رسالة
أوثق عرى الإيمان
للشيخ
سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب
من كتاب
مجموع الرسائل
تحقيق
د. الوليد بن عبدالرحمن بن محمد آل فريان
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
يخطيء من يظن أن التودد لأعداء الله والسعي في تقريبهم سوف يجلب محبتهم، ويدفعهم إلى أن يبادلوه حباً بحب.يقول الله تعالى في كتابه الكريم : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ {118}هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {119}إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا} (1).فمن ينتظر منهم الرضى أو ينشده كمن يؤمل من السراب الخادع ماءا، والثقة بودهم وهم كبير وغفلة عن وقائع التأريخ المتكررة في كل زمان ومكان.ولذلك جاءت النصوص الكثيرة تأمر بمقاطعتهم وعداوتهم مهما تظاهروا بالمحبة الكاذبة، التي طالما اصطادوا الناس بشباكها.وفي الوقت نفسه دعت إلى توثيق الصلات بين المسلمين، وإشاعة المحبة والمودة في مجتمعهم، ونبذ أشكال الاختلاف والفرقة، بل اعتبرت المحبة جزءًا أساسياً من الإيمان، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا"(2).غير أنها وهي
__________
(1) سورة آل عمران : الآيات 118 - 120 .
(2) أخرجه مسلم في "الصحيح" : رقم 54، وأبو داود في " السنن " : رقم 5193، والترمذي في " الجامع" : رقم 2689من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .(1/1)
تتمتع بالأهمية البالغة في صياغة المجتمعات، وتنعكس آثارها على الكثير من جوانب الحياة، لم تنل ما تستحقه من العناية الموازية لدورها، والمكافئة لأهميتها. فكان من نتائج هذا التجاهل المزري أن خفتت جذوتها، وتقهقرت في النفوس والقلوب، وفقدت المصداقية عند الغالبية من الناس حتى أصبحت المحبة في الله تعالى في نظر كثير من الناس من ضروب الخيال، وأباطيل القصص والأخبار.وليس هذا بالغريب في ظل انحراف عام لازال يخيم بظلامه، وينشر دسائسه في كل مكان.ولكن الغريب حقاً، أن تسري غاشية المرض إلى فئات من الناس ممن يملكون علماً أو عاطفة دينية ويتقلدون شيئاً من أمر المسلمين أو هكذا يخيل إلينا.من أجله يصاب المؤمن بالحزن والأسى، وتتزايد في ذهنه خواطر الشك والارتياب، وقد يندفع تحت وطأة هذه الظروف إلى النظر في موقفه من الأشخاص الذين ربما حمل في قلبه لهم محبة واحتراماً وقتاً من الأوقات.تلك حقائق ساطعة تصدمك بكل أسف أينما اتجهت، إلا أنه من الواجب تلمس أسباب هذه الكارثة، ومحاولة البحث عما يمكن أن يساهم في إزالتها، أو يخفف من خطرها؛ إذ هي من أشد معوقعات الدعوة، والسلاح الذي كثيراً ما يشهر في وجوه الدعاة والمصلحين لعرقلة نشاطهم أو إجهاضه.
ومن السذاجة أن نتوقع من ظالم مستبد أو مفسد خئون، أن يمد يده لإنقاذ الدعاة من مأزقهم أو يساعد على تجاوز هذه الأزمة بسلام.
هناك مجموعة من الوسائل لعل من أيسرها القول: بأنه لابد من إعادة النظر في أساليب التربية والتوجيه، لتكتسب صورتها الإسلامية الخالصة من شوائب التقليد والتبعية.وفي تقديري أنه يتعين علينا أيضاً التسليم بارتباط هذه المشكلة بتراكمات طويلة مكتظة بالأخطاء والممارسات الشائنة. من أهمها: الجهل، وافتقاد الناس للقدوة المتمثلة لأخلاق الإسلام في سلوكها وتعاملها إلى جانب ضعف الإيمان.
ولو حاولنا تتبع كل سبب على حدة لأمكننا الخروج بالنتائج التالية :(1/2)
أولاً: أن الجهل الفاضح بأخلاق الإسلام ومثله العليا، وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وشمائله، وسيرة أصحابه والتابعين لهم بإحسان، ممن التزموا بالشريعة وطبقوها تطبيقاً واعياً وأميناً. حال بين البعض وبين القدرة على التعامل على وفق الشريعة ومبادئها الكريمة وأخلاق الإسلام الفذة.
حتى وإن بلغوا مبلغاً كبيراً في معرفة الأحكام الشرعية. وهذا من الحصاد المرير للقراءة العمياء الباهتة، ونتيجة مؤلمة للمناهج الدراسية السائدة التي تعنى بالأحكام النظرية، وتنسى غرس الأخلاق والشمائل.
ثانياً: تلعب القدوة دوراً هاماً في بناء الإنسان، وتؤثر على تحديد وجهته الدينية والنفسية خاصة في المراحل الأولى؛ لأن من طبيعة الإنسان التفاعل مع محيطه والتشبه بمن يكن لهم احتراماً.
وإلى هنا أشار القرآن الكريم بقوله : { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ }(1).
__________
(1) سورة الزخرف : آية 23.(1/3)
وحين تفتقد القدوة الحسنة فما أيسر أن تحل القدوة السيئة مكانها، ومن أجل ذلك أمر الله تعالى بأن نجتهد في اختيار القدوة، فقال { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ }(1).وقال: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}(2) يعني إبراهيم ومن بعده من الأنبياء عليهم السلام. والعلماء هم الامتداد المنشود للأنبياء، والوارثون لعلمهم وأخلاقهم، والمؤتمنون على تبليغ الرسالات. وإذا ما غابوا عن أداء هذا الدور الطليعي، انشغالاً بأنفسهم أو مصالحهم الخاصة وتجاذب المغانم، أو استولى عليهم الخوف والتخاذل. فقد خانوا الله ورسوله وخانوا الأمانة، وشاركوا في هدم الدين وتقويض المجتمع الإسلامي بأسره، وهذه من أعظم الجنايات وأفدح الخطوب.
ثالثاً: يتصل الإيمان بالعمل كاتصال الإيمان بالإسلام، أو كارتباط التوحيد العلمي بالتوحيد العملي.
قال تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {2} الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {3} أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا }(3).
فمتى تعرض الإيمان لنقص أو أصابه طائف من الشيطان، فما أسرع التقصير في العمل. وإذا وقع تفريط في التطبيق، فإنه ينال من الإيمان ويفت في كيانه.
__________
(1) سورة الأحزاب : آية 21.
(2) سورة الأنعام : آية 90.
(3) سورة الأنفال : الآيات 2 - 4.(1/4)
وضعف الإيمان داء وبيل، استطاع بفضله الكائدون الدس على الإسلام، وامتطاء أبنائه لإلحاق الضرر بهم وبدينهم ومصالحهم. وهذا يستوجب أن نتعرف على أهم ما يزيد الإيمان ويقويه. وقبل ذلك يجب أن نعلم: أن الإيمان منحة من الله تعالى؛ كما قال : {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ}(1).
وقال: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا}(2).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الآخرة إلا من أحب" (3).
وأن السواد الأعظم في كل زمان ومكان بعيدون عن شرع الله وهديه، كما قال : {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }(4).
فمما يزيد الإيمان: التفكر في مخلوقات الله، والنظر إليها بتأمل وتدبر. قال تعالى : {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ {6} وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ {7} تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ }(5) فلا يخشى الله تعالى إلا عالم بصير؛ قال تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء }(6)، وقال : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ }(7).
__________
(1) سورة النساء : آية 83.
(2) سورة النور : آية 21.
(3) أخرجه أحمد في " المسند" : (1/387). وابن أبي شيبة في " المصنف " (13/304) والحاكم في " المستدرك" (1/33، 34، 2/447، 4/165) عن ابن مسعود.
(4) سورة يوسف : آية 103 .
(5) سورة ق : الآيات 6 - 8.
(6) سورة فاطر : آية 28.
(7) سورة الزمر : آية 9.(1/5)
وغير خاف أن النظر في الكون وما اشتمل عليه من قوانين بالغة الدقة والانتظام عبادة من أجل العبادات وأزكاها.
وجميع العبادات العملية والقلبية هي السبيل النافع إلى زيادة الإيمان، وطريق الصفاء القلبي والروحي.
والعبادة اسم كبير تنطوي تحته حياة الإنسان بجميع حركاتها وسكناتها؛ كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162}لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ }(1).
مع تحقق النية الصالحة التي لا يخالطها شرك أو رياء.
موضوع الرسالة :
الولاء والمحبة: ثنائي مجموع لا ينفك أبداً بحيث يتعذر بينهما الفصل أو الافتراق؛ لأن من المحال أن يعمد أحد إلى تولي غيره دون أن يسوقه إليه سائق الحب والود: قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ }(2).
والعلاقة الاندماجية المتجذرة بينهما تدعو بإلحاح إلى إلقاء الضوء عليهما معاً وعلى البراء بوجه خاص وما يقتضيه من البغض؛ باعتبارهما عنصرين متكاملين لا غنى لأحدهما عن الآخر.
وهذا ما فعله المؤلف، حيث أفاض في الحديث عن البراء، وكشف عن معانيه وحكمه في رسالة مستقلة تعرف بـ "الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك". ضمن هذا المجموع.
وفي هذه الرسالة: قام بإيضاح نقاط الالتقاء والارتباط بين مبدأ الولاء والبراء، وعمل على إبراز مظاهر الصلة العميقة بينهما.
__________
(1) سورة الأنعام : الآيتان 162، 163 .
(2) سورة الممتحنة: آية 1. وانظر الفرق: بين الموالاة والتولي، وموالاة المحبة وموالاة المصلحة، والموالاة الدينية والموالاة الدنيوية في " الدرر السنية " (5/201)، وما ذكره في آخر هذا الكتاب .(1/6)
وكان بإمكان الشيخ سليمان أن يفرد الحديث عن الحب والولاء، كما أفرد الحديث عن البراء في رسالة خاصة، ولكنه أراد أن يعلن عن طبيعة الانتماء بين هذين المبدأين، ويبين عن مدى قوته. وأنه لا يمكن أن يتصور ولاء ومحبة لأهل الإيمان، ما لم يكن معه براء وبغض للمنحرفين والمشركين.
فجاءت هذه الرسالة على شكل إجابة موسعة – لسؤال يبحث عن حكم الدفاع عن الأقرباء عند الأمراء والحكام على سبيل الحمية الدنيوية، دون نظر إلى دين أو إيمان – لتغطي جوانب الموضوع بكفاءة عالية.
وقد قسم المؤلف بحثه إلى مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة. تحدث في المقدمة عن أهمية الحب في الله والبغض في الله وأدلة ذلك من الكتاب والسنة.
وجعل الفصل الأول: خاصاً بذكر آثار السلف في ذلك. أما الفصل الثاني: فلخص فيه ما سبق بعبارة موجزة وحصره في عشرين نقطة، ثم استعرض فقرات السؤال واحدة بعد أخرى وأجاب عنها. والفصل الثالث: أورد فيه بعض ما اعترض به المخالف وفند شبهه وردها، وأنهى الرسالة بخاتمة جامعة في فضل الحب في الله.
أهمية الرسالة :
البغض والحب: قوتان مؤثرتان ينبثق منهما الولاء والبراء، وتعودان معاً إلى المحبة التي هي أصل ذلك وقاعدته؛ إذ لا يوجد البغض إلا لمحبة ولا يزول إلا لمحبة. فالمحبة والإرادة أصل في وجود البغض والكراهية وعلة لها، وبينهما تلازم مستحكم لا تنفصم عراه أبداً(1).
__________
(1) ينظر " جامع الرسائل " (قاعدة في المحبة) : (2/195 وما بعدها).(1/7)
ومنه يتبين لنا سر اقتران الحب بالبغض في قوله صلى الله عليه وسلم : "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله"، وتتضح قيمة الحديث حولهما، ويزداد ذلك وضوحاً: أن كلمة التوحيد الخالدة "لا إله إلا الله" تلزم كل من نطق بها، وآمن بما دلت عليه، واعتقد معناها؛ أن يرفض أي صلة تقربه إلى أعداء الله، ويخلع الولاءات الجاهلية على مختلف صورها، مهما كان الإغراء والامتياز. وتدعوه في الوقت ذاته إلى تقوية وتعميق علاقته بإخوانه المسلمين، واقتصار ولائه وانتمائه لهم دون غيرهم؛ لتخلق مجتمعاً متماسكاً تحوطه الطمأنينة، وتشع في جنباته روح الأخوة والتعاون؛ ولتجنب أفراد الأمة مغبة الولاء المشبوه.
ولو حاولنا أن نعقد شيئاً من المقارنة بين المجتمع الإسلامي الأول ومجتمعنا المعاصر؛ لنتعرف ولو على جانب من أسباب انحسار المد الإسلامي، واضطراب حياة المسلمين، وتحولهم من أمة فاعلة ومؤثرة إلى شعب عامر بالتناقضات. لوجدنا أن في مقدمة الأسباب: تحطم مبدأ الولاء والبراء، وضياعه في خضم القومية والعرقية وغيرها من الانتماءات البالية. الأمر الذي قاد الأمة بسهولة إلى الاستعاضة عن دينها وقيمها، بما استوردته من قيم وأخلاق وقوانين أبعد ما تكون عن طبيعة تكوينها وظروف حياتها. وكان من جرائه ظهور أعراض هذا المرض الخطير على أخلاق الناس وسلوكهم، وأصبح ينادي بزوال المجتمع الإسلامي، وانزواء مبادئه وقيمه العليا إلى دائرة المثالية البعيدة عن الواقع. وهذا ما يخطط له كل عدو للدين، ويثابر من أجله، ويسعى جاهداً إلى تثبيته في النفوس بشتى الوسائل. حتى إذا ما أحكموا الطوق عليها؛ انفرجت أساريرهم الغبراء، ولم يلتفتوا إلى أي عدو آخر.(1/8)
ونحن الآن بكل أسف!! نعيش بوادر هذا الحصار الخانق، ونسمع بين حين وآخر من ينادي إلى نبذ الدين، ويصم أخلاقه وقيمه بالتخلف، ويصفها بالعادات والتقاليد؛ لينتزع احترامها من النفوس ويمهد لنبذها. ونراه يدعو بصفاقة إلى الارتماء في أحضان الغرب المنحل، والاغتراف من مستنقعه النتن. وما درى المسكين أنه أول من يسيء إلى نفسه. فالتقليد والانسياق وراء الغير دون وعي من طبائع الحيوانات العجماء، وصفة ذميمة لا يسرع إليها إلا من فقد التمييز بين الأشياء والقدرة على الاختيار.
ولن ينقذ الأمة من هذا المنزلق الخطر: إلا الرجوع الجاد إلى العقيدة الإسلامية. التي متى ما طبقت تطبيقاً صحيحاً فإن باستطاعتها أن تنتشل المجتمع من وهدته، وتعيد إلى كيانه روح الوحدة والوئام. فالعقيدة الإسلامية بما تمتلكه من مقومات، قادرة بعون الله أن تفتت جميع رواسب الجاهلية، وتمنح المجتمع انطلاقة جديدة نحو التقدم والحضارة.
منهج المؤلف :
تنطلق دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب – برد الله مضجعه – من الكتاب والسنة، وتقدمهما على كل مشرع، وتستأنس بعد ذلك بما ورد من آثار السلف الصالح، التي تعين على فهمهما فهماً صحيحاً، بريئاً من الجنف. وعلى هذا المنوال نسج أئمة الدعوة: من لدن مؤسسها إلى وقتنا الحاضر.
والشيخ سليمان كواحد من أبناء الدعوة الكريمة، لم يحد عن منهجها قط، ولذلك جاءت رسائله وكتبه تنطلق بهذا المنهج الفذ، وتعتمد على نصوص القرآن والسنة وآثار السلف الصالح اعتماداً كلياً، مع المحاولة الجادة في التطبيق، والربط بينهما وبين الواقع العملي الذي يعيشه، بأسلوب علمي رفيع وعبارة رصينة سهلة، لا تتأبا على فهم أحد، ولا تتعسر على مدارك الناس.
وصف النسخ :
توفر لدي عند تحقيق الرسالة، أربع نسخ وهي كما يلي :
الأولى: وتقع ضمن مجموع ضاع معظمه، محفوظ في مكتبة الرياض السعودية بدون رقم.(1/9)
في نحو تسع ورقات، ومسطرتها 23 سطراً، مكتوبة بقلم نسخي جيد، غير أنها خلت من اسم الناسخ وتأريخ النسخ، وهي نسخة تامة مقابلة ومصححة، ولذلك جعلتها أصلاً.
الثانية: وهي أيضاً جزء من مجموعة رسائل للإمام محمد بن عبد الوهاب وبعض أبنائه، وتقع في نحو اثنتي عشرة ورقة، ومسطرتها 16 سطراً، محفوظة في مكتبة الرياض السعودية بدون رقم.
كتبت بقلم نسخي واضح، تتخلله بعض الفراغات البيضاء، وفي آخرها نقص بمقدار ورقة واحدة تقريباً، ورمزت لها بحرف (ض).
الثالثة: وتوجد في ثنايا مجموع من القطع الصغير، حوى بعض رسائل الإمام ابن تيمية ومن بعده من أئمة الدعوة، محفوظ بمكتبة الرياض السعودية بدون رقم.
وتقع في نحو خمس عشرة ورقة، ومسطرتها 15 سطراً، مكتوبة بقلم نسخي جميل، لا يعرف كاتبه ولا تاريخ نسخه، وأظنه ليس ببعيد عن عصر المؤلف، وفيها نقص من أولها يبلغ ثلاث ورقات تقريباً ورمزت لها بحرف (ر).
الرابعة: نشرت مع رسائل لابن تيمية وغيره، في مجموع بعنوان "الجامع الفريد" سنة 1387هـ. تبدأ من صفحة 362 إلى صفحة 370، وقد سجل في أولها ما نصه : (أوثق عرى الإيمان كتب جواباً عن سؤال سئل عنه العلامة الشيخ سليمان بن العلامة الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى أجمعين).
وكتب في نهايتها ما نصه : (انتهى ما نقلناه من تأليف الشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى ..) وهي نسخة خالية من التحقيق، أو الإشارة إلى الأصل الذي اعتمد عليه، وفيها تحريف، ونقص يوازي ثلث الرسالة تقريباً ورمزت لها بحرف (ط) (1).
عنوان الرسالة :
أغفلت جميع النسخ الخطية التي عثرت عليها، الإشارة إلى اسم الرسالة، ولم يذكر إلا في النسخة المطبوعة فحسب.
__________
(1) ينظر : ابن قاسم " الدرر السنية" (5/69) ويلاحظ التطابق الكبير بينها، فلعل إحداهما مأخوذة من الأخرى أو هما عن أصل واحد.(1/10)
ولم أجد أحداً نص على هذا العنوان، وعلى نسبتها إلى المؤلف، غير المستشرق الألماني كارل بروكلمان(1).وعلى أي حال: فأسلوب الرجل وطريقة عرضه وتناوله، لا تختلف عن رسائله الأخرى في قليل ولا كثير، ولا يضر إن هي لم تذكر في ترجمته، لأن المترجمين ما التزموا الاستقصاء حين سردوا مؤلفاته. كما أنها ذكرت ضمن مجاميع رسائل أئمة الدعوة المعروفة المتداولة.
منهج التحقيق :
اعتمدت : النسخة التامة أصلاً، وعولت على ما ورد فيها؛ لصحتها وجودتها، وعارضت النسخ الأخرى بها، وأثبت ما بينها من فروق، ولم أزد على ما في الأصل إلا ما رأيت حاجة النص إليه، فألحقته في الصلب بين حاصرتين، وقمت بعزو الآيات الكريمة وتخريج الأحاديث والآثار، وذكرت ما قاله أهل العلم فيها إن وجد، وترجمت لغير المشاهير، وفسرت ما حسبته غامضاً إلى غير ذلك.
أسأل الله تعالى أن ينفع بها، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا ويرزقنا الصدق في الأقوال والأفعال.
والحمد لله كما يحب ويرضى.
وكتب
الوليد بن عبد الرحمن آل فريان
النص المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي و عليه توكلي (2)
مسألة (3): في أهل بلد مرتدين أو بادية، و هم (4) بنو عم لرجل(5) _ و يجيء لهم ذكر عند الأمراء _ يتسبب بالدفع عنهم(6)، حمية دنيوية، إما بطرح نكال أو دفن نقائص المسلمين، أو يشير بكف المسلمين عنهم. هل يكون هذا موالاة نفاق، أو يصير كفراً(7)؟.
__________
(1) " ملحق تاريخ الأدب" (2/532). وقد طبعت بهذا العنوان لأول مرة في الهند سنة 1312هـ "مجموعة التوحيد".
(2) : وبه نستعين.
(3) : السؤال ما قولكم أدام الله النفع بعلومكم.
(4) : ولهم.
(5) : لرجل. ساقطة.
(6) : فيتسبب في الدفع عنهم بعض أقاربهم ممن هو عند المسلمين.
(7) الأصل: كفر. تحريف.(1/11)
و إن(1) كان ما (2)يقدر من نفسه(3) أن يتلفظ بتكفيرهم(4) وسبهم ما حكمه؟ وكذلك إذا عرفت هذا من إنسان ما يجب عليك؟. [أفتنا](5) مأجوراً، وبين لنا(6). وجه الدليل على النفاق أو الكفر؟ جزاك الله خيراً(7).
الجواب(8): الحمد لله رب العالمين.
يجب أن تعلم(9) أولاً(10) أيدك الله تعالى بتوفيقه: أن أوثق عرى الإيمان، الحب في الله والبغض في الله وأن الله افترض على المؤمنين (11)عداوة(12) الكفار والمنافقين، وجفاة الأعراب الذين يعرفون بالنفاق، ولا يؤمنون بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأمر (13)بجهادهم، والإغلاظ عليهم بالقول والعمل(14).
و توعدهم(15) باللعن والقتل في قوله(16): (ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً) (17)، وقطع الموالاة بين المؤمنين وبينهم، وأخبر أن من تولاهم(18) فهو منهم. وكيف يدعي رجل محبة الله، وهو يحب أعداءه الذين ظاهروا الشيطان(19) على ربهم، واتخذوه ولياً(20) من دون الله كما قيل:
تحب عدوي ثم تزعم أنني …………صديقك إن الود عنك لعازب
__________
(1) : و إذا.
(2) : لا.
(3) : من نفسه. ساقطة.
(4) : بكفرهم.
(5) ساقط من الأصل.
(6) : لنا. ساقطة.
(7) ما بينهما ساقط من (ط)
(8) : فالجواب.
(9) : اعلم.
(10) ما بين الحاصرتين من (ط)
(11) : المسلمين.
(12) : عداوة المشركين من.
(13) : و أن الله أمرهم.
(14) قال تعالى: (يأيها النبي جاهد الكفار و المنافقين واغلظ عليهم و مأواهم جهنم وبئس المصير) [سورة التحريم: آية 9]
(15) : و توعدهم الله تعالى.
(16) : بقوله.
(17) سورة الأحزاب: آية 61
(18) : تولهم.
(19) : الشياطين.
(20) : على عدوانهم واتخذوهم أولياء.(1/12)
و بالجملة: فالحب في الله والبغض في الله، أصل عظيم من أصول الدين(1)، يجب على العبد مراعاته؛ ولهذا جاء في الحديث: ((أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله))(2)، وكذلك (3).
أكثر الله من ذكره في القرآن، قال الله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء)(4) الآية.
قال بعض المفسرين: نهو أن يوالوا الكافرين ؛ لقرابة بينهم، أو صداقة قبل الإسلام، أو غير ذلك من الأسباب التي يتصادق بها ويتعاشر.
__________
(1) : الإيمان.
(2) …أخرجه أحمد في ((المسند)) (4/286) وابن أبي شيبة في كتاب الإيمان: رقم 110، و الطيالسي في ((المسند)) رقم (747)، وابن أبي الدنيا في ((الإخوان)) رقم (1) عن البراء بن عازب , قال الهيثمي: (1/90): وفيه ليث ابن أبي سليم. و أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (11/41) بلفظ (أوثق عرى الإسلام) و أخرجه الطبراني في ((الكبير)) (11/215) عن ابن عباس.
وأخرجه عنه الحاكم في ((المستدرك)) (2/480) و تعقبه الذهبي.
و أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (11/48) و الطيالسي في ((المسند)) (منحة): (1/378) و الطبراني في ((الكبير)) (10/272) ((و الصغير)) (1/123)، و الحاكم في ((المستدرك)) (2/480) و البيهقي في كتاب الأدب: رقم 228، و الخرائطي في ((المنتقى)) للسلفي: رقم 379 من حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه.
قال الهيثمي: (1/90): فيه عقيل بن الجعد. و حسنه الألباني في ((صحيحته)) حديث رقم 1728 و تعليقاته على ((الإيمان)) لابن أبي شيبة: 45.
(3) : و لذلك.
(4) سورة آل عمران: آية 28.(1/13)
/ وقوله: (من دون المؤمنين) يعني أن لكم في موالاة المؤمنين مندوحة(1) عن موالاة الكافرين(2)، فلا تؤثروهم (3)عليهم (ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء) أي ومن يتول(4) الكفرة، فليس من ولاية الله في شيء يقع عليه اسم الولاية. يعني أنه منسلخ من ولاية الله رأساً.
وهذا أمر معقول: فإن موالاة الولي وموالاة عدوه متنافيان.
وقوله(5): (إلا أن تتقوا منهم تقاة) رخص(6) لهم في موالاتهم إذا خافوا، ولم(7) يحسنوا معاشرتهم إلا بذلك، وكانوا معهم(8) مقهورين لا يستطيعون إظهار العداوة والبغضاء (9)لهم، فحينئذ تجوز المعاشرة ظاهراً(10)، والقلب مطمئن بالعداوة والبغضاء، حتى يزول(11) المانع كما قال تعالى:(إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)(12).
قال ابن عباس: ليس التقية بالعمل، إنما التقية باللسان(13).
__________
(1) أي: سعة و بد. الأساس / 945
(2) : الكفار.
(3) : تأثروهم. تحريف.
(4) الأصل: يوالي. ولعل المثبت هو الصواب
(5) : وقوله. ساقطة.
(6) : ورخص، (ط): فرخص.
(7) : فلم.
(8) : معهم. ساقطة.
(9) و (ط): و البغضاء. ساقطة.
(10) : ظاهرة.
(11) : منتصر زوال، (ط): ينتظر زوال.
(12) سورة النحل: آية 106.
(13) أخرجه ابن جرير في ((التفسير)) (3/228) وصالح بن أحمد في ((المسائل)) رقم (571) وابن أبي حاتم كما في ((الدر)) (2/176) و الحاكم في ((المستدرك)) (2/291)، و البيهقي في ((السنن)) (8/209) من طريق العوفي عنه.(1/14)
وقال أيضاً: نهى الله المؤمنين أن(1) يلاطفوا الكفار، ويتخذوهم وليجة من دون المؤمنين، إلا أن يكون الكفار عليهم (2)ظاهرين؛ فيظهرون لهم اللطف، ويخالفونهم في الدين، وذلك قوله: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) ذكره ابن جرير وابن أبي حاتم.(3) . (4)
__________
(1) : عن. تحريف.
(2) : عليهم. ساقطة.
(3) أخرجه ابن جرير في ((التفسير)) رقم (6825)، وابن المنذر، وابن أبي حاتم كما في ((الدر المنثور)) (2/176) من طريق علي.
(4) و التقاة: ليست الكذب و القول باللسان ما ليس في القلب، فإن هذا نفاق و لكن بفعل ما يقدر عليه، كما في ((صحيح مسلم)) عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده..)) الحديث. فالمؤمن إذا كان بين الكفار و الفجار لم يكن عليه أن يجاهدهم بيده مع عجزه، و لكن إن أمكنه بلسانه و إلا فبقلبه، مع أنه لا يكذب و يقول بلسا نه ما ليس في قلبه، كمؤمن آل فرعون، يكتم إيمانه، ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه. ففرق بين الكذب و الكتمان. فكتمان ما في النفس يستعمله المؤمن حيث يعذره الله في الإظهار، و أما الذي يتكلم بالكفر فلا يعذره إلا إذا أكره. و المنافق الكذاب لا يعذر بحال. و هكذا ما يفعله الرافضة فحالهم من جنس حال المنافقين، لا من جنس حال المكره الذي أكره على الكفر و قلبه مطمئن بالإيمان، فإن هذا الإكراه لا يكون عاماً من جمهور بني آدم ؛ و لذلك تجد الرافضي لا يعاشر أحداً إلا استعمل معه النفاق ولو كان من ضعفاء الناس، ومن لا حاجة به إليه، لأن دينه الذي في قلبه دين فاسد، يحمله على الكذب و الخيانة و غش الناس، و إرادة السوء بهم، فهو لا يألوهم خبالاً، ولا يترك شراً يقدر عليه إلا فعله بهم، فرأس مال الرافضة التقية التي هي رديفة النفاق، و بين أرواحهم و أرواح المنافقين اتفاقاً محضاً و تشابهاً و تشاكلاً، وفي وجوههم الذلة و الصغار و الخذلان. ينظر ((منهاج السنة النبوية)) (6/421 _ 426).(1/15)
وقال تعالى: (يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين)(1) الآية. قال القرطبي(2): أي(3) لا تجعلوا خاصتكم وبطانتكم منهم (4).
و(5) قال تعالى: (يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم) إلى قوله(6): (فإن حزب الله هم الغالبون)(7).
قال حذيفة رضي الله عنه: ليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يشعر وتلا هذه الآية: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) (8).
وقال مجاهد(9) في قوله: (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم)(10) قال: هم (11)المنافقون في مصانعة اليهود، وملاحاتهم (12)و استرضاعهم أولادهم إياهم(13).
وقال علي رضي الله عنه في قوله: (أذلة على المؤمنين) قال: أهل رقة على أهل دينهم (أعزة على الكافرين)(14) قال: أهل غلظة على من خالفهم في دينهم(15) ومعناه(16) / عن غير واحد من السلف(17).
__________
(1) سورة النساء: آية 144.
(2) محمد بن أحمد بن أبي بكر الأنصاري الخزرجي صاحب التفسير ت 671 _ ((الدليل الشافي)) (2/586).
(3) : أي. ساقطة.
(4) الجامع لأحكام القرآن)) (5/425).
(5) : و. ساقطة.
(6) : الآيات إلى قوله، و (ط): إلى آخرقوله.
(7) سورة المائدة: الآيات 51_56
(8) أخرجه عبد بن حميد كما في ((الدر المنثور)) (3/100)
(9) أبو الحجاج بن جبر المخزومي مولاهم المكي، ثقة، إمام في التفسير و في العلم ((تقريب)) (2/30).
(10) سورة المائدة: آية 52
(11) : هم. ساقطة.
(12) : و مداخلتهم.
(13) أخرجه ابن جرير في ((التفسير)) رقم (12168)، وعبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم، و أبو الشيخ كما في ((الدر المنثور)) (3/101).
(14) سورة المائدة: آية 54
(15) أخرجه ابن جرير في ((التفسير)) رقم (12203).
(16) : وكذا نقل معناه.
(17) ينظر: ((الدر المنثور)) (3/103).(1/16)
وقال(1) تعالى: (يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء) (2) الآية (3).
وقال تعالى: (ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون *) (4)و الآية بعدها، وقال تعالى: (يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير) (5).
فقد أمر الله تعالى بجهاد الكفار والمنافقين مع دعواهم الإسلام وأمر بالإغلاظ عليهم قولاً وفعلاً.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما في الآية: جاهد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان. (واغلظ عليهم) قال: أذهب الرفق عنهم (6).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه في الآية (7): (جاهد الكفار والمنافقين) قال: بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وليلقه بوجه مكفهر، أي: عابس متغير (8) من الغيظ والبغض. ذكرهما (9) ابن أبي حاتم(10) وجاء معناه في حديث مرفوع رواه البيهقي في ((الشعب))(11).
__________
(1) من هنا تبدأ نسخة (ر) .
(2) سورة المائدة: آية 57.
(3) : الآية. ساقطة.
(4) سورة المائدة: آية 80.
(5) سورة التوبة: آية 73، وسورة التحريم: آية 9.
(6) أخرجه البيهقي في " السنن"، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردوية كما في " الدر المنثور" (4/239).
(7) : فالآية، (ط) ساقطة.
(8) الأصل: متغيض. تحريف.
(9) : ذكره.
(10) كما في ((الدر)) (4/239) و أخرجه أيضاً ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف، وابن المنذر، و أبو الشيخ، وابن مردوية كما في المصدر السابق.
(11) كما في المصدر السابق.(1/17)
وقال تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ءاباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم)(1) الآية. فنفى(2) سبحانه الإيمان عمن هذا شأنه، ولو كانت موادته (3)و محبته، ومناصحته لأبيه وأخيه(4) ونحوهم(5)، فضلا ً عن غيرهم.
وقال تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار)(6).
قال ابن عباس: (ولا تركنوا) قال: لا تميلوا (7). وقال عكرمة (8): أن تطيعوهم أو تودوهم أو تصطنعوهم (9). معنى(10) (أو تصطنعوهم) أي: تولونهم (11) الأعمال. كمن يولي الفساق والفجار.
وقال الثوري (12) ومن لاق (13)لهم دواة أو برى لهم قلماً، أو ناولهم قرطاساً دخل في هذا(14).
قال بعض المفسرين في الآية: والنهي(15) متناول للانحطاط في هواهم(16)، والانقطاع إليهم ومصاحبتهم، ومجالستهم وزيارتهم، و مداهنتهم و الرضى بأعمالهم، و التشبه بهم و التزيي بزيهم، ومد العين إلى زهرتهم، و ذكرهم بما فيه تعظيم لهم.
وتأمل قوله: (ولا تركنوا) و الركون(17): هو الميل اليسير.
__________
(1) سورة المجادلة: أية 22.
(2) : نفى.
(3) : مودته.
(4) ، و (ر)، و (ط): و أخيه وابنه.
(5) : ونحوهم. ساقطة.
(6) سورة هود: آية 113
(7) أخرجه الطبري في ((التفسير)) (12/127). وابن المنذر كما في ((الدر المنثور)) (4/480).
(8) عكرمة بن عبد الله: مولى ابن عباس، أصله بربري ثقة عالم بالتفسير. ((تقريب)) (2/30).
(9) أخرجه أبو الشيخ كما في ((الدر)) (4/480).
(10) الأصل: و معناه و معنى، (ض)، (ر): ومعناه.
(11) : تولوهم.
(12) أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة، ت 161 هـ. ((تقريب)) / 244.
(13) أي أصلح مدادها. ((المعجم)) (5/222).
(14) أخرجه أحمد في ((الورع)) (93)
(15) : فالنهي.
(16) : هوتهم.
(17) الأصل: و الركن.(1/18)
وقال تعالى: (يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوى و عدوكم أولياء / تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق) إلى قوله: (ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)(1). وصح أن صدر هذه السورة، نزل(2) في حاطب بن أبي بلتعة (3)، لما كتب إلى المشركين يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم(4).
وجاء(5) في تفسير قوله تعالى: (لا تجد قوما ً يؤمنون بالله و اليوم الآخر) الآية: أنها نزلت(6) في أبي عبيدة بن الجراح، لما قتل أباه يوم بدر. كما رواه الطبراني و ابن أبي حاتم(7) و الحاكم(8) وغيرهم(9).
وعن ابن جريج(10) قال: (حدثت أن أبا قحافة سب النبي صلى الله عليه وسلم، فصكه أبو(11)صكة [فـ](12) سقط.فذكر ذلك(13) للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفعلت يا أبا(14) بكر؟ فقال: و الله لو كان السيف قريب مني لضربته.
__________
(1) سورة الممتحنة: الآيات(1_9).
(2) : نزلت.
(3) اللخمي: حليف قريش، صحابي شهد بدراً ومات سنة ثلاثين. ((الإصابة)) (1/300).
(4) اخرجه البخاري في ((الصحيح)) الأرقام (4890،4274،3983) ومسلم في ((الصحيح)) رقم (2494).
(5) ، و (ر)، و (ط): إليهم وجاء.
(6) : نزلت. ساقطة.
(7) كما في ((الدر المنثور)) (8/86) بإسناد جيد كما قال الحافظ في ((الإصابة)) (2/252)
(8) المستدرك)) (3/265)
(9) و أخرجه أبو نعيم في ((الحلية)) (1/101)، و البيهقي في ((السنن)) (9/27) وابن عساكر كما في ((الدر)) (8/86) عن عبد الله بن شوذب.
(10) عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم. ثقة فقيه فاضل، و كان يدلس و يرسل، ت 150 هـ. ((تقريب)) / 363.
(11) : أبي. تحريف.
(12) ساقط من جميع النسخ.
(13) : ذلك. ساقطة.
(14) : أبي. تحريف.(1/19)
فنزلت: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله و اليوم الآخر) الآية. رواه [ابن](1) المنذر (2). وهذا ـ و الله أعلم ـ في أول الإسلام؛ فإن أبا قحافة أسلم عام الفتح(3)، فلم يكن ليسب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الإسلام. و أبو بكر خرج مهاجراً من مكة، ولم يعد إليها إلا بعد الإسلام ـ أو في عمرة(4) ـ مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن عباس رضي عنهما: من أحب في الله و أبغض في الله، و عادى في الله ووالى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك. رواه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم (5).
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) كما في ((الدر المنثور)) (8/86) وذكره الواحدي في ((أسباب النزول)) / 277، ونقله الثعلبي كما في ((تخريج أحاديث الكشاف)) / 166 عن ابن جريج مرسلاً.
(3) أخرج ابن سعد في ((الطبقات)) (5/451) عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة واطمأن، و جلس في المسجد. أتاه أبو بكر بأبي قحافة ـ عثمان بن عامر ـ فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا بكر ألا تركت الشيخ حتى أكون أنا الذي أمشي إليه؟ قال: يا رسول الله هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ووضع يده على قلبه، ثم قال: يا أبا قحافة أسلم تسلم. قال فأسلم و شهد شهادة الحق. الحديث، و أخرجه ابن إسحاق في المغازي بإسناد صحيح كما قال الحافظ في ((الإصابة)) (2/461) .
(4) عمرة القضية في ذي القعدة سنة سبع من مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم ((طبقات ابن سعد)) (2/120).
(5) كما في ((الدر المنثور)) (8/87)، و أخرجه أيضاً الحكيم الترمذي في نوادره كما في المصدر السابق.(1/20)
وفي حديث رواه أبو نعيم و غيره عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أوحى الله إلى نبي من الأنبياء، أن قل(1) لفلان العابد: أما زهدك في الدنيا، فتعجلت راحة نفسك، و أما انقطاعك إلي فتعززت بي(2)، فماذا (3)عملت فيما لي عليك. قال: يارب وما [لك] (4)علي؟ قال: هل واليت لي ولياً، أو عاديت لي عدواً)) (5).
وقال تعالى: ((و الذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض و فساد كبير)(6) فعقد تعالى الموالاة بين المؤمنين،وقطعهم من ولاية (7)الكافرين. و أخبر أن الكفار بعضهم أولياء بعض، و أنهم(8) إن لم يفعلوا ذلك، وقع من الفتنة و الفساد الكبير شيء عظيم. و كذلك يقع!!!.
فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد، أو (9)علم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، إلا بالحب في الله و البغض في الله، و المعاداة في الله و الموالاة في الله. و لو كان / الناس متفقين (10)على طريقة واحدة،
ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء، لم يكن فرقانا(11) بين الحق و الباطل، ولا بين المؤمنين و الكفار، ولا بين أولياء الرحمن و أولياء الشيطان.
والآيات في هذا كثيرة.
وأما الأحاديث: فروى أحمد عن البراء بن عازب مرفوعاً(12): ((أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله))(13).
__________
(1) : أقل. تحريف.
(2) ، و (ر)، و (ط): به.
(3) ، (ط): فما.
(4) إضافة من (ض)، و (ر)، و (ط).
(5) حلية الأولياء)) (10/6)، وأخرجه الخطيب البغدادي في ((التاريخ)) (3/202)
(6) سورة الأنفال: آية 73.
(7) : موالاة.
(8) ، و (ر)، و (ط): أنهم. ساقطة.
(9) ، (ر)، (ط): و.
(10) الأصل:: متفقون. تحريف.
(11) : فرقا، و (ر): فرقان.
(12) : مرفوعا. ساقطة.
(13) تقدم تخريجه.(1/21)
وفي حديث مرفوع: ((اللهم لا تجعل للفاجر عندي يداً ولا نعمة، فيوده قلبي. فإني وجدت فيما أوحيت(1) إلي: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله)(2) الآية)) رواه ابن مردوية (3)و غيره.
وعن أبي ذر مرفوعاً: ((أفضل الأعمال: الحب في الله، و البغض في الله)) رواه أبو داود(4) [ورواه أحمد مطولاً] (5).(6).
وفي ((الصحيحين)) عن ابن مسعود مرفوعاً: ((المرء مع من أحب))(7).
وعن أبي(8) سعيد(9) مرفوعاً: ((لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي)) رواه ابن حبان في ((صحيحه))(10)
وعن علي(11) مرفوعا: ((لا يحب رجل(12) قوماً إلا حشر معهم)) رواه الطبراني(13) بإسناد جيد(14). قاله المنذري (15).
وقد روى أحمد(16) معناه عن عائشة بإسناد جيد أيضاً(17).
__________
(1) : أوحى.
(2) سورة المجادلة: آية 22.
(3) كما في ((الدر المنثور)) (8/87) و أخرجه أيضاً الديلمي من طريق الحسن عن معاذ كما في المصدر السابق، ورواه أبو أحمد العسكري عن الحسن مرسلاً كما في ((تفسير ابن كثير)) (8/80).
(4) السنن)) رقم (4599). وذكره الحافظ في ((الفتح)) (1/47) وسكت عليه.
(5) ساقط من الأصل.
(6) المسند: (5/146).
(7) صحيح البخاري)) رقم (6168)، و ((صحيح مسلم)) رقم (2641)، وأخرجه أحمد في ((المسند)) (4/395،392).
(8) : ابن. تحريف.
(9) ، و (ر)، و (ط): مسعود. تحريف.
(10) صحيح ابن حبان)) رقم (2049) (موارد)، و أخرجه أبو داود في ((السنن)) رقم (4832)، و الترمذي في ((الجامع)) رقم (2397).
(11) : عليا. تحريف.
(12) : رجلا. تحريف.
(13) المعجم الصغير)) رقم (874) و ((الأوسط)) كما في ((مجمع الزوائد)) (10/280) قال الهيثمي: و فيه محمد بن ميمون الخياط، وقد وثق، و بقية رجاله رجال الصحيح.
(14) الترغيب و الترهيب)) (4/28)
(15) ، و (ر): المنذر، و (ط): ابن المنذر.
(16) المسند)) (6/160،145)
(17) الترغيب و الترهيب)) (4/28)(1/22)
وعنها أيضاً(1): ((الشرك أخفى من دبيب الذر على الصفا، في الليلة الظلماء، و أدناه: أن تحب على شيء من الجور، وتبغض على شيء من العدل، وهل الدين إلا الحب و البغض (2). قال الله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله)(3) الآية)) رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد(4).
فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم(5): الحب على شيء من الجور و إن قل، و البغض على شيء من العدل و إن قل من الشرك.
فليفكر العاقل في هذا الحديث (6)، و ليحذر(7) أشد الحذر من موادة أعداء الله من الكفار و المنافقين.
__________
(1) ، و (ر)، و (ط): عنها مرفوعاً.
(2) : إلا الحب في الله و البغض في الله
(3) سورة آل عمران: آية 31.
(4) المستدرك)) (2/291)، و أخرجه ابن أبي حاتم، و أبو نعيم، كما في ((الدر)) (2/27). قال الذهبي: " عبد الأعلى. قال: الدارقطني: ليس بثقة". لكن يصح بشواهده كما قال الألباني. " صحيح الجامع" رقم (3624).
(5) ، (ر)، (ط): النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث.
(6) ما بينهما ساقط من (ض)، و (ر)،و (ط)
(7) ,و (ر)، و (ط)، فليحذر.(1/23)
و(1)عن بريدة مرفوعاً: ((لا تقولوا للمنافق(2): سيد(3)، فإنه [إن](4) يكن سيداً فقد أسخطتم ربكم عز و جل)) رواه أبو داود و النسائي(5) بإسناد صحيح (6)، ورواه الحاكم ولفظه: ((إذا قال الرجل للمنافق يا سيدي (7)، فقد أغضب ربه عز و جل)) و قال: صحيح الإسناد(8).
وعن ابن مسعود مرفوعاً ((مثل الذي يعين قومه على غير الحق، كمثل بعير تردى في بئر فهو ينزع(9) بذنبه)) رواه(10) أبو داود وابن حبان(11).
قال المنذري(12): و معنى الحديث: أنه قد(13) وقع في الإثم، وهلك كالبعير إذا تردى في بئر / فصار ينزع بذنبه، فلا يقدر على الخلاص. و الأحاديث في ذلك كثيرة.
فصل: في ذكر(14) الآثار عن السلف في ذلك (15)
وهي كثيرة. فنذكر منها(16) بعضها:
__________
(1) ما بينهما ساقط من (ض)
(2) للمنافقين.
(3) الأصل و (ر)، و (ط): سيدا. تحريف.
(4) ساقط من الأصل و (ر).
(5) سنن أبي داود)) رقم (4977)، و ((عمل اليوم و الليلة)) للنسائي: رقم (244)، وعنه ابن السني: رقم 391. و أخرجه أحمد في ((المسند)) (5/347،346)، و البخاري في ((الأدب)) رقم (760) وابن أبي الدنيا في ((الصمت)) رقم (366).
(6) كما قال النووي في ((الأذكار))(311) و ((رياض الصالحين)) (653)، و الذهبي في ((الكبائر)) (175)، و الألباني في ((صحيحته) رقم (371).
(7) ، (ر): سيداً.
(8) المستدرك)) (4/311)، و أخرجه أحمد في ((مسنده)) (5/346)
(9) الأصل: ينزع منها.
(10) الأصل: ورواه.
(11) السنن)) رقم (5117)، و ((صحيح ابن حبان)) رقم (1198) (موارد) و أخرجه أبو يعلى في ((المسند)) رقم (5304) و أحمد في ((المسند)) (1/ 393، 401) و ذكره الألباني في ((صحيح الجامع)) رقم (5714)
(12) ، و (ر): المنذر، و (ط): ابن المنذر.
(13) و (ر)، و (ط): قد. ساقطة.
(14) ما بينهما بياض في (ض)
(15) : في ذلك. ساقطة.
(16) : منها. ساقطة.(1/24)
قال تعالى: (يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر قد بيننا لكم الآيات إن كنتم تعقلون * هأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله و إذا لقوكم قالوا ءامنا و إذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور *) (1)و الآية بعدها.
قال ابن عباس في الآية: كان(2) رجال من المسلمين، يواصلون رجالاً من اليهود ؛ لما كان بينهم من الجوار و الحلف في الجاهلية، فأنزل الله فيهم ينهاهم عن مباطنتهم(3) تخوف(4) الفتنة عليهم (يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم) [الآية. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم(5).
وعنه أيضاً (لا تتخذوا بطانة من دونكم)](6) قال: هم المنافقون.
رواه ابن أبي حاتم(7).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قيل له: إن هنا(8) غلاماً من أهل الحيرة، حافظاً كاتباً، فلو اتخذته كاتباً. قال(9): قد اتخذت إذن بطانة من دون المؤمنين. رواه ابن أبي شيبة(10).
__________
(1) سورة آل عمران: الآيتان 118، 119.
(2) : كان. ساقطة.
(3) ، (ر)، (ط): بطانتهم. تحريف.
(4) : الخوف.
(5) تفسير ابن جرير)) رقم (7680) و ((تفسير ابن أبي حاتم)) كما في ((الدر المنثور)) (2/299)، و أخرجه ابن إسحاق، و إبن المنذر كما في المصدر السابق.
(6) ما بينهما ساقط من الأصل و (ط). وهو انتقال نظر من الناسخ.
(7) كما في المصدر السابق، و أخرجه ابن جرير في ((التفسير)) رقم (7683)
(8) الأصل، و (ض)، و (ر): هذا.
(9) ، و (ر): فقال.
(10) ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (8/658)، و أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم كما في ((الدر المنثور)) (2/300)(1/25)
وعن الربيع(1) (لا تتخذوا بطانة) يقول (2): لا تستدخلوا المنافقين تتولوهم (3)دون المؤمنين(4).
وفي تفسير القرطبي في الكلام على هذه الآية: نهى الله سبحانه و تعالى المؤمنين بهذه الآية، أن يتخذوا (5)[من](6) الكفار(7) و اليهود، وأهل الأهواء دخلاء وولجاء(8) يفاوضونهم في الآراء، و يسندون إليهم أمورهم.
ويقال: كل من كان على خلاف مذهبك و دينك (9)، لا ينبغي أن تخادنه(10).
قال(11) [الشاعر] (12):
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه(13) ………فكل قرين بالمقارن يقتدي(14).
وفي سنن أبي داود، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل))(15).
__________
(1) الربيع بن أنس البكري البصري ت 139 هـ. ((تهذيب)) (3/239).
(2) : قال.
(3) الأصل: تتولهم. (ض)، و (ر)، و (ط): تتولونهم.
(4) أخرجه ابن جرير في ((التفسير)) رقم (7684)
(5) : تتخذوا. تحريف.
(6) ساقط من الأصل.
(7) : الكافرين.
(8) : وولائج.
(9) : دينك و مذهبك.
(10) : تحادثه.
(11) : كما قال.
(12) ساقط من الأصل و (ر)، و (ض)، و في (ط): القائل شعراً.
(13) الأصل: خليله.
(14) من قصيدة لعدي بن زيد العبادي. ينظر الشاعر عدي بن زيد. تأليف محمد الهاشمي (172)، وفي ديوان طرفة بن العبد برواية الأعلم / 151.:
عن المرء لا تسأل و أبصر قرينه ………فإن القرين بالمقارن مقتد
وقبله:
لعمرك ما أدري و إني لواجل ………أفي اليوم إقدام المنية أو غد
(15) السنن)) رقم (4833) و أخرجه الترمذي في ((الجامع)) رقم (2379)، وقال: هذا حديث حسن غريب.
و أخرجه أيضاً أحمد في ((المسند)) (2/334،303) و الحاكم في ((المستدرك)) (4/171)، و الخرائطي في ((المكارم)) (المنتقى للسلفي) رقم (481،359)، و أبو نعيم في ((الحلية)) (3/165)، وابن بطة في ((الإبانة)) رقم (357،356،354). وذكره الألباني في ((صحيحته)) رقم (927).(1/26)
وروي عن ابن مسعود أنه قال: اعتبروا الناس بأخدانهم (1).
ثم بين [تعالى](2) المعنى الذي من أجله(3) نهي(4) عن المواصلة فقال (5)/ (لا يألونكم خبالاً) يعني فساداً. يعني لا يتركون [الجهد](6) في(7) فسادكم.
قال(8): وقدم(9) أبو موسي الأشعري على عمر رضي الله عنهما بحساب، فرفعه(10) إلى عمر، فأعجبه. [و جاء عمر كتاب] (11)فقال لأبي موسي: أين كاتبك يقرأ هذا الكتاب على الناس؟. فقال: إنه لا يدخل المسجد !. فقال: [لم](12) !! أجنب هو؟ ! قال: إنه نصراني !!.
قال: فانتهزه و قال: لا تدنهم وقد أقصاهم الله، ولا تكرمهم وقد أهانهم الله، ولا تأمنهم وقد خونهم الله (13).
__________
(1) في ((التفسير)) بإخوانهم. و أخرج الأثر: ابن بطة في ((الإبانة)) رقم (376، 501).
(2) إضافة من ((التفسير))
(3) : لأجله.
(4) : ينهى. (ط): ورد النهي.
(5) : ثم قال. و (ط): قال.
(6) إضافة من ((التفسير)).
(7) : في. ساقطة.
(8) القرطبي في ((الجامع لأحكام القرآن)) (4/179)
(9) : وقد مر.
(10) : فرفعه. ساقطة.
(11) الإضافة من ((تفسير القرطبي)) (4/179)
(12) إضافة من (ض) و (ر)، و (ط)، و التفسير).
(13) أخرجه البيهقي في ((السنن الكبري)) (10/127)، وابن أبي حاتم و البيهقي في ((شعب الإيمان)) كما في ((الدر المنثور)) (3/100) عن عياض. و ينظر: ابن القيم ((أحكام أهل الذمة)) (1/208).(1/27)
ومن كتاب الإمام محمد بن وضاح(1): قال أسد بن موسى(2). (3): جاء في الأثر. من جالس صاحب بدعة (4)، نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه، ومن مشى إلى صاحب بدعة فقد مشى في هدم الإسلام (5).
وقال الأوزاعي(6): كانت أسلافكم تشتد عليهم ـ أي على أهل البدع ـ ألسنتهم، و تشمئز منهم (7)قلوبهم، و يحذرون، الناس بدعتهم (8).
وعن الحسن(9) قال: لا تجالس (10)صاحب بدعة فإنه يمرض قلبك (11).
وقال إبراهيم (12).(13): لا تجالسوا أهل البدع، ولا تكلموهم(14).
فإني أخاف أن ترتد قلوبكم(15). روى هذه الآثار ابن وضاح(16).
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رضي الله عنه(17): و اعلم(18) رحمك الله أن كلام السلف،في معاداة أهل البدع و الضلالة: [في](19) ضلالة لا تخرج عن الملة. انتهى كلامه(20).(21).
__________
(1) أبو عبد الله بن بزيع مولى عبد الرحمن بن معاوية، الحافظ الأندلسي القرطبي ت 286هـ. ((اللسان)) (5/416).
(2) أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي، أسد السنة، صدوق يغرب و فيه نصب، ت 212هـ ((تقريب)) / 104.
(3) ، و (ر)، و (ط): سئل ابن. تحريف.
(4) ما بينهما ساقط من (ط)
(5) كتاب البدع)) /7، و أخرجه ابن بطة في ((الإبانة)) رقم (434).
(6) أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ثقة جليل. ((تقريب)) (1/493).
(7) الأصل (ض): منه.
(8) كتاب ((البدع)) / 4.
(9) البصري
(10) : تجالسوا. تحريف.
(11) كتاب ((البدع)) / 47.
(12) : إبراهيم النخعي.
(13) أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي الكوفي الفقيه. ثقة يرسل. ((تقريب)) (1/46).
(14) : ولا تواكلوهم. تحريف.
(15) كتاب ((البدع)) /49.
(16) في كتاب ((البدع و النهي عنها)). مطبوع متداول.
(17) : رحمه الله.
(18) : أعلم.
(19) ساقط من جميع النسخ.
(20) ما بينهما ساقط من (ط)، وكتب بجواره في (ر): اشكال.
(21) مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد)) للشيخ محمد بن عبد الوهاب /34.(1/28)
فإذا كان هذا كلام(1) السلف، و تشديدهم في معاداة أهل البدع و الضلال(2)، و نهيهم عن مجالستهم مع كونهم مسلمين(3). فما ظنك بمجالسة الكفار و المنافقين، و جفاة الأعراب ـ الذين لا يؤمنون بالله ورسوله ـ و السعي في مصالحهم، و الذب عنهم، و تحسين حالهم
مع كونهم بين اثنين (4): إما كافر أو منافق. ومن يتهم (5)بمعرفة الإسلام(6) منهم قليل جداً(7).
فهذا من رؤوسهم و أصحابهم، وهو معهم يحشر(8) يوم القيامة.
قال الله تعالى: (احشروا الذين ظلموا و أزواجهم)(9) الآية. و قال تعالى: (و إذا النفوس زوجت)(10) .
وقد تقدم الحديث: ((لا يحب رجل قوماً إلا حشر معهم)).
……فصل: في التنبيه على حاصل ما تقدم
قد(11) نهي الله سبحانه عن موالاة الكفار، وشدد في ذلك، و أخبر أن من تولاهم فهو(12) منهم. و كذلك جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
و أخبر النبي /صلى الله عليه وسلم أن من أحب قوماً حشر معهم.
و يفهم مما (13)ذكرنا في(14) الكتاب و السنة و الآثار عن السلف:
أمور من فعلها دخل في تلك الآيات، و تعرض للوعيد(15) بمسيس النار. نعوذ بالله من موجبات غضبه و أليم عقابه
أحدهما: التولي العام.
الثاني: المحبة و المودة(16) الخاصة.
__________
(1) : الكلام كلام.
(2) : الضلالات.
(3) : مع كونهم مسلمين. ساقط.
(4) ، و (ط): اثنتين.
(5) : يهتم.
(6) أي يظن به ذلك.
(7) : جداً. ساقطة.
(8) : يحشر معهم.
(9) سورة الصافات: آية 22
(10) سورة التكوير: آية 7.
(11) : فقد.
(12) : فإنه.
(13) : ما.
(14) ، و (ر)، و (ط): من.
(15) ، و (ر): الوعيد.
(16) : المودة و المحبة.(1/29)
الثالث: الركون القليل. قال الله تعالى: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً ** إذا لأذقناك ضعف الحياة و ضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً *)(1) فإذا كان هذا الخطاب، لأشرف مخلوق صلوات(2) الله وسلامه عليه. فكيف بغيره؟.
الرابع: مداهنتهم، و مداراتهم.(3) قال الله تعالى: (ودوا لو تدهن فيدهنون)(4)
الخامس: طاعتهم فيما يقولون، و فيما يشيرون به(5). قال(6) تعالى: (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه و كان أمره فرطاً)(7).
وقال تعالى: (ولا تطع كل حلاف مهين). (8). (9)
السادس: تقريبهم في المجلس (10)، و الدخول [بهم](11) على أمراء الإسلام.
السابع: مشاورتهم في الأمور.
الثامن: استعمالهم في أمر(12) من أمور المسلمين. أي أمر كان: إمارة، أو عمالة، أو كتابة، أو غير ذلك.
التاسع: اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين.
العاشر: مجالستهم و مزاورتهم، و الدخول عليهم.
الحادي عشر: البشاشة لهم، و طلاقة الوجه (13).
الثاني عشر: الإكرام العام
الثالث عشر: استئمانهم و قد خونهم الله.
الرابع عشر: معاونتهم في أمورهم، ولو بشيء يسير(14)، كبري القلم و تقريب الدواة ليكتبوا ظلمهم.
الخامس عشر: مناصحتهم.
السادس عشر: اتباع أهوائهم.
السابع عشر: مصاحبتهم و معاشرتهم.
الثامن عشر: الرضى بأعمالهم أو(15) التشبه بهم و التزيي بزيهم(16).
__________
(1) سورة الإسراء: الآيتان 75،74
(2) : صلاة.
(3) من هنا إلى قوله: ((يشيرون به)) ساقط من (ط).
(4) سورة القلم: آية 9.
(5) ، و (ر): به. ساقط.
(6) ، و (ر): كما قال.
(7) سورة الكهف: آية 28.
(8) سورة القلم: آية 10.
(9) ، و (ر)، و (ط): ولا تطع كل حلاف مهين الآيات.
(10) : الجلوس.
(11) ساقط من الأصل و (ط).
(12) الأصل: أمور.
(13) : و الطلاقة.
(14) ، و (ر)، و (ط): قليل.
(15) ، و (ر)، و (ط): و.
(16) : و التزيي بزيهم. ساقط.(1/30)
التاسع عشر: ذكرهم بما (1)فيه تعظيم لهم، كتسميتهم سادة(2) أو(3) حكماء. كما يقال لطواغيتهم(4): السيد فلان. أو يقال لمن يدعي منهم(5) علم الطب: الحكيم أو(6) نحو ذلك.
العشرون: السكني معهم في ديارهم، كما قال النبي(7) صلى الله عليه وسلم: ((من جامع المشرك (8)، وسكن معه(9) فإنه مثله (10)) رواه أبو داود(11).
/ إذا تبين هذا. فلا فرق في هذه الأمور، بين أن يفعلها مع أقربائه منهم، أو مع غيرهم ؛ كما في آية المجادلة (12).
__________
(1) : ذكر ما.
(2) : سادات
(3) ، و (ر)، و (ط): و.
(4) : للطواغيت.
(5) : منهم. ساقطة.
(6) ، و (ر)، و (ط): و
(7) : النبي. ساقطة.
(8) : المشركين.
(9) : معهم.
(10) : مثلهم.
(11) السنن)) رقم (2787)، ورواه الطبراني من نسخة مروان السمري كما في ((الميزان)) (4/89).
و أخرج نحوه الترمذي في ((الجامع)) رقم (1605)، و الحاكم في ((المستدرك)) (2/141)، و أبو نعيم في ((تاريخ أصبهان) (1/123)، و الديلمي في ((المسند)) رقم (5756) و البيهقي في ((السنن)) (9/142). و ذكره الألباني في ((صحيح الجامع)) (6/279) من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه.
(12) آية 22 (لا تجد قوماً يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ءاباءهم) الآية.(1/31)
و حينئذ. فالذي يتسبب بالدفع عنهم، حمية دنيوية (1): إما بطرح نكال، أو دفن نقائص المسلمين لهم (2)، أو يشير بكف المسلمين عنهم. من أعظم الموالين، المحبين للكفار من المرتدين و المنافقين و غيرهم، خصوصا ً المرتد(3). ينبغي أن تكون الغلظة عليه(4) أشد من الكافر الأصلي ؛ لأن هذا عادى الله ورسوله(5) على بصيرة(6)، بعدما عرف الحق. ثم أنكره و عاداه على بصيرة(7) و العياذ بالله.
فإذا كان من أعان ظالما على ظلمه (8)، فقد شاركه في ظلمه.
فكيف بمن يعين الكفار و المنافقين على كفرهم و نفاقهم؟!.
وإذا كان من أعان ظالماً (9)، في خصومة ظلم عند حاكم، يكون شريكاً للظالم. فكيف بمن أعان(10) الكفار وذب (11)عنهم عند الأمراء..؟؟.
وإذا كان الحرامية، الذين يأخذون أموال الناس، إذا بذلوا للأمير مالاً على أن يكف عنهم، فكف عنهم (12)فهو رئيسهم !!. فما ظنك بمن يسر للكفار(13) المودة، و يعلمهم أنه يحبهم ليواصلوه و يكرموه، كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ـ قدس الله روحه ـ و غيره.
لكن طرح النكال: إن كان عن مسلم مظلوم فالشفاعة فيه و السعي في إسقاطه ـ بالرأي(14) ـ حسن و إن كان عن مرتد(15)، فلا لعا (16)لعثرته ولا كرامة.
__________
(1) : دنيوية. ساقطة.
(2) : لهم. ساقطة.
(3) و (ر)، و (ط): المرتدين.
(4) : عليهم.
(5) : ورسوله. ساقطة.
(6) : بصيرة و عادى رسوله صلى الله عليه وسلم.
(7) ، و (ر)، و (ط): على بصيرة. ساقط.
(8) ، و (ر)، و (ط): على ظلمه. ساقط.
(9) ، و (ر)، و (ط): ظالما مسلما.
(10) : يعين.
(11) : و يذب.
(12) : فكف عنهم. ساقط.
(13) ، و (ر)، و (ط): إلى الكفار
(14) ، و (ر)، و (ط): بالرأي و نحوه.
(15) : مرتدا. تحريف.
(16) يقال للعاثر: لعالك. دعاء له بأن ينتعش. ((الصحاح)) (6/2483).(1/32)
و يكفي في ذلك، ما روى أحمد و الترمذي و حسنه، وابن أبي حاتم و الطبراني و الحاكم و صححه، عن ابن مسعود قال: لما كان يوم بدر، جيء بالأسرى و فيهم العباس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما ترون(1) في هؤلاء الأسري)) فقال أبو بكر: يا رسول الله. قومك (2)و أهلك، استبقهم(3) لعل الله أن (4)يتوب عليهم ـ وفي حديث أنس عند أحمد: نرى أن تعفو عنهم، و تقبل منهم الفداء. رجع الحديث إلى ابن مسعود ـ فقال عمر: يا رسول الله.
كذبوك و أخرجوك و قاتلوك ! قدمهم فأضرب أعناقهم. فدخل النبي صلى الله عليه وسلم / ولم(5) يرد عليهم شيئاً(6) فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم و قال: ((يا أبا(7) بكر مثلك مثل إبراهيم عليه السلام قال: (فمن تبعني فإنه منى ومن عصاني فإنك غفور رحيم)(8) و مثلك يا عمر كمثل نوح قال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً)(9) أنتم عالة، فلا ينفلتن أحد منكم(10) إلا بفداء أو ضرب عنق)). فأنزل الله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض)(11) الآيتين. مختصراً (12). (13).
__________
(1) ، و (ر)، و (ط): ما تأمرون.
(2) : قومك يا رسول الله.
(3) ، و (ر): واستبقهم. (ط): فاستبقهم.
(4) : أن. ساقطة.
(5) : فلم.
(6) الأصل: شيء. تحريف.
(7) : أبي. تحريف.
(8) سورة إبراهيم: آية 36.
(9) سورة نوح: آية 27
(10) ، و (ر)، و (ط): منهم.
(11) سورة الأنفال: آية 67.
(12) الآيتين مختصراً. ساقط.
(13) أخرجه أحمد في ((المسند)) (5/227، 229)، و الترمذي في ((الجامع)) رقم (1714) و الحاكم في ((المستدرك)) (3/22) ، و صححه ووافقه الذهبي، و البيهقي في ((الدلائل)) (3/138)، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، و الطبراني كما في ((الدر المنثور)) (4/105) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.(1/33)
وفي حديث أنس: فأنزل الله: (لولا كتاب من الله سبق)(1) الآية(2).
و في حديث ابن عمر عند(3) أبي نعيم: فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فقال: ((كاد أن(4) يصيبنا في خلافك(5) شر))(6) وفي رواية عند ابن(7) المنذر وابن مردوية(8): ((إن كاد (9) ليمسنا في خلاف(10) ابن الخطاب عذاب عظيم. ولو نزل العذاب(11) ما أفلت(12) إلا عمر))(13).
فإذا كان هذا في رأي الصديق(14) رضي الله عنه الذي(15) اجتهد فيه، ونصح لله ورسوله(16) صلى الله عليه وسلم. فما ظنك بمن يفعل ذلك معهم(17) حمية دنيوية لا لغرض دين، ولا يقصد وجه الله بذلك. بل لا يقصد إلا الدنيا !!.
فإن قيل: فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يذم أبا(18) بكر على لينه (19). بل شبهة بإبراهيم و عيسى(20) و ميكائيل(21) عليهم السلام.
وشبه عمر بجبرائيل و نوح و موسى(22) عليهم السلام.
__________
(1) سورة الأنفال: آية 68.
(2) أخرجه أحمد في ((المسند)) (1/383).
(3) ، و (ر): عن. تحريف.
(4) : أن. ساقطة.
(5) : بخلافيك، و (ر): في خلافيك.
(6) حلية الأولياء)) (1/43).
(7) ، و (ر): عنه عن. تحريف.
(8) ،و (ر)، و (ط): وبن مردوية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(9) الأصل، و (ض)، و (ر): كان.
(10) الأصل:، و (ط): خلافك.
(11) ، و (ر)، و (ط): عذاب.
(12) : انفلت.والأصل: أفلت منه.
(13) أخرجه ابن المنذر، و أبو الشيخ، وابن مردوية كما في ((الدر المنثور)) (4/108) من حديث ابن عمر.
(14) : للصديق.
(15) : الذي. ساقطة.
(16) : ولرسوله.
(17) : مع قريبه.
(18) : أبي. تحريف.
(19) : التشبيه.
(20) قال: (إن تعذبهم فإنهم عبادك و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)[سورة المائدة: آية 118].
(21) الذي ينزل بالرحمة.
(22) قال: (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم) [سورة يونس: آية 88].(1/34)
قيل: المراد التشبيه(1) في الموافقة في أصل(2) اللين(3) و الرحمة، لا في خصوص هذه المسألة.
فإن الصواب(4): مع عمر قطعاً ؛ بكتاب الله. ومع ذلك توعد الله في أخذ الفداء بالعذاب ؛ لولا ما سبق من كتاب الله، أنه رأي للصديق(5) رضي الله عنه، اجتهد(6) فيه.
فكيف بمن ينصح لهم ويرفق بهم، ويرى الكف عن قتالهم(7)، ويشير بإسقاط النكال عنهم، من غير مسوغ شرعي، بل لمجرد المحبة الدنيوية؟؟!.
وأما من يشير بكف المسلمين عنهم: فإن كان مراده بذلك تأليفهم على الدخول في الإسلام(8) ودخلوا فيه، أو وعدوا(9) بالدخول فيه عن قرب (10)، وكان المصلحة في تركهم قليلاً (11)و نحوه، جاز(12)ذلك.
وإن كان المراد به أن لا يتعرض المسلمون لهم بشيء لا بقتال ولا إنكار(13) / وإغلاظ ونحو ذلك. فهو من أعظم أعوانهم، وقد 5 / ب
حصلت له موالاتهم مع بعد الديار و تباين (14)الأقطار، كما قيل:
سهم أصاب وراميه بذي سلم ………من بالعراق لقد أبعدت مرماك(15)
__________
(1) : التشبيه. ساقطة.
(2) أصل. ساقطة.
(3) الأصل: الدين.
(4) ، و (ر)، و (ط): الصواب فيها.
(5) : الصديق.
(6) : أنه أجتهاد، و(ط): الذي أجتهد.
(7) : القتال.
(8) : أو.
(9) : واعدوه.
(10) : قريب.
(11) : قليل، و(ط): قليله. تحريف.
(12) : فيجوز.
(13) : نكال.
(14) : و تباعد.
(15) من كلام الشريف الرضي، في قصيدة مطلعها:
يا ظبية البان ترعى في خمائله ……ليهنك اليوم إن القلب مرعاك
الماء عندك مبذول لشاربه ………وليس يرويك إلا مدمعي الباكي
((مختارات من شعره)) /181.(1/35)
وأما من يشير بترك نقائص المسلمين لهم، إذا (1)كانوا مرتدين فهذا عند الفقهاء مخطيء آثم ؛ لأنه يجب على المرتد ضمان ما أتلفه للمسلمين في حال ردته (2)، خصوصاً من تتكرر منه(3) الردة مرات(4)؛ فإنه لا يقصد بذلك في الزمان إلا الإغارة (5)و النهب، لا غير.
فترك ذلك له (6)، من أعظم المعاونة على الإثم و العدوان ؛ و لهذا لما صار هذا سائغاً (7)عند بعض الناس، انفتحت للبدوان أبواب الردة، و أتوها مهطعين من كل وجه.
ولو كان هذا مصلحة في بعض الأوقات، رآها بعض الأمراء. فلا يجب طرد ذلك لكل أحد في كل زمان، فاعلم ذلك.
و أما قول السائل: هل يكون(8) هذا موالاة نفاق، أم يكون كفراً؟.
فالجواب: أن الموالاة(9) إن كانت مع (10)مساكنتهم في ديارهم، و الخروج معهم في قتالهم، و نحو ذلك. فإنه يحكم على صاحبها بالكفر، كما قال تعالى: (و من يتولهم منكم فإنه منهم)(11)، و قال تعالى: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم ءايات الله يكفر بها و يستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم)(12).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من جامع المشرك(13) و سكن معه(14) فإنه مثله(15))، و قال: ((أنا بريء من مسلم بين أظهر المشركين))(16) رواهما أبو داود.
__________
(1) : إن.
(2) : الردة.
(3) : تكررت منهم.
(4) ، و (ر)، و (ط): مراراً.
(5) : الغارة.
(6) : لهم.
(7) ، و (ر)، و (ط): امراً سائغاً.
(8) : يكون. ساقطة.
(9) : أن الموالاة. ساقط.
(10) : الموالاة مع.
(11) سورة المائدة: آية 51.
(12) سورة النساء: آية 140.
(13) : المشركين.
(14) : معهم.
(15) : مثلهم.
(16) أخرجه أبو داود في ((السنن)) رقم (2645)، و الترمذي في ((الجامع)) رقم (1605)، و النسائي في ((المجتبي)) (8/36)، وسعيد ابن منصور في ((السنن)) رقم (2663، 2664)، و ذكره الألباني في ((صحيح الجامع)) رقم (1474). من حديث جرير بن عبد الله.(1/36)
وإن كانت الموالاة لهم وهو(1) في ديار الإسلام، إذا قدموا عليهم(2) و نحوذلك. فهذا عاص آثم، متعرض للوعيد(3) ـ إن سلم من موالاتهم لأجل دينهم بل بلفظ و إكرام (4)و نحوه ـ و يجب عليه من التعزير و الهجر(5) و الأدب(6)، ما يزجر أمثاله. و إن كانت الموالاة لأجل دينهم، فهو مثلهم. و من أحب قوما حشر معهم. /
ولكن ليتفكر السائل في قوله: حمية دنيوية.
[هل](7) يمكن هذا، إلا بداع(8) من(9) المحبة في قلبه(10).. !! و إلا فلو كان يبغضهم في الله و يعاديهم، لكان أقر شيء لعينه ما يسخطهم و يغيظهم(11).
و لكن كما قال ابن القيم:
أتحب أعداء الحبيب و تدعي ………حبا(12)ً له ما ذاك في إمكان(13)
و أما قول السائل (14): و إن(15) كان ما يقدر من نفسه، أن يتلفظ(16) بتكفيرهم (17)وسبهم ما حكمه؟!.
فالجواب(18): لا يخلو ذلك عن أن يكون شاكاً في كفرهم، أو جاهلاً به، أو يقر كفرة و أشباههم(19)، و لكن لا يقدر على مواجهتهم و تكفيرهم، أو يقول: أقول غيرهم كافر(20). لا أقول إنهم كفار.
__________
(1) : وهو. ساقطة.
(2) ، و (ر)، و (ط): إليهم.
(3) إلى قوله: و نحوه. ساقط من (ط).
(4) : بل شكل. و (ر): بياض.
(5) ، و (ر): بالهجر، و (ط): بالهجرة
(6) ، و (ر)، و (ط): و الأدب و نحوه.
(7) الأصل: بياض بمقدار كلمة، و (ض)، و (ر)، و (ط): ساقطة. و الإضافة للتوضيح.
(8) : إلا بلاغا، و (ر): بلاغ، و (ط): لا بلاغ. تحريف.
(9) ، و (ر): في، و (ط): ساقطة.
(10) : قلوبهم.
(11) : يغيظهم. ساقطة.
(12) الأصل: محبة. تحريف.
(13) الكافية الشافية. (ط. التقدم العلمية): /158.
(14) : و أما قول السائل. بياض.
(15) : فإن.
(16) ، و (ر): يلفظ.
(17) : بكفرهم.
(18) : فالجواب. بياض
(19) ، و (ر)، و (ط): هم و أشباههم.
(20) ، و (ر)، و (ط): كفار.(1/37)
فإن كان شاكاً في كفرهم، أو جاهلاً بكفرهم: بينت له الأدلة من (1)كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم على كفرهم.
فإن شك بعد ذلك(2) أو تردد، فإنه كافر ؛ بإجماع العلماء: على أن من شك في كفر الكفار فهو كافر.
و إن كان يقر بكفرهم، ولا يقدر على مواجهتهم بتكفيرهم: فهذا (3)مداهن لهم(4) و يدخل في قوله تعالى: (ودوا لو تدهن فيدهنون)(5) و له حكم أمثاله من أهل الذنوب.
و إن كان يقول: أقول(6) غيرهم كافر ولا أقول هم كفار: فهذا حكم منه بإسلامهم ؛ إذ لا واسطة بين الكفر و الإسلام(7)، فإن لم يكونوا كفاراً فهم مسلمون، [و حينئذ](8) فمن سمى الكفر إسلاماً [أو سمى الكفار مسلمين] (9)فهو كافر، فيكون هذا كافراً (10).
و أما قوله (11): إذا عرفت هذا من إنسان ماذا يجب عليك؟؟.
فالجواب(12): يجب عليك أن تنصحه و تدعوه إلى الله سبحانه، و تعرفه قبح(13) ما ارتكبه (14): فإن تاب فهذا هو المطلوب، و إن أصر و عاند فله حكم ما ارتكبه: إن كان كفرا(15)ً فكافر، و إن كان
معصية و(16) إثما، فعاص آثم، يجب الإنكار عليه و تأديبه، وهجره و إبعاده حتى يتوب.
__________
(1) : في.
(2) : و.
(3) ، و (ر)،و (ط): فهو.
(4) : لهم. ساقطة.
(5) سورة القلم: آية 9.
(6) : أقول. ساقطة.
(7) ، و (ر): الإسلام و الكفر.
(8) إضافة من (ض)، و (ط).
(9) إضافة من (ض)، و (ر)، و (ط).
(10) ، و (ر): كافر. تحريف.
(11) : و أما قوله. بياض.
(12) : فالجواب. بياض
(13) ، و (ر)، و (ط): قبيح.
(14) ما بينهما ساقط من (ض)، و (ط).
(15) ، و (ر): كفر. تحريف.
(16) : أو.(1/38)
وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم من تخلف عن غزوة واحدة، و نهى عن كلامهم و السلام عليهم (1). فكيف بمن يوالي الكفار، و يظهر لهم المودة(2)؟؟!.
فصل(3)
فإن قيل / ما ذكرتم من الآيات و الأحاديث و الآثار، معارض بقوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ** إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين و أخرجوكم من دياركم و ظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)(4).
فدلت الآيات، على أن بر ضعفة الكفار، لا بأس به ؛ إذا لم يكن مع ولايتهم، بل عداوتهم.
وكذلك الصحابة، الذين تكلموا في مالك بن الدخشم(5). و قال بعضهم: إنه منافق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أليس قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله)) قالوا: بلى و لكنا(6) نرى نصيحته للمنافقين فقال: (فإن(7) الله حرم على النار، من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) أو كما قال. فهو في البخاري و معناه في مسلم (8).
__________
(1) أخرجه البخاري في ((الصحيح)) رقم (4418)، و مسلم في ((الصحيح)) رقم (2769)، و الترمذي في ((الجامع)) رقم (3101)، و أبو داود رقم (2202)، والنسائي في ((المجتبى)) (6/152)، و أحمد في ((المسند)) (3/459) من حديث كعب بن مالك.
(2) إلى هنا انتهت نسخة (ط)، و كتب بعده ما نصه: (انتهى ما نقلناه من تأليف الشيخ سليمان بن عبد الله..).
(3) : فصل. ساقطة.
(4) سورة الممتحنة: الآيتان 9،8.
(5) من بني عوف بن عمرو الأنصاري، شهد بدراً وهو الذي أسر سهيل بن عمرو. ((الإصابة)) (3/343).
(6) ، و (ر): و لكن.
(7) ، و (ر): إن.
(8) أخرجه البخاري في ((الصحيح)) الأرقام (686،667،425)، و مسلم في ((الصحيح)) رقم (657)، و فيهما مالك بن الدخيشن أو ابن الدخشن. من حديث عتبان بن مالك.(1/39)
وكذلك أناس من الصحابة، لهم آباء منافقين كعبد الله بن عبد الله ابن أبي(1). و لم ينقل عنهم عداوتهم و الغضب عليهم، و إظهار العبوسة في وجوههم و نحو ذلك.
فالجواب(2): أما قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين)(3) الآية فإن معناها: أن الله لا ينهى المؤمنين، عن بر من لم يقاتلهم من الضعفاء و المساكين، كالنساء (4)و الصبيان في أمر الدنيا، كإعطائهم إذا سألوك(5) و نحو ذلك.
وأما(6) موالاتهم و محبتهم، و إكرامهم. فلم يرخص الله (7)تعالى في ذلك، بل شدد في موالاة الكفار من اليهود و النصارى، و لو كانوا أهل ذمة ؛ حتى نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بداءتهم بالسلام، و التوسعة لهم في الطريق، و قال: ((لا تبدؤوا اليهود و النصارى بالسلام، و إذا لقيتموهم في طريق(8) فاضطروهم إلى أضيقه))(9).
و هكذا حال المعاهد.
فأما الكافر الحربي، و المرتد، فأين الرخصة في شيء من ذلك؟؟ و قد نص على أن هذه الآية في النساء و نحوهم. ابن كثير (10).(11).
__________
(1) ابن مالك الأنصاري الخزرجي، استشهد في حروب الردة سنة اثنتي عشرة.((الإصابة)) (2/336).
(2) : بياض.
(3) سورة الممتحنة: آية 8.
(4) : كالنساء. ساقطة.
(5) : سألوا.
(6) ، و (ر): من. تحريف.
(7) ، و (ر): يرض سبحانه.
(8) ، و (ر): الطريق.
(9) أخرجه مسلم في ((الصحيح)) رقم (2167)، و أبو داود في ((السنن)) رقم (5205)، و الترمذي في ((الجامع)) رقم (2701)، و أحمد في ((المسند)) (2/444،356،266،263)، (4/233،144)، (6/398) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(10) أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي. حافظ مفسر. ت 774 هـ. ((طبقات الداودي)) (1/111).
(11) التفسير)) (4/349).(1/40)
وقال غيره من المفسرين: هذه أيضاً رحمة منه لهم(1) ـ أي للمؤمنين ـ لتشددهم (2)و جدهم(3) في العداوة. حيث(4) رخص لهم / في (5)صلة من لم يجاهر بقتال المسلمين (6)، و إخراجهم من ديارهم
وقيل: أراد بهم خزاعة(7). و كانوا صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يقاتلوه(8)ولا يعينوا(9) عليه(10).
وعن مجاهد: هم الذين آمنوا بمكة و لم يهاجروا (11).
وقيل: هم النساء و الصبيان.
وعن قتادة: نسختها آية القتال(12). انتهى. يعني قوله: (فاقتلوا المشركين حيث و جدتموهم (13)، و هذه الآية على ما ترى قيل: إنها منسوخة كما قال قتادة، و قيل: إنها في النساء و الصبيان خاصة، وقيل: هي فيمن أسلم و لم يهاجر. فيجوز برهم بإعطائهم من متاع الدنيا.
فأين في الآية ما يدل على جواز موالاة الكفار و المرتدين، و محبتهم و القيام معهم في كل وجه.
و الجواب (14)عن حديث مالك بن الدخشم: أن مالك بن الدخشم ممن شهد بدراً، و قد جاء في ((الصحيح)) أن الله تعالى قال لأهل بدر: ((اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم))(15).
__________
(1) : لهم. ساقطة.
(2) ، و (ر): لتشدد.
(3) : و جلهم.
(4) ، و (ر): وحيث.
(5) ، و (ر) : في. ساقطة.
(6) ، و (ر): المؤمنين.
(7) أبناء كعب بن ربيعة، من بطون الأزد، انخرعوا من قومهم باليمن و نزلوا مكة فسموا خزاعة. ينظر ((عجالة المبتدي)) للحازمي / 54.
(8) : يقاتلونه.
(9) الأصل، و (ض)، و (ر): يعينون. تحريف.
(10) قاله ابن عباس رضي الله عنه. ((تفسير البغوي)) (4/331).
(11) أخرجه عبد بن حميد، وابن المنذر كما في ((الدر المنثور)) (8/131).
(12) أخرجه أبو داود في ((تأريخه)) و ابن المنذر كما في المصدر السابق.
(13) سورة التوبة: آية 5.
(14) الأصل: فالجواب.
(15) أخرجه البخاري في ((الصحيح)) رقم (3983)، و مسلم في ((الصحيح)) رقم (2494)، و أبو داود في ((السنن)) رقم (2650)، و الترمذي في ((الجامع)) رقم (3302).(1/41)
و ليس(1) بأعظم من قصة حاطب بن أبي بلتعة، لما كتب إلى المشركين يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
فهذا جس من حاطب. و قد تنازع العلماء في قتل الجاسوس المسلم(3)، و لم يكن ذلك دليل على جواز مكاتبة المشركين بأسرار المسلمين.
كذلك حديث مالك: لا يدل على أن(4) مجالسة المنافقين، ونصيحتهم أمر جائز.
لكن يقال و الله أعلم: هذا ذنب (5)، كفر بشهوده بدراً ؛ كما كفر ذنب حاطب بذلك(6).
و الجواب(7): عن أمر عبد الله بن عبد الله بن أبي: أن عبد الله بن عبد الله له الأيام البيض، و العداوة الظاهرة لأبيه عبد الله بن أبي، مالا يخفى على أحد من أهل العلم ؛ حتى أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله، فلم يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم(8).
فكيف يحتج أحد بما لا دليل فيه لقوله، بل هو على نقيض مقصوده أولى(9) و الله أعلم.
خاتمة: في فضل الحب في الله تعالى
قال الله تعالى: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)(10).
وقال تعالى: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا * / ياويلتى ليتنى لم اتخذ فلانا خليلاً * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني و كان الشيطان للإنسان خذولاً)(11)
__________
(1) ، و (ر): و ليس هذا.
(2) أخرجه أبو يعلى في ((المسند)) رقم (2265،1900) عن جابر.
(3) و الراجح أن ذلك متعلق بالمصلحة العامة و راجع إليها، كما نص على ذلك الحافظ ابن القيم في ((زاد المعاد)) (3/423).
(4) : أن. ساقطة.
(5) ، و (ر): ذنب من مالك.
(6) روى ابن عبد البر بإسناد حسن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن تكلم فيه: ((أليس قد شهد بدراً)) ((فتح الباري)) (1/521).
(7) الأصل: فالجواب، و (ض): بياض.
(8) أخرجه الطبراني وابن منده كما في ((الإصابة)) (2/336) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(9) ، و (ر): أولى. ساقطة.
(10) سورة الزخرف: آية 67.
(11) سورة الفرقان: الآيات 27ـ29.(1/42)
فهذا شأن كل محبة في الدنيا، على غير طاعة الله.
و عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث من كن فيه و جد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله تعالى، و من يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)) رواه البخاري و مسلم(1).
و عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)) رواه مسلم(2).
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (3): ((أن رجلا ً زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد(4) الله على مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد. قال: أريد أخاً لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها. قال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى. قال: فإني رسول الله إليك، أن الله تعالى قد أحبك، كما أحببته فيه)) رواه مسلم (5).
المدرجة: الطريق، و تربها: أي (6)تقوم بها، و تسعى في صلاحها.
__________
(1) صحيح البخاري)): الأرقام (16، 21، 6041، 6941)، و ((صحيح مسلم)) رقم (43)،و أخرجه الترمذي رقم (2926)، و النسائي في ((المجتبى)) (8/96)، و ابن ماجه في ((السنن)) رقم (4033)، و أحمد في ((المسند)) (3/230،207،174،172،103)**
(2) الصحيح)) رقم (2566)، و أخرجه أحمد في ((المسند)) (2/ 237،338،328)، (3/87)، (4/128)، و مالك في ((الموطأ)) (كتاب الجامع) رقم (120)
(3) : عن النبي صلى الله عليه وسلم. ساقط.
(4) : فأرصده. تحريف.
(5) الصحيح)) رقم (2567)، و أخرجه أحمد في ((المسند)) (2/292، 508)، (2/408، 462)، و البخاري في ((الأدب المفرد)) رقم (350)،وابن حبان في ((الصحيح)) الرقمان (576،572).
(6) ، و (ر): أي. ساقطة.(1/43)
و عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (([قال الله تعالى(1)]: ((و جبت محبتي للمتحابين في، و للمتجالسين(2) في، و للمتزاورين (3)في، و للمتباذلين(4) في)) رواه مالك (5)بإسناد صحيح
وعنه أيضاً قال (6): سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي(7)، لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون و الشهداء)).
رواه الترمذي و قال: حسن صحيح (8).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من عباد الله عبادا(9)ً ليسوا بأنبياء، يغبطهم الأنبياء والشهداء، قيل: من هم لعلنا نحبهم؟.
__________
(1) ما بينهما ساقط من الأصل.
(2) و (ر): و المتجالسين.
(3) ، و (ر): و المتزاورين
(4) ، و (ر): و المتباذلين.
(5) الموطأ)) (كتاب الجامع) رقم (122)، و أخرجه أحمد في ((المسند)) (5/236،232،229)، و الحاكم في ((المستدرك)) (4/169)، وابن حبان في ((الصحيح)) رقم (575)، و أبو نعيم في ((الحلية)) (5/206،127).
(6) ، و (ر): قال. ساقطة.
(7) ، و (ر): بجلالي.
(8) الجامع)) رقم (2391)، و أخرجه أبو نعيم في ((الحلية)) (2/131).
(9) : عباداً. ساقطة.(1/44)
قال: هم قوم تحابوا بنور الله، من غير أرحام ولا أنساب، و جوههم نور(1)، على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ (ألا إن أولياء الله لا / خوف عليهم ولا هم يحزنون)(2)) رواه النسائي وابن حبان في ((صحيحه))(3) وهذا لفظه.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله عباداً يجلسهم يوم القيامة (4)على منابر من نور، يغشي وجوههم النور، حتى يفرغ من حساب الخلائق)) رواه الطبراني بإسناد جيد(5).
وعنه أيضا(6)ً، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة لعمداً(7) من ياقوت، عليها غرف من زبرجد، لها أبواب مفتحة، تضيء كما يضيء الكوكب الدري. قال قلنا: يا رسول الله من يسكنها؟ قال: المتحابون في الله تعالى و(8) المتباذلون في الله تعالى و المتلاقون في الله تعالى)) رواه البزار(9).
__________
(1) : نورهم. تحريف.
(2) سورة يونس: آية 62
(3) السنن الكبرى)) (كتاب التفسير) كما في ((تحفة الأشراف)) (10/ 448)، و ((صحيح ابن حبان)) رقم (573)، و أخرجه الطبري في ((التفسير)) (11/132)، وابن أبي الدنيا، و إبن المنذر، و أبو الشيخ، وابن مردوية، كما في ((الدر المنثور)) (4/372)، و أخرجه من حديث أبي مالك الأشعري أحمد في ((المسند)) (5/343)، و الطبري في ((التفسير)) (11/132).
(4) إلى هنا انتهت نسخة (ض).
(5) كما في ((الترغيب و الترهيب)) للمنذري (4/20).
(6) كذا في الأصل و (ر). و الصواب: و عن أبي هريرة.
(7) : لعمداً. ساقطة.
(8) الأصل، و (ر): و. ساقطة.
(9) كشف الأستار)) رقم (3592)، وقال الهيثمي في ((المجمع)) (10/278): وفيه محمد بن أبي حميد، وهو ضعيف. و أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان، و الببيهقي في ((الشعب)) كما في ((الكنز)) (9/5).(1/45)
و عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحب لله و أبغض لله، و أعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان)) رواه أبو داود(1).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: كيف ترى في رجل، أحب قوما ًً ولم يلحق بهم؟.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المرء مع (2)من أحب)) رواه البخاري و مسلم.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، يرفعه قال: ((ما من رجلين تحاباً في الله تعالى بظهر الغيب، إلا كان أحبهما إلى الله تعالى، أشدهما حبا لصاحبه)) رواه الطبراني بإسناد جيد(3).
__________
(1) السنن)) رقم (4681)، و أخرجه الضياء في ((المحتارة)) كما في ((الكنز)) (9/10)، ومن حديث سهل بن معاذ: أخرجه أحمد في ((المسند)) (3/440،438)، و الترمذي في ((الجامع)) رقم (2523) و قال: حديث حسن.
و الموصلي في ((المسند)) رقم (1500،1485)، و في ((المفاريد)) رقم (3) و المروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) رقم (395)، و الحاكم في ((المستدرك)) (2/164)، و صححه ووافقه الذهبي، و البيهقي في ((شعب الإيمان)) رقم (15)، و ذكره الألباني في ((صحيحته)) رقم (380).
(2) : مع. ساقطة.
(3) كما قال المنذري في ((الترغيب و الترهيب)) (4/17)، و أخرجه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ابن حبان في ((صحيحه)) رقم (566)، و البخاري في ((الأدب المفرد)) رقم (544)، و الحاكم في ((المستدرك)) (4/171) وصححه ووافقه الذهبي، و الخطيب البغدادي في ((التأريخ)) (11/341)(1/46)
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل(1)، و شاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحاباً في الله: اجتمعا على ذلك و تفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب و جمال فقال: إني أخاف الله تعالى، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)) رواه البخاري و مسلم(2).
وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان (3)قال: ((أن تحب لله(4)، وتبغض لله(5)، و تعمل لسانك في ذكر الله تعالى، قال: و ماذا يا رسول الله؟ قال: ((و أن تحب للناس / ما تحب لنفسك، و تكره لهم ما تكره لنفسك)) رواه أحمد(6).
فليتأمل الناصح لنفسه هذه الأحاديث الصحيحة، المتواردة(7) على وتيرة واحدة في(8) خصوص هذه المسألة التي هي: الحب في الله و البغض في الله، الذي لا يعده أكثر الناس عملاً صالحاً. فضلاً عن كونه يعتقد، أنه من (9)أفضل الأعمال الصالحة. فضلاً عن كونه يعتقد، أنه من فرائض الأعيان. فالله المستعان(10).
وصلى الله على محمد و آله و صحبه وسلم تسليماً (11).
__________
(1) : إمام عادل.
(2) صحيح البخاري)) رقم (1423) و ((صحيح مسلم)) رقم (1031)، و أخرجه الترمذي في ((الجامع)) رقم (2392)، و أحمد في ((المسند)) (4/439).
(3) الأصل، و (ر): الأعمال.
(4) الأصل: في الله.
(5) الأصل: في الله.
(6) المسند)) (3/440،438) و أخرجه عن معاذ بن جبل في ((المسند)) (5/247)، و الطبراني في ((الكبير) كما في ((الكنز)) (1/37)، و ابن منده عن إياس بن سهل الجهني كما في المصدر السابق (1/38).
(7) الأصل: المتواترة.
(8) الأصل: في. ساقطة.
(9) : من. ساقطة.
(10) : و الله.
(11) : و الله أعلم و أحكم. و إلى هنا كملت الرسالة و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.(1/47)