تأبى الحقيقة دائما إلا أن يكون لها وجه واحد ، إنها لا تجيد ارتداء الأقنعة , كما أنه ليس من أهدافها أن تضلل البشر ، إنها واضحة كالشمس ، ناصعة البياض كالثلج ، تقف على قارعة الطريق المستقيم تنادى على بنى البشر ، ولكن - وياللأسف - قليلون هم الذين يلتفتون إليها . والأكثرون يواصلون السعى دون أن يتحسسوا مواضع أقدامهم ، وكلما لاح بارق حق , أسدلوا ستار العمى فوق أعينهم ، وكلما هتف هاتف صدق ، هشموا أحرفه بحجارة اللامبالاة ، فتناثر صوته في غياهب المجهول .
سقط الكثيرون فى هوة التيه ، ولكنهم يصرون على أنهم يمتلكون الحقيقة
"وما كان الله ليظلمهم ، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" . سورة العنكبوت آية 40
إننى فى هذا الكتاب أحاول أن أخلع بعض الغمام من الآفاق ، ذلك الغمام الذى تم تثبيته بمسامير الوهم , ليخفى وجه الحقيقة الملائكى .
إننى أحاول أن أقترب من "الآخر" قليلا ، أحاول أن أمد له يدى لنسير معا فى طريق النور, كما أننى أتفهم جيدا كل التراكمات التاريخية والبيئية والنفسية ، تلك التى حالت بينه وبين التعرف على ذاته ، وإن أسوأ ما يمكن أن يواجهه الإنسان هو أن يجهل ذاته .
لا صوت يعلو فوق صوت الحوار , هذا هو شعار عصر العولمة , حوار السياسات والأديان , لقد بدأت جبال الجليد في الذوبان , و ها هي الأسوار الشائكة تلفظ أنفاسها .
تمثل الكتب المقدسة معينا لا ينضب من الأفكار والتصاوير والمعاني والدلالات , ولا يوجد مثقف ولا كاتب ولا شاعر لم يستمتع بالإبحار في الكتب المقدسة , وكذلك روائع الأدب العالمي , باعتبارها ميراثا مشتركا لكل البشر .
إنني في هذه القراءة الجديدة لنصوص التوراة والإنجيل , أحاول أن ألملم شتات بعض الدلالات الجديدة التي تتخفى حينا وتتبدى أحايين , تلوح وتتوارى , تبوح وتصمت , تلمح وتصرح من خلال نصوص ساحرة وربما مراوغة .(1/1)
إن نصوص العهد القديم والجديد تتميز بثراء الدلالات , ولقد طالب القرآن بتحكيم التوراة والإنجيل , فما المانع إذن من إعادة قراءة الكتب "المقدسة "للوصول إلى دلالات تتفق في مضمونها مع حقائق القرآن؟ , وبذلك نقلل من مساحات الخلاف مع الآخر, ونمد جسور التقارب والتفاهم .
قل يا أهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم"
سورة المائدة آية 68
"وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون" .
سورة المائدة آية 47
الحقائق التي ذكرها القرآن فيما يتعلق بالمسيح عليه السلام :
1- عيسى عليه السلام ولد من عذراء, فماذا قال الإنجيل ؟
2- المسيح لم يصلب ؟ فهل أشار الإنجيل إلى ذلك ؟ .
3- المسيح دعا إلى عبادة الله الواحد , هل ذكر الإنجيل هذا الأمر؟
4- ماذا قال المسيح عن محمد صلى الله عليه وسلم ؟
منهج البحث :
1- الاعتماد على نصوص العهد القديم والجديد .
2- تفسير مصطلحات الإنجيل وفق معطياتها التاريخية والعقدية , أي من منظور العهد القديم .
3- عند تعارض نصين من الإنجيل لا يمكن الجمع بينهما , سنختار النص الذي اتفق على روايته العدد الأكبر من الأناجيل , أي ثلاثة ضد واحد أو اثنين ضد واحد .
4- عند استشكال أي لفظ من الإنجيل وغموض مدلوله ,سنحاول تأويله من خلال معرفة دلالته في موضع آخر . أي إن صح فهمه بطريقة ما في أحد المواضع , فسيكون هذا الفهم ملزما في موضع الاستشكال .
5- الألفاظ ذات الدلالات المتعددة , سنغترف منها يؤيد رؤيتنا , وخاصة أن أية دلالة ليست بأولى من الأخرى .
والله من وراء القصد
أين المعجزة إذن ؟
من أخطر النبوءات التى اعتمدت عليها المسيحية فى إثبات أن عيسى عليه السلام هو المسيح ، تلك النبوءة التى ذكرت فى سفر "إشعياء" والتى تقول :
"ها العذراء تحبل وتلد ابنا ، وتدعو اسمه عمانوئيل"
إشعياء (7 : 14)(1/2)
هذه النبوءة هى التى اعتمد عليها الإنجيل لإثبات أن المسيح عليه السلام هو عيسى ، على أساس أنه الوحيد من دون البشر الذى ولد من أنثى بلا ذكر ، وعلى الرغم من أن هذه القضية محسومة عندنا نحن المسلمين ، غير أن الإنجيل نفاها بشدة من حيث أراد أن يثبتها ، وهدمها من حيث أراد أن يبنيها ، وقد حاولنا أن نبحث عن مخرج لهذا المأزق دون جدوى ,ونحن نرجو منهم أن يثبتوا لنا من خلال نصوص الإنجيل أن العذراء قد حملت وولدت ابنا .
وقبل أن يتسرع أحد ويستشهد بما جاء فى إنجيل متى ، نباغته بأن هذه المعجزة لم تتحقق لدى بنى إسرائيل الذين من حقهم أن يرفضوا المسيح عليه السلام ؛ لأن أهم آية وعلامة لم تتحقق في المسيح وفق روايات الإنجيل ، حيث كان المنتظر أن يولد المسيح من عذراء , ولكن الإنجيل جعل مريم عليها السلام امرأة متزوجة من يوسف النجار ، وجعل ذلك الطفل ابنا ليوسف هذا ، وبالتالى حرم الإنجيل بغرابة شديدة ، وبدون إبداء أى مبرر ، حرم السيدة العذراء من هذا الشرف ، وكذلك حرم المسيح من أن يكون ابن العذراء ، بل هو وفق الرواية الإنجيلية ابن رجل وامرأة تزوجا زواجا عاديا وأنجبا طفلا عاديا ، إذن فقد كان لليهود عذرهم فى رفض هذا الطفل ، وها هى رواية إنجيل متى .
أما يسوع فقد تمت ولادته هكذا :
كانت أمه مريم مخطوبة ليوسف ، وقبل أن يجتمعا معا ، وجدت حبلى من الروح القدس . وإذ كان يوسف خطيبها بارا ، ولم يرد أن يشهر بها قرر أن يتركها سرا ، وبينما كان يفكر فى الأمر ، إذا ملاك من الرب قد ظهر له فى الحلم يقول : "يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأتى بمريم عروسك إلى بيتك لأن الذى هى حبلى به إنما هو من الروح القدس ، فستلد ابنا وأنت تسميه يسوع ، لأنه هو الذى يخلص شعبه من خطاياهم" حدث هذا كله ليتم ما قاله الرب بلسان النبى القائل:
"ها إن العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعى عمانوئيل ! أى : "الله معنا"(1/3)
إذن فيوسف و مريم فقط هما اللذان قد علما بهذه المعجزة ! أما بقية الشعب اليهودى , فقد ظل يركض في نفق الغفلة معتقدا بأن المسيح ابن لهما من زواج طبيعى جدا ، وبذلك فقد أطلق الإنجيل الرصاص على هذه المعجزة الباهرة وألقاها جثة هامدة في كفن التاريخ من خلال تلك الرواية.
كيف تتحقق المعجزة إذن ؟
لكى تتحقق المعجزة - معجزة أن امرأة عذراء تحبل وتلد ابنا دون ذكر فلابد من تحديد ملامح الإطار التالي :-
1- لا يمكن للمرأة أن تدافع عن نفسها أمام الناس , وتزعم أن هذا الطفل قد ولد بمعجزة ؛ لأن أحدا لن يصدقها ، باعتبار أن هذا أمر غير معهود ، كما أن أية امرأة مهما كانت صالحة , لن تجرؤ على مواجهة الناس وتقول : إن هذا ولد مبارك ، لأنهم ليسوا سذجا لكى يصدقوا امرأة تقف ضد كل القوانين في استهزاء تام بعقولهم , وتقول إنه ولد سماوي .
2- ولن تقبل شهادة يوسف النجار كذلك ؛ لأنه أول من توجه إليه أصابع الاتهام .
3- لابد من مصدر آخر خارجي خارق للعادة يتولى هو إعلان المعجزة , هذا هوالأمر المنطقي الوحيد , الذي يجعلنا نتقبل هذا الحدث غير المنطقي وغير المعهود , وهذا ما أشار إليه القرآن , بأن الطفل كان لا بد أن يتكلم دفاعا عن أمه ؛ لأنه هو الوحيد الذي يمكن أن تقبل شهادته ؛لأن الرضع لا يتكلمون , وإن تكلموا فبمعجزة من عند الله . إذن فرواية القرآن للمعجزة هي الوحيدة التي أثبتت المعجزة , أما رواية الإنجيل فقد انطلقت كقطار بلا سائق يدهس كل من يحاول إثبات المعجزة .
في أثناء نقاشي مع أحدهم حول هذه القضية , قال لي فلنأخذ برواية القرآن في هذه القضية فقط , ثم نحتكم بعد ذلك إلى الإنجيل فقلت له : إذا ثبت وجود فجوات أو حلقة واحدة مفقودة في موضع واحد ,هربت الحقيقة ليلا , واختبأت في عباءة المجهول , وإذا انشق الجسر في أي موضع ,فهل تستطيع الوصول إلى الشاطيء الآخر ؟
الألوان السبعة(1/4)
تعلمنا من دروس العلوم أن حزمة الضوء الأبيض تتكون من سبعة ألوان يمكن الحصول عليها من خلال منشور زجاجي ، كما أننا يمكن أن نعيد تلك الألوان إلى اللون الأبيض , بشرط أن تكون نفس الألوان السبعة وبنفس الترتيب , ولكن الذى حدث أنهم لم يستطيعوا أن يستعيدوا الحزمة الضوئية الناصعة البياض, ترى من الذي"لخبط" هذه الألوان السبعة ؟
ولماذا كانت النتيجة المؤلمة هى هذه الفوضى من الألوان غير المتناسقة ؟
سنحاول إعادة ترتيب الألوان حتى نصل إلى بكارة العقيدة , وسنحاول البحث في هذه السراديب عن حزمة الضوء البيضاء , ولابد أنها كائنة في مكان ما , إنني أستمع إلى نبض قلبها , و أنين أنفاسها , ها أنا أستشعرها , وأحس أنني أقترب منها , إن بينى وبينها ألفة لا يخطئها الضمير .
نعم إن الحقيقة التي باغت بها القرآن العالم كله في ثقة مدهشة , وتفرد باهر دون أن يعبأ بالفقاقيع التي تتطاير هنا وهناك ثم تنفجر ذاتيا , تلك الحقيقة منثورة في صفحات الأناجيل , ولا يمكن أن تقتلع من جذورها , ربما تساقطت بعض أوراقها حين حاولت أن تنهشها الزوابع ,لكنها فتية تبتلع الريح في جوفها , وتلوك خناجر المكر بشدقيها .نعم ها هي الحقيقة تتوسد الصمت الوثير , وتتمدد على فراش الثقة والإطمئنان , إنها نائمة , وتطيش من حولها كل السهام التي حاولت أن تغتال وجهها الملائكي , صحيح أن بعض الأتربة قد حاولت أن تحجب بريقها , غير أنها عندما تغتسل , ستعود حيث كانت , وصحيح أن بعض التجاعيد حاولت أن تنصب خيامها في وجهها , غير أن فرحة لقائها بأحبائها , ستبعث الدفء في عروقها , فتصبح أكثر نضارة وتألقا , لكن لن يسمح لنا بلقاء الحقيقة إلا بعد أن نمارس طقوس الاستعداد , ونحزم حقائب السفر , ثم نوزع خريطة ملامحها على كل عاشقيها .
إلى الخريطة إذن
العهد القديم(1/5)
بالتأكيد لا يمكن الوصول إلى آخر درجة فى السلم دون المرور على الدرجات التى قبلها ، علما بأن القفز على السلم ، وتجاوز بعض الدرجات غير مسموح به . إن خارطة العهد القديم تحتوى بلا شك على مفاتيح الأبواب المغلقة ، ولن نسمح بكسر أى باب ، ولماذا نلجأ إلى الكسر ، ولكل باب مفتاحه , فقط ضع المفتاح الصحيح فى بابه ليسمح لك بالدخول .
مصطلحات العهد القديم
وحدانية الله
اشتملت نصوص العهد القديم على آيات كثيرة تؤكد وحدانية الله ، بل إن الإنجيل نفسه يؤكدها , وينبغى الاتفاق على أن الوحدانية المذكورة فى العهد القديم ، يجب أن تكون هى ذاتها الوحدانية الموجودة فى الإنجيل ، بعيدا عن "الأقانيم التي يقدسونها" , وبعيداعن وحدانية جديدة مغايرة لما فهمه عامة الناس والأنبياء من قبل من خلال نصوص العهد القديم , فليس من المعقول أن يراوغ الله البشر ، ولا يمكن أن تكون العقيدة الصحيحة ضد المنطق والتاريخ والبشر ، وليس من حق أحد أن يدعي أن اليهود لم يفهموا كتابهم ولم يفهموا إشارات التثليث المنثورة بين سطوره ،فلماذا لا يصرح إلههم لهم عن ذاته بعبارات واضحة لا غموض فيها ولا لبس ؟, هل من صفات إله اليهود أنه يتعمد أن يخدع البشر ويشوش عليهم ؟
هذه هى نصوص العهد القديم الدالة على وحدانية الله :
1- "اسمع يا إسرائيل ، الرب إلهنا رب واحد " …
…تثنية (6 : 14)
2- "الرب هو الإله ، وليس آخر سواه" ………
…تثنية (4 : 35)
3- "أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيرى" ……
…إشعياء (44 : 66)
4- "فقال له الكاتب : جيدا يا معلم ، بالحق قلت ، لأن الله واحد وليس آخر سواه" …………… ……… مرقس(12 : 32)
وغير ذلك من النصوص الكثيرة التى تثبت وحدانية الله .
الله لا ُُيُُُُُُُُرى
"ولكنك لن ترى وجهى لأن الإنسان الذى يرانى لا يعيش"
…………………الخروج (33 : 21)(1/6)
وأما النصوص التى تثبت تجلى إلههم , فقد حملها مفسرو العهد القديم والجديد على أنها نصوص مجازية يراد بها تجلى قدرة ومجد الإله ، كالنصوص الآتية :
"لأنى شاهدت الله وجها لوجه وبقيت حيا"
…………………تكوين (32 : 31)
"وظهر الله ليعقوب مرة أخرى "
…………………تكوين (35 :10)
"ورآوا اله إسرائيل "
…………………خروج (24 : 10)
فرآوا الله وأكلوا وشربوا"
…………………خروج (24 : 12)
"فقال منوح لامرأته إننا لابد مائتان لأننا قد رأينا الله"
……………قضاة (13 : 24)
روح الله
…وهو من التعبيرات الشائعة فى العهد القديم, يدور استخدامه حول قوة الله أو ملك من الملائكة .
"وملأه من روح الله"……………خروج (35 :31)
"وابتدأ روح الرب يحركه فى أرض سبط دان"
…………………قضاة (13 :25)
"فحل عليه روح الله وتنبأ فى وسطهم"
………………صموئيل الأول (10 : 11)
"وفارق روح الرب شاول ، وهاجمه من عند الرب روح ردىء يعذبه"
………………صموئيل الأول (16 : 15)
"حل روح الرب على الجنود فتنبؤا هم أيضا"
……………… صموئيل الأول (9 :20)
روح القدس
…وهو من المصطلحات الشائكة التى تسببت فى إثارة الكثير من الغبار فى الأفق ، حتى كادت الرؤية تنعدم ، وكما هو معتاد , فإن هذا المصطلح كان نقيا أبيض كالثلج فى كتب العهد القديم ، حيث استخدم كثيرا وهو لم يزل فى طور بكارته إلى أن اغتالته الأفهام الجديدة بتفسيراتها .
"لكنهم تمردوا وأحزنوا روحه القدس"
…………………إشعياء (63 : 10)
أين من أقام روحه القدس فى وسطنا"
…………………إشعياء (63 : 12)
"ولا تنزع منى روحك القدوس"
…………………مزامير (51 : 11)(1/7)
…واضح من هذه النصوص أن مصطلح روح القدس لا يختلف عن "روح الرب" ولا "روح الله" بل إن ذلك من قبيل المترادفات , أما سياسة الهروب إلى الأمام أو المستقبل , وتفسير هذا المصطلح وفق الأقانيم التي يقدسونها فهو أمر يتصادم مع العقل ، ليس من المنطقى ابتلاع كل هذه الأزمنة السحيقة والادعاء بأن اليهود والأنبياء كانوا يجهلون تفسيرها , وإليكم ما كتبه أحد أحدهم فى تعليقه على مفهوم الروح القدس فى كتابهم "المقدس" ، يقول :
"فيتضح من كل ما قيل فى الروح القدس فى العهد القديم أنه أقنوم ممتاز (متميز) ,غير أنه لم يتضح للكنيسة فى ذلك العهد أنه الأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس كما انجلى للكنيسة الإنجيلية ، نعم إن الله ثلاثة أقانيم فى جوهر واحد منذ الأزل , غير أن معرفة ذلك أعلنت للبشر بالتدريج !!! .
…وبالتأكيد فإن علامات التعجب من عندى أنا ،إنه يريدأن يقنعنا بما لم يستطع هو أن يقتنع به ، كما أنه بهذا الشكل يريد أن يخرج لسانه لكل الأنبياء واليهود السابقين ويقول لهم يا كفرة يا ولاد ..... !
…
…أعتقد أنه ينبغي عليهم أن يسألوا اليهود إذن عن معنى الروح القدس ، فكما فهم اليهود هذا المصطلح , ينبغى أن يفهموه هم كذلك .
ابن الله
…من أكثر المصطلحات شيوعا فى كتابهم "المقدس" , وعلى الرغم من رمزية ومجازية استخدامه فى نصوص العهد القديم ، وعلى الرغم من أن هذا المصطلح لم يثر أية مشكلة لدى اليهود ، فكانوا يستخدمونه ببساطة وتلقائية وبراءة ، غير أن مثيرى المشاكل ومثيرى الشغب يصرون على أن لا يتركوا لنا مصطلحا نقيا إلا ويلوثوه ، تعالوا نتعرف على هذا المصطلح أولا :-
"أنتم أبناء للرب إلهكم"
………………تثنية (14 : 1)
"إسرائيل هو ابنى البكر"
………………خروج (4 : 22)
"أليس هو أباكم ؟"
………………تثنية (32 : 6)
"وأنت أيها الرب أبونا"
………………إشعياء (63 : 16)
"أنت أبى وإلهى"
………………مزمور (89 : 26)(1/8)
…واضح من النصوص السابقة أنها بنوة مجازية تعنى عبد الله ، هذا هو رأى جميع اليهود والمسيحيين أيضا ، فلماذا يصرون على أن يجعلوا عبارات "المسيح بن الله" الواردة فى العهد الجديد , يصرون على أنها بنوة حقيقة تشير إلى أنه أحد الأقانيم الثلاثة ؟ ليس ثمة أية إضافات جديدة إلى المصطلح تجعله مختلفا عن ملامحه فى العهد القديم , إنه ذلك الوجه المألوف الذي رأيناه كثيرا يطل علينا من شرفات العهد القديم , بنفس ملابسه التقليدية ,وبنفس الصوت الذي ألفناه , فمن الذي حاول أن يوهمنا أنه ليس هو ؟ من الذي شوه المصطلح ؟ نحن نستطيع أن نقول فى ثقة "إن أزمتهم هى أزمة المصطلح"
…
الهرم المقلوب
كانت هذه جولة سريعة فى كتابهم "المقدس" ، جولة تحديد المصطلحات ومفاهيمها ، إنها الخريطة والبوصلة التى ينبغى على من أراد الإبحار أن يتسلح بها حتى لا يجرفه تيار التيه ، فعندما تتوه الحقيقة ، يشعر الإنسان بالاختناق , ولا يمكن لأحد أن يقتحم آفاقا يلوكها الدخان دون أن يضع "كمامة" على أنفه ؟ لقد نصب اليهود فخاخ الضلال لاصطياد أكبر عدد ممكن من الضحايا , إن الاغتيال المتعمد لأنثروبولوجي العهد القديم هو أكبر جريمة ارتكبت ضد الإنسانية .ولا يمكن أن يكون هرم عقيدة الأنبياء والمؤمنين مقلوبا , إن أحجاره متسقة الأحجام والألوان , فلماذا يصرون على قلب الهرم ؟
المفاجأة
"المسيح لم يصلب بشهادة الإنجيل"
…ليس هذا العنوان أحد مانشيتات الصحف ، ولا هو إعلان تجارى ، ولكنه صدمة مباغتة تشبه صدمة ارتطام رجل أعمى بجدار صخرى .
…لقد أعطى الكثيرون لأنفسهم الحق فى اقتحام نصوص العهد القديم وتفسيرها وفقا لمعتقداتهم الشخصية ، وادعوا فى جرأة يحسدون عليها أن اليهود والأنبياء لم يفهموا نصوص العهد القديم ، وأنهم هم فقط دون كل البشر من عهد "آدم عليه السلام" وإلى قيام الساعة الذين لديهم مفاتيح الحقيقة ، أى أنهم وقفوا ضد التاريخ وضد المنطق وضد البشر !(1/9)
…لماذا لا نعطى لأنفسنا نحن أيضا الحق فى اقتحام النصوص ذاتها ، ولن نكون ضد المنطق ولا التاريخ ولا البشر ؟ سنفاجأ بأن المسيح لم يصلب بشهادة العهد القديم والعهد الجديد معا على السواء .
…لقد قام كاتبوبعض الكتب "المقدسة" "بحرفية" شديدة ، وبمهارة متقنة فى اجتزاء بعض النبوءات من كتب العهد القديم وطبقوها على المسيح ، أو بمعنى آخر ، كانوا أشبه بمن يقتطع قطعا من الصلصال ، قطعة من هنا وقطعة من هناك ليصنعوا منها تمثالا أطلقوا عليه اسم المسيح ، ولكن الحقيقة لم يكن لها أن تُطمس ، إن الذى يقوم بتزوير العملات الورقية ، يحاول بكل ما أوتى أن يجعل العملة المزورة تشبه العملة الحقيقة ، ويحاول أن يخدع من يمسك بالعملة ، وإذا نحن التمسنا العذر لمن خدعته العملة المزورة ، فإن الفطرة البشرية السوية لا يمكن أن تخدع ، لأن الله قد وهبها من الأدلة والبراهين ما يكفى لاكتشاف المغالطات ، فلماذا يصر البعض على التعامل بالعملات المزيفة؟
الأدلة على عدم صلب المسيح عليه السلام
أعيد وأؤكد ما قلته من قبل :
…إن بعض كاتبي الكتب "المقدسة " كانوا محترفين فى دراسة العهد القديم ، استطاعوا أن يجرجروا بعض النبوءات من شعرها لتصبح ثوبا فى حجم المسيح تماما ، ولكن ولأن اللص غالبا ما يترك أثرا لإدانته ، فإنهم أيضا قد تركوا بعض الآثار التى تثبت تلاعبهم ، وسنعود إلى نفس النبوءات التى استدلوا بها علىصلب المسيح ، لنفاجأ بأنها تنطبق على يهوذا انطباق القفاز على اليدين .
الأدلّة
ملحوظة :
ربما يلحظ القاريء أن الأدلة يمكن أن يعاد ترتيبها بطريقة مختلفة عن ترتيب الكتاب , وقد يكون معه الحق , لكنه ينبغي أن يعلم أن هذه الأدلة أشبه بعربات تتسابق بشراسة , كل عربة ترغب في أن تكون في المقدمة , فتسبق تارة وتتباطأ تارة أخرى .
1- وليستلم وظيفته آخر
…جاءت هذه العبارة فى سفر أعمال الرسل عند اختيار خلف ليهوذا الإسخريوطى :(1/10)
"لتصر داره خرابا ، لا يسكنها ساكن ، وأيضا ليستلم وظيفته آخر"
………………أعمال الرسل (1 : 20)
وبالعودة إلى هذه النبوءة فى المزامير ، فوجئنا بشيئين :
الأول :
أن ثمة أنواعا من البشر لديهم القدرة على اختراع أفكار عجيبة بقدر ما تضحكك تبكيك.
الثانى :
أن النبوءة التى استدلوا بها عند اختيار خلف ليهوذا ، تشير بإصبعها إلى المصلوب قائلة : إنه يهوذا لا المسيح .
النبوءة
"ولّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ على عدوى قاضيا ظالما ، وليقف خصمه عن يمينه يتهمه جورا عند محاكمته , ليثبت عليه ذنبه ، ولتحسب له صلاته خطيئة , لتقصر أيامه وليتول وظيفته آخر . ليتيتم بنوه وتترمل زوجته ، وليتشرد بنوه وليتسولوا ، وليلتمسوا قوتهم بعيدا عن خرائب سكناهم ....... لأنه تغافل عن إبداء الرحمة ، بل تعقب الفقير المنسحق القلب ليميته ، أحب اللعنة فلحقت به ........ أما أنت أيها الرب السيد ، فأحسن إلىّ من أجل اسمك ، وأنقذنى لأن رحمتك صالحة , ......"
مزمور( 106 : 6_ آخر المزمور)
ومن هذا المزمور يتبين الآتى :
- يهوذا هو الذى سوف يحاكم لا المسيح.
- سوف يثبت عليه الذنب .
- سوف يصلب ، ويتيتم بنوه ، وتترمل زوجته .
- هو الذى خان المسيح وحاول أن يرشد عليه .
- سوف ينقذ الله المسيح .
والدليل السابق هو أهم وأخطر الأدلة التي تثبت نجاة المسيح , وصلب يهوذا , وسوف تفسر جميع النبوءات في إطاره بناء على رغبة كتاب الأناجيل .
2- وفق الشريعة اليهودية فإنه :
…"ملعون كل من علق على خشبه"
وإليكم النص الذى فى سفر التثنية :
…"إن ارتكب إنسان جريمة عقوبتها الإعدام ، ونفذ فيه القضاء وعلقتموه على خشبة ، فلا تثبت جثته على الخشبة ، بل ادفنوه فى نفس ذلك اليوم ، لأن المعلق ملعون من الله"
…………………تثنية (21 :22 - 23)
فمن يقبل أن يكون المسيح ملعونا من الله ؟ أم إن اللعنة قد لحقت بيهوذا كما جاء فى نبوءة المزامير السابقة :
"بل أحب اللعنة فلحقت به ......"(1/11)
…………………مزمور (109 : 17)
3- جاء فى إنجيل يوحنا :
"وكما علق موسى الحية فى البرية ، فكذلك لابد من أن يعلق ابن الإنسان"
…………………يوحنا (3 : 14)
والحية عندهم رمز للشيطان ، فمن الذى يرمز للشيطان المسيح أم يهوذا ؟ وقد جاء فى إنجيل لوقا :
"ودخل الشيطان فى يهوذا الملقب بالإسخريوطى"
……………………لوقا (22:3)
4- المسيح فى كل مواضع الإنجيل لم يقل : سوف أصلب ، وإنما كان يتكلم بضمير الغائب :
"إن ابن الإنسان سوف يصلب ، ويقتل"
وواضح أن استخدام ضمير الغائب هنا ليس اعتباطا , بل هو مقصود بالتأكيد , لإثبات الغائب الحاضر أو الحاضر الغائب ، فالشخص الحقيقى (المسيح) غائب , والشخص المصلوب شبيه المسيح (حاضر) , ولذلك لا يمكن لأى ضمير آخر أن يعبر عن هذا الأمر إلا ضمير الغائب .
والموضع الوحيد الذى تكلم فيه المسيح بضمير المتكلم : "وحين أعلق مرفوعا من الأرض ، أجذب إلى الجميع" …… …
يوحنا (12 :32)
فإنه لم يذكر هنا أى إشارة إلى الصلب ، كما أن الترجمة العربية "أعلق" غير صحيحة ، لأن الكلمة الإنجليزيةlifted up أى "أرُفع" لا "أعلق" ولا خلاف بيننا على أن المسيح قد رفع إلى السماء حيا أو ميتا ، كما أن الجملة باستخدام ضمير المتكلم هى جملة غير صحيحة أيضا ، وذلك لأن رد الكتبة والشيوخ على هذه العبارة وفى نفس الإنجيل (يوحنا) وفى الآية التى تليها هو الذى يشير إلى عدم صحتها , حيث أنهم قالوا :
"علمتنا الشريعة أن المسيح يبقى حيا إلى الأبد "
فكيف تقول : إن ابن الإنسان لابد أن يعلق ؟(1/12)
لقد نسى يوحنا أنه قد بدل عبارة المسيح عند استخدامه ضمير المتكلم "وحين أعلق ...." ولكن لأن الكذب "مالوش رجلين" عاد هنا وكشف نفسه بنفسه حين استخدم مصطلح ابن الإنسان , ونحن بالتأكيد نتقدم بخالص الشكر إلى يوحنا, وإلى كل من كان عونا لنا فى إثبات التدخل البشر بين النصوص ؛ فهل من المنطقى أن يقول المسيح "وحين أعلق....." دون أن يذكر عبارة ابن الإنسان ,فيكون الرد منهم : فكيف تقول إن ابن الإنسان لابد أن يعلق؟ أم إن المنطقى أن يكون الرد : فكيف تقول إنك لابد أن تعلق ؟ بدليل أنهم قالوا بعد ذلك من هو ابن الإنسان هذا ؟، أى أنه لم يتكلم عن نفسه ابتداء .
إذن ففى كل مواضع الإنجيل التى تحدث فيها المسيح عن الصلب , لم يقل سوف أصلب ، ولكنه قال إن ابن الإنسان سوف يصلب ويقتل .
ابن الإنسان
صورة المسيح …… المسيح الحقيقى
…… (شبيه)
لقد استطاع المسيح عليه السلام بتأييد من الله سبحانه وتعالى أن يمكر بهؤلاء الذين سعوا إلى قتل نبيهم ، بعدما رآوا بأعينهم كل هذه المعجزات الباهرة التى أيده الله بها ، إذن فقد خُُُُدعوا من حيث أرادوا أن يخدعوا , وهم بلا شك يحملون ذنب قتل نبى ؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنه هو ، ولا يشفع لهم ولا يعفيهم من الذنب أن المصلوب هو يهوذا حقيقة ، لأنهم يحاسبون وفق نيتهم هم , وهي "محاولة قتل نبى"
شبهة :
…قد يقولون : جاء فى إنجيل متى :
" من ذلك الوقت بدأ يسوع يعلن لتلاميذه أنه لابد أن يمضي إلى أورشليم , ويتألم على أيدى الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل ......" … متى (16 : 21)
والجواب
نعم لقد أعلن المسيح ذلك من خلال ضمير الغائب ابن الإنسان لا من خلال ضمير المتكلم , حيث أن هذه الرواية فى هذا الموضع جاءت متعارضة مع روايتى مرقس ولوقا اللذين استخدما مصطلح ابن الإنسان .
يقول مرقس :
"وأخذ يعلمهم أن ابن الإنسان لابد أن يتألم كثيرا ، ويرفضه الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل ....." …… مرقس (8 : 31)(1/13)
ويقول لوقا :
"وسوف تتم جميع الأمور التى كتبها الأنبياء عن ابن الإنسان ، فإنه سيسلم إلى أيدى الأمم ، فيستهزأ به ويهان ويبصق عليه وبعد أن يجلدوه يقتلونه......" ………… لوقا (8 : 31)
إذن يتضح أن مرقس ولوقا قد اتفقا على مصطلح ابن الإنسان ، أما متى فقد كتب ما فهمه هو لا ما قاله المسيح حرفيا ، فإما أن المسيح قد قال عبارة ابن الإنسان , وإما أنه قد تحدث عن نفسه ، فهل نقبل هذا التعارض ؟ أم نقبل روايتى كل من مرقس ولوقا ؟ أم نرفض الجميع ؟ إذن ليس أمامنا حل سوى هو , لا ما قاله المسيح حرفيا .
صاعقة :
لم يفهم أحد من التلاميذ عمن كان يتكلم المسيح , حتى موته المزعوم وقيامته المزعومة , وهذا دليل على نسف رواية متى .
" ولكنهم لم يفهموا شيئا من ذلك , وكان هذا الأمر خافيا عليهم ولم يدركوا ماقيل . "
لوقا ( 18 : 34 )
"فإن التلاميذ لم يكونوا حتى ذلك الوقت قد فهموا أن الكتاب تنبأ بأنه لابد أن يقوم من بين الأموات "
يوحنا (20 : 9 )
سؤال :
من المقصود بابن الإنسان ؟
جواب :
يتفق "أهل الكتاب " على أن المقصود بابن الإنسان هو المسيح عليه السلام ، ونحن - مجاراة لهم - سنوافقهم على ذلك ، على الرغم من هلامية المصطلح , وهشاشته الدلالية , وقد حاول اليهود بالتأكيد قتل المسيح عليه السلام ، ولكن كما قلنا: إن استخدام ضمير الغائب على لسان المسيح ليس اعتباطا ، وإنما هو مقصود , وذلك لإثبات أن المصلوب شكلا هو المسيح (يهوذا), لكن الحقيقة أن المسيح "غائب" , ولا يمكن أن يؤدى هذا المعنى إلا ضمير الغائب , وعبارة ابن الإنسان , لأنه لم يكن معقولا أن يقول المسيح سوف يلقى شبهي على يهوذا ؛ فلم يكن من عادة المسيح الكلام المباشر , بل التلميح فقط , وسوف نثبت ذلك في موضعه .
لقد جاءت عبارة ابن الإنسان في سفر حزقيال بمعنى ابن آدم ,وجاءت في سفر دانيال عن النبي المنتظر في آخر الزمان .لكننا سنجاريهم في اعتباره المسيح .(1/14)
كما أننى أضيف معنى جديدا إلى مصطلح ابن الإنسان ، كما جاء فى مزامير دواد عليه السلام :
"من هو الإنسان حتى تهتم به ؟ أو "ابن الإنسان" حتى تعتبره" . مزمور (8 : 4)
أي الإنسان العادي جدا .……………………
ومن هذا المزمور نضيف معنى جديدا لابن الإنسان.
ابن الإنسان
المسيح
أو النبى المنتظر
الإنسان العادى جدا
(كما جاء فى المزامير)
وبذلك تصبح العبارة الواردة فى الإنجيل عن قتل ابن الإنسان تخص الإنسان العادى (يهوذا) أى - وكما أن كل الطرق تؤدى إلى روما - فإن كل الطرق تؤدى إلى قتل يهوذا بدلا من المسيح .
من هو الإنسان حتى تهتم به أو ابن الإنسان حتى تعتبره ؟"
نعم من (يهوذا) حتى يعتبره الله سبحانه وتعالى ؟"
5- لا يوجد آية واحدة استخدم فيها المسيح عبارة ابن الله عند حديثه عن الصلب , وعلى الرغم من استخدام كلمة ابن الله مرات كثيرة في الأناجيل , غير أن المسيح تعمد أن لا يستخدمها فيما يخص الصلب حتى لا يكون لأى أحد منهم العذر في زعم صلبه , وقد كنا نظن أن هناك آية واحدة عن الصلب , ورد فيها عبارة ابن الله , فدل ذلك على أن المصلوب هو يهوذا .
6- ألمح المسيح بأن الذى سوف يعذب ويتألم بدلا منه هو يهوذا حيث قال :
"إن ابن الإنسان لابد أن يمضى (تأمل لم يقل يقتل) كما كتب عنه , ولكن الويل (أى العذاب والألم) لذلك الرجل الذى على يده يسلم ابن الإنسان ، كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد .
متى (26 : 24 )(1/15)
فتأمل الكلمات التى تحتها خط ، إنها إخبار عن شدة العذاب والألم الذى سوف يتعرض له " يهوذا" على أيدى الرومان واليهود, حتى أنه يتمنى فى تلك الساعة أنه لم يولد, وهذا ما قد حدث حرفيا ، حيث أن ذلك الخائن قد تعرض للسخرية والشتم والجلد والضرب والصفع , وكل ما يمكن أن يحدث من إهانات وتعذيب كما روى الإنجيل ، وأرجو أن لا يحاول أحد إيهامنا بأن الويل المذكور سيكون في يوم الدينونة لا فى الدنيا ، وذلك لأنه لا يوجد فى أى سفر من أسفار العهد القديم أو أى إصحاح من إصحاحات العهد الجديد عبارة واحدة عن إنسان يتمنى لو لم يولد إلا هذه العبارة التى قيلت عن يهوذا ، وتمني عدم الولادة لا يحدث إلا فى الدنيا .
7- كان المسيح عليه السلام يخشى أن يقبض عليه ، وسجد لله سبحانه وتعالى وصلى لكى ينجيه من أيدى الأشرار ، فكيف يقال بأنه جاء ليخلص العالم من خطيئة آدم بالصلب والقيامة؟ قال مرقس فى إنجيله :
"وبدأ يشعر بالرهبة والكآبة ، وقال لهم نفسى حزينة جدا حتى الموت ، ابقوا هنا اسهروا" . ثم ابتعد قليلا وخر على الأرض ، وأخذ يصلى لكى تعبر عنه الساعة إن كان ممكنا وقال "آبا" ، أى أبى ، كل شيء مستطاع لديك فأبعد عنى هذه الكأس ، ولكن ... ليكن لا ما أريد أنا ، بل ما تريد أنت !"
مرقس (14 : 33 - 36)
8- أن المسيح (يهوذا) وهو على الصليب قد قال وفقا لرواية متى :
"إيلى إيلى لما شبقتنى أى إلهى إلهى لماذا تركتنى ؟ ، فلو كان المصلوب هو المسيح لما كان يمكن أن يقول ذلك لأنه :
أ) راض بقضاء الله وقدره (ناسوتا ولاهوتا!)
ب) لأنه ينبغى أن يفرح ولا يتضجر؛ لأنه قد قام بفداء البشر, وهذه هي مهمته ، فكيف يمكن لمن يؤدى مهمته أن يتضجر وخاصة إذا كان نبيا أو إلها أو ابنا للإله كما يزعمون ؟ .
9- المسيح وفقا لرواية يوحنا قد قال :
"بعد قليل لا تروننى ، وبعد ذلك بقليل تروننى" .…
… يوحنا (16 : 16)(1/16)
فكيف لا يرونه وهو على الصليب ؟ (إلا إذا كان المصلوب شخصا آخر) .
بدليل أنهم لم يفهموا عبارته كما جاء فى نفس الإصحاح :
"فتساءل بعض التلاميذ : "ترى ما معنى قوله : بعد قليل لا تروننى ، وبعد ذلك بقليل تروننى ، وأيضا : لأنى عائد إلى الآب ؟ " وقالوا : "ما هو هذا القليل الذى يتحدث عنه ؟ لسنا نفهم ما يقوله" .……
يوحنا (16 : 17 - 18)
لقد كان من الواضح أن عبارات المسيح الغامضة قد سببت لهم الكثير من التشويش ، ومن الواضح أيضا أن المسيح لم يرد أن يطلعهم على ما سيحدث تمحيصا لإيمانهم ، وحتى لا يساور الشك صدور اليهود والرومان إذا لمحوا عدم اكتراث من تلاميذ المسيح (يهوذا) وهو على الصليب . ولو علم الحواريون حقيقة ما سوف يحدث لاطمأنوا وربما ابتسموا وهم يعلمون أن الخائن هو الذى يصلب بدلا من سيدهم ، لابد إذن أن يتعرضوا لاختبار عملى ليحكموا بأنفسهم على قوة إيمانهم ، وليحاكموا أنفسهم محاكمة عادلة . وحينما تتضح لهم الحقيقة (عند ظهور المسيح ثانية) ، يدركون ساعتها أن كل تلك الآلام (آلام الصلب) والعذابات ، تحملها ذلك الخائن المذنب ، وأنها لا تدوم ، وعندئذ ستهون عليهم كل الصعاب وسيتلذذون مع كل سوط ينهش جلودهم لأنهم مؤمنون أصحاب رسالة . إذا كان هذا الكافر (يهوذا) قد تحمل قهرا ، أفلا يتحملون هم اختيارا ؟ وإذا كان الزمان بفرحه وحزنه سيمر (وقد مر على يهوذا) فحتما ستمر عليهم أزمنة الآلام والاضطهاد .... لابد من الصبر إذن .
10- أشار المسيح إلى هذا الاختبار الشديد الذى سوف يتعرض له تلاميذه حين يظنون أن الذى صلب وأهين هو المسيح ، لكن حزنهم هذا سيتحول إلى فرح بعد أن يظهر لهم سالما لم تطله يد الأذى .(1/17)
"الحق أقول لكم : إنكم ستبكون وتنوحون ، أما العالم (اليهود والرومان) فيفرح ، إنكم ستحزنون ، ولكن حزنكم سيتحول إلى فرح . المرأة تحزن إذا حانت ساعتها لتلد ، ولكنها حالما تلد طفلها ، لا تعود تتذكر عناءها لفرحها بأن إنسانا قد ولد فى العالم . فكذلك أنتم تحزنون الآن ولكن عندما أعود للقائكم ، تبتهج قلوبكم ، ولا أحد يسلبكم فرحكم .
يوحنا (16 : 20 -23)
إذن فآلام المخاض تختص بالتلاميذ ، لا بالمسيح ، هم الذين سوف يحزنون ويتألمون لاعتقادهم أن المصلوب أمامهم هو نبيهم ، لكن حينما يظهر لهم ثانية ويعود معلنا عن وجوده وحياته ، تتلاشى أحزانهم ويغمرهم الفرح ، فيكون ذلك دافعا لهم لمواصلة الطريق الذى سلكوه خلف معلمهم .
وينبغى الانتباه إلى عبارة المسيح . وعندما أعود للقائكم . فإنه لم يقل وعندما أقوم من الموت إنها عودة ظهور لا عودة حياة , ونحن من حقنا أن نسأل هؤلاء : لماذا لم يقل المسيح . وعندما أعود من الموت إذا كان سوف يموت على وجه الحقيقة .
11- قال المسيح فى إنجيل يوحنا :
"أيها الآب ، قد حانت الساعة ، مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضا ...... أنا مجدتك على الأرض وأنجزت العمل الذى كلفتنى . ……
يوحنا (17 - 4)
فكلمة "أنجزت" تدل على أنه قد أنهى مهمته , وإذا كان المسيح قد أنجز مهمته قبل الصلب بنص الإنجيل, فإنه لا فائدة من الصلب والقيامة ، وحيث إن مهمته قد اكتملت بدون هذه الأشياء التى هى لديهم جوهر النصرانية, دل ذلك على بطلان ادعاءاتهم بالصلب والقيامة , ودل ذلك أيضا على أنه لم يصلب , ونعيد صياغة السؤال مرة أخرى :
"كيف أنهى مهمته وهو لم يبدأ بعد ؟"
12- جاء فى إنجيل يوحنا :
"فإن كنتم تريدوننى أنا فدعوا هؤلاء يذهبون" ……
يوحنا (18 : 8)
علق يوحنا فى إنجيله :
وذلك لتتم الكلمة التى قالها:" إن الذين وهبتهم لى ، لم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك"………………… يوحنا (17 : 12)(1/18)
أى أن المقصود بالنجاة فى هذا الموضع هو النجاة بحياتهم (لا بإيمانهم) والدليل على ذلك قوله : فدعوا هؤلاء يذهبون ، لأنه لو كان يقصد نجاة الإيمان, لما قال تلك العبارة , فإن الإنسان قد يقتل أو يعذب وهو من الناجين إيمانيا, فلا مبرر إذن لقوله فدعوا هؤلاء يذهبون إلا أنه نجاة الجسد ، وبالتالى فإن الهلاك يكون هلاك الجسد ، فدل ذلك على أن يهوذا لم ينج بجسده وأنه الذى صلب لأنه ابن الهلاك .
13- جاء فى إنجيل متى أن الفريسين لما طلبوا آية أجابهم المسيح بقوله :
"جيل شرير خائن ، يطلب آية ، ولن يعطى آية إلا آية يونان النبى ، فكما بقى يونان فى جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال ، هكذا سيبقى ابن الإنسان فى جوف الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال" …… متى (12 - 39)
ومن المعلوم بداهة أن يونان (يونس) النبى لم يمت ولم يقتل فى جوف الحوت ، فإذا كان المسيح مثل يونان فإنه أيضا لم يقتل ولم يمت فى جوف الأرض أى أنه لم يصلب .
14- إحياء الموتى أو عودتهم إلى الحياة ، على الرغم من أنه معجزة , فإنه لم يكن مفاجئا بالنسبة إلى معاصرى المسيح عليه السلام وخصوصا أن العهد القديم قد أخبر عن حالات حدثت فيها قيامة الموتى وعودتهم إلى الحياة ثانية ، وكذلك أشار العهد الجديد إلى أن القيامة من بين الأموات أمر مسلم به لدى بنى إسرائيل .
"ويقول بعضهم : إنك يوحنا المعمدان ، وآخرون إنك إيليا وآخرون إنك واحد من الانبياء القدامى وقد قام ." ……… لوقا (9 : 19)
تأملوا معى النص ! ! إنهم يتحدثون عن شئ مألوف ليس فيه أى غرابة أو مفاجأة .
وبعدها صعد المسيح الجبل وقد تجلى له موسى وإيليا ، لم يكن ثمة شئ غريب بالنسبة إليهم حتى لقد قال بطرس بكل بساطة .
"يارب ما أحسن أن نبقى هنا ، فإذا شئت ، أنصب هنا ثلاث خيام ، واحدة لك ، وواحدة لموسى ، وواحدة لإيليا"…… متى (17 : 4)
بل إن الأمر كان مألوفا لدى الرومان كذلك :(1/19)
وأما هيرودس , فلما سمع ,قال :"ما هو إلا يوحنا الذي قطعت أنا رأسه ,وقد قام "
مرقس (6 :16)
وها هى بعض النصوص من العهد القديم : ijhjhأهون
…"ثم تمدد إيليا على جثة الصبى ثلاث مرات ، وابتهل إلى الرب : يا رب إلهى ، أرجع نفس هذا الولد إليه" فاستجاب الرب دعاء إيليا ، ورجعت نفس الولد إليه فعاش .………………
ملوك أول (17 :21 -22)
…"ودخل أليشع البيت وإذا الصبى ميت فى سريره , فدخل العلية وأغلق الباب وتضرع إلى الرب ، ثم اضطجع فوق جثة الصبى, ووضع فمه على فمه ، وعينيه على عينيه ، ويديه على يديه ، وتمدد عليه ، فبدأ الدفء يسرى فى جسد الصبى فأخذ النبى يذرع أرض العلية , ثم عاد وتمدد على الولد فعطس هذا سبع مرات وفتح عينيه ..... وعندما مثلت أمه أمامه قال "احملى ابنك" …
ملوك ثانى (4 : 32 - 36)
إذن بعد هذه النصوص , نستطيع أن نقول إن القيامة من بين الأموات لا ترقى لأن تكون آية لجيل كامل ,لأنها أمر عادي في ذلك الزمان , وإنما أن يلقى الشبه على إنسان آخر ، هذا هو الأمر المتفرد الذى لم يحدث من قبل ، وهو أليق بمعجزات المسيح فى تفردها .
15- جاء فى إنجيل "مرقس" بعد حادثة التجلى :
"فيما هم نازلون من الجبل ، أوصاهم ألا يخبروا أحد بما رآوا ، إلا بعد أن يكون ابن الإنسان قد قام من بين الأموات ، فعملوا بهذه الوصية متسائلين فيما بينهم ، ماذا يعنى بالقيامة من بين الأموات ؟
مرقس (9 : 9)
أى أنهم لم يفهموا من الذى سوف يموت , ومن الذى سوف يقوم !!
16- جاء فى إنجيل متى أنه بعد صلب المسيح (يهوذا), تقدم رؤساء الكهنة و الفريسيون معا إلى بيلاطس ، وقالوا يا سيد ، تذكرنا أن ذلك المضلل قال وهو حى : "إنى بعد ثلاثة أيام أقوم ، فأصدر أمرا بحراسة القبر إلى اليوم الثالث ؛ لئلا يأتى تلاميذه ويسرقوه ، ويقولوا للشعب إنه قام من بين الأموات , فيكون التضليل الأخير أسوأ من الأول "…
متى (27 : 63 - 66)
ولنتأمل هذا النص المريب:(1/20)
…فى جميع روايات الإنجيل , لم يحدث أن الكتبة والفريسين ولا حتى تلاميذ المسيح قد فهموا أنه سوف يقوم من بين الأموات , بل كانوا يقولون : فكيف تقول إن ابن الإنسان لابد أن يعلق ، من هو ابن الإنسان هذا"… يوحنا (12 : 34)
…وإذا كان التلاميذ لم يفهموا أنه سوف يقوم من بين الأموات ، فكيف يأتى تلاميذه لكى يسرقوه ؟ وهل إذا اختفت الجثة يكون ذلك دليلا على القيامة من الموت ؟ هل سرقة الجثة تساوى العودة إلى الحياة ؟ إذن نستطيع أن نقول إن أية جثة مفقودة قد قام صاحبها من بين الأموات ! من حقنا أن نطلب نصا واحدا يدل على أنهم فهموا أنه يعني نفسه بالقيامة من الموت .
إذا كان جميع تلاميذ المسيح قد خذلوه ، وهربوا ، وأنكروا أنهم يعرفونه وذلك خوفا من بطش اليهود والرومان ، فهل يكون من المنطق أن يطلب رؤساء الكهنة بعدما رشوا حراس القبر أن يدعوا أن تلاميذه جاءوا وسرقوه ليلا وهم نائمون؟ ، وقد وعدهم رؤساء الكهنة بأن يدافعوا عنهم ، فهل يمكن الدفاع عن حراس أقروا على أنفسهم أنهم نائمون ؟، وبأى وسيلة يمكن أن يتم الدفاع عن حارس نائم ؟ ، وإذا ثبت لدى الرومان أن تلاميذ المسيح قد سرقوا الجثة ، أفلم يكن أحرى بهم حفاظا على هيبة الحكم والسلطة أن يقبضوا على التلاميذ بتهمة السرقة وتحدى السلطات؟ وبكل هذه البساطة يصدق الكهنة والشيوخ الحراس حينما أخبروهم أن المسيح قد عاد للحياة ؟, لماذا لم يتهموهم بالكذب والخيانة ؟ ولماذا لم يشككوا فيما رأوه ؛ فلربما كان شبحا ؟ ولماذا لم يبحثوا عنه مرة ثانية وهو الذي يقاوم السلطات ؟
ولنعد معا إلى النص :………(1/21)
"وبينما كانت المرأتان ذاهبتين ، إذا بعض الحراس قد ذهبوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما جرى فاجتمع رؤساء الكنهة والشيوخ ، وتشاوروا فى الأمر ، ثم رشوا الجنود بمال كثير, وقالوا لهم "قولوا إن تلاميذه جاءوا ليلا وسرقوه ونحن نائمون ! فإذا بلغ الأمر الحاكم ، فإننا سندافع عنكم فتكونون فى مأمن من أى سوء"
…… …… متى (28 : 11 - 15)
17- لم تنقل لنا كل الأناجيل ردود فعل التلاميذ تجاه يهوذا عند القبض على المسيح عليه السلام ، بل نقلت ردود الفعل تجاه الرومان وعند رؤساء الكهنة ، وكان الأحرى أن يحاول تلاميذ المسيح عليه السلام أن يفتكوا بيهوذا أو على الأقل يتصادموا معه , لا مع الجنود لأنه هو الذى أرشد عن سيدهم ، فدل ذلك على عدم وجود شخصية يهوذا ابتداء من لحظة قدومه مع الجنود ، أى أن صورته قد تبدلت وصار غائبا عن هذا المشهد المثير ، لأنه ببساطة قد صار المسيح كما تنبأ النبى داود .
18- جاء في إنجيل يوحنا أن المسيح قال :
" لن أترككم يتامى , بل سأعود إليكم . بعد قليل لا يراني العالم , أما أنتم فسوف ترونني . ولأني أنا حي فأنتم أيضا ستحيون "
يوحنا (14 :18 -20 )
فماذا يمكن أن يقال إذن؟ , إنه قال عن نفسه : إنه حي , ولم يقل سوف أحيا فهو لم يمت أصلا . وقال : إنه سوف يختفي أثناء صلب يهوذا ( بعد قليل لا يراني العالم )
من الذي ألبس المسيح الحي الكفن؟لقد أعلن أنه لم يمت , فهل نصدقهم أم نصدق ؟ أم نصدق المسيح عليه السلام ؟
19- عند محاكمة المسيح , فوجئنا بأن هيرودس احتقر المسيح , وقد كان يتمنى أن يشاهده لما سمعه عن معجزاته وحكمته , فلماذا احتقره هيرودس إلا لأنه كان يهذي أثناء المحاكمة , لأنه لم يكن المسيح بل يهوذا .
"فاحتقره هيرودس , وجنوده , وسخروا منه "
لوقا (23: 7-11 )(1/22)
20- لم يقم المسيح بآية واحدة أثناء مشهد المحاكمة , وهو الذي قام بالعديد من الآيات في مناسبات أخرى كثيرة أقل تأثيرا من المحاكمة النهائية والصلب , على الأقل ليثبت لهم أنه المسيح . لقد كان هذا المشهد هو الفرصة الأخيرة أمام الجمهور , وقد كان فرصة لا تعوض , لقد احتشد الجميع من اليهود والرومان لمشاهدة هذا الرجل الخارق , وهو رجل صاحب رسالة , جاء بالإيمان لا الضلال , بالحق لا الباطل , ومن حق الذين آمنوا به أن يمنحهم آية واحدة ترفع رؤوسهم المنكسة , لقد خذلهم وسط الجموع , كانوا عطشى وهو يحمل أقداح الماء , كانوا جوعى ومعه سلال الطعام ,كانوا يحدقون في وجهه , ويضغطون على قبضة أيديهم , وبعضهم كان يعض على أنامله من الغيظ ,لكنه خذل الجميع . ليست هذه أخلاق المسيح , وليست هذه أهداف الرسل والأنبياء ,ببساطة لم يكن هذا الرجل هوالمسيح , لقد كان يـ هـ و ذا .
21- فى إنجيل يوحنا :" فناداها يسوع "يا مريم" فالتفتت وهتفت بالعبرية "ربونى" أى معلم , فقال لها لا تمسكى بى فإنى لم أصعد بعد إلى الآب" يوحنا (20 : 16)
ولو كان المصلوب هو عيسى , لقال لها لقد قمت من بين الأموات ، وهذا لم يحدث ، ولكنه قال لها : فإنى لم أصعد إلى الآب, أى أنى لم أمت ولم أقتل , وهذا هو المقصود بالصعود هنا ، لأن المسيح لم يخبر أحدا من قبل بصعود الرفع إلى السماء ، وإن كان قد ألمح إلى ذلك ,فإن كلامه لم يفهم, فلا مفر هنا من تفسير عبارته لأنى لم أصعد بعد إلى الآب إلا بأنه لم يمت بعد .
22- جاء فى إنجيل مرقس أن المسيح بعدما ظهر لتلاميذه وبخهم على عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم لأنهم لم يصدقوا الذين شاهدوه حيا"
مرقس (16 :15)(1/23)
ونحن نسأل هؤلاء : ألم يكن الحواريون يؤمنون بعودة الموتى إلى الحياة كما أشرنا من قبل ؟ فهل وبخهم المسيح على شئ يؤمنون به ؟ هل هذا منطق ؟ أم عدم التوبيخ على شئ آخر, هو أنهم لم يصدقوا أن المسيح حى ولم يصلب ابتداء" ؟ وخاصة أن متى قد ذكر صراحة أن كثيرا من أجساد الموتى قد قامت بعد صلب المسيح (يهوذا)
…"وقامت أجساد كثيرة لقديسين كانوا قد رقدوا" … متى (27 : 52)
أفيصدق التلاميذ قيام أجساد القديسين ولا يصدقون قيامة جسد نبيهم صاحب المعجزات ؟
لقد وبخهم المسيح عليه السلام ,لأنه لم يكن أمرا معهودا لديهم أن يلقى شبه إنسان على إنسان آخر, وأن الذى صلب مكانه هو يهوذا ، ولكنهم يستحقون التوبيخ , لأنه قد أشار وألمح إلى ذلك , لكن لم يفهموه ,كما أن الآيات التى قد رآوها على يديه كفيلة بأن يؤمنوا أن الله قادر على أن يجعل يهوذا شبيها بالمسيح .
23- جاء فى إنجيل مرقس :
"ولما انتهى السبت ، اشترت مريم المجدلية ، ومريم أم يعقوب وسالومة طيوبا عطرية ليأتين ويدهنه ، وفى اليوم الأول من الأسبوع أتين القبر ........"……
مرقس (16 : 1)
فإن كن يعلمن أن المسيح سوف يقوم من بين الأموات فى اليوم الثالث ,فما فائدة الطيوب العطرية والحنوط إذن ؟ وهي أشياء تخص الموتى .
24- فى إنجيل يوحنا عندما رجعت مريم المجدلية بشرت التلاميذ قائلة "إنى رأيت الرب 20 : 18" ولو كان المسيح قد صلب ، لقالت لقد قام المسيح من بين الأموات .
25- فى إنجيل يوحنا "ولما حل مساء ذلك اليوم ، وهو اليوم الأول من الأسبوع كان التلاميذ مجتمعين فى بيت أغلقوا أبوابه خوفا من اليهود ، إذا بيسوع يحضر وسطهم قائلا سلام لكم , وإذا قال هذا أراهم يديه وجنبه ففرح التلاميذ إذا أبصروا الرب" …يوحنا (20 : 19 - 21)(1/24)
فلماذا إذن أراهم يديه وجنبه ؟ وقد أخبرتهم مريم المجدلية أنها رأته ، هل يتأكد الإنسان من إنسان آخر برؤية وجهه أم يديه ؟ لقد أراهم يديه ليتأكدوا أنه لا يوجد أثر للمسامير, أى أنه لم يصلب أصلا , أما إذا كان قام من بين الأموات, فلا معنى لأن يريهم أثر المسامير؛ لأن الذى يستطيع أن يقوم من بين الأموات ويعود واقفا أمامهم , ليس فى حاجة لإثبات نفسه بالمسامير, فهل عودته ووقوفه أمامهم أقل شأنا من أثر المسامير فى يديه ؟، لو كان الذى أمامهم شخصا مزيفا استطاع أن يتشبه بالمسيح ، أفلا يكون قادرا على أن يجعل فى يديه أثرا للمسامير ؟ أى منطق هذا ؟ ……
إن وجه المسيح يكفى لأن يكون المسيح ,ولو كانوا يتشككون في أنه شبح , لجعلهم يلمسونه,أو لأكل معهم , كما جاء في رواية لوقا , لكنه أراد فقط أن يثبت لهم أنه لم يصلب وليس ثمة أثر للمسامير فى يديه ، أليس هذا هو المنطق ؟
26- فى إنجيل يوحنا :
"ولكن توما أحد التلاميذ الاثنى عشر وهو المعروف بالتوأم ، لم يكن مع التلاميذ ، حين حضر يسوع فقال له التلاميذ الآخرون : "إننا رأينا الرب " فأجاب: إن كنت لا أرى أثر المسامير فى يديه ، وأضع إصبعى فى مكان المسامير وأضع يدى فى جنبه ، فلا أؤمن .… يوحنا (20 : 24 - 25)
لنتأمل معا قول التلاميذ : …………………… "إننا رأينا الرب ، ولم يقولوا لقد قام من بين الأموات , فلو كانت المعجزة فى قيامته, لقالوا لقد قام ، ولكنهم قالوا رأينا ، فالمعجزة فى رؤيته . أى أنه لم يصلب ولم يقتل وبالتالى لم يقم .
27- أخبر المسيح عليه السلام اليهود على طريقته المعهودة فى التلميح أنهم لن يقدروا على القبض عليه ولا على صلبه .
"ثم قال لهم يسوع : "سوف أذهب فتسعون فى طلبى ، ولكنكم لا تقدرون أن
تأتوا إلى حيث أكون ، بل تموتون فى خطيئتكم" …
…يوحنا (8 : 21)
وهذا النص هو أخطر النصوص التي تدل على نجاته
ومن هذا النص يتضح الآتى :(1/25)
- سيسعى اليهود للقبض على المسيح ولكنهم لن يقدروا على ذلك .
- سيتحملون خطيئة قتله عندما يقتلون يهوذا باعتباره المسيح (تموتون فى خطيئتكم)
ولا يمكن تأويل النص على أن المقصود "بالطلب" هو الإيمان ، لأنه لم يثبت أن اليهود قد ندموا على قتل المصلوب يهوذا (المسيح) , فهل يكون منطقيا قوله : "ولكنكم لا تقدرون أن تأتوا إلى حيث أكون . كيف يكون تحت أيديهم أثناء محاكمته وأثناء صلبه ، ثم يقال إنهم لم يقدروا عليه ؟
28- عندما ظهر المسيح لاثنين من التلاميذ فى طريقهما إلى عمواس , لم يستطيعا أن يتعرفا على المسيح ، على الرغم من الحوار الذى دار بينهما، ونحن من حقنا أن نتساءل : كيف لا يعرف التلميذان سيدهما شكلا وصوتا، إلا إذا كان المسيح عليه السلام متنكرا حتى لا يراه اليهود إلا بعد أن يطمئن تلاميذه أولا على حياته ونجاته من أيدى اليهود والرومان ؟ وكان التلميذان يخاطبانه على أنه غريب عن هذه المنطقة ، وبعد أن أخبراه بأن رؤساء الكهنة صلبوه (وقد كان التلاميذ يعتقدون صلبه قبل ظهوره) بعد أن أخبراه بذلك , قالا جملة تقلب النصرانية رأسا على عقب ، وتنسف عقيدة الفداء من جذورها ، قالا : "ولكننا كنانرجوأنه هو الذى سوف يفدى إسرائيل"
…… لوقا (24 : 21)
أى أن التلاميذ كانوا لا يعتقدون بأن قتل المسيح تم من أجل فداء البشر عن خطيئة آدم ، ولكنهم كانوا يعتقدون فى الفداء من ظلم واضطهاد الرومان ، ولو كانوا يعتقدون بالفداء من الخطيئة , فكيف قالوا بأنهم كانوا يرجون أن يكون هو الفادى ؟ ألم يقم بعملية الفداء بمجرد قتله ؟
المهم أنه على الرغم من كل هذا الحوار ، لم يتعرفا على المسيح ، وبعد أن وصفهما بعبارته المعهودة بأنهما قليلا الإيمان وبطيئا الفهم ، لم يعرفاه أيضا ، فماذا يعنى كل ذلك سوى أنه كان متنكرا بالفعل لأنه لم يصلب .(1/26)
29- طلب المسيح من تلاميذه أن يقوموا ويصلوا , حتى لا يدخلوا فى تجربة , وهو قد صلى بالفعل , حتى إن عرقه صار كقطرات دم نازلة على الأرض , فهل يكون النبى كاذبا فى وعده بأن من يصل لا يدخل فى تجربة ؟ …
"وإذا كان فى صراع ، وأخذ يصلى بأشد إلحاح ، حتى إن عرقه صار كقطرات دم نازلة على الأرض . ثم قام من الصلاة ، وجاء إلى التلاميذ ، فوجدهم نائمين من الحزن ، فقال لهم : "ما بالكم نائمين ؟ قوموا وصلوا لكى لا تدخلوا فى تجربة .
لوقا (22: 44 - 45)
30- شبهة حول صلب المسيح (ولقد أرجأنا هذه النقطة إلى آخر الأدلة) :(1/27)
…يستدلون بنبوءة فى سفر "إشعياء" على صلب المسيح ، وقبل عرض النص الذى يشير إلى ذلك ، أعتقد أنه ينبغى على أن أسكب بعض الضوء على مدخل أى نبوءة لتحديد فصيلة الدم ، وبصمة الأصابع ، وملامح الوجه ، والشفرة الوراثية ، عندئذ فقط يمكن القول بأن هذه النبوءة تنطبق أو لا تنطبق على المسيح عليه السلام.إن النبوءات أشبه بالفن التجريدى لا تحتوى إلا على إشارات, فلا توجد نبوءة واحدة تتجاسر على أن تبوح باسم المسيح صراحة ، وإنما هى - كما قلت - إشارات يستطيع كل من أراد بموضوعية أو بدون موضوعية أن يطبقها على من أراد . وقد قدمت مثالا على ذلك عند تقديم الأدلة من خلال العهد القديم على أن المصلوب "يهوذا" لا المسيح ، وبينت كيف أن كاتبى الأناجيل اجتزؤا من المزمور رقم (109) نصف آية ليطبقوها على يهوذا ، وألقوا المزمور كله فى سلة النسيان ، مع أن المزمور من أوله إلى آخره يشير إلى نجاة المسيح من الصلب ، وأن عدوه هو الذى سوف يحاكم بدلا منه . وأستطيع أن أتجرأ وأقول : إن كل النبوءات التى قيلت فى العهد القديم ، لا علاقة لها بالمسيح عليه السلام ، وأنها تنطبق على أناس آخرين إذا أردناها أن تنطبق عليهم ، حتى نبوءة أن العذراء تحبل وتلد ولدا ويدعى عمانوئيل ، لا علاقة لها بالمسيح ، وإنما لها تفسير آخر مختلف تماما عما ادعاه النصارى , ولكننا فقط نجارى القوم فيما ذهبوا إليه ، لتقديم الأدلة على أنهم ذهبوا فى طريق الخطأ والخطيئة .
…بعد عرض النص الذى يتشبثون به تشبث الغريق بالقشة ، سنقوم بتحليل النص تحليلا بنائيا , ونحاول أن نفهم العلاقة بين الدال والمدلول لنصل إلى الدلالة كما يقول علماء اللغة ,وينبغى أن نفرق بين الدلالة والدليل ، فالدلالة هى مفهوم ظنى داخلي (نابع من الشخص) يحاول أن يقدم للقارئ القرائن التى تؤكد فهمه ، أما الدليل فهو لا يتوقف على الخارج (الشخص) وإنما يستمد قوته من ذاته
النص(1/28)
…"من آمن بكلامنا ، ولمن ظهرت يد الرب ، نما كبرعم أمامه وكجذر فى أرض يابسة ، لا صورة له ولا جمال يسترعيان نظرنا ولا منظر فنشتهيه ، محتقر منبوذ من الناس ، رجل آلام ومختبر الحزن ، مخذول كمن حجب الناس عنه وجوههم فلم نأبه له . لكنه حمل أحزاننا وتحمل أوجاعنا ، ونحن حسبنا أن الرب قد عاقبه وأذله ، إلا أنه كان مجروحا من أجل آثامنا ، ومسحوقا من أجل معاصينا ، حل به تأديب سلامنا ، وبجراحه برئنا . كلنا كغنم شردنا ، ملنا كل واحد إلى سبيله ، فأثقل الرب كاهله بإثم جميعنا . ظلم وأذل ، ولكنه لم يفتح فاه ، بل (كشاة سيق إلى الذبح) وكنعجة صامته أمام جازيها لم يفتح فاه . بالضيق والقضاء قبض عليه . وفى جيله من كان يظن أنه استؤصل من أرض الأحياء بالحزن ، وحين يقدم نفسه ذبيحة إثم فإنه يرى نسله وتطول أيامه ، وتفلح مسرة الرب على يده ، ويرى ثمار تعب نفسه ويشبع ، وعبدى البار يبرر بمعرفته كثيرين، ويحمل آثامهم . لذلك أهبه نصيبا بين العظماء فيقسم غنيمة مع الأعزاء ، لأنه سكب للموت نفسه ، وأحصى مع أثمه ، وهو حمل خطيئة كثيرين ، وشفع فى المذنبين"
إشعياء (53)
والأسئلة التقليدية حول هذا النص يمكن أن تكون هكذا :
1- هل يشير هذا النص إلى المسيح ؟
2- هل فى النص ما يفيد صلب المسيح ؟
3- هل يمكن أن يشير النص إلى شخص آخر غير المسيح ؟
4- هل النص نبوءة عن مستقبل آت أم حكاية عن ماضٍ ذهب ؟(1/29)
ويمكننى إثارة العديد من الأسئلة المفاجئة والمعقولة وغير المعقولة ، وما يمكن أن يكون ثرثرة وفقاعات وسفسطة وما شابه ذلك ، ولكن الأمر المدهش أن إثارة هذه الأسئلة هو فى ذاته نفى لأية إجابة ، وأننا بقدر ما نتساءل , بقدر ما نعجز أن يكون لدينا إجابة محددة ! إن كثرة الأسئلة دليل على قلة الأجوبة المحددة ، ولو كان النص يشير إلى المسيح ، لما كنا فى حاجة إلى طرح تلك الأسئلة العديدة ، ولنتصور إذن كيف تكون عقيدة أمة بكاملها قائمة على أساس من الوهم والخيالات إنها أشبه ببناء عظيم من "الكرتون" أو الورق ، لا يمكن أن يصمد فى وجه الرياح .
من المشار إليه إذن ؟
كيف نحدد المشار إليه إذن ؟ فى ظل لغة ضبابية تعتمد على المجاز أكثر مما تعتمد على الحقيقة ؟ نعم إن لغة الكتاب (المقدس) فى سمتها لغة مجازية ، وهذا ما يؤدى إلى تداخل الأبعاد واختلاط المفاهيم ، ولنعط لذلك أمثلة :
"مع الرحيم تكون رحيما ، ومع الكامل تكون كاملا ، ومع الطاهر تكون طاهرا ، ومع المعوج تكون معوجا ، لأنك تخلص الشعب المتضايق ، أما المترفعون فتخفض عيونهم لأنك أيها الرب تضئ مصباحى .
مزمور (18 : 25 - 28)
وعلى الرغم من أن النص كله مجازى غير أننا وضعنا خطا تحت أكثر العبارات مجازية فى النص .
"افدِ إسرائيل يا الله من جميع ضيقاته"
مزمور (25 : 22)
"حين سكت عن الاعتراف بالذنب , بليت عظامى فى تأوهى النهار كله كانت يدك ثقيلة الوطأة على نهارا وليلا, حتى تحولت نضارتى إلى جفاف حر الصيف" .
مزمور (38 : 3 - 4)
"ألست أنت الله الذى أقصيتنا ولم تعد تخرج مع جيوشنا"
مزمور (60 : 10)
"خلصنى يا الله فإن المياه قد غمرت نفسى ، غرقت فى حمأة ولا مكان فيها أستقر عليه ، خضت أعماق المياه وطما علىّ السيل"…
مزمور (69 : 1 -2)
"حُسبت فى عداد الهابطين إلى قعر هوة الموت ، كرجل لا قوة له, تركونى أموت كقتلى الحرب الممدين فى القبر"……
مزمور (88 : 4 - 5)(1/30)
"هل تصنع عجائب للأموات أم تقوم أشباح الموتى فتمجدك؟"
مزمور (88 : 10)
"هل شاهدت ما فعلت الخائنة إسرائيل ؟ كيف صعدت إلى كل أكمة عالية وتحت كل شجرة خضراء وزنت هناك (أى عبدت الأوثان)" …
إرميا (3 : 7)
"قد ارتكبت العذراء إسرائيل أمرا شديد الهول"
إرميا (18 : 13)
"تلفعت (الرب) السحاب حتى لا تبلغ إليك صلاة" إرميا (3 : 44)
"وها أنا أجعلك نورجا محددا جديدا مسننا فتدرس الجبال ، وتجعل التلال كالعصافة فتذريها" …
إشعياء (41 : 15)
وأنا لا أود الإطالة على القارئ بذكر أمثلة كثيرة , حتى لا يصاب بالملال, ولكن أريد فقط أن يعلم أن القاعدة فى الكتاب المقدس هى المجاز ، والاستثناء هو الحقيقة ، وفى ظل هذه الفوضى المجازية يستطيع كل من أراد أن يستنتج ما يشاء من فوضى دلالية ومعنوية .
لنقتحم إذن فضاء هذا النص المفعم بالغمام ، المشتبك الدلالات ، الفائض بالمجاز ، الملئ بالألغاز .
بعض المواصفات الخلقية في النص :
لا صورة ولا جمال يسترعيان نظرنا ، ولا منظر فنشتهيه محتقر ومنبوذ من الناس , لا تنطبق أية صفة من هذه الصفات على المسيح ، فقد كان وسيما ، وها هى صوره الساحرة فى الأفلام واللوحات وعلى جدران الكنائس .
"لم يكن المسيح محتقرا ولا منبوذا من ا لناس ، بل كانوا يدعونه يا معلم ، ويا سيد ويا رب ، وكانوا يتوسلون إليه لكى يشفى مرضاهم لما رآوه من معجزات .
على من يمكن أن تنطبق هذه المواصفات إذن ؟
على النبى إرميا ؟ من الممكن ، أو على الإمبراطور الفارسى كورش ؟ من الجائز .
تعالوا نجرب هذه المواصفات على النبي إرميا :
"فأصبحت مثار سخرية طوال النهار وكل واحد يستهزئ بى" إرميا (20 : 7)
"فجلبت على كلمة الرب الاحتقار والعار طوال النهار" إرميا (20 : 8)
المواصفات النفسية
"ولكنه حمل أحزاننا ، وتحمل أوجاعنا ، ونحن حسبنا أن الرب قد عاقبه وأذله إلا أنه كان مجروحا من أجل آثامنا ......"
وهذه المواصفات أيضا تنطبق على إرميا حيث يقول :(1/31)
"إن قلبى منكسر فى داخلى ، وجميع عظامى ترتجف"
إرميا (23 : 9)
"لماذا خرجت من الرحم لأقاسى التعب والأوجاع وأفنى أيامى بالخزى ؟"
أرميا (20 : 18)
ردود أفعاله
"ظلم وأذل ، ولكنه لم يفتح فاه ، بل (كشاه سيق إلى الذبح) .
وهذه هى العبارة التى يتشبثون بها ، ويستدلون بها فى أناجيلهم على أنها نبوءة عن المسيح .
مع أن هذه العبارة لا تدل على صلب ولا على قتل ، وإنما تدل على استسلام وضعف فى مواجهة الأشرار ، وقد وردت كثيرا جدا فى كتب العهد القديم , ولكنى أوثر أن أبدأ بما جاء فى حق إرميا, حتى نحسم المعركة من أول جولة وبالضربة القاضية ، ثم بعد ذلك نبحر خلال الكتاب "المقدس" لاستخراج عبارات مماثلة .
"ولكنى كنت كحمل أليف يساق إلى الذبح" إرميا (11 : 19)
ونحن نتساءل ، ومن حقنا أن نتساءل هل قتل إرميا ؟ وهل ذبح ؟ هل صلب ؟ أم إن عبارته تدل على الضعف وقلة الحيلة فى مواجهة الأشرار ؟ لقد أراد كاتبو الإنجيل أن ينصبوا لنا فخاخ مكرهم ، فأبينا إلا أن يقعوا فى أنيابها .
"وقد حسبنا مثل غنم معدة للذبح" مزمور (44 : 22)
"أسلمتنا كغنم معدة للذبح" ……… مزمور (8 : 22)
"الجهال يساقون للموت كالأغنام" مزمور (49 : 14)
فهل يقبلون أن يكون المسيح عليه السلام من الجهال ؟
إن هذه العبارة تراثية بالدرجة الأولى مفادها الاستسلام وقلة الحيلة كما قلنا ولا تدل على أن أحدا سيذبح أو سيقتل .
كما أن هناك ترجمة أخرى لهذه العبارة وهى "كشاة تساق نحو الذبح" فتصبح جملة النعت "تساق" نعتا للشاة لا المسيح أو غير المسيح ، وبالتالى فإنه لا يساق أصلا ، ولا شئ قد حدث من هذه الأوهام .
عودة إلى النص :
"وكنعجة صامتة أمام جازيها (جازريها ) لم يفتح فاه"
وهى أيضا تنطبق على إرميا لا على المسيح
قال لهم إرميا :
"أما أنا فإنى فى أيديكم اصنعوا بى ما يحلو لكم"
أما المسيح - وفقا لرواياتهم الإنجيلية- فقد تذمر وغضب وبكى وندم وسخط .(1/32)
يقول المسيح الذى كان كشاة لم يفتح فاه !
"أكما على لص خرجتم بالسيوف والعصى لتقبضوا على ؟" !
متى (26 : 55)
وقال وهو على الصليب (كما يزعمون)
"ألوى ألوى ، لما شبقتنى ؟" أى إلهى إلهى لما تركتنى ؟" مرقس (15 :34)
عودة إلى النص
"بالضيق والقضاء قبض عليه ، وفى جيله من كان يظن أنه استؤصل من أرض الأحياء وضرب من أجل شعبى"
وهذه أيضا تنطبق على إرميا
"فلما فرغ إرميا من الإدلاء بكل ما أمره الرب أن يخاطب به الشعب ، قبض الكهنة والانبياء وسائر الشعب عليه قائلين : لابد أن تموت"
إرميا (26 :4)
"لم أدرك أنهم يتآمرون على قائلين : لنتلف الشجرة وثمارها ولنستأصله من أرض الأحياء فيندثر اسمه إلى الابد" …… إرميا (11 :19)
"فلما بلغ بوابة بنيامين قبض عليه رئيس الحراس واسمه يرئيا بن شلميا بن حننيا قائلا لإرميا النبى أنت هارب للانضمام إلى الكلدانين ، فأجابه إرميا هذا كذب ، أنا لست هاربا للانضمام إلى الكلدانين, فلم يصغ إليه يرئيا بل اعتقله ، وأتى به إلى الرؤساء ، فثار الرؤساء على إرميا, وضربوه وزجوه فى بيت "يوناثان" الكاتب الذى حولوه إلى سجن" إرميا (37 : 13 - 15)
عودة إلى النص
"جعلوا قبره مع الأشرار ومع ثرى عند موته
مع أنه لم يرتكب جورا ولم يكن فى فمه غش"
وهذا لا ينطبق على وجه الحقيقة على إرميا ولا على المسيح ، لأن المسيح (كما زعموا) وضع فى قبر وحده ، فليس أمامهم إلا تأويل كلمة قبر بأنه الصليب ومع ذلك فلم يصلب المسيح مع الأشرار ولا مع ثري , بل مع لصين أحدها استهزأ به والآخر آمن به وفقا لرواية "لوقا"
"ثم قال : يا يسوع اذكرنى عندما تجئ فى ملكوتك ، فقال له يسوع الحق أقول لك : اليوم ستكون معى فى الفردوس" لوقا (23 : 42 - 43)
ولم يكن معه ثرى عند موته ، وإذا لم يكن ثمة مفر أمامهم من التأويل ، فنحن أيضا نأول النص على إرميا كالأتى :(1/33)
تستخدم كلمة القبر والموت على وجه الحقيقة وعلى وجه المجاز, إذا استخدمت على وجه الحقيقة , فإن النص من أوله إلى آخره لا ينطبق على أحد من البشر ؛ لأنه في نهاية النص سيتضح أن صاحب النص قد تزوج وأنجب وحارب , أي أنه لم يمت حقيقة بل مجازا , وكذلك كلمة القبر تستخدم مجازا للتعبير عن اليأس والإحباط والتعاسة .
إذن فالقبر هو كل ماسبق ، ويمكن أن يكون السجن أو الجب (البئر) الذى وضع فيه إرميا (ألقى فى السجن مرة ، وفى الجب مرة) ، ومعلوم أن السجن يضم الأشرار والآثمة والمذنبين والأثرياء والفقراء ، .....
"فأخذوا إرميا وطرحوه فى جب ملكيا ابن الملك القائم فى دار الحرس ، ودلوا إرميا بحبال ، ولم يكن فى الجب ماء بل وحل فغاص فيه إرميا"
إرميا (38 :6)
"فأمر الملك عبد ملك الأثيوبى : اصطحب معك من هنا ثلاثين رجلا واسحب إرميا من الجب قبل أن يموت" إرميا (38 : 10)
وواضح أن النص ينطبق على إرميا , وخصوصا أن بقية النص فيها إشارة إلى أنه لن يموت , كما قلنا من قبل ,بل سيتزوج ويرى نسله ، وهذا لم يحدث للمسيح .
عودة إلى النص
وحين يقدم نفسه ذبيحة إثم فإنه يرى نسله وتطول أيامه ، وتفلح مسرة الرب على يديه ، ويرى ثمار تعب نفسه ، ويشبع ، وعبدى البار يبرر بمعرفته كثيرين ، ويحمل آثامهم ، لذلك أهبه نصيبا بين العظماء فيقسم غنيمة مع الأعزاء ، لأنه سكب للموت نفسه ، وأحصى مع آثمة . وهو حمل خطيئة كثرين ، وشفع فى المذنبين .
وواضح أن هذا النص ليس له علاقة بالمسيح من قريب أو بعيد ، فهو لم يتزوج ,ولم ير نسله , ولم تطل أيامه ، ولم يقسم غنيمة مع الأعزاء ، ولم يسجن ، ولم يتحمل أثام شعبه ، بل تمرد عليهم ، وشتمهم وفق روايات الإنجيل
"جيل شرير"………… لوقا (11 : 29)
"ولكن لى معمودية على أن أتعمد بها ، وكم أنا متضايق حتى تتم , أتظنون أنى جئت لأرسى سلاما على الأرض ؟ أقول لكم لا بل بالأحرى الانقسام"
لوقا ( 12 :50 -51)(1/34)
أما إرميا فقد قال له الرب :
"ها أنا قد وليتك على أمم وشعوب لتستأصل وتهدم وتبدد وتقلب وتبنى وتغرس"………………إرميا (1: 10)
ولكن الأهم من كل ما قيل هو أن تفسير أية نبوءة يجب أن يكون فى سياقها التاريخى, حتى تكون ذات معنى ، وإلا فإننا نصف قائليها من الأنبياء بالعبث والاستهتار ، نعوذ بالله من ذلك , فمثلا هل يمكن أن يقال لأى أحد قد فقد أباه وأمه وإخوته ومنزله ، هل يمكن أن نعزيه بقولنا : أبشر فسوف تذاع المباراة بعد أسبوع مثلا ؟! أى منطق هذا ، وكذلك الحال بالنسبة لنبوءة "إشعياء" التى نحاول تشريحها لغويا ، وبنائيا ، لابد من معرفة سياقها التاريخى ، لاستنتاج ما يمكن أن تشير إليه .
لقد قيلت هذه النبوءة فى ظل السبى البابلى لبنى إسرائيل وتعرض هيكلهم للهدم ، ونسائهم وأطفالهم للقتل والاغتصاب , لقد كانت مرحلة قاسية فى تاريخ بنى إسرائيل ، فهل يمكن فى ظل هذه الظروف أن يحدثهم نبيهم عن شخص ما سوف يجئ ويصلب؟ أم عن شخص يجئ ويخلصهم تخليصا حقيقيا من أنياب الأسى ، ويعيدهم إلى أرضهم التى يشتاقون إليها .
أين العبث والمنطق إذن ؟ إن دلالة بهذه الهشاشة واللا معقولية لا يمكن أن ننتظر منها إلا الفوضى !
كارثة
لقد قمت بتفسير النبوءة باعتبار أنها تشير إلى حدث في المستقبل الآتي , على الرغم من أن أكثر الأفعال المستخدمة تدل على ماض ذهب , لقد جاريتهم فقط في ادعائهم أنها نبوءة مستقبلية , حاولوا أن يجعلوا قفازها في حجم المسيح , وأستطيع أنا كما يستطيع غيري أن يجعل القفاز في حجم إنسان آخر , فالملابس المعروضة في الفاترينات ليس مكتوبا عليها أسماء من يرتديها .(1/35)
إن التحليل الموضوعي لهذا الإصحاح يحدد مساره ذاتيا , دون أن يحتاج إلى صناع ملابس بحجم من يفصلونها لهم , إن الإصحاح يشير إلى الماضي , فلماذا يصرون على المستقبل ؟ إن هذا الإصحاح يشير إلى ذلك النبي المضطهد , الذي اغتصبت التوراة إنسانيته ونبوته ومكانته , إن الحقد الأسود لم يكن فقط يعشش في قلوبهم , بل كان أيضا يسيل في أحرفهم وأقلامهم , لكن الحقيقة تخرج من تحت الأنقاض , وتقفز من النوافذ , وتدخل من ثقب الباب , ولا يمكن أن تموت . إن هذا الإصحاح عن الذبيح إسماعيل عليه السلام , الذي استسلم لقضاء الله , ولم يفتح فاه , بل قال
"يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين " سورة الصافات آية 102
لقد كان إخوته وأقرباؤه بنو إسحاق يكرهونه كما قالت التوراة , لأنه ابن الجارية , احتقروه فعاش في الصحراء , لكن الله اجتباه , وأخرج من نسله محمدا صلى الله عليه وسلم , وخير أمة أخرجت للناس , ولذلك كان الإصحاح التالي له مباشرة , نبوءة عن بلاد العرب وعن مكة المكرمة , وذكرت كذلك في الإصحاح الستين , حيث جاء الوصف في الإصحاحين كالتالي :
- ترنمي أيتها العاقر (مكة) , وصفت بالعاقر ؛ لأنها لم يخرج منها أنبياء , لذلك فهي كالعاقر .
- أوسعي مكان خيمتك (صحراء )
- وأمجد بيتي البهي (بيت الله الحرام )
- يرث نسلك أمما
- تغطيك كثرة الجمال .
- كل غنم "قيدار" (اسم جد النبي صلى الله عليه وسلم ) تجتمع إليك .
- لا يسمع بظلم ولا خراب في أرضك .
- وبعد أن كنت ممقوتة مهجورة لا يعبر بك أحد , سأجعلك بهية إلى الأبد
- شعبك إلى الأبد يرثون الأرض.
لقد وقف الأوغاد من اليهود ضد إسماعيل , لكن الله كان معه , وها هي " زمزم" إلى يوم القيامة , تشهد بكرامة ونبوة هذا الرضيع المبارك الذي صار من العظماء .
أسطورة القيامة من بين الأموات
بالتأكيد هى أسطورة ، ويمكن أن نطلق عليها أكبر خدعة فى التاريخ .(1/36)
لم يجد اليهود الذين فوجئوا بأنهم قد خدعوا , ولم يصلبوا المسيح كما كانوا يتوهمون ، لم يجدوا أمام مكر الله بهم إلا مزيدا من العناد والكفر ، إنها كارثة من قبل السماء إذن ، وهم لا يمكن أن يعترفوا بالهزيمة حتى أمام الله ذاته . لذلك لم يجدوا أمام الظهور المباغت للمسيح عليه السلام إلا أن يقولوا لقد قام من بين الأموات , أى نحن نجحنا فى صلبه , وهو نجح فى القيامة . ولأن العقل ليس له أمة ينحاز إليها ، ولأن العقل لا يمكن أن يضعف أمام شهوة المال أو الجنس ، ولأن العقل يخرج من تحت الأنقاض والحطام شامخا ليس عليه ذرة غبار واحدة ، فإنه يقول لنا هؤلاء القوم كذابون .
ليس لقيامة المسيح فائدة ، لأن اليهود يؤمنون بعودة الموتى وقيامتهم ، وقد قدمت من الأدلة ما يكفى على ذلك فى أثناء حديثى عن عدم صلب المسيح بشهادة الكتاب "المقدس" ، فلا داعى لإعادته هنا ثانية ، ولكننا نكتفى بإشارة سريعة .
لقد ظهر المسيح ثانية لهم ، ومع ذلك لم تجرؤ أى رواية أن تدعى على لسان المسيح أنه قد قام من الموت , لم يقل المسيح بلسانه هو - لا بلسان كتبة الإنجيل إنى قد عدت إلى الحياة ولا قد قمت من الموت .
العبارات التى قالها المسيح بعد الظهور الثاني
فقال لهما يسوع "لا تخافا , اذهبا قولا لإخوتى أن يوافونى إلى الجليل ، وهناك يروننى"………………متى (28 : 10)
" ولكن بعضهم شكوا ، فتقدم يسوع وكلمهم قائلا : قد سلمت كل سلطة فى السماء وعلى الأرض ، فاذهبوا إذن وتلمذوا جميع الأمم ......."
متى (28: 17 -20)
"أخيرا ظهر للأحد عشر تلميذا فيما كانوا متكئين ووبخهم على عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم ، لأنهم لم يصدقوا الذين شاهدوه بعد قيامته" مرقس (16: 14)
"فقال لهم : ما لكم مضطربين ؟ ولماذا تنبعث الشكوك فى قلوبكم ؟ انظروا يدى وقدمى فأنا هو بنفسى ، المسونى وتحققوا ، فإن الشبح ليس له لحم وعظام كما ترون لى ."(1/37)
ثم قال لهم أعندكم هنا ما يؤكل ؟ فناولوه قطعة سمك مشوى فأخذها أمامهم وأكل ثم قال لهم هذا هو الكلام الذى كلمتكم به وأنا ما زلت بينكم : إنه لابد أن يتم كل ما كتب عنى فى شريعة موسى وكتب الأنبياء والمزامير . ثم فتح أذهانهم ليفهموا الكتب ، وقال لهم : هكذا كان لابد أن يتألم المسيح ويقوم من بين الأموات فى اليوم الثالث" لوقا (24 : 38 - 46 )
"فقال لها : لا تمسكى بى , فإنى لم أصعد بعد إلى الآب ، بل اذهبى إلى إخوتى وقولى لهم إنى سأصعد إلى أبى وأبيكم وإلهى وإلهكم"
يوحنا (20 : 17)
"فقال لهم يسوع : سلام لكم , كما أن الآب أرسلنى أرسلكم أنا"
يوحنا (20: 21)
"فقال له يسوع : ألأنك رأيتنى آمنت ؟ طوبى للذين يؤمنون دون أن يروا"
…………………يوحنا (20 :29)
هذا هو كل الكلام الذى قاله المسيح بعد ظهوره ، وكما ترون لا توجد عبارة واحدة يقول فيها :"إنى قد عدت أو قمت من الموت " بضمير المتكلم ، والعبارة الوحيدة التى قيلت ، جاءت فى إنجيل لوقا بضمير الغائب إضافة لتناقضها مع الأناجيل الثلاثة الأخرى , فهل من المنطق أن تبنى عقيدة القيامة على لا شئ ؟ ما الذى كان سيضر المسيح لو أنه قال موضحا لهم "إننى قد صلبت ، وإننى قد مت ، وإننى قد عدت إلى الحياة ؟
ميتٌ أم نائم ؟
كان المسيح عليه السلام عادة يتكلم بطريقة غامضة مجازية ، كان يتحاشى أن يكون مباشرا ، وكان ذلك الأمر يسبب تشويشا لدى اليهود والتلاميذ على السواء ، وإليكم بعض الأمثلة :-
خمير الفريسيين والصدوقيين(1/38)
…حذر المسيح عليه السلام تلاميذه من خبز الفريسيين و الصدوقيين ، فبدؤوا يتساءلون عن سبب ذلك ، لقد فهموا المعنى المباشر للكلمة - ومعهم الحق فى ذلك لكن المسيح وبخهم على قلة إيمانهم وفهمهم قائلا :"كيف لا تفهمون أنى لم أكن أعنى الخبز حين قلت لكم خذوا حذركم من خمير الفريسيين والصدوقيين ؟ عندئذ أدرك التلاميذ أنه لم يكن يحذرهم من خمير الخبز ، بل من تعليم الفريسيين والصدوقيين" …… متى (16 : 11 - 12)
إذن (فالخبز هو التعاليم) .
الهيكل
…لم يتحمل المسيح رؤية هؤلاء الباعة الذين يبيعون البقر والغنم والحمام فى باحة هيكل سليمان ، لقد استفزوه إذن باستهانتهم ببيت الله فجدل سوطا من حبال ، وطردهم جميعا من الهيكل ، ولكن هذه الجرأة استفزت مشاعر اليهود ضد المسيح عليه السلام وقالوا له :
"هات آية تثبت سلطتك لفعل ما فعلت !" فأجابهم يسوع : "اهدموا هذا الهيكل، وفى ثلاثة أيام أقيمه" فقال له اليهود : "اقتضى بناء هذا الهيكل ستة وأربعين عاما ، فهل تقيمه أنت فى ثلاثة أيام ؟ ولكنه كان يشير إلى هيكل جسده ، فلما قام من بين الأموات فيما بعد ، تذكر تلاميذه قوله هذا ، فآمنوا بالكتاب والكلام الذى قاله يسوع . وعلى الرغم من أن المسيح لم يقدم لليهود أى دليل على سلطته ، لأن إجابته لهم تشبه قول رجل إنه صعد إلى القمر ، فلما طالبه الناس بدليل قال اصعدوا وسوف تجدون اسمى على صخرة هناك ! لكن الذى يعنينا هنا أنهم أيضا لم يفهموا كلامه ، وكان يقصد بالهيكل جسده !!"
………… يوحنا (2 : 18 - 22)
…أى أن هيكل سليمان = جسد يسوع
هل كان المسيح يتعمد أن يسبب لهم هذا الاضطراب الذهنى والعصبى ، وما العلاقة بين الخبز والتعاليم أو بين الهيكل والجسد؟ ، لماذا لا تقال المعانى بشكل مباشر ؟ ، بدلا من كل هذه اللوغاريتمات ؟
النوم والموت
…استخدم المسيح عليه السلام النوم بمعنى الموت ، وفى كل مرة ، وللأسف الشديد لم يفهم الناس ولا التلاميذ .(1/39)
…"ثم قال يسوع : "لعازر حبيبنا قد نام ، ولكنى سأذهب لأوقظه ، فقال التلاميذ : يا سيد ، إن كان لعازر قد نام فإنه سينهض معافى ، وكان يسوع يعنى موت لعازر ، أما التلاميذ فظنوه يعنى رقاد النوم" .
يوحنا (11 : 11 - 13)
أى أنه استخدم النوم بمعنى الموت .
…لقد ماتت ابنة رئيس الكهنة ، وألجم الحزن أباها وأطفأ عينيه هول الصدمة، ولكن المسيح طمأن الرجل ، وذهب المسيح إلى بيت الرجل ، وأحياها بإذن الله , تعالوا إلى هذا المشهد
…"وكان الجميع يبكونها ويندبونها ، فقال : لا تبكوا إنها لم تمت ، بل هى نائمة "فضحكوا منه ، لعلمهم أنها ماتت ولكنه بعدما أخرجهم جميعا ، أمسك بيدها، ونادى قائلا : "يا صبية ، قومى " فعادت إليها روحها ، ونهضت فى الحال" .
لوقا (8 : 52 - 55)
…وهنا سمى المسيح الموت نوما .
الموت والضلال
…أطلق المسيح عليه السلام لفظ الموت على الضلال . فقد تحدث عن هذا الولد العاق الذى ترك أباه وأنفق كل ثروته فى المجون والخلاعة ، ولما ذاق مرارة الجوع والفقر ، عاد إلى أبيه نادما ، ولما رآه عانقه بحرارة ، طالبا صفحه و مغفرته ، وحينما شرع الأب فى الاحتفال بعودة ابنه الضال ، إذا بأخيه الأكبر يغضب لأنه كان مطيعا لوالده ، وكان هو أولى بالاحتفال من أخيه العاق فقال له الأب "يا بنى ، أنت معى دائما ، وكل ما أملكه هو لك ولكن كان من الصواب أن تفرح وتبتهج ، لأن أخاك هذا كان ميتا فعاش ، وكان ضالا فوجد "
لوقا (15 : 31 - 32)(1/40)
وهناك الكثير من النصوص التى تثبت أن معظم لغة المسيح مجازية تحير أكثر مما تريح وتربك أكثر مما تهدئ ، وكان اليهود والتلاميذ فى كل مرة عاجزين عن فهمه حتى إنه لما ظهر لهم ثانية (القيامة بين الأموات) ، ولم يكونوا يتوقعون عودته أو قيامته ، لأنهم أصلا لم يفهموا عبارته . "فقال لهما : يا قليلى الفهم وبطيئى القلب فى الإيمان ، أما كان لابد أن يعانى المسيح هذه الآلام ثم يدخل إلى مجده" لوقا (24 : 25 - 26)
…"وأخيرا ظهر للأحد عشر تلميذا فيما كانوا متكئين ، ووبخهم على عدم إيمانهم ، وقساوة قلوبهم لأنهم لم يصدقوا الذين شاهدوه بعد قيامته"
مرقس (16 : 14)
الإيمان والكفر
استخدمت كذلك كلمة الموت والحياة تعبيرا عن الإيمان والكفر ، فالمؤمن حى وإن مات , والكافر ميت وإن كان حيا . فالقيامة من بين الأموات تعنى الصعود من بين غير المؤمنين .
النص : "من آمن بى ، وإن مات فسيحيا ، ومن كان حيا وآمن بى فلن يموت إلى الأبد" يوحنا (11 : 25 - 26)
الكارثة :(1/41)
…لم يفهم التلاميذ أن المسيح سوف يقوم من بين الأموات بمعنى العودة إلى الحياة مرة أخرى ، ولكنهم أدركوا أنه على قيد الحياة حينما رآوه ، فمن الذى قال إنه كان ميتا موتا حقيقيا ثم قام من موته ؟ حتى إن التلاميذ أنفسهم بعدما رأوه لم يذكر أحد منهم أن المسيح كان ميتا ، لقد كان تركيزهم فقط على رؤيته وظهوره ، هل هي مؤامرة قد دبرها اليهود بليل لإيهامنا أن المسيح قد مات موتا حقيقيا ؟ فمن أعطى لنفسه الحق في أن يكون أكثر فهما وإيمانا من تلاميذ المسيح ؟ من الذى سرب إلى العقول أنه قد مات حقيقة وقام حقيقة ، وخصوصا أن الموت قد استخدم فى الإنجيل بمعنى النوم ؟ لقد كان المسيح نائما لا ميتا ، وقد أثبتنا من قبل أن قيامة المسيح ليس لها أية فائدة ,وإذا كانت تعبيرات المسيح مجازية وغامضة ، وإذا كانت كل المعانى بين الموت والنوم والضلال متداخلة كل هذا التداخل ، فمن الذى قال إن الموت هو موت على وجه الحقيقة ؟ ولماذا لا يكون نوما ؟ ولماذا لا تكون الأموات بمعنى الضالين من اليهود الذين كفروا من اليهود ؟ لم يقل المسيح ذلك , ولم يقله الحواريون فمن الذى قال ؟ .
*صاعقة*
يمكن رفض عقيدة القيامة من خلال التحليل اللغوى كالآتى :
لا توجد عبارة واحدة قال فيها المسيح بأن ابن الإنسان سيقوم من الموت ، ولكن العبارة المستخدمة سيقوم من بين الأموات ، وهل المسيح كان مدفونا مع الأموات أم دفن وحده ؟ ؟ !!
وباستخدام اللغة المجازية فإن الأموات غير الموت, والأموات تطلق على الموتى الحقيقيين ، وهذا لم يحدث حيث أنه مات منفردا .
أو تطلق على موتى القلوب الذين لا يؤمنون ويكون المقصود بهم الكتبة والشيوخ والفريسين ، ويكون المعنى أن المسيح سيقوم ويصعد إلى السماء من بين هؤلاء الذين لم يؤمنوا به وهذا ما حدث بالضبط .
*صاعقة*(1/42)
آية القيام من الأموات كان ينبغى أن تكون آية للفريسين والكتبة وفقا لرواية متى ولوقا ، كيف لم يظهر لهم المسيح ثانية بعد أن وعدهم بهذه الآية ؟
"عندئذ أجابه بعض الكتبة والفريسين قائلين يا معلم نرغب فى أن نشاهد آية تجريها فأجابهم "جيل شرير خائن يطلب آية ، ولن يعطى آية إلا آية يونان النبى........." ………………… …… متى (12: 38 -40)
"عند الظهور الثانى ، كان ينبغى أن يريهم نفسه ، وحيث إن كتاب الأناجيل لم يدونوا هذا الموقف ، فإن الفريسين معهم الحق فى أن لا يؤمنوا لأنهم ينتظرون الآية حتى الآن .
فهل كانت القيامة من بين الأموات هى أكبر خدعة فى التاريخ ؟
إن تناقض الروايات بشأن نهاية يهوذا ، وإلحاح الشيوخ والكتبة على الادعاء بسرقة جثة (يسوع) لهو أكبر دليل على أن المصلوب كان يهوذا ، وأنه عند الظهور الثانى للمسيح ، لم يكن لائقا بهم أن يعترفوا بالهزيمة أمام الله ، وأنهم فشلوا فى صلب المسيح ، فقاموا بسرقة جثة يهوذا ، ووضعوها فى حقل الدم ، حتى لا يستطيع أحد أن يثبت أن المسيح لم يصلب ، لأنه بذلك :
1- لا يوجد جثة فى القبر .
2- إذن المسيح قد قام .
3- ومع التعذيب والضرب الذى تعرض له يهوذا ، شوهت الجثة التى وضعوها فى حقل الدم ، وقالوا مرة أنه انتحر ، وندم على خيانته للمسيح ورد ثمن الخيانة لرؤساء الكهنة والشيوخ ؟ متى (27: 3- 8)
ثم عادوا وناقضوا أنفسهم وقالوا إنه لم يندم ولم يرد ثمن خيانته واشترى حقل الدم ومات فيه ميتة طبيعية" … أعمال الرسل (1 : 17 -20)
وغالبا ما يترك اللصوص دليل إدانتهم .
أين يهوذا الإسخريوطى ؟(1/43)
…يهوذا ! ذلك الاسم الغامض الذى يثير الكثير من علامات الاستفهام ، كان على مسرح الأحداث ، أحد التلاميذ الاثنى عشر . وكان أمينا للصندوق, لكنه خان المسيح وأرشد عنه ، وسلمه إلى الكهنة والرومان ، وفجأة اختفى يهوذا من على المسرح ! لقد كان آخر عهدنا به حينما ذهب مع الجنود إلى مكان اختباء المسيح ، ثم اختطف من بين بقية المشاهد فجأة , لماذا لم يحاول التلاميذ الاعتداء على يهوذا الخائن كما حاولوا الاعتداء على الجنود الرومان ، وكما قطعوا أذن عبد رئيس الكهنة ؟، ألم يكن أحرى بهم أن يحاولوا فعل شئ ما ، أى شئ تجاه يهوذا ؟ لقد تم القبض على المسيح في الليل باتفاق جميع الروايات الإنجيلية , وفي ظل الازدحام , وجهل الجنود لشكل المسيح , تم إلقاء الشبه على يهوذا , واختلط الأمر على الجميع حتى الحواريين أنفسهم ,أين كان يهوذا لحظة صلب المسيح ! ، لماذا لم يذكر عنه أى شئ أثناء المحاكمة ؟ ولماذا لم يشد به الكهنة والشيوخ أمام الحاكم الرومانى ؟ لماذا لم تحمله الجماهير على الأعناق باعتباره الذى دلهم على ذلك الرجل المضل ؟! ولماذا بعد ظهور المسيح ثانية ، سكت الجميع عن ذكر يهوذا ؟ ألم يكن أحرى أن يلعنه التلاميذ أمام يسوع عندما شاهدوه حيا؟ ، ألم يكن أحرى بعد علم يهوذا بظهور المسيح أن يذهب إليه ويعتذر ويطلب منه الصفح والمغفرة ، كما صفح يسوع عن المرأة الزانية ؟ إن جو يهوذا ملبد بالغيوم ، إنه أشبه بالشبح الذى اختفى فجأة بعدما ظهر فجأة ، كما أن الروايات التى وردت بشأنه فى إنجيل متى ، وفى أعمال الرسل هى روايات متناقضة ، متضادة تلغى كل منهما الأخرى ، وبالتالى هى مشكوك فيها ,ولا يمكن أن يعول عليها تعويلا مطلقا .
رواية متى :(1/44)
…"فلما رأى يهوذا مسلمه أن الحكم عليه قد صدر ، ندم ، ورد الثلاثين قطعة من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ ، وقال "لقد أخطأت إذا سلمتكم دما بريئا" فأجابوه : "ليس هذا من شأننا نحن ، بل هو شأنك أنت فألقى قطع الفضة فى الهيكل وانصرف ، ثم ذهب وشنق نفسه . فأخذ رؤساء الكهنة قطع الفضة وقالوا هذا المبلغ ثمن دم ، فلا يحل لنا أن نلقيه فى صندوق الهيكل ! وبعد التشاور , اشتروا بالمبلغ حقل الفخارى ليكون مقبرة للغرباء ، ولذلك ما زال هذا الحقل يدعى حتى اليوم حقل الدم . عندئذ تم ما قيل بلسان النبى إرميا القائل : " وأخذوا الثلاثين قطعة من الفضة ثمن الكريم الذى ثمنه بنو إسرائيل ، ودفعوها لقاء حقل الفخارى ، كما أمرنى الرب"
متى (27 : 3-1 )
خطأ قاتل
إرميا أم زكريا ؟
لم يقل تلك العبارة النبى إرميا بل هو زكريا فى الإصحاح (11 : 12-15)
فهل قد أخطأ الوحي ولم يفرق بين إرميا وزكريا ؟
وليس لهذا الخطأ الذى وقع فيه متى حل إلى يوم القيامة !!!
أي قداسة إذن لوحي لا يفرق بين إرميا وزكريا؟ , فهل يمكن أن تكون هذه الروايات إلهامية ؟ من الذي ألهمها الله ؟ وهل يمكن أن يخطيء؟
لن نلتمس العذر لمتى , ولن نلتمس العذر لمن صدق متى , إنها جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد , لم يقتل فيها جسد , بل روح ,ولم يقتل فيها فرد واحد بل ملايين .
رواية أعمال الرسل :
…"وكان يهوذا يعتبر واحدا منا ، وقد شاركنا فى خدمتنا ، ثم إنه اشترى حقلا بالمال الذى تقاضاه ثمنا للخيانة ، وفيه وقع على وجهه ، فانشق من وسطه واندلقت أمعاؤه كلها ، وعلم أهل أورشليم جميعا بهذه الحادثة"
(1 : 17 - 19)
وإذا كانت أورشليم كلها قد علمت بذلك ، فهل كان متى في غيبوبة عن هذه الحادثة ؟ لماذا لم يعلم متى بذلك؟
يهوذا فى إنجيل متى
يهوذا فى أعمال الرسل
ندم
لم يندم
رد المال إلى الشيوخ والكهنة
لم يرد المال
الكهنة والشيوخ هم الذين اشتروا حقل الدم
يهوذا هو الذى اشترى حقل الدم(1/45)
يهوذا ا ن ت ح ر
يهوذا لم ي ن ت ح ر
أين يهوذا ؟
صلب يهوذا بدلا من المسيح ، وحينما ظهر المسيح بعد ذلك فوجئ اليهود والرومان بأن الله قد خدعهم جميعا ، فقاموا بسرقة جثة يهوذا من القبر ووضعوها فى حقل الدم وقالوا إن المسيح قد قام من بين الأموات ، لقد كانوا بين أمرين أحلاهما مر .
إما أن يعترفوا بأن الله خدعهم ومكر بهم ، أو يعترفوا بأنهم نجحوا فى صلبه ولكنه قام . إذن فالثانية أهون حفظا لماء الوجه .
هل عاش المسيح متنكرا ؟
بعد الظهور الثاني للمسيح على مسرح الأحداث , من حقنا أن نوجه تلك اللكمات في حلبة الملاكمة .
1- لو كان المسيح قد قتل , ودفن في أكفانه , فمن أين أتى بملابسه التي كان يرتديها , وخصوصا أن الأكفان وجدت في القبر ؟
"فرأى أيضا الأكفان ملقاة , والمنديل الذي كان على رأس يسوع وجده ملفوفا وحده في مكان منفصل عن الأكفان "
يوحنا (20 :6 - 7 )
2- لماذا ظنت مريم المجدلية أن المسيح هو البستاني ؟
لقد كان معلمها وسيدها , وكانت ترافقه غالبا .
"فظنت أنه البستاني , فقالت له يا سيد , إن كنت أنت قد أخذته ,فقل لي أين وضعته لآخذه ؟ يوحنا (20 :15 )
3-لم يكن التلميذان اللذان كانا متجهين إلى عمواس يعرفان المسيح عند ظهوره الثاني , بل كانا يتحدثان إليه على أنه غريب .
"وبينما هما يتحدثان ويتباحثان ,إذا يسوع نفسه قد اقترب إليهما وسار معهما , ولكن أعينهما حجبت عن معرفته .وسألهما: أي حديث يجري بينكما وأنتما سائران ؟ فتوقفا عابسين , وأجاب أحدهما واسمه "كليوباس" فقال له:
" أنت وحدك الغريب النازل في أورشليم, ولا تعلم بما حدث ليسوع الناصري ؟"
لوقا (24 : 18 -19)
ودار بينهم حوار طويل , دون أن يعرفا أنه هو المسيح , أليس ذلك أمرا عجيبا ؟ ليس لدي شك في أنه كان متنكرا ز(1/46)
لم يكن المسيح قد مات , ولكنه كان يتابع الأحداث , دون أن يعرفه أحد , لقد رأى بنفسه ردود أفعال مبغضيه , بعد أن اعتقدوا أنهم صلبوه , ودفنوه , استمع إلى نكاتهم , وصراخهم , وتصفيقهم , وربما شربوا الخمر في صحة المصلوب , على الرغم من أنه لم يكن إلا رحيما بهم عطوفا على مرضاهم , وفقرائهم , حتى موتاهم , أحياهم بإذن الله , ومسح دموع ذويهم , لكن قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة , إنهم لا يستحقون أي تعاطف عند دخولهم الجحيم التي تشتاق إلى أن تعانقهم , وتمتص دماؤهم .
لا يوجد شيء يستطيع أن يطفيء نار حقدهم إلا نار جهنم فهنيئا لها بهم , وهنيئا لهم بها .
شهود أم متهمون ؟!
الحواريون أنصار الله , وأنصار المسيح عليه السلام , مجدهم القرآن , ومجدتهم السنة , غير أن الإنجيل كان له رأي آخر , لقد ألقى بماء النار على وجوههم , فتشوهت ملامحهم تماما , ولن تجدي أي عمليات تجميل , أو ترقيع , كما أن اللجوء إلى الأقنعة , أمرمحكوم عليه بالفشل ,فلدينا الصور الحقيقية منشورة في صفحات الإنجيل .
الحواريون شهود على ما حدث , لكن الإنجيل أرغمنا على أن لا نقبل شهادتهم , وجعلها كعصف مأكول بعد أن ألقاها من قمة الجبل , فتناثرت أشلاؤها في أمعاء الريح , بل إن الإنجيل أشار إليهم بأصابع الاتهام ,ووضعهم مع المتهمين في قفص واحد , لماذا ؟ لا أعرف .
مواصفات الحواريين وفق روايات الأناجيل
قليلو الإيمان
"يا قليلي الفهم وبطيئي القلب في الإيمان "
لوقا (24 :25 )
لا يفهمون بسهولة
"ولكنهم لم يفهموا شيئا من ذلك "
لوقا (18 :34 )
قساة القلوب
"ألا تدركون بعد ولا تفهمون ؟ أما زالت قلوبكم متقسية ؟"
جبناء خذلوا معلمهم
"عندئذ تركه الجميع وهربوا "
مرقس (14 :50 )
يحلفون كذبا
"ولكنه بدأ يلعن ويحلف : "إني لا أعرف هذا الرجل "
مرقس (14 : 71 )
شكاكون فيه
"في هذه الليلة ستشكون في كلكم"
متى (26 :31 )
"يا قليل الإيمان لماذا شككت ؟"
متى (14 :31 )
شياطين(1/47)
"اغرب من أمامي يا شيطان , لأنك تفكر لا بأمور الله , بل بأمور الناس "
مرقس (8 :33)
تلاميذ من ؟ كيف يكون هؤلاء تلاميذ للمسيح ؟
القانون لا يقبل شهادة هؤلاء , والمحكمة لا تلفت إلى أقوالهم ؟ فكيف نأتمنهم على الدين ؟"
عذرا أيها الحواريون , أعلم جيدا , وأومن كذلك أنكم أعظم وأجل من هذه المهاترات ,
"قال الحواريون نحن أنصار الله , فآمنت طائفة من بني إسرائيل , وكفرت طائفة , فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين "
سورة الصف الآية (14)
مفاجآت
* عذراء فى قفص الاتهام
لم يكن اليهود ينتظرون طفلا يولد من عذراء كما حاول كتاب الأناجيل أن يخدعونا ، ولم تكن نبوءة سفر إشعياء إلا تفسيرا مغلوطا لحلقة مفقودة فى مؤامرة سوداء نسج اليهود خيوطها العنكبوتية ضد البشرية وضد الإسلام والتوحيد . ولم يقدم أحد دليلا على أن مريم كانت عذراء إلا الله فى قرآنه المعجز .
ولنعد إلى نبوءة إشعياء
"ها العذراء تحبل وتلد ابنا تدعوه عمانوئيل" …… إشعياء (7 :14)
لقد قام كتاب السيناريو بقص هذه النبوءة ولصقها عمدا على مريم العذراء، وليست كل عذراء مريم , يستطيع تارك الصلاة أن يقدم دليلا على عدم مشروعيتها من خلال نصوص القرآن إذا قال "فويل للمصلين" دون أن يكمل الآية , هذا بالضبط ما فعله المحترفون , ألم يجد هؤلاء دليلا على أن المسيح قد ولد من عذراء غير هذه النبوءة التى لا علاقة بينها وبين المسيح وأمه ؟وكما أشرنا فى كتابنا هذا من قبل وتساءلنا ما الذى يثبت أن المسيح قد جاء من عذراء ؟ وفوجئنا بأن الإنجيل ينفى هذه المعجزة تماما من حيث أراد أن يثبتها ، وجعل مريم متزوجة من رجل يسمى يوسف النجار ، فلم تكن عذراء فى عرف المجتمع اليهودى ، فما الحلقة المفقودة إذن فى إثبات عذرية مريم , وما العلاقة بين هذه النبوءة ومريم إذن طالما أن مريم ليست عذراء فى عرف اليهود ؟
المفاجأة(1/48)
هذه النبوءة لا تختص بامرأة عذراء ، وإنما تختص ببلد من البلاد !فلقد اعتاد العهد القديم إطلاق كلمة العذراء على البلاد ، وسنقتطف بعض النصوص التى تؤيد ذلك :
"قد ارتكبت العذراء إسرائيل أمرا شديد الهول" إرميا(18 : 13)
"انزلى واجلسى على التراب أيتها العذراء ابنة بابل" إشعياء (47 : 1)
بل إن العهد القديم أمعن فى وصف البلاد بمواصفات أنثوية بل أطلق عليها أسماء نساء .
"أما السامرة فهى أهوله ، وأورشليم هى أهوليبة ، وزنت أهوله مع أنها كانت لى (لله ، حاشا لله) وعشقت محبيها الآشوريين الأبطال .." …
حزقيال (23 :4-5)
والإصحاح 23 كله عن هاتين المدينتين (المرأتين) !
لذلك من العجيب أن يستدلوا بنبوءة تختص ببلدة ، ويتم نسج قناع لهذه العذراء ، ويكتبون عليه اسم مريم !
ونحن نستطيع أن نعلن في مكبر الصوت عن المفاجأة : أليست النبوءة تقول بأن العذراء تسمى ابنها عمانوئيل ، فهل سمت مريم ابنها عمانوئيل ؟
وسنوغل فى الإعلان وننقل نص النبوءة كاملا, حتى يتضح أنه ليس له علاقة بمريم ولا بالمسيح عليهما السلام .
"عندئذ قال إشعياء : "اسمعوا يا بيت داود ، أما كفاكم أنكم اضجرتم الناس حتى تضجروا إلهى أيضا ؟ ولكن السيد نفسه يعطيكم آية : ها العذراء تحبل وتلد ابنا ، وتدعو اسمه عمانوئيل . وحين يعرف أن يميز بين الخير والشر, يأكل زبدا وعسلا ، لأنه قبل أن يعرف الصبى كيف يرفض الشر ويختار الخير ، فإن إسرائيل وأرام اللتين تخشيان ملكيهما تصبحان مهجورتين" .(1/49)
وخلاصة النبوءة أن ملك مملكة "أرام" تحالف مع ملك مملكة "إسرائيل" لمحاربة ملك مملكة" يهوذا " ,فأراد الله أن يطمئن ملك يهوذا بأنه سوف يهلك هاتين المملكتين فى غضون خمسة وستين سنة ، وأعطاه علامة بأن طفلا يدعى عمانوئيل سوف يولد ، وقد حدثت النبوءة وتحققت النبوءة ، وجاء عمانوئيل (إشعياء 8:8) وكما قلنا من قبل ، فإن أية نبوءة لابد أن تفسر فى سياقها التاريخى حتى تكون ذات معنى , وإلا فإن ذلك هو العبث بعينه .
الكارثة
إذن فهى كارثة أن اليهود لم يكونوا ينتظرون عذراء , ولا طفلا يولد من عذراء, وكيف ينتظرون ما تحقق بالفعل ؟ لم يكن اليهود أغبياء ولا مجانين حتى يتم إقناعهم بما لا يكون . فما الذى ألجأ هؤلاء المزورين إلى تلك النبوءة إذن ؟
إنه الحقد على بنى العرب وعلى بنى الإسلام ، فلقد باغتهم المسيح بالحقيقة المرة وهى أن النبى العظيم من بنى العرب ، وهو الذى سيمتد ملكه إلى الأبد فكان لابد أن يعيدوا تفسير العهد القديم بما يتلاءم مع أهوائهم , فليكن المسيح هو المخلص المنتظر لا من ظلم الرومان ، ولكن من آثام الشعب ، وليكن المسيح هو الملك المنتظر ، ولكن مملكته مملكة روحية ليست من هذا العالم ، وليكن المسيح هو المصلوب لا يهوذا ، ولتكن قيامته من الموت بدلا من ظهوره الثانى وإعلانه أنه لم يمت ، وهكذا سلسلة من الاختراعات التى لا تنتهى .
"يحرفون الكلم عن مواضعه"
…سورة المائدة آية 13
"فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ، فويل لهم مما كتبت أيديهم ، وويل هم مما يكسبون" . سورة البقرةآية 79(1/50)
وتبقى الحقيقة الناصعة النقية ، وهى أن القرآن وحده هو الذى استطاع أن يثبت عذرية مريم ، وهو الوحيد الذى قدم دليل العذرية؛ بأن نطق الرضيع دفاعا عن أمه ، وبذلك كانت عذراء فى عرف المجتمع اليهودى بشهادة الرضيع لها ، أما روايات الإنجيل فقد أثبتت أنها امرأة متزوجة من يوسف النجار ، واغتصبت من مريم أعظم معجزة يمكن أن تنالها امرأة .
"إن هذا لهو القصص الحق ، وما من إله إلا الله ، وإن الله لهو العزيز الحكيم"
سورة آل عمران آية 62
* "الإنجيل يشهد لمحمد صلى الله عليه وسلم"
لقد مجد إنجيل يوحنا محمدا صلى الله عليه وسلم فى أكثر من خمس عشر آية ووصفه بمواصفات روحية وجسدية ، لكى يثبت لكل المعاندين أنه إنما يعنى بشرا ، إنسانا لا روحا أو أقنوما . أليس الإنسان يتكون من جسد وروح ؟ إذن فهذه الأوصاف هى أوصاف إنسان بلا شك .
الأوصاف الروحية :
1- روح الحق .
2- روح القدس .
الأوصاف البشرية :
1- وسوف أطلب من الأب أن يعطيكم معينا آخر .
2- يعلمكم كل شئ ، ويذكركم بكل ما قلته لكم .
3- سيد هذا العالم .
4- يؤدى إلىّ (المسيح) الشهادة .
5- يبكت العالم على الخطيئة ، وعلى البر ، وعلى الدينونة .
6- يرشدكم إلى الحق كله .
7- يخبركم بما يسمعه .
8- يطلعكم على ما سوف يحدث .
9- سيمجدنى (المسيح)
يوحنا (إصحاح 14 ، 15 ، 16)
ثم بعد ذلك يعاندون ويغالطون - كعادتهم - ويدعون أن هذه المواصفات خاصة بأقنوم الروح القدس ؟ الذى لا وجود له أصلا فى الاعتقاد اليهودى فيما يخص وحدانية الله . ويتذرعون بوصف المسيح له بأنه روح الحق وروح القدس ، ويهملون كل الصفات البشرية الأخرى علما بأن لفظة الروح تطلق فى الإنجيل على :
1- الملائكة .
2- الجن (الأرواح الخبيثة) .
3- الإنسان .(1/51)
وبذلك يمكن أن تكون جميع المواصفات الواردة فى النبوءة عن محمد صلى الله عليه وسلم ، مواصفات بشرية ، إذا اعتبرنا أن كلمة روح هنا بمعنى إنسان وها هى الأدلة على جواز إطلاق كلمة روح على الإنسان .
"المولود من الجسد هو جسد ، والمولود من الروح هو روح ، فلا تتعجب إذا قلت لكم : إنكم بحاجة إلى الولادة من جديد" يوحنا (3 : 6-7)
إذن فالروح هو الإنسان المؤمن الذى يولد من جديد أى ولادة إيمانية .
"ولما رأى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا ، قالا : "يا رب أتريد أن نأمر بأن تنزل النار من السماء وتلتهمهم ؟ فالتفت إليهما ووبخهم قائلا :
"لا تعلمان من أى روح أنتما"
لوقا (9 : 54 - 55)
"أيها الأحباء ، لا تصدقوا كل روح ، بل امتحنوا الأرواح لتتأكدوا من كونها أو عدم كونها من عند الله ، لأن عددا كبيرا من الأنبياء الدجالين
قد انتشر فى العالم"
رسالة يوحنا الأولى (4 : 1)
وإذا أصروا رغم وضوح كل هذا الأدلة على عنادهم ، ولم يقتنعوا إلا بأنه "روح" ، فإنه يعنى القرآن كلام الله ، لأن الله قد سمى القرآن روحا ، قال تعالى :
"وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ، ما كنت تدرى ما الكتاب ، ولا الإيمان ، ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا" سورة الشورى آية 52
وهو الذى أرشد وبكت العالم ، ومجد المسيح ، وأعلن الحقائق لكل الدنيا , أما روحهم القدس فلم يبكت العالم ولم يسمعه أحد .
"إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم"
………… سورة يونس آية96 ,97
* المسيح أبطل التثليث :
…ولما أنهى يسوع هذا الحديث رفع عينيه نحو السماء ، وقال "أيها الآب ، قد حانت الساعة ! مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضا ، فقد أوليته السلطة على جميع البشر ليمنح الذين قد وهبتهم له حياة أبدية ، والحياة الأبدية هى أن يعرفوك أنت الإله الحق وحدك ويعرفوا الذى أرسلته يسوع المسيح . يوحنا (17 : 1 - 3)(1/52)
…وينبغى علينا أن ننتبه لكى لا يخدعنا هؤلاء كعادتهم ، ويقولوا إنهم لا يقولون بالتثليث حيث إن قولهم
الأب ………الابن ………الروح القدس
إله واحد ( الله )
إنهم يقولون : إن الله واحد ذو ثلاثة أقانيم ، ونحن نعلن التوحيد كما أعلنه المسيح من قبل, ونقول لهم إن كلامكم صحيح إذا كان المسيح قد وجه كلامه إلى الله ، ولكنه وجه كلامه إلى الآب ، وهو (الآب) فى اعتقادكم واحد من ثلاثة ، فإذا كان هذا الواحد هو الإله الحق وحده كما قال المسيح عليه السلام فقد بطل الأقنومان الآخران ، وهذا ما حكاه القرآن تماما .
"ما قلت لهم إلا ما أمرتنى به أن اعبدوا الله ربى وربكم" … المائدة
وقد وردت عبارات مماثلة فى مواضع شتى من الإنجيل :
"أيها الآب البار ، إن العالم (اليهود) لم يعرفك ، أما أنا فعرفتك ،
وهؤلاء (الحواريون) عرفوا أنك أنت أرسلتنى" يوحنا (17 : 25)
…
"أظهرت اسمك للناس الذين وهبتهم لى من العالم ، كانوا لك فوهبتهم لى ، وقد عملوا بكلمتك ، وعرفوا الآن أن كل ما وهبته لى فهو منك ، لأنى نقلت إليهم الوصايا التى أوصيتنى بها ، فقبلوها ، وعرفوا حقا أنى أتيت
من عندك ، وآمنوا أنك أنت الذى أرسلتنى" يوحنا (17 : 6 - 8)
* تحية المسيح هى تحية الإسلام .
إن بعض الذين يأنفون أن يقولوا السلام عليكم ، متصورين أنهم يأنفون من تحية الإسلام ، إنما هم فى حقيقة الأمر يأنفون من كلام المسيح الذى ورد فى الأناجيل .
لقد كانت تحية المسيح هى تحية الإسلام وها هى النصوص :
"وعندما تدخلون بيتا ، ألقوا السلام عليه" …… متى (10 : 12)
"وإذا يسوع يحضر وسطهم قائلا "سلام لكم" يوحنا (20 : 19)
"وأى بيت دخلتم فقولا أولا سلام لهذا البيت" لوقا (10 : 5)
* المسيح يشهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بأنه سيد ولد آدم
"لن أكلمكم كثيرا بعد فإن سيد هذا العالم قادم" يوحنا (14 : 30)
شبهات من الإنجيل والرد عليها(1/53)
بعض الهنود يعبدون البقر, وقد كان للمصريين القدماء آلهتهم الخاصة !
كما تفنن اليونان والرومان في اختراع الكثير من الآلهة ,فالإنسان بفطرته منجذب إلى عبادة إله ما , وبالتأكيد فإن كل تلك الآلهة المخترعة في الوجدان الإنساني ليست إلا حبات لؤلؤ في عقد الوهم , إنها أشبه بتمثال صنعه صاحبه , ولفرط إعجابه به قام بعبادته !لكن الشيء المدهش أن كل هؤلاء يمتلكون الأدلة على أن آلهتهم فقط هي الحق , وما عداها محض أباطيل !
يمكن للإنسان الذي يفتقر للنزاهة والموضوعية أن يجعل من الوهم حقيقة , ومن الجماد جسدا حيا , ومن اللاشيء أشياء , ومشكلة الأديان أنك لا يمكن أن تدخل معمل اختبارات , و تضع كل إله مما سبق في أنبوبة اختبار , لكن ثمة معمل آخر يمتلكه كل إنسان , إنه معمل شامخ جدا , عظيم البنيان , لكن للأسف الشديد , لا يمكن لأحد أن يراه , إلا الإنسان ذاته ولا يمكن أن يطرق بابه إلا صاحبه , إنه شديد الخصوصية , لا يستعار ولا يشترى ولا يوهب , إنه الضمير والفطرة , إنها الذات .
أنت تستطيع أن تتظاهر بالسعادة , بينما صدأ اليأس يعشش في دمك , وتستطيع أيضا أن تتظاهر بالرضا, بينما أشواك السخط تنوش داخلك , وتستطيع كذلك أن تتظاهر بالهدوء والراحة , لكنك تلهث , وتلفظ أنفاسك في الأعماق , لا تحاول أن تقنعني بما لديك , حاول فقط أن تكون مقتنعا بما تقول , فحياتك على الأرض لا تتكرر إلا مرة واحدة , ولا تغتر بكثرة هذا الزحام , أنت تعيش وحدك , وتموت وحدك , وتبعث وحدك , ليس ثمة وقت .
* شبهات حول ألوهية المسيح .
"الذى رآنى فقد رأى الآب" …………يوحنا (14 : 9)
الرد : هذا تعبير عن رؤية قدرة الله ومعجزاته ، وقد جاء فى العهد القديم ما هو أشد من ذلك .
"وظهر الله ليعقوب مرة أخرى" …… التكوين (35 : 10)
"ورأوا إله إسرائيل" ……… خروج (24 : 10)
"فرأوا الله فأكلوا وشربوا" خروج (24 :12)(1/54)
"فقال منوح لامرأته إننا لابد مائتان لأننا قد رأينا الله" قضاة (13 :24)
فهذه تعبيرات مجازية عن رؤية عجائب قدرته, وأهل الكتاب مجمعون على أن الله لا يراه أحد .
"ما من أحد رأى الله قط "
يوحنا (18:1)
الشبهة :
"ألا تؤمن أني أنا فى الأب وأن الأب فىّ" يوحنا (14 : 9)
"الكلام الذى أقوله ، لا أقوله من عندى ، وإنما الأب الحال فىّ
هو يعمل أعماله هذه"………يوحنا (14 : 9 - 11)
والرد على هذه الشبهة من الإنجيل نفسه :
"فى ذلك اليوم تعلمون أنى أنا فى أبى ، وأنتم فىَّ وأنا فيكم" يوحنا (14:20)
فكيف يكون المسيح فيهم ؟ على وجه الحقيقة أم على وجه المجاز ؟
فلو كان الله في المسيح , وكان المسيح في التلاميذ لكان الله في التلاميذ , إذن فآلهتهم ليسوا ثلاثة بل اثنا عشر أو يزيدون !
إن المقصود بهذه العبارة أن يكون موجودا في قلوبهم ونفوسهم .
هل حينما يقول الإنسان "الله فى قلبى" معناها ذات الله ؟ أم الإيمان بالله ؟
الشبهة
"أنا والآب واحد" يوحنا ( 10 : 3)
والرد على هذه الشبهة من الإنجيل نفسه
"أيها الأب القدوس ، احفظ فى اسمك الذين وهبتهم لى ليكونوا
واحدا كما نحن واحد" يوحنا (17 : 11)
فهل التلاميذ كانوا واحدا أم اثنى عشر تلميذا ؟ إذن فهم واحد فى الهدف لا فى العدد , فما الفرق إذن بين كلمة واحد الخاصة بالتلاميذ وكلمة واحد الخاصة بالله والمسيح ؟ ، إنها وحدة المقصد .
"فهتف توما : ربى وإلهى ! فقال له يسوع ألأنك رأيتنى آمنت ؟"
يوحنا (20 : 28)
والرد على هذه الشبهة ، أن هذه العبارة ليست موجهة من توما إلى المسيح لأنه لم يقل أنت ربى وإلهى ، وإنما هى عبارة تدل على الدهشة ، وقد قالها توما مندهشا عندما ظهر له المسيح حيا ، وقد كان يعتقد أنه صلب ، وقد جاءت عبارات مماثلة فى العهد القديم منها :
"وعندما تبين جدعون أنه ملاك الرب ، هتف مرتعبا آه يا سيدى الرب"
قضاة (6 : 23)(1/55)
فهى عبارة تدل علي الدهشة , نقولها فى حياتنا اليومية ، بكل اللغات يا إلهى Oh ,My God , حتى ولو كانت العبارة موجهة للمسيح ، فإن مصطلح رب أو إله يمكن إطلاقه على الأنبياء ، كما وضحنا ذلك من قبل ، وقد جاء ذلك على لسان المسيح نفسه .
…"الشريعة تدعو أولئك الذين نزلت إليهم كلمة الله آلهة" يوحنا (10 : 35)
الشبهة
"ليس لك من العمر خمسون سنة بعد ، فكيف رأيت إبراهيم ؟ أجابهم الحق الحق أقول لكم إننى كائن من قبل أن يولد إبراهيم" يوحنا (57 : 58)
…
والرد على هذه الشبهة : أن المسيح لم يقل إننى كائن قبل أن يكون إبراهيم بل قال قبل أن يولد إبراهيم ، وهناك فرق بين الكينونة (روح) والولادة (جسد) فنحن جمعيا كائنون قبل أن يولد إبراهيم .
…وقد وردت عبارة مماثلة فى سفر إرميا :
…"وقبلما ولدت أفرزتك وأقمتك نبيا للأمم"
أى أنه تم اختياره نبيا فى علم الله قبل أن يولد إرميا (1 : 6)
آلام المسيح(1/56)
سيدى المسيح أشهد أنك تألمت ، ولكن ليس على الصليب , لقد تألم قلبك وتألمت روحك ، وأنت تواجه الطوفان الأسود ، طوفان الكفر والبغضاء ، لقد قدمت لهم كل ما يشهد أنك مرسل من عند الله ولكنهم كانوا يغرسون خناجر العناد فى قلب كل معجزة ، وكانوا ينشبون أظفار الظلام فى رئة النور ، أردت أن تقدم لهم ماء الإيمان , فكسروا الكأس واستلذوا بالعطش والتيه ، بشرتهم باقتراب ملكوت محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكنهم صُعقوا لما علموا أنه من بنى إسماعيل ، ولما أخبرتهم بأن قانون النبوة قد كسر على يديك ، فانتقلت النبوة إلى بنى إسماعيل ، وكانوا قد رآوا ولادتك المعجزة تكسر القانون المعهود للولادة ، أي أن القانون الطبيعي للولادة كما كسر بإرادة الله , فكذلك قانون النبوة , يكسر بإرادة الله فجئت من غير ذكر ، لكنهم ازدادوا عنادا لك ، ولما اعترضوا بأن المسيح يجب أن يكون من نسل داود ، أخبرتهم بأن هذا لا يمكن أن يكون وقلت لهم : "إذن كيف يدعوه دواد بالروح ربا له إذ يقول : قال الرب لربى اجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك ؟ فإن كان داود يدعوه ربه ، فكيف يكون ابنه ؟"
متى (22 : 43 - 45)
…(1/57)
سيدى المسيح لقد جئت من أجل الروح ، فكانت مملكتك مملكة روحية ، ليست من هذا العالم ، وأخبرتهم بأنهم لن يدخلوا الملكوت إلا إذا ولدوا ولادة روحية ، فلماذا يريدونك أن تتألم بالجسد على الصليب ؟ ، لماذا يقللون من شأنك إلى هذا الحد ؟ لقد تألم كثيرون آلاما جسدية ، أما أنت ، فلقد سموت على كل هؤلاء لأنك كلمة الله ، سيدى المسيح أشهد أن آلامك كانت بالروح لا بالجسد وأشهد أن الذى تألم بالجسد على الصليب هو يهوذا ، لقد تألمت حزنا على هؤلاء الذين اندفعوا إلى الهاوية ، وأنت تريد أن تنقذهم ، ولكنهم تفلتوا منك ، كانوا يتخبطون أمامك فى نفق التيه على الرغم من أنك كنت نورا بين أيديهم ، كان الدمع فى عينيك مهموما على هؤلاء وكان وجهك مكتسيا بتجاعيد الحزن .
…"يا أورشليم ، يا قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن اجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها فلم تريدوا .
متى (23 : 37)
لقد فاجأهم المسيح بالحقيقة المرة وهى أن محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين وهو أيضا من نسل إبراهيم مثلهم .
…"أنا أعرف أنكم أحفاد إبراهيم ، ولكنكم تسعون إلى قتلى ، لأن كلمتى لا تجد لها مكانا فى قلوبكم " ………… يوحنا (8 : 30)
ولما باغتهم بأن النبوة سوف تنزع منهم وتعطى لأمة العرب حاولوا قتله .
"إن ملكوت الله سينزع منكم ويسلم إلى أمة تؤدى ثمره" متى (21 : 43)
لماذا يصرون على أن يجعلوا آلامك على الصليب و يرفضون أن تكون آلامك روحية كما كنت تعلمهم دائما ؟ لماذا رفضوا أن تكون مملكتك جسدية وأصروا على أنها روحية ، ثم يتناقضون مع أنفسهم ويجعلون آلامك جسدية لا روحية ؟
عفوا يا سيدى وأنت تراهم يسخرون من شبيهك يهوذا ويتلذذون بتعذيبك(يهوذا) ، إنهم بلا شك يتحملون إثم قتل نبى ولكن .
"وما قتلوه وما صلبوه ، ولكن شبه لهم"
سورة النساء آية 157(1/58)