( آثار المثل الأعلى )
(( دراسة عقدية ))
إعداد
د / عيسى بن عبد الله السّعدي
فرع جامعة أمّ القرى بالطائف
كليّة التربية / قسم الدراسات الإسلاميّة
I
ملخّص البحث
هذه الدراسة مقصودها شرح آثار المثل الأعلى ، وبيان ما ينبني على معرفته من أصول وبراهين التّوحيد ، وذلك من خلال النّقاط الآتية : ـ
1 ـ معرفة الربّ وتوحيده هي الثّمرة العظمى لمعرفة المثل الأعلى ؛ وهي ثمرة فطريّة عقليّة من حيث الأصل ، إلاّ أنّ المعرفة التامّة سبيلها العلم بما يجمعه المثل الأعلى من صفات الكمال .
2 ـ كمال العلم بمثل الربّ الأعلى يثمر في حياة المؤمن صدق العبادة والاستعانة ، وكلّ نوع من صفات الكمال يثمر عبادات قلبيّة خاصّة تدفع الجوارح لفعل الطّاعة وترك المعصية .
3 ـ براهين التّوحيد دائرة مع المثل الأعلى وجودًا وعدمًا ، ولهذا جعل اللّه مثل السّوء للمشركين وآلهتهم المزعومة ، وأخبر أنّه المتفرّد بالمثل الأعلى في السّموات والأرض .
4 ـ مشروعيّة الاعتبار بين صفات الربّ بقياس الأولى والمساواة ، وعدم مشروعيّته بين صفات الربّ والعبد إلاّ بقياس الأولى لما في قياس المساواة من التّنديد والتّمثيل .
( ( ( ( (
المقدّمة
الحمد لله وحده ، والصّلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده وبعد :ـ(1/1)
فقد تمدّح الربّ ـ تبارك وتعالى ـ بتفرّده بالمثل الأعلى في قوله : { وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ النّحل : 60 ] ، و قوله : { وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ الرّوم: 27 ] ، وجعله طريقًا لمعرفته وعبادته ، وبرهانًا على توحيده وبطلان عبادة ما سواه ؛ فالمعرفة المفصّلة لا تحصل إلاّ بما جاء به الوحي من أخبار عن أسماء الله وأفعاله ومثله الأعلى الجامع لأنواع كمالاته ، وتعلّق القلوب بربّ العالمين محبّةً ورغبةً ورهبةً وتوكّلاً ، وما يتبع ذلك من صدق العبادة والاستعانة والبراءة من الشّرك بجميع أنواعه ومظاهره كلّ ذلك من آثار العلم بالمثل الأعلى ، وصدق التّحقّق بمعرفة صفات الكمال ؛ ولهذا جعل الله مثل السّوء المتضمّن لكلّ نقص وعيب للمشركين وآلهتهم المزعومة ، وأخبر أنّ المثل الأعلى المتضمّن لكلّ كمال لله وحده ؛ قال تعالى : { لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى } [ النّحل : 60 ] . وعلى هذا الأساس المحكم قامت براهين التّوحيد ؛ الصّريح منها وما كان عن طريق التّشبيه وضرب الأمثال ؛ لأنّ استحقاق العبادة دائر مع صفات الكمال وجودًا وعدمًا ؛ فمن جمعها فهو الإله الحقّ الَّذي له المثل الأعلى ، ومن تجرّد عنها فهو الإله الباطل الَّذي له مثل السّوء !
وقد عني علماء السّلف بتحديد مدلول المثل الأعلى ، وتفسيره من وجوه مختلفةٍ ؛ فمن حيث حقيقته فسّروه بصفات الكمال الَّتي يستحيل معها وجود المثل والكفء ، ومن حيث آثاره فسّروه بالتّوحيد وما يتضمّنه من حقائق الإيمان ، وهما معنيان مترابطان أحكم ترابط وأوثقه ؛ فإنَّ معرفة الربّ وعبادته ، وبراهين التّوحيد وأدلّته كلّها مبنيّة على كمال العلم بما يجمعه مثل الربّ الأعلى من صفات الكمال .(1/2)
وعلى هذا فإنّ دراسة المثل الأعلى تتطلّب دراسة أمرين مترابطين ومتكاملين : ـ
أحدهما : حقيقة المثل الأعلى ؛ وذلك ببيان معناه ، وشرح مدلولاته ، الَّتي يجمعها ثبوت الكمال الوجودي المطلق المنافي لصفات النّقص ووجود المثل ، وقد أفردت هذا الجانب بدراسة سابقةٍ ؛ بعنوان (( حقيقة المثل الأعلى )) .
والثّاني : آثار المثل الأعلى ؛ وذلك ببيان ما يثمره صدق التّحقّق بمعرفة المثل الأعلى من حقائق التّوحيد ، وما ينبني على التفرّد به من براهين الإيمان . وهذا الجانب هو موضوع هذه الدّراسة ؛ وهي في تمهيد ومطلبين وخاتمة : ـ
فالتّمهيد : في معنى المثل الأعلى .
والمطلب الأوّل : في معرفة الربّ وعبادته ، ويشتمل على المسائل
الآتية : ـ
1 ـ فطريّة المعرفة والتّوحيد .
2 ـ أدلّة وجود الله وتوحيده .
3 ـ دلالة المثل الأعلى على وجود الله وتوحيده .
4 ـ ثمرات المثل الأعلى الخاصّة .
5 ـ براهين التّوحيد .
6 ـ جناية التّعطيل .
والمطلب الثّاني : في قياس الأولى ، ويشتمل على المسائل الآتية : ـ
1 ـ معنى القياس وإطلاقاته .
2 ـ استعمال القياس بين صفات الله تعالى .
3 ـ حكم القياس بين صفات الخالق والمخلوقين .
4 ـ تطبيق قياس الأولى .
5 ـ أمّا الخاتمة فإجمال لأهمّ نتائج الدّراسة .
( ( ( ( (
(
معنى المثل الأعلى
اختلف المفسّرون في المراد بالمثل الأعلى في قوله : { وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ النّحل : 60 ] ، و قوله : { وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ الرّوم: 27 ] على ثلاثة أقوال :(1/3)
القول الأوّل : أنّ المراد بالمثل الصّفة ؛ كما في قوله تعالى : { ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ } [ الفتح : 29 ] ، أي صفتهم ، وقوله : { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ } [ الرّعد : 35 ] ؛ أي صفتها ؛ فالمثل الأعلى بمعنى الصّفة العليا ، وهذا قول لابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ ، وقال به الخليل وكثير من المفسّرين ؛ كالبغوي والقرطبي وابن كثير . وقد اختلف المفسّرون في تعيين الوصف الأعلى ؛ فمنهم من خصّه بأوصاف محدّدة ؛ كالتّوحيد والإخلاص ، أو النزاهة عن الولد ، وهذه طريقة البغوي وابن الجوزي ومن وافقهما . ومنهم من جعله عامًّا لجميع صفات الكمال ومعاني التنزيه . وهذه طريقة ابن كثير ومن وافقه (1) .
والظّاهر أنّ تخصيص الصّفة العليا بالتوحيد والإخلاص من تخريجات المفسّرين ، واجتهادهم في التّوفيق بين العبارات المأثورة عن السّلف في تفسير المثل الأعلى ؛ لأنّ التّوحيد والإخلاص من آثار الوصف الأعلى ، وليس هو الوصف الأعلى نفسه ؛ ولهذا درج أكثر المفسّرين على اعتبار تفسير المثل الأعلى بالتّوحيد قولاً مستقّلاً عن تفسيره بالصّفة !
القول الثّاني : أنّ المراد بالمثل الأعلى تنزيه الربّ عن وجود المثل ، روى الإمام الطّبري بسنده عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله : { وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى } [ النّحل : 60 ] قال : (( يقول : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) (2) . وهذا القول محقق لتفسير المثل الأعلى بالوصف الأعلى ؛ لأنّ نفي المثل إذا ورد في سياق المدح دلّ على التّفرّد بصفات الكمال ؛ ولهذا قال القرطبيّ : (( المثل الأعلى وصفه بما لا شبيه له ولا نظير )) (3) .(1/4)
القول الثّالث : أنّ المراد بالمثل الأعلى كلمة التّوحيد ، وما دلّت عليه من حقائق الإيمان ، يقول ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : (( المثل الأعلى شهادة أن لا إله إلاّ الله )) (4) ، ويؤثر نحوه عن قتادة ومجاهد ومحمّد بن المنكدر (5) . وقال قتادة في رواية ثانية : (( المثل الأعلى الإخلاص والتّوحيد )) (6) ، وهي بمعنى الرواية الأولى ؛ ولهذا قال أبو جعفر النحّاس : (( المعنيان واحد ؛ أي لله ( التّوحيد ونفي كلّ معبود دونه )) (7) .
ويدخل تحت هذا القول تفسير المثل الأعلى بما ضربه الله للتّوحيد وأهله من الأمثال ، وتفسيره بما يحلّ في قلوب المؤمنين من معرفة الربّ ومحبّته ؛ يقول ابن تَيْمِيَّة : (( وأمّا المؤمنون فإنّ الإيمان بالله ، ومعرفته ، ومحبّته ، ونوره وهداه يحلّ في قلوبهم ، وهو المثل الأعلى ، والمثال العلميّ )) (8) .(1/5)
وممّا يعضد تفسير المثل الأعلى بالتّوحيد قوله تعالى : { وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ ... } الآية [ الرّوم : 27 ، 28 ] ؛ فأتبع ما تمدح به من التفرّد بالمثل الأعلى ما يشعر بمعناه من أمثال التّوحيد ؛ ولهذا كان تفسير المثل الأعلى بالتّوحيد هو غالب المأثور عن السّلف (4 ، 5) . وهذا لا يعني ضعف تفسيرهم له بالصفة أو تفسيره بعدم وجود المثل ؛ لاختلاف مدارك عباراتهم ، ومآخذ أقوالهم ؛ وذلك لأنّ المثل الأعلى باعتبار حقيقته يعني التّفرّد بأوصاف الكمال الَّتي يستحيل معها وجود المثل ، وباعتبار آثاره يعني التّوحيد وما يحلّ في القلوب من حقائق الإيمان ومعاني الإخلاص ؛ ولهذا جنح بعض المفسّرين إلى تفسيره بمجموع أو أغلب المأثور عن السّلف ؛ يقول الخازن : (( ولله المثل الأعلى أي الصّفة العليا المقدّسة ؛ وهي أنّ له التّوحيد ، وأنّه المنزّه عن الولد ، وأنّه لا إله إلاّ هو ، وأنّ له جميع صفات الجلال والكمال )) (9) .
( ( ( ( (
المطلب الأوّل
معرفة الربّ وعبادته
فطرية المعرفة والتوحيد(1/6)
معرفة الربّ وتوحيده أعظم الحقائق المركوزة في فطر النّاس أجمعين ؛ فكلّ من سلمت فطرته من الاجتيال والتّبديل فإنّه سيذعن لا محالة لما يجده في داخله من الإيمان بوجود خالقه ، والإقرار المجمل بمعاني ربوبيّته ، وكمال صفاته ، واستحقاقه وحده للعبادة ، قال تعالى : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } [ الرّوم : 30 ] ، وروى الإمام البخاريّ بسنده عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعًا : (( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ )) (10) ، وفي رواية لمسلم : (( مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ وَهُوَ عَلَى الْمِلَّةِ )) (11) ، وفي رواية له أيضًا : (( إِلاَّ عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ )) (12) ، يقول ابن تَيْمِيَّة : (( الله سبحانه فطر عباده على محبّته وعبادته وحده ، فإذا تركت الفطرة بلا فساد كان القلب عارفًا بالله محبًّا له ، عابدًا له وحده )) (13) .
( ( ( ( (
أدلّة وجود اللّه وتوحيده
إلى جانب تلك الحجّة النّابعة من داخل الإنسان وأعماق نفسه فإنّ هناك حججًا خارجيّة في الأنفس والآفاق تجمعها حقيقةٌ عقليّة أوّليّة واحدة ؛ وهي دلالة الأثر على المؤثّر ، وهذه الحجج تنتظم ما لا يحصى من آحاد الأدلّة ؛ إذ العالم كلّه دليل وشاهد على وجود الله وتوحيده ؛ ولهذا جنح أهل العلم لحصر أنواع الأدلّة دون آحادها ؛ وذلك بطرق متعدّدة ، وتحت أسماءٍ مختلفة ، منها : ـ(1/7)
1 ـ دليل الخلق والاختراع ؛ فما يعلمه كلّ عاقل بالمشاهدة والضّرورة العقليّة من وجود المخلوقات بعد العدم دليل قاطع على وجود الخالق وتوحيده ؛ وذلك لافتقار المخلوق إلى الخالق ، واحتياج المحدَث للمحدِث ، قال تعالى : { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ } [ الطّور : 35 ، 36 ] ، وقال : { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ . قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ . قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ . قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَائِكُمُ الأَوَّلِينَ . قَالَ إنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ . قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } [ الشّعراء : 23 ـ 28 ] ، وهذا النّوع من الاستدلال يرتكز على أصلين معلومين بداهةً : ـ
أحدهما : حدوث المخلوقات ؛ وهذا معلوم بالمشاهدة في آحاد الحيوان والنّبات ، وبالضّرورة العقليّة في الكواكب وسائر المخلوقات ؛ لأنّها مسخّرة مدبّرة ، والمسخّر المأمور مخترَع من قِبَل غيره ضرورةً .
والثّاني : حاجة المحدَث إلى محدِث ؛ وهذا الأصل معلوم بضرورة العقل ؛ فالمحدَث لا بُدّ له من محدِث لا يفتقر إلى غيره ؛ وهو الله تعالى ، يقول ابن تَيْمِيَّة : (( معلوم بضرورة العقل أنّ المحدَث لا بُدّ له محدِث ، وأنّه يمتنع تسلسل المحدثات باتّفاق العقلاء ؛ وذلك بأن يكون للمحدث محدث ، وللمحدث محدث إلى غير غاية ، وهذا يسمى تسلسل المؤثّرات ، والعلل ، والفاعليّة ، وهو لا يزول إلاّ بمحدِث أزليّ لا يحتاج إلى غيره )) (14) .(1/8)
2 ـ دليل العناية ؛ فما في الوجود من مظاهر العناية بالمخلوقات عامّةً ، والإنسان خاصّة ، براهين قاطعة على وجود الخالق ، وعلى كماله ، وتوحيده . ويدخل في هذا الدّليل كثيرٌ من صور الاستدلال ، منها : ـ
أ ـ دلالة الإتقان ؛ فكلّ مخلوقٍ يحمل من كمال الإتقان ما يدلّ على وجود خالقه وكمال ذاته وصفاته ، قال تعالى : { صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } [ النّمل : 88 ] ، وقال : { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } [ السّجدة : 7 ] ، وقال : { لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التّين : 4 ] .
ب ـ دلالة التناسق ؛ فالعالم كلّه علويّه وسفليّه يخضع لنواميس كونيّة متناسقة ثمرتها التّوافق الدّقيق بين المخلوقات ، والموافقة التامّة لوجود الإنسان ، قال تعالى : { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [ يس : 40 ] ، وقال : { أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا . وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا . وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا . وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا . وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا . وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا . وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا . وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا . وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا . لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا . وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا } [ النّبأ : 6 ـ 16 ] ، وقال : { وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [ النّحل : 12 ] ؛ أي أدلّة على إثبات الصّانع وعلى التّوحيد والمعاد وصدق الرّسل ، ولهذا أطلق متعلّق الآية ولم يقيّدها بمطلوب معيّن (15) .(1/9)
جـ ـ دلالة الهداية العامّة ؛ فإنّ هداية المخلوقات ودلالتها إلى مصالح معاشها ، وسبل بقائها وما يقيمها ويحفظها من أعظم آيات الربوبيّة ، قال تعالى : { قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى . قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } [ طه : 49 ، 50 ] ، يقول ابن القيّم : (( الهداية العامّة قرينة الخلق في الدّلالة على الربِّ ـ تبارك وتعالى ـ وأسمائه وصفاته وتوحيده ، ومعنى الآية أنّ الله أعطى كلّ شيء من الخلق والتصوير ما يصلح به لما خلق له ، ثُمَّ هداه لما خلق له ، وهداه لما يصلحه في معيشته ومطعمه ومشربه ومنكحه وتقلّبه وتصرّفه . والخلق إعطاء الوجود العيني الخارجيّ ، والهدى إعطاء الوجود العلميّ الذهنيّ . والآية شاملة لهداية الحيوان كلّه ناطقه وبهيمه ، وطيره ودوابه ، فصيحه وأعجمه )) (16) .(1/10)
3 ـ دليل المعجزات ؛ فآيات الأنبياء ، وما يتبعها من نصر الرّسل وأتباعهم ، وإكرامهم بخوارق العادات ، وإجابة الدّعوات برهان حسّيّ عقليّ قاطع على إثبات الخالق وتوحيده وصدق رسله ، قال تعالى : { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إسْرَائِيلَ إذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إنِّي لأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا . قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إلا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ } [ الإسراء : 101 ، 102 ] ، أي حجج وأدلّة تبصر بصدق ما يدعو إليه موسى من الإيمان بالله وتصديق رسوله ، وآثار واضحة للإله الحقّ وصفاته وأفعاله ، يقول ابن القيّم : (( هذه الطّريق من أقوى الطّرق وأصحّها ، وأدلّها على الصّانع ، وصفاته ، وأفعاله ، وارتباط أدلّة هذا الطّريق بمدلولاتها أقوى من ارتباط الأدلّة العقليّة الصّريحة بمدلولاتها ، فإنها جمعت بين دلالة الحسّ (17) والعقل ، ودلالتها ضروريّة بنفسها ؛ ولهذا يسميها الله آيات بيّنات ، وليس في طرق الأدلّة أوثق ولا أقوى منها ؛ فإنّ انقلاب عصا تقلّها اليد ثعبانًا عظيمًا يبتلع ما يمرّ به ثُمَّ يعود عصا كما كانت من أدلّ الدّليل على وجود الصّانع وحياته وقدرته وإرادته وعلمه بالكليّات والجزئيّات ، وعلى رسالة الرَّسول ، وعلى المبدأ والمعاد ؛ فكلّ قواعد الدِّين في هذه العصا ! وهكذا سائر آياته وآيات الأنبياء ، فكلّها من أعظم الأدلّة على الصّانع وصفاته وأفعاله وصدق رسله واليوم الآخر )) (18) .
( ( ( ( (
دلالة المثل الأعلى على وجود الله وتوحيده(1/11)
لم يكتف الشّرع بتنبيه العباد وإرشادهم لما هو مركوز في فطرهم ، وما تعرفه عقولهم من الإيمان المجمل بوجود الله وتوحيده ، وإنّما عرّفهم بربّهم ومعبودهم معرفة مفصّلة ؛ إذ من المحال أن تستقلّ العقول بمعرفة فاطرها ومعبودها على التّفصيل (19) ؛ فعرفهم بأسماء الربّ وصفاته وأنواع كمالاته الَّتي يجمعها ما تفرّد به من المثل الأعلى في السموات والأرض ، قال : { اللَّهُ لا إلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [ البقرة : 255 ] ، وقال : { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إلَهَ إلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ . هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إلَهَ إلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ . هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ الحشر : 22 ـ 24 ] ، وقال : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ـ 4 ] .
ولهذه النّصوص نظائر كثيرة يدخل كلّ واحد منها ضمن جانب أو أكثر من جوانب المثل الأعلى ، وهي : ـ(1/12)
1 ـ صفات الكمال الذاتيّة ؛ قال تعالى : { اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ النّور : 35 ] ، وقال : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ الأنعام : 59 ] ، وقال : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ المجادلة : 7 ] ، وقال : { هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ الحديد : 3 ] ، وقال : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الزّمر : 67 ] .(1/13)
2 ـ صفات الكمال الفعليّة ؛ قال تعالى : { إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [ الأعراف : 54 ] ، وقال : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ هود : 6 ] ، وقال : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ لقمان : 27 ] ، وقال : { إنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } [ الأنعام : 95 ] .
3 ـ التّنزيه عن النّقائص المتّصلة ؛ قال تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ } [ ق : 38 ] ، وقال : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا } [ فاطر : 44 ] ، وقال : { عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ سبأ : 3 ] ، وقال : { وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } [ الكهف : 49 ] .(1/14)
4 ـ التّنزيه عن النّقائص المنفصلة ؛ قال تعالى : { بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ الأنعام : 101 ] ، وقال : { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إلَهٍ إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ المؤمنون : 91 ] ، وقال : { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } [ الإسراء : 111 ] ، وقال : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ الشّورى : 11 ] .(1/15)
وهذه المعرفة المفصّلة لا بُدّ أن تثمر في قلب العارف محبّة الله ورجاء ثوابه والخوف من عقابه والالتزام بعبادة الله وحده قولاً وعملاً ، وهذا هو المقصود الأعظم لما أخبرنا الله به من تفرّده بالمثل الأعلى في السموات والأرض ، قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ . بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ . فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } [ الرّوم : 27 ـ 30 ] ؛ فتمدّح الحقّ ( بتفرّده بالمثل الأعلى ، ثُمَّ أتبع ذلك بالأمر بلزوم موجبه والمقصود من ذكره ، وهو البراءة من عبادة ما سوى الله ، وإفراد الله بجميع أنواع العبادة والأمر بهذا التّوحيد والإخلاص مستفاد من المثل المضروب ببطلان الشّرك ولزوم التّوحيد ، ومن التّشنيع بجهل المشركين واتّباع أهوائهم بغير علم ، ومن الأمر الصّريح في آخر الآيات بالإخلاص الموافق للفطرة ؛ ولهذا فسّر كثير من علماء السّلف المثل الأعلى بمقصوده الأعظم من التّوحيد والإخلاص ؛ يقول ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : (( المثل الأعلى شهادة أن لا إله إلاّ الله )) (20)، ويقول قتادة : المثل الأعلى شهادة أن لا إله إلاّ الله )) (21) ، ويقول : (( المثل الأعلى الإخلاص والتوحيد )) (22) ، وقال مجاهد : (( المثل الأعلى قول لا إله إلاّ الله ))(1/16)
(23) ، وقال محمَّد بن المنكدر في قوله : { وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى } قال : (( لا إله إلاّ الله )) (24) .
فالمعرفة والتوحيد أمران متلازمان ؛ وهما أعظم ثمرات المثل الأعلى على الإطلاق ؛ ولهذا كثر في نصوص القرآن والسنّة التّصريح بصفات الكمال ليعرف العباد ربّهم بأسمائه وصفاته وأفعاله ، وتمتلئ قلوبهم بمحبّته وصدق التوكّل عليه ؛ فإنّ التّحقق بمعرفة صفات الإلهيّة يورث المحبّة الخاصّة المستلزمة لكمال الطّاعة والعبادة ، والتحقّق بمعرفة صفات الربوبيّة يورث صدق التوكّل وكمال الاستعانة ؛ وهي الاعتماد على الله وحده في جلب المنافع ودفع المضار ؛ ثقةً بكفاية الله في العطاء والمنع والضرّ والنّفع .
فالمعرفة الحقّ بصفات الإلهيّة تثمر إفراد الله بالعبادة قولاً وعملاً ، والمعرفة بصفات الربوبيّة تثمر كمال الاستعانة بالله ، والعبادة والاستعانة ، أو الشّرع والقدر هما أصلا السّعادة في الدّنيا والآخرة ، وخاصّة المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وقد جمع الله هذين الأصلين في مواضع من كتابه ؛ كقوله تعالى : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [ الفاتحة : 5 ] ، وقال : { فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [ هود : 123 ] ، وقال : { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ } [ الشّورى : 10 ] ، يقول ابن تَيْمِيَّة : (( النّاس في عبادته واستعانته على أربعة أقسام : ـ
فالمؤمنون المتّقون هم له وبه ، يعبدونه ويستعينونه .
وطائفة تعبده من غير استعانة ولا صبر ، فتجد عند أحدهم تحرّيًا للطّاعة والورع ، ولزوم السنّة ، لكن ليس لهم توكّل واستعانة وصبر ، بل فيهم عجز وجزع .(1/17)
وطائفة فيهم استعانة وتوكّل وصبر من غير استقامة على الأمر ولا متابعة للسنّة . فقد يمكن أحدهم ، ويكون له نوع من الحال باطنًا وظاهرًا ، ويعطى من المكاشفات والتأثيرات ما لم يعطه الصنف الأوّل (25) ، ولكن لا عاقبة له ؛ فإنّه ليس من المتّقين ، والعاقبة للتّقوى ؛ فالأوّلون (26) لهم دين ضعيف ولكنّه مستمرّ باق إن لم يفسده صاحبه بالجزع والعجز ، وهؤلاء لأحدهم حال وقوّة ، ولكن لا يبقى له إلاّ ما وافق فيه الأمر ، واتّبع فيه السنّة .
وشرّ الأقسام من لا يعبده ولا يستعينه ؛ فهو لا يشهد أنّ عمله لله ، ولا أنّه بالله )) (27) .
( ( ( ( (
ثمرات المثل الأعلى الخاصّة
إذا كانت العبادة والاستعانة ثمرتي التحقّق بالعلم بصفات الربوبيّة والإلهيّة على وجه الإجمال فإنّ لكلّ صفة من صفات الكمال عبادة قلبيّة خاصّة ، وحالاً معيّنة يثمرها العلم بها والتحقّق بمعرفتها ، وهي كثيرة ، منها : ـ(1/18)
أوّلاً : التّوكّل ؛ فإنّ العلم بقدرة الربّ وتفرّده بالضرّ والنّفع يورث أهله صدق التوكّل على الله وحده في جلب المنافع ودفع المضار ، وهذه الثّمرة من أعلى درجات الإيمان الَّتي توصل أهلها لخيرات الدّنيا والآخرة ، وأعلاها دخول الجنّة بلا حساب ، قال تعالى : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [ الأنفال : 2 ـ 4 ] ، وقال : { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [ الطّلاق : 3 ] ، أي كافيه في جلب المنافع ودفع المضارّ ، وروى مسلم بسنده عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعًا : (( عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ ... الحديث ، وفيه : هَذِهِ أُمَّتُكَ ، وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا (28) يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ... الحديث إلى قوله : هُمِ الَّذِينَ لا يَرْقُونَ وَلا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ )) (29) ؛ وهذه الفضيلة لأهل التوكّل التامّ خاصّة ؛ وهو ما تميّز أهله باجتماع ثلاث خصال قلّ أن تجتمع في مسلم ؛ وهي ترك الرقى الشركيّة ، وعدم العمل بمقتضى التشاؤم ، وترك الاكتواء في الأحوال المكروهة (30) .
والتوكّل عمل قلبيّ إذا استقرّ في القلب استتبع آثاره الظاهرة والباطنة ، وأهمّها اثنان : ـ(1/19)
أحدهما : البراءة التامّة من الشّرك الأكبر في التوكّل ؛ وهو الاعتماد على غير الله في الأمور الَّتي لا يقدر عليها إلاّ الله ، وذلك كالاعتماد على الأولياء المزعومين في الحفظ أو النّصر أو الرّزق أو العافية أو غير ذلك من المطالب الَّتي لا يقدر عليها إلاّ الله وحده .
الثّاني : صحّة التّعامل مع الأسباب ؛ وذلك بالحرص على فعل ما ثبت أنّه من الأسباب النّافعة شرعًا أو قدرًا دون اعتماد عليه ، أو اعتباره وسيلة مستقلّة أو حتميّة في حصول المسبّبات . وفي هذه الثّمرة نجاة المسلم من كثير من صور الشّرك الخفيّ ؛ كالاعتماد على الأسباب الظّاهرة العاديّة في حصول آثارها ، وكمباشرة بعض الأسباب الَّتي تعتبر شركًا أو ذريعة له ، روى الإمام أحمد بسنده عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ مرفوعًا : (( إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ )) (31) . وقد يصل الانحراف في التّعامل مع الأسباب بأهله إلى الخروج من الإسلام كليّة ؛ وذلك كمن يؤمن بالتأثير الذاتي للأسباب ، أو يباشر من الأسباب ما هو مشتمل على الشّرك الأكبر ؛ كالرقى والتّمائم المشتملة على سؤال غير الله ما لا يقدر عليه إلاّ الله (32) .(1/20)
ثانيًا : الحياء ؛ فإنّ العلم بسمع الربّ وبصره ، وعلمه المحيط بما في السّموات والأرض ، والتحقّق بمعيّته يثمر في قلوب العباد الاستحياء من اطّلاع الربّ عليهم ، وأن يراهم على ما يكره ؛ فتبقى خواطرهم وألسنتهم وجوارحهم محفوظةً من المعاصي الظّاهرة والباطنة ؛ ولهذا كثر في القرآن الكريم ذكر صفة العلم في نصوص الجزاء على الأعمال كقوله تعالى : { وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [ الملك : 14 ] ، وقوله : { اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ فصّلت : 40 ] ، وقال : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ المجادلة : 7 ] ، والمعيّة في الآية معيّة علم ، كما يدلّ لذلك سياق الآية ؛ حيث بدئت وختمت بالعلم ؛ ولهذا قال علماء السّلف : هو معهم بعلمه (33) . وهذه المعيّة تورث القلب كمال الحياء من الله تعالى ، وكذلك شأن المعيّة الخاصّة من باب أولى ؛ إذ كلا النّوعين يدلّ على مصاحبة الربّ لعبده واطلاعه على أحواله ، واختلافهما إنّما هو في المقتضى لا في أصل الدلالة ، يقول ابن القيّم : (( المعيّة نوعان : عامّة ؛ وهي معيّة العلم والإحاطة ... وخاصّة ؛ وهي معيّة القرب ... فهذه .. تتضمّن الموالاة والنّصر والحفظ . وكلا المعنيين مصاحبة منه للعبد . لكن هذه مصاحبة اطّلاع وإحاطة . وهذه مصاحبة موالاة ونصر وإعانة . فـ (( مع )) في لغة العرب تفيد الصّحبة اللائقة ، لا تشعر بامتزاج ولا اختلاط ولا مجاورة ولا مجانبة ؛ فمن ظنّ منها شيئًا من هذا فمن سوء فهمه أتي ))(1/21)
(34) .
ثالثًا : المحبّة ؛ وهي ثمرة العلم بجمال الربّ وكماله وإنعامه وإحسانه ؛ لأنّ القلوب مجبولة على محبّة الكمال ، وعلى محبّة من أحسن إليها . والمحبّة الَّتي يثمرها العلم بهاتين الصّفتين أكمل أنواع الحبّ القلبي ؛ وهي محبّة التألّه الَّتي إذا استقرّت في القلب أورثت أهلها كمال الاتّباع والإيثار ، وموافقة الربّ في محبوباته ومكروهاته ظاهرًا وباطنًا ، وليست مجرّد دعاوى وعواطف لا حقيقة لها في الواقع ، كما يتوهّمه المغرورون ، أو مجرّد محبّة عقليّة تعني إيثار ما يقتضي العقل السّليم رجحانه ، كما يزعم الجهميّة نفاة المحبّة ؛ إذ الربّ عندهم لا يحب ولا يُحب ؛ لأنّ المحبّة لا تكون إلاّ لمناسبة بين الجانبين ، ولا مناسبة بين القديم والمحدث !
والقرآن يكذب مقالتهم في نصوص كثيرة ؛ كقوله تعالى : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [ المائدة : 54 ] ، وقوله : { إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [ البقرة : 222 ] .
والحقّ خلاف ما عليه هؤلاء وهؤلاء ؛ فإنّ محبّة الله ـ تعالى ـ تملأ القلب ، وتستتبع آثارها الظّاهرة والباطنة ؛ التزامًا بالشّرع ، واتباعًا لأحكامه وتقديمًا له على كلّ محبوب ، قال تعالى : { قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } [ آل عمران : 31 ] ، وقال : { قُلْ إنْ كَانَ ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [ التّوبة : 24 ] .(1/22)
وهذه المحبّة أهمّ أعمال القلوب على الإطلاق ؛ لأنّها أصل أعمال الإيمان كما أنّ التّصديق أصل أقواله ؛ ولهذا كان شرك المحبّة أصل الشّرك العملي ، وأعظم أنواعه ، قال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ } [ البقرة : 165 ] ، يقول الآلوسي : (( جواب ( لو ) محذوف ؛ للإيذان بخروجه عن دائرة البيان ؛ أي لوقعوا من الحسرة والندامة فيما لا يكاد يوصف )) (35) .
رابعًا : الخوف ؛ وهو ثمرة العلم بصفات العقوبة ؛ كالغضب والسّخط والانتقام . والخوف من أعلى مراتب الإيمان ، ومن ضرورات تحقيقه ،
يقول الله تعالى : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا ... } الآيات [ الأنفال : 2 ـ 4 ] ، ويقول : { فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 175 ] ، يقول إبراهيم التيمي : (( ينبغي لمن لا يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النّار ، لأنّ أهل الجنّة قالوا : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ } [ فاطر : 34 ] ، وينبغي لمن لا يشفق أن يخاف ألا يكون من أهل الجنّة ، لأنهم قالوا : { إنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } [ الطّور : 26 ] ا.هـ كلامه )) (36) .(1/23)
والخوف المحمود تارة يتعلّق بالمخوف ذاته ؛ كخوف مقام الربّ أو عذابه ، وتارة يتعلّق بوسائل المخوف ؛ كخوف ردّ العمل ، أو الوقوع في الموبقات ؛ قال تعالى : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [ الرّحمن : 46 ] ، وقال : { وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } [ الإنسان : 7 ] ، وقال : { لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ } [ الزّمر : 16 ] ، وقال تعالى : { إنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءَاتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } [ المؤمنون : 57 ـ 61 ] ، روى الإمام أحمد بسنده عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قَالَتْ : (( قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا أَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } أَهُوَ الرَّجُلُ يَزْنِي وَيَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ ؟ قَالَ : لا يَا ابنة الصِّدِّيقِ ، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُ )) (37) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : (( أَدْرَكْتُ ثَلاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ( كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ )) (38) .(1/24)
والخوف من الله تعالى يستلزم القيام بفعل المأمور وترك المحظور ، قال تعالى : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } [ النّازعات : 40 ، 41 ] ، وأعظم ما يدخل في المحظور شرك العبادة ، فإنّه أعظم المحرّمات ، وهو ينتظم أنواعًا كثيرة ، منها شرك الخوف ؛ وهو أن يخاف من غير الله أن يصيبه بما لا يقدر عليه إلاّ الله سواءٌ اعتقد أنّ ذلك على سبيل الكرامة أو الاستقلال . وهذا المعنى هو الَّذي يعتقده المشركون في آلهتهم ؛ ولهذا كانوا يخافونها ويخوّفون بها أولياء الرّحمن ، قال تعالى : { وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } [ الزّمر : 36 ] ، وقال ـ حكاية عن قوم هود ـ : { إنْ نَقُولُ إلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوءٍ } [ هود : 54 ] ، وقد ورث هذا الشّرك كثيرًا من غلاة الشّيعة والصوفيّة وغيرهم .
أما ترك بعض الواجبات خوفًا من النّاس ؛ كترك ما يجب من الجهاد والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فهذا ممّا دون الشّرك من المحرّمات ، وهو الَّذي نزل فيه قوله تعالى : { إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 175 ] ؛ أي يخوفكم بأوليائه ؛ لئلا تجاهدوهم ، ولا تأمروهم بمعروف ولا تنهوهم عن منكر (39) .
خامسًا : الرّجاء ؛ وهو ثمرة العلم بصفات الرّحمة ؛ كالمغفرة واللطف والعفو والبر والإحسان . والرّجاء من أعظم عبادات القلوب ، وأقوى بواعث الطّاعة ، وقوّته في القلب تكون على حسب قوّة المعرفة بالله وصفاته ، يقول ابن القيّم : (( قوّة الرّجاء على حسب قوّة المعرفة بالله وأسمائه وصفاته ، وغلبة رحمته غضبه ، ولولا روح الرّجاء لعطّلت عبوديّة القلب والجوارح ، وهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا )) (40) .(1/25)
والرّجاء عبادة لا يجوز أن ينفكّ عنها المسلم لا في حال الإحسان ولا في حال الإساءة ؛ ففي حال الإحسان يرجو قبول العمل فرضًا كان أو نفلاً ، وفي حال الإساءة يرجو قبول التّوبة والتجاوز عن العقوبة ، قال تعالى : { إنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ البقرة : 218 ] ، وقال : { قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } [ الزّمر : 53 ] ؛ أي لمن تاب ، ولهذا عمّم في المذنبين وأطلق في الذّنوب ؛ لأنّ الله يغفر بالتوبة النّصوح لكلّ مذنب من كلّ ذنب ، وهذه خاصّة التوبة من بين أسباب المغفرة .
وقد اختلف أهل العلم في التّفضيل بين الرجائين ؛ فطائفة فضّلت رجاء المحسن ؛ لقوّة أسباب الرجاء معه ، وطائفة فضّلت رجاء المذنب التائب ؛ لأنّ رجاءه مجرّد عن علّة رؤية العمل ، ومقرون بكسرة رؤية الذّنب . والظّاهر أنّ التّفضيل لا يتعلّق بنوع الرّجاء ، وإنّما يتعلّق بمقدار ما يقوم بقلب صاحبه من حقائق التّقوى حال رجائه ؛ فمن كان أتقى كان رجاؤه أفضل سواء أكان محسنًا أو تائبًا ، قال تعالى : { إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [ الحجرات : 13 ] .
وفيما تقدّم ذكره بيان واضح لنوع الرجاء المحمود ؛ وهو إمّا رجاء المحسن لقبول العمل ، أو التائب لقبول التوبة . أمّا الرّجاء المجرّد عن العمل ، والاسترسال في المعاصي اتّكالاً على عفو الله تعالى فهو من الغرور ، والأمن من مكر الله ، قال تعالى : { أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [ الأعراف : 99 ] ، إذ عاقبته استدراج العاصي حتَّى يهلكه الله في غفلته !(1/26)
ولا بُدّ من اقتران الخوف والرّجاء في قلب المؤمن ؛ لئلا يفضي به الرّجاء إلى الأمن من مكر الله ، أو يفضي به الخوف إلى القنوط من رحمة الله ، واليأس من روحه ؛ ولهذا قرنت صفات الرّحمة بصفات العقوبة في مواضع كثيرة من القرآن ؛ لتورث المؤمن قوّة في الخوف والرّجاء ، واعتدالاً بين وعد الله ووعيده ، قال تعالى : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ } [ الحجر : 49 ، 50 ] ، وقال : { وَإنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ } [ الرّعد : 6 ] ، وقال : { اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ المائدة : 98 ] .
وللرّجاء الصّادق أكبر الآثار في واقع المسلم ؛ فهو يبعث على التوبة النّصوح ، والإكثار من الأعمال الصّالحة رجاء الفوز بجنّة الله ، ورؤيته ، وسماع كلامه ، ويحفظ عقيدة المسلم من التعلّق بالمخلوقات ؛ رجاء حصول البركة ، أو الشّفاعة ، أو كشف الضرّ ، أو تحويله ؛ ولهذا لا ترى في حياة المسلم الصّادق شيئًا من مظاهر شرك الرجاء ؛ كالتبرّك بمقامات الأنبياء ، أو بذوات الأولياء وأضرحتهم ، أو بالعيون والمغارات ، أو بغير ذلك من البقاع والأمكنة والأعيان ؛ لأنّه يعلم يقينًا تفرّد الربّ بجلب المنافع ودفع المضار ، ويؤمن بأنّ الله وحده هو محلّ رجائه في كلّ ما يؤمّله من خيرات الدّنيا والآخرة (41) .
( ( ( ( (
براهين التّوحيد(1/27)
تفرّد الربّ بالمثل الأعلى من أعظم أدلّة صحّة التّوحيد ووجوبه وبطلان الشّرك وتحريمه ؛ قال تعالى : { لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى } [ النّحل : 60 ] ؛ فجعل مثل السّوء المتضمّن لكلّ عيب ونقص للمشركين وآلهتهم المزعومة ، وأخبر أنّ المثل الأعلى المتضمّن لجميع صفات الكمال لله وحده . وهذا يستلزم عقلاً بطلان الشّرك وصحّة التّوحيد . وعلى هذا المعنى الجامع والتلازم الضّروريّ قامت براهين التّوحيد وإبطال الشّرك ؛ وهي أربعة أنواع : ـ
الأوّل : الاستدلال بتوحيد الرّبوبيّة على توحيد العبادة ؛ فإنّ تفرّد الربّ بمعاني الرّبوبيّة يستلزم إفراده بالعبادة ؛ وذلك لاعتبارات متعدّدة ، منها : ـ
1 ـ أنّ التّفرّد بالربوبيّة يعني التّفرّد بتربية العباد بنعمه وإحسانه ؛ وأصل ذلك الخلق ، إذ كلّ ما بعده من النّعم تابع له ، وفرع عنه ، ولا شكّ أنّ شكر من تفرّد بالخلق والإنعام أوجب شيء في العقول .
2 ـ أنّ التّفرّد بالربوبيّة يعني التّفرّد التامّ بجلب المنافع ودفع المضارّ ؛ وهذا يقتضي عقلاً أن يكون الربّ وحده محلّ محبّة العبد ورغبته ورهبته .(1/28)
3 ـ أنّ التّفرّد بالربوبيّة يعني التّفرّد بالخلق والملك والغنى الذاتي ، وأنّ ما عدا الربّ مخلوق مملوك فقير لا يصحّ عقلاً أن يكون محلاًّ لمحبّة العبد ورغبته ورجائه ، ولا لشيء ممّا ينشأ عن ذلك من عباداته !! وعلى هذه الاعتبارات وما يجري مجراها جاء هذا النّوع من براهين القرآن على صحّة التّوحيد وبطلان الشّرك ؛ فمن تفرّد بمعاني الربوبيّة من خلق وتدبير وملك وعناية وهداية ونفع وضرّ فهو المستحقّ عقلاً وشرعًا للعبادة وحده ، قال تعالى : { إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إلا مِنْ بَعْدِ إذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } [ يونس : 3 ] ، وقال : { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إلَهَ إلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } [ الزّمر : 6 ] ، وقال : { أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ... } الآيات [ النّمل : 60 ـ 64 ] .(1/29)
الثّاني : الاستدلال بتوحيد الصّفات على توحيد العبادة ؛ فإنّ التفرّد بصفات الكمال المطلق يستلزم تعلّق القلب بالموصوف بها محبّة وخوفًا ورجاءً وتألّهًا في الظّاهر والباطن ، وهذا البرهان ينتظم جميع ما ورد من صفات الكمال ؛ فكلّها أدلّة على توحيد العبادة سواء أصرّح بذكر لازمها ، أو ذكرت مجرّدة ؛ فمما ذكر مجرّدًا قوله تعالى : { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } [ الأنعام : 61 ] ، وقوله : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [ طه : 5 ] ، وقوله : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } [ المائدة : 64 ] ، وقوله : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } [ الحديد : 4 ] ، وقوله : { إنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [ الذّاريات : 58 ] ؛ فهذه النّصوص ونظائرها لم تذكر لمجرّد تقرير الكمال وإنّما ذكرت لبيان أنّ الموصوف بها هو المستحقّ للعبادة وحده ، يقول ابن تَيْمِيَّة : (( الله سبحانه لم يذكر هذه النّصوص لمجرّد تقرير الكمال له ، بل ذكرها لبيان أنّه المستحقّ للعبادة دون ما سواه ، فأفاد الأصلين اللذين بهما يتمّ التّوحيد ؛ وهما : إثبات الكمال ؛ ردًّا على أهل التّعطيل ، وبيان أنّه المستحقّ للعبادة لا إله إلاّ هو ردًّا على المشركين )) (42) .(1/30)
أمّا ما صرّح بذكر لازمه من نصوص الصّفات فقوله تعالى : { اللَّهُ لا إلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [ البقرة : 255 ] ، وقوله : { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إلَهَ إلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ . هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إلَهَ إلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الحشر : 22 ، 23 ] ، وقوله : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الزّمر : 67 ] ، فصرّح بذكر لازم صفات كماله ؛ وهو البراءة من الشّرك وأهله ، وإفراد الله بجميع العبادات الظّاهرة والباطنة ، ومحلّ الدلالة في قوله : { لا إلَهَ إلا هُوَ } ، وقوله : { سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ؛ فإنّ الشّهادة تدلّ على توحيد العبادة مطابقة ، والتّنزيه عن الشّرك يستلزم إفراد الله بالعبادة .(1/31)
وصفات الكمال لا تدلّ على التّوحيد فحسب ، بل إنّها تدلّ مع ذلك على ما يليق بالربّ من الأفعال ؛ ولهذا نزّه الربّ نفسه عن كلّ ما ينافي كماله من الأفعال ؛ قال تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ } [ الأنبياء : 16 ] ، وقال : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ } [ المؤمنون : 115 ] ، وقال : { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ . مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [ القلم : 35 ، 36 ] ، وقال : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ . لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ . ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ . فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } [ الحاقّة : 44 - 47 ] ، فنزّه نفسه عن اللعب والعبث والظّلم وتصديق المتنبئ بما لا معارض له من البراهين ؛ لأنّ هذه الأفعال تنافي كماله وحكمته وعدله ورحمته (43) .
الثّالث : الاستدلال بأوصاف الآلهة الباطلة على التّوحيد ؛ فإنّ كلّ ما يعبد من دون الله تعالى من بشر ، أو شجر ، أو حجر ، أو غير ذلك يجمعهم مثل السوء من الحدوث والعجز والفقر ؛ وهي كلّها صفات نقص تبطل ألوهيّتهم المزعومة ؛ وقد فصّل القرآن هذه الصّفات في نصوص كثيرة بطرق متعدّدة ، منها : ـ(1/32)
1 ـ تقرير أنّ كلّ ما يعبد من دون الله مخلوق مربوب لا قدرة له على الخلق ؛ وهذا يقتضي ضرورة بطلان الشّرك ، وأنّ الإله الحقّ هو خالق هذه المعبودات والخلق أجمعين ؛ قال تعالى : { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ } [ النّحل : 20 ] ، وقال : { أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ } [ الأعراف : 191 ] ، وقال : { هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } [ لقمان : 11 ] ، يقول ابن القيّم : (( إن زعموا أنّ آلهتهم خلقت شيئًا مع الله طولبوا بأن يروه إيّاه ، وإن اعترفوا بأنّها أعجز وأضعف وأقلّ من ذلك كانت إلهيتها باطلاً ومحالاً )) (44) .(1/33)
2 ـ أن الآلهة المزعومة ليست أهلاً للعبادة ؛ وذلك لتجرّدها من جميع معاني الرّبوبيّة ؛ فهي لا تنفع ولا تضرّ ، ولا ترزق ولا تضر ، ولا تملك مثقال ذرّة في السموات ولا في الأرض ، قال تعالى : { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا } [ المائدة : 76 ] ، وقال : { إنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ } [ العنكبوت : 17 ] ، وقال : { وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } [ الأعراف : 192 ] ، وقال : { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ } [ فاطر : 13 ] ، وقال : { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ . وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } [ سبأ : 22 ، 23 ] ، يقول ابن القيّم : (( أخذت هذه الآية على المشركين بمجامع الطّرق الَّتي دخلوا منها إلى الشّرك ، وسدّتها عليهم أحكم سدّ وأبلغه ، فإنّ العابد إنّما يتعلّق بالمعبود لما يرجو من نفعه ، وإلاّ فلو لم يرج منه منفعة لم يتعلّق قلبه به ، وحينئذٍ فلا بُدّ أن يكون المعبود مالكًا للأسباب الَّتي ينتفع بها عابده ، أو شريكًا لمالكها ، أو ظهيرًا ، أو وزيرًا ، أو معاونًا له ، أو وجيهًا ذا حرمة وقدر يشفع عنده ، فإذا انتفت هذه الأمور الأربعة من كلّ وجه وبطلت انتفت أسباب الشّرك وانقطعت مواده ؛ فنفى سبحانه عن آلهتهم أن تملك مثقال ذرّة في السموات والأرض ، فقد يقول المشرك هي شريكة لمالك الحقّ . فنفى شركتها له ، فيقول المشرك : قد تكون ظهيرًا أو(1/34)
وزيرًا ومعاونًا ، فقال : وماله منهم من ظهير ، فلم يبق إلاّ الشّفاعة فنفاها عن آلهتهم ، وأخبر أنّه لا يشفع عنده أحد إلاّ بإذنه )) (45) .
3 ـ بيان ما عليه الآلهة المزعومة من صفات النّقص المنافية للألوهيّة ؛ فهي إمّا مخلوقات محتاجة ، لا قيام لها بنفسها ، أو جمادات لا تسمع ولا تبصر ولا تتكلّم ، قال تعالى : { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } [ المائدة : 75 ] ، وقال : { إنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ } [ فاطر : 14 ] ، وقال ـ حكاية عن الخليل ( ـ : { يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا } [ مريم : 42 ] ، وقال : { أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ } [ الأعراف : 148 ] (46) .
الرّابع : الاستدلال على التّوحيد بضرب الأمثال في المعاني (47) ؛ وهي عبارة عن براهين وحجج تفيد توضيحًا للمعنى أو دلالةً على الحكم عن طريق تصوير المعقول في صورة المحسوس ، أو تصوير أحد المحسوسين في صورة أظهرهما ، واعتبار أحدهما بالآخر . وهي أقوى في النّفس ، وأبلغ في الإقناع ؛ لقوّة التّشبيه ، وقربه من الحسّ ، واقتران دلالته بالترغيب والترهيب (48) . وأمثال التّوحيد ممّا يدخل في معنى المثل الأعلى ؛ ولهذا فسّره ابن كيسان بما ضربه الله للتّوحيد والشّرك من الأمثال (49) ، وهو تفسير للمثل الأعلى باعتبار أثره لا باعتبار حقيقته ؛ وهو يعمّ تفسيره بكلمة التّوحيد ، أو بمدلولاتها ، أو بأدلّتها وبراهينها كما تقدّم في التّمهيد (50) .(1/35)
وقد ذكر الله في كتابه كثيرًا من الأمثال المشتملة على ذكر ما في الآلهة المزعومة من نقائص وأمثال سوء تنفر القلب ، وتهدي العقل بالبرهان لبطلان الشّرك وصحّة التّوحيد ، والتزامه قولاً وعملاً ، رغبًا ورهبًا ؛ ومنها : ـ
1 ـ قوله تعالى : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ } [ النّحل : 75 ] ؛ فهذا مثل ضربه الله لنفسه وللأوثان ، فللأوثان مثل السّوء ولله المثل الأعلى في السموات والأرض ؛ فالله تعالى هو مالك كلّ شيء ، ينفق على عباده سرًّا وجهرًا وليلاً ونهارًا ، والأوثان مملوكة عاجزة لا تقدر على شيء ، فكيف يقبل عقل أن تكون شريكةً لله ومعبودة معه مع هذا التّفاوت العظيم (51) !
2 ـ قوله تعالى : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [ النّحل : 76 ] ؛ وهذا مثل آخر ضربه الله لنفسه وللوثن ؛ فإنّ القادر على الحقّ قولاً وأمرًا وفعلاً لا يماثل الأبكم الَّذي لا يقدر على شيء ألبتة لا نطقًا ولا فعلاً ؛ وهكذا شأن الله مع الأوثان ـ ولله المثل الأعلى ـ فإنّ كماله المطلق يحيل أن تماثله الأوثان العاجزة في شيء من كمالاته أو حقوقه (52) !(1/36)
3 ـ قوله تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ . مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [ الحجّ : 73 ، 74 ] ؛ وقد ضرب الله هذا المثل بأوجز عبارة وأحلاها ، وبيّن فيه ما يعمّ المعبودات الباطلة من عجز حتَّى حال الاجتماع والتّعاون ؛ فهي لا تقدر على إيجاد مخلوق من أضعف المخلوقات ، ولا حتَّى على الانتصار منه ؛ وذلك لكمال عجزها المستلزم بطلان ألوهيّتها ضرورة ؛ إذ من لوازم الألوهيّة الحقّ القدرة التامّة على كلّ شيء ؛ ولهذا فإنّ من عرف الله حقّ المعرفة ، وآمن بصفاته الكاملة ، وقدرته التامّة عصمه إيمانه من شرك العبادة ؛ إذ لا يبتلى به إلاّ من لم يقدر الله حقّ قدره . وهذا المثل يقطع مواد الشّرك ، وهو من أبلغ ما أنزله الله في إبطال الشّرك وتجهيل أهله (53) .
4 ـ قوله تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [ العنكبوت : 41 ] ؛ فمثل اتّخاذ الأولياء من دونه ، واعتماد المشركين عليهم في حصول المنافع بما في ذلك العزّة والقدرة والنّصرة مثله باعتماد العنكبوت على أضعف البيوت ؛ فإنّ اعتمادهم عليها ما زادهم إلاّ ضعفًا ، وموالاتهم لها ما زادتهم إلاّ ذلّة ؛ جزاءً وفاقًا ، ومعاملةً للمشرك بنقيض مقصوده ، كما هي سنّة الله مع المشركين (54) .(1/37)
5 ـ قوله تعالى : { ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [ الرّوم : 28 ] ، والمعنى هل يرضى أحدكم أن يكون عبده شريكه في ملكه حتَّى يساويه في التّصرّف ، ويخافه على ماله كما يخاف أمثاله من الشّركاء الأحرار ؟! فإذا لم ترضوا بهذا لأنفسكم فلم جعلتم خلق الله وعبيده شركاء له في العبادة (55) ؟!
وقد رأى القرطبي أنّ مقصود المثل المضروب في الآية إبطال أن يكون شيء من العالم شريكًا لله في شيء من أفعاله ؛ ولهذا قال في تحرير المثل : (( كيف يتصوّر أن تنزّهوا نفوسكم عن مشاركة عبيدكم وتجعلوا عبيدي شركاء في خلقي ؟! )) (56) . وهذا ليس بصحيح ؛ لأنّ مقصود المثل إقامة البرهان على توحيد العبادة ـ وهو يتضمّن توحيد الأفعال ـ ، ودعوة الخلق له قولاً وعملاً ، إذ هو محلّ الخصومة بين الرّسل وأممهم ، قال تعالى : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ } [ الزّخرف : 9 ] ، وقال : { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } [ الزّمر : 3 ] ، وقال : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } [ النّحل : 36 ] .(1/38)
6 ـ قوله تعالى : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ } [ الزّمر : 29 ] ، وهذا المثل للدّلالة على حسن التّوحيد وقبح الشّرك ، وعدم استواء الموحّد والمشرك في صفتيهما وحاليهما ؛ فالمشرك الَّذي يعبد آلهة شتى بمنزلة عبد يملكه شركاء مختلفون متعاسرون ، لا يلقاه أحدهم إلاّ جرّه واستخدمه ، ومع ذلك لا يُرضي واحدًا منهم بخدمته ؛ لكثرة الحقوق في رقبته ، وتعاسر مواليه ، وسوء أخلاقهم !! والموحّد الَّذي يعبد الله وحده مثله كمملوك سالم لرجل واحد ؛ لا ينازعه فيه أحد ، قد عرف مقاصده وطرق رضاه ؛ فهو في راحة من تشاحن الشّركاء ، وفي نعمةٍ ورغد عيش من إحسان سيّده وتولّيه لمصالحه !! فهذا مثل المؤمن في حياته الطبيّة ، وذاك مثل المشرك فيما يبتلى به من ضنك الحياة ؛ قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } [ النّحل : 97 ] ، وقال : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } [ طه : 124 ] ، أي عيشًا ضيّقًا في الدّنيا ، يقول ابن كثير : (( لا طمأنينة له ، ولا انشراح لصدره ، بل صدره ضيّق حرج ؛ لضلاله وإن تنعّم ظاهره ، ولبس ما شاء ، وأكل ما شاء ، وسكن حيث شاء ؛ فإنّ قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشكّ ؛ فلا يزال في ريبه يتردّد ؛ فهذا من ضنك المعيشة )) (57) .
( ( ( ( (
جناية التّعطيل(1/39)
المعرفة التامّة ناشئة عن العلم بصفات الله تعالى ، وإثباتها دون تمثيل أو تعطيل ؛ ولهذا تواطأت النّصوص على بيان أسماء الربّ وصفاته وأفعاله حتَّى كأنّ العباد ينظرون إليه فوق سمواته ، مستوٍ على عرشه ، يكلّم ملائكته ، ويسمع أصوات خلقه ، ويرى ظواهرهم وبواطنهم ، ويدبّر أمورهم ، ويقضي حاجاتهم . قيل لعبد الله بن المبارك : بماذا نعرف ربّنا ؟ قال : بأنّه فوق سمواته على عرشه ، بائن من خلقه (58) .
فالإيمان بالصّفات قاعدة الإيمان ، وسبيل المعرفة المفصّلة بربّ العالمين . وقد قعّدت المعطّلة على رأس هذا الطّريق تنفّر النّاس عن سلوكه بألفاظ ظاهرها يوهم التنزيه عن النّقائص والعيوب والحاجة ، وحقيقتها تعني تعطيل أوصاف الكمال كليًّا أو جزئيًّا ؛ كالتّنزيه عن الأعراض والأبعاض والأغراض ، ونفي التجدّد والتحدد ، حتَّى راجت مقالاتهم على كثيرٍ من المسلمين ، ونفرت قلوبهم عن طريق الصّفات ، وحيل بينهم وبين أعظم طرق المعرفة ؛ ولهذا كان المعطّلة حقًّا كما قيل : قطاع الطّريق على القلوب (59) !
وقد تولّد عن هذه الجناية العظمى جنايات كثيرة ، منها : ـ
1 ـ تعطيل أعمال القلوب ؛ فإنّ المعرفة الحقّة بصفات الإلهيّة هي القوّة الجاذبة إلى محبّة الربّ ، والرّغبة في ثوابه ، والرّهبة من عقابه ، فإذا عطّلوا الأصل ، وأنكروا الصّفات ، تعطّل الفرع ولا بُدّ ؛ ولهذا ضربت قلوبهم بالقسوة ، وظهرت آثارها على كلامهم وعباداتهم . حتَّى آل الأمر ببعضهم إلى فعل المحرّمات وترك العبادات الظّاهرة ؛ كما يذكر عن النّظّام وثمامة بن أشرس ، وأبي هاشم وغيرهم (60) !(1/40)
وكذلك فإنّ المعرفة بصفات الرّبوبيّة تورث المؤمن عبادة التوكّل ؛ فإنّ أساس التوكّل الإيمان بقدرة الربّ وقيّوميّته ، وعلمه ، ومشيئته ، فإذا عطّلوا هذه الصّفات تعطّل التوكّل حتمًا ؛ ولهذا قال ابن تَيْمِيَّة : (( لا يصحّ التوكّل ولا يتصوّر من فيلسوف ، ولا من القدريّة النّفاة القائلين : بأنّه يكون في ملكه ما لا يشاء ، ولا يستقيم أيضًا من الجهميّة النّفاة لصفات الربّ ـ جلّ جلاله ـ . ولا يستقيم التوكّل إلاّ من أهل الإثبات . فأيّ توكّل لمن يعتقد أنّ الله لا يعلم جزئيّات العالم سفليّه وعلويّه ؟! وَلاَ هو فاعل باختياره ؟! ولا له إرادة ولا مشيئة ، ولا يقوم به صفة ؟! فكلّ من كان بالله وصفاته أعلم وأعرف كان توكّله أصحّ وأقوى )) (61) .(1/41)
فالمعطّل لا يتصوّر منه عبادة ولا استعانة ، ولا شيء ممّا يتفرّع عن هذين الأصلين من أعمال القلوب ؛ إذ كلّ ذلك ناشئ عن إثبات الصّفات ، والتحقّق بمعرفة حقائقها ومعانيها ؛ يقول ابن القيّم : (( كيف تصمد القلوب إلى من ليس داخل العالم ولا خارجه ؛ ولا متّصلاً به ولا منفصلاً عنه ، ولا مباينًا له ولا محايثًا ، بل حظّ العرش منه كحظّ الآبار والوهاد ، والأماكن الَّتي يرغب عن ذكرها ؟! وكيف تأله القلوب من لا يسمع كلامها ، ولا يرى مكانها ، ولا يحب ولا يحب ، ولا يقوم به فعل ألبتة ، ولا يتكلّم ولا يكلّم ، ولا يقرب من شيء ولا يقرب منه شيء ، ولا يقوم به رأفة ولا رحمة ولا حنان ، ولا له حكمة ، ولا غاية يفعل ويأمر لأجلها ؟! فكيف يتصوّر على ذلك محبّته والإنابة إليه ، والشّوق إلى لقائه ، ورؤية وجهه الكريم في جنّات النّعيم ، وهو مستو على عرشه فوق جميع خلقه ؟! أم كيف تأله القلوب من لا يحب ولا يحب ، ولا يرضى ولا يغضب ، ولا يفرح ولا يضحك ؟! فسبحان من حال بين المعطّلة وبين محبّته ومعرفته ، والسّرور والفرح به ، والشّوق إلى لقائه ، وانتظار لذّة النّظر إلى وجهه الكريم ، والتّمتّع بخطابه في محلّ كرامته ودار ثوابه ! )) (62) .
2 ـ لزوم الشّرك والإلحاد ؛ فإنّ الشّرك لازم حتمي للتّعطيل ؛ لأنّ تعلّق القلوب بالربّ محبّة ورغبةً ورهبةً وتوكّلاً ناشئ عن استيقان القلوب بعلم الربّ ، وسمعه وبصره ، ورحمته ، وجوده ، وبرّه ، وإحسانه ، وقدرته ، وتفرّده بجلب المنافع ودفع المضارّ . فإذا نفى المعطّل هذه الصّفات أبطل مقتضي التعلق بربّ العالمين ، وفزعت الخليقة إلى غيره ، وتعلّقت قلوبهم بمن يتوهّمون فيه العلم بأحوالهم ، والقدرة على تحقيق رغائبهم ، وقضاء حوائجهم ، واتّخذوه ندًّا من دون الله ؛ يدعونه ويعبدونه ويتوكّلون عليه !!(1/42)
وإذا كان اللازم مجرّد دليل فساد المذهب وليس بمذهب فإنّ هذه القاعدة قد لا تنطبق هنا من كلّ وجه ؛ لأنّ قوّة التّلازم بين التّعطيل والشّرك قد تدفع إلى الوقوع في الشّرك اعتقادًا وعملاً ، إذ كلّ شرك في العالم فإنّ تعطيل الصّفات أصله ومبدؤه ؛ فالمشرك إنّما يعبد مع الله غيره إذا ساء ظنّه بصفات ربّه ؛ فظنّ أنّه محتاج إلى الشّركاء والأعوان ، أو يخفى عليه شيء من أحوال عباده حتَّى يحتاج إلى من يعرفه بها ، أو لا يقدر وحده على الاستقلال بقضاء حاجات العباد ، أو شكّ في رحمته فظنّ أنّه محتاج إلى شفعاء يستعطفونه على عباده ، أو شكّ في قوّته فظنّ أنّه محتاج إلى أولاد وأولياء يتكثّر ويتعزّر بهم !(1/43)
وكذلك فإنّ الإلحاد في أسماء الربّ لازم حتمي للتّعطيل ، قال تعالى : { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 180 ] ، ودعاؤه بها يعمّ دعاء المسألة ودعاء الثّناء ، ودعاء التعبّد . وهذا كلّه فرع عن ثبوت حقائق الأسماء ومعانيها ، فإذا أنكر المعطّل معانيها ، واعتبرها مجرّد أعلام لا تتضمّن أوصافًا ولا معاني أبطل حسن دلالاتها على الربّ ، وأبطل متعلّقاتها من الخلق ، وهذا من أعظم الإلحاد عقلاً وشرعًا ولغةً وفطرة ؛ ولهذا قال ابن القيّم : المعطّل شرّ من المشرك (63) ! وهذا محمول على غلاة المعطّلة ؛ لأنّهم ينكرون جميع الصّفات والمشرك غايته أن ينكر بعض الصّفات أو يطعن في كمالها ؛ كإنكارهم القدرة على البعث وشكّهم في عموم علم الله بأفعال العباد ، قال تعالى : { وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا } [ الإسراء : 49 ] ، وقال : { وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ } [ فصّلت : 22 ] .(1/44)
3 ـ إنكار أعلى درجات العرفان والنّعيم ؛ فإنّ رؤية الربّ عيانًا وتكليمه أعلى درجات معرفته ، وأعلى نعيم أهل الجنّة ، قال تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 ، 23 ] ، وروى الإمام البخاريّ بسنده عن جرير البجلي ـ رضي الله عنه ـ مرفوعًا : (( إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا )) (64) ، وروى الإمام مسلم بسنده عن صهيب الرّوميّ ـ رضي الله عنه ـ مرفوعًا : (( يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا ؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ ؟ قَالَ : فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ )) (65) . وهذا كلّه محال عند المعطّلة ؛ لأنّ الله منزّه عن الأبعاض ؛ فلا وجه له ، ولا يجوز النّظر إليه وَلاَ كلامه ؛ لما يستلزمه ذلك من إثبات الجهة وحلول الحوادث بذات الربّ المناقض لحقيقة الألوهيّة ! (66) .
وهذه الجنايات المتعلّقة بمعرفة الربّ وعبادته تدلّ على قبح مقالة التّعطيل ، وأنها من شرّ مقالات أهل الأرض ، وأكثرها مناقضة لموجبات المعرفة والعبادة . وممّا يزيدها قبحًا كثرة لوازمها الباطلة ؛ فإنّه يلزم مقالة التّعطيل على وجه العموم لوازم كثيرة ، منها : ـ
1 ـ سلب كمال الربّ ، ووصفه بالنقائص والعيوب ، ويلزم غلاتهم جحد الصّانع ونفيه ، وتشبيهه بالجمادات أو المعدومات أو الممتنعات !(1/45)
2 ـ سوء الظنّ بربّهم ، وبكتابه ، وبنبيّه ، وبأتباعه ؛ فسوء ظنّهم بربّهم أفضى بهم إلى تعطيل صفات كماله ، وقد جعل الله إنكار الصفات من سوء الظنّ به ، قال تعالى : { وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ . وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [ فصّلت : 22 ، 23 ] .
وسوء ظنّهم بالقرآن والسنّة أفضى بهم إلى توهّم أن ظاهرها إنّما يدلّ على التّمثيل ؛ وهو كفر وضلال يستحيل أن يكون مراد الله ورسوله ؛ ولهذا عزلوا الوحي عن معرفة الربّ ، وعطّلوا أدلّة صفات الكمال ، واختلقوا دعوى تعارض العقل والنّقل !
أمّا سوء ظنّهم بالرّسول ( فلأنّه في زعمهم كان يتكلّم بنصوص الصّفات ، ويقرّرها ، ويؤكّدها ، دون أن يبيّن للأمّة أن الحقّ فيما يخالف ظاهرها . وهذا يستلزم القدح في علم الرَّسول ، أو بيانه ، أو نصحه ، أو جميع ذلك !
وأمّا سوء ظنّهم بأتباع الرّسول ( فلأنّهم كانوا يردّدون ألفاظًا لا يفقهون تأويلاتها ؛ ولهذا قالوا : إِنَّ طريقة السّلف أسلم ، وطريقة الخلف أعلم وأحكم (67) !
وذلك أَنَّ طريقة السّلف تقوم في نظرهم على التّفويض ؛ أي تفويض المعاني وإمرار نصوص الصّفات دون اعتقاد لثبوت مدلولها واتّصاف الرّبّ بما دلّت عليه !
أمّا طريقة الخلف وهم المتكلّمون وأتباعهم فهي تقوم على تفسير نصوص الصّفات بما ينفي حقيقتها عن الربّ ؛ ولهذا جعلوا الحقّ دائرًا بين التّفويض والتأويل في كلّ نصّ يوهم التّمثيل ، وزعموا أَنَّ طريق التّفويض أسلم ، وطريق التأويل أعلم وأحكم . وهذا تنقّص للسّلف ، وطعن في علمهم وإيمانهم ، وتناقض ظاهر ؛ إذ مقتضى السّلامة العلم والحكمة !(1/46)
3 ـ تعطيل دلالة الخلق والأمر على الصّفات ؛ فإنّ المخلوق يدلّ على صفات الربّ من حيث وجوده وصفاته ؛ فوجود المخلوق بعد عدمه دليل على وجود الخالق وحياته وقدرته وعلمه ومشيئته ؛ لأنّ الفعل الاختياري يستلزم ذلك استلزامًا ضروريًّا ، ويستحيل وجوده دونها . وصفات الكمال في المخلوق تدلّ على صفات خالقه ؛ فما فيه من الإتقان يدلّ على حكمة خالقه ، وما فيه من التخصيصات المتنوّعة يدلّ على الإرادة . وما فيه من رحمة وعلم وسمع وبصر وكلام يدلّ على ثبوتها للخالق من باب أولى ، لأنّ معطي الكمال أحقّ به .
وكذلك شأن الأمر فإنّه يدلّ على صفات الكمال ؛ فإنّ ما في الأوامر الشرعيّة من الحكم والمصالح والمنافع دليل على علم الخالق وحكمته ، وهكذا أوامره وأحكامه الكونيّة ، فإنها تدلّ على صفاته من وجوه مختلفة ؛ فإنّ الإحسان إلى المطيعين دليل على المحبّة والرّضى ، وعقوبة العصاة دليل على الغضب ، واستجابة الدّعوات دليل على علم الربّ بالجزئيات ، وعلى سمعه وقدرته ورحمته ، وجميع أقداره دليل على كماله ؛ لأنّ أفعال الله مبنيّة على الحكمة ؛ فلا يفعل إلاّ ما فيه مصلحة خالصة أو راجحة .
وهذا لازم لكثير من المعطّلة بدرجات متفاوتة؛ فقد حرموا دلالة الآيات المشهودة كما حرموا دلالة الآيات المسموعة ، وهما طريقا معرفة الله في القرآن ؛ ولهذا استحكم جهلهم بالله ، حتَّى كانوا يلتمسون معرفته بالمعميات الفلسفيّة ، والقواعد المنطقيّة ! ومن لم يجعل الله له نورًا فماله من نور (68) .
( ( ( ( (
المطلب الثّاني
قياس الأولى
معنى القياس وإطلاقاته
القياس لغة مصدر لقاس ؛ بمعنى : قدر الشيء بالشيء ؛ يقال : قاس الثّوب بالذراع إذا قدّره به ، وقاس الطبيب الشجّة بالمقياس إذا قدّر غورها به (69) .
واصطلاحًا يطلق حقيقةً (70) على معنيين : ـ(1/47)
أحدهما : قياس التّمثيل ؛ وهو حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما (71) ؛ ويسمى القياس الفقهيّ ؛ لأنّ الفقهاء يحتجّون به في إثبات الأحكام الشرعيّة (72) .
والثّاني : قياس الشّمول ؛ وهو قول مؤلّف من قضايا إذا سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر (73) . الَّذِي عني بِهِ أهل المنطق ، وزعموا أنّه الطّريق الوحيد لحصول العلوم اليقينيّة النّظريّة !؛ ولهذا استضعفوا قياس التّمثيل ؛ لأنّه في نظرهم إنّما يفيد الظنّ دون العلم ! . والصّواب أنّ حقيقة القياسين واحدة ، واختلافهما إنّما هو في صورة الاستدلال ، وصورة التّمثيل أقرب إلى الفطرة ؛ ولهذا عوّل عليه أكثر العقلاء !
أما مُفادهما من يقين أو ظنّ فتبع لمادّة القياس لا لصورته ؛ فإن كانت المادّة يقينيّة أفاد اليقين وإلاّ أفاد الظنّ تمثيلاً كان أو شمولاً (74) .
والقياسان كلاهما من تمثيل وشمول يستعملان على وجهين : ـ
الأوّل : قياس المساواة ؛ وهو أن يكون الغائب مماثلاً أو مقاربًا للشّاهد .
والثّاني : قياس الأولى ؛ وهو أن يكون الغائب أولى بالحكم من الشّاهد (75) .
أو بعبارة أشمل وأضبط أن يكون المقيس مماثلاً للمقيس عليه أو أولى بالحكم منه .
( ( ( ( (
استعمال القياس بين صفات اللّه تعالى
استعمال القياس في العلم المتعلّق بصفات الله تعالى يكون في اعتبار الغائب من أفعال الله بالمشهود منها ، ويكون في اعتبار صفات الخالق بما يشاهد من صفات المخلوق ؛ فإن كان الاعتبار في طرفيه متعلّقًا بأفعال الله وصفاته جاز في ذلك استعمال قياس الأولى والمساواة ؛ والأدلّة على ذلك كثيرة ؛ فمن أدلّة قياس المساواة النّصوص الآتية : ـ(1/48)
1 ـ قوله تعالى : { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } [ الرّوم : 19 ] ، فقاس النّظير على النّظير ؛ ودلّ بفعله المتحقّق بالمشاهدة من إخراج وإحياء على بعث الأموات الَّذي استبعدوه وأنكروه ؛ إذ الفعل الموعود نظير الفعل المشاهد ، ومن أنكره لزمه التّناقض والتفريق بين المتماثلين ، والطّعن في علم الربّ وحكمته وإرادته وقدرته ؛ ولهذا حكم الله على منكري البعث بكفر الربوبيّة ، قال تعالى : { وَإنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ } [ الرّعد : 5 ] .(1/49)
وقد تكرّر الاستدلال على البعث بإحياء الأرض بالنّبات ؛ وذلك لصحّة مقدّماته ، ووضوح دلالته ، وقرب تناوله ، وبعده عن كلّ معارض ، قال تعالى : { وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ . ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ الحجّ : 5 ، 6 ] ، وقال : { فَانْظُرْ إلَى ءَاثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ الرّوم : 50 ] ، وقال : { وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ } [ ق : 11 ] ، وقال : { وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ فصّلت : 39 ] ، يقول ابن القيّم : (( جعل الله سبحانه إحياء الأرض بعد موتها نظير إحياء الأموات ، وإخراج النّبات منها نظير إخراجهم من القبور ، ودلّ بالنّظير على نظيره ، وجعل ذلك آية ودليلاً على خمسة مطالب : ـ
أحدها : وجود الصّانع ، وأنّه الحقّ المبين ، وذلك يستلزم إثبات صفات كماله وقدرته وإرادته وحياته وعلمه وحكمته ورحمته وأفعاله .
الثّاني : أنّه يحيي الموتى .
الثّالث : عموم قدرته على كلّ شيء .
الرّابع : إتيان السّاعة وأنها لا ريب فيها .
الخامس : أنّه يخرج الموتى من القبور كما أخرج النّبات من الأرض )) (76) .(1/50)
2 ـ قوله تعالى : { وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ ءَاخَرِينَ } [ الأنعام : 133 ] ، فقاس النّظير على النّظير ، وبيّن أنّ القدرة على إذهاب المخاطبين كالقدرة على إذهاب السّابقين ؛ فإذا ساورهم في العلّة والمعنى والأعمال ساووهم في الحكم والوعيد والعاقبة ، كما قال تعالى : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } [ مُحَمَّد : 10 ] ، فأخبر أنّ حكم الشيء حكم مثله ، وكذلك كلّ موضع أمر فيه بالسّير في الأرض فإنّه يدلّ على الاعتبار والحذر أن يحلّ بالمخاطبين من أفعال الله مثل ما حلّ بالسّابقين ! (77) .(1/51)
3 ـ ما رواه الإمام البخاريّ بسنده عن أنس بن مالك ( أَنَّ رَجُلاً قَالَ : (( يَا نَبِيَّ اللَّهِ ! يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) (78) ، فقاس الإمشاء على الوجه على الإمشاء على الرّجلين ؛ إذ قدرة الربّ على الفعل الموعود نظير قدرته على الفعل المشهود ، يقول ابن حجر : (( المراد بالمشي حقيقة ؛ فلذلك استغربوه حتَّى سألوا عن كيفيّته ، وزعم بعض المفسّرين أنّه مَثَل ، وأنّه كقوله : { أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا } [ الملك : 22 ] ، قال مجاهد : هذا مثل المؤمن والكافر . قلت : ولا يلزم من تفسير مجاهد لهذه الآية بهذا أن يفسّر به الآية الأخرى (79) ؛ فالجواب الصّادر عن النَّبيّ ( ظاهر في تقرير المشي على حقيقته ... والحكمة في حشر الكافر على وجهه أنّه عوقب على عدم السّجود لله في الدّنيا بأن يسحب على وجهه في القيامة ؛ إظهارًا لهوانه ؛ بحيث صار وجهه مكان يده ورجله في التوقي عن المؤذيات )) (80) .
أمّا أدلّة استعمال قياس الأولى بين صفات الله تعالى فمنها النّصوص الآتية : ـ
1 ـ قوله تعالى : { إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ آل عمران : 59 ] ، فقاس القدرة على خلق عيسى على القدرة على خلق آدم ؛ لأنّ من قدر على الخلق من غير أب ولا أم فقدرته على الخلق من غير أب من باب أولى ، يقول ابن تَيْمِيَّة : (( شبّهه الله بخلق آدم الَّذي هو أعجب من خلق المسيح ؛ فإذا كان سبحانه قادرًا أن يخلقه من تراب والتراب ليس من جنس بدن الإنسان أفلا يقدر أن يخلقه من امرأة هي من جنس بدن الإنسان ؟! )) (81) .(1/52)
2 ـ قوله تعالى : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ . قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ . الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ . أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ . إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ يس : 78 - 82 ] ، فقاس القدرة على الأيسر على القدرة على الأعظم ؛ لأنّ القدرة على النشأة الأولى ، وعلى خلق السموات والأرض دليل على النّشأة الثّانية من باب أولى . وقد ذكر الله في ثنايا هذا الدّليل الصّفات المصحّحة للإعادة ؛ وهي عموم العلم وتمام القدرة وكمال الإرادة ؛ لأنّ تعذّر الإعادة إنّما يكون لقصور في هذه الصّفات ، ولا قصور في علم من هو بكلّ شيء عليم ، ولا قدرة فوق قدرة من خلق السموات والأرض ، ولا إرادة تعارض من إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون ! (82)(1/53)
وقد تكرّر الاستدلال على المعاد بخلق الأنفس والآفاق بأفصح العبارات ، وأقطعها للعذر ، وألزمها للحجّة ، قال تعالى : { وَيَقُولُ الإنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا . أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا } [ مريم : 66 ، 67 ] ، وقال : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ إنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ... } الآية [ الحجّ : 5 ] ، وقال : { فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ . خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ . يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ . إنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } [ الطّارق : 5 ـ 8 ] ؛ فدلّ على الإعادة بالقياس على النّشأة الأولى المعلومة والمشهودة ؛ وهي نشأة أصل البشر من تراب لا حياة فيه ، ونشأة آحاد بني آدم تدريجًا في الأطوار حتَّى إحكام الخلق (83) .
وقال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ } [ الإسراء : 99 ] ، وقال : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } [ الأحقاف : 33 ] ، فقدرة الله التامّة على خلق السموات والأرض دليل قطعي على قدرته على إعادة الخلق من باب أولى !
( ( ( ( (
حكم القياس بين صفات الخالق والمخلوق
إذا كان الاعتبار بين صفات الخالق والمخلوق فإنّ طريقة قياس الأولى ليس غير ؛ لقوله تعالى : { وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى } [ النّحل : 60 ] ، أي الصّفة العليا الَّتي يستحيل معها وجود المثل . والمراد بالصّفة الجنس فتعمّ جميع صفات الكمال (84) . وهذا المعنى يتضمّن أمرين : ـ(1/54)
أحدهما : تنزيه الله عن المثل ؛ وقد بنى العلماء على هذا الأصل تحريم قياس المساواة بين الخالق والمخلوق تمثيلاً كان أو شمولاً ؛ فلا يجوز أن يستدلّ على الخالق بقياس تمثيلي يستوي فيه الأصل والفرع ، ولا بقياس شمولي يستوي أفراده ؛ لأنّ الله لا مثل له ؛ فلا يجوز أن يمثّل بغيره ، ولا أن يدخل تحت قضيّته كليّة يستوي أفرادها .
والثّاني : استحقاق الله تعالى لأعلى صفات الكمال المنافية لجميع النقائص . وقد بنى العلماء على هذا المعنى مشروعيّة الاستدلال بصفات المخلوق على صفات الخالق عن طريق قياس الأولى سواءٌ أكانت صورته تمثيلاً أو شمولاً ؛ فكلّ ما ثبت للمخلوق من صفات الكمال المطلق فإنّ الخالق أولى به ، وكل ما تنزّه عنه المخلوق من صفات النّقص فإنّ الخالق أولى بالتنزّه عنه (85) .
وسياق الآية يبيّن دلالتها على صحّة الاعتبار بين الخالق والمخلوق بطريق الأولى ؛ فإنّ الله تعالى يقول : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ . وَإذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ . يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ . لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ النّحل : 57 - 60 ] ؛ فإذا كانت الأنوثة نقصًا وعيبًا لا يرضاه المشرك لنفسه ، ويكره أن يضاف إليه ، فإنّ الخالق أولى بالنزاهة عن الولد النّاقص المكروه ؛ لأنّ الله تعالى له المثل الأعلى المشتمل على كلّ كمال وللمشرك مثل السّوء المشتمل على كلّ نقص ! وهذه الحجّة لبيان تناقض المشركين ؛ لأنّ انتفاء الولد مطلقًا معلوم من النّصوص الأخرى (86) !(1/55)
وممّا يعضد دلالة الآية على صحّة قياس الأولى ، واعتباره طريقًا شرعيًّا في الاستدلال بصفات المخلوق على صفات الخالق طردًا وعكسًا النّصوص الآتية : ـ
1 ـ قوله تعالى : { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } [ فصّلت : 15 ] ، فجعل ما في المخلوق من قوّة وشدّة يدلّ بطريق الأولى على قوّة الخالق وشدّته ؛ لأنّ الخالق أحقّ بالكمال من المخلوق (87) .
2 ـ قوله تعالى : { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ } [ العلق : 3 ] ، أي الأفضل من غيره في الكرم الجامع للمحاسن ؛ فيقتضي أنّه أحقّ بجميع المحامد ؛ وهي صفات الكمال ؛ فهو الأحقّ بالإحسان والرّحمة والحكمة والقدرة والعلم والحياة وسائر صفات الكمال (88) .
3 ـ قوله تعالى : { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [ البقرة : 255 ] ؛ فإنّ اسم العليّ يدلّ على علوّ الذات والقهر والقدر ، وعلوّ القدر يتضمّن الدّلالة على أنّه الأحق بجميع صفات الكمال ؛ فكلّ ما في المخلوق من كمال مطلق فإنّ الله أحق به ؛ لأنّه أعلى من المخلوقات قدرًا (89) .(1/56)
4 ـ قوله تعالى : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ . وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [ النّحل : 75 ، 76 ] ، فأبطل الشّرك بقياس الأولى ؛ فالعاقل لا يقبل ألبتة المساواة بين مخلوق يملك ويقدر وآخر لا يملك ولا يقدر فلأن لا يقبل التماثل في الحقوق والكمالات بين الأوثان العاجزة المملوكة وبين من له المثل الأعلى من باب أولى (90) .
5 ـ قوله تعالى : { ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [ الرّوم : 28 ] ، فنزّه نفسه عن الشّريك بمثل مضروب بطريق الأولى ؛ فالسيّد من الخلق يتنزّه عن مشاركة مماليكه في حقوقه على الرّغم من قصور ملكه ؛ فيكون المالك الكامل أولى بالنزاهة عن الشّركاء ؛ لأنّ المخلوق لا يملك إلاّ بعض منافع عبيده ، والخالق يملك أعيان عباده وأفعالهم ؛ فلا يخرج عن ملكه شيء ألبتة (91) .(1/57)
6 ـ روى ابن أبي عاصم بسنده عن أبي رزين ( قال : (( قلت : يا رسول الله ! أكلّنا يرى ربّه يوم القيامة ؟ قال : أكلّكم يرى القمر مخليا به ؟ قال : نعم ، قال : اللّه أعظم )) (92) ؛ فأثبت الرؤية لجميع المؤمنين دون تضام وازدحام وقت النّظر بالقياس على رؤية القمر ؛ فإنّه إذ كان ذلك ممكنًا في رؤية المخلوق فإمكانه في رؤية الخالق أولى ؛ لأنّه أعظم وأولى بالكمال من كلّ موجود .
( ( ( ( (
تطبيق قياس الأولى
استعمل علماء السّلف قياس الأولى في الاعتبار بين صفات الخالق ، وفي الاعتبار بين صفات الخالق والمخلوق ؛ فمن الاعتبار الأوّل إثبات المباينة قياسًا على الرؤية والكلام ؛ فإذا كان الربّ لا يراه ناسوت في الدّنيا ، ولا يكلّمه بشر إلاّ من وراء حجاب ؛ كما صرّح بذلك المسيح وسائر الأنبياء ـ صلّى الله عليهم وسلّم ـ فلأن لا يستطيع ملابسته ناسوت بطريق الأولى ؛ لأنّ ملابسة الشيء أبلغ من رؤيته (93) .
ومن هذا الاعتبار أيضًا إثبات الإنباء قياسًا على التّعليم ؛ فإنّ قدرة الربّ على تعليم بني آدم بعد الجهل دليل على قدرته على إنباء أكملهم من باب أولى ؛ لأنّ من قدر على تعليم الناقص فقدرته على تعليم الأكمل أولى وأحرى . وهذا دليل عقليّ على إمكان النبوّة ، وأمّا وجود الأنبياء وآياتهم فتعلم بالنّقل المتواتر (94) .
والاعتبار بين صفات الخالق بابه واسع ؛ فإنّه يجوز فيه استعمال قياس الأولى والمساواة ؛ لأنّه لا يتضمّن محذورًا ولا يفضي إليه بوجه من الوجوه ؛ وقد تضمّنت النّصوص كلا النّوعين ؛ فمن قياس المساواة بين صفات الله تعالى قياس البعث على إحياء الأرض الموات ، ومن قياس الأولى بينها قياس الإعادة على ابتداء الخلق .(1/58)
أمّا الاعتبار بين صفات الخالق والمخلوق فقد احتاط فيه علماء السّلف حيطة تامّةً ؛ فمنعوه إذا كان قياس مساواة سواءٌ أكان تمثيلاً أو شمولاً ؛ لما يتضمّنه من التّمثيل والشّرك ، والعدل بالله ، وهو ضرب الأمثال للّه . وأجازوه إذا كان على وجه الأولى ؛ جريًا على طريقة القرآن والسنّة ، واعتمادًا على ما تقدّم ذكره آنفًا من أدلّةٍ ؛ ولهذا استعملوه في تقرير وتقريب أصول الإثبات والتّنزيه ، وفي الاستدلال على أعيان الصّفات نفيًا وإثباتًا ؛ ومن ذلك الأمور الآتية : ـ
1 ـ وجوب الإثبات بلا تمثيل والتّنزيه بلا تعطيل ؛ فقد استدلّوا على هذا الأصل بمثالين من قياس الأولى : ـ
أ ـ أنّ ما في الجنّة من المطاعم والمشارب والمساكن وغيرها يوافق ما في الدّنيا اسمًا ويخالفه حقيقةً ؛ فإذا كان المخلوق منزّهًا عن مماثلة المخلوق مع توافق الاسم فالخالق أولى أن ينزّه عن مماثلة المخلوق وإن حصل توافق في ألفاظ الصّفات (95) .
ب ـ أنّ الرّوح ثابتةٌ لا يشكّ عاقل في وجودها ، وقد وصفت في النّصوص بصفات ثبوتيّة وسلبيّة ؛ كالعروج والقبض ، والعقول مع ذلك قاصرة عن تكييفها وتحديدها ؛ لأنّهم لم يشاهدوها أو يشاهدوا نظيرها ؛ فإذا كانت صفات الرّوح ثابتة حقيقةً دون تمثيل أو تعطيل فإنّ صفات الخالق أولى بذلك الإثبات ، وإذا عجز الخلق عن إدراك كيفيّة صفات الرّوح فإنّ عجزهم عن إدراك صفات الخالق أولى (96) .
2 ـ صفة العلوّ والمباينة ؛ يؤمن أهل السنّة والجماعة بصفة العلوّ ؛ علوّ الذات والقدر والقهر ، وأنّ الله مستو على عرشه بائن من خلقه ، وأنّ علوّ الربّ لا يناقض معيّته ؛ لأنّها بمعنى مطلق المصاحبة من غير إشعار بمخالطة أو حلول ، ولهم على ذلك أدلّة كثيرة من جملتها قياس الأولى ؛ ودلالته على ذلك من وجوه : ـ
أ ـ أنّ العلوّ كمال مطلق ، وكلّ ما كان كذلك فإنّ الله أحقّ به من كلّ موجود .(1/59)
ب ـ أنّ العلوّ ضدّه السّفل ؛ وهو نقص يتنزّه عنه المخلوق ، ويوصف به المعيب من المخلوقات ؛ فالخالق أحقّ بالنزاهة عنه ، وعدم الاتّصاف به (97) .
جـ ـ أنّ القول بالحلول يعني أن يكون الربّ في كلّ مكان بما في ذلك الأماكن الَّتي يتنزّه عنها المخلوق فيكون تنزّه الربّ عنها من باب أولى ؛ ولهذا وصف نفسه بالقداسة والطّهارة ! (98) .
د ـ أنّ المخلوق يمكنه الإحاطة بما في يده دون محايثةٍ فإمكان ذلك في حقّ الخالق أولى ، يقول الإمام أحمد : (( لو أنّ رجلاً كان في يديه قدح من قوارير صاف ، وفيه شراب صاف ، كان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم في القدح ؛ فالله وله المثل الأعلى قد أحاط بجميع خلقه من غير أن يكون في شيء من خلقه )) (99) .
هـ ـ أنّ المخلوق يعلم تفصيل مصنوعاته دون محايثة لها ، فالخالق لكلّ شيء أولى بأن يعلم مخلوقاته ، وهو مستوٍ على عرشه ، بائن من خلقه ، يقول الإمام أحمد : (( لو أنّ رجلاً بنى دارًا بجميع مرافقها ، ثُمَّ أغلق بابها ، وخرج منها ، كان ابن آدم لا يخفى عليه كم بيت في داره ، وكم سعة كلّ بيت من غير أن يكون صاحب الدّار في جوف الدار ؛ فالله وله المثل الأعلى قد أحاط بجميع خلقه ، وعلم كيف هو ، وما هو ، من غير أن يكون في شيء من خلقه )) (100) .
3 ـ صفة الرؤية ؛ فإنّ الرؤية من الأمور الوجوديّة المحضة ؛ فالرؤية في ذاتها وجود محض فلا تستلزم أمرًا عدميًّا ، وشروط صحّتها أمور وجوديّة محضة ؛ وهي القيام بالنّفس ، وكون المرئي بجهة من الرائي ، وقوّة البصر . وآخر الشّروط منتف الآن ؛ ولهذا لا نراه في الدّنيا ، وإذا كانت الرؤية وجودًا محضًا من كلّ جهةٍ فإنّ الله أحقّ بها من كلّ موجود ؛ لكمال وجوده (101) .(1/60)
وكذلك استدلّ علماء السّلف بقياس الأولى على إمكان الرؤية دون إحاطة ؛ روى ابن أبي حاتم وغيره عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ قوله : (( إِنَّ النَّبيّ ( رأى ربّه ، فقال له رجل عند ذلك : أليس قال الله : { لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ } [ الأنعام : 103 ] ، فقال له عكرمة : ألست ترى السماء ؟ قال : بلى . قال : فكلّها ترى )) (102) .
4 ـ كمال العلم والإرادة ؛ فإنّ الفعل المحكم المتقن يدلّ على علم فاعله وقدرته في الشّاهد ، فيكون دليلاً عليها في الغائب من باب أولى ؛ لكمال الإحكام والإتقان في المخلوقات (103) .
5 ـ كمال الغنى ؛ فإنّ كمال خلق الملائكة ، واستغناؤهم عن الأكل والشّرب وأدواتهما يدلّ بطريق الأولى على كمال غنى الربّ ، واستغنائه عن ذلك ؛ لأنّ كلّ كمال ثبت للمخلوق فالخالق أولى به ؛ لكمال ذاته وصفاته ، واستحالة أن يكون واهب الكمال متجرّدًا عنه (104) .(1/61)
6 ـ صفة الكلام ؛ فالكلام من صفات الكمال ، وعدمه نقص ينافي الألوهيّة ، ولهذا أبطل الله ألوهيّة العجل المزعومة بعدم الكلام ، قال تعالى : { وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً } [ الأعراف : 148 ] ، فإذا كان الكلام كمالاً مطلقًا فإن الله أحق به من كلّ موجود ؛ لكمال وجوده ؛ ولأنّ من جعل غيره متكلّمًا فهو الأحقّ بالكلام . وسائر صفات الكمال تجري مجرى هذه الصّفة ؛ لكمال وجود الربّ ؛ ولأنّ انتفاءها يناقض حقيقة الألوهيّة ؛ ولهذا أبطل الله الشّرك بانتفاء صفات الكمال عن المعبودات الباطلة ، قال تعالى : { إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } [ الأعراف : 194 ، 195 ] ، وقال : { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ . أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } [ النّحل : 20 ، 21 ] ، وقال ـ حكاية عن الخليل ـ : { يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا } [ مريم : 42 ] ؛ فجعل دليل بطلان الشّرك انتفاء صفات الكمال ؛ لأنّ الإله الحقّ لا بُدّ أن يكون له المثل الأعلى ؛ وذلك باتّصافه بأعلى الصّفات الَّتي يستحيل معها وجود المثل حتَّى تألهه القلوب محبّة ورغبة ورهبة (105) .
( ( ( ( (
الخاتمة
انتهيت من دراستي لآثار المثل الأعلى إلى جملة من النّتائج أهمّها الأمور الآتية : ـ(1/62)
1 ـ معرفة المثل الأعلى من مهمّات العقيدة ؛ لأنّ الربّ ـ تبارك وتعالى ـ تمدّح بالتّفرّد به ، وجعله طريقًا لمعرفته ، وبرهاناً على توحيده . وقد فسّره علماء السّلف من حيث حقيقته بصفات الكمال الَّتي يستحيل معها وجود المثل ، وفسّروه من حيث آثاره بكلمة التّوحيد وما تدلّ عليه من حقائق الإيمان ، وكلاهما تفسيران صحيحان ومترابطان ومتكاملان إلاّ أنّ الغالب على عبارات السّلف تفسيره بالتّوحيد ؛ لقرينة اللحاق في آية الرّوم ، ولأنّه المقصود الأعظم من معرفة المثل الأعلى .
2 ـ معرفة الربّ وعبادته هي الثّمرة العظمى للمثل الأعلى ؛ وهي ثمرة فطريّة عقليّة ؛ فالإيمان بها مستقرّ في قرارة القلوب ، وأدلّتها ظاهرة في الأنفس والآفاق ؛ وهي كلّها تستلزم معرفة الربّ وعبادته ، إلاّ أنّها معرفة مجملة ، وتألّه ناقص ؛ إذ المعرفة المفصّلة والتألّه التام طريقهما العلم بما يجمعه المثل الأعلى من صفات الكمال الواردة في القرآن وصحيح السنّة ؛ ولهذا يستحيل استغناء العباد بدلالات العقل عن أنوار الوحي .
3 ـ المعرفة المفصّلة تحصل عن طريق العلم بما ورد في القرآن والسنّة من أخبار عن أسماء الربّ وأفعاله ومثله الأعلى الجامع لكمالاته ؛ وقد تواطأت النّصوص على بيان هذه الأخبار حتَّى كأنّ العباد ينظرون إلى ربّهم فوق سماواته ، مستو على عرشه ، يسمع أصوات خلقه ، ويرى ظواهرهم وبواطنهم ، ويدبّر أمورهم ، ويقضي حاجاتهم . وقد قعدت المعطّلة على رأس هذا الطّريق تنفّر النّاس عنه بألفاظ ظاهرها التّنزيه وباطنها التّعطيل حتَّى راجت مقالاتهم على كثير من النّاس ، وحيل بينهم وبين أعظم طرق المعرفة ؛ ولهذا قال علماء السّلف : إِنَّ المعطّلة قطّاع الطّريق على القلوب !(1/63)
4 ـ كمال العلم بمثل الربّ الأعلى وصفات كماله يثمر في حياة المؤمن صدق العبادة والاستعانة ، وهما أصلا السّعادة في الدّنيا والآخرة ؛ وكلّ نوع من صفات الكمال يثمر عبادات قلبيّة خاصّة تدفع الجوارح لفعل الطّاعة وترك المعصية ، وتصونها عن الشّرك بمظاهره وأنواعه ؛ فصفات الرّحمة مثلاً تورث القلب الرّجاء المحمود ، وتصونه من التعلّق بالخلق رجاء كشف الضرّ أو تحويله ، وتدفع المؤمن إلى التّوبة والإكثار من الأعمال الصّالحة ؛ رجاء القبول وتحقّق الوعد بالجنّة .
5 ـ براهين التّوحيد وأمثاله يجمعها الاستدلال عَلَى التّوحيد بتجرّد الآلهة الباطلة عن معاني الرّبوبيّة وصفات الكمال وتفرّد الإله الحقّ بتلك المعاني والصّفات ؛ أي أنّ أدلّة التّوحيد دائرة مع المثل الأعلى وجودًا وعدمًا ؛ ولهذا جعل الله مثل السّوء المتضمّن لكلّ عيب ونقص للمشركين وآلهتهم المزعومة ، وأخبر أنّ المثل الأعلى المتضمّن لجميع صفات الكمال لله وحده ، وهذا التلازم يدلّ على بطلان الشّرك وصحّة التّوحيد ضرورةً .
6 ـ يجوز الاعتبار بين صفات الخالق والمخلوق بقياس الأولى تمثيلاً أو شمولاً ؛ لأنّ الله تمدّح في كتابه بمثله الأعلى ، واستحقاقه لأعلى صفات الكمال المنافية لجميع النقائص ، ودلّ على مشروعيّته بما ضربه من الأمثال ، وما ذكره من وجوه الاعتبار ؛ ولهذا استعمله العلماء في تقرير وتقريب أصول الإثبات والتنزيه ، وفي الاستدلال على أعيان الصفات نفيًا وإثباتًا ؛ كإثبات العلوّ والمباينة وتنزيه الربّ عن الحلول والاتّحاد .
أمّا إذا كان الاعتبار بقياس المساواة فإنّه لا يجوز ألبتة سواء أكان بصورة التّمثيل أو الشّمول ؛ لما يتضمّنه من التّمثيل والتنديد والعدل بالله وضرب الأمثال له .(1/64)
وهذا التّفصيل محلّه الاعتبار بين صفات الربّ والعبد ؛ لأنّ الاعتبار بين صفات الربّ يجوز فيه استعمال كلا النّوعين ؛ كما أرشد الله لذلك في كتابه ؛ فمن قياس المساواة الاستدلال على البعث بإحياء الأرض بالنّبات ، ومن قياس الأولى الاستدلال بالقدرة على الخلق من التراب على القدرة على الخلق بلا أب . والله أعلم ، وصلّى الله على نبيّنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلّم .
( ( ( ( (
الحواشي والتعليقات
مراجع البحث
1 ? الأدلّة العقليّة على أصول الاعتقاد ، للدّكتور / سعود بن عبد العزيز العريفي . الطبعة الأولى 1419 ، دار عالم الفوائد بمكّة .
2 ? أساس البلاغة ، لأبي القاسم محمود بن عمر الزّمخشري ، تحقيق الأستاذ / عبد الرّحيم محمود . دار المعرفة بلبنان ، طبعة 1402 هـ .
3 ? أساس التقديس ، لفخر الدِّين الرّازي . الطبعة الأولى 1406 هـ ، مكتبة الكليّات الأزهريّة بالقاهرة .
4 ? أعلام الموقّعين عن ربّ العالمين ، لأبي عبد اللّه محمَّد بن أبي بكر ابن قيّم الجوزيّة . الطبعة الأولى 1416 هـ، دار الكتاب العربيّ ببيروت .
5 ? بدائع الفوائد ، لابن قيّم الجوزيّة . دار الكتاب العربيّ بلبنان ، إدارة الطباعة المنيريّة .
6 ? البرهان في علوم القرآن ، لبدر الدِّين محمَّد بن عبد اللّه الزركشي ، تحقيق : محمَّد أبو الفضل إبراهيم . الطبعة الثّالثة 1400 هـ ، دار الفكر بلبنان .
7 ? بيان تلبيس الجهميّة ( نقض التأسيس ) ، لأبي العبّاس أحمد بن عبد الحليم بن تَيْمِيَّة ، تعليق / محمَّد بن عبد الرّحمن بن قاسم .
8 ? تأويل مختلف الحديث ، للإمام عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة . دار الكتاب العربيّ ببيروت ، مطبعة العلوم .
9 ? التّحفة المهديّة شرح الرِّسالة التدمريّة ، لفالح بن مهدي آل مهدي ، تعليق / عبد الرّحمن المحمود . الطبعة الثّانية 1405 ، مكتبة الحرمين بالرياض .(1/65)
10 ? التّسهيل لعلوم التنزيل ، لمحمّد بن أحمد بن جزي . شركة دار الأرقم للطّباعة والنّشر ببيروت .
11 ? التّعريفات ، لعليّ بن محمَّد الجرجاني . الطبعة الأولى 1403 هـ ، دار الكتب العلميّة بلبنان .
12 ? تفسير القرآن العظيم ، لإسماعيل بن كثير القرشي . مكتبة دار التراث بالقاهرة .
13 ? توضيح الكافية الشافية ، لعبد الرّحمن بن ناصر السّعدي . الطبعة الأولى 1407 هـ ، مكتبة ابن الجوزي بالدمّام .
14 ? توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيّم ( شرح النونيّة ) ، لأحمد ابن إبراهيم بن عيسى ، تحقيق / زهير الشّاويش . الطبعة الثّالثة 1406 هـ ، المكتب الإسلامي .
15 ? تيسير العزيز الحميد ، لسليمان بن عبد اللّه بن محمَّد بن عبد الوهاب . الطبعة الخامسة 1402 هـ ، المكتب الإسلاميّ .
16 ? تيسير الكريم الرّحمن في تفسير كلام المنّان ( تفسير السعدي ) ، لعبد الرّحمن بن ناصر السّعدي . المؤسّسة السعيدية بالرّياض .
17 ? جامع البيان عن تأويل آي القرآن ( تفسير الطّبري ) ، لأبي جعفر محمَّد بن جرير الطّبري . طبعة 1405 هـ ، دار الفكر ببيروت .
18 ? الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبي ) ، لأبي عبد اللّه محمَّد بن أبي بكر القرطبي ، تصحيح / أحمد البردوني . الطبعة الثّانية .
19 ? الجواب الصّحيح لمن بدّل دين المسيح ، لأبي العبّاس أحمد بن عبد الحليم بن تَيْمِيَّة ، تحقيق الدكتور / عليّ حسن ورفاقه . الطبعة الثّانية 1419 هـ ، دار العاصمة بالرّياض .
20 ? حاشية الصّاوي على تفسير الجلالين ، لأحمد الصّاوي المالكي . طبعة 1414 هـ ، دار الفكر .
21 ? درء تعارض العقل والنّقل ، لأبي العبّاس بن تَيْمِيَّة ، تحقيق الدكتور / محمَّد رشاد سالم . الطبعة الأولى 1399 هـ ، طبعة جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلاميّة بالرّياض .
22 ? الدرّ المنثور في التّفسير بالمأثور ، لجلال الدِّين السّيوطي . دار المعرفة ببيروت .(1/66)
23 ? دعوة التّوحيد ، للدّكتور محمَّد خليل هرّاس . الطبعة الأولى 1407 هـ ، مكتبة ابن تَيْمِيَّة بالقاهرة .
24 ? الردّ على الزنادقة والجهميّة ، لإمام أهل السنّة / أحمد بن حنبل ( ضمن عقائد السّلف ) تحقيق عليّ النشّار وزميله . منشأة المعارف بالإسكندريّة .
25 ? الردّ على المنطقيين ، لأبي العبّاس بن تَيْمِيَّة . الطبعة الرّابعة 1402 هـ ، نشر إدارة ترجمان السنّة بلاهور .
26 ? الرِّسالة التدمريّة ، لأبي العبّاس بن تَيْمِيَّة ، تحقيق الدكتور / محمَّد بن عودة السعوي . الطبعة الأولى ، شركة العبيكان للطّباعة والنّشر .
27 ? روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، لشهاب الدِّين محمود الآلوسي . طبعة 1408 هـ ، دار الفكر .
28 ? روضة النّاظر وجنّة المناظر ، للموفّق بن قدامة ، تحقيق د/ عبد العزيز بن عبد الرّحمن السعيد . مطابع الرّياض .
29 ? زاد المسير في علم التّفسير ، لجمال الدِّين عبد الرّحمن بن الجوزي . الطبعة الرّابعة 1407 هـ ، المكتب الإسلامي ببيروت .
30 ? سلسلة الأحاديث الصّحيحة ، لمحمّد ناصر الدِّين الألباني . الطبعة الثّانية 1407 هـ ، مكتبة المعارف بالرّياض .
31 ? السنّة ، للحافظ أبي بكر بن أبي عاصم الشيباني ، تخريج محمَّد ناصر الدِّين الألباني . الطبعة الأولى 1400 هـ ، المكتب الإسلامي .
32 ? سنن الترمذيّ ، للإمام محمَّد بن عيسى الترمذيّ ، تحقيق إبراهيم عطوة . الطبعة الأولى 1385 هـ ، مطبعة الحلبي بمصر .
33 ? شرح الأصول الخمسة ، للقاضي عبد الجبّار بن أحمد الهمذاني ، تحقيق الدكتور / عبد الكريم عثمان . الطبعة الأولى 1384 هـ ، مكتبة وهبة بمصر .
34 ? شرح صحيح مسلم ، للحافظ يحيى بن شرف النّووي . دار الكتب العلميّة ببيروت .
35 ? شرح العقيدة الطحاوية ، لعليّ بن عليّ بن أبي العزّ الحنفي ، تحقيق وتخريج / شعيب الأرنؤوط . الطبعة الأولى 1401 هـ ، مكتبة دار البيان .(1/67)
36 ? شرح الكوكب المنير ، لمحمّد بن أحمد الفتوحي ، تحقيق الدكتور / محمَّد الزحيلي ونزيه حمّاد . مركز البحث العلميّ بجامعة أمّ القرى ، مطبعة دار الفكر بدمشق 1400 هـ .
37 ? شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ، لابن قيّم الجوزيّة . الطبعة الأولى 1407 هـ ، دار الكتب العلميّة .
38 ? صحيح الجامع الصّغير وزيادته ، لمحمّد ناصر الدِّين الألباني . الطبعة الثّانية 1406 هـ ، المكتب الإسلاميّ .
39 ? صفة الصّفوة ، لأبي الفرج بن الجوزي ، تحقيق / محمَّد فاخوري وزميله . الطبعة الثالثة 1405 هـ ، دار المعرفة ببيروت .
40 ? الصواعق المرسلة على الجهميّة والمعطّلة ، لابن قيّم الجوزيّة ، تحقيق الدكتور / عليّ بن محمَّد بن دخيل اللّه . الطبعة الثّانية 1418 هـ ، دار العاصمة بالرّياض .
41 ? فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، للحافظ / أحمد بن عليّ بن حجر ، تحقيق الشّيخ / عبد العزيز بن باز . دار المعرفة ببيروت .
42 ? فتح البرية بتلخيص الحموية ، للشّيخ محمَّد بن صالح العثيمين . الطبعة الرّابعة 1397 هـ ، مؤسّسة مكّة للطّباعة والإعلام .
43 ? فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ، لعبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ ، تحقيق وتخريج / عبد القادر الأرنؤوط . الطبعة الأولى 1402 هـ ، دار البيان .
44 ? الفرق بين الفرق ، لعبد القادر بن طاهر البغدادي ، تحقيق / محمَّد محيي الدِّين عبد الحميد . دار المعرفة ببيروت .
45 ? الفوائد ، لمحمّد بن أبي بكر بن قيّم الجوزيّة . الطبعة الأولى 1407 هـ ، دار الريّان للتراث بالقاهرة .
46 ? قواعد الأحكام في مصالح الأنام ، للعزّ بن عبد السّلام . الطبعة الثّانية 1400 هـ ، دار الجيل ببيروت .
47 ? القول السّديد في مقاصد التوحيد ، لعبد الرّحمن بن ناصر السّعدي . الرئاسة العامّة للبحوث بالرّياض 1404 هـ .(1/68)
48 ? الكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل ، لمحمود بن عمر الزّمخشريّ . الطبعة الأولى 1397 هـ ، دار الفكر للطّباعة والنّشر .
49 ? الكشف عن مناهج الأدلّة ، لمحمّد بن أحمد بن رشد [ ضمن فلسفة ابن رشد ] . الطبعة الأولى 1402 هـ ، دار الآفاق ببيروت .
50 ? لباب التأويل في معاني التنزيل ( تفسير الخازن ) ، لعليّ بن محمَّد بن إبراهيم البغدادي . طبعة 1399 هـ ، دار الفكر .
51 ? مجمع الأمثال ، لأبي الفضل أحمد بن محمَّد الميداني ، تحقيق محمَّد محيي الدِّين عبد الحميد . طبعة 1412هـ ، المكتبة العصريّة ببيروت .
52 ? مجموع الفتاوى ، لشيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّة ، جمع وترتيب عبد الرّحمن بن محمَّد بن قاسم . مطبعة المساحة العسكريّة بالقاهرة 1404 هـ .
53 ? محاسن التأويل ( تفسير القاسمي ) ، لمحمّد جمال الدِّين القاسمي ، تعليق / محمَّد فؤاد عبد الباقي . الطبعة الثّانية 1398 هـ ، دار الفكر ببيروت .
54 ? المحرّر الوجيز ( تفسير ابن عطيّة ) ، للقاضي أبي محمَّد عبد الحقّ بن غالب بن عطيّة ، تحقيق / عبد السّلام عبد الشافي . الطبعة الأولى 1422 هـ ، دار الكتب العلميّة ببيروت .
55 ? مختصر الصواعق المرسلة ، لمحمّد بن نصر الموصلي . الطبعة الأولى 1405 هـ ، دار الكتب العلميّة ببيروت .
56 ? مدارج السّالكين ، للإمام ابن قيّم الجوزيّة ، تحقيق محمَّد الفقي . دار الرشاد بالمغرب .
57 ? مذكّرة أصول الفقه ، لمحمّد الأمين الشنقيطي . المكتبة السّلفيّة بالمدينة .
58 ? المستصفى من علم الأصول ، لأبي حامد الغزالي . مكتبة الجندي بمصر .
59 ? المسند ، للإمام أحمد بن حنبل . المكتب الإسلامي ببيروت .
60 ? معالم التّنزيل ( تفسير البغوي ) ، لحسين بن مسعود البغوي ، تحقيق خالد العك وزميله . الطبعة الثّانية 1407 هـ ، دار المعرفة .(1/69)
61 ? معاني القرآن الكريم ، لأبي جعفر النحاس ، تحقيق / محمَّد الصّابوني . الطبعة الأولى 1410 هـ ، مركز البحث العلميّ بجامعة أمّ القرى ، مطابع النّدوة .
62 ? المعجم الفلسفي ، للدكتور جميل صليبا . طبعة 1414 هـ ، الشّركة العالمية للكتاب .
63 ? معجم مقاييس اللّغة ، لأحمد بن فارس ، تحقيق عبد السّلام هارون . طبعة 1399 هـ ، دار الفكر .
64 ? معيار العلم في فنّ المنطق ، لأبي حامد الغزالي . دار الأندلس بلبنان .
65 ? مفتاح دار السّعادة ، للإمام ابن القيّم . دار الكتب العلميّة بلبنان .
66 ? الوعد الأخروي ، لعيسى عبد اللّه السّعدي . الطبعة الأولى 1422 هـ ، دار عالم الفوائد بمكّة .
A summary of the research
The aim of this study is to explain the effect of the higher property of the God and to show the issue that we must know form the source and the evidence the unification and this we discuss it under these points :
1. The Knowing of God and unification on him is the greatest result for the higher property and its fungal mentality result form the begging . But the way of real knowledge is how to understand that how the higher property link completeness property .
2. The completeness of knowing the God property is resulted in the life of believer a real worship and seeking for help from the God. Each Kind of these higher property resulted in special heart worship which lead the member of the body in doing the obedience and leaving the offense .(1/70)
3. The evidence of unification is surrounding with the higher property existence and destitute for that reason the God lead the bad example for the polytheist and their claimed Gods. Allah tell that he has the only higher property in the sky and earth .
4. The legality of measuring the property of God with the higher one but in the same time it is not legal to measure between the property of God and the people except in knowing that the property of God is higher because the measure of equality cause in making identical and similarity with Allah .
(1)……انظر : تفسير البغوي 3/73 ، 481 ، تفسير القرطبي 9/324 ، 10/119 ، 14/22 ، زاد المسير لابن الجوزي 4/459 ، 6/298 ، تفسير ابن كثير 2/573 ، حاشية الصّاوي على الجلالين 3/303 ، 304 ، تفسير القاسمي 10/120 .
(2)……تفسير الطّبري 11/21/38 .
(3)……تفسير القرطبي 10/119 ، وانظر : الصواعق المرسلة لابن القيّم 3/1022 .
(4)……تفسير البغوي 3/73 ، تفسير القرطبي 10/119 .
(5)……انظر : تفسير الطّبري 8/14/125 ، 11/21/38 ، معاني القرآن للنحّاس 4/77 ، تفسير القرطبي 14/22 ، تفسير ابن كثير 3/431 ، الدرّ المنثور للسيوطي 4/121 .
(6)……تفسير الطّبري 8/14/125 ، معاني القرآن للنحّاس 4/77 .
(7)……معاني القرآن 4/77 .
(8)……الجواب الصّحيح 4/372 ، وانظر : الصواعق المرسلة لابن القيّم 3/1033 ـ 1037 .
(9)……تفسير الخازن 3/97 ، وانظر : تفسير الطّبري 11/21/38 ، التّسهيل لعلوم التّنزيل لابن جزي 1/429 ، الصّواعق المرسلة لابن القيّم 3/1034 ، 1035 .
(10)……صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب الجنائز ، باب إذا أسلم الصبيّ فمات هل يصلّى عليه ؟ وهل يعرض على الصبيّ الإسلام 3/219 ، وانظر : صحيح مسلم بشرحه للنّووي : كتاب القدر ، باب كلّ مولود يولد على الفطرة 16/207 .(1/71)
(11)……صحيح مسلم بشرحه للنّووي : كتاب القدر ، باب كلّ مولود يولد على الفطرة 16/210 .
(12)……المرجع السّابق .
(13)……مجموع الفتاوى 10/135 ، وانظر : الأدلّة العقليّة للعريفي ص191 ـ 209 .
(14)……مجموع الفتاوى 16/445 [ بتصرّف ] ، وانظر : الكشف عن مناهج الأدلّة لابن رشد ص61 ، الأدلّة العقليّة للعريفي ص209 ـ 226 .
(15)……انظر : بدائع الفوائد 4/162 ، 163 .
(16)……شفاء العليل ص119 ، 137 ـ 140 [ بتصرّف ] .
(17)……هذا في حقّ من شاهدها ، أمّا من غاب عنها فإنّها في حقّه من باب دلالة الخبر القاطع والعقل ؛ والقطع بثبوت آيات الأنبياء يعلم بطرق متعدّدة ؛ كذكرها في القرآن المقطوع بصحّته ، وكتواتر بعض آحادها تواترًا عامًّا يعلمه العامّ والخاصّ ، أو تواترًا خاصًّا يعلمه العلماء ، وكتواتر القدر المشترك بين آحادها تواترًا عامًّا اتّفقت على معرفته جميع الطوائف . انظر : الجواب الصّحيح لابن تيمية 6/324 ـ 380 ، الصواعق المرسلة لابن القيّم 3/1196 ، 1197 .
(18)……الصواعق المرسلة لابن القيّم 3/1197 ، 1198 [ بتصرّف يسير ] ، وانظر في الأدلّة الخارجيّة عامّةً : الكشف عن مناهج الأدلّة لابن رشد ص60 ـ 64 ، الأدلّة العقليّة للعريفي ص209 ـ 308 .
(19)……انظر : بيان تلبيس الجهميّة لابن تيمية 1/248 ، الصواعق المرسلة لابن القيّم 1/150 .
(20)……تفسير البغوي 3/73 ، تفسير القرطبي 10/119 .
(21)……تفسير الطّبري 8/14/125 ، معاني القرآن للنحّاس 4/77 .
(22)……المرجعان السابقان ، تفسير القرطبي 14/22 .
(23)……تفسير القرطبي 14/22 .
(24)……تفسير ابن كثير 3/431 .
(25)……مقصوده القسم الثّاني ، وهم أهل العبادة دون الاستعانة ، كما هو واضح من السياق .
(26)……أي أهل العبادة دون الاستعانة ، وهو يعزز ما ذكرته في التّعليق السّابق . وانظر : التّحفة المهدية لفالح آل مهدي ص422 ، 424 .(1/72)
(27)……الرّسالة التدمريّة ص234 ، 235 ، وانظر منها : ص231 ، 232 ، الفوائد لابن القيّم ص97 ، مدارج السّالكين لابن القيّم 1/78 ـ 83 ، تفسير السّعدي 1/36 ، 6/596 ، 597 .
(28)……ورد في بعض الروايات الثابتة ما يدلّ على تكرّم الربّ وإكرام الرَّسول ( بما يزيد على هذا العدد بكثير ؛ فقد ورد أنّ النَّبيّ ( استزاد ربّه فزاده مع كلّ ألف سبعين ألفًا ، وفي رواية للترمذي : وثلاث حثيات من حثياته . انظر : المسند للإمام أحمد 2/359 ، سنن الترمذي : كتاب صفة القيامة ، باب ما جاء في الشفاعة 4/626 ، فتح الباري لابن حجر 11/410 ، صحيح الجامع الصّغير للألباني 2/1196 .
(29)……صحيح مسلم بشرحه للنّووي : كتاب الإيمان ، باب الدّليل على دخول طوائف من المسلمين الجنّة بغير حساب ولا عذاب 3/93 ، 94 .
(30)……في تحرير دلالة الحديث كلام طويل لأهل العلم ، والظّاهر ما ذكرته حملاً للمطلق من النّصوص على المقيّد ، وجمعًا بين النّصوص المتعدّدة في المسألة . انظر : الوعد الأخروي لعيسى السّعدي 2/835 ـ 853 .
(31)……المسند 1/381 . وهو حديث صحيح . انظر : سلسلة الأحاديث الصّحيحة للألباني 1/584 ، 585 ، ح ( 331 ) .
(32)……انظر في التوكّل وما يتعلّق به : قواعد الأحكام للعزّ بن عبد السّلام 2/213 ، مدارج السّالكين لابن القيّم 2/117 ، 118 ، تيسير العزيز الحميد لعبد العزيز آل الشّيخ ص495 ـ 505 ، القول السّديد لعبد الرّحمن بن سعدي ص41 ، 42 .
(33)……انظر : الردّ على الجهميّة للإمام أبي سعيد الدارمي ص268 ، 269 [ ضمن عقائد السّلف ] .
(34)……مدارج السّالكين 2/265 ، وانظر في الحياء وما يتعلّق به : قواعد الأحكام للعزّ ابن عبد السّلام 1/21 ، 213 ، الفوائد لابن القيّم ص96 ، مفتاح دار السّعادة لابن القيّم 2/90 ، تفسير السعدي 1/154 .(1/73)
(35)……روح المعاني للآلوسي 1/2/35 ، وانظر في المحبّة وما يتعلّق بها : قواعد الأحكام للعزّ بن عبد السّلام 1/21 ، 206 ، 2/213 ، مجموع الفتاوى لابن تيمية 10/48 ، 49 ، الفوائد لابن القيّم ص95 ، شرح الطّحاويّة لابن أبي العزّ الحنفي ص266 .
(36)……صفة الصفوة لابن الجوزي 3/91 .
(37)……المسند 6/205 . وهو حديث صحيح . صحيح الترمذي للألباني 3/80 .
(38)……صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب الإيمان ، باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر 1/109 .
(39)……انظر في الخوف وما يتعلّق به : قواعد الأحكام للعزّ بن عبد السّلام 1/21 ، 206 ، الفوائد لابن القيّم ص96 ، تيسير العزيز الحميد لسليمان آل الشّيخ ص483 ـ 495 ، 498 .
(40)……مدارج السّالكين 2/42 .
(41)……انظر في الرجاء ومتعلّقاته : قواعد الأحكام للعزّ بن عبد السّلام 1/21 ، 206 ، مدارج السّالكين لابن القيّم 2/36 ، الفوائد لابن القيّم أيضًا ص95 ، شرح الطحاوية لابن أبي العزّ الحنفي ص343 ، تيسير العزيز الحميد لسليمان آل الشّيخ ص40 ، 174 ، 183 ، 220 ، 243 ، روح المعاني للآلوسي 5/9/12 ، 13 .
(42)……مجموع الفتاوى 6/83 .
(43)……انظر : شرح الطحاوية لابن أبي العزّ الحنفي ص36 .
(44)……الصواعق المرسلة 2/465 .
(45)……الصواعق المرسلة 2/461 ، 462 .
(46)……وانظر في هذه البراهين الثلاثة : القول السّديد لعبد الرّحمن ابن سعدي ص61 ـ 69 ، دعوة التّوحيد لمحمّد خليل هرّاس ص35 ـ 41 ، الأدلّة العقليّة على أصول الاعتقاد لسعود العريفي ص390 ـ 450 .(1/74)
(47)……هذا لإخراج المثل اللغوي ؛ وهو القول السائر الممثل مضربه بمورده ؛ وهو الَّذي عني به علماء اللّغة ، وأفردوا له مؤلّفات مستقلّة ؛ كمجمع الأمثال لأبي الفضل الميداني . وفائدة هذه الأمثال ترجع إلى التّعبير اللغوي ولا دلالة فيه على الأحكام ؛ لأنّ الدّلالة على الأحكام مخصوصة بأمثال المعاني سواءٌ أكانت معينة أو كلية ؛ فالأمثال المعينة هي الَّتي يقاس فيها الفرع بأصل معيّن إما موجود أو مقدّر ، وفي بعض المواضع يذكر الأصل من غير تصريح بذكر الفرع ، والقصص القرآني من هذا الباب ، فإنها كلّها أصول قياس ولا يمكن تعديد ما يلحق بها من الفروع . والأمثال المعينة ترجع إلى القياس الفقهيّ المشهور بقياس التّمثيل .
……أمّا الأمثال الكليّة فهي الَّتي يقاس فيها الفرع ( المثل ) بالمعنى الكليّ ؛ لأنّ القضيّة الكليّة في قياس الشّمول تماثل كلّ ما يندرج فيها من الأفراد ؛ فإنّ الذّهن يرتسم فيه معنى عام يماثل الفرد المعين ؛ فصار هذا قياسًا حقيقة ، وهو ضرب مثل في نفس الوقت ؛ لأنّ ضرب المثل هو القياس بعينه . انظر : مجمع الأمثال للميداني 1/5 ، مجموع الفتاوى لابن تيمية 14/54 ـ 68 ، 16/41 .
(48)……انظر : مجموع الفتاوى لابن تيمية 14/56 ، أعلام الموقعين لابن القيم 1/148 ، البرهان للزركشي 1/486 ـ 496 .
(49)……انظر : الصواعق المرسلة لابن القيّم 3/1033 .
(50)……انظر : ص ( 6 ) من البحث .
(51)……انظر : أعلام الموقعين لابن القيّم 1/157 ، 158 .
(52)……انظر : تفسير القرطبي 10/149 ، 150 ، أعلام الموقعين 1/158 ـ 161 .
(53)……انظر : أعلام الموقّعين لابن القيّم 1/174 ، 175 ، الصواعق المرسلة 2/466 ، 467 .
(54)……انظر : المحرّر الوجيز لابن عطيّة 4/318 ، تفسير القرطبي 13/345 ، أعلام الموقّعين لابن القيّم 1/152 ، 153 .(1/75)
……وممّا يدلّ مع الآية على معاملة المشرك بنقيض قصده حديث عمران بن حصين مرفوعًا : (( انزعها فإنّها لا تزيدك إلاّ وهنًا )) ، وحديث عقبة بن عامر مرفوعًا : (( من تعلّق تميمة فلا أتمّ الله له ، ومن تعلّق ودعة فلا ودع الله له )) ؛ أي لا تركه في دعة وراحة وسكون بل حرّك عليه كلّ مؤذ . انظر فيما يتعلّق ببيان معنى الحديثين وتخريجهما : كتاب التّوحيد بشرحه فتح المجيد وتخريجه لعبد القادر الأرنؤوط ص125 ـ 130 .
(55)……انظر : تفسير القرطبي 14/23 ، أعلام الموقعين 1/156 ، 157 .
(56)……تفسير القرطبي 14/23 .
(57)……تفسير ابن كثير 3/168 ، وانظر : تفسير القرطبي 11/258 ، 259 ، 5/253 ، أعلام الموقعين لابن القيّم 1/179 ، مدارج السّالكين 1/422 ، 423 .
(58)……مدارج السّالكين 3/341 .
(59)……انظر : المرجع السّابق 3/17 ، 23 ، 38 ، 39 ، 348 ، 349 .
(60)……انظر : تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص15 ، الفرق بين الفرق للبغدادي ص172 ـ 174 ، 191 ، مدارج السّالكين لابن القيّم 3/23 ، 26 ، 351 .
(61)……مدارج السّالكين 2/118 [ ويبدو أنّ النّقل كان مشافهةً ] .
(62)……المرجع السّابق 3/351 .
(63)……النونيّة بشرحها لابن عيسى 2/451 ، وانظر : مدارج السّالكين لابن القيّم أيضًا 1/420 ، 3/347 ، 351 ، توضيح الكافية لابن سعدي ص166 ـ 169 .
(64)……صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب التّوحيد ، باب قول الله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } 13/419 .
(65)……صحيح مسلم بشرحه للنّووي : كتاب الإيمان ، باب إثبات رؤية المؤمنين ربّهم في الآخرة 3/17 .
(66)……انظر : مدارج السّالكين 3/24 ، 349 ، 351 ، وانظر أيضًا الكشّاف للزّمخشري 2/112 ، 113 ، شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبّار ص248 ـ 253 ، 276 .(1/76)
(67)……انظر : الصواعق المرسلة لابن القيّم 4/1232 ـ 1236 ، مدارج السّالكين 3/347 ، 360 ، شرح النونيّة لأحمد بن عيسى 1/506 ، 507 .
(68)……انظر : شفاء العليل لابن القيّم ص466 ، 467 ، مدارج السّالكين 3/354 ـ 357 ، الفوائد لابن القيّم ص31 ـ 34 ، شرح الطحاوية لابن أبي العزّ الحنفي ص442 .
(69)……انظر : معجم مقاييس اللّغة لابن فارس 5/40 ، أساس البلاغة للزّمخشريّ ص383 .
(70)……إطلاق القياس إطلاقًا حقيقيًّا على قياس التّمثيل والشّمول هو قول جمهور أهل العلم ، وذهب أكثر علماء الأصول إلى أنّ القياس حقيقة في التّمثيل مجاز في الشّمول . وذهب أهل المنطق إلى العكس ؛ فقالوا : إنّه حقيقة في الشّمول مجاز في التّمثيل .
……والصّواب أنّه حقيقة فيهما ؛ لأنّ القياس في اللّغة بمعنى : تقديم الشيء بغيره ، وهذا يتناول تقدير المعين بالمعين ، وتقدير المعين بالكلي المتناول له ولأمثاله . انظر : المستصفى للغزالي ص394 ، 395 ، روضة النّاظر لابن قدامة ص276 ، الردّ على المنطقيين لابن تيمية ص119 ، 364 .
(71)……روضة الناظر لابن قدامة ص275 ، وانظر شرح الكوكب المنير للفتوحي 4/6 .
(72)……انظر : معيار العلم للغزالي ص119 ، الردّ على المنطقيين لابن تَيْمِيَّة ص116 ، المعجم الفلسفي لجميل صليبا 2/207 .
(73)……التعريفات للجرجاني ص181 ، وانظر : معيار العلم للغزالي ص98 ، المعجم الفلسفي لجميل صليبا 2/207 .
(74)……انظر : الردّ على المنطقيين لابن تيمية ص107 ، 115 ، 116 ، 119 ، 211 ، 364 .
(75)……انظر : درء التّعارض لابن تيمية 1/29 ، 7/367 ، مجموع الفتاوى لابن تيمية 14/51 ـ 54 ، المذكّرة في أصول الفقه للشنقيطي ص249 ـ 252 .
(76)……أعلام الموقعين 1/143 ، 144 ، وانظر من نفس المصدر : ص139 ، 142 ، 146 .
(77)……انظر : أعلام الموقعين 1/134 ، 138 ، 139 .
(78)……صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب التّفسير ، باب الَّذين يحشرون على وجوههم 8/492 .(1/77)
(79)……أي قوله تعالى : { الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلاً } . سورة الفرقان : آية ( 34 ) ، وهي الآية الَّتي ساق الإمام البخاريّ الحديث في تفسيرها . انظر : كتاب التّفسير ، باب الَّذين يحشرون على وجوههم 8/492 .
(80)……فتح الباري 11/382 ، 383 .
(81)……الجواب الصّحيح 4/55 ، وانظر : أعلام الموقعين لابن القيّم 1/135 .
(82)……انظر : تفسير الطّبري 9/15/169 ، 170 ، أعلام الموقعين 1/132 ، 140 ـ 147 ، تفسير ابن كثير 3/65 ، 66 ، 582 ، 4/85 ، 171 .
(83)……انظر : روح المعاني للآلوسي 9/17/117 ، تفسير السّعدي 5/274 .
(84)……انظر : تفسير البغوي 3/73 ، 481 ، تفسير ابن كثير 3/573 ، تفسير السعدي 4/213 .
(85)……انظر : درء التّعارض لابن تيمية 1/29 ، 30 ، 7/362 ، الرِّسالة التدمرية ص50 ، تفسير السّعدي 6/123 .
(86)……انظر : درء التّعارض لابن تيمية 1/36 ، 37 ، 7/362 ـ 369 ، تفسير ابن كثير 2/573 ، 3/431 .
(87)……انظر : مجموع الفتاوى 16/357 .
(88)……انظر : مجموع الفتاوى لابن تيمية 16/360 .
(89)……انظر : مجموع الفتاوى 16/358 ، 359 ، شرح الطحاوية لابن أبي العزّ الحنفي ص261 ، 262 .
(90)……انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 6/79 ، 80 ، أعلام الموقعين لابن القيّم 1/157 ـ 161 .
(91)……انظر : درء التّعارض لابن تَيْمِيَّة 1/37 ، 7/389 ، 390 ، تفسير ابن كثير 3/431 .
(92)……كتاب السنّة 1/200 ، وهو حديث حسن كما نصّ على ذلك الألباني في تخريجه للكتاب .
(93)……انظر : الجواب الصّحيح لابن تيمية 3/148 ، 318 ـ 322 ، 4/10 .
(94)……انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 16/362 .
(95)……انظر : الرِّسالة التدمرية لابن تيمية ص46 ـ 51 .
(96)……المرجع السّابق ص50 ـ 58 .(1/78)
(97)……انظر : الردّ على الزنادقة والجهميّة للإمام أحمد بن حنبل ص 93 [ ضمن سلسلة عقائد السّلف ] ، نقض التأسيس لابن تيمية 2/543 ، الرِّسالة التدمرية ص256 ، فتح رب البرية لابن عثيمين ص21 .
(98)……انظر : أساس التقديس 2/537 .
(99)……الردّ على الزنادقة والجهميّة ص94 .
(100)……المرجع السّابق .
(101)……انظر : نقض التأسيس 1/357 ـ 361 ، درء التّعارض 7/324 .
(102)……الدرّ المنثور للسيوطي 3/37 .
(103)……انظر : مختصر الصّواعق المرسلة ص302 .
(104)……انظر : الرِّسالة التدمريّة ص142 .
(105)……انظر : الفوائد لابن القيّم ص95 ـ 98 ، شرح الطحاوية لابن أبي العزّ الحنفي ص123 ، 124 .
( ( ( ( (
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=>
?
212
خطأ! النمط غير معرّف.
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
61
خطأ! النمط غير معرّف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
40
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
40
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
69
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
ـ 64 ـ
40(1/79)
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
78
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
ـ 70 ـ
ـ 71 ـ(1/80)