صورة كانت وقفًا للَّه تعالى واحتسابًا لوجهه الكريم.
* تقرير فضيلة الدكتور علي جمعة *
مفتي الديار المصرية
ووصف فضيلة الدكتور علي جمعة ـ مفتي الديار المصرية في حديث أدلى به لصحيفة صوت الأزهر (كتاب أبي آدم) ـ الذي صدرت طبعته العاشرة عن دار أخبار اليوم هذا الأسبوع ـ بأنه شذوذ فكري، وأضاف أن الأفكار التي بني عليها الكتاب سبق أن قال بها عام 1913 م شخص اسمه أبو زيد الدمنهوري فأقيمت ضده دعوى أمام المحكمة الشرعية بدمنهور، انتهت بالحكم بردته، والتفرقة بينه وبين زوجته(1).
وما كاد الكتاب ينشر حتى قامت الدنيا ولم تقعد، وتعرض د.عبدالصبور شاهين لحملة ضارية تتهمه في دينه، وقدم الكتاب لمجمع البحوث الإسلامية الذي اتجه إلى الوصية بمصادرته، استناداً إلى أن صاحبه تأول في تفسير آيات القرآن الكريم بما يخرجها عن معانيها وإلى أن محكمة شرعية سبق وأن حكمت بردة من قالها.
Sir,
__________
(1) http://www.alwafd.org/front/detail.php?id=2182&cat=articles(1/131)
Below is the e-mail that Saudi Aramco pubic Relations to a gentleman who inquired as to whether the photo of a liza head was real.
Kind regards,
Jamal Kheiry
Saudi Aramco public relations Department
------------ original Message ------------
From: Saudi Aramco website (mailto: international medical)
Sent: Tuesday, August 23, 2005 1:13 PM
To: drmrasheedkhan@sify.com.
Subject: RE; hello sirs..!!
The photo you have sent is a hoax and has nothing to do Aramco.
Jamal Kheiry
Saudi Aramco public relations Department
------------ original Message ------------
from: drmrasheedkhan@sify.com (mailto: drmrasheedkhan@sift)
sent : Tuesday, August 23, 2005 11: 47 AM
To : international media@aramco.com
Subject: hello sirs..!!(1/132)