غير أن الأمر في تقديم دعاء العبادة على دعاء المسألة وطلب الاستعانة إنما هو لمنزلة كل منهما في الدلالة على توحيد الله ( ، فتقديم دعاء العبادة مثلا على الاستعانة في فاتحة الكتاب من باب تقديم الغايات على الوسائل ، إذ العبادة غاية العباد التي خلقوا لها والاستعانة وسيلة إليها ، كما أن قوله إياك نعبد متعلق بألوهيته واسمه الله ، وإياك نستعين متعلق بربوبيته واسمه الرب ، فقدم إياك نعبد على إياك نستعين كما قدم اسم الله على الرب في أول السورة فقال : ? الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ? [الفاتحة:2] ، لأن إياك نعبد فيها ما اختص به الرب ، فكان من الشطر الأول الذي هو ثناء على الله تعالى لكونه أولى به ، وإياك نستعين فيها ما اختص به العبد فكان من الشطر الذي له وهو اهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة .
كما أن العبادة المطلقة تتضمن الاستعانة من غير عكس ، فكل عابد لله عبودية تامة مستعين به ولا ينعكس ، لأن صاحب الأغراض والشهوات قد يستعين به على شهواته فكانت العبادة أكمل وأتم ولهذا كانت فيما اختص به الرب ، ولأن الاستعانة أيضا جزء من العبادة من غير عكس ، وكذلك فأن الاستعانة طلب منه والعبادة طلب له ، ولأن العبادة لا تكون إلا من مخلص ، والاستعانة تكون من مخلص ومن غير مخلص ، ولأن العبادة حقه سبحانه الذي أوجبه عليك ، والاستعانة طلب العون على العبادة وهو بيان صدقته التي تصدق بها عليك ، وأداء حقه أهم من التعرض لصدقته .
ومن ذك أيضا أن العبادة شكر نعمته عليك ، والله يحب أن يشكر ، والإعانة فعله بك وتوفيقه لك ، فإذا التزمت عبوديته ودخلت تحت رقها أعانك عليها ؛ فكان التزامها والدخول تحت رقها سببا لنيل الإعانة ، وكلما كان العبد أتم عبودية كانت الإعانة من الله له أعظم ، والعبودية محفوفة بإعانتين ، إعانة قبلها على التزامها والقيام بها ، وإعانة بعدها على عبودية أخرى ، وهكذا أبدا حتى يقضي العبد نحبه .(35/34)
ومن ذلك أيضا أن إياك نعبد له وإياك نستعين به ، وما له مقدم على ما به ، لأن ما له متعلق بمحبته ورضاه ، وما به متعلق بمشيئته ، وما تعلق بمحبته أكمل مما تعلق بمجرد مشيئته ، فإن الكون كله متعلق بمشيئته ، وكذلك الملائكة والشياطين والمؤمنون والكفار والطاعات والمعاصي ، والمتعلق بمحبته طاعاتهم وإيمانهم وتوحيدهم لله فقط ، فالكفار أهل مشيئته والمؤمنون أهل محبته ، ولهذا لا يستقر في النار شيء لله أبدا ، وكل ما فيها فإنه به تعالى وبمشيئته ، فهذه الأسرار يتبين بها حكمة تقديم إياك نعبد على إياك نستعين (33) .
قال ابن تيمية رحمه الله : ( تأملت أنفع الدعاء ، فإذا هو سؤال العون على مرضاته ، ثم رأيته في الفاتحة في إياك نعبد وإياك نستعين ) (34) .(35/35)
وربما يكون دعاء المسألة في بعض المواطن له أعلى المنازل في توحيد الله وعبادته وذلك عندما يدرك العبد أن عصمته في طاعته ، وأن عبادته مرهونة بتوفيق الله ورعايته ، وأن بلوغ جنته كان بسبب عونه وهدايته ، قال تعالى : ? وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ? [الأعراف:43] ، فأعمالهم سبب في دخول الجنة وليست من باب المقابلة والعدل ، وإنما هي من باب الكرم والفضل ، روى البخاري من حديث أبي هريرة ( أنه سمع رسول الله S يقول : ( لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ قَالُوا : وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لاَ ، وَلاَ أَنَا ، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَلاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ ) (35) ، فدعاء الله العصمة والنجاة من أعلى المنازل في توحيد العبودية لله ، والمعصوم من عصمه الله واستجاب منه هذا الدعاء .(35/36)
ويذكر ابن القيم أن الناس في العبادة والاستعانة أربعة أقسام ، أجلها وأفضلها أهل العبادة والاستعانة بالله عليها ، فعبادة الله غاية مرادهم وطلبهم منه أن يعينهم عليها ويوفقهم للقيام بها ، ولهذا كان من أفضل ما يسأل الرب تبارك وتعالى الإعانة على مرضاته ، وهو الذي علمه النبي S لحبه معاذ بن جبل ( ، روى أبو داود وصححه الألباني من حديث معاذ ( أن رسول الله S أخذ بيده وقال : ( يا معاذ والله إني لأحبك ، والله إني لأحبك ، فقال : أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ : اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ) (36) ، فأنفع الدعاء طلب العون على مرضاته وأفضل المواهب إسعافه بهذا المطلوب ، وجميع الأدعية المأثورة مدارها على هذا وعلى دفع ما يضاده ، وعلى تكميله وتيسير أسبابه (37) .
وخلاصة القول أن التكامل حاصل بين دعاء العبادة ودعاء المسألة ، بل كل منهما يدل على النوع الآخر إما بدلالة المطابقة أو التضمن أو اللزوم حسب الموطن المناسب للعبد من جهة تنفيذه لأحكام العبودية كما أو كيفا ، وقد أمر الله ? المسلمين أن يدعوه بأسمائه الحسنى فقال : ? وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? [الأعراف:180] ، وهذا يشمل الطلب والسؤال والنداء والعبادة والمدح والثناء .
( حكم تسمية البشر بأسماء الله ( :
حقيقة التسمية بين البشر تعريف الشخص باسم مخصوص يتميز به عن غيره بحيث يتصور الذهن وجوده عند ذكره ، وهذا فرع عن تعريف الاسم العام وهو ما وضع للدلالة على علم لتمييزه عن غيره ، أما التسمية في حق الخالق فلا تخضع لأحكامنا لأن الله ? متوحد في اسمه ووصفه لا يقاس على خلقه بقياس تمثيلي أو شمولي ، فهو سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وأسماؤه أزلية أبدية لا أولية لها ولا آخرية ، وهي أيضا علمية ووصفية معا .(35/37)
أما أسماء البشر فقد تحدثنا في دلالة الأسماء على الصفات في الجزء الثالث عن نقطة جوهرية في فهم قضية التسمي بالأسماء (38) ، وهى أنه لا بد من التمييز بين الاسم ودلالته الوضعية عندما يستعمل في حق المخلوق ، والاسم ودلالته النقلية عندما يستعمل في حق الخالق ، فهذه المسألة بالغة الأهمية في فهم قضية التوحيد ، فلو قلنا مثلا سعيد سعيد ، فكلاهما من الناحية اللغوية اسمان ، لكن الأول في استعماله المتعارف بين الناس لا يراد به إلا العلمية التي تميزه عن غيره ، ولا يعني المنادي عند ندائه أو مخاطبته إن كان متصفا بالسعادة أم لا ؛ فالاسم في حق البشر على الأغلب فارغ من الوصفية ، بل لما سُمى الإنسان سعيدا عند الولادة فإن أحدا لا يعلم أبدا أنه في مستقبله سيكون حزينا أم سعيدا ؛ لأن ذلك غير معلوم وهو أمر مخبأ مخفي في قدره المحتوم ، فلما اكتسب وصف السعادة كحالة طارئة وصفة زائدة قامت بالمسمى ووصف بها استدعى ذلك تعبيرا إضافيا عن حلول وصف السعادة فيه ، فقلنا سعيد سعيد ، وكذلك عند اكتسابه وصف الملك ؛ فنقول : عمرو ملك وأصبح زيد ملكا ، أو اكتسابه وصفا اصطلاحيا خاصا فنقول محمد رقيب أو حسن مقدم أو أحمد كبير ، كل ذلك على اكتساب الوصف لا على إطلاق الاسم في حق الشخص من يوم ولادته ، فالرقيب في الأصل اسم من أسماء الله ، واللفظ يستخدم اصطلاحا خاصا بين الشرطة والعسكر ، ويعنون به رتبة ما قبل الرقيب الأول وما بعد العرِّيف في الرتبة ، والمقدم درجة لما قبل رتبة العقيد وما بعد الرائد في الرتبة وكذا الكبير يستخدم كاصطلاح خاص يطلق على شيخ القبيلة أو كبير القرية في صعيد مصر ، فهذا وصف زائد مكتسب لا يصح التسمية به يوم ولادته لأنه سوء أدب مع الله ، فلا يجوز أن يسمى يوم الولادة الرقيب بن فلان أو المقدم بن فلان أو الكبير بن فلان ، أو شاكر بن فلان ، أو محسن بن فلان ، أو عزيز بن فلان ، أو رفيق بن فلان ، أو السيد بن فلان ، أو غير(35/38)
ذلك من أسماء الله الحسنى ، لأنها أسماء خاصه بالله ( ومطلقة من حيث الأصل وهو سبحانه الذي تسمى به في الأزل .
ومن ثم فإن الأصل في الاسم بين البشر منذ ولادتهم ارتباطه على الدوام بمسماه كعلم بلا وصف ، أو اسم فارغ من الوصفية ، فإن استجد الوصف عبرنا عن ذلك بقدر زائد يناسبه ، فإن دام اقتران الوصف بمسماه ربما ينقلب الوصف اسما في العرف عند البعض ، وينادى به الشخص كعلم يميزه عن غيره ، لكنه ما يلبث أن يزول بفناء ذاته وانتقاله إلى الآخرة ، ومن ثم إن جاز الوصف أو الاسم في حقه فهو مقيد محدود ولا يكون مطلقا أبدا ، ولذلك من تسمى الملك فلان أو المقدم فلان أو الرقيب فلان أو الكبير فلان سرعان ما يزول عنه الوصف بالتقاعد أو انتقال الدرجة والرتبة أو بحلول الأجل المحتوم ، ونقول كان ملكا عادلا أو كان رقيبا ظالما ، وعند مسلم من حديث صهيب ( أن رسول الله S قال في قصة أصحاب الأخدود : ( كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ .. ُ) (39) .
وهنا ترى الحكمة العليا في التزام التسمية الشرعة ، فإذا مات الشخص مهما بلغ في الوصف فلا يحمل معه في قبره إلا ما قدم من صالح عمله بعد أن زال عن الدنيا باسمه ووصفه ، وأشرف أعماله التي يقدمها لنفعه عبودية ربه وتوحيده لله عز وجل فيها ، ولهذا كان أحب اسم له هو ما اختاره نبينا S وهو أن يكون عبد الله وعبد الرحمن من يوم ولادته إلى يوم مماته .(35/39)
أما الأسماء في حق الله فتختلف اختلافا كليا عن ذلك ؛ فهي علمية ووصفية معا في آن واحد ولا يمكن قياسها بما سبق في حق المخلوق ، ولذلك لم يقل النبي S : إن الجواد سبحانه جواد ، وإن المحسن محسن ، وإن الجميل جميل ، والوتر وتر ، كما قلنا في حق المخلوق : سعيد سعيد ، ومنصور منصور ، وصالح صالح ، لأن الأسماء في حق الله أعلام وأوصاف منذ الأزل وإلى الأبد ، سواء ذكر الاسم أولا أو ثانيا مبتدأ أو خبرا ، أو في أي موضع كان من النص فهو علم ووصف معا ، أما في حقنا فالأسماء على الأغلب أعلام بلا أوصاف فجاز في حق المخلوق سعيد سعيد ومنصور منصور وصالح صالح ، لكن لو ذكر ذلك في حق الخالق لصار تكرارا وحشوا بلا معنى يتنزه عنه من أوتي جوامع الكلم S ، ولأن الله ( لم يطرأ عليه وصف كان مفقودا أو يستجد به كمال لم يكن موجودا ، كما طرأت السعادة واستجد النصر والصلاح على سعيد ومنصور وصالح (40) .
وقد كان من شأن العرب أن يسموا أولادهم بأسماء الجماد والحيوان لما يرون فيها من بعض الصفات النبيلة كتسميتهم صخرا أو حربا ، أو أسدا أو كلبا ، أو جحشا أو كعبا ، وهم يقصدون بهذه التسمية في المقام الأول تمييز الشخص عن غيره ؛ لأنه لا بد لكل فرد من اسم يميزه بالعلمية ، ويتطلعون أيضا أن تتحقق فيه الوصفية التي تضمنها الاسم مستقبلا ، فالذي يسمي ولده صخرا يأمل أن تتوفر فيه صفة القوة والصلابة والذي يسميه حربا يأمل أن تتوفر فيه صفة الفارس المقدام والمقاتل الهمام والذي يسميه أسدا أو كلبا أو جحشا أو كعبا يرغب أن تتوفر فيه صفة الشجاعة والجرأة والوفاء والتحمل والعظمة والبقاء ، ولذلك كانت أغلب الأسماء التي يسميها العرب مبنية على مراعاة العلمية والأمل في حدوث الوصفية (41) .(35/40)
ولما جاء الإسلام أدب المسلمين في أسمائهم وأسماء أبنائهم فشرع لهم آدابا وأحكاما ينبغي مراعاتها ؛ فالتسمية حين الولادة حق مشروع للأب دون الأم ، قال ابن القيم : ( التسمية حق للأب لا للأم وهذا مما لا نزاع فيه بين الناس ، وأن الأبوين إذا تنازعا في تسمية الولد فهي للأب ، كما أنه يدعى لأبيه لا لأمه فيقال : فلان ابن فلان ، قال تعالى : ? ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ ? [الأحزاب:5] ) (42) .
ولما كان الإنسان يوم ولادته لا حول له ولا قوة في تسميته أمر النبي S الآباء بالإحسان إلى أولادهم وأن يتخيروا أحب الأسماء لهم ، روى مسلم من حديث عبد الله بن عمر ( أن رسول الله S قال : ( إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ) (43) ، ويلتحق بهذين الاسمين ما كان مثلهما كعبد الرحيم وعبد الملك وعبد الصمد وسائر الأسماء الحسنى (44) .
وعند البخاري من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري ( أنه قال : ( وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ : لاَ نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ وَلاَ نُنْعِمُكَ عَيْنًا ، فَأَتَى النَّبِيَّ S فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ وُلِدَ لي غُلاَمٌ فَسَمَّيْتُهُ الْقَاسِمَ فَقَالَتِ الأَنْصَارُ : لاَ نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ وَلاَ نُنْعِمُكَ عَيْنًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ S : أَحْسَنَتِ الأَنْصَارُ ، سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي ، فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ ) (45) ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أبي وهب الجشمي ( أن رسول الله S قال : ( تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ ، وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ ) (46) .(35/41)
أما المكروه من الأسماء والمحرم فقد ذكر ابن حزم اتفاق العلماء على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد العزى وعبد هبل وعبد عمرو وعبد الكعبة ، وما أشبه ذلك فلا تحل التسمية بعبد علي ولا عبد الحسين ولا عبد الكعبة (47) ، وروى مسلم من حديث سمرة بن جندب ( أن رسول الله S قال : ( أَحَبُّ الْكَلاَمِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ ، لاَ يَضُرُّكَ بَأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ ، وَلاَ تُسَمِّيَنَّ غُلاَمَكَ يَسَارًا وَلاَ رَبَاحًا وَلاَ نَجِيحًا وَلاَ أَفْلَحَ ، فَإِنَّكَ تَقُولُ : أَثَمَّ هُوَ ؟ فَلاَ يَكُونُ فَيَقُولُ : لاَ إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ فَلاَ تَزِيدُنَّ عَلَىَّ ) (48) .
قال ابن القيم : ( وفي معنى هذا مبارك ومفلح وخير وسرور ونعمة وما أشبه ذلك ، فإن المعنى الذي كره له النبي S التسمية بتلك الأربع موجود فيها فإنه يقال أعندك خير ؟ أعندك سرور ؟ أعندك نعمة ؟ فيقول : لا ، فتشمئز القلوب من ذلك وتتطير به ، وتدخل في باب المنطق المكروه .. وفيه معنى آخر يقتضي النهي وهو تزكية النفس بأنه مبارك ومفلح ، وقد لا يكون كذلك ) (49) .
ومن سوء الأدب في التسمية التسميةُ بأسماء الشياطين كخنزب والولهان والأعور والأجدع ، ومنها أسماء الفراعنة والجبابرة كفرعون وقارون وهامان ، ومنها أسماء الملائكة كجبرائيل وميكائيل وإسرافيل فإنه يكره تسمية الآدميين بها ، ومنها الأسماء التي لها معان تكرهها النفوس ولا تلائمها كحرب ومرة وكلب وحية وأشباهها (50) .(35/42)
وإذا لم يحسن الأب تسمية ولده فعلى الولد بعد بلوغ الرشد أن يغير اسمه ، لأن الاسم كما يدعى به الشخص في الدنيا فإنه يدعى به يوم القيامة ، فإن كان الاسم يؤذي النفس في الدنيا فهو في الآخرة من باب أولى ، والصواب الذي دلت عليه السنة الصحيحة الصريحة ونص عليه الأئمة كالبخاري وغيره ، أن المرء يدعى لأبيه في الدنيا والآخرة ، وليس كما يظن البعض أنه يدعى بأمه يوم القيامة ، روى مسلم من حديث ابن عمر ( أن رسول الله S قال : ( إِذَا جَمَعَ اللهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ فَقِيلَ : هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ ) (51) .
ولا حرج في تغيير الاسم لأن النبي S فعل ذلك وأمر به ، روى مسلم من حديث ابن عمر ( : ( أَنَّ ابْنَةً لِعُمَرَ كَانَتْ يُقَالُ لَهَا عَاصِيَةُ ، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللهِ S جَمِيلَةَ ) (52) ، وروى أيضا من حديث زينب بنت أم سلمة أنها قالت : ( كَانَ اسْمِي بَرَّةَ فَسَمَّانِي رَسُول اللهِ S زَيْنَبَ ، قَالتْ : وَدَخَلتْ عَليْهِ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَاسْمُهَا بَرَّةُ فَسَمَّاهَا زَيْنَب ) (53) ، وروى البخاري من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده ( أن أتى النبي S : ( فَقَالَ : مَا اسْمُكَ ، قَالَ حَزْنٌ ، قَالَ : أَنْتَ سَهْلٌ ، قَالَ : لاَ أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِى ، قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ : فَمَا زَالَتِ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ ) (54) .
وقال أبو داود بعد أن أورد هذا الحديث : ( وغير النبي S اسم العاص وعزيز وعتلة وشيطان والحكم وغراب وحباب وشهاب فسماه هشاما ، وسمى حربا سلما وسمى المضطجع المنبعث ، وأرضا تسمى عفرة سماها خضرة ، وشعب الضلالة سماه شعب الهدى ، وبنو الزنية سماهم بني الرشدة ، وسمى بني مغوية بني رشدة ، قال أبو داود تركت أسانيدها للاختصار ) (55) .(35/43)
قال ابن القيم : ( ومما يمنع تسمية الإنسان به أسماء الرب تبارك وتعالى ، فلا يجوز التسمية بالأحد والصمد ولا بالخالق ولا بالرازق ، وكذلك سائر الأسماء المختصة بالرب تبارك وتعالى ، ولا تجوز تسمية الملوك بالقاهر والظاهر كما لا يجوز تسميتهم بالجبار والمتكبر والأول والآخر والباطن وعلام الغيوب ) (56) .
وقد ثبت عند أبي داوود وصححه الألباني من حديث شريح بن هانئ : ( أَنَّهُ لمَّا وَفَدَ إِلى رَسُول اللهِ S مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ بِأَبِي الحَكَمِ فَدَعَاهُ رَسُول اللهِ S فَقَال : إِنَّ اللهَ هُوَ الحَكَمُ وَإِليْهِ الحُكْمُ فَلمَ تُكْنَى أَبَا الحَكَمِ ، فَقَال : إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ ، فَرَضِيَ كِلاَ الفَرِيقَيْنِ فَقَال رَسُول اللهِ S: مَا أَحْسَنَ هَذَا فَمَا لكَ مِنَ الوَلدِ ؟ قَال لي شُرَيْحٌ وَمُسْلمٌ وَعَبْدُ اللهِ ، قَال : فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ ؟ قُلتُ : شُرَيْحٌ ، قَال : فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ ) (57) .
ومن المحرم أيضا التسمية بملك الملوك وسلطان السلاطين وشاهنشاه ، روى مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله S قال : ( إِنَّ أَخْنَع اسْمٍ عِنْدَ اللّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ ) (58) ، وفي رواية أخرى عنده قال : ( أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ لاَ مَلِكَ إِلاَّ اللهُ ) (59) .(35/44)
قال بن القيم : ( وفي معنى ذلك كراهية التسمية بقاضي القضاء وحاكم الحكام فان حاكم الحكام في الحقيقة هو الله ، وقد كان جماعة من أهل الدين والفضل يتورعون عن إطلاق لفظ قاضي القضاة وحاكم الحكام قياسا على ما يبغضه الله ورسوله من التسمية بملك الأملاك وهذا محض القياس ، وكذلك تحرم التسمية بسيد الناس وسيد الكل كما يحرم سيد ولد آدم ، فان هذا ليس لأحد إلا لرسول الله وحده فهو سيد ولد آدم ، فلا يحل لأحد أن يطلق على غيره ذلك ) (60) .
روى أبو داود وصححه الشيخ الألباني من حديث عبد الله بن الشخير ( أنه قال : ( انْطَلَقْتُ في وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ الله S فَقُلنا : أَنْتَ سَيِّدُنا ، فقَالَ : السَّيِّدُ الله ، قُلْنا : وَأَفْضَلُنا فَضْلاً ، وَأَعْظَمُنَا طَوْلاً ، فَقَالَ : قُولُوا بِقَوْلِكم أَوْ بَعْضِ قَوْلِكمُ وَلاَ يَسْتَجْرِيَنَّكمْ الشَّيْطَانُ ) (61) ، ولا ينافي هذا قوله : أنا سيد ولد آدم ، فإن هذا إخبار منه عما أعطاه الله من سيادة النوع الإنساني وفضله وشرفه عليهم (62) .
قال ابن القيم : ( وأما الأسماء التي تطلق عليه وعلى غيره كالسميع والبصير والرءوف والرحيم فيجوز أن يخبر بمعانيها عن المخلوق ولا يجوز أن يتسمى بها على الإطلاق بحيث يطلق عليه كما يطلق على الرب تعالى ) (63) .
ومن ثم لا يجوز تسمية الإنسان باسم من أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة ، ولا يتعبد بالتسمي لاسم لم يسمي الله نفسه به ، ولا يتعبد لاسم ذكره الله مقيدا فيطلقه هو في تعبده ، لأن الله حذرنا من تسميته بما لم يسم به نفسه في كتابه أو في سنة نبيه S قال تعالى : ? وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ? [الأعراف:180] .(35/45)
وينبغي التنبه إلى أن التعبد لله بالإضافة لأسمائه الحسنى من آداب دعاء العبادة وتوحيد العبودية لله ، قال ابن تيمية : ( شريعة الإسلام الذي هو الدين الخالص لله وحده تعبيد الخلق لربهم كما سنه رسول الله S وتغيير الأسماء الشركية إلى الأسماء الإسلامية والأسماء الكفرية إلى الأسماء الإيمانية ، وعامة ما سمى به النبي عبد الله وعبد الرحمن ، كما قال تعالى : ? قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? [الإسراء:110] ، فإن هذين الاسمين هما أصل بقية أسماء الله تعالى وكان شيخ الإسلام الهروي قد سمى أهل بلده بعامة أسماء الله الحسنى ، وكذلك أهل بيتنا غلب على أسمائهم التعبيد لله كعبد الله وعبد الرحمن وعبد الغني والسلام والقاهر واللطيف والحكيم والعزيز والرحيم والمحسن والأحد والواحد والقادر والكريم والملك والحق ، وقد ثبت في صحيح مسلم عن نافع عن عبد الله بن عمر أن النبي S قال أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة ، وكان من شعار أصحاب رسول الله S معه في الحروب يا بني عبد الرحمن يا بني عبد الله يا بني عبيد الله كما قالوا ذلك يوم بدر وحنين والفتح والطائف فكان شعار المهاجرين يا بني عبد الرحمن ، وشعار الخزرج يا بني عبد الله ، وشعار الأوس يا بني عبيد الله ) (64) .(35/46)
ونظرا لأهمية الموضوع فسوف نبحث في كل اسم من الأسماء الحسنى عمن تسمى بالتعبد له في تاريخ المسلمين القدامى والمعاصرين ، لنتعرف على الأسماء الحسنى التي لم يتعبد بها أحد من قبل ، فيسارعوا بتسمية أولادهم وأنفسهم بها ، وقد وسعت دائرة البحث مستخدما تقنية الحاسوب في فرز أكثر من ثلاثين موسوعة علمية تحتوي آلاف الكتب المرجعية لرواة الحديث والعلماء والأدباء والشعراء وكتب الطبقات على اختلاف تنوعها ، وإن لم نجد مرادنا فيها بحثنا في جميع محركات البحث على الإنترنت ودليل الهاتف للدول العربية .
الباب الثاني
الدعاء بكل اسم من الأسماء دعاء عبادة
******************************
1- ( ( الرحمن :
دعاء العبادة باسم الله الرحمن هو امتلاء القلب بالرحمة والحب والحرص على ما ينفع عموم الخلق ؛ فالرحمن رحمته عامة وتوحيد العبد للاسم في سلوكه يقتضي الرحمة العامة بعباد الله ، سواء كانوا مؤمنين أو كافرين ، فالمؤمنون يحب لهم ما يحب لنفسه فيوقر كبيرهم ويرحم صغيرهم ويجعل رحمته موصولة إليهم ، يسعد بسعادتهم ويحزن لحزنهم ، أما رحمته بالكافرين فيحرص على دعوتهم ويسهم في إخماد كفرهم والنار التي تحرقهم ، ويجتهد في نصحهم والأخذ على أيدهم ولو بجهادهم في بعض المواطن ، فلو علم الكافر ما ينتظره من العذاب لشكر كل من دعاه إلى تقوى الله ولو ساقه بسيوف الحق من بين يديه ومن خلفه ، قال تعالى : ? وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُول يَا ليْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُول سَبِيلاً يَا وَيْلتَي ليْتَنِي لمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَليلاً لقَدْ أَضَلنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ للإِنْسَانِ خَذُولاً ? [الفرقان:27/29] .(35/47)
أما الأدلة على ما سبق فقد روى أبو داود وصححه الشيخ الألباني من حديث عبد الله بن عمرو ( أن النبي S قال : ( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ، ارْحَمُوا أَهْل الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) (65) ، وفي زيادة صحيحة عند الترمذي : ( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ ، فَمَنْ وَصَلهَا وَصَلهُ اللهُ ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللهُ ) (66) ، وفي المسند وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمرو ( أن النبي S قال وهو على المنبر : ( ارْحَمُوا تُرْحَمُوا وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللهُ لكُمْ ، وَيْل لأَقْمَاعِ القَوْل ، وَيْل للمُصِرِّينَ الذِينَ يُصِرُّونَ عَلى مَا فَعَلوا وَهُمْ يَعْلمُونَ ) (67) ، والأقماع هم الذين يسمعون القول ولا يعملون به ، شبه النبي S آذانهم بالأقماع المخرومة يصب فيها الكلام كصب الماء في الأقماع فلا تبقي شيئا ينتفع به (68) .
ومن دعاء العبادة التسمية بعبد الرحمن فهو أحب الأسماء إلى الله ( كما ثبت عند مسلم من حديث ابن عمر ( أن رسول الله S قال : ( إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ) (69) ، ومن جهة التسمية فقد تسمى به كثير من المسلمين وعلى رأسهم عبد الرحمن بن عوف ( (ت:32) وهو من العشرة المبشرين بالجنة ، هاجر الهجرتين وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله S (70) .
2- ( ( الرحيم :(35/48)
دعاء العبادة باسم الله الرحيم هو امتلاء القلب برحمة الولاء ورقة الوفاء التي تدفع إلى حب المؤمنين وبغض الكافرين ، وأسوتنا في ذلك هو سيد الخلق أجمعين ، قال تعالى : ? لقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَليْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَليْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ? [التوبة:128] ، وقد كان النبي S رحيما بأصحابه رفيقا حبيبا قريبا صديقا ، روى البخاري من حديث مالك بن الحويرث ( أنه قال : ( أَتَيْتُ النَّبِيَّ S فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ ليْلةً ، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا ، فَلمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلى أَهَالينَا قَال : ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلمُوهُمْ وَصَلوا ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَليُؤَذّنْ لكُمْ أَحَدُكُمْ وَليَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ ) (71) ، وعند مسلم من حديث عياض ( أن رسول اللهِ S قَال ذات يوم في خطبته : ( وَأَهْل الجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ ، ذُو سُلطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ ، وَرَجُل رَحِيمٌ رَقِيقُ القَلبِ لكُل ذِي قُرْبَى ، وَمُسْلمٍ وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَال ) (72) ، فالطاعة تدفع إلى الرحمة والعفو والمغفرة ، وتوحيد الله يستوجب الفوز والنجاة في الآخرة .
وممن تسمى عبد الرحيم أبو زياد المحاربي الكوفي عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن محمد (ت:211) ، وأخرج له البخاري في صحيحه قال : ( حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ المُحَارِبِيُّ قَال : حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيل عَنْ أَنَسٍ ( قَال : أَخَّرَ النَّبِيُّ S صَلاَةَ العِشَاءِ إِلى نِصْفِ الليْل ، ثُمَّ صَلى ثُمَّ قَال : قَدْ صَلى النَّاسُ وَنَامُوا ، أَمَا إِنَّكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا ) (73) .
3- ( ( الملك :(35/49)
دعاء العبادة هو أثر الإيمان بتوحيد الله في اسمه الملك ، ويتجلى ذلك في تعظيم الملك ومحبته ، وموالاته وطاعته ، وتوحيده في عبوديته ، والاستجابة لدعوته ، والغيرة على حرمته ، ومراقبته في السر والعلن ، ورد الأمر إليه ، وحسن التوكل عليه ، ودوام الافتقار إليه ، وأعظم جرم في حق الملك الأوحد منازعته على ملكه أو نسبة شيء منه إلى غيره ، فصانع الشيء ومؤلفه هو مالكه المتصرف فيه ، ولو اعتدى أحد عليه بسلب ملكه ونسبته إلى نفسه أو غيره ، سواء بالفعل أو بالادعاء لكان ظالما مدعيا ما ليس له بحق ، ومن ثم فإن الله عز وجل وله المثل الأعلى لما كان منفردا بالخلق والأمر وله كمال الملك من جهة الأصالة والاستحقاق ، فإنه من الظلم العظيم أن يدعي أحد من الخلق ما ليس له بحق في أي معنى من معاني الربوبية ، كما فعل فرعون وهامان وقارون والنمرود بن كنعان ، أو ينسب لنفسه الملك على وجه الأصالة لا على وجه الأمانة والامتحان ، فالإنية الشركية كانت ولا تزال مصدرا للظلم والطغيان وسوء الخاتمة ، قال ( : ? الذِينَ آمَنُوا وَلمْ يَلبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلمٍ أُولئِكَ لهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ? [الأنعام:81/82] ، روى البخاري من حديث ابن مسعود ( لما نزلت هذه الآية قال : ( قُلنَا يَا رَسُول اللهِ : أَيُّنَا لاَ يَظْلمُ نَفْسَهُ ؟ قَال : ليْسَ كَمَا تَقُولونَ : لمْ يَلبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلمٍ بِشِرْكٍ ، أَوَلمْ تَسْمَعُوا إِلى قَوْل لقْمَانَ لاِبْنِهِ : ? يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لظُلمٌ عَظِيمٌ ? ) (74) ، فالموحد يغار على الملك الأوحد أن يرى غيره يعبد في مملكته ، ولذلك كان الشرك قبيحا في قلوب الموحدين ، وكان توحيد الله ( زينة حياة الموحدين .(35/50)
أما من جهة التسمية بعبد الملك والتعبد بهذا الاسم فكثير من السلف ورواة الحديث تسموا به ، منهم عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، من صغار التابعين وهو ثقة ، روى عنه البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ ) (75) .
4- ( ( القدوس :
يتجلى توحيد المسلم لربه في اسمه القدوس من خلال تنزيهه عن أقيسة التمثيل والشمول التي تحكمنا وتحكم أوصافنا ، كما أنه ينزه الله عن وصف العباد له إلا ما وصف المرسلون ، قال تعالى : ? سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلى المُرْسَلينَ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ ? [الصافات:182] ، فيصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله S من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ، ويعلم أن ما وُصِف الله به من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي ، لاسيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق وأفصحهم في البيان والدلالة والإرشاد ، وهو سبحانه مع ذلك ليس كمثله شيء لا في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته ولا في أفعاله (76) .
ومن دعاء العبادة أيضا أن ينزه المسلم نفسه عن المعاصي والذنوب ، ويطلب المعونة من ربه أن يحفظه في سمعه وبصره وبدنه من جميع النقائص والعيوب .
أما من جهة التسمية بعبد القدوس فقد تسمى به عبد القدوس بن الحجاج أبو مغيرة الخولاني الحمصي (ت:212) ، روى البخاري عنه قال : ( حَدَّثَنَا أَبُو المُغِيرَةِ عَبْدُ القُدُّوسِ بْنُ الحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ S تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ ) (77) .
5- ( ( السلام :(35/51)
أثر الإيمان بتوحيد الله في اسمه السلام أن يكف المسلم نفسه عن إخوانه فيسلموا من أذيته ويحرص على جيرانه وقرابته ، روى البخاري من حديث عبد الله بن عمرو ( أن النبي S قال : ( المُسْلمُ مَنْ سَلمَ المُسْلمُونَ مِنْ لسَانِهِ وَيَدِهِ ) (78) ، وروى البخاري أيضا من حديث أبي شرح ( أن النبي S قال : ( وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ ، قِيل : وَمَنْ يَا رَسُول اللهِ ؟ قَال : الذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ ) (79) .
ومن ذلك أيضا أن يفشي السلام بين العباد ، ويلتزم بتحية الإسلام ، روى الطبراني وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن النبي Sقال : ( السَّلاَمُ اسْم مِن أسماءِ الله فأفشُوه بَينكم ) (80) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( خَلقَ اللهُ آدَمَ عَلى صُورَتِهِ ، طُولهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، فَلمَّا خَلقَهُ قَال : اذْهَبْ فَسَلمْ عَلى أُولئِكَ النَّفَرِ مِنَ المَلاَئِكَةِ جُلوسٌ ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَال : السَّلاَمُ عَليْكُمْ ، فَقَالوا السَّلاَمُ عَليْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللهِ ، فَكُل مَنْ يَدْخُل الجَنَّةَ عَلى صُورَةِ آدَمَ ، فَلمْ يَزَل الخَلقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ ) (81) .
وفي الجملة ينبغي على المسلم أن يسلك سبل السلام التي تؤدي إلى دار السلام قال الله ( : ? يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُل السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ? [المائدة:16] ، وقال : ? وَاللهُ يَدْعُو إِلى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ? [يونس:25] .(35/52)
أما من جهة التسمية بعبد السلام فقد تسمى به كثير منهم أبو بكر عبد السلام بن حرب (ت:187) ، أخرج عنه البخاري ، قال : ( حَدَّثَنَا الفَضْل بْنُ دُكَيْنٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالتْ : قَال النَّبِي S : ( لاَ يَحِل لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلاَّ عَلى زَوْجٍ ) (82) .
6- ( ( المؤمن :
أثر الاسم في سلوك العبد وتوحيده لله فيه هو يقين العبد في ربه أنه لا يظلم أحدا من خلقه ، وأنه سينصر المظلوم ولو بعد حين ، فيلجأ إلى الله أن يجيره من ظلم الظالمين ، ويثق أن وعد الله لعباده المؤمنين كائن لا محالة ، وقد كان لعائشة رضي الله عنها موقف عظيم في حادثة الإفك يدل على توحيدها لله في أسمائه الحسنى وما دل عليه اسمه المؤمن ، فعند البخاري أن النبي S قال لها : ( يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ بَلغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ ، وَإِنْ كُنْتِ أَلمَمْتِ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِليْهِ ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللهُ عَليْهِ ، تقول عائشة رضي الله عنها : فَلمَّا قَضَى رَسُول اللهِ S مَقَالتَهُ قَلصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً ، وَقُلتُ لأَبِي : أَجِبْ عَنِّي رَسُول اللهِ S ، قَال : وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُول لرَسُول اللهِ S ، فَقُلتُ : لأُمِّي أَجِيبِي عَنِّي رَسُول اللهِ S فِيمَا قَال ، قَالتْ : وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُول لرَسُول اللهِ S ، فَقُلتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لاَ أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ القُرْآنِ : إِنِّي وَاللهِ لقَدْ عَلمْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ وَوَقَرَ في أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ ، وَلئِنْ قُلتُ لكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ(35/53)
، وَاللهُ يَعْلمُ إِنِّي لبَرِيئَةٌ لاَ تُصَدِّقُونِي بِذَلكَ ، وَلئِنِ اعْتَرَفْتُ لكُمْ بِأَمْرٍ ، وَاللهُ يَعْلمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لتُصَدِّقُنِّي وَاللهِ مَا أَجِدُ لي وَلكُمْ مَثَلاً إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ إِذْ قَال : ? فَصَبْرٌ جَمِيل وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلى مَا تَصِفُونَ ? ، ثُمَّ تَحَوَّلتُ عَلى فِرَاشِي ، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي اللهُ ، وَلكِنْ وَاللهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِل فِي شَأْنِي وَحْيًا ، وَلأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلمَ بِالقُرْآنِ فِي أَمْرِي ، وَلكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُول اللهِ S فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ ، فَوَاللهِ مَا رَامَ مَجْلسَهُ وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْل البَيْتِ حَتَّى أُنْزِل عَليْهِ ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ ، حَتَّى إِنَّهُ ليَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْل الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ فِي يَوْمٍ شَاتٍ ، فَلمَّا سُرِّي عَنْ رَسُول اللهِ S وَهُوَ يَضْحَكُ ، فَكَانَ أَوَّل كَلمَةٍ تَكَلمَ بِهَا أَنْ قَال لي : يَا عَائِشَةُ ، احمدي اللهَ فَقَدْ بَرَّأَكِ اللهُ ، فَقَالتْ لي أُمِّي : قُومِي إِلى رَسُول اللهِ S فَقُلتُ : لاَ وَاللهِ ، لاَ أَقُومُ إِليْهِ ، وَلاَ أَحْمَدُ إِلاَّ اللهَ فَأَنْزَل اللهُ ? : ? إِنَّ الذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لكُم بَل هُوَ خَيْرٌ لكُمْ لكُل امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالذِي تَوَلى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ لوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ لوْلا جَاؤُوا عَليْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلئِكَ عِندَ اللهِ هُمُ الكَاذِبُونَ .. الآيات ? ) (83).(35/54)
وممن تسمى عبد المؤمن والد روح من رواة الحديث عند البخاري ، قال في إحدى رواياته : ( حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالكٍ ( عَنِ النَّبِيِّ S قَال : إِنَّ فِي الجَنَّةِ لشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا ) (84) .
7- ( ( المهيمن :
دعاء العبادة باسم الله المهيمن أن يتقي المسلم ربه في قوله وفعله لعلمه أن الله مهيمن رقيب مطلع على سره ، وأنه سبحانه لا يمنعه حجاب ولا ستر أن يرى عبده حال ذنبة ويجازيه على صنعه ، وأنه سيعاقب كل ظالم على ظلمه في العاجل قبل الآجل ، وربما رأى العاصي سلامة ماله وبدنه فظن أنه لا عقوبة ، لكن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، قال تعالى : ? وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَل الظَّالمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ ليَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ? [إبراهيم:42] ، وقال ( : ? مَنْ يَعْمَل سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَليّاً وَلا نَصِيراً ? [النساء:123] ، ومن ثم فإن الموحد بتوحيده لله في اسمه المهيمن يصدع بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم ، فإن النفس قوامها ومرجعها إلى خالقها ، وهو مهيمن عليها وعلى الخلائق أجمعين ؛ فيدفعه ذلك إلى أن يتعزز بعزة الله ، ويعمل في مرضاته ، ويخلص له النية ابتغاء وجهه ، ويستعين به دون غيره ، متوكلا عليه آخذا بأسباب القوة راضيا بقضائه وقدره ، قال تعالى : ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللهِ وَلا يَخَافُونَ لوْمَةَ لائِمٍ ذَلكَ فَضْل اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَليمٌ ?(35/55)
[المائدة:54] .
أما من جهة التسمية بعبد المهيمن ، فلم أجد في رواة الحديث من تسمى به غير عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي ، وهو من رواة الحديث الضعفاء وإن كانت التسمية بعبد المهيمن محمودة فهي تعبد لله باسم من أسمائه ، لكن الراوي متروك الحديث عند النسائي ، وقال ابن حبان : لما فحش الوهم في روايته بطل الاحتجاج به ، وعند الدارقطني ليس بالقوي ، ومنكر الحديث عند ابن الجوزي (85) .
8- ( ( العزيز :(35/56)
أثر الاسم في سلوك العبد هو مظهر العزة التي يشعر بها المسلم في توحيده لربه وعبوديته وحبه وكل عمل يزيده من قربه ، ويقينه أن العزة في إتباع أمره ، وأنه سبحانه العزيز الذي جعل العزة لنبيه S وأتباعه وحزبه ، ولا يرضى بديلا عن عزة الإسلام وأهله حتى لو كانت لأهله وعشيرته وقومه ، ورد عند البخاري من حديث جابر بن عبد الله ( أنه قال : ( غَزَوْنَا مَعَ النَّبِي S فِي غَزْوَةُ بَنِي المُصْطَلقِ وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا ، وَكَانَ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُل لعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا ، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا ، وَقَال الأَنْصَارِيُّ : يَا للأَنْصَارِ ، وَقَال المُهَاجِرِيُّ : يَا للمُهَاجِرِينَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ S فَقَال : مَا بَال دَعْوَى أَهْل الجَاهِليَّةِ ، ثُمَّ قَال : مَا شَأْنُهُمْ فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ المُهَاجِرِيِّ الأَنْصَارِيَّ ، فَقَال النَّبِيُّ S : دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ ، وَقَال عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَي بْنُ سَلول : أَقَدْ تَدَاعَوْا عَليْنَا لئِنْ رَجَعْنَا إِلى المَدِينَةِ ليُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَل ) (86) وفي رواية الترمذي فقال عمر بن الخطاب ( : ( يَا رَسُول اللهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِق فَقَال النَّبِيُّ S : دَعْهُ لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُل أَصْحَابَهُ ، فَقَال لهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ : وَاللهِ لاَ تَنْقَلبُ حَتَّى تُقِرَّ أَنَّكَ الذَّليل وَرَسُول اللهِ S العَزِيزُ ، فَفَعَل ) (87) َ.(35/57)
وعند البخاري من حديث زيد بن أرقم ( قال : ( كُنْتُ فِي غَزَاةٍ فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَي يَقُول : لاَ تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُول اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلهِ ، وَلوْ رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِهِ ليُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَل ، فَذَكَرْتُ ذَلكَ لعَمِّي أَوْ لعُمَرَ فَذَكَرَهُ للنَّبِي S فَدَعَانِي فَحَدَّثْتُهُ ؛ فَأَرْسَل رَسُول اللهِ S إِلى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَي وَأَصْحَابِهِ ، فَحَلفُوا مَا قَالوا فَكَذَّبَنِي رَسُول اللهِ S وَصَدَّقَهُ ، فَأَصَابَنِي هَمٌّ لمْ يُصِبْنِي مِثْلهُ قَطُّ ، فَجَلسْتُ فِي البَيْتِ فَقَال لي عَمِّي : مَا أَرَدْتَ إِلى أَنْ كَذَّبَكَ رَسُول اللهِ S وَمَقَتَكَ ، فَأَنْزَل اللهُ ? : ? إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ ? فَبَعَثَ إِلي النَّبِيُّ S فَقَرَأَ : ? إِذَا جَاءكَ المُنَافِقُونَ قَالوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لرَسُول اللهِ وَاللهُ يَعْلمُ إِنَّكَ لرَسُولهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيل اللهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلونَ ... إلى قوله .. هُمُ الذِينَ يَقُولونَ لا تُنفِقُوا عَلى مَنْ عِندَ رَسُول اللهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَللهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ يَقُولونَ لئِن رَّجَعْنَا إِلى المَدِينَةِ ليُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَل وَللهِ العِزَّةُ وَلرَسُولهِ وَللمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعْلمُونَ ? فَقَال S لزيد : إِنَّ اللهَ قَدْ صَدَّقَكَ يَا زَيْدُ ) (88) .(35/58)
وممن عبد لله بإضافته لهذا الاسم عبد العزيز بن مسلم (ت:267) ، روى عنه البخاري في صحيحه قال : ( حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُسْلمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ قَال : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما ، قَال النَّبِي S : الضَّبُّ لسْتُ آكُلهُ وَلاَ أُحَرِّمُهُ ) (89) .
9- ( ( الجبار :
دعاء العبادة هو مظهر الخضوع لجبروت الله توحيدا له في اسمه الجبار ، فينفي الموحد عن نفسه التجبر والاستكبار ، ويلين للحق إذا ظهر له نوره من غير إنكار كما قال رب العزة والجلال : ? الذِينَ يُجَادِلونَ فِي آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الذِينَ آمَنُوا كَذَلكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُل قَلبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ? [غافر:35] ، وقال عيسى ( : ? وَبَرّاً بِوَالدَتِي وَلمْ يَجْعَلنِي جَبَّاراً شَقِيّاً ? [مريم:32] ، كما أن يقين الموحد وإيمانه بأن الله عز وجل هو الجبار يجعله دائم الانكسار والافتقار والاستغفار ، رغبة في ربه أن يجبر كسره وأن يغفر ذنبه وأن يديم فقره إليه ، وأن يُقَوِّمَ نفسه إذا تمردت عليه ، روى النسائي وصححه الألباني من حديث حذيفة بن اليمان ( أنه صلى مع رسول الله ِS ذات ليلة فسمعه حين كبر قال : ( اللهُ أَكْبَرُ ذَا الجَبَرُوتِ وَالمَلكُوتِ وَالكِبْرِيَاءِ َالعَظَمَةِ وَكَانَ يَقُول في رُكُوعِهِ : سُبْحَانَ رَبِّي العَظِيمِ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَال : لرَبِّي الحَمْدُ ، لرَبِّي الحَمْدُ ، وَفِي سُجُودِهِ : سُبْحَانَ رَبِّي الأَعْلى ، وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ : رَبِّ اغْفِرْ لي ، رَبِّ اغْفِرْ لي ) (90).(35/59)
وممن عبد لله بإضافته لهذا الاسم عبد الجبار بن العلاء ، روى عنه مسلم في صحيحه قال : ( حَدَّثَنِي عَبْدُ الجَبَّارِ بْنُ العَلاَءِ ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ الفَزَارِيَّ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ ، أَخْبَرَنِي أَبُو غَطَفَانَ المُرِّيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ( يَقُول : قَال رَسُول اللهِ S : لاَ يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا فَمَنْ نَسِي فَليَسْتَقِيئ ) (91).
10- ( ( المتكبر :
دعاء العبادة هو أثر الإيمان بتوحيد الله في اسمه المتكبر ، ويتجلى ذلك في نفي الكبر عن النفس بالتواضع ، ونفي الشرك عن الفعل بالإخلاص ، وأن يخلع العبد عن نفسه أوصاف الربوبية ؛ فلا يتعالى ولا يتكبر ، ولا يتمظهر ولا يتبخطر ، ولكن يتواضع لله المتكبر ، روى البخاري من حديث حارثة بن وهب الخزاعي ( أنه سمع النبي S يقول : ( أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْل الجَنَّةِ ، كُل ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لوْ أَقْسَمَ عَلى اللهِ لأَبَرَّهُ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْل النَّارِ كُل عُتُل جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ ) (92) ، وفي رواية أخرى صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو ( ( كُل جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ جَمَّاعٍ مَنَّاعٍ ) (93) ، والعتل هو الشديد الجافي الغليظ من الناس والجواظ هو الجموع المنوع الذي يجمع المال من أي جهة ويمنع صرفه في سبيل الله ، والجعظري هو الفظ الغليظ المتكبر ، وقيل : هو الذي ينتفخ بما ليس عنده (94) ، وعند مسلم من حديث ابن مسعود ( أنِ النبي S قال : ( لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ مِثْقَال ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ) (95) .(35/60)
أما من جهة التسمية بعبد المتكبر ، والتعبد لله بهذ الاسم فلم يتسم به أحد من السلف أو الخلف في مجال ما أجرينا عليه البحث الحاسوبي ، وكذلك جميع محركات البحث على الإنترنت ، وهنيئا لمن سمى نفسه أو ولده بذلك الاسم لأنه لم يسبقه أحد من السلف أو الخلف فيما نعلم ، وسيكون له السبق في التعبد لله به والله أعلم .
11- ( ( الخالق :
أثر الاسم في سلوك العبد يتجلى في إيمانه بأن ما قدره الخالق وكتبه في اللوح كائن لا محالة ، وأنه سيخلقه بمشيئته وقدرته ، فيؤمن بقدر الله ويعمل بشرعه ولا يضرب أحدهما بالآخر ويعلم أنه ميسر لما خلق له ، روى أبو داود وصححه الألباني من حديث مسلم بن يسار الجهني أن عمر ( سئل عن هذه الآية : ? وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالوا بَلى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلينَ ? [الأعراف:172] ، فقال عمر ( سمعت رسول اللهِ S سئل عنها فقال : ( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل خَلقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَال : خَلقْتُ هَؤُلاَءِ للجَنَّةِ وَبِعَمَل أَهْل الجَنَّةِ يَعْمَلونَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَال : خَلقْتُ هَؤُلاَءِ للنَّارِ وَبِعَمَل أَهْل النَّارِ يَعْمَلونَ ، فَقَال رَجُل : يَا رَسُول اللهِ فَفِيمَ العَمَل ؟ فَقَال رَسُول اللهِ S: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل إِذَا خَلقَ العَبْدَ للجَنَّةِ اسْتَعْمَلهُ بِعَمَل أَهْل الجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلى عَمَل مِنْ أَعْمَال أَهْل الجَنَّةِ فَيُدْخِلهُ بِهِ الجَنَّةَ ، وَإِذَا خَلقَ العَبْدَ للنَّارِ اسْتَعْمَلهُ بِعَمَل أَهْل النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلى عَمَل مِنْ أَعْمَال أَهْل النَّارِ فَيُدْخِلهُ بِهِ النَّارَ ) (96) .(35/61)
ومن دعاء العبادة شكر العبد لخالقه بعمله وطاعته في كل جزء من بدنه ، روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها سمعت رسول اللهِ S يقول : ( خُلقَ كُل إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلى سِتِّينَ وَثَلاَثِمَائَةِ مَفْصِل ، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ ، وَحَمِدَ اللهَ ، وَهَلل اللهَ وَسَبَّحَ اللهَ ، وَاسْتَغْفَرَ اللهَ ، وَعَزَل حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ ، أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ ، وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ عَدَدَ تِلكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاَثِمِائَةِ السُّلاَمَى ، فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ ) (97) ، ومن أثر الاسم على العبد إيمانه بأن الخالق في أوصافه يختلف عن المخلوق ؛ فلا يُزينن له الشيطان أن يخضع الخالق لأحكام المخلوق بل يستعذ بالله من نزغه ووسواسه ، روى مسلم من حديث أَبِي هريرة ( أن رسول اللهِ S قال : ( ليَسْأَلنَّكُمُ النَّاسُ عَنْ كُل شيء حَتَّى يَقُولوا : اللهُ خَلقَ كُل شيء فَمَنْ خَلقَهُ ) (98) .
أما من جهة التسمية بعبد الخالق ، فقد تسمى به أبو روح البصري عبد الخالق بن سلمة الشيباني ، من الطبقة السادسة الذين عاصروا صغار التابعين ، وهو ثقة مقل كما ذكر ابن حجر والذهبي (99) .
12- ( ( البارئ :(35/62)
دعاء العبادة هو مراعاة العبد لاسمه البارئ في سلوكه ؛ فيبرأ إلى الله من كل شهوة تخالف أمره ، ومن كل شبهة تخالف خبره ، ومن كل ولاء لغير دينه وشرعه ، ومن كل بدعة تخالف سنة نبيه S ، ومن كل معصية تؤثر على محبة الله وقربه ورضاه سبحانه عن عبده ، روى النسائي وصححه الألباني من حديث صفوان بن محرز ( أنه قال : ( أُغْمِي عَلى أَبِي مُوسَى فَبَكَوْا عَليْهِ فَقَال : أَبْرَأُ إِليْكُمْ كَمَا بَرِئَ إِليْنَا رَسُول اللهِ S ليْسَ مِنَّا مَنْ حَلقَ وَلاَ خَرَقَ وَلاَ سَلق ) (100) ، وعند مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي S قال : ( إِنَّهُ يُسْتَعْمَل عَليْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلمَ ، وَلكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ) (101) ، وقال تعالى عن خليله إبراهيم S : ? وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلمَّا تَبَيَّنَ لهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَليمٌ ? [التوبة:114] ، كما أنه ينبغي على العبد أن يتقي الله في عمله ؛ فيخلص فيه ويتقنه ما استطاع ، ليظهر جمال الصنعة توحيدا لمن أبرأ صانعها وعلمه ما لم يكن يعلم ، ومنحه قوة على التفكير والإبداع ، وقد أمر النبي S بذلك كما روى الطبراني وصححه الشيخ الألباني من حديث عائشة رضي الله أن النبي S قال : ( إِنَّ الله يُحِبُ إذا عَمِل أحَدُكُم عَمَلا أنْ يُتْقِنَه ) (102) ، فإذا كانت دقة الصنعة وإتقانها دليلا على خبرة صانعها وقدرته على الإبداع ، فالذي خلق صانعها وصوره وأبرأه على هذا الكمال له مطلق الحق في أن يعبد وأن يطاع .(35/63)
أما من جهة التسمية بعبد البارئ والتعبد بهذ الاسم ، فقد تسمى به عبد البارئ بن إسحاق ، روى عنه البيهقي بعضا من كلام ذي النون المصري قال : ( ثلاثة من علامات السنة المسح على الخفين والمحافظة على صلوات الجمع وحب السلف ) (103) .
13- ( ( المصور :
دعاء العبادة باسمه المصور أن يراعي العبد توحيد الله فيه ، فلا يتشبه به فيما انفر به من الربوبية ويقع في شرك تصوير ، روى مسلم وأحمد من حديث سعيد بن أبي الحسن أنه قال : ( جَاءَ رَجُل إِلى ابْنِ عَبَّاسٍ ( فَقَال : إِنِّي رَجُل أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ فَأَفْتِنِي فِيهَا ، وفي رواية أحمد قال : مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ ، فَقَال لهُ : ادْنُ مِنِّي ، فَدَنَا مِنْهُ ، ثُمَّ قَال : ادْنُ مِنِّي ، فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلى رَأْسِهِ ، قَال : أُنَبِّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُول اللهِ S ، سَمِعْتُ رَسُول اللهِ S يَقُول : كُل مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يَجْعَل لهُ بِكُل صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ ، وفي رواية أحمد قَال : فَرَبَا لهَا الرَّجُل رَبْوَةً شَدِيدَةً وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ ، فَقَال لهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَيْحَكَ إِنْ أَبَيْتَ إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ ، فَعَليْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ ، وَكُل شَيْءٍ ليْسَ فِيهِ رُوحٌ ، وفي رواية أحمد : إِنْ كُنْتَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لاَ نَفْسَ له ُ) (104) ، وروى الطبراني وحسنه الشيخ الألباني من حديث عبد الله بن مسعود ( أن النبي S قال : ( أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتل نبيا ، أو قتله نبي أو رجل يضل الناس بغير علم ، أو مصور يصور التماثيل ) (105) .(35/64)
وقد وردت النصوص النبوية في كثير من المواضع بتحريم عموم التصوير ، والعلماء لهم في ذلك تفصيل ؛ فلا خلاف بينهم في أن نحت التماثيل محرم شرعا ، وأغلبهم على تحريم الصور عموما إلا ما تدعو الضرورة إليه كالصور اللازمة للتعريف بالشخص في الرخص والبطاقات وغير ذلك من المستجدات ، أما تصوير ما لا روح فيه كالشجر والجبل والسيارات ونحو ذلك فلا حرج فيه (106) .
أما من جهة التسمية بعبد المصور والتعبد بهذ الاسم فلم يتسم به أحد من السلف أو الخلف في مجال ما أجرينا عليه البحث الحاسوبي ، وفي عصرنا كان للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله السبق في تسمية ولده عبد المصور تعظيما لأسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة .
14- ( ( الأول :
دعاء العبادة اعتقاد وسلوك يقتضي توحيد الله في اسمه الأول ، أما الاعتقاد فمعرفة العبد أن الله عز وجل هو الأول الغني بذاته وصفاته ، وأن كمال أوصافه أيضا أوَّلي بأولية ذاته ؛ فلم يكتسب وصفا كان مفقودا أو كمالا لم يكن موجودا ، كما هو الحال بين المخلوقات في اكتساب أوصاف الكمال ، فإذا علم المسلم أن أصله من طين وله بداية ونهاية وحياة إلى حين أيقن أن ما قام به من الحسن مرجعه إلى رب العالمين ، وأن طاعته تعود إلى توفيق الله وفضله ، وأن الفرع لا محالة سيرجع إلى أصله كما ذكر الله ( في قوله : ? إِليْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدأُ الخَلقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ليَجْزِيَ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالحَاتِ بِالقِسْطِ وَالذِينَ كَفَرُوا لهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَليمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ? [يونس:4] ، وقال ? : ? وَهُوَ الذِي يَبْدأُ الخَلقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَليْهِ وَلهُ المَثَل الأَعْلى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ? [الروم:27] .(35/65)
أما أثر الاسم على سلوك العبد فيظهر من محبة الأولية في طلب الخير ، وطلب الأسبقية في التزام الأمر ، وحرصه على المزيد والمزيد من الأجر ، قال تعالى في وصف عباده الموحدين : ? أُولئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لهَا سَابِقُونَ ? [المؤمنون:61] ، وقال سبحانه أيضا : ? إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لنَا خَاشِعِينَ ? [الأنبياء:90] ، فتجد توحيد الله في اسمه الأول باديا على العبد عند مداومته على الصلاة في أول الوقت ، عملا بما ورد عند البخاري من حديث ابن مسعود ( أن رجلا سأل النبي S أي الأعمال أفضل قال : ( الصَّلاَةُ لوَقْتِهَا وَبِرُّ الوَالدَيْنِ ثُمَّ الجِهَادُ في سَبِيل اللهِ ) (107) ، وكذلك حرصه على الصف الأول ومجاهدة الآخرين في استباقهم إليه ، فقد ورد عند البخاري من حديث أَبِي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( لوْ يَعْلمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّل ثُمَّ لمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَليْهِ لاَسْتَهَمُوا ، وَلوْ يَعْلمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِليْهِ ، وَلوْ يَعْلمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلوْ حَبْوًا ) (108) .
وأخطأ من اعتقد أن العبادة الحق ما كانت بغير عوض أو طلب للأجر ، فقد ظن البعض أن العبد ينبغي أن يعبد الله على غير انتظار للثواب وعلى غير خوف من العقاب ، بل يسترسل معه على ما ينبغي له من العبودية حتى بلغوا درجة يحتقرون فيها من عبد الله انتظار لثوابه وخوفا من عقابه ، وقد صنفوه من التجار الذين لا يعطون إلا لانتظار العوض ، وغالى بعضهم فوصف من يطلب الأجر في عبادته بأنه من عبيد السوء الذين لا يشعرون بطعم محبته ولا يوقرون الله لذاته بل لما يصلهم من نعيمه وجنته (109) .(35/66)
وممن عبد لله بإضافته لهذا الاسم الإمام أبو الوقت عبد الأول بن عيسى ، قال محمد بن طاهر القيسراني في وفيات سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة : ( وفيها مات مسند زمانه الإمام أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي ببغداد عن خمس وتسعين سنة ) (110) .
15- ( ( الآخر :
ذكر ابن القيم أن التعبد لله باسمه الآخر أن تجعله وحده غايتك التي لا غاية لك سواه ولا مطلوب لك وراءه ، فكما انتهت إليه الأواخر وكان بعد كل آخر فكذلك اجعل نهايتك إليه ، فإن إلى ربك المنتهى ، انتهت الأسباب والغايات فليس وراءه مرمى ينتهي إليه طريق (111) .
وعند تحقيق التوحيد في الاسم تجد الموحد يعود بافتقاره إلى ربه ، ويجعل المرجعية في فعله إلى ما اختاره لعبده ، لعلمه أن الله عز وجل مالك الإرادات ورب القلوب والنيات ، يصرفها كيف شاء ، فما شاء أن يزيغه منها أزاغه ، وما شاء أن يقيمه منها أقامه ، قال ( : ? رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لنَا مِنْ لدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ ? [آل عمران:8] ، فهو سبحانه الذي ابتدع الخلق بقدرته ابتداعا ، واخترعهم على مشيئته اختراعا ، وهو الذي ينجي من قضائه بقضائه ، وهو الذي يعيذ بنفسه من نفسه ، وهو الذي يدفع ما منه بما منه ، فالخلق كله له ، والأمر كله له ، والحكم كله له ، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وما شاء لم يستطع أن يصرفه إلا مشيئته وما لم يشأ لم يمكن أن يجلبه إلا مشيئته ؛ فلا يأتي بالحسنات إلا هو ، ولا يذهب بالسيئات إلا هو ، ولا يهدي لأحسن الأعمال والأخلاق إلا هو ، ولا يصرف سيئها إلا هو ، قال تعالى : ? وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لفَضْلهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ? [يونس:107] .(35/67)
والتحقق بمعرفة اسم الله الآخر يوجب صحة الاضطرار وكمال الافتقار ، ويحول بين العبد وبين رؤية الأعمال والأحوال والخروج عن رق العبودية إلى دعوى ما ليس له ، وكيف يدعي مع الله حالا أو مقاما من قلبه وإرادته وحركته الظاهرة والباطنة بيد ربه ومليكه ، لا يملك هو منها شيئا ، وإنما هي بيد مقلب القلوب ومصرفها كيف يشاء ، فالإيمان بهذا هو نظام التوحيد ، ومتى انحل من القلب انحل نظام التوحيد ، فسبحان من لا يوصل إليه إلا به ، ولا يطاع إلا بمشيئته ، ولا ينال ما عنده من الكرامة إلا بطاعته ، ولا سبيل إلى طاعته إلا بتوفيقه ومعونته ، فعاد الأمر كله إليه ، كما ابتدأ الأمر كله منه ، فهو الأول والآخر ، والكل مستند إليه إبداعا وإنشاء واختراعا ، وخلقا وإحداثا ، وتكوينا وإيجادا ، وإبداء وإعادة وبعثا ، فله الملك كله ، هو الأول بلا أول كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده (112) .
ومن جهة التسمية بعبد الآخر والتعبد بهذ الاسم فلم يتسم به أحد من السلف أو الخلف في مجال ما أجرينا عليه البحث الحاسوبي ، وفي عصرنا تسمى به الشيخ عبد الآخر حماد الغنيمي صاحب المنحة الإلهية في تهذيب شرح الطحاوية .
16- ( ( الظاهر :
دعاء العبادة هو أثر الاسم على اعتقاد العبد وسلوكه ، فمن جهة الاعتقاد إيمانه بقدرة الله في الأشياء وأنه الظاهر الذي استوى على عرشه في السماء ، وأنه المهيمن على سائر الأشياء ، وأنه سبحانه منفرد بالخلق والتدبير ، وقائم بالملك والتقدير ، وإذا نظر إلي وجوه الحكمة في إظهار الأسباب وتصريفها وابتلاء العباد بتقليبها أخذ بها على وجه الضرورة واللزوم لإيقاع الأحكام على المحكوم ، فمن وافق الشرائع والسنن استحق من الله الثواب ومن خالف وابتدع استحق منه العقاب ، وجميع الخلائق سيلاقي ما دون في أم الكتاب .(35/68)
ولما كان الله عز وجل غالب على أمره وظاهر فوق خلقه ، فإنه سينفذ مراده في ملكه ولن يخرج ذلك عن كمال عدله ، فكان ابتلاء العباد من خلال دعوتهم للإيمان بتوحيد الربوبية من جهة وإلزامهم بتوحيد العبودية من جهة أخرى ، قال ( : ? فَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَال إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلى عِلمٍ بَل هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلمُونَ ? [الزمر:49] ، فتنة لأنه نظر إلى الأسباب الظاهرة في تقلبها وتغافل عن مقلبها ، الذي أظهرها باسمه الظاهر تحقيقا للحكمة في اسمه الحكيم ، تلك الحكمة التي خلقهم من أجلها ، وإظهارا للقدرة التي كلفهم بتوحيد العبودية من خلالها ، فالمتوكل على الله قائم بالأحكام الشرعية ملتزم بتوحيد العبودية ، يعمل بشرع الله ويؤمن بقدره ، وإنما أظهر الله ( الأسباب لأن الأسماء تتعلق بها ، وأحكام الشرع عائدة عليها بالثواب والعقاب .
وممن تسمى عبد الظاهر والدا القاضي علاء الدين المعروف بابن عبد الظاهر بن محمد السعدي (ت:717) ، وله رسالة تسمى مراتع الغزلان (113) .
17- ( ( الباطن :(35/69)
دعاء العبادة هو إقرار العبد ويقينه أن الله ( هو الذي يقدر الأمور ويدبرها وأن الأسباب التي أظهرها بحكمته هي كالآلة بيد صانعها والله من ورائهم محيط ، هو الباطن القادر الفاعل بلطائف القدرة وخفايا المشيئة ، قال ? : ? أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أأَنْتُمْ تَزْرَعُوَنهُ أمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ? ، فنسب الزراعة لنفسه مرة لأنه الباطن الذي استتر عن خلقه بلطائف القدرة وخفايا المشيئة ، ونسبها إلينا فقال ( : ? قَال تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً ? [يوسف:47] ، فنسب الزراعة إلينا لأنه الظاهر الذي أظهر الأسباب في خلقه تكليفا لهم بالشرائع والأحكام وتمييز الحلال من الحرام ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( أَصْدَقُ بَيْتٍ قَالهُ الشَّاعِرُ : أَلا كُل شَيْءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِل ) ، فنفي ما سوى الله على اعتبار أنه المتوحد في القدرة الذي احتجب خلف الأسباب ، وهو S يعلم أن الحياة التي ابتلانا الله بها أسباب حق تؤدي إلى نتائج صدق ، ولم يمنعه ذلك أن قال أصدق بيت قاله الشاعر : أَلا كُل شَيْءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِل ، إيثاراً منه للتوحيد وتوحيدا للمتوحد .
ويذكر ابن القيم أن التعبد لله باسمه الأول والآخر والظاهر والباطن له رتبتان :
الرتبة الأولى : أن تشهد الأولية منه ? في كل شيء ، والآخرية بعد كل شيء والعلو والفوقية فوق كل شيء ، والقرب والدنو دون كل شيء ، فالمخلوق يحجبه مثله عما هو دونه ، فيصير الحاجب بينه وبين المحجوب ، والرب جل جلاله ليس دونه شيء أقرب إلى الخلق منه .(35/70)
الرتبة الثانية : أن يعامل كل اسم بمقتضاه ، فيعامل سبقه تعالى بأوليته لكل شيء وسبقه بفضله وإحسانه الأسباب كلها بما يقتضيه ذلك من أفراده ، وعدم الالتفات إلى غيره ، أو الوثوق بسواه أو التوكل عليه ، فمن ذا الذي شفع لك في الأزل حيث لم تكن شيئا مذكورا حتى سماك باسم الإسلام ، ووسمك بسمة الإيمان ، وجعلك من أهل قبضة اليمين ، وأقطعك في ذلك الغيب أعمال المؤمنين ، فعصمك عن العبادة للعبيد ، وأعتقك من التزام الرق لمن له شكل أو نديد ، ثم وجه وجهة قلبك إليه سبحانه دون ما سواه ، فاضرع إلى الذي عصمك من السجود للصنم وقضى لك بقدم الصدق في القدم أن يتم عليك نعمة هو ابتدأها ، وكانت أوليتها منه بلا سبب منك ، واسْمُ بهمتك عن ملاحظة الاختيار ولا تركنن إلى الرسوم والآثار ، ولا تقنع بالخسيس الدون ، وعليك بالمطالب العالية ، والمراتب السامية التي لا تنال إلا بطاعة الله ؛ فإن الله سبحانه قضى أن لا ينال ما عنده إلا بطاعته ، ومن كان لله كما يريد كان الله له فوق ما يريد ، فمن أقبل إليه تلقاه من بعيد ، ومن تصرف بحوله وقوته ألان له الحديد ، ومن ترك لأجله أعطاه فوق المزيد ، ومن أراد مراده الديني أراد ما يريد ، ثم اسم بسرك إلى المطلب الأعلى ، واقصر حبك وتقربك على من سبق فضله وإحسانه إليك (114) .(35/71)
وهنا مسألة مهمة في معرفة الأسماء الأربعة التي تقدمت وهي الأول والآخر والظاهر والباطن ، فإن هذه الأسماء كما ذكر ابن القيم رحمه الله هي أركان العلم والمعرفة ، فحقيق بالعبد أن يبلغ في معرفتها إلى حيث ينتهي به قواه وفهمه ، فالعبد له أول وآخر وظاهر وباطن ، بل كل شيء له أول وآخر وظاهر وباطن ، حتى الخطرة واللحظة والنفس وأدنى من ذلك وأكثر ، فأولية الله عز وجل سابقة على أولية كل ما سواه ، وآخريته ثابتة بعد آخرية كل ما سواه ، فأوليته سبقه لكل شيء ، وآخريته بقاؤه بعد كل شيء ، وظاهريته سبحانه فوقيته وعلوه على كل شيء ، ومعنى الظهور يقتضي العلو ، وظاهر الشيء هو ما علا منه وأحاط بباطنه ، وبطونه سبحانه إحاطته بكل شيء بحيث يكون أقرب إليه من نفسه ، فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة ، وهي إحاطتان : زمانية ومكانية ، فإحاطة أوليته وآخريته بالقبلية والبعدية فكل سابق انتهى إلى أوليته ، وكل آخر انتهى إلى آخريته ، فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر ، وأحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن ، فما من ظاهر إلا والله فوقه ، وما من باطن إلا والله من ورائه ، وما من أول إلا والله قبله ، وما من آخر إلا والله بعده ، فالأول أزله ، والآخر دوامه وبقاؤه ، والظاهر علوه وعظمته والباطن قربه ودنوه ، فسبق كل شيء بأوليته ، وبقى بعد كل شيء بآخريته ، وعلا على كل شيء بظهوره ، ودنا من كل شيء ببطونه ، فلا تواري منه سماء سماءً ، ولا أرض أرضا ، ولا يحجب عنه ظاهر باطنا ، بل الباطن له ظاهر والغيب عنده شهادة والبعيد منه قريب ، والسر عنده علانية ، فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركان التوحيد ، فهو الأول في آخريته والآخر في أوليته ، والظاهر في بطونه والباطن في ظهوره ، لم يزل أولا وآخرا وظاهرا وباطنا (115) .(35/72)
لم أجد بالبحث الحاسوبي أحدا سمي عبد الباطن في مجال مأجرينا عليه البحث وكذلك جميع محركات البحث على الإنترنت ، وهنيئا لمن سمى نفسه أو ولده بذلك الاسم لأنه لم يسبقه أحد من السلف أو الخلف والله أعلم .
18- ( ( السميع :
الإيمان بالاسم له أثر كبير على اعتقاد العبد وسلوكه ، أما الاعتقاد فالموحد يعلم أن الله من فوق عرشه يسمع كل صغيرة وكبيرة في خلقه ، وأنه سبحانه متوحد في سمعه له الكمال المطلق كما قال تعالى عن نفسه : ? ليْسَ كَمِثْلهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ? [الشورى:11] ، روى ابن ماجة وحسنه الشيخ الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( الحَمْدُ للهِ الذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ ، لقَدْ جَاءَتِ المُجَادِلةُ إِلى النَّبِيِّ S وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ البَيْتِ تَشْكُو زَوْجَهَا وَمَا أَسْمَعُ مَا تَقُول ؛ فَأَنْزَل اللهُ : ? قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْل التِي تُجَادِلكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ? [المجادلة:1] ) (116) .(35/73)
وأما أثر الإيمان بالاسم على سلوك العبد فإن الموحد يراقب ربه في سره وعلانيته لعلمه أن الله من فوق عرشه يسمعه وهو عليم بسره ونجواه ، ومن ثم يتقيه ويخشاه ولا يخاف من أحد سواه ، قال تعالى : ? أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلى وَرُسُلنَا لدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ? [الزخرف:80] ، كما أن الصادق في توحيده لاسم الله السميع هو الذي يسمع بسمع الله ؛ فلا يسمع إلا ما يحبه ويرضاه ، روى البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول اللهِ S قال فيما يروي عن رب العزة : ( وَمَا تَقَرَّبَ إِليَ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَليْهِ ، وَمَا يَزَال عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلي بِالنَّوَافِل حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ ) (117) .
والمقصود بقوله كنت سمعه الذي يسمع به أي يحفظه الله في سمعه ويهيأ الأسباب لحفظه ، وذلك لمداومة العبد على حفظ الله في شرعه ، وليس المقصود اتحاد الذات أو الحلول كما يزعم الغلاة ، فالعبد يحفظ سمعه بالتزامه منهج الله فلا يؤذي الناس بسمعه كأن يتحسس عوراتهم أو يخوض في أعراضهم أو يشهر بزلاتهم ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ ، وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَجَسَّسُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا ) (118) ، وعند مسلم من حديث عبد الله بن عباس ( أن رسول الله S قال : ( مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ ، وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللهُ بِهِ ) (119) .(35/74)
وممن تسمى عبد السميع أبو العز عبد السميع بن عبد العزيز بن غلاب الواسطي المقرئ (ت:618) ، سمع أبا طالب بن الكتاني ، وقرأ القرآن الكريم بالروايات على أبي الفضل هبة الله بن علي بن قسام ، وحدث وأقرأ بواسط وكان فرضيا (120) .
19- ( ( البصير :
دعاء العبادة باسم الله البصير هو وصول العبد لمرتبة الإحسان وتأثره الدائم بكمال المراقبة ، روى البخاري من حديث عمر ( أن جبريل سأل النبي S فقال : ( أخبرني عَنِ الإِحْسَان ؟ قَال : أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) (121) ، فوجب على العبد أن يراقب ربه في طاعته ، ويوقن أنه من فوق عرشه بصير بعبادته ، عليم بإخلاصه ونيته ، قال ( : ? وَقُل اعْمَلوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلكُمْ وَرَسُولهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عَالمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلونَ ? [التوبة:105] ، وكما قال مؤمن آل فرعون : ? وَيَا قَوْمِ مَا لي أَدْعُوكُمْ إِلى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلى النَّارِ تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا ليْسَ لي بِهِ عِلمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلى العَزِيزِ الغَفَّارِ لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِليْهِ ليْسَ لهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلى اللهِ وَأَنَّ المُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُول لكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ ? [غافر:44] .(35/75)
كما أن دعاء العبادة يوجب علينا أن ننظر ونتفكر وأن نعتبر ونتذكر ، ننظر في خلق الله وآثار صنعته ، وكمال قدرته وبالغ حكمته ، قال ( : ? أَفَلا يَنظُرُونَ إِلى الإِبِل كَيْفَ خُلقَتْ وَإِلى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلى الجِبَال كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ? [الغاشية:20] ، وكما أمرنا الله ( أن ننظر في الأسباب الظاهرة أمرنا أن نعتبر بفعله في الأمم الغابرة فقال ( : ? قَدْ خَلتْ مِنْ قَبْلكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ ? [آل عمران:137] .
أما من جهة التسمية بعبد البصير فلم أجد أحدا تسمى به من علماء السلف أو رواة الحديث ، لكن سمى به من الخلف المتأخرين كثير ، منهم أبو محمود عبد البصير ابن أبي نصر الضراب من أهل هراة (ت:541) (122) .
20- ( ( المولى :
دعاء العبادة هو أثر الإيمان بالاسم في سلوك العبد فيجاهد نفسه في طاعة مولاه فلا يعصي له أمرا ولا يرد له خبرا ، كما قال ( : ? وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَل عَليْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلمِينَ مِنْ قَبْل وَفِي هَذَا ليَكُونَ الرَّسُول شَهِيداً عَليْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ? [الحج:78].
فالمسلم الموحد كيف يخبره مولاه بأنه العلي في سماه على العرش استوى ، ويقول العبد له : ظاهر كلامك باطل ومحال يا مولاي فإنه تشبيه وتمثيل ؟ فمن وحد الله في اسمه المولى أثبت ما أثبته الله لنفسه وما أثبته رسوله S ، فصدق بخبره ولم يحد عن أمره ، وهذا مقتضى تعظيم العبد لربه في اسمه المولى .(35/76)
ومن دعاء العبادة أيضا تقوى الله فيمن ولاه عليهم من خدمه أو عماله أو شركائه أو إخوانه ، روى مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( إِذَا صَنَعَ لأَحَدِكُمْ خَادِمُهُ طَعَامَهُ ثُمَّ جَاءَهُ بِهِ وَقَدْ وَلي حَرَّهُ وَدُخَانَهُ فَليُقْعِدْهُ مَعَهُ فَليَأْكُل ، فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَشْفُوهًا قَليلاً فَليَضَعْ فِي يَدِهِ مِنْهُ أُكْلةً أَوْ أُكْلتَيْنِ ) (123) ، وروى أيضا من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله S قال : ( اللهمَّ مَنْ وَليََ مِنْ أَمْرِ أمتي شَيْئًا فَشَقَّ عَليْهِمْ فَاشْقُقْ عَليْهِ ، وَمَنْ وَلي مِنْ أَمْرِ أمتي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ ) (124) ، وعند أحمد وصححه الألباني من حديث أبي قتادة ( قال : ( سَمِعْتُ رَسُول اللهِ S يَقُول عَلى المِنْبَرِ للأَنْصَارِ : أَلاَ إِنَّ النَّاسَ دِثَارِى وَالأَنْصَارَ شِعَارِى ، لوْ سَلكَ النَّاسُ وَادِياً وَسَلكَتِ الأَنْصَارُ شُعْبَةً لاَتَّبَعْتُ شُعْبَةَ الأَنْصَارِ ، وَلوْلاَ الهِجْرَةُ لكُنْتُ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ ، فَمَنْ وَلي أَمْرَ الأَنْصَارِ فَليُحْسِنْ إِلى مُحْسِنِهِمْ وَليَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ ، وَمَنْ أَفْزَعَهُمْ فَقَدْ أَفْزَعَ هَذَا الذِي بَيْنَ هَاتَيْنِ وَأَشَارَ إِلى نَفْسِهِ ) (125) .(35/77)
وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث مريم الأزدي أنه قال : ( دَخَلتُ عَلى مُعَاوِيَةَ فَقَال : مَا أَنْعَمَنَا بِكَ أَبَا فُلاَنٍ ، وَهِي كَلمَةٌ تَقُولهَا العَرَبُ ، فَقُلتُ : حَدِيثًا سَمِعْتُهُ أُخْبِرُكَ بِهِ سَمِعْتُ رَسُول اللهِ S يَقُول : مَنْ وَلاَّهُ اللهُ عَزَّ وَجَل شَيْئًا مِنْ أَمْرِ المُسْلمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَخَلتِهِمْ وَفَقْرِهِمُ احْتَجَبَ اللهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلتِهِ وَفَقْرِهِ ، قَال فَجَعَل رَجُلاً عَلى حَوَائِجِ النَّاسِ ) (126) ، وعند مسلم من حديث عوف بن مالك ( أن رسول الله S قال : ( خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ ، وَيُصَلونَ عَليْكُمْ وَتُصَلونَ عَليْهِمْ ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ ، وَتَلعَنُونَهُمْ وَيَلعَنُونَكُمْ ، قِيل : يَا رَسُول اللهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ ؟ فَقَال : لاَ ، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلهُ وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ ) (127) .
ومن جهة التسمية بعبد المولى فقد تسمى به أبو روح عبد المولى بن عبد الباقي بن محمد بن زيد الأزدي الواعظ ، أخو عبد الواسع من أهل هراة ، كان والده سبط عبد الله الأنصاري ، وكان واعظا له نوبة في جامع هراة (128) .
21- ( ( النصير :(35/78)
أثر الاسم على العبد أن ينصر الله ورسوله S ودينه وحزبه لعلمه أن الله هو النصير الذي ينصر من نصره ، قال تعالى : ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ? [محمد:7] ، وقال ( : ? إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غَالبَ لكُمْ وَإِنْ يَخْذُلكُمْ فَمَنْ ذَا الذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلى اللهِ فَليَتَوَكَّل المُؤْمِنُونَ ? [آل عمران:160] ، ويجب على الموحد أن يكون نصره مع صبره مقترنان وألا ييأس من النصر مهما طال الصبر قال تعالى : ? مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَليَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلى السَّمَاءِ ثُمَّ ليَقْطَعْ فَليَنْظُرْ هَل يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ? [الحج:15] ، وقد روي البخاري أن قريشا في صلح الحديبية ألزمت رسول الله S بأشياء لم يرغب فيها عمر بن الخطاب ( فقال للنبيS : ( أَلسْتَ نَبِيَّ اللهِ حَقًّا ؟ قَال : بَلي ، قُلتُ : أَلسْنَا على الحَقِّ وَعَدُوُّنَا على البَاطِل ؟ قَال : بَلي ، قُلتُ : فَلمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا ؟ قَال : إِنِّي رَسُول اللهِ وَلسْتُ أَعْصِيهِ وَهُوَ نَاصِرِي ، قُلتُ : أَوَليْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي البَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ ؟ قَال : بَلي لكن هل أَخْبَرْتُكَ أَنَّا سنَأْتِيهِ هذا العَامَ ؟ فقَال : لا ، قَال : فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ ، قَال : فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلتُ : يَا أَبَا بَكْرٍ أَليْسَ هَذَا نَبِيَّ اللهِ حَقًّا ؟ فقَال أبو بكر : بَلي ، قال : أَلسْنَا على الحَقِّ وَعَدُوُّنَا على البَاطِل ؟ قَال : بَلي ، قُلتُ : فَلمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا ؟ قَال : أَيُّهَا الرَّجُل إِنَّهُ لرَسُول اللهِ S وَليْسَ يعصي رَبَّهُ وَهُوَ نَاصِرُهُ فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ فَوَاللهِ إِنَّهُ على(35/79)
الحقِّ قُلتُ : أَليْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي البَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ ؟ قَال : بَلي أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ ستَأْتِيهِ هذا العَامَ ؟ قُلتُ : لا ، قَال : فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِه ) (129) ، فالله ناصر من ينصره وكفى به حسيبا وكفى به هاديا ونصيرا .
ومن جهة التسمية بعبد النصير ، قال أبو المعالي السلامي في وفيات سنة اثنتين وأربعين وسبع مئة : ( وفي ليلة الحادي والعشرين من شعبان توفي الصدر الكبير المحدث رشيد الدين أبو الفتوح عبد النصير بن محمد بن يعقوب بن محمد بن نسيم ببلبيس ودفن بها ، سمع من العز الحراني وغيره ) (130) .
22- ( ( العفو :
دعاء العبادة هو أثر الاسم على سلوك العبد وتوحيد الله فيه ، فيعفوا عن الظالمين ويعرض عن الجاهلين وييسر علي المعسرين طلبا لعفو الله عند لقائه ، وقد كان أبو بكر الصديق ( يتصدق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه ، فلما شارك المنافقين في اتهام أم المؤمنين عائشة بالإفك وبرأها الله ( ، قَال أبو بكر ( : ( وَاللهِ لاَ أُنْفِقُ عَلى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ مَا قَال لعَائِشَةَ ، فَأَنْزَل اللهُ ? : ? وَلا يَأْتَل أُولو الفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولي القُرْبَي وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيل اللهِ وَليَعْفُوا وَليَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [النور:22] ، فَقَال أَبُو بَكْرٍ : بَلى ، وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لي ، فَرَجَعَ إِلى مِسْطَحٍ الذِي كَانَ يُجْرِي عَليْهِ ) (131) .(35/80)
وقد وجه النبي S أئمة المسلمين وحكامهم إلى درء الشبهة عن المحكومين لأن الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة ، روى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ( قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَل عَلي ابْنِ أَخِيهِ الحُرِّ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ ، وَكَانَ القُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولاً كَانُوا أَوْ شُبَّانًا ، فَقَال عُيَيْنَةُ لاِبْنِ أَخِيهِ : يَا ابْنَ أَخِي ، لكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لي عَليْهِ ، قَال : سَأَسْتَأْذِنُ لكَ عَليْهِ ، قَال ابْنُ عَبَّاسٍ : فَاسْتَأْذَنَ الحُرُّ لعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لهُ عُمَرُ ، فَلمَّا دَخَل عَليْهِ قَال : هِي يَا ابْنَ الخَطَّابِ فَوَاللهِ مَا تُعْطِينَا الجَزْل وَلاَ تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالعَدْل ، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِهِ ، فَقَال لهُ الحُرُّ : يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنَّ اللهَ تَعَالي قَال لنَبِيِّهِ S : ? خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلينَ ? [الأعراف:199] ، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلينَ ، وَاللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَليْهِ ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ ) (132) .
لم أجد بالبحث الحاسوبي أحدا سمي عبد العفو في مجال ما أجرينا عليه ، وإن كانت محركات البحث علي الإنترنت أظهرته كوالد لأردني وإماراتية .
23- ( ( القدير :(35/81)
دعاء العبادة يتجلى في فهم العبد للعلاقة بين قدرة الله وحكمته ، وكيف أن القضاء والقدر أمر واقع محتوم ، وأن الإنسان مخير في فعله غير مجبور أو مقهور ومحاسبته على فعله لا تعني أنه مظلوم ؛ فالله عز وجل ابتلاه في هذه الدار ، والابتلاء له وجهان : وجه يتعلق بقدرة الله وفعله بنا ، ووجه يتعلق بفعلنا تجاه فعله ومدى التزامنا بدينه وأمره ، فإذا أيقن العبد بذلك ظهرت آثار الإيمان بالاسم على حركاته وسكناته وسائر حياته ، فلن يحتج بالقدر على عصيانه ومخالفاته ، لعمله ويقينه أن التقدير المحكم لا بد بالضرورة أن يسبق التخليق والتصنيع ، وأن الله أحكم للمخلوقات غاياتها وقضى في اللوح أسبابها ومعلولاتها ، فلن يتغير بنيان الخلق إلا بعد استكماله وتمامه ، ولن يتبدل سابق الحكم في سائر الملك إلا بقيامه وكماله ، وهذه مشيئة الله في خلقه وما قضاه وقدره في ملكه ؛ فالله عز وجل على عرشه في السماء يفعل ما يشاء وبيده أحكام التدبير والقضاء ، حكم بعدله أن يقوم الخلق على علة الابتلاء ، ثم يتحول بعدها إلى دار الجزاء ، ولذلك ينبهنا الله في بعض المواطن إلى هذه الحقيقة ، وأنه ( قادر على أن يفعل ما يشاء لولا ما سبق في الكتاب من أحكام القضاء ، فقال ( : ? لوْلا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ ? [الأنفال:68] ، وقال ( : ? وَلوْلا كَلمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لكَانَ لزَاماً وَأَجَل مُسَمّىً ? [طه:129] ، وقال : ? وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلفُوا وَلوْلا كَلمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلفُونَ ? [يونس:19] .(35/82)
والعقلاء يعلمون أن العلماء من البشر لو اجتمعوا على وضع خطة محكمة لبناء مشروع عملاق أو أي مشروع من المشروعات ، درسوا فيها جميع الجوانب بمختلف المقاييس والدراسات ، وراعوا في خطتهم مختلف الموازنات ثم وضعوا تخطيطا محكما لا مجال فيه للإضافات ، ثم انتهوا إلى تقرير شامل دونوه في مجموعة من الملفات ، ثم قدموا هذا المكتوب لإدارة التنفيذ والمشروعات ، فإنه لا يصح لعامل جاهل ينقصه العلم والفهم أن يعترض أو يغير أو يبدل في هذا المشروع الضخم ، ولا يصح أن يعبث فيه بهواه ، أو يغير في تخطيطه على ما يراه ؛ فالله عز وجل وله المثل الأعلى كتب مقادير كل شيء ورفعت الأقلام وجفت الصحف حتى يتم الخلق على ما قضى به الحق ، قال ابن القيم : ( إنه سبحانه حكيم لا يفعل شيئا عبثاً ، ولا لغير معنىً ومصلحة ، وحكمته هي الغاية المقصودة بالفعل ، بل أفعاله سبحانه صادرةٌ عن حكمة بالغة لأجلها فعل ) (133) ، فلا بد للموحد الذي وحد الله في اسمه القدير أن يؤمن بأن الله ( من فوق عرشه يقلب الأمور في خلقه بقدرته ، وأن معيته لهم معية عامة وخاصة ، معية عامة بطلاقة القدرة وأوصاف الربوبية ، بمعنى أنه مطلع على خلقه شهيد مهيمن عليهم يتابعهم ويراهم ويسمعهم ، ويتولى بنفسه من فوق عرشه الخلق والتدبير ، والرزق والتقدير ، وإنزال المقادير على أوقاتها من اللوح المحفوظ في التقدير الأزلي ثم ما دبره في التقدير الميثاقي ، ثم ما أمر به الملائكة في التقدير العمري والسنوي ، ثم متابعتهم لحظة بلحظة في التقدير اليومي ، وهذه العقيدة تجعل المسلم في ثقة دائمة بربه يعترف له بنعمته وفضله ، وأنه مهما حدث متمسك بدينه وشرعه وواثق في وعده ونصره .(35/83)
لم أجد بالبحث الحاسوبي أحدا من السلف أو الخلف سمي عبد القدير ، وأظهرت محركات البحث علي الإنترنت هذا الاسم لعالم معاصر له تميز مخصوص ، وهو عبد القدير خان الذي صنع أول قنبلة ذرية للمسلمين في باكستان فسبحان القدير ( .
24- ( ( اللطيف :
دعاء العبادة هو عمل العبد بمقتضى توحيده لاسم الله اللطيف حيث يتلطف للمسلمين ويحنو على اليتامى والمساكين ، ويسعى للوفاق بين المتخاصمين ، وينتقي لطائف القول في حديثه مع الآخرين ، ويبش في وجوههم ويحمل قولهم على ما يتمناه من المستمعين ؛ فإن الظن أكذب الحديث ، وقد ذم الله أناسا من المنافقين اتهموا أم المؤمنين رضي الله عنها بفرية باطلة ، وقد رفع الله قدرها ورد كيديهم لها وقد كان النبي S لطيفا بها ، لكنه تأثر بقولهم وتغير لها ، وهو S بشر ربما يتأثر بمثل هذا الخبر ، روي البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت في حادثة الإفك : ( فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا ، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْل أَصْحَابِ الإِفْكِ ، لاَ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلكَ ، وَهْوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَعْرِفُ مِنْ رَسُول اللهِ S اللطْفَ الذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي ، إِنَّمَا يَدْخُل عَليَّ رَسُول اللهِ S فَيُسَلمُ ثُمَّ يَقُول : كَيْفَ تِيكُمْ ؟ ثُمَّ يَنْصَرِفُ ، فَذَلكَ يَرِيبُنِي وَلاَ أَشْعُرُ بِالشَّرِّ ) (134) ، وفي رواية أخري : ( إلا أني قد أنكرت مِنْ رَسُول اللهِ S بعض لطفه بي ، كُنْتُ إذا اشتكيت رحمني ولطف بي فلم يفعل ذلك في شكواي تلك ) (135) ، وعند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول اللهِ S قال لها : ( يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلى العُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ ) (136) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن مسعود ( أن(35/84)
رسول اللهِ S قال : ( أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَليْهِ النَّارُ عَلى كُل قَرِيبٍ هَيِّنٍ ليِّنٍ سَهْل ) (137) ، وروى أيضا من حديث عبد اللهِ بن الحارث ( قال : ( مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُول اللهِ S ) (138) .
وممن تسمى عبد اللطيف أبو محمد الهروي عبد اللطيف بن عبد الرشيد بن الحسين الأديب الهروي (ت:546) كان فقيها أديبا حسن السيرة له سمت وسكون وكان أكابر هراة يختلفون إليه ويتعلمون منه اللغة والأدب (139) .
25- ( ( الخبير :
أثر الاسم في سلوك العبد اعتماده على اختيار ربه في كل صغيرة وكبيرة من أمره فطالما آمن العبد بأن الله هو الخبير ، سلم له في جميع شئونه مطلق التدبير ، وهذا شأن أهل التوحيد واليقين ألا يخالفوا مراد الله وتدبيره ، بل يسلموا إليه أمورهم ثقة في كمال تدبيره ، سواء كان تدبيرا يتعلق بتوحيد الربوبية وتصريف أمور الخلق كالإيجاد والإمداد والمنع والعطاء على مقتضى حكمته في ترتيب الابتلاء ، أو كان تدبيرا شرعيا يتعلق بتوحيد العبودية وما أمرهم به أو نهاهم أو ندبهم أو دعاهم ، فلا ينازعون الله في تدبيره وشرعه أو قضائه وقدره ليقينهم أنه الملك الخبير القادر القدير القابض على نواصي الخلق والمتولي شئون الملك ، وتيقنهم مع ذلك أنه الحكيم في أفعاله وأنه لا تخرج عن العدل والحكمة والفضل والرحمة ، فلم يدخلوا أنفسهم معه في تدبيره لملكه وتصريفه لأمور خلقه ، ولم يتسخطوا على دينه أو يتمنوا سواه ، بل همهم كله في إقامة حدوده والتزام حقه عليهم ، فالذي وحد الله في اسمه الخبير يختار الله وكيلا كفيلا ، والله عز وجل إذا تولى أمر عبد بجميل عنايته كفاه وأغناه وأسعده في الدنيا والآخرة .(35/85)
ومهما طلب العبد من مولاه فإنه لا يستكثر حوائجه على الله ، لعلمه أن مولاه كافيه ومعطيه فهو الغني بذاته عمن سواه ، ومن جعل الله عز وجل وكيله لزمه أن يكون وكيلا لله على نفسه في إقامة حقوقه وفرائضه ، فيخاصم نفسه في ذلك ليلا ونهارا ، لا يفتر لحظة ولا يقصر طرفه ، والذي يرضى بربه خبيرا لأمره هاديا لعمله وكيلا على نفسه قد وحد الله حقا في اسمه الخبير ، ووثق أن ما كتب في اللوح سوف يدركه في أنواع التقدير ، ومن ثم تهون عليه الأمور ويركن بإيمانه إلي اللطيف الخبير ، وعند البخاري من حديث البراء ( أن النبي S قال له : ( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ للصَّلاَةِ ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ، ثُمَّ قُل : اللهُمَّ أَسْلمْتُ وجهي إِليْكَ ، وَفَوَّضْتُ أمري إِليْكَ ، وَأَلجَأْتُ ظهري إِليْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِليْكَ ، لاَ مَلجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِليْكَ ، اللهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الذي أَنْزَلتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الذي أَرْسَلتَ ، فَإِنْ متَّ مِنْ ليْلتِكَ فَأَنْتَ عَلى الفِطْرَةِ ، وَاجْعَلهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلمُ بِهِ ) (140) .
ومن جهة التسمية بعبد الخبير فقد تسمى به من رواة الحديث عبد الخبير بن قيس بن ثابت الأنصاري من الطبقة السادسة الذين عاصروا صغار التابعين ، وإن كان مجهول الحال عند ابن حجر ، وحديثه ليس بقائم عند البخاري ، روى عنه أبو داود في سننه (141) .
26- ( ( الوتر :(35/86)
أثر الاسم على العبد يتجلى في محبته للتوحيد والوترية في كل قول أو فعل فيغتسل وترا ويستجمر وترا ويستنثر وترا ، ويجعل آخر صلاته بالليل وترا ، وإذا اكتحل فليكتحل وترا ، ويغسل الميت وترا ، روى الحاكم وصححه الألباني من حديث أبي بن كعب ( أن رسول الله S قال : ( لما تُوفي آدَم غَسَلتْهُ المَلاَئِكَةُ بالماء وتْرا وألحَدوا له وقَالوا : هَذه سُنّة آدَم في وَلدِه ) (142) ، وعند البخاري من حديث عبد الله بن مسعود ( أن النبي S قال : ( اجْعَلوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِالليْل وِتْرًا ) (143) .
وروى البخاري أيضا من حديث أم عطية رضي الله عنها قالت : ( تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِي S فَأَتَانَا النَّبِي S فَقَال : اغْسِلنَهَا بِالسِّدْرِ وِتْرًا ، ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلكَ ، وَاجْعَلنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ ، فَأَلقَى إِليْنَا حِقْوَهُ ، فَضَفَرْنَا شَعَرَهَا ثَلاَثَةَ قُرُونٍ وَأَلقَيْنَاهَا خَلفَهَا ) (144) .(35/87)
وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَليَسْتَجْمِرْ وِتْرًا وَإِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَليَجْعَل فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ ليَنْتَثِرْ ) (145) ، وعند أحمد وحسنه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( إِذَا اكْتَحَل أَحَدُكُمْ فَليَكْتَحِل وِتْراً ، وَإِذَا اسْتَجْمَرَ فَليَسْتَجْمِرْ وِتْراً ) (146) ، وروى البخاري من حديث أنس بن مالك ( قال : ( كَانَ رَسُول اللهِ S لاَ يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُل تَمَرَاتٍ وَيَأْكُلهُنَّ وِتْرًا ) (147) ، وروى الترمذي وصححه الألباني من حديث أنس ( أن رسول الله S قال له : ( إِذَا اشْتَكَيْتَ ؛ فَضَعْ يَدَكَ حَيْثُ تَشْتَكِي وَقُل : بِسْمِ الله أَعُوذُ بِعِزَّةِ الله وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ مِنْ وجعي هَذَا ، ثُمَّ ارْفَعْ يَدَكَ ، ثُمَّ أَعِدْ ذَلكَ وِتْرًا ) (148) .
لم أجد بالبحث الحاسوبي أحدا سمي عبد الوتر في مجال ما أجرينا عليه البحث وكذلك جميع محركات البحث علي الإنترنت ، وهنا دعوة لمن أراد أن يسمي نفسه أو ولده بذلك الاسم لأنه لم يسبقه أحد من السلف أو الخلف والله أعلم .
27- ( ( الجميل :(35/88)
دعاء العبادة بالاسم يتجلى فيه المسلم بالجمال الظاهر والباطن ، فظاهره كما ورد في صحيح الجامع من حديث أبي سعيد ( مرفوعا : ( إن الله تعالى جميل يحب الجمال ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده ويبغض البؤس والتباؤس ) (149) ، وورد في رواية أحمد في مسند ابن مسعود ( : ( َقَال رَجُل : يَا رَسُول اللهِ ، إِنِّي ليُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي غَسِيلاً وَرَأْسِي دَهِيناً وَشِرَاكُ نَعْلي جَدِيداً ، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ حَتَّى ذَكَرَ عِلاَقَةَ سَوْطِهِ أَفَمِنَ الكِبْرِ ذَاكَ يَا رَسُول اللهِ ؟ قَال : لاَ ، ذَاكَ الجَمَال ، إِنَّ اللهَ جَمِيل يُحِبُّ الجَمَال وَلكِنَّ الكِبْرَ مَنْ سَفِهَ الحَقَّ وَازْدَرَى النَّاسَ ) (150) .
أما جمال الجوهر فله الأسبقية على المظهر وهو حسن الاعتقاد في الله ، وأن الجمال الحقيقي أن يفهم العبد حقيقة الحياة ، فيستعين بالله في كمال العبودية ويرضى بما قسمه في باب الربوبية ، وأن الجلال المطلق إنما هو لله وحده في أسمائه وصفاته وأفعاله ، وقد تقدم في الجزء الثالث أن الجلال يقوم على ركنين : الركن الأول الكمال ، والركن الثاني الجمال ؛ فالكمال هو بلوغ الوصف أعلاه والجمال بلوغ الحسن منتهاه ، فإذا نظر العبد إلى حكمة الله وانفراده عمن سواه سيجد أن الله عز وجل إن أعطى أحدا من عباده كمالا ابتلاه في الجمال ، وإن أعطاه جمالا ابتلاه في الكمال ، وإن أعطاه كمالا وجمالا ابتلاه في دوام الحال ، فربما يبلغ المرء كمالا في الغنى بحيث يفوق الآخرين فيه حتى يبلغ الوصف أعلاه ، لكنه مبتلى في غناه فربما يكون جاهلا أو مريضا ، أو قبيحا أو عقيما ، أو مبتلى في ولده وزوجته ، أو أهله وعشيرته أو غير ذلك من أنواع البلاء .(35/89)
وكذلك ربما تجد امرأة بلغت كمالا في الخلق والنسب ، ولها منزلة كبيرة في الشرفِ والحسب ، وعلى قدر كبير من العلم والفهم ، وهي أبعد ما تكون عن الخيانة ، وموصوفة بالصدق والأمانة ، غير أنها قبيحة سوداء ، أو دميمة بكماء ، لا تسر أحدا من الناظرين ، أعطاها الله من جهة الكمال وابتلاها من جهة الجمال .
والله عز وجل لو أعطى أحدا من عباده كمالا وجمالا ابتلاه في دوام الحال ؛ فما يلبث أن يموت الخليفة العادل أو يغتال ، كما فعل مع سليمان ( أعطاه الله الملك والعزة ، فكان قويا غنيا ، وملكا نبيا ، لديه الدنيا بأسرها وبهجةُ الحياة بأنواعها وسخرها لله بالطاعة والإيمان ، فسليمان ( أعطاه الله كمالا وجمالا لكن سلبه دوام الحال ، لأننا في دار ابتلاء والموت يجري على سائر الأحياء ، ولن يبقى إلا الحي الذي لا يموت ، فالجلال في أسمائه وصفاته مبني على الكمال والجمال وليس ذلك إلا لرب العزة والجلال ، هو الملك الجميل ، له في ملكه الكمال والجمال ، ملكه دائم وهو في ملكه عليم قدير يفعل ما يشاء ، له مطلق الخلق والتدبير وهذا هو الكمال ، أما الجمال في الملك فقيامه على الحق لا يظلم فيه أحدا ولا يشرك في حكمه أحدا ، ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ، يقبل التوبة عن عباده وهو قادر على إهلاكهم ، لكن ملوك الدنيا إن استتب لهم كمال الملك وأحكموا قبضتهم على الخلق ، ضيعوا الجمال في الملك بظلم الخلق وضياع الحق ، وإن جمعوا بين الكمال والجمال سلبهم دوام الحال ، ودوام الحال من المحال ، فالوحيد الذي اتصف بالكمال والجمال هو رب العزة والجلال ، وكل اسم من أسمائه له فيه مطلق الكمال والجمال كما قال سبحانه : ? تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلال والإكرام ? [الرحمن:78] .(35/90)
ومن ثم فإن جمال المسلم في عبوديته لربه ، ومهما تقلبت به الأسباب فإنه في خير دائم كما ورد عند مسلم من حديث صهيب ( أن رسول اللهِ S قال : ( عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلهُ خَيْرٌ وَليْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ للمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لهُ ) (151) .
أما بخصوص التسمية بعبد الجميل فلم أجد بالبحث الحاسوبي أحدا سمي به في مجال ما أجرينا عليه البحث ، وكذلك جميع محركات البحث علي الإنترنت ، وهذه دعوة لمن أراد أن يسمي نفسه أو ولده بذلك الاسم لأنه لم يسبقه أحد من السلف أو الخلف والله أعلم .
28- ( ( الحيي :
دعاء العبادة باسم الله الحيي ومقتضى توحيد الله فيه أن تكون حلية العبد وزينته ولباسه بعد تقوى الله الحياء ، روى الترمذي وصححه الألباني من حديث أنس بن مالك ( أن رسول اللهِ S قال : ( مَا كَانَ الفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ ، وَمَا كَانَ الحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ ) (152) ، وعند البخاري من حديث عمران بن حصين ( أن النبي S قَال : ( الحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ ) (153) .(35/91)
وفي رواية مسلم من حديث أبي قتادة ( قال : ( كُنَّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي رَهْطٍ مِنَّا وَفِينَا بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ ؛ فَحَدَّثَنَا عِمْرَانُ يَوْمَئِذٍ أن رَسُول اللهِ S قال : الحَيَاءُ خَيْرٌ كُلهُ أَوْ قَال : الحَيَاءُ كُلهُ خَيْرٌ ، فَقَال بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ إِنَّا لنَجِدُ فِي بَعْضِ الكُتُبِ أَوِ الحِكْمَةِ أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارًا للهِ وَمِنْهُ ضَعْف ، قَال فَغَضِبَ عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ وَقَال : أَلاَ أُرَانِي أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُول اللهِ S وَتُعَارِضُ فِيهِ ، قَال : فَأَعَادَ عِمْرَانُ الحَدِيثَ ، قَال : فَأَعَادَ بُشَيْرٌ فَغَضِبَ عِمْرَانُ ، قَال : فَمَا زِلنَا نَقُول فِيهِ إِنَّهُ مِنَّا يَا أَبَا نُجَيْدٍ إِنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ ) (154) .
وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أَبِي أمامة ( أن رسول اللهِ S قال : ( الحَيَاءُ وَالعِيُّ شُعْبَتَانِ مِنَ الإِيمَانِ ، وَالبَذَاءُ وَالبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنَ النِّفَاقِ ) (155) ، وروى أيضا وحسنه الألباني من حديث ابن مسعود ( أن رسول اللهِ S قال : ( اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ ، قَال : قُلنَا يَا رَسُول اللهِ إِنَّا لنَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ للهِ ، قَال : ليْسَ ذَاكَ وَلكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى ، وَتَحْفَظَ البَطْنَ وَمَا حَوَى وَتَتَذَكَّرَ المَوْتَ وَالبِلى ، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَل ذَلكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ ) (156) .
أما من جهة التسمية بعبد الحيي فلم أجد بالبحث الحاسوبي أحدا سمي به في مجال ما أجرينا عليه البحث ، وكذلك جميع محركات البحث علي الإنترنت ، وهنيئا لمن سمى نفسه أو ولده بذلك لأنه لم يسبقه أحد من السلف أو الخلف والله أعلم .(35/92)
29- ( ( الستير :
أثر الاسم على العبد أن يستر على نفسه وغيره الحرمة ، وأن يكثر من الطاعة والتهجد في الظلمة ، روى الترمذي وحسنه الشيخ الألباني من حديث موسى بن طلحة عن أبي اليسر كعب بن عمرو ( قال : ( أَتَتْنِي امْرَأَةٌ تَبْتَاعُ تَمْرًا فَقُلتُ : إِنَّ فِي البَيْتِ تَمْرًا أَطْيَبَ مِنْهُ ، فَدَخَلتْ مَعِي فِي البَيْتِ ، فَأَهْوَيْتُ إِليْهَا فَقَبَّلتُهَا ، فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذَلكَ لهُ ، قَال : اسْتُرْ عَلى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلاَ تُخْبِرْ أَحَدًا ، فَلمْ أَصْبِرْ فَأَتَيْتُ عُمَرَ فَذَكَرْتُ ذَلكَ لهُ ؛ فَقَال : اسْتُرْ عَلى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلاَ تُخْبِرْ أَحَدًا ، فَلمْ أَصْبِرْ ، فَأَتَيْتُ رَسُول اللهِ S فَذَكَرْتُ ذَلكَ له ، فَقَال لهُ : أَخَلفْتَ غَازِيًا فِي سَبِيل اللهِ فِي أَهْلهِ بِمِثْل هَذَا ، حَتَّى تَمَنَّى أَنَّهُ لمْ يَكُنْ أَسْلمَ إِلاَّ تِلكَ السَّاعَةَ ، حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ أَهْل النَّارِ ، قَال : وَأَطْرَقَ رَسُول اللهِ S طَوِيلاً حَتَّى أَوْحَى اللهُ إِليْهِ : ? وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلفاً مِنَ الليْل إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلكَ ذِكْرَى للذَّاكِرِينَ ? [هود:114] ، قَال أَبُو اليَسَرِ : فَأَتَيْتُهُ فَقَرَأَهَا عَلي رَسُول اللهِ S فَقَال أَصْحَابُهُ : يَا رَسُول اللهِ : أَلهَذَا خَاصَّةً أَمْ للنَّاسِ عَامَّةً ؟ قَال : بَل للنَّاسِ عَامَّةً ) (157) .(35/93)
وعند البخاري من حديث ابن عمر ( أن رسول اللهِ S قال : ( المُسْلمُ أَخُو المُسْلمِ ، لاَ يَظْلمُهُ وَلاَ يُسْلمُهُ ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ) (158) ، وعنده من حديث أبي هريرة ( مرفوعا : ( كُل أُمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ المُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنَ المَجَانَةِ أَنْ يَعْمَل الرَّجُل بِالليْل عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ ، فَيَقُول يَا فُلاَنُ عَمِلتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ ) (159) .
أما من جهة التسمية بعبد الستير فلم أجد بالبحث الحاسوبي أحدا سمي به في مجال ما أجرينا عليه البحث ، وكذلك جميع محركات البحث علي الإنترنت ، وأنبه على أن الستار ليس من أسماء الله الحسنى ولم يسم الله نفسه به ، ومن تسمى بعبد الستار فليغيره إلى عبد الستير .
30- ( ( الكبير :(35/94)
أثر الاسم على سلوك العبد يتجلى في توحيد الله بالعبودية وأن يخلع عن نفسه أوصاف الربوبية ، ولا ينازع ربه أو يتشبه به في الكبرياء والفوقية ، فيرى ضآلة نفسه ووصفه مهما بلغت به الرياسة والحاكمية ، ولا يغضب لأموره الشخصية بل يغار إذا انتهكت حرمة الله الشرعية ، ويتقبل النصح من آحاد الرعية ، وأن يكون أمينا راعيا على قدر الأمانة والمسئولية ، وإذا أخذته العزة بأنه الكبير في أرضه والأمير على بلده فليتذكر أن الله متوحد في اسمه ووصفه ؛ فهو الكبير الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ، قال تعالى : ? وَقُل الحَمْدُ للهِ الذِي لمْ يَتَّخِذْ وَلداً وَلمْ يَكُنْ لهُ شَرِيكٌ فِي المُلكِ وَلمْ يَكُنْ لهُ وَليٌّ مِنَ الذُّل وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ? [الإسراء:111] ، وقال ( : ? ذَلكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالحُكْمُ للهِ العَليِّ الكَبِيرِ ? [غافر:12] .
وعند أبي داود وصححه الألباني مرفوعا أن رب العزة قال : ( الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي شَيْئًا مِنْهُمَا أَلقَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ ) (160) ، ألقيته قصمته عذبته قذفته في النار ، وهي ألفاظ وردت في عدة روايات ، وروى مسلم من حديث ابن مسعود ( مرفوعا : ( لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ مِثْقَال ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ) (161) .(35/95)
وممن تسمى بالتعبد للاسم أبو بكر الحنفي البصري عبد الكبير بن عبد المجيد (ت:204) ، وقد روى عنه مسلم قال : ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ العَبْدِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الكَبِيرِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ قَال : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الحَكَمِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِ S قَال : لاَ تَذْهَبُ الأَيَّامُ وَالليَالي حَتَّى يَمْلكَ رَجُل يُقَال لهُ : الجَهْجَاهُ ) (162) .
31- ( ( المتعال :
دعاء العبادة هو مظهر يخضع فيه العبد الفقير لربه المتعال ، فهو لله ذليل خاضع وفي جناب عزه مسكين متواضع ، لعلمه أن المتعال لا يدفعه عن مراده دافع ، وليس له شريك ولا منازع ، هو القادر الذي بهر أبصار الخلائق جلاله وبهاؤه ، وحصر ألسن الأنبياء وصفه وثناؤه ، وارتفع عن حد قدرتهم إحصاؤه واستقصاؤه ، فالعظمة إزاره والكبرياء رداؤه ، ومن نازعه فيهما قصمه بداء الموت فأعجزه دواؤه ، جل جلاله وتقدست أسماؤه (163) ، فوجب على الموحد لله في اسمه المتعال ألا يخلع عن نفسه رداء العبودية لينازع ربه في علو القهر والشأن والفوقية أو يشاركه في العلو والكبرياء وعظمة الأوصاف والأسماء ، فالكبرياء والعظمة والعلاء والعزة كل ذلك لا يليق إلا بالمتوحد المتعال ، أما العبد المملوك الضعيف العاجز الذي لا يقدر على شيء فمن أين يليق بحاله التعالي ؟ .(35/96)
وممن تسمى بالتعبد للاسم عبد المتعال بن طالب الأنصاري شيخ ثقة (164) ، روى عنه البخاري قال : ( حَدَّثَنَا عَبْدُ المُتَعَال بْنُ طَالبٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَال : أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ أَنَّ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ ( أَنَّ النَّبِيِّ S صَلى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ ، وَرَقَدَ رَقْدَةً بِالمُحَصَّبِ ثُمَّ رَكِبَ إِلى البَيْتِ فَطَافَ بِهِ ) (165) .
32- ( ( الواحد :
أثر الاسم في على العبد يظهر في اعتقاده وسلوكه ، فيجعل أكبر همه الدعوة إلي توحيد الواحد ، ويعمل بأمر نبيه S بتوحيد الله قبل كل شيء ، روي البخاري من حديث ابن عباس ( أن النبي S لما بعث معاذ بن جبل نحو اليمن قال له : ( إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلى قَوْمٍ مِنْ أَهْل الكِتَابِ فَليَكُنْ أَوَّل مَا تَدْعُوهُمْ إِلى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ تعالى ) (166) ، ومن وحد الله في اسمه الواحد تجلى توحيده في كل قول له أو فعل ، فيكثر من ترديد الشهادة والذكر عملا بما ورد عند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول اللهِ S قال : ( مَنْ قَال لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ ، لهُ المُلكُ وَلهُ الحَمْدُ ، وَهْوَ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ . فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ، كَانَتْ لهُ عَدْل عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَ لهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَتْ لهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلكَ حَتَّى يُمْسِي ، وَلمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَل مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ رَجُل عَمِل أَكْثَرَ مِنْهُ ) (167) .(35/97)
وكذلك يكون ثابتا في الحق لا يخاف في الله لومة لائم ، اعتقادا منه أن أموره ترجع إلى الله وحده لا شريك له فيتوكل عليه ويلجأ إليه ويستعين به ويعتمد عليه قال ( : ? قُل إِنِّي لنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلتَحَدا ? [الجن:22] ، فالله عز وجل هو المنفرد بالوحدانية وعلو القهر ، وله كمال القدرة والحكم والأمر فمن وحد الله في هذا الاسم أدرك الغاية من خلقه وأحسن التوكل على ربه ، ولا يضره إعراض الخلق ثقة في وعد الله كما قال تعالى لنبيه S : ? فَإِنْ تَوَلوْا فَقُل حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ عَليْهِ تَوَكَّلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيم ِ? [التوبة:129] .
أما من تسمى بالتعبد لاسم الله الواحد فكثير ، منهم عبد الواحد بن زياد العبدي (ت:176) ، بصري ثقة حسن الحديث (168) ، روى عنه البخاري الكثير ومن ذلك حديث أبي هريرة ( قال : ( كَانَ رَسُول اللهِ S يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ القِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً فَقُلتُ : بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُول اللهِ ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالقِرَاءَةِ مَا تَقُول ؟ قَال أَقُول : اللهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ ، اللهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ ، اللهُمَّ اغْسِل خَطَايَايَ بِالمَاءِ وَالثَّلجِ ) (169) .
33- ( ( القهار :(35/98)
دعاء العبادة بالاسم قهر النفس بالاستغفار والتوبة ، وقهر وسواس الشيطان بالاستعاذة ، وقهر الشبهة والجهل باليقين ونور العلم ، وقهر كل ظالم جبار بالاستعاذة بالله القهار ، قال تعالى : ? وَقَال المَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ ليُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلهَتَكَ قَال سَنُقَتِّل أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُون قَال مُوسَى لقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ للمُتَّقِينَ ? [الأعراف:128] ، ومن دعاء العبادة أيضا أن يلين المسلم للفقراء والمستضعفين ويحنوا على اليتامى والمساكين ، ويعفو عند المقدرة عن المسيئين ، قال ( : ? فَأَمَّا اليَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِل فَلا تَنْهَرْ ? [الضحى:10] ، وعند أحمد وقال الألباني صحيح لغيره من حديث عبد الرحمن بن عوف ( أن رسول الله S قال : ( ثَلاَثٌ وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنْ كُنْتُ لحَالفاً عَليْهِنَّ ، لاَ يَنْقُصُ مَال مِنْ صَدَقَةٍ فَتَصَدَّقُوا وَلاَ يَعْفُو عَبْدٌ عَنْ مَظْلمَةٍ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ بِهَا عِزًّا يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَلاَ يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلةٍ إِلاَّ فَتَحَ اللهُ عَليْهِ بَابَ فَقْرٍ ) (170) .
أما من تسمى بالتعبد لاسم الله القهار ، عبد القهار بن سعيد بن يحيي الأموي من أهل دانية سمع من أبي عمرو المقرئ سنة عشرين وأربع مائة (171) .
34- ( ( الحق :(35/99)
أثر الاسم على سلوك العبد هو التزام العبد بالحق في أموره كلها ، وأولها التزامه بحق الله عليه وهو توحيد العبادة لله ، روى البخاري من حديث معاذ ( قال : كنت ردف النبي S على حمار ، فقال : ( يَا مُعَاذُ ، هَل تَدْرِي حَقَّ اللهِ عَلى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلى اللهِ ؟ قُلتُ : اللهُ وَرَسُولهُ أَعْلمُ ، قَال : فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَحَقَّ العِبَادِ عَلى اللهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، فَقُلتُ : يَا رَسُول اللهِ ، أَفَلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ قَال : لاَ تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلوا ) (172) ، والله عز وجل وعد عباده تفضلا منه وتكرما ألا يعذب من وفى منهم حقه ، أما العباد فليس لهم حق على ربهم لأنه لا فضل لأحد عليه ، لكن الله حق وقوله حق ووعده صدق ، فإذا آمن العبد ودان دين الحق فقد استوجب الفضل بالحق .
ومن دعاء العبادة أن يقول الموحد الحق وأن يشهد بالصدق ولا يكذب أبدا وكذلك يصبر على الحق ويتواصى به ثقة وتوحيدا في اسم الله الحق كما قال سبحانه وتعالى : ? والعصر إِنَّ الإنسان لفِي خُسْرٍ إِلا الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر ِ? [العصر:1/3] ، وعند مسلم من حديث ثوبان ( أن رسول اللهِ S قال : ( لاَ تَزَال طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلى الحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلهُمْ حَتَّى يَأْتِي أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلكَ ) (173) .(35/100)
ومن دعاء العبادة أيضا أن يصدع بالحق ولا يستحيي منه ولا يخشى في الله لومة لائم ، قال ( : ? قُل إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلامُ الغُيُوبِ ? [سبأ:48] ، وعند البخاري من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : ( جَاءَتْ أُمُّ سُليْمٍ إِلي رَسُول اللهِ S فَقَالتْ : يَا رَسُول اللهِ ، إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ ، فَهَل عَلى المَرْأَةِ مِنْ غُسْل إِذَا احْتَلمَتْ ؟ قَال النَّبِيُّ S : إِذَا رَأَتِ المَاءَ فَغَطَّتْ أُمُّ سَلمَةَ وَجْهَهَا وَقَالتْ : يَا رَسُول اللهِ وَتَحْتَلمُ المَرْأَةُ ؟ قَال : نَعَمْ تَرِبَتْ يَمِينُكِ فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلدُهَا ؟ ) (174) .
وممن تسمي عبد الحق ، أبو محمد عبد الحق بن أبي بكر بن غالب بن عطية الغرناطي (ت:546) ، صاحب كتاب المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (175) .
35- ( ( المبين :
أثر الاسم يظهر على اعتقاد العبد وسلوكه ويتجلى ذلك في مجاهدته لنفسه ليبقى باديا بسمت الإيمان وأخلاق القرآن ، كما أنه يصدع بالحق ولا يخاف جائرا ولا سلطان ؛ لأن غير الله أيا كان بقاؤه بإبقاء الله وقدرته ، وقد ذم الله أهل الكتاب الذين باعوا دينهم ونبذوه وراء ظهورهم وكتموا الحق وخانوا العهد فقال ( : ? وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لتُبَيِّنُنَّهُ للنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَليلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ? [آل عمران:187] .(35/101)
وروى البيهقي بسنده أن الأوزاعي قال : دخلت على الخليفة المنصور فقال لي : ما الذي بطأ بك عني ؟ قلت : يا أمير المؤمنين وما الذي تريده مني ؟ فقال : الاقتباس منك قلت : انظر ماذا تقول ؟ فإن مكحولا حدثني عن عطية بن بشير ( أن رسول الله S قال : ( من بلغه عن الله نصيحة في دينه فهي رحمة من الله سيقت إليه ، فإن قبلها من الله بشكر وإلا كانت حجة من الله عليه ، ليزداد إثما وليزداد عليه غضبا ، وإن بلغه شيء من الحق فرضي فله الرضا وإن سخط فله السخط ، ومن كرهه فقد كره الله ، لأن الله هو الحق المبين ) (176) ، فلا تجهلن قال : وكيف أجهل ؟ قال : تسمع ولا تعمل بما تسمع ، قال الأوزاعي : فسل على الربيع السيف وقال : تقول لأمير المؤمنين هذا فانتهره المنصور وقال : أمسك ، ثم واصل فقال : إنك قد أصبحت من هذه الخلافة بالذي أصبحت به ، والله سائلك عن صغيرها وكبيرها وفتيلها ونقيرها ، ولقد حدثني عروة بن رويم ( أن رسول الله S قال : ( ما من راع يبيت غاشا لرعيته إلا حرم الله عليه رائحة الجنة ) (177) ، فحقيق على الوالي أن يكون لرعيته ناظرا وبالقسط قائما ، ولما استطاع من عوراتهم ساترا (178) .
وقال الإمام الشافعي : ما ناظرت أحدا وأحببت أن يخطئ ، بل أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه من الله رعاية وحفظ ، وما كلمت أحدا قط وأنا أبالي أن يظهر الحق على لساني أو لسانه (179) .
أما من جهة التسمية بعبد المبين فلم أجد أحدا سمي به من السلف أو الخلف في مجال ما أجرينا عليه البحث ، وإن كانت نتيجة محركات البحث على الإنترنت أظهرت اسما واحدا فقط لرجل من الأردن .
36- ( ( القوي :(35/102)
دعاء العبادة أن يتعزز المؤمن بقوة الله فيصدع بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم وأن يسخر قوته في طاعة الله ومحبته ، ويأخذ أحكام الكتاب بمنتهى عزمه واستطاعته وألا يظلم أحدا وكله الله برعايته ، وأن يعتبر بفعل الله وقدرته فيمن أهلكهم بعدله وحكمته ، قال ( : ? أَوَلمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذِينَ مِنْ قَبْلهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ ليُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَليماً قَدِيرا ً? [فاطر:44] .(35/103)
وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( المُؤْمِنُ القَوِي خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُل خَيْرٌ ، احْرِصْ عَلى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجِزْ ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ ، فَلاَ تَقُل : لوْ أَنِّي فَعَلتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا ، وَلكِنْ قُل : قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَل ، فَإِنَّ لوْ تَفْتَحُ عَمَل الشَّيْطَانِ ) (180) ، وعند النسائي وصححه الألباني من حديث أبي عقرب ( أنه قَال : سألت رسول اللهِ S عن الصوم فقال : ( صُمْ يَوْمًا مِنَ الشَّهْرِ ، قُلتُ : يَا رَسُول اللهِ زِدْنِي ، زِدْنِي إِنِّي أَجِدُنِي قَوِيًّا ، فَسَكَتَ رَسُول اللهِ S حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ ليَرُدُّنِي قَال : صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُل شَهْرٍ ) (181) وروى ابن ماجه وصححه الألباني من حديث عبد اللهِ بن عمرو ( أنه قال : ( جَمَعْتُ القُرْآنَ فَقَرَأْتُهُ كُله فِي ليْلةٍ فَقَال رَسُول اللهِ S : إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَطُول عَليْكَ الزَّمَانُ وَأَنْ تَمَل فَاقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ ، فَقُلتُ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي ، قَال : فَاقْرَأْهُ فِي عَشْرَةٍ ، قُلتُ : دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي ، قَال : فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ ، قُلتُ :دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي فَأَبَى ) (182) ، وعند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث جابر ( أن النبي S قال : ( كَيْفَ يُقَدِّسُ الله أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ ) (183) .(35/104)
ومن جهة التسمية بإضافة التعبد للاسم فقد تسمى به الفقيه أبو محمد عبد القوي بن عزون بن داوود بن عزون بن الليث بن منصور الأنصاري (ت:640) ، المصري المولد والدار ، المقرئ الشافعي ، قرأ القرآن الكريم بالقراءات علي الشيخ أبي الجود غياث بن فارس اللخمي وتفقه على مذهب الإمام الشافعي (184) .
37- ( ( المتين :
دعاء العبادة باسم الله المتين هو ثبات المؤمن على إيمانه وعقيدته ، ويقينه أن توحيد العبودية لله سبيل سعادته ، فلا يحيد أبدا عن توجيه النبي S وسنته ، مهما تعددت به أنواع البلاء ، وتقلبت أحواله في السراء والضراء ، روى مسلم من حديث صهيب الرومي ( أن رسول اللهِ S قال : ( عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلهُ خَيْرٌ ، وَليْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ للمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ ؛ فَكَانَ خَيْرًا لهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لهُ ) (185) ، فالمسلم الذي وحد الله ( في اسمه المتين قوي العزيمة في الأخذ بالأحكام ، ذو نظرة حكيمة في قضايا الإسلام ، وقد أمر الله موسى ( وقومه أن يأخذوا وحيه بعزيمة وقوة فقال ( : ? وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لعَلكُمْ تَتَّقُونَ ً? [البقرة:63] ، وقال ( : ? وَكَتَبْنَا لهُ فِي الأَلوَاحِ مِنْ كُل شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لكُل شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الفَاسِقِينَ ً? [الأعراف:145] ، وقال ( ليحي ( : ? يَا يَحْيَي خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيّاً ً? [مريم:12] ، فأولى بالمسلمين أن يتمسكوا بحبل الله المتين ويتبعوا نهج الصحابة والتابعين ويفخروا به بين الأمم أجمعين ، ولا عليهم من دعاوي المنحلين المتحررين الذين لا يرغبون في طاعة أو دين ،(35/105)
ويصفون المتمسكين بسنة محمد Sبالرجعيين المتخلفين ، فقد أخبرنا نبينا عنهم وحذرنا منهم ، روى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( بَادِرُوا بِالأَعْمَال فِتَنًا كَقِطَعِ الليْل المُظْلمِ يُصْبِحُ الرَّجُل مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا ، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا ، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ) (186) ، وفي رواية الترمذي من حديث أنس ( مرفوعا : ( تَكُونُ بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ فِتَنٌ كَقِطَعِ الليْل المُظْلمِ ، يُصْبِحُ الرَّجُل فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا ، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا ، يَبِيعُ أَقْوَامٌ دِينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ) (187) ، وروى الترمذي وصححه الألباني من حديث العرباض بن سارية ( أن رسول الله S قال : ( وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلةٌ ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلكَ مِنْكُمْ ، فَعَليْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَليْهَا بِالنَّوَاجِذِ ) (188) ، وينبغي على المسلم مع متانته في الدين أن يكون حكيما حليما لينا في دعوته للآخرين ، فدين الله دين متين سيبقى بإذنه تعالى إلى يوم الدين روى أحمد وحسنه الألباني من حديث أنس ( أن رسول الله S قَال : ( إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلوا فِيهِ بِرِفْقٍ ) (189) .
أما من جهة التسمية بعبد المتين فلم أجد أحدا سمي به من السلف أو الخلف في مجال ما أجرينا عليه البحث ، وإن كانت نتيجة محركات البحث على الإنترنت أظهرت اسما واحدا فقط لأستاذ جامعي مصري .
38- ( ( الحي :(35/106)
أثر الاسم في اعتقاد العبد وسلوكه أن يوجه حياته على أنه في دار ابتلاء سيعقبها جزاء ، وأن الملك لله في البدء عند إنشاء الخلق فلم يكن من الإحياء سواه ، وكذلك في المنتهى عند زوال الأرض لأن البقاء لله ، فالموحد لا ينسب الملك لغير الله إلا على سبيل الأمانة والابتلاء ، ويستعين بربه في السراء والضراء ، ولا يشرك به في الدعاء والمحبة والخوف والرجاء ؛ لأن الدعاء يستلزم إثبات الحياة ، والحياة أصل لوصف العلم والغنى القدرة ، والسمع والبصر والقوة ، والمشيئة والعزة والعظمة ، وغير ذلك مما هو لازم لإجابة الدعاء ، وقد نفي الله ذلك عن الأنداد لأنهم أموات غير أحياء فقال ( : ? وَالذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لاَ يَخْلقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ? [النحل:20/21] ، وقال أيضا : ? ذَلكُمْ اللهُ رَبُّكُمْ لهُ المُلكُ وَالذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلكُونَ مِنْ قِطْمِير ٍإِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْل خَبِيرٍ ? [فاطر:13] .
ومن دعاء العبادة عدم الاعتداء على حق الله في الإماتة والإحياء ، وذلك بتعظيم النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق ، فالاعتداء على شخص اعتداء على الجنس والوصف ، قال الله ( بعد ذكره لأول نفس قتلت : ? مِنْ أَجْل ذَلكَ كَتَبْنَا عَلى بَنِي إِسْرائيل أَنَّهُ مَنْ قَتَل نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَل النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ? [المائدة:32] ، وقال ( : ? وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَليْهِ وَلعَنَهُ وَأَعَدَّ لهُ عَذَاباً عَظِيماً ? [النساء:93] .(35/107)
ومن أعظم الجرم أن يقتل المسلم نفسه يئسا من الحياة ، وقد علم أن المنفرد بالإحياء والإماتة هو الله ، بل قد نهى النبي S عن مجرد تمني الموت ، فكيف بعظم الإثم في الانتحار ، وعند البخاري من حديث أنس بن مالك ( أن رسول اللهِ S قال : ( لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ المَوْتَ لضُرٍّ نَزَل بِهِ ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا للمَوْتِ فَليَقُل اللهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لي ) (190) ، وروى أيضا من حديث قيس ( أنه قال : ( أَتَيْتُ خَبَّابًا ( وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعًا فِي بَطْنِهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُول : لوْلاَ أَنَّ النَّبِي S نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالمَوْتِ لدَعَوْتُ بِهِ ) (191) ، وعند البخاري من حديث أَبِي هريرة ( أنِ النبي S قال : ( مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَل فَقَتَل نَفْسَهُ ، فَهْوَ في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالدًا مُخَلدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَحَسَّي سَمًّا فَقَتَل نَفْسَهُ فَسَمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالدًا مُخَلدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ قَتَل نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالدًا مُخَلدًا فِيهَا أَبَدًا ) (192) .
وممن تسمى عبد الحي ، أبو يحيي عبد الحي بن سويد روى عن أبي هشام الرفاعي وروى عنه ابن ماجة (193) .
39- ( ( القيوم :(35/108)
إذا علم العبد الذليل أن الله ( قيوم قائم بالقسط والتدبير ومنفرد بالمشيئة والتقدير عنده خزائن كل شيء لا ينزله إلا بقدر معلوم ، وأنه كفيل بأمره ورزقه ، اعتمد على ربه في كل شيء ، ووثق به دون كل شيء ، وقنع منه بأدنى شيء ، وصبر على ما ابتلاه به ، فلا يطمع في سواه ولا يرجو إلا إياه ، ولا يشهد في العطاء إلا مشيئته ولا يرى في المنع إلا حكمته ولا يعاين في القبض والبسط إلا قدرته وقيوميته ، فيكثر من دعائه وذكره لاسيما إذا حزبه هم أو لحقه كرب ، وروى الترمذي وحسنه الألباني من حديث أنس ( أنه قال : ( كَانَ النَّبِي S إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ وفي رواية أخري إذا حزبه أمر قَال : يَا حَيُ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ ) (194) .(35/109)
وقد ثبت في السنة أن أعظم آية في كتاب الله هي آية الكرسي ، ومن أسرار عظمتها اشتمالها على اسم الله الأعظم وهو الحي القيوم ، فمن قرأها قبل نومه تكفل الله بحفظه فلا يقربه شيطان حتى يصبح ، روى الإمام البخاري من حديث أبي هريرة ( أنه قال : ( وكلني رَسُول اللهِ S بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ (195) ، فأتاني آتٍ فَجَعَل يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ (196) ، فَأَخَذْتُهُ وَقُلتُ : وَاللهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلى رَسُول اللهِ S (197) ، قَال : إني مُحْتَاجٌ وَعَلى عِيَال وَلي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ ، قَال : فَخَليْتُ عَنْهُ ، فَأَصْبَحْتُ ؛ فَقَال النبي S: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، مَا فَعَل أَسِيرُكَ البَارِحَةَ ؟ ، قُلتُ : يَا رَسُول اللهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالا ، فَرَحِمْتُهُ فَخَليْتُ سَبِيلهُ ، قَال : أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لقَوْل رَسُول اللهِ S إِنَّهُ سَيَعُودُ فَرَصَدْتُهُ (198) ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلتُ : لأَرْفَعَنَّكَ إلى رسول اللهِ S، قَال : دعني فإني مُحْتَاجٌ وعلى عيال لا أَعُودُ ، فَرَحِمْتُهُ فَخَليْتُ سَبِيلهُ ، فَأَصْبَحْتُ ، فَقَال لي رَسُول اللهِ S: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَل أَسِيرُكَ ؟ ، قُلتُ : يَا رَسُول اللهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالا فَرَحِمْتُهُ فَخَليْتُ سَبِيلهُ ، قَال : أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ ، فَرَصَدْتُهُ الثَّالثَةَ ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلتُ : لأَرْفَعَنَّكَ إلى رسول اللهِ ، وَهَذَا آخِرُ ثَلاثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ ، قَال : دعني أُعَلمْكَ كَلمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهَا ، قُلتُ : مَا هُوَ ؟ ، قَال إِذَا أَوَيْتَ إِلى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكرسي : ? اللهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ الحي القَيُّومُ ?(35/110)
حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ فَإِنَّكَ لنْ يَزَال عَليْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ وَلا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ ، فَخَليْتُ سَبِيلهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَال لي رَسُول اللهِ S: مَا فَعَل أَسِيرُكَ البَارِحَةَ ؟ ، قُلتُ : يَا رَسُول اللهِ زَعَمَ أَنَّهُ يعلمني كَلمَات ينفعني اللهُ بِهَا فَخَليْتُ سَبِيلهُ ، قَال : مَا هي ؟ قُلتُ : قَال لي : إِذَا أَوَيْتَ إِلى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِي مِنْ أَوَّلهَا حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ ، وَقَال لي : لنْ يَزَال عَليْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ وَلا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلى الخَيْرِ ، فَقَال النبي S : أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ، تَعْلمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاثِ ليَال يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ ، قَلت : لا قَال : ذَاكَ شَيْطَانٌ ) (199) ، ويؤخذ من هذا الحديث أن الشيطان قد يعلم ما ينتفع به المؤمن ، وأن الكذاب قد يصدق ، وأن الحكمة قد يتلقاها الفاجر فلا ينتفع بها وتؤخذ عنه فينتفع بها ، وقد علم الشيطان أن استعانة الإنسان بالحي القيوم يبقيه قائما بربه فلا يقدر على القرب منه .
وبخصوص من تسمى عبد القيوم ، قال ابن عبد البر : ( عبد الرحمن أبو راشد الأزدي وفد على النبي S فقال له : ما اسمك ؟ فقال : عبد العزي ، قال : أبو من ؟ قال : أبو مغوية ، قال : كلا ، ولكنك عبد الرحمن أبو راشد ، قال : فمن هذا معك ؟ قال : مولاي ، قال : ما اسمه ؟ قال : قيوم ، قال : كلا ولكنه عبد القيوم ) (200) ، وقال الذهبي : ( عبد القيوم له وفادة مع مولاه أبي راشد ) (201) .
40- ( ( العلي :(35/111)
اعتقاد الموحد في اسم الله العلي وإيمانه بعلو الله على خلقه يدفعه إلى توحيده وتعظيمه والدعوة إليه ، لاسيما إذا أيقن أن النفع في ذلك يعود عليه ، وأن الله غني في علوه لا يفتقر إلى أحد من خلقه وأنه مهما مدحناه وأثنينا عليه فهو أعلى من وصفنا وأجل من مدحنا ، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه ، هو أهل الثناء والمجد ومدحه وتوحيده أحق ما قال العبد ، قال تعالى : ? ذَلكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ البَاطِل وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَليُّ الكَبِير ُ? [الحج:62] .
وإذا كانت الملائكة في السماء تخشع عند سماع قوله وتفزع عن إلقاء وحيه كما جاء ذلك في قوله : ? حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلوبِهِمْ قَالوا مَاذَا قَال رَبُّكُمْ قَالوا الحَقَّ وَهُوَ العَليُّ الكَبِيرُ ? [سبأ:23] ، إذا كان هذا أمرها وهذا قولها وفعلها ، فحري بالعبد أن يخشع لسماع قوله ، ويطمئن قلبه عند ذكره ، وأن يتذلل بين يدي مولاه ، فيركن إليه ويعتمد عليه ثقة في أنه العلى ولا علي على الإطلاق سواه ، وقد ورد عند الترمذي وصححه الألباني من حديث علي ( أن رسول الله S قال له : ( أَلاَ أُعَلمُكَ كَلمَاتٍ إِذَا قُلتَهُنَّ غَفَرَ الله لكَ وَإِنْ كُنْتَ مَغْفُورًا لكَ ، قَال قُل : لاَ إِلهَ إِلاَّ الله العَلي العَظِيمُ ، لاَ إِلهَ إِلاَّ الله الحَليمُ الكَرِيمُ ، لاَ إِلهَ إِلاَّ الله ، سُبْحَانَ الله ربِّ السَّماوات السَّبْع وربِّ العَرشِ العَظِيمِ ، الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ ) (202) .
وممن عبد لله بإضافته لهذا الاسم عبد العلي بن أحمد بن عبد الله بن الفضل الحميدي ، روى عنه الطبراني في معجمه من حديث عمران بن حصين ( أن رسول الله S قال : ( لاَ تُقْبَل صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلاَ صَدَقَةٌ مِنْ غُلول ) (203) .
41- ( ( العظيم :(35/112)
دعاء العبادة هو أثر الاسم على اعتقاد العبد وسلوكه ، أما الاعتقاد فهو تعظيم الله حق تعظيمه ، وذلك باتباع النبي S في ذلك ؛ لأنه ليس بعد تعظيم النبي S لربه تعظيم ، فالصحابة الذين عاصروه هم سلفنا الصالح وهم الذين آمنوا بخبر الله وصدقوه ، ونفذوا أمره وأحبوه ، ففي باب الصفات وسائر الغيبيات أثبتوا ما أثبته الله لنفسه وما أثبته رسوله S من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل ، لأن الله عظم نفسه فقال : ? ليْسَ كَمِثْلهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ? [الشورى:11] ، فبدأ بالتوحيد أولا فقال : ? ليْسَ كَمِثْلهِ شَيْءٌ ? ، ثم اتبع ذلك بإثبات الصفات التي تليق به فقال : ? وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ? ، فالتوحيد يستلزم إثبات الصفات ، وهذا ما يناسب الفطرة السليمة والعقول المستقيمة ؛ فالمتوحد المنفرد عن غيره لابد أن ينفرد بشيء يتميز به ، أما الذي لا يتميز بشيء ولا يوصف بوصف يلفت النظر إليه فهذا لا يكون منفردا ولا متوحدا ولا متميزا ، فلو قلت : فلان لا نظير له سيقال لك : في ماذا ؟ تقول : في سمعه وبصره أو علمه وحكمته ، أو لا نظير له في قوته أو استوائه وفوقيته ، أو أي صفة تدل على عظمته ، فلا بد من ذكر الوصف الذي يتميز به لكن من العبث أن يقال لك : فلان لا نظير له في ماذا ؟ فتقول : في لا شيء أو تقول لا صفة له أصلا ، أو لا صفة له عندي ، فالله وله المثل الأعلى أثبت لنفسه أوصاف العظمة والكمال التي انفرد بها دون غيره ، ونفى عن نفسه في المقابل أوصاف النقص ليثبت انفراده وتوحيده ، فأثبت لنفسه الوحدانية في استوائه على عرشه فقال ? : ? الرَّحْمَنُ على العَرْشِ اسْتَوَي ? [طه:5] ، فاستواؤه له كيفية تليق به لا نعلمها ولا مثيل له فيها ولا شبيه ، وأثبت الوحدانية في كلامه فقال ? : ? وَكَلمَ الله مُوسَي تَكْليمًا ? [النساء:164] ، فكلامه بكيفية تليق به وليس كمثله شيء فيها ولا علم لنا بها ، فمداركنا(35/113)
وإن استوعبت معنى كلامه ، فإنها لا تستوعب كيفية أداء الكلام وهكذا في سائر أوصاف الكمال .
أما الممثل لأوصاف الله بأوصافه فهو ظالم لنفسه متقول على ربه ، إذ قد تخيل في ذهنه أن صفات الله الواردة في الكتاب والسنة كصورة إنسان ثم عظمها له الشيطان فعبدها على أنها المقصود عند ذكر أوصاف الله وهو في الحقيقة إنما يعبد صنما .
أما المعطل الذي رد نصوص الصفات الثابتة في الكتاب والسنة ورفض محتواها بسره ، فقد اعتقد أن إثبات الصفات التي وردت في هذه النصوص يلزم منه التمثيل والتشبيه ، وحقيقة الأمر أنه جسد صورة لربه في ذهنه تشبه صورة الإنسان فوقع في التمثيل والتشبيه ، ثم زعم أن ظاهر النصوص دل على ذلك ، ثم أحس بالرفض التلقائي لهذه الصورة والرغبة في تنزيه الله عنها ، وبدلا من أن يعيب فهمه السيئ وظنه الآثم في كلام الله وجه العيب إلي نصوص الكتاب والسنة ، وبدأ في التحامل عليها بالباطل ؛ فادعى أولا أن ظاهرها غير مراد في كلام الله ( ، ثم حاول محو ما دلت عليه بأي طريقة ، وتعطيلها عن مدلولها الذي يطابق الحقيقة ، فأراد أن يستر جريمة التعطيل حتى لا يقال في حقه إنه يكذب بالقرآن والسنة ، فأخفى هذه الجريمة تحت شعار التأويل ، وادعاء البلاغة في فهم النصوص بالمجاز ، ودعا إلى استبدال المعنى المراد من النصوص بمعنى بديل لا يقصده المتكلم في خطابه ، ولو قيل له : النص لا يحتمل التأويل ، وتأويلك بلا دليل ، لقال : وأنا أعظم الله وأنفي عنه التشبيه والتمثيل ويا عجبا لتعظيمه ، فمن الذي أدخل في اعتقاده أصلا أن النصوص ظاهرها باطل محمل بالتشبيه والتمثيل ؟ فهو إذا يحاول بكل سبيل أن يرد الصفة الحقيقية لله ويعطلها عن مدلولها حتى لا يكاد يثبت لله وصف حقيقيا ، ويجعل دلالة النصوص دلالة عدمية محضة ، فطريقة السلف هي التي تقتضي تعظيم الله حقا ، إثبات بلا تعطيل وتنزيه بلا تمثيل ، فالممثل يعبد صنما والمعطل يعبد عدما ، والموحد انتهج(35/114)
طريقة وسطا ، وهي طريقة محمد S في تعظيم ربه (204) .
ومن دعاء العبادة تعظيم أمر الله ( والغيرة إذا انتهكت حرماته ، فالموحد يسارع إلى مرضاته ما استطاع ، يؤدي الواجبات ويسارع في المندوبات حتى تصبح المباحات طاعات وقربات تشهد بتوحيد لله وعبوديته وتعظيمه .
وممن تسمى عبد العظيم والد الحافظ عباس بن عبد العظيم بن إسماعيل أبو الفضل العنبري البصري (ت:246) ، روى عنه الإمام ومسلم وغيره (205) .
42- ( ( الشكور :
دعاء العبادة هو شكر الله بالقلب واللسان والجوارح ، فشكر القلب هو تصور النعمة والاعتراف بها إلى المنعم والعزم على تصديق خبره وطاعة أمره ، وعند مسلم من حديث صهيب الرومي ( أن رسول الله S قال : ( عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلهُ خَيْرٌ وَليْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ للمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لهُ ) (206) ، وشكر اللسان هو الثناء على المنعم بذكر فضله ومنته وحمده على نعمته ، وعند مسلم من حديث ابن عباس ( أنه قال : مطر الناس على عهد النبي S فقال S : ( أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ ، وَمِنْهُمْ كَافِرٌ ، قَالوا : هَذِهِ رَحْمَةُ اللهِ وَقَال بَعْضُهُمْ : لقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا ، قَال : فَنَزَلتْ هَذِهِ الآيَةُ : ? فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُوم .. حَتَّى بَلغَ .. وَتَجْعَلونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ? ) (207) .(35/115)
وأما شكر الجوارح فهو خضوعها وانقيادها واستجابتها لأحكام العبودية ، قال تعالى : ? اعْمَلوا آل دَاوُدَ شُكْراً وَقَليل مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ? [سبأ:13] ، وذلك يشمل شكر القلب واللسان والجوارح ، وقوله أيضا : ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا كُلوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ? [البقرة:172] ، وقال عز وجل في شأن لقمان : ? وَلقَدْ آتَيْنَا لقْمَانَ الحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ للهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ? [لقمان:12] .
وعند البخاري من حديث المغيرة بن شعبة ( قال : ( كَانَ النَّبِيُّ S ليَقُومُ ليُصَلي حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ أَو سَاقَاهُ ، فَيُقَال لهُ فَيَقُول : أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ) (208) ، وعنده أيضا من حديث ابن عباس ( : ( أن النبي S لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا يَعْنِي عَاشُورَاءَ ، فَقَالُوا : هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ ، وَهْوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى ، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا للهِ ، فَقَالَ : أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ) (209) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ مِثْل الصَّائِمِ الصَّابِرِ ) (210) .
ومن تسمى عبد الشكور جد الحافظ الإمام البطل الكرار أبي الفضل البخاري محدث بخاري عبيد الله بن واصل بن عبد الشكور استشهد في وقعة خوكنجة سنة اثنتين وسبعين ومائتين وقيل بل في سنة ست وسبعين (211) .
43- ( ( الحليم :(35/116)
توحيد الله في اسمه الحليم مقتضاه أن يكون الموحد حليما صبورا يتأنى في رأيه وحكمه وقوله وفعله ، ويتخير ما هو أنفع له وللآخرين ، ويبادر بالتوبة إلى الحليم الرحيم ، روى مسلم من حديث عبد الله بن عباس ( أن النبي S قال لأشج بن عبد القيس : ( إِنَّ فِيكَ خَصْلتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ الحِلمُ وَالأَنَاةُ ) (212) ، وفي روية أخرى عند أبي داود وحسنها الألباني : ( إِنَّ فِيكَ خَلتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ الحِلمُ وَالأَنَاةُ ، قَال : يَا رَسُول اللهِ أَنَا أَتَخَلقُ بِهِمَا أَمِ اللهُ جَبَلنِي عَليْهِمَا ؟ قَال : بَل اللهُ جَبَلكَ عَليْهِمَا ، قَال الحَمْدُ للهِ الذِي جَبَلنِي عَلى خَلتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ وَرَسُولهُ ) (213) ، وروى البزار وقال الألباني : صحيح لغيره من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( لا يؤمن عبد حتى يأمن جاره بوائقه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت إن الله يحب الغني الحليم المتعفف ويبغض البذيء الفاجر السائل الملح ) (214) .
وممن تسمى عبد الحليم والد شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم ابن تيمية توفي معتقلا بقلعة دمشق في العشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة (215) .
44- ( ( الواسع :(35/117)
توحيد الله في اسمه الواسع مقتضاه أن يوسع العبد على نفسه وعلى إخوانه ويسأل الله بواسع كرمه أن يوسع عليه بنعمه وإحسانه ، وأن يثق في سعة الرزق مهما طالت أيام بلائه وامتحانه ، روى الترمذي وصححه السيخ الألباني من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ المَال فَيَقُول اللهُ لهُ : أَلمْ أُوَسِّعْ عَليْكَ حَتَّى لمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلى أَحَدٍ ؟ قَال : بَلى يَا رَبِّ ، قَال : فَمَاذَا عَمِلتَ فِيمَا آتَيْتُكَ ؟ قَال : كُنْتُ أَصِل الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ ، فَيَقُول اللهُ لهُ : كَذَبْتَ ، وَتَقُول لهُ المَلاَئِكَةُ : كَذَبْتَ وَيَقُول اللهُ ? : بَل أَرَدْتَ أَنْ يُقَال فُلاَنٌ جَوَادٌ ، فَقَدْ قِيل ذَاكَ ) (216) ، وورد عند البخاري من حديث أَبِي سعِيدٍ ( : ( أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلوا رَسُول اللهِ S فَأَعْطَاهُمْ ، ثُمَّ سَأَلوهُ فَأَعْطَاهُمْ ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ ، فَقَال : مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ ، وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ ) (217) ، وعند مسلم من حديث عمر بن الخطاب ( أنه قال : ( فَقُلتُ : ادْعُ اللهَ يَا رَسُول اللهِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلى أُمَّتِكَ فَقَدْ وَسَّعَ عَلى فَارِسَ وَالرُّومِ وَهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ اللهَ فَاسْتَوَى جَالسًا ثُمَّ قَال : أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الخَطَّابِ أُولئِكَ قَوْمٌ عُجِّلتْ لهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ، فَقُلتُ اسْتَغْفِرْ لي يَا رَسُول اللهِ ) (218) .(35/118)
ومن دعاء العبادة تمني للسعة طلبا للجهاد ودعوة العباد ، روى ابن ماجة وصححه الألباني من حديث أَبِي هريرة ( أن رسول اللهِ S قَال : ( وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لوْلاَ أَنْ يَشُقَّ عَلى المُسْلمِينَ ، مَا قَعَدْتُ خِلاَفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيل اللهِ أَبَدًا ، وَلكِنْ لاَ أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلهُمْ ، وَلاَ يَجِدُونَ سَعَةً وَيَشُقُّ عَليْهِمْ أَنْ يَتَخَلفُوا عَنِّي ، وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو في سَبِيل اللهِ ، فَأُقْتَل ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَل ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَل ) (219) .
ومن جهة التسمية بإضافة التعبد للاسم فقد تسمى به أبو الموفق عبد الواسع بن عبد الرحمن بن الموفق بن عبد الله السري السقطي من أهل هراة ، كان واعظا متميزا من أهل الخير والعلم ، وكانت وفاته سنة تسع وأربعين وخمسمائة (220) .
45- ( ( العليم :(35/119)
أثر توحيد الله في اسمه العليم تقديم هدي الله على ما يراه باجتهاده وهواه ، وتقديم حكمه على حكم من سواه ؛ لأن العاقل يعلم أن القانون الموضوع من قبل المشرعين في المجالس النيابية مهما بلغ في كماله فلن يصل إلى كمال المنهج في الشريعة الإسلامية ، وسبب ذلك من الأمور البديهية ؛ فشتان بين علم البشر ومقارنته بعلم خالقهم ؛ فالإنسان مهما بلغ علمه أو علا شأنه في سن القوانين عندما يضع تشريعا أو تعديلا له لا يراعي المصلحة في الدنيا على وجه الكمال ، ولا ينظر بأي حال من الأحوال إلى المصير الذي لم يقسم عليه رب العزة والجلال ، لأنه لا يحتاج في حقيقته ووقوعه إلى قسم ، قال ( : ? لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللوَّامَةِ أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلن نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلى قَادِرِينَ عَلى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ بَل يُرِيدُ الإِنسَانُ ليَفْجُرَ أَمَامَهُ يَسْأَل أَيَّانَ يَوْمُ القِيَامَةِ فَإِذَا بَرِقَ البَصَرُ وَخَسَفَ القَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالقَمَرُ يَقُول الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ المَفَرُّ ? [القيامة:1/10] .(35/120)
لا يدري صاحب المدارك المحدودة مصير الناس بعد موتهم ؛ فلا يراعي في حسبانه أو عند وضع قوانينه قضية النعيم الأبدي أو العذاب الحتمي ، ومن ثم لا يمكن للقوانين الوضعية أن تحقق السعادة البشرية ، أما القوانين الإلهية التي حملتها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فهي صادرة عن المتوحد في الأسماء والصفات الإلهية الذي أحاط بكل شيء علما ، وأحصى كل شيء عددا ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، قال سبحانه وتعالى : ? يَعْلمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلماً ? [طه:110] ، وقال ( : ? أَلا يَعْلمُ مَنْ خَلقَ وَهُوَ اللطِيفُ الخَبِيرُ ? [الملك:14] ، وقال ( : ? يَعْلمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلنُونَ وَاللهُ عَليمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ? [التغابن:4] ، فمن دعاء العبادة أن تتخير منهج الله منهجا لك في الحياة ؛ فإن القوانين الوضعية فضلا عن كونها لا تحقق السعادة الإنسانية هي حكم بغير ما أنزل الله ، وقد قال ( : ? إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ? [المائدة:44] .(35/121)
ومن دعاء العبادة أيضا تواضع العالم لربه حيث يتصاغر في نفسه مقدار علمه توحيدا لله في علمه ، وأنه مهما بلغ علمه فإنه فوق كل ذي علم عليم ، قال الله عز وجل : ? نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُل ذِي عِلمٍ عَليمٌ ? [يوسف:76] ، ومن ثم يحرص العالم على دوام التذلل والافتقار إلى رب العزة والجلال ، ويبلغ هذه النعمة ولا يكتمها أو يجحدها عند السؤال ، ويزداد بعلمه قربة لربه لأن التقوى مفتاح العلم بالله كما قال : ? وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُل شَيْءٍ عَليمٌ ? [البقرة:282] ، وإن لم يخلص العالم في علمه ويتقي الله في عمله ، فعلمه سبب هلكته ، وكسبه سبب تعاسته ، روى مسلم من حديث أَبِي هريرة ( أنه سمع رسول الله S يقول في أول الناس يقضى عليه يوم القيامة : ( وَرَجُل تَعَلمَ العِلمَ وَعَلمَهُ وَقَرَأَ القُرْآنَ ، فَأُتِي بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَال : فَمَا عَمِلتَ فِيهَا ؟ قَال تَعَلمْتُ العِلمَ وَعَلمْتُهُ ، وَقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ قَال : كَذَبْتَ وَلكِنَّكَ تَعَلمْتَ العِلمَ ليُقَال عَالمٌ وَقَرَأْتَ القُرْآنَ ليُقَال هُوَ قَارِئٌ ، فَقَدْ قِيل ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وَجْهِهِ حَتَّى أُلقِي فِي النَّارِ .. ) (221) ، وقد ورد عند الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي أمامة الباهلي ( أنه قال : ( ذُكِرَ لرَسُول اللهِ S رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالمٌ ، فَقَال رَسُول اللهِ S : فَضْل العَالمِ عَلى العَابِدِ كَفَضْلي عَلى أَدْنَاكُمْ ، ثُمَّ قَال رَسُول اللهِ S : إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْل السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلةَ فِي جُحْرِهَا ، وَحَتَّى الحُوتَ ليُصَلونَ عَلى مُعَلمِ النَّاسِ الخَيْرَ ) (222) .(35/122)
ومن دعاء العبادة أيضا أن يسأل المسلم عند جهله بالحكم حتى لا يكون متسببا في الجهل الذي وقع فيه ، لأن الإنسان مسئول عند الله عن السبب في جهله ، فإن كان الجهل من كسبه وفعله وإعراضه وكبره فهو محاسب على كل معصية وقع فيها بجهله ، سواء كانت المخالفة مخالفة عظيمة تؤدي إلي الخلود في النار ، أو كانت المخالفة كبيرة تحت المشيئة بين عدله وفضله ، إن شاء غفرها لعبده وإن شاء عذبه بذنبه ، أما إذا انقطعت به الأسباب ، وانسدت في وجهه الأبواب ولم يتمكن من العلم بعد البحث والسؤال ولم يعص الله فيما قال : ? فَاسْأَلوا أَهْل الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلمُونَ ? [النحل:43] ، فهو باتفاق معذور بجهله ولا يؤاخذ على ذنبه ؛ لأن الجهل ليس من كسبه بل هو من تقدير الله وفعله ، وقد قال سبحانه وتعالى : ? وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولا ? [الإسراء:15] ، وطالما عقد العبد في نيته أن يطيع الله إذا علم أمره وأن يصدقه إذا علم خبره فهو على نيته كما ورد عند البخاري من حديث عمر ( رسول اللهِ S يقول : ( إِنَّمَا الأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكُل امْرِئٍ مَا نَوَى ) (223) ، وليعلم العبد أنه لا أحد أحب إليه العذر من الله ، فمن حديث عبد الله بن مسعود ( أن رسول اللهِ S قال : ( ليْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِليْهِ المَدْحُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَل ، مِنْ أَجْل ذَلكَ مَدَحَ نَفْسَهُ ، وَليْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ ، مِنْ أَجْل ذَلكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ ، وَليْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِليْهِ العُذْرُ مِنَ اللهِ ، مِنْ أَجْل ذَلكَ أَنْزَل الكِتَابَ وَأَرْسَل الرُّسُل ) (224) ، وفي رواية البخاري من حديث المغيرة بن شعبة ( : ( وَلا أَحَدَ أَحَبُّ إِليْهِ العُذْرُ مِنَ اللهِ ، وَمِنْ أَجْل ذَلكَ بَعَثَ المُبَشِّرِينَ وَالمُنْذِرِينَ ) (225) ، ومن ثم فإن الجاهل من المسلمين بعد الطلب والسؤال إن لم يصل إلى العلم بالحكم في(35/123)
مسألة ما فهو معذور بجهله في هذه المسألة فقط ، وإن كان محاسبا على غيرها مما ألم بحكمها ، وخلاصة القول في مسألة العذر بالجهل أن الجاهل معذور بجهله إن لم يكن الجهل من كسبه وفعله .
وبخصوص التسمية بعبد العليم فلم أجد أحدا من علماء السلف الصالح أو رواة الحديث سمى به ، ولكن تسمى به كثير من المتأخرين ، منهم شرف الدين أبي القاسم عبد العليم بن عبد العليم اليمني الحنفي ، صاحب كتاب قلائد عقود الدرر والعقيان في مناقب أبي حنيفة النعمان (226) .
46- ( ( التواب :
أثر الاسم في سلوك العبد أن يسارع بالتوبة دون تأخيرها ، فيقلع عن الذنب ندما على تفريط النفس بسوء أدبها وتقصيرها ، ويعزم عزما أكيدا ألا يعود إلى مخالفة باريها ، فحينئذ يرجع إلى العبودية التي خلق لتنفيذها ، فالله ( تواب يعيد العبد الصادق في توبته إلى سابق وده ومحبته ، إذا أقلع وندم واعتذر وعزم وكان حاله ينطق بالضعف والمسكنة ، وأن الذنب إنما كان غلبة من الشيطان وقوة من وسواس النفس بالعصيان ، وأنه لم يكن منه ما كان عن استهانة بحقه ( ولا جهلا بقدره ، ولا إنكارا لاطلاعه ولا استهانة بوعيده ، وإنما كان من غلبة الهوى والشهوة واقترانها بضعف القوة ، وطمعا في مغفرته ، واتكالا على عفوه ، وحسن ظن به ، ورجاء لكرمه ، وطمعا في سعة حلمه ، وغره بالله الغرور والنفس الأمارة بالسوء ، وستره المرخي على عبده بمعاونة من جهله ، ولا سبيل إلى الاعتصام له إلا به ، ولا معونة على طاعته إلا بتوفيقه ، وغير ذلك من أنواع التذلل والاستعطاف ، والافتقار والاعتراف بأنه عاجر نادم عازم على تجديد العهد له بتوحيد العبودية ، فهذا مقتضى التوبة الصادقة وتوحيد الله في اسمه التواب .(35/124)
قال ( : ? إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلي اللهِ للذِينَ يَعْمَلونَ السُّوءَ بِجَهَالةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَليْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَليماً حَكِيماً وَليْسَتِ التَّوْبَةُ للذِينَ يَعْمَلونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَال إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنَا لهُمْ عَذَاباً أَليما ً? [النساء:18] (227) ، وروى الطبراني وصححه الشيخ الألباني من حديث ابن عباس ( أن رسول الله S قال : ( ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا ، إن المؤمن خلق مفتنا توابا نسيا ، إذا ذكر ذكر ) (228) ، وعند الترمذي وحسنه الألباني من حديث أنس بن مالك ( أن رسول اللهِ S : ( كُل بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ) (229).
أما من جهة التسمية بعبد التواب فلم أجد أحدا سمي به من السلف أو الخلف في مجال ما أجرينا عليه البحث ، وإن كانت نتيجة محركات البحث علي الإنترنت أظهرت الكثير ممن تسمى به في عصرنا .
47- ( ( الحكيم :(35/125)
دعاء العبادة اختيار العبد لمنهج الله هاديا دليلا ، ويسعد به ولا يرضى عنه بديلا لعلمه ويقينه أنه الأعلى شأنا والأسمى كمالا ، بل لا وجه للمقارنة بين منهج من وضع العبد وآخر من وحي خالقه ، فالذي وحد الله في اسمه الحكيم هو العبد الرباني المؤمن النقي التقي الولي الذي يسمع بسمع الله فلا يسمع إلا ما يرضيه ، ويبصر بنور الله ، فلا يرى إلا ما يرضيه ، روى البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول اللهِ S قال : ( إِنَّ اللهَ قَال : مَنْ عَادَى لي وَليًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلي عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلي مِمَّا افْتَرَضْتُ عَليْهِ ، وَمَا يَزَال عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلي بِالنَّوَافِل حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ التِي يَبْطُشُ بِهَا ، وَرِجْلهُ التِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أَنَا فَاعِلهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ) (230) ، فأي حكمة يحقق بها العبد توحيد الله في اسمه الحكيم أفضل من أن يعصمه الله من الزلل ويعطيه إن سأل ، قال الله ( : ? يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولو الأَلبَابِ ? [البقرة:269] ، وقال تعالى : ? لقَدْ مَنَّ اللهُ عَلى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلو عَليْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْل لفِي ضَلال مُبِينٍ ? [آل عمران:164] .(35/126)
ومن دعاء العبادة أن يدعو المسلم إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأن يتصف بالبصيرة والوسطية في دعوته للكتاب والسنة ، قال تعالى : ? ادْعُ إِلى سَبِيل رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُمْ بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلمُ بِمَنْ ضَل عَنْ سَبِيلهِ وَهُوَ أَعْلمُ بِالمُهْتَدِينَ ? [النحل:125] ، وقال : ? قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ? [يوسف:108] .
ومن جهة التسمية بعبد الحكيم فقد روى الترمذي في سننه وصححه الشيخ الألباني قال : ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَزِيعٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَكِيمِ بْنُ مَنْصُورٍ الوَاسِطِيُّ عَنْ عَبْدِ المَلكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَال : قَال رَسُول اللهِ S : قِتَال المُسْلمِ أَخَاهُ كُفْرٌ وَسِبَابُهُ فُسُوقٌ ) (231) .
48- ( ( الغني :(35/127)
توحيد العبد لاسم الله الغني يقتضي فهمه لمعنى الغنى ، وأن الله ( هو المنفرد به وكيف ينعكس ذلك على سلوكه ؟ ، فأثره على من أغناه الله من فضله أن يخضع لربه ويتواضع لإخوانه لعلمه أن الله متوحد في غناه ، وأثره على من ابتلاه بالمنع أن يظهر بمظهر الغنى تعففا من سؤال غير الله ، كما قال تعالى : ? للفُقَرَاءِ الذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيل اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الجَاهِل أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَليمٌ ? [البقرة:273] ، روى البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قَال : ( ليْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ وَلكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ ) (232) ، وروى أيضا من حديث عمرو بن تغلب ( أنه قال : ( أُتِي رَسُول اللهِ S بِمَال أَوْ سَبْي فَقَسَمَهُ ، فَأَعْطَى رِجَالاً وَتَرَكَ رِجَالاً ، فَبَلغَهُ أَنَّ الذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا ، فَحَمِدَ اللهَ ثُمَّ أَثْنَى عَليْهِ ، ثُمَّ قَال : أَمَّا بَعْدُ فَوَ اللهِ إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُل وَأَدَعُ الرَّجُل وَالذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلي مِنَ الذِي أُعْطِي ، وَلكِنْ أُعْطِي أَقْوَامًا لمَا أَرَى فِي قُلوبِهِمْ مِنَ الجَزَعِ وَالهَلعِ ، وَأَكِل أَقْوَامًا إِلى مَا جَعَل اللهُ فِي قُلوبِهِمْ مِنَ الغِنَى وَالخَيْرِ ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلبَ ، فَوَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لي بِكَلمَةِ رَسُول اللهِ S حُمْرَ النَّعَمِ ) (233).(35/128)
ولا يمنع التعفف أن يأخذ الموحد بالأسباب طلبا للغنى أو حفاظا على النعمة وتقوية النفس والأمة على جهادها في الدعوة ، فأجر الصدقة عند الله عظيم ، والله ( إنما أمر بالنفقة لإظهار التوحيد في اسمه الغني ، روى مسلم من حديث عامر بن سعد ( قَال : ( كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ( فِي إِبِلهِ ، فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ ، فَلمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَال : أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ ، فَنَزَل فَقَال لهُ : أَنَزَلتَ فِي إِبِلكَ وَغَنَمِكَ ، وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ المُلكَ بَيْنَهُمْ ، فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ ، فَقَال : اسْكُتْ سَمِعْتُ رَسُول اللهِ S يَقُول : ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ العَبْدَ التَّقِيَّ الغَنِيَّ الخَفِيَّ ) (234) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أنه قال : ( جَاءَ رَجُل إِلى النَّبِيِّ S فَقَال يَا رَسُول اللهِ : أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا قَال : أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ وَتَأْمُل الغِنَى ، وَلاَ تُمْهِل حَتَّى إِذَا بَلغَتِ الحُلقُومَ قُلتَ لفُلاَنٍ كَذَا ، وَلفُلاَنٍ كَذَا ، وَقَدْ كَانَ لفُلاَنٍ ) (235) .(35/129)
وروى البخاري أيضا من حديث أبي هريرة ( أن رسول اللهِ S قَال : ( قَال رَجُل لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا في يَدِ سَارِقٍ ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ : تُصُدِّقَ عَلى سَارِقٍ ، فَقَال : اللهُمَّ لكَ الحَمْدُ لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ ؛ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَي زَانِيَةٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ : تُصُدِّقَ الليْلةَ عَلى زَانِيَةٍ ، فَقَال : اللهُمَّ لكَ الحَمْدُ عَلى زَانِيَةٍ لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا في يدي غَنِيٍّ ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ : تُصُدِّقَ عَلى غَنِي ، فَقَال : اللهُمَّ لكَ الحَمْدُ ، عَلى سَارِقٍ وَعَلى زَانِيَةٍ وَعَلى غَنِي ، فَأُتِىَ فَقِيل لهُ : أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلى سَارِقٍ فَلعَلهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلعَلهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا وَأَمَّا الغَنِي فَلعَلهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ ) (236) .
وعنده أيضا من حديث سعد بن أبي وقاص ( أن رسول اللهِ S قَال له : ( إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ ، وَإِنَّكَ لنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلاَّ أُجِرْتَ بِهَا ، حَتَّى مَا تَجْعَل في فيّ امْرَأَتِكَ ) (237) ، وروى البخاري أيضا من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( مَطْل الغَنِي ظُلمٌ ، فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلى مَلىٍّ فَليَتْبَعْ ) (238) .
وممن تسمى بالتعبد لله بإضافته للاسم ، الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري ، قال السيوطي : ( النوع التاسع والخمسون المبهمات أي معرفة من أبهم ذكره في المتن أو الإسناد من الرجال والنساء ، صنف فيه الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري ) (239) .
49- ( ( الكريم :(35/130)
دعاء العبادة يتحلى فيه المسلم بوصف الكرم والسخاء ، والجود والعطاء لعلمه أن الكريم هو الله ، وأن التوفيق إلى الفضل بيده هو لا بيد من سواه ، ولذلك ينفق ابتغاء وجهه ولا يخش على نفسه الفقر أبدا ، قال تعالى : ? إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورا ً? [الإنسان:9] ، وقال ( : ? مَنْ ذَا الذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لهُ وَلهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ? [الحديد:11] ، وقال ( : ? إِنَّ المُصَّدِّقِينَ وَالمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لهُمْ وَلهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ? [الحديد:18] .
وعند ابن ماجة وصححه الشيخ الألباني من حديث ابن عمر ( أن رسول S قال : ( إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ ) (240) ، وعند مسلم من حديث أنس ( : ( أَنَّ رَجُلاً سَأَل النَّبِيَّ S غَنَمًا بَيْنَ جَبَليْنِ ؟ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ ؛ فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَال : أَيْ قَوْمِ أَسْلمُوا فَوَ اللهِ إِنَّ مُحَمَّدًا ليُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الفَقْرَ ؛ فَقَال أَنَسٌ : إِنْ كَانَ الرَّجُل ليُسْلمُ مَا يُرِيدُ إِلاَّ الدُّنْيَا فَمَا يُسْلمُ حَتَّى يَكُونَ الإِسْلاَمُ أَحَبَّ إِليْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَليْهَا ) (241) .
أما من جهة التسمية بعبد الكريم فقد تسمى به عبد الكريم بن مالك أبو سعيد الجزري (ت:127) ، أخرج له البخاري قال : ( حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ الجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ : قَال أَبُو جَهْل : لئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلى عِنْدَ الكَعْبَةِ لأَطَأَنَّ عَلى عُنُقِهِ ، فَبَلغَ النَّبِيَّ S فَقَال : لوْ فَعَلهُ لأَخَذَتْهُ المَلاَئِكَةُ ) (242) .
50- ( ( الأحد :(35/131)
دعاء العبادة هو أثر الإيمان بالاسم في اعتقاد المسلم وتوحيده لله في أسمائه وصفاته وأفعاله ، فتعظيم العبد لربه يدعوه إلى تنفيذ أمره وتصديق خبره ، ولا يقدم على قول الله ورسوله S ما استحسنه برأيه وعقله ، فيعتقد أن ما أخبر الله به عنه نفسه ظاهر في حقه يخصه وحده دون غيره ، فالسلف الصالح فهموا معنى الأحدية وفرقوا بين النصوص التي تدل على المخلوق وتلك التي تدل على الخالق ؛ فالنصوص التي تدل على المخلوق تليق به وظاهرها مراد في حقه ، وهي معلومة المعنى لورودها في القرآن والسنة بلغة عربية ، وكذلك معلومة الكيفية لأننا نراها أو نرى نظيرها فنحكم عليها بالتشابه أو المثلية ، لكن من البلاهة العقلية أن نطبق قوانين الجاذبية الأرضية على استواء الله على عرشه أو على حملة العرش أو على نزوله إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ، لأن ذلك ينطبق على الخلق ولا ينطبق على الخالق ، فهو سبحانه وتعالى أحد متوحد منفرد عن قوانين البشر وأحكامهم ، ومعلوم أننا لم نر الله ( ولم نر له شبيها أو مثيلا ، والشيء لا يعرف إلا برؤيته أو برؤية نظيره .(35/132)
أما النصوص التي تدل على الخالق فهي معلومة المعنى أيضا لأن الله ( خاطبنا بلغة عربية وليست أعجمية ، فلا يمكن القول إن كلام الله بلا معنى ، أو إنه ككلام الأعاجم ، أو هو من قبيل الألغاز والإشارات ، أما الكيفية الغيبية للصفات الإلهية التي دلت عليها هذه النصوص فهي كيفية حقيقية ، لها وجود يعلمه الله ونجهله نحن لأننا ما رأينا الله وما رأينا له مثيلا ، وعند مسلم من حديث عبد الله بن عمر ( أن النبي S قال : ( تَعَلمُوا أَنَّهُ لنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَل حتى يَمُوتَ ) (243) ، وكذلك ما رأينا لكيفيته ( نظيرا نحكم عليها من خلاله إذ يقول ( : ? ليْسَ كَمِثْلهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ? [الشورى:11] ، والتوحيد أيضا تنعكس أثاره على المسلم في سلوكياته حتى في أقل حركاته وسكناته ، ولا عجب أن يدعو النبي S إلى ما هو أدق من ذلك ، روى أبو داود وصححه الشيخ الألباني من حديث سعد بن أبي وقاص ( قال : ( مَرَّ عَليَّ النَّبيُّ S وَأَنَا أَدْعُو بإِصْبَعَيَّ فَقَال : أَحِّد أَحِّد وَأَشَارَ بالسَّبَابَةِ ) (244) ، قال الترمذي : ( ومعنى هذا الحديث إذا أشار الرجل بأصبعيه في الدعاء عند الشهادة فلا يشير إلا بأصبع واحدة ) (245) .
أما من جهة التسمية ، فقد تسمى أبو زرعة عبد الأحد بن الليث بن عاصم بن كليب (ت:211) ، وكان رجلا صالحا من رواة الحديث (246) .
51- ( ( الصمد :(35/133)
دعاء العبادة صدق المسلم في اعتماده على الصمد وحسن التوكل عليه ، فيعتمد على الله قبل الحركة والسكون ، ثم يأخذ بالأسباب حيث ما يكون ، ويرضى بما قسمه الله ليقينه أن تقسيم المقادير بيديه ، وأن المبتدأ منه والمنتهى إليه ، فلا حول له ولا قوة إلا بحول الله وقوته ، ولا وصول إلى مراده إلا بمشيئة الله وقدرته ، روى البخاري من حديث البراء بن عازب ( أن النبي S قال له : ( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ للصَّلاَةِ ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ، ثُمَّ قُل : اللهُمَّ أَسْلمْتُ وجهي إِليْكَ ، وَفَوَّضْتُ أمري إِليْكَ ، وَأَلجَأْتُ ظهري إِليْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِليْكَ ، لاَ مَلجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِليْكَ ، اللهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الذي أَنْزَلتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الذي أَرْسَلتَ ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ ليْلتِكَ فَأَنْتَ عَلى الفِطْرَةِ ، وَاجْعَلهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلمُ بِهِ ، قَال فَرَدَّدْتُهَا عَلى النَّبِيِّ S ، فَلمَّا بَلغْتُ : اللهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الذِي أَنْزَلتَ ، قُلتُ وَرَسُولكَ ، قَال : لاَ ، وَنَبِيِّكَ الذِي أَرْسَلتَ ) (247).
وبخصوص التسمية بعبد الصمد فكثير من رواة الحديث تسمى به ، منهم عبد الصمد بن سليمان بن أبي مطر العتكي ، من أوساط الطبقة الحادية عشرة الآخذين عن تبع الأتباع ، وهو ثقة حافظ كما ذكر ابن حجر ، مات سنة مائتين وست وأربعين ، روى عنه الترمذي في سننه (248) .
52- ( ( القريب :(35/134)
أثر الاسم على سلوك العبد سعيه في ابتغاء القرب من الرب ، والتزامه بكل عمل يؤدي إلى مرضاته وقربه ، قال ( : ? وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلوَاتِ الرَّسُول أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لهُمْ سَيُدْخِلهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [التوبة:99] ، وقال : ? أُولئِكَ الذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الوَسِيلةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ? [الإسراء:57] .
وروى البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول اللهِ S قال : ( إِنَّ اللهَ قَال : مَنْ عَادَى لي وَليًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلي عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلي مِمَّا افْتَرَضْتُ عَليْهِ ، وَمَا يَزَال عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلي بِالنَّوَافِل حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ التِي يَبْطُشُ بِهَا ، وَرِجْلهُ التِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أَنَا فَاعِلهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ) (249) .(35/135)
ومن دعاء العبادة أيضا أن يبادر بالتوبة والأوبة قريبا ، وأن يكون هينا لينا سهلا قريبا ، وأن يقيم حدود الله فيمن كان بعيدا أو قريبا ، قال تعالى : ? إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلى اللهِ للذِينَ يَعْمَلونَ السُّوءَ بِجَهَالةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَليْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَليماً حَكِيماً ? [النساء: 17] ، وروى الطبراني وقال الشيخ الألباني : صحيح لغيره من حديث أنس بن مالك ( قيل : ( يا رسُولَ الله مَن يحرُم عَلى النَّار ؟ قَال : الهَينُ اللينُ السَّهل القَريب ) (250) ، وعند ابن ماجة وحسنه الألباني من حديث عبادة بن الصامت ( أن رسول الله S قال : ( أَقِيمُوا حُدُودَ اللهِ في القَرِيبِ وَالبَعِيدِ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ في اللهِ لوْمَةُ لاَئِمٍ ) (251)، قال ( : ? وَمَا أَمْوَالكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلفَى إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِل صَالحاً فَأُولئِكَ لهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلوا وَهُمْ فِي الغُرُفَاتِ آمِنُونَ ? [سبأ:37] .
أما من جهة التسمية بعبد القريب والتعبد لهذا الاسم فلم يتسم به أحد من السلف أو الخلف في مجال ما أجرينا عليه البحث الحاسوبي ، وأيضا جميع محركات البحث علي الإنترنت ، وهنيئا لمن سمى نفسه أو ولده بهذا الاسم ؛ فسيكون أول من تعبد لله به والله أعلم .
53- ( ( المجيب :
دعاء العبادة حالة إيمانية يكون فيها العبد على يقين بأن الله تعالى يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ، وأنه لا يخيب رجاء من التجأ إليه أو اعتمد عليه ، روى الترمذي وحسنه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( ادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ ) (252) .(35/136)
ومن دعاء العبادة أن يتخير وقت الدعاء الذي ندب إليه المجيب كوقت نزوله إلى السماء يوم عرفة ، وفي جوف الليل قبيل الفجر ؛ فهو أعظم وقت لنيل المغفرة والثواب ، لأن المجيب عز وجل ينزل إلى السماء وينادي على عباده بالتوبة والمغفرة وروى البخاري من حديث أبي هريرة ? أن رسول الله S قال : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُل لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ الليْلِ الآخِرُ ، يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ ) (253) ، وعند الترمذي وحسنه الألباني من حديث أبي أمامة ? أنه قال : ( قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ : أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ ؟ قَالَ : جَوْفَ الليْلِ الآخِرِ ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ ) (254) .
ومن دعاء العبادة ألا يتعجل المجيب ( في إجابة الدعاء ، وألا يجهر بالنداء اتقاءً للفتنة والرياء ، وأن يحذر من التجاوز والاعتداء ، روى البخاري من حديث أبي هريرة ? أن رسول S قال : ( يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ : دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لي ) (255) ، وعند أحمد وصححه الألباني من حديث أبي سعيد ? أن النبي S قال : ( ما مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنُْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا ، قَالُوا : إِذاً نُكْثِرُ ، قَالَ : اللهُ أَكْثَرُ ) (256) .(35/137)
ومن دعاء العبادة أيضا أن يكون المسلم متواضعا هينا لينا قريبا من إخوانه مجيبا لدعوتهم ، روى الطبراني وصححه الألباني من حديث ابن عباس ( : ( أن رسول الله S كان يجلس على الأرض ، ويأكل على الأرض ، ويعتقل الشاة ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ المَمْلوكِ على خبز الشعير ) (257) ، وعند الترمذي وصححه الشيخ الألباني من حديث أبي هريرة ( أن رسول اللهِ S قال : ( للمُؤْمِنِ عَلى المُؤْمِنِ سِتُّ خِصَال .. وذكر منها .. وَيُجِيبُهُ إِذَا دَعَاهُ ) (258) .
أما من جهة التسمية بإضافة التعبد للاسم فسمي به عبد المجيب بن أبي القاسم عبد الله بن زهير بن زهير المولى الكبير الصالح أبو محمد البغدادي ، روى عنه الضياء وابن خليل والمنذري والنجيب وغيرهم ، توفي بحماة في المحرم سنة أربع وست مئة وله سبع وسبعون سنة (259) .
54- ( ( الغفور :
توحيد الله في اسمه الغفور يقتضي كثرة الاستغفار الوقائي العام أو الاستغفار الخاص ، مهما بلغت كيفية الذنب وجانيته على العبد ، أما الاستغفار العام فهو الذي يحتاط به من التفكير في الذنب قبل وقوعه ، ويقضي به على خواطر النفس وهواها وإلجامها عن طغيانها ، وقد كان النبي S يحطاط لنفسه ويكثر من الاستغفار في اليوم أكثر من سبيعين مرة وهو S قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وذلك ليعلم أمته S كثرة الاستغفار ، وعند البخاري من حديث أَبِى هريرة ( أنه سمع رسول اللهِ S يقول : ( وَاللَّهِ إني لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ في الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً ) (260) .(35/138)
وروى أيضا من حديث سلمان الفارسي ( أن النبي S قال : ( لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، ثُمَّ يُصَلِّى مَا كُتِبَ لَهُ ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلمَ الإِمَامُ ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى ) (261) ، وروى مسلم من حديث أَبِى هريرة ( أن رسول اللهِ S كان يقول : ( الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ) (262) .(35/139)
أما الاستغفار الخاص فالعبد يبادر فيه بالتوبة لو غلبته نفسه على العصيان أو استجاب في غفلة النسيان للشيطان ، فمهما بلغ الذنب فإن للغفور باب مغفرة لا يغلق حتى تغرغر النفس أو تطلع الشمس من مغربها قال تعالى : ? وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون َ? [آل عمران:135] ، وروى مسلم من حديث أبي موسى ( أن النبي S قال : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) (263) ، وروى الترمذي وحسنه الألباني من حديث ابن عمر ( أن النبي S قال : ( إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ) (264) ، ولو تمادى الإنسان في الجرم والعصيان فقتل مائة نفس وأراد التوبة والغفران تاب الله عليه وجعله من أهل الإيمان ، روى البخاري من حديث أبي سعيد ( أن النبي S قال : ( كَانَ في بني إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ ، فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ لَهُ : هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ قَالَ : لاَ ، فَقَتَلَهُ فَجَعَلَ يَسْأَلُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا ، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي ، وَأَوْحَى اللهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تباعدي ، وَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا ، فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبُ بِشِبْرٍ ، فَغُفِرَ لَهُ ) (265) .(35/140)
وممن تسمى بالتعبد للاسم عبد الغفور بن عبد العزيز الواسطي ، من رواة الحديث لكنه ضعيف الحديث كما قال أبو حاتم ، وقال يحيى بن معين : عبد الغفور ليس حديثه بشيء (266) .
55- ( ( الودود :
توحيد العبد لله في اسمه الودود يتجلى في كثرة وده للمسلمين وحب الخير للآخرين ، فيحب للعاصي التوبة والمغفرة وللمطيع الثبات وحسن المنزلة ، فيعفو عمن أساء إليه ، ويلين مع البعيد كما يلين مع أقرب الناس إليه ، ويكون ودودا قريبا لطيفا مجيبا راعيا بحبه لأهله وعشيرته ، فالرسول S أصابه قومه في رباعيته ولم يمنعه أن يطلب لهم العلم والمغفرة ، روى البخاري من حديث عبد الله بن مسعود ( أنه قال : ( كأني أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ S يَحْكِى نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ ، وَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ : اللهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) (267) .(35/141)
ومن أعظم الود وتوحيد الله في اسمه الودود مودة الرجل لزوجته ورفقه بها وكذلك مودة المرأة لزوجها ، روى الطبراني وقال الشيخ الألباني : حسن لغيره من حديث أنس ( عن النبي S قال : ( ألا أخبركم بنسائكم في الجنة ؟ قلنا : بلي يا رسول الله ، قال : ودود ولود إذا غضبت أو أسيء إليها أو غضب زوجها ، قالت : هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضي ) (268) ، وقال تعالى : ? إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّا ? [مريم:96] ، والمعنى سيجعل لهم حبا في قلوب عباده ، روى البخاري من حديث أبي هريرة ( أَن النبي S قال : ( إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَنًا ، فَأَحِبَّهُ ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، فَيُنَادِى جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَنًا ، فَأَحِبُّوهُ ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ ) (269) .
وممن تسمى عبد الودود أبو الحسن الهاشمي عبد الودود بن عبد المتكبر بن هارون بن محمد بن عبيد الله بن المهتدي بالله ، حدث عن أبي بكر الشافعي وتوفي يوم الأربعاء مستهل شعبان من سنة أربع وثلاثين وأربعمائة (270) .
56- ( ( الولي :(35/142)
دعاء العبادة هو اجتهاد العبد في تحقيق مقتضى الاسم بحفظ حدود الله وموالاته على من سواه ، قال ( : ? قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ ? [الأنعام:14] ، وقال أيضا في التحذير من ولاية الأعداء : ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ? [الممتحنة:1] ، وذلك لا يتم إلا بالإخلاص لله وحده والإقبال عليه بالكلية ، ثم الالتزام بأحكام التكليف والعبودية ، فولي الله حقا هو من توالت طاعاته من غير عصيان ، ومن تولى الحق حفظه في القلب واللسان وسائر الأركان ، وتولى توفيقه وتمكينه وإقداره علي الطاعات وكرائم الإحسان .(35/143)
روى البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول اللهِ S قال : ( إِنَّ اللهَ قَال : مَنْ عَادَى لي وَليًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلي عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلي مِمَّا افْتَرَضْتُ عَليْهِ ، وَمَا يَزَال عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلي بِالنَّوَافِل حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ التِي يَبْطُشُ بِهَا ، وَرِجْلهُ التِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أَنَا فَاعِلهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ) (271) ، فواجب المؤمنين الأولياء نحو ربهم ودينهم وإخوانهم القرب والحب والنصرة لإظهار الدين والتمكين له في الأرض ، وهذا ما يقتضيه معنى الولاء ظاهرا باطنا ، قال تعالى : ? أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ? [يونس:62/64] .(35/144)
وعند أبي داود وصححه الشيخ الألباني من حديث عمر بن الخطاب ( أن النبي S قال : ( إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ لأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللهِ تَعَالَى ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلاَ أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا فَوَ اللهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لاَ يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلاَ يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ ، وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ : ? أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ? [يونس:62] ) (272) .
وممن تسمى بالتعبد لهذا الاسم ، عبد الولي بن أبي السرايا بن عبد السلام الأنصاري ، فقيه شافعي من أخميم أحد القرى التابعة لصعيد مصر ، وكان خطيب ناحيته وأحد عدولها وله شعر حسن المذهب ، ومن شعره :
تأن إذا أردت النطق حتى تصيب بسهمه غرض البيان
ولا تطلق لسانك ليس شيء أحق بطول سجن من لسان (273) .
57- ( ( الحميد :
دعاء العبادة هو أثر الحمد على اعتقاد العبد وسلوكه ، أما اعتقاده فيقينه بأن الحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله ونعوت جلاله مع محبته والرضا عنه والخضوع له ، فلا يكون حامدا من جحد صفات المحمود ، ولا من أعرض عن محبته والخضوع له ، وكلما كانت صفات كمال المحمود أكثر كان حمده أكمل وكلما نقص من صفات كماله نقص من حمده بحسبها ، ولهذا كان الحمد لله حمدا لا يحصيه سواه لكمال صفاته وكثرتها ، ولأجل هذا لا يحصى أحد من خلقه ثناء عليه لما له من صفات الكمال ونعوت الجلال التي لا يحصيها سواه ، ولهذا ذم الله تعالى آلهة الكفار وعابها بسلب أوصاف الكمال عنها ؛ فعابها بأنها لا تسمع ولا تبصر ولا تتكلم ولا تهدي ولا تنفع ولا تضر .(35/145)
ومعلوم بالفطرة المستقيمة والعقول السليمة والكتب السماوية أن فاقد صفات الكمال لا يكون إلها ولا مدبرا ولا ربا ؛ بل هو مذموم معيب ناقص ليس له الحمد لا في الأولى ولا في الآخرة ، وإنما الحمد في الأولى والآخرة لمن له صفات الكمال ونعوت الجلال التي لأجلها استحق الحمد ، قال تعالى : ? وَهُوَ اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ? [القصص:70] .
وقد حمد نفسه سبحانه على عدم اتخاذ الولد المتضمن لكمال صمديته وغناه وملكه وتعبيد كل شيء له فاتخاذ الولد ينافي ذلك ، وحمد نفسه على عدم الشريك المتضمن تفرده بالربوبية والإلهية وتوحده بصفات الكمال التي لا يوصف بها غيره فيكون شريكا له ، فلو عدمها لكان كل موجود أكمل منه لأن الموجود أكمل من المعدوم ، قال تعالى : ? وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ? [الإسراء:111] ، ولهذا لا يحمد نفسه سبحانه بعدم إلا إذا كان متضمنا لثبوت كمال ، كما حمد نفسه بكونه لا يموت لتضمنه كمال حياته ، قال تعالى : ? هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ? [غافر:65] ، فحقيقة الحمد تابعة لإثبات أوصاف الكمال ونفيها نفي لحمده (274) .(35/146)
وأما أثر الاسم على سلوك العبد فهو أن يحمد الله عز وجل بالقلب واللسان والجوارح ، فيحمده أن وفق قلبه وهداه لاختيار الإيمان ، ويحمده بذكر اللسان فالحمد لله تملأ الميزان ، ويحمده بالجوارح والأركان فيشكر الله بالطاعة وطلب العون على زيادة الإيمان ، قال تعالى : ? وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللهُ ? [الأعراف:43] ، وروى مسلم من حديث أبي مالك الأشعري ( أن رسول الله S قال : ( الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلهِ تَمْلآنِ أَوْ تَمْلأُ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) (275) ، وعند مسلم من حديث سمرة بن جندب ( أن رسول الله S قال : ( أَحَبُّ الْكَلاَمِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ ، سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ ، لاَ يَضُرُّكَ بَأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ ) (276) ، وقال سليمان ( : ? رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ? [النمل:19] ، وقال سبحانه : ? اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ? [سبأ:13] .(35/147)
وعند أحمد وصححه الألباني من حديث مطرف ( أنه قال : ( قَالَ لي عِمْرَانُ : إني لأُحَدِّثُكَ بِالْحَدِيثِ الْيَوْمَ لِيَنْفَعَكَ اللهُ عَزَّ وَجَل بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ ، اعْلَمْ أَنَّ خَيْرَ عِبَادِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَمَّادُونَ .. الحديث ) (277) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( إِنَّ للهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ ، قَالَ : فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، قَالَ : فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي ؟ قَالُوا : يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ ، وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ .. الحديث ) (278).
وممن تسمى عبد الحميد ، عبد الحميد بن جبير من رواة البخاري قال : ( حَدَّثَنَا صَدَقَةُ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِىَّ أَمَرَهَا بِقَتْلِ الأَوْزَاغِ ) (279) .
58- ( ( الحفيظ :
دعاء العبادة هو ظهور مقتضى الاسم على اعتقاد العبد وسلوكه ، أما أثره على الاعتقاد فيوقن أن الله ( يتولى حفظه بنوعين من التدبير ، تدبير كوني قدري جبري ، وتدبير ديني شرعي اختياري ، وهو مبتلى بين هذين التدبيرين ومطالب بموقف تجاه النوعين ، فالأول يؤمن فيه بقدر الله وإحاطته بعبده قبل خلقه وحال وجوده وبعد موته وأنه لا مشيئة للعبد إلا بتوفيق الله ومشيئته .(35/148)
والثاني يحفظ العبد فيه شرعه وتدبير الله له ليقينه أنه السبيل الوحيد لسعادته في الدنيا والآخرة ، وأن من حفظ الله في تدبيره الشرعي حفظه في تدبيره الكوني وعصمه في سكونه وحركته وتولاه بحفظه ومعيته ، روى الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عباس ( أن رسول الله S قال له : ( يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ) (280) .
وأما أثر الاسم على سلوك العبد فتجده قائما في الطاعة محافظا على أحكام العبودية ، لا يضيع فرضا واجبا ولا سنة مندوبة ، ولا يقرب جرما ولا يتجاوز حدوده ؛ بل يحفظ كل التوجيهات النبوية بمحبة وحرص ورغبة وصدق نية ، روى البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( انْتَدَبَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ ، أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، وَلَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ ) (281) ، وروى أحمد وصححه الألباني من حديث حميد بن هلال ( قال : ( كَانَ رَجُلٌ مِنَ الطُّفَاوَةِ طَرِيقُهُ عَلَيْنَا ؛ فَأَتَى عَلَى الْحَي فَحَدَّثَهُمْ قَالَ : قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي عِيرٍ لَنَا ، فَبِعْنَا بِيَاعَتَنَا ثُمَّ قُلْتُ : لأَنْطَلِقَنَّ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَلآتِيَنَّ مَنْ بَعْدِي بِخَبَرِهِ ، قَالَ : فَانْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ S فَإِذَا هُوَ يُرِينِي بَيْتاً ، قَالَ : إِنَّ امْرَأَةً كَانَتْ فِيهِ فَخَرَجَتْ فِي سَرِيَّةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَتَرَكَتْ ثِنْتَي عَشْرَةَ عَنْزاً لَهَا وَصِيصِيَتَهَا كَانَتْ تَنْسِجُ بِهَا ، قَالَ : فَفَقَدَتْ عَنْزاً مِنْ(35/149)
غَنَمِهَا وَصِيصِيَتَهَا فَقَالَتْ : يَا رَبِّ ، إِنَّكَ قَدْ ضَمِنْتَ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِكَ أَنْ تَحْفَظَ عَلَيْهِ ، وَإِنِّي قَدْ فَقَدْتُ عَنْزاً مِنْ غَنَمِي وَصِيصِيَتِي وَإِنِّي أَنْشُدُكَ عَنْزِي وَصِيصِيَتِي ، قَالَ : فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ S يَذْكُرُ شِدَّةَ مِنْاشَدَتِهَا لِرَبِّهَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، قَالَ رَسُولُ اللهِ S : فَأَصْبَحَتْ عَنْزُهَا وَمِثْلُهَا وَصِيصِيَتُهَا وَمِثْلُهَا ، وَهَاتِيكَ فَائْتِهَا فَاسْأَلْهَا إِنْ شِئْتَ ، قَالَ قُلْتُ : بَلْ أُصَدِّقُكَ ) (282) ، وعند مسلم من حديث أبي بصرة الغفاري ( أنه قال : ( صَلى بِنَا رَسُولُ اللهِ S الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ ، فَقَالَ : إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا ، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ ) (283) .(35/150)
روى أبو داود وصححه الألباني من حديث أم حبيبة رضي الله عنها أن رسول الله S قال : ( مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرُمَ عَلَى النَّارِ ) (284) ، وروى أبو داود أيضا وحسنه الشيخ الألباني من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ( قال : ( قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ ؟ قَالَ : احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ، قَالَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ ؟ قَالَ : إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلاَ يَرَيَنَّهَا قَالَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا ؟ قَالَ : اللهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ ) (285) ، وعند أحمد وصححه الألباني من حديث أبي موسى الأشعري ( أن رسول الله S قال : ( مَنْ حَفِظَ مَا بَيْنَ فُقْمَيْهِ وَفَرْجَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) (286) .
لم أجد أحدا من رواة الحديث تسمى عبد الحفيظ في مجال ما أجرينا عليه البحث وقد تسمى به أحد العلماء المتأخرين وهو القاضي الحافظ التقى عبد الحفيظ بن عبد الله المهلا الشرفي (ت: 1077) ، وكان إماما في علوم الاجتهاد يحفظ في كل العلوم مؤلفات عديدة مع شروحها وله أجوبة على مسائل عديدة وردت إليه من علماء عصره ، ورسائل بليغة ، وخطب رائقة ، وأشعار فائقة (287) .
59- ( ( المجيد :(35/151)
أثر الاسم على العبد أن يعظم الله ( في قلبه ويعتقد في علوه على خلقه ، وأن يكون في قوله وفعله بعيدا عن النقائص والعيوب ، سريع التوبة من المعاصي والذنوب يسموا بهمته إلى الدرجات العلى ليصل بتوحيده إلى الفردوس الأعلى في الرفيق الأعلى مع الأبرار والصالحين ، قال الله ( : ?كَلا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ? [المطففين:18/21] ، وقال سبحانه وتعالى : ? إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً ? [الكهف:108] .
والموحد يكون على يقين بأن عزه ومجده في توحيده لله وعبوديته ، وقربه وطاعته والفوز بمحبته وجنته ، وليس مجده في طلب الجاه ورفعته ، أو المال وزينته ، فالله عز وجل جعل دار القرار جزاء لمن طرح عن نفسه العلو والاستكبار ، ومجد الله بتوحيد الأسماء والصفات والأفعال ، وما أبلغ النصيحة من مؤمن آل فرعون لما قال : ? يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ? [غافر:39] ، وقال رب العزة والجلال : ? تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ? [القصص:83] .(35/152)
ومن دعاء العبادة باسم الله المجيد تمجيد كلامه فقد وصفه بذلك في كتابه فقال سبحانه وتعالى : ? ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيد ِ ?[قّ:1] ، وقال أيضا : ? بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظ ? [البروج:22] ، فالموحد ينبغي أن يؤمن بأن القرآن كلام الله ، وكلامه وصف ذاته وفعله ، والوصف حكمه حكم الموصوف ، والله من أسمائه المجيد فكلامه مجيد غير مخلوق وليس من كلام البشر ، تنزه ربنا وتعالى مجده عن قول الجاهلين ومن سار على دربهم من المتكلمين ، فتوحيده في اسمه المجيد يوجب على الموحد أن يعظم كلام الله ولا يهون من شأنه ، أو يقصر في تنفيذ أمره ، أو يتردد في تصديق خبره فالله ( قال في وصفه : ? إِنَّ الذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد ? [فصلت:42] .
وممن تسمى عبد المجيد ، عبد المجيد بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ممن روى عنهم الإمام البخاري في صحيحة قال : ( حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ S اسْتَعْمَلَ رَجُلاً عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا ، قَالَ : لاَ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : لاَ تَفْعَلْ ، بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا ) (288) .
60- ( ( الفتاح :(35/153)
أثر الاسم على العبد أن يعتمد على ربه قبل الأخذ بالأسباب وأن يطلب منه وحده مفاتح الخير ، وذلك يكون بحسن توكله عليه وركونه إليه ، وأن يحذر من الدنيا إذا فتحت عليه ، روى البخاري من حديث أبي سعيد الخدري ( أَنِ رسول الله S قام على المنبر فقال : ( إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِى مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ ) (289) ، وفي رواية أخرى : ( إني مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِى مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا ) (290) ، وعند ابن ماجة وحسنه الألباني من حديث سهل بن سعد ( أن النبي S قال : ( إِنَّ هَذَا الْخَيْرَ خَزَائِنُ ، وَلِتِلْكَ الْخَزَائِنِ مَفَاتِيحُ ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ مِغْلاَقًا لِلشَّرِّ ، وَوَيْلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ مِغْلاَقًا لِلْخَيْرِ ) (291) .
وينبغي على العبد أن يعلم أن مفتاح الخير كله في توحيد الله ( ومتابعة نبيه S فعند مسلم من حديث عقبة بن عامر ( أن رسول الله S قال : ( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ ) (292) ، وعند الترمذي وحسنه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( مَا قَالَ عَبْدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ قَطُّ مُخْلِصًا إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ حَتَّى تُفْضِيَ إِلَى الْعَرْشِ مَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ) (293) .
وممن تسمى بالتعبد للاسم ، عبد الفتاح بن إسماعيل ابن عبد الله ابن أبي عمرو الهروي (ت:540) من أهل هراة ، شيخ من أهل الخير ، سمع الإمام أبا إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري (294) .(35/154)
61- ( ( الشهيد :
دعاء العبادة باسم الله الشهيد هو أثره على العبد في شهادته بالحق ولو أغضبت سائر الخلق ، وأعظم شهادة وأجل شهادة هي شهادة التوحيد ونبذ الشرك ، فعند البخاري من حديث أنس بن مالك ( أن النبي S قال : ( يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ، وَمُعَاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ ، قَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : يَا مُعَاذُ قَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ ، ثَلاَثًا ، قَالَ : مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَفَلاَ أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا ، قَالَ : إِذًا يَتَّكِلُوا ، وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا ) (295) .
هذه الشهادة عادت قريش النبي S من أجلها ، وتبرأ إبراهيم S من والده بسببها ، فهي أعظم شهادة شهد بها رب العزة والجلال ، وشهدت بها الملائكة والأنبياء وأولو العلم ، فحري بمن وحد الله في اسمه الشهيد أن يموت عليها .
لم أجد بالبحث الحاسوبي أحدا سمي عبد الشهيد في مجال ما أجرينا عليه البحث وإن كانت محركات البحث علي الإنترنت أظهرت أسماء كثيرة في عصرنا .
62- ( ( المقدم :
أثر الاسم على العبد أن يقدم منهج الله على أي منهج سواه ، ولا يقدم عليه عقله وهواه ، ويراعي ما قدمه الله في أحكامه وتشريعاته ، ويزن أوليات العبودية في التزاماته ، ويعمل في الدنيا كأنه غريب أو عابر سبيل ، ويتيقظ دائما لشهوته وهواه ليراقب ما قدمته يداه .(35/155)
وتقديم العاقل منهج الله على أي منهج سواه ، لا بد أن يكون بمحبة وإقرار ويقين وتسليم ، فلا يوجد من هو أعلم بالله من الله ولا أعلم من رسول الله S به ، ومن الأمور التي تتطلب التوقف والانتباه ، معارضة العقل وتقديمه على كتاب الله وسنة رسوله S لاسيما في موضوع الأسماء الحسنى والصفات العلى ، فترى العاقل من المتكلمين يرى أن عقله مقدم عليهما ، وأنه يعطل ويؤول ما شاء منهما بحجة أن التعارض بين العقل والنقل حاصل فيهما ، وأن الظاهر من كلامهما فيه تشبيه وتمثيل لا بد من صرفه بدليل أو بغير دليل ، ولو حقق الأمر لعلم أنه من المحال أن يتعارض العقل الصريح الواضح مع النقل الصحيح الثابت ، بل العقل الصريح يشهد للنقل الصحيح ويؤيده ، والسبب في ذلك سبب منطقي ، والتسليم به أمر حتمي ، هذا السبب هو وحدة الصنعة والمصدر ؛ فالذي خلق العقل هو الذي أرسل إليه النقل وهو ( أعلم بصناعته لعقل الإنسان ، وأعلم بما يصلحه في دار الابتلاء والامتحان ودار الجزاء ونعيم الجنان ، وهو أعلم بما يصلحه في كل زمان ومكان ؛ فإذا وضع الحق تبارك وتعالى نظاما دقيقا لصلاح صنعته ، وألزم الإنسان ببالغ علمه وحكمته أن يعمل بمنهجه وشريعته ، كان من المحال أن يضل الإنسان أو يشقى ، أو يعيش معيشة ضنكا إذا قدم منهج الله وهدايته على عقله ورؤيته قال ( : ? قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ِ ?[طه126:123] .(35/156)
ومعلوم عند سائر العقلاء أن أولى من يضع نظام تشغيل المصنوعات مخترعها وصانعها ، ولو حدث خلل في التشغيل فذلك إما لسوء المنهج أو عدم الالتزام بالدليل ، كذلك ولله المثل الأعلى لو حدث تعارض بين العقل والنقل فذلك لسببين لا ثالث لهما ، إما أن النقل لم يثبت فيتمسك مدعي التعارض بحديث ضعيف أو موضوع وينقلها للناس على أنه من كلام النبي S دون تمحيص ، والسبب الثاني في التعارض بين العقل والنقل أن العقل لم يفهم النقل ولم يدرك خطاب الله ( على النحو الصحيح .
والذي يقدم عقله على الكتاب والسنة في باب الأسماء والصفات وغير ذلك من الغيبيات أو الأحكام والتكليفات ، لا بد أن يعلم أن الله عز وجل لما أهبط الأبوين من الجنة عهد إليهما عهدا لهما ولجميع الذرية إلى يوم القيامة ، وضمن لمن تمسك بعهده أنه لا يضل ولا يشقى ، ولمن أعرض عنه معيشة ضنكا .
كما أن المتمسكين بالأدلة القرآنية والنبوية والذين يقدمونها على آرائهم وعقولهم لاسيما في باب الصفات الإلهية ، هؤلاء قد شهد الله لهم بالعلم واليقين وكفى به شهيدا بين المختصمين ، شهد لهم أنهم على بصيرة من ربهم وبينة من أمرهم وأنهم هم أولو العقل والألباب ، وأن لهم نورا على نور وأنهم هم المهتدون المفلحون ، لأن الرسل في بلاغهم عن ربهم صادقون ولا يخبرون عن الله إلا بالحق الذي يعلمون ولا يخبرون عن أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه إلا بالحق المحض ، سواء في التكليف والطلب وأحكام العبودية ، أو في الخبر عن توحيد الأسماء والصفات والربوبية .(35/157)
وهذه أول درجات الإيمان عند كل مسلم صادق ، فمتى علم المؤمن أن الرسول S أخبر بشيء من الغيبيات أو الأسماء والصفات صدق تصديقا جازما يبلغ علم اليقين ، ويزداد المؤمن إيمانا بعين اليقين وحق اليقين ، وعلم أيضا أنه لا يجوز أن يكون في الوحي شيء باطني مخفي بخلاف ما فهمه سائر الناس ، وأنه من المحال أن يعارض الوحي دليل عقلي يحدث التخبط والالتباس ، وأن كل من يظن أنه يعارض خبر الرسل بحججه العقلية وآرائه الفكرية فحجته داحضة وشبهته فاسدة وهي من جنس السفسطة وأنواع القرمطة ، فالعقلاء عن الله يعلمون أنه من المحال أن يعارض كتابَ الله وسنةَ رسوله S رأي أو مقال ، فما الظن بمن اعتقد أن أدلة الوحي متضاربة وأن أدلة العقل والنقل متعارضة ، وأنه ينبغي كما يزعمون تقديم العقل على النقل عند التعارض .
والقصد أن من وحد الله في اسمه المقدم ينبغي أن يقدم منهج الله على أي منهج ولا يقدم عليه عقله وهواه ، ويفخر بذلك ويعلم أنه على بصيرة في اتباع السنة وترك البدعة ، وأن التوحيد نور وأن الشرك ظلمة .(35/158)
ومن دعاء العبادة أيضا أن يراعي ما قدمه الله في أحكامه وتشريعاته ، ويزن أوليات العبودية في التزاماته ، فلا يقدم مندوبا على واجب مفروض ، ولا يخلط في الأحكام بين ما هو معلوم محدود ، فأحكام العبودية التي جعلها الله عز وجل تكليفا لقلب العبد ولسانه وجوارحه هي الواجبات والمستحبات والمباحات والمكروهات والمحرمات ، فمن قدم بعقله وأخر برأيه شيئا على شيء في غير المباحات مما أمر الله وشرع فهو محدث في دين الله مبتدع ، كمن ألزم نفسه بورد في الذكر وقدم شيخه وكلامه على ما تبت به الأمر ، وزعم أن قراءة الورد تعادل الالتزام بكذا وكذا من أمور الشرع آلاف المرات ، وكذلك ادعاء البعض الترفع عن طلب الأجر في عبادتهم لله وأنهم إنما يعبدون الله ولا يطمعون في جنة أو نار ، وأن عبادتهم حرة من طلب الأغيار وفعل التجار ، فهؤلاء قدموا أنفسهم على كتاب الله وما ثبت عن رسوله S من الأخبار ، وجعلوا أنفسهم أعلى مرتبة من سيد الخلق في عبادته للواحد القهار .(35/159)
ومن دعاء العبادة أيضا أن يتيقظ العبد لشهوته وهواه ، ويراقب في كل يوم حصيلة إيمانه وما قدمته يداه ، قبل أن يندم بين يدي الله حين لا ينفع الندم ، قال تعالى : ? كَلا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ? [الفجر:21/26] ، وقال ( : ? وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [المزمل:20] ، وقال : ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ? [الحشر:18] .
أما من جهة التسمية بعبد المقدم والتعبد بهذا الاسم فلم يتسم به أحد من السلف أو الخلف في مجال ما أجرينا عليه البحث الحاسوبي ، وأيضا جميع محركات البحث علي الإنترنت ، وهنيئا لمن سمى نفسه أو ولده بهذا الاسم ؛ فسيكون أول من تعبد لله به والله أعلم .
63- ( ( المؤخر :(35/160)
أثر الاسم على العبد أن يؤخر ما أخره الله ( ؛ فيراعي أحكام العبودية في تأخير ما أخره وتقديم ما قدمه ، قال تعالى : ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ? [الحجرات:1] ، وقد حذر الله ( مَن رَفعَ صوته في حضرة نبيه S وأنذره أن يُحْبط عمله ، فكيف بمن نحى حكمه ووصف شرعه بالرجعية ، وقدم عليه تشريعات وضعية ومناهج عَلمانية شيوعية ، روى مسلم من حديث أنس ( أنه قال : ( لمَّا نَزَل قول الله تعالى : ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ? [الحجرات:2] ، جَلسَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فِي بَيْتِهَِ وَقَال : أَنَا مِنْ أَهْل النَّارِ وَاحْتَبَسَ عَنِ النَّبِيِّ S ، فَسَأَل النَّبِيُّ S سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَال : يَا أَبَا عَمْرٍو مَا شَأْنُ ثَابِتٍ اشْتَكَى ؟ قَال سَعْدٌ : إِنَّهُ لجَارِي يا رسول الله ، وَمَا عَلمْتُ لهُ بِشَكْوَى ، قَال : فَأَتَاهُ سَعْدٌ فَذَكَرَ لهُ قَوْل رَسُول اللهِ S فَقَال ثَابِتٌ : أُنْزِلتْ هَذِهِ الآيَةُ ، وَلقَدْ عَلمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْفَعِكُمْ صَوْتًا على رَسُول اللهِ S فَأَنَا مِنْ أَهْل النَّارِ ، فَذَكَرَ ذَلكَ سَعْدٌ للنَّبِيِّ S ، فَقَال رَسُولُ اللهِ S : بَل هُوَ مِنْ أَهْل الجَنَّةِ ، فَكُنَّا نَرَاهُ يَمْشِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْل الجَنَّةِ ) (296) .(35/161)
فينبغي لمن وحد الله في اسمه المؤخر أن يحذر من تقديم ما أخره الله ولو اجتمع الخلق على تقديمه ، أو يؤخر ما قدمه ولو اجتمعوا على تأخيره ، فإن الدنيا ملك لله لا لهم ، ودخول الجنة بإذنه هو دون إذنهم ، وقد جعل الله النجاة في شرعه دون شرعهم ، وأخص بالذكر الحذر من دعاوي المبطلين في العبث بأحكام الله في نساء المسلمين ، فيؤخرونهن حيث قدمهن الله ، ويقدمونهن حيث أخرهن الله ، حتى أصبحت حياتهن ضياعا ، ووجودهن مجرد شهوة ومتاعا ، قدم الله النساء في صحبة الأبناء لهن ورعايتهن ، فأخروهن وأخرجوهن من بيوتهن وتركن رعاية أولادهن حتى أصبح الولد لا يرى أمه ، ولا يعرف إلا خادمته أو مربيته أو خادنته ، تقليد أعمى للمنحلين المتحررين من أوامر الله ، روى الإمام البخاري من حديث أبي هريرة ( أنه قال : ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ S فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : أُمُّكَ ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : أُمُّكَ ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ ) (297) .(35/162)
وأخر الله ( النساء حفاظا عليهن وصيانة لهن ، وقطعا لمرضى القلوب وطمعهم فيهن ، فجاء هؤلاء وأخرجوهن وخلعوا الستر والحياء عن وجوههن وأجسادهن وعوراتهن ووضعوهن فيما ليس من شأنهن ، وأقنعوهن بتحدي خالقهن ، وتأخير شرعه فيهن ، كل ذلك مزاحمة منهن للرجال في كل شيء ، وكأنهن يردن من ربهن أن يحولهن رجالا بدلا من قضائه وقدره الذي لا يرضيهن ، فتمردن على خالقهن وتحررن من إرادته لهن ، حتى أصبحن سلعة فاسدة وبضاعة كاسدة لا تصلح لبناء أمة تشرف نبيها S وتعتز بدينها ، ومن ثم فإن المسلمة التي وحدت الله في اسمه المؤخر عليها أن تطيع ربها ، ولا تعترض على قدرها في كونها امرأة ، فالله لما فضل الرجل في الإنفاق والقوامة أخرها في منزلها حفاظا عليها وطلبا للسلامة ، فهي المستفيدة أولا من سعيه وكسبه ، قال تعالى : ? الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ ? [النساء:34] ، ولما أخرها للوقوف في الصفوف للصلاة كان حفاظا على مكانتها وسلامتها وتقواها بين يدي الله ، روى مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا ) (298).(35/163)
ومن دعاء العبادة أيضا أن يأخذ المسلم بالرخصة في التقديم والتأخير ، ويتبع السنة في ذلك طالما صح فيه الدليل ، روى البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال : ( رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ S إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ في السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ ) (299) ، وعند مسلم من حديث أبي عطية أنه قال : ( دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَالَ لَهَا مَسْرُوقٌ : رَجُلاَنِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ S كِلاَهُمَا لاَ يَأْلُو عَنِ الْخَيْرِ ، أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ ، وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ ، فَقَالَتْ : مَنْ يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ ؟ قَالَ : عَبْدُ اللهِ ، فَقَالَتْ : هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ S يَصْنَعُ ) (300) .
أما من جهة التسمية بعبد المؤخر والتعبد لله بهذا الاسم فلم يتسم به أحد من السلف أو الخلف في مجال ما أجرينا عليه البحث الحاسوبي ، وأيضا جميع محركات البحث علي الإنترنت ، وهنيئا لمن سمى نفسه أو ولده بهذا الاسم فسيكون أول من تعبد لله به والله أعلم .
64- ( ( المليك :(35/164)
لما كان المليك يدل على الكمال المطلق في وصف الملك والملكية معا ، كان دعاء العبادة متمثلا في كمال التوحيد والعبودية وخضوع العبد لمليكه بالكلية ، فقلبه يطمئن بحبه ولسانه رطب بذكره ، وبدنه يسعى لقربه ، وقد كان النبي S يكثر من تسبيح الله باسمه الملك القدوس ويرفع صوته بذلك ، روى أبو داود وصححه الألباني من حديث أبي بن كعب ( أن رسول الله S كان إذا سلم في الوتر قال : ( سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ) (301) ، وروى النسائي وصححه الألباني من حديث بن أبزى ( أن النبي S : ( كَانَ يُوتِرُ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ، وقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، وَقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وَيَقُولُ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ : سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ ) (302) .(35/165)
وذكر أبو طالب المكي أن النفس مبتلاة بأربعة أوصاف ، أولها معاني صفات الربوبية نحو الكبر والجبرية وحب المدح والعز والغنى ، ومبتلاة بأخلاق الشياطين مثل الخداع والحيلة والحسد ، ومبتلاة بطبائع البدن وحب الأكل والشرب والنكاح ، وهي مع ذلك كله مطالبة بأوصاف العبودية مثل الخوف والتواضع والذل ، والنفس خلقت متحركة وأمرت بالسكوت ، وأنى لها ذلك إن لم يتداركها المليك ، وكيف تسكن بالأمر إن لم يسكنها محركها بالخير ، فلا يكون العبد عبدا مخلصا حتى يكون للمعاني الثلاثة مخلصا ، فإذا تحققت أوصاف العبودية كان خالصا من المعاني التي هي بلاؤه من صفات الربوبية ، فإخلاص العبودية للوحدانية عند العلماء الموحدين أشد من الإخلاص في المعاملة عند العاملين ، وبذلك رفعوا إلى مقامات القرب ، وذلك أنه لا يكون عندهم عبدا حتى يكون من المخالفات حرا ، فكيف يكون عبدَ رب وهو عبدُ عبد ؟ (303) روى البخاري عن أبي هريرة أن النبي S قال : ( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ ) (304) .
وبخصوص التسمية بعبد المليك والتعبد لله به ، فلم يتسم به أحد من السلف أو الخلف في مجال ما أجرينا عليه البحث الحاسوبي ، وأظهر البحث في الإنترنت بعضا من المسلمين في مصر تسموا به .
65- ( ( المقتدر :(35/166)
دعاء العبادة اعتقاد وقول وعمل ، أما الاعتقاد فالموحد يعتقد في تقدير الله وقدرته على جميع الموجودات ، ويؤمن بخلقه وتدبيره لجميع الكائنات ، وينزه الله ( أن يكون في ملكه شيء لا يقدر عليه ، فيثبت التقدير السابق على الخلق ، وأن العباد يعملون وفق ما قدره الحق ، وأن الله ( خلق الدنيا بأسباب تؤدي إلى نتائج ، وعلل تؤدي إلى معلولات ، وأن السبب والنتيجة أو العلة والمعلول مخلوقان بمراتب القدر وهما بين التقدير والقدرة ، سواء ارتبط المعلول بعلته أو انفصل عن علته ، فأهل اليقين ينظرون إلى الأسباب ويعلمون أن الله خلقها وهو الذي يقلبها بمراتب القدر وأنها في ترابطها أو انفصالها صادرة عن كمال الحكمة في ابتلاء العباد .
أما أثر الاسم في عبودية اللسان فيظهر حين يعلق الموحد أفعاله على مشيئة الله وقدرته ، سواء في ماضيه أو حاضره أو مستقبله ، وقد علمنا نبينا S أن الموحد يقول فيما وقع ومضى من الأحداث : قدر الله وما شاء فعل ، ولا يقل : لو كان كذا وكذا ، لكان كذا وكذا ، فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ، لاسيما بعد نفاذ التدبير ووقوع القدرة على التقدير ، وإنما يجوز للموحد أن يذكر ذلك فيما يستقبل لأنه لا يعلم ما ستجري به المقادير .(35/167)
أما رد الأمر إلي المشيئة والقدرة في الحاضر فيقول دائما : لا حولا ولا قوة إلا بالله عملا بما ورد في قول الله ( عن العبد الصالح : ? وَلوْلا إِذْ دَخَلتَ جَنَّتَكَ قُلتَ مَا شَاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ ? [الكهف:39] ، وهنا ينسب الموحد النعمة إلى المنعم ، ويرد الأمر فيها إلى مشيئة الله وقدرته ، فالعبد الصادق مؤمن بأن الله قائم بالقسط والتدبير ومنفرد بالمشيئة والتقدير ، يتولى تدبير شئون العالمين وهو في تقديره أحكم الحاكمين وخير الرازقين ، لا يطمع في سواه ولا يرجو إلا إياه ، ولا يشهد في العطاء إلا مشيئته ، ولا يرى في المنع إلا حكمته ، ولا يعاين في القبض والبسط إلا قدرته ، فعند ذلك يقول : ? وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللهِ عَليْهِ تَوَكَّلتُ وَإِليْهِ أُنِيبُ ? [هود:88] ، وأما رد الأمر إلي مشيئة وقدرته في المستقبل فهو كقول الله سبحانه وتعالى : ? وَلا تَقُولنَّ لشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلكَ غَداً إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُل عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدا ً? [الكهف:24] .
وأما ظهور توحيد الله في اسمه المقتدر وأثره على الفعل فيتجلى من خلال وسطية العبد في الأخذ بالأسباب والرضا بالنتائج بعد يقينه في تقدير مقلبها ، فلا يتغافل العبد عن قدرته بدعوى الانشغال في النظر إلى حكمته ، ولا يتواكل عن الأخذ بأسباب معيشته بدعوى الانشغال في النظر إلى قدرته ، فالله عز وجل يخلق بأسباب وبغير أسباب ، إن خلق بأسباب فهي العادات وهي حق وصدق ، وإن خلق بغير أسباب فهي خوارق العادات التي تُظهر قدرة الله في الخلق ، وهذا مقتضى التوحيد في اسم الله المقتدر .
وممن تسمى عبد المقتدر القاضي عبد المقتدر بن ركن الدين الشريحي سنان الدهلوي (ت:791) ، من أدباء الهند ، وله قصيدة لامية مشهورة (305) .
66- ( ( المسعر :(35/168)
أثر الاسم على سلوك العبد أن يتقي الله في معاملاته لاسيما إن كان من التجار فلا يستغل الناس في زيادة الأسعار ، أو يخفي الأقوات سعيا للاحتكار ، بل يكون حريصا على نفعهم ، صبورا على دَيْنِهم ، مراعيا لحاجتهم وفقرهم ، سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى ، روى البخاري من حديث جابر بن عبد الله ( أن رسول الله S قَالَ : ( رَحِمَ اللهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى ) (306) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي سعيد الخدري ( أَن النبي S قال : ( التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ ) (307) ، وورد عند أحمد وصححه الألباني من حديث أبي ذر ( أنه قال للنبي S : ( قُلْتُ وَمَنْ هَؤُلاَءِ الذِينَ يَشْنَؤُهُمُ اللهُ ؟ قَالَ : التَّاجِرُ الْحَلاَّفُ ، أَوْ قَالَ الْبَائِعُ الْحَلاَّفُ ، وَالْبَخِيلُ الْمَنَّانُ ، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ ) (308) .
وعند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث أبي سعيد ( أنه قال : ( كَانَ النَّبِيُّ S يَرْزُقُنَا تَمْرًا مِنْ تَمْرِ الْجَمْعِ فَنَسْتَبْدِلُ بِهِ تَمْرًا هُوَ أَطْيَبُ مِنْهُ وَنَزِيدُ فِي السِّعْرِ (309) ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : لاَ يَصْلُحُ صَاعُ تَمْرٍ بِصَاعَيْنِ وَلاَ دِرْهَمٌ بِدِرْهَمَيْنِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارُ بِالدِّينَارِ لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ وَزْنًا ) (310) ، ويقصد أن يبيعوا هذا التمر المخلوط أولا ثم يشتروا بثمنه من الطيب الجيد على قدر سعره .(35/169)
وعند أحمد من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَلاَ تَنَاجَشُوا ، وَلاَ يَزِيدُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ ) (311) ، قال العلماء : البيع على البيع حرام وكذلك الشراء على الشراء ، وهو أن يقول لمن اشترى سلعة في وقت الخيار ، افسخ البيع لأبيعك بأنقص ، أو يقول للبائع افسخ لاشترى منك بأزيد ، وقال طاوس لابن عباس ( ما قوله حاضر لباد ؟ قال : لا يكن له سمسارا ، وفي رواية : لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ، وفي رواية عن أنس ( قال : ( نهينا أن يبيع حاضر لباد ، وإن كان أخاه أو أباه ) (312) ، وذكر النووي أن هذه الأحاديث تتضمن تحريم بيع الحاضر للبادي ، والمراد به أن يقدم غريب من البادية أو من بلد آخر بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه ، فيقول له البلدي أو الحاضر اتركه عندي لأبيعه على التدريج بأعلى ، أما إذا كان المتاع مما لا يحتاج إليه البلد ولا يؤثر فيه لقلة ذلك الشيء المجلوب لم يحرم ، ولو خالف وباع الحاضر للبادي صح البيع مع التحريم وفي رواية صحيحة عند أحمد من حديث أبي هريرةَ ( أن رسول الله S قال : ( لاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ، التَّقْوَى هَا هُنَا ، التَّقْوَى هَا هُنَا ، التَّقْوَى هَا هُنَا ، يُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثاً ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ) (313) .(35/170)
وفي الموطأ من حديث سعيد بن المسيب ( : ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِحَاطِبِ بْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ وَهُوَ يَبِيعُ زَبِيبًا لَهُ بِالسُّوقِ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : إِمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي السِّعْرِ وَإِمَّا أَنْ تُرْفَعَ مِنْ سُوقِنَا ) (314) ، وتفصيل ذلك أن عمر ( مر على حاطب وهو يبيع زبيباً له بالسوق بأرخص مما يبيع الناس ، فقال له عمر بن الخطاب ( : إما أن تزيد في السعر ، بأن تبيع بمثل ما يبيع أهل السوق ، وإما أن ترفع من سوقنا لئلا تضر بأهل السوق ، فليس للواحد والاثنين البيع بأرخص مما يبيع أهل السوق دفعاً للضرر قال ابن رشد : وهو غلط ظاهر إذ لا يلام أحد على المسامحة في البيع والحطيطة فيه ، بل يشكر على ذلك إن فعله لوجه الناس ، ويؤجر إن فعله لوجه الله تعالى ، ولذلك تراجع عمر كما وردت القصة كاملة عند البيهقي من حديث القاسم بن محمد عن عمر ( : ( أَنَّهُ مَرَّ بِحَاطِبٍ بِسُوقِ الْمُصَلى وَبَيْنَ يَدَيْهِ غَرَارَتَانِ فِيهِمَا زَبِيبٌ ؛ فَسَأَلَهُ عَنْ سِعْرِهِمَا فَسَعَّرَ لَهُ مُدَّيْنِ لِكُلِّ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ( : قَدْ حُدِّثْتُ ببِعِيرٍ مُقْبِلَةٍ مِنَ الطَّائِفِ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَهُمْ يَعْتَبِرُونَ بِسِعْرِكَ ، فَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ فِي السِّعْرِ ، وَإِمَّا أَنْ تُدْخِلَ زَبِيبَكَ الْبَيْتَ فَتَبِيعَهُ كَيْفَ شِئْتَ ، فَلَمَّا رَجَعَ عُمَرُ حَاسَبَ نَفْسَهُ ثُمَّ أَتَى حَاطِبًا فِي دَارِهِ فَقَالَ لَهُ : إِنَّ الذِي قُلْتُ لَيْسَ بِعَزْمَةٍ مِنِّى وَلاَ قَضَاءٍ ، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ أَرَدْتُ بِهِ الْخَيْرَ لأَهْلِ الْبَلَدِ فَحَيْثُ شِئْتَ فَبِعْ وَكَيْفَ شِئْتَ فَبِعْ ) (315) ، وعند البخاري من حديث ابن عمر ( أن رسول اللهِ S قال : ( لاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلاَ تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى(35/171)
السُّوقِ ) (316) .
والقصد أن الرجل يأخذ بأسباب الرزق في تجارته وكسبه فيراقب الله في التعامل مع خلقه ، توحيدا لربه في اسمه المسعر .
وعبد المسعر لم يتسم به أحد في مجال ما أجرينا عليه البحث ، وأيضا جميع محركات البحث علي الإنترنت ، وهنيئا لمن سمى نفسه أو ولده بهذا الاسم فسيكون أول من تعبد لله به والله أعلم .
67- ( ( القابض :
الصادق في توحيده لاسم الله القابض لا يحمد مخلوقا ولا يذمه لأجل أنه أعطاه أو منعه ، فيعلم يقينا أن الله ( هو المعطي الأوّل قبل إجراء الأسباب على أيديهم وهو القابض الباسط ، فلم يشكر من كان سببا في رزقه إلا لأن الله مدحهم وأمره بشكرهم ، وإن ذم الذين كانوا سببا في منع رزقه أو مقتهم ، فلأجل مخالفتهم لله وموافقتهم لهوى أنفسهم ، فالله ( مدح المنفقين وذم الممسكين ، قال ( : ? الذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبُخْل وَمَنْ يَتَوَل فَإِنَّ اللهَ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيد ُ? [الحديد:24] ، وقال سبحانه وتعالى : ? وَلا يَحْسَبَنَّ الذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلهِ هُوَ خَيْراً لهُمْ بَل هُوَ شَرٌّ لهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ? [آل عمران:180] ، وقد وكل الله ملكين ينزلان من السماء ، أحدهما يدعو لكل منفق ، والآخر يدعو على كل ممسك ، فعند البخاري من حديث أَبي هريرة ( أن النبي S قال : ( ما مِن يومٍ يُصبحُ العِبادُ فيه إِلاَّ مَلكانِ يَنزِلانِ فيقولُ أحدُهما : اللهمَّ أعطِ مُنفِقاً خَلفا ، ويَقولُ الآخَرُ : اللّهمَّ أعطِ مُمسِكاً تلفاً ) (317) ، فحسن التوكل على الله ( من آثار الإيمان بتوحيده في اسمه القابض ، وسبب في الفرج وسعة الرزق ، فكل ما يناله العبد من الخير والعطاء فهو رزقه في سابق القضاء ، وما ناله فيه من الأحكام سيصله بالتمام ، والمكتوب(35/172)
أزلا لن يكون لغيره من الخلق أبدا ، ومن ثم يصبر عند البلاء ويشكر عند الرخاء ، روى البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قَالَ : ( يَقُولُ اللهُ تعالى مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلاَّ الْجَنَّةُ ) (318) .
وأما من التسمية بعبد القابض فلم يتسم به أحد في مجال ما أجرينا عليه البحث الحاسوبي وأيضا جميع محركات البحث علي الإنترنت ، وهنيئا لمن سمى نفسه أو ولده بهذا الاسم ؛ فسيكون أول من تعبد لله به والله أعلم .
68- ( ( الباسط :
أثر الإيمان بالاسم على العبد هو بسط القلب وانشراحه بتوحيد الله حيث يسعد بطاعته لربه ويأمل في رحمته وقربه ، قال تعالى : ? وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ? [التغابن:11] ، فالله ( يقبض القلوب بإعراضها ويبسطها للإيمان بإقبالها فيقلب للعبد نوازع الخير في قلبه ، وقرينه من الملائكة يهتف له بأمر ربه ، حتى يصبح قلبه على أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض ، وهذا هو البسط الحقيقي والتوفيق الإلهي في بلوغ العبد درجة الإيمان ، فيجد المبسوط نورا يضيء له الجنان وسائر الجوارح والأركان ، روى البخاري من حديث ابن عباس أن النبي S كان يقول في دعائه : ( اللهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا ، وَفِي بَصَرِي نُورًا ، وَفِي سَمْعِي نُورًا ، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا ، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا ، وَفَوْقِي نُورًا ، وَتَحْتِي نُورًا ، وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا ، وَاجْعَلْ لِي نُورًا ) (319) .(35/173)
ومن دعاء العبادة اعتقاد الموحد أن الطاعة سبب في بسط الرزق ، وأن بسطه ابتلاء من الله للعبد ، فينبغي أن يشكر عند بسطه وأن يصبر عند قبضه ، وروى البخاري من حديث عبد الرحمن بن عوف ( : ( أنه أُتِىَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ : قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّى ، كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ ، إِنْ غُطِّىَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ ، وَإِنْ غُطِّىَ رِجْلاَهُ بَدَا رَأْسُهُ ، وَأُرَاهُ قَالَ : وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّى ، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ ، أَوْ قَالَ : أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِى حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ ) (320) .(35/174)
وعند البخاري أيضا من حديث عمرو بن عوف ( قال : ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ S وسلم بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا وَكَانَ رَسُولُ اللهِ S هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِهِ فَوَافَتْهُ صَلاَةَ الصُّبْحِ مَعَ رَسُولِ اللهِ S فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآهُمْ وَقَالَ : أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَنَّهُ جَاءَ بِشَيْءٍ قَالُوا : أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ ، فَوَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ ) (321) ، وعند مسلم من حديث أنس ( قال : ( حَضَرَتِ الصَّلاَةُ ، فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ مِنَ الْمَسْجِدِ يَتَوَضَّأُ وَبَقِىَ قَوْمٌ ، فَأُتِىَ النَّبِيُّ S بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ ، فَوَضَعَ كَفَّهُ ، فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ ، فَضَمَّ أَصَابِعَهُ فَوَضَعَهَا فِي الْمِخْضَبِ ، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ، سئل أنس ( : كم كَانُوا ؟ قَالَ : ثَمَانُونَ رَجُلاً ) (322) .
ومن أسباب بسط الرزق صلة الرحم ، روى البخاري من حديث أبي هريرة ( قال : سمعت رسول الله S يقول : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) (323) .(35/175)
وممن تسمى عبد الباسط ، الشيخ زين الدين عبد الباسط بن أحمد المكي (ت:853) ، نظم كتاب غاية المطلوب في قراءة خلف وأبى جعفر ويعقوب (324) .
69- ( ( الرازق :
أثر الاسم في سلوك العبد يقتضي إفراد الله بتقدير الأرزاق والمنع والعطاء والتوكل عليه في الشدة والرخاء ، اعتقادا منه أنه لا خالق إلا الله ولا مدبر للكون سواه ، وأن الذي يرزق بأسباب قادر على أن يرزق من غير أسباب طالما أنه الخالق الرازق المدبر ، فليس للعبد سبيل في طلب الرزق بعد الأخذ بالأسباب إلا تقوى الله ، قال تعالى : ? وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ? [الطلاق:3] .
وذا علم العبد أن الله قائم بالرزق والتدبير ومنفرد بالمشيئة والتقدير ، وعلم أيضا أنه قابض على نواصي الملك وله خزائن السماوات والأرض ، وأنه أحكم الحاكمين وخير الرازقين ، إذا علم العبد ذلك أيقن أن الملك من فوق عرشه كفيل بأمره ورزقه فتوكل عليه وانقطع إليه ، لا يطمع في سواه ولا يرجو إلا إياه ، ولا يشهد في العطاء إلا مشيئته ولا يرى في المنع إلا حكمته ولا يعاين في القبض والبسط إلا قدرته ، عند ذلك يحقق توحيد الله في اسمه الرازق .(35/176)
قال تعالى : ? إِنَّ الذينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دَونِ اللّه لاَ يَمْلكُونَ لكُمْ رِزْقَاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللّه الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ ? [العنكبوت:17] ، وقال سبحانه أيضا : ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ? [فاطر:3] ، وقال ( : ? قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ? [يونس:31] .
أما من جهة التسمية بعد الرزاق فقد تسمى به عبد الرازق بن رزق الله بن أبي بكر بن خلف ، الإمام الحافظ المفسر عز الدين أبو محمد الرسعني الحنبلي المحدث كان عالما ومفسرا صاحب التأليف في التفسير ، كان تسمية تفسيره الرمز الكنيز في تفسير الكتاب العزيز ، وكان إماما محدثا أديبا شاعرا دينا صالحا ، وقد كانت وفاته في شهر ربيع الآخر في سنة إحدى وستين وستمائة (325) .
70- ( ( القاهر :
أثر الاسم على العبد الخضوع التام لله ( توحيدا له في اسمه القاهر ، والاستعلاء على الأعداء بعزة الإسلام ثقة ويقينا في اسمه القاهر ، روى مسلم من حديث عقبة بن عامر ( أن رسول الله S قال : ( لاَ تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللهِ قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ) (326) .(35/177)
والله ( وعد المؤمنين بالعلو والتمكين والنصرة والغلبة فقال : ? كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيز ٌ? [المجادلة:21] ، وقال : ? وَمَنْ يَتَوَل اللهَ وَرَسُولَهُ وَالذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ? [المائدة:56] ، وقال سبحانه : ? وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون َ? [الصافات:173] ، ورتب ( ذلك على توحيد العبد لربه والتجائه إليه ، ثم صدق التوكل عليه ، ثم الأخذ بأسباب القوة ما استطاع إلى ذلك سبيلا فقال تعالى : ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ? [محمد:7] ، وقال ( : ? إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ? [آل عمران:160] ، وقال ( : ? وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ٌ? [الأنفال:60] .
وممن تسمى بالتعبد للاسم أبو رفاعة عبد القاهر بن السري السلمي البصري من الطبقة السابعة للرواة كبار أتباع التابعين روى عنه أبو داود وغيره (327) .
71- ( ( الديان :(35/178)
أثر الاسم ومقتضاه أن يحاسب العبد نفسه على كسبه استعدادا للقاء ربه ، فيوازن بين مقدار ما يكتسبه من الخير أو البعد عن الشر ، بحيث لا تشتبه عليه الفتنة بالنعمة فينظر إلى ما أنعم الله به عليه من خير ، صحة كان أو فراغا ، أو علما أو طاعة ، أو مالا أو سؤددا ، أو غير ذلك مما يعد كمالا له في الدنيا ، فإن وجد ذلك مما يقربه إلى الله شكره على نعمته وسعى بالمزيد من توحيده وعبوديته ، وإن وجد تقصيرا وبعدا التجأ إلى الله أن ينجيه ، واستغاث به من عذابه وفتنته ، قال تعالى : ? اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ? [الأنبياء:1] ، وقال ( : ? فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِي إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِي ? [الحاقة:20] .
قال أبو طالب المكي : ( صورة المحاسبة أن يقف العبد وقفة عند ظهور الهمة وابتداء الحركة ، ثم يميز الخاطر ، وهو حركة القلب والاضطراب ، وهو تصرف الجسم ، فإن كان ما خطر به الخاطر من الهمة التي تقتضي نية أو عقدا أو عزما أو فعلا أو سعيا ، إن كان لله عز وجل وبه وفيه ، أمضاه وسارع في تنفيذه ، وإن كان لعاجل دنيا ، أو عارض هوى ، أو لهو وغفلة ، سرى بطبع البشرية ووصف الجبلة نفاه وسارع في نفيه ، ولم يمكن الخاطر من قلبه بالإصغاء إليه والمحادثة ) (328) .(35/179)
والمحاسبة الحق أن ينشر العبد لكل فعلة فعلها وإن صغرت ثلاثة دواوين ، الديوان الأول : لم فعلت ؟ وهذا موضع الابتلاء عن وصف الربوبية بحكم العبودية ، أي كان عليك أن تعمل لمولاك أم كان ذلك منك بهواك ؟ فإن سلم من هذا الديوان بأن كان عليه أن يعمل كما أمر ربه ، سأل نفسه عن الديوان الثاني : كيف فعلت هذا ؟ وهو مكان المطالبة بالعلم والسنة ، أبعلم فعلت أم بجهل ؟ فإن الله تعالى لا يقبل عملا إلا خالصا لوجهه موافقا لسنة نبيه S ، فإن سلم من هذا نشر الديوان الثالث ، لمن فعلت ؟ ، وهذا طريق التعبد بالإخلاص لوجه الربوبية ، وهو بغية الله ( من خلقه الذين يمتنعوا عن إغواء الشيطان قال تعالى : ? قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِين ? [الحجر:39/40] (329) .
ويروى عن عمر ( أنه قال : ( حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا ) (330) .(35/180)
وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِس فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ ، فَقَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ؛ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ) (331) ، ومن دعاء العبادة اعتقاد العبد أن الحكم الديان لا يسوي بين مختلفين ، أو يفرق بين متماثلين ، سبحانه تنزه عن الجور والظلم فحكمه وعدله يأبى ذلك لمقتضى هذه الأسماء ، ومن هنا ميز بين أهل الجنة والنار ، والمؤمنين والكفار ، فقال رب العزة والجلال : ? أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ? [القلم:36] ، فأخبر أن هذا حكم باطل جائر ، يستحيل نسبته إليه كما يستحيل نسبة الفقر والحاجة والظلم إليه (332) .(35/181)
ومن دعاء العبادة أن الموحد يحاسب الناس على ما ظهر منهم ويكل بواطنهم للحسيب الديان ، وأن ييسر في الديْن عن المعسرين ويتجاوز عن الفقراء والمساكين روى البخاري من حديث عمر ( قال : ( إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْي في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ S ، وَإِنَّ الْوَحْي قَدِ انْقَطَعَ ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيءٌ ، اللهُ يُحَاسِبُهُ في سَرِيرَتِهِ ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ ) (333) ، وروى مسلم من حديث أبي مسعود ( أن رسول الله S قال : ( حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيءٌ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَكَانَ مُوسِرًا فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ قَالَ : قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَل : نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ تَجَاوَزُوا عَنْهُ ) (334).
ومن جهة التسمية بعبد الديان ، فلم يتسم به أحد من السلف والخلف في مجال ما أجرينا عليه البحث ، وإن كانت محركات البحث على الإنترنت قد أظهرت اسما لرجل مصري وآخر أفغاني .
72- ( ( الشاكر :
دعاء العبادة هو توحيد العبد لربه في اسمه الشاكر ، وهذا يوجب عليه شكر الله ( على نعمه السابغة ، وشكر الناس على ما أجرى الله ( على أيديهم من الأسباب روى أبو داود وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( لاَ يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ ) (335) .(35/182)
وعند أحمد وصححه الألباني من حديث عبد الرحمن بن شبل ( أن رسول اللهِ S قال : ( إِنَّ الْفُسَّاقَ هُمْ أَهْلُ النَّارِ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ : وَمَنِ الْفُسَّاقُ ؟ قَالَ : النِّسَاءُ قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ أَوَلَسْنَ أُمَّهَاتِنَا وَأَخَوَاتِنَا وَأَزْوَاجَنَا ؟ ، قَالَ : بَلَى وَلَكِنَّهُنُّ إِذَا أُعْطِينَ لَمْ يَشْكُرْنَ ، وَإِذَا ابْتُلِينَ لَمْ يَصْبِرْنَ ) (336) ، وفي سنن الترمذي وصححه الألباني من حديث ثوبان ( أنه قال : ( لما نزلت : ? الذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ? [التوبة:34] قال : كنا مع النبي S في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه ( : أنزل في الذهب والفضة ما أنزل ، لو علمنا أي المال خير فنتخذه ، فقال : ( أَفْضَلُهُ لِسَانٌ ذَاكِرٌ وَقَلْبٌ شَاكِرٌ ، وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ ) (337).
وعبد الشاكر لم يتسم به أحد من السلف والخلف في مجال ما أجرينا عليه البحث ، ووجد بالبحث على الإنترنت بعضا ممن تسمى به من أهل مصر .
73- ( ( المنان :
أثر الاسم على العبد أن يجود بنفسه وماله في سبيل دينه وإخوانه ، رغبة في القرب من ربه ، روى البخاري من حديث عبد الله بن عباس ( قال : ( خَرَجَ رَسُولُ اللهِ S في مَرَضِهِ الذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبٌ رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَي فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبي بَكْرِ بْنِ أَبِى قُحَافَةَ ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً ، وَلَكِنْ خُلةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ ، سُدُّوا عَنِّي كُل خَوْخَةٍ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ ) (338) .(35/183)
ويقول تعالى : ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ? [البقرة:264] والمَنُّ هاهنا أَن تَمُنَّ بما أَعطيت وتعتدّ به كأَنك إِنما تقصد به الاعتداد ، والأَذى أَن تُوَبِّخَ المعطَى ، فأَعلم الله أَن المَنَّ والأَذى يُبْطِلان الصدقة (339) .
وقال ? : ? وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ? [المدثر:6] ، أَي لا تُعْطِ شيئا مقدَّرا لتأْخذ بدله ما هو أَكثر منه (340) ، وورد عند أحمد وصححه الألباني من حديث أبي ذر ( أنه قال للنبيِ S : ( قُلْتُ : وَمَنْ هَؤُلاَءِ الذِينَ يَشْنَؤُهُمُ اللهُ ؟ قَالَ : التَّاجِرُ الْحَلاَّفُ أَوْ قَالَ : الْبَائِعُ الْحَلاَّفُ وَالْبَخِيلُ الْمَنَّانُ ، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ ) (341) .
وعبد المنان لم يتسم به أحد من السلف والخلف في مجال ما أجرينا عليه البحث ووجد على محركات البحث بالإنترنت بعضا ممن تسمى به في هذا العصر .
74- ( ( القادر :(35/184)
دعاء العبادة يظهر من خلال إيمان العبد بعلم الله السابق وتقدير الأشياء ، وأن ذلك سر الله في خلقة لا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، وأن هذا العلم هو علم مفاتح الغيب وتقدير الأمور ، قال تعالى : ? إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَليمٌ خَبِيرٌ ? [لقمان:34] ، وقال : ? قُل لا يَعْلمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ? [النمل:65] ، وقال : ? قُل أَنْزَلهُ الذِي يَعْلمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً ? [الفرقان:6] .
روى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو ( أن رسول الله S قال : ( كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، قَالَ : وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) (342) ، وعند أبى داود وصححه الشيخ الألباني من حديث عبادة بن الصامت ( أن رسول الله S قال : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ : اكْتُبْ ، قَالَ : رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ ؟ قَالَ : اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ) (343) .(35/185)
فالذي وحد الله في اسمه القادر يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه فقدر ذلك تقديرا محكما مبرما ليس فيه ناقض ولا معقب ولا مزيل ولا مغير ، وأن الله ( قد علم أن الأشياء تصير موجودة لأوقاتها على ما اقتضته حكمته البالغة فكانت كما علم ؛ وإن حصول المخلوقات على ما فيها من غرائب الحكم لا يتصور إلا من عالم قد سبق علمه على إيجادها ، كما قال تعالى : ? أَلا يَعْلمُ مَنْ خَلقَ وَهُوَ اللطِيفُ الخَبِيرُ ? [الملك:14] ، فيستحيل حدوث شيء أو وجود فعل بدون علمه وقدرته ؛ فلا يخرج عن قدرته مقدور ، ولا ينفك عن حكمه مفطور ، ولا يعذب عن علمه معلوم ، يفعل ما يريد ، ويخضع لحكمه العبيد ، ولا يجرى في سلطانه إلا ما يشاء ، ولا يحصل في ملكه إلا ما سبق به القضاء ، ما علم أنه يكون من المخلوقات أراد أن يكون ، وما علم أنه لا يكون أراد ألا يكون ، فإذا كان هذا اعتقاد الموحد في اسمه القادر ركن إلى ربه واعتمد عليه ولم يخش أحدا سواه ، وروى الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عباس ( قَال : ( كُنْتُ خَلفَ رَسُول اللهِ S يَوْمًا فَقَال : يَا غُلامُ إِنِّي أُعَلمُكَ كَلمَاتٍ ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلتَ فَاسْأَل اللهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ ، وَاعْلمْ أَنَّ الأُمَّةَ لوِ اجْتَمَعَتْ عَلى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لكَ ، وَلوِ اجْتَمَعُوا عَلى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَليْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ) (344) .(35/186)
ومن آمن باسم الله القادر لم يأت عرافا ولا منجما ولا كاهنا ولا مدعيا معرفة الغيب ؛ لأن علم التقدير سر بيد القادر وحده ، لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل (345) ، روى مسلم عن بعض أزواج النبي S أن النبي S قال : ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلهُ عَنْ شَيْءٍ لمْ تُقْبَل لهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ ليْلةً ) (346) ، ولا ينبغي للموحد أن يعارض العلم السابق والتقدير الحتمي بالتواكل والاستناد للمذهب الجبري .
روى البخاري من حديث على بن أبي طالب ( أنه قَال : ( كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الغَرْقَدِ ، فَأَتَانَا النَّبِيُّ S فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلهُ ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ ؛ فَنَكَّسَ ؛ فَجَعَل يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَال : مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِلا قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً ، فَقَال رَجُلٌ : يَا رَسُول اللهِ أَفَلا نَتَّكِلُ عَلى كِتَابِنَا وَنَدَعُ العَمَل ؟ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْل السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلى عَمَل أَهْل السَّعَادَةِ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْل الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلى عَمَل أَهْل الشَّقَاوَةِ ؟ قَال رسول الله S : أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لعَمَل السَّعَادَةِ ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لعَمَل الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ : ? فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لليُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِل وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ للعُسْرَى ? [الليل:5/10] ) (347) .(35/187)
وممن تسمى بالتعبد لاسم الله القادر الحافظ أبو محمد الرهاوي عبد القادر بن عبد الله ، سمَّع على أبي زرعة طاهر بن محمد المقدسي سنن ابن ماجه ، وعلى نصر بن سيار جامع الترمذي ، ومات في ثاني جمادى الأولى سنة اثنتي عشر وستمائة (348) .
75- ( ( الخلاق :
دعاء العبادة هو يقين الشخص وإيمانه بالاسم ومقتضاه ؛ فيؤمن بكمال علم الله وحكمته ، وأنه الذي يبدع في خلقه كما وكيفا بكمال قدرته ، وأن الله لا يعجزه شيء في ملكه ، وهو سبحانه غالب على أمره ، خلق الدنيا بأسباب تؤدي إلى نتائج وعلل تؤدي إلى معلولات ، السبب والنتيجة أو العلة والمعلول مخلوقان بعلم الله ومشيئته ، وقدرته المطلقة على الخلق ، سواء ارتبط المعلول بعلته أو انفصل عن علته أو ارتبط السبب بنتيجته أو انفصل عن نتيجته ، كل ذلك لا يؤثر في قدرة الخلاق ولا يحد من الكمال والإطلاق ، ولكن ترابط العلل والأسباب أو انفصالها ظاهر عن كمال العدل والحكمة .(35/188)
ولمزيد من البيان في كيفية الإيمان بمقتضى اسم الله الخلاق يمكن القول إن الله ( جعل الحياة مبنية على ترابط الأسباب بحيث لا يخلق النتيجة إلا إذا خلق السبب أولا ولا يخلق المعلول إلا إذا خلق علته أولا ، فلا يخلق النبتة إلا إذا خلق البذرة ، ولا يخلق الثمرة إلا إذا خلق النبتة ، لا يخلق الابن إلا إذا أوجد الأب والأم ، ومن هنا ظهرت الأسباب للعقلاء كابتلاء يصح من خلاله معنى البديهيات ، وصحة التجارب والمعادلات ، فأهل اليقين ينظرون إلى الأسباب ويعلمون أنها صادرة عن الخلاق وأن الله ( تارة ينسب الفعل إليه لأنه الخالق بتقدير وقدرة ، وتارة ينسب الفعل إلى عباده عند دعوتهم إلى العمل في الأسباب بمقتضى الشريعة والعقل والحكمة ، فمرة يقول سبحانه في بيان التقدير والقدرة : ? أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ? [الواقعة:64] ، وقال أيضا : ? فَليَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا المَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلا وَحَدَائِقَ غُلبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَتَاعًا لكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ ? [عبس:32:24] ، فنفى عن الناس خلقهم لأفعالهم وتأثير الأسباب بمفردها في أرزاقهم ، وأثبت لنفسه تصريف الأسباب وانفراده بخلقها وتقليبها لأنه الخالق الخلاق على الحقيقة ، فهو الذي علم وكتب وشاء وخلق ، قدر كل شيء بعلمه ، وكتبه في أم الكتاب بقلمه ، وأمضاه بمشيئته ، وخلقه بقدرته ، ثم أمر الناس أن يأخذوا بالأسباب التي خلقها وأحكم ابتلاءهم بها فقال : ? تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلهِ إِلا قَليلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ ? [يوسف:47] ، وقال تعالى أيضا : ? يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ليَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ ? [الفتح:29] ، فسماهم زراعا وقال تزرعون وسماهم(35/189)
كفارا لأنهم يضعون البذرة ويغطونها ويغيبونها في الأرض ، فكلفنا بالعمل لأننا في دار ابتلاء وامتحان ، والأخذ بالأسباب حتم على بني الإنسان ؛ فهم مستخلفون في ملكه ومخولون في أرضه ، فطالبنا بالعمل والإنفاق مع الإيمان بأنه الخلاق ؛ ليصل كل منا إلي ما قدر له من الأرزاق ، فقال ( : ? آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلكُمْ مُسْتَخْلفِينَ فِيهِ فَالذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لهُمْ أَجْرٌ كَبِير ٌ? [الحديد:7] .
ومن ثم فإن الدنيا دار ابتلاء وامتحان ، ولا بد أن يجتازها الإنسان ، وهو فيها بين نازعين نفسيين متقابلين ومتضادين ، وبين نجدين معروضين مطروحين بين إرادته ومخير فيهما بحريه إما إلى جنة وإما إلى نار ، كل ذلك ليؤول الناس إلى سابق التقدير وما دون في الكتاب من تقرير المصير ، لا تغير فيه ولا تبديل ، قال تعالى : ? فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ? [الشورى:7] .(35/190)
فالخلاق سبحانه أظهر الدنيا أسبابا ونسب الفعل إلى أهلها لإظهار حكمته ونسب الفعل وأثبته لنفسه في موضع آخر لإظهار قدرته ، فلا يتغافل العبد عن قدرته بدعوى الانشغال في النظر إلى حكمته ، وأن الأسباب حاكمة على مشيئة الله وقدرته ، وأنها صارمة لا يمكن أن يتخلف المعلول فيها عن علته ، فالله ( يخلق بأسباب وبغير أسباب ، إن خلق بأسباب فهي العادات ، وإن خلق بغير أسباب فهي خوارق العادات أو الكرامات والمعجزات ، فتجد الثمرة يخلقها الله بعد خلق النبتة ويربط خلق الثمرة بوجودها ، ويمكن أن يخلق الثمرة من غير نبتة ويصبح وجودها كعدمها ، فهذه مريم ابنة عمران كانت تأكل من الثمار بدون أسباب في غير أوانها قال تعالى : ? كُلمَا دَخَل عَليْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَال يَا مَرْيَمُ أَنَّى لكِ هَذَا قَالتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ? [آل عمران:37] ، قيل أنها كانت ترزق بفاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف (349) ، وهى قد علمت أن الذي يخلق الثمرة بأسباب قادر على أن يخلقها بغير أسباب ، ويرزق من يشاء من عبيده بغير حساب ، ولذلك كان من قوة يقينها أن الله اختارها محلا للابتلاء ، وأنها ستحمل على غير عادة النساء ، ويخرج منها عيسى ( كمعلول بغير علة ونتيجة بلا سبب ، قال تعالى : ? فَأَرْسَلنَا إِليْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّل لهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا قَال إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لكِ غُلامًا زَكِيًّا قَالتْ أَنَّى يَكُونُ لي غُلامٌ وَلمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلمْ أَكُنْ بَغِيًّا قَال كَذَلكِ قَال رَبُّكِ هُوَ عَليَّ هَيِّنٌ وَلنَجْعَلهُ آيَةً للنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا قَال كَذَلكِ قَال رَبُّكِ هُوَ عَليَّ هَيِّنٌ وَلنَجْعَلهُ آيَةً للنَّاسِ(35/191)
وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ? [مريم21:17].
والمقصود بقوله هين أن خوارق العادات لا تأخذ في مراتب القدر ما تأخذه العادات ، فالولد مثلا في العادة يخلق من أب وأم ، وفي خرق العادة من أم فقط فالخلق في العادة أكثر منه في خارق العادة ، فعند المقارنة الحسابية وطرح الخوارق من العادات تكون الخوارق أهون وأيسر ، وإن كان كل شيء على الله يسير ، لكن المراد أن يفهم سائر العباد أن قضية البعث والإعادة قضية حقيقية ، وأن ذلك من الأمور اليقينية الحتمية ، وهي يسيرة على الخلاق ، قال تعالى : ? وَهُوَ الذِي يَبْدأُ الخَلقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَليْهِ وَلهُ المَثَلُ الأَعْلى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ? [الروم:27] ، وقال : ? أَوَليْسَ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلهُمْ بَلى وَهُوَ الخَلاقُ العَليمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُول لهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الذِي بِيَدِهِ مَلكُوتُ كُل شَيْءٍ وَإِليْهِ تُرْجَعُونَ ? [يّس:83] .
والله عز وجل قد يخلق العلة ولا يخلق معلولها كما فعل بإبراهيم ( : ? قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلينَ قُلنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْرَاهِيمَ ? [الأنبياء:69] ، أضرموا نارا لا يقوى الطير على المرور من فوقها ، وقد توفرت لهم العلة ولكن الله لم يخلق معلولها .(35/192)
وعند البخاري من حديث أنس بنِ مالكٍ ( : ( أنَّ يَهودِيَّةً أتَتِ النبيَّ S بشاةٍ مَسمومَةٍ فأكَل منها فجيء بها ، فقيل : ألا نقتُلُها ؟ ) (350) ، وفي رواية مسلم : ( فجيء بِهَا إِلى رَسُول اللهِ S فَسَأَلهَا عَنْ ذلكَ ؟ فَقَالتْ : أَرَدْتُ لأَقْتُلكَ ، قَال : مَا كَانَ اللهُ ليُسَلطَكِ عَلى ذَاكِ ، أَوْ قَال : عَليَّ ، قَال قَالُوا : أَلاَ نَقْتُلها ؟ قَال لاَ ) (351) ، فالسم علة تخلف معلولها ولم تؤثر في رسول الله S .
وقد يخلق المعلول بلا علة ، كما خلق ناقة صالح من الجبل : ? وَإِلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالحاً قَال يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُل فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَليمٌ ? [الأعراف:73] .(35/193)
وعند البخاري من حديث عبدِ الرحمنِ بنِ أبي بكرٍ ( : ( أنَّ أصحابِ الصُّفَّةِ كانوا أُناساً فُقراءَ ، وأَنَّ النبيَّ S قال : مَن كان عندَهُ طعامُ اثنينِ فليَذْهَبْ بثالثٍ وإِنْ أَربعٌ فخامسٌ أو سادس ، وإنَّ أَبا بكرٍ جاءَ بثلاثةٍ فانطلقَ النبيُّ S بعشَرةٍ ، قال: فهوَ أَنا وَأَبي وَأُمي وخادِمٌ بينَنا وبينَ بَيتِ أبي بكر ، وإِنَّ أَبا بكرٍ تَعشَّى عندَ النبيِّ S ثم لبِثَ حيثُ صُليَتِ العِشاءُ ، ثم رجعَ فلبِثَ حتّى تعَشَّى النبيُّ S ، فجاءَ بعدَ ما مضى مِنَ الليل ما شاءَ اللهُ ، قالت له امرأَتهُ : وما حبَسكَ عن أضيافِكَ ؟ قال : أَوَ ما عَشيِتيهم ؟ قالت : أَبَوا حتّى تَجيء ، قد عُرِضوا فأَبَوا ، قال : فذهبتُ أَنا فاختبأْتُ ، فقال: يا غُنثَرُ ، فجدَّعَ وسَبَّ ، وقال : كُلوا لا هَنِيّاً فقال : وَاللهِ لا أَطعَمُه أبداً ، وأَيمُ اللهِ ، ما كنا نأْخُذُ من لُقمةٍ إلاّ رَبا من أَسْفلها أكثرُ منها قال : يعني حتى شَبِعُوا ، وصارتْ أَكثَرَ مِما كانت قبل ذلك ، فنظرَ إِليها أبو بكرٍ فإِذا هيَ كما هيَ أو أكثرُ ، فقال لامرأتِه : يا أُختَ بني فِراسٍ ما هذا ؟ قالت : لا وقُرَّةِ عيني لهيَ الآنَ أَكثرُ منها قبل ذلكَ بثلاثِ مرّاتٍ ، فأَكل منها أبو بكرٍ وقال : إِنما كان ذلكَ منَ الشيطانِ ، يعني يَمينَهُ ، ثمَّ أَكل منها لُقمةً ، ثمَّ حَملها إِلى النبيِّ S فأصبحتْ عندَه ، وكان بينَنا وبينَ قومٍ عَقدٌ فمضى الأجلُ ففرَّقَنا اثْنَيْ عشرَ رجُلاً ، معَ كل رجلٍ منهم أُناسٌ اللهُ أعلم كم مَع كل رجُلٍ ، فأكلوا منها أجمعون ، أَو كما قال ) (352).(35/194)
وعند البخاري من حديث أنس بن مالك ( قال : ( أُتِيَ النَّبِيُّ S بِإِنَاءٍ وَهُوَ بِالزَّوْرَاءِ ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ ، فَجَعَل المَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ ؛ فَتَوَضَّأَ القَوْمُ ، قَال قَتَادَةُ : قُلتُ لأَنَسٍ : كَمْ كُنْتُمْ ؟ قَال ثَلاثَ مِائَةٍ أو قريبا من ذلك ) (353) .
قال ابن القيم : ( الأسباب مظهر حكمته وحمده ، وموضع تصرفه لخلقه وأمره فتقدير تعطيلها تعطيل للخلق والأمر ، وهو أشد منافاة للحكمة وإبطالا لها ، واقتضاء هذه الأسباب لمسبباتها كاقتضاء الغايات لأسبابها ، فتعطيلها منها قدح في الحكمة وتفويت لمصلحة العالم التي عليها نظامه وبها قوامه ، وأن الرب سبحانه قد يخرق العادة ويعطلها عن مقتضياتها أحيانا إذا كان فيه مصلحة راجحة على مفسدة فوات تلك المسببات ، كما عطل النار التي ألقى فيها إبراهيم وجعلها عليه بردا وسلاما عن الإحراق لما في ذلك من المصالح العظيمة ، وكذلك تعطيل الماء عن إغراق موسى وقومه وعما خلق عليه من الإسالة والتقاء أجزائه بعضها ببعض هو لما فيه من المصالح العظيمة والآيات الباهرة والحكمة التامة التي ظهرت في الوجود ، وترتب عليها من مصالح الدنيا والآخرة ما ترتب ، فهكذا سائر أفعاله سبحانه مع أنه أشهد عباده بذلك أنه مسبب الأسباب ، وأن الأسباب خلقه وأنه يملك تعطيلها عن مقتضياتها وآثارها ، وأن كونها كذلك لم يكن من ذاتها وأنفسها ، بل هو الذي جعلها كذلك وأودع فيها من القوى والطبائع ما اقتضت به آثارها ، وأنه إن شاء أن يسلبها إياها سلبها ، لا كما يقول أعداؤه من الفلاسفة والطبائعيين وزنادقة الأطباء أنه ليس في الإمكان تجريد هذه الأسباب عن آثارها وموجباتها ، ويقولون لا تعطيل في الطبيعة وليست الطبيعة عندهم مربوبة مقهورة تحت قهر قاهر وتسخير مسخر يصرفها كيف يشاء ، بل هي المتصرفة المدبرة ، ولا كما يقول من نقص علمه ومعرفته بأسرار مخلوقاته وما أودعها من(35/195)
القوى والطبائع والغرائز ، وبالأسباب التي ربط بها خلقه وأمره وثوابه وعقابه ، فجحد ذلك كله ورد الأمر إلى مشيئة محضة مجردة عن الحكمة والغاية ، وعن ارتباط العالم بعضه ببعض ارتباط الأسباب بمسبباتها والقوى بمحالها ) (354).
ومن ثم فإن الإيمان بأن الله ( هو الخلاق يقتضي الإيمان بشرع الله وقدره على الإطلاق ، وأن كل ما أخبر به عن البعث والجنة والنار حق لا ريب فيه ، روى مسلم من حديث عبادة بن الصامت ( أن رسول اللهِ S قال : ( مَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَابْنُ أَمَتِهِ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ ) (355) ، وما أحسن قول القائل :
يمضى الزمان وكل فان ذاهب إلا جميل الذكر فهو الباقي
لم يبق من إيوان كسرى بعد ذاك الحفل إلا الذكر في الأوراق
هل كان للسفاح والمنصور والمهدي من ذكر على الإطلاق
رجع التراب إلى التراب بما اقتضت في كل خلق حكمة الخلاق (356) .
وممن تسمى عبد الخلاق ، الشيخ الإمام زين الدين عبد الخلاق بن أحمد بن الفرزان الحنبلي في هذه السنة توفي بنابلس سنة ثمان وأربعين وثمانمائة (357) .
76- ( ( المالك :(35/196)
دعاء العبادة بالاسم يتوجه المسلم من خلاله في عقيدته وسلوكه إلى أنه عبد في ملك سيده مستخلف في أرضه أمين على ملكه ، قد ابتلاه فيما أعطاه وامتحنه واسترعاه ، أيرد الملك إلى المالك أم ينسب للمخلوق أوصاف الخالق ؟ فيتكبر على العباد بنعم الله ويتعالى عليهم بما منحه وأعطاه ، فالموحد الصادق يتحرى في قوله وفعله توحيد الله في اسمه المالك ، لا يتوكل إلا عليه ، ولا يلجأ إلا إليه لعمله أن أمور الرزق بيديه ، وأن المبتدا منه والمنتهى إليه ، قال تعالى : ? قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ? [يونس:31] ، فوجب على الموحد أن يعرف نفسه وحقيقتها وحقيقة النعم وملكيتها ، فإنه مهما عرف نفسه حق المعرفة فإنه إلى المالك الأوحد أذل من كل ذليل ، وأقل من كل قليل ، وأنه لا يليق به إلا التواضع والخضوع ، وكما أنه يتوجب عليه أن يشكر المالك عند العطاء فكذلك يتوجب عليه أن يصبر عند المنع ، فالأمور بيد مالكها ، والنفوس بيد خالقها ، يختار ما يشاء لمن يشاء (358) .
هل سمى أحد من أهل العلم عبد المالك ؟ جاء في المدونة الكبرى للإمام مالك بن أنس أنه قال : ( سمعت عبد المالك بن عبد العزيز بن جريح يحدث أنه بلغه عن رسول الله S أنه قال : الحميل غارم ) (359) .
77- ( ( الرزاق :(35/197)
أثر الاسم على العبد يتجلى في ثقته ويقينه أن الرزق سيصله كأمر محتوم وأن السعي في الأسباب إنما هو وقوع الأحكام على المحكوم ، روى أحمد وصححه الألباني من حديث ابن مسعود ( أن النبي S قال : ( إِنَّ اللهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاَقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ ، وَإِن اللهَ عَزَّ وَجَل يُعْطِى الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لاَ يُحِبُّ ، وَلاَ يُعْطِى الإيمان إِلاَّ مَنْ أَحَبَّ ) (360) ، فالعبد الموحد يثق في الرزاق وينفق ، ولا يخف من ذي العرش إقلالا ، روى البزار وصححه الألباني من حديث ابن مسعود ( أن النبي S دخل على بلال وعنده صبرة من تمر فقال : ( ما هذا يا بلال ؟ قال : شيء ادخرته لغد ، أو أعد ذلك لأضيافك ، فقال : أما تخشى أن تخشى أن يفور له بخار في نار جهنم يوم القيامة ، أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا ) (361) ، ألا ترى الطير لا تملك خزائن لقوتها وليس لها من الرزق إلا ما قدر بسعيها ، روى الترمذي وصححه الألباني من حديث عمر ( أن رسول اللهِ S قال : ( لوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلتُمْ عَلى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلهِ ، لرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ ، تَغْدُو خِمَاصاً ، وَتَرُوحُ بِطَاناً ) (362) .
وقد وكل الله ملكين ينزلان من السماء ، أحدهما يدعو لكل منفق والآخر يدعو على كل ممسك ، روى البخاري من حديث أَبي هريرة ( أن النبي S قال : ( ما مِن يومٍ يُصبحُ العِبادُ فيه إِلاَّ مَلكانِ يَنزِلانِ فيقولُ أحدُهما : اللهمَّ أعطِ مُنفِقاً خَلفا ، ويَقولُ الآخَرُ: اللّهمَّ أعطِ مُمسِكاً تلفاً ) (363) .(35/198)
والذي وحد الله في اسم الله الرزاق على يقين أن كل ما يناله من الخير والعطاء فهو رزقه من رب السماء ، وأن الله قد قسمه فيما سبق به القضاء ، وأن ما ناله من الأحكام سيصله لا محالة بالتمام ، وما قسمه في المكتوب أزلا لن يكون لغيره من الخلق أبدا ، فاللّه ( متصف بالقدرة والحكمة ، ومن أسمائه القدير الحكيم ، فبالقدرة خلق الأشياء وأوجدها ، وهداها وسيرها ، وهذا توحيد الربوبية ، وبالحكمة رتب الأسباب ونتائجها وابتلانا لنأخذ بها تحقيقا لتوحيد العبودية ، فالذي وحد الله حقا لا بد أن يتقلب في إيمانه بالله بين حكمته وقدرته ، وعدله ومشيئته ، فلا يسقط الشرائع والأحكام ويتغاضى في سعيه عن تمييز الحلال من الحرام لاحتجاجه بمشيئة الله وقدرته وأن الخلائق مسيرون على جبر إرادته ، ولا مناص من الدخول في تحت قهر ربوبيته فيعطل اسم الله الحكيم وما تضمنه الاسم من وصف الحكمة ، وفي المقابل أيضا لا يجعل الأشياء والأسباب حاكمة أو ضارة نافعة فيشرك في توحيد الله ، لأن الله قدير والقدرة صفته ، وهو الذي أعطى ومنع ، وضرّ ونفع ، وخلق وفعل وجعل ، لا شريك له في أسمائه ولا ظهير له في أحكامه ، كما قال ( في محكم كلامه : ? إِنِ الْحُكْمُ إِلا للهِ ? [يوسف:40] ، وقال : ? وَلاَ يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أَحَدا ? [الكهف:26] ، وقال أيضا عن جميع من سواه : ? إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلكُونَ لكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لهُ إِليْهِ تُرْجَعُونَ ? [العنكبوت:17] .(35/199)
وقد أخبر الله ? أنه الرزاق كما أنه هو الخالق المحيي المميت ، فقرن بين هذه الأربع في موضع واحد مع ترتيب الحكمة والقدرة ، فقال ( : ? الله الذي خَلقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُميتُكُمْ ثُمَّ يُحْييكُمْ ? [الروم:4] ، فكما أن الله ( وحده هو الخالق المحي المميت ، فكذلك هو وحده الرزاق ، وإنما ذكر الله ( الأسباب لأن الأسماء تتعلق بها وأحكام الشرع عائدة عليها بالثواب والعقاب ، فذكرها لكي لا تعود الأحكام على الحاكم ( ؛ فالجميع عنده وفي خزائنه إلا أنه أضاف الدنيا إلينا لرجوع الأحكام علينا وليزهدنا فيها ، وأضاف الآخرة إليه تفضيلا لها وترغيبا لنا فيها ، وقد روى مسلم من حديث صهيب ( أن رسول اللهِ S قال : ( عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلهُ خَيْرٌ ، وَليْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ للمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لهُ ) (364) .
وممن تسمى بالتعبد للاسم عبد الرزاق بن همام بن نافع الحافظ الكبير أبو بكر الحميري مولاهم الصنعاني صاحب التصانيف ، روى عن عبيد الله بن عمر قليلا وعن بن جريج وثور بن يزيد ومعمر الأوزاعي والثوري وخلق كثير ، وحديثه مخرج في الصحاح ، مات في نصف شوال سنة إحدى عشرة ومائتين (365) .
78- ( ( الوكيل :(35/200)
دعاء العبادة يقتضي أن يوقن العبد أن الله قد ضمن له الرزق فلا يتواكل عن طلبه بل يأخذ بأسبابه تحرزا من الطمع وفساد القلب ، ولا يضيع حق الزوجة والولد برغم أن أرزاقهم على الله ( ، والذي يفعل ذلك تارك للسبيل والسنة ، فدرجات التوكل ومراحله يجب على الموحد ألا يقلل من شأنها ، ولا يأخذ بواحدة ويدع الأخرى وأولها توجه القلب إلى الله ( على الدوام لعلمه أنه على كل شيء قدير وهو الذي يعطي ويمنع فالقدرة كلها له ، يحكم في خلقه بما شاء وكيف شاء ، أما الأسباب فهي كالآلة بيد الصانع يسيرها ويدبرها ، ويوفق من أخذ بها أو يخذله ، أما المرحلة الثانية في التوكل توجه الجوارح إلى الأسباب ، لأن الله أثبت آثارها لمعاني الحكمة وتصريفه الأشياء وتقليبها على سبيل الابتلاء ، وإيقاع الأحكام على المحكوم وعود الجزاء على الظالم والمظلوم بالعقاب أو الثواب ، وذلك ليكون المتوكل قائما بأحكام الشرع ملتزما بمقتضى العطاء والمنع ؛ فالله ( أمرنا بالسعي ، ومن ثم لا يضر التصرف والتكسب في المعايش لمن صح توكله ، ولا يقدح في منزلته عند الله ، أما المرحلة الثالثة في التوكل التسليم والرضا واليقين بسابق القضاء ؛ فالاستسلام لقضاء الله وقدره يكون بعد الأخذ بالأسباب ، ولا يأتي قبلها وإلا كان تواكلا مرفوضا والعبد وقتها يكون على حسن اليقين وجميل الصبر وحقيقة الرضا ، فتسكن القلوب عند النوازل والبلاء وتطمأن النفوس إلى حكمة الابتلاء ، لاعتقادهم أن الله هو الوكيل الذي يدبر الخلائق كيف شاء ، قال ( : ? وَللهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً ? [النساء:132] .
لم أجد بالبحث الحاسوبي أحدا من السلف سمي عبد الوكيل في مجال ما أجرينا عليه البحث ، وإن كان البحث على الإنترنت أظهر أسماء كثيرة في عصرنا .
79- ( ( الرقيب :(35/201)
دعاء العبادة هو أثر الاسم في اعتقاد العبد وسلوكه ، فالمراقبة لمن وحد الله في اسمه الرقيب على نوعين ، النوع الأول : مراقبة العبد لربه بالمحافظة على حدوده وشرعه واتباعه لسنة نبيه S ، ويوقن بأن الله معه من فوق عرشه يتابعه ، يراه ويسمعه كما ورد عند الترمذي وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عباس ( أن رسول الله S قال له : ( يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إذا سَألت فاسْأل الله ، وإذا اسْتعنتَ فاسْتعن بالله ) (366) .
وعند أبي داود وحسنه الشيخ الألباني من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( كَانَ رَجُلاَنِ فِي بَنِي إِسْرَائِيل مُتَآخِيَيْنِ ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ وَالآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ ، فَكَانَ لاَ يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَي الآخَرَ عَلي الذَّنْبِ فَيَقُولُ : أَقْصِرْ ، فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلي ذَنْبٍ فَقَال لهُ : أَقْصِرْ ، فَقَال : خَلِّنِي وَرَبِّي أَبُعِثْتَ عَلي رَقِيبًا ، فَقَال : وَاللهِ لاَ يَغْفِرُ اللهُ لكَ أَوْ لاَ يُدْخِلُكَ اللهُ الْجَنَّة ، فَقُبِضَ أَرْوَاحُهُمَا فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالمِينَ فَقَال لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ : أَكُنْتَ بِي عَالِمًا ؟ أَوْ كُنْتَ عَلى مَا فِي يَدِي قَادِرًا ؟ وَقَال لِلْمُذْنِبِ : اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي ، وَقَال لِلآخَرِ اذْهَبُوا بِهِ إِلى النَّارِ قَال أَبُو هُرَيْرَةَ : وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لتَكَلمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَه ُ) (367) .(35/202)
وعند البخاري من حديث ابن عمر ( أن أبا بكر ( قال : ( ارْقُبُوا مُحَمَّدًا S في أَهْلِ بَيْتِهِ ) (368) ، يعني راقبوا الله في أهل بيته واحذروا أن تقع ألسنتكم فيهن ، والقصد من عموم المراقبة أن يرتقي العبد بإيمانه إلى درجة الإحسان كما ذكر النبي S في تعريفها : ( الإِحْسَان أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) (369) ، والمحسن أعلى درجة من المؤمن والمسلم .
والنوع الثاني : إيمان العبد بمراقبة الله لعباده وحفظه لهم وإحصائه لكسبهم كقوله تعالى عن عيسي ( : ? وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ? [المائدة:117] ، وقوله سبحانه : ? وَاتَّقُوا اللهَ الذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ? [النساء:1] ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ : رَبِّ ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً ، وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ ، فَقَالَ : ارْقُبُوهُ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا ، وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً ، إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّاىَ ) (370) .
وجماع معنى المراقبة ومقتضى أثر الاسم على العبد دوام الملاحظة والتوجه إلى الله ظاهرا وباطنا ، فيراقب الله تعالى ويسأله أن يرعاه في مراقبته ، لأن الله ( قد خص المخلصين بألا يكلهم في جميع أحوالهم إلى أحد سواه وهو يتولى الصالحين ، قال الحارث المحاسبي : ( أوائل المراقبة علم القلب بقرب الرب ( ، والمراقبة في نفسها التي تورث صاحبها وتكمل له الاسم ويستحق أن يسمي مراقبا ، دوام علم القلب بعلم الله ( في سكونك وحركتك ، علما لازما للقلب بصفاء اليقين ) (371) .(35/203)
وبخصوص التسمية بعبد الرقيب فلم أجد بالبحث الحاسوبي أحدا من السلف أو الخلف سمي به في مجالنا ، وإن البحث على الإنترنت أظهر الكثير من الأسماء .
80- ( ( المحسن :
دعاء العبادة هو أثر الاسم على اعتقاد العبد وسلوكه ، فمن جهة الاعتقاد يوقن الموحد أن الله ( غني كريم عزيز رحيم محسن إلى عباده مع غناه عنهم ، شرع لعبده في منهجه كل خير ورفع عنه كل شر ، وليس في ذلك جلب منفعة إلى الله من العبد بل رحمة منه وإحسانا وتفضلا وتكرما ، فهو سبحانه لم يخلق خلقه ليتكثر بهم من قلة ولا ليعتز بهم من ذلة ، ولا ليرزقوه أو ينفعوه أو يدفعوا عنه قال تعالى : ? وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ? [الذاريات:56/58] ، وقال جل شأنه وتقد اسمه ووصفه : ? وَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ? [الإسراء:111] ، وهو ( لا يوالى من يواليه من الذل كما يوالى المخلوق المخلوق ، وإنما يوالي أولياءه إحسانا ورحمة ومحبة لهم .
وأما العباد فإنهم كما قال ( : ? وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ? [محمد:38] ، فهم لفقرهم وحاجتهم إنما يحسن بعضهم إلى بعض لحاجته إلى ذلك ، وانتفاعه به عاجلا أو آجلا ، ولولا تصور ذلك النفع لما أحسن إليه ؛ فهو في الحقيقة إنما أراد الإحسان إلى نفسه وجعل إحسانه إلى غيره وسيلة وطريقا إلى وصول نفع ذلك الإحسان إليه ، فإنه إما أن يحسن إليه لتوقع جزائه في العاجل فهو محتاج إلى ذلك الجزاء ، أو معاوضة بإحسانه ، أو لتوقع حمده وشكره .(35/204)
وهو أيضا إنما يحسن إليه ليحصل منه ما هو محتاج إليه من الثناء والمدح ، فهو محسن إلى نفسه بإحسانه إلى الغير ، وإما أن يريد الجزاء من الله تعالى في الآخرة فهو أيضا محسن إلى نفسه بذلك ، وإنما أخر جزاءه إلى يوم فقره وفاقته ، فهو غير ملوم في هذا القصد ، فإنه فقير محتاج وفقره وحاجته أمر لازم له من لوازم ذاته ، فكماله أن يحرص على ما ينفعه ولا يعجز عنه ، وقال ( : ? إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ? [الإسراء:7] ، فالمخلوق لا يقصد منفعتك بالقصد الأول ، بل إنما يقصد انتفاعه بك ، والرب سبحانه إنما يريد نفعك لا انتفاعه به ، وذلك منفعة محضة لك خالصة من المضرة بخلاف إرادة المخلوق نفعك ، فإنه قد يكون فيه مضرة عليك ولو بتحمل منته ، فإذا تدبر الموحد هذا فإن ذلك يمنعه أن يرجو مخلوقا أو يعامله دون الله ( أو يطلب منه نفعا أو دفعا أو يعلق قلبه به ، فإنه إنما يريد انتفاعه بك لا محض نفعك ، وهذا حال الخلق كلهم بعضهم مع بعض ، وهو حال الولد مع والده والزوج مع زوجه والمملوك مع سيده والشريك مع شريكه ؛ فالسعيد من عاملهم لله ( لا لهم ، وأحسن إليهم لله ( ، وخاف الله ( فيهم ، ولم يخفهم مع الله ، ورجا الله تعالى بالإحسان إليهم ، ولم يرجهم مع الله ، وأحبهم لحب الله ، ولم يحبهم مع الله ( ، كما قال أولياء الله تعالى : ? إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ? [الإنسان:9] ، والرب تبارك وتعالى إنما يريدك لك ويريد الإحسان إليك لا لمنفعته ، ويريد دفع الضرر عنك ، فكيف تعلق أملك ورجاءك وخوفك بغيره (372) .(35/205)
ومن جهة السلوك التزام العبد بمقتضى الاسم وبلوغه درجة الإحسان وهي اتقان الطاعة بالمراقبة فيعبد الله كأنه يراه ويحسن تعامله مع الخلق ، بداية من رد السلام إلى آخر ما جاء به الإسلام ، قال ? : ? وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبا ? [النساء:86] ، وقال ? : ? وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقا ? [النساء:69] ، وأحسن الأعمال التي تتطلب الإخلاص والإتقان أداء الصلاة ، روى عند البخاري من حديث عبيد الله بن عدي أنه دخل على عثمان بن عفان ( هو محصور ، يعني في منزله فقال : ( إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ ، وَنَزَلَ بِكَ مَا تَرَى وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ ، فَقَالَ : الصَّلاَةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ ) (373) .
وكذلك ورد عند أحمد وصححه الألباني من حديث أم الفضل : ( أَنَّ النَّبِيَّ S دَخَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ وَهُوَ يَشْتَكِي فَتَمَنَّى الْمَوْتَ فَقَالَ : يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ لاَ تَتَمَنَّ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتَ مُحْسِنا تَزْدَادُ إِحْسَانا إِلَى إِحْسَانِكَ خَيْرٌ لَكَ ، وَإِنْ كُنْتَ مُسِيئا فَإِنْ تُؤَخَّرْ تَسْتَعْتِبْ خَيْرٌ لَكَ فَلاَ تَتَمَنَّ الْمَوْتَ ) (374) .(35/206)
ومن دعاء العبادة باسم الله المحسن الإحسان إلى اليتيم ، فعند البخاري من حديث أبي موسى ( أن رسول اللهِ S قال : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَعَالَهَا ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا ، كَانَ لَهُ أَجْرَانِ ) (375) ، وروى أيضا من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ ، فَدَخَلَ النَّبِي S فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ : مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ ) (376) ، ومن الإحسان عدم كفران العشير وقلما يكون في النسوان ، روى البخاري من حديث ابن عباس ( أن النبي S قال : ( أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ ، يَكْفُرْنَ قِيلَ : أَيَكْفُرْنَ بِاللهِ ؟ قَالَ : يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَي إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ ) (377).
وممن تسمى بالتعبد للاسم عبد المحسن بن عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي خطيب الموصل وابن خطيبها توفي سنة اثنتين وعشرين وست مائة (378) .
81- ( ( الحسيب :(35/207)
دعاء العبادة هو شعور الموحد بعز العبودية وشرفها وأنه بدونها لا قيمة لحسبه ونسبه روى مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَاللهُ في عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ) (379) ، فالكمال المطلق للإنسان هو تكميل العبودية لله علما وقصدا ظاهرا وباطنا ، ومن حكمة الله ( أنه فضل آدم وبنيه على كثير ممن خلق تفضيلا وجعل عبوديتهم أكمل من عبودية غيرهم ، وكانت العبودية أفضل أحوالهم ، وأعلى درجاتهم تلك العبودية الاختيارية التي يأتون بها طوعا واختيارا لا كرها واضطرارا ، ولهذا أرسل الله ( جبريل إلى سيد هذا النوع الإنساني يخيره بين أن يكون عبدا رسولا أو ملكا نبيا ، فاختار بتوفيق ربه أن يكون عبدا رسولا ، روى أبو يعلى وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أنه قال : ( جلسَ جِبْرِيل إلى النبي S فنظر إلى السماء ، فإذا مَلَكُ ينزل فَقَالَ له جبريل : هذا الْمَلَكُ ما نزل منذ خلق قبل الساعة فلما نزل قال يا محمد : أرسلني إليك ربك أمَلِكًا أجعلك أم عبدا رسولا ؟ قال له جِبْرِيلُ : تواضع لربك يا محمد فَقَالَ(35/208)
رَسُولُ اللهِ S : لا بل عَبْدًا رسولا ) (380) .
وقد ذكره سبحانه بأتم العبودية في أشرف مقاماته وأفضل أحواله كمقام الدعوة والتحدي والإسراء وإنزال القرآن فقال : ? وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ ? [الجن:19] وقال : ? وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ? [البقرة:23] ، وقال سبحانه : ? سُبْحَانَ الذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ? [الإسراء:1] وقال تعالى : ? تَبَارَكَ الذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ? [الفرقان:1] ، فأثنى عليه ونوه الله لعبوديته التامة له ، ولهذا يقول أهل الموقف حين يطلبون الشفاعة اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
فلما كانت العبودية أشرف أحوال بني آدم وأحبها إلى الله ( ، وكان لها لوازم وأسباب مشروطة لا يحصل إلا بها كان من أعظم الحكمة أن أخرجوا إلى دار تجري عليهم فيها أحكام العبودية وأسبابها وشروطها وموجباتها ، فإنه سبحانه يحب إجابة الدعوات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفات ومغفرة الزلات وتكفير السيآت ودفع البليات ، وإعزاز من يستحق العز وإذلال من يستحق الذل ، ونصر المظلوم وجبر الكسير ، ورفع بعض خلقه على بعض ، وجعلهم درجات ليعرف قدر فضله وتخصيصه ؛ فاقتضى ملكه التام وحمده الكامل أن يخرجهم إلى دار يحصل فيها محبوباته سبحانه ، وإن كان لكثير منها طرق وأسباب يكرهها ، فأبرز خلقه من العدم إلى الوجود ليجري عليه أحكام أسمائه وصفاته فيظهر كماله المقدس في كل اسم ووصف ، وإن كان لم يزل كاملا ، فمن كماله ظهور آثار كماله في خلقه وأمره ، وقضائه وقدره ووعده ووعيده ، ومنعه وإعطائه وإكرامه وإهانته ، وعدله وفضله ، وعفوه وإنعامه ، وسعة حلمه ، وشدة بطشه ، وقد اقتضى كماله المقدس سبحانه أنه كل يوم هو في شأن ، وإدراك العبد لهذه الحكم البالغة وتعامله معها في دار الامتحان أعظم شرف يناله الإنسان (381).(35/209)
ومن دعاء العبادة أيضا أن يقف العبد مع نفسه على الدوام لمحاسبتها ، فيميز حركاتها وسكناتها ، فإن كان خاطر النفس عند الهم يقتضي نية أو عقدا أو عزما أو فعلا أو سعيا خالصا لله أمضاه وسارع في تنفيذه ، وإن كان لعاجل دنيا أو عارض هوى أو لهو أو غفلة نفاه وسارع في نفيه وتقييده ، ثم يذكر أنه ما من فعلة وإن صغرت إلا حاسب نفسه لم فعلت ؟ ، وهذا موضع الابتلاء هل تعمل لمولاك ، أم أن ذلك لهواك ، فإن سلم من هذا الأمر ، سئل عن نفسه كيف فعلت ؟ أبعلم أم بجهل ؟ فإن الله ( لا يقبل عملا إلا على طريقته وطريقة نبيه S وسنته ، فإن سلم من هذا سأل نفسه لمن فعلت ؟ ألله أم للسمعة والرياء ، فالمحاسبة هي المقايسة بين الحسنات والسيئات بميزان الشرع والأحكام وتميز الحلال والحرام ، واتقاء الشبهات ما استطاع ، وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها : ( أنها كَانَتْ لاَ تَسْمَعُ شَيْئًا لاَ تَعْرِفُهُ إِلاَّ رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ ، وَأَنَّ النَّبِيَّ S قَالَ : مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ أَوَ لَيْسَ يَقُولُ اللهُ ? : ? فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ? فَقَالَ : ( إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ ) (382) ، وعند مسلم من حديث أبي مسعودٍ ( أن رسول الله S قال : ( حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَكَانَ مُوسِرًا فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ قَالَ : قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَل : نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ تَجَاوَزُوا عَنْهُ ) (383) .
ومن جهة التسمية بعبد الحسيب فلم أجد بالبحث الحاسوبي أحدا من السلف سمي به في مجالنا ، وإن كانت على الإنترنت أظهر الكثير من الأسماء في عصرنا.
82- ( ( الشافي :(35/210)
دعاء العبادة أن يعتقد العبد أن الله ( هو الشافي الذي يشفي بالأسباب أو بدونها لكنه يأخذ بها لأن الله علق عليها الشرائع والأحكام وميز بها الحلال من الحرام ، فعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أسامة بن شريك ( قال : ( أَتَيْتُ النَّبِيَّ S وَأَصْحَابُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ ، فَسَلمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ ، فَجَاءَ الأَعْرَابُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ أَنَتَدَاوَى ؟ فَقَالَ : تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ ) (384) ، وعند مسلم من حديث صهيب ( أن رسول الله S قال : ( كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ ، فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ : إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ ، فَابْعَثْ إِلَىَّ غُلاَمًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلاَمًا يُعَلِّمُهُ .. فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِىَ ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ فَقَالَ : مَا هَا هُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي فَقَالَ : إِنِّي لاَ أَشْفِى أَحَدًا ، إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ ، فَآمَنَ بِاللهِ فَشَفَاهُ اللهُ ، فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ قَالَ رَبِّي ، قَالَ : وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي قَالَ : رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَل عَلَى الْغُلاَمِ ، فَجِيءَ بِالْغُلاَمِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ ، فَقَالَ : إِنِّي لاَ أَشْفِي أَحَدًا ، إِنَّمَا يَشْفِي الله ُ) (385).(35/211)
وأعظم أثر للاسم على العبد في رفع البلاء وتمام الشفاء أن يحصن نفسه بكتاب الله وسنة نبيه S ، وأن يجعل الإيمان والعبودية وقاء له من كل داء ، وقد ذكر ابن القيم أن الوحي الذي يوحيه الله إلى رسوله بما ينفع الناس أو يضرهم فيه من الأدوية التي تشفي من الأمراض ما لم يهتد إليها عقول أكابر الأطباء ، ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم وأقيستهم من الأدوية القلبية والروحانية ، وقوة القلب واعتماده على الله والتوكل عليه والالتجاء إليه ، والانطراح والانكسار بين يديه ، والتذلل له والصدقة والدعاء والتوبة والاستغفار والإحسان إلى الخلق وإغاثة الملهوف والتفريج عن المكروب ، فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يصل إليه علم أعلم الأطباء ولا تجربته ولا قياسه ، ومن جرب ذلك علم أنها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية ، وهذا جار على قانون الحكمة الإلهية ليس خارجا عنها ولكن الأسباب متنوعة ؛ فإن القلب متى اتصل برب العالمين وخالق الداء والدواء ومدبر الطبيعة ومصرفها على ما يشاء ؛ كانت له أدوية أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه المعرض عنه ، وقد علم أن الأرواح متى قويت وقويت النفس والطبيعة تعاونا على دفع الداء وقهره ، فكيف ينكر لمن قويت طبيعته ونفسه وفرحت بقربها من بارئها وأنسها به وحبها له وتنعمها بذكره وانصراف قواها كلها إليه وجمعها عليه واستعانتها به وتوكلها عليه أن يكون ذلك لها من أكبر الأدوية وتوجب لها هذه القوة دفع الألم بالكلمة ، ولا ينكر هذا إلا أجهل الناس وأعظمهم حجابا وأكثفهم نفسا وأبعدهم عن الله وعن حقيقة الإنسان (386) .
وبخصوص التسمية بعبد الشافي فلم أجد بالبحث الحاسوبي أحدا من السلف سمي به في مجالنا ، وإن كانت البحث على الإنترنت أظهر الكثير من الأسماء في عصرنا .
83- ( ( الرفيق :(35/212)
أثر توحيد العبد لله في اسمه الرفيق يتجلى في رفقه بإخوانه ، فيحب للعاصي التوبة والمغفرة وللمطيع الثبات وحسن المنزلة ، ويكون ودودا لعباد الله ( ؛ فيعفو عمن أساء إليه ، ويلين مع البعيد كما يلين مع أقرب الناس إليه ، كما أن الرفق في سائر الأمور ثمرة لا يضاهيها إلا حسن الخلق ، ولا يحسن الخلق إلا بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة وحفظهما على حد الاعتدال ، ولأجل هذا أثنى رسول الله S على الرفق وبالغ فيه ، روى الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي الدرداء ( أن النبي S قال : ( مَنْ أُعْطِىَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِىَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ ) (387) ، روى أحمد وصححه الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله S قال : ( إِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَل بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ ) (388) ، وروى الطبراني وحسنه الألباني من حديث جرير ( أن النبي S قال : ( إن الله عز وجل ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق ، وإذا أحب الله عبدا أعطاه الرفق ما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا ) (389) ، وروى أحمد وصححه الألباني من حديث عبد الله ( أن رسول الله S قال : ( حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ ) (390) .(35/213)
ويذكر أبو حامد أن المحمود في العبد أن يكون وسطا بين العنف واللين كما في سائر الأخلاق ، ولكن لما كانت الطباع إلى العنف والحدة أميل كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جانب الرفق أكثر ؛ فلذلك كثر ثناء الشرع على جانب الرفق دون العنف ، وإن كان العنف في محله حسنا كما أن الرفق في محله حسن ، وإنما الكامل من يميز مواقع الرفق عن مواضع العنف فيعطي كل أمر حقه ، فإن كان قاصر البصيرة أو أشكل عليه حكم واقعه من الوقائع ؛ فليكن ميله إلى الرفق فإن النجاح معه في الأكثر(391) ، ومن أعظم الرفق وتوحيد الله في اسمه الرفيق ، مودة الرجل لزوجته ورفقه بها وكذلك مودة المرأة لزوجها ، وقد تقدم ذلك في دعاء العبادة بالودود ، قال أبو الفتح البستي :
ورافق الرفق في كل الأمور فلم يندم رفيق ولم يذممه إنسان
ولا يغرنك حظ جره خرق فالخرق هدم ورفق المرء بنيان
أحسن إذا كان إمكان ومقدرة فلن يدوم على الإحسان إمكان
فالروض يزدان بالأنوار فاغمة والحر بالعدل والإحسان يزدان (392).
ومن جهة التسمية بعبد الرفيق فلم أجد بالبحث الحاسوبي أحدا من السلف أو الخلف سمي به في مجالنا ، وكذلك لم أجده على الإنترنت ، وهنيئا لمن سمى نفسه أو ولده بهذا الاسم ؛ فسيكون أول من تعبد لله به والله أعلم .
84- ( ( المعطي :(35/214)
أما دعاء العبادة فهو تعلق القلب بالمتوحد في عطائه ، والتعفف عن سؤال غيره أو دعائه ، قال ( : ? لِلْفُقَرَاءِ الذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ? [البقرة:273]، وقد ورد عند البخاري من حديث الزبير بن العوام ( أن النبي S قَالَ : ( لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ ، فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللهُ بِهَا وَجْهَهُ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ ) (393) .(35/215)
كما أن المسلم ينبغي أن يكون معطاء ولا يخشى الفقر روى البخاري من حديث ابن عباس ( : ( أن رَسُول اللهِ S كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ في شَهْرِ رَمَضَانَ ، إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَلْقَاهُ في كُلِّ سَنَةٍ في رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ S الْقُرْآنَ ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللهِ S أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَة ِ) (394) ، وعند أحمد من حديث أنس ( : ( أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ S فَأَعْطَاهُ غَنَماً بَيْنَ جَبَلَيْنِ ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ : أي قَوْمِ أَسْلِمُوا فَوَاللهِ إِنَّ مُحَمَّداً لَيُعْطِى عَطَاءَ مَنْ لاَ يَخَافُ الْفَاقَةَ ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَجِيءُ إِلَى رَسُولِ اللهِ S مَا يُرِيدُ إِلاَّ الدُّنْيَا ، فَمَا يُمْسِي حَتَّى يَكُونَ اللهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ أَوْ أَعَزَّ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا ) (395) ، وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث مالك بن نضلة ( أن رسول الله S قال : ( الأَيْدِي ثَلاَثَةٌ : فَيَدُ اللهِ الْعُلْيَا ، وَيَدُ الْمُعْطِى التي تَلِيهَا ، وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى ؛ فَأَعْطِ الْفَضْلَ وَلاَ تَعْجِزْ عَنْ نَفْسِكَ ) (396) .
وممن تسمى بالتعبد للاسم الفقيه الشافعي عبد المعطي بن محمد بن مهران القومسي سمع من أخيه أبي الحسن عن المنعم بن الخلوف وغيره ، واختل في آخر عمره ، مات سنة اثنتين وخمسين وست مائة بالإسكندرية (397) .
85- ( ( المقيت :(35/216)
أثر الاسم على العبد أن يؤثر بقوته عامة المسلمين ، ثقة في أن القوت من رب العالمين ، لاسيما إذا اشتد عليهم الكرب وقلت لديه سبل الكسب ، روى البخاري من حديث أَبِي هريرة ( : ( أَنَّ رَجُلاً أَتَي النَّبِي S فَبَعَثَ إِلَي نِسَائِهِ فَقُلْنَ : مَا مَعَنَا إِلاَّ الْمَاءُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا ؟ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ : أَنَا فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَي امْرَأَتِهِ ، فَقَالَ أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللهِ S ، فَقَالَتْ : مَا عِنْدَنَا إِلاَّ قُوتُ صِبْيَانِي فَقَالَ : هَيِّئِي طَعَامَكِ ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ ، إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً ، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا ، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا ، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ فَجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَي رَسُولِ اللهِ S فَقَالَ : ضَحِكَ اللهُ الليْلَةَ أَوْ عَجِبَ مِنْ فَعَالِكُمَا ، فَأَنْزَلَ اللهُ ? : ? وَيُؤْثِرُونَ عَلَي أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ? ) (398) .(35/217)
وينبغي على المسلم أن يكون طعامه قوتا وسطا لا يجعل يده مغلولة ولا يكون مسرفا جهولا ، قال تعالى : ? وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُل الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ? [الإسراء:29] ، وعند الترمذي وصححه الشيخ الألباني من حديث المقدام بن معد يكرب ( أنه سمع رسول الله S يقول : ( مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ) (399) ، وعند البخاري من حديث عبد الرحمن بن عابس عن أبيه قال : ( قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَنَهَى النَّبِيُّ S أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلاَثٍ ؟ قَالَتْ : مَا فَعَلَهُ إِلاَّ في عَامٍ جَاعَ النَّاسُ فِيهِ ، فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ الْغَنِىُّ الْفَقِيرَ ، وَإِنْ كُنَّا لَنَرْفَعُ الْكُرَاعَ فَنَأْكُلُهُ بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ ، قِيلَ : مَا اضْطَرَّكُمْ إِلَيْهِ ، فَضَحِكَتْ ، قَالَتْ : مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ S مِنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللهِ ) (400) .
وينبغي أن نفرق بين الحرص على أن يكون طعام الموحد قوتا وبين والتجويع والمبالغة في الزهد ، لأن الله أمر بالاقتصاد في كل شيء وبالصبر على الجوع كابتلاء لا حيلة للإنسان فيه ، ولم يأمر بتجويع النفس وتعذيب البدن والمبالغة في الترك طلبا للحكمة والمعرفة ؛ فالمسلم لا يكثر من الأكل المفوت للخير الكثير ، فقد يكون الأكل واجبا بقدر ما تقوم به البنية ، ومندوبا بقدر الشبع الشرعي المقوي له على التنفل ، وجائز وهو ما فوقه بحيث لا يورث فتورا عن العبادة ، فالقوت إنما يكون لقوام البدن لا لتسمينه وانشغاله عن الله فيصير علافا لا عابدا .(35/218)
ومن جهة التسمية بعبد المقيت فلم أجد بالبحث الحاسوبي أحدا من السلف أو الخلف سمي به في مجال ما أجرينا عليه البحث ، وكذلك لم أجده في جميع محركات البحث على الإنترنت ، وهنيئا لمن سمى نفسه أو ولده بهذا الاسم ؛ فسيكون أول من تعبد لله به ، والله أعلم .
86- ( ( السيد :
دعاء العبادة باسم الله السيد يتجلى في مولاة العبد لسيده ، وطاعته لمن له السيادة المطلقة ؛ فمن المعلوم أنه لا بد لكل عبد من سيد مالك ، وأي عبد يخالف سيده فإنه آبق ، ولما كان كل إنسان يلجأ إلى قوة عليا عند الاضطرار ، ويركن إلى غني قوي عند الافتقار فحري بالعبد الموحد أن يلجأ إلى رب العزة والجلال ؛ لأن حقيقة الإنسانية مبنية على معنى الخضوع والعبودية ، قال تعالى : ? إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً ? [مريم:93] ، ولما كان الإنسان إن لم يكن عبدا لله فسيكون عبدا لسواه ، فالعاقل من العبيد يتخير من الأسياد من يملك السيادة المطلقة على الخلائق أجمعين ، ومن هنا قال أبو الأنبياء إبراهيم ( : ? قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ الذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ? [الشعراء:75/85] .(35/219)
فالصادق في توحيده للاسم يوحد الله عز وجل في عبادته وخوفه ورجائه ومحبته مع دوام افتقاره وطاعته والتواضع لله من خشيته ، ولنا في رسول الله S وهدايته خير هاد ودليل ، فقد ثبت أن رجلا جَاءَ إِلَى النبي S فقالَ : أنت سيد قريش ، فقال النبي S : ( السَّيِّدُ اللهُ ، قَالَ : أَنْتَ أَفْضَلُهَا فِيهَا قَوْلاً وَأَعْظَمُهَا فِيهَا طَوْلاً ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S: لِيَقُلْ أَحَدُكُمْ بِقَوْلِهِ وَلاَ يَسْتَجِرُّهُ الشَّيْطَانُ ) (401) ، وما أحسن قول القائل :
رضيت بسيدي عوضا وأنسا من الأشياء لا أبغي سواه
فيا شوقا إلى ملك يراني على ما كنت فيه ولا أراه (402) .
وينبغي تأدبا مع الله وتوحيدا له في اسمه السيد ألا يسمي المسلم نفسه أو ولده بالاسم مستغرقا للإطلاق معرفا ، فكثير من المسلمين وقعوا في ذلك وسموا أولادهم باسم الله السيد بدلا من عبد السيد ، صحيح أن الأسماء في حقنا تحمل على التخصيص والإضافة وما يليق بالشخص من الوصف ، لكن التسمية على إطلاق اللفظ الذي أطلقه الله لنفسه سوء أدب مع الله ( .
وقد ثبت أن النبي S غير كنية أبي الحكم إلى أبي شرح ، فعند أبي داوود وصححه الألباني من حديث شريح بن هانئ : ( أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللهِ S مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ S فَقَالَ : إِنَّ اللهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ فَلِمَ تُكْنَى أَبَا الْحَكَمِ ، فَقَالَ إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فَرَضِيَ كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : مَا أَحْسَنَ هَذَا فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ ؟ قَالَ لِي شُرَيْحٌ وَمُسْلِمٌ وَعَبْدُ اللهِ قَالَ : فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ ؟ قُلْتُ : شُرَيْحٌ ، قَالَ : فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ ) (403) .(35/220)
هل سمي أحد من أهل العلم عبد السيد ؟ تسمى به كثير من أهل العلم ، منهم أبو القاسم عبد السيد بن عتاب بن محمد بن جعفر الحطاب المقرئ ، قرأ القرآن المجيد بالروايات (404) ، ومنهم أيضا : أبو نصر عبد السيد بن محمد بن الصباغ الشافعي (ت:477) ، صاحب كتاب تذكرة العالم والطريق السالم في أصول الفقه (405) .
87- ( ( الطيب :
دعاء العبادة توحيد الله في اسمه الطيب ، فيتحرى الموحد الحلال الطيب في طعامه وحاجته وفعله وكلمته عملا بقوله تعالى : ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ? [البقرة:168] ، وقوله ( : ? فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ? [النحل:114] .
وكذلك فإن المسلم ينفق من أجود ماله وأطيبه ؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ولا يبخل على نفسه بالطيب من المباحات ، قال ( : ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ? [البقرة:267] ، وقال ( : ? قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ التِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ? [الأعراف:32] ، وكذلك يتخير من الزوجات أطيبهن فإن الطيبيين للطيبات قال تعالى : ? الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ? [النور:26] .(35/221)
وأطيب أفعال العبد أن يوحد الرب في أسمائه وصفاته ، وكل ما انفرد به من أفعاله فإن الله هو أحسن الخالقين الذي أحسن كل شيء في خلقه ، وليس ذلك لأحد غيره ، فكيف يدعو غير الله أو يعظم أحدا سواه ؟ قال ( : ? أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ ? [الصافات:125] .
وممن تسمى عبد الطيب الشيخ الأجل الصدر الرئيس الأصيل المسند نجيب الدين أبي الفرج عبد الطيب بن عبد المنعم بن على الحراني (406) .
88- ( ( الحكم :
أثر الاسم على إيمان الشخص ألا يبتغي حكما دون الله في منهج حياته كما قال تعالى : ? إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ? [يوسف:40] ، وقال أيضا عن اليهود : ? وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ? [المائدة:43] ، وقال تعالى عن نبيه S : ? أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ? [الأنعام:114] .(35/222)
وقد كان الزبير قد خاصمه رجل من الأنصار اختلفا على قناة الماء التي تروي أرضهما ، وكانت أرض الزبير قبل أرضه والماء يمر أولا على نخله فأمر النبي S أن يسقي الزبير أرضه أولا فغضب الأنصاري ، وادعى أن الحكم محسبوبة وأنه حكم لصالح الزبير من أجل قرابته ، فغضب النبي وتلون وجهه وأمر الزبير أن يسق أرضه حتى يغطي الماء أصول نخله ويبلغ في أرضه إلي مقدار الكَعْبَيْنِ ولا عليه من فعل الأنصاري وقوله ، روى البخاري من حديث الزبير : ( أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَه فِي شِرَاجِ الحَرَّةِ التِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْل ، فَقَال الأنصاري : سَرِّحِ المَاءَ يَمُرُّ فَأبي عَليْهِ فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ S ، فَقَال رَسُولُ اللهِ S للزُّبَيْرِ : اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِل المَاءَ إلي جَارِكَ ، فَغَضِبَ الأنصاري وَقَال : أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلوَّنَ وَجْهُ رَسُول اللهِ S ثم قَال : اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ المَاءَ حتى يَرْجِعَ إلي الجَدْرِ ، فاسْتَوْعَى للزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الحُكْمِ ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ وَاللهِ إِنِّي لأَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: ? فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلمُوا تَسْليمًا ? [النساء:65] ) (407) .
وعند مسلم من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة ( قال : ( كَتَبَ أَبِي ، وَكَتَبْتُ لَهُ إِلَي عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ وَهُوَ قَاضٍ بِسِجِسْتَانَ أَنْ لاَ تَحْكُمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ S يَقُولُ : لاَ يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ ) (408).(35/223)
ومن تعبد لله بالتسمة ، عبد الحكم بن ذكوان السدوسي البصري من الطبقة السادسة الذين عاصروا صغار التابعين وهو مقبول ، وقال : ابن معين لا أعرفه (409) .
89- ( ( الأكرم :
دعاء العبادة أن يُظهر العبد آثار النعمة توحيدا لله في اسمه الأكرم ، روى أبو داود وصححه الألباني من حديث أبي الأحوص عن أبيه ( أنه أتى النبي S في ثوب دون فقال : ( أَلَكَ مَالٌ ؟ قَالَ : نَعَم ؟ قَالَ : مِنْ أَيِّ الْمَالِ ؟ قَالَ : قَدْ أَتَانِيَ اللهُ مِنَ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ ، قَالَ : فَإِذَا أَتَاكَ اللهُ مَالاً فَلْيُرَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكَ وَكَرَامَتِهِ ) (410) ، وروى البيهقي وحسنه الألباني من حديث ابن عمر ( أن رسول الله S قال : ( إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ ) (411) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( : ( قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ ؟ قَالَ : أَتْقَاهُمْ ، فَقَالُوا : لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ ، قَالَ : فَيُوسُفُ نَبِي اللهِ ابْنُ نَبِي اللهِ ابْنِ نَبِي اللهِ ابْنِ خَلِيلِ اللهِ ، قَالُوا : لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ ، قَالَ : فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونَ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا ) (412) .(35/224)
ومن دعاء العبادة أن يدرك المسلم أن الإكرام الحقيقي هو إكرام الله بالتوفيق للإيمان ، قال تعالى : ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ? [الحجرات:13] ، أما الإكرام بالنعمة فهي ابتلاء تستوجب الشكر والطاعة ، وليس كما يظن البعض أنها دليل رضا ومحبة ، قال تعالى : ? فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن كَلا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لمّاً وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً ? [الفجر:17] ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ أي فُلْ : أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ ؟فَيَقُولُ : بَلَى قَالَ فَيَقُولُ : أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاَقِىَّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، فَيَقُولُ : فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ) (413) .
ومن جهة التسمية والتعبد لهذا الاسم فقد تسمى به عبد الأكرم بن أبى حنيفة الكوفي ممن عاصروا صغار التابعين ، وهو شيخ مقبول كما هي مرتبته عند ابن حجر وشيخ مستور عند الذهبي (414) .
90- ( ( البر :(35/225)
واجب العبد توحيد الله في الاسم أن يراعي في تعامله مع ربه الحرص على أنواع البر ؛ فيفعل الخيرات ويجتنب المنكرات ولا يجعل همه في فيما يعود عليه وعلى الآخرين بالنفع ، قال تعالى : ? لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ? [البقرة:177] ، وكذلك يتعامل مع الآخرين بحسن الخلق وصفاء النية وهذا من أعظم البر ، روى مسلم من حديث النواس ( أنه قال : ( سألت رسول اللهِ S عن البر والإثم ، فقال : الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ) (415) ، ومن أعظم البر أيضا بر الوالدين كما قال تعالى : ? وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً ? [مريم:14] ، وعند البخاري من حديث أَبِى هريرة ( قال : ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ S فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : أُمُّكَ ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : أُمُّكَ ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ ) (416) ، ومن البر الإحسان إلى الأبناء في أسمائهم ، روى مسلم من حديث محمد بن عمرو أنه قال : ( سَمَّيْتُ ابْنَتِي بَرَّةَ فَقَالَتْ لِي زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِى سَلَمَةَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ S نَهَى عَنْ هَذَا الاِسْمِ ، وَسُمِّيتُ(35/226)
بَرَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : لاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمُ اللهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ ، فَقَالُوا بِمَ نُسَمِّيهَا قَالَ : سَمُّوهَا زَيْنَبَ ) (417) .
وبخصوص التسمية بعبد البر فقد تسمى به عبد البر بن الحافظ أبي العلاء الهمداني تغير بعد سنة ست عشرة وست مائة ، وقيل أنه ناب إليه عقله قبل موته بقليل وإنه توفي سنة أربع وعشرين وست مائة (418) .
91- ( ( الغفار :
توحيد الله في اسمه الغفار يقتضي كثرة الاستغفار والتوبة إلى الله مهما بلغت كميته وكثرته ، فالغفار سبحانه كثير المغفرة ، روى مسلم من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَل أنه قَالَ : أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ : اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ : أَي رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ : أَي رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ ) (419) .
ويذكر النووي أن هذا الحديث ظاهر في الدلالة على أنه لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته وسقطت ذنوبه ، ولو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته ، وقوله اعمل ما شئت فقد غفرت لك ، معناه ما دمت تذنب ثم تتوب غفرت لك (420) .(35/227)
والله ( لا يعذب مستغفرا لكن من أصر على الذنب وطلب من الله مغفرته فهذا ليس باستغفار مطلق ، ولهذا لا يمنع العذاب ، فالاستغفار يتضمن التوبة ، والتوبة تتضمن الاستغفار ، وكل منهما يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق ، وأما عند اقتران إحدى اللفظتين بالأخرى فالاستغفار طلب وقاية شر ما مضى ، والتوبة الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله ، فها هنا ذنبان ذنب قد مضى فالاستغفار منه طلب وقاية شره ، وذنب يخاف وقوعه فالتوبة العزم على أن لا يفعله والرجوع إلى الله يتناول النوعين ، رجوع إليه ليقيه شر ما مضى ، ورجوع إليه ليقيه شر ما يستقبل من شر نفسه وسيئات أعماله (421) .
والتوبة النصوص أو الاستغفار الحق تتضمن أولا تعميم جميع الذنوب واستغراقها بها بحيث لا تدع ذنبا إلا تناولته ، والثاني إجماع العزم والصدق بكليته عليها بحيث لا يبقى عنده تردد ولا تلوم ولا انتظار ، بل يجمع عليها كل إرادته وعزيمته مبادرا بها والثالث تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في إخلاصها ووقوعها لمحض الخوف من الله وخشيته ، والرغبة فيما لديه والرهبة مما عنده ، لا كمن يتوب لحفظ جاهه وحرمته ومنصبه ورياسته ولحفظ حاله أو لحفظ قوته وماله ، أو استدعاء حمد الناس أو الهرب من ذمهم ، أو لئلا يتسلط عليه السفهاء ، أو لقضاء نهمته من الدنيا أو لإفلاسه وعجزه ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحتها وخلوصها لله عز وجل ، ولا ريب أن هذه التوبة تستلزم الاستغفار وتتضمنه وتمحو جميع الذنوب ، وهي أكمل ما يكون من التوبة (422) .
ومن دعاء العبادة أن يستر العبد على إخوانه عيوبهم ، ويغفر لهم ذلاتهم توحيدا لله في اسمه الغفور : ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [التغابن:14] .(35/228)
وممن تسمى عبد الغفار أبو صالح الحراني عبد الغفار بن داود بن مهران سكن مصر ومات سنة أربع وعشرين ومائتين ، روى عنه البخاري وأبو داود وغيرهما (423) .
92- ( ( الرءوف :
أثر الاسم على العبد أن يمتلأ قلبه بالرحمة والرأفة التي تشمل عامة المسلمين وخاصتهم ، روى الترمذي وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمرو ( أن رسول اللهِ S : ( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللهُ ) (424) .
والله ( يقول في شأن الموحدين : ? ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَة ً? [الحديد:27] .
ولا بد أن تكون الرأفة في موضعها ؛ فكما أنها من الأخلاق الحميدة والخصال العظيمة إلا أن الشدة أنفع في بعض المواضع ، كإقامة الحدود والأخذ على أيدي المفسدين الظالمين حين لا ينفع معهم نصح ولا لين ، قال تعالى : ? الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ً? [النور:2] .(35/229)
وهذا يشبه حال المريض إذا اشتهى ما يضره أو جزع من تناول الدواء الكريه فأخذتنا رأفة عليه حتى نمنعه شربه ؛ فقد أعناه على ما يضره أو يهلكه ، وعلى ترك ما ينفعه فيزداد سقمه فيهلك ، وهكذا المذنب هو مريض ، فليس من الرأفة به والرحمة أن يمكن مما يهواه من المحرمات ولا يعان على ذلك ، ولا أن يمكن من ترك ما ينفعه من الطاعات التي تزيل مرضه ، بل الرأفة به أن يعان على شرب الدواء وإن كان كريها ، مثل الصلاة وما فيها من الأذكار والدعوات فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وأن يحمى عما يقوى داءه ويزيد علته وإن اشتهاه ، ولا يظن الظان أنه إذا حصل له استمتاع بمحرم يسكن بلاؤه ، بل ذلك يوجب له انزعاجا عظيما وزيادة في البلاء والمرض في المآل ، فإنه وإن سكن بلاؤه وهدأ ما به عقيب استمتاعه ، أعقبه ذلك مرضا عظيما عسيرا لا يتخلص منه ، بل الواجب دفع أعظم الضررين باحتمال أدناهما قبل استحكام الداء الذي ترامى به إلى الهلاك والعطب .
ومن المعلوم أن ألم العلاج النافع أيسر وأخف من ألم المرض الباقي ، وبهذا يتبين أن العقوبات الشرعية كلها أدوية نافعة يصلح الله بها مرض القلوب ، وهى من رحمة الله بعباده ورأفته بهم الداخلة في قوله تعالى لنبيه S : ? وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ً? [الأنبياء:107] ، فمن ترك هذه الرحمة النافعة لرأفة يجدها بالمريض ، فهو الذي أعان على عذابه وهلاكه وإن كان لا يريد إلا الخير ، إذ هو في ذلك جاهل أحمق كما يفعله بعض النساء والرجال الجهال بمرضاهم وبمن يربونه من أولادهم وغلمانهم وغيرهم في ترك تأديبهم وعقوبتهم على ما يأتونه من الشر ويتركونه من الخير رأفة بهم ، فيكون ذلك سبب فسادهم وعداوتهم وهلاكهم .(35/230)
ومن الناس من تأخذه الرأفة بهم لمشاركته لهم في ذلك المرض ، وذوقه ما ذاقوه من قوة الشهوة وبرودة القلب والدياثة ، فيترك ما أمر الله به من العقوبة ، كمن ينادي بتعطيل الحدود الشرعية من قطع يد السارق ورفع عقوبة الزنا ، وإباحة الشذوذ والسحاق واللواط وغير ذلك من الأمور الانحلالية تحت دعوى الحرية ، فهؤلاء من أظلم الناس وأديثهم في حق نفسه ونظرائه ، وهو بمنزلة جماعة من المرضى قد وصف لهم الطبيب ما ينفعهم فوجد كبيرهم مرارته ، فترك شربه ونهى عن سقيه للباقين .
ومنهم من تأخذه الرأفة لكون أحد الزانين محبوبا له ، إما أن يكون محبا لصورته وجماله بعشق أو غيره ، أو لقرابة بينهما ، أو لمودة أو لإحسانه إليه ، أو لما يرجو منه من الدنيا أو غير ذلك ، أو لما في العذاب من الألم الذي يوجب رقة القلب ، ويتأول بعض النصوص في غير موضعها كقولهم : إنما يرحم الله من عباده الرحماء ، ويحتج بمثل قوله S : الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ، وغير ذلك ، وليس كما قال ، بل ذلك وضع الشيء في غير موضعه ، بل قد ورد عند البيهقي وصححه الألباني من حديث عن عمار بن ياسر ( أن رسول الله S قال : ( ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا ، الديوث ، والرجلة من النساء ، ومدمن الخمر قالوا : يا رسول الله ، أما مدمن الخمر فقد عرفناه فما الديوث ؟ قال : الذي لا يبالي من دخل على أهله ، قلنا : فما الرجلة من النساء ؟ قال : التي تشبه بالرجال ) (425) .(35/231)
فمن لم يكن مبغضا للفواحش كارها ولأهلها ، ولا يغضب عند رؤيتها وسماعها لم يكن مريدا للعقوبة عليها ، فيبقى العذاب عليها يوجب ألم قلبه ، قال تعالى : ? وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ ...الآية ? [النور:2] ، فإن دين الله طاعته وطاعة رسوله S المبني على محبته ومحبة رسوله S ، وأن يكون الله ورسوله S أحب إليه مما سواهما ، فإن الرأفة والرحمة يحبهما الله مالم تكن مضيعة لدين الله ، فهذه الرحمة حسنة مأمور بها أمر إيجاب أو استحباب بخلاف الرأفة فى دين الله فإنها منهي عنها .
والشيطان يريد من الإنسان الإسراف في أموره كلها ، فإنه إن رآه مائلا إلى الرحمة زين له الرحمة حتى لا يبغض ما أبغضه الله ولا يغار لما يغار الله منه ، وإن رآه مائلا إلى الشدة زين له الشدة في غير ذات الله ، حتى يترك من الإحسان والبر واللين والصلة والرحمة ما يأمر به الله ورسوله S ، ويتعدى في الشدة فيزيد في الذم والبغض والعقاب على ما يحبه الله ورسوله S ، فينبغي أن يكون الموحد سنيا وسطيا في رأفته فإن الله لا يحب المسرفين (426) .
وبخصوص التسمية بعبد الرءوف ، فلم يتسم به أحد من رواة الحديث ، لكن من المتأخرين والمعاصرين كثير ، ومنهم صاحب فيض القدير الروض النضير شرح الجامع الصغير ، الشيخ عبد الرءوف محمد المناوي المصري المتوفى سنة ثلاثين وألف تقريبا وهو من الشهرة بمكان (427) .
93- ( ( الوهاب :
دعاء العبادة هو أثر الإيمان بالاسم وتوحيد الله فيه ، وذلك بأن يتصف العبد بالكرم والعطاء ، والجود والسخاء ، روى البخاري من حديث ابن عباس ( أن النبي S قال : ( الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ ، لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ ) (428) .(35/232)
وفي رواية النسائي وصححه الشيخ الألباني : ( لاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَهَبَ هِبَةً ثُمَّ يَرْجِعَ فِيهَا إِلاَّ مِنْ وَلَدِهِ ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ ثُمَّ يَقيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ ) (429) ، وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ S إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا ، غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا ، لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ S تَبْتَغِى بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللهِ S ) (430) .
وينبغي على العبد أن يرض بما قسمه الله ووهبه له من الولد فإن ذلك دليل الإيمان بالاسم وتوحيد الله فيه ، قال تعالى : ? للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ? [الشورى:49] ، فأخبر سبحانه أن ما قدره بين الزوجين من الولد فقد وهبهما إياه وكفى بالعبد تعرضا لمقته أن يتسخط ما وهبه .
وبدأ سبحانه بذكر الإناث جبرا لهن لأجل استثقال الوالدين لمكانتهن ، وقيل إنما قدمهن لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاء لا ما يشاء الأبوان ، فإن الأبوين لا يريدان إلا الذكور غالبا ، وهو سبحانه قد أخبر أنه يخلق ما يشاء فبدأ بذكر الصنف الذي يشاء ولا يريده الأبوان ، وقيل إنه سبحانه قدم ما كانت تؤخره الجاهلية من أمر البنات حتى كانوا يئدوهن أي هذا النوع المؤخر عندكم مقدم عندي في الذكر .(35/233)
وتأمل كيف نكر سبحانه الإناث وعرف الذكور فجبر نقص الأنوثة بالتقديم وجبر نقص التأخير بالتعريف فإن التعريف تنويه ، كأنه قال ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم ، والمقصود أن التسخط بالإناث من أخلاق الجاهلية التي ذمها الله تعالى (431) .
وممن تسمى عبد الوهاب ، أبو محمد البصري عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت الثقفي من الطبقة الثامنة ، الطبقة الوسطى من أتباع التابعين (ت:194) ، وقد روى عنه البخاري قال : ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُ قَالَ : حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ ( عن النبي S قَالَ : ثَلاَث مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ ) (432) .
94- ( ( الجواد :(35/234)
أثر الاسم على سلوك العبد يظهر في كثرة الإنفاق وعدم الخشية من الفقر وقد ورد عند البخاري من حديث ابن عباس ( أنه قال : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ S أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيل ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ ، فَلَرَسُولُ اللهِ S أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ) (433) ، وفي رواية أخرى من حديث أنس ( قال : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ S أَحْسَنَ النَّاسِ ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ ) (434) ، وينبغي أن يكون الإنفاق عن إخلاص وحسن نية ، فعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِي بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ ، قَالَ : كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَي وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِي فِي النَّار ) (435) .
وفي رواية الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي هريرة قال ( : ( قَالَ : كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ فَيَقُولُ اللهُ لَهُ : كَذَبْتَ ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ : كَذَبْتَ ، وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَي : بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَوَادٌ ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ ) (436) ، ويذكر ابن القيم رحمه الله أن الجود عشر مراتب :
أحدها : الجود بالنفس ، وهو أعلى مراتبه كما قال الشاعر :
يجود بالنفس إذ ضن البخيل بها : والجود بالنفس أقصى غاية الجود .(35/235)
الثانية : الجود بالرياسة وهو ثاني مراتب الجود ، فيحمل الجواد جوده على امتهان رياسته ، والجود بها والإيثار في قضاء حاجات الملتمس .
الثالثة : الجود براحته ورفاهيته وإجمام نفسه فيجود بها تعبا وكدا في مصلحة غيره .
الرابعة : الجود بالعلم وبذله وهو من أعلى مراتب الجود ، والجود به أفضل من الجود بالمال لأن العلم أشرف من المال ، والناس في الجود به على مراتب متفاوتة وقد اقتضت حكمة الله وتقديره النافذ أن لا ينفع به بخيلا أبدا ، ومن الجود به أن تبذله لمن يسألك عنه بل تطرحه عليه طرحا ، ومن الجود بالعلم أن السائل إذا سألك عن مسألة استقصيت له جوابها جوابا شافيا لا يكون جوابك له بقدر ما تدفع به الضرورة ، كما كان بعضهم يكتب في جواب الفتيا نعم أو لا مقتصرا عليها .
الخامسة : الجود بالنفع والجاه كالشفاعة والمشي مع الرجل إلى ذي سلطان ونحوه وذلك زكاة الجاه أن يطالب بها العبد كما أن التعليم وبذل العلم زكاته .
السادسة : الجود بنفع البدن على اختلاف أنواعه كما ورد عند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( كُلُّ سُلاَمَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُل يَوْمٍ ، يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ ، وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ) (437) .
السابعة : الجود بالمسامحة لمن شتمه أو قذفه أن يجعله في حل ، وفي هذا الجود من سلامة الصدر وراحة القلب والتخلص من معاداة الخلق ما فيه .
الثامنة : الجود بالصبر والاحتمال والإغضاء وهذه مرتبة شريفة من مراتبه ، وهي أنفع لصاحبها من الجود بالمال وأعز له وأنصر وأملك لنفسه وأشرف لها ، ولا يقدر عليها إلا النفوس الكبار ، فمن صعب عليه الجود بماله فعليه بهذا الجود فإنه يجتني ثمرة عواقبه الحميدة في الدنيا قبل الآخرة .(35/236)
التاسعة : الجود بالخُلق والبِشر والبسطة وهو فوق الجود بالصبر والاحتمال والعفو وهو الذي بلغ بصاحبه درجة الصائم القائم ، وهو أثقل ما يوضع في الميزان ، وعند مسلم من حديث أبي ذر ( قال : قال لي النبي S : ( لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ) (438) ، وفي هذا الجود من المنافع والمسار وأنواع المصالح ما فيه ، والعبد لا يمكنه أن يسع الناس بحاله ، ويمكنه أن يسعهم بخلقه واحتماله .
العاشرة : الجود بتركه ما في أيدي الناس عليهم فلا يلتفت إليه ، ولا يستشرف له بقلبه ولا يتعرض له بحاله ولا لسانه (439) .
وممن تسمى بالتعبد للاسم ، عبد الجواد بن أحمد شيخ ثقة كان بالدينور سمع زيد بن إسماعيل الصائغ وأقرانه ، روى عنه ابن السني (440) .
95- ( ( السبوح :
أثر الاسم على العبد يتجلى في حسن اعتقاده في توحيد الله ، فيصف الله بما وصف به نفسه في كتابه وسنة رسوله S ولا يمثل ولا يكيف ، ولا يعطل ولا يحرف بل يصدق بالخبر وينفذ الأمر ، ومن أبرز دلائل التوحيد في اسم الله السبوح كثرة التسبيح ، بحيث يجعل جنانه ولسانه عامران به وسببا في قربه .(35/237)
روى البخاري من حديث أبي هريرة ( أنه قال : ( جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَي النَّبِيِّ S فَقَالُوا : ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّى وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ، قَالَ : أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ بِأَمْرٍ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلاَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ ، تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا فَقَالَ بَعْضُنَا : نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : تَقُولُ سُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ وَاللهُ أَكْبَرُ ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، قَالَ أَبُو صَالِحٍ : فَرَجَعَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ S فَقَالُوا : سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلنَا فَفَعَلُوا مِثْلَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ) (441) .
وعند البخاري من حديث جرير بن عبد الله ( قال : كنا عند النبي S إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال : ( أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لاَ تُضَامُّونَ أَوْ لاَ تُضَاهُونَ في رُؤْيَتِهِ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ، ثُمَّ قَالَ : فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ) (442) .(35/238)
وروى أبو داود من حديث عقبة بن عامر ( أنه قال : ( لَمَّا نَزَلَتْ : ? فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ? ، قَالَ رَسُولُ اللهِ S : اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ ، فَلَمَّا نَزَلَتْ : ? سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ? ، قَالَ : اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ ) (443) .
أما من جهة التسمية بعبد السبوح والتعبد بهذ الاسم ، فلم يتسم به أحد من السلف أو الخلف في مجال ما أجرينا عليه البحث الحاسوبي ، وأيضا في جميع محركات البحث علي الإنترنت ، وهنيئا لمن سمى نفسه أو ولده بهذا الاسم فسيكون أول من تعبد لله به والله أعلم .
96- ( ( الوارث :
دعاء العبادة سلوك يظهر فيه معنى الغربة وتوحيد العبودية في مقابل دوام الملك للوارث سبحانه وبقائه ، فتتوجه الإرادة والأقوال والأفعال على هذا المعنى ، روى البخاري من حديث بن عمر ( أنه قال : ( أَخَذَ رَسُولُ اللهِ S بِمَنْكِبِي فَقَالَ : كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ ) (444) .
وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث عبد الله ( أنه قال : ( نَامَ رَسُولُ اللهِ S عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً ، فَقَالَ : مَا لي وَمَا لِلدُّنْيَا مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَل تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا ) (445) .(35/239)
ومن دعاء العبادة أن يتقي الله في حقوق الإرث ، ولا يظلم أحدا مما فرض الله لكل وارث لاسيما إن كانوا إناثا ، وأن يعطي المساكين من مال الله إذا حضروا القسمة أولم يحضروها ، قال ( : ? وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً ? [النساء:8] ، روى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قَال : ( إِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نُسِخَتْ ، وَلاَ وَاللهِ مَا نُسِخَتْ وَلكِنَّهَا مِمَّا تَهَاوَنَ النَّاسُ ، هُمَا وَالِيَانِ وَالٍ يَرِثُ وَذَاكَ الذِي يَرْزُقُ ، وَوَالٍ لاَ يَرِثُ فَذَاكَ الذِي يَقُولُ بِالْمَعْرُوفِ ، يَقُولُ : لاَ أَمْلِكُ لكَ أَنْ أُعْطِيَكَ ) (446) .
وينبغي أن يوقن الموحد أن الله ( هو الذي يقسم الأرزاق ، وأن الميراث الحقيقي هو ميراث العلم والأخلاق ، ميراث عدن والنعيم والفردوس الأعلى قال ( : ? تِلْكَ الْجَنَّةُ التِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً ? [مريم :60/63 ] ، وقال ( : ? أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ? [المؤمنون:10/11] .
وممن تسمى بالتعبد لهذا الاسم عبد الوارث بن سعيد أبو عبيدة الضرير البصري التنوري (ت:180) ، روى عنه البخاري من حديث ابن عباس ( أنه قال : ( ضَمَّنِي رَسُولُ اللهِ S وَقَالَ : اللهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ ) (447) .
97- ( ( الرب :(35/240)
أثر الإيمان بتوحيد الله في اسمه الرب أن يظهر العبد في ثوب العبودية ، ويخلع عن نفسه رداء الربوبية ؛ لعلمه أن المنفرد بها من له علو الشأن والقهر والفوقية ، فيثبت لله عز وجل أوصاف العظمة والكبرياء ، ولا ينازع رب العالمين في كمال شريعته أو يتخلف عن درب النبي S وسنته ، فدعاء العبادة هنا عمل وسلوك وتربية والتزام ومجاهدة وتضحية تدفع المسلم إلى أرقى درجات الإيمان ، قال تعالى عن نبيه إبراهيم ( : ? قَال أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي إِلا رَبَّ العَالمِينَ الذِي خَلقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ رَبِّ هَبْ لي حُكْماً وَأَلحِقْنِي بِالصَّالحِينَ وَاجْعَل لي لسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ وَاجْعَلنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ? [الشعراء:78] ، فجعل إبراهيم ( توحيد الله بالربوبية والألوهية مسلكا له في حياته ، وزادا له في ابتلاءاته وذخرا له عند مماته ، وهذا هو العبد الرباني الذي أمر الله عباده أن يتصفوا بوصفه في الاعتقاد والقول والعمل ؛ قال ( : ? وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ? [آل عمران:79] ، وعند البخاري من حديث ابن عباس ( أنه قال في تفسير الآية : ( كُونُوا رَبَّانِيِّينَ حُكَمَاءَ فُقَهَاءَ ) (448) .(35/241)
ومن دعاء العبادة أيضا أن يتقي العبد ربه فيمن ولاه عليهم ، وألا يصف نفسه بأنه رب كذا تواضعا لربه وتوحيدا لله في اسمه ووصفه ، وإن جاز أن يصفه غيره بذلك ، فعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عبد الله بن جعفر ( قال : ( أن رَسُول اللهِ S دَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَإِذَا جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ S حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ S فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ فَقَالَ : مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ : لِي يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ : أَفَلاَ تَتَّقِى اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ التِي مَلكَكَ اللهُ إِيَّاهَا ، فَإِنَّهُ شَكَى إِلَىَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ ) (449) .
وأما النهي عن ذلك تواضعا لله ؛ فقد ورد عند أبي داود من حديث أَبِى هريرة ( أن رسول S قال : ( لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ : عَبْدِي وَأَمَتِي ، وَلاَ يَقُولَنَّ الْمَمْلُوكُ : رَبِّى وَرَبَّتِي ، وَلْيَقُلِ الْمَالِكُ : فَتَايَ وَفَتَاتِي وَلْيَقُلِ الْمَمْلُوكُ : سَيِّدِي وَسَيِّدَتِي ، فَإِنَّكُمُ الْمَمْلُوكُونَ وَالرَّبُّ اللهُ عَزَّ وَجَل ) (450) .
قال ابن أبي حاتم : ( باب من روى عنه العلم ممن يسمى عبد الرب ، عبد الرب بن كناز السلمي ) (451) ، وقال أبو محمد القرشي في طبقات الحنفية : ( عبد الرب بن منصور بن إسماعيل بن إبراهيم أبو المعالي الغزنوي ) (452) .
98- ( ( الأعلى :(35/242)
دعاء العبادة سلوك يخضع فيه العبد لربه أعلاه السجود للمعبود ، ولذلك كانت الصلاة ركنا أساسيا من أركان الإسلام ، وهى في جملتها فيصل بين الكفر والإيمان لأنها تفصل بين معنى الخضوع والعبودية ومعنى العلو والربوبية ، فهي اعتراف عملي من الموحد بأنه عبد ، وتوحيد واقعي للإله الرب ، روى مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ) (453) .
ومن دعاء العبادة أن يكون سلوك العبد في الحياة مبني على الإخلاص وابتغاء وجه الله ، وأن تكون غايته الرفيق الأعلى ، قال تعالى : ? وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ? [الليل:20] ، وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول : ( إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَىَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ S تُوُفِّىَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي ، وَأَنَّ اللهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ ، دَخَلَ عَلَىَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللهِ S فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ فَقُلتُ آخُذُهُ لَكَ ، فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ ، فَتَنَاوَلتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ ، وَقُلتُ أُلَيِّنُهُ لَكَ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ ، فَلَيَّنْتُهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلبَةٌ فِيهَا مَاءٌ ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، إِنَّ لِلمَوْتِ سَكَرَاتٍ ، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ : في الرَّفِيقِ الأَعْلَى ، حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ ) (454) .(35/243)
كثير من السلف ورواة الحديث سمى عبد الأعلى ، منهم عبد الأعلى بن عدى البهراني القاضي من الطبقة الوسطى من التابعين ، مات سنة أربع ومائة (455) .
99- ( ( الإله :
دعاء العبادة يظهر فيه العبد بمظهر التوحيد والخضوع لله ، فتوحيد الألوهية هو الغاية التي خلق الله الناس من أجلها ، وهو أول الدين وآخره وظاهره وباطنه كما قال تعالى : ? وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ? [الذريات:56] .
فوجب على المسلم الذي اعتقد أن إلهه هو الإله الحق ، وأن كل ما سواه خاضع له طوعا وكرها أن يوجه قصده وطلبه في الحياة إلى العمل في مرضاته وأن يسلك أقرب الطرق والوسائل إليه وهو طريق السنة والاتباع دون الهوى والابتداع ، فالهداية التامة تتضمن توحيد المطلوب وتوحيد الطلب وتوحيد الطريق الموصلة إليه ، والانقطاع أو تخلف الوصول إليه يقع من الشركة في هذه الأمور أو في بعضها (456) .(35/244)
والعبد إذا حقق توحيد الألوهية توافقت إرادته مع الإرادة الشرعية الدينية ، ومن ثم تتوافق مع الإرادة الكونية القدرية ، حتى يكون كما ثبت في السنة النبوية عبدا ربانيا عصمه الله في حركاته وسكناته ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رَسُول اللهِ S قال : ( إِنَّ اللهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ التِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ التِي يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ) (457) .
ومن ثم فإن المسلم إذا وفقه الله إلى الطاعة واجتهد في أحكام العبودية وأدى توحيد الألوهية ، نسب الفضل في طاعته إلى ربه ، وأنها كانت بمعونته وتوفيقه لما سبق به حكمه وقضائه وقدره ، ولا ينسب الفضل في ذلك إلى نفسه ؛ أو يمن به على ربه ، وإذا أحدث ذنبا أو معصية علم أن أفعاله وإن كانت بمشيئة الله وحكمه وقضائه وقدره إلا النسبة في العصيان مردها إلى الإنسان أو وسواس الشيطان فيدعوه ذلك إلى التوبة وطلب الغفران ، ويقر لربه بذنبه وأن معصيته بسبب تقصيره وخطئه وأنه مستحق للعقاب بحكمه وعدله ، وأن ربه منزه عن ظلم أحد من العالمين ، فإن أدخل عبدا الجنة فبفضله ، وإن عذبه في النار فبعدله ، فهذا هو العبد الذي وحد الله حقا في اسمه الإله وكان سلوكه في الحياة دعاء عبادة لله عز وجل .(35/245)
لم أجد من تسمى عبد الإله غير جد السيد العلامة الفهامة عثمان بن على بن محمد بن عبد الإله بن أحمد الوزير ، وكان سيدا تقيا ورعا ألمعيا إماما في الفروع حاكما مفتيا متين الديانة والعبادة ، مات عثمان بصنعاء في جمادى الأولى سنة ثلاثين ومائة وألف (458) .
خاتمة البحث
****************
الحمد لله الذي وفقنا إلى إنهاء آخر الأجزاء في دراسة الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة ، هذا الجزء الذي يعد ثمرة العمل بعد الجمع والإحصاء وفهم المعنى والدلالة والدعاء ، روى البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) (459) .
قال ابن القيم : ( مراتب إحصاء أسمائه التي من أحصاها دخل الجنة ، وهذا هو قطب السعادة ومدار النجاة والفلاح ، المرتبة الأولى إحصاء ألفاظها وعددها ، المرتبة الثانية فهم معانيها ومدلولها ، المرتبة الثالثة دعاؤه بها كما قال تعالى : ? وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? [الأعراف:180] ، وهو مرتبتان إحداهما : دعاء ثناء وعبادة والثاني : دعاء طلب ومسألة ، فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وكذلك لا يسأل إلا بها ، فلا يقال يا موجود أو يا شيء أو يا ذات اغفر لي وارحمني بل يسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضيا لذلك المطلوب ؛ فيكون السائل متوسلا إليه بذلك الاسم ، ومن تأمل أدعية الرسل ولاسيما خاتمهم وإمامهم وجدها مطابقة لهذا ) (460) ، وقد سعيت على مدار الأجزاء الخمسة أن نتعرف على مراتب الإحصاء التي ذكرها العلامة ابن القيم واحدة واحدة :(35/246)
المرتبة الأولى : إحصاء ألفاظها وعددها ، وقد التزمنا في منهج الجمع والإحصاء خمسة شروط لازمة لكل اسم من الأسماء الحسنى ، وهي ورود الاسم نصا في القرآن وصحيح السنة ، وأن يرد في النص مرادا به العلمية ومتميزا بعلامات الاسمية اللغوية ، وأن يكون مطلقا يفيد المدح والثناء بنفسه دون تقييد ظاهر أو إضافة مقترنة ، ثم دلالته على الوصف وأن يكون اسما على مسمى ، وآخرها أن يكون الوصف الذي دل عليه الاسم في غاية الجمال والكمال فلا يكون المعنى عند تجرد اللفظ منقسما إلى كمال أو نقص أو يحتمل شيئا يحد من إطلاق الكمال والحسن .(35/247)
وعندما استقصينا بالبحث الحاسوبي جميع الأسماء وعددها عند مختلف العلماء يزيد على مائتين وثمانين اسما لم تنطبق هذه الشروط إلا على تسعة وتسعين اسما فقط وهي : الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ الأَوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ السَّمِيعُ البَصِيرُ المَوْلَى النَّصِيرُ العَفُوُّ القَدِيرُُ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ الوِتْرُ الجَمِيلُ الحَيِيُّ السِّتيرُ الكَبِيرُ المُتَعَالُ الوَاحِدُ القَهَّارُ الحَقُّ المُبِينُ القَوِيُِّ المَتِينُ الحَيُّ القَيُّومُ العَلِيُّ العَظِيمُ الشَّكُورُ الحَلِيمُ الوَاسِعُ العَلِيمُ التَّوابُ الحَكِيمُ الغَنِيُّ الكَرِيمُ الأَحَدُ الصَّمَدُ القَرِيبُ المُجيبُ الغَفُورُ الوَدودُ الوَلِيُّ الحَميدُ الحَفيظُ المَجيدُ الفَتَّاحُ الشَّهيدُ المُقَدِّمُ المُؤخِّرُ المَلِيكُ المُقْتَدِرْ المُسَعِّرُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ القَاهِرُ الديَّانُ الشَّاكِرُ المَنانَّ القَادِرُ الخَلاَّقُ المَالِكُ الرَّزَّاقُ الوَكيلُ الرَّقيبُ المُحْسِنُ الحَسيبُ الشَّافِي الرِّفيقُ المُعْطي المُقيتُ السَّيِّدُ الطَّيِّبُ الحَكَمُ الأَكْرَمُ البَرُّ الغَفَّارُ الرَّءوفُ الوَهَّابُ الجَوَادُ السُّبوحُ الوَارِثُ الرَّبُّ الأعْلى الإِلَهُ .
أما ترتيبها على هذا النحو فمسألة اجتهادية راعينا في معظمها ترتيب اقتران الأسماء بورودها في الآيات مع تقارب الألفاظ على قدر المستطاع ليسهل حفظها بأدلتها ، وليس في ذلك إلزام بل الأمر متروك للمسلم وطريقته في حفظها .(35/248)
وقد تبين أن الأسماء المشهورة منذ ألف ومائتي عام والتي أدرجها الوليد بن مسلم عند الترمذي ليس فيه من الأسماء الحسنى الصحيحة إلا سبعين اسما مع لفظ الجلالة أما المتبقي فستة أسماء مقيدة وهي : المُحْيِي المنتَقِمُ الجَامِعُ النُّورُ الهَادِي البَدِيعُ ، وثلاثة وعشرون ليست من الأسماء الحسنى ولكنها أفعال وأوصاف وهي : الخافضُ الرَّافِعُ المعزُّ المذِل العَدْلُ الجَلِيلُ البَاعِثُ المُحْصِي المُبْدِيءُ المُعِيدُ المُمِيتُ الوَاجِدُ المَاجِدُ الوَالِي ذُو الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ المُقْسِط المُغْنِي المَانِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ البَاقِي الرَّشِيدُ الصَّبُور .
المرتبة الثانية : فهم معانيها ومدلولها ، وقد أفردت لذلك الجزء الثاني الذي تناولنا فيه شرح المعنى اللغوي وبيان اشتقاق كل اسم واستعمالاته في المراجع اللغوية مع اعتبار نصوص القرآن والسنة شواهد لغوية ، وانتهجت طريقة السلف في تفسير الاسم كما وردت بها النصوص دون توجيهها بأصول كلامية أو آراء فلسفية أو مواجد ذوقية ، وقد كان للمذهب السلفي بنقائه الفطري وإيمانه النقي الذي يتوافق فيه العقل الصريح مع النقل الصحيح انطلاقا من تصديق الخبر وتنفيذ الأمر كان له أثر كبير في ظهور كل اسم بمعناه الموضوع له بدقة .(35/249)
وتناولنا أيضا في الجزء الثالث شرح دلالة الأسماء على الصفات بالمطابقة والتضمن واللزوم ثم طبقناها على كل اسم بصورة تفصيلية ، وقد ظهر لنا أن الأسماء الدالة على صفات الذات عددها اثنان وعشرون اسما هي بترتيب ورودها : الملك الأول الآخر القدير الخبير الوتر الجميل الكبير الواحد القوي المتين العلي الحكيم الأحد الصمد الحميد المليك المالك الرقيب السيد الأعلى الإله ، والأسماء الدالة على صفات الفعل عددها اثنان وأربعون اسما هي بترتيب ورودها : الرحمن الرحيم الخالق المصور المولى النصير العفو اللطيف الحيي الستير القهار الشكور الحليم التواب المجيب الغفور الودود الولي الفتاح المقدم المؤخر المسعر القابض الباسط الرازق القاهر الديان الشاكر المنان الخلاق الرزاق الوكيل الشافي الرفيق المعطي المقيت الحكم الأكرم البر الغفار الرءوف الوهاب .
كما أن الأسماء الدالة على صفات الذات والفعل معا عددها خمسة وثلاثين اسما وهي : السلام القدوس المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر البارئ الظاهر الباطن السميع البصير المتعالي الحق المبين الحي القيوم العظيم الواسع العليم الغني الكريم القريب الحفيظ المجيد الشهيد المقتدر القادر المحسن الحسيب الطيب الجواد السبوح الوارث الرب .(35/250)
المرتبة الثالثة : دعاء الله بأسمائه دعاء مسألة ودعاء عبادة ، وقد أفردت الجزء الرابع لدعاء المسألة ، ويعد من أهم أجزاء البحث لحاجة المسلم إليه في دعائه لربه وتوسله إليه بأعلى أنواع التوسل التي أمر الله ( بها ، وعلمنا أن الأسماء التي ثبت الدعاء فيها بالاسم المطلق ستة وأربعون اسما وهي : الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام العزيز الأول الآخر الظاهر الباطن السميع العفو الحيي الواحد القهار الحق الحي القيوم العلي العظيم الحليم العليم التواب الحكيم الغني الكريم الأحد الصمد القريب المجيب الغفور الحميد المجيد المقدم المؤخر المنان القادر الخلاق الوكيل الشافي الأكرم البر الغفار الرءوف الوهاب الإله .
وأما الأسماء التي ثبت الدعاء فيها بالاسم المقيد بالإضافة فهي إحدى عشر اسما وهي : البصير المولى النصير القدير الولي المليك المالك الرزاق الرقيب الوارث الرب .
والأسماء التي ثبت الدعاء فيها بالوصف عددها سبعة وعشرون اسما وهي : المؤمن الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الستير الكبير المبين القوي الواسع الحفيظ الفتاح الشهيد المقتدر المسعر القابض الباسط الرازق المحسن الحسيب الرفيق المعطي الطيب الحكم السبوح الأعلى ، أما الأسماء التي ورد الدعاء فيها بالمعنى والمقتضى فعددها خمسة عشر اسما وهي : المهيمن اللطيف الخبير الوتر الجميل المتعال المتين الشكور الودود القاهر الديان الشاكر المقيت السيد الجواد .
ثم تناولنا في هذا الجزء الأخير دعاء العبادة وبيان منزلته وكيف يحقق العبد مقتضى الاسم في اعتقاده وسلوكه ، ثم بحثنا بحثا حاسوبيا واسع النطاق لمن بدأ اسمه بالعبودية والتعبد لله بأسمائه الحسنى ، وأسفر البحث عن النتائج الآتية :(35/251)
أولا : ستة وثلاثون من علماء السلف ورواة الحديث بدأت أسماؤهم الأولى بإضافة العبودية لأسماء الله التالية : الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المهيمن العزيز الجبار الخالق البارئ الخبير الكبير المتعال الواحد الحي القيوم العلي العظيم الحكيم الكريم الأحد الصمد الغفور الرزاق القاهر المالك الحميد المجيد الغفار الوهاب الوارث الأعلى الحكم الأكرم الجواد الرب ، واثنان أضيفا أيضا لاسميه المؤمن والشكور لكن الأول منهما ثان والثاني منهما ثالث .
ثانيا : سبعة وعشرون من علماء الخلف والمتأخرين ابتداء من القرن الخامس الهجري بدأت أسماؤهم الأولى بإضافة العبودية لأسماء الله الحسنى التالية : الأول السميع البصير المولى النصير اللطيف القهار الحق القوي الواسع العليم الغني المجيب الودود الولي الحفيظ الفتاح المقتدر الباسط القادر الخلاق الرازق المحسن المعطي السيد الطيب البر ، وثلاثة أيضا أضيفوا كاسم ثان لأسمائه الظاهر العفو الحليم .
ثالثا : الأسماء الحسنى التي لم يتعبد لها أحد من السلف والخلف والمتأخرين ووجدناها لأناس معاصرين في محركات البحث ودليل الهاتف على الإنترنت فعددها سبعة عشر اسما وهي : المصور الآخر القدير المبين المتين التواب الرقيب الوكيل الشهيد المليك الديان الشاكر المنان الحسيب الشافي الرءوف الإله ، أما الأسماء التي لم يتعبد لها أحد حتى تاريخ تدوين هذا البحث ، ولا نحسب أحدا من المسلمين تسمى بها من قبل والله أعلم ، فعددها أربعة عشر اسما وهي : المتكبر الباطن الوتر الجميل الحيي الستير القريب المقدم المؤخر المسعر القابض الرفيق المقيت السبوح ، وهنيئا لمن سارع وسمى نفسه أو ولده بهذا الاسم فسيكون له السبق على مستوى أمة محمد S والله أعلم .
اللهم أنت ربي وإلهي ، لا معبود لي سواك ؛ فتقبل مني واجعل كاتبه وقارئه وناقله ومعلمه من أهل العمل بمقتضى الأسماء وتحقيق الوعد بجزاء الإحصاء .(35/252)
عبدك محمود بن عبد الرازق
أسماء ( الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
والتي انطبقت عليها شروط الإحصاء
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إَِّلا هُوَ
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ الأَوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ السَّمِيعُ البَصِيرُ المَوْلَى النَّصِيرُ العَفُوُّ القَدِيرُُ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ الوِتْرُ الجَمِيلُ الحَيِيُّ السِّتيرُ الكَبِيرُ المُتَعَالُ الوَاحِدُ القَهَّارُ الحَقُّ المُبِينُ القَوِيُِّ المَتِينُ الحَيُّ القَيُّومُ العَلِيُّ العَظِيمُ الشَّكُورُ الحَلِيمُ الوَاسِعُ العَلِيمُ التَّوابُ الحَكِيمُ الغَنِيُّ الكَرِيمُ الأَحَدُ الصَّمَدُ القَرِيبُ المُجيبُ الغَفُورُ الوَدودُ الوَلِيُّ الحَميدُ الحَفيظُ المَجيدُ الفَتَّاحُ الشَّهيدُ المُقَدِّمُ المُؤخِّرُ المَلِيكُ المُقْتَدِرْ المُسَعِّرُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ القَاهِرُ الديَّانُ الشَّاكِرُ المَنانَّ القَادِرُ الخَلاَّقُ المَالِكُ الرَّزَّاقُ الوَكيلُ الرَّقيبُ المُحْسِنُ الحَسيبُ الشَّافِي الرِّفيقُ المُعْطي المُقيتُ السَّيِّدُ الطَّيِّبُ الحَكَمُ الأَكْرَمُ البَرُّ الغَفَّارُ الرَّءوفُ الوَهَّابُ الجَوَادُ السُّبوحُ الوَارِثُ الرَّبُّ الأعْلى الإِلَهُ .
**************************************************************************
عدد الأسماء
تسع وتسعون بدون لفظ الجلالةأسماء ( الحسنى التي جمعها الوليد بن مسلم
وما لم يثبت منها أو يوافق شروط الإحصاء
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إَِّلا هُوَ(35/253)
الرَّحمنُ الرَّحيمُ المَلِك القُدُّوسُ السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّر الخَالِقُ البَارِىءُ المُصَوِّرُ الغَفَّارُ القَهَّارُ الوَهَّابُ الرَّزَّاقُ الفتَّاحُ العَلِيمُ القَابِضُ البَاسِطُ الخافضُ الرَّافِعُ المعزُّ المذِل السَّمِيعُ البَصِيرُ الحَكَمُ العَدْلُ اللّطِيفُ الخَبِيرُ الحَلِيمُ العَظِيمُ الغَفُورُ الشَّكُورُ العَلِيُّ الكَبِيرُ الحَفِيظُ المُقِيتُ الحَسِيبُ الجَلِيلُ الكَرِيمُ الرَّقِيبُ المُجِيبُ الْوَاسِعُ الحَكِيمُ الوَدُودُ المَجِيدُ البَاعِثُ الشَّهِيدُ الحَق الوَكِيلُ القَوِيُّ المَتِينُ الوَلِيُّ الحَمِيدُ المُحْصِي المُبْدِيءُ المُعِيدُ المُحْيِي المُمِيتُ الحَيُّ القَيُّومُ الوَاجِدُ المَاجِدُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ القَادِرُ المُقْتَدِرُ المُقَدِّمُ المُؤَخِّرُ الأوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ الوَالِي المُتَعَالِي البَرُّ التَّوَّابُ المنتَقِمُ العَفُوُّ الرَّءوف مَالِكُ المُلْكِ ذُو الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ المُقْسِط الجَامِعُ الغَنِيُّ المُغْنِي المَانِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ النُّورُ الهَادِي البَدِيعُ البَاقِي الوَارِثُ الرَّشِيدُ الصَّبُور .
************************************************************************
عدد الأسماء
تسع وتسعون مع لفظ الجلالةرقم الإيداع بدار الكتب 2836/ 2004
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الترقيم الدولي - I . S . B . N
0 - 2009 - 17 - 977
(1) البخاري في الزكاة ، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة 2/529 (1389) .
(2) البخاري في التوحيد ، باب ما جاء في دعاء النبي S أمته إلى توحيد الله 6/ 2685 (6937) .
(3) البخاري في اللباس ، باب إرداف الرجل خلف الرجل 5/ 2224 (5622) .
(1) أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة الجزء الرابع دعاء المسألة ص13 .(35/254)
(2) الترمذي في التفسير ، باب سورة المؤمن 5/274 (3247) ، صحيح الترغيب والترهيب (1627) .
(3) لسان العرب 14/258 ، والمفردات للراغب الأصفهاني ص315 .
(4) مدارج السالكين لابن القيم 1/74 .
(1) السابق 2/182 .
(2) مجموع الفتاوى 10/157 .
(3) أسماء الله الحسنى الجزء الرابع دعاء المسألة للمؤلف ص13 .
(4) مسلم في الصلاة ، باب ما يقال في الركوع والسجود 1/350 (482) .
(5) أبو داود في الصلاة ، باب ما يقول الرجل في ركوعه 1/230 (869) ، مشكاة المصابيح (879) .
(1) مسلم في الإيمان ، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة1/88 (82) .
(2) ابن ماجه في إقامة الصلاة ، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة 1/342 (1079) ، صحيح الجامع (4143) .
(3) شرح العمدة في الفقه لابن تيمية 4/75 .
(1) قنوت الأشياء كلها لله تعالى ، رسالة لابن تيمية ضمن جامع الرسائل 2/42 .
(2) السابق 2/43 ، وانظر : الدر المنثور للسيوطي 5/289 ، تفسير الصنعاني 2/379 ، زاد المسير 5/38 .
(3) فتح القدير للشوكاني 3/230 ، وانظر معاني القرآن الكريم للنحاس 4/159 .
(1) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 4/88 ، ومنهاج السنة النبوية 1/494 ، وانظر التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي 2/322 ، والمفردات للراغب الأصفهاني ص156.
(2) زاد المسير لابن الجوزي 1/60 ، وتفسير ابن جرير 1/199 ، وتفسير ابن كثير 1/70 .
(1) البخاري في كتاب الأدب ، باب عقوق الوالدين من الكبائر5/2229 (5631) .
(1) طريق الهجرتين ص320 بتصرف .
(1) البخاري في المناقب ، باب صفة النبي S 3/1306 (3370) .
(1) أبو داود في اللباس ، باب ما جاء في الكبر 4/59 (4090) ، صحيح الجامع (4311) .
(2) مسلم في الإيمان ، باب تحريم الكبر وبيانه 1/93 (91) .
(3) مسلم في الحج ، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره 3/978(1342) .
(1) شفاء العليل ص199 بتصرف .
(1) السابق ص244 بتصرف .
(2) السابق ص243 .(35/255)
(1) اقتبسنا بعض المعاني المناسبة بصياغة تناسب الموضوع من كلام ابن القيم في الموضع السابق ص243 .
(1) مدارج السالكين 1/109 .
(2) دقائق التفسير 2 / 528 .
(1) مدارج السالكين 1/75 بتصرف .
(1) السابق 1/78 .
(2) البخاري في كتاب المرضى ، باب نهي تمني المريض الموت5/2147 (5349) .
(1) أبو داود في الصلاة ، باب في الاستغفار 2/86 (1522) ، صحيح الجامع (7969) .
(2) مدارج السالكين 1/78 بتصرف .
(3) أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة الجزء الثالث دعاء المسألة ، للرضواني ص27 .
(1) مسلم في الزهد والرقائق ، باب قصة أصحاب الأخدود 4/2299 (3005) .
(2) أسماء الله الحسنى للرضواني ص27 بتصرف .
(1) السابق ص28 بتصرف .
(2) تحفة المودود بأحكام المولود ص135 .
(3) مسلم في كتاب الأدب ، باب النهي عن التكني بأبي القاسم 3/ 1682 (2132) .
(4) انظر تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري 8/100 .
(5) البخاري في فرض الخمس ، باب قول الله تعالى فأن لله خمسه وللرسول 3/1134 (2947) .
(1) أبو داود في كتاب الأدب ، باب في تغيير الأسماء 4/287(4950) ، الأدب المفرد (814) .
(2) تحفة المودود ص 113 ، قال ابن القيم في التعقيب على رأي ابن حزم : ( أما قوله أنا ابن عبد المطلب فهذا ليس من باب إنشاء التسمية بذلك ، وإنما هو باب الإخبار بالاسم الذي عرف به المسمى دون غيره والأخبار بمثل ذلك على وجه تعريف المسمى لا يحرم .. فباب الإخبار أوسع من باب الإنشاء ؛ فيجوز ما لا يجوز في الإنشاء ) انظر السابق ص114 .
(3) مسلم في كتاب الأدب ، باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة وبنافع ونحو3/1685 (2137) .
(4) تحفة المودود ص116.
(5) السابق ص117بتصرف .
(1) مسلم في الجهاد والسير ، باب تحريم الغدر 3/1359 (1735) .
(2) مسلم في كتاب الأدب ، باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن 3/1687 (2139) .
(3) الموضع السابق حديث رقم (2142) .(35/256)
(4) البخاري في كتاب الأدب ، باب اسم الحزن 5/ 2288 (5836) ، والحزونية الغلظة .
(5) سنن أبي داود 4/ 289 .
(1) تحفة المودود ص125.
(2) أبو داود في الأدب ، باب في تغيير الاسم القبيح 4/289 (4955) ، الأدب المفرد (811) .
(3) مسلم في كتاب الآداب ، باب تحريم التسمي بملك الأملاك وبملك الملوك 3/1688 (2143) .
(4) الموضع السابق .
(5) تحفة المودود ص115.
(6) أبو داود في كتاب الأدب 4/254 (4806) ، وانظر صحيح أبي داود 3/912(4021) .
(1) تحفة المودود ص126بتصرف .
(2) السابق ص127.
(1) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في العقيدة 1/ 379 .
(1) أبو داود في الأدب ، باب في الرحمة 4/285 (4941) ، صحيح الجامع (3522) .
(2) الترمذي في البر والصلة4/285 (4941) ، السلسلة الصحيحة (925) والشجنة هي القرابة المتشابكة .
(3) أحمد في المسند 2/165(6541) ، صحيح الجامع (897) .
(1) انظر بتصرف لسان العرب 8/ 295 ، والغريب لابن قتيبة 1/ 337 .
(2) مسلم في كتاب الأدب ، باب النهي عن التكني بأبي القاسم 3/ 1682 (2132) .
(3) انظر الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني 4/ 346 .
(4) البخاري في كتاب الأذان ، باب من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد 1/226 (602) .
(5) مسلم في كتاب الجنة ، باب التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار 4/2197 (2865) .
(1) البخاري في مواقيت الصلاة ، باب وقت العشاء إلى نصف الليل 1/209 (546) .
(2) البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب قوله واتخذ الله إبراهيم خليلا 3/1226(3181) .
(1) انظر مصنف عبد الرزاق 5/406 ، ومعرفة الثقات 2/101 ، والحديث رواه البخاري في كتاب الأشربة ، باب النهبى بغير إذن صاحبه 2/875 (2343) .(35/257)
(2) انظر في ذلك : الأربلية ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 5/195 ، والعقيدة الأصفهانية 2/25 ، والعقيدة الواسطية 3/130 ، والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان 11/250 ، والكيلانية 12/446 ، وقاعدة في الكلام علي المرشدة 11/480 .
(3) البخاري في كتاب الأشربة ، باب تزويج المحرم 2/652 (1740) .
(1) البخاري في الأشربة ، باب الانتهاء عن المعاصي 5/2379 (6119) .
(2) البخاري في الاستئذان ، باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه 5/2240 (5670) .
(3) المعجم الأوسط 3/231 (3008) ، صحيح الجامع (3697) .
(4) البخاري في كتاب الأدب ، باب بدء السلام 5/2299 (5873) .
(5) البخاري في الطلاق ، باب الكحل للحادة 5/2043 (5025) .
(1) البخاري في المغازي ، باب تعديل النساء بعضهن بعضا 2/945 (2518) .
(1) البخاري في بدء الخلق ، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة 3/1187(3079) .
(2) الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي 2/154 (2193) ، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 6/68 (354) .
(1) البخاري في المناقب ، باب ما ينهى من دعوى الجاهلية 3/1296(3330) ، وكسعه ضربه على دبره .
(2) الترمذي في تفسير القرآن ، باب ومن سورة المنافقين 5/417 (3315) .
(3) البخاري في التفسير ، باب قوله إذا جاءك المنافقون 4/1859 (4617) .
(1) البخاري في الذبائح ، باب الضب 5/2104 (5216) .
(2) النسائي في الأذان ، باب الأذان لمن جمع بين الصلاتين 1/224 (656) .
(3) مسلم في الأشربة ، باب كراهية الشرب قائما 3/1601 (2026) .
(1) البخاري في التفسير ، باب عتل بعد ذلك زنيم 4/1870 (4633) .
(2) أحمد في المسند ، 2/169(6580) ، صحيح الترغيب والترهيب (3197) .
(3) فتح القدير 3/67 ، وتحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 7/ 279 .
(4) مسلم في الإيمان ، باب تحريم الكبر وبيانه 1/93 (91) .(35/258)
(1) أبو داود في السنة ، باب في القدر4/226 رقم (4703) وقال الشيخ الألباني : حديث صحيح إلا مسح الظهر ، انظر صحيح أبي داود 3 /891 (3936) ، وشرح الطحاوية ص220 ، ص266 .
(2) مسلم في الزكاة ، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف 2/698 (1007) .
(3) مسلم في الإيمان ، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها 1/121 (135) .
(4) تهذيب التهذيب 6/123.
(1) النسائ في كتاب الجنائز ، باب السلق 4/20 (1861) وانظر صحيح الترغيب والترهيب ، وخرق شق الثياب ، وسلق رفع صوته عند المصيبة .
(2) مسلم في الإمارة ، باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع 3/1480(1854) .
(3) المعجم الأوسط 1/275 (897) ، السلسلة الصحيحة (1113) .
(4) شعب الإيمان 3/79 ، 3/ 469 .
(1) مسلم في اللباس ، باب تحريم تصوير صورة الحيوان 3/1670(2110) ، وأحمد في المسند 1/308 .
(2) المعجم الكبير 10/211 (10497) ، صحيح الجامع (1000) .
(3) شرح العمدة في الفقه لابن تيمية 4/ 389 .
(1) البخاري في التوحيد ، باب وسمى النبي S الصلاة عملا 6/2740 (7096) .
(2) البخاري في الأذان ، باب الاستهام في الأذان 1/222 (590) .
(1) طبقات الصوفية للسلمي ص489 ، والتعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي ص161 ، ص184 واللمع في التصوف للسراج الطوسي ص208 ، ص490 ، وصفة الصفوة لابن الجوزي 2/249 .
(2) تذكرة الحفاظ ، أطراف أحاديث كتاب المجروحين لابن حبان للقيسراني 4/ 1315.
(3) طريق الهجرتين 1/49 بتصرف .
(1) السابق 1/53 بتصرف .
(1) كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة 2/1650 .
(1) طريق الهجرتين 1/49 بتصرف .
(1) طريق الهجرتين 1/49 بتصرف .
(1) ابن ماجة في المقدمة ، باب فيما أنكرت الجهمية 1/67 ، (188) ، ظلال الجنة (625) .
(2) البخاري في الرقاق ، باب التواضع 5/ 2384 (6137) .
(3) البخاري في كتاب الأدب ، باب لا يخطب على خطبة أخيه 5/ 1976(4849) .(35/259)
(4) مسلم في الزهد والرقاق ، باب تحريم الرياء 4/ 2289 (2986) .
(5) انظر ترجمته في تكملة الإكمال لأبي بكر محمد بن عبد الغني البغدادي 4/391 .
(1) البخاري في الإيمان ، باب سؤال جبريل النبي S 1/27 (50) .
(2) انظر ترجمته في التحبير في المعجم الكبير للسمعاني 1/506 .
(1) مسلم في الأيمان ، باب إطعام المملوك مما يأكل وإلباسه مما يلبس ولا يكلفه ما يغلبه 3/284 (1663) ومعنى مشفوها أي تكاثرت عليه الشفاة فأصبح قليلا .
(2) مسلم في الإمارة ، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر 3/ 1458 (1828) .
(3) المسند 5/ 307 (22668) ، السلسلة الصحيحة (917) .
(4) أبو داود في الخراج والإمارة ، باب فيما يلزم الإمام من أمر الرعية والحجبة عنه 3/135 (2948) ، وانظر صحيح الترغيب والترهيب (2208) .
(1) مسلم في الإمارة ، باب خيار الأئمة وشرارهم 3/ 1481 (1855) .
(2) التحبير في المعجم الكبير للسمعاني 1/510 .
(1) البخاري في الشروط ، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب2/977(2581) .
(2) الوفيات 1/408 .
(3) البخاري في المغازي ، باب تعديل النساء بعضهن بعضا 2/945 (2518) .
(1) البخاري في التفسير ، باب خذ العفو وأمر بالعرف 4/1702 (4366) .
(1) شفاء العليل ص190 .
(1) البخاري في المغازى ، باب حديث الإفك 4/1518(3910) .
(2) تاريخ الطبري 2/112 ، وانظر فقه السيرة بتحقيق الألباني ص292 .
(3) مسلم في البر والصلة والأدب ، باب فضل الرفق 4/2003 (2593) .
(4) الترمذي في صفة القيامة 4/654 (2488) ، صحيح الترغيب والترهيب (2676) .
(5) الترمذي في المناقب ، باب في بشاشة النبي S 5/601 (3641) .
(6) التحبير في المعجم الكبير للسمعاني 1/482 .
(1) البخاري في الوضوء ، باب فضل من بات على الوضوء 1/97 (244) .
(2) انظر ترجمته في تهذيب الكمال 16/467 ، والكاشف للذهبي 1/619 ، وتهذيب التهذيب 6/113 .
(1) المستدرك 2/595 (4004) ، صحيح الجامع (5207) .(35/260)
(2) البخاري في الوتر ، باب ليجعل آخر صلاته وترا 1/339 (953) .
(3) البخاري في الجنائز ، باب يلقى شعر المرأة خلفها 1/425 (1204) .
(4) مسلم في الطهارة ، باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار 1/212 (237) .
(5) المسند 2/ 351 (8596) ، السلسلة الصحيحة (1260) .
(6) البخاري في العيدين ، باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج 1/325 (910) .
(7) الترمذي في الدعوات ، باب في الرقية إذا اشتكى 5/574 (3588) ، والسلسلة الصحيحة (1258) .
(1) صحيح الجامع (1742) .
(2) أحمد في المسند 1/399 (3789) ، السلسلة الصحيحة (1626) .
(1) مسلم في الزهد والرقائق ، باب المؤمن أمره كله خير4/2295 (2999) .
(1) الترمذي في البر والصلة ، باب ما جاء في الفحش4/349 (1974) ، صحيح الجامع (5655) .
(2) البخاري في كتاب الأدب ، باب الحياء 5/ 2267 (5766) .
(3) مسلم في الإيمان ، باب في الحياء 13/105 (151) .
(4) الترمذي في البر والصلة ، باب ما جاء في العي 4/375 (2027) ، وقَالَ : َالْعِيُّ قِلةُ الْكَلاَمِ وَالْبَذَاءُ هُوَ الْفُحْشُ فِي الْكَلاَمِ وَالْبَيَانُ هُوَ كَثْرَةُ الْكَلاَمِ مِثْلُ هَؤُلاَءِ الْخُطَبَاءِ الذِينَ يَخْطُبُونَ فَيُوَسِّعُونَ فِي الْكَلاَمِ وَيَتَفَصَّحُونَ فِيهِ مِنْ مَدْحِ النَّاسِ فِيمَا لاَ يُرْضِى اللهَ ، وانظر صحيح الجامع (3201) .
(5) الترمذي في صفة القيامة 4/637 (2458) ، صحيح الجامع (935) .
(1) الترمذي في تفسير القرآن ، باب ومن سورة هود 5/292 (3115) ، .
(2) البخاري في المظالم ، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه 2/862 (2310) .
(3) البخاري في كتاب الأدب ، باب ستر المؤمن على نفسه 5/2254 (5721) .
(1) أبو داود في اللباس ، باب ما جاء في الكبر 4/59 (4090) ، صحيح الترغيب والترهيب (2899) .
(2) مسلم في الإيمان ، باب تحريم الكبر وبيانه 1/93 (91) .(35/261)
(3) مسلم في الفتن وأشراط الساعة ، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء 4/ 2232 (2911) .
(1) إحياء علوم الدين 3/336 بتصرف .
(2) تهذيب التهذيب 6/380 .
(3) البخاري في الحج ، باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح2/626 (1675) .
(4) البخاري في التوحيد ، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة 2/529 (1389) .
(5) البخاري في الدعوات ، باب فضل التهليل5/2351 (6040) .
(1) معرفة الثقات لأبي الحسن الكوفي 2/107.
(2) البخاري في الأذان ، باب ما يقول بعد التكبير 1/259 (710) .
(1) أحمد في المسند 1/193(1674) ، صحيح الترغيب والترهيب (814) .
(2) التكملة لكتاب الصلة لأبي بكر القضاعي 4/113 ، وانظر الكنى للبخاري ص53 ، 215 .
(3) البخاري في الجهاد ، باب اسم الفرس والحمار3/1049 (2701) .
(4) مسلم في الإمارة ، باب قوله S لا تزال طائفة من أمتي3/1523(1920) .
(1) البخارى في العلم ، باب الحياء في العلم 1/60 (130) .
(2) كشف الظنون 2/ 1613، وانظر أيضا التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد ص388 (503) .
(3) القريب من هذا الحديث ما رواه الحاكم وصححه الألباني من حديث عياض بن غنم أنه قال لهشام بن حكيم ألم تسمع يا هشام رسول الله S إذ يقول : ( من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فليأخذ بيده فليخلوا به فإن قبلها قبلها وإن ردها كان قد أدى الذي عليه ) المستدرك 3/ 329 (5269) ، وانظر تحقيق الألباني في ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم (1098) .
(1) الحديث كما ذكر الشيخ الألباني حسن صحيح ونصه : ( ما من إمام ولا وال بات ليلة سوداء غاشا لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) ، رواه الطبراني في الكبير 20/ 207 ، وابن الجعد في مسنده ص 458 ، وانظر مسند الروياني 2/93 (883) ، وانظر حكم الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2207) .
(2) شعب الإيمان 6/29 (7409) .(35/262)
(3) حلية الأولياء 9/ 118 ، وفيض القدير شرح الجامع الصغير 3/90 .
(1) مسلم في القدر ، باب في الأمر بالقوة وترك العجز 4/2052 (2663) .
(2) النسائي في الصيام 2/138(2740) ، الأدب المفرد (731) .
(3) ابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة ، باب في كم يستحب يختم القرآن 1/428 (1346) .
(4) ابن ماجة في الفتن ، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 2/1329 (4010) ، وانظر تصحيح الشيخ الألباني في ظلال الجنة في تخريج السنة (582) .
(5) تكملة إكمال الإكمال ص95.
(1) مسلم في الزهد والرقائق ، باب المؤمن أمره كله خير4/2295 (2999) .
(2) مسلم في الإيمان ، باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن1/110 (118) .
(3) الترمذي في الفتن ، باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل 4/488 (2197) ، صحيح الجامع (2993) .
(4) الترمذي في العلم ، باب ما جاء في الأخذ بالسنة 5/44 (2676) ، السلسلة الصحيحة (2735) .
(5) أحمد في المسند 3/198 (13074) ، صحيح الجامع (2246) .
(1) البخاري في الدعوات ، باب الدعاء بالموت والحياة 5/ 2337 (5990) .
(2) الموضع السابق حديث رقم (5989) .
(3) البخارى في الطب ، باب شرب السم والدواء به 5/ 2179 (5442) .
(4) تهذيب التهذيب 12/ 305 .
(5) الترمذي في الدعوات 5/539 (3524) ، صحيح الجامع (4777) .
(1) كان أبو هريرة ( حارسا على تمر الصدقة فوجد التمر قد أخذ منه ملء كف فترقب السارق ، انظر السنن الكبرى للنسائي 5/13 .
(2) الحثي ما رفعت به يديك ، انظر لسان العرب 14/164 والمعنى : أخذ يرفع من التمر بيديه ليسرقه .
(3) لأَرْفَعَنَّكَ يعنى لأشكونك ، ومنها المرافعة يرفع كل خصم صاحبة إلى السلطان ، المغرب 1/339 .
(4) ترقبت مجيئه لأمسك به ، فالترصد : الترقب ، انظر لسان العرب 3/177 .
(5) البخارى في الوكالة ، باب إذا وكل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز 2/812 (2187) .
(1) الاستيعاب في معرفة الأصحاب 2/ 832 (1408) .(35/263)
(2) المقتنى في سرد الكنى للذهبي 1/380 (3963) .
(3) الترمذي في الدعوات 5/529 (3504) ، وانظر صحيح الجامع (2621) .
(1) المعجم الكبير 18/ 206 (509) ، والحديث صحيح رواه مسلم في كتاب الطهارة ، باب وجوب الطهارة للصلاة 1/204 (224) ، وورد أيضا عند غيره .
(1) انظر تفصيل هذه القضية في مختصر القواعد السلفية للرضواني ص 5 وما بعدها .
(1) انظر في ترجمته الثقات لأبي حاتم 8/511 ، وطبقات الحفاظ للسيوطي ص232 ، والمقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد لابن مفلح 2/276 ، وتقريب التهذيب لابن حجر ص293 .
(2) مسلم في الزهد ، باب المؤمن أمره كله خير 4/2295 (2999) .
(3) مسلم في الإيمان ، باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء 1/84 (73) .
(4) البخاري في التهجد ، باب قيام النبي S حتى ترم قدماه 1/380 (1078) .
(1) البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب قول الله تعالى وهل أتاك حديث موسى 3/1244(3216) .
(2) الترمذي في صفة القيامة 4/653 (2486) ، صحيح الجامع (3943) .
(3) طبقات الحفاظ للسيوطي ص273 ، وتذكرة الحفاظ 2/ 604 .
(4) مسلم في الإيمان ، باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله S1/48 (17) .
(5) أبو داود في الأدب ، باب في قبلة الجسد 4/357 (5225) ، صحيح الترغيب والترهيب (2678) .
(6) صحيح الترغيب والترهيب (819) .
(7) المعجم المختص بالمحدثين للذهبي ص25 .
(1) الترمذي في الزهد ، باب ما جاء في الرياء والسمعة 4/591 (2381) ، صحيح الجامع (1713) .
(2) البخاري في الزكاة ، باب الاستعفاف عن المسألة 2/534 (1400) .
(3) مسلم في الطلاق ، باب في الإيلاء واعتزال النساء 2/1112 (1479) .
(4) ابن ماجة في الجهاد ، باب فضل الجهاد 2/920 (2753) ، صحيح الترغيب والترهيب (1266) .
(1) التحبير في المعجم الكبير للسمعاني 1/500 .
(1) مسلم في الإمارة ، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار 3/1513(1905) .(35/264)
(2) الترمذي في العلم ، باب فضل الفقه على العبادة 5/50 (2685) ، صحيح الجامع (4213) .
(1) البخاري في كتاب بدء الوحي ، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله S 1/3 (1) .
(2) مسلم في التوبة ، باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش 4/2113 (2760) .
(3) البخاري في التوحيد ، باب قول النبي S لا شخص أغير من الله 6/2698 (6980) .
(4) كشف الظنون 2/ 1353 ، وانظر عجائب الآثار في التراجم والأخبار للجبرتي 2/355 .
(1) انظر المزيد عن التوبة في مدارك السالكين 1/ 181.
(2) الطبراني في المعجم الكبير 11/304 (11810) ، صحيح الجامع (5735) .
(3) الترمذي في صفة القيامة 4/659 (2499) ، مشكاة المصابيح (2341) .
(1) البخاري في الرقاق ، باب التواضع 5/2384 (6137) .
(1) الترمذي في الإيمان ، باب ما جاء سباب المؤمن فسوق 5/21 (2634) ، صحيح الجامع (4358) .
(2) البخاري في الرقاق ، باب الغنى غنى النفس5/2368 (6081) .
(3) البخاري في كتاب الجمعة ، باب من قال في الخطبة بعد الثناء 1/312 (881) .
(1) مسلم في الزهد والرقائق 1/287 (751) .
(2) مصنف عبد الرزاق كتاب الوصايا ، باب كيف تكتب الوصية 9/54 .
(3) البخاري في الزكاة ، باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم 2/516 (1355) .
(4) البخاري في الدعوات ، باب رثى النبي S سعد بن خولة 1/435 (1233) .
(5) البخاري في الحوالات ، باب في الحوالة وهل يرجع في الحوالة2/799 (2166) .
(6) تدريب الراوي 2/342.
(1) ابن ماجه كتاب الأدب ، باب إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه 2/1223(3712) .
(2) مسلم في الفضائل ، باب ما سئل رسول الله S4/1806(2312) .
(3) البخاري في التفسير ، باب كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة4/1896 (4675) .
(1) مسلم في الفتن وأشراط الساعة ، باب ذكر بن صياد 4/2245 (169) .
(2) أبو داود في الوتر ، باب الدعاء 2/80 (1499) .
(3) انظر تعليق الترمذي على الحديث رقم (1449) 2/80 .(35/265)
(4) مولد العلماء ووفياتهم لابن زبر الربعي 2/506 ، وانظر ذيل التقييد لأبى الطيب المكي 2/114 .
(1) البخاري في الدعوات ، باب فضل من بات على الوضوء 5/2326 (5952) .
(2) تهذيب الكمال للمزي 18/96 ، وتهذيب التهذيب لابن حجر 6/326 ، والثقات للبستي 8/415 .
(1) البخاري في الرقاق ، باب التواضع 5/2384 (6137) .
(2) المعجم الأوسط 8/156 (8256) ، صحيح الترغيب والترهيب (1746) .
(3) ابن ماجه في الحدود ، باب إقامة الحدود 2/849 (2540) ، صحيح الترغيب والترهيب (2352) .
(4) الترمذي في كتاب الدعوات5/517 (3479) ، والسلسلة الصحيحة (594) .
(1) البخاري في التهجد ، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل 1/384 (1094) .
(2) الترمذي في الدعوات 5/526 (3499) ، مشكاة المصابيح (968) .
(3) البخاري في الدعوات ، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل 5/ 2335 (5981) .
(4) المسند (11432) وصححه الألباني في تخريج الطحاوية ص522 .
(5) المعجم الكبير 12/67 (12494) ، صحيح الجامع (4915) .
(6) الترمذي في كتاب الأدب ، باب في حق المسلم على المسلم 2/357 (2633) .
(1) سير أعلام النبلاء للذهبي 21/472 .
(2) البخاري في الدعوات ، باب استغفار النبي S في اليوم والليلة 5/2324 (5948) .
(3) البخاري في الجمعة ، باب الدهن للجمعة 1/301 (843) .
(4) مسلم في الطهارة ، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة 1/209 (233) .
(1) مسلم في التوبة ، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة 4/2113 (2759) .
(2) الترمذي في الدعوات ، باب في فضل التوبة والاستغفار 5/547 (3537) ، صحيح الجامع (1903) .
(3) البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم3/1280(3282) .
(4) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 6/55 .
(1) البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب أم حسبت أن أصحاب الكهف 3/ 1282(3290) .
(2) المعجم الأوسط 2/206 (1743) ، صحيح الترغيب والترهيب (1941) .(35/266)
(3) البخاري في كتاب الأدب ، باب المقة من الله تعالى 5/2246(5693) .
(4) تاريخ بغداد 11/140.
(1) البخاري في الرقاق ، باب التواضع 5/2384 (6137) .
(2) أبو داود في الإجارة ، باب في الرهن 3/288 (3527) ، صحيح الترغيب والترهيب (3026) .
(3) معجم البلدان 2/119 .
(1) مدارج السالكين 1/28 بتصرف .
(4) مسلم في كتاب الطهارة ، باب فضل الوضوء 1/203 (223) .
(5) مسلم في كتاب الأدب ، باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة وبنافع ونحوه 1/423 (601) .
(6) المسند 4/434 ، صحيح الجامع (1571) .
(7) البخاري في كتاب الدعوات ، باب فضل ذكر الله عز وجل 5/2353 (6045) .
(8) البخاري في بدء الخلق 3/1204 (3131) .
(1) الترمذي في صفة القيامة والرقائق والورع 4/667 (2516) ، وانظر صحيح الجامع (7957) .
(2) البخاري في الإيمان ، باب الجهاد من الإيمان1/22 (36) .
(1) مسند الإمام أحمد 5/ 67 ، وانظر السلسلة الصحيحة (2935) .
(2) مسلم في صلاة المسافرين ، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها1/568 (830) .
(3) أبو داود في الصلاة ، باب الأربع قبنل الظهر وبعدها2/23 (1269) ، صحيح أبي داود 1/236 (1130) ، صحيح الجامع (6195) .
(4) أبو داود كتاب الحمام ، باب ما جاء في التعري4/40 (4017) ، مشكاة المصابيح (3117) .
(5) المسند 4/398 (20086) ، صحيح الجامع (6202) .
(6) البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ، محمد بن علي الشوكاني2/112 .
(1) البخاري في البيوع ، باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه 2/767 (2089) ، وانظر ترجمته في الثقات للبستي 7/136 ، وتهذيب الكمال 18/269 ، والتعديل والجرح لأبي الوليد الباجي 2/921 (1000) .
(2) البخاري في الجهاد ، باب فضل النفقة في سبيل الله 3/1045 (2687) .
(3) البخاري في الزكاة ، باب الصدقة على اليتامى 2/532 (1396) .
(4) ابن ماجه في المقدمة ، باب من كان مفتاحا للخير 1/87 (238) ، صحيح الترغيب والترهيب (66) .(35/267)
(5) مسلم في الطهارة ، باب الذكر المستحب عقب الوضوء 1/209 (234) .
(6) الترمذي في الدعوات ، باب دعاء أم سلمة 5/575 (3590) ، صحيح الجامع (5648) .
(1) التجبير في المعجم الكبير للسمعاني 1/469 .
(2) البخاري في العلم ، باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا 1/59 (128) .
(1) مسلم في الإيمان ، باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله 1/110 (119) .
(2) البخاري في كتاب الأدب ، باب من أحق الناس بحسن الصحبة 5/2227 (5626) .
(1) مسلم في الصلاة ، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها 1/326 (440) .
(2) البخاري في تقصير الصلاة ، باب يصلي المغرب ثلاثا في السفر 1/370 (1041) .
(3) مسلم في الصيام ، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه 2/772 (1099) .
(1) أبو داود في الصلاة ، باب في الدعاء بعد الوتر 2/65 (1430) .
(2) النسائي في قيام الليل وتطوع النهار 3/244 (1732) ، مشكاة المصابيح (1275) .
(3) قوت القلوب 1/85 بتصرف .
(4) البخاري في الجهاد ، باب الحراسة في الغزو في سبيل الله 3/ 1057 (2730) .
(1) أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم القنوجي 1/345 .
(2) البخاري في البيوع ، باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع 2/730 (1970) .
(3) الترمذي في البيوع ، ما جاء في التجار 3/515 (1209) ، صحيح الترغيب والترهيب (1782) .
(4) أحمد في المسند 5/151(21378) ، صحيح الجامع (3074) .
(5) تمر الجمع هو التمر المختلط أو المجموع من أنواع متفرقة وقد لا يكون بعضه جيدا .
(6) ابن ماجه في التجارات ، باب الصرف 2/758 (2256) ، صحيح الجامع (7724) .
(1) أحمد في المسند 2/274 (7686) ، صحيح الجامع (7591) .
(2) البخاري في البيوع ، باب لا يبيع حاضر لباد بالسمسرة 2/758 (2053) .
(3) أحمد في المسند 2/360 (8707) ، صحيح الجامع (7242) .
(4) موطأ مالك كتاب البيوع ، باب الحكرة والتربص 2/651 (1328) .(35/268)
(1) البيهقي في السنن الكبرى كتاب البيوع ، باب التسعير 6/29 (10929) .
(2) البخاري في البيوع ، باب النهي عن تلقي الركبان 2/759 (2057) .
(1) البخاري في الزكاة ، باب قول الله تعالى فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى 2/522 (1374) .
(2) البخاري في الرقاق ، باب العمل الذي يبتغي به وجه الله فيه سعد 5/2361 (6060) .
(1) البخاري في الدعوات ، باب الدعاء إذا انتبه بالليل 5/2327 (5957) .
(2) البخاري في الجنائز ، باب إذا لم يوجد إلا ثوب واحد 1/428 (1216) .
(3) البخاري في الجزية ، باب شهود الملائكة بدرا 4/1473 (3791) .
(4) البخاري في المناقب ، باب علامات النبوة في الإسلام 3/1310 (3382) .
(1) البخاري في البيوع ، باب من أحب البسط في الرزق2/728 (1961) .
(2) كشف الظنون 2/1194 .
(1) طبقات المفسرين لأحمد بن محمد الأدنروي ص 243 .
(2) مسلم في الإمارة ، باب قوله S لا تزال طائفة من أمتي3/1524(1924) .
(3) انظر حديثه في سنن أبي داود كتاب الأدب 4/359 (5234) .
(1) قوت القلوب 1/78 .
(2) السابق بتصرف 1/80 .
(3) الترمذي في صفة القيامة والرقائق والورع 4/638 (2459) .
(1) مسلم في البر والصلة ، باب تحريم الظلم 4/997(2581) .
(2) شفاء العليل ص199 بتصرف .
(3) البخاري في الشهادات ، باب الشهداء العدول 2/934 (2498) .
(4) مسلم في المساقاة ، باب فضل انتظار المعسر 3/ 1195 (1561) .
(1) أبو داود في كتاب الأدب ، باب في شكر المعروف 4/255(4811) ، صحيح الجامع (7719) .
(2) المسند 3/444 ، السلسلة الصحيحة (3058) .
(3) الترمذي في التفسير ، باب ومن سورة التوبة 5/277 (3094) ، صحيح الترغيب (1913) .
(4) البخاري في الصلاة ، باب الخوخة والممر في المسجد1/178 (455) .
(1) تفسير القرطبي 17/243 بتصرف .
(2) تفسير الطبري 29/148 بتصرف .
(3) المسند 5/151(21378) ، صحيح الجامع (3074) .(35/269)
(4) مسلم في القدر ، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام 4/2044 (2653) .
(1) أبو داود في السنة ، باب في القدر4/225 (4700) ، صحيح الجامع (2017) .
(2) الترمذي في صفة القيامة 4/667 (2516) ، صحيح الجامع (7957) .
(3) العراف الحازر الذي يرجم بالغيب ، والمنجم الذي يدعى علم الغيب أو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها ، والكهانة ادعاء علم الغيب ، انظر شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 227 .
(4) مسلم في السلام ، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان4/1751 (2230) .
(1) المخصرة هي العود الصغير ، ومعنى نكس أطرق برأسه إلى الأرض ، ومعنى ينكت بمخصرته يضرب في الأرض ضربا خفيفا انظر شرح النووي على صحيح مسلم 16/195 .
(2) تذكرة الحفاظ للقيسراني 4/1387 ، وطبقات الحفاظ للسيوطي ص490 .
(1) جامع البيان عن تأويل آي القرآن 3/244 .
(1) البخاري في الهبة ، باب قبول الهدية من المشركين2/ 923 (2474) .
(2) مسلم في السلام ، باب السم 4/ 1721 (2190) .
(1) البخاري في مواقيت الصلاة ، باب السمر مع الضيف والأهل 1/217 (577) ، والغنثر هو الثقيل الوخيم طويل البال وقيل الضعيف الحقير ، ومعنى فجدَّعَ وسَبَّ ، دعا بقطع الأنف وغيره من الأعضاء وشتم على تأخير واجب الضيافة ، انظر فتح الباري 6/598 .
(2) البخاري في المناقب ، باب علامات النبوة في الإسلام 3/ 1309 (3379) .
(1) طريق الهجرتين ص257.
(2) مسلم في الإيمان ، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا 1/57 (28) .
(3) نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب 6/ 203 .
(4) شذرات الذهب 4/262 .
(1) انظر في هذا المعنى إحياء علوم الدين 3/359 ، وصفة الصفوة 3/101 .
(2) المدونة الكبرى 13/218 ، وانظر الدارس في تاريخ المدارس للدمشقي 2/114 ، والتكملة لكتاب الصلة للقضاعي 2/271 ، والحديث صحيح عن أبي أمامة ( أن رسول الله S : ( الزعيم غارم ) انظر صحيح الجامع (4116) .(35/270)
(3) أحمد 1/387 (3672) ، السلسلة الصحيحة (2714) .
(1) مسند البزار 5/ 348 (1978) ، صحيح الجامع (1512) .
(2) الترمذي في الزهد ، باب في التوكل على الله 4/ 573 (2344) ، صحيح الجامع (5254) .
(3) البخاري في الزكاة ، باب قول الله تعالى فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى2/522 (1374) .
(2) مسلم في الزهد والرقائق ، باب المؤمن أمره كله خير 4/2295 (2999) .
(3) تذكرة الحفاظ 1/ 364 ، والتاريخ الكبير للبخاري 6/130 ، وتهذيب الكمال للمزي 18/52 .
(1) الترمذي في صفة القيامة والرقائق والورع 4/667 (2516) ، وانظر صحيح الجامع (7957) .
(1) أبو داود كتاب الأدب ، باب النهي عن البغي 4/275 (4901) ، انظر تخريج الطحاوية ص357 .
(2) البخاري في فضائل الصحابة ، باب مناقب قرابة رسول الله S 3/1361 (3509) .
(3) مسلم في الإيمان ، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان من حديث عمر S1/37 (8) .
(4) مسلم في الإيمان ، باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب 1/117 (129) .
(1) القصد الرجوع إلى الله ص105 .
(1) انظر بتصرف إغاثة اللهفان 1/41 .
(2) البخاري في الأذان ، باب إمامة المفتون والمبتدع وقال الحسن صل وعليه بدعته1/246 (663) .
(1) المسند 6/339 (26916) ، صحيح الترغيب والتهيب (3368) .
(2) البخاري في العتق ، باب فضل من وضوء جاريته وعلمها2/899 (2406) .
(3) البخاري في كتاب الأدب ، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته5/2234 (5649) .
(4) البخاري في الإيمان ، باب كفران العشير وكفر بعد كفر فيه1/19 (29) .
(5) لسان الميزان 4/56 .
(1) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن 4/ 2074 (2699) .
(2) مسند أبي يعلى 10/491 ، صحيح الترغيب والترهيب (3280) .
(1) مجموع الفتاوى 10/545 ، شفاء العليل ص243 .
(2) البخاري في العلم ، باب من سمع شيئا فراجع 1/51 (103) .(35/271)
(3) مسلم في المساقاة ، باب فضل إنظار المعسر3/1195 (1561) .
(1) أبو داود في الطب ، باب في الرجل يتداوي 4/3 (3855) ، صحيح الجامع (3973) .
(2) مسلم في الزهد والرقائق ، باب قصة أصحاب الأخدود 4/2299 (3005) .
(1) الطب النبوي ص7 .
(2) الترمذي في البر والصلة ، باب ما جاء في الرفق 4/367 (2013) ، صحيح الجامع (6055) .
(3) المسند ، صحيح الجامع (303) .
(1) الطبراني 2/306 (2274) ، صحيح الترغيب والترهيب (2666) .
(2) المسند 1/415 (3938) ، صحيح الجامع (3135) .
(3) إحياء علوم الدين 3/186بتصرف .
(4) عنوان الحكم ص38.
(1) البخاري في الزكاة ، باب الاستعفاف عن المسألة 2/535 (1402) .
(2) البخاري في فضائل القرآن ، باب أجود ما كان النبي S يكون في رمضان 2/672 (1803) .
(3) أحمد في المسند 3/259 (13756) ، مشكاة المصابيح (5806) .
(4) أبو داود في الزكاة ، باب الصدقة على بني هاشم 2/123 (1650) ، صحيح الجامع (2794) .
(5) لسان الميزان 4/56 .
(1) البخاري في مناقب الأنصار ، باب قول الله ويؤثرون على أنفسهم 3/1382 (3587) .
(2) الترمذي في الزهد ، باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل 4/590 (2380) ، صحيح الجامع (5674) .
(3) البخاري في الأطعمة ، باب ما كان السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم 5/2068 (5107) .
(1) أحمد في المسند 4/24 (16349) ، مشكاة المصابيح (4900) .
(2) حلية الأولياء 10/62 .
(1) أبو داود في كتاب الأدب ، باب في تغيير الاسم القبيح 4/289 ، (4955) ، الأدب المفرد (811) .
(2) انظر لسان الميزان لابن حجر4/19 ، تكملة الإكمال للبغدادي 2/432 .
(3) كشف الظنون لحاجي خليفة 1/389 .
(1) المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم لأبي نعيم الأصبهاني 3/337 .
(1) البخاري في المساقاة ، باب سكر الأنهار2/832 (2231) .
(2) مسلم في الأقضية ، باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان 3/1342 (1717) .
(3) تقريب التهذيب ص 332 ، ولسان الميزان 7/ 275 .(35/272)
(4) أبو داود في كتاب اللباس ، باب في غسل الثوب 4/51 (4063) ، مشكاة المصابيح (4352) .
(5) البيهقي في قتال أهل البغي ، باب ما على السلطان من إكرام وجوه 8/168.
(1) البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب قول الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا 3/1224 (3175) .
(2) مسلم في الزهد والرقائق 4/2279 (2968) .
(3) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 6/30 (158) .
(1) مسلم في البر والصلة والأدب ، باب تفسير البر والإثم 4/1980 (2553) .
(2) البخاري في كتاب الأدب ، باب من أحق الناس بحسن الصحبة 5/2227 (5626) .
(3) مسلم في كتاب الأدب ، باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن 3/1687 (2142) .
(4) لسان الميزان 3/385 (1538) .
(5) مسلم في التوبة ، باب قبول التوبة من الذنوب 4/2112 (2758) .
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 17/75 بتصرف .
(2) مدارج السالكين 1/308 بتصرف .
(3) السابق 1/310 بتصرف .
(1) الثقات للبستي 8/ 421 ، وسير أعلام النبلاء 10/ 438 .
(2) الترمذي في البر ، باب ما جاء في رحمة المسلمين 4/323 (1924) ، السلسلة الصحيحة (925) .
(1) شعب الإيمان 7/ 412 (10800) ، صحيح الترغيب والترهيب (2071) .
(2) مجموع الفتاوى 15/290 بتصرف .
(3) كشف الظنون 1/508 .
(4) البخاري في الحيل ، باب إذا حمل على فرس فرآها تباع 3/1093 (2841) .
(1) النسائي في كتاب الهبة 6/268 (3704) ، وانظر صحيح الترغيب والترهيب (2612) .
(2) البخاري في الهبة ، باب هبة المرأة لغير زوجها 2/916 (2453) .
(3) تحفة المودود بأحكام المولود ص20 بتصرف .
(1) البخاري في الإيمان ، باب حلاوة الإيمان1/14 (16) .
(2) البخاري في بدء الوحي ، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله S1/6 (6) .
(3) البخاري في الجهاد ، باب الشجاعة في الحرب والجبن 3/1038 (2665) .
(4) مسلم في الإمارة ، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار3/1513 (1905) .(35/273)
(5) الترمذي في الزهد ، باب ما جاء في الرياء والسمعة 4/591 (2382) ، صحيح الجامع (1713) .
(1) البخاري في الجهاد ، باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر 3/1059 (2734) .
(2) مسلم في البر والصلة والآداب ، باب إستحباب طلاقة الوجه ثم اللقاء 4/2026 (2626) .
(1) مدارج السالكين 2/293 بتصرف .
(2) الإرشاد في معرفة علماء الحديث لأبي يعلى 2/630 .
(3) البخاري في الأذان ، باب الذكر بعد الصلاة1/ 289 (807) .
(4) البخاري في مواقيت الصلاة ، باب فضل صلاة الفجر 1/209 (547) .
(1) أبو داود في الصلاة ، باب ما يقول الرجل في ركوعه 1/230 (869) ، مشكاة المصابيح (879) .
(2) البخاري في الرقاق ، باب قول النبي S كن في الدنيا كأنك غريب 5/ 2358 (6053) .
(3) الترمذي في كتاب الزهد 4/588 (2377) ، صحيح الجامع ( 5668) .
(4) البخاري في الوصايا ، باب قول الله تعالى وإذا حضر القسمة أولوا القربى 3/1014 (2608) .
(1) البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب قول النبي S اللهم علمه الكتاب 6/2653 (6842) .
(2) البخاري في العلم ، باب العلم قبل القول والعمل 1/37 .
(1) أبو داود في الجهاد ، ما يؤمر به من القيام على الدواب 3/23 (2548) ، صحيح الترغيب (2269) .
(2) أبو داود في الأدب ، باب لا يقول المملوك ربي وربتي 4/294 (4975) ، صحيح الجامع (7766) .
(3) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 6/ 44 .
(4) الجواهر المضية في طبقات الحنفية نشر مير محمد كتب خانه ، كراتشي 1/299 (792) .
(5) مسلم في الصلاة ، باب ما يقال في الركوع والسجود 1/350 (482) .
(1) البخاري في المغازي ، باب مرض النبي S ووفاته 4/1616 (4184) .
(2) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب 6/97 ، وتقريب التهذيب ص 331 .
(3) التبيان في أقسام القرآن لابن القيم ، نشر دار الفكر ص 44 بتصرف .
(1) البخاري في الرقاق ، باب من جاهد نفسه في طاعة الله 5/2384 (6135) .(35/274)
(2) البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع لمحمد بن علي الشوكاني2/145 .
(1) البخاري في الشروط ، باب إن لله مائة اسم إلا واحدا 6/2691 (6957) .
(2) انظر بدائع الفوائد 1/171 .
??
??
??
??
8
(((((((((((((((((((((((((((((((((((( (((((( أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
9
www.asmaullah.com الجزء الخامس - دعاء العبادة (((((( ((((((((((((((((((((((35/275)