قام بطباعته وتنسيقه على الوورد ونشرة على شبكة الإنترنت
أخوكم / محمد السلفي
تقديم الكتاب
للعلاّمة الأصولي
الأستاذ الدكتور/ مصطفى سعيد الخن , حفظه الله (1)
الحمد لله رب العالمين , وأفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمه للعالمين , وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين , وبعد :
فقد أطلعني الأخ الحسيب النسيب الدكتور خلدون بن مكي الحسني على رسالته التي كتبها متعقباً لكتاب ( معالم السلوك للمرأة المسلمة ) للشيخ الحبيب " الحبيب علي الجفري" فوجدتُ تلك الرسالة قد نهج كاتبها المنهج العلمي السليم , فكان منضبطاً بقواعد المناقشة والاستدلال وفق أصول الفقه , كما أن الأخ الدكتور الحسني قد تحرَّى الدقة في نقول العلماء , فغَدَت تلك الرسالةُ رسالةً علمية ً خالية من الذم والقدح , وغرضها الإصلاح والنصح.
__________
(1) هو مصطفى بن سعيد الخن , أحد العلماء الأفذاذ في الشام وشيخ الأصوليين فيها , فقيهُ أصوليِّ كبير , برع في علم العقيدة ومصطلح الحديث , ولد بدمشق سنة ( 1340هـ) , وحضر مجالس محدّث الشام الشيخ بدر الدين الحسني , ومجالس الشيخ إبراهيم الغلاييني , ومن شيوخه العلامة حسن حنبكة الميداني , والشيخ أبو الخير الميداني . حصل على شهادة الدكتوراه في الأصول بدرجة الشرف الأولى من الأزهر , وهو من مؤسسي كلية الشريعة بجامعة دمشق سنة 1955 , وكان رئيساً لقسم العقيدة الإسلامية فيها , درس في العديد من الجامعات العربية . من مؤلفاته : ( كتاب أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء ) و ( الكافي الوافي في أصول الفقه ) , وشارك في العديد من المؤلفات ككتاب ( الإيضاح في علوم الحديث والاصطلاح ) و ( العقيدة الإسلامية ) و ( الفقه المنهجي ) وغيرها .
ومازال مرجعاً لأهل العلم يقصدونه لعلمه وفضله , نفع الله به وبعلومه.(1/1)
فدَمَاثَةُ الكاتب وحُسْنُ خُلُقِه لم تقف حاجزاً له عن الصدع بالحق ,كيف لا والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ( لا يمنعنَّ رجُلاً مهابةُ الناسِ أن يقوم بحق إذا علمه ) (1), ثم إن نشأَتَه العلمية وتلقيه العلم عن أكابر العلماء واستشارته إياهم فيما يعترضه , مع ما وهَبهُ الله من جرأة في الحق وغيرة على شرع الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - , إضافة إلى أنه سليل بيت النبوة , وحفيد أمير المجاهدين الأمير عبدالقادر الجزائري , كل ذلك جعله أهلاً ليكون من النّصحة لله ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم.
ولا بد لي من التنبيه إلى أن الأخ الحسني بذلَ جهداً كبيراً في تخريج الأحاديث والروايات التي أوردها الشيخ الجفري , وبين حالها وأقوال العلماء فيها.
وختاماً أتمنى على الشيخ الجفري أن يستجيب لهذه النصائح القيمة فهي جديرةُ بالنزول عندها والعمل بها ولا سيما مسألة عدم تحريه لصحة الرواية عن الله سبحانه وتعالى وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
هذا وأسأل الله العلي القدير أن يجعلنا وقافين عند حدوده , متمسكين بكتابه وسنة رسوله , وأسأله أن يوفقنا إلى طريق الهدى والسداد , والخير والرشاد , إنه كريم جواد.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الأُسَتاذ الدكتور
مصطفى سعيد الخن
دمشق الجمعة 2/رمضان/1427
29/9/2006
تقديم الكتاب
للعلاّمة الفقيه/ محمد كريم راجح
__________
(1) رواه الإمام أحمد ( 11678 ) , وله عدّه ألفاظ منها : (( لا يمنعن أحدكم هيبه الناس أن يتكلم بحق إذا رآه أو شهده أو سمعه )) , و (( لا يمنعنَّ أحدكم مخافةُ الناس أن يتكلم بحق إذا علمه )) ورواه أبو يعلى (1212) , والطيالسي ( 2158 ) , ورواه البهيقي في السنن الكبرى وفي شعب الإيمان ( 7309 ) . وهو حديث صحيح.(1/2)
مفتي الشافعية وشيخ القرّاء بالشام . حفظه الله(1)
الحمد لله , والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله , وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان , أما بعد :
فقد أطلعني الدكتور خلدون مكي الحسني الجزائري على كتابه ( إلى أين أيها الحبيب الجفري , وقفات هامة وتنبيهات مهمة على كتاب ( معالم السلوك للجفري ) فقرأت الكتاب , وكنت قرأت كتاب الشيخ " الحبيب علي الجفري" (معالم السلوك للمرأة المسلمة) فأعدتُ النظر فيه ثانيةً , ثم رأيت أن أكتب لكتاب ( وقفات هامة .. ) مقدمةً أرجو نفعها لكل قارئ لها وللكتابين.
أولاً , السيد الدكتور خلدون مكي الحسني هو من أحفاد الأمير الشهير عبدالقادر الجزائري رحمه الله , وهو من آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثم هو فقيهُ مالكي جيد , مطلع على كتب المالكية ومستحضر للأحكام الفقهية فيها , ثم تفقّه بعد ذلك وأطال النظر في مذهب الشافعي عليه رحمه الله
ثم له اطلاع جيد جداً على علم الحديث ورجاله وأسانيده وهو جامع للقراءات العشر , ثم هو لا يكاد يقرأ المسألة إلا ويعود للأدلة , ذلك أنه مستمسك بالدليل , ولا يرى حكماً إلا ودليله معه.
__________
(1) هو محمد كريم بن سعيد بن راجح , أحد كبار علماء الشام وشيخ القرّاء فيها , فقيهُ مفسر لغوي أديب , وخطيب مفوه , ولد بدمشق سنة ( 1344هـ) . من شيوخه العلامة الشيخ حسن حنبنكة الميداني , وشيخ القراء أحمد الحلواني . تولى الإفتاء ودرس بمعاهد دمشق الشرعية وله دروس مستمرة في عدد من مساجدها , وله من الكتب : ( مختصر تفسير ابن كثير ) و ( ومختصر تفسير القرطبي ) وغيرها.
أقرأَ القراءات العشر الصغرى والكبرى , وما زالت أنشطته العلمية والتربوية مستمرة نفع الله به وبعلومه.(1/3)
إذن هو على معرفة بالفقه الحديث والتفسير والدليل , ثم هو حسن المحاكمة والمناقشة , وهو إلى ذلك معتدل يريد العودة إلى السنة فلا هو سلفي متحجر ولا هو متجاوز في صوفيته , ولكنه صوفي صوفية السلف , وسلفي سلفية السلف , فهو مقلدُ للإمام مالك وأحمد وأبيي حنيفة والشافعي وأمثالهم كالأوزاعي وسفيان الثوري , رحمهم الله.
والخلاصة هو مع قوله عليه الصلاة والسلام ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) (1)
ثانيا ً , رأيت الجفري في كتابه يطلب إصلاح المرأة , بل إصلاح الناس ويستدل بأدلة كثيرة ,غير أن أدلّته يدخلها في بعض الأحيان ما دخل على بعض العلماء من قصص موضوعة , أو أحاديث واهية ظناً منه وممن سبقه أن ذلك ربما يكون أشد في إصلاح الناس .
والذي أرى أن الأمّة لا تصلح اليوم إلا بالكتاب والسنة الصحيحة اللذين أصلح الله بهما من كانوا على الوثنية , وفي طلعةِ البدر ما يُغنيك عن زحل(2)
والدكتور خلدون تَتَبَّعَ هذا الكتاب , لا لغرضٍ شخصي يضمره للجفري , بل لبيان الحقيقة , والكمال لله.
ثالثاً: الذي أرى أن يقرأَ الحبيب الجفري هذا الكتاب قراءة المتمهّل المنصف , فما كان فيه من الثناء عليه شكرَ عليه , وما كان فيه من تبيين أخطائه رجعَ عنه , وذلك ولا شك يشهد له بالفضيلةِ , وحُسْنِ الحال.
رابعاً: يجب أن يكون منطلقنا التآزر على نصرة حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن نبين الصحيح من غيره , وأن لا نغترَّ بقصصٍ موضوعة أو غير معقولة رأيناها في
كتاب ما فأخذنا نذكرها ونستشهد بها , ولقد نجد في كتب التفسير كثيراً من
ذلك , والمتتبع لما كُتِب يرى ذلك واضحاً , والعجب أن بعضهم ربما ذكرَ ذلك ولم يُنّبه عليه !
__________
(1) رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي
(2) هذا عجز بيت لأبي الطيب المتنبي , وصدره :
خُذْ ما تراُه ودَع شيئاً سَمِعتَ به(1/4)
خامساً: في نظري أن الدكتور خلدون من أعظم أصدقاء الجفري لأنه نصحَ له وقد قيل : لِمَ لم ينصح له سراً ؟
والجواب أن الكتاب أُذيعَ فلم يعد سِرّاً , ولذلك يجب ألاّ يكون البيان عليه سراً بل جهرا.
سادسا: كتاب ( وقفات ) نقاشه هادئ وردّه علميّ , واستناده إلى المراجع المعتبرة, فهو في نقاشه يقرأُ عليك كلمة ( معالم السلوك ) التي يريد أن يرد عليها , ثم يناقشها فقرة فقرة , وكلمة كلمة . ويا ليت الذين يكتبون الردود يكتبون بهذه الطريقة العلمية الهادئة الموثّقة التي تعتمد الحوار والبحث.
ثم هو في كلّ ما ردَّ أذيبُ لا يلسع ولا يلدغ ولا يثرّب , بل يقول الحق كما يراه.
وبعد , فهل يعودُ الناس إلى الكتاب والسنّة كما هو واجب كل مسلم ؟
وهل نتمسك بما قال العلماء من أصحاب المذاهب المعتبرة , وهل ندع الأحاديث الموضوعة أو الواهية ؟
ترى متى نرعوي ونتخلّص من الأخلاط في الدين , لنعود إلى الدين الحق , والنقل الصحيح.
أرجو أن لا يجدني القارئ في هذه المقدمة منحازاً لغير الحق , فإنّ بعض القرّاء لا يقرأ ما في الكتاب ولكن يقرأ ما في ذهنه , وذلك هو الضلال المبين .
والله ولي التوفيق
شيخ القُرَّاء
محمد كريم راجح
دمشق في 21/ شعبان/1427
14/9/2006
الحمدُ لله الذي وَعَدَ مَن اهتدى وأوْعَد من اعتدى ,والصَّلاة والسلام على من مدت عليه البلاغة رواقها , فاختصر له الكلام اختصاراً , فقال : ( قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك , ومن يعيش منكم , فسيرى اختلافاً كثيراً , فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ) (1) وعلى آله وصحبه , أما بعد :
__________
(1) رواه أحمد وابن ماجه والحاكم وغيرهم.(1/5)
فإنني لغيرتي على دين الإسلام وحرصي على ما ينفع المسلمين , وعملاً بالعهد الذي بايع عليه الصحابة الكرام رسولهم الأمين , وهو ( النصح لكل مسلم ) أقدم هذه المناقشة العلمية لما ذهب إليه الداعية الحبيب علي زين العابدين الجفري , في كتابه ( معالم السلوك للمرأة المسلمة ) الذي لا بدَّ وأنّه أخرجه في تمهل خلافاً لكلامه الآخر المُرْتَجَل في المحطات الفضائية وغيرها , الذي ربما وجد فيه غيري العذر له لعلة الارتجال , ولكن الأمر هنا يختلف : فالجفري هذه المرة يضع كتاباً ويصرح بذلك (1) كما أنه خرَّج أحاديثه وأخذ يعزوها إلى المصادر مع ذكر الصفحات والأرقام , وقد قدٍّم له شيخه عمر بن حفيظ بمقدمة أثنى فيها على الكتاب وعلى المؤلف ثناءً عظيماً , ووصف الكتاب بأنّه أنفاس مباركات وتنبيهات سنيّات ... أجراها الله على لسان الجفري ! وحَمِدَ الله على تيسير طباعته(2) . إذاً فالكتاب من وضع الشيخ الجفري نفسه وبمباركة وتقديم شيخه ابن حفيظ ومن ثم فإن الشيخ الجفري يتحمل مسؤولية المعلومات التي أوردها في كتابه.
وقد وضعت في هذه المناقشة كلامه في ميزان الشرع وتعقبته بالأدلة الواضحة , راضياً منه بالذَّمَّ علانيةً والانتفاع بكلامي سراً , وآملاً أن يجد هذا الكلام عنده وعند من يقر نهجه أذناً صاغية.
? إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ?(3)
خلدون مكي الحسني
دمشق 25/شوال/1426
الباعث على الكتاب
__________
(1) انظر ص71 من كتاب معالم السلوك حيث يقول :( كل المواضيع التي خضنا فيها في هذا الكتاب هي التصوف , ولو كنا قلنا : كتاب في التصوف لما قرأته واحدة منكن .. صحيح ؟..........هذه الصفحات الآتية كلها هي التصوف بعينه ) انتهى كلامه.
(2) انظر مقدمة الكتاب.
(3) سورة هود الآية (88)(1/6)
أهدى إلي أحد إخواني كتاب معالم السلوك للجفري , وناشدني أن أقرأه وأدوّن له ملاحظاتي عليه ففعلتُ.
وكنت سأكتفي بإعطاء ذلك الأخ نسخة من الملاحظات التي دوّنتُها , ولكنني ارتَأيت أن أنشرها للناس لعده أسباب :
أوّلها , أن الفتاوى والأقوال التي يرفضها الجفري في كتابه ويصفها بأنها مُحْدَثَة ولا سلف للقائلين بها , إنما هي فتاوى الأئمة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله , وهي ثابتة وأشهر من الأقوال التي يدعو غليها ! ولا يجوز لمن له مذهب خاص أن يلغي غيره!
ثانيها , أن الأخطاء والمغالطات التي في الكتاب شديدة الخطورة , وتفشيها بين الناس يسير بخطاً سريعة , لأن غالبها في صورة قصص وحكايات , وهذا مما يسهل على الناس حفظه وتداوله.
ثالثها , أن الكتاب يطبع بكرة ويوزع في المناسبات , وهو صغير لحجم تسهل قراءته.
رابعها , عندما أصدر شيخ القرّاء بالشام محمد كريم راجح , حفظه الله بيانه الخاص بالتنبيه على أخطاء الجفري وكثرة روايته للأحاديث الموضوعة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذلك القصص المنكرة , ادّعى البعض أن ما رآه الشيخ كريم راجح من تسجيلات للجفري , والتي فيها تلك الأمور , إنما هو مدسوس عليه و"مدبلج"(1).
__________
(1) وحاول بعض الناس أن يدافع عن الجفري بأنه ربما عزا الحديث إلى غير مرجعه لاّنه كان يرتجل الكلام . فكان هذا الكتاب دليلاً على صحة ما قاله الشيخ كريم راجح..
فالجفري هنا لا يرتجل بل هو يطبع كتابا ويعزو الكلام متعمداً ومن المؤسف أن ذاك الذي دافع عن الجفري قد أساء جداً للشيخ الجليل كريم راجح بدون وجه حق ,في حين دافع عن الجفري ولكن أيضاً بدون وجه حق.(1/7)
فكان هذا الكتاب الذي وضعه الشيخ الجفري وأعاد طباعته عدّة مرّات , ومنها هذه الطبعة التي بين يديَّ وهي الطبعة الثانية 1424هـ أي قبل صدور بيان الشيخ كريم , أكبر دليل على صحّة مارآه الشيخ كريم راجح , فالكتاب في معظمه , مبني على الأحاديث الباطلة والمكذوبة والقصص الخرافية والمنكرة!!
والجفري يعلن كتابه هذا ويروج له في موقعه الخاص على الشابكة ( الإنترنت) , ويهديه بنفسه للعديد ممن يلقونه , فهو إذاً ثابت النسبة إليه.
وهذا الكتاب _ كما يصرح مؤلِّفه _ في التصوف , ولكنه عدل عن تسميته بذلك خشية أن تنفر من شرائه ومطالعته النساء وغيرهن.
أنظر الصفحة :(71) من الكتاب.
ولو أردتُ أن أبين جميع ما في كتابه من عبارات غير شرعية أو أحكام غير صحيحة أو أفكار باطلة أو حقائق تاريخية مقلوبة لطال الأمر بنا كثيراً . ولكنني سأقتصر على بيان الأمور العلمية الواضحة التي لا تحتاج إلى كثير كلام , ولا يحتاج الإنسان العاقل فيها إلى مزيد بيان خشية التطويل , وغرضي من ذلك هو إظهار الحق وتنبيه المسلمين للأخطاء التي يدعوهم إليها الجفري كي يتجنبوها ويراجعوه فيها.
وإذا وجد القارئ ركاكة في العبارات التي أنقلها من كلام الجفري فأرجو ألا يؤاخذني , لأنني مضطرُ إلى نقل الكلام بالحرف , ومن المؤسف أن لغة الجفري العربية غير سليمة.
كما أرجو من الشيخ الجفري ألا يؤاخذني إذا وجد في كلامي بعض العبارات التي لا تروق له , فإن طبيعة الكلام النقدي غالباً ما تكون جامدة , والنصح بطبعه ثقيل , وأنا لا أحمل في قلبي للشيخ الجفري أي غل فليطمئن ’ وإنما الأمر كما قال الشاعر :
ما ناصَحَتْكَ خَبَايا الوُدِّ مِنْ رَجُلٍ ما لم يَنَلْكَ بمكروهٍ مِنَ العَذَلِ
محبَّتي فيكَ تأبى عن مُسامَحَتي بأنْ أراكَ على شيءٍ مِنَ الزّلَلِ(1/8)
وأذكره بقول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : ( لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المسلم سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملا ) (1)
ويقول العالم الرباني الزاهد ابن رجب الحنبلي رحمه الله :
( إن كراهة إظهار الحق إذا كان مخالفاً لقول الرجل ليس من الخصال المحمودة , بل الواجب على المسلم لأن يحب ظهور الحق ومعرفة المسلمين له , سواءُ كان ذلك في موافقته أو مخالفته . وهذا من النصحية لله ولكتابه ورسوله ودينه وأئمة المسلمين وعامتهم , وذلك هو الدين كما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - ) (2).
وقبل المضي في عرض المخالفات والأخطاء التي أوردها الجفري في كتابه أقول :
إن الجفري لما تكلم على أمهات الصفات المذمومة كالعجب والكبر والرياء والحسد, قد تكلم بكلام حسن لولا ما شابه من استشهادات باطلة تفسد المعنى.
وذلك لما تكلم على قاعدة المحبة في الله والبغض في الله , فإنه سرني أنه ليس من أولئك الذين يقولون بحب الكفار من اليهود والنصارى والبوذيين فقد قال في الصفحة:195 :
( هناك ناس يقولون : الدين دين محبه ووئام ما هو دين عصبية ولا تخلف وتطرف ولا إرهاب .. هؤلاء ناس أهل دين وأهل كتاب وهم مؤمنون )
فرد الجفري قائلاً : ( لا ليسوا بمؤمنين , هم كفار في القرآن )
وساق آيات , ثم قال :
( نص صريح في القرآن , هناك كلام الآن يبث في مجتمعاتنا المقصود به لإزالة بقايا الحواجز التي بيننا وبين الكفار حتى يندمج مجتمعنا ويختلط بهم ويصير كمجتمعاتهم , لا وألف لا , الكافر كافر , نصرانياً كان أو يهوديا أو مجوسياً أو بوذياً , أحسن إليه , أحسن معاملته , أتخلق معه بالأخلاق الحسنة لكن لا آنس إليه ولا أحبه في كفره .. الخ ) أنتهى.
فهذا الكلام منه حسن , لذلك أحببت أن أُشير إليه لسببين :
__________
(1) أخرجه أحمد في ( الزهد) كما قال السيوطي في ( الدر المنثور) 6/92
(2) في كتابه ( الفرق بين النصيحة والتعيير) ص10(1/9)
أولاً لذكر الكلام الصحيح الذي ورد في الكتاب.
ثانياً ليعلم القرّاء أن الجفري ليس من طائفة المتصوفة الذين ضاعت عندهم جميع المبادئ والمفاهيم الإسلامية(1)
والآن حان الشّروع في بيان أخطائه الخطيرة فأقول مستعيناً بالله العظيم :
1_ يقول الجفري في ص7 تحت عنوان ( أوصاف الله قديمة) :
(أوصاف الله تعالى وأسماؤه قديمة أزلية سرمدية ومعنى قديمة ودائمة أنها لا أول لابتدائها ولانهاية لها , معنى هذا أنه ما من وقت يمر ولا زمان إلا المعطي يعطي والحنان يتحنن والمنّان يمنّ والكريم يتكرّم والوهاب يهب والمتفضل المُحسن يتفضّل ويحسن سبحانه وتعالى ).انتهى
__________
(1) إن الصوفية مصطلح له عموم وخصوص , أما من حيث العموم فهو يُطلق على كل من كان زاهداً أو عابداً أو متنسكاً متواضعاً , وهذا الإطلاق حصل على أزمنة متأخرة عن زمن الزهاد والعبّاد الأوائل . وأما من حيث الخصوص فهو يُطلق على طائفة وضعت لنفسها قواعد فلسفية عالجت انطلاقا منها نصوص الشريعة الإسلامية , فخرجت بمفاهيم جديدة تعارض الأصول الشرعية , وانحرفت عن الإسلام انحرافاً كبيراً , ومن بين أهل العموم والخصوص برزت طائفة من الصوفية يشتركون مع القاسم الأول في العبادة والزهد , ولكنهم متلبّسون ببدع كثيرة ويكثر فيهم الجهل , وفي الوقت نفسه يحسنون الظن برجال القسم الثاني المنحرف , ولذا لا يقبلون أي نقد لهم.
كما برزت طائفة أخرى لا تعرف الزهد ولا العبادة ولا الأخلاق الحميدة , وضاعت عندهم جميع المبادئ الإسلامية . وإنما تستروا بالتصوف ليضمنوا وجودهم في مجتمعات المسلمين التي تتقبل التصوف بوجهٍ عام . وأنا في كتابي هذا إنما أبين الأخطاء العلمية التي وقع فيها الشيخ الجفري , وأنقل فتاوى كبار علماء الإسلام , اشتملت على انتقادهم لبدع المتصوفة , أو إنكارهم على المنحرفين من أصحاب الفكر الصوفي الفلسفي الذميم , ولم يكن همهم تكفير أحد منهم ! فأرجو التنبه لذلك !(1/10)
وأقول : إن الجفري يقول إنه على عقيدة الأشاعرة ويدافع عنهم ويطعن في مخالفيهم , ولكنه , ويا للأسف , تكلم بكلام لا تقوله الأشاعرة أبداً.
أن التكرم والإحسان هي من صفات الأفعال وهي ليست قديمة عند الأشاعرة !!
وحتى الماتريدية فإنهم لا يقولون ( معنى أنها قديمة ) أن الله من الأزل يتكرم ويهب لأن ذلك يقتضي أحد أمرين إما وجود مخلوقات من الأزل يتكرم عليها ويهبها ويعني ذلك قدم العالم , أو أنه كان يتكرم على العدم ويهب للعدم ! وكلا الأمرين باطل !!
ولا أظن الجفري يقصد أحدهما.
2_ يقول الجفري ص49 : (( جاء في بعض الكتب السابقة القديمة : أن الله تعالى لما خلق العقل قال : يا عقل أدبر ، فأدبر .. يا عقل أقبل فأقبل .. يا عقل من أنا ؟ فقال أنت الله رب العالمين ، وخلق النفس وقال لها : يا نفس أقبلي ، فأدبرت .. يا نفس أدبري ، فأقبلت .. يا نفس من أنا ؟ فقالت أنت أنت وأنا أنا ، فسلط الله عليها الجوع .. ولما سلط عليها الجوع دب فيها الضعف .. ولما دب فيها الضعف استكانت وخضعت فقال لها : يا نفس أدبري فأدبرت .. يا نفس أقبلي ! فأقبلت .. يا نفس من أنا ؟ قالت : أنت الله رب العالمين )) . انتهى
أقول : لماذا لا يبين لنا الجفري الكتب القديمة التي جاء فيها هذا الكلام ؟
مع العلم أن هذا الكلام غيبي لا يقبل إلا إذا أخبر به رسول أو نبي ، وقد قال علماء المسلمين إن أحاديث العقل لا تصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال الإمام ابن الجوزي في الموضوعات (1/174):
(( هذا حديث لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال أحمد بن حنبل هذا حديث موضوع لا أصل له . وقال العقيلي : ولا يثبت في هذا المتن شيء . قلت وقد رويت في العقول أحاديث كثيرة ليس فيها شيء يثبت )) . انتهى
والإمام أبو الفضائل الصغاني : قال في كتابه الموضوعات (ص35) :
(( فمن الأحاديث الموضوعة قولهم : (( أول من خلق الله العقل ، قال أقبل ، فأقبل ....)) الحديث )) .(1/11)
وقال الإمام ابن القيم الجوزية في كتابه المنار المنيف (ص66) : (( ومنها أحاديث العقل كلها كذب ، ثم قال : وقال أبو الفتح الأزدي : لا يصح في العقل حديث ، قاله أبو جعفر العقيلي وأبو حاتم بن حبان )) .
ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني في التهذيب (2/123) عن الدار القطني في الكلام عن داود بن المحبر : (( متروك الحديث ، وقال في موضع آخر : كتاب العقل وضعه أربعة ، أولهم : ميسرة بن عبد ربه ثم سرقه منه داود بن المحبر فركبه بأسانيد غير أسانيد ميسرة ، وسرقه عبد العزيز بن أبي رجاء فركبه بأسانيد أخر ، ثم سرقه سليمان بن عيسى السجزي فأتى بأسانيد أخر أو كما قال )) . انتهى
وهذا الكلام عند أهل العلم معناه أن أحاديث العقل بكل أسانيدها لا تصح بل هي موضوعة مكذوبة !
ولذلك حكم أمير المؤمنين في الحديث الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني في أحاديث العقل فقال : (( هي موضوعة كلها ، لا يثبت منها شيء )) .انتهى . المطالب العالية (3/13) .
وكذلك حكم بوضعه الإمام السخاوي في كتابه المقاصد الحسنة ، والحافظ السيوطي في اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة (1/129) والملا علي القاري في كتابه الموضوعات الكبرى ، وابن عراق في ( تنزيه الشريعة 1/203) ، والشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة (477) .
المؤسف أن الجفري يروج لكلام في قصة خلق العقل ويزخرفه بزيادات عن النفس ، والقارئ لكلامه يفهم أن هذا الكلام من الدين أو يقره الدين ، والحقيقة خلاف ذلك .
3_ ويقول الجفري ص50 : (( وجاء في بعض الأحاديث القدسية : (( عبدي أنا أريد وأنت تريد وتتعب نفسك فيما تريد ولا يكون إلا ما أريد فكن لي كما أريد أكن لك كما تريد )) . ويعلق عليه فيقول : (( هذا المعنى هو باب حقيقة العبودية .. ))!!! انتهى
أقول : أولاً ، لماذا لا يذكر الجفري المرجع الذي ورد فيه هذا الحديث ؟(1/12)
إن هذا الحديث ليس بحديث قدسي ولا نبوي كما قال العلماء ، وإنما هو من الإسرائيليات !
ثانياً ، ما معنى قول الجفري : (( هذا المعنى هو باب حقيقة العبودية )) ؟! مع أننا لا نجده في كل كتب العقيدة وكتب الفقه والسنة ! والإشكال فيه هو قوله ( أكن لك كما تريد ) أي أن يكون الله سبحانه وتعالى تابعاً لإرادة العبد عند تحقق شروط معينة وفيه من سوء الأدب ما فيه ، ومعلوم أن لفظ الإرادة لله - عز وجل - ليس مرادفاً لمفهوم الرضا ، قال تعالى : ? وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ? [ الزمر :7]
ولا يقع في ملكوته سبحانه شيء إلا بإرادته ، فما شاء كان وإلا لم يكن ، فالشرط ( كن لي كما أريد ) متحقق على كل حال سواء أطاع العبد أم عصى ، وحاشا لله عند تحقق هذا الشرط أن يتحقق جوابه بأن يكون تابعاً لإرادة العبيد طائعين أو عاصين ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .
والإنسان المؤمن ، ولو كان قريباً من الكمال ، فإنه يبقى مخلوقاً يعتريه النقص ، وقد يريد أموراً لا تليق بجلال الله تعالى ! فإذا لم يصدر هذا الكلام عن الله - جل جلاله - أو عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - فلا يمكن قبوله ولا داعي للتكلف في تأويله . وقد قال الإمام شهاب الدين القرافي في كتابه (الفروق) عند الفرق 272 بين قاعدة ما هو من الدعاء كفر وقاعدة ما ليس بكفر : (( ... الثاني : أن تعظم حماقة الداعي وتجرؤه ، فيسأل الله تعالى أن يفوض إليه من أمور العالم ما هو مختص بالقدرة القديمة.(1/13)
والإرادة الربانية , من الإيجاد والإعدام والقضاء النافذ المحتم , وقد دلَّ القاطع العقلي على استحالة ثبوت ذلك لغير الله تعالى , فيكون طلب ذلك طلباً للشركة مع الله تعالى في الملك وهو كفر , وقد وقع ذلك لجماعة من جهال الصوفية فيقولون : فلان أُعطي كلمة (كن) وسألون أنن يعطو كلمة كن التي في قوله تعالى :? إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ? [النحل : 40] وما يعلمون معنى هذه الكلمة في كلام الله تعالى , ولا يعلمون ما معنى إعطائها إن صح أنها أُعطيت , وهذه أغوارُ بعيدة الرَّومْ على العلماء المحصّلين , فضلاً عن الصوفية المتخرّصين , فيهلكون من حيث لا يشعرون , ويعتقدون أنهم إلى الله تعالى متقربون وهم عنه متباعدون , عصمنا الله تعالى من الفتن وأسبابها والجهالات وشبهها )) انتهى من كتاب الفروق [4/1406].
وتبقى المشكلة الكبرى في نِسبَة هذا الكلام لله سبحانه وتعالى أو لرسوله - صلى الله عليه وسلم - , والزّعم أنّه حديثُ قدسيّ , والأمر خلاف ذلك !
4_ في ص73 يروي الجفري حديثاً ولكنه _ ويا للأسف _ زَادَ فيه ألفاظاً ليست من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - , وبدونها لا يمكنه تسويغ مذهبه , وبزيادتها يمرر مذهبه ويتمكن من التشنيع على المخالفين له أيضاً !
فقال :(( ما هو دعاء قضاء الحاجة ؟ صلاة الحاجة , التي مرت عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه .. يصلي الإنسان ركعتين بنيَّة الحاجة ويقول :" اللهم إني أتوجه إليك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبيّ الرحمه ، يا محمد , يا أحمد , يا أبا القاسم إني أتوجه بك إلى الله في أن يقضي حاجتي " , تذكر حاجتها ثم تقول: (( اللهم شفعه فيّ بجاهه عندك)) (1) . انتهى بحروفه.
ثم كَتَبَ في حاشية كتابه مُخرِّجا للحديث :
رواه الترمذي في ( الحديث :3578) وابن ماجه في ( الحديث :1385).
أقول : أولاً , الحديث ليس هذا لفظه عند الترمذي في سننه بل لفظه :(1/14)
عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ادع الله أن يعافيني , قال : (( إن شئت دعوتُ , وإن شئت صبرت فهو خير لك )) قال : فادعُهُ , قال : فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء : (( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي اللهم فشفّعه فيَّ)).
ولفظ الحديث عند ابن ماجه في سننه :
عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ادع الله لي أن يعافيني فقال: (( إن شئت أخّرت لك وهو خير وإن شئت دعوت )) فقال : ادعه , فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء :(( الهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمد نبي الرحمة يا محمد إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى اللهم فشفعه في )).
والحديث هو في مسند الإمام أحمد بن حنبل (4/ 138) بلفظ : (( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى ، وتشفعني فيه ، وتشفعه في )) قال فكان يقول هذا مراراً . ثم قال بعد : أحسب أن فيها : أن تشفعني فيه . قال ففعل الرجل ، فبرئ . انتهى
هذه أطول رواية صحيحة للحديث وفيها كل الألفاظ النبوية الصحيحة . ومع ذلك زاد فيها الجفري فقال : (( اللهم إني أتوجه إليك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد ، يا أحمد يا أبا القاسم إني أتوجه بك إلى الله في أن يقضي حاجتي ، اللهم شفعه في بجاهه عندك )) . انتهى .
وإذا رجعتم إلى كل روايات الحديث عند الترمذي وابن ماجه والحاكم والطبراني وابن خزيمة وأبي نعيم فلن تجدوا هذه الزيادات ، وواضح الغرض منها .
لو كانت هذه الألفاظ ( أتوسل إليك ــ بجاهه عندك ) موجودة في الحديث لما نشأ الخلاف بين العلماء أصلاً ! ولحسم الأمر ، إذ لا اجتهاد مع ورود النص .(1/15)
فكيف جوز الجفري لنفسه زيادتها على النص النبوي ؟!
أتبلغ الرغبة بتخطئة الآخرين إلى أن يزيد الجفري في كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقوله ما لم يقل ؟!
إن الجفري عندما يذكر هذا الحديث بصيغته الجديدة المغلوطة ، التي انفرد بروايتها ، ثم يعزوه إلى أحد كتب السنة وهو ليس فيه طبعاً ، يجعل نفسه مشمولاً بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار )) وهو حديث متواتر !!
والعجيب أن الشيخ الجفري لم يكتف بتحريف النص النبوي بل هجم بعد ذلك على مخالفيه فقال : (( .. وجعل هذه المسألة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتحريمها بعد وفاة النبي جهل قبيح )) !! . انتهى ص73 .
أقول : إن أي مسلم إذا أراد الرجوع إلى أشهر شرح لسنن الترمذي ليقرأ فيه شرح هذا الحديث ، وهو كتاب ( تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ) للعلامة الكبير الحافظ أبي العلاء المباركفوري الهندي ، فسيجد الشارح المباركفوري يقول : (( الحق عندي أن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته بمعنى التوسل بدعائه وشفاعته جائز وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح في حياتهم بمعنى التوسل بدعائهم وشفاعتهم أيضا جائز ، وأما التوسل به بعد مماته وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح بعد مماتهم فلا يجوز ! ))انتهى (9/96) .
فهل كان الجفري يقصده عندما قال إن هذا الكلام جهل قبيح ؟
ومن قبل المباركفوري قال الإمام أبو حنيفة النعمان ، رحمه الله ، : (( لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به ، والدعاء المأذون فيه ، والمأمور به ما استفيد من قوله تعالى:? وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? . انتهى من كتاب الدر المختار (2/630) وهو من الكتب الكبيرة المعتمدة في المذهب الحنفي .(1/16)
وقال الشيخ القدوري الحنفي في كتابه الكبير في الفقه المسمى بـ(شرح الكرخي) في (باب الكراهة) : (( قال بشر بن الوليد حدثنا أبو يوسف قال أبو حنيفة : لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به ، وأكره أن يقول : بمقاعد العز من عرشك ، أو بحق خلقك ، وهو قول أبي يوسف قال أبو يوسف : معقد العز من عرشه هو الله ، فلا أكره هذا ، وأكره أن يقول : بحق فلان ، أو بحق أنبيائك ورسلك ، وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام ، قال القدوري : المسألة بخلقه لا تجوز لأنه لاحق للخلق على الخالق ، فلا تجوز وفاقاً )) . انتهى
وفي كتاب ( الهداية ) للمرغيناني الحنفي (593هـ) تحت عنوان مسائل متفرقة (4/96) قال : (( ويكره أن يقول الرجل في دعائه أسألك بمعقد العز من عرشك))....
و (( يكره أن يقول الرجل في دعائه بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك )) لأنه لاحق للمخلوق على الخالق )) . انتهى
وقال الزبيدي في ( إتحاف السادة المتقين بشر إحياء علوم الدين ) (2/285) : (( كره أبو حنيفة وصاحباه أن يقول الرجل : أسألك بحق فلان ، أو بحق أنبيائك ورسلك ، أو بحق البيت الحرام والمشعر الحرام ونحو ذلك ، إذ ليس لأحد على الله حق )) . انتهى
وهذا قول العديد من العلماء قديماً وحديثاً ، أفكان يعنيهم الجفري عندما قال إن هذا القول جهل قبيح ؟! أم كان يجهل أقوال العلماء ؟
تنبيه : في هذا المقام أنا لست بصدد بيان أي الفريقين أقرب للصواب ، وليس هذا من شرط كتابي في كل المسائل الخلافية ، وإنما أنا بصدد بيان أن ما يحاول الشيخ الجفري ؛ أصلحني الله وإياه ؛ تصويره للناس من أن كل الفتاوى التي يأخذ بها المخالفون له إنما هي مستحدثة ولا قائل بها من سلف الأمة ، هو غير صحيح .(1/17)
وكان بوسعه أن يبين للناس مذهبه في هذه المسألة وما يميل إليه ، دون أن يتعرض لتجريح الآخرين والتنقص منهم ، وبخاصة أن فيهم من هم في طبقة الأئمة ! أليست المسألة خلافية بين العلماء ؟ فلماذا يريد الجفري أن يفرض رأيه بالقهر على الآخرين ؟! ثم إن المخالفين له أخذوا بالنص كما ورد دون زيادة فيه أو نقص ، أما هو فقد زاد عليه وأدخل فيه ما ليس منه ، وبعد ذلك يسخر منهم ويسفههم ! وكل ذلك في كتاب يقول عنه إنه لتزكية النفوس وتقويم السلوك !!
والذي أحب أن أنبه إليه هو أن علماء المذهب الحنفي وغيرهم ، عندما لم يجيزوا دعاء الله بأحد من خلقه إنما كان سبب ذلك أنه لم يرد في الشرع ما يسمح بذلك ، فهذا الدعاء عندهم محدث فحسب ، والأمور المحدثة في الدين تكره لأجل أنها مبتدعة ، ولأجل قطع مادة البدعة التي قد تقضي إلى ما هو أشد من الكراهة ، فالتساهل في هذه الأمور يجعل العوام منم الناس يتجرؤون في أدعيتهم ، ويتلفظون بما يخدش صفاء العقيدة ويخرج عن التوحيد الكامل ، ولذلك نجد كتب الفتوى في المذهب الحنفي خاصة ، قديمها وحديثها ، زاخرة بالفتاوى التي تحذر من هذا الشطط والابتداع في الدعاء ، فعلى سبيل المثال جاء في كتاب (التوحيد إفراد الله بالعبادة ونفيها عما سواه ) للعلامة الشهيد إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي رحمه الله ص 75 : (( وقد اعتاد بعض الناس إذا عرضت لهم حاجة ، أو لمت بهم ملمة ، أن يقرؤوا ورد (( يا شيخ عبد القادر جيلاني شيئاً لله )) في عدد مخصوص ، ومدة مخصوصة ، ودل هذا الحديث ( الذي يشرحه ) على كراهة هذا التعبير وشناعته ، فإنه سؤال للشيخ عبد القادر الجيلاني ، وتوسل بالله تعالى إليه ، والعكس أصح ، فيجوز التوسل بالدعاء من المخلوق إلى الخالق . والحاصل أنه لا يجوز التلفظ بكلمة تشم منها رائحة الشرك ، أو إساءة أدب مع الله فإن الله هو المتعالي ، الغني القادر ، الملك الجبار)) . انتهى(1/18)
وقد علق على هذا الكلام في حاشية الكتاب المذكور العلامة أبو الحسن الندوي رحمه الله فقال : (( ذهب أكثر فقهاء المذهب ومحققو الصوفية إلى عدم إباحة هذا الورد ، ولهم في ذلك مقالات وفتاوى ، نقتصر على ماكتبه فخر المتأخرين العلامة الشيخ عبد الحي بن عبد الحليم اللكنوي ( المتوفى سنة 1704هـ ) صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة ، جواباً على استفتاء ورده عن هذا الورد ، يقول رحمه الله : (( إن الاحتراز عن مثل هذا الورد لازم . أولاً – هذا الورد متضمن كلمة "شيئاً لله" وقد حكم بعض الفقهاء بكفر من قاله ، وثانياً – لأن هذا الورد يتضمن نداء الأموات من أمكنة بعيدة ، ولم يثبت شرعاً أن الأولياء لهم قدرة على سماع النداء من أمكنة بعيدة ، إنما ثبت سماع الأموات لتحية من يزور قبورهم ، ومن اعتقد أن غير الله سبحانه وتعالى حاضر وناظر ، وعالم للخفي والجلي في كل وقت وفي كل آن ، فقد أشرك ، والشيخ عبد القادر وإن كانت مناقبه وفضائله قد جاوزت العد والإحصاء ، إلا أنه لم يثبت أنه كان قادراً على سماع الاستغاثة والنداء من أمكنة بعيدة ، وعلى إغاثة هؤلاء المستغيثين ، واعتقاد أنه رحمه الله كان يعلم أحوال مريديه في كل وقت ، ويسمع نداءهم ، من عقائد الشرك ، والله أعلم )) . انتهى مختصراً ( مجموع فتاوى العلامة عبد الحي اللكنوي 1/264) وليت شعري ( الكلام للندوي ) ما ألجأ الناس إلى ذلك ؟! والله أقرب من كل قريب ، وأرحم من كل رحيم ، وهو القائل : ? وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ? والقائل ? أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ? .(1/19)
وقد جاء في وصية الإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني نفسه ، لابنه الشيخ عبد الوهاب (( وكل الحوائج كلها إلى الله عز وجل واطلبها منه ، ولا تثق بأحد سوى الله عز وجل ، ولا تعتمد إلا عليه سبحانه ، التوحيد ، التوحيد ، التوحيد )) [مجالس الفتح الرباني ، ص665]. انتهى
وقال الإمام الحصكفي الحنفي في الدر المختار (2/483) : (( واعلم أن النذر الذي يقع للأموات من أكثر العوام وما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ونحوها إلى ضرائح الأولياء الكرام تقرباً إليهم فهو بالإجماع باطل وحرام ما لم يقصدوا صرفها لفقراء الأنام ، وقد ابتلي الناس بذلك ، ولاسيما في هذه الأعصار )) انتهى
وشرح هذا الكلام الشيخ محمد بن عابدين في حاشيته على الدر المختار فقال :
((قوله : ( باطل وحرام ) لوجوه : منها أنه نذر لمخلوق والنذر للمخلوق لا يجوز لأنه عبادة ، والعبادة لا تكون لمخلوق ، ومنها : أن المنذور له ميت والميت لا يملك .
ومنها : أنه إن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى واعتقاده ذلك كفر ، اللهم إلا إن قال : إني نذرت لك إن شفيت مريضي أو رددت غائبي أو قضيت حاجتي ، أن أطعم الفقراء الذين بباب السيدة نفيسة أو الإمام الشافعي أو الإمام الليث ، أو أشتري حصراً لمساجدهم أو زيتاً لوقودها ، أو دراهم لمن يقوم بشعائرها إلى غير ذلك مما يكون فيه نفع للفقراء والنذر لله - جل جلاله - )) انتهى
(حاشية ابن عابدين 2/483 )
5_ يقول الجفري ص 81 :
((قال الله في الحديث القدسي : يا دنيا من خدمنا فاخدمية ومن خدمك فاستخدميه)).انتهى
أقول : كيف يروي الجفري كلاماً قال عنه العلماء إنه كذب وموضوع , وينسبه لله ربَّ العالمين ؟!
وهذا الحديث صرَّح بوضعه الحافظ ابن الجوزي كما في كتابه الموضوعات (3/136) وكذلك الخطيب البغدادي في كتابه تاريخ بغداد (8/44) قال : تفرد به الحسين بن داود البلخي وهو موضوع .اهـ(1/20)
وهل يجوز هذا القول ( من خدمنا ) ؟ وهل الله تعالى يُخدم أم يُعْبد ؟
والخطير في القضية هو التهاون في نسبة الكلام لله سبحانه وتعالى !
6_ ويقول أيضاً (ص104 وأيضاً في ص205) : ((قالوا إن بعض الصالحين عَبَدَ الله في صومعته عبادة كثيرة كبيرة من بني إسرائيل وكان مجتهداً ليله ونهاره .. ونظر جبريلُ عليه السلام فوجد الرجل شقياً في اللوح المحفوظ ، فاستأذن من الله بعد أن تعجب من هذا الأمر أن يخبر الرجل فأذن له الله فنزل وقال: يا فلان إني جبريل. فرد عليه السلام ، قال: إني وجدت اسمك في اللوح المحفوظ فلان بن فلان شقي ، فأحببت أن أخبرك ما دمت شقياً ستذهب إلى النار تمتع قليلاً بالدنيا بدل أن تضيع
حياتك ، قال: الحمد لله على ذلك ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم ، وعاد إلى عبادته لم ينقص مما سبق شيئاً ، تعجب جبريل أكثر ، نزل قال: أنا قلت لك أنك شقي.!! قال: نعم إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولله المراد. قال: فمالك لازلت في عبادتك وإعراضك عن الدنيا وعدم التمتع بها.؟ قال: يا هذا خلقني وأمرني بعبادته ولم يُوكل إلي أكون شقياً أو سعيداً مهمتي أن أعبده والأمر إليه بعد ذلك ، فازداد تعجب جبريل فصعد ووجد في اللوح المحفوظ: سعيد سعيد سعيد {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39] )). انتهى
أقول : انظر في هذا التحقيق ! يذكُرُ لك رقم الآية ، ويتغافل عن ذكر مصدر هذه القصّة الخرافية المنافية للدين !
لو روى هذه القصّة شخص يريد الاستهزاء بالدين الإسلامي لكان ذلك مفهوماً ، أمّا أن يرويها من ينصّب نفسه مدافعاً عن الإسلام فهذا أمرٌ لا يقبله عاقل !
جبريل يطالع في اللوح المحفوظ ؟
والله يأذن له أن يخبر الرجل الصالح بما في اللوح ؟(1/21)
ثمّ جبريل يطلب من الرجل ترك العبادة والتمتّع بالشهوات ؟ والرجل لا يأبه له ويخاطبه بعد أن عرفه فيقول له : يا هذا !! وجبريل جادٌّ في طلبه من الرجل تركَ التعبّد لله !! و....
وهل يجوز عند الجفري أن ينسب لجبريل عليه السلام هذه الأفعال ؟؟ جبريل عليه السلام يستأذن الله تعالى في إخبار ذلك العابد أنه مكتوبٌ في اللوح المحفوظ شقياً ، فليترك العبادات وليستمتع بالدنيا !!! فيأذنُ الله له !!!!!!
إنّ هذا الطلب لا يليق بفسّاق الناس فكيف ينسبه الجفري إلى جبريل وبإذن الله ؟؟!! سبحانك هذا بهتانٌ عظيم !
أتدري يا جفري على مَنْ تَتَقوَّل ؟ إنّك تَتَقوَّل على ربِّ العالمين ! وتجعل الخرافة المنافية للدين ديناً ! وهذا تزويرٌ للشريعة وتحريفٌ لها ، ثمّ بعد ذلك تقول : إنّ كتَابَكَ مثالٌ للتصوّف الصحيح "فهل تجدون فيه ما يُنافي الدين" ؟ (1)
ونقولُ لك : إذا كان التَّقوُّل على الله عزّ وجلّ أمراً سائغاً مُغْتَفَراً فما هو الأمر المنافي للدين في رأيك ؟!
ولقد كان الأولى بالجفري بدل الدّعوة إلى المبالغة في العبادات والدعوة إلى تضييق دائرة المباحات بل وإلى الاستغفار من بعض الطّاعات كما يقول(2) ! كان الأولى به أن يتحاشى السقوط في الإثم العظيم المتوعّدِ عليه بالنار ، حيث يقول الرسول الأعظم في الحديث المتواتر ((مَنْ كذبَ عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار)) وقوله عليه السلام فيما رواه مسلم وغيره ((مَنْ حدَّث عنّي بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذِبَين)) وقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم ((كفى بالمرء كذِباً أن يُحدِّثَ بكل ما سمع)) .
__________
(1) انظر على سبيل المثال ص 71 من كتابه .
(2) انظر ص 42 من كتابه .(1/22)
7_ ويقول أيضاً ص155 : (( صاحب الشفاعة العظمى يقول : (( إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد , وأجلس كما يجلس العبد )) .. (( لن يدخل الجنة أحد بعمله , ولكن برحمه الله )) قالوا : ولا أنت يارسول الله ؟ قال : (( ولا أنا إلا أن يتغمَّدني الله برحمته )) وبكى **** : (( لو آخذني الله وابن مريم بما كسبت هاتين )) يديه , يقول (( لعذبنا عذاباً شديداً )) . ثم يقول الجفري : رواه البخاري في (الحديث : 5673) , ومسلم في ( الحديث : 7047).
وأقول : إنّ الحديث (( إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد ... )) ليس في الصحيحين بل رواه عبدالرزاق والبزار وأبو يعلى والبيهقي , وأسانيده كلّها ضعيفة , حكم بضعفها الحافظ العراقي في تخريجه لأحاديث الإحياء (5/395) , والحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (4/200).
وحديث (( لن يدخل الجنة أحدُ بعمله ...)) هو في الصحيحين بلفظ (( لن يدخل الجنة أحداً بعمله ..))
وحديث (( لو آخذني الله وابن مريم ....)) ليس في الصحيحين بل رواه ابن حبّان(1)
فما هذا الأسلوب المستحدث في رواية الأحاديث , حيث يروي الجفري حديثاً ضعيفاً ثمّ يعقبه بحديث مروي في الصحيحين ثمّ يلصق به ويضمُّ له حديثاً آخر ليس في الصحيحين , ويجعل الجميع حديثاً واحداً ويعزوه للصحيحين !!
وفوق هذا يلحن في اللغة فيقول على لسان الرسول العربي - صلى الله عليه وسلم - : بما كسبت هاتين ! والصواب هاتان .
8_ ويقول الجفري ص 184 _ 185 :
__________
(1) ذكرتُ الطبعة الأولى للكتاب أنه ضعيف , وهذا خطأ مني وهو سبق قلم وأسغفرُ الله , فالحديث صحيح وقد رواه الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب وصدّره ( بعن أبي هريرة ) وهذا يعني أنه عنده صحيح أو حسن.(1/23)
(( وله درُّ السيدة عائشة .. السيدة عائشة لمّا قالت : كنتُ في حجرتي أخيط ثوباً لي فانكفأ المصباح وأظلمت الحجرة وسقط المِخيَطُ ( أي الإبرة ) .. فبينما كنت في حيرتي أتحسس مخيطي إذا أطلَّ عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه من باب الحجرة .. رفع الشملة وأطل بوجهه .. قالت : فوالله الذي لا إله إلاّ هو , لقد أضاءت أرجاء الحجرة من نور وجهه .. حتى لقد التقطت المخيط من نور طلعته .. ثمَّ التفتُّ إليه فقلت : بأبي أنت يارسول الله .. ما أضوأ وجهك ! فقال : (( يا عائشة الويل لمن لا يراني يوم القيامة )) , اسمعي هذا كلام النافذ قوله .. كلام الذي لاينطق عن الهوى .. إن هو إلا وحي يوحى .. (( الويل لمن لا يراني يوم القيامة )) , قالت : ومن ذا الذي لا يراك يوم القيامة يارسول الله ؟ قال : (( من ذكرتُ عنده فلم يصل عليّ )). انتهى
ثمّ عزا الجفري هذه الكلام إلى الترمذي في ( الحديث : 3546) والإمام أحمد في (الحديث : 1/201).
وهذا الحديث بهذا اللفظ والسّياق ليس في هذين الكتابين قطعاً ولا في كتب السنّة الأخرى ! فكيف يعزوه لأحمد والترمذي ؟! والذي في الترمذي (( رَغِمَ أنفُ رجل ذكرت عنده فلم يُصلَّ عليَّ )) و (( البخيل الذي من ذُكرت عنده فلم يصل عليَّ )) والفرق في المعنى بين هذين الحديثين وبين الحديث الذي أورده الجفري كبير .
ثمّ إنّ القصّة التي ساقها في بداية الحديث لا سند لها يُعرف بسياقها ومعناها , وليست في كُتُبِ السُّنّة , وقد جعلها من أصل الحديث وعزا الجميع إلى مسند أحمد وإلى الترمذي .
وكما ذكرت آنفاً لا وجود لكل هذا الخليط في هذين الكتابين .. فلماذا يصرّ الجفري على التّقوّل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى السيّدة عائشة رضي الله عنها ؟
ولماذا يعزو الأكاذيب إلى كتب أئمّة السنّة وهم بريئون من روايتها ؟!
إنّها حقاً مصيبةُ كبرى كيف يعزو الكلام إلى غير قائليه وإلى غير راويه ؟!(1/24)
9_ وفي الصفحة 199 يروي الجفري حديثاً باطلاً دون أن يُبين ذلك للناس وهو أن يوم القيامة ينادي المنادي من وراء الحجاب ! (( يا أهل المحشر غضّوا أبصاركم عن فاطمة بين محمد حتى تمرّ )) انتهى
أقول : قال الإمام الذهبي هذا الحديث موضوع , كما في تلخيص الذهبي لمستدرك الحاكم ( 3/153). وقد ذكره ضمن الأحاديث الموضوعة الإمام ابن الجزري في كتابه الموضوعات (1/423) , والفتني في تذكرة الموضوعات (1/99).
10_ وفي الصفحة 217 يروي الجفري حديثاً منكراً ضمن سياق قصّة سقيمة وهي:
(( أنّ أبا بكر الصّدّيق رضي الله عنه أنفق ماله حتى لم معه إلا الثوب الذي عليه .. فجاءه مسكين يسأل .. فقال : لم يبق معي شيء في المنزل , ولا في البيت أعطيك أياه , فقال : أتردني هكذا صفر اليدين ؟ فقال : لا , إني أستحي من الله أن أردك صفر اليدين قف محلك , فأوقفه خارج البيت ودخل الصديق إلى المنزل , وخلع الثوب الباقي الذي على بدنه .. الذي يستر عورته .. وناوله للمسكين من عند الباب .. وأخذ شملة ( شملة : هذه التي يصنعون منها الجونيّة كما يسمونها : الخيش ) .. أخذ شملة واتزر بها ليستر عورته وخاطها بالشوك , وفي رواية بالعظم(1) , ولما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلسه قال : (( أين أبا بكر ؟ )) قالوا : لم يأت , قال : (( ادعوه لي )) فدعوه.
__________
(1) انظر إلى الدقة في ضبط الرّواية ؟! حتى لُيخيل للقارئ أن الرّاوي يروي خبراً صحيحاً , والحقيقة أنّ القصّة كلّها مكذوبة !!(1/25)
قال الرّاوي : فأقبل الصديق يمشي على استحياء يخشى أن تنكشف عورته .. وجلس جلسه العذراء ...... قالوا فبينما نحن كذلك إذ جاء أعرابي يلبس كما يلبس أبو بكر , فلم ننكر ذلك عليه لشدة فقر الأعراب وجوعهم وقد يلبسون مثل هذا , فأكبَّ الأعرابي على رسول وسارَّه في أذنه ثم انصرف الأعرابي , فلما غاب التفت رسول الله , وقال : (( يا أبا بكر , أتدري من الرجل ؟ )) قال : الله ورسوله أعلم , قال : (( إنه جبريل جاءني الساعة وقال : أقرئ أبا بكر من ربِّه السلام .. وقل له : إنَّ الله يقرئك السلام ويقول لك : هل أنت راض عن ربّك ؟ هل أنت راضٍ عن ربك في فقرك هذا ؟ فإن الله قد رضي عنك )) فبكى الصدِّيق . انتهى بحروفه
وكالعادة فإنّ الجفري لا يذكر المرجع الذي أخذ منه هذه القصة وهذا المبحث.
مع العلم أن هذا الحديث قال عنه الإمامان الذهبي وابن حجر إنّه كذب ! والقصّة موضوعة !!!
كما في كتاب ميزان الاعتدال للذهبي (5/127) وكتاب لسان الميزان لابن الحجر العسقلاني (4/215) في ترجمة العلاء بن عمرو الحنفي الكوفي.
11_ وفي الصفحة 159-160 روى حديثاً فقال :
(( .. وإذا الملائكة الكرام الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .. فيهم الذي في السماء راكع فلا يعتدل إلى قيام الساعة .. وفيهم الساجد الذي لا يجلس إلى قيام الساعة .. وفيهم القائم الذي لا يقعد إلى قيام الساعة .. ثم بعد ذلك إذا انتهوا بقيام الساعة رفعوا رؤوسهم وقالوا : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ))
وقد عزى ذلك إلى الإمام أحمد 5/173.
والحديث من أوله لآخره غير موجود في مسند الإمام أحمد !! ولا عند غيره باللفظ أو المعنى السابق !!
وقد جاء في الطبراني عن جابر رفَعَه :(1/26)
(( ما في السماوات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم وملك راكع أو ملك ساجد فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعاً سبحانك ما عبدناك حق عبادتك إلا أنّا لم نشرك بك شيئاً )) قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط وفيه عروة بن مروان .قال الدارقطني : ليس بقوي في الحديث.
12_ وفي الصفحة 201 ذكر حديثاً :
(( إذا التقى المؤمنان فتصافحا نزَلَت عليهما مائة رحمة , تسعون لأشدهما فرحاً وبشراً لصاحبه وعشرة لآخر ))
ثم ذكر رواية فيها تسع وتسعون رحمه للأول وواحدة للثاني وعزاه إلى أبي داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وذكر أرقام الصفحات !
وأقول: إن الحديث غير موجود عند أحد من هؤلاء الأئمة , وقد عزا الإمام العراقي نحوه إلى الطبراني وذكر أن فيه الحسن بن كثير وهو مجهول , كما نسبه السيوطي , بلفظٍ يشابه لفظ الطبراني , للحكيم وأبي الشيخ , وقال المنذري ضعيف.
وقد جاء عند أبي داود مرفوعاً :
(( إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله عزّ وجلَّ واستغفراه غفر لهما )).
قال الحافظ المنذري : في إسناده إضطراب , وفي إسناده أبو بلج , ضعّفه الإمام أحمد ,
وقال : روى حديثاً منكراً , وقال البخاري فيه نظر(1)
__________
(1) قال الحافظ العراقي في شرح الألفية (2/11) وفي التقييد والإيضاح (ص163) :
(( فلان فيه نظر , وفلان سكتوا عنه : يقولهما البخاري فيمن تركوا حديثه )) . انتهى . وقال الحافظ الذهبي في مقدمة ميزان الاعتدال (1/4,3) : (( قوله: فيه نظر , وفي حديثه نظر , لا يقوله البخاري إلا فيمن يتهمه غالباً)) . وقال الحافظ ابن كثير في الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث (1/13): (( ثم اصطلاحات لأشخاص , ينبغي التوقف عليها. ومن ذلك أن البخاري إذا قال في الرجل : سكتوا عنه , أو فيه نظر , فإنه يكون في أدنى المنازل وأردئها عنده , لكنه لطيف العبارة في التجريح , فلُيعْلم ذلك )) انتهى.
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء عند ترجمه الإمام البخاري : (( وقال بكر بن منير : سمعت أبا عبدالله البخاري يقول : أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً.
قلتُ : صدق رحمه الله , ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس , وإنصافه فيمن يضعّفه , فإنه أكثر ما يقول : منكر الحديث , سكتوا عنه , فيه نظر , ونحو هذا. وقلَّ أن يقول : فلان كذاب , أو كان يضع الحديث . حتى إنه قال: إذا قلت فلان في حديثه نظر , فهو متهمُ واهٍ . وهذا معنى قوله : لا يحاسبني الله أني اغتبت أحداً . وهذا هو والله غايه الورع )). انتهى.(1/27)
.
إنّ الأمر الخطير الذي نجده واضحاً في منهج الجفري الجديد ليس منحصراً في رواية الأحاديث الضعيفة أو المكذوبة على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - , بل وفي عزوها إلى المراجع الإسلامية الكبيرة عزواً تنقصه الأمانة !
فهو في هذا الفعل يرسّخ تلك الأحاديث في أذهان العامة وأنصاف المتعلّمين ويحدث شرخاً كبيراً في الشريعة الإسلامية.
13_ وفي الصفحة 63 روى حديثا فقال : يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من صلى علي مرَّة صلى الله عليه بها عشْراً , من صلى عليَّ عشرة صلى الله عليه بها مائة , ومن صلّى عليَّ مائة صلّى الله عليه بها ألفاً )) وعزاه إلى مسلم وأحمد وأبي داود والترمذي والنسائي .
وأقول: الذي رواه هؤلاء الأئمّة إنّما هو قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ واحدة صلى الله عليه عشراً )). فقط بدون تلك الزيادات التي أوردها الجفري , وليس في تلك المراجع أي رواية تشبه تلك التي ذَكَرَها , ولا يوجد لتلك الزّيادات سندُ يصحّ . فكيف يروي الجفري كلاماً لا يصحُّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ويلصقه به ؟
وكيف يعزوه إلى كُتب هو ليس فيها ؟!
وهناك الكثير من الأحاديث الضعيفة التي أوردها الجفري في كتابه , مستشهداً بها أو مستدلاً بها , لم أتعرض للكلام عليها لأنها ليست من شرط كتابي , وأعني بذلك أنه عندما ذكرها ساق لفظها كما هو , وعزاها عزواً صحيحاً.
14_ وفي الصفحة 51 يشرح الجفري معنى الاتِّباع فيقول :(1/28)
(( ترك ما نريد لما يريده الله تعالى على وفق ما جاء عن حبيبه - صلى الله عليه وسلم - , ولهذا لمّا جاء ثلاثة من الرجال يسألون السيدة عائشة رضي الله عنها عن قيام رسول الله .. قالت : كان يقوم وينام - صلى الله عليه وسلم -.. وصفت لهم بعض قيامه وبعض راحته فكأنهم استقلّوا قيام رسول الله .. فقال الآخر حدثينا عن صيام رسول الله .. فأخبرتهم أنه كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وشرحت لهم فكأنهم استقلوا فعل رسول الله فقال الأول : أما أنا فأقوم الليل ولا أنامه .. وقال الثاني : أما أنا فأصوم النهار فلا أفطر أبداً .. وقال الثالث : أما أنا فأعتزل النساء فلا أنكح ، فلما بلغ الخبر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
(( أما وإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وأنكح النساء , فمن رغب عن سنتي فليس مني))
وعزا الجفري الحديث لمسلم والنسائي وأحمد! (1)
ثمّ علّق على الحديث مفسّراً له تفسيراً عجيباً , حيث زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر عليهم , لأنّ إرادتهم للتعبّد اختلطت بمرادات النفس !
__________
(1) وسياق الحديث بهذه الرواية كما في مسلم والنسائي وأحمد : (( أن نفراً من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - سألوا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عماه في السر , فقال بعضهم : لا أتزوج النساء , وقال بعضهم : لا آكل اللحم , وقال بعضهم : لا أنام على فراش . فحمد الله ( أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) واثنى عليه فقال : (( ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ؟ لكني أصلي وأنام , وأصوم وأفطر , وأتزوج النساء . فمن رغب عن سنتي فليس مني )).(1/29)
ثم قال : (( يا رسول الله .. الناس أرادوا أن يتعبدوا ! نعم .. لكن إرادة التعبد هذه ليست مقصودها الطاعة حقيقة .. وإنما هي اختلطت بمرادات النفس .. هم انتقصوا من فعل رسول الله أكمل الخلق - صلى الله عليه وسلم - وجعلوا عبادتهم ليس على مراد الاتباع له .. لكن على مراد أهوائهم هم .. لما أرادوها على مراد أهوائهم كان سبباً في إعراض رسول الله عنهم وفي غضب رسول الله عليهم , بينما جاءتنا نماذج من الصحابة قاموا الليل كله .. ومن التابعين قاموا الليل كله , كان الإمام زين العابدين يصلي كل ليلة ألف ركعة وهو من أكابر أئمة التابعين ومن أهل البيت , كان الإمام ثابت البناني وهو من أكابر التابعين من تلاميذ أنس بن مالك وعبدالله بن مسعود .. كان يحي الليل بثلاثمائة ركعة , الإمام أبو حنيفة أربعين سنة صلى الفجر بوضوء العشاء بمعنى أنه ما نام الليل كله .. لم يكن ذلك منكراً عند السلف .. لكن الذي أنكره رسول الله على ذلك التنطع .. بمعنى أن يريدوا أن يسيروا إلى الله كما يفهمون هم لا كما يريد الله جل جلاله , فهذا سرُّ خفي في الاتباع غاب عنه كثير من الذين طلبوا صورة الاتباع واكتفوا بمظاهر الاتباع دون أن يفقهوا هذا المعنى )) انتهى بحروفه.
وأقول : إن السر الخفي الذي نريد أن نعرفه هو من أين يأتي الجفري بهذا الكلام وهذه التعليلات ؟ إذا كانت هناك كتبُ مُعْتَبَرة ذكرت ذلك فَلَيْتَهُ يذكرها لنا !
وأما إن كان هذا الكلام من عنده ومن فكره الخاص , فهو مردود عليه ولا حاجة بالمسلمين إليه , بل يكفينا ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكلامه واضح وجلي , ويكفينا ما قرره علماء المسلمين على مرِّ القرون في شرح هذا الحديث وتوضيح تلك المعاني.
والعجيب حقاً هذا التناقض الشديد في كلام الجفري !(1/30)
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنكر على أولئك الصحابة ( انتبه الصحابة ) لأنّهم همّوا بفعل يخالف سنَّتَهُ - صلى الله عليه وسلم - , فوصف الجفري الذي يقتدون بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه قد غاب عنهم سر الاتباع الذي يشير إليه كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - !
إنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتكلّم عن أسرار ولم يضع الألغاز لأمّته , بل إنّه - صلى الله عليه وسلم - تكلم بكلام واضح مبين فقال: ((فمن رغب عن سنتي فليس مني )) إذاً الكلام على السنَّة الظاهرة من صيام وإفطار وقيام ونوم وتزوّج , وليس على مراداتٍ نفسانّية باطنيّة !
فمن اقتدى بسنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سنهّا عليه الصلاة والسلام فما المعنى الذي يكون قد غاب عنه ولم يفقهه برأي الجفري ؟
وأمّا الذين يُخالفون سنّتَه - صلى الله عليه وسلم - فيقول الجفري إنهم عرفوا السرّ وفقهوا المعنى !!
هذا حقاً أمرُ عجيب !
وأعجب منه كيف يسمح الجفري لنفسه أن يتدخّل ببواطن الصحابة الكرام فيحكم عليها وعلى بّياتهم فيقول عنهم : (( إن إرادة التعبّد عندهم هذه ليست مقصودها الطاّعة الحقيقية .. وإنما هي اختلطت بمرادات النفس )).
وحاشا لهم رضي الله عنهم عمّا افتراه عليهم من هذا البهتان , أتدري يا جفري من هؤلاء النفر الثلاثة ؟ إنهم سيدنا علي بن أبي طالب , وعبدالله بن عمرو بن العاص , وعثمان بن مظعون رضي الله عنهم أجمعين. (1)
ثمّ يُتابع الجفري اتّهاماته لهم فيقول : (( .. هم انتقصوا من فعل رسول الله أكمل الخلق - صلى الله عليه وسلم - وجعلوا عبادتهم ليس على مراد الاتباع له .. لكن على مراد أهوائهم هم .. لما أرادوها على مراد أهوائهم كان سبباً في إعراض رسول الله عنهم وفي غضب رسول الله عليهم )). انتهى
__________
(1) انظر فتح الباري (14/290) . والمهم أنهم صحابة بقطع النظر عن أسمائهم .(1/31)
أعوذ بالله من هذا الكلام , أيتصور مسلم عافل أن ينتقص صحابي من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟! أيعقل أن يجعل سيدنا علي وعبدالله وعثمان رضي الله عنهم عبادتهم على غير مراد الاتباع للنبي - صلى الله عليه وسلم - ؟! إن الجفري لا يتصور ذلك في نفسه أو أشياخه أو حتى أتباعه ! ولكنّه يتّهم به كبار الصحابة الرّبَّانيين !!
ثمَّ مِنْ أين للجفري أن ّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أعرض عنهم وغضب عليهم ؟
الذي ورد في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاهم وأرشدهم وعلّمهم ونّبههم إلى الخطاء الذي ارتكبوه . وكل ذلك دون أن يجرحهم بكلمة ! بل إنّه لمّا تكلّم أمام الناس عن تلك الحادثة فقال : (( ما بال أقوام )) فلم يذكر أسماءهم رفقاً بهم وستراً لهم , فأين الجفري من هذا الهدي النبوي الكامل ؟
إنّ حقيقة القصّة هي مارواه البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : جاء ثلاثةُ رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أُخبروا كأنهم تَقَالُّوها , فقالوا : وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قد غفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر . قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبداً . وقال آخرُ : أنا أصوم الدهر ولا أفطر . وقال آخرُ : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً . فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال :
(( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له , لكني أصوم وأفطر , وأصلي وأرقد , وأتزوج النساء , فمن رغب عن سنتي فليس مني )).
إذاً فالصّحابة رأوا أنّ حالهم تحتاج لمزيد من العبادة , لأنهم ليسوا كرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر , فبين لهم الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أنّ ما رأوه غير صحيح , وأنّ الخير كُلّه في اتّباع سنّته.(1/32)
قال الحافظ ابن الحجر العسقلاني في شرح الحديث : (( قوله : فمن رغب عن سنتي فليس مني , المراد بالسنة الطريقة , لا التي تقابل الفرض , والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره , والمراد : من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني(1) , ولمَّح بذلك إلى طريق الرهبانية , فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى , وقد عابهم بأنهم ما وفّوا بما التزموه . وطريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - الحنيفية السمحة , فيفطر ليتقوى على الصوم وينام ليتقوى على القيام ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل , وقوله فليس مني إن كانت الرغبة ضرباً من التأويل يُعذر صاحبه فيه , فمعنى فليس مني أي على طريقتي ولا يلزم أن يخرج عن الملة , وإن كان إعراضاً وتنطعاً يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله , فمعنى فليس مني ليس على ملَّتي , لأن اعتقاد ذلك نوعُ من الكُفر)) انتهى فتح الباري(14/290)
هذا ما فهمه علماؤنا رحمهم الله من كلام رسول - صلى الله عليه وسلم - , وأما الجفري فراح يشرحه بقصص مختلقه(2) لا تصح وهي مخالفة لكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - كل المخالفة !!
__________
(1) والجفري يقول إن طريقته وسائر الطرق الصوفية متّصلة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - , والواضح للجميع الاختلاف الكبير بين طريقتهم وبين طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - , والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول فمن خالف سنّتي ( طريقتي ) فليس مني !
(2) كقصه صلاة الإمام أبي حتيفة رحمه الله الفجر بوضوء العشاء أربعين عاماً , بمعنى أنه ما نام الليل كله ! والمعلوم أن أبا حنيفة رحمه الله كان يشتغل ببيع الخزّ ويعقد حلقات العلم ويتصدى للإفتاء طول النهار , فمتى كان ينام ؟(1/33)
النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى أصحابه عن التشدد في العبادة , فيطعن الجفري في نيّات الصحّابة , ويثني على تشدُّد من جاء بعدهم ومن هو دونهم ! إن هذا حقاً لتناقض عجيب ! وكل هذا التخبط لأجل الإنكار على من يتّبع السنة النبوية الظّاهرة الواضحة , بدعوى أنّه غاب عنه السّر الذي اكتشفه الجفري !
وأعجب من ذلك أنّ الجفري نفسه يقول في كتابه وفي عدّة مواضع :
(( الأخذ بالنصوص دون الرجوع إلى كلام الأئمة مصيبة نزلت بالأمة , بدعوى الاتباع وترك الابتداع , شغلتهم عن المعاني القلبية في السير إلى الله )) (1). انتهى
وأقول نعم إنّها مصيبة وأيّة مصيبة ! وأوضح مثال على ذلك هو كتاب الجفري هذا !
وانظر إلى المعاني القلبية التي يتحدّث عنها الجفري ما مصدرها وعمّن تلقّاها ؟ وقد رأينا في المثال السابق ما فعلت تلك المعاني والأسرار المزعومة بالجفري , فقد جعلته يتنقّص الصّحابة ويطعن في نيّاتهم ويقلب معنى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويحرفِّه عن مواضعه .
__________
(1) انظر على سبيل المثال ( ص58) من كتابه.(1/34)
والذي أحب أن أنّبه عليه هو أنّ من أجمل ما في شريعة الإسلام الغرّاء هو الاعتدال وإعطاء حقٍّ للنفس وحق للجسم وحق للأهل مع حق الله تعالى , كما ورد في حديث سلمان صريحاً (1) , تلك هي سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام , والعدول عن الاعتدال هو الذي نهى عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أشدَّ النهي , حتى قال لمن يفعل ذلك (( ليس مني )) وليس النهي لأجل تسرّب أهواء النفس إلى العبادة كما يزعم الجفري , وإلا فأين أهواء ومرادات النفس بترك التّزوّج وقيام الليل وصيام الدهر ؟.
فالجفري وأصحاب منهجه يريدون تحطيم النفس الإنسانية , والإسلام جاء بتهذيبها , والكتاب والسنّة الصحيحة ليس فيهما أنّ الدنيا عدوّة لله فابتعدوا عنها كلياً أيها الناس , وإنما قال تعالى ? وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ?[ القصص : 77].
__________
(1) المروي في البخاري والترمذي عن ابن أبي جحيفة عن أبيه قال : آخي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان وبين أبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال ما شأنك متبذلة ؟ قالت إن أخاك أبا الدرداء ليس له حاجة في الدنيا قال فلما جاء أبو الدرداء قرب إليه طعاما فقال كُلْ فإني صائم قال ما أنا بآكل حتى تأكل قال فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم فقال له سلمان نم فنام ثم ذهب يقوم فقال له نم فنام فلما كان عند الصبح قال له سلمان قم الآن فقاما فصليا فقال : إن لنفسك عليك حقاً ولربك عليك حقاً ولضيفك عليك حقاً وإن لأهلك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه فأتيا النبي عليه الصلاة والسلام فذكروا ذلك فقال له : ( صدق سلمان ).(1/35)
15_ ويقول الجفري ص 64 : في معرض السخرية والتهكم بالقائلين بوجوب الوضوء من أكل لحم الجمل (( .....جاء في رواية أخرى أن رجلاً كان أكل من لحم القعود ثمّ خرج منه ريح ... فلم يرد رسول - صلى الله عليه وسلم - أن يحرجه في المجلس ويقول له أنت خرج منك الريح , قال : (( من أكل لحم القعود فليتوضَّأ )) أنتهى.
ثم ادّعى الجفري أنّ الإمام الشافعي عمل بهذه القصّة السخيفة.
والمطلوب من الجفري أن يكر لنا مصدر هذه الرّواية من كتب الحديث والسنّة المعتمدة !! لا من كتب القُصّاص.
وللعلم فإنّ أصل المسألة هو الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحة(1) عن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أأتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال (( إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ )) قال أتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : (( نعم فتوضأ من لحوم الإبل )) قال أصلي في مرابض الغنم ؟ قال : (( نعم )) قال أصلي في مبارك الإبل ؟ قال : (( لا )) .
والحديث الذي رواه أبو داود في سننه (2) عن البراء بن عازب قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوضوء من لحوم الإبل فقال : (( توضَّؤوا منها )) وسئل عن لحوم الغنم فقال (( لا توضؤوا منها )) وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال : (( لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين )) وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال : (( صلوا فيها فإنها بركةُ)).
فانظر كيف تحوّلت المسألة عند الجفري من أحاديث ونصوص نبويّة شريفة , إلى قصّة سخيفة لا أصل لها !
16_ وفي الصفحة 207 يقول الجفري : (( جاء في بعض الأخبار أن ما من موضع شبرٍ في الأرض إلا وقد سجد فيه إبليس فيه لله سجدة ! وقد رقّاه الله حتى أذن له فأُصعِد إلى السماء ثم رُقي حتى أُدخل حظيرة المقرّبين ثم رُقِّي حتى صار رئيساً للمقرّبين )) انتهى.
__________
(1) كتاب الحيض , باب الوضوء من لحوم الإبل .
(2) سنن أبي داود (1/ 96) .(1/36)
أقول: يا سبحان الله , إبليس رئيس للمقرّبين ؟!
والذي نعرفه أنّ أبليس كان في السّماء ثم أُهبط إلى الأرض , فكيف عكس الجفري الأمر ؟
وهل كلّما رأى الجفري قصّة مرويّة في بعض الكتب أخذها وألقاها للناس دون وبيان صحّتها وسقمها ؟ ولماذا لا يقف الجفري إلا على أمثال هذه القصص , والتي هي من الإسرائيليات الباطلة ؟ إنه حقاً أمرُ عجيب !
17_ وفي الصفحة 213 يقول الجفري :
(( رُوى أنّ جبيريل وميكال بكيا لمّا طرد الله إبليس بكاءً شديداً . فقال الله : ما يبكيكما ؟ قالا : يارب _ وأنت أعلم _ هذا إبليس قرَّبته وارْتَضيته حتى جعلته طاووساً للملائكة وجعلته رئيساً للمقرّبين , وفي ساعة واحدة أصبح مُبعداً مطروداً وصار عدواً لك مُتَوَعّداً بالنار , وإنا نخشى أن يصيبنا ما أصاب إبليس فقال لهما تعالى : هكذا فكونا )) . انتهى
وأقول : أعوذ بالله من الجهل.
اللهُ تعالى يُخبرنا في محكم كتابه عن الملائكة خزنة النار فيقول : ? لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ? فما بالك بجبريل وميكائيل عليهما السلام ؟
إن طريقة تفكير الجفري المرتكزة على الخرافات والمستحيلات والممنوعات شرعاً وعقلاً تجعله يقبل مثل هذه القصص , ولكن العجيب حقاً كيف لا يتورّع من التقوّل على الله تعالى ؟
وإذا كانت الملائكة تبكي فهي تبكي على حال أمّتنا التي تُرَوَّجُ فيها أمثال هذه القصص في الكتب والفضائيات.(1/37)
18_ وفي الصفحة 61 , وعند حديثه عن البدعة , وطبعاً هو لا يرى في المسلمين على مدى الأربعة عشر قرناً الماضية أي بدعة حاصلة سوى ما كان من التحذير منها , فهو بنظر الجفري من البِدَع !! خلط بين البدعة في عرف اللغة والبدعة في عُرف الشرع وأخذ كلام بعض العلماء في انقسام البدعة في عُرف اللغة إلى الأحكام الخمسة وأسقطَهُ على البدعة في عُرف الشرع مع العلم أنّ العلماء يقولون إنّ البدعة شرعاً ( يعني في العبادات ) تنقسم إلى حكمين فقط , إمّا الحرمة أو الكراهة.
في حين أنّ البدعة لغةً , إضافةً إلى هذين الحكمين , يمكن أن تكون مباحة أو مندوبة أو واجبة كجمع المصحف وبناء المدارس الشرعيّة وإقامة الدروس وأمثالها . قال الإمام ابن حجر:((فالبدعةُ في عُرْفِ الشرع مذمومةُ بخلاف اللغة , فإن كل شيء أُحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محموداً أو مذموماً )) انتهى(1)
وقال أيضاً : ( .. وأما (( البِدَع )) فهو جمع بدعة وهي كل شيء ليس له مثال تقدّم فيشمل لغةً ما يُحْمد ويذمّ , ويختص في عُرفِ أهل الشرع بما يُذمّ وإن وردت في المحمود فعلى معناها اللغوي )) انتهى(2)
ولمّا وصل الجفري إلى الموقف الحرج , وهو ما معنى تحذير النبي - صلى الله عليه وسلم - من البدعة وتشديده في ذلك ! اخترع هذه البدعة فقال :
__________
(1) فتح الباري , باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (132/311).
(2) فتح الباري , باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلوِّ في الدين والبدع ( 13/340 ).(1/38)
(( وهناك بدع محرّمة وهي التي نهى عنها رسول الله التي تخالف شريعة رسول الله ليس لها أصل في الدّين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( صنفان من أهل النار لم أرهما )) ابتدعوا شيئاً جديداً (( أمّا الأول فرجال يضربون الناس بسياط كأذناب البقر وأما الثاني فنساءُ كاسياتُ عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ....)) على اختلاف الروايات , هذا نوع من الابتداع نهى عنه الله جلّ جلاله في الدين .. لأنّ حكم الدين الحجاب ... ابتدعن سفور النساء فخالفن هذا الحكم )). انتهى
أرأيتم كيف يكون تحريف الكلم عن مواضعه ؟ لقد أدرج جملةً في أثناء كلامة من اختراعه فقال : (( ابتدعوا شيئاً جديداً )) ! فجعل الآثام والمعاصي وإتيان المحرم هي البدع ! إذاً فشارب الخمر مبتدع وآكل الرّبا مبتدع والزّاني مبتدع والسّارق مبتدع والكذّاب الأشر مبتدع ... وهكذا.
ونحن لم نسمع أنّ عالماً واحداً من علماء المسلمين سمّى هذه المعاصي بدعاً وإنما هي محرّمات وكبائر.
ولكنّ الجفري لا يعلم أنّ العلماء عرّفوا البدعة فقالوا : (( هي طريقة في الدّين مخترعةُ تُضاهي الشّرعيّة , يُقصد بالسلوك عليها المبالغة في التَّعبُّد لله سبحانه )) (1)
إذا البدعةُ مخترعةُ في الدين والمعاصي ليست مخترعة بل هي قديمة وجاء الشرع لينهى عنها !!
ثمّ البدعة تُضاهي الشريعة أي تٌحاكيها وتماثلها , وأين وجه الشّبه بين الحجاب والسفور ؟
ثمّ إنّ البدعة يقصد منها التقرب إلى الله وهل في المعاصي تقربُ إلى الله ؟!
فما جواب الجفري عن ذلك ؟
__________
(1) انظر كتاب الاعتصام لإمام الشاطبي (1/37). والعلاّمة الشاطبي إمام مالكي محقق أصولي كبير (790هـ) , نظر في جميع تعاريف البدعة التي سبقت للعلماء قبله , ونظر في أوصاف البدع التي أُجدثت على مرّ القرون ثمّ صاغ هذا التعريف الجتمع المانع الدّقيق وجرى عليه العلماءُ من بعده رحمه الله.(1/39)
ورَحم الله عمر بن عبدالعزيز القائل(( من عمل في غير علم كان مايفسد أكثر مما يصلح )) (1)
19_ ويقول الجفري في ص58 أثناء كلامه في البدعة : (( هل فهمت الفرق بين معنى ( كل ) في اللغة ومعنى ( كل ) في الأصول ؟ )).
وأقول : هذه عجيبة حقاً وهل قال أحدُ من أئمة الأصول إنّ كلمة ( كل ) لها معنى في الأصول مغاير لمعناها في اللغة ؟
وهل فهم الصحّابة رضي الله عنهم معنى كلمة ( كل ) وفق اللغة أم وفق علم أصول الفقة الذي لم يكن وجد بعد ؟!
كل هذا التحايل من الجفري لأجل أن يلغي من أذهان الناس وجود شيء منكر اسمه بدعة , ومن ثم فكل من ينادي باجتناب البدع من العلماء والدعاة إنما هم جهلة أو أصحاب أهواء معادية للدين !
ولكي يخرج من إشكال وجود بعض البدع راح يروّج لما يُقال له بدعة حسنة ويُلحق كل ما نراه من بدع بها.
ورحم الله الإمام مالك بن أنس إمام المدينة وفقيه الإسلام وقامع البدعة ومحيي السنّة القائل فيما يرويه الشاطبي في كتابه النافع (الاعتصام 1/49) : قال ابن الماجشون : سمعت مالكاً يقول : (( مَنْ ابتَدَعَ في الإسلام بدعةً يراها حسنة فقد زعم أنّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - خانَ الرّسالة , لأنَّ الله يقول ? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ? فما لم يكن يومئذٍ ديناً , فلا يكون اليوم ديناً)) انتهى
ولقد أنكر العديد من علماء الإسلام على مرّ العصور وجود بدعة حسنة , وهذا لا يعني أنهم ينكرون مشروعية جمع القرآن وبناء المدارس لأنّ البدعة الممنوعة هي كل ما أضاف إلى الدين شيئاً , وجمع القرآن لم يضف شيئاً وإنما دوَّن ووثَّق النص الموجود.
__________
(1) رواه الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ( 1/27).(1/40)
والذي يجب أن يعلمه الجفري أن استدلاله بوجود بدعة حسنة لا بدّ له من ضابط صحيح , لأنّ قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (( كل بدعة ضلالة )) لفظ عام(1), ومن يريد تخصيصة لا بد له من أمرين:
الأول : أن يُبين ما هو المُخَصِّص , الثاني أن يُبّين حدود التخصيص.
وإلاّ فإنّ الذي يقول بتخصيص غير مُبيَّن ولا منضبط الحدود , يكون كلامه مُلْغياً لأصل القاعدة النبويّة ويُفرِّغها من الفائدة , وعندئذٍ كل صاحب بدعة إذا احتججنا عليه بحديث رسول - صلى الله عليه وسلم - (( كل بدعة ضلالة )) قال إنّ بدعته حسنة.
ونحن لا نجد عملياً الصوفية يقولون عن أي أمر بدعة محرمة لا يقولون ذلك أبداً !!
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 13/311) أنّ الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كان يُنكر بشدَّة تدوين ما يتعلّق بأعمال القلوب وكان يعدّه من البدع ! (2)
وهذا الإنكار من الإمام أحمد إنّما هو لكتب الأوائل فما بالك بكتاب الجفري هذا ؟ وشتّان ما بينه وبين تلك الكتب.
وروى الحسن البصري عن سيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه أنّه قال :
(( كن عالماً أو متعلماً أو مُحباً أو مُتّبعاً ولا تكن الخامس فتهلك . فقيل للحسن : وما الخامس قال المبتدع )) (3)
20_ قال الجفري في الصفحة 68 : (( روى الإمام الذهبي رحمه الله تعالى في كتابه سير أعلام النبلاء في ترجمة ( معروف الكرخي ) وهو من كبار أئمّة الصوفيّة .. تلقى عن الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم ... ثمّ قال : " وقبر معروف ترياقُ مجرّب" , أثنى عليهم وأثنى على ضرائحهم فكيف على أشخاصهم ؟!)). انتهى
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر : (( وقوله ( كل بدعة ضلالة ) قاعدة شرعية كُليّة بمنطوقها ومفهومها )) انتهى فتح الباري (13/312).
(2) وهذا الكلام في الموضع نفسه الذي كان ينقل الجفري منه كلام العلماء في البدعة .
(3) رواه الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ( 1/29).(1/41)
أقول : هذه محاولةُ من الجفري لزجّ أمثال الشيخ معروف الكرخي , رحمه الله , في سلك المتصوّفة , وهو بفعله هذا يشوش على الناس بأنّ أمثال من صوفيّة اليوم هم أتباع لهؤلاء الرجال العبّاد والزهّاد , وشتّان ما بين الشيخ معروف الكرخي وأمثاله , وبين متصوِّفة اليوم !!
وإليكم البيان :
أولاً , عندما ترجم الحافظ الذهبي للكرخي قال : معروف الكرخي علم الزُّهاد , بركة العصر , أبو محفوظ البغدادي , واسم أبيه فيروز. انتهى . سير أعلام النبلاء (8/216)
وكما ترون إنّ الذهبي لم يصفه بالصوفي أبداً لا في العنوان ولا في كل الترجمة.
ثانياً , إنّ مقولة (( وقبر معروف ترياقُ مجرّب )) رواها الحافظ الذهبي من قول إبراهيم الحربي وليست من قول الذهبي , ثمّ إنّ أوّل من روى ذلك عن الحربي إنما ابن حسين السُّلمي وهو عند أهل الحديث غير ثقة وغير معتمد وتُهْمَتُه أنّه يضع الأحاديث للصوفيّة . قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (5/158): (( أبو عبدالرحمن بن حسين السلمي النيسابوري شيخ الصوفية وصاحب تاريخهم وطبقاتهم وتفسيرهم تكلموا فيه وليس بعمدة )) . انتهى
وقال الحافظ الذهبي في السِّير (13/156) : ((قال الخطيب : قال لي محمد بن يوسف القطّان النيسابوري : كان أبو عبدالرحمن السُّلمي غير ثقةٍ , وكان يضع للصوفية الأحاديث )). ثمّ قال : (( وفي الجملة ففي تصانيفه أحاديث وحكايات موضوعة ,وفي ( حقائق تفسيره ) أشياء لا تسوغُ أصلاً , عدَّها بعض الأئمّة من زَنْدَقَة الباطنية )).
وقال : (( قال الإمام تقيُّ الدين بن الصّلاح في ( فتاويه ) : وجدتُ عن الإمام أبي الحسن الواحدي المُفَسِّر رحمه الله أنّه قال : صنَّفَ أبو عبدالرحمن السلمي ( حقائق التفسير ) , فإن كان اعتقد أنَّ ذلك تفسيرُ فقد كفر ! )) انتهى(1/42)
وبصرف النظر عن حقيقة من وراء تلك المقولة وإيراد الذهبي لها , فإنّه من غير المقبول ذكر كلام ليس له مستندُ شرعي فكيف بكلامٍ مخالف للشرع ؟! وهل يعرف الحقُّ بالرِّجال أم يعرف الرِّجال بالحق ؟
واللاّفت للانتباه أنّ الجفري لم يقتد بالحافظ الذهبي عندما حكم على الأحاديث والقصص التي يرويها الجفري على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنها موضوعة ومكذوبة , في حين أنّه صار عنده إماماً يقتدى به لأجل هذه المقولة الغريبة التي أوردها ؟!
وإليكم ما قرَّره أئمّة الإسلام الكبار في هذا الخصوص : ذكر القاضي عياض في كتابه ( الشفا) في حكم زيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - :
(( وقال مالك , كما في المبسوط : لا أرى أن يقف عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو , ولكن يسلّم ويمضي .وقال مالك في المبسوط : وليس يلزمُ من دخل المسجد وخرج منه من أهل المدينة الوقوفُ بالقبر , وإنما ذلك للغرباء . فقيل له : فإن ناساً من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه , يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر , وربّما وقفوا في الجمعة أو في الأيام المرة والمرتين أو أكثر عند القبر فيسلِّمون ويدعون ساعة ! فقال : لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا , وتركه واسع ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها , ولم يبلغني عن أول هذه الأمّة وصدورها أنهم كانوا يفعلون ذلك ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده )). انتهى.(1/43)
وروى البخاري في تاريخه (2/186) , والضياء المقدسي في ( المختارة) , وأبو يعلى في (المسند) , والقاضي إسماعيل عن الإمام علي زين العابدين بن الحسين رضي الله عنه أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجةٍ كانت عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - , فيدخل فيها فيدعو , فنهاه وقال : ألا أحدّثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( لا تتخذوا قبري عيداً , ولا بيوتكم قبوراً , فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم )).
وقال سعيد بن منصور في سننه : حدثنها عبدالعزيز بن محمد قال أخبرني سهل بن سهيل قال : رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشّى , فقال : هلمّ على العشاء , فقلت لا أريده , فقال مالي رأيتك عند القبر ؟ فقلت : سلّمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - , فقال : إذا دخلت المسجد فسلم , ثم قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( لا تتخذوا قبري عيداً , ولا تتخذوا بيوتكم مقابر , وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم , لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )) ما أنت ومن بالأندلس إلا سواء(1) . انتهى
هذا كلام علماء الإسلام في مسألة الدّعاء عند قبر سيّد الخلق سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فما بالك بمن هو دونه بكثير ؟
والعلماء يقولون ذلك لأنّهم يضعون كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصب أعينهم , أليس هو القائل : (( لا تجعلوا قبري عيداً )) رواه أبو داود , أليس هو القائل: (( اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد )) رواه مالك وأحمد.
__________
(1) ورواه الذهبي أيضاً في سير أعلام النبلاء (5/399).(1/44)
قال الإمام النووي الشافعي رحمه الله في كتابه الإيضاح في مناسك الحج ( ص501) : (( .. لا يجوز أن يُطاف بقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - , ويكره إلصاق البطن والظهر بجدار القبر قاله الحليمي وغيره , ويكره مَسْحُه باليد وتقبيله بل الأدب أن يبعد منه كما يبعد منه لو حضر في حياته- صلى الله عليه وسلم - .
هذا هو الصواب وهو الذي قاله العلماء وأطبقوا عليه , وينبغي أن لا يغترّ بكثير من العوام في مخالفتهم ذلك , فإن الاقتداء والعمل إنما يكون بأقوال العلماء ولا يُلتفت إلى مُحدثات العوام وجهالاتهم .ولقد أحسن السيد الجليل أبو علي الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى في قوله ما معناه : (( اتّبع طرق الهدى ولا يضرُّك قلّة السالكين , وإيّاك وطُرُق الضلالة ولا تغترّ بكثرة الهالكين )). ومن خطر بباله أنّ المسح باليد ونحوه أبلغ في البركة فهو من جهالته وغفلته , لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع وأقوال العلماء وكيف يبتغى الفضل في مخالفة الصواب ؟ )) . انتهى كلام النووي.
وقال ابن حجر الهيتمي الشّافعي الصوفي في حاشيته على كلام النووي : (( ..ومن ثَمَّ قال في الإحياء مسٌّ المشاهد وتقبيلُها عبادةُ النصارى واليهود , وقال الزعفراني ذلك من البدع التي تُنكر شرعاً , وروى أنسُ أنه رأى رجلاً وضع يده على القبر الشريف فنهاه وقال : ما كنا نعرف هذا , أي الدنو منه إلى هذا الحد . وعُلم مما تقرر كراهة مسِّ مشاهد الأولياء وتقبيلها .... ويكره أيضاً الانخفاض للقبر الشريف وأقبح منه تقبيل الأرض له , لكن قال غيره هذا في الانحناء بمجرّد الرأس والرقبة أمّا بالركوع فهو حرام وأمّا تقبيل الأرض له فهو أشبه شيء بالسجود بل هو هو , فلا ينبغي التوقف في تحريمه )). انتهى(1/45)
وقال الشيخ المناوي الشافعي الصوفي في ( فيض القدير ) عند شرحه لحديث (( لا تجعلوا قبري عيداً , وصلّوا عليّ , فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم )) : وقيل : العيد ما يعاد إليه , أي لا تجعلوا قبري عيداً تعودون إليه متى أردتم أن تصلّوا عليّ , فظاهره منهي عن المعاودة والمراد المنع عمّا يوجبه , وهو ظنّهم بأن دعاء الغائب لا يصل إليه ويؤيده قوله (( وصلّوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم )) أي لا تتكلّفوا المعاودة إليّ فقد استغنيتم بالصلاة عليّ , ثم قال المناوي : ويؤخذ منه أن اجتماع العامة في بعض أضرحة الأولياء في يوم أو شهر مخصوص من السنَّة , ويقولون : هذا يوم مولد الشيخ , ويأكلون ويشربون وربّما يرقصون فيه , منهيُ عنه شرعاً , وعلى ولي الشرع ردعهم عن ذلك وإنكاره عليهم وإبطاله . انتهى
ثالثاً , وأما قول الجفري إنّ الكرخي تلقّى عن الإمام علي الرضا !
فقد روى الحافظ الذهبي في ترجمته قائلاً : (( وقد حكى أبو عبدالرحمن السلمي شيئاً غير صحيح , وهو أنّ معروفاً الكرخي كان يَحجُبُ عليَّ بن موسى الرضا , قال فكسروا ضلع معروف , فمات , فلعلَّ الرضا كان له حاجبُ اسمُهُ معروف , فوافق اسمه اسم زاهد العراق)). انتهى
21_ وفي الصفحة 67 زعم الجفري أنّ مجرّد إيراد العلماء لتراجم الصوفيّة وفي كتبهم ( مثل ابن الجوزي والذهبي ) إنّما هو دليل على افتخارهم بهم , وصفَةُ الصوفية عندهم إنما هي صفةُ مدح !
وأقول : من أين له أن الحافظ الذهبي أو الإمام ابن الجوزي إذا أرادا أن يمدحا أحداً قالا عنه إنه صوفي ؟!
إننا إذا نظرنا في كل تراجم السير نجد أنّ الحافظ الذهبي يعدد أوصاف الشخص الذي يُترجم له , فيقول عنه مثلاً : الشيخ الشافعي النحوي المسند النيسابوري . أو يقول : الشيخ المعمّر الأصولي الحنفي المتكلّم البغدادي.
فهل يسوغ للجفري أن يقول : إن الذهبي إذا أراد أن يمدح رجلاً قال عنه إنه حنفي ! أو لغوي ! أو نحوي أو بغدادي ؟(1/46)
لا أظنه يقول ذلك , فلماذا عدَّ كلمة الصوفي مدحاً ؟!
وإننا إذا تأمّلنا في ترجمة الإمام الذهبي للكثير من أشياخه أو أصحابه أو من يُجِلُّهم , لا نجده يقول عنهم الصوفي !! بل على العكس نجده كثيراً ما يذمّ تراجم المتصوفّة وينكر عليهم بشدّة انحرافاتهم وبدعهم , وهذا كتابه بين أيديكم , وإليكم مثالاً على ذلك : جاء في ترجمة " سعيد بن عبدالعزيز بن مروان"
قال أبو نُعيم الحافظ : (( تخرَّج به جماعة من الأعلام كإبراهيم بن المولد وكان ملازماً للشرع متبعاً له )).
قال الذهبي : قلتُ : يعني أنه كان سليماً من تخبيطات الصوفية وبِدَعِهم . ( السِّيَر 11/455).
فما رأي الجفري بهذا ؟
ومسألة أن يورد الذهبي تراجم الصوفيّة في كتابه لا يمكن جعلها بمنزلة الرضا بعقائد بعضهم الباطلة , لأنّ الإمام الذهبي وغيره يوردون في كتب التراجم أسماء وتراجم للنصارى والمجوس واليهود فهل يعني هذا أنّهم راضون عن عقائدهم ؟ما هذا الفهم العجيب ؟ ولكن الذي حمل الجفري على زعمه ذلك , فيما أظن , هو رغبته في تهييج العامّة , على أهل العلم الذين يُنكرون عليه , فلذلك يحتال بكل حيلة , ولو كانت غير معقولة , لأنّه يُخاطب أناساً لا يفقهون دلالة هذه الأمور. وأمّا الإمام ابن الجوزي الذي يتقوّى به الجفري , ويُلَبِّسُ على الناس فيوهمهم أنّ الإمام ابن الجوزي يعظّم الصوفيّة , فأقول له : مادام ابن الجوزي مرضيّاً عندك وأنت تمدحه وتستشهد بكتبه , فأنا أدعو الجميع لقراءة كتاب ( تلبيس إبليس ) لابن الجوزي الذي يفضح فيه حقيقة ما كانت عليه الصوفيّة ويُبيّن أحوال رجالاتها وتلعّب الشطان بهم.
على سبيل المثال قال ابن الجوزي في كتابه ( تلبيس إبليس ) ص 447 :(1/47)
(( وبإسنادٍ عن أحمد بن أبي الحواري يقول حدثنا وكيع قال سمعت سفيان يقول سمعت عاصماً يقول ما زلنا نعرف الصوفية بالحماق إلا أنهم يستترون بالحديث . وبإسناد عن يحيى بن يحيى قال الخوارجُ أحب إلي من الصوفية . وبإسناد عن يحيى بن معاذ يقول اجتنب صحبة ثلاثة أصناف من الناس : العلماء الغافلين والفقراء والمداهنين والمتصوفة الجاهلين .وقد ذكرنا ( الكلام لابن الجوزي ) في أول ردنا على الصوفية من هذا الكتاب أنّ الفقهاء بمصر أنكروا على ذي النون ما كان يتكلم به وببسطام على أبي يزيد وأخرجوه وأخرجوا أبا سليمان الداراني وهرب من أيديهم أحمد بن أبي الحواري وسهل التُستري , وذلك لأن السلف كانوا ينفرون من أدنى بدعة ويهجرون عليها تمسكاً بالسنة )). انتهى
وفي الصفحة ( 257) روى ابن الجوزي عن الإمام الكبير عبدالرحمن ابن مهدي (198هـ) قوله في الصوفية فقال : قال الخلال أخبرني أبو بكر أحمد بن محمد بن عبدالل بن صدقة قال حدَّثنا إسحق بن داود بن صبيح قال : قلت لعبد الرحمن بن مهدي , يا أبا سعيد إن ببلدنا قوماً من هؤلاء الصوفية فقال : (( لا تقرب هؤلاء فإنا قد رأينا من هؤلاء قوماً أخرجهم الأمرُ إلى الجنون , وبعضهم أخرجهم إلى الزندقة )). انتهى
ولا أدري ماذا سيكون حال الجفري بعد أن يطّلع قرّاؤه على كتاب ابن الجوزي الفاضح للصوفيّة في عصره !!
22_ وفي الصفحة 66 قال الجفري (( إن الإمام النووي عندما ترجم رجال سنده لصيح مسلم .. فإذا أراد أن يثني على أحدٍ منهم يقول : وكان صوفياً .. وكان من الصوفيّة .. جعلها لفظة ثناء )). انتهى(1/48)
وأقول : إنّ الذي يدفعني للوقوف عند هذه المسائل هو الفكرة المغلوطة التي يحاول أن يرسّخها في أذهان الناس , وليس الحديث عن الصوفيّة بحدَّ ذاتها , فكلمة الصوفيّة تعني طائفة من الناس فيهم الصالح وفيهم الطالح , فلا يمكن أن تكون كلمة مدح بإطلاق , وهذا المعنى واضح عند علماء الإسلام , وقول الجفري إنّ الإمام النووي إذا أراد أن يُثني على أحد قال عنه وكان صوفياً , غير صحيح بل هو تقوُّلُ من الجفري على الإمام النووي ! وهذا لا يجوز كما لا يجوز التّقول على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - . وإذا عدنا إلى كلام النووي في مقدمة شرحه لصحيح مسلم نجده لم يذكر كلمه الصوفية إلا في ترجمه اثنين من رجال سنده فقط , وفي كلتا الترجمتين كان ينقل الكلام عن غيره وليس في الكلام سوى ذكر حال الرّجل , أمّا الأول وهو محمد بن الفضل الفراوي فقد روى عن عبد الغافر أنه ذكره فقال : هو فقيه الحرم البارع في الفقه والأصول الحافظ للقواعد , نشأَ بين الصوفيّة في حجورهم ووصل إليه بركات أنفاسهم . وأمّا الثاني فهو محمد بن عيسى الجُلودي وقد روى عن الحاكم أنه قال فيه : كان شيخاً صالحاً زاهداً من كبار عُبّاد الصوفيّة . انتهى(1)
فكما هو واضح أنّ كلمات الثّناء هي قولهم : فقيه الحرم البارع في الفقه الأصول الحافظ للقواعد , وكان شيخاً صالحاً زاهداً , أمّا قولهم نشأَ بين الصوفية في حجورهم ووصل إليه بركات أنفاسهم , ومن كبار عُبّاد الصوفيّة , فالثّناء فيه ليس على مطلق الصوفيّة وإنّما لكونه وصلت إليه بركات أنفاسهم , لا انحرافاتهم , أو لكونه من عُبّادهم وليس من فسّاقهم !
__________
(1) انظر شرح صحيح مسلم للنووي (1/112).(1/49)
ثم إنّ هؤلاء الرّجال هم من أعيان المئة الثالثة والرّبعة حين كانت الصوفيّة تطلق أيضاً على أهل الزّهد والصّلاح والتقوى في الغالب , والإمام النووي عندما يقول عن شخص معتبر عنده إنه من الصوفيّة فهو يقصد التصوّف المحمود الذي وصفه في كتابه النافع ( كتاب المقاصد ) قائلاً : أصول طريق التصوّف خمسةُ :
1_ تقوى الله في السِّرِّ والعلانية .
2_ واتّباع السُّنَّة في الأقوال والأفعال .
3_ والإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار .
4_ والرِّضا عن الله تعالى في القليل والكثير .
5_ والرّجوع إلى الله في السَّرَّاءِ والضرَّاء . انتهى(1)
ولا أعلم أحداً اعترض على هذا الكلام وإنمّا الاعتراض كان وما يزال على المخالفين لهذه الأصول من الصوفيّة , والانتقاد الذي يوجّه للصوفيّة إنما هو لانحرافاتهم ومخالفتهم للشرع الحنيف , وليس لأنّهم زهاد أو عبّاد أو أهل ذكر وصلاح !
وحاشا للإمام النووي أن يثني على رجل عرف عنه أنّه يخالف الشرع في مسأله ما . وقد قال النووي : (( أصول الدِّين أربعة : الكتابُ والسنُّة والإجماع والقياس المعتبران . وما خالف هذه الأربعة فهو بدعةُ ومرتكبُه مُبتدع , يتَعَيَّنُ اجتنابه وزجرهُ . ومن المطلوب اعتقاد من علم وعمل ولازم أدب الشريعة , وصحب الصّالحين . وأمّا من كان مسلوباً عقلهُ أو مغلوباً عليه , كالمجاذيب , فنسلّم لهم ونفوّض إلى الله شأنهم , مع وجوب إنكار ما يقع منهم مخالفا لظاهر الأمر , حفظاً لقوانين الشَّرع )) انتهى(2)
فلماذا يخلط الجفري بين الأمرين ويقلب الحقائق ؟
__________
(1) كتاب المقاصد في بيان العقائد وأصول الأحكام للإمام النووي ( ص92).
(2) المرجع نفسه ( ص 34 , 35 ).(1/50)
أنا , مثلاً , أنتَقِدُ في هذا الكتاب على الشيخ الجفري عدم تورُّعه في رواية الأحاديث الموضوعة على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى عزوه إيّاها إلى كتب السنّة وهي ليست فيها ! وعلى ذكره لقصص خرافيّة منافية للشريعة وعلى مخالفته لأئمّة الفقه والحديث , وعلى كثرة غمزه وطعنه في إخوانه المسلمين المتمسِّكين بالسنَّة المطّهرة , وعلى قلبه للحقائق التاريخيّة والعلميّة . ولم أتعرّض أبداً للكلام عن زهده وأذكاره وتأديبه لنفسه وتوكلّه على الله وغيرها من الصفات الحميدة , فهل سيُفَسِّرُ الجفري هذا النّقد العلمي على أنّه هجومُ على الصّوفيّة لأنّه واحدُ منهم ؟
أم أنّه ستعامل معه بتجرّد وإنصاف ؟ وهذا هو المأمول منه .(1/51)
23_ وفي الصفحة 121 يقول الجفري : (( كان الإمام الشافعي رحمه الله تعالى رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في ترجمة الإمام أحمد في طبقات الحنابلة – رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : أَرىْ أحمد بن حنبل السلام مني وبشّره بالجنّة على بلوى تُصيبُه فأرسل الإمام الشافعي رجلاً من عنده بهذه الرسالة إلى الإمام أحمد إلى بغداد والشافعي في مصر , فلمّا وصل إلى بغداد وأبلغ الإمام أحمد بن حنبل السلام وبلّغه سلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , والبشارة بالجنة على بلوى تُصيبه .. بكى الإمام أحمد وقال : الله المستعان وعلى رسول الله السلام .. وفرح ببشارة رسول الله وسلامه .. ومن شدّة الفرح خلع الثّوب الذي على بدنه وأعطاه لهذا الرجل الذي أرسله الإمام الشافعي .. هدية البشارة .. لأنه كان سبباً في وصول البشارة إليه , فلما رجع الرجل إلى مصر سأله الإمام الشافعي فقال له : ماذا قال لك ابن حنبل ؟ قال : قال الله المستعان وأعطاني ثوبه , قال أعطاك ثوبه ؟ قال نعم , قال أخرجه من خزانته أم من على بدنه ؟ قال من على بدنه , قال من على بدنه ؟ قال نعم : , قال أما وإنا لن نفجعك في ثوبك ولكن نستأذنك أن نغسل هذا الثّوب ونحتفظ بالماء الذي ينزل منه وخذ لك الثوب .. فغسل الإمام الشافعي الثوب وأخذ الماء الذي قطر من الثوب وأخذ غُسالة هذا الثوب يترّك بها من أثر الإمام أحمد .. )) انتهى كلام الجفري بحروفه !(1/52)
وأقول : إنّ الجفري بدأ كلامه بأنّ القصّة موجودة في طبقات الحنابلة , وقد رجعتُ إليها ولم أجد هذه القصّة ! وعلى أيّ حال وردت هذه القصّة في غير موضع , وهي غير صحيحة وكل أسانيدها معلولة إما بوجود متروكين أو وضّاعين أو مجهولين أو من لايُعرف ! والرّجل الذي زعموا أنه حمل رسالة الشافعي إلى الإمام أحمد هو الرّبيع سليمان تلميذ الشافعي وهو أحد الأعلام الثقات ! وقد قال الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمه الربيع : (( ولم يكن صاحب رحلة , فأمّا ما يُروى أن الشافعي بعثه إلى بغداد بكتابه إلى أحمد بن حنبل فغير صحيح )) . انتهى سير أعلام النبلاء ( 12/587).
إذن فالقصة غير صحيحة والإمام الشافعي وأحمد والرّبيع بريئون منها !!
وكالعادة فإنّ الجفري لا يكتفي برواية القصص الباطلة كما هي بل يزيد فيها ويزخرفها ويوجهها الجهة التي يشاء ! والسّياق الذي ساقه الجفري للبشارة , إنما هو سياق كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسيدنا عثمان بن عفان عندما بشّره بالجنّة مع بلوى تصيبه كما روى ذلك الإمام مسلم في صحيحه في باب فضائل عثمان .
إذن فالجفري جعل بشارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعثمان تتكرر , ولكن هذه المرّة في المنام ولأحمد بن حنبل ! وهذا ليس في روايات القصة !
ثمّ يأتي إلى مسألة قميص أحمد بن حنبل ويقف عندها طويلاً ويعيد الكلام فيها ويزيد , ويتقوّل على الشافعي إصراره على أن يكون القميص من على بدن الإمام أحمد , ثمّ يقول إنّه غسل الثّوب وأخذ الغُسالة يتبرّكُ بها ! وقبول الجفري لهذه القصّة إنمّا هو بسبب عدم معرفته بقدر الإمامة , وظنّة أن الإمام الشّافعي يُقدم على أمثال هذه الأمور . والجفري يستشهد بهذه القصّة المكذوبة تحت عنوان كيف نُزكّي أنفسنا ؟!(1/53)
فعن أي تزكية يتكلّم ؟ وما هذا الفكر والمهج الذي يصدّره الجفري للمرأة المسلمة ؟! ولماذا الاعتماد دائماً على القصص المختلقة , التي لا تنسجم مع روح الدين الإسلامي ؟
24_ يقول الجفري في ص69 : (( وتشكيك البعض في الصوفية لن نسكت عنه , البعض يقول : لو تجنبتموه .. لا لن نتجنبه .. لأن هذا يجني على الأمة بأكملها , اليوم تحويل صورة التصوف في أذهان الناس على أنّه باطل وضلال وشرك وكفر وخطة يهودية تبث بيننا , .. لأن هذا الكلام معناه عدم الثقة بالقرآن ولا السنة , ولِمَ ؟ لأنّ جميع أساندينا نحن أهل الإسلام في رواية الكتاب والسنة مليئة بأئمة التصوف , لا يستطيع أحد بل يعجز أن يروي سنداً صحيحاً في إجازة قراءة من القراءات السبع أو العشر للقرآن الكريم إلا وفي أثناء السند إمام من أئمّة التصوّف .. فإن كانوا ضلالاً مشركين أهل سوء إذاً روايتنا للقرآن مشكوكُ فيها )) . انتهى بحروفه
وأقول : إنّ زيادة التهويل التي يتعمدها الجفري , تزيد شكوكي في حقيقة ما يريده ! وما وجه التجنّي على جميع الأمّة , هل أصبح التّصوف هو دين الأمّة المأمورة به حتى يقول هذا الكلام ؟ وهل كل متصوّف متلّبسُ بتلك الانحرافات التي تُنكر على الصوفية ؟ ألم يعترف الجفري أن هناك صوفيّة منحرفين وآخرين غير منحرفين ؟ فلماذا سَمَحَ لنفسه أن يقول ذلك ولم يعتبره جناية على الأمّة كلّها ؟
وأمّا زعمه بأنّ مسألة تضليل الصوفية يلزم منه التشكيك بالقرآن والسنّة , فهو هراء , بل إنّ هذا الزَّعم من الجفري خطير ! وكان الواجب عليه ألاّ ينزلق في هذا الأمر الذي يمكن أن يكون مدخلاً للمشككين المغرضين , وكان الأولى به أن ينزه القرآن العظيم عن هذا اللغو.
ألأجل الدفاع عن مذهبه وطريقته يجعل القرآن غرضاً لذلك ويفتح أبواباً جديدة للمرجفين المتربصين بالإسلام وأهله ؟! سبحان الله !(1/54)
إنّ القرآن محفوظ بحفظ الله جلّ جلاله , والقرآن لا يحتاج إلى مِنَّةِ أحدٍ كي يحفظ بعد أن تكفّل الله تعالى بحفظه . وأكبر برهان على ذلك أنّ جميع الفرق الضالّة التي انقشت عن الإسلام تروي القرآن بحروفه ولا تستطيع الزيادة فيه أو النقص . وهذه هي معجزته - صلى الله عليه وسلم - .
وأمّا ما يدّعيه الجفري من كون أسانيد القرآن والقراءات يتخلّلها بعض أئمّة التصوّف فهذا عجيب حقاً !! ولماذا لا يسمّي لنا أولئك الأئمّة ؟ فهل عنده سندُ فيه الحلاّج أو ابن عربي أو ابن سبعين أو ابن الفارض أو الجيلي أو ابن قسي أو ابن أحلى أو العفيف التلمساني أو البدوي أو الدسوقي أو الحداد أو السقاف أو أمثال هؤلاء ؟! إذا كان عنده فليبزره لنا إن كان صادقاً !
إنّ مشيخة القرّاء منذ القرن الأوّل الهجري لم يكن فيهم من ينسب إلى التصوّف بل إنّ جميعهم كانوا على قدم السَّلف في اتّباع السنّة ونبذ البدع فكيف يظنّ الجفري أن يكون فيهم من يتلبّس بأمور مفضية إلى الشرك أو الكفر والعياذ بالله ؟
ولم يزل الأمر فيهم كذلك , ففي القرن التاسع الهجري كان شيخ هذا الفنِّ وإمامه الإمام ابن الجزري الشافعي رحمه الله تعالى , الذي إليه منهى جلّ أسانيد القّراء المعروفة , هذا الإمام كان سُنّياً فاضلاً , أثنى عليه كلّ من ترجم له , ولم ينسبه أحدُ للتصوف , بل عرف عنه شدّة إنكاره لانحرافات الصوفيّة , ومن ذلك أنه كان يُنكر ما في كُتب غمام الصوفيّة الشيخ ابن عربي ويرى أنّ كلامه كفرُ ويجب على ولاة الأمور أن يعدموا كتبه ! (1)
__________
(1) ذكر ذلك الإمام برهان الدين البقاعي الشافعي ( تلميذ الحافظ ابن حجر العسقلاني والفقيه تقي الدين الحصني) في كتابه ( تنبيه الغبي) ص176, نقلاً عن كتاب ( تحذير النّبيه) للحافظ تقي الدين محمد الحسني الفاسي .(1/55)
إذن فليعلم الجفري ومن معه أنّ أسانيد جميع القرّاء تنتهي إلى من يُفتي بأنّ كلام شيخهم وقدوتهم ابن عربي كفرُ ! (1) فإذا افترضنا أنّ للجفري سنداً للقرآن فما أسعده بهذا السّند !
وفي أيّامنا هذه يتنافس الحفّاظ لكتاب الله من شتى أصقاع الأرض في أخذ الغجازة من شيخ قرّاء الشام محمد كريم راجح , حفظه الله , وهو عالمٌ متمسّكُ بالسنّة ولا يقر أي خروج عنها وأيا كان الخارج عنها ! وهو أيضاً ليس صوفياً , وأكبر دليل على ذلك أنّه أصدر فتوى يُنكر فيها على الجفري وعلى شيوخه أيضاً انحرافاتهم الصوفية !!
وكذلك شيخه شيخ القرّاء أحمد الحلواني الحفيد لم يكن صوفياً أيضاً , بل كان يُنكر على أصحاب الطرق الصوفيّة , كما كان ينكر على كل من ينتسب إليها من المشايخ ! (2)
__________
(1) والذي يجب أن يُعلم هنا أنّ الحكم على كلام الشخص ما بأنه كفر لا يستلزم تكفير الشخص نفسه , وهذا معروف عند أهل العلم , وأنا في كتابي هذا لم أحكم بكفر أحد لا ابن عربي ولا غيره , ولم أنقل أي كلام في تكفير أحد بعينه وهذا من شرط كتابي.
(2) وقد أخبرني خليفته الشيخ محمد كريم راجح حفظه الله – شيخ القرّاء في الديار الشاميّة – أنّه حضر نقاشاً حاداً بين شيخ القرّاء أحمد الحلواني وبعض الشيوخ المنتسبين للطريقة التيجانّية والمقٌرِّين لما فيها من انحرافات , وأنّ الشيخ الحلواني أنكر عليه تلك الطريقة بشدّة !(1/56)
ومن قبله والده شيخ القراء محمد سليم الحلواني , رحمه الله , فهو أيضاً لم يكن من الصوفية بل كان يُخالفهم ويرفض بدعهم وضلالاتهم(1)
وكذلك كان والده الشيخ أحمد الحلواني الكبير رحمه الله , شيخ قرّاء الديار الشاميّة المولود سنه (1228هـ) ولم يصفه أحدُ بأنّه صوفي .
وعدم كون هؤلاء العلماء من الصوفيّة هذا لا يعني أنّهم غير متخلّقين بأخلاق الإسلام وفضائله من تواضع , وحسن توكّل , وذكر دائم , وورع . بل إنهم كانوا أهلاً لذلك .
__________
(1) وأخبرني شيخنا محمد كريم راجح أن الشيخ سليم الحلواني لما زار المدينة المنورة دخل البقيع , وبينما هو متجه لزيارة قبر سيدنا عثمان بن عفان , مرّ قرب قبر شيخ الطريقة الصوفية الدندراوية , وكان أتباع هذه الطريقة متحلّقين حول القبر يقومون بطقوسهم الخاصة , فتجاوزهم ومضى في طريقه , فعرفه أحد الحاضرين فناداه بصوت عالٍ : ياشيخ سليم يا حلواني ! كيف تمر على قبر الدندراوي ولا تقف عليه ؟ فأجابه الشيخ سليم رحمه الله : أنا ذاهب إلى قبر من شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه من أهل الجنة , وأما صاحبكم فمشكوكُ في أمره أمات على الإسلام أم مات على الكفر ؟ ثم مضى في طريقه .??(1/57)
والجفري حصر الأمر بالإجازات الخاصّة بالقراءات السبع أو العشر , لأنّه يعلم أنّ أسانيد القرآن غير منحصة وغير مدوّنه , والمدوّن منها والمسلسل إنّما هو خاص ببعض قرّاء القراءات ! فلقد قال الإمام ابن الجزري : (( وهذا كان شأنهم على تعيين هؤلاء القرّاء ليس بلازم , ولو عُيّين غير هولاء لجاز , وتعيينهم إما لكونهم تصدَّوا للإقراء أكثر من غيرهم , أو لأنهم شيوخ المعّين كما تقدّم , ومن ثم كره من كره من السَّلف أن تُنْسب القراءة إلى أحد , روى ابن أبي داود عن إبراهيم النخعي قال : ( كانوا يكرهون سند فلان وقراءة فلان ! ) . انتهى(1)
فتلاوة القرآن وحسن أدائه ليس لها أي علاقة بحفظه من التبديل أو التّغيير , والأسانيد التي يتكلّم عنها الجفري إنّما هي أسانيد المشيخة المعتنية بالأداء وصوره ووجوهه ! وأمّا حفظ القرآن فقد تكفّل به الله - عز وجل - وسخَّر له علماء الأمّة وفقهاءها للدفاع عنه .
وقد روى الإمام ابن الجزري في كتابه ( المنجد ) جواب سيخه إمام الأئمّة أبي المعالي عن سؤاله عن هذا الموضوع فقال :(( انحصارُ الأسانيد في طائفة لا يمنع مجيء القرآن عن غيرهم , فلقد كان يتلقّاه أهل كلّ بلدٍ بقراءة إمامهم الجمّ الغفير عن مثلهم , وكذلك دائماً فالتواتر حاصلُ بهم , ولكنّ الأئمّة الذين تصدّوا لضبط الحروف وحفظوا شيوخهم منها , جاء السّندُ من جهتهم , وهذه كالأخبار الواردة في حجّة الوداع ونحوها , هي آحاد , ولم تزل حجّة الوداع منقولة عمّن يحصل بهم التواتر عن مثلهم في كل عصر فهذه كذلك )) وقال : (( هذا موضعُ ينبغي التنبّه له )) انتهى , والله أعلم (2)
25_ وفي الصفحة 237 يروي الجفري قصّة باطلة عن السيدة فاطمة رضي الله عنها :
__________
(1) منجد المقرئين لابن الجزري ( ص111) بتحقيق الشيخ عبدالحليم قابة , والأثر أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( 6/144) بدون قوله سند فلان .
(2) منجد المقرئين ( ص114).(1/58)
وفيها أنّها وقفت على قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذت قبضة من ترابه وشمّتها وأنشدت باكية:
ماذا على من شَمَّ تُرْجَةَ أَحَمَدَ أَنْ لها يَشُمَّر مدى الزمان غواليا
صُبَّتْ عليَّ مصائبُ لو أنها صبّت على الأيام عُدنَ لياليا
أقول : ليت الجفري شعر بالتحطيم الشعري الموجود في البيت الأوّل , كما أنه شكّل الأحرف تشكيلاً خاطئاً وأبقى على البيت محطّم الوزن والمعنى وصوابه :
ماذا على من شمّ تُرْبَة أَحْمَد ألاّ يَشمّ مدى الزمان غواليا
وعلى كل حال فقد روى الإمام الذهبي عند ترجمته للسيده فاطمة رضي الله عنها في سير أعلام النبلاء (3/434) هذه الأبيات وقال : (( ولاتصحّ )) ! انتهى(1/59)
26_ قال الجفري في ص57 (( وكم أضاع الناس أوقاتهم وأعمارهم .. كثير من الملتزمين الراغبين في السير إلى الله بحثوا عن الاتباع وترك الابتداع وأضاعوا كثيراً من أوقاتهم في التحقق من أمور قد سبق السلف الصالح وتحققوا منها وانتهت .. هذه سُنّة هذه بدعة .. نمسك المسبحة سنّة أم بدعة ؟ أنا أريد الاتباع ما أريد الابتداع .. الاتباع وترك الابتداع في الكلام الذي مر .. في مخالفة النفس وهواها من أجل الله .. في أن تجعلي عبادتك على قدم المتابعة للحبيب .. في أن تبحثي عن تذوقك لرضا نفسك بهده المتابعة .. وهذه المتابعة الباطنة التي ينبغي أن تقيميها وتقيمي من أجلها المتابعة الظاهرة , أما الوقوف على الأمور التي قد بتّ فيها السلف الصالح وجعلوا لها قواعد تعود إليها وتحجيمها وجعلها هي القاعدة في المعاملة مع الناس وشغل الناس .. الثوب يطوُل الثوب يقصّر .. المسبحة .. نرفع الصوت بالصلاة على النبي أو نخفض .. هذه الصيغة وردت أو ما وردت .. بعد الصلاة نذكر الله أو ما نذكر الله .. نصلي التراويح عشرين أو ثمانية .. وكأن الإسلام منذ ألف وأربعمائة سنة لم يُخْدَم حتى جاء هذا الفكر في العصر الاخير ليجدد خدمة الإسلام .. هذه المسائل من حيث الحكم هل عي اتباع أو غير اتباع قد انتهى منها السلف الصالح .. وجاءت قواعد أقاموها في فهمها )) انتهى .
ومحل الشاهد هو قوله : (( .. في أن تجعلي عبادتك على قدم المتابعة للحبيب .. في أن تبحثي عن تذوقك لرضا نفسك بهده المتابعة )).
أقول : ما هذه القاعدة العجيبة في التعبّد ؟ يبحثُ المتعبّد عمّا يرضي ذوقَ نفسه في المتابعة !!
أرأيتَ لو أنّ أحدهم قال لك إنّ ذوق نفسي في متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحبّه مع آل بيته تدفعني إلى الخروج في مسيرات عاشوراء وضرب نفسي بالسلاسل والآلات الحادّة . اتكون قاعدة تحكيم الذوق في المتابعة تسمح له بذلك وتنجيه عند الله ؟ أم تكون قاعدتك أيها الجفري باطلة ؟(1/60)
ألا يعلم الجفري أنّ وسوسات الشيطان وهو الإنسان يؤثّران في تذوّق النفس , وأنّ فيصل التفرقة بين المطلوبات والمنهيات هو نصوص الشريعة لا غير ؟
27_ وفي الصفحة 130 يذكر قصّة سخيفة عن رجل لم تسمح نفسه بالصّدقة إلاّ وهو في بيت الخلاء يقضي حاجته , فنادى ابنه وهو في بيت الخلاء وأمره أن يسرع بإخراج الصّدقة , لأنه خشي أنه إذا انتظر حتى يخرج من بيت الخلاء أن يغلبه الشيطان عليها فلا يخرجها !! انتهى .
وكأن الشيطان يكون في بيت الخلاء بعيداً عن الإنسان فإذا خرج أسرع إليه ! ثمّ ماهذه القصص المتدنّية التي يأتي بها الجفري ؟! مع أنّه من أوّل كتابه إلى آخره يتكلّم عن الذوق والتذوّق !
28_ وفي ص116 يخاطب المرأة ويعلّمها كيف تتغلّب على نفسها الأمّارة بالسّوء فيقول لها : (( إنّ النفس الأمّارة بالسوء مثلها كمثل الدّابة الحرون ..... إذا أرادوا أن يعالجوها يقللوا علفها ويكثروا شغلها .. فإنّ كثرة العلف تورث البطرة , وقلة العمل تورت البطرة , والنفس الأمارة بالسوء في مرحلة تنقيتها وتزكيتها تحتاج شيئاً من ذلك ? وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ? , الله يخبرنا بذلك )) !!! انتهى
فانظروا إلى الذوق الرّفيع في ضرب الأمثلة !(1/61)
29_ وفي ص182 قصّة عن الصحابي الجليل عمرو بن الجموح , فحرّف فيها وغيّر وبدّل وأتى بالعجائب . وذلك أنّه أدخل في قصّة ابن الجموح المشهورة قصّة ثانية , وهي قًّة المرأة الدّينارّية التي قُتل أولادها في معركة أُحد , ومع ذلك كانت إذا سئلت عنهم تقول : إذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخير فليس ثمَّ مصيبة . وهذه القصّة مع ضعفها لم يَقْنَع الجفري بذكرها كما ورَدَت في الكتب , بل لابدّ له من أن يأتي بالعجائب ! فقد زعم أنّها وضعت زوجها وأولادها وأباها على جمل وأتت بهم إلى المدينة ولكنّ الجمل لمّا اقترب من المدينة برك فإذا وجّهته إلى أُحد تحرّك فذهب إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - وهو في أُحد فقصُت عليه الخبر , فقال لها هل سمعت زوجك عمراً يقول شيئاً قبل خروجه من منزله ؟ فقالت نعم كان يقول : اللهم إني أسألك أن لا تخزني بعودتي إلى بيتي هذا , اللهم ارزقني الشهادة ولا تخزني بعودتي إلى منزلي . فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : بخٍ بخٍ إنّ لله رجالاً لو أقسم أحدهم على الله لأبره وإنّ زوجك منهم . انتهى
فلا أدري من أين يأتي الجفري بهذه القصص وكيف يستسيغها ويقلبها رأساً على عقب !
السميراء بنت قيس الدينارية أصبحت زوجة ابن جموح ؟!
رسول الله يدفن شهداء أحد في أحد وهذه المرأة كيف أخذت كل تلك الجثث لتدفنها في المدينة والمسلمون في أحد ينظرون إليها ؟!
الجمل تحدث له ظاهرة فيل أبرهة الحبشي !!
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصدق القصة ويقول لها ماذا كان يقول زوجك ؟!
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . أهذا هو المنهج السلوكي الذي يريد الجفري ، أصلحه الله ، أن يعلمه للناس ؟
30- وفي الصفحة 219يقول الجفري (( إن شيخ طريقتهم الصوفية : محمد بن علي باعلوي يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ))! نعم ألف ركعة .
لكنه لم يبين لنا هل يدخل في الحساب عدد ركعات الفرائض أم لا ؟(1/62)
فإذا فرضنا أنه في كل خمس دقائق يصلي ركعتين فهذا يعني أنه يستطيع أن يصلي في اليوم والليلة (24) ساعة (576) ركعة فمتى كان ينام أو يقضي حاجة أو يتوضأ أو يأكل أو يمشي إلى المسجد أو يدرس أو يرعى أهله وأولاده ؟ فما بالك بالإتيان بتتمة الألف !
ثم ما هذه الصلاة ، ينقرها نقراً أم ماذا ؟ ثم هل عدها الجفري بنفسه أو أحد شيوخه ؟ أم أن شيخ طريقتهم هو الذي أخبرهم ؟ ولا أظنه كان مرائياً .
لماذا يحب الجفري هذه المجازفات والمبالغات ؟ ألا يكفيه أن يقول إن صلاة التطوع لا حد لها ، وإن الصالحين من السلف كانوا يمضون أكثر أوقاتهم ، وخاصة في الليل ، بالصلاة ؟
31- ويقول الجفري ص69: (( الإمام الشافعي ، الإمام مالك ، الإمام أبو حنيفة هم أئمة هذا الطريق )) !
وأقول : هذه مغالطة كبيرة ، واستخفاف بالقراء ! من أين لك أن هؤلاء الأئمة كانوا أئمة طريق التصوف ؟
أما الإمام مالك والإمام أبو حنيفة رحمهما الله فكانا من أشد الناس في قمع البدع والانحرافات وتأديب أصحابها ، وكان منهجهما منع الناس من الغلو في الدين . حتى قال الإمام أحمد ، رحمه الله : (( إذا رأيت الرجل يبغض مالكاً فأعلم أنه مبتدع )) .(1/63)
على سبيل المثال ، الصوفية أول ما ظهروا كان شعارهم لبس الصوف وبه اشتهروا ، وقد قال الإمام العلامة البحر المتفنن ، أبو عبد الله محمد بن علي المارزي ( 453-536هـ) في فتوى له (( وقد سئلت عن بعض لباس هؤلاء المتهمين(1) للخز والمسوح والصوف الخشن الأسود فأنكرت ذلك . وسئل الإمام مالك عن اللباس الخشن من الصوف فقال (( لا خير في الشهرة ، وينبغي أن يخفي الإنسان عمله )) . وسئل في موضع آخر عن لباس الصوف وهو قادر على الثياب البيض ، فقال (( لا أحبه لما فيه من الشهرة ، وينبغي أن يخفي الإنسان عمله )) ، فقيل له إنما يقصد بهذا التواضع ، قال : (( قد يجد بثمنه من غليظ القطن ما يقوم مقامه )) ، فأنت تراه كيف أنكر هذه فكيف به لو سئل عن لباس المسوح والثياب السود من الصوف ؟
وهذا وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : (( البسو البياض وكّفنوا فيه موتاكم فإنّه من أفضل لباسكم )) (2) الحديث , فهذه الصّفة مخالفة للحديث ولما رُوي عن مالك , فإن رأوا مخافة من تقدّم برأي وتأويل لم يتركوا لرأيهم وبُيِّن لهم فسادُ رأيهم )) انتهى (3)
جاء في كتاب ( ترتيب المدارك ) للقاضي عياض ( 2/54) :
(( قال التِّنيسيَُ : كنا عند مالك وأصحابه حوله , فقال رجلُ من أهل نَصيبين : عندنا قوم يقال لهم الصوفيّة , يأكلون كثيراً , ثمّ يأخذون في القصائد , ثمّ يقومون فيرقصون ؟ فقال مالك : أصبيانُ هم ؟ قال : لا , قال : أمجانين هم ؟ قال : لا , هم قومٌ مشايخ , وغير ذلك عقلاء , فقال مالك : ما سمعتُ أنّ أحداً من أهل الإسلام يفعلُ هذا !!
__________
(1) وكان قد سئل عن بعض الصوفية يقومون ببعض البدع .
(2) رواه أبو داود والترمذي وقال : حسن صحيح .
(3) المعيار للونشريسي (12/364) وكلام الإمام مالك رواه فقيه الأندلس أبو عبد الله محمد العُتبي القرطبي المتوفى سنة ( 255هـ) في كتابه المستخرجة المعروف بالعتبية ( 18/431).(1/64)
فقال له الرجل : بل يأكلون , ثمّ يقومون ويرقصون دوائب , ويلطم بعضهم رأسه , وبعضهم وجهه , فضحك مالك ثم قام فدخل منزله ,فقال أصحابُ مالك للرجل : لقد كنت يا هذا مشؤوماً على صاحبنا , لقد جالسناه نيِّفاً وثلاثين سنة , ما رأيناه ضحك إلا في هذا اليوم ! )) انتهى
والإمام مالك رحمه الله وُلِدَ سنة (93هـ) ومات سنة (179هـ).
وأمّا الإمام الشّافعي رحمه الله تعالى فقد أوقع الجفريّ نفسه في ورطة كبيرة عندما زجّة في دوّامة التصوّق . فقد ثبت عن الإمام الشّافعي بالأسانيد الصحيحة أنّه ذمّ التصوّّف والصوفية في عصره بإطلاق :
1_ روى البيهقي في مناقب الشافعي (2/208): عن يونس بن عبد الأعلى يقول : سمعت الشافعي يقول :(( لو أن رجلاً تصوّف من أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمق )).
2_ عن الرَّبيع بن سليمان يقول : سمعت الشافعي يقول : (( ما رأيت صوفياً عاقلاً قط إلا مسلم الخوَّاص )).
3_ وعن إبراهيم بن المولد يكي عن الشافعي أنه قال : (( لا يكون الصوفي صوفياً حتى يكون فيه أربع خصال كسولُ أكولُ نؤوم كثير الفضول )).
4_ وروى ابن الجوزي في تلبيس إبليس ( ص371) عن الشافعي قوله : (( ما لزم أحدُ الصوفيين أربعين يوماً فعاد عقلُه أبداً )).
أليست هذه النصوص واضحة ودالّة على أنّ مراد الشافعي هو ذم طائفة الصوفيّة ؟ فهاهو يقول من تصوّف , ويقول مالزم أحد الصوفيين !
والإمام الشّافعي وُلِدَ سنة (150هـ) وتوفّي سنة (204هـ) أي إنّه عاصر نشأة الصوفيّة والتي هي أرفع وأفضل من الصوفيّة المتأخرة بكثير , وقال فيها ما قرأت , وكلامه هذا متواتر عنه , فما جواب الجفري ؟!(1/65)
وهناك أمرُ مهم أحبُّ أن أنبه عليه وهو أن الأسماء التي يوردها الجفري من حين لآخر أمثال معروف الكرخي ، وبشر الحافي وأمثالهم في معرض كلامه على الصوفية ، إنما هو من قبيل التشويش وهذا فعل قبيح ، أولاً لأن هؤلاء لم يصفهم العلماء بالصوفية وإنما قالوا عنهم الزهاد والعباد والنساك ! وهم محترمون عند جميع طوائف المسلمين ، وسيرهم تكحل مجالسهم وخطبهم ، وترق القلوب بذكر مواقفهم وأحوالهم . بخلاف رجال التصوف الفلسفي الذين يخفي الجفري أسماءهم في كتابه أمثال الحلاج وابن سبعين وابن الفارض وابن عربي وابن قسي وعبد الكريم الجيلي والتلمساني .. فهؤلاء هم الذين وصفهم العلماء بالمتصوفة وهم الذين أنكر عليهم العلماء وشنعوا على كتبهم والكثير من أقوالهم ، ومع ذلك فالجفري يعظمهم كل التعظيم ويرفض أي انتقاد وجه إليهم ويستشهد بكتبهم .
وقد روى القاضي عياض في الشفا (2/246) قال : (( وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية ، وقاضي قضاتها أبو عمر المالكي ، على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الإلهية والقول بالحلول ؛ وقوله : أنا الحق ، مع تمسكه في الظاهر بالشريعة ولم يقبلوا توبته . وكذلك حكموا في ابن أبي الغراقيد وكان على نحو مذهب الحلاج بعد هذا أيام الراضي بالله وقاضي قضاة بغداد يومئذ أبو الحسين بن أبي عمر المالكي )) . انتهى(1/66)
على أن الإنكار اليوم على المتصوفة ليس موجهاً لخصوص هؤلاء وإنما هو موجه لأمثال الجفري وشيوخه ومن سلك مسلكهم من رموز التصوف في هذا الزمن ، وهذا الرد الذي أكتبه أحد الأمثلة على ذلك ، فأنا أنتقد الأخطاء والبدع والانحرافات والأحاديث المكذوبة التي يصير الجفري على نسبتها للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم أتعرض لرجال التصوف في العصور السالفة ، فهل بوسع الجفري أن يجيب على ذلك دون الالتفاف على الموضوع والزجّ بأسماء من سلف لإماعة المسألة ؟ ولماذا إلى الآن , وبالرّغم من كل الانتقادات والنصائح التي وجُهّت للجفري من الشّيوخ والعلماء ,’ لم يتراجع عن أخطائه ويعلن توبته ويرجع للحق ؟
بل يعود للحديث عن العّباد والزهاد من التابعين وتابعيهم وكأنّ أحداً اعترض عليهم أو قدح فيهم ؟ وكأنّي به في فعله هذا يحوّل الذمّ الذي يتعرّض له هو , إلى هؤلاء الكبار لكي يهُبَّ الناس إلى الدفاع عنهم فيتبرّأ الجفري بتبرُّئهم . وإذا كان هذا هو قصده فعلاً فيا للأسف !!
وأمّا العلماء الذين يستقوي بهم ويجعلهم في المواجهة لكي يكسب قلوب البسطاء من الناس في فتنته هذه , أمثال السبكي وابن حجر والسّخاوي وغيرهم من الأئّمة , فهذه أيضاً ستنقلب عليه همّاً وحزناً .
لأنّ هؤلاء هم الذين أنكروا على رموز التصوّف الذين ينافح الجفري عنهم (1)
وإليكم بعض أقوال هؤلاء العلماء وأشياخهم وتلامذتهم في الصوفية ورجالاتها :
__________
(1) تنبيه : إنّ مصطلح الصوفية طيفُه واسع وصار يشمل العديد من الشخصيات المرموقة في التاريخ الإسلامي , والمهم في الموضوع أنّ الموصوفين بهذا الاسم منهم قوم عُبَّاد , وزهّاد وأهل ذكر وورع , ومنهم فلاسفة وملاحدة وفسّاق وأهل بدع وجرأة على الدّين , فإذا أطلق اسم الصوفيّة في معرض الذم والقدح فهو منصرفُ إلى القسم الثاني حتماً.(1/67)
_ قال الإمام تقي الدين السبكي الشافعي : (( ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وغيره , فهم على ضُلا جهالُ , خارجون عن طريق الإسلام , فضلاً عن العلماء )) انتهى . قال ذلك في باب الوصية من شرح المنهاج ونقله الكمال الدّميري والتقي الحصني(1) .
_ وقال أبو العبّاس القرطبي المحدّث صاحب ( المفهم في شرح صحيح مسلم ) عند كلامه على الغناء عند الصوفية :
(( .. وأمّا ما ابتدعه الصوفيّة في ذلك , فمن قبيل ما لا يُختلف في تحريمه , لكنّ النفوس الشهوانيّة غلبت على كثير ممن يُنسبُ إلى الخير , حتى لقد ظَهَرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان , حتى رقصوا بحركات متطابقة , وتقطيعات متلاحقة , وانتهى التّواقُحُ بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القٌرب وصالح الأعمال , وأنّ ذلك يُثمرُ سَنِيَّ الأحوال , وهذا على التحقيق : من أثار الزندقة , وقول أهل المَخْرَقَة , والله المستعان )) انتهى
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي عِقبَه : (( وينبغي أن يٌعْكَسَ مُرادهم , ويقرأ : ( يُثمرُ سَيَّئ الأحوال عوض سنيَّ الأحوال ) )) انتهى.
فتح الباري (2/368).
_ وأما الإمام السّخاوي فمن أشهر الأمور التي كان ينكرها على المتصوفة , ادّعاهم الاجتماع بالنبي ورؤيته يقظةً ! ولمّا ادّعى السيوطي ذلك أنكر عليه السّخاوي فيها لأجل ذلك !!! (2)
ومسأله رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة هي من أولويات الجفري التي يدافع عنها فماذا سيفعل بإنكار السّخاوي لها مع استشهاده به ؟
__________
(1) انظر كتاب ( تنبيه الغبي ) للإمام برهان الدين البقاعي الشافعي ( ص68)
(2) انظر مقامات السيوطي ( ص947) حيث تكلم السيوطي بكلام طويل كلّه شتائم وسباب وختمه بقوله :
إنَّ السّخاوي فَشَرْ وقال هجراً وكفر
أراد أن يُنكر ما صِرنا إليه فكفر(1/68)
_ وقال الشيخ تقي الدين الحصني الشافعي في كتابه كفاية الأخيار (1/159) وهو من الكتب المعتمدة في المذهب الشافعي , وفي كتاب الزكاة , عند بيان الأصناف التي تُدفع إليهم الزكاة:
(( ... الأراذل من المتصوّفة الذين قد اشتهر عنهم أنهم من أهل الصلاح المنقطعين لعبادة ربّهم , قد اتخذ كل منهم زاوية أو مكاناً يظهر فيه نوعاً من الذكر , وقد لفَّ عليهم من له زي القوم وربّما انتمى أحدهم إلى أحد رجال القوم كالأحمدية والقادرية , وقد كذبوا في الانتماء , فهؤلاء لا يستحقّون شيئاً من الزكوات , ولا يحلُّ دفع الزكاة إليهم , ومن دفعها إليهم لم يقع الموقع وهي باقية في ذمّته,...........................
ويجب على كل من يقدر على الإنكار أن يُنكر عليهم , وإثمهم متعلّق بالحكام الذين جعلهم الله تعالى في مناصبهم لإظهار الحق , وقمع الباطل وإماته ما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإماتته والله أعلم )). انتهى
_ وقال الشيخ الحصني أيصاً في كفاية الأخيار (2/225) كتاب الأقضية عند ذكر من لا تُقبل شهادتهم :
(( ... فلا تُقبل شهادة القمّام , وهو الذي يجمع القمّامة أي الكناسة ويحملها , وكذا القيّم في الحمّام , ومن يلعب بالحمام يعني يُطّيرها لينظر تلّبها في الجو , وكذا المغنّي سواء أتى الناس أو أتوه , وكذا الرّقاص كهذه الصوفيّة الذين يسعون إلى ولائم الظلمة والمكسة , ويظهرون التواجد عند رقصهم , وتحريك رؤوسهم , وتلويح لحاهم الخسيسة كصنع المجانين , وإذا قُرئ القرآن لا يستمعون له , ولا يُنصتون , وإذا نعق مزمار الشيطان صاح بعضهم على بعض بالوسواس قاتلهم الله ما أفسقهم وأزهدهم في كتاب الله , وأرغبهم في مزمار السيطان وقرن الشيطان , عافانا الله من ذلك )) . انتهى(1/69)
_ وقال في ( شرح الكنز ) للنسفي الحنفي بعد ذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( كلُّ لعب ابن آدم حرامُ إلا ثلاثة : ملاعبة الرجل أهله , وتاديبه لفرسه , ومناضلته لقوسه )) : (( وهذا نصُ صريح في تحريم الرقص الذي يسمّيه المتصوفة الوقت وسماع الطيب , وإنّما هو سماعُ فيه أنواعُ الفسق وأنواعُ العذاب في الآخرة )).
_ وقال في ( اليتيمة ) : سٌئل الحلواني ( الحنفي ) عمَّن سمّوا أنفسهم الصوفيّة , واختصّوا بنوع لبسة , واشتغلوا باللهو والرقص , وادّعوا لأنفسهم المنزلة , فقال : أَفَْتَرَوا على الله كذباً أم بهم جِنَّةُ ؟! . انتهى(1)
-وسُئل الإمام القاضي أبو بكر الطرطوشي المالكي (451 – 520 هـ ) رحمه الله : ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفيّة ؟ وأُعلم – حرس الله مُدتَّه – أنه اجتمع جماعة من الرجال , فيكثرون من ذكر الله وذكر محمد - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشياً عليه , ويحضرون شيئاً يأكلونه هل الحضور معهم جائز أم لا ؟ أفتونا مأجورين يرحمكم الله.
__________
(1) انظر الصفحة 36 من كتاب ( الرّهص والوقص لمستحل الرّقص ) للعلامة إبراهيم الحلبي الحنفي ( 956هـ) صاحب كتاب ( ملتقى البحر ) بتحقيق الأستاذ حسن السماحي سويدان.(1/70)
الجواب : (( _ يرحمك الله _ مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة , وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - , وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري , لمّا اتّخذ لهم عجلاً جسداً له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون فهو دينُ الكفار وعبّاد العجل , وأما القضيب فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى , وإنما كان يجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار , فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم من الحضور في المساجد وغيرها , ولا يحلُ لأحدٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم , ولا يعينهم على باطلهم وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وغيرهم من أئمة المسلمين وبالله التوفيق )). انتهى من تفسير القرطبي (11/237-238).
_ وقال القاضي المالكي عياض ( 544هـ) في كتابه ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى ) : (( وكذلك ـجمع المسلمون على تكفير من قال قول بعض المتصوفة : إن العبادة وطول المجاهدة إذا صفَّت نُفُوسهم أَفضت بهم إلى إسقاطها وإباحة كل شيء لهم , ورفع عهد الشرائع عنهم ................ وكذلك من أنكر الجنة أو النار أو البعث أو الحساب أو القيامة فهو كافر بإجماعٍ للنصّ عليه , وإجماع الأمة على صحة نقله مُتواتراً , وكذلك من اعترف بذلك ولكنه قال : إن المُراد بالجنة والنار والحشر والنَّشر والثواب والعقاب معنى غير ظاهره وإنها لذَّاتُ روُحانية , ومعان باطنةُ , كقول النصارى والفلاسفة والباطنية وبعض المتصوفة وزعمهم أن معنى القيامة الموت أو فناءُ محضُ , وانتقاض هيئة الأفلاك , وتحليل العلم كقول بعض الفلاسفة )). انتهى . الشفا (2/236-240).(1/71)
_ ويقول القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي (543هـ) : (( فأما طريقة الصوفيّة أن يكون الشيخ منهم يوماً وليلة , وشهراً , مفكّراً , لا يفتر , فطريقةُ بعيدة عن الصواب , غير لائقة بالبشر , ولا مستمرة على السنن )) انتهى . أحكام القرآن (4/57).
ويقول الإمام أبو عبدالله القرطبي (671هـ) , صاحب التفسير : (( وهذا السجود المنهيّ عنه قد اتخذه جُهَّالُ المتصوّة عادةً في سماعهم وعند دخولهم على مشايخهم واستغفارهم , فيرى الواحد منهم إذا أخذه الحال بزعمه يسجد للأقدام لجهله , سواء أكان للقبلة أم غيرها , جهاله منه , ضلَّ سعيهم وخاب عملهم )) . انتهى الجامع لأحكام القرآن : ( 1/293-294).
_ وقال الفقية الصالح أبو عبدالله الحفار المالكي (811هـ) :
(( .. إن هذه الطائفة المنتمية للتصوف في هذا الزمان وفي هذه الأقطار , قد عظُم الضرر بهم في الدين , وفشت مفسدتهم في بلاد المسلمين ولاسيما في الحصون والقرى البعيدة عن الحضرة هنالك , يُظهرون ما انطوى عليه باطنهم من الضلال , من تحليل ما حرم الله والافتراء عليه وعلى رسوله . وبالجملة فهم قوم استخلفهم الشيطان على حَلِّ عُرى الإسلام وإبطاله , وهدم قواعده )). انتهى المعيار للونشر يسي (11/42).(1/72)
_ وقال الإمام أبو حيَّان الأندلسي إمام القراءات واللغة (745هـ) في كتابه ( التفسير الكبير المسمّى بالبحر المحيط ) وفي ذيله أيضاً المسمّى النهر المادّ (3/448) , في تفسير سورة المائدة عند قوله تعالى : ? لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ? : (( ومن بعض اعتقاد النصارى استنبط من تستّر بالإسلام ظاهراً وانتمى إلى الصوفية حُلول الله تعالى في الصور الجميلة , ومن ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة , كالحلاج والشوذي وابن أحلى وابن عربي المقيم بدمشق وابن الفارض , وأتباع هؤلاء كابن سبعين وتلميذه التستري وابن المطرّف المقيم بمرسية والصفّار المقتول بغرناطة و وابن لباج وابن الحسين المقيم بلوزقة , وممن رأيناه يرمى بهذا المذهب الملعون العفيف التلمساني وله في ذلك أشعار كثيرة , وابن عيّاش المالقي الأسود القطيع المقيم بدمشق , وعبد الواحد بن المؤخر المقيم بصعيد مصر والأيكي العجمي الذي كان تولى المشيخة بخانقاه سعيد السعداء بالقاهرة من ديار مصر وأبو يعقوب بن مبشّر تلميذ التستري المقيم بحارة زويلة بالقاهرة , والشريف عبد العزيز المنوني وتلميذه عبد الغفّار القوصي , وإنما سردت أسماء هؤلاء نصحاً لدين الله , يعلم الله ذلك , وشفقة على ضعفاء المسلمين ليحذروهم فهم شرُ من الفلاسفة الذين يكذّبون الله ورسوله ويقولون بقدم العلم , وينكرون البعث , وقد أُولع جهلة ممن ينتمي للتصوف بتعظيم هؤلاء , وادّعائهم أنهم صفوة الله وأولياؤه.
والردُّ على النصارى والحلولية والقائلين بالوحدة وهو من علم أصول الدين )). انتهى.(1/73)
أرأيتم كيف انقلبت القضيّة على الجفري فعلماؤنا منذ ظهرت طائفة الصّوفيّة وهم يُنكرون عليها انحرافاتها , ولو رُحْتُ أرسرد كلام وفتاوى علماء الإسلام من جميع المذاهب في الصوّفيّة وبدعهم والإنكار عليهم لطال بنا الأمر جداً , وفيما ذكرتُ كفاية في هذا المقام . وليس غرضي الآن الكلام على الصوفيّة وما لهم وما عليهم وإنّما غرضي هو أن أبيّن أن الجفري يقلب الحقائق ويُهم الناس بأنّ مخالفيه على الباطل , وليس لهم سلفُ في الأمّة , والحقيقةُ كما نراها جليّةًُ تُظهر خلاف ما يدّعيه , والمصيبة أنّ ما يدَّعيه ويُروِّجُه ليس له ثمرة إلا زرع الشحناء وبذر الشقاق بين المسلمين , بصرف النظر عن التحريف العلمي والتاريخي الذي يفعله.
وفوق ذلك يقول الجفري ص 70 : (( نعم أقول إن بعض من نُسب إلى التصوف , وكثيراً ممن نسب إلى التصوف في عصرنا هذا قد ضلّوا وحادوا عن الطريق , ولكن ليس هذا بمبرر للكلام عن الصّوفية )) . انتهى .
إنه يعترف أن الصوفية أناساً قد ضلّوا وحادوا عن الطريق , وهذا مايقوله علماء المسلمين من زمن بعيدٍ , وهذه النقول السّالفة أكبر دليلٍ على ذلك , ولكن مشكلة الجفري أنّه لا يريد وضع النقاط على الحروف , وإلاّ فلماذا لا يسمّي لنا أولئك الضّالِّين والمتنكّبين عن الطريق القويم ؟ ولماذا لا يكون واضحاً وصريحاً ؟ أفكلّما انتقد أحدُ بدع الصوفيّة أو فلسفاتهم المنحرفة قام الجفري ليهجم عليه ويغمز فيه ويضخّم القصّة بدعوى أن انحراف الصوفيّة ليس بمسوغ للكلام عليهم ؟ وماذا سيقول عن مواقف علماء المسلمين في إنكار بدع الصّوفيّة هل سيقول إنّه لا مسوّغ لها ؟! علماً أنّ هؤلاء العلماء هم أنفُسُهم الذين يدّعي الجفري أنّهم يعظّمون الصوفيّّة ويثنون عليها ! وليته ضرب لنا أمثلة من كلامهم حتى بصدّق دعواه.(1/74)
والعجيب من الجفري أننا لم نسمعه أبداً ينكر على الذين ذكرهم من الصوفيّة الضّالين , ولم يضرب أيَّ مثال على ضلالهم , وفي حين أنّنا نجده دائم الإنكار على الذين ينادون بالتّمسّك بالسنّة , ويضرب لذلك عشرلت الأمثلة . وكما رأينا في هذا الكتاب فإنّ كل أمثلته تلك لم تكن صحيحة أو واقعة !
إنّ موقف علماء المسلمين من الصوفيّة يُلخّصه كلام الإمام الرَّباني الزاهد العابد الحافظ زين الدِّين عبدالرحمن بن رجب الحنبلي الدمشقي رحمه الله (795هـ) في كتابه النافع ( فضلُ علم السَّلف على الخلف ) قال : (( ومما أُحدث من العلوم الكلام في العلوم الباطنة من المعارف وأعمال القلوب وتوابع ذلك بمجرّد الرّأي والذّوق , أو الكشف , وفيه خطرُ عظيم . وقد أنكرهُ أعيانُ الأئمّة كالإمام أحمد وغيره.
وكان أبو سليمان يقول : إنّه لَتَمُرُّ بي النُّكتهُ من نكت القوم فلا أقبلها إلاّ بشاهدين عدلين : الكتاب والسنّة.
وقال الجنُيد : عِلْمُنا هذا مقيدُ بالكتاب والسنّة , من لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لاُيقتدى به في علمنا هذا.
وقد اتّسع الخرقٌ على الرَّاقع في هذا الباب ودخل فيه قومُ إلى أنواع الزّندقة والنّفاق ودعوى أنّ أولياء الله أفضل من الأنبياء , أو أنّهم مستغنون عنهم , وإلى تنقُّص ما جاءت به الرّسل من الشرائع , وإلى دعوى الحلول والاتحاد , أو القول بوحدة الوجود , وغير ذلك من أصول الكفر والفسوق والعصيان , كدعوى الإباحة , وحلّ محظورات الشرع.
وأدخلوا في هذا الطريق أشياء كثيرة ليست من الدِّين في شيء.
وبعضها زعموا أنه يراد لرياضة النفوس كعشق الصّور المحرّمة ونظرها.(1/75)
وبعضها زعموا أنه لكسر النفوس والتواضع كشهرة اللباس , وغير ذلك مما لم يأت به الشريعة .وبعضه يصُدُّ عن ذكر الله وعن الصّلاة كالغناء والنظر إلى المحرّم . وشابهوا بذلك الذين اتّخذواء دينهم لهواً ولعباً )) . انتهى(1)
وجاء في رسالة السيوطي ( تنزيه الاعتقاد عن الحلول والاتحاد ) :
(( وقال القاضي عياض في ( الشّفا) ما معناه : أجمع المسلمون على كفر أصحاب الحلول ومن ادّعى حلول الباري سبحانه في أحد الأشخاص كقول بعض المتصوّفة ، والباطنيّة , والقرامطة . وقال في موضع آخر :
ما عرف الله من شبَّه وجسَّمه من اليهود أو أجاز عليه الحلول ولانتقال والامتزاج من النّصارى . ونَقَلَه عنه النووي في شرح مسلم )). انتهى (2)
__________
(1) كتاب فضل علم السلف على الخلف لابن رجب الحنبلي (ص31).
(2) انظر الحاوي للفتاوى (2/133) , وكلام القاضي عياض في الشّفا (2/236) وتمامه :
(( ومذلك من ادَّعى مجالسة الله , والعروج إليه , ومكالمته , أو حلوله في أحد الأشخاص , كقول بعض المتصوّفة و .. )) . وكلام النووي في شرح مسلم (1/199).(1/76)
_ وقال الإمام الغزالي في أحياء علوم الدين (1/39) : (( وأما الشَّطحُ : فنعني به صنفين من الكلام أحدثهُ بعض الصوفيّة أحدهما الدَّعاوي الطويلة العريضة في العشق مع الله تعالى , والوصال المُغني عنه الأعمال الظاهرة حتى ينتهي قومُ لإلى دعوى الاتحاد وارتفاع الحجاب والمشاهدة بالرؤية والمشافهة بالخطاب , فيقولون : قيل لنا كذا , وقلنا كذا , ويتشبهون فيه بالحسين بن منصور الحلاّج الذي صُلب لأجل إطلاقه كلمات من هذا الجنس , ويستشهدون بقوله أنا الحق , وبما حكي عن أبي يزيد البسطامي أنه قال سبحاني سبحاني , وهذا فنُ من الكلام عظيم ضرره في العوام , حتى ترك جماعةُ من أهل الفلاحة فلاحتهم وأظهروا مثل هذه الدعاوي , فإن هذا الكلام يستلذُّه الطبع إذا فيه البطالة من الاعمال مع تزكية النفس بدرك المقامات والأحوال فلاتعجز الأغبياء عن دعوى ذلك لأنفسهم , ولا عن تلقُّف كلمات مخبّطة مزخرفة , ومهما أنكر عليهم ذلك لم يعجزوا عن أن يقولوا :
هذا إنكارُ مصدرهُ العلم والجدال , والعلم حجاب , والجدل عمل النفس , وهذا الحديث لا يلوح إلا من الباطن بمكاشفة نور الحق , فهذا ومثله مما قد استطار في البلاد شرره , وعظم في العوامِّ ضرره , وحتى من نطق بشيء منه فَقَتْلُهُ أفضل في دين الله من غحياء عشرة )) . انتهى
32_طريقةُ مشوَّشة ومتناقضة !
فالجفري في كتابه يهاجمُ أناساً لأنهم يتطاولون على الأئمّة الكبار كالشّافعي وأحمد وغيرهما , والعجيب أنّه إذا كان هناك أناس يفعلون ذلك كما يقول الجفري , فهم قطعاً ليسوا من أهل العلم أو الدّعاة.
إذاً فما الدّاعي لذكر هؤلاء في معرض الكلام عن العلماء الذين ينكرون على الجفري وأضرابه مذهبهم ؟
الجواب واضح : فالدّاعي لذلك هو تهييج العوام على أهل العلم , وكسب تأيييدهم لمصلحته لأنه , كما يوهمهم , الحريص على الأئمّة !! هكذا كان ديدنَُه من أوّل الكتاب لآخره , ولكنّه في كل مرّة يخفق وتنقلب القضية عليه !(1/77)
ولكن , ويا للأسف قلَّة علم جمهوره بمذاهب العلماء وفتاويهم جعلهم لا ينتبهون لذلك !
فعند تعرّضه لمسألة الوضوء من أكل لحم الجمل , وصف القائلين بوجوبه أنهم بحاجة إلى تأدّب , وأنّه ينبغي لهم ألاّ يأخذوا بظاهر النّص , ثمّ قال وإنّ فهم النص إن أخذناه بمجرّد الفهم الظاهر .. فهذا أمر يحاج إلى توقّف وتنبّه !
ولكي تروا كيف يُناقض نفسه فإنّ الإمام أحمد بن حنبل مذهبه الأخذ بظاهر النصوص ! وهؤلاء الذين يهجم عليهم إنّما هم متّبعون لمذهب الإمام أحمد ! فمن الذي يتطاول على الأئمّة ؟!
وكذلك فإنّ الإمامين الشّافعيين البيهقي والنووي قالا بوجوب الوضوء من لحم الجمل عملاً بالحديث !
قال الإمام البيهقي في كتابه معرفة السنن والىثار (1/254) : (( وحكى بعض أحابنا عن الشافعي أنه قال في بعض كتبه : (( إن صحَّ الحديثُ في الوضوء من لحوم الإبل قلتُ به )) وقد صحَّ فيه حديثان عند أكثر أهل العلم بالحديث )). انتهى.(1/78)
وقال الإمام النووي في كتابه المجموع شرح المذَّب , في آخر ( باب الأحداث التي تنقض الوضوء ) معلقاً على قول المصنف : (( وكذلك أكل شيء من اللحم لا ينقض الوضوء وحكى ابن القاصّ قولاً آخر أن أكل لحم الجزور ينقض الوضوء )) قال: ((... وفي لحم الجزور , قولان : الجديد المشهور لا ينتقض وهو الصحيح عند الأصحاب , والقديم أنه ينتقض وهو ضعيف عند الأصحاب ولكنه هو القوي أو الصحيح من حيث الدليل وهو الذي أعتقدُ رجحانه , وقد أشار البيهقي إلى ترجيحه واختياره والذب عنه وسترى دليله إن شاء الله تعالى ...............وقالت طائفة يجب من أكل لحم الجزور خاصة وهو قول أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه ويحيى بن يحيى , وحكاه المارودي عن جماعة من الصحابة : زيد بن ثابت وابن عمر وأبي موسى وأبي طلحة وأبي هريرة وعائشة , وحكاه ابن المنذر عن جابر بن سمرة الصحابي ومحمد بن إسحاق وأبي ثور وأبي خيثمه , واختاره من أصحابنا أبو بكر بن خزيمة وابن المنذر , وأشار إليه البيهقي كما سبق.
....... وقال إمام الأئمة محمد بن إسحاق ابن خزيمة : لم نر خلافاً بين علماء الحديث في صحة هذا الحديث وانتصر البيهقي لهذا المذهب )) انتهى . المجموع (2/56_59).
وقال الإمام الشافعي في كتابه الأُمّ (1/113) : (( فكان يكره أن يصلي قرب الإبل لأنّها خٌلقت من جنّ , لا لنجاسة موضعها )) انتهى.
فمن الذي يتطاول على الأئمة ؟
33_ وفي ص 235 وُجِّه إليه سؤال هل زيارة القبور للمرأة محرّمة ؟
فبادر بالجواب : (( يقولون إنّ زيارة القبور للمرأة محرّمة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : (( لعن الله زوّارات القبور )) هذا حديثُ صحيح , لكنّ المشكلة أنّ هؤلاء الإخوان , هدانا الله وإيّاهم , يقفزون إلى الاحاديث دون أن يرجعوا إلى كلام أهل العلم في فهم الأحاديث , لا يكفي أن يكون الحديث صحيحاً حتى يأخذ الإنسان به فقد يكون منسوخاً .........)) انتهى.
ولا أدري من الذي يقفز هنا وهناك ؟(1/79)
سُئل عن زيارة القبور للنساء فراح يتكلّم عن المانعين لها ! إذا كان لك مذهب فأفت به ولاتشوّش السّائل , ولكن الجفري لا يستطيع أن يفوّت فرصة للهمز واللمز فكان منه هذا القفز.
إنّ الجفري لا يعلم أنّ تحريم زيارة القبور على النّساء هو مذهب العديد من الفقهاء الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشافعيّة !
قال شيخ الشافعية أبو إسحاق الشيرازي في المهذَّب (1/257) : ولا يجوز للنساء زيارة القبور لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( لعن الله زوارات القبور )) انتهى.
وجاء في حاشية الطحاوي على المراقي في الفقه الحنفي (2/619) قوله : وقيل تحرم على النساء . وسئل القاضي عن جواز خروج النساء إلى المقابر فقال : لا تسأل عن الجواز والفساد في مثل هذا , وإنما تسأل عن مقدار ما يحلقها من اللعن فيه , واعلم بأنها كلما قصدت الخروج كانت في لعنة الله وملائكته , وإذا خرجت تحفّها الشياطين من كل جانب , وإذا أتت القبور تلعنها روح الميت , وإذا رجعت كانت في لعنة الله . كذا في الشرح عن التتارخانية , قال البدر العيني في شرح البخاري : وحاصل الكلام أنها تكره للنساء بل تحرم في هذا الزمان , لا سيما نساء مصر لأن خروجهن على وجه فيه فساد وفتنة . انتهى
وفي السراج : وأما النساء إذا أردن زيارة القبور , إن كان ذلك لتجديد الحزن والبكاء والندب كما جرت به عادتهن فلا تجوز لهن الزيارة , وعليه يحمل الحديث الصحيح : (( لعن الله زائرات القبور )) . انتهى
وقد رجّح العلاّمة العظيم آبادي التحريم ! انظر عون المعبود.
وكلّنا يعلم أنّ مذهب الإمام أحمد هو كراهة زيارة القبور للمرأة , وهذا هو الذي يُفتي به هؤلاء الإخوة الذين يتحدّث عنهم الجفري , فهل الإمام أحمد يقفز إلى الحديث دون فهمه كما يزعم الجفري ؟
وهل كل هؤلاء العلماء والأئمة يمارسون القفز دون فهم ؟!
وهكذا يظهر للجميع من الذي يتطاول على الأئمة !(1/80)
34_ ثمّ سُئل في ص 239 هل يصل ثواب قراءة القرآن للأموات ؟
فهل تدرون بم أجاب ؟
لقد قال : (( ذهب جمهور السلف إلى القول بوصولها ......... وأيضاً ذهب عامة جمهور الشافعيّة إلى وصول الثواب , كما ذهب المالكية إلى ذلك , كما ذهب الأحناف إلى ذلك )) ثم تابع قائلاً : (( لا خلاف في أنها جائزة , ولكن الخلاف هل يصل ثوابها أولا , والجمهور على أنه يصل )).
ثمّ تعرض للأدلّة التي يستشهد بها المخالفون له , وهي قوله تعالى : ? وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ? , فقال عنها (( إنها تتكلم عن شرع من قبلنا , ولا يصح الاستدلال بها )) ! ثمّ راح يفسّرها تفسيراً عجيباً من عند نفسه !
ثمّ قال : (( وأما استشهادهم , هداهم الله بقوله - صلى الله عليه وسلم - (( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث ... )) قلنا الحديث صحيح ولكن فهمكم سقيم )) !!
ثمّ ختم كلامه بقوله : (( وإذا لم يقتنع الإنسان لا يقرأ , ولكن لاُ ينكر على الآخرين , والمصيبة ليست في عدم القراءة .... لكن ليس لك أن تعترض على الآخرين , وأيضاً الذي لا يقول بجوازها لا ينبغي أن يعتبرها بدعة ..... البدعة معصية في الاعتقاد ... الخ )) انتهى
أقول : أنّ في جوابه من المغالطات والمجازفات الكثير !
أولها ، أنه زعم أن جمهور السلف قالوا بوصول ثواب القراءة للميت ! لكنه لم يذكر من هؤلاء الجمهور ولا من أين أتى بهذا الكلام !
والذي نعرفه من كلام علماء الإسلام خلاف ما زعمه !
قال الإمام النووي الشافعي (676هـ) عند شرحه لحديث إذا مات ابن آدم : (( وأما قراءة القرآن وجعل ثوابها للميت والصلاة عنه ونحوهما فمذهب الشافعي والجمهور أنها لا تلحق الميت )) . انتهى . شرح النووي على مسلم (6/94) .
وقال أيضاً : (( وأما قراءة القرآن فالمشهور من مذهب الشافعي أنه لا يصل ثوابها إلى الميت )) . انتهى . شرح النووي على مسلم (1/205) .(1/81)
وقال إمام المالكية في عصره أبو عبد الله الحطاب (954هـ) في كتابه مواهب الجليل لشرح مختصر خليل (2/625) ناقلاً عن التوضيح (لخليل) : (( وكذلك القراءة لاتصل على المذهب ، حكاه القرافي في قواعده والشيخ ابن أبي جمرة وهو المشهور من مذهب الشافعية )) انتهى
ونقل الإمام الحطاب المالكي كلام صاحب كتاب ( كنز الراغبين العفاة ) عند حديثه عن القراءة للميت : (( والمشهور من مذهب إمامنا الشافعي وشيخه مالك والأكثرين كما قاله النووي في فتاويه وفي شرح مسلم أنه لا يصل ثواب القراءة للميت )) انتهى . مواهب الجليل (2/627) .
وقال الإمام الأصولي المالكي أحمد بن إدريس القرافي (684هـ) في كتابه ( الفروق ) تحت عنوان : الفرق الثاني والسبعون والمئة بين قاعدة ما يصل إلى الميت وقاعدة ما لا يصل إليه : (( القربات ثلاثة أقسام ، قسم حجر ( أي منع ) الله تعالى على عباده في ثوابه ، ولم يجعل لهم نقله لغيرهم ..... وقسم : اختلف فيه هل فيه حجر أم لا ؟ وهو الصيام والحج وقراءة القرآن ، فلا يصل شيء من ذلك للميت عند مالك والشافعي رضي الله عنهما ))انتهى . (الفروق 3/990)
وسئل سلطان العلماء العز بن عبد السلام ، الإمام الأصولي الشافعي الكبير (660هـ) : هل في تلقين الميت بعد مواراته ووقوف الملقن تجاه وجهه خبر أم أثر ، أم لا ؟
وهل يصل الثواب بالقراءة إذا أهداه القارئ إلى الميت أم لا ؟
وأيما أولى : القراءة عند قبره وإهداؤها إليه ، أو في المنزل ؟
فأجاب ، رحمه الله ، : (( لم يصح في التلقين شيء ، وهو بدعة ، وقوله عليه السلام (( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله )) محمول على من دنا موته ويئس من حياته .(1/82)
وأما ثواب القراءة ، فمقصور على القارئ ، لا يصل إلى غيره لقوله تعالى :? وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ? [النجم :39] ، وقوله ? لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } [البقرة : 286] وقوله ? إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ? وقوله عليه السلام : (( من قرأ القرآن وأعرابه , فله بكل حرف عشر حسنات )) فجعل أخر الحروف وأجر الاكتساب لفاعليها , فمن جعلها لغيرهم فقد خالف ظاهر الآية والحديث , بغير دليل شرعي , ومن جعل ثواب القراءة للميت , فقد خالف قوله تعالى :? وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ? فإنّ القراءة ليست من سعي الميت ؛ وكذلك جعل الله العمل الصَّالح لعامليه بقوله : ? مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ? [فصلت:46] , فمن جعل شيئاً من الأعمال لغير العاملين فقد خالف الخبر الصادق.
والعجبُ أنَّ من الناس من يثبت ذلك بالمنامات , وليست المنامات من الحجج الشرعية التي تثبت بها الأحكام . ولعل المرئْيَّ في ذلك من تخبيط الشيطان وتزيينه . ولا يجوز إهداءُ شيء من القرآن(1) , ولا من العبادات , إذ ليس لنا أن نتصرّف في ثواب الأعمال بالهبات كما نتصرف في الأموال بالَّتبرعات )). انتهى ( الفتاوى الموصليّة للعز بن عبد السلام (ص 98 _100) بتحقيق الأستاذ إياد خالد الطباع ).
إذاً الإمام مالك والمالكيّة والإمام الشافعي والشافعيّة يقولون بعدم وصول ثواب القراءة للميت , وهو قول الجمهور كما قال الإمام النووي .
فمن هؤلاء السَّلف ومن هؤلاء الجمهور الذين يتكلّم عنهم الجفري ؟!
__________
(1) وهذا يبطل ما زعمه الجفري من أنه لا خلاف في جواز الإهداء !(1/83)
نحن نعلم أنّ هذه المسألة خلافيّة وأنّ الحنفيّة وبعض المالكية ومتأخري الشافعيّة قالو باحتمال وصول ثواب القراءة للميت من باب الطمع بفضل الله وكرمه , ولكن هذا لا يسمح أبداً لمن يأخذ بهذه الفتوى أن يجعل أصحابها هم جمهور السَّلف ويلغي أقوال السَّلف وأئمّة المذاهب المتقدّمين المخالفين لهذه الفتوى , ويصوّر للناس الأمر على خلاف حقيقته !
ولكي تروا من الذي يتطاول على الأئمّة ويُسفّه أقوالهم ويقول لمن يأخذ بفهمهم : (( إنّ فهمكم سقيم )) ! فإنّ هذين الدّليلين احتجّ بهما الإمام مالك والإمام الشافعي رحمهما الله وهما أشهر من قال بعدم وصول ثواب القراءة للميت , قال الإمام النووي رحمه الله : ( ودليل الشافعي وموافقيه قول الله تعالى :? وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى? وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا انقطع ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له )) . انتهى(1)
__________
(1) شرح صحيح مسلم للنووي , مقدمة الصحيح (1/206).(1/84)
قال الإمام ابن كثير الشافعي في تفسيره (4/329) : (( ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعيُّ رحمه الله ومن اتّبَعه أنّ القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم , ولهذا لم يندب إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أمّتَه ولا حثّهم عليه , ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء , ولم يُنقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم , ولو كان خيراً لسبقونا إليه . وباب القُربات يُقتَصَر فيه على النصوص ولا يتصرَّف فيه بأنواع الأقيسة والآراء . فأما الدعاء والصدقة فذاك مُجمعُ على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما , وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا مت الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : ولد صالح يدعو له , أو صدقة جارية من بعده , أو علم ينتفع به )) فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكدّه وعمله كما جاء في الحديث (( إنَّ أطيب ما أكل الرَّجل من كسبه وإنَّ ولده من كسبه )) والصدقة الجارية , كالوقف ونحوه , هي من آثار عمله ووقفه . وقد قال تعالى ? إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ? الآية . والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده , هو أيضاً من سيعه وعمله )) . انتهى.
ومع ذلك يقول الجفري : (( لا يصح الاستدلال بهذه الآية )) !(1/85)
ونقول له : إذا استدلّ الإمام الشافعي بالآية فهذا لأنه إمامُ في اللغة , وليس كالذي لا يحسن إنشاء جملة معربة كما هو ظاهرُ في كتابه هذا , ولا يُقيم لسانه بالحروف حتى في الصلاة حيثُ يقول : اهدنا الصراط المستجيم(1) بلهجته العامّية.
ثمّ إنّ الشافعي استدلّ بالآية لأنه يعلم أنّها أتت لُتبيّن الحق ولِتُثبت الفهم الصحيح.
روى السيوطي في الدر المنثور (7/661) قال : ((وأخرج الشافعي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عمرو بن أوس قال : كان الرجلُ يؤخذُ بذنب غيره حتى جاء إبراهيم فقال الله : ? وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ? قال : بلَّغَ وأدّى : ألاّ تزر وازرة وزر أخرى )). انتهى , والآية التي بعدها وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى.
__________
(1) ويصر هو شيوخه على لفظ القاف على طريقتهم المخالفة لجميع القراءات القرآنية ويزعمون أنّ شيوخهم الحضارمة أخذوها بالتلقي عن شيوخهم وكانوا يقرؤون بها في ( تريم) بحضور القطب الحداد والهنداوي وعبداله بلفقيه وكل ذلك في الصلاة . علماً أنّ أئمّة القراءات والفقهاء قالوا بعدم جواز ذلك وببطلان الصلاة ومنهم الإمام النووي وابن حجر الهيتمي وهما ممن يدّعي الجفري الاقتداء بهم ! وقد قال إمام القراءات مكي بن أبي طالب القيسي في كتابه ( الرعاية) ص88 : إنّ هذا الحرف قليل الاستعمال في الكلام ولا يستعمل في القرآن وهو شاذّ. وفي حفل تكريم القرّاء في مدرّج جامعة دمشق 1427هـ وجّه شيخ القرّاء بالديار الشاميّة الشيخ محمد كريم راجح نقداً علمياً للجفري بوجوب تركه التلفّظ بالقاف على النحو العامّي الحضرمي أثناء قراءة القرآن وفي حديثه العام لأنّ هذا لا يليق بمن يتصدى للكلام باعتباره داعيةً , ( فهو يقول عن الله تعالى : الحجُّ الجيّوم !! ) ونحن نعلم أنّ الجفري يقرأ على هذا النحو العامي في القرآن باعترافه وفي تسجيلاته.(1/86)
فكيف تكون الآية من شرع من قبلنا ؟ ولا يصحّ الاستدلال بها ؟ هذا عجيبُ جداً من الجفري ! لأنّ القرآن الكريم استدلّ بالآية وأوردها رداّ على أحد الجاهليين المعاصرين للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقوله : ? أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ? الخطاب في ? أَفَرَأَيْتَ ? للنبي - صلى الله عليه وسلم - , والذي تولى وأعطى قليلاً وأكدى هو أحد الجاهليين المعاصرين.
ولقد جاء الرّد عليه ? أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ?.
فإذا كانت اللآية لا يصح الاستدلال بها إلا لمن في عصر إبراهيم وموسى , فمعنى ذلك أنّ استدلال القرآن خطأ _ والعياذ بالله _ وإلا فلماذا جاء الرَّد بذلك على الجاهلي الكافر المعاصر للنبي عليه الصلاة والسلام ؟ أرأيتم من الذي يتطاول على الأئمّة !
والعجيب من الجفري أنّه يُطالب الآخرين بعدم الإنكار عليه , مع أنّهم يستندون إلى أدلّة شرعيّة ظاهرة ويُتباعون السّلف والأئمّة , في حين يسمح لنفسه أن يُنكر عليهم بكل وسيلة مع افتقاره إلى الدليل والحجّة , بل ومع مخالفته للمذهب الشافعي الذي يدّعي أنّه ينتسب إليه!
لقد سُئل عن مسألة فبدل أن يُجيب عنها ويُبيّن مذهبه فيها , أخذ يُنكر على المتّبيعين لكلام العلماء والأئمّة , وليته بيّن أدلَّته أو ناقش الأمر علمياً , ولكنّه , ويا للأسف , راح يدّعي أموراً غير صحيحة ويقلب الحقائق رأساً على عقب ! وبعد ذلك يقول لا تنكروا عليَّ !
فهل يُبيحُ الجفري لنفسه أن يُنكر على الآخرين ولو بغير حق , ولا يُبيح للآخرين أن يُنكروا عليه والحق معهم ؟!
وأعجب من ذلك أنّه يرفض أن يصف المخالفون له فعله هذا بالبدعة !
فإذا لم تكن بدعة فهل هي سُنّة برأيه ؟!
ثمّ عرَّف البدعة فقال : (( هي معصية في الاعتقاد ))!!!(1/87)
وأظنّ أنّ غرضه أصبح واضحاً للجميع , إنّه يريد إلغاء ومفهوم البدعة في العبادات من أذهان الناس وحصر الأمر في العقائد !! وهذا أمرُ مخالف لكل أقوال العلماء ولا سل له فيه(1) والغرض منه زيادة التهويل والتشويش على الناس.
ألم يكن بوسعه أن يُجيب السّائل فيقول : المسألة فيها خلاف بين العلماء , والذي أختاره وأميل إليه أنّ ثواب القراءة يصل للموتى إن شاء الله ؟ إنّه لو فعل ذلك لأراح سائلهُ.
والذي أحبُّ أن أقوله هذا المقام أنّ أهل العلم القائلين بعدم وصول ثواب القرءة للميت لا يمنعون أحداً من قراءة القرآن وإنّما يقولون للناس : اقرؤوا القرآن تقرٌّباً إلى الله تعالى , ولاتقولوا بعد القراءة اللهم اجعل ثواب ما قرأناه في صحيفة فلان أو فلانة , ولكن إذا فرغتم من القراءة فتوجهوا إلى اله تعالى بالدّعاء واسألوه أن يغفر لميّتكم وأن يتجاوز عن سيّئاته ويبارك في حسناته , فإنّ هذا الفعل موافق لنصوص الكتاب والسُنّة ولا خلاف فيه ولا ينكره أحد , وفائدته قطعيّة إن شاء الله تعالى . بخلاف الأمر الأوّل ( إهداء الثّواب) الذي لا تشهدُ له نصوص الكتاب والسُنّة , وفيه خلاف بين العلماء وهناك من يُنكره , وفائدته ظنّيّة.
إنّ الأمر الذي يُنكره العلماء هو أن يُصبح القرآن ؛ كلام الله وكتابه الكريم وشريعة الإسلام ؛ شعاراً للموت والمقابر ! ومما يُوسف له أنّ هذا صار واقعاً ملموساً, وإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
__________
(1) عندما انتقد العلماء على الجفري مسألة تعظيمه للقبور وإتيانه لبعض الأضرحة في مواسم خاصّة , وعلى سجود بعضهم على القبور وطوافهم بها , قال إنّها مسألة فقهيّة لا دخل لها بالعقائد . هكذا قال !! في حين نجده هناُ يعرَّف البدعة : بأنها معصية في الاعتقاد ! أليس هذا عجيباً ولا يمتُّ للعلم بصلة ؟!(1/88)
ورحم الله إمامنا الإمام مالكاً كم كان ملتزماً بالهدي النّبوي وكم كان بعيد النّظر, فقد روى الإمام ابن أبي زيد القيرواني (386هـ) في رسالته عند الكلام على قراءة القرآن عند الميّت : (( ولم يكن ذلك عند مالك أمراً معمولاً به )) قال الآبي الأزهري في الشرح : (( ولم يكن ذلك , أي ما ذكر من القراءة عند المحتضر , عند مالك رحمه الله وإنما هو مكروهُ عنده , لا خصوصيّة ( يس ) بل يُكره عنده قراءة ( يس ) أو غيرها عند موته أو بعده أو على قبره , وكذا يُكرهُ عندهُ تلقينه بعد وضعه في قبره )) .انتهى(1)
وقال الإمام الحطّاب المالكي في كتابه مواهب الجليل (2/625) نقلاً عن الشيخ خليل في التوضيح : (( ومذهب مالك كراهة القراءة على القبور , نقله سيدي ابن أبي جمره في شرح مختصر البخاري قال : لأنّا مأمورون بالتفكّر فيما قيل لهم وماذا لقوا , ونحن مكلّفون بالتَّدبر في القرآن , فآل الأمر إلى إسقاط أحد العملين )) . انتهى.
35_ وأيضاً ففي ص 178 يعلّق الجفري على قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (( أن يكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما )) فيقول : لم يقل الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (( ثمّ رسوله )) حتى لا يأتي بعض ضعاف الفهم قساة القلوب أسراء الجهل والعصبيّة , فيقولون لنا في يوم من الأيام : لا تكثروا من الثّناء على النّبي .. لاتقارنوا الرّسول بالرّب .. لا تعطفوا .. لا تقولوا الله ورسوله .. قولوا : الله ثم رسوله , نقول الحديث الذي يُتَشبَّت به في ذلك إنما كان رسول الله يخاطب به حديث عهد بشرك وجاهليّة .. إلى أن قال : بل قال : (( من سواهما )) فجهلهما على ضمير مثنى واحد ..... إلى آخر كلامه.
وأقول : ما هذا الكلام أيّها الجفري !! من الذي منع عطف الرسول على الله وقد جاء هذا العطف في القرآن الكريم عشرات المرّات ؟
__________
(1) الثّمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني (ص265).(1/89)
إنّ المسألة ليست كذلك , ولكنّه لشدّة تعصبّه للطريقة الصوفيّة التي نشأ عليها ولا يعرف شيئاً غيرها , صار يخلّط بين الأمور ويلّبس على الناس فوقع في المحذور !
المسألة هي (( أن رجلاً خطب عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بئس الخطيب أنت , قل ومن يعص الله ورسوله)) (1)
أرأيتم المسألة ليست في العطف بحرف الواو بدليل أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عطف في جوابه.
ولكنّ المشكلة في قوله ومن يعصهما ! وهي التي نهى عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ثمّ ما هذا الكلام الخطير ( مقارنة الرسول بالرّب ) !! الذي ينُادي به الجفري ؟ ويعترض على المنكرين عليه !
إنّ الفكر الخطير الذي يُنادي به الجفري قد صرّح به أحد المتصوّفة في الشام وهو المدعو عبدالهادي الخرسه في شرحه للوظيفة الشاذليّة حيث قال :
(( يقول سبحانه ? وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ ? ويقول ? وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ? فالضمّائر في قوله ? مِن فَضْلِهِ ?و? أَن يُرْضُوهُ? مُفردة لأنّ الحضرة واحدةُ(2) ولكن لها إطلاق وتقييد والله سبحانه وتعالى أعلم )). انتهى (ص47-48)
وأعوذ بالله العظيم من هذا الضلال الكبير.
أهذا الذي يريد الجفري أن يسمح له العلماء بقوله ؟
__________
(1) رواه مسلم في باب تخفيف الصلاة والخطبة , ورواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم.
(2) أعوذ بالله من هذا الفهم والاعتقاد , بل الضمائر مفردة لأنّ هذا هو أسلوب العرب في التعبير , فالضمير في ( أن يرضوه) عاد إلى مفرد , والمراد اثنان, ونظائر ذلك في القرآن وكلام العرب كثيرة. ومنه قول قيس بن الخطيم:
نحنُ بما عندنا وأنت بما عنـ دكك راضٍ والرأيُ مختلفُ
والمراد : نحنُ وأنت بما عندنا راضون.(1/90)
أم ماذا يريد ؟! (1)
وأمّا قوله : (( بل قال : (( من سواهما )) فجعلهما على ضمير مثنى واحد ))!!
فهو أكبر دليل على عدم فهمه للمسألة.
على كل حال , وحتى لا أخرج عن محلّ الشاهد , إليكم ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الأم (1/232) تحت عنوان :
ما يُكره من الكلام في الخطبة وغيرها
قال الشافعي رحمه الله تعالى : أخبرنا إبراهيم قال : حدثني عبدالعزيز ين رفيع عن تميم بن طرفة عن عدي بن حاتم قال : خطب رجل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ومن يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى , فقال النبي- صلى الله عليه وسلم - : (( اسكت فبئس الخطيب أنت )). ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (( من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى ولا تقل ومن يعصهما )) قال الشافعي : فبهذا نقول فيجوز أن تقول : ومن يعص الله ورسوله فقد غوى لأنك أفردت معصية الله وقٌلت ورسوله استئناف كلام وقد قال الله تبارك وتعالى:
__________
(1) الذي أردت أن أنبّه عليه هو أنّ النبي- صلى الله عليه وسلم - لماّ أنكر على ذلك الرجل , إنما كان يضع تشريعاً للأمة ليس محدداً بزمن كما يظن الجفري , ولأبيّن له ذلك سقت له كلاماً قيل في زمننا هذا ومن أشخاص لم يموتوا بعد , فيه ماهو أشد وأخطر بكثير مما قاله ذلك الرجل الذي أنكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - , ومن هنا كان حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والعلماء من بعده على منع الناس من التلفظ بألفاظ تفضي إلى الشرك أو إلى سوء الأدب مع الله .(1/91)
? أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ? وهذا وإن كان في سياق الكلام , استئناف كلام (قال): ومن أطاع الله فقد أطاع رسوله ومن عصى الله فقد عصى رسوله , ومن أطاع رسوله فقد أطاع الله ومن عصى رسوله فقد عصى الله , لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبدُ من عباده قام في خلق الله بطاعة الله وفرض الله تبارك وتعالى على عباده طاعته لما وفّقه الله تعالى من رشده ؛ ومن قال ومن يعصهما كرهت ذلك القول له حتى يفرد اسم الله عز وجل ثم يذكر بعده اسم رسوله - صلى الله عليه وسلم - لا يذكر إلا منفرداً . قال الشافعي : وقال رجلُ يارسول الله : ما شاء الله وشئت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( أمِثْلان ! قل : ما شاء الله ثم شئت )). انتهى.
أرأيتم هذا كلام الإمام الشّافعي , والذي يصف الجفري القائلين به بـ(( ضعاف الفهم قساة القلوب أُسراء الجهل والعصبيّة )) !!
فبالله عليكم من الذي يتطاول على العلماء والأئمّة ؟!
ثمّ إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - _سيّدنا وسيّد ولد آدم _ هو الذي أمر أمتّه أن لا يكثروا من إطرائه فقال : (( لا تُطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم , إنّما أنا عبدُه , فقولوا عبدُ الله ورسوله )) (1) وليس أولئك الذين وصفهم الجفري بأبشع الأوصاف ! فلماذا اللّفُّ والدّوران؟!
__________
(1) رواه مالك والبخاري وأحمد وغيرهم.(1/92)
36_ وفي الصفحة 106 يروي الجفري قصّة فيقول : (( وجاء عن بعض الصّالحين أنه كان وهو في سكرات الموت يقولون له : قل لا إله إلاّ الله فكان يقول بقلبه لأنّ لسانه قد أمسك .. فجاءه أبليس وقال له : ارفع إصبعك حتى يعرف من حولك أنّك نطقت بالشهادتين ... فقال في خاطره : اخسأ يا لعين ! تريدني أن أختم عمري بالرّياء ؟ ! أنا أقول لا إله إلاّ الله من أجل أن أقابله هو بها , لا من أجل أن يعرف الناس أني متّ على لا إله إلاّ الله ... قال فبكى إبليس وقال : أضللت بهذه الحيلة سبعين عالماً ! جعلتهم يموتون على رياء _ والعياذ بالله_ في تعاملاتهم )) انتهى.
وروى مثلها أو قريباً منها عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله !!
هذه هي القصص التي يرتكز عليها الجفري في دعوته , وهي غير صحيحة بالطبع.
والسؤال : من الذي أخبر الجفري بالحادثة ؟ الميّت أم إبليس ؟!
ثمّ إذا كان الرجل يتحدّث في خاطره كما يزعم الجفري فكيف سمعه إبليس ؟ أم أنّ إبليس عند الجفري يعلم السرّ وأخفى والعياذُ بالله ؟!
ومن أخبر الجفري أنّ إبليس بكى ؟! وتبقى المصيبة في نوع المصادر التي يعتمد عليها الجفري في الدّعوة للإسلام ؟
زهل نسي الشيخ الجفري أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو القائل : (( لقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله , فإنه من كان آخر كلامه لا إلا الله عند الموت دخل الجنة يوما من الدهر , وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه )) (1) , فكان النطق بالشهادة علامة على حسن الخاتمة , والمسلمون متّفقون على أنّه لا ينطق بالشهادة عند الموت إلاّ من وُفّق لها وكان مرضياً عند ربّه , وهم يحرصون على فعلها وتلقينها لمرضاهم عند الموت , ويوصون بتلقينهم إيّاها عند احتضارهم !
فلماذا لا يريد الجفري أن يعلم الناس أنّ موتاهم ماتوا على قول لا إله إلاّ الله , ويجعلها إن أُظهرت علامة على الرّياء ؟
__________
(1) رواه ابن حبّان وهو صحيح . وأصله في الصحيحين والسنن.(1/93)
أرأيت إن كان المريض يستطيع الكلام ولم يثقل لسانه كما في هذه الحالة التي يتصورها الجفري , أليس من الطبيعي أن يستجيب لمن حوله فينطق بالشهادة ؟ أم سيعتبره الجفري مُرائياً أيضاً ؟
وعندما يروي الصوفيّة قصص شيوخهم عند الموت وأنّهم تلفّظوا بالشهادة قبل الموت فهل يقصدون أنّ شيوخهم ماتوا على رياء ؟
إنّ الحديث عن الرياء عند سكرات الموت حديثُ ليس في موضعه , بل هو بعيد كلَّ البعد عن روح الدين الإسلامي , فالمؤمن عند النزع الأخير يكون مقبلاً على الله مدبراً عن الدنيا فلا مجال للرياء هنا.
وهل يريد الجفري أن يفهم الناس أن سبعين عالماً أضلّهم إبليس وجعلهم يموتون وهم على شرك(1) كل ذلك لأنّهم أشاروا بسبابتهم عند الموت دلالة على التوحيد ؟!
إنّ أمثال هذه القصص إن صدّقها العوام ستكون نتيجتها امتناعهم عن النطق بالشهادتين عند الاحتضار وذلك خشية الرّياء !!
فهل هذا ما يريده الجفري ؟ لا أظنه يريده , ولكنه سيكون متسبباً بذلك لروايته أمال هذه القصص التي لا تصحّ سنداً ولا معنى.
إننا لو عكسنا الأمر وقلنا للناس إذا وسوس لكم الشيطان عند الموت أن تخفوا الشهادة لكي لا تقعوا في الرياء , فاستعيدوا بالله منه واجهروا بها فإن لم تستطيعوا فارفعوا السبابة ولخسأ عدو الله .
فأيَُ منهج هذا الذي يدعوا إليه الجفري ؟ ولماذا يكون دائماً مخالفاً لمنهج النبوي ؟!
الخاتمة
أكتفي بهذا القدر من الملاحظات التي شملت الأخطاء العقيديّة(2) والفقهية والحديثية والتاريخية والسُّلوكية في كتاب الشيخ الجفري .
__________
(1) الرّياء : عمل المسلم الطاعة ليراه الناس فيثنوا عليه , وليس ابتغاء وجه الله , ولذلك سمّاه العلماء شركاً وفيه أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(2) عند النسب إلى ( فعيلة) يجوز إبقاء اللفظ على حاله , وثمّة وجوه أخرى صحيحة , نحو : طبيعة : طبيعي وطبعي _ بديهة : بديهي وبدهي _ عقيدة : عقيدي وعقدي.(1/94)
وأقول إذا كان بعضُ من كَتَبَ في التّصوف من الأقدمين قد روى أحاديث لا تصح أو لا أصل لها ودوَّنها في كُتبه , فإنّ هذا لا يعني أن يستنَّ الجفري به ويقلّده في فعله , مع العلم أنّ العلماء قد أنكروا على هؤلاء , وأفتوا بعدم جواز تصدِّيهم للكتابة والتعليم والخطابة ما لم يتحروا الصحيح من الأحاديث , ولكن الفارق بين هؤلاء وبين الجفري أنّه زاد عليهم بأمر خطير , وهو أنّه يعزو الأحاديث الضعيفة إلى كتب الصحيح وهي ليست فيها , وهذا يسهم في إيهام الناس أن تلك الأحاديث صحيحة , وهذا أخطر بكثير من مجرّد روايتها دون عزوها , وكلا الأمرين قبيح , لأنّه يشوّه دين الإسلام وشريعة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
مع العلم أنّ الصّفة الغالبة على كتب التّصوف والسّلوك المعروفة _ بقطع النّظر عن مضمونها الشرعي _ هي صفة التّرفّق مع الناس وتنمية غريزة التعاطف معهم , والتماس العذر لمن يُنكر على الصوفية , وتجنّب الصّدام والتجريح والغمز والطّعن بالآخر , بل تجنّب التعالي عليه , حتى قالوا (( الصّوفيُّ من صفت نفسه , فه لا يرى لنفسه على غيره مزّية )) . ويُعلمون أتباعهم قاعدة هامّة : وهي أنّه يجوز للمُتفقِّه المشتغل بعلوم الفقه والحديث أن يُنكر على المتصوّف ما يخالف ظاهر الشرع ( مع إحسان الظنّ به ) , وليس للمتصوف أن ينكر على المتفقّه !
ولكن كتاب معالم السلوك للسيخ الجفر مخالفُ لكتب الصوفية التي عرفناها , فإنّه أوّل كتاب فبي التّصوف _ فيما أعلم _ مبنيُّ على الخصومة التصادم والشحناء والخلافيّات ! وهذه الأمور كما هو معلوم متعارضة مع طريق التَّكية وتقويم السّلوك.
فَلَيتَ الشيخ الجفري تجنّب هذه المزالق وليته تجنّب تلك الأخطاء الكبيرة , وهذا ما نتمناه منه في الأجل القريب , ولأجل هذا كان هذا الكتاب وهذه الوقفات.
والله الموفّق لصالح الأعمال(1/95)
وفي الختام أودُّ أن أُشير إلى أنَّ الهدف من هذه المتابعة العلميّة ليس التجريح وإنّما النصح والتصحيح , لأمر يهُمُّ عموم الأُمَّة , وكم كنت أتمنّى أن يكون ذلك النقد والتنبيه على لسان غيري إذا لكفاني مؤونة الرد , ولكن لما رأيت هذا الانتشار لأفكاره بين الناس , وما من مُنَبّهٍ ولا مُحذِّرٍ , تعيَّن علي التَّنبيهُ على ذلك علناً.
ولا يجمعنا مع الحبيب الجفري إلاّ رفعةُ هذا الدِّين الذي أعزنَّا الله وكرَّمنا به وكما قال الشاعر:
وكفى المرءَ رِفعَةً أنْ يُعادىَ في مَيَادين عزِّه ويُعادي
فكم نرجو أيها الحبيب الجفري أن يكون ردُّك تراجعاً عن الأخطاء , وتمسُّكاً بالسُنَّة والكتاب وتوقيراً للعلماء العاملين المستمسكين بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - , واعلم أن تراجُعك عن الأخطاء وانحيازك للحق يجعلك أسمى عند الله , (( فمن أرضى الله بسخط الناس كفاهُ الله , ومن أسخط اللخ برضا الناس وكلهُ الله إلى الناس )) (1).
وأرجو أن يكون تعقيبي هذا إصلاحاً للمسار على المحجّة البيضاء , وتحرياً للدّقة في النقول خصيِّصى على لسان المصطفى- صلى الله عليه وسلم - , لنكون فيمن قال فيهم : (( نضر الله امراً سمع منَّا شيئا فبلغهُ كما سمعه , فربَّ مُبلغ أوعى من سامع )) (2) سائلا الله العلي القدير أن يجعلنا جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
خلدون مكي الحسني
دمشق 25/شوال/1426
مصادر البحث ومراجعه
1.القرآن العظيم
كتب التفسير
2_ تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)
3_ التفسير الكبير المسمى بـ (البحر المحيط) لأبي حيان الأندلسي
4_ (تفسير القرآن العظيم) لابن كثير
5_ (الدر المنثور في تفسير القرآن بالمأثور) للسيوطي
كتب متون الحديث
6_ موطأ الإمام مالك
7_ صحيح الإمام البخاري
8_ صحيح الإمام مسلم
9_ سنن النسائي
10. سنن أبي داود
__________
(1) صحيح ابن حبان (1/511).
(2) حديث متواتر(1/96)
11. سنن الترمذي
12. سنن ابن ماجه
13. مسند الإمام أحمد
14. صحيح ابن خزيمة
15. صحيح ابن حبّان
16. معجم الطبراني الكبير
17. معجم الطبراني الأوسط
18. تلخيص الذهبي لمستدرك الحاكم
19. الحلية لأبي نُعيم
20. مصنف عبدالرزاق
21. مصنف ابن أبي شيبة
22. السنن الكبرى للبيهقي
23. شعب الإيمان للبيهقي
24. الأحاديث المختارة للضياء المقدسي
كتب التخريج
25. (جامع الأصول في أحاديث الرسول) لابن الأثير
26. (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) للهيثمي
27. (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) لابن حجر
28. (المغني عن حمل الأَسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار) للحافظ العراقي
29. (الموضوعات) لابن الجوزي
30. (المنار المنيف في الصحيح والضعيف) لابن القيّم
31. (الموضوعات) للصغاني
32. (المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة) للسخاوي
33. (اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة) للسيوطي
34. (الموضوعات الكبرى) للملا علي القاري
35. تنْزيه الشريعة لابن عرَّاق
36. (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) للشوكاني
37. (تذكرة الموضوعات) للفتني.
كتب العقيدة
38. (شرح العقائد النسفية) للتفتازاني
39. (المقاصد في بيان العقائد وأصول الأحكام) للنووي
40. (التوحيد إفراد الله بالعبادة ونفيها عما سواه ) للشهيد الدهلوي
كتب التراجم والطبقات والتاريخ والأجزاء
41. (التهذيب) لابن حجر العسقلاني
42. (ميزان الاعتدال) للذهبي
43. (لسان الميزان) لابن حجر
44. (سيَر أعلام النبلاء) للذهبي
45. (الإصابة في تمييز الصحابة) لابن حجر
46. (التاريخ الكبير) للإمام البخاري
47. (تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي
48. (ترتيب المدارك وتقريب المسالك) للقاضي عياض
49. (الترغيب والترهيب) للمنذري
كتب شروح الحديث
50. (فتح الباري شرح صحيح البخاري) لابن حجر
51. (شرح لصحيح مسلم) الأبّي
52. ( شرح لصحيح مسلم ) للنووي(1/97)
53. (المفهم شرح صحيح مسلم) للقرطبي
54. (عون المعبود شرح سنن أبي داود) للعظيم آبادي
55. (تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي) للمباركفوري
56. (فيض القدير شرح الجامع الصغير) للمناوي
كتب عامة
57. (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) للقاضي عياض
58. (جامع بيان العلم وفضله) لابن عبد البَر
59. (الفرق بين النصيحة والتعيير) لابن رجب الحنبلي
60. (فضل علم السلف على الخلف) لابن رجب
61. (الاعتصام) لأبي إسحاق الشاطبي
62. ( الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث ) لابن كثير
63. (شرح ألفية الحديث ) للعراقي
64. (التقييد والإيضاح ) للحافظ العراقي
65. (مناقب الشافعي) للبيهقي
66. (إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين) للزبيدي
67. مقامات السيوطي
68. رسالة (تنزيه الاعتقاد عن الحلول والاتحاد) ضمن كتاب الحاوي للفتاوي للسيوطي
69. (بغية المسترشدين) لعبد الرحمن باعلوي
كتب القراءات
70. (منجد المقرئين) لابن الجزري
71. (الرعاية) لمكي بن أبي طالب القيسي
كتب اللغة
72. المعجم الوسيط
73. (الكفاف) ليوسف الصيداوي
74. (نحو إتقان الكتابة باللغة العربية) للدكتور مكي الحسني
كتب السيرة النبوية
75. (السيرة النبوية) لابن هشام
76. (المغازي) للواقدي
كتب الفقه المالكي
77. الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني
78. (مواهب الجليل لشرح مختصر خليل) للحطاب
79. (المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي علماء إفريقيّة والأندلس والمغرب) لأحمد الونشريسي
80. (العتبيّة) لأبي عبد الله محمد العتبي القرطبي
81. (الفروق) للقرافي
كتب الفقه الحنفي
82. (الهداية) للمرغناني
83. (الدر المختار شرح تنوير الأبصار) للحصكفي
84. حاشية ( رد الحتار على الدر المختار ) لابن عابدين
85. (شرح الكرخي) للقدوري
86. حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح
كتب الفقه الشافعي
87. (الأم) للإمام الشافعي
88. (المهذّب) لأبي إسحاق الشيرازي
89. (معرفة السنن والآثار) للبيهقي(1/98)
90. (المجموع) للنووي
91. (الفتاوى الموصلية) للعز بن عبد السلام
92. (فتاوى ابن الصلاح)
93. (كفاية الأخيار) لتقي الدين الحصني
94. (مناسك الحج) للنووي
95. حاشية ابن حجر الهيتمي على مناسك النووي
كتب الفقه الحنبلي
96. (المغني) لابن قدامة المقدسي
كتب أصول الفقه
97. (المحصول في علم أصول الفقه) للرازي
98. (التلويح على التوضيح) للتفتازاني
كتب عن الصوفيّة
99. (تلبيس إبليس) لابن الجوزي
100. (تنبيه الغبي) لبرهان الدين البقاعي
101. (الرهص والوقص لمستحل الرقص) لإبراهيم الحلبي الحنفي
كتب للصوفيّة
(شرح الوظيفة الشاذلية) لعبد الهادي الخرسة .
فهرس الكتاب
ـ تقديم الكتاب للدكتور مصطفى سعيد الخن
ـ صورة تقديم الدكتور مصطفى الخن
ـ تقديم الكتاب للشيخ محمد كريّم راجح
ـ صورة تقديم الشيخ كريّم راجح
مقدمة المؤلف
ـ الباعث على الكتاب
.كلام جميل للشيخ الجفري حول قاعدة الحب والبغض في الله
. أقسام مصطلح الصوفية وبيان القسم المذموم
الشروع في بيان الأخطاء التي وقع فيها الشيخ الجفري
الخطأ الأول في العقيدة
الخطأ 2 / حديث مخاطبة الله للعقل وللنفس ، وهو مكذوب
. الحافظ ابن حجر يحكم بكذب كل أحاديث العقل
الخطأ 3 / الزعم أن حديث (كن كما أريد أكن كما تريد) هو حديث قدسي، مع أنه من الإسرائليات
. كلام للإمام القرافي في حكم قول بعض الصوفية : فلان أعطي كلمة (كن).
الخطأ 4/ إدراج كلام ضمن حديث الضرير ، ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم
. مذهب الإمام أبي حنيفة في دعاء الله بخلقه
. فتوى العلامة إسماعيل الدهلوي الحنفي في عدم جواز التلفظ بكلمة تشم منها رائحة الشرك
. فتوى العلامة عبد الحي اللكنوي الحنفي في قول بعض المتصوفة ( شيئا لله ) وفي حكم مناداة الأموات
. تعقيب مفيد جدا للعلامة أبي الحسن الندوي
. وصية الشيخ عبدالقادر الجيلاني لابنه
. فتوى الإمام الحصفكي الحنفي في حرمه وبطلان النذر للأموات(1/99)
. ابن عابدين يقول في حاشيته : الاعتقاد بأن الميت يتصرف في قبره من دون الله كفر
الخطأ 5 / الزعم أن حديث (يا دنيا من خدمنا فاخدميه) هو حديث قدسي ، وليس كذلك
الخطأ 6 / يروي قصّة باطلة .عابد يأمره جبريل بترك العبادة !
الخطأ 7 / أحاديث ضعيفة أو ليست في الصحيحين يعزوها الجفري للبخاري ومسلم
الخطأ 8 / حديث موضوع يعزوه الجفري لمسند أحمد والترمذي وليس فيهما !
الخطأ 9 / يروي حديثاً موضوعاً : (يا أهل المحشر غضوا أبصاركم ..)
الخطأ 10/ يروي قصة مكذوبة وحديثاً مكذوباً (هل أنت راض عن ربك ..)
الخطأ 11/ حديث لا يُعرف يعزوه الجفري لمسند أحمد وليس فيه!
الخطأ 12/ حديث محرَّف يعزوه الجفري لأحمد وأصحاب السنن وليس فيها !
. معنى قول الإمام البخاري في الرّاوي : (( فيه نظر )) ( في الحاشية)
الخطأ 13/ حديث في صحيح مسلم يزيد الجفري فيه !
الخطأ 14 / الجفري يشرح معنى الاتّباع ، فيتنقّص من الصحابة !
الخطأ 15 / يروي الجفري حديثاً باطلاً وينسبه للنبي صلى الله عليه وسلم !(رجل أخرج ريحاً في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم)
· الجفري يتهكّم ويسخر ممن يعمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم !
الخطأ 16 / إبليس سجّاد ورئيس للمقربين !!
الخطأ 17/ يروي الجفري حديثاً باطلاً عن جبريل وميكائيل
الخطأ 18 / تحريف في معنى البدعة والخلط بينها وبين المعصية
. كلام هام للحتفظ ابن حجر في كون البدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة!
الخطأ 19/ الإصرار على نفي وجود البدعة ، واختلاق قاعدة جديدة !
الخطأ 20 / الزعم بأن معروفاً الكرخي من أئمة الصوفية ونسبة الكلام للذهبي !
· مقولة (وقبر معروف ترياق مجرّب) غير صحيحة سنداً ومعنى
· كلام العلماء الكبار في أحكام زيارة القبور
. فتوى الإمام علي زين العابدين (ابن ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
. فتوى الإمام الحسن المثنى (ابن حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم)(1/100)
. الإمام النووي يشرح آداب زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
. فتاوى الغزالي وابن حجر الهيتمي والمناوي في بدع زيارة القبور
الخطأ 21/ الزعم أن الذهبي وابن الجوزي يستخدمان كلمة صوفي للمدح
· الذهبي يذمّ غلاة الصوفية
· ابن الجوزي من أشد الناس على المتصوفة
الخطأ 22/ الزعم أن الإمام النووي إذا أراد الثناء على أحد وصفه بأنّه كان صوفيّا
· كلمة الصوفية وما تعنيه
· الإمام النووي عندما يذكر التصوف فهو يقصد التصوّف المحمود
· الإمام النووي يقول بأن كل ما يخالف أصول الدين فهو بدعة ويقول بوجوب الإنكار على من يخالف الشرع من الصوفية
الخطأ 23 / يروي الجفري قصّة غير صحيحة (الإمام الشافعي يتبرك بقميص الإمام أحمد)
الخطأ 24 / الزعم أن الكلام على الصوفية فيه تجنٍ على الأمة كلها
. الجفري يفتح باباً للمرجفين للتشكيك بالقرآن .والمؤلف يغلق هذا الباب
. الزعم بأن أسانيد القرآن مرصّعة بأئمة التصوف
. شيخ القراء ابن الجزري وموقفه من الصوفية
. تاحكم على كلام شخص ما بأنه كفر لا يستلزم تكفير الشخص نفسه ( في الحاشية)
. شيخ قراء الشام كريم راجح ليس صوفياً وكذلك شيخه أحمد الحلواني
. حادثة جرت مع شيخ القراء محمد سليم الحلواني ، وأخرى مع ابنه أحمد
. توضيح معنى أسانيد القرآن ، وإزالة الشبهات التي أثارها الجفري
الخطأ 25 / الجفري يروي شعراً محطماً وينسبه للسيدة فاطمة رضي الله عنها ولا يصح عنها
الخطأ 26 / الجفري يضع قاعدة خطيرة في التعبد ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم
الخطأ 27 / قصة سخيفة رجل لم تسمح له نفسه بالصدقة إلا وهو في بيت الخلاء
الخطأ 28 / ضرب أمثال غير لائقة
الخطأ 29 / تغيير وتبديل وإعادة صياغة أحداث مشهورة في السيرة النبوية
الخطأ 30 / مجازفات في وصف صلاة شيخ الطريقة التي ينتمي إليها الجفري
الخطأ 31/ ادعاء الجفري أن أئمة طريق التصوف هم مالك وأبو حنيفة والشافعي!
· فتاوى الإمام مالك في الصوفية(1/101)
· فتاوى الإمام الشافعي في الصوفية
· حقيقة موقف الأئمة من رجال التصوف المنحرفين
· فتوى تقي الدين السبكي الشافعي
· فتوى المحدث أبي العباس القرطبي في الصوفية
· تعليق الإمام ابن حجر العسقلاني على فتوى القرطبي
· الإمام السخاوي ينكر على السيوطي دعوى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة
· شيخ الشافعية الحصني ينكر على المتصوفة
· بعض فتاوى علماء المذهب الحنفي في الصوفية
· فتوى الإمام القاضي أبي بكر الطرطوشي في مذهب التصوف
· كلام القاضي عياض في انحرافات الصوفية
. فتوى القاضي ابن العربي المالكي في طريقة التصوف
· فتوى الإمام القرطبي المفسر في الصوفية
· كلام الفقيه عبد الله الحفار المالكي في الصوفية
· كلام للإمام أبي حيان الأندلسي في بيان أشهر رجال التصوف المنحرفين
· الغرض من عرض أقوال من سبق هو بيان أن الجفري يقلب الحقائق
. ثمرة ما يدّعيه الجفري
. الجفري يعترف بوجود الكثير من الصوفية المنحرفين ولكن لا يبين من هم ولا ما هي انحرافاتهم ولا ينكر عليهم
. موقف علماء المسلمين من الصوفية يلخصه كلام لابن رجب الحنبلي
· السيوطي ينزه الشريعة عن عقائد بعض الصوفية في الحلول والاتحاد وينقل الإجماع علىكفر أصحاب الحلول
·كلام جميل للإمام الغزالي يبين فيه حقيقة دعاوى الصوفية والحكم عليهم
الخطأ 32 / تهجّم الجفري على القائلين بوجوب الوضوء من لحم الجمل اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم ويقول إنهم بحاجة للأدب !!
· الإمام أحمد والبيهقي والنووي يقولون بوجوب الوضوء من لحم الجمل !
الخطأ 33 / اتهام الآخذين بكلام أئمة المذاهب في مسألة زيارة النساء للقبور بأنهم يقفزون فوق النصوص !
· شيخ الشافعيّة أبو إسحاق الشيرازي لا يجوّز زيارة النساء للقبور
· الإمام الطحاوي ينقل فتاوى كبار الأئمة الحنفيّة في تحريم زيارة القبور على النساء
· مذهب الإمام أحمد هو كراهة زيارة القبور للمرأة(1/102)
الخطأ 34 / مسألة قراءة القرآن للأموات وإهدائهم ثوابها غالط فيها الجفري وأتى بمجازفات جديدة ، وسفّه كلام العلماء المالكية والشافعية بغير حق !
· زَعَمَ الجفري أنّ جمهور السَّلَف قالوا بوصول ثواب القراءة للميّت !
· الإمام النّووي يقول :مذهب الشافعي والجمهور أنها لا تلحق
· إمامُ المالكيّة في عصْرِهِ أبو عبد الله الحطّاب يقول : لا يصل
· الإمام الحطّاب المالكي يروي أن مذهب الشافعي ومالك والأكثرين أنه لا يصل
· الإمام الأصولي المالكي القرافي ينقل أن المعتمد في مذهب المالكية هو عدم الوصول
· فتوى سلطان العلماء العز بن عبد السلام في بدعة تلقين الميت وعدم جواز إهداء الثواب
· التطاول على الأئمة ووصف أفهامهم أنها سقيمة
· الزعم بأن قول الله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) هو شرع لمن قبلنا وليست لنا
· وبعد كل ما سبق الجفري يُطالب الآخرين بعدم الإنكار عليه
· ما يقوله علماء الأمة في قضية قراءة القرآن على الميّت
الخطأ 35/ التشويش على المسلمين في صحة فهمهم لحديث (اسكت فبئس الخطيب أنت)
· النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أمر فخالفه بعض الصوفية فوقعوا في المحذور
· عبد الهادي الخرسة يقول : إن الله تعالى ورسوله حضرة واحدة !!!!
· الإمام الشافعي يقول بمضمون الحديث الذي لم يعجب الجفري !
· الجفري يصف القائلين بمذهب الشافعي بأنهم ضعاف الفهم قساة القلوب
الخطأ 36/ الجفري يروي قصّة خرافيّة مخالفة للدين جرت بين إبليس ورجل يحتضر
ـ الخاتمة
. بيان الفرق بين كتب الصوفية القديمة وبين كتاب الجفري ، والمأمول من الشيخ الجفري
وفي الختام
مصادر البحث ومراجعه
الفهرس(1/103)